Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 10

‫الخطاب و الحجاج في أخالقيات المناقشة‬

‫عند يورغن هابرماس‪.‬‬


‫أ‪ .‬خن جمال‬
‫املركزالجامعي غيليزان‬

‫ان ظاهرة العودة اىل األخالق اصبحت تقليدا يف الفكر الغريب املعارص و ذلك راجع اىل الهول‬
‫الذي خلفته التقنية و انعكاساتهاعىل االنسان و عىل الطبيعة حيث كرثت النظريات يف هذا الشان و‬
‫تعددت‪ ،‬لعل من ابرزها نظرية املسؤولية لهانس جونس يف كتابه مبدأ املسؤولية ‪ ،‬و كارل اتو أبل يف‬
‫مسالة التأسيس العقيل لألخالقيات يف عهد العلم ومقالة الفرنيس جاك ايلولو بحث من اجل اخالقيات‬
‫املجتمع التقني و دومنيك جانيكو يف كتابه قوة املعقول و نظرية أخالق التواصل التي يعمل هابرماس‬
‫عىل تطويرها منذ كتاباته األوىل ‪ .‬ففلسفة األخالق عند هابرماس تطرح أسئلة بصفة الجامعة و أخرى‬
‫بصفة الفرد‪ ،‬أما األسئلة بصفة الجمع فتتمحور حول كيف نتعارف و نعرف انفسنا كأفراد ينتمون اىل‬
‫جامعة أخالقية و عىل اي مبادئ تقوم حياتنا ‪ .‬اما من ناحية الفرد فتطرح اسئلة متشابهة من أنا ؟ و‬
‫ماهي املبادئ التي أخضع لها ؟ومن ميتلك املرشوعية لوضع املعايري األخالقية؟ لذا ستتمحور اشكاليتنا‬
‫حول ماهي الرشوط التي يقوم يقوم عليها الخطاب األخالقي لدى هابرماس؟ ومادور الحجاج يف هذه‬
‫األخالق؟كام سنحاول متييز أخالق املناقشة عند هابرماس عن األخالق الكانطية ملعرفة ما مدى تجاوز‬
‫هابرماس ألحد أكرب أساتذته يف مجال األخالق والسياسة؟‬
‫أوال‪ :‬الخطاب األخالقي ورشوط صحته ‪:‬‬
‫يقرتح هابرماس يف نظرية اخالقية املناقشة مباديء اجرائية توجه املناقشة الحقيقية بني االشخاص‬
‫‪ ,‬لذا صاغ يف هذا املجال مبدأين ‪:‬األول يسميه مبدا املناقشة و يسمي املبدأ الثاين مببدأ الكونية‪ ،‬اما‬
‫مبدأ املناقشة فيقوم عل معايري تريض كل األطراف املعنية بالحوار باعتبارهم ذوات فاعلني و ميكنهم‬
‫ادعاء الصالحية ‪ ،‬اما املبدأ الكوين‪ ،‬فيقوم عىل ان كل حواريجب ان يستويف الرشط الذي مبوجبه يقبل‬
‫كل االشخاص النتائج و األثار الجانبية الناجمة عن قبول الجميع بالعمل عن طيب خاطر من اجل‬
‫مراعاة كونيته و حتى و لوتطلب ذلك التضحية باملصالح الخاصة لكل واحد من املشاركني و هذان «‬
‫املبدأن يقرتحان ازاحة التمركز عل الذات يف املناقشة العملية ‪ .‬و ذلك قصد الوصول اىل اجامع عقالين‬
‫بخصوص املصالح الكونية املشرتكة « (‪ )1‬و هكذا فان أخالقيات املناقشة ال يقدم فيها هابرماس املعايري‬
‫التى يجب اتباعها يف املجتمع و الحياة ‪ ،‬و لكن «االجراءات و الرشوط املنظمة ملناقشة عقالنية متكن‬
‫املشاركني فيها من الوصول اىل االجامع « (‪ )2‬الحر النابع من رغبة و ارادة حقيقية لتغيري معطيات‬
‫معينةأو قوانني ما ‪ ،‬مثة اذن نظام ضمني يحاول هابرماس الكشف عنه و هو األخالق الكلية و هذا‬
‫ما مل يقبله علامء االجتامع اذ كيف ميكننا التفكري بنظام اخالقي ينطبق عىل جميع البرش بشتى امناط‬
‫حياتهم‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫فأخالقية املخاطبة او النقاش تعني حسب هابرماس «رشعية معيارية يتم تحقيقها بواسطة اوال‬
‫عقالنية خطابية تقتيض منوذجيا البحث عن الحجة االفضل ‪،‬و من ثم االنفتاح عىل كافة الحجج ذات‬
‫الصلة ‪ ،‬و ثانيا الشمولية التي تتضمن منزذجيا ‪ ،‬مشاركة و اعرتافا متبادال بني كافة املعنيني‪ ،‬باختصار‬
‫وبعبارة موجزو ‪,‬ينبغي ان تسمع كافة الحجج و ان يصغي اىل سائر املعنيني او باختصار و بعبارة‬
‫سالبة ‪.‬ان االستبعاد غري املستحق ليضعف الرشعية املعيارية «(‪،)3‬تهدف هذه املعايري اىل تحقيق‬
‫االجامع النابع من الحوار النظيف الخايل من السيطرة و الهيمنة‪ .‬واالجامع الذي يقصده هابرماس هو‬
‫الذي يتحقق فقط عن طريق قوة الحجة األفضل‪ ،‬و ال يكون نتيجة ضغوط خارجية أو داخلية ‪،‬واعية‬
‫أو غري واعية‪،‬ظاهرة او خفية ومن ثم فان الحوار و املناقشة يتأسسان عىل مسلمة مفادها ان النقاش‬
