Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 347

0

‫هذا الكتاب‬
‫يح اول ه ذا الكت اب ـ من خالل األدل ة والوث ائق‬
‫الكثيرة ـ إثبات المدى ال ذي وص ل إلي ه التكف ير الس لفي بح ق‬
‫األمة جميعا بمدارسها العقدية والفقهي ة والص وفية والحركي ة‪..‬‬
‫باإلض افة لطوائفه ا المتع ددة من أه ل س نة وش يعة وإباض ية‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫والنتيجة التي وص ل إليه ا هي أن التكف ير الس لفي ـ‬
‫سواء المطلق منه أو المعين ـ يشمل األم ة جميع ا‪ ،‬وال يس تثنى‬
‫منه أحد من الناس‪ ،‬حتى السلفية أنفسهم‪ ،‬وفيم ا بينهم نج د ه ذه‬
‫الظاهرة‪ ،‬حيث نرى كل مدرسة تطبق مناهجها التكفيري ة على‬
‫غيرها من المدارس‪.‬‬
‫وه و يكش ف تل ك الحي ل والخ دع ال تي يمارس ها‬
‫المدافعون عن السلفية حين يحاولون رفع هذه التهم ة عنهم من‬
‫خالل ع رض مق والتهم المختلف ة والمتناقض ة والمرتبط ة‬
‫باألحوال المختلفة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الدين والدجل‬

‫(‪)11‬‬

‫كلكم كفرة‪..‬‬
‫دارسة علمية تثبت باألدلة القاطعة تكفير السلفية لألمة جميعا‬

‫د‪ .‬نور الدين أبو لحية‬


‫‪www.aboulahia.com‬‬

‫الطبعة الأولى‬

‫‪2015 – 1436‬‬

‫دار الأنوار للنشر والتوزيع‬

‫‪0‬‬

‫فهرس المحتويات‬
‫‪7‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪16‬‬ ‫أوال ـ المنهج التكفيري الصريح‪:‬‬
‫‪16‬‬ ‫ثانيا ـ المنهج التكفيري الخفي‪:‬‬
‫‪20‬‬ ‫السلفية‪ ..‬وتكفير المدارس العقدية‬
‫‪21‬‬ ‫أوال ـ التكفير المطلق‪:‬‬
‫‪22‬‬ ‫‪ 1‬ـ نفي الجهة والمكان‪:‬‬
‫‪27‬‬ ‫‪ 2‬ـ القول بخلق القرآن‪:‬‬
‫‪33‬‬ ‫‪ 3‬ـ نفي الصفات‪:‬‬
‫‪42‬‬ ‫ثانيا ـ التكفير المعين‪:‬‬
‫‪42‬‬ ‫مدرسة األشاعرة‪:‬‬
‫‪43‬‬ ‫‪ 1‬ـ التكفير الخفي‪:‬‬
‫‪52‬‬ ‫‪ 2‬ـ التكفير الصريح‪:‬‬
‫‪76‬‬ ‫مدرسة الماتريدية‪:‬‬
‫‪81‬‬ ‫‪ 1‬ـ نفي الجهة والمكان‪:‬‬
‫‪82‬‬ ‫‪ 2‬ـ القول بخلق القرآن‪:‬‬
‫‪84‬‬ ‫‪ 3‬ـ نفي الصفات‪:‬‬
‫‪88‬‬ ‫مدرسة المعتزلة‪:‬‬
‫‪90‬‬ ‫‪ 1‬ـ تكفير متقدمي السلفية للمعتزلة‪:‬‬
‫‪101‬‬ ‫‪ 2‬ـ تكفير متأخري السلفية للمعتزلة‪:‬‬
‫‪116‬‬ ‫السلفية‪ ..‬وتكفير المدارس الفقهية‬
‫‪117‬‬ ‫أوال ـ التكفير المطلق‬
‫‪118‬‬ ‫‪ 1‬ـ التكفير بسبب الوقوع في نواقض اإليمان العقدية‬
‫‪125‬‬ ‫النموذج األول‪ :‬الموقف من أبي حنيفة‬
‫‪130‬‬ ‫النموذج الثاني‪ :‬الموقف من ابن حجر‬
‫‪147‬‬ ‫‪2‬ـ التكفير بسبب الوقوع في نواقض اإليمان فقهية‪:‬‬
‫‪168‬‬ ‫ثانيا ـ التكفير المعين‪:‬‬
‫‪178‬‬ ‫المدرسة الحنفية‪:‬‬
‫‪178‬‬ ‫المدرسة المالكية‪:‬‬
‫‪205‬‬ ‫المدرسة الشافعية‪:‬‬
‫‪238‬‬ ‫مدرسة الحنابلة‪:‬‬
‫‪250‬‬ ‫النموذج األول‪ :‬التكفير بسبب التعطيل‬
‫‪255‬‬ ‫النموذج الثاني‪ :‬التكفير بسبب التصوف وتوابعه‬

‫‪3‬‬
‫‪263‬‬ ‫السلفية‪ ..‬وتكفير المدارس الصوفية‬
‫‪271‬‬ ‫أوال ـ التكفير المطلق‪:‬‬
‫‪271‬‬ ‫‪ 1‬ـ تهمة التنزيه المطلق للحضرة اإللهية‪:‬‬
‫‪288‬‬ ‫‪ 2‬ـ تهمة المواجيد واألشواق الروحية‪:‬‬
‫‪294‬‬ ‫‪ 3‬ـ تهمة تعظيم الحضرة النبوية‪:‬‬
‫‪297‬‬ ‫النموذج األول‪ :‬البوصيري ومدحه للنبي ‪.‬‬
‫‪304‬‬ ‫النموذج الثاني‪ :‬البرعي ومدحه للنبي ‪.‬‬
‫‪309‬‬ ‫‪ 4‬ـ تهمة تقديس الوالية واألولياء‪:‬‬
‫‪327‬‬ ‫ثانيا ـ التكفير المعين‪:‬‬
‫‪328‬‬ ‫‪ 1‬ـ تكفير أعالم الصوفية‪ ،‬ومفكريها في القديم والحديث‪.‬‬
‫‪328‬‬ ‫موقف متقدمي السلفية من تكفير أعالم الصوفية‪:‬‬
‫‪336‬‬ ‫موقف متأخري السلفية من تكفير أعالم الصوفية‪:‬‬
‫‪344‬‬ ‫‪ 2‬ـ تكفير أنصار الصوفية ومؤيديها والمتأثرين بها‪.‬‬
‫‪353‬‬ ‫‪ 3‬ـ تكفير الطرق الصوفية‬
‫‪370‬‬ ‫‪ 4‬ـ تكفير الدول الراعية للصوفية‪.‬‬
‫‪376‬‬ ‫السلفية‪ ..‬وتكفير المدارس الحركية‬
‫‪377‬‬ ‫أوال ـ التكفير المطلق‪:‬‬
‫‪378‬‬ ‫‪ 1‬ـ التهم المرتبطة باالنحرافات العقدية‪.‬‬
‫‪382‬‬ ‫‪ 2‬ـ التهم المرتبطة بالتصوف والبدع العملية‬
‫‪392‬‬ ‫‪ 3‬ـ التهم المرتبطة بالوالء والبراء‬
‫‪394‬‬ ‫ثانيا ـ التكفير المعين‬
‫‪397‬‬ ‫‪ 1‬ـ الجماعات الدعوية‪:‬‬
‫النموذج األول‪ :‬كتاب [اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ] ‪398‬‬
‫النم وذج الث اني‪ :‬كت اب [الق ول البلي غ في التح ذير من جماع ة‬
‫‪404‬‬ ‫التبليغ]‬
‫‪417‬‬ ‫ثانيا ـ الحركات السياسية‬
‫‪420‬‬ ‫النموذج األول‪ :‬كتاب [إثبات فساد منهج ودعوة حسن البنا]‬
‫‪430‬‬ ‫النموذج الثاني‪ :‬كتاب [اإلخوان المسلمون‪ :‬الوجه اآلخر]‬
‫‪434‬‬ ‫السلفية‪ ..‬وتكفير المدارس الشيعية‬
‫‪436‬‬ ‫أوال ـ تكفير السلفية المتقدمين للشيعة‪.‬‬
‫‪444‬‬ ‫ثانيا ـ تكفير السلفية المتأخرين للشيعة‪.‬‬
‫‪445‬‬ ‫‪ 1‬ـ الفتاوى والبيانات السلفية في تكفير الشيعة‪:‬‬
‫‪445‬‬ ‫النموذج األول‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة في تكفير الشيعة‬
‫‪447‬‬ ‫النموذج الثاني‪ :‬فتاوى ابن جبرين في تكفير الشيعة‬
‫‪452‬‬ ‫‪ 2‬ـ الكتب والمنشورات السلفية في تكفير الشيعة‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫‪452‬‬ ‫النموذج األول‪ :‬كتاب [الخطوط العريضة]‬
‫‪456‬‬ ‫النموذج الثاني‪ :‬كتاب [أحكام الروافض]‬
‫‪462‬‬ ‫السلفية‪ ..‬وتكفير المدرسة اإلباضية‬
‫النموذج األول‪ :‬كتاب [اإلباضية في ميزان أهل السنة والجماعة] ‪465‬‬
‫‪468‬‬ ‫النموذج الثاني‪ :‬كتاب [الرد القويم البالغ]‬
‫‪473‬‬ ‫السلفية‪ ..‬وتكفير المدارس السلفية‬
‫‪484‬‬ ‫أوال ـ تكفير المدارس السلفية العلمية‬
‫النموذج األول‪ :‬كتب الدكتور عبدالرزاق بن خليفة الشايجي ‪485‬‬
‫‪499‬‬ ‫النموذج الثاني‪ :‬كتب أبي محمد المقدسي‬
‫‪507‬‬ ‫ثانيا ـ تكفير السلفية الحركية‬
‫‪508‬‬ ‫‪ 1‬ـ موقف السلفية العلمية من السلفية الحركية‬
‫‪508‬‬ ‫النموذج األول‪ :‬الموقف من السلفية السرورية‬
‫النموذج الثاني‪ :‬الموقف من عبد الرحمن عبد الخالق ومدرسته‬
‫‪512‬‬
‫‪522‬‬ ‫‪ 2‬ـ موقف السلفية العلمية من السلفية الجهادية‬

‫‪5‬‬
‫المقدمة‬
‫من التهم ال تي ط الت الس لفية في عص ورها المختلف ة من ل دن الكث ير من‬
‫العلماء المعت برين تهم ة [التكف ير]‪ ،‬وله ذا نج دهم أح رص الن اس على رميه ا عن‬
‫أنفسهم‪ ،‬واالحتيال لذلك بكل صنوف الحيل والدهاء التي تعلموه ا من أس اتذتهم من‬
‫السلف األول واآلخر‪.‬‬
‫وأول تلك الحيل هي االحتيال على رسول هللا ‪ ‬نفسه‪ ،‬وذلك بتأويل ك ل م ا‬
‫ورد في النصوص من تحذيراته ‪ ‬من وجود طائف ة من األم ة‪ ،‬تتقن التكف ير كم ا‬
‫تتقن الرياء والخداع‪ ،‬كما تتقن احتك ار ال دين ومص ادره وتش ريعاته‪ ،‬كم ا تتقن فن‬
‫اإلرهاب والعنف بكل أنواعه(‪ ..)1‬إلى طائفة قد ذهب بها التاريخ في غابر الزم ان‪،‬‬
‫ولم تمكث إال فترة محدودة جدا ال تكاد تعتبر‪ ..‬وكأن رسول هللا ‪ ‬الذي أولى تل ك‬
‫الطائفة كل تلك األهمي ة غف ل عن طائف ة أخط ر‪ ،‬وأك ثر تض ليال وتكف يرا‪ ،‬وأك ثر‬
‫إرهابا وعنفا‪ ،‬وأطول مدة وزمنا‪.‬‬
‫وثاني تلك الحيل هو ما تعلموه في فن الجرح والتعديل من الجمع بين توثي ق‬
‫الراوي الواحد وتضعيفه‪ ،‬حتى إذا ما أعجبهم حديثه غلبوا التوثيق على التض عيف‪،‬‬
‫وإذا لم يعجبهم حديثه غلبوا التضعيف على التوثيق‪.‬‬
‫وهك ذا فعل وا م ع التكف ير‪ ..‬وهك ذوا غ رروا ب الكثير من الطي بين ال ذين ال‬
‫يعرفون حيلهم ومكرهم‪ ،‬فأغروهم ببعض الكلمات المعسولة التي وردت عن سلفهم‬
‫وخلفهم في أنهم طيبون‪ ،‬وأنهم ال يكف رون أح دا من أه ل القبل ة‪ ،‬وأن التكف ير ش أن‬
‫الخوارج‪ ،‬وأن فالنا من الناس قال كذا يوم كذا‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫فإذا قيل لهم‪ :‬كيف تقولون هذا‪ ،‬وق د أجم ع س لفكم األول ون واآلخ رون على‬
‫تكف ير ك ل منك ر للجه ة‪ ،‬وأن من لم يق ل ب أن هللا في الس ماء‪ ،‬فه و ك افر زن ديق‪،‬‬
‫وجهمي معطل‪ ..‬ولو طبقنا هذه المقولة وحدها على جميع م دارس األم ة وعلمائه ا‬
‫من األشاعرة والماتريدي ة والمعتزل ة وأتب اع الم ذاهب الفقهي ة والص وفية والش يعة‬
‫والزيدية واإلباضية وغيرهم‪ ،‬لوجدناها تنطبق عليهم جميعا‪ ،‬ألنهم جميعا ال يقولون‬
‫بالجهة‪ ،‬وينزهون هللا عن المكان‪.‬‬
‫وهكذا ل و طبقن ا مق والت الس لف األول واآلخ ر على أن الح روف القرآني ة‬
‫مخلوقة‪ ،‬فإن ذلك سيخرج األمة جميعا من الملة‪.‬‬
‫وهك ذا ل و طبقن ا مق والت الس لف األول واآلخ ر على أن رؤي ة هللا تتعل ق‬
‫ب القلب‪ ،‬وال عالق ة له ا ب الحس‪ ،‬وأن هللا ال ي رى كم ا ت رى األش ياء‪ ،‬ألن ه ليس‬
‫كاألشياء‪..‬‬
‫وهكذا لو طبقنا الكثير من مقوالتهم التكفيري ة ال تي تمتلئ به ا كتب عقائ دهم‬
‫وفقههم وحديثهم وتفسيرهم‪ ..‬فكلها مشحونة بأصناف التكفير‪..‬‬
‫‪ )(1‬أشير بذلك إلى قوله ‪( :‬سيخرج قوم في آخر الزمان‪ ،‬حدثاء األسنان‪ ،‬سفهاء األحالم‪ ،‬يقول ون من ق ول خ ير‬
‫البرية‪ ،‬يقرؤون القرآن‪ ،‬ال يجاوز إيمانهم حناجرهم‪ ،‬يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية‪ ،‬فأينم ا لقيتم وهم‬
‫فاقتلوهم‪ ،‬فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند هللا يوم القيامة)‪ ،‬رواه البخاري ‪.86 / 9‬‬

‫‪6‬‬
‫لكنهم‪ ،‬ولدهائهم وحيلتهم بدل أن يتبرؤوا من تل ك المق والت‪ ،‬ويس تغفروا هللا‬
‫منها‪ ،‬يقومون ب أنواع كث يرة من التقي ة‪ ،‬تجعلهم يح افظون على عص مة س لفهم في‬
‫نفس الوقت الذي يحافظون فيه على سمعتهم‪ ،‬وأنهم ليسوا تكفيريين كالخوارج‪.‬‬
‫قد يق ول البعض ب أن ه ذه تقي ة‪ ،‬وأن ال ذي ش رعها ووق ع فيه ا هم الش يعة‪،‬‬
‫وليسوا السلفية‪ ..‬وهذا أيضا من أنواع االحتيال التي مارسها السلفية مع خص ومهم‪،‬‬
‫فهم يطبقون جيدا تل ك المقول ة العربي ة المش هورة [رمت ني ب دائها وانس لت]‪ ،‬ألنهم‬
‫يعمدون إلى معنى نبيل قام به قوم مضطهدون على م دار الت اريخ‪ ،‬ليحم وا أنفس هم‬
‫من تلك المحاكم التفتيشية التي ك انت تعق د لهم ك ل حين‪ ..‬إلى تقي ة أخ رى ممل وءة‬
‫بالكذب والدجل على الدين وعلى رسول هللا ‪ ‬وعلى األمة نفسها‪.‬‬
‫فالسلفية بمدارسهم المختلفة يطبقون ما قاله الشيخ ربيع المدخلي عن مدرس ة‬
‫من مدارس السلفية ينبزونها بـ(الحدادية)‪ ،‬في ذكر من مواص فات أص حابها‪( :‬التقي ة‬
‫الشديدة‪ ،‬فالرافضي يع ترف ل ك بأن ه جعف ري‪ ،‬ويع ترف ببعض أص وله‪ ،‬وعقائ ده‬
‫الفاسدة‪ ،‬وهؤالء ال يعترفون بأنهم حدادية‪ ،‬وال يع ترفون بش يء من أص ولهم‪ ،‬وم ا‬
‫ينطوون عليه)(‪)1‬‬
‫وهكذا نجد الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق يشهد على الشيخ ربيع المدخلي أن ه‬
‫يستعمل التقية إذا ما احتاج إليها‪ ،‬أو كما عبر عن ذلك بقوله‪( :‬ولما وقع الشيخ ربيع‬
‫فيما وقع فيه من وضع هذه األصول الفاسدة أوقع ه ه ذا في التن اقض المش ين‪ ،‬فب دأ‬
‫يكيل بمكيالين! ويقول الشيء ونقيضه‪ ،‬وينقلب من الضد إلى الض د‪ ،‬وي نزل أق وال‬
‫السلف في غير منازلها‪ ،‬بل ويضع القرآن والح ديث في غ ير مواض عه‪ ...‬وأص بح‬
‫يرى أن العدل مع ال دعاة والمص لحين من أص ول أه ل الب دع‪ ،‬وإه دار الحس نات‪،‬‬
‫والمؤاخ ذة ب الزالت من أص ول الس نة‪ ،‬وأص بح ي رى نفس ه مض طرًا إلى التقي ة‬
‫والتدليس)(‪)2‬‬
‫ب ل إن ه يش هد على أن ه ذه التقي ة مس لك س لفي يمارس ه الكث ير من ال دعاة‪،‬‬
‫فيقول‪( :‬لقد أوقع هذا المنهج الباط ل أتباع ه في التن اقض والكي ل بمكي الين‪ ،‬والحكم‬
‫في المس ألة الواح دة بق ولين متناقض ين‪ ،‬ول ذلك أص بح كث ير منهم من أه ل التقي ة‬
‫والكذب‪ ،‬فلهم أقوال في الس ر يب دعون به ا س ادات الن اس ال يس تطيعون قوله ا في‬
‫العلن)(‪)3‬‬
‫بل إنهم شرعوا ذلك‪ ،‬واعتبروا الكذب فيه وفي غيره جائزا‪ ،‬ألنهم في ح رب‬
‫مع األمة جميعا‪ ،‬والحرب خدع ة‪ ،‬وق د ق ال الش يخ علي الخض ير في بعض فت واه‪:‬‬
‫(وإنما جازت المخادعة في الحرب مع ما فيه ا من اإليه ام وإظه ار خالف الحقيق ة‬
‫ألن كون كل من المسلم والكافر قد نصب الحرب لصاحبه يدل داللة ص ريحة على‬
‫أنه يتربص به ويسعى للفتك به؛ بل يندب إليها كما يدل على ذلك ص ريح الح ديث‪،‬‬

‫‪ )(1‬كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني‪.37،‬‬


‫‪ )(2‬الرد الوجيز‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ )(3‬الرد الوجيز ‪ ،‬ص‪.38 :‬‬

‫‪7‬‬
‫واتفاق العلماء؛ ومفهوم الح رب في ه ذه األح اديث أعم من أن يقص ر على نص ب‬
‫القتال والتقاء الصفين وتقابل الزحفين‪ ..‬ومن الحرب حرب األفك ار‪ ،‬وهي أش د من‬
‫ح رب القت ال‪ ،‬فيجب اس تخدام الخدع ة ويب اح الك ذب فيه ا إلظه ار أه ل الب دع‬
‫والشركيات وأهل الفرق الباطلة من روافض وزنادق وأهل علمنة وحداثة وقرامطة‬
‫وغيرهم بمظهرهم المخزي لكي اليغ تر بهم ع وام المس لمين؛ وإظه ار أه ل الس نة‬
‫وأص حاب العقي دة الس ليمة بمظه رهم الالئ ق بهم‪ ..‬وله ذا فإن ه يج وز ل ك الك ذب‬
‫والشهادة وتغليظ اليمين لنصرة الدين اإلسالمي ونهجه القويم ونصرة أخيك المس لم‬
‫الصالح ممن يريدون به كيدًا؛ وإذالل أهل البدع والضالالت والفرق الفاسدة)(‪)1‬‬
‫وما ذكره الشيخ الخض ير ه و م ا يمارس ه الس لفية م ع خص ومهم من األم ة‬
‫جميعا‪ ،‬فهم يكذبون عليهم‪ ،‬ويقولونهم ما لم يقولوا‪ ،‬ويكفرونهم بكل أن واع التكف ير‪،‬‬
‫لكنهم ـ وحرص ا على س معتهم وعلى منهجهم الق ويم كم ا ي ذكر الش يخ الخض ير ـ‬
‫ينكرون كل ذلك إذا ما كان المقام ال يسمح لذلك‪.‬‬
‫وقد أشار الشيخ الفوازان إلى هذا‪ ،‬فقد س ئل ه ذا الس ؤال‪( :‬انتش ر الي وم بين‬
‫الشباب أنه يلزم الموازنة في النقد فيقول ون‪ :‬إذا انتق دت فالن ا من الن اس في بدعت ه‬
‫وبينت أخطاءه يلزمك أن تذكر محاسنه‪ ،‬وهذا من باب االنص اف والموازن ة‪ ،‬فه ل‬
‫هذا المنهج في النقد صحيح؟ وهل يلزمني ذكر المحاسن في حالة النقد؟)‬
‫فأجاب‪( :‬إذا كان المنتقد من أهل السنة والجماعة وأخط اؤه في االم ور ال تي‬
‫التخل بالعقيدة‪ ،‬فنعم‪ ،‬هذا تذكر ميزاته وحسناته‪ُ ،‬تغمر زّالته في نصرته للسنة‪ .‬أم ا‬
‫إذا كان المنتقد من أه ل الض الل ومن أه ل االنح راف ومن أه ل المب ادئ الهدام ة‬
‫والمش بوهة‪ ،‬فه ذا اليج وز لن ا أن ن ذكر حس ناته ‪ -‬اذا ك ان ل ه حس نات ‪ -‬ألنن ا إذا‬
‫ذكرناها فإن هذا يغرر بالناس فيحسنون الظن به ذا الض ال أو ه ذا المبت دع أو ه ذا‬
‫الخرافي أو الحزبي‪ ،‬فيقبلون أفكار ه ذا الض ال أو ه ذا المبت دع أو ذاك المتح زب‪.‬‬
‫وهللا جل وعال رّد على الكفرة والمجرمين والمنافقين ولم ي ذكر ش يئا من حس ناتهم‪،‬‬
‫وكذلك أئمة السلف يردون على الجهمية والمعتزلة وعلى أهل الضالل والي ذكرون‬
‫شيئا من حسناتهم‪ .‬ألن حسناتهم مرجوح ة بالض الل والكف ر وااللح اد والنف اق‪ .‬فال‬
‫يناسب انك ترد على ضال‪ ،‬مبتدع‪ ،‬منحرف‪ ،‬وتذكر حسناته وتقول هو رج ل طيب‬
‫عنده حسنات وعنده كذا‪ ،‬لكنه غلط‪ ..‬نق ول ل ك‪ :‬ثن اؤك علي ه أش د من ض الله‪ ،‬ألن‬
‫الناس يثقون بثنائك علي ه‪ ،‬ف إذا روجت له ذا الض ال المبت دع ومدحت ه فق د غ ررت‬
‫بالناس وهذا فتح باب لقبول أفكار المضللين)(‪)2‬‬
‫وهك ذا ن رى الس لفية يمارس ون ك ل أن واع الحي ل واألك اذيب والخ دع م ع‬
‫خصومهم‪ ،‬ويعت برون ذل ك مش روعا‪ ،‬ألن قي ام المنهج الس لفي عن دهم‪ ،‬وس يطرته‬
‫على مفاصل األمة هو الهدف الذي تسترخص في سبيله كل وسيلة‪.‬‬

‫‪ )( 1‬نقال عن مقال بعنوان‪ :‬متى يخلع شيوخ السعودية سراويلهم الغربية ‪ -‬شبكة المنطقة‪.‬‬
‫‪ )(2‬األجوبة المفيدة في أسئلة المناهج الجديدة‪.1/24 ،‬‬

