Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 63

‫التوكل‬

‫على اهلل تعالى‬

‫إعداد‬

‫الدكتور عصام الدين إبراهيم النُّقيلي‬

‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫التوكل‬
‫على اهلل تعاىل‬

‫إعداد‬

‫الدكتور عصام الدين إبراهيم النُّقيلي‬

‫‪3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ـذر‬ ‫ِ‬ ‫عذرا َّ‬ ‫ِ‬


‫فإن أ َخا البصيرة يعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫عمدت لجمع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه * ً‬ ‫ُ‬ ‫فيما‬
‫ناظرا َ‬
‫يا ً‬
‫مقص ُر‬
‫وهو ِّ‬ ‫الموت َ‬ ‫َ‬ ‫بأن المرءَ ْلو بل َغ الم ـ ـ ـ ـ ـ َدى * في العُم ِر القَى‬ ‫واعلم َّ‬
‫ْ‬
‫َ ٍ‬
‫ـدر‬ ‫باب التَّجاوِز فالت ُ‬
‫َّجاوز أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ظفرت بزلَّة فافْ ْ‬
‫تح ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـها * َ‬ ‫فإذا‬
‫ِّ (‪)1‬‬
‫هو المتعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ ُر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن المحال بأن َنرى أح ًدا ح َـوى * ُكنهَ ال َكمال وذَا َ‬ ‫َ‬

‫‪---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- ----‬‬

‫اسم بن أَحم َد األَنْ َدل ِ‬


‫ِ‬
‫ُس ُّي‪ ،‬كتاب "أسنى المقاصد وأعذب الموارد"‪.‬‬ ‫(‪َ )1‬علَ ُم الدِّي ِن الْ َق ُ ْ ُ ْ َ‬

‫‪4‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫َّ ِ‬
‫يمانًا َوقَالُوا‬‫اد ُه ْم إِ َ‬
‫ش ْو ُه ْم فَـ َز َ‬
‫َّاس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم فَا ْخ َ‬ ‫ال لَ ُهم الن ِ‬
‫َّاس إ َّن الن َ‬ ‫ين قَ َ ُ ُ‬ ‫{ ا لذ َ‬
‫س ْس ُه ْم ُسوءٌ َواتَّـبَـعُوا‬‫ض ٍل لَ ْم يَ ْم َ‬‫يل * فَانْـ َقلَبُوا بِنِ ْع َم ٍة ِم َن اللَّ ِه َوفَ ْ‬‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َح ْسبُـنَا اللهُ َون ْع َم ال َْوك ُ‬
‫يم}[آل عمران‪.]171 - 171 :‬‬ ‫ض ٍل َع ِظ ٍ‬ ‫ض َوا َن اللَّ ِه َواللَّهُ ذُو فَ ْ‬‫ِر ْ‬

‫‪6‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫مقدِّمةٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ئات‬
‫ومن سيّ َ‬ ‫من شروِر أنفسنَا ْ‬ ‫إن الحم َد هلل نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ‪ ،‬ونعوذُ باهلل ْ‬ ‫َّ‬
‫أن َال إلَهَ َّإال اهللُ‬‫هادي لهُ‪ ،‬وأشه ُد َّ‬ ‫فَل َ‬ ‫يضلل َ‬‫ْ‬ ‫ومن‬
‫مضل لهُ ْ‬ ‫فَل َّ‬ ‫من يهدهِ اهللُ َ‬ ‫أعمالنَا‪ْ ،‬‬
‫أن محم ًدا عبدهُ ورسولهُ ﷺ‪.‬‬ ‫يك لهُ وأشه ُد َّ‬ ‫وحدهُ َال شر َ‬
‫ين ءَ َامنُوا اتَّقوا اهلل َح َّق تُـ َقاتِِه َوَال تَ ُموتُ َّن َّإال َوأنْـتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن}[آل عمرن‪.]101 :‬‬ ‫{يَا أَيُّـ َها ال ّذ َ‬
‫خلق ِم ْنـ َها َزْو َج َها َو َّ‬
‫ب َّ‬ ‫فس َّواحدةٍ َّو َ‬ ‫َّاس اتَّـ ُقوا َربَّ ُك ْم الَ ِذي َخلَق ُك ْم َم ْن نَّ ٍ‬ ‫{يَا أَيَّـ َها الن ُ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن اهللَ َكا َن َعلَْي ُك ْم‬‫ام َّ‬‫سائَـلُو َن بِه َواألَ ْر َح َ‬‫ساءً َّواتَّـ ُقوا اهللَ الذي تَ َ‬ ‫م ْنـ ُه َما ِر َج ًاال ً‬
‫كثيرا َّون َ‬
‫َرقِيبًا}[النّساء‪.]1 :‬‬
‫ين ءَ َامنُوا اتَّـ ُقوا اهللَ َوقُولُوا قَوالً َس ِدي ًدا‬ ‫ِ‬ ‫ي ِ‬
‫صل ْح لَ ُك ْم أَ ْع َمالَ ُك ْم َويَـغْف ُر لَ ُك ْم *{يَا أَيَّـ َها ال َذ َ‬ ‫ُْ‬
‫يما}[االحزاب‪.]71 :‬‬ ‫از فَ ً ِ‬ ‫ذُنُوبَ ُك ْم َوَم ْن يُ ِط ِع اهللَ َوَر ُسولَهُ فَـ َق ْد فَ َ‬
‫وزا َعظ ً‬
‫َّأما بع ُد‪:‬‬
‫وشر األموِر‬ ‫محم ٍد ﷺ‪ُّ ،‬‬ ‫هدي َّ‬ ‫الهدي ُ‬ ‫ِ‬ ‫وخير‬
‫وجل‪ُ ،‬‬ ‫عز َّ‬ ‫اهلل َّ‬ ‫الحدي َّ كتاب ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫فإن أصد َق‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫ضَللة في النَّا ِر‪.‬‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬
‫ضَللة‪ ،‬و َّ‬ ‫كل ٍ‬
‫بدعة‬ ‫بدعة‪ ،‬و َّ‬ ‫محدثة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬
‫دثاتها‪ ،‬و َّ‬ ‫مح َ‬
‫وبعد‪:‬‬

‫وأمر ِبه‬
‫من المواض ِع في القرآن‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذكر اهللُ تعالَى التوُّك َل في كتابه الكر ِيم في كثي ٍر َ‬ ‫فق ْد َ‬
‫بالتوُّك ِل‪:‬‬
‫للمسلمين َّ‬
‫َ‬ ‫آمرا‬
‫فقال سبحانهُ ً‬ ‫لين‪َ ،‬‬ ‫وأثنَى علَى المتوِّك َ‬
‫سطُوا إِلَْي ُك ْم أَيْ ِديَـ ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫{يا أَيُّـها الَّ ِذين آمنُوا اذْ ُكروا نِعم َ َّ ِ‬
‫ت الله َعلَْي ُك ْم إ ْذ َه َّم قَـ ْوٌم أَ ْن يَـ ْب ُ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ف أَيْ ِديَـ ُه ْم َع ْن ُك ْم َواتَّـ ُقوا اللَّهَ َو َعلَى اللَّ ِه فَـلْيَتَـ َوَّك ِل ال ُْم ْؤِمنُو َن}[المائدة‪.]11 :‬‬ ‫فَ َك َّ‬
‫ب‬
‫ْت َو ُه َو َر ُّ‬ ‫جل جَللهُ‪{ :‬فَِإ ْن تَـ َولَّ ْوا فَـ ُق ْل َح ْسبِ َي اللَّهُ َال إِلَهَ إَِّال ُه َو َعلَْي ِه تَـ َوَّكل ُ‬ ‫وقال َّ‬ ‫َ‬
‫يم}[التوبة‪.]111 :‬‬ ‫ش ال َْع ِظ ِ‬
‫ال َْع ْر ِ‬
‫آم ْنتُ ْم بِاللَّ ِه فَـ َعلَْي ِه تَـ َوَّكلُوا إِ ْن ُك ْنتُ ْم‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫م‬‫ال موسى يا قَـوِ‬ ‫من ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫قائل‪َ { :‬وقَ َ ُ َ َ ْ‬ ‫جل ْ‬ ‫وقال َّ‬ ‫َ‬
‫ين}[يونس‪.]48 ،41 :‬‬ ‫مسلِ ِمين * فَـ َقالُوا َعلَى اللَّ ِه تَـوَّكلْنَا ربَّـنَا َال تَ ْج َعلْنَا فِ ْتـنَةً لِ ْل َقوِم الظَّالِ ِ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ َ‬

‫‪7‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وآمرا لهُ ِبه‪:‬‬


‫أهل التوُّك ِل ً‬ ‫وقال تعالَى مثنيًا علَى ِ‬ ‫َ‬
‫ف‬‫ك فَا ْع ُ‬ ‫ْب َالنْـ َفضُّوا ِم ْن َح ْولِ َ‬ ‫ظ الْ َقل ِ‬‫ت فَظًّا غَلِي َ‬ ‫ت لَ ُه ْم َولَ ْو ُك ْن َ‬ ‫{فَبِ َما َر ْح َم ٍة ِم َن اللَّ ِه لِْن َ‬
‫ب‬‫ت فَـتَـ َوَّك ْل َعلَى اللَّ ِه إِ َّن اللَّهَ يُ ِح ُّ‬ ‫استَـغْ ِف ْر لَ ُه ْم َو َشا ِوْرُه ْم فِي ْاألَ ْم ِر فَِإذَا َع َزْم َ‬ ‫َع ْنـ ُه ْم َو ْ‬
‫ص ُرُك ْم ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫ب لَ ُك ْم َوإِ ْن يَ ْخ ُذلْ ُك ْم فَ َم ْن َذا الَّذي يَـ ْن ُ‬
‫ِ‬
‫ص ْرُك ُم اللَّهُ فَ ََل غَال َ‬ ‫ين * إِ ْن يَـ ْن ُ‬
‫ِ‬
‫ال ُْمتَـ َوِّكل َ‬
‫بَـ ْع ِدهِ َو َعلَى اللَّ ِه فَـلْيَتَـ َوَّك ِل ال ُْم ْؤِمنُو َن}[آل عمران‪.]160 ،181 :‬‬
‫وقال سبحانه وتعالَى فِي ِ ِ‬
‫باب الثَّناء علَى المتوِّك َ‬
‫لين‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َّ ِ‬
‫يمانًا َوقَالُوا‬ ‫اد ُه ْم إِ َ‬ ‫ش ْو ُه ْم فَـ َز َ‬
‫َّاس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم فَا ْخ َ‬ ‫ال لَ ُهم الن ِ‬
‫َّاس إ َّن الن َ‬ ‫ين قَ َ ُ ُ‬ ‫{ ا لذ َ‬
‫س ْس ُه ْم ُسوءٌ َواتَّـبَـعُوا‬ ‫ض ٍل لَ ْم يَ ْم َ‬ ‫يل * فَانْـ َقلَبُوا بِنِ ْع َم ٍة ِم َن اللَّ ِه َوفَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َح ْسبُـنَا اللهُ َون ْع َم ال َْوك ُ‬
‫يم}[آل عمران‪.]171 - 171 :‬‬ ‫ض ٍل َع ِظ ٍ‬ ‫ض َوا َن اللَّ ِه َواللَّهُ ذُو فَ ْ‬ ‫ِر ْ‬
‫ت قُـلُوبُـ ُه ْم َوإِ َذا تُلِيَ ْ‬ ‫ين إِ َذا ذُكِ َر اللَّهُ َو ِجلَ ْ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ت َعلَْي ِه ْم آيَاتُهُ‬ ‫وقال تعالَى‪{ :‬إِنَّ َما ال ُْم ْؤمنُو َن الذ َ‬ ‫َ‬
‫يمانًا َو َعلَى َربِّ ِه ْم يَـتَـ َوَّكلُو َن}[األنفال‪.]1 :‬‬ ‫ادتْـ ُه ْم إِ َ‬
‫َز َ‬
‫المسلم أن يعرف معنى التوُّكل؟ وكيف يتوَّكل على اهلل تعالى؟‬ ‫ُ‬ ‫ولطالما يريد‬

‫في هذا البح َّ نجد اإلجابات على كل تلك األسئلة‪.‬‬

‫وكتب‬

‫الدكتور عصام الدين إبراهيم النُّقيلي‬

‫‪8‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫{تعريف التوُّكل}‬

‫التوُّك ُل لغةً‪:‬‬

‫إليك أَكِلُهُ َكلَةً‪،‬‬


‫تقول‪ :‬وَّكلتهُ َ‬
‫غيرك(‪ُ ،)1‬‬ ‫اعتمادك علَى َ‬
‫َ‬ ‫وأصلها‪:‬‬
‫َ‬ ‫الجذ ِر "و ك ل"‬
‫من ِّ‬ ‫ْ‬
‫وتقول‪:‬‬
‫فيضيع أمرهُ‪ُ ،‬‬ ‫فوضته‪ ،‬ورجل وكِل ووكِلةٌ وهو الـمواكل يعتم ُد علَى غيرهِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ ٌ‬ ‫أي‪ُ َّ :‬‬
‫كيل‪ :‬فعلهُ التّوّك ُل‪،‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫لت علَى ِ‬
‫كلت فَلنًا إلَى اهلل‪ ،‬أكلهُ إليه‪ ،‬والو ُ‬
‫اهلل‪ ،‬وو ُ‬ ‫كلت باهلل‪ ،‬وتوّك ُ‬
‫و ُ‬
‫انقلبت‬
‫ْ‬ ‫كذلك يعنِي "التُكَل ُن" ِ‬
‫الذي‬ ‫غيرك‪ ،‬و َ‬ ‫واالعتماد علَى َ‬
‫ُ‬ ‫إظهار العج ِز‬ ‫والتوّك ُل‬
‫ُ‬
‫ضمن‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫إ‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫باألم‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ك‬
‫ّ‬‫‪:‬تو‬‫يقال‬
‫ُ‬ ‫‪:‬‬‫ر‬‫ٍ‬ ‫منظو‬ ‫ابن‬
‫ُ‬ ‫قال‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ومصدر التوُّك ِل الوكالةُ‬
‫ُ‬ ‫عن وا ٍو‪،‬‬
‫تاؤهُ ْ‬
‫فيه ِ‬
‫عليه‪ ،‬ووّك َل فَل ٌن فَلنًا‬ ‫واعتمدت ِ‬
‫ُ‬ ‫فَلن أي ألجأتهُ ِ‬
‫إليه‬ ‫لت أم ِري إلَى ٍ‬ ‫القيام ِبه‪ ،‬ووَّك ُ‬
‫َ‬
‫القيام بأم ِر ِ‬
‫نفسه(‪.)1‬‬ ‫عجزا ع ِن ِ‬ ‫ِ‬
‫إذا استكفاهُ أمرهُ؛ ثقةً بكفايته‪ ،‬أو ً‬
‫اصطَلحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫التوُّك ُل‬

‫العبد علَى ربِِّه تعالَى؛ ل َذا َّ‬


‫عرفهُ العلماءُ أنَّهُ‪:‬‬ ‫مصطلح التوُّك ِل فِي توُّك ِل ِ‬
‫ِ‬ ‫تخدام‬
‫غلب اس ُ‬ ‫َ‬
‫هو أ ْن‬ ‫ل‬ ‫ُّ‬
‫ك‬‫التو‬ ‫ي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ز‬ ‫ا‬
‫الر‬
‫َّ‬ ‫وقال‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬‫ِ (‪)1‬‬ ‫عما فِي ِ‬
‫أيدي النَّاس‬ ‫واليأس َّ‬ ‫الثِّقةُ بما عن َد ِ‬
‫اهلل تعالَى‪،‬‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ير ِ‬
‫يعول علَى‬
‫بل ُ‬ ‫عليها‪ْ ،‬‬
‫يعول بقلبه َ‬ ‫األسباب الظَّاهرةَ‪ْ ،‬‬
‫ولكن َال ِّ‬ ‫َ‬ ‫اعي اإلنسا ُن‬
‫‪-------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس ‪.٦٣٦/٦‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬العين‪ ،‬الفراهيدي ‪ ،٥٠٥/٥‬مختار الصحاح‪ ،‬الرازي ‪.٣٥٥/٦‬‬
‫(‪ )1‬لسان العرب ‪.٤٣٥/٦٦‬‬
‫(‪ )1‬التعريفات‪ ،‬الجرجاني ‪.٤٠/٦‬‬

‫‪9‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وترك التملُّ ِق‬ ‫ِ‬


‫العَلئق ُ‬ ‫قطع‬ ‫‪:‬‬‫هو‬ ‫ل‬ ‫ُّ‬
‫ك‬‫التو‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫ي‬ ‫وأضاف النّ ِ‬
‫سف‬ ‫َ‬ ‫‪،‬‬‫(‪)1‬‬
‫الحق‬ ‫ِ‬
‫عصمة ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫عقلي يتوجهُ ِبه الفاعل إلَى ِ‬
‫اهلل تعالَى؛‬ ‫ُ‬ ‫قلبي ٌّ ّ‬ ‫ٌ‬
‫انفعال ٌّ‬ ‫ابن عاشوٍر َ‬
‫‪:‬هو‬ ‫وقال ُ‬ ‫ِ‬
‫للخَلئق(‪َ ،)1‬‬
‫ِ‬
‫والعوائق(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫الخيبة‬ ‫من‬
‫راجيًا اإلعانةً‪ ،‬ومستعي ًذا َ‬
‫كل األموِر‬ ‫تفويض َّ‬ ‫أن التوُّكل علَى ِ‬
‫اهلل تعالَى هو‪:‬‬ ‫الس ِ‬
‫ابقة إلَى َّ‬ ‫من المعانِي َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫نخلص َ‬
‫ُ‬ ‫وق ْد‬
‫التام ِة في قدر ِته سبحانهُ علَى ِ‬
‫جلب النَّف ِع‬ ‫اهلل تعالَى‪ ،‬مع الث ِ‬
‫ِّقة َّ‬ ‫ِ‬
‫والباطنة إلَى ِ‬ ‫الظَّاهرةِ‬
‫َ‬
‫الضر‪.‬‬
‫ودف ِع ِّ‬

‫بينهما‪ ،‬فالتوُّك ُل لغةً‬ ‫ِ‬ ‫والمتأم ُل فِي التَّعريفي ِن اللُّغ ِوي‬


‫واضحا َ‬ ‫ً‬ ‫واالصطَلحي يج ُد تواف ًقا‬ ‫ِّ‬
‫يتضم ُن‬ ‫ِ‬
‫االصطَلحي َّ‬ ‫ِّقة‪ ،‬والمعنَى‬‫واالعتماد علَى اآلخ ِر مع الث ِ‬
‫ُ‬ ‫تفويض األم ِر‬ ‫هو‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الكاملة‬ ‫عليه وحدهُ فِي تسيي ِر األموِر؛ ثقةً بقدر ِته‬‫واالعتماد ِ‬
‫ِ‬ ‫تفويض األم ِر ِ‬
‫هلل تعالَى‪،‬‬ ‫َ‬
‫وجل‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫َّ‬

‫‪------------------------------------------------------------------------------------------------------------------ -------------------‬‬

‫(‪ )1‬مفاتيح الغيب ‪.٥٦٠/٩‬‬


‫(‪ )1‬مدارك التنزيل ‪.٥٣٩/٦‬‬
‫(‪ )1‬التحرير والتنوير ‪.٦٥٦/٥‬‬

‫‪10‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫االستعمال القرآنِي}‬
‫ِ‬ ‫{التوُّك ُل فِي‬
‫مرةً(‪.)1‬‬
‫سبعين َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫مادةُ "وكل" فِي‬‫وردت َّ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫االستعمال‬ ‫يخرج فِي‬
‫ْ‬ ‫وتفويض األموِر لهُ‪ْ ،‬‬
‫ولم‬ ‫ُ‬ ‫االعتماد علَى الغي ِر‬
‫ُ‬ ‫والتوُّك ُل َ‬
‫هو‪:‬‬
‫عن ه َذا المعنَى(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫القرآني ْ‬
‫ذات ٍ‬
‫صلة‪:‬‬ ‫ظ ُ‬ ‫ألفا ٌ‬
‫الثِّقةُ‪:‬‬
‫الثِّقةُ لغةً‪:‬‬
‫االئتما ُن(‪.)1‬‬
‫اصطَلحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫الثِّقةُ‬
‫ِ‬
‫والفعل(‪.)1‬‬ ‫عليه فِي ِ‬
‫القول‬ ‫من يعتم ُد ِ‬
‫ْ‬
‫الصلةُ بين الث ِ‬
‫ِّقة والتوُّك ِل‪:‬‬ ‫ِّ َ‬
‫يثق ِبه‬
‫من ُ‬‫يمكن أ ْن يتوَّك َل اإلنسا ُن َّإال علَى ْ‬
‫فَل ُ‬‫كبير فِي المفردتي ِن‪َ ،‬‬ ‫تكامل ٌ‬
‫ٌ‬ ‫يوج ُد‬
‫ويأتمنهُ علَى ِ‬
‫القيام باألم ِر‪.‬‬
‫‪----------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم‪ ،‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬ص‪ ،٤٦٣-٤٦٧‬المعجم المفهرس‬
‫الشامل‪ ،‬عبد اهلل جلغوم‪ ،‬ص ‪.٦٥٥٣-٦٥٧٥‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬عمدة الحفاظ‪ ،‬السمين الحلبي‪ ،٣٣٣-٣٣٦/٥ ،‬بصائر ذوي التمييز‪ ،‬الفيروزآبادي‪ ،٧٤٥-٧٦٦/٥ ،‬نزهة‬
‫األعين النواظر‪ ،‬ابن الجوزي‪ ،‬ص‪.٦٠٣-٦٠٤‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تاج العروس‪ ،‬الزبيدي ‪.٥٥٠/٧٦‬‬
‫(‪ )1‬التوقيف‪ ،‬المناوي ‪.٦٦٦/٦‬‬

‫‪11‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫االعتماد‪:‬‬
‫ُ‬
‫االعتماد لغةً‪:‬‬
‫ُ‬
‫َّ‬ ‫عليه فِ‬ ‫الش ِ‬
‫يء اتَّكأَ‪ ،‬واعتم َد ِ‬ ‫اعتم َد علَى َّ‬
‫شيءَ‪ :‬قصدهُ‬
‫ويقال‪ :‬اعتم َد ال ّ‬
‫كل‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ا‬‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ي‬
‫وأمر بإنفاذهِ(‪.)1‬‬ ‫الرئيس األمر‪ِ َ :‬‬
‫وافق عليه َ‬ ‫ويقال‪:‬اعتم َد َّ ُ َ‬ ‫وأمضاهُ‪ُ ،‬‬
‫اصطَلحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫االعتماد‬
‫ُ‬
‫الر ِ‬
‫كون(‪.)1‬‬‫مع حس ِن ُّ‬ ‫ُ ِ‬ ‫الش ِ‬
‫هو‪ :‬القص ُد إلَى َّ‬
‫واالستناد إليه َ‬ ‫يء‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫االعتماد والتوُّك ِل‪:‬‬ ‫بين‬
‫الصلةُ َ‬
‫ِّ‬
‫الر ِ‬
‫كون‬‫مع حس ِن ُّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ألن فِي‬‫بتان؛ َّ‬‫المفردتان متقار ِ‬
‫ِ‬
‫المعتمد عليه َ‬
‫َ‬ ‫استنادا إلَى‬
‫ً‬ ‫كلتيهما‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واالطمئنان‪.‬‬
‫َّواكل‪:‬‬
‫الت ُ‬
‫واكل لغةً‪:‬‬
‫التَّ ُ‬
‫بعضهم علَى ٍ‬
‫بعض(‪.)1‬‬ ‫ْ‬ ‫القوم‪ :‬اتَّ َ‬
‫كل‬ ‫تواكل ُ‬
‫َ‬
‫اصطَلحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫َّواكل‬
‫الت ُ‬
‫باألسباب‪ ،‬وانتظا ِر األمانِي(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫وترك ِ‬
‫العمل‬ ‫َّخاذل ِ‬
‫هو الت ُ‬
‫َ‬

‫‪-------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،٣٠٧/٣ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬الرازي‪ ،٧٦٣/٦ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪،‬‬
‫‪.٦٧٦/٧‬‬
‫(‪ )1‬الكليات‪ ،‬الكفوي ‪.٦٥٦/٦‬‬
‫(‪ )1‬العين‪ ،‬الفراهيدي ‪.٧٦٦/٧‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسير المنير‪ ،‬الزحيلي ‪.٦٥٧/٥‬‬

‫‪12‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫َّواكل والتوُّك ِل‪:‬‬


‫بين الت ِ‬
‫الصلةُ َ‬
‫ِّ‬
‫مع توُّك ِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫المفردتان متضاد ِ‬
‫ِ‬
‫القلب‪َّ ،‬أما‬ ‫الجوارح َ‬
‫ِ‬ ‫عمل‬
‫هو ُ‬ ‫كل التَّضاد‪ ،‬فالتوُّك ُل َ‬
‫َّتان َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّواكل‪.‬‬ ‫مع االدِّعاء بالتوُّك ِل َ‬
‫هو حقيقةُ الت ِ‬ ‫باألسباب َ‬ ‫األخذ‬ ‫الكسل ع ِن‬
‫ُ‬
‫َّفويض‪:‬‬
‫الت ُ‬
‫َّفويض لغةً‪:‬‬
‫الت ُ‬
‫إليه‪ ،‬وجعلهُ الحاكم ِ‬
‫فيه(‪.)1‬‬ ‫ضا‪ :‬ردَّهُ ِ‬
‫األمر تفوي ً‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ض إليه َ‬‫فو َ‬
‫َّ‬
‫اصطَلحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫َّفويض‬
‫الت ُ‬
‫والقوةِ(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫الحول َّ‬ ‫من‬
‫والتبرُؤ َ‬
‫هو‪ :‬ر ّد األم ِر إلَى ِ‬
‫اهلل تعالَى ُّ‬ ‫َ‬
‫َّفويض والتوُّك ِل‪:‬‬
‫بين الت ِ‬
‫الصلةُ َ‬
‫ِّ‬
‫كان فِي ِّ‬
‫رد األموِر إلَى اآلخ ِر َ‬
‫فيما َال‬ ‫َّفويض والتوُّكل يشتر ِ‬
‫ُ‬
‫المفردتان متقار ِ‬
‫بتان‪ ،‬فالت ُ‬ ‫ِ‬
‫خص‪.‬‬‫الش ِ‬
‫تستطيعهُ قدرةُ َّ‬

‫‪---------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬تاج العروس‪ ،‬الزبيدي ‪.٥٩٦/٦٣‬‬


‫(‪ )1‬التوقيف‪ ،‬المناوي ‪.٦٠٥/٦‬‬

‫‪13‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫باإليمان والعبادةِ}‬
‫ِ‬ ‫{داللةُ اقتر ِ‬
‫ان التوُّك ِل‬
‫بمصطلحي «العبادةِ»‬
‫ْ‬ ‫لذلك كثُـ َر اقترانهُ‬ ‫ِ‬
‫باإليمان؛ َ‬ ‫العبادات المر ِ‬
‫تبطة‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬
‫أعظم‬ ‫التوُّك ُل ْ‬
‫مقامات الت ِ‬
‫َّوحيد‬ ‫ِ‬ ‫أنواع العبادةِ‪ ،‬وأعلَى‬‫أجمع ِ‬ ‫هو ُ‬
‫ِ‬
‫و«اإليمان»‪ ،‬فالتوُّك ُل علَى اهلل تعالَى َ‬
‫ِ‬
‫الص ِ‬
‫الحة؛ فإنَّهُ إذَا اعتم َد علَى ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل تعالَى‬ ‫األعمال َّ‬ ‫من‬
‫لما ينشأُ عنهُ َ‬ ‫وأعظمها وأجلِّ َها؛ َ‬
‫َ‬
‫صح إخَلصهُ ومعاملتهُ مع ِ‬
‫اهلل‬ ‫َ‬ ‫كل َما سواهُ؛ َّ‬ ‫والدنيويَِّة دو َن ِّ‬ ‫فِي جمي ِع أمورهِ الدِّينيَّ ِة ُّ‬
‫ِ‬
‫اإليمان(‪،)1‬‬ ‫ط فِي‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان إ َذا فس َد توُّكلهُ‪ ،‬فالتوُّك ُل شر ٌ‬ ‫يصح إيما ُن‬
‫كذلك َال ُّ‬ ‫تعالَى‪ ،‬و َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ين}[المائدة‪.]11 :‬‬‫بداللة قول اهلل تعالَى‪َ { :‬و َعلَى اللَّه فَـتَـ َوَّكلُوا إِن ُكنتُم ُّم ْؤمن َ‬
‫أن عدم التوُّك ِل َال يفس ُد اإليما َن بل ي ِنقصهُ َّإال إذَا توَّكل علَى غي ِر ِ‬
‫اهلل تعالَى‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ‬ ‫حيح َّ َ‬ ‫والص ُ‬‫َّ‬
‫انتقض إيمانه وسيأتِي تفصيلهُ‪ ،‬و َ‬
‫كذلك التوُّك ُل‬ ‫عليه َّإال اهلل تعالَى فه َذا ِ‬
‫قد‬ ‫فِي َال يقدر ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فإن من لم يتوَّكل علَى ِ‬ ‫ط َّ ٍ‬ ‫ط ٍ‬
‫اهلل تعالَى‬ ‫ْ‬ ‫سبق َّ ْ ْ‬ ‫بما َ‬ ‫صحة‪ ،‬وإ ْن قلنَا َ‬ ‫كمال َال شر ُ‬ ‫فهو شر ُ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫صحيح َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫المسلم َال يخلُو ْ‬
‫َ‬ ‫ألن‬ ‫ٍ‬ ‫غير‬
‫زع عنهُ اإليما ُن؟ وه َذا ُ‬ ‫األحوال نُ َ‬ ‫من‬
‫في حال َ‬
‫ينقص‬ ‫مر ٍ‬ ‫فَلبد أ ْن يفق َد التوُّكل علَى ِ‬ ‫خلل‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫وبذلك ُ‬ ‫َ‬ ‫ات‪،‬‬ ‫تكن َّ‬
‫لم ْ‬ ‫مرةً إ ْن ْ‬
‫اهلل تعالى َّ‬ ‫َ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وال يفس ُد‪ ،‬واهللُ ُ‬ ‫إيمانهُ َ‬
‫الس ِ‬
‫ابقة‪َّ :‬‬
‫ودل ه َذا علَى‬ ‫عدي رحمهُ اهلل تعالَى فِي تفسي ِر ِ‬
‫اآلية َّ‬ ‫الس ِ‬
‫أشار َّ‬
‫ُ‬ ‫قلت َ‬ ‫وبما ُ‬ ‫َ‬
‫إيمان ِ‬
‫العبد يكو ُن توُّكلهُ(‪.)1‬‬ ‫بحسب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجوب التوُّك ِل‪ ،‬وعلَى أنَّهُ‬
‫‪------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬اإلرشاد إلى صحيح االعتقاد‪ ،‬صالح الفوزان ‪.٤٣/٦‬‬