‫القائم عىل الحرية و عىل االحرتام املتبادل و عىل الحجج العقلية يقود بالرضورة اىل نتائج ميكن ان‬
‫يتوافق عليها الجميع ‪.‬‬
‫ولقد حاول هابرماس رفقة زميل كارل أتوآبل وضع تصور ألخالق املناقشة التى تتميز بالربهنة‬
‫كطريقة لتسوية املسائل األخالقية ‪ ،‬بحيث ان الفهم األخالقي و السيايس للكيفية التى نريد ان نعيش‬
‫بها نحن كأفراد لجامعة معينة يجب ان تتناسب مع املعايري األخالقية و يجب أن ترتكز املناقشات عىل‬
‫تبادل الحجج و األدلة التي يجب ان تؤدي اىل طرق تراض مستقيمة ‪.‬‬
‫ان االجامع عند هابرماس هو غاية يف ذاته يدرك بعد املناقشة العقالنية و التي يشارك فيها كل‬
‫املعنيون و هو يتاسس انطالق من «فحص صالحية كل املعايري مبا يف ذلك االوامر االخالقية او حتى‬
‫مبادئ العدالة نفسها « (‪ ، )4‬فحسب هابرماس هناك قول ملوث و قول مطهر و النقاش و مايرتبط‬
‫به من معايري وادعاءات الصالحية والحجج و الرباهني امنا يسعى اىل تطهري القول امللوث ‪ ،‬و التطهري‬
‫يكون من تلك الدوافع الخفية او النوايا الخبيثة للمشاركني‪ ،‬فالنقاش هو التعامل مع اقوال ملوثة بغية‬
‫تطهريها للوصول اىل اتفاق واجامع اللذي أصبح ذلك القول املطهر‪ ،‬فالعمليات املنتجة عند هابرماس‬
‫ال تكمن يف شكل التفاهم بل يف مضمونه املحتمل‪ .‬فتحصيل العامل املعاش يربر طاقة العقل املتضمنة‬
‫يف الفاعلية التواصلية ‪.‬‬
‫يعتقد هابرماس أن دعاوي الصالحية مثل الوضوح و الجدية و الصدق دعاوي كلية‪ ،‬تتحقق يف سائر‬
‫املجتمعات عىل أنحاء متباينة ‪ ،‬لذا مييز هابرماس بني نوعني من السلوك ‪ ،‬السلوك الغايئ وهو مايسميه‬
‫هابرماس باالسرتاتيجي و سلوك تواصيل ‪ ،‬و هذا االخري يخضع للمبادئ القبلية و الكلية النه يتشكل عن‬
‫طريق االجامع عرب الحجج املتبادلة وفق االعتامد عىل وسيلة لبلوغ اغراض شخصية ما ‪.‬‬
‫و مثة غرابة يف مفهوم دعاوي الصالحية لدى هابرماس تكمن يف اتفاقه حول هذا املفهوم و ما يتعلق‬
‫به من مالبسات مع ليوتار املعروف بعدائه الشديد لهابرماس‪ ،‬حيث يشرتك هابرماس و ليوتار يف منح‬
‫اضفاء الرشعية عىل دعاوي الصالحية استنادا اىل مطلق و بالخصوص بعد سقوط امليتافيزيقا‪ ،‬غري ان‬
‫هابرماس ال يرى يف ذلك «دليال عل نسبية‬
‫كل صور حجاج و عىل خاصتها الحكمية بل ينتج من ذلك حتمية التفاهم حول صالحية ما تقرره‬

‫‪48‬‬
‫من قضايا عن طريق تحصيل االجامع « (‪ )5‬فهابرماس معروف بحساسيته ضد االجامع الذي يقرره‬
‫الواقع العيني و هي حساسية ال تقل عن حساسية ليوتارفقد «يتاسس االجامع يف أرض الواقع داخل‬
‫مجتمع يرفع ظاهريا شعار الدميقراطية بينام يسعى اىل تدمري ذاته شغفا بالديكتاتورية « (‪.)6‬‬
‫فالحوار الذي يؤدي اىل التفاهم يهدف اىل تكوين اجامع مستمر و مصادق عليه عقالنيا ‪ ،‬بدال من‬
‫اقامة تحالف توافقي يتبدل حسب الظروف الحاجات او توافق نفعي كام يسميه هابرماس لذا يحدد‬
‫هابرماس التوافق عىل قاعدة الحجة األقوى بصفتها الصفة الصورية للعقالنية و ذلك حتى يتمكن من‬
‫توسيع املجادلة التى تغدي النقاش ملا للنقاش من حيوية و دور‪ ،‬حيث يعترب قاعدة صلبة يف مقاربة‬
‫هابرماس التواصلية‪.‬‬
‫ان النقاش ال تتضح نتائجه و أهدافه اال اذا كانت له فاعلية ‪،‬و لن تكون له فاعلية اال اذا كان‬
‫له نتائج عىل مستوى القواعد القانونية لتأسيس القانون‪ ،‬حيث يوضح عالقة النقاش بالقانون أحد‬
‫الباحثني يف فكر هابرماس كاأليت «ان املأسسة القانونية للرشوط املسبقة للتمرين عىل االستقالل الذايت‬
‫السيايس ‪ ،‬بلجوئها للنقاش و الذي بفضله يصبح من املمكن ان نسد باثر رجعي الشكل القانوين الذايت‬
‫الخاص و الذي كان مطروحا بطريقة مجردة « (‪)7‬‬
‫ان األخالق الكانطية ظلت الهاجس األول لدى هابرماس اذ اعتربها ارث ال ميكن التفريط فيه‬
‫لذاظلت مبثابة الخيط الناظم لنظريته األخالقية ككل‪ ،‬حيث عكف بعد تحيينها و تجديدهاعىل تكييفها‬