‫‪8‬‬
‫وهكذا أيضا يخادعون حين يجادلون عن أنفسهم بأنهم ال يكفرون‪ ،‬مع أن كل‬
‫دواوينهم التي يقدسونها تمتلئ بالتكفير‪ ،‬بل هي أكبر مخزن للتكفير في العالم أجمع‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك االحتيال والخ داع الس لفي الموق ف من األش اعرة‪ ،‬وال ذين‬
‫يشكلون أكبر طائفة في األمة على مدار التاريخ‪ ،‬حيث تب نى م ذهبهم العق دي أك ثر‬
‫الشافعية والمالكية والحنابلة‪ ،‬فإننا لو طبقنا مقوالت سلف السلفية في الرمي بالتجهم‬
‫والتعطيل كل من أنكر العلو‪ ،‬أو عط ل الص فات ـ كم ا يفهمه ا الس لفية ـ ف إن الحكم‬
‫المرتبط بهم هو التكفير‪ ،‬لكنهم وبحكم كثرة األشاعرة‪ ،‬وكون السلطة الزمنية ك انت‬
‫للحك ام ال ذين يوال ونهم في ف ترات مختلف ة من الت اريخ تذب ذت مواق ف الس لفية‬
‫التصريحية ال الحقيقية‪ ،‬فلهذا إن ووجهوا ب أنهم يكف رون األش اعرة أخرج وا بعض‬
‫الفتاوى التي تبرئهم من ذلك‪ ،‬من أمثال قول ابن باز‪( :‬األشاعرة من أه ل الس نة في‬
‫غالب األمور‪ ،‬ولكنهم ليسوا منهم في تأويل الصفات‪ ،‬وليسوا بكفار‪ ،‬بل فيهم األئمة‬
‫والعلماء واألخيار‪ ،‬ولكنهم غلطوا في تأويل بعض الصفات‪ ،‬فهم خالفوا أه ل الس نة‬
‫في مسائل؛ منها تأويل غالب الصفات‪ ،‬وقد أخط أوا في تأويله ا‪ ،‬وال ذي علي ه أه ل‬
‫السنة والجماع ة إم رار آي ات الص فات وأحاديثه ا كم ا ج اءت من غ ير تأوي ل وال‬
‫تعطيل وال تحريف وال تشبيه)(‪)1‬‬
‫لكنهم يخفون فتاوى كثيرة البن باز نفسه تكفر كل من يق ول بق ول األش اعرة‬
‫في الجهة وغيرها‪ ،‬ومن أمثلة ذلك فتوى اللجنة الدائمة في السعودية برئاسة الش يخ‬
‫ابن باز نفسه عن سؤال ق ال ص احبه‪( :‬في ه ذه القري ة مس جد مبس ط ويجتم ع في ه‬
‫حوالى خمسمائه من المس لمين‪ ،‬ولكن لألس ف ف إن إم ام ه ذا المس جد يعتق د عقي دة‬
‫فاسدة وحلولية‪ ،‬يعتقد أن هللا في كل مكان‪ .‬وهناك كث ير من الخراف ات والب دع تق ام‬
‫بهذا المسجد غلبتني نفسي حتى تناقشت مع إمام هذا المسجد وط رحت علي ه األدل ة‬
‫وال براهين ب أن هللا في الس ماء مس تو على عرش ه وفي ه ذا إذ النكي ف والنمث ل‪..‬‬
‫وكذلك ذكرت له ليلة اإلسراء والمعراج وذكرت ل ه ح ديث الجاري ة‪ ،‬وك ذلك ﴿ِإَلْي ِه‬
‫َيْص َع ُد اْلَك ِلُم الَّطِّيُب َو اْلَع َم ُل الَّصاِلُح َيْر َفُعُه﴾ [فاطر‪ ]10 :‬ولم يقتنع بل ظل في عت وه‬
‫وعقيدته هذه وبالعلم أن هن اك مس جد آخ ر في ه ذه القري ة ويحم ل نفس الخراف ات‬
‫والبدع‪ ،‬حتى اآلن لم أطرح سؤالي‪ ،‬وسؤالي هو‪ ،‬هل يجوز لي أن أصلي خلف هذا‬
‫اإلمام أم ال ومع أني أحب أن أصلي صالة الجماعة؟)‬
‫فمع كون هذه العقيدة هي عقيدة كل المسلمين ـ بمن فيهم األش اعرة ـ م ا ع دا‬
‫السلفية‪ ،‬إال أن أكبر هيئة سلفية للفتوى‪ ،‬وتحت رئاسة الشيخ ابن باز نفس ه‪ ،‬أج ابت‬
‫عن ذلك بقولها‪( :‬إنهم كفار‪ ،‬وال تجوز الصالة خلفهم وال تصح)(‪)2‬‬
‫وهنا نتساءل أيهما نقبل‪ :‬هل تلك الفتوى الدبلوماسية ال تي ذكره ا ابن ب از أو‬
‫ابن عثيمين أو الفوزان‪ ،‬أو غيرهما‪ ،‬حتى ينفوا عن أنفسهم ما يصفهم به خص ومهم‬
‫من التكفير‪ ،‬أم مثل هذه الفتاوى ال تي تص رح بتكف يرهم‪ ،‬ب ل تجع ل الص الة خلفهم‬
‫‪ )(1‬مجموع فتاوى ابن باز ‪)256/ 28( ،‬‬
‫‪ )(2‬فتاوى اللجنة الدائمة (‪)365 /7‬‬

‫‪9‬‬
‫باطلة‪ ،‬مع أنهم يجوزون الصالة خلف كل بر وفاجر‪.‬‬
‫ومن الحي ل ال تي يس تعملها الس لفية في ه ذا الب اب م ا يس مونه ع دم تكف ير‬
‫المعين‪ ..‬ويقصدون بذلك أنهم ال يطلقون على أحد لقب الكفر‪ ،‬ولكن يصفون أعماله‬
‫أو مواقفه بالكفر‪ ،‬فيقولون مثال‪ :‬نحن ال نكفر األشاعرة وال الماتريدية‪ ..‬ولكن نكف ر‬
‫من ينكر الجهة‪ ،‬أو يقول بأن الحرف والصوت في القرآن الكريم مخل وق‪ ،‬أو يق ول‬
‫بتأويل الصفات‪ ..‬وهم يعلمون كما يعلم الناس جميعا أن هذه المقوالت هي مق والت‬
‫األشاعرة والماتريدية والمعتزلة وغيرهم‪ ،‬بل كل األمة‪ ،‬وهم يكف رونهم ب ذلك‪ ،‬لكن‬
‫م ع ع دم ذك ر االس م فق ط‪ ..‬وهي ال تغ ني في منط ق العق ل ش يئا‪ ،‬ألن المهم ه و‬
‫المسمى ال االسم‪..‬‬
‫وهكذا نجدهم يذكرون في بعض المحال ما يسمونه العذر بالجه ل‪ ..‬م ع أنهم‬
‫ال يؤمن ون ب ذلك‪ ،‬ب ل يذكرون ه فق ط من ب اب رف ع العتب عنهم عن دما يوص مون‬
‫ب التكفير‪ ،‬وهم يرفع ون ه ذا الع ذر عن ك ل جه ة يري دون إعالن الح رب عليه ا‪،‬‬
‫والحرب تبدأ عندهم بالتكفير‪.‬‬
‫ولهذا عندما احتاج الشيخ محمد بن عبد الوه اب وذريت ه وأتباع ه إلى إعالن‬
‫الحرب على عامة المسلمين‪ ،‬رد على هذه الشبهة‪ ،‬واستعمل التكفير المطلق‪ ،‬وحكم‬
‫على عامة المسلمين بالشرك‪ ،‬وقد ذك ر الش يخ علي بن خض ير الخض ير في كتاب ه‬
‫[الُم َتِم َم ة لكالم أئمة الدعوة في مسألة الجه ل في الش رك األك بر] الكتاب ات الكث يرة‬
‫التي ألفها أئمة الدعوة النجدية في الرد على تلك الش بهة‪ ،‬وإثب ات أن ك ل من وق ع ـ‬
‫في نظرهم ـ في الشرك األكبر مشرك عامي ا ك ان أو عالم ا‪ ،‬فق ال‪( :‬لم تظه ر ه ذه‬
‫الشبهة قبل عصر ابن تيمية‪ ،‬ألن ك ل من ادعى الع ذر ف إن أق دم م ا يس تدل ب ه من‬
‫األقوال كالم ابن تيمية أنه يعذر‪ ،‬ثم ظهرت هذه الشبهة في عصر الش يخ محم د بن‬
‫عب د الوه اب‪ ،‬وظه رت ه ذه الش بهة في زمن الش يخ محم د بن عب د الوه اب على‬
‫محورين‪1 :‬ـ أناس ضالل أثاروه ا ف رد عليهم في مفي د المس تفيد‪2 ،‬ـ أخ ف ألنه ا‬
‫ظهرت في أناس من ب اب االش تباه وك انوا يطلب ون الح ق‪،‬أمث ال بعض طالب ه في‬
‫الدرعية‪ ،‬وفي االحساء ثم خم دت فيم ا بع د‪ ،‬ثم ظه رت في الجي ل الث اني في زمن‬
‫الحفيد عبد الرحمن بن حسن‪ ،‬تبناها داود بن جرجيس وعثمان بن منصور فتصدى‬
‫لها الشيخ عبد الرحمن وساعده ابنه عبد اللطي ف في مص نفات معروف ة‪،‬وس اعدهم‬
‫أيضا الشيخ ابابطين‪ ،‬ثم ظهرت في الجيل الثالث فتصدى لها الشيخ إسحاق بن عبد‬
‫الرحمن والشيخ ابن سحمان في مصنفات وفتاوى وساعد على ذل ك أبن اء الش يخ‬
‫عبد اللطيف وهما عبد هللا وإبراهيم‪ ،‬والزالت موجودة وتتجدد كل عصر‪ ،‬وهن اك‬
‫في العص ر الحاض ر من أظه ر أن مس ألة الع ذر بالجه ل في الش رك االك بر فيه ا‬
‫خالف‪ ،‬ثم يحكي الخالف على ق ولين‪ ،‬وه ذا موج ود في بعض الكتب والم ذكرات‬
‫المعاصرة‪ ،‬مع أن ه إذا ذك ر الخالف الينس به إلى أح د‪ ،‬وإنم ا ينس به نس بة مطلق ة‪،‬‬
‫ومنشأ هذا الفهم هو ظنهم أن الش يخ محم د بن عب د الوه اب ل ه ق والن في المس ألة‬
‫حيث نظروا إلى بعض نصوص الشيخ محمد ففهموا منها العذر بالجهل‪ ،‬وهومب ني‬

‫‪10‬‬
‫على توهم وظن وفهم خاطئ‪ ،‬وهذا سوف نتكلم عليه إن شاء هللا في فص ول الحق ة‬
‫ونجيب فيها عمن فهم هذه النصوص على غير المراد ونذكر الفهم الص حيح ل ذلك)‬
‫(‪)1‬‬
‫وشبه الشيخ علي بن خضير الخض ير ه ذه المس ألة بمس ألة تكف ير الجهمي ة‪.‬‬
‫وهم يقصدون به كم ا ذكرن ا في مح ال مختلف ة جمي ع منزه ة األم ة من األش اعرة‬
‫والماتريدية والمعتزلة وغيرهم ـ فقال‪( :‬وهذه مثل مسألة من قال إن تكفير الجهمي ة‬
‫في ه خالف على ق ولين ثم يحكي الخالف وال ينس به إلى أح د إنم ا ه و ظن خ اطئ‬
‫مبني على فهم خاطئ لبعض كالم ابن تيمية‪ ..‬وهذا القائل لم يف رق بين اس تخدامات‬
‫ابن تيمية لمسمى الجهمي ة‪ ،‬فإن ه يختل ف حس ب الس ياق‪ ،‬وه ذه ظه رت في عص ر‬
‫الشيخ سليمان بن سحمان ف رد عليهم أن المس الة وفاقي ة في تكف ير الجهمي ة وليس‬
‫فيها خالف كما في كتابه رفع االلتباس وكتاب كشف الشبهتين)(‪)2‬‬
‫بناء على هذا نرى السلفية في مواقفهم من غيرهم يستعملون أسلوبين‪:‬‬
‫األول‪ :‬وضع قوانين التكفير‪ ،‬أو ما يسمونه نواقض اإليم ان‪ ،‬ويعت برون ك ل‬
‫من اتصف به ا ك افرا أو مش ركا أو مرت دا‪ ،‬ثم يرتب ون على ذل ك األحك ام العملي ة‬
‫المختلفة ابتداء من حرمة الصالة خلفه إلى قتل ه‪ ،‬وه ذا م ا نس ميه في كتابن ا ه ذا بـ‬
‫[التكفير المطلق]‪ ،‬وهم يتفقون في هذا س لفهم وخلفهم‪ ،‬ب ل يعت برون منك ر التكف ير‬
‫كافرا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬تطبيق تلك الق وانين والن واقض على آح اد الف رق والم ذاهب‪ ،‬أو م ا‬
‫يسمونه [تكفير المعين]‪ ،‬وهن ا يق ع الخالف بينهم على مدرس تين أو منهجين‪ ،‬منهج‬
‫يرى وجوب تسمية األشياء بأسمائها‪ ،‬ومنهج يرى األخ ذ بالتقي ة‪ ،‬مراع اة لألح وال‬
‫المختلفة‪ ،‬فلذلك يطبق قوانين التكفير في كل مرحلة بحسب م ا ت دعو إلي ه الحاج ة‪،‬‬
‫حتى ال تجتمع السلفية على حرب األمة جميعا في وقت واحد‪ ،‬فلهذا يعلنون الحرب‬
‫مرة على الصوفية‪ ،‬ومرة على الحركات اإلسالمية‪ ،‬ومرة على الشيعة وهكذا‪.‬‬
‫وهم في ك ل م رة يخرج ون من خ زائن س لفهم التكفيري ة‪ ،‬م ا يطبقون ه على‬
‫حسب كل حالة‪ ،‬ولهذا نراهم في الفترة األخ يرة يعلن ون ح ربهم على الش يعة‪ ،‬وفي‬
‫ف ترة س ابقة أعلنوه ا على الص وفية‪ ..‬ول و أن مش كلة حص لت بينهم أو بين أولي اء‬
‫أمورهم‪ ،‬واإلباضية‪ ،‬فإنهم سيتوجهون جميعا وبك ل ق واهم إلعالن الح رب عليهم‪،‬‬
‫واعتبارهم شرا من اليهود والنصارى‪.‬‬
‫وألهمية بيان هذه المناهج لفهم الخدع السلفية في ه ذا الب اب‪ ،‬فسنش رح ذل ك‬
‫باختصار‪ ،‬ليتضح ما سنذكره عن كل مدرسة وتكفير السلفية لها‪:‬‬
‫أوال ـ المنهج التكفيري الصريح‪:‬‬
‫وهو يعتمد على التصريح المباشر بالتكفير‪ ،‬وعلى تس مة األش ياء بأس مائها‪،‬‬
‫وأول من مثل هذا المنهج سلف السلفية األوائل‪ ،‬ومن تبعهم من أصحاب المصنفات‬
‫‪ )(1‬الُم َتِم َم ة لكالم أئمة الدعوة‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫‪ )(2‬الُم َتِم َم ة لكالم أئمة الدعوة‪ ،‬ص‪.4‬‬

‫‪11‬‬
‫األولى‪ ،‬وال تي تمث ل عن د الس لفية المص در األول لم ا يس مونه [اإلس الم الع تيق]‪،‬‬
‫والذي ال يكون سلفيا حقيقيا إال من سلم له وآمن به‪ ،‬واعتقد بما فيه‪ ..‬والذي نقله بعد‬
‫ذل ك ابن تيمي ة في كتب ه ونظ ر ل ه‪ ..‬ونقل ه في مرحل ة تالي ة الش يخ محم د بن عب د‬
‫الوهاب وتالميذه‪ ،‬وعلى أساسه قاموا بحروبهم على األمة بجميع مذاهبها‪.‬‬
‫ويمثل ه ذا المنهج في ك ل عص ر من العص ور جماع ة متش ددة من الس لفية‬
‫تتف ق في ك ل ش يء م ع الجماع ات األخ رى إال أنه ا تختل ف عنه ا فق ط في ع دم‬
‫مراعاتها للتقية‪ ،‬وهذا ما جعله ا تس بب حرج ا كب يرا للجماع ات الس لفية ال تي تتقن‬
‫التقية‪.‬‬
‫ثانيا ـ المنهج التكفيري الخفي‪:‬‬
‫وهي التي تمارس التكفير على ضوء الحاجة التي يتطلبها الواقع‪ ،‬ال على م ا‬
‫تنص عليه المعتقدات نفس ها‪ ،‬فهي تتف ق م ع المنهج األول في ك ل ش يء‪ ،‬وتختل ف‬
‫عنه فقط في استعمال التكفير أو اإلعالن به‪..‬‬
‫فلهذا إن بدا لها أن تعلن الحرب على الص وفية أخ رجت ميراثه ا الكث ير من‬
‫فتاوى السلف والخل ف في تكف ير الص وفية بطرقه ا جميع ا‪ ،‬وتض ليلهم واعتب ارهم‬
‫أكف ر من اليه ود والنص ارى‪ ..‬لكن إن رأت المص لحة أو ك ان الواق ع السياس ي ال‬
‫يسمح بذلك‪ ،‬فإنها تكف عنهم شرها‪ ،‬بل تعتبرهم من أهل السنة قصد المك اثرة على‬
‫األعداء‪.‬‬
‫وكمثال بسيط على ذل ك أن الش يخ محم د بن عب د الوه اب ال ذي ه و مرج ع‬
‫السلفية الحديثة‪ ،‬يصرح في كل كتب ه كم ا يص رح جمي ع تالمي ذه بتكف ير الص وفية‬
‫وع وام المس لمين والحكم بك ونهم مش ركين ش ركا جلي ا‪ ،‬لكنهم في ال وقت الح الي‪،‬‬
‫وبسبب انشغالهم بالحرب مع الشيعة‪ ،‬نجدهم يوقفون كل تلك الحملة‪ ،‬التي تفرغ لها‬
‫سلفهم‪ ،‬وقتل وا به ا آالف الن اس‪ ،‬ليعت بروا الع دو األك بر هم الرافض ة‪ ،‬وأن قض ية‬
‫الصحابة هي أك بر قض ية في ال دين‪ ..‬م ع أنهم لم يكون وا يهتم ون ب ذلك كث يرا في‬
‫الوقت الذي كانت عالقتهم فيه بمن يسمونهم الرافضة عالقة طيبة‪.‬‬
‫وهك ذا نج د أص حاب ه ذا المنهج يمارس ون ك ل أن واع الحيل ة والخ داع في‬
‫إظهار التكفير أو اإلسرار به‪ ،‬فإذا ما دعت الحاجة إلى ذلك أخرجوه‪ ،‬وإذا ما دعت‬
‫إلى ضده كتموه‪..‬‬
‫ويمثل هذا المنهج ابن تيمية باعتب ار الظ روف الش ديدة ال تي عاش ها‪ ،‬وال تي‬
‫جعلته يضطر لممارسة أنواع من التقية في التكفير‪ ،‬والتي أق ر أص حابه أنفس هم أن‬
‫ابن تيمية لم يمارس ذلك التمييع مع المبتدعة أو اإلرجاء إال بسببها‪.‬‬
‫ويمثل هذا المنهج خصوصا كل من ل ه عالق ة بالدول ة كهيئ ة كب ار العلم اء‪،‬‬
‫ونحوهم‪ ،‬والتي تصدر البيانات‪ ،‬أو الفتاوى بحسب ما تتطلبه حاج ة الس لطان‪ ،‬ف إن‬
‫قضى أمر الس لطان باعتب ار القاع دة خ وارج وكالب أه ل الن ار‪ ..‬س موهم ك ذلك‪..‬‬
‫وأص دروا الفت اوى التحذري ة منهم‪ ..‬وإن رأى الح اكم أن من مص لحتهم اس تخدام‬
‫هؤالء المسلحين‪ ،‬أصدرت تلك الهيئات الفتاوى باعتبارهم مجاهدين‪ ،‬ب ل دعت إلى‬

‫‪12‬‬
‫النفير العام ال ذي ت زود ب ه تل ك الجماع ات‪ ،‬ألنه ا أص ال لم تول د إال من رحم تل ك‬
‫الفتاوى‪.‬‬
‫وقد ذكر الشيخ حسن بن فرحان المالكي العوامل السياسية‪ ،‬وتأثيرها في ه ذا‬
‫المنهج‪ ،‬فقال‪( :‬العلماء من أواخر عه د ابن ب از ‪ ..‬ب دأت مرحل ة جدي دة في ه مالمح‬
‫مذهب جديد في العقيدة‪ ،‬يقوم هذا المذهب على التلفي ق بين أم رين‪ ..‬األول‪ :‬العقائ د‬
‫الوهابية والتيمية من جهة الوصية بمصادرها والتشدد من نق دها‪ ..‬الث اني‪ :‬التس امح‬
‫واالعتدال في المسائل السياسية فقط!‪ ...‬كاإلمساك عن تكفير الدول اإلسالمية وعن‬
‫تكفير الحاكم بالقوانين الوضعية وفي جواز الصلح مع اليهود‪ ...‬والتنص ل من تأيي د‬
‫الحركات اإلسالمية المحلية خاصة مع أنها ترجمة للعقائد الوهابية)(‪)1‬‬
‫بن اء على ه ذا ن رى أص حاب المنهج التكف يري الص ريح يتش ددون على‬
‫أص حاب ه ذا المنهج‪ ،‬وي ذكرون جهلهم ب المنهج الس لفي‪ ،‬وب أقوال الس لف‪،‬‬
‫وبممارستهم التقية حفاظا على مصالحهم‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك قول خال د بن علي المرض ي الغام دي في رس الته في‬
‫تكفير األشاعرة‪(:‬س ينكر علين ا بعض الجه ال بحقيق ة ال دين ومناط ات التكف ير من‬
‫الذين اتبعوا الهوى‪ ،‬فأس لموا عق ولهم للتقلي د وتق ديس الرج ال وتق ديم أق والهم على‬
‫األدلة تكفيرنا لألشاعرة‪ ،‬وسيظنون أنه اجتهاد من ا‪ ،‬م ع أن الس لف لم يخ الف منهم‬
‫أحد في تكفير منكر العلو بعينه والذي تتبجح به األشاعرة‪ ،‬ومن زعم وج ود خالف‬
‫فليأت بنقل واحد من كالم السلف يخالف ما قررناه‪ ،‬وإذا كان السيوطي ال ذي جم ع‬
‫بين التجهم ونفي علو هللا تعالى وبين االس تغاثة ب النبي ‪ ‬ودع اء األم وات ونس بة‬
‫التصرف في الكون لألبدال واألولياء أنكروا علينا تكفيره فال تعجب يا أخا التوحي د‬
‫أن ينكروا علينا تكفير األشعرية فلقد أنكروا علينا قبله تكفير الرافضة)(‪)2‬‬
‫ثم ذك ر بعض ه ؤالء‪ ،‬وبين أن ع ذرهم في ذل ك ه و ع دم ق راءتهم لل تراث‬
‫السلفي أو عدم فهمهم له‪ ،‬أو حرصهم على مناصبهم‪ ،‬وعلى عدم اته امهم ب التكفير‪،‬‬
‫فقال‪( :‬وإن من ه ؤالء المنك رين عب د العزي ز آل عب د اللطي ف‪ ،‬وإني ألعجب من ه‬
‫ومن أمثاله الذين اتخذوا التوحيد والدعوة الوهابية ستارا وش عارا‪ ،‬ف تراهم يق رؤون‬
‫في كتب التوحي د لكن دون فهمه ا واالس تفادة منه ا‪ ،‬وعلمهم به ا ال يتع دى ح دود‬
‫أسطر وصفحات الكتب دون الخروج ب ه عمال في واق ع حي اتهم‪ ،‬فش روط التوحي د‬
‫والكف ر بالط اغوت ون واقض اإلس الم ق د يحفظونه ا لكن ال يعمل ون بمعانيه ا‬
‫ومقتضاها وال يطبقونها في واقع حياتهم خوف ا من أن تص يبهم دائ رة وطلب ا للع زة‬
‫والشهرة والمال والمنصب والشرف عند أع داء هللا‪ ،‬فه ذا الرج ل ـ أع ني ابن عب د‬
‫اللطيف ـ أخرج كتابا عن دعاوى المناؤين لدعوة التوحيد لكن هو من المن اؤين له ا‬
‫في الحقيقة‪ ،‬وكأنه ال يعلم أن من دعا إلى الشرك أنه يكفر كائنا من كان)(‪)3‬‬

‫‪ )( 1‬نصيحة لشباب المسلمين في كشف غلو العلماء المعاصرين في المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪ )(2‬تكفير األشاعرة‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ )(3‬تكفير األشاعرة‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪13‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬فسنحاول في كتابنا هذا أن نذكر تكفير الس لفية لألم ة جميع ا‪،‬‬
‫إما تكفيرا مطلقا‪ ،‬أو تكفيرا معينا‪ ،‬وقد قسمنا هذه الدارسة إلى سبعة فصول‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ .1‬السلفية ‪ ..‬وتكفير المدارس العقدية‬
‫‪ .2‬السلفية ‪ ..‬وتكفير المدارس الفقهية‬
‫‪ .3‬السلفية ‪ ..‬وتكفير المدارس الصوفية‬
‫‪ .4‬السلفية ‪ ..‬وتكفير المدارس الحركية‬
‫‪ .5‬السلفية ‪ ..‬وتكفير المدارس الشيعية‬
‫‪ .6‬السلفية ‪ ..‬وتكفير المدرسة اإلباضية‬
‫‪ .7‬السلفية ‪ ..‬وتكفير المدارس السلفية‬
‫ونحب أن ننبه هنا ـ كما نبهنا مرات كثيرة في هذه السلسلة وغيره ا ـ أنن ا ال‬
‫نكفر هؤالء المكفرة‪ ،‬وال نتعامل معهم بمثل ما يتع املون ب ه م ع غ يرهم‪ ،‬ب ل نك ل‬
‫أمرهم إلى هللا تعالى‪ ،‬فمسؤولية المؤمن هو النصح واألم ر ب المعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ،‬أما الحكم على الناس‪ ،‬فهذا هلل تعالى أوال وآخرا‪ ،‬وإن كنا نعلم أن ج رائمهم‬
‫في حق هذه األم ة‪ ،‬ب ل في ح ق اإلنس انية جميع ا أض عاف جريم ة الكف ر‪ ..‬ف الكفر‬
‫واإليمان مسألة شخصية‪ ..‬لكن تشويه الدين‪ ،‬وتكفير الناس‪ ،‬وقتلهم جريمة متعدية‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫السلفية‪ ..‬وتكفير المدارس العقدية‬
‫ال ينظر السلفية إلى العقيدة اإلسالمية باعتبارها المج ال ال ذي من خالل ه تتم‬
‫معرفة حقائق الوجود كما هي في الواقع فقط‪ ،‬وإنما ينظرون إليه ا قب ل ذل ك وبع ده‬
‫كأهم وسيلة ترضي نزوة العداء التي تمتلئ بها نفوسهم‪ ،‬أو انتقلت لهم من أسالفهم‪.‬‬
‫ول ذلك نج دهم في كتبهم المس ندة ال تي تأسس ت علىه ا عقي دتهم‪ ،‬ال ي ذكرون‬
‫قضية من القضايا العقدية‪ ،‬حتى لو ك انت بس يطة ج دا‪ ،‬ب ل ح تى ل و ك انت مج رد‬
‫اجتهاد اجتهده بعض سلفهم المعصومين‪ ،‬إال ويعقبون عليها بأن منك ر ه ذه العقي دة‬
‫جهمي معطل زنديق كافر‪.‬‬
‫وبناء على هذا وضع خلفهم ومتأخروهم ما يسمونه ن واقض اإليم ان‪ ،‬وال تي‬
‫تشمل الكثير من األص ول والف روع ال تي خ الفهم فيه ا س ائر المس لمين‪ ،‬وال تي ل و‬
‫طبقت فإنها ستشمل األمة جميعا‪.‬‬
‫ومع كون تلك النواقض من الوضوح بحيث ال تحتاج إلى فتاوى عينية تتعلق‬
‫بكل طائفة أو مدرسة على حدة‪ ،‬إال أننا مع ذلك نج د الفت اوى والكتب الكث يرة ال تي‬
‫تكفر كل طائفة على حدة‪ ،‬وهو ما يسمونه التكفير العيني‪.‬‬
‫وبناء على هذا سنحاول في هذا الفص ل أن ن ذكر كال التكف يرين‪ ،‬وش مولهما‬
‫لجميع المدارس العقدي ة‪ ،‬م ا ع دا المدرس ة الس لفية‪ ،‬أو الم دارس ال تي لم يب ق له ا‬
‫وجود بسبب انصهارها في السلفية كالكرامية والمقاتلية وغيرها من الفرق المش بهة‬
‫والمجسمة‪.‬‬
‫وإن كن ا من ب اب المنط ق العلمي ال نحت اج إلى ذك ر التكف ير العي ني ألي‬
‫مدرسة‪ ،‬ما دام يشملها التكفير المطلق‪ ،‬ذل ك أن من ق ال‪[ :‬ك ل منتم للجامع ة طالب ا‬
‫كان أو أستاذا يحق له االستفادة من مكتبة الجامعة]‪ ،‬ف إن ذل ك ال يحت اج إلى تعلي ق‬
‫إعالنات أخرى تخص كل كلية أو قسم أو شخص على حدة‪.‬‬
‫وهكذا يفعل السلفية في التكفير المطلق‪ ،‬فهم يضعون مقدمة كلية عام ة تنص‬
‫على أن كل من قال بأن هللا ليس في جهة‪ ،‬أوذكر بأنه لم يتكلم بح رف وص وت‪ ،‬أو‬
‫اعتقد أنه ليس له يدان وساق‪ ،‬كافر معطل جهمي‪ ..‬وعند تط بيق ه ذه المقول ة على‬
‫الم دارس اإلس المية نج دهم جميع ا ينص ون عليه ا‪ ..‬فهم ي نزهون هللا عن الجه ة‬
‫والحرف والصوت واألعضاء وغير ذلك مما يعتبره السلفية صفات هللا تعالى‪.‬‬
‫والنتيجة الطبيعية له اتين المق دمتين‪ :‬ه و أن ك ل مدرس ة تق ول ب ذلك ك افرة‬
‫ومعطلة بن اء على المعتق دات الس لفية‪ ..‬ألن ذل ك يش به تمام ا ذل ك المث ال المنطقي‬
‫المعروف‪ :‬كل إنسان فان‪ ،‬وسقراط إنسان‪ ،‬إذن سقراط فان‪.‬‬
‫لكن السلفية نتيجة بغض هم للمنط ق‪ ،‬ونقض هم ل ه كم ا يتص ورون‪ ،‬يقع ون ـ‬
‫عم دا أو جهال ـ في الك ذب على أنفس هم‪ ،‬والك ذب على الن اس‪ ،‬ف إذا قي ل لهم‪ :‬أنتم‬
‫تكفرون األشاعرة مثال‪ ..‬يقولون‪ :‬نحن ال نكفرهم‪ ..‬فيقال لهم‪ :‬فأنتم تكفرون ك ل من‬