‫(‪ )1‬تفسير السعدي‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬
‫األعلم‬
‫ُ‬ ‫كيلكم‬
‫فهو و ْ‬ ‫أي علَى اهلل وحدهُ اعتم ُدوا وث ُقوا‪َ ،‬‬ ‫ابن عاشوٍر‪ْ :‬‬
‫قال ُ‬
‫وبما يُقاربهُ َ‬
‫َ‬
‫سمت‬
‫ُ‬ ‫عليكم‬
‫ْ‬ ‫ينطبق‬
‫فلن َ‬ ‫لين ْ‬‫لم تكونُوا متوِّك َ‬
‫مؤمنين‪ ،‬وإ ْن ْ‬
‫َ‬ ‫كنتم‬
‫لكم إ ْن ْ‬
‫يصلح ْ‬
‫ُ‬ ‫بما‬
‫َ‬
‫المؤمنين(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫آمنتُم بِاللَّ ِه فَـ َعلَْي ِه‬ ‫م‬ ‫نت‬‫ك‬ ‫ن‬‫ِ‬
‫إ‬ ‫ال موسى يا قَـوِ‬
‫م‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وفي موضع آخر قال جل وعَل‪َ { :‬وقَ َ ُ َ ٰ َ ْ‬
‫ِِ‬
‫تَـ َوَّكلُوا إِن ُكنتُم ُّم ْسلم َ‬
‫ين}[يونس‪.]41 :‬‬
‫باهلل ِ‬
‫صدقتم ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال القرطبِي‪ :‬قولهُ تعالَى َ‬
‫فعليه‬ ‫أي َّ ْ‬ ‫آمنتم ْ‬‫كنتم ْ‬ ‫موسى يَا قوم إ ْن ْ‬
‫وقال َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اإليمان‬ ‫كمال‬
‫أن َ‬ ‫ط تأكي ًدا‪ ،‬وبيَّ َن َّ‬ ‫كرَر َّ‬
‫الشر َ‬ ‫مسلمين َّ‬ ‫كنتم‬ ‫توَّكلُوا ِ‬
‫َ‬ ‫أي اعتم ُدوا إ ْن ْ‬
‫بتفويض األم ِر إلَى ِ‬
‫اهلل تعالَى(‪.)1‬‬ ‫ِ‬

‫صح ٍة‪.‬‬
‫ط َّ‬ ‫ط ٍ‬
‫كمال َال شر ُ‬ ‫ِ‬
‫اإليمان‪َّ ،‬إال أنَّهُ شر ُ‬ ‫ط فِي‬
‫أن التوُّك َل شر ٌ‬
‫من ه َذا َّ‬
‫وخرجنَا ْ‬
‫اهلل تعالَى‪{ :‬ولِلَّ ِ‬
‫قول ِ‬ ‫ِِ‬
‫ب‬
‫ُ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫منها ُ‬ ‫من موض ٍع‪َ ،‬‬ ‫وق ْد قُ ِر َن التوُّك ُل بالعبادة في أكث ِر ْ‬
‫ض َوإِلَْي ِه يُـ ْر َج ُع ْاألَ ْم ُر ُكلُّهُ فَا ْعبُ ْدهُ َوتَـ َوَّك ْل َعلَْي ِه}[هود‪.]111 :‬‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫َّ َ َ‬
‫وآخرها‬
‫َ‬ ‫اهلل تعالَى هو عبوديَّةُ ِ‬
‫اهلل تعالَى‪،‬‬ ‫السي ِر إلَى ِ‬
‫درجات َّ‬‫ِ‬ ‫الرا ِزي َّ‬
‫أن َّأو َل‬ ‫وق ْد بيّ َن َّ‬
‫َ‬
‫الذي أ ّدى إلَى ترتيب ِ‬
‫اآلية هك َذا‪:‬‬ ‫السبب ِ‬ ‫اهلل (وحدهُ)‪َّ ،‬‬‫التوُّكل علَى ِ‬
‫َ‬ ‫هو َّ ُ‬ ‫وأن ه َذا َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫وصفاء‬ ‫المخلص فِي العبادةِ المؤدِّي َلها بيقي ٍن ُّ‬
‫وتأم ٍل‬ ‫(فَا ْعبُ ْدهُ َوتَـ َوَّك ْل َعلَْي ِه)‪ ،‬بمعنَى َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫إبداعه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وروعة‬ ‫وجل‬
‫عز َّ‬ ‫ِ‬
‫الخالق َّ‬ ‫يصل ِبه التدبُّـ ُر إلَى ِ‬
‫عظم‬ ‫ُ‬
‫‪------------------------------------------------------------------------------ -------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬ابن عاشور ‪.٧٠٣/٦٣‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير القرطبي‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫واالعتماد ِ‬
‫عليه تعالَى‬ ‫ِ‬ ‫تفويض أمورهِ كلِّ َها‬
‫ِ‬ ‫سوى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تلك القدرة المطلقة َ‬ ‫أمام َ‬ ‫وأنَّهُ َال ُ‬
‫يملك َ‬
‫شؤون ِ‬
‫حياته كلِّ َها(‪.)1‬‬ ‫فِي تسيي ِر ِ‬

‫تفويض األموِر ِ‬
‫هلل‬ ‫ثم‬ ‫ومن‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والعمل‬ ‫ابقة يؤِّك ُد علَى مبد ِئ العبادةِ‬
‫الس ِ‬ ‫ولعل ترتيب ِ‬
‫اآلية َّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ‬
‫ِ‬
‫القعود ع ِن ِ‬
‫العمل‪،‬‬ ‫من‬ ‫هو التوُّكل َّ‬
‫لما يفعلهُ المتواكلو َن َ‬
‫حيح‪ ،‬خَلفًا َ‬
‫الص ُ‬ ‫تعالَى‪ ،‬وه َذا َ‬
‫يحب‬
‫وجل‪ ،‬فاهللُ تعالَى ُّ‬
‫عز َّ‬ ‫ِ‬
‫للخالق َّ‬ ‫َّفويض‪ ،‬وإ ِ‬
‫سناد األموِر‬ ‫بحج ِة الت ِ‬ ‫ِ‬
‫وترك األموِر َّ‬
‫المتخاذلين‪.‬‬
‫َ‬ ‫يحب‬
‫وال ُّ‬
‫العاملين َ‬
‫َ‬
‫حق ِ‬
‫اهلل تعالَى‪:‬‬ ‫التوُّكل فِي ِّ‬
‫ِ‬
‫وحكمته‬ ‫وعز ِته‬ ‫ِ‬
‫لجَلله َّ‬ ‫كيل"‪ ،‬وق ْد ح ّق‬ ‫ِ ِ‬ ‫علم َّ‬
‫من أسماء اهلل تعالَى "الو ُ‬ ‫أن ْ‬ ‫فمما لهُ أ ْن يُ َ‬
‫َّ‬
‫ألن التوُّك َل‬ ‫يجب أ ْن يتوَّك َل المؤمنو َن‪ ،‬وعلَى غيرهِ َال ُّ‬
‫يصح التوُّك ُل؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫االسم‪ ،‬فعليه ُ‬‫ُ‬ ‫ه َذا‬
‫كيل‬ ‫اسم ِ‬
‫اهلل الو ِ‬ ‫ودونكم بيا ُن معنَى ِ‬ ‫وجل(‪،)1‬‬
‫عز َّ‬ ‫هلل َّ‬‫صرف َّإال ِ‬
‫عبادةٌ قلبيَّةٌ‪َ ،‬ال تُ ُ‬
‫ْ‬
‫وعَل له َذا ِ‬
‫االسم‪:‬‬ ‫جل َ‬ ‫ِ‬
‫واستحقاقه َّ‬
‫اهلل الحسنَى‪:‬‬ ‫ِ‬
‫أسماء ِ‬ ‫من‬
‫كيل ْ‬
‫َّأوًال‪ :‬الو ُ‬
‫لحق تعالَى‪{ :‬اللَّهُ َخالِ ُق ُك ِّل َش ْي ٍء ۖ َو ُه َو‬
‫يقول ا ُّ‬ ‫اسم الو ِ‬
‫كيل‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫أثبت اهللُ تعالَى لنفسه َ‬ ‫َ‬
‫يل}[الزمر‪.]61 :‬‬ ‫َعلَ ٰى ُك ِّل َشي ٍء وكِ‬
‫ْ َ ٌ‬
‫ال لَ ُهم الن ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس إ َّن الن َ‬
‫َّاس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم‬ ‫ين قَ َ ُ ُ‬ ‫آخر‪{ :‬الذ َ‬
‫وقال تعالَى في موض ٍع َ‬ ‫َ‬
‫يل}[آل عمران‪.]171 :‬‬ ‫ادهم إِيمانًا وقَالُوا حسبـنَا اللَّهُ ونِعم الْوكِ‬
‫َ َْ َ ُ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ش ْو ُه ْم فَـ َز َ ُ ْ َ َ‬
‫فَا ْخ َ‬
‫‪----------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مفاتيح الغيب‪ ،‬الرازي ‪.٥٦٥/٦٣‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الجواب الكافي‪ ،‬ابن القيم ‪.٦٣٤/٦‬‬

‫‪16‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فإن عبادهُ وّكلُوا‬ ‫ذلك‪َّ ،‬‬ ‫إليه َ‬ ‫كول ِ‬ ‫وقيل‪ :‬المو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫المتكف ُل باحتياجات عباده‪َ ،‬‬ ‫هو‬
‫كيل َ‬ ‫والو ُ‬
‫وجل(‪.)1‬‬
‫عز َّ‬ ‫ِ‬
‫إحسانه َّ‬ ‫اعتمادا علَى‬
‫ً‬ ‫مصالحهم‬ ‫ِ‬
‫إليه‬
‫ُ‬
‫من‬ ‫كول ِ‬ ‫كول ِ‬ ‫يقول الطُّ ِ‬
‫ينقسم إلَى ْ‬ ‫ُ‬ ‫إليه‬ ‫ولكن المو َ‬ ‫األمور‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫إليه‬ ‫هو المو ُ‬ ‫كيل‪َ :‬‬
‫ُ‬ ‫الو‬ ‫ي‪:‬‬ ‫وس‬ ‫ُ‬
‫وذلك ناقص‪ ،‬وإلَى من يوَكل ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلك َّإال اهللُ‬‫وليس َ‬ ‫الكل‪َ ،‬‬ ‫إليه ُّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫بعض األموِر‪َ ،‬‬ ‫يوَك ُل إليه ُ‬
‫إليه ال ِ‬
‫بذاته‬ ‫كوال ِ‬ ‫يستحق أ ْن يكو َن مو ً‬‫ُّ‬ ‫من‬ ‫كول ِ‬
‫ينقسم إلَى‪ْ :‬‬ ‫ُ‬ ‫إليه‬ ‫سبحانهُ وتعالَى‪ ،‬والمو ُ‬
‫ِ‬ ‫فقير إلَى الت ِ‬
‫من‬
‫َّفويض والتَّوليَة‪ ،‬وإلَى ْ‬ ‫ناقص؛ ألنَّهُ ٌ‬ ‫كيل‪ ،‬وه َذا ٌ‬ ‫ولكن بالت ِ‬
‫َّفويض والتَّو ِ‬ ‫ْ‬
‫من‬ ‫ٍ‬
‫وتفويض ْ‬ ‫عليه َال بتوليَ ٍة‬
‫إليه‪ ،‬والقلوب متوِّكلةٌ ِ‬
‫ُ‬
‫بذاته أ ْن تكو َن األمور موكولةً ِ‬
‫ُ‬
‫يستحق ِ‬ ‫ُّ‬
‫ضا ينقسم إلَى‪ :‬من ِيفي بما وّكل ِ‬
‫إليه‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫كيل أي ً‬
‫المطلق‪ ،‬والو ُ‬ ‫ُ‬ ‫كيل‬
‫هو الو ُ‬ ‫وذلك َ‬‫جهة غيرهِ‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫المطلق‪ :‬هو ِ‬
‫الذي‬ ‫كيل‬ ‫والو‬ ‫‪،‬‬ ‫ع‬ ‫بالجمي‬ ‫ي‬ ‫تاما من غي ِر قصوٍر‪ ،‬وإلَى‪ :‬من َال ِ‬
‫يف‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫وفاءً ًّ ْ‬
‫هو اهللُ تعالَى(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وذلك َ‬
‫بإتمامها‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وفي‬
‫بالقيام َبها‪ٌّ ،‬‬ ‫ملي‬
‫وهو ٌّ‬ ‫األمور موكولةٌ إليه َ‬ ‫ُ‬
‫كالة ِ‬
‫العباد‪:‬‬ ‫اهلل تعالَى وو ِ‬ ‫كالة ِ‬ ‫والفر ُق بين و ِ‬
‫َ‬
‫(شؤون) ِ‬
‫خلقه؛‬ ‫ِ‬ ‫جل جَللهُ التِي تعنِي المتولِّي ِ‬
‫القائم بتدبي ِر‬ ‫اهلل َّ‬‫أن الوكيل صفةُ ِ‬ ‫أوال‪َّ :‬‬
‫َ‬
‫مالك لهم رحيم بهم‪َّ ،‬أما توكيل ِ‬
‫العباد إنَّ َما يعق ُد بالتَّو ِ‬
‫الرحمةَ(‪،)1‬‬ ‫يتضم ُن َّ‬ ‫وال َّ‬ ‫كيل‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ألنَّهُ ٌ ْ ٌ ْ‬
‫ِ‬
‫أسمائه‬ ‫كيل‪ ،‬وبجمي ِع‬ ‫الو‬ ‫ِ‬
‫باسمه‬ ‫بالد ِ‬
‫عاء‬ ‫جل جَللهُ ُّ‬ ‫اهلل َّ‬ ‫نتوجهَ إلَى ِ‬ ‫حري بنَا أ ْن َّ‬ ‫ل َذا ٌّ‬
‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بذلك‪ ،‬وق ْد أمرنَا به َذا في قوله تعالَى‪َ { :‬وللَّه ْاألَ ْس َماءُ‬ ‫الحسنَى‪ ،‬فاهللُ تعالَى حقي ٌق َ‬
‫َس َمائِِه ۖ َسيُ ْج َزْو َن َما َكانُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين يُـلْح ُدو َن في أ ْ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْح ْسنَ ٰى فَا ْدعُوهُ ب َها ۖ َو َذ ُروا الذ َ‬ ‫ال ُ‬
‫يَـ ْع َملُو َن}[األعراف‪.]140 :‬‬
‫‪------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المواقف‪ ،‬اإليجي ‪.٣٧٧/٣‬‬


‫(‪ )1‬المقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهلل الحسنى ص‪.٦٧٩‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الفروق اللغوية‪ ،‬العسكري ‪.٥٤٤/٦‬‬

‫‪17‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يعظم‬ ‫الربوبيَّةَّ وذلَّةَ العبوديَِّة‪،‬‬ ‫الد ِ‬


‫يستحضر لحظةَ ُّ‬ ‫ِ‬
‫فبذلك ُ‬
‫َ‬ ‫عزَة ُّ‬
‫عاء َّ‬ ‫َ‬ ‫اإلنسان أ ْن‬ ‫وعلَى‬
‫الذكر(‪.)1‬‬
‫ويحسن ُ‬‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫الدعاءُ‬
‫ِ‬
‫الكمال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بصفات‬ ‫اهلل تعالَى للتوِّك ِل التِّ ِ‬
‫صافه‬ ‫ثانيا‪ :‬استحقا ُق ِ‬
‫ً‬
‫عبادته‪ ،‬ونجته ُد فِي التوُّك ِل ِ‬
‫عليه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المطلقة َما يجعلنَا نسارعُ إلَى‬ ‫الص ِ‬
‫فات‬ ‫من ِّ‬ ‫ِ‬
‫هلل تعالَى َ‬
‫المؤمن يتوَّك ُل علَى‬ ‫يجعل‬ ‫أهم َما‬
‫فمن ِّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وحرصا علَى استحقاق جنَّته‪ْ ،‬‬ ‫ً‬ ‫رحمته‪،‬‬ ‫توقًا إلَى‬
‫وجل‪:‬‬
‫عز َّ‬‫ربِِّه َّ‬

‫جل جَللهُ‪:‬‬ ‫‪ )1‬سعةُ ِ‬


‫علمه َّ‬
‫المطلق‬
‫َ‬ ‫العلم‬
‫أثبت َ‬ ‫العقول‪ ،‬فق ْد َ‬ ‫ُ‬ ‫واسع َال تدركهُ‬
‫العليم‪ ،‬وعلمهُ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫هو‬
‫وجل َ‬‫عز َّ‬ ‫إن اهللَ َّ‬ ‫َّ‬
‫اجنَ ْح لَ َها َوتَـ َوَّك ْل َعلَى اللَّ ِه ۖ إِنَّهُ ُه َو‬ ‫وقال‪َ { :‬وإِ ْن َجنَ ُحوا لِ َّ‬
‫لسل ِْم فَ ْ‬ ‫تبارك وتعالَى َ‬‫لنفسه َ‬ ‫ِ‬
‫يم}[األنفال‪.]61 :‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يع ال َْعل ُ‬
‫السم ُ‬
‫اهلل الكر ِام‪ِ ،‬‬
‫كقول‬ ‫لسان ِ‬
‫أنبياء ِ‬ ‫وردت علَى ِ‬ ‫ْ‬ ‫المؤمنين‪ ،‬فق ْد‬ ‫وأثبتها له صفوةُ عبادهِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫اع َد ِمن الْبـ ْي ِ‬
‫ت‬ ‫السَلم‪{ :‬وإِ ْذ يـرفَع إِبـر ِاهيم الْ َقو ِ‬
‫َ َ‬ ‫الصَلةُ َّ ُ َ َ ْ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫عليهما َّ‬
‫َ‬ ‫وإسماعيل‬
‫َ‬ ‫اهيم‬
‫إبر َ‬
‫يم}[البقرة‪.]117 :‬‬ ‫ِ‬
‫يع ال َْعل ُ‬
‫َنت َّ ِ‬
‫السم ُ‬ ‫كأ َ‬ ‫يل َربَّـنَا تَـ َقبَّ ْل ِمنَّا ۖ إِنَّ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َوإ ْس َماع ُ‬
‫ت‬‫ال بَ ْل َس َّولَ ْ‬‫ضا أثبت العلم المطلق هلل تعالى يعقوب عليه السَلم في قوله‪{ :‬قَ َ‬ ‫وأي ً‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫سى اللهُ أَن يَأْتيَني ب ِه ْم َجم ًيعا إنَّهُ ُه َو ال َْعل ُ‬
‫يم‬ ‫يل ۖ َع َ‬
‫ص ْبـ ٌر َجم ٌ‬
‫س ُك ْم أ َْم ًرا ۖ فَ َ‬
‫لَ ُك ْم أَن ُف ُ‬
‫يم}[يوسف‪.]41 :‬‬ ‫ال ِ‬
‫ْحك ُ‬ ‫َ‬
‫‪------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مراح لبيد‪ ،‬محمد الجاوي ‪.٥٠٩/٦‬‬

‫‪18‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ك َما فِي‬ ‫َت ِع ْم َرا َن َر ِّ‬


‫ب إِنِّي نَ َذ ْر ُ‬
‫ت لَ َ‬ ‫ت ْام َرأ ُ‬‫بنة عمرا َن‪{ :‬إِ ْذ قَالَ ِ‬‫وقال تعالَى عن مريم ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫يم}[آل عمران‪.]18 :‬‬ ‫ِ‬
‫يع ال َْعل ُ‬
‫َنت َّ ِ‬
‫السم ُ‬ ‫كأ َ‬ ‫بَطْنِي ُم َح َّرًرا فَـتَـ َقبَّ ْل ِمنِّي ۖ إِنَّ َ‬
‫ط ِّ ٍ‬ ‫والعليم يعنِي‪َّ :‬‬
‫علما‪ ،‬ظاهرهُ وباطنهُ‪ ،‬دقيقهُ وجليلهُ‪َّ ،‬أولهُ‬ ‫بكل شيء ً‬ ‫أن اهللَ تعالَى يحي ُ‬ ‫ُ‬
‫كشفها علَى‬
‫وضوحها و َ‬
‫َ‬ ‫كذلك‬
‫وآخرهُ‪ ،‬عاقبتهُ وفاتحتهُ‪ ،‬فمعلوماتهُ تعالَى َال نهايةَ َلها‪ ،‬و َ‬
‫ثم َال يكو ُن تعالَى‬
‫أظهر منهُ‪َّ ،‬‬ ‫أتم ما يمكن ِ‬
‫كشف َ‬ ‫يتصوُر مشاهدةٌ و ٌ‬ ‫بحي َّ َال َّ‬
‫ُ‬ ‫فيه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِّ َ‬
‫الذي يم ّد‬‫المعلومات مستفادةٌ منهُ‪ ،‬فهو تعالَى ِ‬ ‫بل تكو ُن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫من المعلومات‪ْ ،‬‬ ‫مستفي ًدا َ‬
‫بالعلم من يشاء(‪ ،)1‬وه َذا العلم اإلل ِهي يجعلنَا نسلّم أمورنَا متوِّكلين علَى ِ‬
‫اهلل تعالَى؛‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ْ ُ‬
‫اضي عنَّا‬ ‫الر ِ‬
‫وهو َّ‬ ‫ِ‬
‫يصلح لشؤون ديننَا ودنيانَا‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وبما‬
‫األعلم بحالنَا َ‬
‫ُ‬ ‫وهو‬
‫فنحن الجاهلو َن َ‬
‫ُ‬
‫أهمنَا‪.‬‬ ‫به َذا التوُّك ِل‪َ ،‬‬
‫وهو كافينَا َما ّ‬
‫ِ‬
‫رحمته سبحانهُ‪:‬‬ ‫‪ )1‬سعةُ‬
‫قال تعالَى‪َ { :‬وَر ْح َمتِي َو ِس َع ْ‬
‫ت‬ ‫ِ‬
‫الواسعة‪ ،‬فق ْد َ‬ ‫بالر ِ‬
‫حمة‬ ‫وجل ذاتهُ المق َّدسةَ َّ‬ ‫عز َّ‬ ‫وصف اهللُ َّ‬
‫َ‬
‫ُك َّل َش ْي ٍء}[األعراف‪.]186 :‬‬
‫اب‬ ‫وب َعلَْي ِه ْم ۖ َوأَنَا التـ َّ‬
‫َّو ُ‬ ‫َصلَ ُحوا َوبَـيَّـنُوا فَأُوٰلَئِ َ‬
‫ك أَتُ ُ‬ ‫ين تَابُوا َوأ ْ‬
‫َّ ِ‬
‫ضا‪{ :‬إَِّال الذ َ‬ ‫وقال أي ً‬
‫َ‬
‫يم}[البقرة‪.]160 :‬‬ ‫َّ ِ‬
‫الرح ُ‬
‫ابق فِي قول ِه تعالَى‪:‬‬ ‫الس ِ‬
‫ببعيد ع ِن الموض ِع َّ‬ ‫مرةً أخرى فِي موض ٍع ليس ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫ف‬ ‫الص‬
‫ِّ‬ ‫وتقر ِ‬
‫رت‬ ‫َّ‬
‫الرح ٰمن َّ ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ٰ ِ‬ ‫ٰ‬
‫يم}[البقرة‪.]161 :‬‬ ‫الرح ُ‬ ‫{ َوإِلَ ُه ُك ْم إِلَهٌ َواح ٌد ۖ َّال إِلَهَ إَِّال ُه َو َّ ْ َ ُ‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهلل الحسنى‪ ،‬الطوسي ص‪.٣٦‬‬

‫‪19‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫موسى‪َ { :‬وإِ ْذ‬ ‫هلل تعالَى أنبياء ِ‬ ‫حمة ِ‬ ‫الر ِ‬


‫عن َ‬ ‫قال تعالَى ْ‬ ‫اهلل الكر ُام‪ ،‬فق ْد َ‬ ‫ُ‬ ‫أثبت صفةَ َّ‬ ‫وق ْد َ‬
‫اذ ُك ُم ال ِْع ْج َل فَـتُوبُوا إِلَ ٰى بَا ِرئِ ُك ْم‬‫ال موس ٰى لَِقوِم ِه يا قَـوِم إِنَّ ُكم ظَلَمتُم أَن ُفس ُكم بِاتِّ َخ ِ‬
‫ْ ْ ْ َ‬ ‫قَ َ ُ َ ْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬
‫اب‬‫َّو ُ‬ ‫اب َعلَْي ُك ْم ۖ إِنَّهُ ُه َو التـ َّ‬ ‫س ُك ْم ذَل ُك ْم َخ ْيـ ٌر لَّ ُك ْم عن َد بَا ِرئ ُك ْم فَـتَ َ‬ ‫فَاقْـتُـلُوا أَن ُف َ‬
‫يم}[البقرة‪.]81 :‬‬ ‫َّ ِ‬
‫الرح ُ‬
‫يم}[النمل‪.]10 :‬‬ ‫الرِح ِ‬ ‫وعن سليما َن‪{ :‬إِنَّهُ ِمن ُسلَْي َما َن َوإِنَّهُ بِ ْس ِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َٰم ِن َّ‬ ‫ْ‬
‫فقال تعالَى‪{ :‬أ َْم يَـ ُقولُو َن افْـتَـ َراهُ ۖ قُ ْل إِ ِن افْـتَـ َريْـتُهُ فَ ََل‬ ‫محم ٌد ﷺ َ‬ ‫وأثبتها لهُ تعالى نبيُّـنَا َّ‬ ‫َ‬
‫ضو َن فِ ِيه ۖ َك َف ٰى بِ ِه َش ِهي ًدا بَـ ْينِي‬ ‫تَ ْملِ ُكو َن لِي ِم َن اللَّ ِه َش ْيئًا ۖ ُه َو أَ ْعلَ ُم بِ َما تُِفي ُ‬
‫يم}[األحقاف‪.]4 :‬‬ ‫وبـيـن ُكم ۖ وهو الْغَ ُفور َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََْ َ ْ َ ُ َ‬
‫الرحمةَ علَى‬ ‫أوجب تعالَى َّ‬ ‫المؤمنين‪ ،‬فق ْد‬ ‫هي تفضُّلهُ وكرمهُ علَى‬ ‫ى‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫تعا‬ ‫ورحمةُ ِ‬
‫اهلل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب َعلَ ٰى نَـ ْف ِس ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(‪)1‬‬
‫يوجبها عليه أح ٌد في قوله‪َ { :‬كتَ َ‬
‫ِ‬
‫ولم َ‬ ‫تفضَل وإحسانًا‪ْ ،‬‬ ‫نفسه ً‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َمةَ}[األنعام‪.]11 :‬‬ ‫َّ‬
‫يقول‬
‫الطبري‪ُ :‬‬ ‫ُّ‬ ‫يتوب علَى عبادهِ‪ُ ،‬‬
‫يقول‬ ‫وهو الذي ُ‬
‫ِ‬
‫يل‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫بعطائه الجز ِ‬ ‫عليهم‬
‫ْ‬ ‫الممتن‬
‫ُّ‬ ‫فه َو‬
‫قبلت‬ ‫العادلين بِي‬ ‫إن ِ‬ ‫تعالَى ذكرهُ‪َّ :‬‬
‫محم ُد‪ ،‬إ ْن تابُوا وأنابُوا ُ‬ ‫تك يَا َّ‬ ‫نبو َ‬‫الجاحدين َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫هؤالء‬
‫ٍ (‪)1‬‬ ‫قضيت فِي ِ‬
‫نقول‪ :‬إذَا‬ ‫نحن ُ‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫كل شيء‬ ‫وسعت َّ‬ ‫ْ‬ ‫أن رحمتِي‬ ‫خلقي‪َّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫توبتهم‪ ،‬وإنِّي ق ْد‬
‫ْ‬
‫فكيف‬ ‫بالمعرضين عنهُ‪،‬‬ ‫ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كانت هذه رحمتهُ‬
‫أمورهم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫عليه فِي تسيي ِر‬ ‫يديه‪ ،‬المتوِّكلين ِ‬
‫َ‬
‫الساجدين بين ِ‬
‫َ َ‬ ‫عليه‪َّ ،‬‬ ‫تكو ُن رحمتهُ بالمقبلين ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫فيما يق ّد ُر‬ ‫بهم‪ ،‬ورحمتهُ َ‬ ‫علموا عطفهُ علَى عباده ورفقهُ ْ‬ ‫لهم َّأال يتوَّكلُوا إذَا َما ُ‬ ‫كيف ْ‬ ‫و َ‬
‫مقادير!‬
‫َ‬ ‫لهم ْ‬
‫من‬ ‫ْ‬
‫‪-----------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬شرح العقيدة الواسطية‪ ،‬الهراس ص‪.٦٠٤‬‬


‫(‪ )1‬جامع البيان ‪.٦٠٤/٦‬‬

‫‪20‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وقوتهُ تعالَى‪:‬‬
‫عزتهُ َّ‬
‫‪َّ )1‬‬

‫القوي العز ُيز‪،‬‬ ‫هو‬ ‫المظلوم والمقهوِر فِي هذهِ ُّ‬


‫الدنيَا يقينهُ َّ‬ ‫ِ‬ ‫إن عزاءَ المؤم ِن‬ ‫َّ‬
‫ُّ‬ ‫أن اهللَ تعالَى َ‬
‫يفلت من ِ‬
‫عقابه الظالمو َن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وال ُ ْ‬ ‫تضيع عندهُ الحقو ُق َ‬ ‫الذي َال ُ‬
‫آمنُوا َم َعهُ بَِر ْح َم ٍة ِمنَّا َوِم ْن ِخ ْز ِي‬
‫ين َ‬
‫ال تعالَى‪{ :‬فَـلَ َّما جاء أَمرنَا نَ َّجيـنَا ِ َّ ِ‬
‫صال ًحا َوالذ َ‬
‫َ َ ُْ ْ َ‬ ‫قَ‬
‫ي ال َْع ِز ُيز}[هود‪.]66 :‬‬ ‫يَـ ْوِمئِ ٍذ ۖ إِ َّن َربَّ َ‬
‫ك ُه َو الْ َق ِو ُّ‬
‫العذاب إلَى َّ‬
‫الكفا ِر‬ ‫أوصل‬ ‫د‬‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ى‬‫ل‬
‫َ‬ ‫تعا‬ ‫كونه‬
‫ُ‬ ‫‪:‬‬ ‫اهلل وعزتُّهُ تعالَى فِي ِ‬
‫اآلية‬ ‫قوةُ ِ‬ ‫وتتجلَّى َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بصالح ِ‬
‫من القاد ِر الذي ُ‬
‫يقدر‬ ‫يصح إالّ َ‬ ‫أهل اإليمان عنهُ‪ ،‬وه َذا َال ّ‬ ‫َلم‪ ،‬وصا َن َ‬ ‫الس ُ‬
‫عليه َّ‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫إنسان بَلءً وعذابًا‪،‬‬ ‫سبة إلَى‬‫شيء الواح َد بالنّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫علَى قه ِر طبائ ِع‬
‫فيجعل ال ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫األشياء‪،‬‬
‫آخر راحةً وريحانًا(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫وبالنِّسبة إلَى َ‬
‫ي ال َْع ِز ُيز}[الشورى‪.]11 :‬‬
‫شاءُ ۖ َو ُه َو الْ َق ِو ُّ‬‫ادهِ يَـ ْرُز ُق َمن يَ َ‬
‫يف بِ ِعب ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال تعالَى‪{ :‬اللَّهُ لَط ٌ َ‬ ‫َ‬

