Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 17

‫وحدة أجل سقوط‬

‫الدعويين المدنية و‬
‫الجزائية‬

‫‪2021/2022‬‬

‫‪:‬‬
‫المقّد مة‬
‫إن الجريمة ظاهرة متفشية في الّد ول بصفات متفاوتة لكن عاّمة ال يمكن التفّصي منها و للجريمة عدة‬
‫مظاهر إذ يترتب عنها فعل ضاّر سواء تجاه الفرد أو تجاه المجتمع‪.‬‬
‫و لعّل الفعل الضاّر له آثار من طبيعة مختلفة (‪ )1‬فقد تكون آثاره جزائية أو مدنّية‪ ،‬و قد أوكل المشّر ع‬
‫ألجهزة مختصة صالحّية تقييم هذا الفعل الضاّر و النظر فيه‪ ،‬و ضرورة إيجاد نوع من التناسق بين‬
‫األحكام التي ستصدر سواء من الناحية المدنّية أو الجزائّية ألن "تضارب األحكام في نظام دولة يمثل‬
‫ظاهرة هي األكثر إرباكا لوحدة القانون" كما يقول الفقيهٌ ريڨو (‪.)2‬‬
‫و لعّل الضرر العاّم قد يصحبه ضرر خاّص يصيب المستهدف من الجريمة شخصيّا‪ ،‬فتقوم إلى جانب‬
‫الدعوى العمومّية دعوى مدنّية خولها القانون للمتضّر ر‪.‬‬
‫و يمكن تعريف الّد عوى بكونها السلطة التي يستمّد ها الشخص من القانون للحصول على الحق الذي‬
‫يدعي أنه له‪ ،‬أما الدعوى المدنّية غير أن قبول النظر في الدعوى يستوجب أن يكون المّد عي قد استعمل‬
‫حقه و باشر إجراءات الدعوى القضائية خالل اآلجال القانونّية حيث أن المشرع لم يترك اآلجال غير‬
‫محددة أو خاضعة لحرّية المّد عي‪.‬‬
‫و نفرق بين كّل من الدعوى العمومّية التي سبق و أشرنا اليها و الدعوى المدنّية و التي هي حق لكّل من‬
‫لحقة ضرر مباشرة من الجريمة و قد نظم المشرع كّل من الدعويين ضمن مجلة اإلجراءات الجزائية‬
‫الصادرة بموجب قانون عدد ‪ 23‬لسنة ‪ 1968‬المؤرخ في ‪ 24‬جويلية ‪ 1986‬و التي ألغت جميع‬
‫النصوص المخالفة لها و نخّص بالذكر األمر المؤرخ في ‪ 30‬ديسمبر ‪ 1921‬المتعلق بإصدار قانون‬
‫المرافعات الجنائي حيث كانت المجلة الجزائية الصادرة سنة ‪ 1913‬فيما يخص الجانب اإلجرائي‬
‫تخضع له و ظل األمر على حاله إلى حين صدور م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫و قد كرس المشرع تبعّية الدعوى المدنية للدعوى العمومّية فكالهما مرتبطان خاصة و أنهما يتوّلدان عن‬
‫مصدر واحد أال وهي الجريمة و كذلك فيما يخص إجراءات إقامتهما إال أن هذا اإلرتباط يمتّد مجاله‬

‫‪ - 1‬سنية مالك العش ‪ :‬حجية األمر المقضي به جزائيا على المدني (مجمع األطرش للكتاب المختّص تونس ‪.)2013‬‬
‫‪F.RIGAUXM quelques réflexions sur les rapport entre le droit pénal et les autres branches au droit ,- 2‬‬
‫‪.Mélanges. Le GROS, Ed. Université de Bruxelles, 1985, p.524, n° 10‬‬
‫ليشمل آجال سقوطهما‪ .‬و من المعلوم أن المشرع التونسي لم يحّد د مفهوما تشريعيا للسقوط في ماّد ة‬
‫اإلجراءات الجزائية‪ .‬و لعّل موضوعنا يتمّث ل في وحدة آجال سقوط كال الدعويين و لذلك يجب علينا‬
‫التعريف بكّل مفهوم على حدى بدءا بتعريف السقوط على ضوء التعريف المتعارف عليه من الفقهاء‬
‫بكونه آجال قانونّية يمنحها القانون لصاحب الحق (المتضّر ر) من تاريخ وقوع الفعل المجّر م لرفع‬
‫الدعوى لإلنتصاف و بآنقضاء المّد ة ينقضي معه حق التتبع الجزائي و المدني‪.‬‬
‫مرورا الى الوحدة أال هي التالزم ومن مرادفاتها التضامن أو التبعّية و خالفا لها نجد اإلستقاللّية و عدم‬
‫التبعّية‪ .‬و هنا وجب علينا التمييز بين بعض المفاهيم المجاورة كي نزيل اللبس عن موضوعنا‪.‬‬
‫فاإلسقاط مثال ليس هو السقوط فهو شكل من أشكال التراجع عن الدعوى و يشترط فيه البيان و الداللة‬
‫القاطعة‪ .‬والسقوط يختلف عن اإلنقضاء إذ أن هذا األخير مفهوم شام يتعلق باألسباب الخاّصة والعاّمة‬
‫آلنقضاء الدعوى المدنية و العمومّية‪.‬‬