‫‪15‬‬
‫ينك ر الجه ة؟‪ ..‬فيقول ون‪ :‬أج ل‪ ..‬فيق ال لهم‪ :‬وه ل األش اعرة يقول ون بالجه ة؟‪..‬‬
‫فيقولون‪ :‬ال‪ ..‬فيقال لهم‪ :‬فهم كفار إذن بحسب مقدمتكم الكبرى‪ ..‬فيقول ون‪ :‬ال‪ ..‬نحن‬
‫لم نقل ذلك‪.‬‬
‫ولألسف فإن هذه المغالطات التي يضحك بها السلفيون على عقولهم وعق ول‬
‫البسطاء من أمثالهم جعلتنا ال نكتفي ب ذكر تكف يراتهم المطلق ة‪ ،‬وإنم ا نض يف إليه ا‬
‫تكفيراهم العينية التي شملت مدارس األمة جميعا‪ ،‬لنلزمهم بما ألزموا به أنفسهم‪.‬‬
‫أوال ـ التكفير المطلق‪:‬‬
‫يضع السلفية ـ كما ذكرنا ـ الكثير من نواقض اإليمان التي تجعل من يقع فيها‬
‫كافرا أو مشركا أو جهميا أو معطال‪ ،‬وغيرها من التس ميات ال تي ي راد منه ا الكف ر‬
‫الجلي المخ رج من المل ة‪ ،‬وهم يرك زون ك ل جه ودهم التكفيري ة على المس ائل‬
‫الخالفية‪ ،‬فلم أر مع كثرة مطالعتي لمصادرهم أي كالم تكف يري يرتب ط بأس ماء هللا‬
‫الحسنى‪ ،‬أو الحقائق العقدي ة الض رورية‪ ،‬باعتب ار ك ل الم دارس اإلس المية ت ؤمن‬
‫بذلك‪ ،‬وهم ال يهتمون بإيمان األمة‪ ،‬وإنما يهتمون بإيمان الطائف ة‪ ..‬ول ذلك احتق روا‬
‫وتس اهلوا فيم ا يس مونه توحي د الربوبي ة‪ ،‬وعظم وا م ا يس مونه توحي د األلوهي ة‬
‫واألسماء والصفات‪ ،‬باعتبارها المداخل الكبرى للحكم على األمة بالشرك والكفر‪.‬‬
‫بن اء على ه ذا فس أكتفي هن ا بثالث قض ايا ك برى تم بموجبه ا تكف ير ك ل‬
‫المدارس العقدي ة التنزيهي ة لألم ة‪ :‬أوله ا‪ ،‬م ا يس ميه الس لفية العل و‪ ،‬أو الجه ة‪ ،‬أو‬
‫المكان‪ ،‬والثاني‪ :‬تعطيل الصفات‪ ،‬والثالث‪ :‬القول بخلق القرآن‪.‬‬
‫فكتب السلفية جميعا التي يعتبرونها مصادرهم العقدية‪ ،‬تمتلئ بتكفير كل من‬
‫يخالفهم في هذه المسائل الثالث‪ ،‬كما سنرى‪.‬‬
‫وقد أشار ابن تيمية إلى ه ذا عن دما ذك ر موض ع ال نزاع بين أه ل الح ديث‪،‬‬
‫وبين سائر المتكلمين‪ ،‬فقال‪..(:‬إن أمهاِت المسائل التى خالف فيها متأخرو المتكلمين‬
‫ممن ينتحل مذهب مذهب األشعرى ألهل الح ديث ثالُث مس ائل‪ :‬وص ُف هللا ب العلو‬
‫على العرش‪ ،‬ومسألة القرآن‪ ،‬ومسألة تأويل الصفات)(‪)1‬‬
‫وسنتحدث هنا عن هذه القضايا بحسب الترتيب الذي ذكره ابن تيمية‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ نفي الجهة والمكان‪:‬‬
‫يعتبر الس لفية تحدي د [جه ة هللا] من أعظم المس ائل العقدي ة‪ ،‬وله ذا يقوم ون‬
‫بامتحان الناس على أساسها‪ ،‬فمن أثبت الجهة اعتبروه مؤمنا وموحدا وسنيا وسلفيا‪،‬‬
‫ومن خالفهم فيها اعتبروه جهميا ومعطال وكافرا وملحدا‪.‬‬
‫بل قد نقلوا إجم اع األم ة على ذل ك‪ ،‬وه و ي دل على أنهم ال يعت برون األم ة‬
‫غ يرهم‪ ..‬فمن ع داهم من األم ة من المتكلمين والص وفية وغ يرهم من المنزه ة ال‬
‫يعتبرونهم ـ بسبب عدم قولهم بالجهة ـ من هذه األمة‪ ،‬فضال عن اعتب ارهم من أه ل‬
‫السنة‪.‬‬
‫يقول أحد متقدميهم‪ ،‬وهو قتيبة بن س عيد (‪ 240-150‬هـ)‪( :‬ه ذا ق ول االئم ة‬
‫‪ )(1‬مجموع الفتاوى‪.6/354 ،‬‬

‫‪16‬‬
‫في اإلسالم والسنة والجماعة‪ :‬نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه‪ ،‬كما ق ال‬
‫جل جالله‪:‬الرحمن على العرش استوى)‪ ،‬وقد علق عليه الذهبي بقوله‪( :‬فه ذا قتيب ة‬
‫في إمامته وصدقه قد نقل اإلجماع على المس ألة‪ ،‬وق د لقي مالك ا والليث وحم اد بن‬
‫زيد‪ ،‬والكبار وعمر دهرا وازدحم الحفاظ على بابه)(‪)1‬‬
‫وق ال ابن بط ة العك بري (‪ 387-304‬هـ) في كتاب ه المش هور [اإلبان ة عن‬
‫شريعة الفرقة والناجية]‪( :‬باب اإليمان ب أن هللا على عرش ه ب ائن من خلق ه وعلم ه‬
‫محيط بخلقه‪ :‬أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين وجميع أهل العلم من المؤمنين‬
‫أن هللا تبارك وتعالى على عرشه فوق سمواته بائن من خلق ه وعلم ه محي ط بجمي ع‬
‫خلقه‪ ،‬وال يأبى ذلك وال ينكره إال من انتحل مذاهب الحلولية وهم قوم زاغت قلوبهم‬
‫واستهوتهم الشياطين فمرقوا من الدين وقالوا‪ :‬إن هللا ذاته ال يخلو منه مكان)(‪)2‬‬
‫وهكذا فإنهم يعتبرون كل من يخالفهم في هذا حلوليا زائغ ا مارق ا من ال دين‪،‬‬
‫حتى ل و ك ان يس تند في ه ذا إلى م ا نص علي ه الق رآن الك ريم من اس تحالة الجه ة‬
‫والمكان هلل كما قال تعالى‪َ﴿ :‬م ا َيُك وُن ِم ْن َنْج َو ى َثاَل َثٍة ِإاَّل ُه َو َر اِبُعُهْم َو اَل َخ ْمَس ٍة ِإاَّل‬
‫ُه َو َس اِد ُس ُهْم َو اَل َأْد َنى ِم ْن َذ ِل َك َو اَل َأْكَث َر ِإاَّل ُه َو َم َع ُهْم َأْيَن َم ا َك اُنوا ُثَّم ُيَنِّبُئُهْم ِبَم ا‬
‫َع ِم ُلوا َيْو َم اْلِقَياَم ِة ِإَّن َهَّللا ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌم ﴾ [المجادلة‪ ،]7 :‬وقال‪َ﴿ :‬و َلَقْد َخ َلْقَنا اِإل نَس اَن‬
‫َو َنْع َلُم َم ا ُتَو ْس ِو ُس ِبِه َنْفُسُه َو َنْح ُن َأْقَر ُب ِإَلْيِه ِم ْن َح ْبِل اْلَو ِريِد ﴾ [ق ‪ ،]16‬وغيره ا من‬
‫اآليات الكريمة‪.‬‬
‫وق د ذك ر ابن عب د ال بر (ت ‪ 463‬هـ) وه و من أئم ة الس لفية المعت برين في‬
‫العقائد مخالفة األمة جميعا لهم في هذا‪ ،‬فقال ـ بعد ذكر حديث ال نزول‪( :‬وفي ه دلي ل‬
‫على أن هللا ع ز وج ل في الس ماء على عرش ه من ف وق س بع س موات كم ا ق الت‬
‫الجماعة وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم إن هللا عز وجل في كل‬
‫مكان وليس على العرش)(‪ ،)3‬وقال‪( :‬أهل الس نة مجمع ون على اإلق رار بالص فات‬
‫الواردة كلها في القرآن والسنة‪ ،‬واإليمان بها وحملها على الحقيق ة ال على المج از‪،‬‬
‫إال انهم ال يكيفون شيئا من ذلك وال يح دون في ه ص فة محص ورة وأم ا أه ل الب دع‬
‫والجهمي ة والمعتزل ة كله ا والخ وارج فكلهم ينكره ا وال يحم ل ش يئا منه ا على‬
‫الحقيقة‪ ،‬ويزعمون أن من أقر بها مشبه‪ ،‬وهم عند من أثبتها نافون للمعبود‪ ،‬والح ق‬
‫فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب هللا وسنة رسوله وهم أئمة الجماع ة والحم د هلل)‬
‫(‪)4‬‬
‫وهم ال يكتف ون بنق ل اإلجم اع على المس ألة‪ ،‬وع دم اعتب ار من ورد عن ه‬
‫خالفه ا‪ ،‬وهم أك ثر األم ة‪ ،‬ب ل يض يفون إلى ذل ك م ا ش اءت لهم ع دوانيتهم من‬
‫التصريحات التكفيرية التي ال تحتمل أي مجال للتأويل‪.‬‬
‫ومن أمثلتها قول ابن خزيمة (ت ‪ 311‬هـ)‪( :‬من لم يقل بأن هللا فوق سمواته‪،‬‬
‫مختصر العلو‪ ،‬ص ‪.187‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫اإلبانة‪.136 /3 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫فتح البر بترتيب التمهيد‪.7 /2 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫فتح البر بترتيب التمهيد‪.2/48 ،‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪17‬‬
‫وأنه على عرشه‪ ،‬بائن من خلقه‪ ،‬وجب أن يستتاب‪ ،‬فإن تاب وإال ضربت عنق ه‪ ،‬ثم‬
‫ألقي على مزبلة لئال يتأذى بنتن ريحه أهل القبلة وال أهل الذمة)‪ ،‬وقال‪( :‬من لم يقر‬
‫بأن هللا على عرشه قد استوى‪ ،‬فوق سبع سمواته فهو كافر حالل ال دم‪ ،‬وك ان مال ه‬
‫فيئا)(‪)1‬‬
‫وق د نق ل ابن تيمي ة اإلجم اع على م ا قال ه ابن خزيم ة‪ ،‬حيث ق ال في (درء‬
‫تعارض العقل والنقل)‪( :‬وجواب هذا أن يقال القول بأن هللا تعالى فوق العالم معل وم‬
‫باالضطرار من الكتاب والس نة وإجم اع س لف األم ة‪ ..‬وله ذا ك ان الس لف مطبقين‬
‫على تكفير من أنكر ذلك‪ ،‬ألنه عندهم معلوم باالضطرار من الدين)(‪)2‬‬
‫وقال في (مجموع الفتاوى) كعادته في نقل إجماع أه ل المل ل والنح ل‪( :‬وق د‬
‫اجتمع أهل األدي ان م ع المس لمين على أن هللا تع الى على الع رش‪ ،‬وق الوا هم ليس‬
‫على العرش شىء وقال محمد بن اسحاق بن خزيمة ام ام األئم ة من لم يق ل‪ :‬إن هللا‬
‫فوق سمواته على عرش ه ب ائن من خلق ه وجب أن يس تتاب ف ان ت اب واال ض ربت‬
‫عنقه ثم ألقى على مزبلة لئال يتأذى به اهل القبلة وال أهل الذمة‪)3()...‬‬
‫وهكذا نجد المتأخرين من الس لفية يعت برون إنك ار الجه ة كف را وحل وال م ع‬
‫علمهم أن كل المدارس اإلسالمية العقدية تقول بذلك‪ ،‬قال الشيخ سليمان بن س حمان‬
‫في (كشف الشبهتين)‪( :‬وإذا كان أعداء هللا الجهمية‪ ،‬وعب اد القب ور ق د ق امت عليهم‬
‫الحجة‪ ،‬وبلغتهم الدعوة‪ ،‬منذ أعصار متطاولة‪ ،‬ال ينكر هذا إال مكابر‪ ،‬فكي ف ي زعم‬
‫هؤالء الجهلة أنه ال يقال ألحدهم‪ :‬يا كافر‪ ،‬ويا مشرك‪ ،‬ويا فاسق‪ ،‬وي ا متع ور‪ ،‬وي ا‬
‫جهمي‪ ،‬ويا مبتدع وقد قام به الوصف الذي صار به كافرًا‪ ،‬أو مشركًا‪ ،‬أو فاسقًا‪ ،‬أو‬
‫مبتدعًا وقد بلغته الحجة‪ ،‬وق امت علي ه‪ ،‬م ع أن ال ذي ص در من القبوري ة الجهمي ة‬
‫هؤالء لم يكن من المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على اإلنسان َفُيَتوَّقف في حال‬
‫أحدهم‪ ،‬لكن قد علم بالض رورة من دين اإلس الم أن من جح د عل وا هللا على خلق ه‪،‬‬
‫وأنكر صفاته ونعوت جالله أن ه ك افر معط ل ال يش ك في ذل ك مس لم‪ ،‬فكي ف يظن‬
‫باإلخوان أنهم يقول ون للمس لم ي ا س ني‪ :‬ي ا جهمي‪ ،‬وليس ك ذلك‪ ،‬أو ي ا ك افر أو ي ا‬
‫مبتدع)(‪)4‬‬
‫وقال‪( :‬وإذا أنكر هذا الصنف علو هللا على خلقه فهم كفار‪ ،‬ألن هللا تع الى في‬
‫أعلى عل يين‪ ،‬وأن ه ي دعى من أعلى ال من أس فل‪ ،‬ومن زعم أن االس تواء بمع نى‬
‫االستيالء أو القدرة على األشياء كما تقوله الجهمي ة فق د جح د عل و هللا على خلق ه‪،‬‬
‫ألن هللا مستول على األشياء كلها وقادر عليها فلو كان مستويا على الع رش بمع نى‬
‫االستيالء وهو عز وجل مستول على األشياء كلها لكان مستويا على الع رش وعلى‬
‫األرض وعلى الس ماء وعلى الحش وش واألق ذار ألن ه ق ادر على األش ياء مس تول‬

‫انظر‪ :‬درء تعارض العقل والنقل ‪.264 /6‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫درء تعارض العقل والنقل‪)7/27( ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجموع الفتاوى‪)5/138( ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫كشف الشبهتين ص‪.31 :‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪18‬‬
‫عليه‪ ،‬وإذا كان قادرا على األشياء كلها ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقولوا إن‬
‫هللا مستو على الحشوش واألخلية لم يجز أن يكون االستواء على العرش االس تيالء‬
‫الذي هو عام في األشياء كلها ووجب أن يكون معنى االستواء يختص الع رش دون‬
‫األشياء كلها وقد كان من المعلوم بالضرورة أن االستواء هو العل و واالرتف اع على‬
‫العرش وعلى جميع المخلوقات فمن زعم أن االستواء بمعنى االستيالء أو غير ذلك‬
‫من تفاسير الجهمية فقد جح د عل و هللا على خلق ه واس تواءه على عرش ه وال ينفع ه‬
‫اإلقرار بلفظ االستواء على العرش مع جحود معناه وصرفه عن ظ اهره وم ا يلي ق‬
‫به إلى ما ال يليق به‪ ،‬فإذا ت بين ل ك ه ذا علمت أن ه ذا الص نف هم جه ال المقل دين‬
‫للجهمية وأنه ال خالف في تكفيرهم)(‪)1‬‬
‫وقال‪( :‬إذا عرفت هذا فمسألة علو هللا على خلقه من المسائل الجلية الظ اهرة‬
‫ومما علم بالضرورة فإن هللا ق د وض حها في كتاب ه وعلى لس ان رس وله وهي مم ا‬
‫فطر هللا عليها جميع خلقه إال من اجتالته الش ياطين عن فطرت ه واتب ع ه واه وأخل د‬
‫إلى األرض وكالم ش يخ اإلس الم إنم ا يعرف ه ويدري ه من م ارس كالم ه وع رف‬
‫أصوله فإنه قد ص رح في غ ير موض ع أن الخط أ والجه ل ق د يغف را لمن لم يبلغ ه‬
‫الشرع ولم تقم عليه الحجة في مس ائل مخصوص ة إذ اتقى هللا م ا اس تطاع واجته د‬
‫بحسب طاقته وأين التقوى وأين االجتهاد الذي يدعيه عباد القبور والداعون للم وتى‬
‫والغ ائبين والمعطل ون للص انع عن عل وه على خلق ه واس تواءه على عرش ه ونفى‬
‫أسماءه وصفات كماله ونعوت جالله والقرآن يتلى في المساجد والمدارس وال بيوت‬
‫ونصوص السنة النبوية مجموعة مدونة معلومة الصحة والثبوت)(‪)2‬‬
‫وهذه النصوص وح دها كافي ة في الدالل ة على تكف ير الس لفية لمخ الفيهم من‬
‫جميع األمة اإلسالمية من أشاعرة وماتريدية ومعتزلة فضال عن الشيعة واإلباض ية‬
‫وغيرهم‪ ..‬ألن هؤالء جميعا يقولون بنفي الجهة عن هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ القول بخلق القرآن‪:‬‬
‫يعتبر السلفية القول بخلق القرآن من أخطر المسائل العقدية‪ ،‬وله ذا يوظفون ه‬
‫توظيفا خطيرا في تكفير من عداهم من األم ة‪ ،‬ح تى المتوقف ون منهم ال ذي يكتف ون‬
‫باعتبار القرآن الكريم كالم هللا من غير إضافة الخلق أو عدمه‪.‬‬
‫بل إن السلفية يشترطون في اإليمان أن يعتقد المؤمن عن دهم أن الق رآن كالم‬
‫هللا تكلم به بفمه الذي هو صفة ذاته‪ ..‬كما قال قال أب و يعلى‪( :‬اعلم أن ه غ ير ممتن ع‬
‫إطالق الفي عليه سبحانه‪ ،‬كما لم يمتنع إطالق اليد والوجه والعين‪ ،‬وق د نص أحم د‬
‫على ذل ك في رس الة أبي العب اس أحم د بن جعف ر الفارس ي‪ :‬فق ال‪ :‬كلم هللا موس ى‬
‫تكليما من فيه)(‪ ..)3‬ورووا عن بعض سلفهم في ذل ك أن ه س ئل‪( :‬كي ف كلم هللا ع ز‬

‫‪ )(1‬تمييز الحق والمين ‪ ،‬ص ‪139‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ )(2‬تمييز الحق والمين ‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫‪ )(3‬إبطال التأويالت‪ ،‬ص‪.387 :‬‬

‫‪19‬‬
‫وجل موسى عليه السالم؟ قال‪ :‬مشافهة)(‪ ،)1‬ورووا عن رسول هللا ‪ ‬أنه قال‪( :‬كأن‬
‫الخلق لم يسمعوا القرآن حين سمعوه من فيه يوم القيامة)(‪)2‬‬
‫وروى اإلمام أحمد في كتابه (الرد على الجهمية والزنادقة) في [باب بيان ما‬
‫أنكرت الجهمية من أن يكون هللا كلم موسى] من ح ديث الزه ري قول ه‪( :‬لم ا س مع‬
‫موسى كالم ربه قال‪ :‬يا رب هذا الذي سمعته هو كالم ك؟ ق ال‪ :‬نعم ي ا موس ى ه و‬
‫كالمي‪ ،‬إنما كلمتك بقوة عشر آالف لس ان‪ ،‬ولي ق وة األلس ن كله ا‪ ،‬وأن ا أق وى من‬
‫ذلك‪ ،‬وإنما كلمتك على قدر ما يطيق بدنك‪ ،‬ولو كلمت ك ب أكثر من ذل ك لمت‪ ..‬ق ال‪:‬‬
‫فلما رجع موسى إلى قومه ق الوا ل ه‪ :‬ص ف لن ا كالم رب ك؟ ق ال‪ :‬س بحان هللا وه ل‬
‫أستطيع أن أصفه لكم‪ .‬قالوا‪ :‬فشِّبهه؟ قال‪ :‬هل سمعتم أصوات الصواعق ال تي تقب ل‬
‫في أحلى حالوة سمعتموها فكأنه مثله)(‪)3‬‬
‫وقال أب و الفض ل التميمي في اعتق اد اإلم ام أحم د –وه و ال ذي يعتم د علي ه‬
‫األشعريان في نقل معتقده‪( :-‬وكان يقول‪ :‬إن الق رآن كي ف تص رف غ ير مخل وق‪،‬‬
‫وأن هللا تعالى تكلم بالصوت والحرف)(‪)4‬‬
‫وبناء على هذا‪ ،‬فقد وضعوا الشروط الكثيرة المرتبطة باعتبار القرآن الكريم‬
‫كالم هللا‪ ،‬وهي كله ا ترج ع إلى تش بيه قراءتن ا للق رآن الك ريم بتكلم هللا ب ه‪ ..‬وك أن‬
‫مخارج حروفنا والهواء الذي يصدر من أجهزتنا عندما نتكلم‪ ،‬والذي يحصل بس ببه‬
‫الكالم هو نفسه يقع هلل سبحانه وتعالى عما يقولون علوا عظيما‪.‬‬
‫ولهذا نراهم يبالغون فيما يسمونه محنة خلق الق رآن الك ريم مبالغ ة عظيم ة‪،‬‬
‫وكأن اإلسالم كاد ينهد لوال وقوف سلف السلفية كالجدار المنيع دون تلك الفتنة التي‬
‫كادت تقضي على القرآن الكريم‪.‬‬
‫أو كما عبر على ذلك بعضهم‪ ،‬فق ال‪( :‬ل وال أحم د بن حنب ل وب ذل نفس ه لم ا‬
‫بذلها لذهب اإلسالم)(‪)5‬‬
‫هَّللا‬
‫أو كما يروون عن علي بن المديني قوله‪( :‬أيد هذا الدين ب رجلين ال ث الث‬
‫لهما أبو بكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل ِفي يوم المحنة)(‪)6‬‬
‫ويروون أن ه قي ل لبش ر بن الح ارث ي وم ض رب أحم د‪ :‬ق د وجب علي ك أن‬
‫تتكلم‪ ،‬فقال‪( :‬تريدون مني مقام األنبياء ليس ه ذا عن دي‪ ..‬حف ظ هَّللا أحم د بن حنب ل‬
‫من بين يديه ومن خلفه) ثم َقاَل بعد ما ض رب أحم د لق د أدخ ل الك ير فخ رج ذهب ة‬
‫حمراء(‪.)7‬‬

‫‪ )(1‬الطبري في التفسير‪.6/29 ،‬‬


‫إبطال التأويالت (ص‪)387 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الرد على الجهمية والزنادقة (ص‪)132‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫طبقات الحنابلة (‪)2/296‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪ )(5‬طبقات الحنابلة (‪)13 /1‬‬
‫‪ )(6‬طبقات الحنابلة (‪)13 /1‬‬
‫‪ )(7‬طبقات الحنابلة (‪)13 /1‬‬