‫ويسقيهم‪،‬‬ ‫يطعمهم‬ ‫لطف بعبادهِ مؤمنهم وكافرهم‪ ،‬فهو ِ‬


‫الذي‬ ‫العزةِ ذُو ٍ‬
‫رب َّ‬
‫أن َّ‬‫أي‪َّ :‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫معهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهو تعالَى علَى كرمه ْ‬ ‫فيحييهم‪َ ،‬‬
‫ْ‬ ‫إليهم الهواءَ‬
‫يمرُر ُ‬
‫وحتَّى في خلوات المعصية ّ‬
‫ِ‬
‫انتقامه إ َذا‬ ‫وهو العز ُيز فِي‬ ‫ِ‬ ‫بقو ِته َّ ِ‬
‫فهو الذي َال يعجزهُ شيءٌ‪َ ،‬‬
‫التامة؛ َ‬ ‫أخذهم َّ‬
‫ْ‬ ‫قادر علَى‬
‫ٌ‬
‫اد االنتقام من ٍ‬
‫أحد(‪.)1‬‬ ‫أر َ‬
‫َ ْ‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------- ----------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬اللباب في علوم الكتاب‪ ،‬ابن عادل ‪.٥٦٤/٦٠‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أيسر التفاسير‪ ،‬الجزائري ‪.٦٠٥/٥‬‬

‫‪21‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫المنتقم َ‬
‫ُ‬ ‫هو العز ُيز‬ ‫ليرى نتيجةَ عمله‪ ،‬واهللُ َ‬ ‫آدم بالموت؛ َ‬ ‫ابن َ‬ ‫وقد ابتلَى اهللُ َ‬
‫س ُن‬ ‫َح‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ي‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬‫و‬‫ُ‬‫ل‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ي‬‫ت والْحياةَ لِ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ْم‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫القابل توبةَ التَّائبين(‪{ :)1‬الَّ ِ‬
‫ذ‬ ‫الظالمين‪ِ ،‬‬
‫ْ‬
‫َ ْ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ور}[الملك‪.]1 :‬‬ ‫َع َم ًَل ۖ َو ُه َو ال َْع ِز ُيز الْغَ ُف ُ‬
‫وقو ِته‪،‬‬ ‫عزةِ ِ‬ ‫ِ‬
‫من الظَّ َ‬
‫المين‪،‬‬ ‫مقتص َ‬
‫ٌّ‬ ‫ويدرك َّ‬
‫أن اهللَ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل تعالَى َّ‬ ‫بحق معنَى َّ‬ ‫يفهم ٍّ‬ ‫والذي ُ‬
‫ض أمورهُ كلَّ َها ِ‬
‫هلل تعالَى واث ًقا متوِّك ًَل موقنًا‬ ‫سيفو ُ‬ ‫آجَل‪ّ ،‬‬ ‫عاجَل كا َن ْأم ً‬ ‫ائعين ً‬ ‫ناصر للطَّ َ‬‫ٌ‬
‫يضيع لهُ حقٌّ‪.‬‬
‫لن َ‬ ‫أنَّهُ ْ‬
‫‪ )1‬حكمتهُ تعالَى‪:‬‬
‫ِ‬
‫المطلقة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الحكمة‬ ‫صاحب‬ ‫سبحانه‬ ‫فهو‬ ‫‪،‬‬‫الحكيم‬ ‫ى‪:‬‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫تعا‬ ‫اهلل‬ ‫ِ‬
‫أسماء ِ‬ ‫من‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬
‫يم الْ َخبِ ُير}[األنعام‪.]14 :‬‬ ‫ادهِ ۖ وهو ال ِ‬ ‫اهر فَـو َق ِعب ِ‬‫ِ‬
‫ْحك ُ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫وجل‪َ { :‬و ُه َو الْ َق ُ ْ َ‬ ‫عز َّ‬ ‫يقول َّ‬
‫ُ‬
‫الوقت ِ‬
‫الذي‬ ‫ِ‬ ‫ينبغي‪ ،‬فِي‬ ‫الذي ِ‬ ‫الوجه ِ‬
‫ينبغي‪ ،‬علَى ِ‬ ‫قال ابن القيِّ ِم‪ :‬الحكمةُ‪ :‬فعل ما ِ‬
‫َُ‬ ‫َ ُ‬
‫ينبغي(‪.)1‬‬‫ِ‬
‫بأفضل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هي معرفةُ ِ‬ ‫وقال الطُّ ِ‬
‫يعرف كنهَ‬
‫وال ُ‬ ‫العلوم‪َ ...‬‬ ‫األشياء‬ ‫أفضل‬ ‫َ‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫الحكم‬ ‫ي‪:‬‬ ‫وس‬ ‫َ‬
‫العلوم‪ ،‬إ ْذ أجل ِ‬ ‫األشياء بأجل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العلوم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أجل‬
‫يعلم ّ‬‫الحكيم الحقُّ؛ ألنَّهُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫فهو‬
‫معرفته غيرهُ‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫الدائم ِ‬
‫إليها‬
‫يتطر ُق َ‬
‫المطابق للمعلوم مطابقةً َال َّ‬ ‫ُ‬ ‫تصوُر زوالهُ‪،‬‬
‫الذي َال يُ َّ‬ ‫لي َّ ُ‬ ‫العلم األز ُّ‬
‫هو ُ‬ ‫َ‬
‫سن‬ ‫بذلك َّإال علم ِ‬
‫لمن يح ُ‬ ‫يقال ْ‬
‫اهلل سبحانهُ وتعالَى‪ ،‬وق ْد ُ‬ ‫ُ‬ ‫ف َ‬ ‫يتص ُ‬
‫وال ِّ‬ ‫وال شبهةٌ‪َ ،‬‬ ‫خفاءٌ َ‬
‫ضا ليس َّإال ِ‬
‫هلل‬ ‫الص ِ‬
‫ذلك أي ً َ‬ ‫كمال َ‬ ‫حكيم‪ ،‬و ُ‬ ‫ٌ‬ ‫صنعتها‬
‫َ‬ ‫ويتقن‬
‫ويحكمها ُ‬ ‫َ‬ ‫ناعات‬ ‫دقائق ِّ‬‫َ‬
‫الحق(‪.)1‬‬
‫الحكيم ُّ‬
‫ُ‬ ‫فهو‬
‫تعالَى‪َ ،‬‬
‫‪-------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬جامع البيان‪ ،‬الطبري ‪.٥٠٥/٧٣‬‬


‫(‪ )1‬مدارج السالكين ‪.٥٥٩/٧‬‬
‫(‪ )1‬المقصد األسنى في شرح معاني أسماء اهلل الحسنى ص‪.٦٧٠‬‬

‫‪22‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وعَل علَى ِ‬
‫لسان‬ ‫جل َ‬ ‫قال َّ‬‫هلل تعالَى‪َ ،‬‬ ‫القرآن الكر ِيم هذهِ ِّ‬
‫الصفةَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫آيات‬
‫أثبتت ُ‬ ‫وق ْد ْ‬
‫ْم لَنَا إَِّال َما َعلَّ ْمتَـنَا ۖ‬ ‫الصَلةُ والسَلم‪{ :‬قَالُوا سبحانَ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫مَلئكته الكر ِام‬
‫ك َال عل َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫عليهم َّ‬
‫ُ‬
‫يم}[البقرة‪.]11 :‬‬ ‫َنت الْعلِيم الْح ِ‬ ‫إِنَّ َ‬
‫كأ َ َ ُ َ ُ‬
‫ك‬

‫الس ْج ِن َو َجاءَ‬‫س َن بِي إِ ْذ أَ ْخ َر َجنِي ِم َن ِّ‬


‫َح َ‬ ‫وقال على لسان يوسف عليه السَلم‪َ { :‬وقَ ْد أ ْ‬
‫يف لِ َما‬
‫الش ْيطَا ُن بَـ ْينِي َوبَـ ْي َن إِ ْخ َوتِي ۖ إِ َّن َربِّي لَ ِط ٌ‬
‫غ َّ‬ ‫بِ ُك ْم ِم َن الْبَ ْد ِو ِم ْن بَـ ْع ِد أَ ْن نَـ َز َ‬
‫يم}[يوسف‪.]100 :‬‬ ‫شاء ۖ إِنَّهُ هو الْعلِيم ال ِ‬
‫ْحك ُ‬ ‫َُ َ ُ َ‬ ‫يَ َ ُ‬
‫ظروف‬
‫ٌ‬ ‫َلم‬
‫الس ُ‬ ‫عليه َّ‬ ‫بيوسف ِ‬‫َ‬ ‫ت‬‫مر ْ‬
‫العليم‪ ،‬فق ْد َّ‬ ‫اهلل ِ‬ ‫لحكمة ِ‬‫ِ‬ ‫اآلية األخيرةِ تقر ٌير‬ ‫وفِي ِ‬
‫نبي ِ‬ ‫ظلما‪َّ ،‬إال َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلقائه فِي‬
‫صعبةٌ‪ ،‬ابتداء من ِ‬
‫اهلل‬ ‫أن َّ‬ ‫الجب وانتهاءً بسجنه واتِّهامه ً‬ ‫ِّ‬ ‫ً ْ‬
‫ِ‬ ‫حدث بمر ٍاد ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫يعلم َّ‬ ‫ِ‬
‫تقتضيه مصلحةُ‬ ‫وبما‬
‫دقيق‪َ ،‬‬ ‫حكيم‪ ،‬يج ِري َّ‬ ‫ٌ‬ ‫أن ربَّهُ‬ ‫المعصوم ُ‬
‫فسيترك‬
‫ُ‬ ‫اهلل تعالَى وتدبيرهِ‪،‬‬ ‫الحكمة فِي تقدي ِر ِ‬ ‫ِ‬ ‫تيقن المرء من ِ‬
‫وجود‬ ‫اإلنسا ُن ‪ ،‬فإذَا َّ َ ُ ْ‬
‫(‪)1‬‬

‫ِ‬
‫لخالقه‬ ‫ض أمورهُ كلَّ َها‬ ‫التفكير‪ ،‬ويقطع السعي فيما ليس للبش ِر قدرةٌ ِ‬
‫وسيفو ُ‬
‫ّ‬ ‫عليه‪،‬‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بمصالحهم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫العالم بمر ِاد البش ِر‪ ،‬المتوِّك ِل‬ ‫الحكيم ِ‬ ‫ِ‬

‫‪------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير الشعراوي ‪.٤٠٣٦/٦٧‬‬

‫‪23‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اهلل تعالَى‪:‬‬ ‫ِ‬


‫اإليمان عن غي ِر المتوِّك ِل علَى ِ‬ ‫ثالثًا‪ :‬نفي ِ‬
‫كمال‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫اإليمان‪ ،‬و َّأما انتفاؤ التوكل بالكليَّ ِة‬ ‫ِ‬ ‫ال‬‫لحصول كم ِ‬
‫ِ‬ ‫ط‬‫واجب وشر ٌ‬
‫ٌ‬
‫التوُّكل علَى ا ِ‬
‫هلل تعالَى‬ ‫ُ‬
‫آمنتُم بِاللَّ ِه‬ ‫ِ‬ ‫لإليمان بمقت َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وس ٰى يَا قَـ ْوم إِن ُكنتُ ْم َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ال ُم َ‬
‫{وقَ َ‬
‫ضى قول اهلل تعالَى ‪َ :‬‬ ‫انتفاءٌ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين}[يونس‪.]41 :‬‬‫فَـ َعلَْيه تَـ َوَّكلُوا إِن ُكنتُم ُّم ْسلم َ‬
‫التوُّك ِل‪:‬‬
‫أقسام َّ‬‫ُ‬
‫رك‪.‬‬ ‫الش ِ‬‫من ِّ‬ ‫فَل يصح صرفهُ لغي ِر ِ‬ ‫فألن التوُّك َل عبادةٌ قلبيَّةٌ‪َ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ضرب َ‬ ‫اهلل تعالَى‪ ،‬فه َذا ٌ‬ ‫ُ‬
‫اهلل تعالَى إلَى قسمي ِن‪:‬‬‫وق ْد قسم العلماء التوُّكل علَى غي ِر ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫عليها َّإال اهللُ تعالى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يقدر َ‬‫األو ُل‪ :‬التوُّك ُل علَى غي ِر اهلل في األموِر التي َال ُ‬ ‫َّ‬
‫زق‪،‬‬ ‫والر ِ‬
‫األموات‪ ،‬ويطوفو َن بالقبوِر استشفاءً أو طلبًا للنَّص ِر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫كالذين يتوَّكلو َن علَى‬
‫َ‬
‫أكبر‪.‬‬
‫شرك ٌ‬ ‫فه َذا ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫العباد‪:‬‬
‫عليها ُ‬ ‫يقدر َ‬‫الثَّاني‪ :‬التوُّك ُل علَى غي ِر اهلل في األموِر التي ُ‬
‫وظيفة‪ ،‬فِي‬
‫ٍ‬ ‫كأ ْن يتوَّكل علَى وزي ٍر أو أمي ٍر في ما جعلهُ اهلل تعالى فِي يدهِ من ٍ‬
‫سلطة ْأو‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اإليمان ويضعفهُ‪.‬‬‫ِ‬ ‫مصلحة أو دف ِع أ ًذى‪ ،‬فه َذا ينافِي َ‬
‫كمال‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫جلب‬
‫ليس لهُ أ ْن يتوَّك ِل‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان فِي ٍ‬
‫ِ‬
‫فعل مقدوٍر عليه‪ْ ،‬‬
‫ولكن َ‬ ‫كيل‬
‫هي تو ُ‬ ‫والوكالةُ الجائزةُ‪َ :‬‬
‫عليه فِي تيسي ِر َما وّك َل صاحبهُ‬
‫اهلل تعالَى ويعتم ُد ِ‬ ‫ِ‬
‫عليه‪ ،‬وإ ْن وّكلهُ‪ ،‬بل يتوَّكل علَى ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫فيه(‪.)1‬‬

‫‪------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية ‪ .٦٦/٤‬بتصرف‪.‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تيسير العزيز الحميد‪ ،‬سليمان بن عبدالوهاب ‪.٥٧٣/٦‬‬

‫‪24‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫عليه َّإال خاب ظنَّهُ ِ‬


‫اإلسَلم ابن تيميَّةَ‪ :‬وما رجا أح ٌد مخلوقًا أو توَّكل ِ‬
‫فيه‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ ُ‬ ‫قال شي ُخ‬
‫َ‬
‫فإنَّهُ ٌ‬
‫مشرك(‪.)1‬‬

‫ين بِِه ۖ َوَمن يُ ْش ِر ْك بِاللَّ ِه فَ َكأَنَّ َما َخ َّر ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫"حنَـ َفاءَ للَّه غَْيـ َر ُم ْش ِرك َ‬
‫رب َّ ِ‬
‫العزة‪ُ :‬‬ ‫قال ُّ‬
‫وق َد َ‬
‫ان َس ِح ٍ‬ ‫الريح فِي م َك ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يق"[الحج‪.]11 :‬‬ ‫الس َماء فَـتَ ْخطَُفهُ الطَّْيـ ُر أ َْو تَـ ْه ِوي بِه ِّ ُ َ‬
‫عليه َّإال اهلل تعالَى أو فْي ما يقدر ِ‬
‫عليه‬ ‫اهلل فِي ما َال يقدر ِ‬ ‫والمشرك المتوِّكل علَى غي ِر ِ‬ ‫ُ‬
‫ْ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫رعب‪،‬‬ ‫عبادهُ‪ ،‬يوقع اهلل فِي ِ‬
‫قلبه التعلُّ َق‬
‫ويرجوهم فيحص ُل لهُ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫خافهم‬
‫ْ‬ ‫بالمخلوقين‪ ،‬في‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ب بِ َما أَ ْش َرُكوا بِاللَّ ِه َما لَ ْم يُـنَـ ِّز ْل‬
‫الر ْع َ‬‫ين َك َف ُروا ُّ‬ ‫قال تعالَى‪{ :‬سنُـل ِْقي فِي قُـلُ ِ َّ ِ‬
‫وب الذ َ‬ ‫َ‬ ‫كما َ‬
‫َ‬
‫بِ ِه ُس ْلطَانًا}[آل عمران‪.]181 :‬‬
‫َّاس(‪.)1‬‬ ‫سؤال الن ِ‬ ‫عن ٍ‬ ‫َّفس ُّ ِ‬ ‫األمن واطمئنا ُن الن ِ‬ ‫الش ِ‬
‫من ِّ‬
‫والتعفف ْ‬ ‫يحصل لهُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫رك‬ ‫والخالص َ‬
‫ُ‬
‫ك لَ ُه ُم ْاألَ ْم ُن َو ُهم‬ ‫يمانَـ ُهم بِظُل ٍْم أُوٰلَئِ َ‬
‫سوا إِ َ‬
‫ِ‬
‫آمنُوا َولَ ْم يَـ ْلب ُ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫قال تعالَى‪{ :‬الذ َ‬ ‫َ‬
‫ُّم ْهتَ ُدو َن}[األنعام‪.]41 :‬‬
‫الر ِ‬
‫قية الَ‬‫المسلمين علَى ُّ‬
‫َ‬ ‫اعتماد‬
‫ُ‬ ‫قوادح التوُّك ِل التِي نر َاها فِي هذهِ ِ‬
‫األيام‬ ‫أهم ِ‬ ‫من ِّ‬‫ولعل ْ‬ ‫َّ‬
‫العَلج علَى ٍ‬ ‫شخص معيَّ ٍن‪ ،‬أ ِو‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يد‬ ‫ِ‬ ‫فيها علَى‬
‫بل يعتم ُد َ‬
‫كَلم اهلل تعالَى‪ْ ،‬‬‫بذات َها أنَّـ َها ُ‬
‫حيح ِ‬
‫الذي‬ ‫فاء‪ ،‬وه َذا األمر ٍ‬
‫مناف للتوُّك ِل َّ‬
‫الص ِ‬ ‫الش ِ‬
‫تهما علَى ِّ‬ ‫طبيب ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫اعتقادا بقدر َ‬
‫ً‬ ‫بعينه‬
‫مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫يعتم ُد علَى ِ‬
‫رجاء ِ‬
‫يق ِ‬
‫األمل‬ ‫عدم تعل ِ‬ ‫يلزم بواسطة البش ِر َ‬ ‫عمل َما ُ‬‫ثم ِ‬ ‫اهلل تعالَى َّأوًال‪َّ ،‬‬
‫أشخاصهم ثانيًا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫علَى‬

‫‪- -- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- ---- -- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- ---‬‬

‫(‪ )1‬الفتاوى الكبرى ‪.٧٣٧/٥‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪.٧٣٧/٥‬‬

‫‪25‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫{دوافع التوُّك ِل علَى ِ‬


‫اهلل تعالَى}‬ ‫ُ‬
‫بالقدر‬ ‫باهلل تعالَى‪ ،‬واإليمان‬ ‫دافعان ر ِ‬
‫ئيسان‪ ،‬وهما‪ :‬اإليما ُن ِ‬ ‫ِ‬ ‫للتَّوُّك ِل علَى ِ‬
‫اهلل تعالَى‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وشرهِ‪:‬‬
‫خيرهِ ِّ‬
‫َّأوًال‪ :‬اإليما ُن ِ‬
‫باهلل تعالَى‪:‬‬

‫اهلل تعالَى‪َ { :‬و َعلَى اللَّ ِه فَـتَـ َوَّكلُوا إِن ُكنتُم‬


‫لقول ِ‬ ‫ِ‬
‫اإليمان‪ِ ،‬‬ ‫التوُّك ُل ٌّ‬
‫مبني علَى‬
‫ين}[المائدة‪.]11 :‬‬‫ِِ‬
‫ُّم ْؤمن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استدعاء‬ ‫دليل علَى‬
‫أسمائهم ٌ‬
‫ْ‬ ‫اإليمان َهاهنَا دو َن سائ ِر‬ ‫اسم‬
‫فذكر َ‬‫ابن القيِّ ِم‪ُ :‬‬
‫قال ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بحسب َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوة اإليمان وضعفه‪ ،‬وكلَّ َما َ‬
‫قوي‬ ‫ِ‬ ‫وضعفه‬ ‫قوَة التوُّك ِل‬ ‫اإليمان للتوُّك ِل‪َّ ،‬‬
‫وإن َّ‬
‫ضعف التوُّك ُل‪ ،‬وإ َذا كا َن التوُّك ُل‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ضعف اإليما ُن‬
‫َ‬ ‫إيما ُن العبد كا َن توُّكلهُ َ‬
‫أقوى‪ ،‬وإ َذا‬
‫بين التوُّك ِل والعبادةِ‪،‬‬‫يجمع َ‬
‫ُ‬ ‫وال َّ‬
‫بد‪ ،‬واهللُ تعالَى‬ ‫ِ‬
‫اإليمان َ‬ ‫ِ‬
‫ضعف‬ ‫دليل علَى‬
‫فهو ٌ‬ ‫ضعي ًفا‪َ ،‬‬
‫وبين التوُّك ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتقوى‪َ ،‬‬‫وبين التوُّك ِل َ‬ ‫واإلسَلم‪َ ،‬‬ ‫وبين التوُّك ِل‬
‫وبين التوُّك ِل واإليمان‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫والهداية(‪.)1‬‬

‫ين إِذَا‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫وانتفاء التوُّك ِل يعنِي انتفاء اإليم ِ‬


‫وجل‪{ :‬إِنَّ َما ال ُْم ْؤمنُو َن الذ َ‬ ‫عز َّ‬ ‫يقول المولَى َّ‬ ‫ان‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ادتْـ ُه ْم إِ َ‬
‫يماناً َو َعلَى َربِّ ِه ْم يَـتَـ َوَّكلُو َن *‬ ‫ت قُـلُوبُـ ُه ْم َوإِذَا تُلِيَ ْ‬
‫ت َعلَْي ِه ْم آَيَاتُهُ َز َ‬ ‫ذُكِ َر اللَّهُ َو ِجلَ ْ‬
‫اه ْم يُـ ْن ِف ُقو َن}[األنفال‪.]1 - 1 :‬‬ ‫الَّ ِذين ي ِقيمو َن َّ ِ‬
‫الص ََل َة َوم َّما َرَزقْـنَ ُ‬ ‫َُ ُ‬
‫‪----------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬طريق الهجرتين وباب السعادتين ‪.٧٥٥/٦‬‬

‫‪26‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫هو‬ ‫ِ‬ ‫أن م ِن اتَّ َ‬‫أن اآليةَ تعنِي َّ‬ ‫ِ‬


‫العلماء إلَى َّ‬
‫بتلك األوصاف َ‬ ‫صف َ‬ ‫بعض‬
‫ذهب ُ‬ ‫ه َذا وق ْد َ‬
‫فَل ِ‬
‫ينتفي عنهُ‬ ‫ِ‬
‫اإليمان‪َ ،‬‬ ‫ناقص‬ ‫ِ‬
‫مؤمن ُ‬ ‫هو ٌ‬ ‫َّصف َبها َ‬
‫لم يت ْ‬ ‫من ْ‬‫بينما ْ‬
‫كامل اإليمان‪َ ،‬‬
‫مؤمن ُ‬‫ال ُ‬
‫اآلية وفِ‬
‫المتأمل فِي ِ‬ ‫ِ(‪)1‬‬
‫أن التوُّك َل ٌ‬
‫أمر‬ ‫يعلم َّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ُّ‬
‫ك‬‫التو‬ ‫ى‬‫معن‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫لكن‬
‫َّ‬ ‫‪،‬‬ ‫اإليما ُن بالجملة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقدر عليه َّإال اهللُ‬
‫عقدي‪ ،‬ل َذا يستبع ُد أ ْن يكو َن المتوِّك ُل علَى غي ِر اهلل تعالَى في َما َال ُ‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫اإليمان عنهُ‪ ،‬والمتوِّكل علَى غي ِر ِ‬
‫اهلل تعالَى‬ ‫ُ‬ ‫ح انتفاءُ‬‫يرج ُ‬
‫بل ّ‬‫ناقصا‪ْ ،‬‬
‫تعالَى مؤمنًا إيمانًا ً‬
‫ِ‬
‫اإليمان‪ ،‬واهلل أعلى وأعلم‪.‬‬ ‫ناقص‬ ‫ِ‬
‫مؤمن ُ‬ ‫هو ٌ‬ ‫يقدر عليه عبادهُ َ‬
‫في َما ُ‬
‫ثانيًا‪ :‬اإليما ُن بالقد ِر‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المسلم إلَى التوُّك ِل علَى اهلل تعالَى؛ فالذي ُ‬
‫يعلم يقينًا‬ ‫َ‬ ‫يدفع‬
‫أهم َما ُ‬‫من ِّ‬ ‫اإليما ُن بالقد ِر ْ‬
‫ِ‬
‫معاشه كلَّ َها‪َ ،‬ال يتوانَى‬ ‫وأمور‬ ‫َّ‬
‫أن اهللَ تعالَى ق ْد ق ّد َر حياتهُ ومعادهُ ورزقهُ وذريَّتهُ وزوجهُ َ‬
‫من ق ّد َر‬ ‫ِ ِ‬ ‫تسليم أمورهِ كلِّ َها ِ‬
‫ِ‬ ‫فِي‬
‫المستقبل‪ ،‬فالذي خلقهُ ه َو ْ‬ ‫من‬
‫وال يجزعُ َ‬ ‫يقلق َ‬
‫وال ُ‬ ‫هلل‪َ ،‬‬
‫وال‬ ‫يله َّ وراءَ ُّ‬
‫الدنيَا َ‬ ‫كتب اهللُ لهُ‪َ ،‬ال ُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫سير ِ‬
‫بما َ‬
‫مطمئن البال راضيًا َ‬ ‫فيعيش‬
‫ُ‬ ‫حياته‪،‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫سيأتيه دو َن‬ ‫من الخي ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مقدارا َ‬
‫كتب لهُ ً‬
‫المناصب واألرزاق‪ ،‬فاهللُ تعالَى ق ْد َ‬ ‫يتكالب علَى‬
‫ُ‬
‫غيرهِ‪.‬‬

‫قال تعالَى‪َ { :‬واللَّهُ َخلَ َق ُك ْم ثُ َّم يَـتَـ َوفَّا ُك ْم ۖ َوِمن ُكم َّمن يُـ َر ُّد إِلَ ٰى أ َْرذَ ِل الْعُ ُم ِر لِ َك ْي َال‬
‫َ‬
‫ض‬‫ض ُك ْم َعلَ ٰى بَـ ْع ٍ‬ ‫َّل بَـ ْع َ‬ ‫َّ‬ ‫يـعلَم بـع َد ِعل ٍْم َشيئًا ۖ إِ َّن اللَّهَ َعلِ ِ‬
‫يم قَد ٌير * َواللهُ فَض َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ َْ‬

‫‪---------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطبي ‪ ،٣٦٥/٤‬أنوار التنزيل‪ ،‬البيضاوي ‪.٥٩/٣‬‬

‫‪27‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ت أَيْ َمانُـ ُه ْم فَـ ُه ْم فِ ِيه‬‫ضلُوا بَِرادِّي ِر ْزقِ ِه ْم َعلَ ٰى َما َملَ َك ْ‬


‫ين فُ ِّ‬ ‫َّ ِ‬
‫الر ْزق ۖ فَ َما الذ َ‬
‫فِي ِّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اجا َو َج َع َل لَ ُكم ِّم ْن‬ ‫َس َواءٌ ۖ أَفَبِن ْع َمة اللَّه يَ ْج َح ُدو َن * َواللَّهُ َج َع َل لَ ُكم ِّم ْن أَن ُفس ُك ْم أَ ْزَو ً‬
‫ت اللَّ ِه ُه ْم‬ ‫اط ِل يـ ْؤِمنُو َن وبِنِ ْعم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ين َو َح َف َدةً َوَرَزقَ ُكم ِّم َن الطَّيِّبَات ۖ أَفَبِالْبَ ُ‬ ‫أَ ْزَواج ُكم بَن َ‬
‫يَ ْك ُف ُرو َن}[النحل‪.]71 - 70 :‬‬
‫من التوُّك ِل؟‬ ‫أمرك ه َذا َ‬ ‫بنيت َ‬ ‫األصم‪ :‬علَى َما َ‬ ‫ِّ‬ ‫قيل ٍ‬
‫لحاتم‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫محم ٍد ب ِن عمرا َن َ‬ ‫وعن َّ‬ ‫ْ‬
‫بع ٍ‬
‫خَلل‪:‬‬ ‫قال‪ :‬أر ُ‬ ‫َ‬
‫أشغل ِبه‪.‬‬
‫فلست ُ‬ ‫ُ‬ ‫ليس يأكلهُ غي ِري‪،‬‬ ‫أن رزقي َ‬
‫علمت َّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫مشغول ِبه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أن عملِي َال يعملهُ غي ِري‪ ،‬فأنَا‬ ‫وعلمت َّ‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫الموت يأتينِي بغتةً‪ ،‬فأنَا أبادرهُ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وعلمت َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫حال‪ ،‬فأنَا مستح ٍي منهُ(‪.)1‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫اهلل فِي ِّ‬ ‫وعلمت أنِّي بِع ْي ِن ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫فترك‬
‫اهلل‪ُ ،‬‬ ‫مقدرةٌ عن َد ِ‬ ‫كون األموِر َّ‬ ‫بحج ِة ِ‬ ‫األسباب َّ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل تعالَى َال يعنِي َ‬
‫ترك‬ ‫والتوُّكل علَى ِ‬
‫ُ‬
‫العقل‪ ،‬فالتوُّك ُل‬ ‫فساد فِي ِ‬ ‫رع أو ٍ‬
‫بالش ِ ْ‬ ‫جهل َّ‬ ‫عن ٍ‬ ‫بدعوى التوُّك ِل َال يكو ُن َّإال ْ‬ ‫األسباب َ‬ ‫ِ‬
‫كل َّإال‬ ‫يكمل التَّو ُ‬‫ُ‬ ‫وال‬‫والجوارح‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫باألسباب محلُّهُ األعضاءُ‬ ‫ِ‬ ‫والعمل‬
‫ُ‬ ‫القلب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫محلُّهُ‬
‫اهلل تعالَى فِي ِ‬
‫جلب‬ ‫ثم يتوَّكل علَى ِ‬ ‫ِ‬
‫يعمل ويأخ ُذ باألسباب َّ ُ‬ ‫فالمؤمن ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالعمل‪،‬‬
‫ِ‬
‫المنفعة(‪.)1‬‬
‫شوا فِي‬ ‫اهلل تعالَى‪{ :‬فَ ْام ُ‬ ‫قول ِ‬ ‫تأم ْل َ‬ ‫كل األحوا ِل‪َّ ،‬‬ ‫األسباب فِي ِّ‬
‫ِ‬ ‫وق ْد أمر اهلل تعالَى ِ‬
‫بأخذ‬ ‫َ ُ‬
‫َمنَاكِبِ َها َوُكلُوا ِم ْن ِر ْزقِ ِه}[الملك‪.]18 :‬‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬الكشف والبيان‪ ،‬الثعلبي ‪ ،٦٩٥/٧‬سير أعَلم النبَلء‪ ،‬الذهبي ‪.٥٣٥/٦٦‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المنار‪ ،‬محمد رشيد رضا ‪.٦٤٠/٥‬‬

‫‪28‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وباالجتهاد فِي‬
‫ِ‬ ‫بالسع ِي من ِ‬
‫أجله‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫مقد ًرا َّإال أنَّـنَا مأمورو َن َّ‬
‫الرز َق َّ‬ ‫غم من ِ‬
‫كون ِّ‬ ‫فبالر ِ ْ‬ ‫ُّ‬
‫ثرواتها(‪.)1‬‬
‫والحصول علَى َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫استصَلح‬
‫ِ‬
‫ات أَ ِو ان ِف ُروا‬ ‫ِ‬
‫انفروا ثُـب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫آمنُوا ُخ ُذوا ح ْذ َرُك ْم فَ ُ َ‬ ‫وانظر قولهُ تعالَى‪{ :‬يَا أَيُّـ َها الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫ْ‬
‫َج ِم ًيعا}[النساء‪.]71 :‬‬