‫و تكمن أهمية الموضوع على المستوى التاريخي حيث أن آجال السقوط المحددة ضمن م‪.‬إ‪.‬ج لم تنقح منذ‬
‫صدور المجّلة سنة ‪ 1968‬و لكن هذا رغما عن التجاذبات الفقهية و اللبس الذي يعتري الفصل المصرح‬
‫بهذه الوحدة و التضامن على مستوى آجال السقوط‪ ،‬و نظريا فقد أثار الفصل المصّر ح بالوحدة بين كال‬
‫الدعويين في آجال السقوط جدال فقهيا و فقه قضائي و آنقسم إلى ‪ 3‬اتجاهات ‪:‬‬
‫* إتجاه ينادي بضرورة تنقيح هذا الفصل بتعّلة غموضه و كونه يضفي خلطا بين كال الدعويين‬
‫* و شق ثاني يقول بأن الفصل مجاله مجال مخالف للقواعد المدنّية تماما حيث يتحّد ث عن دعوى‬
‫عمومية فقط ال آجالها‬
‫* و شق ثالث يدعو إلى التمييز الن الفصل يتحّد ث عن النيابة العمومية و قيامها أي يجب معاضدة النيابة‬
‫العمومية‪.‬‬
‫أما األهمية العملّية فتتمثل في مشروع تنقيح المجّلة بتاريخ ‪ 10‬أفريل ‪ )3( 2019‬تمت إضافة فقرة ثانية‬
‫للفصل ‪ 34‬من هذا المشروع لوضع حد لتأرجح فقه القضاء بين شق يؤيد التعهد وآخرال يجيزه في‬
‫الحاالت األخرى التي تنقضي بها الدعوى العمومية‪.‬‬
‫لكن تجدر اإلشارة إلى أن القوانين و التشريعات المقارنة قد انتهت إلى وضع حّد فاصل بين كال‬
‫الدعويين في آجال السقوط و فّك الوحدة و الترابط بينهما مثال ذلك المشرع المغربي الذي يقّر اإلستقاللية‬
‫بوضع الفصل ‪ 10‬من المسطرة الجنائية المغربية " ال يتقادم االدعاء المدني إال طبق القواعد المعمول‬
‫بها في الماّد ة المدنّية " و كذلك المشّر ع الفرنسي‪.‬‬
‫إذن فوحدة سقوط الدعويين و لئن كان هدفه تحقيق التناسق الحكمي و الحفاظ على استقرار القوانين إال‬
‫‪ - 3‬الفصل ‪ 34‬منها الذي ينص " لفصل ‪ 14‬تسقط الدعوى المدنية بنفس الشروط واآلجال المقررة للدعوى العمومية الناتجة عن الجريمة التي‬
‫تولد عنها الضرر‪ .‬وفي غير حالة السقوط بمرور الزمن‪ ،‬فإن المحكمة الجزائية المتعهدة تواصل النظر في الدعوى المدنية إن كان القيام بالحق‬
‫الشخصي مقبوال شكال‪ .‬وتخضع الدعوى المدنية فيما عدا ذلك لقواعد القانون المدني‪".‬‬
‫أنه كان متعّد د التأويالت و مختلف حوله و أثار عديد اإلشكاالت على مستوى البعد التطبيقي و هو ما‬
‫يجعلنا نطرح اإلشكالّية الموالية‪:‬‬

‫إلى أي مدى تتحد آجال السقوط بين الدعوى المدنّية و الجزائّية ؟‬

‫لإلجابة عن هذا التساؤل سوف نطرح الموقف التالي‪ :‬مع كل التجاذبات و التطورات التي أحدثها القانون‬
‫المقارن إال أن المشرع التونسي ظّل وفّيا لهذه الوحدة و التالزم في أجل سقوط كال الدويين لكن هذا ال‬
‫يعني أن هنالك مواطن تستقل فيها الدعوى المدنية عن العومية و العكس صحيح‪ .‬و هذا ما سيخول لنا أن‬
‫نتناول هذا الموضوع بالتحليل حيث سيكون اإلقرار بوحدة أجل سقوط كال الدعويين محور الجزء (‪)I‬‬
‫و سنتناول فيما بعد حدود هذا التضامن جزء (‪ )II‬و هو ما سيجعلنا نبّر رهذه النسبّية التي اعتمدها‬
‫المشرع التونسي ‪.‬‬
‫‪--I‬وحدة في أجل سقوط الدعويين‬
‫في خضم هذا العنصر سوف نتعّر ض الى تضامن أجل سقوط الدعوى المدنّية و الجزائّية كوحدة متكاملة‬
‫و ذلك عن طريق الخوض في تعّد د مبّر رات هذا التضامن و بيان الترابط بين كال الدعويين (أ) و ذلك‬
‫بعد التطّر ق الى األسس القانونية المعتمدة لبيان هذه الوحدة في فرع (أ)‪.‬‬

‫األسس القانونية لمبدأ وحدة السقوط‬ ‫أ‪-‬‬


‫سقوط الدعوى و مّما ال شّك فيه مختلف عن سقوط العقوبة (‪ )4‬من حيث المفهوم و النظام‬
‫القانوني‪ ،‬و قد حّد د أجل سقوط الدعوى العمومية ضمن الفصلين ‪ 5‬و ‪ 6‬من م‪.‬إ‪.‬ج و مرور‬
‫الزمن هو من بين األسباب المشتركة التي تسقط بها الدعوى العمومية و الدعوى المدنية على‬
‫حّد السواء‪ ،‬فيتمثل السقوط في هذه الحالة في عدم قبول صاحب الحق بعد بقائه مّد ة زمنّية معّينة‬
‫قد تطول أو تقصر‪ ،‬متقاعسا عن القيام بالّد عوى‪ .‬و مسألة السقوط هي مسألة تهّم النظام العاّم و‬
‫هو ما نستجليه من خالل الفصل ‪ 13‬من م‪.‬م‪.‬ت حيث يقّر هذا الفصل أّن "المسقطات كلها‬
‫وجوبية تتمسك بها المحكمة من تلقاء نفسها" و قد رتب المشرع جزاءا على المسقطات البطالن‬
‫وأما البطالن فقد عرفه البعض بأنه عقوبة تلحق العمل اإلجرائي المعيب بعيب شكلي أو أصلي‬
‫ويتمثل في إبطال العمل المعيب ‪ .‬فالبطالن يتعلق بعيب شكلي ويمكن أن ينسحب على تخلف‬
‫المقتضيات الموضوعية‪ .‬فأما عيوب الشكل فهي كل ما يتعلق بصيغ ممارسة حق التقاضي‬
‫وتعهد المحاكم بالخصومات وآجال وطرق الطعن في األحكام وصيغ تنفيذها‪ .‬وأما العيوب‬
‫المتصلة بجوهر الدعاوي فهي تلك المتمثلة في عدم توفر شرط من الشروط الواردة بالفصل‬
‫‪ 19‬من م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت وهي الصفة واألهلية والمصلحة‪.‬‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬ما يالحظ في تركيبة الفصل ‪ 14‬من م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪ .‬تجزئة أحكامه إلى قسمين‪:‬‬
‫قسم أول يتعلق بالبطالن الوجوبي الذي يشمل على السواء صور البطالن النصي والبطالن‬
‫لمخالفة أحكام النظام العام واإلجراءات األساسية‪ .‬أما القسم الثاني فيتعلق بالبطالن النسبي وقد‬
‫أوكل المشرع حق إثارته للخصوم وحدهم وألزمهم بذلك قبل الخوض في األصل واشترط فيه‬
‫أن يكون قد حصل بموجبه ضرر للمتمسك به‪ ،‬وهو ما تقتضيه الفقرة الثانية من الفصل ‪ 14‬من‬
‫م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪ .‬فهو بطالن قد شرع لمصلحة الخصوم وال يكتسي طابع الوجوبية التي تتميز بها‬
‫صور البطالن المنصوص عليها بالفقرة األولى من ذات الفصل(‪ ،)5‬و ما يمكن أن ننتبه إليه هنا‬
‫أن المسقطات هي تتعلق بالنظام العاّم و كما سلف الذكر يمكن أن تثيرها المحكمة من تلقاء‬
‫نفسها‪.‬‬
‫‪ 349 - 4‬م‪.‬إ‪.‬ج في الباب الثالث من مجلة اإلجراءات الجزائية المعنون "في سقوط العقوبات"‬
‫‪5‬‬
‫‪ .‬المسقطات والمبطالت في الدعوى المدنية‪ ،‬محاضرة ختم التمرين بالمعهد األعلى للمحامين‪ ،‬وليد الحامدي‪ ،2012/2013 ،‬ص ‪-3‬‬
‫ولعّل المشرع التونسي قد عمد الى تحديد لهذه المدة ضمن الفصل ‪ 5‬م‪.‬إ‪.‬ج (‪ )6‬فعندما تترك‬
‫النيابة العمومية تتبع المتهم خالل المّد ة القانونية‪ ،‬فإن الدعوى العمومّية تنقضي بمرور الزمن‪ .‬و‬
‫لعّل آجال اإلحتساب كما يقرها الفصل ‪ 5‬م‪.‬إ‪.‬ح "من يوم إرتكاب الجريمة" و يختلف يوم‬
‫إرتكاب الجريمة بآختالف نوع الجريمة‪:‬‬