‫مع متطلبات مجتمعاتنا اليوم ‪ ،‬لذا نجد هابرماس يلزم الذوات املتحاورة بالقواعد الصورية من اجل‬
‫الوصول اىل اجامع عقالين‪ ،‬و هذا ما استمده هابرماس من النظريات الححاجية لتولفني و حيث قارن‬
‫هابرماس بني هذه النظرية يف املحاججة و بني األمر املطلق لكانط و توصل اىل هذه العالقة حيث‬
‫« ياخذ اجراء و املحاججة األخالقية يف اخالقيات املناقشة املكان الذي تحتله مقولة االمر املطلق يف‬
‫االخالق الكانطية « (‪ )8‬و هذه النظرية الحجاجية استعملها هابرماس من أجل تأسيس مبدأ االستدالل‬
‫يف األخالق متاما مثلام هو حاصل يف املنطق و العلوم التجريبية ‪.‬‬
‫ان قيام األخالق الهابرماسية عىل املعايري الصالحة و القابلة للتعميم هو الذي يجعلها امتداد لالخالق‬
‫الكانطية حيث تكون املعايري األخالقية مبنية عىل االعرتاف املتبادل و املحفز عقالنيا دون تدخل العوامل‬
‫الثقافية التاريخية و العرقية‪...‬الخ انها أخالق سياقها الوحيد هو العامل املعيش فباعتبار ان هابرماس‬
‫يجمع يف أخالق املناقشة بني وجهة نظر األخالقية و مبدأ املناقشة بوصفه مبدأ مكمل ملبدأ الكونية‬
‫فان نظريته تنطلق من «سياق العامل املعيش الذي يشكل اطارا لتفاعالت متوسطة باللغة « (‪.)9‬‬
‫فال يوجد عندهابرماس مربر واحد كام ال يدافع عن مضمون معياري واحد بل تتطلب أخالق‬
‫املناقشة باعتبارها عملية اجرائية ‪،‬تأسس الجراءات سليمة لبلوغ معايري خالية من الهيمنة و السيطرة‬
‫‪،‬حيث تتمثل االجراءات السليمة و الصحيحة يف االحتكام اىل الصالحية العقالنية لالحكام األخالقية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحيادية و أخالقيات النقاش‪:‬‬
‫ماميكن أن نالحظه بخصوص رشوط صحة الخطاب األخالقي هو الحيادية التي تعني االبتعاد عن‬
‫‪49‬‬
‫املصالح الشخصية ‪ ،‬حيث يكون دافعها املصالح العامة يف الحوار فهي تؤكد عىل املشاركة‪ ،‬مبعنى تخص‬
‫األطراف املتحاورة و ال تعني وجود اشخاص أخرين غري معنيني بالحوار‪ ،‬فهي تعني القرار للحجة‬
‫األفضل ‪ ،‬فالحيادية اذن عند هابرماس تكون داخل الجامعة املشاركة من اجل أن» يتحمل الجميع‬
‫مسؤوليته يف املعايري املتفق عليها « (‪)10‬‬
‫ان املعيار االخالقي ال يكون اال اذا كان يحقق بالربهان املصلحة القابلة للتعميم هذا املبدأ الذي‬
‫استقاه هابرماس من كانط ‪ ،‬اال أن مثة اختالف يف مفهوم املبدأين حيث يقيمه كانط عىل اجراء عقيل‬
‫فردي فيام يقيمه هابرماس كاجراء اجتامعي و هو مييل يف تصوره اىل الفيلسوف األمرييك ميد ‪،‬الذي‬
‫يطلق عىل مبدأ التعميم اسم «التبني املثايل لألدوار» حيث يشبه التعميم باللعبة الجامعية ‪ ،‬اين يلعب‬
‫الفاعلون األخالقيون معا‪ ،‬مع تصور جميع الالعبون أنهم مكان اآلخرين و هذا ما يطلق عليه ميد‬
‫موفق «اآلخر املعمم»‪ .‬صحيح أن الفاعل ال يتحرك اال وفق ما متليه عليه مصالحه اال أن هذه املصالح‬
‫قابلة للتعديل حيث تتعدل وفق ادراكه ملصالح اآلخرين لتعطينا يف األخري ذات أكرب ترتابط و تتالقى‬
‫فيها مصالح الجميع و هذه الذات هي املجتمع‪ .‬يقول هابرماس يف كتابه الحقيقة و التربير» يجب ان‬
‫يكون كل منا قادرا عىل ان يضع نفسه يف موقف كل اللذين قد يتاثرون بأداء فعل اشكايل أو تبني‬
‫معيار مشكوك فيه « (‪ )11‬و من ثم فان الخطاب الخلقي هو امللجأ األول لألفراد املتنازعني داخل‬
‫العامل املعيش حيث تكون املعايري األخالقية هي الفاصل الوحيد لحل هذه النزاعات و املعيار الذي‬
‫يتحدث عنه هابرماس ليس هو القيمة ألن القيمة نسبية تختلف من مجتمع ألخر و ومن زمان ألخر‬
‫و هي مرشورطة ترتبط بالعقول و املجتمعات و األديان بينام املعايري الصحيحة ال قيد و ال رشط فيها‪.‬‬
‫ان املعيار األخالقي الصحيح يصمد يف نقاشات مختلفة و مجتمعات متعددة اما القيم فال تصمد اال‬
‫يف مجتمع محدد و ثقافة بذاتها ‪.‬‬
‫ان االخالق الكالسيكية التي كانت قامئة عىل العادات و التقاليد عجزت عن مواجهة العقل األدايت‬