‫عوامل النَّص ِر‪َ ،‬‬


‫قال‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫بأسباب النَّص ِر‪ ،‬و َ‬ ‫ِ‬
‫االستعداد للمعركة ْ‬‫ُ‬ ‫كذلك‬ ‫عمل‬
‫فالحذر ٌ‬‫ُ‬
‫اط الْ َخ ْي ِل}[األنفال‪.]60 :‬‬ ‫َع ُّدوا لَهم َّما استطَعتم ِّمن قُـ َّوةٍ وِمن ِّرب ِ‬ ‫تعالَى‪{ :‬وأ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ ُْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وطيب‬ ‫كال علَى حس ِن النَّوايَا‬ ‫وعدم االتِّ ِ‬‫االستعداد ِ‬‫ِ‬ ‫اآلية‪ :‬تنبيهٌ إلَى ضرورةِ‬ ‫وفِي ِ‬
‫ونبذل فِي‬ ‫ِ‬ ‫للقوةِ التِي تعيننَا علَى مَلقاةِ‬ ‫نقصر فِي إعدادنَا َّ‬ ‫ِ‬
‫األعداء َ‬ ‫فيجب َّأال َ‬ ‫ُ‬ ‫الهدف‪،‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫نستحق نصر ِ‬ ‫ِ‬
‫يعقوب‬
‫َ‬ ‫قول‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ـ‬
‫َّ‬‫ب‬ ‫وتد‬ ‫‪،‬‬ ‫اهلل وتأييدهُ‬ ‫َّ َ‬ ‫ذلك جهودنَا وأموالنَا؛ حتَّى‬ ‫سبيل َ‬
‫ك فَـيَ ِكي ُدوا لَ َ‬
‫ك‬ ‫اك َعلَ ٰى إِ ْخ َوتِ َ‬ ‫ص ُرْؤيَ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ال يَا بُـنَ َّي َال تَـ ْق ُ‬
‫يوسف‪{ :‬قَ َ‬
‫َ‬ ‫السَلم ِ‬
‫البنه‬ ‫عليه َّ ُ‬
‫ِ‬
‫الش ْيطَا َن لِ ِْإلنْ ِ‬
‫ين}[يوسف‪.]8 :‬‬ ‫سان َع ُد ٌّو ُمبِ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َك ْي ًدا ۖ إِ َّن َّ‬
‫الرؤيا أمام ِ‬
‫إخوته‪،‬‬ ‫ذكر أم ِر ُّ َ َ‬ ‫يجتنب َ‬
‫َ‬ ‫َلم أ ْن‬
‫الس ُ‬
‫عليهما َّ‬
‫َ‬ ‫يوسف‬
‫َ‬ ‫يعقوب ابنهُ‬
‫ُ‬ ‫أمر‬
‫فق ْد َ‬
‫عظيما‪َّ ،‬إال َّ‬ ‫فهمه و ِ‬
‫غم من ِ‬
‫أن ه َذا َال‬ ‫مستقبَل ً‬
‫ً‬ ‫ليوسف‬
‫َ‬ ‫سيجعل‬
‫ُ‬ ‫يقينه َّ‬
‫أن اهللَ‬ ‫الر ِ ْ‬
‫علَى ُّ‬
‫ِ‬
‫والكيد(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫الحسد‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من صيانة اإلنسان لنفسه وحفظه ألموره َ‬ ‫يمنع ْ‬
‫ُ‬
‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أضواء البيان‪ ،‬الشنقيطي ‪.٧٣٣/٣‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير الشعراوي ‪.٥٤٤٥/٣‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬إرشاد العقل السليم‪ ،‬أبو السعود ‪.٧٥٧/٥‬‬

‫‪29‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫{مواطن التوُّك ِل علَى ِ‬


‫اهلل تعالَى}‬ ‫ُ‬
‫سلوك المؤم ِن م ِن استحضا ِر‬‫فَل يخلُو ُ‬ ‫المسلم كلِّ َها‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫تفاصيل حياةِ‬
‫ِ‬ ‫يدخل التوُّك ُل فِي‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫عز َّ ِ‬
‫تلك المواط ِن التِي نتوَّك ُل َ‬
‫فيها علَى‬ ‫ومن َ‬ ‫وجل في جمي ِع أموره‪ْ ،‬‬
‫التوُّك ِل علَى ِ‬
‫اهلل َّ‬
‫ِ‬
‫اهلل تعالَى‪:‬‬
‫المضار‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫ودفع‬
‫المصالح ُ‬ ‫ِ‬ ‫تحقيق‬
‫ُ‬ ‫َّأوًال‪:‬‬
‫ٍ‬
‫وحفظ‬ ‫باني‬ ‫الحاجة إلَى ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يمر اإلنسا ُن فِي ِ‬
‫توفيق ر ٍّ‬ ‫بأمس‬
‫فيها ِّ‬ ‫بلحظات يكو ُن َ‬ ‫حياته‬ ‫ُّ‬
‫درجة ٍ‬
‫عالية‪ ،‬أ ِو‬ ‫للحصول علَى ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ليس كافيًا‬ ‫ِ‬ ‫إلهي‪ِّ ،‬‬
‫واالجتهاد وحدهُ َ‬ ‫ُ‬ ‫لَلمتحان‬ ‫فالدراسةُ‬ ‫ٍّ‬
‫ووجود الذريَِّة‬ ‫ُ‬ ‫إلنجاب الذريَِّة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ليس ضامنًا‬ ‫الزوجة َ‬
‫ووجود َّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫وظيفة ر ٍ‬
‫اقية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّنافس علَى‬
‫الت ُ‬
‫ٍ‬
‫اجتهادات َال يغيِّـ ُر‬ ‫كل َما يفعلهُ اإلنسا ُن م ِن‬ ‫احة عن َد الكب ِر‪ ،‬و ُّ‬ ‫الر ِ‬ ‫مؤشرا علَى َّ‬
‫ليس ً‬ ‫َ‬
‫اهلل تعالَى ونصرهِ وتسديدهِ‪.‬‬ ‫بحفظ ِ‬‫ِ‬ ‫لم يقتر ْن‬
‫شيئًا؛ ْلو ْ‬
‫ب لَ ُك ْم ۖ َوإِن يَ ْخ ُذلْ ُك ْم فَ َمن ذَا‬ ‫ِ‬
‫نص ْرُك ُم اللَّهُ فَ ََل غَال َ‬ ‫وجل‪{ :‬إِن يَ ُ‬ ‫عز َّ‬ ‫يقول المولَى َّ‬‫ُ‬
‫نص ُرُكم ِّمن بَـ ْع ِدهِ ۖ َو َعلَى اللَّ ِه فَـلْيَتَـ َوَّك ِل ال ُْم ْؤِمنُو َن}[آل عمران‪.]160 :‬‬
‫الَّذي يَ ُ‬
‫ِ‬
‫وفِي ِ‬
‫يستطيع أح ٌد‬‫َ‬ ‫فلن‬
‫قكم ْ‬ ‫تكم ويوفِّ ْ‬ ‫خطاب للمؤمني َن أنَّهُ إ ْن ينصر ْ‬
‫كم اهللُ ويثبِّ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫اآلية‪:‬‬
‫نفعكم‪ ،‬فتوَّكلُوا علَى‬ ‫ْ‬ ‫يستطيع أح ٌد‬
‫َ‬ ‫فلن‬
‫تكم ْ‬ ‫ترك اهللُ نصر ْ‬ ‫تكم‪ ،‬وإ ْن َ‬ ‫مضر ْ‬‫خذالنكم ْأو َّ‬
‫ْ‬
‫إليه؛ حتَّى تنالُوا إسنادهُ وتوفيقهُ ونصرتهُ(‪.)1‬‬ ‫ضوا جميع أموركم ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وفو ُ‬‫كم وث ُقوا بنصرهِ‪ِّ ،‬‬ ‫ربِّ ْ‬

‫‪---------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ ) 1‬انظر‪ :‬الهداية إلى بلوغ النهاية‪ ،‬مكي بن أبي طالب ‪.٦٦٦٧/٧‬‬

‫‪30‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬
‫العوارض‬ ‫من‬
‫يعرض َ‬
‫ُ‬ ‫فَل تعت ّدوا َما‬
‫لكم النُّصرةُ َ‬
‫حصل ْ‬ ‫َ‬ ‫اغب األصفهانِي‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫الر ُ‬
‫قال َّ‬
‫َ‬
‫من‬
‫لكم َ‬
‫يحصل ْ‬
‫ُ‬ ‫فَل تعت ّدوا َما‬
‫ذلك َ‬‫خذلكم فِي َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫األحوال غلبةً‪ ،‬وإ ْن‬ ‫الدنيويَِّة فِي ِ‬
‫بعض‬
‫ِ‬ ‫الدنيا نصرةً‪ ،‬فالنُّصرةُ والخذال ُن معتبر ِ‬ ‫ِ‬
‫بالمآل(‪.)1‬‬ ‫ان‬ ‫القه ِر في ُّ َ‬
‫ورد ع ِن‬
‫ذلك َما َ‬
‫من َ‬ ‫وفعَل‪ْ ،‬‬
‫قوال ً‬ ‫النبي ﷺ ً‬‫كل ِّ‬ ‫يدل علَى ِ‬
‫دوام تو ِّ‬ ‫وفِي السن َِّة النبويَِّة َما ُّ‬
‫من اللَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫لك‬
‫اللهم َ‬
‫قال‪َّ :‬‬ ‫يل يتهج ُد‪َ ،‬‬ ‫قام َ‬‫َّبي صلَّى اهللُ عليه وسلَّ َم إ َذا َ‬
‫اس‪" :‬كا َن الن ُّ‬‫اب ِن عب ٍ‬
‫الس ِ‬
‫موات‬ ‫أنت قيِّ ُم َّ‬
‫ولك الحم ُد‪َ ،‬‬ ‫فيهن‪َ ،‬‬‫ومن َّ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫واألرض ْ‬ ‫موات‬ ‫نور َّ‬‫أنت ُ‬ ‫الحم ُد‪َ ،‬‬
‫اؤك حقٌّ‪،‬‬ ‫وقولك ح ٌق‪ ،‬ولق َ‬
‫َ‬ ‫ووعدك ح ٌق‪،‬‬
‫َ‬ ‫أنت الحقُّ‪،‬‬
‫ولك الحم ُد‪َ ،‬‬ ‫فيهن‪َ ،‬‬‫ومن َّ‬ ‫واألرض ْ‬ ‫ِ‬
‫لك‬
‫اللهم َ‬
‫ومحم ٌد حقٌّ‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫والساعةُ حقٌّ‪ ،‬والنبيو َن حقٌّ‪،‬‬
‫َّار حقٌّ‪َّ ،‬‬
‫والجنَّةُ حقٌّ‪ ،‬والن ُ‬
‫وإليك‬
‫خاصمت‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وبك‬
‫أنبت‪َ ،‬‬‫وإليك ُ‬‫آمنت‪َ ،‬‬ ‫وبك ُ‬ ‫لت‪َ ،‬‬ ‫وعليك توَّك ُ‬
‫َ‬ ‫أسلمت‪،‬‬
‫ُ‬
‫وأنت‬ ‫أنت ِّ‬
‫المقد ُم َ‬ ‫أعلنت‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وما‬
‫أسررت َ‬
‫ُ‬ ‫وما‬
‫َّرت‪َ ،‬‬
‫وما أخ ُ‬ ‫مت َ‬ ‫فاغفر لِي َما َّ‬
‫قد ُ‬ ‫حاكمت‪ْ ،‬‬‫ُ‬
‫غيرك(‪.)1‬‬
‫قال‪َ :‬ال إلهَ َ‬ ‫ِّر‪َ ،‬ال إلهَ َّإال َ‬
‫أنت‪ْ ،‬أو َ‬ ‫المؤخ ُ‬
‫والتوج ِه‬
‫ُّ‬ ‫القولي‪ ،‬واجتهادهِ فِي التنبُّ ِه ً‬
‫ليَل‬ ‫ِّ‬ ‫والسَلم دليل علَى توُّك ِ‬
‫له‬ ‫الصَلةُ َّ ُ ٌ‬
‫فدعاؤهُ ِ‬
‫عليه َّ‬
‫يدخل‬ ‫من‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫وأو‬
‫ُّ‬ ‫‪،‬‬‫ة‬‫ألم ِ‬
‫َّ‬ ‫ا‬ ‫نبي هذهِ‬ ‫غم من ِ‬
‫كونه‬ ‫ِ‬ ‫الر‬
‫ُّ‬ ‫ى‬‫ل‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫والر ِ‬
‫جاء‬ ‫َّ‬ ‫والد ِ‬
‫عاء‬ ‫بالصَلةِ ُّ‬ ‫إلَى ِ‬
‫اهلل َّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫رحمته‬ ‫ِ‬
‫والستحقاق‬ ‫اهلل‬ ‫ألجل ِ‬
‫طاعة ِ‬ ‫العمل ِ‬ ‫دليل علَى أهميَّ ِة ِ‬ ‫ِ‬
‫الجنَّةَ علَى اإلطَلق؛ ٌ‬
‫جس َد لنَا‬ ‫ِ‬ ‫مواقفه صلَّى اهلل ِ‬
‫عليه وسلَّ َم التِي‬ ‫ِ‬ ‫َّته‪ ،‬ه َذا إلَى ِ‬‫وجن ِ‬
‫يصعب ع ّد َها والتي ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫جانب‬
‫اهلل تعالِى‪.‬‬
‫الرائعةَ للتوُّك ِل علَى ِ‬
‫فيها القدوةَ َّ‬
‫َ‬
‫‪--------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬تفسير الراغب األصفهاني ‪.٩٥٥/٣‬‬


‫(‪ ) 1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب الدعاء إذا انتبه بالليل ‪ ،٤٠/٣‬رقم ‪.٦٣٦٤‬‬

‫‪31‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الذي علّمنَا َّأال َ‬


‫ندع‬ ‫أحواله فهو ِ‬
‫ِ‬ ‫برسوله الكر ِيم ﷺ فِي ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫فعلَى المؤم ِن أ ْن ِ‬
‫يقتدي‬
‫َ‬
‫ضا فِي ِ‬
‫قلب‬ ‫للر َ‬
‫فهو راحةٌ وطمأنينةٌ واستقر ٌار ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اهلل فِي ِّ‬
‫التوُّكل علَى ِ‬
‫كل صغيرة وكبيرة؛ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫واالستغناء ع ِن البش ِر‪.‬‬ ‫بالعزةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان َّ‬ ‫باإلضافة إلَى أنَّهُ ُ‬
‫يعود علَى‬ ‫المؤم ِن‪،‬‬

‫عم ْن‬ ‫ِ‬


‫ومغنيه َّ‬ ‫قال اهلل تعالَى‪{ :‬ومن يـتَـوَّكل َعلَى اللَّ ِه فَـهو حسبهُ}[الطَلق‪ ]1 :‬أي‪ِ :‬‬
‫كافيه‬ ‫َُ َ ُْ‬ ‫ََ َ َ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫سواهُ(‪.)1‬‬

‫األسباب‬ ‫اهلل و َّ‬


‫كأن‬ ‫شيء‪ِ ،‬‬
‫وينبغي أ ْن نتوَّكل علَى ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫باألسباب وكأنَّـ َها ُّ‬ ‫فيجب أ ْن نأخ َذ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عن يسارهِ وا ٌد سحي ٌق‪،‬‬ ‫ِ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫عن يمينه واد سحي ٌق‪ ،‬و ْ‬
‫حيح ْ‬ ‫َ‬ ‫الص‬
‫َّ‬ ‫يق‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ط‬ ‫ال‬ ‫فكأن‬ ‫‪،‬‬‫بشيء‬ ‫ليست‬
‫ْ‬
‫لم نأخ ْذ َبها‬ ‫وادي ِّ ِ‬ ‫باألسباب واعتمدنَا عليها فق ْد وقعنَا فِي ِ‬ ‫ِ‬
‫الشرك‪ ،‬وإ ْن ْ‬ ‫َ‬ ‫إ ْن أخذنَا‬
‫واألكمل أ ْن نأخ َذ‬ ‫األعقل‬ ‫الموقف‬
‫َ‬ ‫لكن‬
‫َّواكل‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫المعصية والت ِ‬ ‫وادي‬ ‫وقعنَا فِي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مكن أ ْن‬ ‫ثم نتوَّكل علَى ِ‬
‫اهلل؛ أل َّن اهللَ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باألسباب؛ ألنَّـ َها طر ُ‬
‫جل جَللهُ َال ي ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫‪،‬‬‫األهداف‬ ‫يق‬
‫بمشيئته وقدر ِته‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األسباب فاعليةً َّإال‬ ‫يعطي لهذهِ‬
‫ِ‬

‫َّبي ﷺ‪ :‬أ ِ‬
‫ُرس ُل ناقتي وأتوَّك ُل؟ قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫رج ٌل للن ِّ‬
‫قال ُ‬
‫قال‪َ :‬‬
‫بن أميَّةَ َ‬
‫عمرو ُ‬
‫حدي َّ ُ‬
‫ُ‬ ‫ويكفينَا‬
‫ِ‬
‫اعقلْها وتوَّك ْل"(‪.)1‬‬

‫‪------------------------------------------- ----------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير السمرقندي‪.٥٦٦/٣ ،‬‬


‫(‪ )1‬حدي َّ حسن صحيح ابن حبان‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اهلل تعالَى‪:‬‬ ‫الجهاد فِي ِ‬


‫سبيل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ثانيًا‪:‬‬

‫المؤمنين بالنَّص ِر‬ ‫أهم األموِر التِي ُ‬


‫تعود علَى‬ ‫من ِّ‬ ‫الجهاد فِي ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫التوُّكل فِي ِ‬
‫َ‬ ‫سبيل اهلل ْ‬ ‫ميدان‬ ‫ُ‬
‫الزاخرةِ بالتوُّك ِل علَى ِ‬
‫اهلل‬ ‫السيرةِ َّ‬
‫صاحب ِّ‬ ‫محم ٌد ﷺ‬ ‫يق‪ ،‬وقدوتنَا فِي َ‬
‫ذلك نبيُّـنَا َّ‬ ‫والتَّوف ِ‬
‫ُ‬
‫للدعوةِ‬ ‫ِ‬
‫انتقاله َّ‬ ‫ثم‬ ‫الدعوةِ ِّ‬
‫السر ِية‪َّ ،‬‬ ‫عليه ِ‬
‫وبدئه َّ‬ ‫نزول الوح ِي ِ‬ ‫تعالَى‪ ،‬وجهادهِ من ُذ ِ‬
‫بد أ ْن نح ِ‬
‫تذيه‬ ‫العظيم ِ‬
‫الذي َال َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األدب‬ ‫ِ‬
‫والحروب كلِّ َها تجسي ٌد له َذا‬ ‫الجهريِِّة‪ ،‬فالهجرةِ‬
‫ِ‬
‫اإلسَلم‪.‬‬ ‫ضد ِ‬
‫أعداء‬ ‫فِي جهادنَا َّ‬

‫ْب الَن َفضُّواْ ِم ْن‬


‫ظ الْ َقل ِ‬ ‫نت فَظًّا غَلِي َ‬ ‫قال تعالَى‪{ :‬فَبِ َما َر ْح َم ٍة ِّم َن اللّ ِه لِ َ‬
‫نت لَ ُه ْم َولَ ْو ُك َ‬ ‫َ‬
‫ت فَـتَـ َوَّك ْل َعلَى اللّ ِه إِ َّن‬
‫استَـغْ ِف ْر لَ ُه ْم َو َشا ِوْرُه ْم فِي األَ ْم ِر فَِإ َذا َع َزْم َ‬‫ف َع ْنـ ُه ْم َو ْ‬‫ك فَا ْع ُ‬‫َح ْولِ َ‬
‫ب لَ ُك ْم َوإِن يَ ْخ ُذلْ ُك ْم فَ َمن َذا الَّ ِذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اللّهَ يُ ِح ُّ‬
‫نص ْرُك ُم اللّهُ فََلَ غَال َ‬‫ين * إِن يَ ُ‬ ‫ب ال ُْمتَـ َوِّكل َ‬
‫نص ُرُكم ِّمن بَـ ْع ِدهِ َو َعلَى اللّ ِه فَـلْيَتَـ َوِّك ِل ال ُْم ْؤِمنُو َن}[آل عمران‪.]160 - 181 :‬‬ ‫يَ ُ‬
‫األسباب فِي‬
‫ِ‬ ‫ِّقة واتِّ ِ‬
‫خاذ‬ ‫مسلك الث ِ‬‫َ‬ ‫النبي ﷺ‬
‫سلك ُّ‬ ‫اإللهي بالتوُّك ِل َ‬ ‫ِّ‬ ‫من األم ِر‬ ‫وانطَلقًا َ‬
‫الجهاد والهجرةِ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شؤون‬
‫ِ‬ ‫فق ْد رتَّب أمور الهجرةِ‬
‫كين‪ ،‬وق ْد‬ ‫قبل المشر َ‬ ‫من ِ‬ ‫َّب اللَّحا َق به ْ‬ ‫بشكل ٍ‬
‫دقيق حتَّى يتجن َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ َ‬
‫فجعلهم يهاجرو َن قبلهُ‪ ،‬وأب َقى معهُ أبَا بك ٍر‬ ‫بالمسلمين‬ ‫عدم ِ‬
‫إلحاق األذَى‬ ‫حرص علَى ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫المستند إلَى‬ ‫الواثق بربِِّه‬
‫خروج ِ‬ ‫خرج‬ ‫للسف ِر‪َّ ،‬‬ ‫الد ِ‬
‫رضي اهللُ عنهُ‪ ،‬وأمرهُ بتجهي ِز َّ‬
‫َ‬ ‫ثم َ‬ ‫واب َّ‬ ‫َ‬
‫اد اهللُ لعبدهِ المتوِّك ِل‬‫وهم ينتظرو َن رؤيتهُ ليقتلوهُ‪ ،‬فأر َ‬
‫كين ْ‬ ‫من بي ِن المشر َ‬ ‫فمر ْ‬
‫الحقِّ‪َّ ،‬‬
‫النَّصر‪ ،‬فأعمى أبصارهم وح ّفهُ برع ِ‬
‫ايته سبحانهُ وتعالَى‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هما رعايةُ‬ ‫ِّيق رضي اهللُ عنهُ‪ ،‬فانطل َقا ُّ‬ ‫ِ‬
‫بحبيبه الصد ِ‬ ‫ثم الت َقى ِ‬
‫تحف َ‬ ‫َ‬ ‫َلم‬
‫والس ُ‬
‫الصَلةُ َّ‬
‫عليه َّ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬ ‫حيم‪ ،‬واتَّخ َذ صلَّى اهلل ِ‬
‫خبيرا ليدلهُ علَى الطَّر ِيق‪َ ،‬‬
‫كما‬ ‫دليَل ً‬‫عليه وسلَّ َم ً‬ ‫ُ‬ ‫الر ِ‬‫الرحم ِن َّ‬
‫َّ‬
‫يكتشف المشركو َن أمرهُ‪.‬‬
‫َ‬ ‫الر ِ‬
‫حلة حتَّى َال‬ ‫استعا َن بمن يمسح آثار ِ‬
‫خيله أثناءَ ِّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬

‫‪33‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫للعدو‪،‬‬
‫وتمويها ِّ‬‫ً‬ ‫أسبوع؛ تحقي ًقا لألم ِن‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫تحتاج ثَلثةَ أيَّ ٍام إلَى‬
‫ُ‬ ‫الرحلةَ التِي‬
‫أطال ِّ‬
‫وق ْد َ‬
‫السي ِر‬
‫من َّ‬ ‫َّ‬ ‫فأدلج إلَى غا ِر ثوٍر حتَّى يهدأَ الطَّلب وتفتر الهمم فِي ِ‬
‫اقتفاء أثرهِ‪،‬‬
‫فيتمك َن َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫بأوٍل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫طلب في هذه الفترة م ِن اب ِن أبي بك ٍر موافاتهُ بأخبا ِر المشر َ‬
‫كين َّأوًال َّ‬ ‫آمن‪ ،‬و َ‬ ‫وهو ٌ‬‫َ‬
‫تكن‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫واختار أسماء ِ‬
‫بنت أبِي بك ٍر‬
‫ولم ْ‬ ‫للمخاض ْ‬ ‫تستعد‬ ‫كانت‬
‫بالغذاء؛ فق ْد ْ‬ ‫لتزويدهم‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يش‪.‬‬ ‫شكوك قر ٍ‬
‫َ‬ ‫لتثير‬
‫كاتها َ‬‫تحر َ‬
‫ُّ‬
‫وصلت إلَى الغا ِر!‬
‫ْ‬ ‫شا‬
‫أن قري ً‬ ‫للجهد فِي ال ِّ‬
‫تخفي َّإال َّ‬ ‫ِ‬ ‫َلم‬
‫والس ُ‬
‫الصَلةُ َّ‬ ‫بذله ِ‬
‫عليه َّ‬ ‫ورغم ِ‬
‫َ‬
‫عمل‬
‫فَل يضيِّ ُع اهللُ َ‬
‫ِ‬
‫األسباب‪َ ،‬‬ ‫كل‬
‫ذلك َّ‬ ‫وبذل فِي ِ‬
‫سبيل َ‬ ‫باهلل َ‬ ‫وثق ِ‬
‫من َ‬ ‫شى ْ‬ ‫لكن َال يخ َ‬‫َّ‬
‫رضي اهللُ عنهُ(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫المتوِّك ِل‬
‫العامل‪ ،‬فكا َن مطمئنًّا ومثبِّتًا لقلب أبي بكر َ‬
‫ين َك َف ُروا ثَانِ َي اثْـنَـ ْي ِن إِ ْذ ُه َما فِي‬ ‫َّ ِ‬
‫ص َرهُ اللَّهُ إِ ْذ أَ ْخ َر َجهُ الذ َ‬ ‫قال تعالَى‪{ :‬إَِّال تَـ ْن ُ‬
‫ص ُروهُ فَـ َق ْد نَ َ‬ ‫َ‬
‫احبِ ِه َال تَحز ْن إِ َّن اللَّهَ معنَا ۖ فَأَنْـز َل اللَّهُ س ِكينَتَهُ َعلَي ِه وأَيَّ َدهُ بِجنُ ٍ‬ ‫ول لِص ِ‬
‫ود‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َْ‬ ‫الْغَا ِر إِ ْذ يَـ ُق ُ َ‬
‫الس ْفلَ ٰى ۖ َوَكلِ َمةُ اللَّ ِه ِه َي الْعُلْيَا ۖ َواللَّهُ َع ِز ٌيز‬ ‫ين َك َف ُروا ُّ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫لَ ْم تَـ َرْو َها َو َج َع َل َكل َمةَ الذ َ‬
‫يم"}[التوبة‪.]10 :‬‬ ‫ِ‬
‫َحك ٌ‬

‫‪------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الهجرة النبوية‪ ،‬محمد السيد الوكيل ‪.٦٤٩/٦‬‬

‫‪34‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ ِ‬
‫العالمين بعثهُ‬
‫َ‬ ‫رب‬
‫من ِّ‬ ‫كن إلَى أنَّهُ ٌ‬
‫رسول ْ‬ ‫لم ير ْ‬‫َّبي الكر ِيم القدوة الذي ْ‬ ‫ظر إلَى الن ِّ‬‫فان ْ‬
‫سمت رسالتهُ وتعلَّ ْ‬
‫قت‬ ‫ْ‬ ‫ليبلِّ َغ دينهُ‪ ،‬ولم ينتظر النُّصرةَ وهو قاع ٌد فِي ِ‬
‫بيته‪ ،‬فاإلنسا ُن وإ ْن‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫منها‪.‬‬ ‫األسباب؛ حتَّى َّ‬ ‫باهلل تعالَى ِ‬ ‫ِ‬
‫تتحق َق الغايةُ َ‬ ‫َ‬ ‫أجلها‬
‫من َ‬ ‫يبذل ْ‬
‫عليه أ ْن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من التوُّك ِل‪ُّ ،‬‬
‫أهم َها غزوةُ‬ ‫نماذج كثيرةٌ ْ‬
‫ُ‬ ‫كين‬
‫مع المشر َ‬ ‫وفي حروبه صلَّى اهللُ عليه وسلَّ َم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫خرجوا‬
‫وعتادا‪ُ ،‬‬
‫عد ًة ً‬ ‫يفوقهم َّ‬
‫ْ‬ ‫من‬
‫فيها المسلو َن للقاء ْ‬‫خرج َ‬ ‫بد ٍر‪ ،‬أولَى الغزوات التي َ‬
‫نتصور اطمئنا َن هذهِ‬ ‫ٍ‬ ‫واثقين بنص ِر ِ‬
‫من عتاد‪ ،‬وق ْد َال َّ ُ‬ ‫مصطحبين َما استطاعُوا جمعهُ ْ‬
‫َ‬ ‫اهلل‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استئصال‬
‫َ‬ ‫ادوا‬
‫الذين أر ُ‬
‫َلح َ‬ ‫بالس ِ‬
‫جين ِّ‬ ‫المدج َ‬
‫َّ‬ ‫الجنود‬ ‫أمام جم ٍع غفي ٍر َ‬
‫من‬ ‫وهم َ‬ ‫الفئة ْ‬
‫اهلل تعالَى والثِّقةُ بنصرهِ التِي َال يواز َيها شيءٌ‪.‬‬
‫اإلسَلم‪ ،‬لكنَّهُ التوُّكل علَى ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ْف ِم َن ال َْم ََلئِ َك ِة‬
‫اب لَ ُكم أَنِّي م ِم ُّد ُكم بِأَل ٍ‬
‫استَ َج َ ْ ُ ْ‬
‫ِ‬
‫قال تعالَى‪{ :‬إِ ْذ تَ ْستَغيثُو َن َربَّ ُك ْم فَ ْ‬ ‫َ‬
‫َّص ُر إَِّال ِم ْن ِع ْن ِد اللَّ ِه إِ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين * َوَما َج َعلَهُ اللَّهُ إَِّال بُ ْش َرى َولتَط َْمئِ َّن بِه قُـلُوبُ ُك ْم َوَما الن ْ‬ ‫ُم ْردف َ‬
‫الس َم ِاء َماءً لِيُطَ ِّه َرُك ْم‬ ‫اس أ ََمنَةً ِم ْنهُ َويُـنَـ ِّز ُل َعلَْي ُك ْم ِم َن َّ‬
‫ُّع َ‬ ‫يم * إِ ْذ يُـغَ ِّ‬
‫شي ُك ُم النـ َ‬
‫ِ‬
‫اللَّهَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫وحي‬ ‫ت بِ ِه ْاألَقْ َدام * إِ ْذ ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ط َعلَى قُـلُوبِ ُك ْم َويُـثَبِّ َ‬ ‫ان َولِيَـ ْربِ َ‬
‫الش ْيطَ ِ‬
‫ب َع ْن ُك ْم ِر ْج َز َّ‬ ‫ِِ ِ‬
‫به َويُ ْذه َ‬
‫ب‬ ‫ك إِلَى الْم ََلئِ َك ِة أَنِّي مع ُكم فَـثَبِّتُوا الَّ ِذين آمنُوا سأُل ِْقي فِي قُـلُ ِ َّ ِ‬
‫الر ْع َ‬ ‫ين َك َف ُروا ُّ‬ ‫وب الذ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ‬ ‫َربُّ َ‬
‫ض ِربوا ِم ْنـ ُهم ُك َّل بـنَ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ان}[األنفال‪.]11 - 1 :‬‬ ‫ْ َ‬ ‫ض ِربُوا فَـ ْو َق ْاألَ ْعنَاق َوا ْ ُ‬
‫فَا ْ‬
‫قليَل ًّ‬
‫جدا‪،‬‬ ‫المسلمين كا َن ً‬ ‫عدد‬
‫ألن َ‬ ‫ِ‬
‫اآليات؛ َّ‬ ‫أمر بد ٍر كا َن ْمن ِ‬
‫أعظم‬
‫َ‬ ‫جاج‪ُ :‬‬ ‫الز ُ‬
‫قال َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بالمَلئكة(‪.)1‬‬ ‫هم اللّهُ‬
‫أضعافهم‪ ،‬وأم ّد ُ‬
‫ْ‬ ‫فأيدهم اهللُ‪ ،‬وكا َن المشركو َن‬
‫ُ‬ ‫رجالةً‪،‬‬
‫وكانُوا ّ‬
‫‪----------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬معاني القرآن وإعرابه ‪.٥٠٥/٧‬‬