‫في الجريمة الحينية‪ :‬ال تتطلب حيز زمني كبير (مثل‪ :‬السرقة) فيحدد بداية سريان األجل من‬ ‫‪‬‬
‫اليوم الموالي آلرتكاب الجريمة‪.‬‬
‫في الجريمة المستمرة‪ :‬تتطلب إمتداد النشاط اإلجرامي زمنيا (مثال‪ :‬بناء بدون رخصة) ال‬ ‫‪‬‬
‫ينطلق إال من يوم إنتهاء النشاط‪.‬‬
‫في جريمة اإلعتياد‪ :‬إرتكاب فعلين فأكثر متماثلين أجل السقوط ال يحتسب إال من اليوم الذي‬ ‫‪‬‬
‫آرتكب فيه اخر فعل مكّو ن لإلعتياد‪.‬‬
‫و هنا تحديدا نالحظ أن السقوط ينطبق حتى في الجرائم الخطيرة ما عدى بعض الجرائم التي‬
‫نّص عليها القانون صراحة كالفصل ‪ 24‬من القانون األساسي عدد ‪ 43‬لسنة ‪ 2013‬المؤرخ‬
‫في ‪ 21‬أكتوبر ‪ 2013‬و المتعّلق بالهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب (‪ )7‬و التي تنص " ال تسقط‬
‫الدعوى العمومية في جريمة التعذيب بمرور الزمن" و كذلك عمال بالفصل ‪ 23‬من دستور ‪27‬‬
‫جانفي ‪.2014‬‬
‫و في إقراره لهذه الوحدة وضع المشرع التونسي الفصل الثامن من مجّلة اإلجراءات الجزائية‬
‫الذي ينّص في مطلع الفقرة األولى على هذه الوحدة بين كال الدعويين ‪" :‬تسقط الدعوى المدنية‬
‫بنفس الشروط واآلجال المقررة للدعوى العمومية الناتجة عن الجريمة التي تولد عنها الضرر"‬
‫و هنا تحديدا يوجد إقرار من المشرع بين تضامن في أجل سقوط كال الدعويين و معنى ذلك أن‬
‫الضرر الناشئ عن الجريمة ال يمكن المطالبة بتعويضه إال خالل اآلجال المعنّية لسقوط الدعوى‬
‫العمومّية‪ ،‬أي سنة بالنسبة للمخالفات و ثالث سنوات بالنسبة للجنحة و عشر سنوات بالنسبة‬
‫للجناية وذلك تطبيقا لمبدأ التضامن بين الدعوتين العامة و الخاصة من حيث آجال السقوط‪ ،‬و قد‬
‫و ضع المشرع أجال عاّما لسقوط الدعوى المدنّية و هو خمسة عشرة سنة على معنى الفصل‬

‫‪" - 6‬تسقط الدعوى العمومية فيما عدا الصور الخاصة التي نص عليها القانون بمرور عشرة أعوام كاملة إذا كانت ناتجة عن جناية‬
‫وبمرور ثالثة أعوام كاملة إذا كانت ناتجة عن جنحة وبمرور عام كامل إذا كانت ناتجة عن مخالفة وذلك ابتداء من يوم‬
‫وقوع الجريمة على شرط أن ال يقع في بحر تلك المدة أي عمل تحقيق أوتتبع‪.‬‬
‫ومدة السقوط يعلقها كل مانع قانوني أو مادي يحول دون ممارسة الدعوى العمومية ما عدا الموانع المترتبة عن إرادة المتهم‪.‬وفي‬
‫الصورة المعينة بالفصل ‪ 77‬ينتفع المتهم غير الموقوف بالسجن بجريان أجل سقوط الدعوى العمومية في مدة إيقاف تتبعه بسبب‬
‫العته"‪.‬‬
‫‪ - 7‬الرائد الرسمي عدد ‪ 86‬لسنة ‪ 2013‬بتاريخ ‪ 25‬أكتوبر ‪ .2013‬ضمن الفصل ‪" 24‬تلغى الفقرة الرابعة جديدة المضافة للفصل ‪ 5‬من م‪.‬إ‪.‬ج‬
‫الواردة بالفصل ‪ 3‬من المرسوم عدد ‪ 106‬لسنة ‪.2011‬‬
‫‪ 402‬م‪.‬إ‪.‬ع و ال يتسلط على الحقوق إال من وقت حصولها عمال بأحكام الفصل ‪ 393‬م‪.‬إ‪.‬ع‪.‬‬
‫و نّص الفصل ‪ 115‬م‪.‬إ‪.‬ع في إطار المسؤولّية التقصيرّية على أن القيام بغرم الخسارة الناشئة‬
‫عن جنحة أو ما ينزل منزلتها يسقط بمضي ثالث سنوات وقت حصول العلم للمعتدي عليه‬
‫بالضرر و بمن تسّبب فيهو على كّل حال تسقط الّد عوى المذكورة (المدنّية) بعد إنقضاء خمس‬
‫عشرة سنة من وقت حصول الّضرر(‪ )8‬و للّد ارس أن يتمّعن إختالفا على مستوى اآلجال في‬
‫السقوط بين الّد عوى المدنية و الجزائية و ذلك ما يتزعمه شق من الفقهاء و هو ما جعلهم ينادون‬
‫بتنقيح الفصل ‪ 8‬من م‪.‬إ‪.‬ج إذ أنه ال يمكن إغفال التباين الموجود بين النصين التشريعيين و الذي‬
‫(‪)9‬‬
‫لكن دائما ما تطبق محكمة التعقيب الفصل ‪ 115‬م‪.‬إ‪.‬ع مفسرة‬ ‫أثر على حلول فقه القضاء‬
‫أحكامه على ضوء الفصل ‪ 8‬م‪.‬إ‪.‬ج (‪ )10‬معللة في قرارها أن مجلة اإللتزامات و العقود يجب أن‬
‫تخدم م‪.‬إ‪.‬ج و إال كان هنالك تضارب في النصوص و حتى كذلك على مستوى األحكام بصفة‬
‫الحقة‪.‬‬
‫إال أن بعضا من الفقهاء ال يعون أنه ال جدوى إلقامة التنقيحات ألن الفصلين ‪ 8‬من م‪.‬إ‪.‬ج و‬
‫‪ 115‬من م‪.‬إ‪.‬ع كّل منهما يهتّم بمجال محّد د و منحصر من ذلك أن الدعوى المدنية المتولدة عن‬
‫الضرر الناتج عن الجريمة تسقط وجوبا بنفس اآلجال الواردة في حكم الدعوى الجزائية‪ ،‬و لو‬
‫نشرت القضية المدنّية أمام القاضي المدني إال إذا لم تكن ناشئة عن الجريمة‪.‬‬
‫و هذا اإلتجاه الفقهي الّد اعم و المدافع عن الفصل الثامن من مجلة اإلجراءات الجزائية يبّر ره‬
‫برغبة فقه القضاء في ضمان التعويض عن الجريمة‪.‬‬
‫و لعّل وحدة أجل السقوط و رغم التبريرات التي قدمت لها‪ ،‬لم تسلم من اإلنتقادات بآعتبار أنها‬
‫تؤدي الى مفارقة ‪ :‬كشخص تسبب في حصول ضرر لغيره يمكن أن يبقى محّل مطالبة‬
‫بالتعويض عن الضرر طيلة ‪ 15‬عشر عاما ( حسب الفصل العام ‪ 115‬م‪.‬إ‪.‬ع) في حين أنه لو‬
‫خرق القانون الجزائي عند تسّببه في ذلك الضرر لكانت المّد ة أقصر لمطالبته بالتعويض و‬
‫حصرت في مّد ة ‪ 3‬سنوات ( حسب الفصل ‪ 8‬م‪.‬إ‪.‬ج) و للفصل ‪ 115‬م‪.‬إع ‪.‬‬
‫فقد انتقد هذا التضامن بشّد ة بسبب أنه يفضي إلى جعل المتهم بمركز أفضل من مركز الشخص‬
‫الذي ارتكب مجّر د خطأ مدني‪ ،‬حيث يمكن مطالبة المسؤول عن الخطأ المدني إلى نهاية خمسة‬
‫عشرة سنة‪ ،‬في حين ينتفع المتهم بآجال قصيرة‪ .‬و لعّل بعض التشاريع المقارنة قد أدركت‬
‫مساوئ هذا التالزم أو التضامن فألغته بنصوص قانونية واضحة ‪.‬‬