‫‪،‬هذا العقل الذي تسبب يف العديد من األمراض االجتامعية كالتشيؤ و االغرتاب لذا وجهت سهام النقد‬
‫لألخالق الكالسيكية أكرث من غريها اىل جانب العلم و التقنية و هذه االنتقادات طرحت بديال لهذه‬
‫األخالق يتمثل يف أخالق املناقشة ‪ ،‬و املحاججة عكس األخالق الكالسيكية القامئة عىل األوامر و النواهي‬
‫و االميان باملعتقدات ثم التخيل عنها لصالح اخرى‪ .‬فأخالق املناقشة تقوم عىل االستدالل املنطقي‬
‫الستخراج املعايري التى تضمن التواصل االجتامعي و تحقيق الكونية عىل أساس تدوايل ‪ ،‬لتصبح تتصل‬
‫باالنسان مبارشة بل هو الذي يشارك يف وضعها مع جامعة اخرى‪،‬فهي تخص الكل و الجميع دون‬
‫استثناء و ال تقيص أي مضمون فهي أخالق تحارب امليتافيزيقا مادام انها تقوم عىل الحجة و الربهان‬
‫‪ .‬و ال مجال لالدعاء الحقيقة دون االعتامد عىل اآلخرين انها أخالق ال تؤمن بالحقيقة الواحدة ‪ ،‬بل‬
‫مبجموع الحقائق تلك الحقائق العقالنية اىل تشكلت من خالل أراء ومواقف مختربة مع اآلخرين‬
‫‪،‬فزمن الحقائق الكاملة قد وىل‪ .‬فال الذات و ال الجامعة قادرة عىل ادراك و بلوغ الحقيقة ألن الحقيقة‬
‫هي ما نتفق عليه عن طريق النقاش‪ ،‬لذا راح هابرماس يؤسس أخالقيات التواصل عىل « مبادئ عقلية‬
‫تستمد بعض عنارصها من التداوليات العامة الن هذه لتداوليات هي التي تسمح بالتفكري يف األساس‬
‫الذي يجعل من التلفظات او افعال الكالم حقيقية و دقيقة « (‪)12‬‬
‫‪50‬‬
‫ثالثا‪ :‬وظيفة الخطاب األخالقي و أولوية الخلقي عىل األخالقي‪:‬‬
‫_ لقد طبق هابرماس نظريته يف اخالق املناقشة التى تقوم عىل املبدأ الكوين للقواعد عىل مفاهيم‬
‫عديد ة كالتسامح حيث يؤكد يف هذا املجال عىل أن قواعد السلوك التسامحي يجب ان تكون مقبولة‬
‫عقالنيا لجميع األطراف ‪ ،‬كام حاول من خاللها حل مشكلة التعدد العقيدي مؤكداعىل « ان التعددية‬
‫الثقافية التي ال تسيئ فهم دورها ال تنشئ طريقا باتجاه واحد للتاكيد الذايت الثقايف للمجموعات‬
‫مع هويات خاصة بها‪ .‬ان التعايش السلمي ملختلف أشكال الحياة وبصورة متساوية يتطلب كذلك‬
‫اندماج املواطنني يف ايطار ثقافة سياسية مشرتكة «(‪)13‬‬
‫من أهم ما ميكن للقارئ مالحظته عىل الفلسفة األخالقية لدى هابرماس هو محافظتها عىل‬
‫املقاصد الكربى لالخالق الكانطية مع بعض التعديالت البسيطة يف تأسيس املعايري األخالقية عىل مبدأ‬
‫البيذاتية القائم عىل الحوارو املناقشة وهذا ماتؤديه العقالنية التواصلية من حيث أنها « تنظم عملية‬
‫التفاعل بني األفراد و تصوغ فهم الجامعة لذاتها ‪،‬و طريقة فهمها للمعنى و يظهر هذا النوع يف‬
‫املجال االخالقي الذي ينظم الرشائع و املعايري الجاري العمل بها (‪ )14‬فهناك ارتباط وثيق بني العقل‬
‫التواصيل و األخالق عند هابرماس وهذا يف ايطار مايسمى بالعقل الكوين ‪ ،‬فالعقالنية التواصلية هي‬
‫عقالنية كونية‪ ،‬و األخالق ترتكز يف رشوطها عىل التعميم و الكليانية و الكونية و من ثم « فالعقالنية‬
‫التواصلية هي حافز العقل العميل ‪،‬تقدم معيارا يتيح الحكم عىل شفافية السبل االجتامعية ‪،‬و‬
‫هي تتيح كذلك تصور لبناء «الحق « و يفرتض سلفا تعميمها كليا للمصالح بوصفه جملة الرشوط‬
‫الرضورية التفاق الحريات ‪ ،‬ان الكيل يف الحق كام يف األخالق ال يبدو عىل انه معطى بل انه مطلب‬
‫يتحقق ضمن االتصال « (‪. )15‬ومادام ان عالقة الألخالق بالعقالنية التواصلية عالقة ال نقاش فيها فان‬
‫اللغة يف نظر هابرماس هي مفتاح األخالق حيث انها براغامتية و كلية ‪ ,‬و من ثم فهي طريق للعقل‬
‫العميل ‪ ،‬و يف هذا تقاطع بني هابرماس و كانط األول من خالل فكرته يف التعميم الكيل و الثاين من‬
‫خالل فكرة األوامر القطعية ‪ ،‬فاألمر القطعي « يف ما بعد الحداثة يبدو مرتبطا باالتصال الذي يقدم‬
‫فهام جديدا للعقل العميل « (‪ )16‬فالتواصل ال ميكن ان يكون اال باتيقا املناقشة التي تقوم بدورها عىل‬