‫‪35‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فيها المشركو َن‬ ‫تكالب َ‬ ‫َ‬ ‫اب‪ ،‬التِي‬ ‫االستعداد لغزوةِ األحز ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ﷺ فِي‬‫رسول ِ‬
‫وقد اجته َد ُ‬ ‫ِ‬
‫لم‬ ‫أضعاف ِ‬ ‫ِ‬
‫لكن ه َذا ْ‬ ‫المسلمين‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫عدد‬ ‫أعدادهم ثَلثةَ‬
‫ْ‬ ‫كانت‬
‫المسلمين‪ ،‬و ْ‬ ‫َ‬ ‫واليهود علَى‬
‫ُ‬
‫حابة الكر ِام الخند َق‬ ‫الص ِ‬ ‫مع َّ‬ ‫الصادقين‪ ،‬فحفر ُ ِ‬ ‫يفت فِي ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫َ‬ ‫المؤمنين َّ َ‬ ‫َ‬ ‫عضد‬ ‫ّ‬
‫اهلل تعالَى‪.‬‬‫والجوع‪َ ،‬ال يؤازرهم سوى انتصارهم لدي ِن ِ‬ ‫جو من ِ‬
‫البرد‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫في ٍّ َ‬
‫دهم(‪.)1‬‬
‫وشر ْ‬ ‫اب َّ‬ ‫أرعب األحز َ‬ ‫عليهم بأ ْن َ‬‫ْ‬ ‫وق ْد َم َّن اهللُ‬
‫ين ال ِْقتَ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ال‬ ‫ين َك َف ُروا بغَْيظ ِه ْم لَ ْم يَـنَالُوا َخ ْيـ ًرا َوَك َفى اللَّهُ ال ُْم ْؤمن َ‬
‫قال تعالى‪َ { :‬وَر َّد اللَّهُ الذ َ‬
‫ف‬‫اصي ِه ْم َوقَ َذ َ‬ ‫اب ِمن صي ِ‬ ‫ْكتَ ِ‬‫وَكا َن اللَّهُ قَ ِويًّا َع ِزيزا * وأَنز َل الَّ ِذين ظَاهروهم ِّمن أ َْه ِل ال ِ‬
‫ََ‬ ‫َ َُ ُ ْ‬ ‫ً َ َ‬ ‫َ‬
‫الر ْعب فَ ِري ًقا تَـ ْقتُـلُو َن وتَأ ِْسرو َن فَ ِري ًقا * وأَورثَ ُكم أَر َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ارُه ْم َوأ َْم َوالَ ُه ْم‬
‫ض ُه ْم َوديَ َ‬ ‫َ َْ ْ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫في قُـلُوب ِه ُم ُّ َ‬
‫وها َوَكا َن اللَّهُ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ًيرا}[األحزاب‪.]17 - 18 :‬‬ ‫ضا لَّ ْم تَطَُؤ َ‬ ‫َوأ َْر ً‬
‫المؤمنين المتوِّك َ‬
‫لين‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ناصر‬
‫هو ُ‬ ‫فاهللُ تعالَى َ‬
‫قال َّ ِ‬
‫أمر‬
‫وال يعجزهُ ٌ‬ ‫لب‪َ ،‬‬ ‫وال يستنصرهُ أح ٌد َّإال غَ َ‬ ‫لب‪َ ،‬‬ ‫السعدي‪َ :‬ال يغالبهُ أح ٌد َّإال غُ َ‬ ‫َ‬
‫وعز ِته(‪.)1‬‬ ‫بقو ِته َّ‬ ‫يعنهم َّ‬
‫لم ْ‬ ‫تهم‪ ،‬إ ْن ْ‬ ‫وعز ْ‬ ‫تهم َّ‬ ‫قو ْ‬ ‫والعزةِ‪َّ ،‬‬
‫القوةِ َّ‬ ‫أهل َّ‬‫ينفع َ‬ ‫وال ُ‬ ‫أرادهُ‪َ ،‬‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسير المنير‪ ،‬الزحيلي ‪.٧٦٤/٧٦‬‬


‫(‪ )1‬تيسير الكريم الرحمن ‪.٦٦٠/٦‬‬

‫‪36‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الر ِ‬
‫زق‪:‬‬ ‫طلب ِّ‬
‫ثالثًا‪ُ :‬‬
‫مكفول بربوبيَّ ِة ِ‬
‫اهلل‬ ‫ٌ‬ ‫الرز َق‬ ‫ألن ِّ‬ ‫المؤمنين؛ َّ‬ ‫زق سمةُ‬ ‫الر ِ‬
‫طلب ِّ‬ ‫اهلل تعالَى فِي ِ‬ ‫التوُّكل علَى ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باألسباب‪.‬‬ ‫االثنان‬ ‫تعالَى للمؤم ِن والكاف ِر إ ْن َ‬
‫عمل‬

‫وجل‪َ { :‬وَكأَيِّن ِمن َدابٍَّة ال تَ ْح ِم ُل ِر ْزقَـ َها اللَّهُ يَـ ْرُزقُـ َها َوإِيَّا ُك ْم َو ُه َو‬‫عز َّ‬ ‫يقول المولَى َّ‬ ‫ُ‬
‫َّر َّ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫س َوالْ َق َم َر‬‫الش ْم َ‬ ‫ض َو َسخ َ‬ ‫ات َواألَ ْر َ‬ ‫يم * َولَئن َسأَلْتَـ ُهم َّم ْن َخلَ َق َّ َ َ‬ ‫يع ال َْعل ُ‬‫السم ُ‬
‫شاء ِمن ِعب ِ ِ‬ ‫ط ِّ ِ‬
‫اده َويَـ ْق ِد ُر لَهُ إِ َّن اللَّهَ‬ ‫الر ْز َق ل َمن يَ َ ْ َ‬ ‫سُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫لَيَـ ُقولُ َّن اللهُ فَأَنَّى يُـ ْؤفَ ُكو َن * اللهُ يَـ ْب ُ‬
‫يم}[العنكبوت‪.]61 - 60 :‬‬ ‫بِ ُك ِّل َشي ٍء َعلِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫امتنانه بكنوِز قارو َن‬ ‫من‬ ‫ِ‬
‫أدل علَى كرمه تعالَى ْ‬ ‫جميع عبادهِ‪َ ،‬‬
‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بفضله‬ ‫فاهللُ تعالَى يرز ُق‬
‫الممتن علَى عبادهِ بالطَّ ِ‬
‫عام‬ ‫ُّ‬ ‫وهو‬ ‫ِ‬
‫واألرض‪َ ،‬‬
‫الس ِ‬
‫ماوات‬ ‫ائن َّ‬
‫بسطها لهُ بسطًا‪ ،‬فلهُ خز ُ‬
‫َ‬ ‫التِي‬
‫ِ‬
‫المستقبل‪.‬‬ ‫المتكفل بأرز ِ‬
‫اق‬ ‫ِّ‬ ‫وهو‬ ‫‪،‬‬‫ن‬‫َ‬ ‫يملكو‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫كل‬
‫ِّ‬ ‫و‬ ‫اب والذريَِّ‬
‫ة‬ ‫والشر ِ‬
‫َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الس َم ِاء َو ْاألَ ْر ِ‬
‫ض إِنَّهُ لَ َح ٌّق ِمثْ َل‬ ‫ب َّ‬‫وع ُدو َن * فَـ َوَر ِّ‬ ‫قال تعالَى‪{ :‬وفِي َّ ِ‬
‫الس َماء ِر ْزقُ ُك ْم َوَما تُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ط ُقون}[الذاريات‪]٧٣ - ٧٧ :‬‬ ‫‪.‬ما أَنَّ ُكم تَـ ْن ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫للر ِ‬
‫زق‬ ‫اهر ِّ‬ ‫فالس ُ َّ‬ ‫للر ِ‬ ‫الس ِ‬
‫بب الظ ُ‬ ‫زق‪َّ ،‬‬ ‫األهم ِّ‬
‫بب ِّ‬ ‫انتباه اإلنسا َن إلَى َّ‬
‫تلفت َ‬‫واآليةُ الكريمةُ ُ‬
‫يرفع‬ ‫ِ‬ ‫َّبات والث ِ‬ ‫األرض التِي‬
‫ِ‬
‫العاقل عليه أ ْن َ‬ ‫َ‬ ‫المؤمن‬
‫َ‬ ‫لكن‬
‫َّروات‪َّ ،‬‬ ‫تخرج الن َ‬
‫ُ‬ ‫هو رعايةُ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫بفضله‬ ‫زق هو اهلل تعالَى‪ِ ،‬‬ ‫الحقيقي ِّ ِ‬ ‫الس ِ‬
‫الذي يرز ُق عبادهُ‬ ‫للر َ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫بب‬
‫فالس ُ‬
‫ماء؛ َّ‬ ‫نحو َّ‬‫بصرهُ َ‬
‫ِ‬
‫المانح‬
‫ُ‬ ‫هو‬ ‫فاألصل أ ْن يتوَّك َل اإلنسا ُن علَى اهلل تعالَى ً‬
‫جازما أنَّهُ وحدهُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َال بجهده ْم‪،‬‬
‫ِ‬
‫وفضله‪.‬‬ ‫ينال رحمةَ ِ‬
‫اهلل تعالَى‬ ‫اق حتَّى َ‬‫تلك األرز ِ‬ ‫ِ‬
‫بأسباب َ‬ ‫يعمل‬ ‫ِ‬
‫لألرزاق‪ ،‬وأ ْن َ‬
‫يدرك هذهِ اللَّفتةَ علَى‬
‫المؤمن ُ‬
‫ُ‬ ‫والقلب‬
‫ُ‬
‫تعليقه علَى ِ‬
‫اآلية‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫قطب فِي‬
‫يقول سيِّ ُد ٍ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األرض‬ ‫إهمال‬
‫ُ‬ ‫هو‬
‫ليس َ‬
‫المقصود َبها َ‬
‫َ‬ ‫ويعرف َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫وضعها‬
‫َ‬ ‫ويفهمها علَى‬
‫َ‬ ‫حقيقت َها‪،‬‬

‫‪37‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫هو َّأال يعلِّ َق نفسهُ َبها‪،‬‬ ‫وتعميرها‪ ،‬إنَّ َما‬ ‫ِ‬ ‫فهو مكلَّ ٌ‬
‫المقصود َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فيها‬
‫ف بالخَلفة َ‬ ‫وأسبابها‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫ماء‪ ،‬وليأخ َذ‬ ‫الس ِ‬ ‫وهو يتطلَّ ُع إلَى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ليعمل فِي‬ ‫اهلل فِي عمار َتها‪،‬‬ ‫وأال يغفل ع ِن ِ‬ ‫َّ‬
‫األرض َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مقدر فِي َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يستيقن أنَّـ َها‬ ‫ِ‬
‫وما وعدهُ‬ ‫السماء‪َ ،‬‬ ‫هي التي ترزقهُ‪ ،‬فرزقهُ َّ ٌ‬ ‫ليست َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫وهو‬
‫باألسباب َ‬
‫بد أ ْن يكو َن(‪.)87‬‬ ‫اهللُ َال َّ‬
‫قال تعالَى‪َ { :‬وَمن يَـتَّ ِق اللَّهَ يَ ْج َعل‬ ‫ورزقه‪َ ،‬‬‫بكفايته ِ‬ ‫ِ‬ ‫وجل المتوِّكل ِ‬
‫عليه‬ ‫عز َّ‬ ‫وق ْد وع َد اهللُ َّ‬
‫َ‬
‫ب َوَمن يَـتَـ َوَّك ْل َعلَى اللَّ ِه فَـ ُه َو َح ْسبُهُ إِ َّن اللَّهَ‬ ‫ِ‬
‫ َّ ال يَ ْحتَس ُ‬ ‫لَّهُ َم ْخ َر ًجا * َويَـ ْرُزقْهُ ِم ْن َح ْي ُ‬
‫بَالِ ُغ أ َْم ِرهِ قَ ْد َج َع َل اللَّهُ لِ ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ْد ًرا}[الطَلق‪.]1 - 1 :‬‬
‫ض علَى التوُّك ِل‬ ‫ِ‬
‫اإلمساك‪ ،‬وح ٌّ‬ ‫اهلل فِي أموِر الطَّ ِ‬
‫َلق أ ِو‬ ‫اآليات بيا ٌن لضرورةِ تقوى ِ‬ ‫ِ‬ ‫وفِي‬
‫َ‬
‫عليه ْأو‬‫وألن اهلل تعالَى بال ُغ أمرهِ‪( ،‬سواء) توَّكل اإلنسا ُن ِ‬ ‫َّ‬ ‫‪،‬‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫َّا‬
‫الرز‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫أل‬ ‫ى؛‬ ‫َ‬‫ل‬ ‫تعا‬ ‫علَى ِ‬
‫اهلل‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫يكفر عنهُ سيِّ ِ‬ ‫ِ‬
‫أن المتوِّك َل َّ ُ‬ ‫غير َّ‬‫لم يتوَّك ْل عليه‪َ ،‬‬
‫(‪)84‬‬
‫ابن‬
‫قس َم ُ‬ ‫أجرا ‪ ،‬وق ْد ّ‬ ‫ويعظم لهُ ً‬ ‫ُ‬ ‫ئاته‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬
‫أسباب‪:‬‬ ‫َّرك إلَى ِ‬
‫ثَلثة‬ ‫خذ والت ِ‬ ‫حي َّ األ ِ‬‫من ُ‬ ‫األسباب ْ‬‫َ‬ ‫عجيبةَ‬
‫يجوز تركهُ‪،‬‬ ‫الدنيَا‪ ،‬فه َذا َال ُ‬ ‫من سن ِن ُّ‬ ‫وهو سنَّةٌ ْ‬ ‫قطعا ق ْد أجراهُ اهللُ‪َ ،‬‬ ‫معلوم ً‬ ‫سبب ٌ‬ ‫َّأو َلها ٌ‬
‫ِ‬
‫وطلب‬ ‫البرد‪ ،‬والثَّانِي‪ :‬سبب مظنو ٌن‪ ،‬كالتِّجارةِ‬ ‫باس لرف ِع ِ‬ ‫الجوع واللِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كاألكل لرف ِع‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫القلوب َال‬ ‫ِ‬
‫أعمال‬ ‫فإن التوُّك َل ْ‬
‫من‬ ‫دح فعلهُ فِي التوُّك ِل‪َّ ،‬‬ ‫ذلك‪ ،‬فه َذا َال يق ُ‬ ‫وشبه َ‬ ‫المعاش‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫زق‬‫الر ِ‬‫بأسباب ِّ‬‫ِ‬ ‫عليه‪ ،‬لكنَّهُ أخ َذ‬ ‫ويجوز تركهُ (أي السبب) لمن قوي ِ‬ ‫ُ‬ ‫أعمال ِ‬
‫البدن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫يقدح فعلهُ فِي التوُّك ِل‪،‬‬ ‫موهوم بعي ٌد‪ ،‬فه َذا ُ‬ ‫ٌ‬ ‫سبب‬
‫َّال َّ‪ٌ :‬‬ ‫وفعلهُ محمو ٌد‪ ،‬والث ُ‬

‫‪---------------------------------------------------------------------- ---------------------‬‬

‫(‪ )1‬في ظَلل القرآن ‪.٣٣٣٦/٦‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬جامع البيان‪ ،‬الطبري ‪.٥٤/٧٣‬‬

‫‪38‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ذلك(‪،)1‬‬ ‫والسح ِر‪ِ ،‬‬


‫وشبه ِ‬ ‫وعلم النَّا ِر ِّ‬ ‫ِ‬
‫الكيمياء والكنوِز ِ‬ ‫مثل ِ‬
‫طلب‬ ‫ثم بيّ َن َّ‬
‫َّال َّ َ‬
‫أن الث َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫القسم الثَّاني ِ‬
‫أي‬ ‫من‬ ‫ِ‬
‫األسباب َ‬ ‫من‬ ‫طلب الكنوِز بالطُّرق المشروعة َ‬
‫هو َ‬ ‫أن َ‬ ‫وأرى َّ‬‫َ‬
‫اهلل تعالَى فِي ِّ‬
‫كل‬ ‫بالبح َّ والحف ِر وتوَّكل علَى ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫المظنون‪َّ ،‬‬
‫ألن صاحبهُ تسبَّ َ‬ ‫ِ‬
‫السبب‬
‫أعلم‪.‬‬
‫األرجح واهللُ ُ‬
‫ُ‬ ‫ذلك‪ ،‬وه َذا‬
‫َ‬
‫األحكام الشرعيَّ ِة‪ ،‬ومراعاةِ ال ُّ‬
‫سن ِن‬ ‫ِ‬ ‫حيح‪ :‬تنفي ُذ‬
‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫شروط التوُّك ِل َّ‬ ‫ومن‬
‫الزحيلي‪ْ :‬‬
‫ُّ‬ ‫قال‬
‫َ‬
‫تفويض األم ِر إلَى ِ‬
‫اهلل تعالَى(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬
‫األسباب َّ‬ ‫المطلوبة فِي الحياةِ‪ ،‬م ِن اتِّ ِ‬
‫خاذ‬ ‫ِ‬

‫َّ ِ‬ ‫َّت السنَّةُ النبويَّةُ علَى التوُّك ِل فِي ِ‬


‫طلب ِّ ِ‬ ‫وق ْد حث ِ‬
‫عمر ب ِن الخطاب َ‬
‫رضي اهللُ‬ ‫فعن َ‬ ‫الرزق‪ْ ،‬‬
‫كما يرز ُق‬ ‫قال‪" :‬لو أنّكم كنتم توّكلو َن علَى اللّ ِه ح ّق توّك ِ‬ ‫عنهُ َّ‬
‫لرزقتم َ‬
‫ْ‬ ‫له‬ ‫النبي ﷺ َ ْ ْ ْ‬ ‫أن َّ‬
‫وتروح بطانًا"(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫خماصا‪،‬‬
‫ً‬ ‫الطّ َير‪ ،‬تغ ُدو‬

‫‪- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- - -- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- ---- -- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- --- --- --- --- --- ---- --- --- --- ---‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬البحر المديد ‪٥٧٣/٦‬‬


‫(‪ )1‬التفسير المنير ‪.٣/٩‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬أبواب الزهد‪ ،‬باب في التوكل على اهلل ‪ ،٥٤٣/٥‬رقم ‪.٧٣٥٥‬‬

‫‪39‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬
‫بأنبياء ِ‬
‫اهلل الكر ِام‪ ،‬فع ِن‬ ‫بأسباب ِّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الرزق اقتداءً‬ ‫باألخذ‬ ‫المؤمن‬
‫َ‬ ‫أمر‬
‫وفي اآلن نفسه َ‬
‫من أ ْن‬ ‫"ما أكل أح ٌد ً ُّ‬ ‫رسول ِ‬
‫عن ِ‬ ‫ِ‬
‫خيرا ْ‬
‫طعاما قط‪ً ،‬‬ ‫قال‪َ َ :‬‬ ‫اهلل ﷺ‪َ ،‬‬ ‫رضي اهللُ عنهُ‪ْ ،‬‬
‫المقدام َ‬
‫عمل يدهِ(‪.)1‬‬ ‫من ِ‬‫يأكل ْ‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كا‬ ‫‪،‬‬‫َلم‬
‫ُ‬ ‫الس‬
‫َّ‬ ‫داود ِ‬
‫عليه‬ ‫َ‬ ‫نبي ِ‬
‫اهلل‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وإن‬ ‫‪،‬‬‫عمل يدهِ‬
‫من ِ‬‫يأكل ْ‬
‫َ‬
‫المتقاعسين‬ ‫سمت‬
‫ُ‬ ‫الخوارق والجوائ ِز الربَّ ِ‬
‫انية فه َذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واالعتماد علَى‬ ‫ِ‬
‫الكسب‬ ‫ترك‬
‫َّأما ُ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألن ِ‬
‫وجل؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫األسباب والمسبِّبات الذي وضعهُ اهللُ‬ ‫لقانون‬ ‫إبطاال‬
‫فيه ً‬ ‫عز َّ‬ ‫ذمهُ اهللُ َّ‬
‫الذي ّ‬
‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ِ‬
‫والقعود ومخالفةً ألم ِر ِ‬
‫اهلل تعالَى بإعما ِر‬ ‫ِ‬
‫التكاسل‬ ‫ِ‬
‫الكون‪ ،‬ودعوةً إلَى‬ ‫فِي‬
‫ِ‬
‫بالعمل‪.‬‬
‫الدعوةُ إلَى ِ‬
‫اهلل تعالَى‪:‬‬ ‫ابعا‪َّ :‬‬
‫رً‬
‫وال يتأتِى لنَا‬ ‫وإخَلص مقرو ٌن ِ‬
‫بالعلم‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وحب‬
‫بجد ٍّ‬ ‫المسلم ٍّ‬
‫ُ‬ ‫مهم يخوضهُ‬ ‫مضمار ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫الدعوةُ‬ ‫َّ‬
‫عز َّ ِ‬ ‫الدعوةِ َّإال بع َد التوُّك ِل علَى ِ‬ ‫جني ثمر ِ‬
‫وجل والثِّقة بأنَّهُ تعالَى إ ْن شاءَ َ‬
‫أجرى‬ ‫اهلل َّ‬ ‫ات َّ‬ ‫ُ‬
‫وتنقاد إلَى َما يدعُو‬
‫ُ‬ ‫اعية وقَـلَ ِم ِه‪ ،‬فجعل القلوب تنجذب ِ‬
‫إليه‬ ‫الد ِ‬ ‫الحجةَ علَى ِ‬
‫لسان َّ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حجةُ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عظمت‬
‫ْ‬ ‫ومهما‬
‫الداعية‪َ ،‬‬ ‫بلغت َّ‬ ‫مهما ْ‬‫ح‪َ ،‬‬ ‫كتب للدعوة نجا ٌ‬‫فلن يُ ُ‬ ‫لم يشأْ ْ‬
‫إليه‪ ،‬وإ ْن ْ‬
‫خبرتهُ‪.‬‬
‫وق ْد خلّ َد التَّاري ُخ نماذج عديدةً من ُّ ِ‬
‫سمو‬
‫لم يعتم ُدوا علَى ِّ‬
‫الذين ْ‬
‫لين َ‬ ‫الدعاة المتوِّك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّجاح حتَّى‬ ‫ِ‬
‫بأسباب الن ِ‬ ‫فحسب‪ِ ،‬‬
‫بل اجته ُدوا وأخ ُذوا‬ ‫الر ِ‬
‫سالة‬ ‫ِ‬
‫الهدف وربَّانيَّ ِة مصد ِر ِّ‬
‫ُ‬
‫تهم‪.‬‬
‫تصر فكر ْ‬
‫دعوتهم وتن َ‬
‫ْ‬ ‫تسمو‬
‫ُ‬
‫‪---------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب كسب الرجل وعمله بيده ‪ ،٥٤/٣‬رقم ‪.٧٠٤٧‬‬

‫‪40‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ين * اتَّبِعُوا‬ ‫ال يا قَـوِم اتَّبِعوا الْمرسلِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫صى ال َْمدينَة َر ُج ٌل يَ ْس َعى قَ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬و َجاءَ م ْن أَقْ َ‬
‫َج ًرا َو ُهم ُّم ْهتَ ُدو َن * َوَما لِي الَ أَ ْعبُ ُد الَّ ِذي فَطََرنِي َوإِلَْي ِه تُـ ْر َجعُو َن *‬ ‫َمن الَّ يَ ْسأَلُ ُك ْم أ ْ‬
‫ون *‬‫اعتُـ ُهم َش ْيئًا والَ ي ِنق ُذ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ض ٍّر الَّ تُـغْ ِن َعنِّي َش َف َ ْ‬ ‫الر ْح َمن بِ ُ‬ ‫أَأَتَّ ِخ ُذ ِمن ُدونِِه آلِ َهةً إِن يُ ِر ْد ِن َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫إِنِّي إِ ًذا لَِّفي َ‬
‫ت‬‫ال يَا لَْي َ‬ ‫ْجنَّةَ قَ َ‬‫يل ا ْد ُخ ِل ال َ‬ ‫اس َمعُون * ق َ‬ ‫ت بَِربِّ ُك ْم فَ ْ‬
‫آمن ُ‬ ‫َلل ُّمبِي ٍن * إِنِّي َ‬ ‫ض ٍ‬
‫ين}[يس‪.]16 – 10 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قَـ ْومي يَـ ْعلَ ُمو َن * ب َما غَ َف َر لي َربِّي َو َج َعلَني م َن ال ُْم ْك َرم َ‬
‫اهلل تعالَى‬ ‫الداعيةُ المخلص المتوِّكل علَى ِ‬ ‫َّ‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫خذه‬ ‫َّ‬‫ت‬‫ا‬ ‫ي‬ ‫األسباب التِ‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫متأمل فِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ولعل ال ِّ َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫دخول الجنَّةَ بحقٍّ‪ ،‬ومن هذهِ‬ ‫ِّ‬ ‫دعوته ِ‬ ‫ِ‬ ‫فِي‬
‫األسباب(‪:)1‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫استحق‬ ‫يعلم أنَّهُ‬
‫بين ُ‬ ‫المكذ َ‬ ‫لقومه‬
‫كت هذهِ‬‫تحر ْ‬ ‫استشعر حقيقةَ اإليما ِن‪َّ ،‬‬ ‫فحينما‬ ‫الدعوةِ‪،‬‬ ‫وعدم التباط ِئ فِي َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫السرعةُ ُ‬ ‫ُّ‬
‫إليها‪.‬‬ ‫أجل َّ ِ‬ ‫من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدعوة َ‬ ‫فلم يتوا َن في اإلسر ِاع ْ‬ ‫الحقيقةُ في ضميره‪ْ ،‬‬
‫المدينة‪ ،‬وهو مكا ٌن بعي ٌد‪ ،‬وه َذا يؤِّك ُد إخَلصه فِي َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الدعوة َما جعلهُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أقصى‬
‫من َ‬ ‫حضورهُ ْ‬
‫ِ‬
‫دعوته‪.‬‬ ‫إنجاح‬
‫ِ‬ ‫من ِ‬
‫أجل‬ ‫مشاق الطَّر ِيق ْ‬ ‫َّ‬ ‫يحتمل‬
‫ُ‬
‫من‬ ‫المجيء َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بذله الجه َد فِي‬ ‫اعه مع ِ‬ ‫سعيهُ‪ ،‬والكلمةُ دالَّةٌ علَى إسر ِ‬
‫لهم ْ‬ ‫للدعوة؛ إنقا ًذا ْ‬ ‫َ‬
‫ظلمات الكف ِر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بقوله «يَا قَـ ْوِم»‪.‬‬ ‫قومه‪ ،‬واستعطافهُ لهم ِ‬
‫ْ‬
‫رفقهُ ولينهُ مع ِ‬
‫َ‬
‫طلب ِ‬
‫المال‪.‬‬ ‫وعدم ِ‬ ‫االهتداء ِ‬‫ِ‬ ‫حي َّ‬
‫من ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أنظارهم إلَى ميزات األنبياء ْ‬ ‫ْ‬ ‫لفتهُ‬

‫‪---------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬إرشاد العقل السليم‪ ،‬أبو السعود ‪ ،٦٦٥-٦٦٣/٤‬التحرير والتنوير‪ ،‬ابن عاشور ‪.٣٦٥/٧٧‬‬

‫‪41‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ويحب‬ ‫شى علَى ِ‬


‫نفسه‬ ‫عليهم َما يخ َ‬ ‫شى‬‫إشعارهم أنَّهُ يخ َ‬ ‫ِ‬
‫منطلق‬ ‫من‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫مخاطبتهُ لنفسه ْ‬
‫النتباههم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫األساليب لفتًا‬ ‫لنفسه‪ ،‬واجتهادهُ فِي تغيي ِر‬
‫ِ‬ ‫يحب‬
‫لهم َما ُّ‬‫ْ‬
‫والضر‪،‬‬ ‫َّفع‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ُّفوس ِ‬
‫فاطر الن ِ‬ ‫تنبيههم إلَى َّ‬
‫ُّ‬ ‫الخالق الذي بيده الن ُ‬ ‫وهو‬
‫المعاد‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وإليه‬ ‫أن اهللَ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫والعقاب دو َن سواهُ‪.‬‬ ‫وعندهُ الجزاءُ بالث ِ‬
‫َّواب‬
‫ِ‬
‫بسماعه ِ‬
‫وفهم َما يقولهُ‪.‬‬ ‫يهتموا‬ ‫تكرار َّ ِ‬
‫الدعوة وطلبهُ أ ْن ّ‬ ‫ُ‬
‫إعَلمهم ِ‬
‫بثواب‬ ‫ِ‬
‫وحرصه علَى‬ ‫الحق ونش ِر دي ِن ِ‬
‫اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫إيصال ِّ‬ ‫مقابل‬ ‫تحم ِل‬
‫ْ‬ ‫تعذيبهم لهُ َ‬
‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫إيذائهم لهُ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫من‬ ‫الر ِ‬
‫غم ْ‬ ‫المؤم ِن علَى ُّ‬
‫عن‬ ‫ِ‬ ‫كظم ِ‬ ‫وجوب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫والحلم ْ‬ ‫الغيظ‪،‬‬ ‫عظيم‪ ،‬وداللةٌ علَى‬
‫قال القرطبي‪ :‬وفي هذه اآلية تنبيهٌ ٌ‬ ‫َ‬
‫والتشم ِر‬
‫ُّ‬ ‫أدخل نفسهُ فِي غما ِر األشرا ِر ِ‬
‫وأهل البغ ِي‪،‬‬ ‫من‬ ‫ى‬‫ل‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫ف‬‫والترؤ ِ‬
‫الجهل‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أهل‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫عاء ِ‬
‫عليه(‪.)1‬‬ ‫والد ِ‬‫الشماتة ِبه ُّ‬
‫ِ‬ ‫بذلك ع ِن‬ ‫ِ‬
‫واالشتغال َ‬ ‫ِ‬
‫افتدائه‪،‬‬ ‫ف فِي‬ ‫ِ‬
‫تخليصه‪ ،‬والتلطُّ ِ‬ ‫فِي‬
‫استحضر‬
‫َ‬ ‫للدعوةِ اإلسَلميَّ ِة‪ ،‬فل ِو‬‫ئيس َّ‬
‫الر ُ‬ ‫المسه ُل َّ‬
‫ِّ‬ ‫هو‬ ‫ِ‬
‫ولعل التوُّك َل علَى اهلل تعالَى َ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عليه من ٍ‬ ‫يعود ِ‬ ‫ِ‬
‫اض‪ ،‬فإنَّهُ‬‫وانتقادات وإعر ٍ‬ ‫وغموم‪،‬‬ ‫هموم‬ ‫ْ‬ ‫دعوته َما ق ْد ُ‬ ‫اإلنسا ُن عن َد‬
‫وعزةٍ ومناصرةٍ من ِ‬ ‫بقوةٍ َّ‬ ‫ِ‬ ‫سيترك أمر َّ ِ‬
‫اهلل‬ ‫َ‬ ‫مع التوُّك ِل علَى اهلل تعالَى ُ‬
‫يشعر َّ‬ ‫الدعوة‪ ،‬لكنَّهُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫الداعيةَ علَى التوُّك ِل‪:‬‬ ‫ومن األموِر التِي ُ‬
‫تبع َّ َّ‬ ‫عليه أمر َّ ِ‬ ‫تعالَى‪ ،‬فيهو ُن ِ‬
‫الدعوة‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫لعَل‪ ،‬والثِّقةُ ِبه َّ‬
‫عز‬ ‫ِ‬
‫وصفاته ا َ‬ ‫ِ‬
‫أسماء ِ‬
‫اهلل‬ ‫قلبه‪ ،‬وإدراكهُ لمعانِي‬ ‫َّوحيد فِي ِ‬
‫خ الت ِ‬ ‫‪ -‬رسو ُ‬
‫وجل‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪---------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬الجامع ألحكام القرآن ‪.٦٤/٦٥‬‬