‫‪- 8‬حكم مدني إستئنافي عدد ‪ 57097‬مؤرخ في ‪ 3‬نوفمبر ‪ 1964‬م‪.‬ق‪.‬ت عدد ‪ 6‬لسنة ‪ 1965‬ص ‪ " 3‬مّدة سقوط الحق بمرور الزمن المشار‬
‫إليه بالفصل ‪ 115‬ال تبتدأ إال من تاريخ العلم بالضرر و بمن تسبب فيه‪ ،‬بحيث إذا لم يعلم المتضرر بالمتسبب فال تبتدأ المّدة إال من تاريخ حصول‬
‫الضرر‪ ،‬اللهّم إذا مضت ‪ 15‬سنة على تاريخ الّضرر فيسقط بالمّدة"‬
‫‪"- 9‬حجية األمر المقضي به جزائيا على المدني" سنية مالك العش (نشريات مجمع األطرش للكتاب المختص‪ :‬تونس ‪)2013‬‬
‫‪ - 10‬قرار تعقيبي مدني‪ ،‬عدد ‪ ،376692‬مؤرخ في ‪ 22‬مارس ‪ ،1993‬ن‪.‬م‪.‬ت‪ ،1993 .‬ص ‪.351‬‬
‫مبّر رات الوحدة في أجل سقوط الدعويين‬ ‫ب‪-‬‬