‫عدم دعوى امتالك الحقيقة فحسب اتيقا املناقشة « ال ميكن ادعاء صالحية معيارما اال اذا اتفق كل‬
‫االشخاص املعنني باعتبارهم مشاركني يف نقاش عميل حول صالحية معياريا ما» (‪ )17‬فاالتيقا حسب‬
‫هابرماس تهتم بااليطار املرجعي الذي تجري فيه املناقشات العملية ذات الطابع املعياري كام تقوم‬
‫عىل معرفة االجراءات التى تم اتباعها يف تربير صالحية معيارما فهي معايري تعمل و توضع لتنظيم‬
‫العملية التواصلية يف املجتمع ذلك التواصل الذي يتم بني األفراد يف ايطار اللغة و النقد ‪.‬‬
‫يشريهابرماس يف العديد من سجاالته اىل مسألة اتيقا املناقشة و عالقتها بالتواصل فهي مجال مهم‬
‫لفهم االنسان و العامل املعارص حيث تحدد االتيقا وجود االنسان و من ثم فاالنسان عند هابرماس‬
‫هو كائن اتيقي تواصيل و منه فان مفهوم التواصل عند هابرماس يالمس حقوال عدة من بينها اتيقا‬
‫املناقشة‪ .‬و املكون و الرابط األسايس بينهام هو اللغة ‪،‬و اللغة ليست هي الرابط بني التواصل واتيقا‬
‫املناقشة فحسب بل الرابط بني العقول جميعا ‪.‬فاللغة متثل أرقى انواع التخاطب و التواصل‪ ،‬و لقد‬
‫حدد رومان جاكبسون ستة و ظائف للغة تلخص مستويات التواصل من جهة و مستويات التخاطب‬
‫‪51‬‬
‫من جهة اخرى حددها األستاذ عمر مهيبل يف كتابه املرتجم يف مقدمته كاآليت « الوظيفة التعبريية‬
‫‪ ،‬الوظيفية املرجعية ‪ ،‬الوظيفة التاثريية و الوظيفة الشعرية و الوظيفة ما بعد اللغوية او الوظيفة‬
‫الواصفة و الوظيفة التحفيزية «(‪)18‬و هناك مستوى داليل آخر هو مستوى التأويل الذي يساعدنا‬
‫عىل االستفادة من هذه الوظائف الستة كام ميكننا من تجاوز الوظيفة املبارشة للغة و بلوغ الحقيقية‬
‫الكامنة يف الحقائق املتعددة كام يرى بول ريكور‪.‬‬
‫يرى هابرماس أن ادراك التوافق بني املشاركني يف مناقشة ما هو ادراك القاسم املشرتك لهؤالء ‪،‬‬
‫و ذلك بقيام كل واحد من املشاركني بتبني رواية اآلخر‪ ،‬و الغاية من هذا هو دفع األنا للخروج من‬
‫مركزيته و ذاتيته و انانيته بغية تكسري الشمولية و الكلية يف فهم العامل و من ثم اكتشاف كل مشارك‬
‫النظرة التى تخدم مصلحة الجميع للوصول اىل ضبط الحلول الالزمة لالشكاليات املطروحة ‪.‬‬
‫فاألخالق عند هابرماس اذن شأنه يف ذلك شأن زميله كارل اتوابل تعترب مكون أسايس للعقلنة و‬
‫التواصل ‪،‬و رغم ما تشكله األخالق الكانطية من أساس و مرجعية لهذه األخالق اال انها تنتقد ها بشدة‬
‫كونها ال تحمل سوى مجموعة من الواجبات الصورية اضافة اىل طابعها الرتنسندنتايل ‪ ،‬عكس االخالق‬
‫التواصلية التي هي أخالق تبنى عىل الحوار و الربهان و من ثم فهي واقعية تقوم فيها الحقيقة عىل‬
‫الحجاج و الربهان العقيل وسيلتها يف ذلك اللغة و التداول و هذه األخرية قامئة عىل رشوط معيارية‬
‫تتصف بالصدق و املصداقية و الصالحية و املعقولية‪ ،‬فاللغة حاملة للعقالنية‪.‬‬
‫رابعا‪:‬وظيفة الخطاب االخالقي ‪.‬‬
‫مثة سيميائية هامة سيجد فيها هابرماس أفضل حجة لتدعيم نظريته يف ايتيقا النقاش اللغوي و‬
‫هي سيميائية بريس التي تربط بني الحقيقة و االقناع و التواصل ‪،‬حيث يعطي هذا الربط فاعلية للغة‬
‫يف الخطاب ‪ ,،‬اضافة اىل الدور الذي يلعبه العامل املعيش و مايحمله من معتقدات و قناعات سابقة‬
‫و لغة متداولة ‪،‬حيث تحمل اللغة هذه القناعات و املعتقدات اينام حلت يقول هابرماس بخصوص‬
‫دور املعتقدات يف أخالقيات النقاش « ان املعتقدات تلعب دورا مغايرا يف الوقت الذي تقوم بارساء‬
‫حقائقها وفق طرق متباينة شعارها يف ذلك التمسك بالنشاط و اغفال املقاالت و األقوال بأنواعها‬
‫‪.‬و هذا مايجعل الفاعلني يف عامل معيش معطى خاضعني لقناعات مسبقة يتاثرون بها يف حلهم و‬
‫ترحالهم «(‪)19‬ومن بني هذه املعتقدات التي ميتلكها األفراد مسبقا نجد اللغة حيث يفرق هابرماس‬
‫بني منطوقات األخالقية واملنطوقات الوصفية عىل املستوى اللساين ‪ ،‬فاألوىل تبني لنا ما يجب علينا فعله‬