‫‪42‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وفيق من ِ‬
‫اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬معرفةُ َّ ِ‬
‫رم التَّ َ َ‬ ‫الداعية إمكانات نفسه‪ ،‬وإدراكهُ لضعفه وعجزه إ ْن ُح َ‬
‫ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬
‫والخلف‪.‬‬ ‫لف‬ ‫من َّ‬ ‫لين َ‬‫بفضل التوُّك ِل وأحوال المتوِّك َ‬ ‫‪ -‬المعرفةُ ِ‬
‫من‬ ‫الدعاةِ إلَى ِ‬ ‫أوائل ُّ‬ ‫اهلل الكر ِ‬ ‫وفِي سيرةِ ِ‬
‫أنبياء ِ‬
‫نماذج عظيمةٌ َ‬ ‫ٌ‬ ‫اهلل تعالَى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وهم‬
‫ْ‬ ‫ا‪،‬‬ ‫جميع‬
‫ً‬ ‫ام‬
‫اهلل فِي َّ ِ‬ ‫التوُّك ِل علَى ِ‬
‫محم ٌد ﷺ‪.‬‬ ‫لين َّ‬ ‫إمام المتوِّك َ‬‫أسهم ُ‬ ‫الدعوة‪ ،‬وعلَى ر ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قول ِ‬
‫ُّم َح ِر ٌ‬
‫يص‬ ‫ول ِّم ْن أَن ُفس ُك ْم َع ِز ٌيز َعلَْيه َما َعنت ْ‬ ‫اهلل تعالَى‪{ :‬لََق ْد َجاءَ ُك ْم َر ُس ٌ‬ ‫وتأم ْل َ‬‫َّ‬
‫يم * فَِإن تَـ َولَّ ْوا فَـ ُق ْل َح ْسبِ َي اللَّهُ ال إِلَهَ إِالَّ ُه َو َعلَْي ِه تَـ َوَّكل ُ‬
‫ْت‬ ‫علَي ُكم بِالْم ْؤِمنِين رُؤ ٌ ِ‬
‫وف َّرح ٌ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َْ‬
‫يم}[التوبة‪.]111 - 114 :‬‬ ‫ش ال َْع ِظ ِ‬
‫ب ال َْع ْر ِ‬
‫َو ُه َو َر ُّ‬
‫فهو‬
‫ومن نسبه ْم‪َ ،‬‬
‫جنسهم ْ‬
‫ْ‬ ‫من‬
‫العرب ْ‬
‫َ‬ ‫النبي ﷺ‪ ،‬وأنَّهُ جاءَ‬
‫فضل ِّ‬‫وق ْد بيّ َن اهللُ تعالَى َ‬
‫يص َّأال َ‬
‫تفلت‬ ‫ِ‬
‫العذاب‪ ،‬حر ٌ‬ ‫ع فِي‬ ‫ِ‬
‫العاقبة والوقو َ‬ ‫عليهم سوءَ‬
‫ْ‬ ‫يخاف‬
‫ُ‬ ‫مثلهم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫قرشي‬
‫بي ٌّ‬ ‫عر ٌّ‬
‫لم يجم ِع اهللُ اسمي ِن ْ‬
‫من‬ ‫قيل‪ْ :‬‬
‫بحالهم‪َ ،‬‬
‫ْ‬ ‫رحيم‬
‫رؤوف ٌ‬‫وهو ٌ‬ ‫نفس إلَى النَّا ِر‪َ ،‬‬
‫أي ٍ‬‫منهُ ُّ‬
‫ثم ِ‬ ‫قوله‪( :‬رُؤ ٌ ِ‬‫اهلل ﷺ فِي ِ‬ ‫رسول ِ‬‫ألحد غير ِ‬ ‫أسمائه ٍ‬
‫ِ‬
‫يواسي اهللُ تعالَى نبيَّهُ‬ ‫يم) َّ‬
‫وف َّرح ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أمرك‬
‫ض َ‬ ‫وفو ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضوا ع ِن‬
‫فاستعن باهلل ّ‬
‫ْ‬ ‫بوك‬
‫بك وناص َ‬ ‫اإليمان َ‬ ‫قائَل‪ :‬فإ ْن أعر ُ‬
‫يم ﷺ ً‬ ‫الكر َ‬
‫ناصرك عليهم‪ ،‬وهك َذا كا َن فعلهُ ِ‬
‫عليه‬ ‫وهو‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ونك‪َ ،‬‬‫يضر َ‬
‫وال ُّ‬ ‫تهم َ‬
‫معر ْ‬
‫كافيك ّ‬‫َ‬ ‫فهو‬
‫إليه‪َ ،‬‬
‫دعوتهم‪ ،‬المتوِّك ُل علَى‬
‫ْ‬ ‫يص علَى‬‫أذاهم‪ ،‬الحر ُ‬
‫ْ‬ ‫بور علَى‬
‫الص ُ‬
‫فهو َّ‬‫دوما‪َ ،‬‬‫َلم ً‬ ‫والس ُ‬
‫الصَلةُ َّ‬
‫َّ‬
‫كل ٍ‬
‫حال(‪.)1‬‬ ‫اهلل تعالَى فِي ِّ‬
‫ِ‬

‫‪-----------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الكشاف‪ ،‬الزمخشري ‪.٣٧٥/٧‬‬

‫‪43‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫والمجرمين‪:‬‬
‫َ‬ ‫خامسا‪ :‬مواجهةُ الظَّ َ‬
‫المين‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يلزم علَى المؤم ِن استحضار َّ ِ ِ‬
‫قوة اهلل تعالَى ومساندته عن َد مواجهة الظَّ َ‬
‫المين‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عليه تعالَى فِي َ‬
‫ذلك‪ ،‬فالطَّاقةُ البشريَّةُ قاصرةٌ‪ ،‬سيَّ َما وإ ْن ْ‬
‫كانت‬ ‫والمجرمين‪ ،‬والتوُّك ِل ِ‬
‫َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ٌّ‬
‫مستعد‬ ‫وهو‬
‫وال يردعهُ شيءٌ‪َ ،‬‬ ‫شى اهللَ تعالَى‪َ ،‬‬‫الم َال يخ َ‬ ‫تتَّجهُ لمحاربة الظَّ َ‬
‫المين‪ ،‬فالظ ُ‬
‫يخ‬
‫عبر التَّار ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قصص َ‬
‫ٌ‬ ‫ت‬‫مر ْ‬
‫وأرذلها للحصول علَى غرضه‪ ،‬وق ْد ّ‬ ‫َ‬ ‫الوسائل‬ ‫أرخص‬ ‫لبذل‬
‫قصةُ موسى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َلم‬
‫الس ُ‬‫عليه َّ‬ ‫ذلك َّ َ‬ ‫من َ‬ ‫أدب التوُّك ِل علَى اهلل في محاربة الظَّلمة‪ْ ،‬‬‫تجس ُد َ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الطاغية فرعو ُن‪.‬‬ ‫مع‬
‫َ‬
‫وسى بِآيَاتِنَا إِلَى فِ ْر َع ْو َن َوَملَئِ ِه فَظَلَ ُمواْ بِ َها‬ ‫ِ ِِ‬ ‫تأمل َ ِ‬
‫قول اهلل تعالَى‪{ :‬ثُ َّم بَـ َعثْـنَا من بَـ ْعدهم ُّم َ‬ ‫َّ ْ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫ب ال َْعالَم َ‬ ‫ول ِّمن َّر ِّ‬ ‫وسى يَا فِ ْر َع ْو ُن إِنِّي َر ُس ٌ‬
‫ال ُم َ‬
‫ين * َوقَ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ف َكا َن َعاقبَةُ ال ُْم ْفسد َ‬ ‫فَانظُْر َك ْي َ‬
‫ْح َّق قَ ْد ِج ْئتُ ُكم بِبَـيِّـنَ ٍة ِّمن َّربِّ ُك ْم فَأ َْر ِس ْل َم ِع َي‬ ‫ِ‬ ‫* َح ِقي ٌق َعلَى أَن الَّ أَقُ َ‬
‫ول َعلَى اللَّه إِالَّ ال َ‬
‫نت ِمن َّ ِ ِ‬ ‫نت ِج ْئ َ ِ ٍ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫صاهُ‬
‫ين * فَأَلْ َقى َع َ‬ ‫الصادق َ‬ ‫ت بآيَة فَأْت ب َها إِن ُك َ َ‬ ‫ال إِن ُك َ‬ ‫يل * قَ َ‬ ‫بَني إ ْس َرائ َ‬
‫ِ‬
‫ين}[األعراف‪.]107 – 101 :‬‬ ‫فَِإ َذا ه َي ثُـ ْعبَا ٌن ُّمبِ ٌ‬
‫آمنتُم بِ ِه‬ ‫ب موسى وهارو َن * قَ َ ِ‬
‫ال ف ْر َع ْو ُن َ‬ ‫ين * َر ِّ ُ َ َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ب ال َْعالَم َ‬‫آمنَّا بَِر ِّ‬
‫إلى قوله تعالى‪{ :‬قَالُواْ َ‬
‫ف‬ ‫س ْو َ‬ ‫َ‬‫ف‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫َه‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ـ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫قَـبل أَن آذَ َن لَ ُكم إِ َّن ه َذا لَم ْكر َّم َكرتُموه فِي الْم ِدين ِة لِت ْخ ِرجواْ ِ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬ ‫ْ َ َ ٌ ُْ ُ‬ ‫َْ‬
‫ين * قَالُواْ إِنَّا إِلَى‬ ‫َلف ثُ َّم ألُصلِّبـنَّ ُكم أ ِ‬ ‫تَـعلَمو َن * ألُقَطِّع َّن أَي ِدي ُكم وأَرجلَ ُكم ِّمن ِخ ٍ‬
‫َج َمع َ‬ ‫ََ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ُْ‬ ‫ْ ُ‬
‫ص ْبـ ًرا‬ ‫ربِّـنَا من َقلِبو َن * وما تَ ِنقم ِمنَّا إِالَّ أَ ْن آمنَّا بِآي ِ‬
‫ات َربِّـنَا لَ َّما َجاءَتْـنَا َربَّـنَا أَفْ ِر ْ‬
‫غ َعلَْيـنَا َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫وسى َوقَـ ْوَمهُ لِيُـ ْف ِس ُدواْ فِي األَ ْر ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ض‬ ‫ال ال َْمألُ من قَـ ْوم ف ْر َع ْو َن أَتَ َذ ُر ُم َ‬ ‫َوتَـ َوفَّـنَا ُم ْسلم َ‬
‫ين * َوقَ َ‬
‫ال‬ ‫اه ُرو َن * قَ َ‬ ‫ال سنُـ َقتِّل أَبـنَاءهم ونَستحيِي نِساءهم وإِنَّا فَـوقَـهم قَ ِ‬ ‫َويَ َذ َر َك َوآلِ َهتَ َ‬
‫ك قَ َ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ‬
‫شاء ِمن ِعب ِ‬
‫ادهِ َوالْ َعاقِبَةُ‬ ‫موسى لَِقوِم ِه استَ ِعينُوا بِاللَّ ِه واصبِرواْ إِ َّن األَر ِ ِ‬
‫ض للَّه يُوِرثُـ َها َمن يَ َ ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ُ َ ْ ْ‬
‫ين}[األعراف‪.]114 – 111 :‬‬ ‫لِل ِ‬
‫ْمتَّق َ‬‫ُ‬

‫‪44‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اآليات الكر ِ‬


‫ِ‬ ‫وفِي‬
‫لعلمهم‬
‫ْ‬ ‫ِّين؛‬
‫فهم يخشو َن الد َ‬ ‫تصوير دقي ٌق لتفكي ِر وسلوك الطُّغاة‪ْ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫يمة‬
‫ورجائهم فِي أموِر‬
‫ْ‬ ‫تقديسهم‬
‫ْ‬ ‫عن‬
‫ستنصرف ْ‬
‫ُ‬ ‫خالقها‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫التزمت ِبه َّ‬
‫ووحد ْ‬ ‫ْ‬ ‫األمةَ ِ‬
‫إن‬ ‫أن َّ‬‫َّ‬
‫اد ِ‬ ‫القيود البشريَِّة واالنقي ِ‬
‫ِ‬ ‫ظلمات التبعيَّ ِة إلَى نوِر ُّ‬
‫ِ‬
‫هلل‬ ‫التحرِر َ‬
‫من‬ ‫من‬
‫وستخرج ْ‬
‫ُ‬ ‫حياتهم‪،‬‬
‫ْ‬
‫يترك بنِي‬
‫من فرعو َن أ ْن َ‬ ‫موسى ْ‬
‫طلب َ‬ ‫عندما َ‬ ‫حصل َ‬ ‫َ‬ ‫تعالَى وحدهُ دو َن شركاءَ‪ ،‬وه َذا َما‬
‫منهم‪،‬‬ ‫أن ه َذا يعنِي سلب ُّ ِ‬ ‫فأدرك فرعو ُن وملؤهُ َّ‬
‫السلطة ْ‬ ‫َ‬ ‫ائيل ليعب ُدوا اهللَ وحدهُ‪َ ،‬‬‫إسر َ‬
‫أمام الن ِ‬
‫َّاس‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بتقديم َّ ِ‬
‫ِ‬
‫الحجة علَى صدقه َ‬ ‫ادوا إحراجهُ‬
‫فأر ُ‬
‫يديه معجز ِ‬
‫اته التِي‬ ‫وق ْد أظهر اهلل تعالَى علَى ِ‬
‫هم‪ ،‬فآمنُوا‪،‬‬ ‫أبهرت سحرةَ فرعو َن كلِّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫الر ِ‬
‫غم‬ ‫وأتباعه‪ ،‬وعلَى ُّ‬ ‫ِ‬ ‫استئصال ه َذا الدِّي ِن‬
‫َ‬ ‫الذي أر َ‬
‫اد‬ ‫المستبد ِ‬
‫ِّ‬ ‫ذلك الطَّ ِ‬
‫اغية‬ ‫وواجهوا َ‬ ‫ُ‬
‫عمرهم ْأم‬
‫ْ‬ ‫طال‬
‫اهلل تعالَى َ‬ ‫أن المؤمنين أيقنُوا أ َّن مردَّهم إلَى ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫من تهديدهِ ووعيدهِ َّإال َّ‬ ‫ْ‬
‫يم‬
‫هم الكر ُ‬ ‫وواساهم نبيُّ ُ‬
‫ْ‬ ‫ارا‪،‬‬‫كف ً‬
‫ِ‬
‫الموت َّ‬ ‫هلل علَى‬ ‫الموت فِي ِ‬
‫سبيل ِ‬ ‫َ‬ ‫اختاروا‬
‫هم ُ‬ ‫قصر‪ ،‬وأنَّ ْ‬ ‫َ‬
‫الذي‬‫ند المتي ِن لعبادهِ‪ِ ،‬‬ ‫الس ِ‬
‫باهلل الكر ِيم‪َّ ،‬‬ ‫بصفة المؤم ِن‪ ،‬وهي االستعانةُ ِ‬ ‫وذ ّكرهم ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫وعليهم أ ْن‬ ‫الحصين‪،‬‬ ‫فهو المَلذُ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫غير اهلل تعالَى‪َ ،‬‬ ‫لهم َ‬ ‫فليس ْ‬‫هم‪َ ،‬‬ ‫أهم ْ‬
‫يكفيهم َما ّ‬
‫ْ‬
‫األرض‬
‫َ‬ ‫وإن‬ ‫ِ‬
‫وعلمه‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫بحكمته‬ ‫الذي يقدِّرهُ‬ ‫الوقت ِ‬
‫ِ‬ ‫يصبروا حتَّى يأذ َن الولَى بالنُّصرةِ فِي‬ ‫ُ‬
‫مكين فِي‬ ‫ِ‬
‫نظر إلَى الطَّاغوت أنَّهُ ٌ‬ ‫فيجب َّأال يُ َ‬
‫ُ‬ ‫وما فرعو ُن وقومهُ َّإال نزالءُ َ‬
‫فيها‪،‬‬ ‫هلل‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫منها‪،‬‬ ‫األرض ومالكها هو ِ‬ ‫ِ‬ ‫األرض غي ِر‬
‫ِ‬
‫يطردهم َ‬‫ْ‬ ‫يقرُر متَى‬
‫الذي ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫فصاحب‬
‫ُ‬ ‫عنها‪،‬‬
‫مزحزح َ‬‫ٍ‬
‫العالمين قل ٌق علَى‬
‫َ‬ ‫رب‬
‫اعين إلَى ِّ‬ ‫الد َ‬ ‫قلوب َّ‬
‫يخالج َ‬ ‫ُ‬ ‫فَل‬
‫حتما‪َ ،‬‬ ‫َّقين ً‬‫وإن العاقبةَ للمت َ‬ ‫َّ‬
‫المصي ِر(‪.)1‬‬
‫‪---------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬في ظَلل القرآن‪ ،‬سيد قطب ‪.٦٣٥٥/٣‬‬

‫‪45‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫آم ْنتُ ْم بِاللَّ ِه‬ ‫م‬ ‫ت‬‫ن‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ِ‬


‫إ‬ ‫ال موسى يا قَـوِ‬
‫م‬ ‫اهلل ِ‬ ‫نبي ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫وعَل‪َ { :‬وقَ َ ُ َ ٰ َ ْ‬
‫جل َ‬ ‫قال عنهُ َّ‬‫الذي َ‬ ‫هو ُّ‬ ‫ه َذا َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫فَـ َعلَْيه تَـ َوَّكلُوا إِ ْن ُك ْنتُ ْم ُم ْسلم َ‬
‫ين}[يونس‪.]41 :‬‬

‫اهلل وحدهُ دو َن‬ ‫امه للتوُّكل علَى ِ‬‫اإليمان واستلز ِ‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحقيقة‬ ‫دوما‬ ‫الذي ِّ‬ ‫فهو ِ‬
‫َ‬ ‫يذك ُر قومهُ ً‬ ‫َ‬
‫سواهُ‪.‬‬
‫مثاال للطَّغيا َن‪.‬‬ ‫وق ْد واجهَ إبراهيم ِ‬
‫َّمرود ً‬
‫جس َد الن ُ‬ ‫المين‪ ،‬فق ْد َّ‬ ‫َلم أعتَى الظَّ َ‬ ‫الس ُ‬ ‫عليه َّ‬ ‫ُ‬
‫ْك إِ ْذ قَ َ‬
‫ال‬ ‫يم فِي َربِِّه أَ ْن آتَاهُ اللَّهُ الْ ُمل َ‬ ‫يقول تعالَى‪{ :‬أَلَم تَـر إِلَى الَّ ِذي ح َّ ِ ِ‬
‫اج إبْـ َراه َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬
‫يم فَِإ َّن اللَّهَ يَأْتِي‬ ‫ال إِبـر ِ‬
‫اه‬ ‫ق‬ ‫يت‬ ‫ال أَنَا أُحيِي وأ ِ‬
‫ُم‬ ‫يم َربِّ َي الَّ ِذي يُ ْحيِي َويُ ِم ُ‬
‫يت قَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۖ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫إبْـ َراه ُ‬
‫ت الَّ ِذي َك َف َر ۖ َواللَّهُ َال يَـ ْه ِدي الْ َق ْوَم‬ ‫ب فَـبُ ِه َ‬ ‫ْت بِ َها ِم َن ال َْمغْ ِر ِ‬‫س ِمن الْم ْش ِر ِق فَأ ِ‬
‫الش ْم ِ َ َ‬ ‫بِ َّ‬
‫ِِ‬
‫ين}[البقرة‪.]184 :‬‬ ‫الظَّالم َ‬
‫األرض وا ّد َعى الربوبيَّةَ‪ ،‬وكا َن إبراهيم ِ‬
‫عليه‬ ‫ِ‬ ‫من تجبَّـ َر فِي‬
‫ُ‬ ‫هو َّأو ُل ْ‬ ‫بن كنعا َن َ‬ ‫َّمرود ُ‬
‫فالن ُ‬
‫السَلم ق ْد دخل بلدتهُ‪ ،‬فأرسل ِ‬
‫لم ْ‬
‫يسأل‬ ‫ويظهر أنَّهُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ك؟‬ ‫‪:‬من ربُّ َ‬
‫وقال ْ‬ ‫َّمرود‪َ ،‬‬ ‫إليه الن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫اهلل تعالَى‪ ،‬وأنَّهُ يدعُو إلَى‬ ‫نبي ِ‬ ‫يعلم أنَّهُ ُّ‬
‫فهو ُ‬ ‫بل سألهُ استهزاءً‪َ ،‬‬ ‫الجواب‪ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫ليعرف‬
‫َ‬ ‫اهيم‬
‫إبر َ‬
‫والحج ِة‬ ‫ِ‬
‫باإليمان‬ ‫اهيم واث ًقا متوِّك ًَل متسلِّ ًحا‬ ‫اك ِبه‪ِ َّ ،‬‬ ‫وعدم اإلشر ِ‬ ‫اهلل ِ‬ ‫ِ‬
‫توحيد ِ‬
‫َّ‬ ‫فرد عليه إبر ُ‬
‫يت)‪.‬‬‫(ربِّ َي الَّ ِذي يُ ْحيِي َويُ ِم ُ‬ ‫فقال‪َ :‬‬ ‫لسانه َ‬ ‫التِي أجراها اهلل علَى ِ‬
‫َ ُ‬
‫نفسه َّإال أ ْن يعم َد إلَى‬ ‫أعماق ِ‬ ‫ِ‬ ‫المتغلغل فِي‬
‫ِ‬ ‫فما كا َن من تفكيرهِ القاص ِر‪ ،‬وغرورهِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫القتل‪ ،‬واعتق َد أنَّهُ‬ ‫بحق ِه التخليةُ‪ ،‬ويخلِي من صدر ِّ ِ‬ ‫صدر ِّ‬ ‫ِ‬
‫بحقه ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫من َ‬ ‫فيقتل ْ‬
‫سجنائه‪َ ،‬‬
‫طيع اإلتيا َن‬ ‫حجةَ ِّ ِ‬
‫حينها َما إ ْن كا َن يست ُ‬ ‫اهيم َ‬ ‫اهيم‪ ،‬فسألهُ إبر ُ‬ ‫نبي اهلل إبر َ‬ ‫أبطل َّ‬ ‫بذلك ق ْد َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫المشرق‪.‬‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بالش ِ‬‫َّ‬
‫المغرب؛ فاهللُ يأتي َبها َ‬ ‫من‬
‫مس َ‬
‫الحج ِة األولَى‬ ‫البقاء لنصرةِ َّ‬ ‫َّانية دو َن ِ‬ ‫للحج ِة الث ِ‬ ‫اهيم َّ‬ ‫أن ُّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الماوردي َّ‬
‫لتحول إبر َ‬ ‫ذكر‬
‫وق ْد َ‬
‫احتمالي ِن‪:‬‬

‫‪46‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫َلم إلَى‬ ‫َّمرود ما لم يحتج معهُ إبراهيم ِ‬ ‫قول الن ِ‬ ‫فساد ِ‬ ‫أحدهما‪ :‬أنَّهُ ق ْد ظهر من ِ‬
‫الس ُ‬ ‫عليه َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫الحج ِة‪.‬‬
‫عليه فِي َّ‬ ‫ذلك بغيرها تأكي ًدا ِ‬
‫أتبع َ َ‬ ‫ثم َ‬ ‫النُّصرةِ‪َّ ،‬‬
‫من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬ ‫تلك َّ ِ‬ ‫واالحتمال الثَّانِي‪ :‬أنَّهُ لما كا َن فِي ِ‬
‫عارضها به َ‬ ‫َ‬ ‫بما‬
‫تحايل النَّمرود َ‬ ‫الحجة ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ارا(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫أحب أ ْن ُّ ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ُّ‬
‫قطعا لهُ واستظه ً‬ ‫تحايل فيه؛ ً‬ ‫َ‬ ‫بما َال‬‫يحتج عليه َ‬ ‫بهة‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫دعوته‪.‬‬ ‫اهلل تعالَى فِي‬ ‫ترك التوُّكل علَى ِ‬ ‫الذي َما َ‬ ‫السَلم ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اهيم عليه َّ ُ‬ ‫هو نبيُّـنَا إبر ُ‬ ‫ه َذا َ‬
‫سنَةٌ فِي‬ ‫ُس َوةٌ َح َ‬ ‫ت لَ ُك ْم أ ْ‬ ‫َلم‪{ :‬قَ ْد َكانَ ْ‬ ‫الس ُ‬
‫عليه َّ‬‫التأسي ِبه ِ‬ ‫الحق تعالَى داعيًا إلَى ِّ‬ ‫يقول ُّ‬ ‫ُ‬
‫إِبـر ِاهيم والَّ ِذين معهُ إِ ْذ قَالُوا لَِقوِم ِهم إِنَّا بـرآء ِمن ُكم وِم َّما تَـ ْعب ُدو َن ِمن ُد ِ‬
‫ون اللَّ ِه َك َف ْرنَا‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ َُ ُ ْ َ‬ ‫َْ َ َ َ ََ‬
‫ِ ِ‬ ‫ضاء أَب ًدا حت ٰ ِ ِ َّ ِ‬
‫ِ‬
‫َّى تُـ ْؤمنُوا بالله َو ْح َدهُ إ َّال قَـ ْو َل إبْـ َراه َ‬
‫يم‬ ‫بِ ُك ْم َوبَ َدا بَـ ْيـنَـنَا َوبَـ ْيـنَ ُك ُم ال َْع َد َاوةُ َوالْبَـغْ َ ُ َ َ‬
‫ك أَنَـ ْبـنَا‬ ‫ك تَـ َوَّكلْنَا َوإِلَْي َ‬‫ك ِم َن اللَّ ِه ِمن َش ْي ٍء ۖ َّربَّـنَا َعلَْي َ‬ ‫ك َوَما أ َْملِ ُ‬
‫ك لَ َ‬ ‫ِألَبِ ِيه َألَ ْستَـغْ ِف َر َّن لَ َ‬
‫ك الْم ِ‬
‫ص ُير}[الممتحنة‪.]1 :‬‬ ‫َوإِلَْي َ َ‬

‫‪---------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬النكت والعيون ‪.٣٣٠-٣٧٩/٦‬‬

‫‪47‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وقد واجه ذو القرنين ظلم يأجوج ومأجوج بالتوكل على اهلل مع األخذ بأسباب التوكل‬
‫واتخاذ عوامل الحيطة منهم‪.‬‬

‫ادو َن يَف َق ُهو َن قَوال‬‫ٱلس َّدي ِن َو َج َد ِمن ُدونِ ِه َما قَوما َّال يَ َك ُ‬
‫َّى إِذَا بَـلَ َغ بَي َن َّ‬
‫قال تعالى‪َ " :‬حت ٰ‬
‫ك َخر ًجا‬ ‫رض فَـ َهل نَج َع ُل لَ َ‬ ‫وج ُمف ِس ُدو َن فِي ٱألَ ِ‬ ‫* قَالُواْ ٰيَ َذا ٱل َقرنَي ِن إِ َّن يَأ ُج َ‬
‫وج َوَمأ ُج َ‬
‫َعينُونِي بُِق َّوةٍ أَج َعل‬‫ال ما م َّكنِّي فِ ِيه ربِّي َخير فَأ ِ‬
‫َ‬ ‫َعلَ ٰىۖ أَن تَج َع َل بَينَـنَا َوبَينَـ ُهم َس ّدا * قَ َ َ َ‬
‫َّى إِذَا َس َاو ٰى بَي َن َّ‬
‫ٱلص َدفَي ِن قَ َ‬
‫ال‬ ‫يدۖ َحت ٰ‬ ‫بينَ ُكم وبينَـهم ردما * ءاتُونِي ُزبـر ٱلح ِد ِ‬
‫ََ َ‬ ‫ََ ُ َ ً َ‬ ‫َ‬
‫ال ءَاتُونِي أُف ِرغ َعلَي ِه قِطرا * فَ َما ٱس ٰطَعُواْ أَن يَظ َه ُروهُ َوَما‬ ‫َّى إِذَا َج َعلَ ۥهُ نَارا قَ َ‬
‫ٱن ُف ُخواْۖ َحت ٰ‬
‫ال َٰه َذا َرح َمة ِّمن َّربِّيۖ فَِإ َذا َجاءَ َوع ُد َربِّي َج َعلَ ۥهُ َد َّكاءَۖ َوَكا َن‬ ‫ٱستَ ٰطَعُواْ لَ ۥهُ نَقبا * قَ َ‬
‫َوع ُد َربِّي َح ّقا}[الكهف‪.]14 – 11 :‬‬

‫قوم‬ ‫َ ِ‬ ‫حكم ُّ‬ ‫ِ‬ ‫أن ِ‬


‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورد فِ‬
‫فاستغاث به ٌ‬ ‫بأسرها‪،‬‬
‫الدنيَا َ‬ ‫َ‬ ‫ملك‬
‫ٌ‬ ‫ن‬ ‫ني‬‫ر‬ ‫الق‬ ‫ي‬ ‫ذ‬ ‫اآليات‬ ‫ر‬ ‫تفسي‬ ‫ي‬ ‫وق ْد َ‬
‫نوح‪،‬‬ ‫نسل ولدي ٍ‬
‫ياف َّ ب ِن ٍ‬ ‫من ِ‬
‫ّ‬ ‫وهم جماعةٌ عظيمةٌ ْ‬ ‫ومأجوج‪ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫يأجوج‬
‫َ‬ ‫من‬
‫ليحميهم ْ‬
‫ْ‬
‫ظلمهم‪ ،‬فسألُوا َذا القرني ِن أ ْن َ‬
‫يبني‬ ‫ْ‬ ‫شوا‬‫القوم وخ ُ‬
‫أولئك ُ‬ ‫هابهم َ‬ ‫ْ‬ ‫اشتهروا بالكثرةِ وق ْد‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫سدا منيعا يحميهم من أذَى ِ‬
‫فما كا َن‬
‫من المال‪َ ،‬‬ ‫خرج َ‬ ‫مقابل ٍ‬
‫ومأجوج َ‬‫َ‬ ‫يأجوج‬
‫َ‬ ‫قوم‬ ‫ْ ْ‬ ‫لهم ًّ ً‬ ‫ْ‬
‫الصحةَ‬ ‫اهلل ِ‬
‫عليه أ ْن آتاهُ‬ ‫بفضل ِ‬‫اعترف ِ‬ ‫بقوته‪ِ ،‬‬
‫بل‬ ‫يغتر َّ‬ ‫ِ‬ ‫منهُ َّإال أ ْن‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ولم ّ‬ ‫تواضع هلل ْ‬
‫َ‬
‫سيجمعونها لهُ(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫أموالهم التِي‬
‫ْ‬ ‫من‬
‫خير ْ‬
‫هي ٌ‬
‫ِ‬
‫والعافيةَ التي َ‬