‫اعتمدت مبررات متباينة للدفاع عن قاعدة وحدة آجال سقوط الّد عويين المدنية و الجزائية رغم‬
‫(‪(11‬‬
‫فالبعض اعتبر أن هذه‬ ‫أن الفقه لم يتقاعس عن بيان مدى المساوئ التي تفرضها هذه القاعدة‬
‫القاعدة أي وحدة سقوط الدعويين تؤخذ ليتفادى بها الّن ظر في فعل إجرامي سقط بمرور الزمن‬
‫من أجل الحكم بالتعويض و هنا تحديدا يبرز عدم فاعلّية السلطة العاّمة في ردع الفاعل و عقابه‬
‫(‪ ، )12‬و هو ما سينجّر عنه "اضطراب اجتماعي" (‪ )13‬و لهذا السبب تحديدا وجب أن تعلو‬
‫المصلحة المجتمعّية على مصلحة األفراد بتطبيق قاعدة التضامن في سقوط أجل الدعويين‬
‫المدنّية و الجزائّية (‪ )14‬و ما يمكن أن نستجليه من هذا التضامن يمكن أن نرّد ه إلى مبّر ر آخر‪ ،‬و‬
‫هو أنه يتفادى به خطر الوقوع في األخطاء القضائية ‪.‬‬
‫و قد أكد جانب من الفقهاء أن وحدة سقوط الدعويين تجد تبريرها أيضا في سرعة الزجر (‪ )15‬و‬
‫هو ما سيخّو ل المتضرر و يحثه على القيام بالّد عوى في أجل قصير المدى للمطالبة بحقوقه حتى‬
‫و إن تقاعست النيابة العمومية عن القيام بدورها (‪.)16‬‬
‫و من المستساغ االنطالق من السند القانوني المؤسس لوحدة سقوط أجل الدعويين و هو ما‬
‫نستشفه من مجّلة اإلجراءات الجزائية في فصلها الثامن في الفقرة األولى الذي جاء به ما يلي‪" :‬‬
‫تسقط الدعوى المدنية بنفس الشروط و اآلجال المقررة للدعوى العمومية الناشئة عن الجريمة‬
‫التي توّلد عنها ضرر" و الذي يتموقع في المجلة ضمن " األحكام التمهيدية ‪ :‬في الدعوى‬
‫العمومية و الدعوى المدنية"و لتأكيد ما أنف ذكره‪ ،‬اعتمدنا على النّص القانوني اإلطار الذي‬
‫يحدد هذا التالزم و الوحدة بين كال الدعويين الذي نجد أساسه في المبدأ العام الذي يحكم‬
‫الدعويين و هو مبدأ تبعية الدعوى المدنية للدعوى العمومية الناشئة مباشرة عن الجريمة و هو‬
‫ما يخّو ل لنا أن نقول بأن الدعوى المدنّية ال يمكن أن تكون إال دعوى استثنائية و ال تنّظ م بمعزل‬
‫عن الدعوى العمومّية‪.‬‬
‫‪..M.ROGER, l’éexercice de l’action civile…, op. cit., p130 et s - 11‬‬
‫‪" - 12‬حجّية األمر المقضي به جزائيا على المدني" د‪.‬سنية مالك العّش ( مجمع األطرش للكتاب المختّص تونس ‪)2013‬‬
‫‪ch.GAVALDA, la théorie de la prescription en droit de la responsabilité civile, in quelques aspects de - 13‬‬
‫‪l’autonomie du droit pénal, ED. sirey, 1956, p.104 ; G.STEFANI, cours… op.cit, p.139 ; M.LABORDE-LACOSTE et‬‬
‫‪.P.GARRAUD, exposé méthodique de droit pénal, ED.Sirey, Paris 1942, p.419, n°702‬‬
‫الطيب اللومي‪ ،‬تأثير مدى سقوط التتبع‪.‬‬
‫‪.G.STEFANI, Cours … op.cit,p.92 - 14‬‬
‫‪G.BAUDRAY-LACANTINERIE et A.TISSIER, traité théorique et pratique de droit civil, de la prescription - 15‬‬
‫‪.Paris1905,3éme ED.Sirey, volume 28, p.481 et s., n°630‬‬
‫‪" - 16‬تعليق على أحكام مجلة اإلجراءات الجزائية" للقاضي رضا خماخم (رئيس خلية حقوق اإلنسان بوزارة العدل)‪.‬‬
‫يستنتج من هذه التبعية أن الدعوى المدنية مرتبطة بمصير الدعوى العمومية و منبثقة عنها‪ ،‬أي‬
‫أن الدعوى المدنية المتولدة عن الضرر المرتب لجريمة تسقط وجوبا بنفس اآلجال الواردة في‬
‫حكم الدعوى الجزائية (‪ )17‬فوحدة منشئهما جعلت من الدعوى المدنية لصيقة بالّد عوى الجزائية‬
‫حيث أكد القاضي "الحبيب الشريف" أن الدعوى العمومّية تمثل األصل و الّد عوى المدنّية هي‬
‫الفرع (‪ )18‬و لعّل هذا ما يبرر حسن سير القضاء فالفرع دائما ما يتبع األصل‪ ،‬و هو ما يستوجب‬
‫ضرورًة عدم تعارض األحكام القضائية و عدم تضاربها و هو ما يستند إليه شّق من الفقهاء حتى‬
‫في تأويلهم للنص القانوني يذكرون ‪ :‬أن المشّر ع في إقراره لمبدأ تطابق أجل سقوط الدعويين‪،‬‬
‫إنما أراد منه محو الفعل المجّر م و آثاره المدنية على حّد السواء‪ .‬و من الجدير بالذكر أن ما دفع‬
‫بالمشرع التونسي لتوحيد الدعويين في آجال السقوط يعتبره الفقهاء مرتكزا باألساس على السند‬
‫القانوني من مجّلة اإلجراءات الجزائّية أي لفصل ‪ 8‬منها‪.‬‬
‫و مرّد ه فعليا صعوبة اإلثبات على مستوى الفعل الواقع من أجله التتبع بعد مّد ة طويلة على‬
‫حصوله‪ ،‬و في نفس الوقت صعوبة إثبات براءة المتهم من نسبة تلك الفعلة له نتيجة لتغّير‬
‫الظرف الّز ماني و الظروف الحافة بوقوع الفعلة فمدام ال مجال لتتبع الفعل جزائيا فمن باب أولى‬
‫و أحرى عدم إمكانّية مطالبته مالّيا (‪ )19‬كما يمكن لنا أن نبّر ر هذه الوحدة من خالل مبدأ حجّية‬
‫الجزائي على المدني بغّض النظر عن استثناءاته ‪ -‬فقد امتّد اإلقصاء الى حكم اإلدانة و ال أدّل‬
‫على ذلك من القرار التعقيبي عدد ‪ 15907‬المؤرخ في ‪ 15‬أفريل ‪ – )20( 2008‬إذ يفيد هذا‬
‫المبدأ أن القاضي المدني يكون ملزما بعدم النظر فيما بت فيه القاضي الجزائي وأن يقبل ما‬
‫أكّد ه الحكم الجزائي على أنه حقيقة ثابتة (‪ )21‬و ذلك في صورة الحكم باإلدانة من القاضي‬
‫الجزائي ففي هذه الصورة نستجلي تبعية المدني للجزائي الذي يبرهن على وحدتهما و تضامن‬
‫سقوطهما‪ .‬و ال يمكن المرور دون ذكر تمشي فقه القضاء نحو االخذ بالوحدة على مستوى‬
‫اسباب التوقف واالنقطاع‪ ،‬من ناحية اولى تهم االنقطاع فهو سقوط المدة القائمة ويبدأ سريان مدة‬
‫التقادم من جديد بمعنى من يوم انتهاء االنقطاع‪ )22( ،‬أما بالنسبة للتوقف فيترتب عنه عدم‬
‫(‪)23‬‬
‫احتساب المدة اللي قام فيها المانع‪.‬‬
‫على حسب فصل ‪ 8‬م‪.‬أ‪.‬ج فإن سقوط الدعوى المدنية يتم بنفس الشروط واآلجال المقررة‬

‫‪ - 17‬الفصل ‪ 5‬م‪.‬إ‪.‬ج " تسقط الدعوى العمومية فيما عدا الصور الخاصة التي نص عليها القانون بمرور عشرة أعوام كاملة إذا كانت ناتجة عن‬
‫جناية وبمرور ثالثة أعوام كاملة إذا كانت ناتجة عن جنحة وبمرور عام كامل إذا كانت ناتجة عن مخالفة وذلك ابتداء من يوم وقوع الجريمة على‬
‫شرط أن ال يقع في بحر تلك المدة أي عمل تحقيق أوتتبع‪"...‬‬
‫‪ - 18‬حسن صادق المرصفاوي‪ ،‬الّدعوى المدنية أمام المحاكم الجزائية ص‪.475،‬‬
‫‪ - 19‬حجّية األمر المقضي به جزائيا على المدني ‪ :‬د‪.‬سنية مالك العّش ( مجمع األطرش للكتاب المختّص تونس ‪)2013‬‬
‫‪20‬‬
‫‪.‬ن‪.‬م‪.‬ت ‪ 2008‬ص ‪- 159‬‬
‫‪ - 21‬الفصل ‪ 101‬م‪.‬إ‪.‬ع‬
‫‪ -22‬محمود مصطفى‪ ،‬شرح قانون الجنائية‬
‫‪ - 23‬محمود مصطفى‪ ،‬شرح قانون اإلجراءات الجنائية‬
‫للدعوى العمومية كما ذكر الفصل "وتخضع الدعوى المدنية فيما عدى ذلك لقواعد القانون‬
‫المدني"‬