‫أو ما ينبغي علينا فعله أما الثانية فرنى بها االشياء كام تبدو يف عالقتها املتداخلة و املتشابكة و من ثم‬
‫تكون اتيقا املناقشة لها وظيفة محددة اذ تقوم برشح املضمون املعريف ملنطوقاتنا األخالقية ‪.‬‬
‫و هذا املنعرج الهابرميس للغة كان وليد تلك الضجة اللغوية و املنطقية التى احدثها كتاب اوستني»‬
‫كيف تصنع االشياء بالكالم» و الذي ميكن ان نضعه يف ايطار نقدي تداويل اذ اكتشف او ستني عجز‬
‫التصورات املنطقية للدالالت الفلسفية و هذا ماحاول هابرماس ان يوسعه من خالل ترسيخ قاعدة‬
‫للتفاهم اذ يحاول « الرتكيز عىل املنعرج اللغوي من جهة أخالقيات الحوار و هو يحرص عىل التوظيف‬
‫التداويل الذي يسمح مبساهمة كونية تخرجنا من دائرة االفق الضيق للذات اىل املشاركة و التبادل‬
‫‪52‬‬
‫الحقيقي للرأي «(‪)20‬‬
‫ان النقاش لدى هابرماس له بعدين اساسني يتمثل البعد االول يف ابراز صحة األراء أما البعد الثاين‬
‫فيكون بدافع التعلم من الجامعة و يف هذا تحقيق لقاعدة احرتام الغري و اعطاءه فرصته يف الكالم و‬
‫منه احرتام قواعد النقاش عموما ‪ ،‬و من ثم تكمن عملية تحرير اللغة من سجن البيان ألن الحقيقةعند‬
‫هابرماس هي اللغة التي بدونها نبقى عاجزين عن التعلم‪.‬‬
‫يتضح لنا ان هابرماس يراهن عىل الخطاب االخالقي القائم عىل النقاش يف ترسيخ قيم التواصل ‪،‬‬
‫لذا عمل عىل تطوير البعد التداويل لهذا الخطاب من خالل تركيزه عىل املنعرج اللساين و ذلك من اجل‬
‫ايجاد تطابق بني الفكر املجرد و الواقع حيث أن هذا التطابق يف حد ذاته هو أحد الوظائف األساسية‬
‫للخطاب األخالقي ‪ ،‬فوظيفته تكمن يف « توضيح العالقة الداخلية بني الفهم املمكن الفعال اللغة وبني‬
‫مايفرتض ان نعرفه عن رشوط االمكان القادرةعىل توضيح مزاعم الصالحية لدى افعال اللغة» (‪)21‬‬
‫و هذا ما اعتربه الكثري من النقاد عىل انه نوع من ترانسندنتالية كانطية تعيد هابرماس اىل العقل‬
‫املحض ‪,‬بدل من تداولية اللغة و هذا الوقوع يف املحضور الذي وضعه هابرماس بنفسه هو الذي جعل‬
‫هابرماس يحاول اعادة الكرة اي محاولة تحديد و ظائف الخطاب األخالقي و ذلك يف املجال السيايس‬
‫لالبتعاد عن هذا التعايل الذي اتهم به ‪.‬يف كثري من االراء و املواقف ‪.‬حيث استعمل هابرماس نظرية‬
‫أخالقيات النقاش يف دفاعه عن طرحه يف الدولة العاملية‪ ،‬فهو يرى بان االتيقا من شأنها اذا تقلص‬
‫الشعور باالنتامء اىل القومية من خالل التواصل و النقاش فهي متنح املتحاورين الحافز الذي يجعلهم‬
‫ميارسون حقوقهم كونهم كائنات برشية وليس ككائنات قومية ‪،‬ألن االتيقا القامئة عىل الحوار تؤمن‬
‫بالتعدد و التنوع و ال تؤمن بالهوية الثقافية الواحدة و هذا مايجب حسب هابرماس ان يتكفل به «‬
‫اعضاء املجتمع السيايس املنظم حول تفكري منطقي وطني دستوري وقع اعادة فهمه يف ايطار ذوات‬
‫حقوقية تم االعتامد عليها قبل كل دميقراطية عاملية لحقوق االنسان»(‪.)22‬‬
‫ال شك ان مثتا دواعي لدى هابرماس يف عودته اىل الكانطية يف جانبها األخالقي و السيايس ‪ ،‬بالنظر‬
‫اىل مدى اسهام هذا املبحث األخالقي يف تعزيز الرباديغم التواصيل الذي شكل االطار العام لفلسفة‬
‫هابرماس ‪ .‬و بالنظر اىل قرب هابرماس من كارل اتوابل يف هذا املجال فلقد قام هذا األخري بتأليف‬
‫كتاب تحت «عنوان االخالق يف زمن العلم «‪ .‬حيث دعى فيه اىل رضورة تأسيس معايري أخالقية كونية‬
‫بناءا عىل أخالقيات املناقشة ترفض التجربة و تؤمن بالعقل و من ثم رضورة مشاركة االفراد يف الحوار‬
‫و منه مشاركتهم يف العملية التواصلية وهذا الطرح كام هو معلوم تبناه هابرماس و عمل عىل تعميقه‬
‫انطالقا من منهجه النقدي مكيفا اياه حسب الوضعية املعارصة التي تتميز بسيطرة العلم عىل الحياة‪.‬‬
‫و يبدو ان هذا هو الدافع الحقيقي الذي كان وراء التفكري يف العودة اىل االخالق الكانطية و هي‬
‫مايسميه كارل اتوابل باألزمة االيكولوجية ‪.‬‬