‫‪-------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ابن كثير ‪ ،٦٩٦/٥‬فتح القدير‪ ،‬الشوكاني ‪.٥٣٠/٣‬‬

‫‪48‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫لب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السد متوِّك ًَل علَى ِ‬ ‫يبني َّ‬


‫إنجاح مشروعه فط َ‬ ‫ِ‬ ‫بأسباب‬ ‫اهلل وحدهُ‪ ،‬وق ْد أخ َذ‬ ‫ووافق أ ْن َ‬‫َ‬
‫َّجاح فِي‬
‫السد‪ ،‬وه َذا بدايةُ الن ِ‬ ‫واآللة التِي يبنِي َبها َّ‬ ‫األبدان ِ‬ ‫ِ‬ ‫جال ِ‬
‫وعمل‬ ‫بالر ِ‬ ‫منهم إعانتهُ ِّ‬ ‫ْ‬
‫عونهم أسرعُ‬ ‫ْ‬ ‫لم يعنهُ أح ٌد‪ ،‬ولتركوهُ يبنِي‪ ،‬فكا َن‬ ‫خرجا‪ْ ،‬‬ ‫القوم ْلو جمعُوا لهُ ً‬ ‫فإن َ‬ ‫العمل‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫لتقوية السدِّ‪ ،‬من ٍ‬
‫حديد‬ ‫المواد المناسبةَ ِ‬ ‫َ‬ ‫واستخدم‬ ‫المشروع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وإنجاح‬
‫ِ‬ ‫فِي إنجا ِز ِ‬
‫العمل‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫أقر‬ ‫مات التوُّك ِل‪َّ ،‬‬ ‫مقو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظهور ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وحرارةٍ‬
‫ثم ّ‬ ‫أهم ِّ‬ ‫وهو ُّ‬ ‫المخلص‪َ ،‬‬ ‫العمل‬ ‫ونحاس‪ ،‬وهنَا يتجلّى ُ‬
‫هلل تعالَى‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫السد مرهو ٌن بإرادةِ ا ِ‬ ‫وأن بقاءَ ِّ‬ ‫عليه‪َّ ،‬‬ ‫اهلل ِ‬ ‫بفضل ِ‬‫أخرى ِ‬ ‫ذُو القرني ِن َّ‬
‫مرةً َ‬
‫وقت يعلمهُ ويقدِّرهُ سبحانهُ(‪.)1‬‬ ‫المولَى سيشاء أ ْن يجعلهُ دكاء فِي ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وأعوانه‪:‬‬ ‫الش ِ‬
‫يطان‬ ‫سادسا‪ :‬مواجهةُ َّ‬ ‫ً‬
‫قال‬
‫أعوانه‪َ ،‬‬‫يطان و ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫مواجهة َّ‬ ‫اهلل تعالَى فِي‬
‫يتوجب علَى المؤم ِن إخَلص التوُّك ِل علَى ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ ُ‬
‫ارِه ْم َش ْيئًا إَِّال بِِإ ْذ ِن‬ ‫س بِ َ‬
‫ض ِّ‬ ‫ي‬ ‫ل‬
‫َ‬‫و‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫آم‬ ‫ين‬‫ذ‬‫ان لِيحز َن الَّ ِ‬ ‫الش ْيطَ ِ‬
‫َّ‬ ‫ن‬ ‫تعالَى‪{ :‬إِنَّما النَّجو ٰى ِ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬
‫اللَّ ِه ۖ َو َعلَى اللَّ ِه فَـلْيَتَـ َوَّك ِل ال ُْم ْؤِمنُو َن}[المجادلة‪.]10 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لعظيمة‬ ‫الشر ا‬
‫قوى ِّ‬ ‫لن يكو َن لإلنسان قدرةٌ في مجابهة َ‬ ‫فلوال التوُّك ُل علَى اهلل تعالَى ْ‬ ‫َ‬
‫يمة علَى ِ‬‫اآلية الكر ِ‬ ‫ففي ِ‬ ‫العباد‪ِ ،‬‬
‫إغواء ِ‬‫الشيطا ُن فِي ِ‬ ‫َّ‬ ‫التِ‬
‫س لعنهُ‬
‫َ‬ ‫إبلي‬ ‫لسان‬ ‫ا‬ ‫يستخدمه‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ك َألُ ْغ ِويـنـَّهم أَجم ِعين * إِالَّ ِعب َ ِ‬ ‫اهلل‪{ :‬قَ َ ِ‬
‫ين}[ص‪.]41 ،41 :‬‬ ‫ِ‬
‫اد َك م ْنـ ُه ُم ال ُْم ْخلَص َ‬‫َ‬ ‫َ ُْ َْ َ‬ ‫ال فَبِ ِع َّزت َ‬ ‫ُ‬

‫‪------------------------------------------------------- -------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسير المنير‪ ،‬الزحيلي ‪.٣٧/٦٦‬‬

‫‪49‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫عن سبي ِل‬


‫َّهم ْ‬
‫تكبوها‪ ،‬وألضلّن ْ‬
‫قلوبهم حتَّى ير َ‬
‫ْ‬ ‫بنها إلَى‬
‫معاصيك‪ ،‬وألحبِّ َ‬
‫َ‬ ‫لهم‬
‫نن ْ‬‫ألحس َّ‬
‫أي ِّ‬ ‫ْ‬
‫ممن َال سلطا َن لِي ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫وال طاقةَ‬
‫عليه َ‬ ‫ذلك َّ ْ‬ ‫بتوفيقك فهديتهُ‪َّ ،‬‬
‫فإن َ‬ ‫َ‬ ‫الرشاد َّإال ْ‬
‫من أخلصتهُ‬
‫لِي ِبه(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫ال ا ْذهب فَمن تَبِع َ ِ‬
‫ك م ْنـ ُه ْم فَإ َّن َج َهن َ‬
‫َّم َج َزا ُؤُك ْم‬ ‫وكان الرد اإللهي المتحدي‪{ :‬قَ َ َ ْ َ َ‬
‫ب َعلَْي ِهم بِ َخ ْيلِ َ‬ ‫ك وأ ِ‬ ‫جزاء َّموفُورا * واستـ ْف ِز ْز م ِن استطَع َ ِ‬
‫ك‬ ‫َجل ْ‬‫ص ْوتِ َ َ ْ‬ ‫ت م ْنـ ُه ْم بِ َ‬ ‫ََ ْ ً َ َْ َ َْ ْ‬
‫ورا * إِ َّن‬ ‫الش ْيطَا ُن إِالَّ غُ ُر ً‬‫الد َو ِع ْد ُه ْم َوَما يَ ِع ُد ُه ُم َّ‬
‫ك و َشا ِرْكهم فِي األَمو ِال واألَو ِ‬
‫َْ َ ْ‬ ‫َوَرجل َ َ ُ ْ‬
‫ِِ‬
‫ك َوكِيَلً}[اإلسراء‪.]68 - 61 :‬‬ ‫ك َعلَْي ِه ْم ُس ْلطَا ٌن َوَك َفى بَِربِّ َ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫عبَادي لَْي َ‬
‫من يشاءُ ع ِن الحقِّ‪ ،‬وأ ْن‬ ‫ِ‬ ‫فق ْد أمرهُ اهلل تعالَى أمر ٍ‬
‫يقطع ْ‬ ‫كل جهده وأ ْن َ‬ ‫يبذل َّ‬ ‫إهانة أ ْن َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اجمع فِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل صوت لهُ وألعوانه في الوسوسة واإلبعاد ع ِن الدِّي ِن‪ ،‬وأمرهُ أن ْ‬
‫ِِ‬ ‫يستخدم َّ ٍ‬
‫َ‬
‫أموالهم بأ ْن‬
‫ْ‬ ‫كهم فِي‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ ِ ِ‬
‫ورجالك التي تمشي في اإلفساد‪ ،‬وشار ْ‬ ‫خيولك‬
‫َ‬ ‫إغوائهم‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫سبيل‬
‫يطر علَى‬ ‫ِ‬
‫لك نصيبًا‪ْ ،‬أو س ْ‬ ‫بالزنَا َ‬
‫دهم ِّ‬ ‫من أوال ْ‬ ‫واجعل ْ‬ ‫ْ‬ ‫المعاصي‬ ‫ينفقونها علَى‬
‫َ‬ ‫تجعلهم‬
‫ْ‬
‫وال‬
‫الكاذبة أ ْن َال جنَّةَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِّهم باألمانِي‬ ‫رونهم‪ ،‬ومن ْ‬
‫وينص ْ‬ ‫أبناءهم ّ‬ ‫ْ‬ ‫يهودو َن‬
‫فاجعلهم ّ‬
‫ْ‬ ‫عقولهم‬
‫ْ‬
‫فهم‬ ‫نار‪ ،‬وأنَّهم غير محاسبين علَى ما يفعلو َن‪ِ ُ ،‬‬
‫بكذبك‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫يغتروا‬
‫لن ُّ‬ ‫فعباد اهلل المؤمنو َن ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫وهو‬ ‫المخلصو َن فِي عبادتهم‪ ،‬واهلل كافيهم وعاصمهم من سيطرةِ‬
‫عليهم َ‬ ‫ْ‬ ‫إبليس‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫سوء(‪.)1‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫من ِّ‬ ‫لهم ْ‬ ‫ظ ْ‬ ‫الحاف ُ‬

‫‪------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬جامع البيان‪ ،‬الطبري ‪.٦٠٣/٦٤‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطبي ‪.٧٣٣/٦٠‬‬

‫‪50‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫نفسه من سيطرةِ‬
‫لحماية ِ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫المؤمن‬
‫ُ‬ ‫يعمل‬ ‫وعلَى قد ِر ه َذا التحدِّي الكبي ِر ُ‬
‫يجب أ ْن َ‬
‫صغرت ْأو‬ ‫مهما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ْ‬ ‫فهم َال يألو َن جه ًدا في إسقاطنَا في المعصية َ‬
‫الشيطان وأعوانه‪ْ ،‬‬
‫كبرت‪.‬‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫وأعوانه‪،‬‬ ‫ائع فِي تحدِّي َّ‬
‫الشيط ِ‬
‫ان‬ ‫يوسف ِ‬ ‫نبي ِ‬‫قص ِة ِّ‬ ‫ولنَا فِي َّ‬
‫نموذج ر ٌ‬
‫ٌ‬ ‫َلم‬
‫الس ُ‬
‫عليه َّ‬ ‫َ‬ ‫اهلل‬
‫الر ِ‬‫أجل الوقو ِع فِي َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ضه ِ‬ ‫تعر ِ‬
‫ذيلة‪َّ ،‬إال أنَّهُ‬ ‫من ِ‬
‫َلم لضغوط شديدة ْ‬ ‫الس ُ‬
‫عليه َّ‬ ‫من ُّ‬ ‫غم ْ‬‫فبالر ِ‬
‫ُّ‬
‫باهلل تعالَى وتوُّكلهُ‬‫ذلك استعانتهُ ِ‬ ‫نابعة من ِ‬
‫إيمانه ِ‬
‫باهلل تعالَى‪ ،‬وأعانهُ علَى َ‬ ‫بقوةٍ ٍ‬ ‫واجهها َّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫حق التوُّك ِل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عليه َّ‬
‫القص ِة‪{ :‬وراو َدتْهُ الَّتِي ُهو فِي بـ ْيتِ َها َعن نَّـ ْف ِس ِه وغَلَّ َق ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫تفاصيل َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫صوًرا لنَا‬
‫قال تعالَى م ِّ‬ ‫َ‬
‫اي إِنَّهُ الَ يُـ ْفلِ ُح الظَّالِ ُمو َن‬
‫س َن َمثْـ َو َ‬
‫َح َ‬
‫ِ‬
‫ال َم َعا َذ اللَّه إِنَّهُ َربِّي أ ْ‬
‫ك قَ َ‬ ‫ت لَ َ‬‫ت َه ْي َ‬ ‫األَبْـ َو َ‬
‫اب َوقَالَ ْ‬
‫شاء‬‫السوءَ َوالْ َف ْح َ‬
‫ف َع ْنهُ ُّ‬ ‫ص ِر َ‬ ‫ت بِ ِه وه َّم بِها لَوال أَن َّرأَى بـرها َن ربِِّه َك َذلِ َ ِ‬
‫ك لنَ ْ‬ ‫ُْ َ َ‬ ‫* َولََق ْد َه َّم ْ َ َ َ ْ‬
‫يصهُ ِمن ُدبُ ٍر َوأَلْ َفيَا َسيِّ َد َها لَ َدى‬ ‫ت قَ ِم َ‬ ‫اب َوقَ َّد ْ‬ ‫استَبَـ َقا الْبَ َ‬
‫ين * َو ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫إِنَّهُ م ْن عبَادنَا ال ُْم ْخلَص َ‬
‫يم}[يوسف‪- 11 :‬‬ ‫ك سوءا إِالَّ أَن يسجن أَو َع َذ ِ‬ ‫ت ما جزاء من أَر َ ِ ِ‬ ‫الْبَ ِ‬
‫اب أَل ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُْ ََ ْ‬ ‫اد بأ َْهل َ ُ ً‬ ‫اب قَالَ ْ َ َ َ َ ْ َ‬
‫‪.]18‬‬
‫ِ‬ ‫السجن أَح ُّ ِ‬ ‫حتَّى ِ‬
‫ف َعنِّي‬ ‫ص ِر ْ‬‫ب إِلَ َّي م َّما يَ ْدعُونَنِي إِلَْيه َوإِالَّ تَ ْ‬ ‫ب ِّ ْ ُ َ‬ ‫ال َر ِّ‬
‫وجل‪{ :‬قَ َ‬
‫عز َّ‬ ‫قوله َّ‬
‫َكي َده َّن أَصب إِلَي ِه َّن وأَ ُكن ِّمن ال ِ ِ‬
‫ف َع ْنهُ َك ْي َد ُه َّن إِنَّهُ‬
‫ص َر َ‬
‫اب لَهُ َربُّهُ فَ َ‬
‫استَ َج َ‬ ‫ْجاهلي َن * فَ ْ‬
‫َ َ‬ ‫ْ ُ ْ ُ ْ َ‬
‫يم}[يوسف‪.]11 - 11 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ُهو َّ ِ‬
‫يع ال َْعل ُ‬
‫السم ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عليه َّ ِ ِ‬ ‫يوسف ِ‬
‫ِ‬
‫وفضل‬ ‫بفضله‬ ‫معترف‬
‫ٌ‬ ‫ويوسف‬
‫ُ‬ ‫السَلم في كنف عزي ِز َ‬
‫مصر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫عاش‬
‫فق ْد َ‬
‫ش ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهو فِي‬ ‫ِ ِ‬ ‫زوجه ِ‬‫ِ‬
‫ومن‬
‫باب‪ْ ،‬‬ ‫ُّضج وال َّ‬
‫مرحلة الن ِ‬ ‫ض لفتنة امرأة العزي ِز َ‬‫تعر َ‬
‫عليه‪ ،‬وق ْد َّ‬
‫ِ‬
‫أوصدت‬ ‫متأهبةٌ لهُ‪ ،‬وق ْد‬
‫وهي متزيِّنةٌ ِّ‬ ‫ِ ِ‬
‫الفضل عليه َ‬ ‫هي صاحبةُ‬‫طلبت منهُ الفاحشةَ َ‬
‫ْ‬

‫‪51‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اجتمعت علَى‬ ‫العوامل التِي‬


‫ِ‬ ‫كل هذهِ‬
‫ورغم ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫لوقوع الجريمة‪َ ،‬‬
‫وأخلت األجواءَ ِ‬ ‫األبواب‬
‫َ‬
‫ديد ع ِن ا ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫بالتعف ِ‬ ‫ِ‬ ‫نبي ِ‬
‫لرذيلة(‪.)1‬‬ ‫ف َّ‬ ‫اهلل المعصوم َّإال أنَّهُ واجهَ َ‬
‫تلك المحنةَ ُّ‬ ‫ِّ‬
‫واستعانته ِبه وحدهِ‬
‫ِ‬ ‫السَلم فِي توُّك ِ‬
‫له علَى ِ‬
‫اهلل‬ ‫ُ ِ‬ ‫األسباب التِي أخ َذ َبها‬
‫ِ‬
‫يوسف عليه َّ ُ‬ ‫ومن‬
‫َ‬
‫الش ِ‬
‫يطان‪:‬‬ ‫ِ‬
‫مواجهة َّ‬ ‫علَى‬

‫األبواب‪.‬‬ ‫قت ِ‬
‫عليه‬ ‫عندما غلَّ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫‪ -‬استعاذتهُ باهلل تعالَى َ‬
‫يرد َّإال ِ‬
‫بمثله‪.‬‬ ‫اها َّ‬
‫بأن اإلحسا َن َال ُّ‬ ‫استحضارهُ وتذكيرهُ إيَّ َ‬ ‫‪-‬‬
‫القعود وانتظا ِر إجبارهِ علَى ار ِ‬
‫تكاب‬ ‫ِ‬ ‫وعدم‬
‫الباب‪ُ ،‬‬‫الجهد واستبا ُق ِ‬ ‫ِ‬ ‫بذل‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫ِ‬
‫المعصية‪.‬‬
‫الر ِ‬ ‫الس ِ‬
‫قوط فِي َّ‬ ‫بالمكوث فِي ِّ‬‫ِ‬
‫قمةُ‬
‫ذيلة‪ ،‬وه َذا َّ‬ ‫السج ِن ً‬
‫ظلما علَى ُّ‬ ‫ضا‬
‫الر َ‬ ‫‪-‬‬
‫ِ‬
‫المعصية‪.‬‬ ‫االجتهاد فِي ِ‬
‫البعد ع ِن‬ ‫ِ‬
‫ند فِي‬
‫الس ِ‬ ‫وطلب ِ‬
‫العون و َّ‬ ‫ِ‬ ‫عليه واالفتقا ِر ِ‬
‫إليه‬ ‫اهلل تعالَى والتوِّك ِل ِ‬ ‫اللُّجوء إلَى ِ‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫ِ‬
‫المحنة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مجابهة‬

‫يتعرضو َن لمح ٍن كثيرةٍ تتعلَّ ُق‬ ‫ِ‬


‫الحسنة‪ ،‬فشبابنَا وبناتنَا اآل َن َّ‬ ‫القص ِة القدوةِ‬
‫ولنَا فِي هذهِ َّ‬
‫عقولهم ويزيِّ ُن‬
‫ْ‬ ‫يتحك َم فِي‬
‫يطان ويسمحو َن لهُ بأ ْن َّ‬ ‫للش ِ‬‫فنجدهم يستسلمو َن َّ‬ ‫ْ‬ ‫بالعف ِة‪،‬‬
‫َّ‬
‫واج‪،‬‬
‫الز ِ‬ ‫ِ‬
‫لحصول َّ‬ ‫المنكر‪ ،‬علَى أنَّهُ عَلقةٌ اعتياديةٌ ْأو عَلقةٌ مبدئيَّةٌ‬ ‫لهم‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫‪---------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مدارك التنزيل‪ ،‬النسفي ‪.٦٠٣/٧‬‬

‫‪52‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يستكثر‬ ‫للس ِ‬
‫ارق أ ْن‬ ‫يوسوس َّ‬ ‫الذي‬ ‫كل أموِر حياتنَا‪ ،‬فهو ِ‬
‫الشيطا ُن فِي ِّ‬ ‫َّل َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫كذلك يتدخ ُ‬
‫و َ‬
‫حق أبنائهم وللطُّغاةِ‬
‫يقص ُروا فِي ِّ‬ ‫ِ‬
‫ولآلباء أ ْن ِّ‬ ‫آبائهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ولألبناء أ ْن يترُكوا َّبر‬ ‫من ِ‬
‫ماله‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫طغيانهم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ليستمروا فِي‬
‫ُّ‬ ‫حق‬
‫هم علَى ٍّ‬‫أنَّ ْ‬
‫ويثق ب ِه فِي‬ ‫ِ‬
‫االبتَلءات َّإال أ ْن يتوَّكل علَى ِ‬
‫اهلل تعالَى‪َ ،‬‬ ‫للخروج من هذهِ‬ ‫وليس للمؤم ِن‬
‫َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ذلك‪:‬‬
‫ومن َ‬ ‫ِ‬
‫مواجهة َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشيطان‪ْ ،‬‬ ‫المعينة علَى‬ ‫باألسباب‬ ‫األخذ‬ ‫مع‬
‫تصريف أموره‪َ ،‬‬
‫وجل فِي ِّ‬
‫كل‬ ‫عز َّ‬ ‫عظمته ومر ِ‬
‫اقبته َّ‬ ‫ِ‬ ‫واستحضار‬
‫ُ‬
‫العمل ِ‬
‫هلل تعالَى‪،‬‬ ‫إخَلص ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫ِ‬
‫األوقات‪.‬‬
‫فهي معينةٌ علَى ِّ‬
‫سد‬ ‫ذلك؛ َ‬ ‫الوقت فِي َ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واستغَلل‬ ‫ِ‬
‫أعمال الخي ِر‬ ‫من‬
‫االستكثار ْ‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫الش ِ‬
‫يطان‪.‬‬ ‫مداخل َّ‬‫ِ‬
‫الش ِ‬
‫يطان‬ ‫ِ‬
‫القرآن لتحصي ِن الن ِ‬
‫َّفس م َن َّ‬ ‫الذك ِر وقراءةِ‬
‫والدعاءُ والتز ُام ِّ‬
‫االستعاذةُ ُّ‬ ‫‪-‬‬
‫ِ‬
‫وأعوانه‪.‬‬
‫اج‬
‫قائلين باألبر ِ‬
‫افين وال َ‬‫والعر َ‬
‫ان َّ‬ ‫السحرةِ َّ‬
‫والكه ِ‬ ‫من َّ‬ ‫أعوان َّ ِ‬
‫الشيطان َ‬
‫االبتعاد عن ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫‪-‬‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وما إلَى َ‬ ‫ِ‬
‫الفلكيَّة َ‬
‫اهلل تعالَى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المعينة علَى تقوى ِ‬ ‫الص ِ‬
‫الحة‬ ‫حبة َّ‬‫بالص ِ‬
‫االستعانةُ ُّ‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬

‫‪53‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ات التوُّك ِل علَى ِ‬


‫اهلل تعالَى}‬ ‫{ثمر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المؤمن المتحلِّي َبها َ‬
‫أثرها‬ ‫ُ‬ ‫فيرى‬
‫عاجَل‪َ ،‬‬
‫تظهر ً‬ ‫آثار يشاءُ اهللُ تعالَى أ ْن َ‬ ‫لآلداب الربَّانيَّة ٌ‬
‫ألمثل‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ُ‬‫اءه‬‫ز‬ ‫ج‬ ‫ِ‬
‫فيعطيه‬ ‫ثم يكرمه اهلل بها فِي اآلخرةِ‬ ‫َّ‬ ‫‪،‬‬ ‫َّاس ِ‬
‫إليه‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫حياته وفِي نظرةِ‬ ‫فِي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ات عاجلةٌ وآجلةٌ‪:‬‬ ‫اهلل تعالَى ثمر ٌ‬ ‫وللتوُّك ِل علَى ِ‬
‫ات التوُّك ِل فِي ُّ‬
‫الدنيَا‪:‬‬ ‫َّأوًال‪ :‬ثمر ٌ‬
‫ِ‬
‫‪ )1‬محبَّةُ اهلل تعالَى للمتوِّك َ‬
‫لين‪:‬‬
‫قال تعالَى‪{ :‬فَِإ َذا َع َزْم َ‬
‫ت فَـتَـ َوَّك ْل‬ ‫لين‪َ ،‬‬‫عز وج َّل للمتوِّك َ‬
‫حب ِ‬
‫اهلل َّ‬ ‫القرآن الكر ِيم َّ‬ ‫ِ‬ ‫تأك َد فِي‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫َعلَى اللَّ ِه ۖ إِ َّن اللَّهَ يُ ِح ُّ‬
‫ين}[آل عمران‪.]101 :‬‬ ‫ب ال ُْمتَـ َوِّكل َ‬
‫قال لهُ‪ :‬إذَا‬‫ثم َ‬ ‫المؤمنين فِي أمورهِ‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫العزةِ نبيَّه الكريم ﷺ إلَى مشاورةِ‬
‫َ‬ ‫رب َّ ُ‬ ‫دعا ُّ‬
‫فق ْد َ‬
‫ِ‬ ‫اهلل واعتم ْد ِ‬ ‫أمرك إلَى ِ‬
‫حك‪ ،‬فاهللُ‬ ‫وامض بجوار َ‬ ‫عليه‪،‬‬ ‫ض َ‬ ‫ففو ْ‬ ‫اخترت ّ‬‫َ‬ ‫لما‬
‫قلبك َ‬ ‫اطمأ ّن َ‬
‫وهي التِي‬ ‫ٍ‬
‫تجلب النُّصرةَ والهدايةَ‬ ‫ُ‬ ‫أعظم محبَّة َ‬ ‫هي ُ‬ ‫لين‪ ،‬ومحبَّتهُ تعالَى َ‬ ‫يحب المتوِّك َ‬ ‫ُّ‬
‫َّوفيق(‪.)1‬‬
‫والت َ‬
‫من عبادهِ بأ ْن يجعل لهُ حبًّا فِي ِ‬
‫قلوب الن ِ‬
‫َّاس‪.‬‬ ‫يحب ْ‬ ‫من ُّ‬ ‫ويمتن اهللُ تعالَى علَى ْ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫الصالِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الر ْح َٰم ُن ُودًّا}[مريم‪.]16 :‬‬
‫ات َسيَ ْج َع ُل لَ ُه ُم َّ‬ ‫آمنُوا َو َعملُوا َّ َ‬ ‫قال تعالَى‪{ :‬إِ َّن الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫َ‬
‫أجل‬ ‫آداب ٍ‬ ‫من ٍ‬ ‫والمعنى‪َّ :‬‬
‫(ومن ّ‬
‫وشيم ْ‬ ‫أمرهم ْ‬‫ْ‬ ‫بما‬
‫الذين صدقُوا اهللَ ورسولهُ‪ ،‬وعملُوا َ‬ ‫إن َ‬
‫وألفتهم فِي صدوِر عبادهِ(‪.)1‬‬ ‫ْ‬ ‫تهم‬
‫سيوقع اهللَ محبَّ ْ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اآلداب التوُّك ُل)‬ ‫تلك‬
‫َ‬
‫َّاس‪،‬‬
‫هم الن ُ‬
‫منهم‪ ،‬يحبُّ ُ‬
‫ٍ‬
‫من غي ِر تودُّد ْ‬ ‫مودةً ْ‬ ‫ِ‬
‫القلوب َّ‬ ‫لهم فِي‬‫سيحدث ْ‬
‫ُ‬ ‫وذكر َّ‬
‫أن اهللَ تعالَى‬ ‫َ‬
‫عنهم(‪.)1‬‬‫ضى ْ‬ ‫هم اللّهُ تعالَى وير َ‬
‫بينهم‪ ،‬ويحبُّ ُ‬
‫فيما ْ‬ ‫ويتحابُّو َن َ‬
‫‪------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬معالم التنزيل‪ ،‬البغوي ‪ ،٦٧٣/٧‬السراج المنير‪ ،‬الخطيب الشربيني ‪.٧٦٠/٦‬‬
‫(‪ ) 1‬انظر‪ :‬الهداية إلى بلوغ النهاية‪ ،‬مكي بن أبي طالب ‪.٥٦٠٠/٤‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسير المنير‪ ،‬الزحيلي ‪.٦٦٩/٦٦‬‬

‫‪54‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫تبارك وتعالَى‬
‫إن اهللَ َ‬ ‫رسول ِ‬
‫اهلل ﷺ‪َّ :‬‬ ‫يقول ُ‬ ‫رضي اهللُ عنهُ ُ‬
‫عن أبي هريرَة َ‬
‫ِ‬
‫الحدي َّ ْ ِ‬ ‫وفِي‬
‫ثم ِ‬
‫ينادي‬ ‫يل َّ‬ ‫يل‪َّ :‬‬
‫أحب فَلنًا فأحبّهُ‪ ،‬فيحبُّهُ جبر ُ‬
‫إن اهللَ ق ْد ّ‬ ‫نادى جبر َ‬ ‫أحب عب ًدا َ‬
‫إذَا َّ‬
‫الس ِ‬ ‫َّ‬ ‫الس ِ‬
‫يل فِي َّ‬
‫ويوضع لهُ‬
‫ُ‬ ‫ماء‬ ‫أهل َّ‬
‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ب‬
‫ُّ‬ ‫فيح‬ ‫‪،‬‬‫وه‬
‫ُ‬ ‫فأحب‬
‫ّ‬ ‫ا‬‫ً‬‫ن‬‫فَل‬ ‫أحب‬
‫ّ‬ ‫د‬
‫ْ‬ ‫ق‬ ‫اهلل‬
‫َ‬ ‫إن‬ ‫‪:‬‬‫ماء‬ ‫جبر ُ‬
‫ِ‬
‫األرض(‪.)1‬‬ ‫القبول فِي ِ‬
‫أهل‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫‪ )1‬كفايةُ اهلل للمتوِّك َ‬
‫لين‪:‬‬
‫ِ‬
‫بالكفاية‪.‬‬ ‫وجل عبادهُ المتوِّكلين ِ‬
‫عليه‬ ‫عز َّ‬
‫وع َد اهللُ َّ‬
‫َ‬
‫قال تعالَى‪َ { :‬وَمن يَـتَـ َوَّك ْل َعلَى اللَّ ِه فَـ ُه َو َح ْسبُهُ}[الطَلق‪.]1 :‬‬
‫َ‬

‫يكفيهم َما‬ ‫نفسه كفايةَ المتوِّكلين‪ ،‬فهو سبحانهُ ِ‬


‫الذي‬ ‫وجل علَى ِ‬
‫عز َّ‬ ‫ضى اهللُ َّ‬‫فق ْد ق َ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫كل َما يخشو َن(‪.)1‬‬
‫من ِّ‬
‫ظ لهُ ْ‬
‫الرز َق‪ ،‬الحاف ُ‬
‫لهم ِّ‬
‫َّامن ْ‬
‫وهو الض ُ‬
‫ودنياهم‪َ ،‬‬
‫ْ‬ ‫دينهم‬
‫ْ‬ ‫هم فِي‬
‫أهم ْ‬
‫ّ‬
‫كل َما ضا َق علَى الن ِ‬
‫َّاس(‪.)1‬‬ ‫من ِّ‬
‫خثيم يبيّ ُن معنَى (فَـ ُه َو َح ْسبُهُ)‪ْ :‬‬
‫بن َ‬ ‫بيع ُ‬
‫الر ُ‬
‫قال َّ‬
‫َ‬