‫وهذا يجرنا للتساؤل حول اّت حاد اسباب انقطاع أو توقف كل من الدعويين العمومية والمدنية ؟‬

‫اّال ان محكمة التعقيب في قرار لها تجاهلت مسألة الدعوى المدنية على حسب ما نّصت عليه م‪.‬أ‪.‬ع‬
‫وتتمثل الدعوى في أّن طفال قام بغرز ابرة حقنة قديمة في عين طفل اخر في ‪ 29‬اوت ‪ 1969‬ثم تمت‬
‫إدانة الطفل من قبل المحكمة في تاريخ ‪ 4‬سبتمبر ‪ 1970‬وحين بلوغ سن الرشد قام المجني عليه بدعوى‬
‫لغرم الضرر بتاريخ ‪ 7‬جويلية ‪ 1980‬اذ تمسك الطعن بالتعقيب بتوقف تقادم الدعوى المدنية عمال‬
‫بالفصل ‪ 392‬م‪.‬أ‪.‬ع الذي ينص " يتوقف سقوط الدعوى بمرور الزمن في حق القاصرين غير المأذونين‬
‫بالتصرف وغيرهم من ممن ال اهلية لهم إن لم يكن لهم وصي أو مقدم الى حين رشدهم او ترشيدهم او‬
‫تعيين مقدم عنهم " اذ لم تجب محكمة التعقيب صراحة على مدى خضوع الدعوى المدنية ألسباب توقف‬
‫خاصة بها اّال انها اجابت ضمنيا عند تأكيدها لسقوط الدعوى المدنية بمرور اجل ‪ 10‬سنوات منذ‬
‫ممارسة الدعوى المدنية وبالتالي فأن المحكمة لم تأخذ بأسباب التوقف الخاصة ألجل ممارسة الدعوى‬
‫المدنية‪ .‬لكن في مقابل السند القانوني المبّر ر للوحدة والتضامن إال أن المشّر ع يضعنا أمام مأزق الفصل‬
‫الثامن في الفقرة الثانية منه (‪ )24‬وهو ما سيدعونا الى التطّر ق لهذه المسألة عن طريق الجزء الثاني من‬
‫هذا التحليل‪.‬‬

‫‪ -II-‬حدود الوحدة في آجال السقوط بين الدعويين‬

‫رغم التذبذب الذي يشهده فقه القضاء فيما يتعلق بمسألة وحدة آجال سقوط الدعويين المدنية والعمومية إال‬
‫أن ذلك ال ينفي االختالف بين القواعد القانونية في هذا الشأن وذلك على مستوى أجل التقادم وبداية‬
‫سريانه (أ) و كذلك من خالل بروز محاوالت لفّك اإلرتباط في أجل سقوط كال الدعويين (ب)‪.‬‬

‫أ‪-‬على مستوى أجل التقادم وبداية سريانه‬

‫إن إقرار المشرع صراحة بخضوع أجل سقوط الدعوى المدنية إلى أجل سقوط الدعوى العمومية‬
‫المرتبطة بها ال ينفي وجود بعض االختالفات فيما يتعلق بأجل التقادم وببداية سريانه‪.‬‬

‫‪" - 24‬و تخضع الدعوى المدنية فيما عدا ذلك لقواعد القانون المدني"‪.‬‬
‫بالنسبة ألجل التقادم‪ ،‬فقد حدد المشرع ضمن الفصل الخامس من م ا ج ثالثة آجال وذلك حسب خطورة‬
‫الفعل المرتكب فتكون على التوالي سنة للمخالفة و ثالث سنوات للجنحة و عشرة سنوات للجناية‪.‬‬

‫في المقابل تحدث الفصل ‪ 115‬م ا ع فيما يخص الدعوى المدنية عن أجل ثالث سنوات للجنح وهو أجل‬
‫يتماشى واألجل المكرس بالفصل سالف الذكر ولكن ينضاف إلى هذا األجل أجل آخر بصفة استثنائية‬
‫وهو خمسة عشرة سنة من وقت وقوع الفعل الضار وهو األجل العام لسقوط الدعوى المدنية بمرور‬
‫الزمن والمنصوص عليه بالفصل ‪ 402‬م ا ع و في ذلك اختالف كبير بين الفصلين رغم أن فقه القضاء‬
‫كثيرا ما يذهب إلى اعتماد آجال الفصل الخامس‪.‬‬
‫أما بالنسبة لبداية سريان أجل التقادم‪ ،‬فاألجل المتعلق بالدعوى المدنية المرتبطة بالدعوى العمومية التي‬
‫يبدأ سريان آجال سقوطها من يوم ارتكاب الجريمة فهي ال تطرح إشكاال إذ تقترن ببداية سريان آجال‬
‫سقوط الدعوى العمومية ولكن االختالف يجد موطنه في صورة القيام بالدعوى المدنية لدى القاضي‬
‫المدني‪.‬‬

‫فمن ناحية‪ ،‬تخضع الدعوى المدنية في هذه الحالة إلى معيار يوم ارتكاب الجريمة في بداية سريان آجال‬
‫سقوطها وذلك شريطة عدم تحريك الدعوى العمومية‪ .‬أما إذا تمت إثارة هذه األخيرة‪ ،‬فيتوقف النظر في‬
‫الدعوى المدنية إلى حين صدور حكم جزائي الذي سوف يبدأ سريان أجل التقادم منذ صدوره‪.‬‬

‫ولكن التطبيقات القضائية اختلفت في هذا الشأن مما أوجد حلين آخرين لمسألة بداية سريان أجل السقوط‬
‫وذلك بالرجوع إلى أحكام الفصل ‪ 115‬م ا ع الذي كما سبق أن ذكرنا أورد أجل مبدئي وهو ثالث‬
‫سنوات من يوم حصول العلم بالفعل الضار وإذا غاب هذا العلم يرتفع األجل إلى خمسة عشرة سنة من‬
‫(‪)25‬‬
‫‪":‬الحكم الجناحي‪ ...‬أنشأ‬ ‫يوم حصول الضرر وقد اعتبرت محكمة التعقيب في إحدى قراراتها أن‬
‫للطاعن حق المطالبة بالتعويضات مما يجعل أجل السقوط المنطبق في قضية الحال هو الفقرة األخيرة‬
‫من الفصل ‪ 115‬من م ا ع‪".‬‬