‫فهابرماس وزميله كارل اتوابل اليسيعان اىل وضع املعايري األخالقية كام هو الشأن عند كانط ولكن‬
‫األخالق عندهام مبحث اجرايئ يسعى اىل و ضع الرشوط الرضورية لتنظيم الحوار‪،‬والتي يجب عىل‬
‫املناقش االلتزام بها للوصول اىل حلول عقالنية لتتحول يف ما بعد اىل معايري أخالقية كونية تحفظ حقوق‬
‫‪53‬‬
‫و مصالح كل األطراف املشاركة «فأخالقية املناقشة هي اخالق اجرائية خالية من اي مضمون معياري‬
‫« (‪ )23‬و منه ميكن القول أن نظرية أخالق املناقشة عند هابرماس هي عبارة عن معايري أخالقية‬
‫تذاوتية ال تنظراىل االتفاق النهايئ فحسب بل تنظر كذلك اىل املراحل التى تم عربها االوصول اىل هذا‬
‫االتفاق ‪.‬و هذه الصورة تجعل األخالق الهابرماسية اخالق غري جاهزة و غري محددة كام انها غري مطلقة‬
‫و غري ثابتة بل تكون نتاج املناقشة فهي تابعة للكفاءات اللتي تستعملها و تتناقش حولها مام يجعلها‬
‫قابلة للتغيري و التطوير لذا يعترب النقاش و الحوار هو رس قوة أخالق املناقشة ‪.‬‬
‫ان تأسيس أخالق املناقشة عىل أساس الحوار الذي يدور بني األفراد و ميكن قراءته من زاوية أن‬
‫هابرماس يسعى لجعل األخالق أكرث واقعية و أكرث مطابقة ملا يتداوله الناس باعتبار ان التطابق بني‬
‫النظري والعميل هو أحد أهداف مرشوع هابرماس الفلسفي كام ميكن فهمه عىل انه متهيد ألخالق‬
‫دنيوية و علامنية ترفض اعتامداملصادر امليتافيزيقية و الالهوتية فهذه األخالق تعترب لدى هابرماس‬
‫مبثابة الحل ملختلف أزمات املجتمع الحديث املتميز بالتعقيد والتعدد الثقايف و العريف و السيايس و‬
‫الذي تعذر عىل مختلف الربامج و النظريات األخرى الوصول اليه ‪.‬‬
‫مامسبق يتبني لنا أن هابرماس يحدوه أمال كبريا يف جعل األخالق الكانطية حية و ذلك يف ايطار‬
‫مرشوعه الحداثوي الذي يتمسك بالفكر االنواري حيث قام هابرماس مع بداية التسعينات مبراجعة‬
‫االمر املطلق لكانط و لكن يف ايطار البيذاتية لجعل هذه األخالق أكرث راهنية و واقعية كام سبق االشارة‬
‫اليه حيث يقول هابرماس يف مقدمة كتابه أخالقيات املناقشة « لقد رشعنا يف السنني االخرية انا و‬
‫زمييل كارل اتوابل يف محاولة اعادة صياغة مانسميه مسالة تاسيس املعايري‪ ،‬اي االخالق الكانطية و‬
‫ذلك باالعتامد عىل وسائل مستمدة من نظرية التواصل « (‪ )24‬يعتربهابرماس مبدأ الكونية كقاعدة‬
‫حجاجية بديال لألمر املطلق لكانط بحيث عوض ان أفرض قاعد يت عىل الباقي أوعىل األخرين و‬
‫التي اريدها ان تصبح كونية « يجب ان اخضع قاعديت ليك يفحصوها باملناقشة ومينحوين ادعاءات‬
‫صالحيتها الكونية « (‪)25‬ومن ثم يبدو اآلن الفرق واضحا بني األخالق الكانطية و االخالق الهابرمسية‬
‫‪،‬و بالخصوص األخالق الكانطية املتعلقة باألمر املطلق حيث انها عبارة عن أوامر موجهة اىل املخاطب‬
‫بينام عند هابرماس غري موجهة لطرف معني بل هي عامة فال و جود لصيبغة األمر لدى أخالق‬
‫هابرماس و مبدأه الكوين ‪ ،‬و هذا املبدأ كام أوضحناه سابقا نابع من تعقد الحياة و تشابكها اجتامعيا‬
‫لذا كان أكرث تجريدا و كونية‪ ،‬يقول هابرماس عن هذا التجريد يف كتابه الحقيقة و التربير «فتعددية‬
‫اشكال الحياة و املشاريع تلزمنا يف نفس الوقت ان نتفق حول معايري اكرث تجريدا و اكرث كونية «(‪)26‬‬
‫و ميكن اعتبار هذا الراي موجه اىل نقاذه الذين يرون ان اخالق هابرماس اخالق ترنسندنتالية كانطية‬
‫مجردة و بعيدة عن الواقع‪ .‬بل و عىل غري العادة لن ينصت هابرماس هذه املرة ملعارضيه اذ سيصبح‬
‫أكرث قربا من كانط‪.‬‬
‫خامتة ‪:‬‬
‫و نود ان نشري أخريا لبعض االنتقادات التي وجهت لنظرية أخالق املناقشة لدى هابرماس‬
‫بالخصوص يف جانبها املتعلق باالجامع الذي يستهدفه املبدأ األخالقي‪ ،‬و الذي يتطلب مواقفة كل‬
‫‪54‬‬
‫املعنيني مع التبني املثايل لألدوار و هذا ما اعتربه البعض بأنه عملية شاقة و مرهقة جدا كام يجعل‬
‫من املعايري التي مترعربها هذه األخالق قاسية جدا اضافة اال ان هذه النظرية تتحاىش النزاعات و‬