‫الكائدين‪.‬‬ ‫عنهم كي َد‬ ‫ِ‬


‫باسمه الو ِ‬
‫َ‬ ‫ويمنع ْ‬
‫َ‬ ‫يحميهم‬
‫ْ‬ ‫كي‬
‫كيل ْ‬ ‫دعا المؤمنو َن اهللَ تعالَى‬
‫وق ْد َ‬

‫‪------------------------------------------------------------------------------ ------------‬‬

‫(‪ ) 1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب التوحيد‪ ،‬باب كَلم الرب مع جبريل ونداء اهلل المَلئكة ‪ ،٦٥٧/٩‬رقم ‪.٤٥٣٥‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الكشف والبيان‪ ،‬الثعلبي ‪.٣٣٣/٩‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه معل ًقا‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب (ومن يتوكل على اهلل فهو حسبه)‪.٩٩/٣ ،‬‬

‫‪55‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اس رضي اهلل عنهُ‪ :‬حسبنَا اهلل ونعم الوكيل‪ ،‬قالها إبراهيم ِ‬
‫ين‬
‫َلم ح َ‬
‫الس ُ‬ ‫عليه َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ع ِن اب ِن عبَّ ٍ َ ُ‬
‫ال لَ ُهم الن ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس إ َّن الن َ‬
‫َّاس قَ ْد‬ ‫ين قَ َ ُ ُ‬ ‫حين قالُوا‪{ :‬الذ َ‬‫محم ٌد ﷺ َ‬ ‫ألقي في النَّا ِر‪َ ،‬‬
‫وقالها َّ‬ ‫َ‬
‫م الْ َوكِيل}[آل عمران‪:‬‬
‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫اد ُهم إِيمانًا وقَالُوا حسبـنَا اللَّهُ ونِ‬
‫َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ش ْو ُه ْم فَـ َز َ ْ َ َ‬‫َج َمعُوا لَ ُك ْم فَا ْخ َ‬
‫ُ‬
‫‪.)1(]171‬‬
‫ِ‬
‫والقائم‬ ‫تدبير عبادهِ‪،‬‬
‫ض إليه ُ‬
‫ِ‬
‫المفو ُ‬
‫وهو َّ‬‫أهمنَا َ‬‫كل َما َّ‬ ‫وهو كافينَا َّ‬
‫أي‪ :‬اهللُ ربُّـنَا‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫بمصالحهم(‪.)1‬‬
‫ْ‬
‫من الخذال ِن‪:‬‬
‫‪ )1‬النَّجاةُ َ‬
‫اهلل تعالَى للمتوِّكلين ِ‬
‫عليه‪.‬‬ ‫الخذالن هي مكافأةُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّصر والنَّجاةُ َ‬ ‫الن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب لَ ُك ْم ۖ َوإِن يَ ْخ ُذلْ ُك ْم فَ َمن ذَا الَّذي يَ ُ‬
‫نص ُرُكم‬ ‫نص ْرُك ُم اللَّهُ فَ ََل غَال َ‬‫قال تعالَى‪{ :‬إِن يَ ُ‬ ‫َ‬
‫ِّمن بَـ ْع ِدهِ ۖ َو َعلَى اللَّ ِه فَـلْيَتَـ َوَّك ِل ال ُْم ْؤِمنُو َن}[آل عمران‪.]160 :‬‬
‫هو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الحقيقي‪ ،‬وخذالنهُ للعبد بتركه نصرته ومساندته َ‬ ‫ُّ‬ ‫َّصر‬
‫هو الن ُ‬ ‫ص ُر اهللُ تعالَى َ‬ ‫فَـنَ ْ‬
‫أمام مناصرةِ َّ‬
‫رب‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ليست بشيء َ‬ ‫ْ‬ ‫فهي‬
‫بلغت مناصرةُ البشر َ‬ ‫فمهما ْ‬ ‫الحقيقي‪َ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫الخذال ُن‬
‫تقاعس‬
‫ُ‬ ‫الخاذلين‪ ،‬ول ْن يضيرهُ‬
‫َ‬ ‫فلن يضَّرهُ خذال ُن‬ ‫ومن ناصرهُ اهللُ تعالَى ْ‬ ‫البش ِر‪ْ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وهو‬
‫من لجأَ إليه‪َ ،‬‬ ‫من توَّك َل عليه‪ ،‬وكافي ْ‬ ‫حسب ْ‬‫ُ‬ ‫ابن القيِّ ِم‪َ :‬‬
‫هو‬ ‫قال ُ‬ ‫المتقاعسين‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫وانقطع‬ ‫توالهُ واستنصر ِبه وتوَّكل ِ‬
‫عليه‬ ‫َّ‬ ‫فمن‬ ‫‪،‬‬‫المستجير‬ ‫ويجير‬ ‫الخائف‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫يؤم‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫الذ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ويحذر‪،‬‬ ‫يخاف‬ ‫ومن خافهُ واتَّقاهُ ّأمنهُ َّ‬
‫مما‬ ‫إليه؛ َّ‬ ‫بكلي ِته ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫توالهُ وحفظهُ وحرسهُ وصانهُ‪ْ ،‬‬ ‫ّ‬
‫من المناف ِع(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫وجلب ِ‬
‫يحتاج إليه ْ‬ ‫ُ‬ ‫إليه َما‬ ‫َ‬
‫‪----------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب تفسير القرآن‪ ،‬باب (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم)‪ ،٣٩/٦ ،‬رقم‬
‫‪.٥٥٦٣‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تيسير الكريم الرحمن‪ ،‬السعدي ص‪.٦٥٤‬‬
‫(‪ )1‬بدائع الفوائد ‪.٧٣٤/٧‬‬

‫‪56‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الش ِ‬
‫يطان‪:‬‬ ‫‪ )1‬النَّجاةُ من ِ‬
‫كيد َّ‬ ‫ْ‬
‫ك َوَرِجلِ َ‬ ‫ب َعلَْي ِه ْم بِ َخ ْيلِ َ‬ ‫ك وأ ِ‬ ‫قال تعالَى‪{ :‬واستـ ْف ِز ْز م ِن استطَع َ ِ‬
‫ك‬ ‫َجل ْ‬‫ص ْوتِ َ َ ْ‬ ‫ت م ْنـ ُه ْم بِ َ‬ ‫َ َْ َ َْ ْ‬ ‫َ‬
‫الشيطَا ُن إَِّال غُرورا * إِ َّن ِعب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ادي‬‫َ‬ ‫ًُ‬ ‫َو َشا ِرْك ُه ْم في ْاألَ ْم َو ِال َو ْاألَ ْوَالد َوع ْد ُه ْم ۖ َوَما يَع ُد ُه ُم َّ ْ‬
‫يل}[اإلسراء‪.]68 ،61 :‬‬ ‫ك َعلَي ِهم س ْلطَا ٌن ۖ وَك َف ٰى بِربِّ َ ِ‬
‫ك َوك ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س لَ َ ْ ْ ُ‬ ‫لَْي َ‬
‫من يشاءُ ع ِن الحقِّ‪ ،‬وأ ْن‬ ‫ِ‬ ‫تحدى اهللُ تعالَى َّ‬ ‫فق ْد َّ‬
‫يقطع ْ‬ ‫كل جهده وأ ْن َ‬ ‫يبذل َّ‬ ‫الشيطا َن أ ْن َ‬
‫يبذل فِي ِ‬
‫سبيل‬ ‫واإلبعاد ع ِن الدِّي ِن‪ ،‬وأ ْن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوسوسة‬ ‫وألعوانه فِي‬
‫ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫صوت لهُ‬ ‫يستخدم َّ‬
‫َ‬
‫للش ِ‬
‫يطان‬ ‫يجعل َّ‬ ‫وجل عبادهُ َّأال‬
‫عز َّ‬ ‫المتاحة لهُ‪ ،‬ووع َد َّ‬ ‫ِ‬ ‫الوسائل الماد ِ‬
‫ِّية‬ ‫ِ‬ ‫كل‬
‫ذلك َّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ِ(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫ئل‬
‫ُ‬ ‫القا‬ ‫ى‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫تعا‬ ‫وهو‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫إغوائه وكيده‬ ‫من‬
‫ويعصمهم ْ‬
‫ْ‬ ‫سيكفيهم‬
‫ْ‬ ‫عليهم‪ ،‬وأنَّهُ تعالَى‬
‫ْ‬ ‫سلطانًا‬
‫ارِه ْم َش ْيئًا إَِّال بِِإ ْذ ِن اللَّ ِه ۖ َو َعلَى اللَّ ِه فَـلْيَتَـ َوَّك ِل‬ ‫س بِ َ‬
‫ض ِّ‬ ‫ِ ِ‬
‫في محكم كتابه‪َ { :‬ولَْي َ‬
‫ِ‬
‫ال ُْم ْؤِمنُو َن}[المجادلة‪.]10 :‬‬

‫طب‪:‬‬‫يقول سيِّ ُد ق ٍ‬ ‫أي كائ ٍن كا َن؛ َّ‬


‫ألن اهللَ تعالَى حافظهُ‪ُ ،‬‬ ‫من ِّ‬‫التآمر ْ‬
‫يضرهُ ُ‬‫فالمؤمن َال ُّ‬
‫ُ‬
‫الحاضر‬ ‫وهو َّ‬
‫الشاه ُد‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الخبير‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫العليم‬
‫ُ‬ ‫وهو‬
‫القوي العز ُيز‪َ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫وهو‬
‫الحارس الحامي‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫فهو‬
‫َ‬
‫فأي‬
‫المؤمنين‪ُّ ،‬‬ ‫الكون َّإال ما يري ُد‪ ،‬وق ْد وع َد بحر ِ‬
‫اسة‬ ‫ِ‬ ‫وال يكو ُن فِي‬
‫يغيب‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الذي َال ُ‬
‫وأي يقي ٍن؟(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫طمأنينة بع َد ه َذا ُّ‬

‫‪----------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطبي ‪.٧٣٣/٦٠‬‬


‫(‪ )1‬في ظَلل القرآن ‪.٣٥٦٠/٦‬‬

‫‪57‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ )8‬النَّجاةُ من الكر ِ‬
‫بات‪:‬‬ ‫َ‬
‫قصةُ أصحا ِ‬ ‫بفضل ِ‬ ‫َّماذج التِي تبيّ ُن نجاةَ‬
‫ب‬ ‫اهلل تعالَى َّ‬ ‫لين ِ‬ ‫المؤمنين المتوِّك َ‬
‫َ‬ ‫ومن الن ِ‬ ‫َ‬
‫اهلل تعالَى‪.‬‬ ‫حماية ِ‬‫ِ‬ ‫ولجؤوا إلَى‬‫ين ُ‬ ‫ِ‬
‫وقومهم الكافر َ‬
‫ْ‬ ‫ملكهم‬
‫ْ‬ ‫من‬
‫فروا ْ‬
‫الكهف‪ ،‬فق ْد ّ‬
‫ك َر ْح َمةً َو َهيِّ ْئ لَنَا ِم ْن‬‫ف فَـ َقالُوا َربَّـنَا آتِنَا ِم ْن لَ ُدنْ َ‬
‫قال تعالَى‪{ :‬إِ ْذ أَوى ال ِْف ْتـيَةُ إِلَى الْ َك ْه ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين َع َد ًدا}[الكهف‪.]11 ،10 :‬‬ ‫ض َربْـنَا َعلَى آذَان ِه ْم في الْ َك ْهف سن َ‬ ‫أ َْم ِرنَا َر َش ًدا * فَ َ‬
‫اهم أح ٌد‬ ‫هم يستترو َن ع ِن األنظا ِر َ‬ ‫ِ‬
‫فَل ير ْ‬ ‫خائفين لعلّ ْ‬
‫َ‬ ‫الكهف‬ ‫أولئك الفتيةُ إلَى‬
‫فق ْد َأوى َ‬
‫بل ترُكوا‬ ‫‪،‬‬ ‫والمكوث بين الظَّ ِ‬
‫لمة‬ ‫ِ‬ ‫بالد ِ‬
‫عاء‬ ‫فلم يكت ُفوا ُّ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫باألسباب‪ْ ،‬‬ ‫قومهم‪ ،‬وه َذا أخ ٌذ‬
‫ْ‬ ‫من‬
‫ْ‬
‫فضرب اهللُ تعالَى‬ ‫هم‪،‬‬ ‫وذادوا بدينهم إلَى ٍ‬
‫مكان أمي ٍن‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫أمرهم إلَى ربِّ ْ‬
‫ْ‬ ‫ضوا‬‫فو ُ‬
‫ثم ّ‬ ‫ْ‬ ‫المكا َن‪ُ ،‬‬
‫كهفهم ثَلثمائةَ‬
‫ْ‬ ‫فناموا فِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سماع األصوات والحركات‪ُ ،‬‬ ‫من ِ‬ ‫يمنعهم ْ‬
‫ْ‬ ‫آذانهم حجابًا‬
‫ْ‬ ‫علَى‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عثهم‬
‫جنب‪ ،‬حتَّى ب ْ‬ ‫جنب إلَى ٍ‬ ‫من ٍ‬ ‫سنين‪ ،‬وكانُوا يتقلَّبو َن بلطف اهلل تعالَى وتدبيره ْ‬‫وتسع َ‬
‫َ‬
‫ملك ظالم‪ ،‬وه َذا تفريج ِ‬
‫اهلل‬ ‫كانت قريتهم ٍ‬
‫ُ‬ ‫فيها ٌ ٌ‬ ‫ولم يع ْد َ‬
‫آمنت ْ‬
‫وقتئذ ق ْد ْ‬ ‫ْ‬ ‫نومهم و ْ‬
‫ْ‬ ‫م ْن‬
‫عهم(‪.)1‬‬
‫لتضر ْ‬
‫بتهم واستجابتهُ ِّ‬
‫تعالَى لكر ْ‬

‫‪------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أيسر التفاسير‪ ،‬الجزائري ‪.٧٣٣/٣‬‬

‫‪58‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الفتية ِ‬
‫مؤمنة ثابتةٌ راسخةٌ‪ ،‬متوِّكلةٌ مطمئنَّةٌ إلَى‬ ‫أن قلوب ِ‬
‫هؤالء ِ‬ ‫وق ْد بيّ َن سيِّ ُد ٍ‬
‫قطب َّ َ‬
‫بذلك رحمةَ ِ‬
‫اهلل‬ ‫ت َ‬ ‫َّ‬
‫استحق ْ‬ ‫اختارت‪ ،‬وق ْد‬
‫ْ‬ ‫باإليمان ِ‬
‫الذي‬ ‫ِ‬ ‫معتزةً‬
‫عرفت‪َّ ،‬‬
‫ْ‬ ‫الحق ِ‬
‫الذي‬ ‫ِّ‬
‫تعالَى(‪.)1‬‬

‫حدث أثناءَ هجرةِ نبيِّـنَا الكر ِيم ﷺ وأبي‬


‫َ‬ ‫يج الكر ِ‬
‫بات‪َ ،‬ما‬ ‫ِ‬
‫األمثلة علَى تفر ِ‬ ‫أروع‬
‫ومن ِ‬‫ْ‬
‫رضي اهللُ عنهُ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بكر الصدِّيق َ‬
‫ين َك َف ُروا ثَانِ َي اثْـنَـ ْي ِن إِ ْذ ُه َما‬ ‫َّ ِ‬
‫ص َرهُ اللَّهُ إِ ْذ أَ ْخ َر َجهُ الذ َ‬‫ص ُروهُ فَـ َق ْد نَ َ‬ ‫قال اهللُ تعالَى‪{ :‬إَِّال تَـ ْن ُ‬‫َ‬
‫ول لِ ِ‬
‫صاحبِ ِه َال تَ ْح َز ْن إِ َّن اللَّهَ َم َعنَا ۖ فَأَنْـ َز َل اللَّهُ َس ِكينَتَهُ َعلَْي ِه َوأَيَّ َدهُ‬ ‫في الْغَا ِر إِ ْذ يَـ ُق ُ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫الس ْفلَ ٰى ۖ َوَكل َمةُ اللَّ ِه ه َي الْعُلْيَا ۖ َواللَّهُ‬ ‫ين َك َف ُروا ُّ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ب ُجنُود لَ ْم تَـ َرْو َها َو َج َع َل َكل َمةَ الذ َ‬
‫ِ‬
‫يم}[التوبة‪.]10 :‬‬ ‫َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫قتله‪ ،‬وليس ِ‬
‫لديه‬ ‫إيذاء المشركين وتآمرهم علَى ِ‬ ‫المدينة بع َد ِ‬
‫ِ‬ ‫خرج رسولنَا ﷺ إلَى‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫فق ْد َ‬
‫قوةٌ ِ‬
‫ضدهُ‪ ،‬وكا َن معهُ صاحبهُ أبُو بك ٍر‬ ‫والعرب كلُّ ْ‬
‫هم َّ‬ ‫ُ‬ ‫ومدافعتهم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫لمقاومتهم‬
‫ْ‬ ‫تكفي‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الكامل(‪.)1‬‬ ‫مقام ِ‬
‫أدب التوُّك ِل‬ ‫المقام َ‬
‫ُ‬ ‫رضي اهللُ عنهُ‪ ،‬فكا َن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫كين‬ ‫وذلك َّ‬
‫ألن المشر َ‬ ‫عنهما‪َ ،‬‬ ‫الطلب َ‬
‫ُ‬ ‫فأقاما فيه ثَلثةَ أيَّ ٍام ل َ‬
‫يسكن‬ ‫وق ْد لجآ إلَى الغا ِر‪َ ،‬‬
‫َّهما ْأو‬ ‫ِ‬
‫من سائ ِر الجهات‪ ،‬وجعلُوا ْ‬
‫لمن رد َ‬ ‫مذهب ْ‬‫ٍ‬ ‫كل‬
‫طلبهما َّ‬
‫َ‬ ‫فقدوهما ذهبُوا فِي‬
‫َ‬ ‫حين‬
‫َ‬
‫مكانهما‪،‬‬
‫َ‬ ‫واحتاروا فِي‬
‫ُ‬ ‫عليهم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ط‬
‫آثارهما حتَّى اختلَ َ‬
‫َ‬ ‫واقتصوا‬
‫ُّ‬ ‫من ِ‬
‫اإلبل‪،‬‬ ‫أحدهما مائةً َ‬
‫َ‬
‫يمرو َن‬
‫فيه‪ ،‬وجعلُوا ُّ‬‫الذي هما ِ‬‫فصع ُدوا الجبل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪-------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬في ظَلل القرآن ‪.٧٧٦٦/٥‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المنار‪ ،‬محمد رشيد رضا ‪.٦٤٥/٥‬‬

‫‪59‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫لهما(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫من اهلل َ‬
‫يرونهما‪ ،‬حفظًا َ‬
‫َ‬ ‫باب الغاِر َ‬
‫وال‬ ‫أرجلهم َ‬
‫ْ‬ ‫علَى ِ‬
‫باب الغا ِر‪ ،‬فتحاذي‬
‫ِّقة فِي نص ِر ِ‬
‫اهلل تعالَى‪ ،‬فنصرهُ اهللُ وأعلَى قدرهُ‪،‬‬ ‫اهلل ﷺ متأدِّبا بالث ِ‬
‫رسول ِ‬
‫وق ْد كا َن ُ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫الجناب‪َ ،‬ال‬ ‫منيع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وم ّكن دينه فِي سائ ِر ِ‬
‫األرض‪ ،‬واهللُ عز ٌيز في انتقامه وانتصاره‪ُ ،‬‬ ‫أنحاء‬ ‫َ ُ‬
‫أقواله وأفع ِ‬
‫اله(‪.)1‬‬ ‫بخطابه‪ ،‬حكيم فِي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬‫بالتمس ِ‬
‫ُّ‬ ‫واحتمى‬ ‫يضام من ال َذ ِ‬
‫ببابه‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬
‫اهلل تعالَى فِي اآلخرةِ‪:‬‬
‫ات التوُّك ِل علَى ِ‬
‫ثانيًا‪ :‬ثمر ُ‬
‫ِ‬
‫العذاب‪:‬‬ ‫من‬
‫‪ )1‬النَّجاةُ َ‬
‫الذي وع َد اهللُ ِبه عبادهُ‬
‫الحق ِ‬
‫كل مؤم ٍن‪َ ،‬‬
‫وهي ُّ‬ ‫مطلب ِّ‬
‫ُ‬ ‫هي‬ ‫ِ‬
‫من العذاب َ‬
‫النَّجاةُ َ‬
‫المخلصين‪.‬‬
‫َ‬
‫ين}[يونس‪:‬‬‫ِِ‬ ‫آمنُوا ۖ َك َٰذلِ َ‬
‫ك َح ًّقا َعلَْيـنَا نُ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ال ُْم ْؤمن َ‬ ‫نج‬ ‫ين َ‬
‫قال تعالَى‪{ :‬ثُ َّم نُـنَ ِّجي ُر ُسلَنَا َوالذ َ‬
‫َ‬
‫‪.]101‬‬

‫ُّ‬
‫يستحق‬ ‫اكر المتوِّك ُل‬ ‫المخلص ِّ‬
‫المتقي َّ‬ ‫لرسل ِ‬‫بع ِ‬
‫الش ُ‬ ‫ُ‬ ‫َلم‪،‬‬
‫الس ُ‬
‫عليهم َّ‬
‫ُ‬ ‫اهلل‬ ‫فالمؤمن المتّ ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫العذاب(‪.)1‬‬ ‫من‬
‫الرحمةَ َ‬
‫َّ‬

‫‪-------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬البداية والنهاية‪ ،‬ابن كثير ‪.٧٧٣/٣‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ابن كثير ‪.٦٥٥/٥‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬لباب التأويل‪ ،‬الخازن ‪.٧٦٥/٣‬‬

‫‪60‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫واء‪ ،‬وه َذا‬ ‫الس ِ‬ ‫الدنيَا واآلخرةِ علَى َّ‬ ‫للمؤمنين فِي ُّ‬ ‫تثبت‬ ‫عدي َّ‬ ‫الس ِ‬
‫َ‬ ‫تلك النَّجا َة ُ‬ ‫أن َ‬ ‫ويذكر َّ‬ ‫ُ‬
‫قوله تعالَى‪{ :‬إِ َّن اللَّهَ يُ َدافِ ُع َع ِن‬ ‫ورد فِي ِ‬ ‫الذي َ‬ ‫اهلل تعالَى ع ِن المؤمنين ِ‬
‫َ‬
‫دفاع ِ‬ ‫قبيل ِ‬ ‫من ِ‬ ‫ْ‬
‫آمنُوا}[الحج‪.]14 :‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬ ‫ا لذ َ‬
‫من المكارهِ(‪.)1‬‬ ‫تحصل لهُ النَّجاةُ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫باآلداب‪،‬‬ ‫وأوضح أنَّهُ علَى قد ِر َما يتحلَّى المرءُ‬ ‫َ‬
‫آمن معهُ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫من العذ ِ‬ ‫نماذج نجاةِ‬
‫ومن َ‬ ‫اب‪ ،‬نجاةُ سيِّدنَا هود ْ‬ ‫المؤمنين َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ومن‬
‫ْ‬
‫ٍ‬ ‫قال تعالَى‪{ :‬ولَ َّما جاء أَمرنَا نَ َّجيـنَا ه ً َّ ِ‬
‫اهم ِّم ْن‬ ‫آمنُوا َم َعهُ بَِر ْح َمة ِّمنَّا َونَ َّج ْيـنَ ُ‬
‫ين َ‬ ‫ودا َوالذ َ‬ ‫َ َ َ ُْ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫يظ}[هود‪.]84 :‬‬ ‫اب غَلِ ٍ‬ ‫َع َذ ٍ‬
‫ألن اهللَ تعالَى عنَى باألولَى‬ ‫اآلية م َّرتي ِن؛ َّ‬ ‫تكرر فِي هذهِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ابن عجيبةَ َّ‬
‫ذكر النَّجاة َّ َ‬ ‫أن َ‬ ‫وذكر ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫العذاب‬ ‫من‬ ‫موم ِ‬ ‫يح الس ِ‬ ‫ِ‬
‫األخرى َ‬ ‫قومهم‪ ،‬والتَّنجيةُ َ‬ ‫ْ‬ ‫أصاب‬
‫َ‬ ‫الذي‬ ‫عذاب ر ِ َّ‬ ‫من‬
‫تنجيتهم ْ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القيامة(‪.)1‬‬ ‫من النَّا ِر َ‬
‫يوم‬ ‫نجاتهم َ‬
‫ْ‬ ‫الغليظ‪ ،‬قص َد َبها‬
‫قوله تعالَى‪{ :‬فَـلَ َّما َجاءَ أَ ْم ُرنَا نَ َّج ْيـنَا‬ ‫السَلم فِي ِ‬ ‫قوم ٍ ِ‬ ‫وذكر اهلل تعالَى نجاةَ ِ‬
‫صالح عليه َّ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ي‬‫ك ُه َو الْ َق ِو ُّ‬ ‫آمنُوا َم َعهُ بَِر ْح َم ٍة ِّمنَّا َوِم ْن ِخ ْز ِي يَـ ْوِمئِ ٍذ ۖ إِ َّن َربَّ َ‬
‫ين َ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫صال ًحا َوالذ َ‬ ‫َ‬
‫ال َْع ِز ُيز}[هود‪.]66 :‬‬
‫اب غي ِر‬ ‫من عذ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫رب َّ ِ‬ ‫القشيري َّ‬
‫َّدهم به ْ‬ ‫بين َما توع ْ‬ ‫المكذ َ‬ ‫أجرى علَى‬ ‫العزة ق ْد َ‬ ‫أن َّ‬ ‫ُّ‬ ‫وذكر‬
‫َ‬
‫عقوبة فِي ُّ‬
‫الدنيَا‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬
‫من ِّ‬ ‫ونجى م ِن اتّبعهُ ْ‬ ‫َلم‪ّ ،‬‬ ‫الس ُ‬‫عليه َّ‬‫مكذوب‪ ،‬ونجى نبيهم المتوِّك ِل ِ‬
‫ٍ ّ ّ ْ‬
‫ِ‬
‫ورحمته‬ ‫أوليائه أمضاها‪ ،‬وعاد ًة فِي تلطُّ ِ‬
‫فه‬ ‫ِ‬ ‫واآلخرةِ‪ ،‬سنّةً منهُ سبحانهُ فِي ِ‬
‫تنجية‬
‫َ‬
‫ين أجر َاها(‪.)1‬‬ ‫ِّ‬
‫بالمستحق َ‬
‫‪-------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تيسير الكريم الرحمن ‪.٥٣٣/٦‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬البحر المديد ‪.٣٠٥/٣‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬لطائف اإلشارات ‪.٦٥٥/٧‬‬

‫‪61‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫دخول الجن َِّة‪:‬‬


‫ُ‬ ‫‪)1‬‬
‫ِ‬
‫وعبادته‪.‬‬ ‫آماله‪ ،‬وغايةُ ِ‬
‫عمله‬ ‫غايات المؤم ِن‪ ،‬وأرجى ِ‬ ‫ِ‬ ‫أسمى‬
‫َ‬ ‫هي َ‬‫الجنَّةُ َ‬
‫آمنُوا‬
‫ذين َ‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫المقيم‪َ { :‬وال َ‬ ‫الخلود فِي الن ِ‬
‫َّعيم‬ ‫ِ‬ ‫ين ب‬
‫الصابر َ‬ ‫قال تعالَى واع ًدا عبادهُ المتوِّك َ‬
‫لين َّ‬ ‫َ‬
‫خالدين فيها ْنع َم‬ ‫َ‬ ‫من تَ ْح َتها ْاألَنْ ُ‬
‫هار‬ ‫ْجنَّة غَُرفًا تَ ْجري ْ‬ ‫من ال َ‬‫َّه ْم َ‬
‫الصالحات لَنُبَـ ّوئَـنـ ُ‬ ‫َو َعملُوا َّ‬
‫هم يَـتَـ َوَّكلُو َن}[العنكبوت‪.]81 ،84 :‬‬ ‫َّ‬
‫صبَـ ُروا َو َعلى َربّ ْ‬ ‫ذين َ‬ ‫ْعاملين * ال َ‬
‫َج ُر ال َ‬ ‫أْ‬
‫ِ‬ ‫اهلل تعالَى للمؤمنين المتوِّكلين بإسكانهم َ ٍ ِ‬ ‫فه َذا وع ُد ِ‬
‫منازل عالية في الجنَّة‪ ،‬تج ِري ْ‬
‫من‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماكثين‬ ‫وعسل ولب ٍن‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ماء وخم ٍر‬ ‫اختَلف أصنافها‪ ،‬من ٍ‬ ‫ِ‬ ‫األنهار‪ ،‬علَى‬ ‫أشجارها‬ ‫ِ‬
‫تحت‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫من جز ٍاء(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫وأنعم به ْ‬ ‫أعمالهم‪ْ ،‬‬
‫ْ‬ ‫لهم علَى‬
‫حوال‪ ،‬جزاءً ْ‬ ‫عنها ً‬ ‫فيها أب ًدا‪َ ،‬ال يبغو َن َ‬ ‫َ‬
‫الدنْـيَا ۖ َوَما ِع ْن َد اللَّ ِه َخ ْيـ ٌر َوأَبْـ َق ٰى‬
‫ْحيَاةِ ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫قال تعالَى‪{ :‬فَ َما أُوتيتُ ْم م ْن َش ْيء فَ َمتَاعُ ال َ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬
‫آمنُوا َو َعلَ ٰى َربِّ ِه ْم يَـتَـ َوَّكلُو َن}[الشورى‪.]16 :‬‬
‫ين َ‬ ‫للَّذ َ‬
‫ِ‬
‫ذين آمنُوا‪ ،‬وتوَّكلُوا‬ ‫نعيما َال يفنَى‪ ،‬ورزقًا َال ينف ُد‪ ،‬وه َذا الجزاءُ للَّ َ‬ ‫ثواب اهلل ً‬ ‫حي َّ يكو ُن ُ‬ ‫ُ‬
‫مد ِته م ْن ِّ‬
‫أي‬ ‫طبيعته‪ ،‬أب َقى فِي َّ‬ ‫ِ‬ ‫خير فِي‬ ‫ِ‬
‫فثواب اهلل تعالَى ٌ‬ ‫ُ‬ ‫أمرهم لهُ‪،‬‬
‫ْ‬ ‫وأسلموا‬
‫ُ‬ ‫هم‪،‬‬
‫علَى ربِّ ْ‬
‫ٍ‬
‫ثواب(‪.)1‬‬
‫من َّأمتِي سبعو َن‬ ‫"يدخل الجنَّةَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫اهلل ﷺ َ‬ ‫رسول ِ‬‫أن َ‬ ‫عباس‪َّ :‬‬
‫الحدي َّ ع ِن اب ِن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وفِي‬
‫هم يتوَّكلو َن"(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫وال يتطيَّرو َن‪ ،‬وعلَى ربِّ ْ‬ ‫الذين َال يسترقو َن‪َ ،‬‬ ‫هم َ‬ ‫أل ًفا بغي ِر حساب ‪ُ ...‬‬
‫‪-------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬التفسير المنير‪ ،‬الزحيلي ‪.٧٥/٧٦‬‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬في ظَلل القرآن‪ ،‬سيد قطب ‪.٧٤٠٥/٥‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب (ومن يتوكل على اهلل فهو حسبه)‪ ،٦٠٠/٣ ،‬رقم‪.٦٥٤٧‬‬

‫‪62‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫هذا وباهلل التوفيق وصلى اهلل على نبيِّنا‬


‫محمد وعلى آله وصحبه‬
‫وسلم‬

‫‪63‬‬

‫‪‬‬

You might also like