‫كما ذهبت محكمة التعقيب أحيانا إلى اعتبار أن اللم بالضرر غير كاف إذ يجب صدور حكم باإلدانة وهو‬
‫ما جعلها تربط بداية سريان آجال السقوط بصدور الحكم الجزائي‪ .‬ويمكن أن نستنتج أن اللجوء للدعوى‬
‫المدنية في ظل وجود دعوى عمومية وباالتصال بها يضمن أكثر للمتضرر الحق في التعويض مقارنة‬
‫(‪)26‬‬
‫بالدعوى المدنية المثارة بصفة منفردة‪.‬‬
‫ولعل هذه الحلول جاءت لفك الّت ضامن في آجال السقوط بين الدعويين المدنية والعمومية إذ أنه يفضي‬

‫‪ -25‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 62431.97‬مؤرخ في ‪ 9‬ديسمبر ‪1999‬‬


‫‪ -26‬سنية مالك العش‪ ،‬حجية األمر المقضي به جزائيا على المدني‪ ،‬الصفحة ‪.216‬‬
‫إلى جعل المتهم بمركز أفضل من مركز الشخص الذي ارتكب مجرد خطأ مدني حيث يمكن مطالبة هذا‬
‫األخير إلى نهاية خمسة عشرة سنة في حين ينتفع المتهم بآجال قصيرة (‪.)27‬‬

‫نافلة القول أن النص التشريعي الذي جاء بقاعدة وحدة آجال السقوط بين الدعويين المدنية والعمومية هو‬
‫الذي فتح أبواب االختالف والتساؤل حول أجل التقادم وبداية سريانه وقد قّد م فقه القضاء جملة من‬
‫الحلول تراوحت بين مؤيد للخيارات التشريعية وبين ناقد لها ال فقط على مستوى أجل التقادم بل كذلك‬
‫على مستوى أسباب االنقطاع والتوقف‪.‬‬

‫ب‪-‬محاوالت لفّك ارتباط وحدة السقوط بالنسبة لكال الدعويين‬

‫إن مشروع مجلة اإلجراءات الجزائية التونسّية المتقدم ذكره ضمن التحليل الصادر بتاريخ ‪10‬‬
‫أفريل ‪ 2019‬يبرز المحاوالت الحثيثة لفّك اإلرتباط الذي تسوده الضبابّية و لعّل هذا ما جعل المشّر ع‬
‫التونسي يتجه صوب إستقاللّية كّل من الدعويين عن األخرى على مستوى آجال السقوط ‪.‬‬
‫فطالما آختلف أساس الّد عوى المدنية المقامة بها على أساس الدعوى العمومية القائمة على الفعل‬
‫الشخصي‪ ،‬فال داعي لتقّيد القضاء المدني و يسترجع بذلك جريته المسلوبة منه (‪ )28‬و هو ما يقّلص من‬
‫فكرة حجّية الجزائي على المدني‪ ،‬فمن خالل الفكرة السابق ذكرها نستنتج إتجاها نحو إستقاللّية واضحا‬
‫في تزجه نحو فّك اإلرتباط على مستوى الّد عوى الشيئية و التي بدورها تنطوي تحت لواء الّد عوى‬
‫المدنية ‪ .‬و مما ال شّك فيه أن وحدة الخطأين الجزائي و المدني دّعمت الوجود الفعلي لقاعدة حجّية الجزائي‬
‫المدنيلهذا اّت حد الّن قد الموجه لقاعدة الحجّية مع رفض نظرّية وحدة الخطأين و هو ما سينعكس‬
‫‪،‬‬ ‫على‬
‫ضرورة على كال الدعويين التحادهما في آجال السقوط‪.‬‬
‫و من الجدير بالمالحظة أن الفقه و القضاء الفرنسيين قد استقّر ا على استقاللّية المسؤولية الشيئية عن‬
‫فكرة الخطأ و أّد ى ذلك الى إستقالل المسائل المطروحة بين الّد عوى المدنية و الّد عوى العمومية‪ ،‬و لعّل‬
‫التذبذب السائد على مستوى فقه القضاء التونسي هو ما دفع الى عديد التأويالت فقدكان قرار محكمة‬
‫التعقيبالمؤرخ في ‪ 22‬مارس‪ 1992‬اكثر صراحة حين ذكر " الدعوى المدنية على اطالقها سوءا‬
‫المرفوعة امام المحكمة الجزائية الى جانب الدعوى العمومية او المقام بها امام المحكمة المدنية تسقط‬
‫بنفس الشروط واالجال حسب ماقضى به الفصل ‪ 6‬من قطع مدة التقادم " وفي هذا االطار نالحظنفس‬
‫‪ 10‬م‪.‬أ‪.‬ج‪.‬ف الموازي‬
‫التمشي قد سلكته محكمة التعقيب الفرنسية من خالل الفقرة االخيرة من الفصل‬
‫للفصل ‪ 8‬م‪.‬أ‪.‬ج إذ أنه ال يهم مسألة التقادم التي تبقى خاضعة لنفس اسباب انقطاع الدعوى العمومية‬
‫للتوقف فآتحاد الفصلين اي الفصل ‪ 8‬و‬
‫‪.‬‬ ‫وبالتالي فأن الدعوى المدنية ليست لها اسباب خاصة لالنقطاع او‬
‫‪ -27‬علي كحلون‪ ،‬اإلجراءات الجزائية‪ ،‬الصفحة ‪.79‬‬
‫‪28‬‬
‫‪.‬سنية مالك العش‪ ،‬حجية األمر المقضي به جزائيا على المدني‪،‬ص ‪- 339-338‬‬
‫‪ 10‬في عدة فقرات منهما يؤكد ان وحدة سقوط اجال الدعويين ال يمكن أن يشوبه تناقض من حيث بروز‬
‫اسباب خاصة لالنقطاع او التوقف فيما يخص الدعوى المدنية‪ .‬فإن القول بعكس ذلك من شأنه ان يخالف‬
‫إرادة المشرع فيما يهم منع القاضي المدني من النظر في فعل اجرامي سقط بمرور الزمن‪.‬‬
‫فهذه االرادة أو الغاية ال يمكن تحقيقها اذ ما كانت الفقرة االخيرة لهذا الفصل تتعلق بسقوط الدعوى‬
‫المدنية‪.‬‬
‫خالفا لما سبق فإن هذا االستقرار عرف اختالفا من حيث موقف جرئ اقرته محكمة االستئناف بتونس إذ‬
‫اكدت في قرار لها استقالل بسبب انقطاع الدعوى المدنية من خالل " وحيث كانت الفقرة الثانية صريحة‬
‫في ان بقية قواعد السقوط المدنية تبقى خاضعة لقواعد القانون المدني ومنها وسائل قطع التقادم اللتي لم‬
‫تذكر بالفقرة االولى لذلك اليمكن الرجوع في شأنها م‪.‬أ‪.‬ج بل وجب الرجوع الى القواعد المدنية كما‬
‫اوجبته الفقرة الثانية من الفصل ‪ 8‬م‪.‬أج ''‪.‬‬
‫هذا التمشي من شأنه الدفاع عن استقاللية الدعوى المدنية وضمان التعويض للمتضرر‪ ،‬بالتالي فان‬
‫الدعوى المدنية يجب ان تخصص لألحكام والقواعد الواردة بمجلة اإللتزامات و العقود وهو ما سار على‬
‫دربه المشرع الفرنسي مما جعله يذهب إلى تنقيح الفصل ‪ 10‬م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬ف حيث ضيق من مجال تطبيق‬
‫وحدة اجال سقوط الدعويين المدنية والعمومية إذ انه كّر س استقاللية ألجل سقوط الدعوى المدنية عند‬
‫القيام بصفة منفردة امام القاضي المدني وهو الحال كذلك بالنسبة للمشرع الجزائري ‪.‬‬
‫على هذا االساس فأن تمشي المشرع الفرنسي يجب أن يكون سببا لتشجيع المشرع التونسي لتنقيح قاعدة‬
‫وحدة اآلجال لسقوط الدعوى العمومية والمدنية وتجنب النقائص و الخلط الواقع بينهما‪ .‬و لعّل هذه‬
‫(‪)29‬‬
‫الوحدة تخلى عنها المشرع الفرنسي في آجال السقوط في الفصل ‪ 10‬من القانون الجزائي الفرنسي‬
‫الصادر في ‪ 23‬ديسمبر ‪ ،1980‬و قد اكتفى فقه القضاء الفرنسي في هذه القاعدة تشريعيا بالقول بأنها‬
‫تهم مصالح خاصة و ال تتعلق بالنظام العاّم ‪ ،‬كما وصفوا هذه القاعدة بكونها "قوقعة شبه فارغة بقيت‬
‫صامدة من جراء احترام التقاليد" و تحديدا في هذه النقطة وجب على المشّر ع التونسي اإللتفات و أخذها‬
‫بعين اإلعتبار لما القته هذه القاعدة من نقد‪ ،‬إذ تلقى في بعض األحيان عند تطبيقها حاجزا أمام التعويض‬
‫للمتضرر و بالتالي يتأثر النزاع المدني و يتغير وفقا للمتطلبات الجزائية و اعتبر البعض أن "هذه‬
‫السياسة ال تتماشى مع العدالة" (‪.)30‬‬