‫‪20‬‬
‫ويروون عن الربيع بن سليمان أن الشافعي قال‪( :‬من أبغض أحم د بن حنب ل‬
‫فهو كافر) فقيل له‪ :‬تطل ق علي ه اس م الكف ر‪ ،‬فق ال‪( :‬نعم من أبغض أحم د بن حنب ل‬
‫عاند السنة‪ ،‬ومن عاند السنة قصد الصحابة‪ ،‬ومن قص د الص حابة أبغض الَّنِبّي ‪‬‬
‫ومن أبغض الَّنِبّي ‪ ‬كفر باهلل العظيم)(‪)1‬‬
‫وهكذا أصبح أحمد بن حنبل عند السلفية بسبب هذه المسألة نبي ا‪ ،‬يمتحن على‬
‫أساسه إيمان المؤمنين‪ ،‬فمن أحبه كان مؤمنا‪ ،‬ومن أبغضه كان كافرا‪.‬‬
‫وبناء على هذا ينطلق السلفية من إمامهم أحمد بن حنب ل في تكف ير من يق ول‬
‫بخل ق الق رآن‪ ،‬أو من يتوق ف في ذل ك‪ ،‬أو من يق ول ب أن الح روف واألص وات‬
‫مخلوقة‪ ،‬وهذه جميعا أقوال أصحاب المدارس اإلس المية الك برى‪ ،‬كم ا س نرى في‬
‫المبحث الثاني‪.‬‬
‫ومن األقوال التي يروونها عن اإلمام أحمد في ذلك ما رواه ابنه عبد هللا قال‪:‬‬
‫(س ألت أبي رحم ه هللا عن ق وم‪ ،‬يقول ون‪ :‬لم ا كلم هللا ع ز وج ل موس ى لم يتكلم‬
‫بصوت؟ فقال أبي‪ :‬بلى إن ربك عز وجل تكلم بصوت ه ذه األح اديث نرويه ا كم ا‬
‫جاءت)‪ ..‬وقال أبي رحمه هللا‪ :‬ح ديث ابن مس عود‪ :‬إذا تكلم هللا ع ز وج ل س مع ل ه‬
‫صوت كجر السلس لة على الص فوان‪ ،‬ق ال أبي‪ :‬وه ذا الجهمي ة تنك ره‪ ..‬وق ال أبي‪:‬‬
‫هؤالء كفار يريدون أن يموهوا على الناس‪ ،‬من زعم أن هللا عز وج ل لم يتكلم فه و‬
‫كافر‪ ،‬أال إنا نروي هذه األحاديث كما جاءت)(‪)2‬‬
‫وروى أبو بكر الخالل عن المروذي قال‪( :‬سمعت أب ا عب د هللا وقي ل ل ه‪ :‬أن‬
‫عبد الوهاب قد تكلم وقال‪ :‬من زعم أن هللا كلم موس ى بال ص وت فه و جهمي ع دو‬
‫هللا وعدو اإلسالم‪ ،‬فتبسم أبو عبد هللا وقال‪ :‬ما أحسن ما قال عافاه هللا)(‪)3‬‬
‫وبن اء على ه ذا نص ك ل س لف الس لفية وخلفهم على كف ر من يق ول بخل ق‬
‫الق رآن‪ ،‬يق ول إم ام الس لفية في عص ره أب و محم د الحس ن بن علي البربه اري (‬
‫‪329‬هـ)‪( :‬واإليمان ب أن هللا تب ارك وتع الى ه و ال ذي كلم موس ى بن عم ران ي وم‬
‫الطور‪ ،‬وموسى يسمع من هللا الكالم بصوت وقع في مسامعه منه ال من غيره‪ ،‬فمن‬
‫قال غير هذا‪ ،‬فقد كفر باهلل العظيم)(‪)4‬‬
‫وقال حافظ بن أحمد الحكمي‪( :‬القرآن (ليس بمخلوق) كما يقول الزنادق ة من‬
‫الحلولية واالتحادية والجهمية والمعتزلة وغيرهم تعالى هللا عن أن يك ون ش يء من‬
‫صفاته مخلوقًا‪ ..‬وقد انعقد إجماع سلف األمة الذين قضوا بالحق وبه ك انوا يع دلون‬
‫على تكفير من قال بخلق القرآن وذلك ألن ه ال يخل و قول ه من إح دى ثالث‪ :‬إم ا أن‬
‫يقول إنه خلقه في ذاته أو في غيره أو منفص ال مس تقال وك ل الثالث كف ر ص ريح‪،‬‬
‫‪ )(1‬طبقات الحنابلة (‪)13 /1‬‬
‫رواه عبد هللا في السنة (‪)281-1/280‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫نقله ابن تيمية في شرح األص فهانية (‪ )64‬وفي درء تع ارض العق ل والنق ل (‪ )2/39‬وفي الفت اوى الك برى (‬‫‪)(3‬‬
‫‪)5/165‬‬
‫شرح السنة (ص‪)90‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪21‬‬
‫ألنه إن قال خلقه في ذاته فق د جع ل ذات ه محال للمخلوق ات‪ ،‬وإن ق ال إن ه خلق ه في‬
‫غيره فهو كالم ذلك الغير فيكون القرآن على هذا كالم ت اٍل ل ه‪ ..‬وإن ق ال إن ه خلق ه‬
‫منفصال مستقال فهذا جحود لوجوده مطلقا إذ ال يعق ل وال يتص ور كالم يق وم ب دون‬
‫متكلم كما ال يعقل سمع بدون سميع وال بصر بدون بص ير وال علم ب دون ع الم وال‬
‫إرادة بدون مريد وال حياة بدون حي إلى غير ذل ك تع الى هللا عم ا يق ول الظ المون‬
‫والجاحدون علوا كبيرا‪ ،‬فه ذه الثالث ال خ روج لزن ديق منه ا وال ج واب ل ه عنه ا‬
‫فبهت الذي كفر وهللا ال يهدي القوم الظالمين وقطع دابر القوم الذين ظلم وا والحم د‬
‫هلل رب العالمين)(‪)1‬‬
‫بل إن سلف السلفية وخلفهم لم يكتفوا بتكفير من يقول بخلق القرآن‪ ،‬بل ذهبوا‬
‫إلى تكفير من توقف في تكفيره‪..‬‬
‫حيث يروون عن يحيى بن خلف المقرئ قول ه‪( :‬أتيت الكوف ة فلقيت أب ا بك ر‬
‫بن عياش؛ فسألته‪ :‬ما تقول في من قال‪ :‬الق رآن مخل وق؟ فق ال‪ :‬ك افر‪ ،‬وك ل من لم‬
‫يقل‪ :‬إنه كافر؛ فهو كافر‪ .‬ثم ق ال‪ :‬أُيش ك في اليه ودي والنص راني؛ أنهم ا ك افران؟‬
‫فمن شك في هؤالء أنهم كفار؛ فهو كافر‪ ،‬والذي يقول‪ :‬القرآن مخلوق‪ .‬مثلهما)(‪)2‬‬
‫ويروون عن يزيد بن ه ارون قول ه‪( :‬من ق ال‪ :‬الق رآن مخل وق‪ .‬فه و ك افر‪،‬‬
‫ومن لم يكفره؛ فهو كافر‪ ،‬ومن شك في كفره؛ فهو كافر)(‪)3‬‬
‫ويروون عن س فيان بن عيين ة قول ه‪( :‬الق رآن كالم هللا ع ز وج ل؛ من ق ال‪:‬‬
‫مخلوق‪ .‬فهو كافر‪ ،‬ومن شك في كفره؛ فهو كافر)(‪)4‬‬
‫ويروون عن أحمد بن حنبل قوله‪( :‬من قال‪ :‬القرآن مخلوق‪ .‬فهو ك افر‪ ،‬ومن‬
‫شك في كفره؛ فهو كافر)(‪)5‬‬
‫وبناء على هذا كله ينقلون اإلجماع على ذلك‪ ،‬قال ابن أبي حاتم‪( :‬س ألت أبي‬
‫وأبا زرعة؛ عن مذاهب أهل السنة في أصول ال دين‪ ،‬وم ا أدرك ا علي ه العلم اء في‬
‫جميع األمصار‪ ،‬وما يعتق دان من ذل ك؛ فق اال‪ :‬أدركن ا العلم اء في جمي ع األمص ار‬
‫حجازًا وعراقًا وشامًا ويمنًا؛ فكان من مذهبهم‪ :‬اإليم ان ق ول وعم ل يزي د وينقص‪،‬‬
‫والقرآن كالم هللا غير مخل وق بجمي ع جهات ه‪ ..‬ومن زعم أن الق رآن مخل وق؛ فه و‬
‫كافر باهلل العظيم كفرًا ينقل عن المل ة‪ .‬ومن ش ك في كف ره ‪ -‬ممن يفهم وال يجه ل ‪-‬‬
‫فهو كافر)(‪)6‬‬
‫وقال ح رب الكرم اني (ت وفي ‪ 280‬هـ)‪( :‬ه ذا م ذهب أئم ة العلم وأص حاب‬
‫األثر وأهل السنة المعروفين بها المقت دى بهم فيه ا من ل دن أص حاب الن بي ‪ ‬إلى‬
‫يومنا هذا‪ ،‬وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحج از والش ام وغ يرهم‪،‬‬
‫معارج القبول بشرح سلم الوصول لحافظ بن أحمد الحكمي‪.337 /1 ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫السنة لحرب الكرماني‪.375 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلبانة ‪.257 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫السنة لعبدهللا بن أحمد ‪.25‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫طبقات الحنابلة ‪.1/173‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫شرح أصول االعتقاد ‪.321‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫‪22‬‬
‫عليها؛ فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب‪ ،‬أو طعن فيها‪ ،‬أو عاب قائلها‪ ،‬فه و مبت دع‬
‫خ ارج عن الجماع ة‪ ،‬زائ ل عن منهج الس نة‪ ،‬وس بيل الح ق‪ ..‬فك ان من ق ولهم‪..‬‬
‫والقرآن كالم هللا؛ تكلم به؛ ليس بمخلوق؛ فمن زعم أن القرآن مخل وق؛ فه و جهمي‬
‫كافر‪ .‬ومن زعم أن القرآن كالم هللا‪ ،‬ووقف‪ ،‬ولم يقل‪ :‬ليس بمخلوق‪ .‬فه و أكف ر من‬
‫األول‪ ،‬وأخبث قوًال‪ .‬ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن‪ ،‬وتالوتن ا ل ه؛ مخلوق ة‪ ،‬والق رآن‬
‫كالم هللا؛ فهو جهمي خبيث مبتدع‪ .‬ومن لم يكفر هؤالء القوم‪ ،‬والجهمي ة كلهم؛ فه و‬
‫مثلهم)(‪)1‬‬
‫وهكذا قال ابن بطة‪( :‬ونحن اآلن ذاكرون شرح السنة‪ ،‬ووصفها‪ ،‬مم ا أجم ع‬
‫على شرحنا له أهل اإلسالم‪ ،‬وسائر األمة‪ ،‬من ذ بعث هللا نبي ه ‪ ،‬إلى وقتن ا ه ذا‪..‬‬
‫من قال‪ :‬مخلوق‪ ،‬أو قال‪ :‬كالم هللا‪ ،‬ووق ف‪ ،‬أو ش ك‪ ،‬أو ق ال بلس انه‪ ،‬وأض مره في‬
‫نفس ه‪ ،‬فه و ك افر باهلل حالل ال دم‪ ،‬ب ريء من هللا‪ ،‬وهللا من ه ب ريء‪ ،‬ومن ش ك في‬
‫كفره‪ ،‬ووقف عن تكفيره‪ ،‬فهو كافر)(‪)2‬‬
‫وهذه الكلمات الممتلئة بالتكفير كافي ة وح دها العتب ار الس لفية أك بر مدرس ة‬
‫تكفيرية في األمة‪ ،‬ألن ه ذه المق والت تنطب ق على جمي ع الم دارس اإلس المية من‬
‫دون حاجة ألي تعيين أو تسمية‪.‬‬
‫فالتعيين الذي يفر به بعض من يمارس التقية ال يقص د ب ه العلم اء وال طلب ة‬
‫العلم‪ ،‬وإنما يقصد به عوام الناس وبسطاؤهم فقط‪ ،‬كما قال أحم د بن م نيع البغ وي‪:‬‬
‫(من زعم أنه مخلوق؛ فه و جهمي‪ ،‬ومن وق ف في ه؛ ف إن ك ان ممن ال يعق ل؛ مث ل‬
‫البق الين‪ ،‬والنس اء‪ ،‬والص بيان؛ ُس كت عن ه‪ ،‬وُعلم‪ ،‬وإن ك ان ممن يفهم؛ ف أجره في‬
‫وادي الجهمية)(‪)3‬‬
‫‪ 3‬ـ نفي الصفات‪:‬‬
‫ذكرن ا في كتابن ا [الس لفية والوثني ة المقدس ة] أن المقص ود بالص فات عن د‬
‫السلفية هو األعضاء‪ ،‬ولذلك يردون بشدة على ما يسميه المنزهة بنفي الكم المتصل‬
‫عن هللا‪ ،‬أو نفي ال تركيب عن ه‪ ،‬ب ل ي رون أن هللا م ركب من الس اق والي د والوج ه‬
‫والحقو والضرس وغيرها‪ ،‬ويتعاملون مع هذه األعضاء جميعا‪ ،‬باعتباره ا ص فات‬
‫ذاتية هلل‪ ،‬وأن منكر كل واحدة منها كافر معطل جهمي‪.‬‬
‫ومثل ه من أول أي كلم ة منه ا على مقتض ى كالم الع رب‪ ،‬أو متوق ف في‬
‫شأنها‪ ..‬فالجميع عندهم معطل‪ ،‬وسواء في الضاللة‪.‬‬
‫وهكذا ما يسمونه صفات أفعال‪ ،‬كالجري والمشي والهرولة والقعود والنزول‬
‫والضحك وغيرها‪ ..‬فهم يعقبون كل وص ف من ه ذه األوص اف ب رمي المنك ر له ا‬
‫بالتجهم والتعطيل والكفر والضالل‪.‬‬
‫وهم يستندون ـ ب زعمهم ـ في ه ذا إلى اآلي ات القرآني ة الكريم ة ال تي ن زلت‬
‫‪ )(1‬السنة ‪.69 – 68 - 67 - 66‬‬
‫‪ )(2‬الشرح واإلبانة ‪.251‬‬
‫‪ )(3‬الحجة في بيان المحجة ‪.1/424‬‬

‫‪23‬‬
‫وفق مقتضى كالم العرب من المجاز واالستعارة والكناي ة وغيره ا‪ ،‬لكنهم حملوه ا‬
‫على ظواهرها‪ ،‬وأولوا من أجلها كل اآليات المحكمة‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك أن الدارمي ـ الذي يعتبر مصدرا أساسيا في العقيدة السلفية‬
‫ـ ساق بعض تلك النصوص في كتابه [ال رد على الجهمي ة]‪ ،‬ثم ق ال بن برة غاض بة‬
‫مخاطبا المدرسة التنزيهية بالشدة السلفية المعهودة‪( :‬فهذا الناطق من قول هللا ‪ -‬ع ز‬
‫وجل ‪ ،-‬وذاك المحفوظ من قول رسول هللا ‪ ‬بأخبار ليس عليه ا غب ار‪ ،‬ف إن كنتم‬
‫من عباد هللا المؤمنين؛ لزمكم اإليمان بها كما آمن بها المؤمنون‪ ،‬وإال فصرحوا بم ا‬
‫تضمرون‪ ،‬ودعوا هذه األغلوطات التي تلوون بها ألس نتكم‪ ،‬فلئن ك ان أه ل الجه ل‬
‫في شك من أمركم‪ ،‬إن أهل العلم من أمركم لعلى يقين‪ ،‬ف إن ق ال قائ ل منهم‪ :‬مع نى‬
‫إتيانه في ظلل من الغمام‪ ،‬ومجيئه والملك صفا صفا‪ ،‬كمع نى ك ذا وك ذا‪ ،‬قلت‪ :‬ه ذا‬
‫التك ذيب باآلي ة ص راحا‪ ،‬تل ك معناه ا بين لألم ة ال اختالف بينن ا وبينكم وبين‬
‫المسلمين في معناها المفهوم المعقول عند جميع المسلمين‪ ،‬فأما مجيئ ه ي وم القيام ة‬
‫وإتيانه في ظلل من الغمام والمالئكة‪ ،‬فال اختالف بين األم ة أن ه إنم ا ي أتيهم يومئ ذ‬
‫كذلك لمحاسبتهم‪ ،‬وليصدع بين خلقه‪ ،‬ويقررهم بأعمالهم‪ ،‬ويجزيهم به ا‪ ،‬ولينص ف‬
‫المظلوم منهم من الظالم‪ ،‬ال يتولى ذلك أحد غيره‪ ،‬تبارك اسمه وتعالى جده‪ ،‬فمن لم‬
‫يؤمن بذلك؛ لم يؤمن بيوم الحساب)(‪)1‬‬
‫وهكذا يعطي السلفية لهذا الموقف التجسيمي هذا الحكم الخطير‪ ،‬وهو أنه من‬
‫لم يؤمن بنزول هللا على الغمام‪ ،‬ال يؤمن أصال بيوم الحساب‪..‬‬
‫وهك ذا ن راهم يتع املون م ع ك ل عض و من األعض اء أو فع ل من األفع ال‪،‬‬
‫والتي يسمونها جميعا صفات‪ ..‬فمن أنكر أي واحدة منها‪ ،‬حتى لو قبل بالجميع‪ ،‬فإنه‬
‫يعتبر جهميا معطال‪.‬‬
‫والنهاية الطبيعية التي تنتهي عندها هذه العقيدة عندهم هي أنه ال يتخلص أحد‬
‫من وصف الجهمية وما يرتبط بها من تكفير حتى يشبه هللا باإلنس ان‪ ،‬فمن لم ي ؤمن‬
‫عندهم بأن صورة هللا هي نفس صورة اإلنسان ـ مع اختالف الكيف ال ذي ال ن دري‬
‫معناه ـ فإنه جهمي‪.‬‬
‫ولهذا ألف الشيخ حمود بن عبدهللا بن حمود التويجري كتابا سماه [عقيدة أهل‬
‫اإليمان في خلق آدم على صورة ال رحمن]‪ ،‬وه و الكت اب ال ذي اعت نى ب ه الس لفية‬
‫المعاص رون‪ ،‬ب ل ق دم ل ه ش يخهم الكب ير عب دالعزيز بن عبدهللا بن ب از‪ ،‬وق ال في‬
‫تقديمه له‪( :‬اطلعت على ما كتبه صاحب الفضيلة الشيخ حمود بن عبدهللا الت ويجري‬
‫وفق ه هللا وب ارك في أعمال ه فيم ا ورد من األح اديث في خل ق آدم على ص ورة‬
‫الرحمن‪ ..‬فألفيته كتابًا قيمًا كثير الفائدة قد ذكر فيه األحاديث الص حيحة ال واردة في‬
‫خل ق آدم على ص ورة ال رحمن‪ ،‬وفيم ا يتعل ق بمجيء ال رحمن ي وم القيام ة على‬
‫صورته‪ ،‬وقد أجاد وأفاد‪ ،‬وأوضح ما هو الحق في هذه المس ألة‪ ،‬وه و أن الض مير‬
‫في الحديث الصحيح في خلق آدم على صورته يعود إلى هللا عز وجل‪ ،‬وهو موافق‬
‫الرد على الجهمية (ص‪)91 :‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫‪24‬‬
‫لما ج اء في ح ديث ابن عم ر أن هللا خل ق آدم على ص ورة ال رحمن‪ ،‬وق د ص ححه‬
‫اإلمام أحمد وإسحاق بن راهويه واآلج ري وش يخ اإلس الم ابن تيمي ة وآخ رون من‬
‫األئمة رحم ة هللا عليهم جميع ًا‪ ،‬وق د بين كث ير من األئم ة خط أ اإلم ام ابن خزيم ة‬
‫رحمه هللا في إنكار عود الضمير إلى هللا سبحانه في حديث ابن عمر والص واب م ا‬
‫قاله األئمة المذكورون وغ يرهم في ع ود الض مير إلى هللا ع ز وج ل بال كي ف وال‬
‫تمثيل‪ ،‬بل صورة هللا سبحانه تليق به وتناسبه كسائر صفاته وال يش ابهه فيه ا ش يء‬
‫من خلقه سبحانه وتعالى)(‪)1‬‬
‫وق د ذك ر الت ويجري في مقدم ة ه ذا الكت اب أن منك ر الص ورة جهمي ـ‬
‫والجهمي كافر عندهم باإلجماع ـ فقال‪( :‬وال يزال الق ول بم ذهب الجهمي ة مس تمرا‬
‫إلى زماننا‪ .‬وقد رأيت ذلك في بعض مؤلفات المعاصرين وتعليقاتهم الخاطئة‪ .‬وذكر‬
‫لي عن بعض المنتسبين إلى العلم أنه ألقى ذلك على الطلبة في بعض المعاهد الكبار‬
‫في مدينة الرياض‪ .‬ولما ذكر له بعض الطلبة قول أهل الس نة أع رض عن ه وأص ر‬
‫على قول الجهمية‪ .‬عافانا هللا وسائر المسلمين مما ابتاله به)(‪)2‬‬
‫وهو يقصد بالجهمة هنا كل منزه ة األم ة‪ ،‬ألنهم جميع ا‪ ،‬ح تى م ع تص حيح‬
‫الحديث ال يقولون بمقتضاه الظاهر‪ ،‬بل يؤولونه بمختلف صنوف التأويالت‪.‬‬
‫وبذلك فإن منكر كون هللا له صورة كصورة اإلنسان ـ عند الس لفية ـ جهمي‪..‬‬
‫والجهمي عندهم معطل وكافر‪ ..‬ومن شاء أن يعرف حكم الجهمي عندهم‪ ،‬فليقرأ م ا‬
‫كتبه ابن تيمية وغيره عنه‪.‬‬
‫وبناء على هذا جاءت تعب يراتهم الكث يرة في الحكم ب الكفر على من أنك ر أي‬
‫صفة من تلك الصفات‪ ،‬وقد نق ل ال ذهبي عن معم ر بن أحم د بن زي اد األص بهاني‬
‫(توفي ‪ 418‬هـ) بعد سرده لبعض ما أجمع عليه أه ل الح ديث واألث ر من أن (‪..‬هللا‬
‫اس توى على عرش ه بال كي ف وال تش بيه وال تأوي ل واالس تواء معق ول والكي ف‬
‫مجهول وأنه بائن من خلقه والخلق بائنون منه فال حلول وال ممازج ة وال مالص قة‬
‫وأن ه س ميع بص ير عليم خب ير يتكلم ويرض ى ويس خط ويعجب ويض حك ويتجلى‬
‫لعباده يوم القيامة ضاحكا وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا بال كيف وال تأويل كي ف‬
‫شاء فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال)(‪)3‬‬
‫وقد عقد ال دارمي باب ا خاص ا به ذا في كتاب ه [ال رد على الجهمي ة ] بعن وان‬
‫[ب اب االحتج اج في إكف ار الجهمي ة](‪ )4‬ق ال في مقدمت ه‪( :‬ن اظرني رج ل ببغ داد‪،‬‬
‫منافحا عن هؤالء الجهمية فقال لي‪ :‬بأية حج ة تكف رون ه ؤالء الجهمي ة‪ ،‬وق د نهى‬
‫عن إكف ار أه ل القبل ة؟ بكت اب ن اطق تكف رونهم؟ أم ب أثر‪ ،‬أم بإجم اع؟ فقلت‪ :‬م ا‬
‫الجهمية عندنا من أهل القبلة‪ ،‬وما نكفرهم إال بكتاب مس طور‪ ،‬وأث ر م أثور‪ ،‬وكف ر‬

‫عقيدة أهل اإليمان في خلق آدم على صورة الرحمن ( ‪)7‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫عقيدة أهل اإليمان في خلق آدم على صورة الرحمن (‪)6‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫العلو للعلي الغفار (ص‪)244 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الرد على الجهمية (ص‪)179 :‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪25‬‬
‫مشهور‪ .‬أما الكتاب؛ فما أخبر هللا ‪ -‬ع ز وج ل ‪ -‬عن مش ركي ق ريش‪ ،‬من تك ذيبهم‬
‫بالقرآن‪ ،‬فكان من أشد ما أخبر عنهم من التكذيب؛ أنهم قالوا‪ :‬هو مخلوق‪ ،‬كما قالت‬
‫الجهمية سواء)(‪)1‬‬
‫وهك ذا راح يس تعرض اآلي ات القرآني ة ال تي وردت في تك ذيب المش ركين‬
‫للقرآن الكريم ورسول هللا ‪ ‬ليطبقها على المسلمين ال ذين نزه وا هللا عن الح رف‬
‫والصوت‪ ،‬ليحكم عليهم جميعا حكما واحدا ب الكفر‪ ،‬ثم ق ال‪( :‬ونكف رهم أيض ا بكف ر‬
‫مشهور؛ وه و تك ذيبهم بنص الكت اب‪ ،‬أخ بر هللا تب ارك وتع الى أن الق رآن كالم ه‪،‬‬
‫وادعت الجهمية أنه خلقه‪ ،‬وأخ بر هللا تب ارك وتع الى أن ه كلم موس ى تكليم ا‪ ،‬وق ال‬
‫هؤالء لم يكلمه هللا بنفسه‪ ،‬ولم يسمع موس ى نفس كالم هللا‪ ،‬إنم ا س مع كالم ا خ رج‬
‫إليه من مخلوق‪ ،‬ففي دعواهم؛ دعا مخلوق موسى إلى ربوبيته فقال‪ِ ﴿ :‬إِّني َأَنا َر ُّب َك‬
‫َفاْخ َلْع َنْع َلْيَك ﴾ [ط ه‪ ]12 :‬فق ال ل ه موس ى ‪-‬في دع واهم‪ :-‬ص دقت‪ ،‬ثم أتى فرع ون‬
‫يدعوه أن يجيب إلى ربوبية مخلوق‪ ،‬كما أجاب موس ى‪-‬في دع واهم‪ -‬فم ا ف رق بين‬
‫موسى وفرعون في م ذهبهم في الكف ر؟ إذا ف أي كف ر بأوض ح من ه ذا؟! وق ال هللا‬
‫تبارك وتعالى‪ِ ﴿ :‬إَّنَم ا َقْو ُلَنا ِلَش ْي ٍء ِإَذ ا َأَر ْد َناُه َأْن َنُق وَل َل ُه ُك ْن َفَيُك وُن ﴾ [النح ل‪]40 :‬‬
‫وقال هؤالء‪ :‬ما قال لشيء قط قوال وكالما كن فكان‪ ،‬وال يقوله أبدا‪ ،‬ولم يخرج من ه‬
‫كالم قط‪ ،‬وال يخرج‪ ،‬وال هو يقدر على الكالم ‪-‬في دعواهم‪ -‬فالص نم ‪-‬في دع واهم‪-‬‬
‫والرحمن بمنزلة واحدة في الكالم‪ ،‬فأي كف ر بأوض ح من ه ذا؟!‪ ..‬وق ال هللا تب ارك‬
‫وتعالى‪َ ﴿ :‬بْل َيَداُه َم ْبُسوَطَتاِن ُيْنِفُق َكْيَف َيَش اُء ﴾ [المائدة‪ ]64 :‬و﴿ َم ا َم َنَع َك َأْن َتْس ُجَد‬
‫ِلَم ا َخ َلْقُت ِبَيَد َّي ﴾ [ص‪ ]75 :‬و﴿ ِبَيِد َك اْلَخ ْيُر ِإَّنَك َع َلى ُك ِّل َش ْي ٍء َق ِد يٌر ﴾ [آل عم ران‪:‬‬
‫‪ ]26‬وقال‪َ ﴿ :‬يُد ِهَّللا َفْو َق َأْيِد يِهْم ﴾ [الفتح‪ ،]10 :‬قال هؤالء‪ :‬ليس هلل يد‪ ،‬وما خل ق آدم‬
‫بيديه‪ ،‬إنما يداه نعمتاه ورزقاه‪ ،‬فادعوا في يدي هللا أوحش مما ادعته اليه ود ﴿ َق اَلِت‬
‫اْلَيُه وُد َي ُد ِهَّللا َم ْغ ُلوَل ٌة﴾ [المائ دة‪ ]64 :‬وق الت الجهمي ة‪ :‬ي د هللا مخلوق ة؛ ألن النعم‬
‫واألرزاق مخلوقة ال شك فيها‪ ،‬وذاك محال في كالم العرب‪ ،‬فضال أن يكون كف را)‬
‫(‪)2‬‬
‫وهكذا راح يكفرهم إلنكارهم كل مستلزمات التجسيم‪ ،‬يقول‪( :‬ونكفرهم أيضا‬
‫بالمشهور من كفرهم‪ ،‬أنهم ال يثبتون هلل تبارك وتع الى وجه ا وال س معا وال بص را‬
‫وال علم ا وال كالم ا وال ص فة‪ ،‬إال بتأوي ل ض الل افتض حوا وت بينت ع وراتهم‪،‬‬
‫يقولون‪ :‬سمعه‪ ،‬وبصره‪ ،‬وعلمه‪ ،‬وكالمه؛ بمعنى واحد‪ ،‬وهو بنفسه في ك ل مك ان‪،‬‬
‫وفي ك ل بيت مغل ق‪ ،‬وص ندوق مقف ل‪ ،‬ق د أح اطت ب ه ‪-‬في دع واهم‪ -‬حيطانه ا‬
‫وأغالقها وأقفالها‪ ،‬فإلى هللا نبرأ من إله هذه ص فته‪ ،‬وه ذا أيض ا م ذهب واض ح في‬
‫إكفارهم‪ ..‬ونكف رهم أيض ا؛ أنهم ال ي درون أين هللا‪ ،‬وال يص فونه ب أين هللا‪ ،‬وهللا ق د‬
‫وصف نفسه بأين‪ ،‬ووصفه به الرسول ‪)3()‬‬