‫الرصاعات التى تحدث بني األفراد و تتحدث فقط عىل االتفاق القائم عىل الحجة و الربهان و هذا ما‬
‫ال نراه يف الواقع ‪.‬‬
‫ان صعوبة تطبيق املبدأ االخالقي داخل املجتمعات الحديثة املتميزة بالتعدد و التنوع و التعقيد‬
‫جعل هابرماس مير اىل ميدان اخر وهو امليدان السيايس حيث أن هذا التعقيد الذي تتميز به املجتمعات‬
‫الحديثة جعل املعايري األخالقية غري كافية لوحدها الصالح املؤسسات االجتامعية و القانونية و السياسة‬
‫ومن ثم سيدخل هابرماس منعطفا جديدا هو املنعطف السيايس و بالضبط مع كتاب الحقائق‬
‫واملعايري الذي يعترب تتمة لربنامجه األخالقي ‪،‬فالسياسة و القانون ال ميكنهام العمل يف غياب الخلقية‪.‬‬
‫فالسياسة و ال قانون دون نظرية أخالقية‪.‬‬
‫االحاالت والهوامش‪:‬‬
‫(‪ - )1‬سمري اليوسف ‪,‬بني هابرماس و كارل اتوابل ‪,‬امكانية تربير املبادئ ملزمة كوين مجلة نزوى‪،‬العدد‪،41‬ص‪.05‬‬
‫(‪ -)2‬محمد عبد السالم االشهب ‪,‬مناظرة هابرماس و روالز‪ ،‬سؤال العدالة يف الفلسفة السياسية ‪،‬كلية األداب‬
‫والعلوم االنسانية‪،‬سلسلة ندوات ومناظرات رقم ‪ 179‬ص‪.135‬‬
‫(‪ -)3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.136‬‬
‫(‪ -)4‬املرجع نفسه‪،‬ص‪.145‬‬
‫(‪ -)5‬مانفريد فرانك‪،‬حدود االجامع والتواصل بني هابرماس ليوتارت ‪ ،‬عز العرب حكيم نبايل‪ ،‬افريقيا الرشق ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪، 2003،‬بريوت ‪ ،‬ص ‪. 77‬‬
‫(‪ -)6‬املرجع نفسه ‪.‬ص ‪. 86‬‬
‫(‪ -)7‬دومينيك روسو ‪،‬التفكري بالحق مع هابرماس ‪ ،‬مجلة القانون العام و علم السياسة ‪ ،‬العدد ‪،06‬ص ‪. 1452‬‬
‫‪(8)- J. Habermas. - De l’éthique de la discussion, tr. Mark Hunadi.- ed flamarion ,1992.p 17.‬‬
‫‪(9)- ibid, p139.‬‬
‫‪(10)- J. Habermas.- Vérité et justification tr. Rainer Rochlitz et Christian Bouchindhomme.-‬‬
‫‪Gallimard, 2001 ,p231.‬‬
‫(‪ -)11‬جيمس جوردن فنيلسون ‪ ،‬يورغن هابرماس ‪ ،‬مقدمة قصرية جدا ‪،‬ت احمد الروحي ‪،‬دار هنداوي ‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫‪ 2015‬القاهرة ‪،‬ص ‪. 106‬‬
‫(‪ – )12‬محمد نوردين افايا ‪ ،‬الحداثة و التواصل يف الفلسفة النقدية املعارصة ‪،‬افريقيا الرشق‪،‬ط‪،2‬املغرب‪ ،1998،‬ص ‪. 207‬‬
‫(‪ -)13‬شريزاد النجار النجار ‪ ،‬التسامح و لال تسامح لفلسفة هابرماس ‪ ،‬مجلة التسامح ‪ ،‬العدد ‪، 32‬السنة ‪، 09‬‬
‫نيسان ‪،‬وزارة الثقافة الفلسطينية‪ ، 2011،‬ص ‪. 15‬‬
‫(‪– )14‬جاك لني روس ‪ ،‬الفكر االخالقي املعارص ‪ ،‬ت عادل العوا ‪ ،‬عويدات للنرش ‪ ،‬ط‪،1‬بريوت‪ 2001،‬ص ‪.77‬‬
‫(‪ – )15‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 78‬‬
‫(‪ -)16‬عبدالرزاق بلعقزوز ‪ ،‬تحوالت الفكر الفلسفي ‪ ،‬الدار العربية للعلوم نارشون‪،‬ط‪،1‬الجزائر‪، 2009،‬ص ‪. 88‬‬
‫‪(17)- J. Habermas.- Morale et communication : conscience morale et activité‬‬
‫‪communicationnelle, tr.- Flammarion 1986.p87.‬‬
‫(‪ -)18‬املرجع نفسه ‪،‬ص ‪. 09‬‬
‫(‪– )19‬املرجع نفسه ‪،‬ص ‪.60‬‬
‫(‪ -)20‬النارص عبد الالوي ‪ ،‬التواصل و الحوار يف اخالقيات النقاش يف الفكر الفلسفي املعارص‪،‬دار الفارايب ط‪2013، 1‬‬
‫صفاقص ‪.‬ص ‪. 108‬‬
‫‪55‬‬
(21)- J. Habermas.- De l’éthique de la discussion, ibid, p140
(22)- J. Habermas.- Droit et démocratie, entre faits et normes. tr. Rainer Rochlitz.et Christian
Bouchindhomme.1997.p139.
(23)- J. Habermas.- De l’éthique de la discussion, ibid, p 4546-.
(24)- ibid, p15
(25)- - J. Habermas.- Morale et communication : conscience morale et activité
communicationnelle, tr Flammarion 1986.p8889-.
(26)- J. Habermas.- Vérité et justification ,ibid.p23.

56

You might also like