‫‪" - 29‬تنقضي الدعوى المدنية طبقا للقواعد المقررة في القانون المدني‪ ،‬و ال يجوز رفع هذه الدعوى أمام القاضي الجزائي بعد آنقضاء مدة تقادم‬
‫الدعوى العمومية"‪.‬‬
‫‪" - 30‬تعليق على مجلة اإلجراءات الجزائية" رضا خماخم ( مرجع سابق الذكر)‪.‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬ ‫الطيب اللومي‪" :‬تأثير مدى سقوط‬ ‫‪‬‬
‫التتبع"‬
‫رضا خماخم‪" :‬تعليق على أحكام‬ ‫‪‬‬
‫بال ّلـغـة العربّيـة‬ ‫مجلة اإلجراءات الجزائية"‬
‫حسن صادق المرصفاوي‪ :‬الدعوى‬ ‫‪‬‬
‫د‪.‬سنية مالك العش‪" :‬حجّية األمر‬ ‫‪‬‬
‫المدنية أمام القاضي الجزائي"‬
‫المقضي به جزائيا على المدني"‬
‫محمود مصطفى‪" :‬شرح قانون‬ ‫‪‬‬
‫فريد بن جحا‪" :‬السياسة الجزائية‬ ‫‪‬‬
‫اإلجراءات الجنائّية"‬
‫الحديثة"‬
‫نشرّية محكمة التعقيب‬ ‫‪‬‬
‫د‪.‬علي كحلون‪" :‬تعليق على مجّلة‬ ‫‪‬‬
‫مجّلة القضاء و التشريع‬ ‫‪‬‬
‫اإلجراءات الجزائية"‬
‫الرائد الرسمي عدد ‪ 86‬لسنة‬ ‫‪‬‬
‫د‪.‬علي كحلون‪" :‬دروس في‬ ‫‪‬‬
‫‪2013‬‬
‫الجراءات الجزائية"‬
‫المجّلة الجنائّية الجزائرّية‬  Roger , L’exercice de 
‫مجّلة المسطرة الجنائية المغربّية‬  l’action civile
Gavalda , la théorie de la 
prescription en droit de la
responsabilité civile
Garraud , exposé 
méthodique de droit pénal
‫بال ّلـغـة الفرنسّية‬
Baudray , la cantinerieet 
tissier , Traité théorique et
F.Rigaux , quelques 
pratique de droit civil de la
réflections sur les rapports
.prescription , Paris 1905
entre le droit pénal et les
Code pénal français 
autres branches du droit
(Mélanges 1985)

‫الفهرس‬

1......................................................................................................................................... ‫المقّد مة‬


4........................................................................................................ ‫وحدة في أجل سقوط الدعويين‬--I
‫أ‌‪-‬األسس القانونية لمبدأ وحدة السقوط ‪4..............................................................................................‬‬
‫مبّر رات الوحدة في أجل سقوط الدعويين‪7....................................................................... ......................‬‬
‫‪ -II-‬حدود الوحدة في آجال السقوط بين الدعويين ‪10....................................................................................‬‬
‫أ‪-‬على مستوى أجل التقادم وبداية سريانه‪10..........................................................................................‬‬
‫ب‪ -‬محاوالت لفّك اإلرتباط بين كال الدعويين ‪11...........................................................................................‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع ‪14......................................................................... ...................................‬‬

‫قائمـــــــــــة‬
‫المختصرا‬
‫ت‬ ‫‪ :‬بالّلـغـة العـربـّي ـة‬
‫ص ‪ :‬صفحة‬ ‫‪‬‬
‫م‪.‬إ‪.‬ع ‪ :‬مجّلة اإللتزامات و العقود‬ ‫‪‬‬
‫م‪.‬إ‪.‬ج ‪ :‬مجّلة اإلجراءات الجزائّية‬ ‫‪‬‬
‫م‪.‬ق‪.‬ت ‪ :‬مجّلة القضاء و التشريع‬ ‫‪‬‬
‫ن‪.‬م‪.‬ت ‪ :‬نشرّية محكمة التعقيب‬ ‫‪‬‬

‫بالّلـغـة الفـرنـسـّي ـة ‪:‬‬


‫‪P : page‬‬ ‫‪‬‬
Ed : Edition 
N° : numéro 
Op.cit : opere ciato (dans l’ouvrage cité) 
s. : suivant 

You might also like