‫‪ )(1‬الرد على الجهمية (ص‪)179 :‬‬


‫‪ )(2‬الرد على الجهمية (ص‪)180 :‬‬
‫‪ )(3‬الرد على الجهمية (ص‪)182 :‬‬

‫‪26‬‬
‫وكما لم يرحم السلفية المتوقفة في خلق القرآن‪ ،‬أو القائلين بأن القرآن الك ريم‬
‫كالم هللا من غير تفصيل‪ ،‬فكذلك لم يرحموا المفوضة فيم ا يس مونه ب اب الص فات‪،‬‬
‫وهم الذين يكلون علم المتشابه الوارد فيها إلى هللا تعالى‪ ،‬وهو ما يعزوه المتكلمون‪،‬‬
‫وخاصة األشاعرة منهم إلى السلف األول‪.‬‬
‫ولهذا نجد ابن تيمية يعتبرهم من شر المبتدعة والمالحدة‪ ،‬فيقول‪..( :‬فتبين أن‬
‫قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للس نة والس لف من ش ر أق وال أه ل‬
‫البدع واإللحاد)(‪)1‬‬
‫بل إنه ـ كعات ه في التن ابز باأللق اب ـ س ماهم ب دل [أه ل التف ويض] بـ [أه ل‬
‫التجهيل]‪ ،‬فقال عنهم‪..( :‬أما أهل التجهيل فهم كثير من المنتسبين إلى الس نة واتب اع‬
‫السلف يقولون إن الرسول لم يعرف معانَي ما أنزل هللا إليه من آي ات الص فات‪..‬وال‬
‫السابقون األولون عرفوا ذلك)(‪)2‬‬
‫وهذا من تحريف السلفية لحكاية األقوال‪ ،‬فالمفوضة تركوا علم ما تش ابه من‬
‫النصوص على عقولهم هلل تعالى‪ ،‬ولم يزعموا أبدا أن الرسول ‪ ‬كان ال يعلم ذلك‪،‬‬
‫معاذ هللا وهو سيد الراسخين في العلم‪.‬‬
‫وهكذا يكتب الكثير من الردود الشديدة عليهم في كتابه (درء تع ارض العق ل‬
‫والنقل) وفي (الفتوى الحموية)‪ ،‬ومثله ابن القيم في (الصواعق المرسلة)‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫وهكذا نرى المتأخرين ينهج ون منهج المتق دمين في تكف ير المفوض ة‪ ،‬حيث‬
‫ن رى ابن ع ثيمين يق ول عنهم‪( :‬التف ويض من ش ر أق وال أه ل الب دع‪ ..‬وإذا تأملت ه‬
‫وجدته تكذيبًا للقرآن وتجهيًال للرسول)(‪)3‬‬
‫وبهذا ال يبقى ح ل لمن يري د أن يس لم من التكف ير الس لفي س وى أن يق ع في‬
‫التجسيم والتشبيه بك ل ألوان ه وأنواع ه‪ ،‬وإال فلن يرحم ه س يف التكف ير الس لفي ل و‬
‫توقف ولو عند مفردات من مفردات عقائدهم التجسيمية‪.‬‬
‫وبناء على هذا فإن السلفية أنفس هم يكف ر بعض هم بعض ا بس بب م واقفهم من‬
‫بعض م ا ورد في بعض األح اديث‪ ..‬ومن ذل ك الموق ف من المس ألة ال تي أواله ا‬
‫السلفية اهتماما كبيرا‪ ،‬والتي عنونوها بـ [إقعاد هللا تعالى لنبيه ‪ ‬على العرش]‬
‫فالسلفية المثبتون لهذا يكفرون من يخالف ذلك‪ ،‬باعتبار ثبوت ه ذا الن وع من‬
‫الق رب لرس ول هللا ‪ ‬عن ك ل متق دميهم ال ذين يحتج ون بهم في الع ادة على‬
‫مخ الفيهم(‪ )4‬ومنهم أحم د بن حنب ل‪ ،‬وه ارون بن مع روف‪ ،‬وإس حاق بن راهوي ه‪،‬‬
‫وأبو عبيد القاسم بن سالم وعبد الوهاب الوراق‪ ،‬وأب و داود السجس تاني‪ ،‬وعب د هللا‬
‫بن أحمد بن حنبل‪ ،‬وإبراهيم الحربي‪ ،‬وأبو بكر المروذي وأب و بك ر الخالل‪ ،،‬وأب و‬
‫القاسم الطبراني‪ ،‬وأبو بكر اآلجري‪ ،‬وأبو عبد هللا ابن بطة‪ ،‬وغيرهم كثير‪.‬‬
‫() درء تعارض العقل والنقل‪.1/205 ،‬‬
‫‪1‬‬
‫() مجموع الفتاوى‪.5/34 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ )(3‬المحاضرات السنية‪.1/67 ،‬‬
‫‪ )(4‬انظر‪ :‬السنة ألبي بكر بن الخالل (‪ ،)187 /1‬فما بعدها‪ ،‬والرد بالعدة والعتاد على من أنك ر أث ر مجاه د في‬
‫اإلقعاد‪ ،‬ص‪ ، 10‬فما بعدها‪ ،‬فقد ذكر فيه األقوال الكثيرة ألعالم السلف في هذا‪ ،‬ومنه أخذنا هذه األقوال‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫بل قال إبراهيم األصبهاني في الحديث‪( :‬هذا الحديث صحيح ثبت‪ ،‬حدث ب ه‬
‫العلماء منذ ستين ومائة سنة)‬
‫وقال أبو بكر المروذي‪ :‬قال أبو بكر بن حماد المقرئ‪( :‬من ذكرت عنده ه ذه‬
‫األحاديث فسكت فهو متهم على اإلسالم ! فكيف من طعن فيها؟!)‬
‫و قال أبو بكر بن صدقة‪( :‬ما حكمه عندي إال القتل)‬
‫وقال أبو بكر بن أبي طالب‪( :‬من رده فقد رد على هللا عز وج ل‪ ،‬ومن ك ذب‬
‫بفضيلة النبي ‪ ‬فقد كفر باهلل العظيم)‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسماعيل السلمي‪( :‬من ت وهم أن محم دا ‪ ‬لم يس توجب من‬
‫هللا عز وجل ما قال مجاهد فهو كافر باهلل العظيم)‬
‫وقال أبو بكر يح يى بن أبي ط الب‪( :‬ال علمت أح دا رد ح ديث مجاه د يقع د‬
‫محمدا ‪ ‬على العرش)‬
‫وقال أبو قالبة‪( :‬ال يرد هذا إال أهل البدع والجهمية)‬
‫وقال الحسن بن الفضل‪( :‬من رد هذه األحاديث فهو مبت دع ض ال م ا أدركن ا‬
‫أحدا يرده إال من في قلبه بلية‪ ،‬يهجر وال يكلم)‬
‫وق ال ابن بط ة‪ :‬س معت أخي القاس م ‪ -‬نض ر هللا وجه ه ‪ -‬يق ول‪( :‬لم يكن‬
‫البربهاري يجلس مجلسا إال ويذكر فيه أن هللا عز وج ل يقع د محم دا ‪ ‬مع ه على‬
‫العرش)‪.‬‬
‫و قال محمد بن إسماعيل السلمي‪( :‬كل من ظن أو توهم أن رس ول هللا ‪ ‬لم‬
‫يستوجب من هللا عز وجل ه ذه المنزل ة في ح ديث مجاه د فه و عن دنا جهمي‪ ،‬وإن‬
‫هذه المصيبة على أهل اإلسالم أن يذكر أحد النبي ‪ ،‬وال يقدموا عليه بأجمعهم !)‬
‫بل إن المتأخرين أيضا ممن ال يمارسون التقية قالوا ب ذلك‪ ،‬من أمث ال الش يخ‬
‫ابن فوزان فقد قال في شرحه على النونية عن أثر مجاهد‪( :‬هذا حديث ص حيح وإن‬
‫كان يشوش على ضعاف اإلدراك فال عبرة بهم ألنه ال يمكن أن يقال هذا الكالم من‬
‫جهة االجتهاد أو الرأي بل له حكم الرفع)(‪)1‬‬
‫وبذلك يقع الكثير من أعالم السلفية المعاصرين في الفخ الذي نص بوه لألم ة‪،‬‬
‫وكفروها على أساسه‪ ،‬ومن حفر حفرة ألخيه وقع فيها‪.‬‬
‫ومن أول ه ؤالء األلب اني ال ذي أنك ر على ال ذهبي إي راده لخ بر مجاه د في‬
‫[مختصر العلو]‪ ،‬فقال‪( :‬لو أن المؤلف رحمه هللا وقف عند ما ذكرنا ألحسن‪ ،‬ولكنه‬
‫لم يقنع بذلك‪ ،‬بل سود أكثر من صفحة كبيرة في نقل أق وال من أف تى بالتس ليم ب أثر‬
‫مجاهد في تفسير َقْو ِلِه َتَع اَلى‪َ﴿ :‬ع َس ى َأْن َيْبَع َثَك َر ُّبَك َم َقاًم ا َم ْح ُم وًدا﴾ ق ال‪ :‬يجلس ه أو‬
‫يقعده على العرش‪ .‬بل قال بعض هم‪ :‬أن ا منك ر على ك ل من رد ه ذا الح ديث وه و‬
‫عندي رجل سوء متهم‪ ..‬بل ذكر عن اإلمام أحمد أنه قال‪ :‬ه ذا تلقت ه العلم اء بقب ول‬
‫إلى غير ذلك من األقوال التي تراها في األصل وال حاجة بنا إلى استيعابها في ه ذه‬
‫المقدمة‪ .‬وذكر في مختصره المسمى بـ [الذهبية] أسماء جمع آخ رين من المح دثين‬
‫شرحه على النونية (‪)453-2‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫‪28‬‬
‫هناك)(‪)1‬‬ ‫سلموا بهذا األثر ولم يتعقبهم بشيء‬
‫ومنهم إمام التجريح في هذا العصر ربيع بن ه ادي الم دخلي‪ ،‬ال ذي ق ال في‬
‫ش رحه على ش رح الس نة للبربه اري‪( :‬اليص ح ه ذا من كالم مجاه د وه و اليثبت‬
‫وليس من كالم الرسول الكريم عليه الصالة والسالم‪ ..‬أما ق ول مجاه د غف ر هللا ل ه‬
‫فممكن أن يأخذه من اإلسرائليات)(‪)2‬‬
‫وردا على أمثال هذه المقوالت المعاصرة ألف بعض السلفية رسالة في رمي‬
‫أصحابه الذين أنكروا هذا بالتجهم‪ ،‬وقد سمى رسالته (ال رد بالع دة والعت اد على من‬
‫أنكر أثر مجاهد في اإلقعاد)(‪ ، )3‬وقد قدم لها بقول محمد بن إسماعيل السلمي‪( :‬ل وال‬
‫أن أب ا بك ر الم روذي رحم ه هللا اجته د في ه ذا –أي في ال رد على من أنك ر أث ر‬
‫مجاهد‪ -‬لخفت أن ينزل بنا وبمن يقصر عن ه ذا الض ال المض ل عقوب ة‪ ،‬فإن ه من‬
‫شر الجهمية ما يبالي ما تكلم به)(‪)4‬‬
‫ثانيا ـ التكفير المعين‪:‬‬
‫بناء على أن أهم الم دارس العقدي ة الموج ودة في الواق ع اإلس المي الح الي‪،‬‬
‫وفي أك ثر ف ترات الت اريخ هي‪ :‬األش اعرة والماتريدي ة والمعتزل ة‪ ،‬فس نتحدث عن‬
‫موقف السلفية منهم هنا‪ ،‬أما ما عداهم من المدارس كالشيعة واإلباضية والص وفية‪،‬‬
‫فق د عق دنا فص ال خاص ا بك ل واح د منه ا‪ ،‬باعتب ار الخالف بينه ا وبين الس لفية ال‬
‫يقتصر على العقائد‪.‬‬
‫مدرسة األشاعرة‪:‬‬
‫تعتبر مدرسة األشاعرة من أكثر الم دارس اإلس المية أتباع ا‪ ،‬ذل ك أن أك ثر‬
‫العلماء المتأخرين من المالكية والشافعية والحنابلة والصوفية وغ يرهم ق د اخت اروا‬
‫منهجهم العقدي‪ ،‬فقرروه في مدارسهم وزواي اهم‪ ،‬باإلض افة إلى العوام ل السياس ية‬
‫الكثيرة التي ساعدت على ذلك‪.‬‬
‫وهذا ما جعل السلفية في حرج كبير من أمرهم‪ ،‬ألنهم إن صرحوا بتكفيرهم‪،‬‬
‫فسيضر ذلك بسمعتهم‪ ،‬ويجعل كل األوصاف التي رموا بها من يسمونهم الخ وارج‬
‫تنطب ق عليهم بالدرج ة األولى‪ ،‬فل ذلك اس تعملوا أم رين‪ :‬التكف ير الخفي‪ ،‬والتكف ير‬
‫الصريح‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ التكفير الخفي‪:‬‬
‫وقد مارسه أصحاب التقي ة من الس لفية س واء ك انوا من ال ذين يجمع ون بين‬
‫السلفية والسياسة من أمثال الشيخ عب د ال رحمن عب د الخ الق وغ يره‪ ،‬أو من ال ذين‬
‫وكلت لهم بعض المناص ب الحساس ة في الدول ة وال تي تتطلب بعض الحكم ة‬
‫والمرونة‪ ،‬كاإلفتاء وغيره‪ ،‬أو من ال ذين عاش وا في مجتمع ات ممتلئ ة باألش اعرة‪،‬‬

‫مختصر العلو للعلي العظيم (ص‪)15 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫شرح السنة للبربهاري‪.1/453 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫ألفها إبراهيم بن رجا بن شقاحي الشمري‪ ،‬وهي في موقعه على النت‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الرد بالعدة والعتاد على من أنكر أثر مجاهد في اإلقعاد‪ ،‬ص‪.3‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪29‬‬
‫ولم يمكنهم التصريح بكفرهم‪ ،‬فعدلوا إلى التلميح‪ ،‬مثل ابن تيمية‪.‬‬
‫وهؤالء يستعملون في التكفير التلميح ال التص ريح‪ ،‬أو ذك ر المكف رات‪ ،‬دون‬
‫ذكر انطباقها على من يكفرونهم‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما ذكرنا س ابقا عن ابن ب از من اعتب اره ع دم الق ول بالجه ة‬
‫والمكان كفر‪ ،‬وأن من قال ذلك كافر‪ ،‬لكنه عندما سئل عن األشاعرة‪ ،‬ذك ر أنهم من‬
‫المسلمين‪ ،‬مع العلم أن مقولته بتكفير من ينكر الجهة تنطبق عليهم كم ا تنطب ق على‬
‫الجهمية والمعتزلة والماتريدية وغيرهم‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذل ك فت واه المتعلق ة بعب د هللا الحبش ي األش عري‪ ،‬فق د ج اء فيه ا‪:‬‬
‫(وأفيدك أن هذه الطائفة معروفة لدينا فهي طائف ة ض الة ورئيس هم الم دعو عب د هللا‬
‫الحبشي معروف بانحراف ه وض الله ف الواجب مق اطعتهم وإنك ار عقي دتهم الباطل ة‬
‫وتحذير الناس منهم ومن االستماع لهم أو قبول ما يقولون‪ ،‬وال شك أن من أنك ر أن‬
‫هللا في الس ماء فه و جهمي ض ال ك افر مك ذب لق ول هللا تع الى‪َ﴿ :‬أَأِم ْنُتْم َم ْن ِفي‬
‫الَّس َم اِء ﴾)(‪)1‬‬
‫وهذا تصريح ليس بعده تصريح في تكفير ابن ب از لألش اعرة‪ ،‬أوال ألن عب د‬
‫هللا الحبش ي منهم‪ ،‬وثاني ا‪ ،‬ألن ه كف ره بس بب إنك اره للجه ة والمك ان‪ ،‬وه و ق ول‬
‫األشاعرة‪.‬‬
‫وهكذا قال الفوزان الذي يتعلق ب ه من يم ارس التقي ة من الس لفية‪ ،‬فق د ق ال‪:‬‬
‫(وهذا الذي ينفي كون هللا في الس ماء يك ذب الق رآن ويك ذب الس نة ويك ذب إجم اع‬
‫المسلمين فإن كان عالما بذلك‪ ،‬فإنه يكفر بذلك‪ ،‬أما إذا كان جاهال فإنه ي بين ل ه ف إن‬
‫أصر بعد البيان فإنه كافر والعياذ باهلل)(‪)2‬‬
‫ب ل هك ذا أفتت اللجن ة الدائم ة للفت وى في الس عودية‪ ،‬فق د ج اء في بعض‬
‫فتاواه ا‪( :‬من ق ال‪ :‬ال نق ول إن هللا ف وق وال تحت وال يمين وال ش مال فه و به ذا‬
‫مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة وأجم ع علي ه المس لمون من عه د الص حابة من‬
‫أهل العلم واإليمان فيجب أن ُيبين له الحق فإن أصر فهو كافر مرتد عن اإلس الم ال‬
‫تصح الصالة خلفه)(‪)3‬‬
‫ومن أمثلة ذلك أيضا ترديدهم لكون األشاعرة يقولون بخلق القرآن مع علمهم‬
‫أن كتبهم السلفية ال ترحم أبدا من يقول بذلك‪.‬‬
‫ومن ذلك أن الشيخ العثيمين عندما تحدث عن الفرق بين األشاعرة والمعتزلة‬
‫في صفة الكالم‪ ،‬قال‪( :‬وق الت األش عرية ال ذين تذب ذبوا بين أه ل الس نة والمعتزل ة‬
‫قالوا‪ :‬إن كالم هللا تعالى هو المعنى القائم في نفسه‪ ،‬وما ُيسمع فإنه مخلوق خلق ه هللا‬
‫تعالى ليع بر عم ا في نفس ه‪ .‬فم ا الف رق إذن بين المعتزل ة واألش عرية؟ الف رق‪ :‬أن‬

‫‪ )(1‬مجموع فتاوى ابن باز ‪)315 /9( ،‬‬


‫‪ )( 2‬الموقع الرسمي لصالح الفوزان تحت عنوان‪ :‬إثبات صفة العلو هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ )(3‬صدرت هذه الفتوى تحت توقيع كل من‪ :‬العضو‪:‬عب د هللا بن قع ود‪ ...‬العض و‪:‬عب د هللا بن غ ديان‪...‬ن ائب رئيس‬
‫اللجنة‪ :‬عبد الرزاق عفيفي‪ ...‬الرئيس‪ :‬عبد العزيز بن عبد هللا بن باز‪ .‬انظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة ‪)515 /1( 1 -‬‬

‫‪30‬‬
‫المعتزلة يقولون‪ :‬ال ننسب الكالم إليه وصفا‪ ،‬ب ل فعال وخلق ا‪ .‬واألش اعرة يقول ون‪:‬‬
‫ننسب الكالم إليه وصفا ال باعتبار أنه شيء مسموع‪ ،‬وأنه بحروف‪ ،‬بل باعتبار أن ه‬
‫ش يء ق ائم بنفس ه‪ ،‬وم ا يس مع أو يكتب فه و مخل وق؛ فعلى ه ذا يتف ق األش اعرة‬
‫والمعتزلة في أن ما ُيس مع أو يكتب مخل وق‪ ،‬فاألش اعرة يقول ون‪ :‬الق رآن مخل وق‪،‬‬
‫والمعتزلة يقولون‪ :‬القرآن مخلوق‪ ،‬لكن المعتزلة يقولون‪ :‬إنه كالمه حقيق ة‪ ،‬كم ا أن‬
‫السموات خلقه حقيق ة‪ ،‬وق الت األش اعرة‪ :‬ليس ه و كالم هللا تع الى حقيق ة‪ ،‬ب ل ه و‬
‫عبارة عن كالم هللا!!‪ ،‬فصار األشاعرة من هذا الوجه أبعد عن الحق من المعتزل ة‪،‬‬
‫وكلتا الطائفتين ظالم‪ ،‬ألن الكالم ليس شيئا يقوم بنفس ه‪ ،‬والكالم ص فة المتكلم‪ ،‬ف إذا‬
‫كان الكالم صفة المتكلم‪ ،‬كان كالم هللا صفة‪ ،‬وصفات هللا تعالى غير مخلوقة‪ ،‬إذ إن‬
‫الصفات تابعة للذات‪ ،‬فكما أن ذات الرب ع ز وج ل غ ير مخلوق ة‪ ،‬فك ذلك ص فاته‬
‫غير مخلوقة‪ ،‬وهذا دليل عقلي واضح)(‪)1‬‬
‫وهكذا قال الش يخ محم د أم ان الج امي‪( :‬م ا الف رق إذن بين األش اعرة وبين‬
‫المعتزلة في صفة الكالم؟ خالف لفظي غير حقيقي كلهم يتفقون على أن هذا القرآن‬
‫الذي نقرأه ونحفظه ونكتب ه مخل وق وليس بكالم هللا‪ ،‬تتف ق األش اعرة م ع المعتزل ة‬
‫على هذا بل موقف األشاعرة أخطر ألن موقف المعتزلة واضح)(‪)2‬‬
‫وهكذا نجد ابن تيمية ـ ال ذي يس وق الس لفية بعض كلمات ه في ع دم التكف ير ـ‬
‫يملح في كثير من كتبه إلى تكفير األش اعرة‪ ،‬ومن ذل ك قول ه في‪( :‬ك ان الش يخ أب و‬
‫حامد أحمد بن أبي طاهر اإلسفرايني إمام األئمة الذي طبق األرض علما وأص حابا‬
‫اذا سعى الى الجمعة من قطعية الكرج الى جامع المنصور يدخل الرباط المع روف‬
‫بالزوزي المحاذي للجامع ويقب ل على من حض ر ويق ول اش هدوا على ب أن الق رآن‬
‫كالم هللا غير مخلوق كما قاله اإلمام ابن حنبل ال كم ا يقول ه الب اقالني وتك رر ذل ك‬
‫منه جمعات)(‪)3‬‬
‫وهو يشير بهذا إلى أن الباقالني ـ وهو إمام من أئمة األشاعرة الكبار ـ يق ول‬
‫بخلق القرآن‪ ..‬وهو ينقل مع هذا القول ما يدعي ه من إجماع ات في تكف ير من يق ول‬
‫بخلق القرآن‪.‬‬
‫وهكذا نراه في [مجم وع الفت اوى] يق ول‪( :‬فق ال الش يخ كم ال ال دين لص در‬
‫الدين ابن الوكيل‪ :‬قد قلت فى ذلك المجلس للشيخ تقى الدين أنه من قال إن حرفا من‬
‫القرآن مخلوق فهو كافر‪ ،‬فأعاده مرارا‪ ،‬فغضب هنا الشيخ كمال الدين غضبا شديدا‬
‫ورف ع ص وته‪ ،‬وق ال ه ذا يكف ر أص حابنا المتكلمين األش عرية ال ذين يقول ون‪ :‬إن‬
‫حروف القرآن مخلوقة مثل امام الحرمين وغيره‪ ،‬وما نصبر على تكفير أص حابنا)‬
‫(‪)4‬‬

‫الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرح كتابه عقيدة أهل السنة والجماعة ‪ :‬الفائدة ‪.8‬‬ ‫‪)( 1‬‬
‫محمد أمان الجامي في محاضرة مفرغه بعنوان [ الرد على األشاعرة والمعتزلة ]‪.‬‬ ‫‪)( 2‬‬
‫درء تعارض العقل والنقل (‪)2/96‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجموع الفتاوى (‪)173 /3‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪31‬‬
‫وهكذا نراه في مسألة الرؤية‪ ،‬والتي اتف ق الس لفية على تكف ير جاح دها‪ ،‬فق د‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬أئمة أصحاب األشعري لما تأملوا ذل ك ع ادوا في الرؤي ة إلى ق ول‬
‫المعتزل ة وفس روها بزي ادة العلم كم ا يفس رها الجهمي ة وه ذا في الحقيق ة تعطي ل‬
‫للرؤية)(‪)1‬‬
‫وهكذا نراه فيما يسمونه تعطي ل الص فات يق ول عنهم ببذاءت ه المعه ودة‪..( :‬‬
‫ومن رزقه هللا معرفة ما جاءت به الرسل وبصرًا نافذًا وعرف حقيقة مأخ ذ ه ؤالء‬
‫علم قطعًا أنهم يلحدون فى أسمائه وآياته وأنهم كذبوا بالرسل وبالكتاب وبم ا أرس ل‬
‫به رس له‪ .‬وله ذا ك انوا يقول ون إن الب دع مش تقة من الكف ر وآيل ة إلي ه ويقول ون إن‬
‫المعتزلة مخانيث الفالسفة واألشعرية مخانيث المعتزلة‪ .‬وكان يحيى بن عمار يقول‬
‫المعتزل ة الجهمي ة ال ذكور واألش عرية الجهمي ة اإلن اث وم رادهم األش عرية ال ذين‬
‫ينفون الصفات الخبرية‪ .‬وأما من قال منهم بكتاب اإلبانة الذي ص نفه األش عرى فى‬
‫آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك فهذا يعد من أهل السنة لكن مجرد االنتساب‬
‫إلى االشعرى بدعة‪ .‬ال س يما وأن ه ب ذلك ي وهم حس نًا بك ل من انتس ب ه ذه النس بة‬
‫وينفتح بذلك أبواب شر)(‪)2‬‬
‫والكتاب الذي يشير إليه طبعا‪ ،‬وهو [اإلبانة] ال يق ول ب ه أح د من األش اعرة‬
‫على مدار التاريخ‪ ،‬ألنه كتاب سلفي محض‪ ،‬ال يختلف عن س ائر كتبهم التجس يمية‪،‬‬
‫ولكنهم يتالعب ون باأللف اظ‪ ،‬ليوهم وا البس طاء أن هن اك أش اعرة مثبت ة وأش اعرة‬
‫معطلة‪.‬‬
‫وهكذا نرى ابن القيم يصرح بما لم يتجرأ ابن تيمية على التصريح به‪ ،‬فيقول‬
‫عن األشاعرة(‪:)3‬‬
‫الكفران ينحازوا وال‬ ‫ليسوا مخانيث الوجود فال‬
‫اإليمان‬ ‫إلى‬
‫ويقول بلغة تكفيرية بذيئة(‪:)4‬‬
‫ط اغوت ذي التعطي ل‬ ‫أه ون ب ذا الط اغوت ال ع ز‬
‫ران‬ ‫مه والكف‬ ‫اس‬
‫كم من أس ير ب ل ج ريح ب ل قتي ل ‍ تحت ذا الط اغوت في األزم ان‬
‫وت رى الجب ان يك اد يخل ع قلب ه ‍ من لفظ ه تب ا لك ل جب ان‬
‫وت رى المخنث حين يق رع س معه ‍ تب دو علي ه ش مائل النس وان‬
‫ولكل زنديق أخــــي كــــفران‬ ‫ويظل منكوحًا لكل معطـــــل‬
‫بل يعتبر أن هناك طائفتان وحيدتان في األمة في باب الصفات‪ :‬أحدهما أه ل‬
‫اإلثب ات‪ ،‬وهم أه ل الح ديث وح دهم‪ ،‬والثاني ة من ع داهم‪ ،‬وهم ال ذين ك نى عنهم‬

‫‪ )(1‬بيان تلبيس الجهمية ‪.2/434‬‬


‫‪ )(2‬بيان تلبيس الجهمية ‪. 6/359 ،‬‬
‫‪ )(3‬شرح قصيدة ابن القيم ‪.2/203‬‬
‫‪ )(4‬شرح قصيدة ابن القيم ‪.2/320‬‬

‫‪32‬‬
‫بالجهمية‪ ،‬والمراد به كل من لم يوافق السلفية في التجسيم‪ ،‬فيق ول‪..( :‬ب ل ال ذي بين‬
‫أهل الحديث والجهمية من الحرب أعظم مما بين عسكر الكفر وعسكر اإلسالم)(‪)1‬‬
‫وقال في النونية مبينا اتفاق األشاعرة مع المعتزلة في الرؤية‪:‬‬
‫ولذاك قال محقـق منكم ألهـــل االعتزال مـــقالة بأمان‬
‫ما بيننا ُخ لف وبينكم لدى التحـقيق في معنًى فيا إخواني‬
‫وقال ـ وهو يتحدث عن األشاعرة ـ‪( :‬فتأمل هذه األخوة التي بين هؤالء وبين‬
‫المعتزلة الذين اتفق السلف على تكفيرهم‪ ،‬وأنهم زادوا على المعتزل ة في التعطي ل)‬
‫(‪)2‬‬
‫وهكذا يقول أبو محم د عب د هللا بن محم د القحط اني األندلس ي (‪387‬هـ) في‬
‫نونيت ه ال تي ال زال الس لفية يحفظونه ا‪ ،‬وي رددون م ا فيه ا‪ ،‬ومنه ا ه ذه األبي ات‬
‫التكفيرية(‪:)3‬‬
‫وأذيع ما كتموا من‬ ‫واآلن أهجو األشعري‬
‫البهتان‬ ‫وحزبه ‍‬
‫والعرَش أخليتم من الرحمن‬ ‫عطلتم السبع السموات العال ‍‬
‫ما دام يصحب مهجتي جثماني‬ ‫ألقطعن بمعولي أعراضكم ‍‬
‫فيسير سير البزل بالركبان‬ ‫وألكتبن إلى البالد بسبكم ‍‬
‫يا عمي يا صم بال آذان‬ ‫يا أشعرية يا أسافلة الورى ‍‬
‫ًا‬
‫بغض أقل قليله أضغاني‬ ‫إني ألبغضكم وأبغض حزبكم ‍‬
‫كيال يرى إنسانكم إنساني‬ ‫لو كنت أعمى المقلتين لسرني ‍‬
‫ولقيت ربي سرني ورعاني‬ ‫قد عشت مسرورًا ومت مخفرًا ‍‬
‫لكن بإسخاطي لكم أرضــاني‬ ‫لم أدخر عمًال لربي صالحـــــــًا‬
‫وهك ذا ق ال أب و محم د موف ق ال دين عب د هللا بن أحم د بن محم د بن قدام ة‬
‫المقدسي (المتوفى‪620 :‬هـ)‪ ،‬وهو يلمح إلى األشاعرة‪( :‬وهذا ح ال ه ؤالء الق وم ال‬
‫محالة فهم زنادقة بغير شك‪ ،‬فإنه ال شك في أنهم يظهرون تعظيم المصاحف إيهام ا‬
‫أن فيها القرآن‪ ،‬ويعتقدون في الباطن أن ه ليس فيه ا إال ال ورق والم داد‪ ،‬ويظه رون‬
‫تعظيم القرآن ويجتمعون لقراءته في المحاف ل واألعري ة‪ ،‬ويعتق دون أن ه من ت أليف‬
‫جبري ل وعبارت ه‪ ،‬ويظه رون أن موس ى س مع كالم هللا من هللا ثم يقول ون ليس‬
‫بصوت)(‪)4‬‬
‫ومثل هؤالء جميع ا الش يخ عبي د هللا بن س عيد بن ح اتم الس جزّي (المت وفى‪:‬‬
‫‪444‬هـ) ال ذي أل ف رس الة في تكف ير من أنك ر الح رف والص وت‪ ،‬ويقص د بهم‬
‫األشاعرة بالدرجة األولى‪ ،‬فقد قال ناقال لق ولهم في المس ألة‪( :‬وق ال أب و محّم د بن‬

‫‪ )(1‬اجتماع الجيوش اإلسالمية ‪ ، 154‬وانظر الصواعق المرسلة ‪.4/1333‬‬


‫‪ )(2‬مختصر الصواعق المرسلة (‪)1382 /4‬‬
‫‪ )(3‬انظر نونية القحطاني‪. 50 ،‬‬
‫‪ )(4‬المناظرة على القرآن‪ ،‬ص‪.50‬‬

‫‪33‬‬
‫كالب ومن وافقه‪ ،‬واألشعري وغيرهم(‪( :)1‬الق رآن غ ير مخل وق‪ ،‬ومن ق ال بخلق ه‬
‫ك افر إال أن هللا ال يتكلم بالعربي ة‪ ،‬وال بغيره ا من اللغ ات وال ي دخل كالم ه النظم‪،‬‬
‫والتأليف‪ ،‬والتعاقب‪ ،‬وال يكون حرفًا وال صوتًا)(‪)2‬‬
‫ثم عقب علي ه بقول ه‪( :‬ومنك ر الق رآن الع ربي وأن ه كالم هللا ك افر بإجم اع‬
‫الفقهاء ومثبت قرآن ال أّو ل له وال آخر كافر بإجم اعهم‪ ،‬وم دعي ق رآن ال لغ ة في ه‬
‫جاهل غبي عند العرب)(‪)3‬‬
‫وهو بهذا ـ كسائر السلفية ـ يكف رون ك ل من يق ول ب الكالم النفس ي‪ ،‬ألن من‬
‫مقتضياته أن هللا تعالى لم يتكلم بالحروف واألصوات ال تي ننط ق به ا عن د قراءتن ا‬
‫للقرآن الكريم‪ ،‬وهذا هو قول األشاعرة كلهم متقدمهم ومتأخرهم‪.‬‬
‫وهكذا قال بعده الش يخ أب و إس ماعيل عب د هللا بن محم د بن علي األنص اري‬
‫الهروي (المتوفى‪481 :‬هـ) في كتاب ه في [ذم الكالم وأهل ه]‪ ،‬وه و كت اب مش حون‬
‫بتكفير األشاعرة‪ ،‬وقد نقل ابن تيمي ة الكث ير من ه مستحس نا ل ه‪ ،‬ومن ذل ك قول ه في‬
‫[بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكالمية]‪( :‬وقال شيخ االسالم أبو اس ماعيل‬
‫عبد هللا بن محم د األنص اري في كت اب ذم الكالم في آخ ره لم ا عق د باب ا في ذك ر‬
‫ه ؤالء األش عرية المت أخرين فق ال‪ :‬ب اب في ذك ر كالم األش عري‪( :‬ولم ا نظ ر‬
‫الم برزون من علم اء األم ة وأه ل الفهم من أه ل الس نة طواي ا كالم الجهمي ة وم ا‬
‫أودعت ه من رم وز الفالس فة ولم يق ع منهم اال على التعطي ل البحت‪ ،‬وأن قطب‬
‫مذهبهم ومنتهى عقدتهم ما صرحت به رؤوس الزنادقة قبلهم‪ ،‬والفلك دوار والسماء‬
‫خالية‪ ،‬وأن قولهم إنه تعالى في كل موضع وفي ك ل ش يء م ا اس تثنوا ج وف كلب‬
‫وال جوف خنزير وال حشا فرارا من اإلثبات وذهابا عن التحقيق‪ ..‬وقال أولئك ليس‬
‫له كالم إنما خلق كالما وهؤالء يقولون تكلم م رة فه و متكلم ب ه من ذ تكلم لم ينقط ع‬
‫الكالم‪ ،‬وال يوجد كالمه في موضع ليس هو ب ه‪ ،‬ثم يقول ون ليس ه و في مك ان‪ ،‬ثم‬
‫قالوا ليس له صوت وال حروف‪ ،‬وقالوا هذا زاج وورق وهذا صوف وخشب وه ذا‬
‫إنما قصد النفس وأريد به التفسير‪ ،‬وهذا صوت القاري إما يرى حسن وغ ير حس ن‬
‫وهذا لفظه أو ما تراه مجازا به حتى قال رأس من رؤوسهم‪ :‬أو يكون قرآن من لب د‬
‫وقال آخر من خشب‪ ،‬فراوغوا‪ ،‬فقالوا هذا حكاية عبر بها عن القرآن وهللا تكلم م رة‬
‫وال يتكلم بعد ذلك‪ ،‬ثم قالوا غير مخلوق‪ ،‬ومن قال مخلوق كافر‪ ،‬وهذا من فخ وخهم‬
‫يصطادون به قلوب عوام أهل السنة‪ ،‬وإنما اعتقادهم أن القرآن غير موج ود لفظي ة‬
‫الجهمية الذكور بمرة والجهمية اإلناث بعشر مرات)(‪)4‬‬
‫وقد أقر ابن تيمية كالم الهروي‪ ،‬وأن األشاعرة جهمية في باب ص فة الكالم‪،‬‬
‫وأنهم بذلك وقعوا في هذه البدعة المكفرة بإجماعهم‪.‬‬
‫‪ )(1‬انظر األشعري في المقاالت ‪ ،2/257‬وقد ذك ر الشهرس تاني عن األش عري أن ه يق ول ببعض م ا ذك ر‪ .‬انظ ر‪:‬‬
‫الملل ‪..1/96‬‬
‫‪ )( 2‬رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص‪)154 :‬‬
‫‪ )( 3‬رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص‪)154 :‬‬
‫‪ )(4‬بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكالمية (‪)4/405‬‬

‫‪34‬‬
‫وقد ذكر الشيخ الهروي سلفه في هذا‪ ،‬فق ال‪( :‬ورأيت يح يى بن عم ار م ا ال‬
‫أحص ي من م رة على من بره يكف رهم ويلعنهم‪ ،‬ويش هد على أبي الحس ن األش عري‬
‫بالزندقة‪ ،‬وكذلك رأيت عمر بن إبراهيم ومشائخنا)(‪)1‬‬
‫وإلى ه ذا أيض ا ذهب أب و القاس م هب ة هللا بن الحس ن بن منص ور الط بري‬
‫الرازي الاللكائي (المتوفى‪418 :‬هـ) وهو من مشايخهم الكبار المعتم دين‪ ،‬فق د ق ال‬
‫في [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة]‪( :‬سياق ما دل من اآلي ات من كت اب‬
‫هللا تعالى وما روي عن رسول هللا ‪ ‬والصحابة والتابعين على أن الق رآن تكلم هللا‬
‫به على الحقيقة‪ ،‬وأنه أنزله على محمد ‪ ،‬وأمره أن يتحدى به‪ ،‬وأن ي دعو الن اس‬
‫إليه‪ ،‬وأنه القرآن على الحقيقة‪ .‬متلو في المحاريب‪ ،‬مكتوب في المصاحف‪ ،‬محفوظ‬
‫في صدور الرجال‪ ،‬ليس بحكاية وال عبارة عن قرآن‪ ،‬وهو قرآن واحد غير مخلوق‬
‫وغير مجعول ومربوب‪ ،‬بل هو صفة من صفات ذاته‪ ،‬لم يزل به متكلما‪ ،‬ومن ق ال‬
‫غير هذا فهو كافر ضال مضل مبتدع مخالف لمذاهب السنة والجماعة)(‪)2‬‬
‫ثم عقد فصال آخر خصصه لألشاعرة‪ ،‬فقال‪( :‬س ياق م ا روي في تكف ير من‬
‫قال‪ :‬لفظي بالقرآن مخلوق)(‪)3‬‬
‫ثم ذكر األئمة الذين ذهبوا إلى هذا الم ذهب‪ ،‬فق ال‪( :‬روي ذل ك عن األئم ة‪.‬‬
‫عن محمد بن إدريس الشافعي‪ ،‬وأبي مصعب أحمد بن أبي بك ر الزه ري‪ ،‬وأحم د‪،‬‬
‫وإسحاق‪ ،‬وأبي عبيد‪ ،‬وأبي ث ور‪ ،‬وس ويد بن س عيد‪ ،‬وأبي هم ام الولي د بن ش جاع‪،‬‬
‫ومحمد بن يحيى بن أبي عم ر الع دني‪ ،‬وه ارون بن موس ى الف روي‪ ،‬ويعق وب بن‬
‫إبراهيم الدورقي‪ ،‬والحسن بن الصباح البزار‪ ،‬وهارون بن عب د هللا الحم ال‪ ،‬وعب د‬
‫الوه اب بن الحكم ال وراق‪ ،‬ومحم د بن منص ور الطوس ي‪ ،‬وإس حاق بن إب راهيم‬
‫البغوي‪ ،‬وأبي نشيط محمد بن هارون‪ ،‬وعباس بن أبي ط الب‪ ،‬ومحم د بن عب د هللا‬
‫بن أبي الثلج‪ ،‬وسليمان بن توبة النهرواني‪ ،‬وأبي الوليد الجارودي‪ ،‬ومحمد بن عب د‬
‫هللا بن يزي د المق رئ‪ ،‬وأبي ي ونس محم د بن أحم د بن يزي د الجمحي والحس ن بن‬
‫إبراهيم البياضي‪ ،‬ومحمد بن إس حاق بن يزي د أبي عب د هللا الص يني‪ )4()..‬وغ يرهم‬
‫كثير‪.‬‬
‫وهكذا نجد كبار أئم ة الس لفية من المتق دمين والمت أخرين يص رحون بتكف ير‬
‫األش اعرة بط رق ال تخفى على أي عاق ل‪ ،‬لكنهم م ع ذل ك يظل ون يج ادلون‪ ،‬ال‬
‫باإلنكار على أئمتهم الذين اعتبروا أمثال تلك المق والت مكف رة‪ ،‬ولكن بنفي التكف ير‬
‫عنهم‪.‬‬
‫ولست أدري أي منطق يعتمدون عليه في ذلك‪ :‬هل المنطق ال ذي يق ول‪ :‬ك ل‬
‫إنسان فان‪ ،‬وسقراط إنسان‪ ،‬إذن س قراط ف ان‪ ..‬وه و المنط ق ال ذي اتفقت البش رية‬

‫ذم الكالم ‪.1315‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪)364 /2‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪)385 /2‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪)386 /2‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪35‬‬
‫جميعا عليه‪ ،‬وقياسا عليه‪ :‬فإن كل من قال ـ بحسب الرؤية السلفية ـ بأن الحرف في‬
‫الصوت والقرآن مخلوق كافر‪ ..‬واألشاعرة قالوا بهذا‪ ..‬إذن هم كفار‪.‬‬
‫لكنهم ي أبون ه ذا من ب اب الخ داع والحيل ة‪ ..‬ال من ب اب الص دق والحقيق ة‪،‬‬
‫ولهذا نحتاج إلى الحديث عن أهل الجرأة فيهم‪ ،‬وال ذين لم يكتف وا ب التلميح‪ ،‬وع دلوا‬
‫إلى التصريح‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التكفير الصريح‪:‬‬
‫بناء على تلك المقوالت والفتاوى الكث يرة ال تي ي زدحم به ا ال تراث الس لفي‪،‬‬
‫والتي ال يملك أي سلفي صادق إال أن يذعن له ا‪ ،‬ألن ه إن لم ي ذعن له ا‪ ،‬فس يقع في‬
‫تكفير سلفه الصالح له‪ ،‬ظهرت الكث ير من الرس ائل والكتب ال تي ال تكتفي ب التكفير‬
‫الخفي‪ ،‬بل تضم إليه التكفير الصريح‪.‬‬
‫ومن أوائل هؤالء المصرحين أئمة الدعوة النجدي ة من أبن اء وتالمي ذ الش يخ‬
‫محمد بن عبد الوه اب‪ ،‬وال ذين يعت برهم الس لفية المعاص رون من كب ار م راجعهم‬
‫الفكرية بعد سلفهم األول‪ ،‬فقد ورد في [مجموعة الرسائل والمسائل النجدية] في عد‬
‫رسائل الشيخ عبد اللطيف بن عب د ال رحمن بن حس ن بن محم د بن عب د الوه اب (‬
‫‪1293-1225‬هـ) وهو من أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ه ذه الرس الة [تكف ير‬
‫من أنكر االستواء على العرش]‬
‫وقد قدموا لها بهذا التقديم‪( :‬ول ه أيض ا –يقص د الش يخ عب د اللطي ف بن عب د‬
‫الرحمن ‪ -‬رسالة إلى عبد هللا بن عم ير ص احب األحس اء‪ ،‬لم ا بلغ ه مس بة مش ائخ‬
‫المسلمين‪ ،‬والوقوع في أعراضهم‪ ،‬ليتوصل هو وإخوان ه ب ذلك إلى أغراض هم‪ ،‬من‬
‫القدح فيما عليه المشايخ من العقيدة والدين‪ ،‬ونسبهم إلى تكفير المؤمنين والمسلمين‪،‬‬
‫مع ما هو قائم به وأخدانه من أهل األحساء من س وء العقي دة‪ ،‬وس لوك طري ق أه ل‬
‫البدع واألهواء‪ ،‬ممن ينتسب في العقيدة إلى األشعرية من تالمذة الجهمية الجاح دين‬
‫لعل وه ‪-‬س بحانه‪ -‬على خلق ه‪ ،‬واس توائه على عرش ه‪ ،‬خالف العقي دة المْر ِض ية‬
‫والطريقة السلفية‪ .‬وقد اتهم بإلق اء ورق ة فيه ا الطعن في عقي دة من دع ا الن اس إلى‬
‫عبادة هللا‪ ،‬وترك عبادة ما سواه)(‪)1‬‬
‫وهذه مقتطفات من هذه الرسالة من هذا المرج ع الكب ير من مراج ع الس لفية‪:‬‬
‫(‪ ..‬بلغنا ما أنت عليه‪ ،‬أنت ومن غرك وأغواك‪ ،‬من مسبة مشايخ المسلمين‪ ،‬والقدح‬
‫فيم ا هم علي ه من العقي دة وال دين‪ ،‬ونس بتهم إلى تكف ير المؤم نين والمس لمين‪ ،‬وق د‬
‫عرفت أني لم ا أتيتكم ع ام أرب ع وس تين‪ ،‬بلغ ني أن ك على طريق ة من ينتس ب إلى‬
‫األشعري‪ ،‬من تالمذة الجهمي ة ال ذين جح دوا عل وه ‪-‬تع الى‪ -‬على خلق ه‪ ،‬واس تواءه‬
‫على عرشه‪ ،‬وزعموا أن كتابه الكريم‪ ،‬الذي نزل ب ه جبرائي ل على عب ده ورس وله‬
‫محمد ‪ ‬عبارة أو حكاية عما في نفس الباري‪ ،‬ال أنه تكلم به حقيقة‪ ،‬وسمع كالم ه‬
‫الروح األمين‪ ،‬وكذلك بقية الصفات ال تي ذهب األش اعرة فيه ا إلى خالف م ا ك ان‬

‫‪ )(1‬مجموعة الرسائل والمسائل النجدية‪.219 /3 :‬‬

‫‪36‬‬
‫عليه سلف األمة وأئمتها‪ ،‬ونقل عنك ما كنت تنتحله‪ ،‬من تصحيح العقود الباطلة في‬
‫اإلجارات‪ ،‬وشافهتك في البحث عن بعض ذلك فاعتذرت‪ ،‬وتنص لت وطلبت الك ف‬
‫عن هذه المادة‪ ،‬وأنك ال تعود إلى شيء من ذلك‪ ،‬فجريت معك بالسيرة الشرعية في‬
‫الكف عمن أظهر الخير والتزم ه‪ ،‬وت رك الس رائر إلى هللا ال ذي يعلم خائن ة األعين‬
‫وما تخفي الصدور‪ .‬وقد بلغنا عنك بعد ذلك أنك أبديت ألخدانك وجلسائك ش يئا مم ا‬
‫تقدمت اإلشارة إليه‪ ،‬من السباب والق دح‪ ،‬ال س يما إذا خل وت بمن يعظم ك‪ ،‬ويعتق د‬
‫فيك من أسافل الناس وسقطهم‪ ،‬الذين ال رغبة لهم فيما جاءت به الرسل‪ ،‬من معرفة‬
‫هللا ومعرفة دينه وحقه‪ ،‬وما شرع من حقوق عباده المؤمنين‪ ،‬وقد عرفت يا عب د هللا‬
‫أن من باح بمثل هذا‪ ،‬وأظهر ما انطوى عليه من سوء المعتقد‪ ،‬وطعن في شيء من‬
‫مب اني اإلس الم وأص ول اإليم ان‪ ،‬فدم ه ه در وقتل ه حتم‪ .‬وق د حكى ابن القيم عن‬
‫خمسمائة إم ام من أئم ة اإلس الم‪ ،‬ومفاتي ه العظ ام أنهم كّف روا من أنك ر االس تواء‪،‬‬
‫وزعم أنه بمعنى االستيالء‪ ،‬ومن جملتهم إمام ك الش افعي ‪-‬رحم ه هللا‪ ،-‬وجمل ة من‬
‫أش ياخه كمال ك وعب د ال رحمن بن مه دي والس فيانين‪ ،‬ومن أص حابه أب و يعق وب‬
‫البويطي والمزني‪ ،‬وبعدهم إم ام األئم ة ابن خزيم ة الش افعي‪ ،‬وابن س ريج‪ ،‬وخل ق‬
‫كثير‪ .‬وقولنا‪ :‬إمامك الشافعي مجاراة للنسبة‪ ،‬ومجرد ال دعوى‪ ،‬وإال فنحن نعلم أنكم‬
‫بمعزل عن طريقته في األصول‪ ،‬وكث ير من الف روع‪ ،‬كم ا ه و مع روف عن د أه ل‬
‫العلم والمعرفة)(‪)1‬‬
‫ومنهم الشيخ عبد الرحمن بن حسن حفيد الشيخ محمد عبد الوهاب الذي كف ر‬
‫األشاعرة ص راحة‪ ،‬فق ال‪( :‬وه ذه الطائف ة ال تي تنتس ب إلى أبي الحس ن األش عري‬
‫وص فوا رب الع المين بص فات المع دوم والجم اد؛ فلق د أعظم وا الفري ة على هللا‪،‬‬
‫وخالفوا أهل الحق من السلف واألئمة وأتباعهم؛ وخالفوا من ينتسبون إليه‪ ،‬ف إن أب ا‬
‫الحس ن األش عري‪ ،‬ص رح في كتاب ه اإلبان ة‪ ،‬والمق االت‪ ،‬بإثب ات الص فات؛ فه ذه‬
‫الطائفة المنحرفة عن الحق قد تجردت شياطينهم لصد الناس عن سبيل هللا‪ ،‬فجحدوا‬
‫توحيد هللا في اإللهية‪ ،‬وأجازوا الشرك الذي ال يغفره هللا‪ ،‬فجوزوا أن يعبد غيره من‬
‫دونه‪ ،‬وجحدوا توحيد صفاته بالتعطيل)(‪)2‬‬
‫ومنهم الشيخ عبد هللا بن عبد الرحمن الملقب بـ [أبابطين] (توفي ‪ 1282‬هـ)‪،‬‬
‫وقد تولي عدة مناصب حساسة في السعودية في أطوارها المختلفة‪ ،‬ففي والي ة عب د‬
‫هللا بن سعود صار قضيا على عم ان‪ ،‬ثم لم ا ج اء عه د الحكوم ة الس عودية الثاني ة‬
‫صار قاضيا على مقاطعة الوش م‪ ،‬وقض اء س دير‪ ..‬وه ذا ي بين ن وع القض اة ال ذين‬
‫يختارهم آل سعود وآل الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪.‬‬
‫فعند مطالعة رسالة هذا الشيخ القاضي ال ذي أواله الوه ابيون ك ل تل ك الثق ة‬
‫نرى شخصية ممتلئة بالحقد والتكفير لكل المسلمين‪ ،‬بمن فيهم األشاعرة‪ ،‬ومن أمثلة‬
‫ذل ك الفص ل ال ذي عنون ه بـ [تق ارب األش عرية من المعتزل ة والجهمي ة في بعض‬
‫‪ )(1‬مجموعة الرسائل والمسائل النجدية‪.220 /3 :‬‬
‫‪ )(2‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)210 /3‬‬

‫‪37‬‬
‫الصفات]‪ ،‬فمما جاء فيه قوله‪( :‬وم ذهب الس لف قاطب ة‪ :‬أن كالم هللا غ ير مخل وق‪،‬‬
‫وأن هللا ‪-‬تع الى‪ -‬تكلم ب القرآن‪ ،‬حروف ه ومعاني ه‪ ،‬وأن هللا ‪-‬س بحانه وتع الى‪ -‬يتكلم‬
‫بصوت يسمعه من يشاء‪ .‬واألشعرية ال يثبتون علو ال رب ف وق س ماواته واس تواءه‬
‫على عرشه ويسمون من أثبت صفة العلو واالس تواء على الع رش مجس ما مش بها‪،‬‬
‫وهذا خالف ما عليه أهل السنة والجماعة؛ فإنهم يثبتون صفة العلو‪ ،‬واالستواء‪ ،‬كما‬
‫أخبر هللا ‪-‬سبحانه‪ -‬ب ذلك عن نفس ه‪ ،‬ووص فه ب ه رس وله ‪ ،‬من غ ير تك ييف وال‬
‫تعطي ل‪ .‬وص رح كث ير من الس لف بكف ر من لم يثبت ص فة العل و واالس تواء‪.‬‬
‫واألشاعرة وافقوا الجهمية في نفي هذه الصفة‪ ،‬لكن الجهمية يقول ون‪ :‬أن ه ‪-‬س بحانه‬
‫وتعالى‪ -‬في كل مكان‪ ،‬ويسمون الحلولية‪ ،‬واألشعرية يقولون‪ :‬كان وال مك ان‪ ،‬فه و‬
‫على ما كان قبل أن يخلق المكان‪ .‬واألشعرية يوافقون أهل السنة في رؤية المؤمنين‬
‫ربهم في الجنة‪ ،‬ثم يقولون‪ :‬إن معنى الرؤية إنما ه و زي ادة علم‪ ،‬يخلق ه هللا في قلب‬
‫الناظر ببصره‪ ،‬ال رؤية بالبصر حقيقة عيانا‪ .‬فهم بذلك نافون للرؤية التي دل عليه ا‬
‫القرآن‪ ،‬وتواترت بها األحاديث عن النبي ‪ .‬ومذهب األشاعرة‪ :‬أن اإليمان مجرد‬
‫التص ديق‪ ،‬وال ي دخلون في ه أعم ال الج وارح‪ .‬ق الوا‪ :‬وإن س ميت األعم ال في‬
‫األحاديث إيمانا‪ ،‬فعلى المجاز ال الحقيقة‪ .‬ومذهب أهل السنة والجماعة‪ :‬أن اإليم ان‬
‫تصديق بالقلب‪ ،‬وقول باللسان‪ ،‬وعمل بالجوارح‪ .‬وق د كف ر جماع ة من العلم اء من‬
‫أخ رج العم ل عن اإليم ان‪ .‬ف إذا تحققت م ا ذكرن ا عن م ذهب األش اعرة من نفي‬
‫ص فات هللا ‪-‬س بحانه وتع الى‪ -‬غ ير الس بع ال تي ذكرن ا‪ ،‬ويقول ون‪ :‬إن هللا لم يتكلم‬
‫بح رف‪ ،‬وال ص وت‪ ،‬وأن ح روف الق رآن مخلوق ة‪ ،‬ويزعم ون أن كالم ال رب ‪-‬‬
‫سبحانه وتعالى‪ -‬معنى واحد‪ ،‬وأن نفس القرآن ه و نفس الت وراة واإلنجي ل‪ ،‬لكن إن‬
‫عبر عنه بالعربية فهو قرآن‪ ،‬وإن عبر عن ه بالعبراني ة فه و ت وراة‪ ،‬وإن ع بر عن ه‬
‫بالسريانية فهو إنجيل‪ ،‬وال يثبتون رؤية أهل الجنة ربهم بأبصارهم‪ ،‬إذا عرفت ذل ك‬
‫عرفت خط أ من جع ل األش عرية من أه ل الس نة‪ ،‬كم ا ذك ره الس فاريني في بعض‬
‫كالمه‪ ،‬ويمكن أنه أدخلهم في أهل السنة مدارة لهم ألنهم اليوم أكثر الن اس‪ ،‬واألم ر‬
‫لهم)(‪)1‬‬
‫وهذا تصرح من هذا الشيخ السلفي بأن التقية هي ال تي دعت بعض الس لفيين‬
‫إلى التساهل مع األشاعرة‪ ،‬ألنه ال فرق بينهم وبين المعتزلة والجهمة‪ ،‬وما داموا قد‬
‫كفروهما‪ ،‬فلم ال يكفرون من يقول بنفس قولهما‪.‬‬
‫وبن اء على ه ذا نج د الكث ير من الرس ائل والكتب المعاص رة‪ ،‬وال تي تنتش ر‬
‫بكثرة على النت‪ ،‬وفي المواقع المختلفة‪ ،‬وهي تصرح جميعا بأن األش اعرة جهمي ة‬
‫معطلة كفار‪ ،‬وتستند في ذلك لكل التراث السلفي المشحون بتكفير من يقول بقولهم‪.‬‬
‫وسأذكر هنا من باب المثال نموذجين عن تكفير األشاعرة من خالل الكتابات‬
‫السلفية المعاصرة‪:‬‬
‫النموذج األول‪:‬‬
‫‪ )(1‬رسائل وفتاوى أبا بطين (ص‪)177 :‬‬

‫‪38‬‬
‫وه و لرس الة بعن وان [تكف ير األش اعرة] لص احبها الش يخ خال د بن علي‬
‫المرض ي الغام دي‪ ،‬وه و كم ا في ترجمت ه ق د تتلم ذ على كب ار مش ايخ الس لفية‬
‫المعاصرين‪ ،‬كالشيخ (عبد العزيز بن باز) الذي أخذ عنه الح ديث والتوحي د والفق ه‬
‫والمص طلح‪ ،‬والش يخ (عب د هللا بن ح برين) ال ذي درس على يدي ه الفق ه والعقي دة‬
‫والنح و‪ ،‬والش يخ (محم د بن ع ثيمين) ودرس على يدي ه الفق ه والنح و والعقي دة‬
‫والحديث‪ ،‬باإلضافة لتتلم ذه على الش يخ (عب د هللا بن قع ود) والش يخ (محم ود الت و‬
‫يجري) وغيرهم‪.‬‬
‫وله كتابات كثيرة تمتلئ بالتكفير‪ ،‬وتحيي سنة سلفه الص الح في ذل ك‪ ،‬ومنه ا‬
‫(التوحيد وحقيقة الشرك) و(شرح نواقض اإلسالم) و(ش رح ش روط ال ال ه إال هللا)‬
‫و(الميثاق) و(نقض عقائد األشاعرة) و(قواعد في البراء والوالء)‬
‫وقد قدم لرسالته هذه بقوله‪( :‬هذا كتاب في تكف ير األش اعرة الجهمي ة‪ ،‬وبي ان‬
‫ق ول أه ل العلم فيهم‪ ،‬وتحقي ق إجم اع الس لف على كف رهم‪ ،‬وال رد على من زعم‬
‫خالف ذلك‪ ،‬كما وفيه بيان أن من أنكر صفات هللا العقلية التي ال تق وم ربوبيت ه وال‬
‫تصح ألوهيته إال بها كالعلم والقدرة والعلو والكالم والسمع والبص ر ونحوه ا ك افر‬
‫ال يعذر بجهل أو تأويل‪ ،‬وعليه فمن علم منه عبادة غير هللا كدعاء األم وات والحكم‬
‫بغير ما أنزل هللا أو إنكار ربوبية هللا أو صفاته التي ال يكون هللا تع الى رب ا إال به ا‬
‫والتي هي من لوازم ألوهيته وربوبيته فإنه يحكم بكفره وال يعذر بجهله وتأوله ومن‬
‫مات على هذه العقيدة فهو مشرك ال يترحم عليه)(‪)1‬‬
‫ثم صرح بأن البحث العلمي في التراث السلفي هو الذي دفعه إلى ه ذا الق ول‬
‫دفعا‪ ،‬فقال‪( :‬ه ذا وإني كنت س ابقًا ال أق ول بتكف ير األش اعرة والماتريدي ة كم ا في‬
‫كتابي نقض عقائد األشاعرة تبعا لم ا رأيت ه من الكالم المنس وب لإلم ام ابن تيمي ة‪،‬‬
‫وكنت أقول قديمًا أن العذر بالجهل والتأويل في الشرك وإنكار الص فات خ الف في ه‬
‫بعض أهل السنة وكنت أخطئهم وذلك على أن المسألة خالفي ة وليس األم ر ك ذلك‪،‬‬
‫فلما تأملت في األدلة وكالم السلف رجعت من هذا القول وتبرأت منه وال أحل أحدا‬
‫أن ينقله عني أو ينسبه لي)(‪)2‬‬
‫ثم ذكر قدوته وسلفه في ذلك‪ ،‬فق ال‪( :‬ولي في ذل ك أس وة وه و اإلم ام أحم د‬
‫حين قال عن الجهمية‪( :‬كنت ال أكفرهم ح تى ق رأت آي ات من الق ران)(‪ ..)3‬وأدع و‬
‫من يخالف في المسألة إلى التبصر في األدل ة واالقت داء بمنهج الس لف في تكف يرهم‬
‫وعد إعذارهم‪ ،‬قال البخاري‪( :‬وإني ألستجهل من ال يكفر الجهمية إال من ال يعرف‬
‫كفرهم) وقال أحمد‪( :‬الجهمية كفار) وقال البربهاري‪( :‬الجهمي ك افر ليس من أه ل‬
‫القبلة) وقال الدارمي‪( :‬وأي فرق بين الجهمية وبين المشركين حتى نجبن عن قتلهم‬

‫‪ )(1‬تكفير األشاعرة‪ ،‬ص‪.3‬‬


‫‪ )(2‬تكفير األشاعرة‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫‪ )(3‬طبقات الحنابلة ‪.2/553‬‬

‫‪39‬‬
‫وإكفارهم)(‪)1‬‬
‫ثم ذك ر النتيجي ة ال تي وص ل إليه ا‪ ،‬فق ال‪( :‬ف الحق ال ذي ال مري ة في ه أن‬
‫األشاعرة جهمية‪ ،‬والجهمية كفار غير مسلمين‪ ،‬وأن المشرك الجاهل بالتوحيد منكر‬
‫صفات الربوبية واأللوهية ال يسمى مسلما ولو كان جاهال او متأوًال‪ ،‬وه ذا مم ا ال‬
‫خالف فيه بين أهل السنة‪ ،‬ومن خالف في هذه المسألة فال اعتبار بخالف ه ألن ه يع د‬
‫ناقضا لإلجماع‪ ،‬والحمد هلل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا هللا)(‪)2‬‬
‫وبناء على أهمية ما ذكره في هذه الرس الة‪ ،‬وداللته ا على أن ه يس تحيل على‬
‫أي سلفي صادق في سلفيته أن يتوقف عن التكفير‪ ،‬أو يتوقف فيه‪ ،‬فسأذكر بعض ما‬
‫ذكره هنا للداللة على أن التراث السلفي أعظم خزان للتكفير‪.‬‬
‫فقد مهد بعد المقدمة بتمهيد عنونه بـ [تمهيد بوج وب تكف ير األش عرية]‪ ،‬ق ال‬
‫في ه‪( :‬اعلم أن م دار الرس الة يق ف على أم رين‪ :‬األول‪ :‬أن األش اعرة وقع وا في‬
‫مكفرات عديدة لم يختلف أحد من أه ل الس نة في تكف ير فاعله ا وقائله ا ومعتق دها‪،‬‬
‫وسنأتي بها على وجه التفصيل مع كالم أهل العلم‪ ..‬الثاني‪ :‬وجوب تكف ير من كف ره‬
‫هللا من الواقعين في فعل ينقض إيمانهم‪ ،‬ومنهم الجهمي ة وأتب اعهم األش اعرة ال ذين‬
‫أجمع السلف على وجوب تكفيرهم بأعيانهم وكفروا من لم يكفرهم)(‪)3‬‬
‫فهات ان مق دمتان منطقيت ان‪ ،‬وكالهم ا مم ا يمتلئ ال تراث الس لفي بالدالل ة‬
‫عليهما‪ ..‬وقد ساق الكاتب الكثير من النصوص الدالة على وجوب التكفير‪ ،‬وحرم ة‬
‫التوق ف عن ه أو في ه‪ ،‬ومم ا نقل ه من ذل ك ق ول البربه اري فيمن وق ع في ن واقض‬
‫اإلس الم كإنك ار عل و هللا‪( :‬وإذا فع ل ش يئًا من ذل ك وجب علي ك أن تخرج ه من‬
‫اإلسالم)(‪)4‬‬
‫ونقل عن جماعة من العلماء من أصحاب الدعوة النجدي ة‪..( :‬وأج اب الش يخ‬
‫عبد هللا والشيخ إبراهيم‪ :‬ابنا الش يخ عب د اللطي ف‪ ،‬والش يخ س ليمان بن س حمان‪ :‬ال‬
‫تصح إمامة من ال يكفر الجهمية والقبوريين أو يشك في كف رهم؛ وه ذه المس ألة من‬
‫أوضح الواضحات عند طلب ة العلم وأه ل األث ر‪ ،‬وذك روا نح وًا مم ا تق دم من كالم‬
‫الشيخ عبد اللطيف‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬وكذلك القبوري ون ال يش ك في كف رهم من ش م رائح ة‬
‫اإليمان؛ وقد ذكر شيخ اإلسالم‪ ،‬وتلميذه ابن القيم‪ ،‬رحمهما هللا‪ ،‬في غير موضع‪ :‬أن‬
‫نفي التكفير بالمكفرات قوليها وفعليها‪ ،‬فيما يخفى دليل ه ولم تقم الحج ة على فاعل ه‪،‬‬
‫وأن النفي يراد به نفي تكفير الفاعل وعقابه قبل قيام الحجة علي ه‪ ،‬وأن نفي التكف ير‬
‫مخصوص بمسائل الّنزاع بين األمة‪)5().‬‬
‫ونقل عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قوله‪( :‬لو ذهبنا نعدد من كفره العلماء‬
‫مع إدعائه اإلسالم وأفتوا بردته وقتله لطال الكالم‪ ...‬وهل قال واحد من العلم اء في‬
‫تكفير األشاعرة‪ ،‬ص‪.3‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫تكفير األشاعرة‪ ،‬ص‪.4‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تكفير األشاعرة‪ ،‬ص‪.5‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫شرح السنة‪.73 ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)409 /4‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪40‬‬
‫أعيانهم)(‪)1‬‬ ‫هذه المكفرات وأسباب الردة إن هؤالء يكفر أنواعهم وال يكفر‬
‫ونقل عن عبدهللا با بطين قوله‪( :‬وما سألت عنه من حكم تع يين إنس ان بعين ه‬
‫بالكفر إذا ارتكب شيئا من المكف رات؟ ف إن من ارتكب ش يئا من ه ذا الن وع فه ذا ال‬
‫ش ك في كف ره وال ب أس بمن تحققت من ه أش ياء من ذل ك أن تق ول كف ر فالن به ذا‬
‫الفعل)(‪)2‬‬
‫ثم نقل جملة من (كالم أهل العلم في كفر الممتنع عن تكفير من وقع في الكفر‬
‫والردة)‪ ،‬ومنها قول ابن بطة‪( :‬من قال كالم هللا مخلوق فه و ك افر حالل ال دم ومن‬
‫شك في كفره ووقف في تكفيره فهو كافر)(‪)3‬‬
‫ومنها قول اإلمام الملطي (توفي ‪377‬هـ) في الشاك في كفر الكافر‪( :‬وجمي ع‬
‫أهل القبلة ال اختالف بينهم‪ :‬أن من شك في كافر فهو كافر‪ ،‬ألن الشاك في الكف ر ال‬
‫إيمان له‪ ،‬ألنه ال يعرف كفرا من إيمان)(‪)4‬‬
‫ومنها قول بعض أئمة الدعوة النجدية‪( :‬فمن لم يكفر المشركين‪ ...‬فه و ك افر‬
‫مثلهم وإن كان يكره دينهم ويحب اإلسالم فإن الذي ال يكفر المشركين غير مص دق‬
‫بالقرآن)(‪)5‬‬
‫ومنها قول الشيخ س ليمان بن عب د هللا‪( :‬من ك ان ش اكا في كف رهم أو ج اهًال‬
‫بكفرهم بينت له األدلة من كتاب هللا وسنة رسوله على كفرهم‪ ،‬فإن شك بعد ذل ك أو‬
‫تردد فإنه كافر بإجماع العلماء على أن من شك في كفر الكافر فهو كافر)(‪)6‬‬
‫وبن اء على ه ذه النق ول وغيره ا ق ال‪( :‬وبع د ه ذا الكالم س تعلم الفائ دة من‬
‫دعوتنا لتكفير األشاعرة وأهميته‪ ،‬وأنه من الدين والكفر بالطاغوت‪ ،‬وتارك التكف ير‬
‫بالكلية امتناعا يكفر‪ ،‬ألن االمتناع عن تكفير المشركين يع د أح د ن واقض اإلس الم‪،‬‬
‫والسلف كفروا الجهمية وأصحاب عقيدة نفاة ص فات الكم ال والعل و وكف روا من لم‬
‫يكفر أصحابها‪ ،‬فتنبه فإني لك ناصح واألمر جد خط ير‪ ،‬كم ا أن في تكف ير العلم اء‬
‫للواقع في الكفر تحذيرا للمرتدين لعلهم يرجعون‪ ،‬وقد بينت ه ذه المس ألة في ش رح‬
‫نواقض اإلسالم)(‪)7‬‬
‫ثم عقد فصوال يعدد فيها وجوه كون األشاعرة فرقة من الجهمي ة‪ ،‬مثلهم مث ل‬
‫(المعتزلة والمريسية والكالبية والماتريدية واإلباضية الخوارج والزيدية وغ يرهم‪..‬‬
‫وتكفير السلف يشملهم جميعا ألن جميعهم منكرة للعلو)(‪)8‬‬
‫ومن تل ك الوج وه‪( :‬ق ولهم بق ول الجهم بن ص فوان في الص فات والق در‬
‫واإليم ان‪ ،‬واتب اعهم لمذهب ه فهم الي وم على معتق د الجهمي ة ح ذو الق ذة‪ ..‬ب ل إن‬
‫الدرر السنية ‪.10/63‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الرسائل ‪.1/657‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلبانة‪..129 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التنبيه والرد على أهل األهواء والبدع ص‪.54:‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الدرر السنية ‪.9/291‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫الدرر السنية ‪..8/160‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫تكفير األشاعرة‪ ،‬ص‪.12‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫تكفير األشاعرة‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫‪41‬‬
‫األشعرية زادوا في الغلو‪ ،‬فأنكروا كثيرا من الص فات ال تي ك ان األش عري يثبته ا‪،‬‬
‫وهذا من غير القول برج وع األش عري عن مذهب ه إن ص ح م ع بق ائهم على منهج‬
‫الجهمية بعده‪ ،‬فكيف ينسبون له وقد تاب من عقيدته إن ثبت رجوعه‪ .‬ه ذا واعلم أن‬
‫كثيرا من أهل العلم ال يسمون األشاعرة إال بالجهمية‪ ،‬كالهروي وابن تيمية في بيان‬
‫تلبيس الجهمية وابن القيم في كتابه اجتماع الجيوش في غ زو الجهمي ة والص واعق‬
‫المرسلة على الجهمية وكذلك كثير من أئمة الدعوة وقصدوا بالجهمية األشاعرة)(‪)1‬‬
‫ومن تل ك الوج وه (إجم اع األم ة على تكف ير الجهمي ة)‪ ،‬وبم ا أن األش اعرة‬
‫جهمية أو فرق من فرق الجهمي ة كم ا ينص ك ل أعالم الس لف‪ ،‬ف إن ه ذا اإلجم اع‬
‫يشملهم‪ ،‬ق ال الغام دي‪( :‬أجم ع أئم ة الس لف على كف ر الجهمي ة وص رحوا بتكف ير‬
‫أعيانهم وعدم صحة الصالة خلفهم وال أكل ذبائحهم وال مناكحتهم)‬
‫ثم أخذ يعدد األقوال التي كفرت الجهمية بها‪ ،‬وال تي ش اركم فيه ا األش اعرة‪،‬‬
‫فقال‪( :‬اعلم أن األقوال التي من أجله ا كف ر الس لف الجهمي ة تق ول به ا األش اعرة‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬األول‪ :‬إنكار علو هللا تعالى وه و أش نعها‪ :‬والس لف أجمع وا على تكف ير من‬
‫أنكر علو هللا تعالى‪ ،‬واألشاعرة تقول به تبعًا للجهمية‪ ..‬قال ابن تيمي ة عن عل و هللا‪:‬‬
‫(ولهذا كان السلف مطبقين على تكفير من أنكر ذلك ألنه عندهم معلوم باإلض طرار‬
‫من ال دين)(‪ ..)2‬ب ل الب د أن تعلم أن جمي ع األش اعرة ص رحوا بم ا لم يص رح ب ه‬
‫الجهمية‪ ،‬فالجهمية لم يتجرؤوا على إظهار إنكار العلو‪ ،‬بينم ا األش اعرة يج اهرون‬
‫بإنكاره)(‪)3‬‬
‫ثم نقل عن ابن تيمية قوله‪( :‬الجهمية أظهروا مسألة القرآن وأنه مخلوق وأن ه‬
‫ال يرى في اآلخرة ولم يكونوا يظهرون لعامة المؤمنين وعلمائهم إنكار أن هللا ف وق‬
‫الع رش وأن ه ال داخ ل الع الم وال خارج ه‪ ،‬وإنم ا ك ان العلم اء يعرف ون ه ذا منهم‬
‫باالستدالل‪ ..‬وهذا كما قال حماد بن زيد‪( :‬وما يحاولون إال أن ليس في السماء إله)‪،‬‬
‫وقال عب دالرحمن بن مه دي‪( :‬ليس في أص حاب األه واء أش ر من أص حاب جهم‪،‬‬
‫ي دورون على أن يقول وا ليس في الس ماء ش يء) ومث ل ه ذا كث ير في كالم الس لف‬
‫واألئمة كانوا يردون ما أظهرته الجهمية من نفي الرؤية وخلق القرآن ويذكرون م ا‬
‫تبطن ه الجهمي ة مم ا ه و أعظم من ذل ك‪ :‬أن هللا ليس على الع رش‪ ،‬ويجعل ون ه ذا‬
‫منتهى قولهم‪ ،‬وأن ذلك تعطيل للصانع وجحود للخالق)(‪)4‬‬
‫وعل ق علي ه بقول ه‪( :‬فال تعجب بع د ذل ك إن قلت ل ك إن م ا لم يتج رأ على‬
‫إظهاره الجهمية وهو نفي العلو تجاهر األشاعرة بإظهاره ف أوجبوا إنك ار العل و ب ل‬
‫وكفروا من يثبت هلل العلو ألن هذا عندهم من التجسيم)(‪)5‬‬
‫ثم نقل بعض أقوال المتق دمين منهم‪ ،‬وعقب عليه ا بقول ه‪( :‬ومن ع رف عن ه‬
‫تكفير األشاعرة‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫درء تعارض النقل والعقل ‪..7/26‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تكفير األشاعرة‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫بيان تلبيس الجهمية ‪.3/522‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫تكفير األشاعرة‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪42‬‬
‫ه ذا الق ول ك النووي وابن حج ر والهيتمي والقرط بي وغ يرهم من األش اعرة فال‬
‫يجوز أن يترحم عليه إال أن يثبت رجوعه‪ ،‬ب ل يجب أن يحكم بكف ره ونفي اإلس الم‬
‫عنه إن م ات على ه ذه العقي دة الجهمي ة الك افرة ال تي لم يختل ف الس لف على كف ر‬
‫أصحابها)(‪)1‬‬
‫وبهذا فإن تطبيق أقوال سلف السلفية على أك ثر علم اء األم ة يجعلهم جهمي ة‬
‫وكفارا ال يستثنى أحد منهم حتى لو كان في مرتبة النووي وابن حجر وغيرهما‪..‬‬
‫هذا هو النموذج األول‪ ،‬وهو نموذج ص ادق في التعام ل م ع ال تراث الس لفي‬
‫ألنه من الغريب أن تق ول فرقت ان هم ا الجهمي ة واألش اعرة ق وال واح دا‪ ،‬ثم تكف ر‬
‫إحداهما بسببه تكفيرا غليظا‪ ،‬ثم تعذر األخرى‪ ..‬ألن المنط ق الس ليم ينص إم ا على‬
‫اعتبار الجميع معذورين‪ ،‬أو اعتبارهم جميعا مدانين‪.‬‬
‫النموذج الثاني‪:‬‬
‫وهو لكتاب بعنوان [تأكيد المسلمات السلفية في نقض الفت وى الجماعي ة ب أن‬
‫األشاعرة من الفرقة المرضية]‪ ،‬وهو لعلم سلفي معروف لدى الس لفية المعاص رين‬
‫هو عبد العزيز بن ريس الريس‪ ،‬باإلضافة إلى أن ه ق دم ل ه وق رظ وأث ني علي ه من‬
‫طرف كب ار أعالم الس لفية المعاص رين من أمث ال‪ :‬الش يخ المح دث أحم د النجمي‪،‬‬
‫والشيخ عبيد الجابري‪ ،‬باإلضافة لمراجع ة ك ل من الش يخ ص الح الف وزان والش يخ‬
‫المحدث عبدالمحسن العب اد‪ ،‬والكت اب منتش ر على النت بك ثرة‪ ،‬وه و يمث ل وجه ة‬
‫نظرة سلفية كبيرة‪.‬‬
‫وه و في أص له رد علمي وباألدل ة الكث يرة على فت وى من بعض أص حاب‬
‫المنهج التكف يري الخفي من الس لفية‪ ،‬وال ذين رأوا أن المص لحة في ال وقت الح الي‬
‫تستدعي تخفيف الحرب على األشاعرة‪ ،‬لتفرغهم لمن يسمونهم الروافض‪.‬‬
‫وأص حاب الفت وى ـ وهم الش يخ عبدهللا الغنيم ان والش يخ محم د الس حيباني‬
‫والشيخ عبد العزيز القاري ـ ليس لهم شأن كبير لدى الس لفية‪ ،‬ال في علمهم‪ ،‬وال في‬
‫مكانتهم‪ ،‬ولكنهم مع ذلك لقوا ردود فعل شديدة من أعالم السلفية الكب ار‪ ،‬النح رافهم‬
‫عن المنهج السلفي األصيل‪.‬‬
‫ونص الفتوى التي اجتهد الكاتب في نقضها هي‪( :‬األشاعرة والماتريدية قد‬
‫خالفوا الص واب حين أول وا بعض ص فات هللا س بحانه‪ .‬لكنهم من أه ل الس نة‬
‫والجماعة‪ ،‬وليسوا من الفرق الض الة االثن تين والس بعين إال من غال منهم في‬
‫التعطي ل‪ ،‬وواف ق الجهمي ة فحكم ه حكم الجهمي ة [وه ذا ينطب ق على ك ل‬
‫األش اعرة‪ ،‬ألنهم جميع ا متفق ون على نفي الجه ة ونفي الح رف والص وت‬
‫وتعطيل كل ما يذكره السلفية من صفات اليد والوجه والساق وغيره ا](‪ )2‬أم ا‬
‫سائر األشاعرة والماتريدية فليسوا كذلك [ألن ه ال يوج د أش عري أو ماتري دي‬

‫‪ )(1‬تكفير األشاعرة‪ ،‬ص‪.23‬‬


‫‪ )(2‬التعليق مني‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫بالوصف الذي ذك ره] (‪ ،)1‬وهم مع ذورون في اجته ادهم وإن أخط أوا الح ق‪.‬‬
‫ويج وز التعام ل والتع اون معهم على ال بر واإلحس ان والتق وى‪ ،‬وه ذا ش يخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية قد تتلمذ على كثير من العلماء األشاعرة‪ ،‬ب ل ق د قات ل تحت‬
‫راي ة أم راء الممالي ك حك ام ذل ك الزم ان وع امتهم أش اعرة‪ ،‬ب ل ك ان القائ د‬
‫المجاه د البط ل ن ور ال دين زنكي الش هيد‪ ،‬وك ذا ص الح ال دين األي وبي من‬
‫األشاعرة كما نص علي ه ال ذهبي في س ير أعالم النبالء‪ ،‬وغيرهم ا كث ير من‬
‫العلماء والقواد والمصلحين‪ ،‬بل إن كثيرًا من علماء المسلمين وأئمتهم أشاعرة‬
‫وماتريدي ة‪ ،‬كأمث ال ال بيهقي والن ووي وابن الص الح والم زي وابن حج ر‬
‫العس قالني والع راقي والس خاوي وال زيلعي والس يوطي‪ ،‬ب ل جمي ع ش راح‬
‫البخاري هم أشاعرة وغيرهم كثير)(‪)2‬‬
‫وبعد أن أورد الكاتب نص الفتوى بدأ بنقضها‪ ،‬وأول ما فعله لذلك هو تقديم ه‬
‫لتقريظ ات وتزكي ات من هم أوث ق وأعلم ل دى الس لفية من أص حاب الفت وى‪ ،‬وفي‬
‫مق دمتهم الش يخ المح دث أحم د النجيمي ال ذي في تقريظ ه للكت اب‪( :‬اطلعت على‬
‫رسالة كتبها الشيخ عبدالعزيز بن ريس الريس ‪ -‬جزاه هللا خيرًا‪ ،‬وب ارك في ه ‪-‬؛ رد‬
‫بها على فتوى كتبها مجموعة من المشائخ زعموا فيها أن األشاعرة والماتريدية من‬
‫أه ل الس نة؛ ك برت كلم ة تخ رج من أف واههم‪ ،‬والح ق ال ذي ال مري ة في ه‪ ،‬أن‬
‫األشاعرة‪ ،‬والماتريدية؛ من طوائف أهل الب دع‪ ،‬وال يج وز ألح د أن يق ول إنهم من‬
‫أهل السنة‪ ،‬ومن زعم أن هاتين الطائفتين من أه ل الس نة والجماع ة‪ ،‬فإن ه ق د أقحم‬
‫نفسه في خطأ فادح‪ ،‬وخطر فاضح‪ ،‬وسيسأل يوم القيامة عن قيله قب ل أن ُيف َر ج ل ه‬
‫عن سبيله)(‪)3‬‬
‫وقد يتصور البعض أن السلفية في ه ذا النص لم يفعل وا س وى أن أخرج وهم‬
‫من أهل السنة والجماع ة ال من اإلس الم‪ ،‬وه ذا ال يقول ه إال من ال يع رف الس لفية‪،‬‬
‫ألن اإلسالم عندهم هو أهل السنة والجماعة‪ ،‬ومن عداها فضالون كافرون‪..‬‬
‫وقد رفع النجيمي نفسه اللبس عن ذلك حينما قال في تقريظه للكتاب بحماس ة‬
‫وغضب‪( :‬كيف يك ون من أه ل الس نة والجماع ة من يحكم العق ل في القض ايا‬
‫اإليمانية الثابتة بالكتاب والسنة‪ ،‬فما قبله منها قب ل‪ ،‬وم ا رّد ه منه ا رَّد ‪ ،‬ول ذلك‬
‫فإنهم ال يثبتون من الصفات إال سبع صفات‪ ،‬وما عداها فإن ه يك ون مص يرها‬
‫التأويل؛ الذي يؤدي إلى التعطيل؛ كي ف يك ون من أه ل الس نة والجماع ة من‬
‫ي ؤول قول ه تع الى ﴿ال َّرْح َم ُن َع َلى اْلَع ْر ِش اْس َتَو ى﴾ باس تولى‪ ،‬فيك ون كأَّن ه‬
‫مستوٍل عليه غ يره‪ ،‬ثم اس تولى علي ه بع د ذل ك؛ كي ف يك ون من أه ل الس نة‬
‫والجماعة من يتأول ح ديث ن زول ال رِّب في الثلث األخ ير من اللي ل‪ ..‬فيق ول‬
‫‪ )(1‬التعليق مني‪.‬‬
‫‪ )(2‬تأكيد المسلمات السلفية‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ )(3‬تأكيد المسلمات السلفية‪ ،‬ص‪.3‬‬

‫‪44‬‬
‫المؤول‪ :‬ينزل أمره مع أن أم ر هللا ع ز وج ل ه و ن ازل في ك ل وقت وحين؛‬
‫كيف يكون من أه ل الس نة والجماع ة من يت أول الي دين ب النعمتين م ع أن هللا‬
‫سبحانه وتعالى قد قرن ذلك بما يكون من خصائص اليد‪ ،‬وهو اإلنفاق‪ ..‬كي ف‬
‫يكون من أهل السنة والجماعة من يتأول حديث (ال ينظر هللا إلى من جّر ثوبه‬
‫خيالء)‪ ،‬وما في معناه؛ يتأول النظر في هذا الحديث بأن النظر هنا مج اٌز عن‬
‫الرحمة بأنه ال يرحمهم؛ إلى غير ذلك من التأويالت المتعسفة‪ ،‬والتي يحيل ون‬
‫بها النصوص الواردة من هللا عّز وج ل في كتاب ه أو على لس ان رس وله مم ا‬
‫يتضمن المعاني السامية التي تليق باهلل ع ز وج ل يتأولونه ا بت أويالت باطل ة‪.‬‬
‫وإذا فكرنا ما ه و ال ذي أوجب لهم ذل ك نج د أنهم زعم وا إحال ة العق ول ب أن‬
‫يوصف هللا بتلك الص فات؛ ألنهم جعل وا تأص يالت أه ل الكالم هي األس اس‪،‬‬
‫وحكموا بها على النصوص الش رعية؛ ال تي ج اءت في كت اب هللا‪ ،‬وفي س نة‬
‫الرسول ‪ ‬تثبت هلل عز وجل أسماًء ‪ ،‬وصفات تليق بجالله‪ ،‬فجعل األش اعرة‬
‫والماتريدية تلك التأصيالت الكالمية؛ ال تي هي م أخوذة عن الفالس فة‪ ،‬وأه ل‬
‫المنط ق ممن اس تغرقوا في علم الكالم‪ ،‬وأمض وا في ه أوق اتهم‪ ،‬وأفن وا في ه‬
‫أعمارهم)(‪)1‬‬
‫فقوله كل حين (كيف يكون من أهل السنة والجماع ة) ن وع من التل بيس‬
‫على القراء‪ ،‬ألن الصحيح عندهم هو (كيف يكون من المسلمين)‪ ،‬ألن ك ل م ا‬
‫ذك ره من ت أويالت هي م ا يتف ق الس لفية جميع ا على تكف ير من يق ول به ا‪،‬‬
‫ويسمونه جهميا‪ ،‬إما حقيقة ـ كما هو الحال بالنسبة للسلف األول ـ أو تقية كم ا‬
‫هو الحال بالنسبة للسلف اآلخر‪ ،‬ألنه لم يبق أحد يتحدث في مثل هذه المس ائل‬
‫بهذا المنهج إال األش اعرة أو إخ وانهم من الماتريدي ة أو المعتزل ة أو إخ وانهم‬
‫من الشيعة واإلباضية‪.‬‬
‫وبما أن سند الس لفية األول ه و الرج ال وم واقفهم‪ ،‬فق د وض ع الك اتب‬
‫فصال ألعالم السلفية ومواقفهم من األشاعرة‪ ،‬وأولهم ه و رج ل الس لفية األول‪،‬‬
‫وعم دتهم األك بر اإلم ام أحم د ال ذي ب دع الكالبي ة ال ذين يعت برهم الس لفية س لف‬
‫األشاعرة األوائل‪ ،‬كما قال ابن تيمية‪( :‬والكالبية هم مشايخ األشعرية فإن أبا الحسن‬
‫األشعري إنما اقتدى بطريقة أبي محمد بن كالب وابن كالب كان أقرب إلى الس لف‬
‫زمن ا وطريق ة‪ ،‬وق د جم ع أب و بك ر بن ف ورك ش يخ القش يري كالم ابن كالب‬
‫واألشعري وبين اتفاقهما في األصول ولكن لم يكن كالم أبي عب د ال رحمن الس لمي‬
‫قد انتشر بعد فإنه انتشر في أثناء المائة الرابعة لم ا ظه رت كتب القاض ي أبي بك ر‬
‫بن الباقالنى ونحوه)(‪)2‬‬

‫‪ )(1‬تأكيد المسلمات السلفية‪ ،‬ص‪.5‬‬


‫‪ )(2‬االستقامة (‪)1/105‬‬

‫‪45‬‬
‫وقد أورد عبدالعزيز الريس مقالة أبي بك ر بن خزيم ة لم ا ق ال ل ه أب و علي‬
‫الثقفي‪( :‬ما الذي أنكرت أيها األستاذ من مذاهبنا حتى نرج ع عن ه؟ فق ال‪ :‬ميلكم إلى‬
‫مذهب الكالبية‪ ،‬فقد كان أحم د بن حنب ل من أش د الن اس على عب د هللا بن س عيد بن‬
‫كالب‪ ،‬وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره)(‪)1‬‬
‫وعلق عليه ا بقول ه‪( :‬فكي ف ل و أدرك من ج اء بع دهم من األش اعرة ال ذين‬
‫ازدادوا سوءًا إلى أشاعرة زمانن ا ال ذين تمي ع فيهم ه ؤالء المفت ون وط ار بفت واهم‬
‫إذاعة ونشرًا موقع اإلسالم اليوم تحت نظر ورعاية من مشرفه سلمان العودة‪ ،‬ف إن‬
‫األشاعرة كلما تأخروا زادوا بعدًا عن السنة قال ابن تيمية‪( :‬فإن كثيرًا من مت أخري‬
‫أصحاب األشعري خرجوا عن قوله إلى قول المعتزلة أو الجهمي ة أو الفالس فة)(‪،)2‬‬
‫وقال‪( :‬وهذا الكالم في األص ل‪-‬أي تق ديم العق ل على النق ل‪ -‬ه و من ق ول الجهمي ة‬
‫المعتزلة وأمثالهم وليس من قول األشعري وأئمة أصحابه وإنما تلق اه عن المعتزل ة‬
‫متأخرو األشــعرية لم ا م الوا إلى ن وع التجهم ب ل الفلس فة وف ارقوا ق ول األش عري‬
‫وأئمة أصحابه الذين لم يكونوا يقرون بمخالفة النقل للعقل ب ل انتص بوا إلقام ة أدل ة‬
‫عقلية توافق السمع وله ذا أثبت األش عري الص فات الخبري ة بالس مع وأثبت بالعق ل‬
‫الصفات العقلية التي تعلم بالعقل والسمع فلم يثبت بالعقل م ا جعل ه معارض ًا للس مع‬
‫بل ما جعله معاضدًا له وأثبت بالسمع ما عجز عنه العقل)(‪)3‬‬
‫ثم ذك ر بع ده الش يخ أب و نص ر الس جزي (ت وفي ‪ 444‬هـ) ال ذي وص ف‬
‫األشاعرة بأنهم متكلمون وفرقة محدثة وأنهم أش د ض ررًا من المعتزل ة فق ال‪(:‬فك ل‬
‫مدع للسنة يجب أن يطالب بالنقل الص حيح بم ا يقول ه‪ ،‬ف إن أتى ب ذلك علم ص دقه‪،‬‬
‫وقبل قوله‪ ،‬وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف‪ُ ،‬علم أنه مح دث زائ غ‪ ،‬وأن ه‬
‫ال يس تحق أن يص غى إلي ه أو ين اظر في قول ه‪ ،‬وخص ومنا المتكلم ون معل وم منهم‬
‫أجمع اجتناب النقل والقول به بل تمحينهم ألهله ظاهر‪ ،‬ونفورهم عنهم بين‪ ،‬وكتبهم‬
‫عارية عن إسناد بل يقولون‪ :‬قال األشعري‪ ،‬وقال ابن كالب‪ ،‬وقال القالنسي‪ ،‬وق ال‬
‫الجبائي‪ ..‬ومعلوم أن القائل بما ثبت من طريق النق ل الص حيح عن الرس ول ‪ ‬ال‬
‫يسمى محدثًا بل يسمى سنيًا متبعًا‪ ،‬وأن من قال في نفس ه ق وًال وزعم أن ه مقتض ى‬
‫عقله‪ ،‬وأن الحديث المخ الف ل ه ال ينبغي أن يلتفت إلي ه‪ ،‬لكون ه من أخب ار اآلح اد‪،‬‬
‫وهي ال توجب علمًا‪ ،‬وعقله موجب للعلم يستحق أن يسمى مح دثًا مبت دعًا‪ ،‬مخالف ًا‪،‬‬
‫ومن كان له أدنى تحصيل أمكنه أن يفرق بيننا وبين مخالفينا بتأمل ه ذا الفص ل في‬
‫أول وهلة‪ ،‬ويعلم أن أهل السنة نحن دونهم‪ ،‬وأن المبتدعة خصومنا دوننا)(‪)4‬‬
‫ثم قال‪( :‬ثم بلي أهل السنة بعد ه ؤالء؛ بق وم ي دعون أنهم من أه ل االتب اع‪،‬‬
‫وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم وهم أبو محمد بن كالب وأب و العب اس‬

‫سير أعالم النبالء(‪)14/380‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫شرح األصفهانية (ص‪)108-107‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫درء تعارض العقل والنقل (‪ ،)7/97‬وانظر اجتماع الجيوش اإلسالمية ص‪.207‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫انظر‪ :‬الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص‪)101-100‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪46‬‬
‫القالنسي‪ ،‬وأبو الحسن األشعري‪ ..‬وفي وقتنا أبو بكر الباقالني ببغداد وأب و إس حاق‬
‫اإلس فرائني وأب وبكر بن ف ورك بخراس ان فه ؤالء ي ردون على المعتزل ة بعض‬
‫أقاويلهم ويردون على أهل األثر أكثر مما ردوه على المعتزلة‪ ..‬وكّلهم أئّم ُة َض اللة‬
‫يدعوَن الّناَس إلى مخالفِة الّسنِة وترِك الحديث)(‪)1‬‬
‫ثم ذكر ما ذكره ابن تيمية والعثيمين وغيرهما من كون األشاعرة أشد خط را‬
‫من المعتزلة فقال‪( :‬ألن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف ولم ُتَم ِّو ه‪.‬بل ق الت‪:‬‬
‫إن هللا بذاته في كل مكان وإنه غير مرئي‪ ،‬وإن ه ال س مع ل ه وال بص ر وال علم وال‬
‫قدرة وال قوة‪ ...‬فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدوهم أعداء‪ .‬والكالبية‪،‬‬
‫واألش عرية ق د أظه روا ال رد على المعتزل ة وال ذب عن الس نة وأهله ا‪ ،‬وق الوا في‬
‫القرآن وسائر الصفات ما ذكرنا بعضه)(‪)2‬‬
‫ومن األعالم الذين ذكرهم العتبار األشاعرة من أهل البدع واألهواء المكفرة‬
‫محم د بن أحم د بن خ ويز من داد‪ ،‬فق د روى عن ه ابن عب د البرأن ه ق ال في كت اب‬
‫الشهادات في تأويل قول مالك‪( :‬ال تجوز شهادة أه ل الب دع واأله واء) ق ال‪( :‬أه ل‬
‫األهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكالم‪ ،‬فكل متكلم فه و من أه ل األه واء‬
‫والبدع أشعريًا كان أو غير أشعري‪ ،‬وال تقب ل ل ه ش هادة في اإلس الم أب دًا‪ ،‬ويهج ر‬
‫ويؤدب على بدعته فإن تمادى عليها استتيب منها)(‪)3‬‬
‫ومنهم ابن قدام ة ال ذي نص على أنهم مبتدع ة‪ ،‬فق ال‪( :‬وال نع رف في أه ل‬
‫البدع طائفة يكتمون مقالتهم وال يتجاسرون على إظهارها إال الزنادق ة واألش عرية)‬
‫(‪)4‬‬
‫ومنهم أب و حام د اإلس فرائني‪ ،‬ال ذي ق ال عن ه ابن تيمي ة‪( :‬ق ال الش يخ أب و‬
‫الحسن‪ :‬وكان الشيخ أبو حامد اإلس فرايني ش ديد اإلنك ار على الب اقالني وأص حاب‬
‫الكالم‪ ،‬قال ولم يزل األئمة الش افعية ي أنفون ويس تنكفون أن ينس بوا إلى األش عري‪،‬‬
‫ويتبرؤون مما بنى األشعري مذهبه عليه‪ ،‬وينه ون أص حابهم وأحب ابهم عن الح وم‬
‫حواليه على ما سمعت عدة من المشايخ واألئمة منهم الحاف ظ الم ؤتمن بن أحم د بن‬
‫على الساجي يقولون‪ :‬سمعنا جماعة من المشايخ الثقات قالوا كان الش يخ أب و حام د‬
‫أحمد بن أبي طاهر اإلسفرايني إمام األئم ة ال ذي طب ق األرض علًم ا وأص حابا إذا‬
‫سعى إلى الجمعة من قطعية الك رج إلى ج امع المنص ور ي دخل الرب اط المع روف‬
‫بالزوزي المحاذي للجامع ويقب ل على من حض ر ويق ول اش هدوا على ب أن الق رآن‬
‫كالم هللا غير مخلوق كما قاله اإلمام ابن حنبل‪ ،‬ال كما يقوله الب اقالني وتك رر ذل ك‬
‫منه جمعات فقيل له في ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬حتى ينتشر في الناس وفي أهل الصالح ويش يع‬
‫الخبر في أهل البالد أني بريء مما هم عليه ـ يعني األشعرية ـ وبريء من م ذهب‬

‫انظر‪ :‬الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص‪)223 -222‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫انظر‪ :‬الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص‪)178-177‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫جامع بيان العلم وفضله (‪)2/96‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫المناظرة في القرآن ص‪.35‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪47‬‬
‫أبي بكر بن الباقالني فإن جماعة من المتفقهة الغرباء ي دخلون على الب اقالني خفي ة‬
‫ويقرؤون عليه فيفتنون بمذهبه‪ ،‬ف إذا رجع وا إلى بالدهم أظه روا ب دعتهم ال محال ة‬
‫فيظن ظان أنهم منى تعلم وه قبل ه‪ ،‬وأن ا م ا قلت ه وأن ا ب ريء من م ذهب البالقالني‬
‫وعقيدته)(‪)1‬‬
‫وقد ذكر ابن تيمية مستحسنا المعاناة الشديدة ال تي ك ان يعانيه ا الب اقالني من‬
‫طرف اإلسفرايني وتالميذه من السلفية‪ ،‬فقال‪ ..( :‬ق ال الش يخ أب و الحس ن وس معت‬
‫الفقي ه اإلم ام أب ا منص ور س عد بن علي العجلي يق ول‪ :‬س معت ع دة من المش ايخ‬
‫واألئمة ببغداد أظن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أحدهم قالوا‪ :‬كان أبو بكر الب اقالنى‬
‫يخرج إلى الحمام متبرقعًا خوفًا من الشيخ أبي حامد اإلسفرايني)(‪)2‬‬
‫ومن األعالم الذين ذكرهم‪ ،‬واس تند إليهم في تكف ير األش اعرة أب و إس ماعيل‬
‫عبد هللا بن محمد األنصاري‪ ،‬الذي قال عنه ابن تيمية‪( :‬كأبي إسماعيل األنص اري‬
‫الهروي صاحب كتاب ذم الكالم فإنه من المبالغين في ذم الجهمية لنفيهم الص فات‬
‫وله كتاب تكفير الجهمية‪ ،‬ويبالغ في ذم األشعرية مع أنهم من أقرب ه ذه الطوائ ف‬
‫إلى السنة والحديث وربما كان يلعنهم وقد قال له بعض الناس‪ :‬بحضرة نظام المل ك‬
‫أتلعن األشعرية؟ فقال‪ :‬ألعن من يقول ليس في السموات إله وال في المصحف قرآن‬
‫وال في القبر نبي وقام من عنده مغضبًا)(‪)3‬‬
‫وقد نبه الشيخ عب د العزي ز ال ريس إلى أن م ا ذك ره ابن تيمي ة في أك ثر من‬
‫موضع من أن األشاعرة أقرب إلى أهل السنة ال يفهم من ه ظ اهره‪ ،‬فـ (ليس مع نى‬
‫هذا تزكيتهم وأنهم من أهل السنة‪ ،‬بل معن اه أنهم خ ير من الجهمي ة والمعتزل ة على‬
‫سوئهم الشديد كالقول إن النصارى أقرب إلى اإلسالم من اليه ود‪ ،‬فليس مع نى ه ذا‬
‫أن النصارى مسلمون فاهلل الذي قال‪َ ﴿ :‬لَتِج َد َّن َأَشَّد الَّناِس َعَداَو ًة ِلَّل ِذ يَن آَم ُن وا اْلَيُه وَد‬
‫َو اَّلِذ يَن َأْش َر ُك وا﴾ [المائدة‪ ]82 :‬قد نص على أن النصارى كفار كما قال تعالى‪َ﴿ :‬لَق ْد‬
‫َكَفَر اَّلِذ يَن َقاُلوا ِإَّن َهَّللا َثاِلُث َثاَل َثٍة ﴾ [المائدة‪)4()]73 :‬‬
‫ورد كذلك على ما (شاع في هذا الزمن عند كثيرين إدخال األشاعرة في أهل‬
‫السنة معتمدين في هذا على كالم البن تيمية وه و أن أله ل الس نة اطالقين‪ :‬إطالق ًا‬
‫عام ًا وه و م ا يقاب ل الرافض ة‪ ،‬وإطالق ًا خاص ًا والم راد بهم أه ل الح ديث‪ ،‬فعلى‬
‫اإلطالق األول تكون األشاعرة من أهل السنة‪ ،‬وإذا أرادوا تعلي ل إدخ ال األش اعرة‬
‫في أهل السنة قالوا‪ :‬هم أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة)(‪)5‬‬
‫وبين أن من فع ل ه ذا من أص حاب المنهج التكف يري الخفي وق ع في‬
‫خطئين(‪:)6‬‬
‫درء تعارض العقل والنقل (‪)2/96‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫اإلصفهانية‪.58 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجموع الفتاوى(‪)14/354‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تأكيد المسلمات السلفية‪ ،‬ص‪.19‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫تأكيد المسلمات السلفية‪ ،‬ص‪.20‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫تأكيد المسلمات السلفية‪ ،‬ص‪.20‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫‪48‬‬
‫األول ‪ :‬في فهم كالم ابن تيمية فإنه لما ذكره أراد في استعمال عامة الناس‪ ،‬ال‬
‫في اس تعمال الش رع‪( ،‬وكالم العام ة الينب ني علي ه ش رع‪ ،‬وإنم ا ي ذكر من ب اب‬
‫اإلخبار ببغض الناس للرافضة‪ ،‬ثم على فهم هؤالء لكالم ابن تيمية تك ون المعتزل ة‬
‫من أهل السنة)‬
‫الثاني‪ :‬أنه يلزم على تعليلهم إدخال الرافضة في أهل الس نة فيم ا وافق وا في ه‬
‫أه ل الس نة‪ ،‬وق د أورد للدالل ة على ه ذا نصوص ا من كالم ابن تيمي ة يوض ح به ا‬
‫م راده‪ ،‬منه ا قول ه‪( :‬فالمقص ود هن ا أن المش هورين من الطوائ ف بين أه ل الس نة‬
‫والجماع ة العام ة بالبدع ة ليس وا منتحلين للس لف‪ ،‬ب ل أش هر الطوائ ف بالبدع ة‬
‫الرافض ة‪ ،‬ح تى إن العام ة ال تع رف من ش عائر الب دع إال ال رفض‪ ،‬والس نى في‬
‫اص طالحهم من ال يك ون رافض يا‪ ،‬وذل ك ألنهم أك ثر مخالف ة لألح اديث النبوي ة‬
‫ولمعاني القرآن وأكثر قدحا في س لف األم ة وأئمته ا وطعن ا في جمه ور األم ة من‬
‫جميع الطوائف‪ ،‬فلما كانوا أبعد عن متابعة السلف كانوا أشهر بالبدعة)(‪)1‬‬
‫وقال في موض ع آخ ر‪( :‬فلف ظ أه ل الس نة ي راد ب ه من أثبت خالف ة الخلف اء‬
‫الثالثة فيدخل في ذلك جميع الطوائف إال الرافضة‪ ،‬وقد يراد به أهل الحديث والسنة‬
‫المحضة فال يدخل فيه إال من يثبت الصفات هلل تعالى ويقول إن القرآن غير مخلوق‬
‫وإن هللا يرى في اآلخرة ويثبت القدر وغير ذل ك من األص ول المعروف ة عن د أه ل‬
‫الحديث والسنة‪.‬وه ذا الرافض ي ـ يع نى المص نف ـ جع ل أه ل الس نة باإلص طالح‬
‫األول‪ ،‬وهو اصطالح العامة كل من ليس برافضي قالوا هو من أهل السنة‪ ،‬ثم أخ ذ‬
‫ينقل عنهم مقاالت ال يقوله ا إال بعض هم م ع تحريف ه له ا فك ان في نقل ه من الك ذب‬
‫واإلضطراب ما ال يخفى على ذوي األلباب وإذا عرف أن مراده بأهل السنة الس نة‬
‫العامة)(‪)2‬‬
‫وهذا رد قوي من ابن تيمية على الذين ينقلون من كالمه ما يخدم التقية ال تي‬
‫يمارسونها‪ ،‬ويقتدون بابن تيمية في ممارستها‪.‬‬
‫ثم عق د فص ال بع د ه ذا عنون ه بـ [مختص ر في معتق د األش اعرة وس بب‬
‫إخراجهم من الفرقة الناجية]‪ ،‬بين فيه أن معتقدات األشاعرة ال تخرج عن معتق دات‬
‫الجهمية التي اتفق سلف السلفية وخلفهم على تكفيرهم بسببها‪.‬‬
‫فمن المعتقدات التي اتفق سلف السلفية وخلفهم على تكفير معتقدها (‪()3‬أنهم ال‬
‫يثبت ون ش يئًا من الص فات الفعلي ة(‪ ..))4‬ويقص دون به ا المجيء واإلتي ان وال نزول‬
‫والهرولة وغيرها‪ ،‬وكله ا مم ا ذك ر س لف الس لفية كف ر من ال يعتق دها‪ ..‬ومنه ا أن‬
‫(األشاعرة الذين هم من بعد أبي المعالي الجويني أنكروا علو هللا على خلقه بذات ه)‪،‬‬
‫وهي أيضا مما ال يخالف أح د من الس لفية في تكف ير منكره ا‪ ،‬ب ل في تكف ير من ال‬
‫‪ )(1‬مجموع الفتاوى (‪)155 /4‬‬
‫‪ )(2‬منهاج السنة (‪)2/221‬‬
‫‪ )(3‬تأكيد المسلمات السلفية‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪ )(4‬ه ذه الكتب ال تي اس تند إليه ا المؤل ف في ه ذا‪ :‬الفت اوى الك برى (‪ )5/239()5/68‬وانظ ر من كتب األش اعرة‬
‫اإلرشاد للجويني ص‪. 156‬‬

‫‪49‬‬
‫يكفر منكرها‪ ..‬ومنها أن (مآل قولهم في كالم هللا أن القرآن مخل وق كم ا أف اده أح د‬
‫أئمة األشاعرة المتأخرين الرازي)‪ ..‬وهي أيض ا من المكف رات الك برى عن د أعالم‬
‫السلفية جميعا‪.‬‬
‫وغيره ا من المعتق دات الكث يرة ال تي يكفي الواح د منه ا في وض عهم م ع‬
‫الجهمية في سلة واحدة‪ ،‬ذلك أنه ـ كما يق ول ال ريس ـ (تخ رج الطائف ة والفرق ة من‬
‫طائفة أهل السنة إلى أهل البدعة إذا خالفت أهل السنة في أمر كلي ولو واحدا)(‪)1‬‬
‫وقد نقل عن ابن بط ة مم ا يؤي د ه ذا‪ ،‬فق د ق ال‪( :‬ونحن اآلن ذاك رون ش رح‬
‫السنة ووصفها‪ ،‬وما هي في نفسها‪ ،‬وما الذي إذا تمسك به العب د ودان هللا ب ه س مى‬
‫بها واستحق الدخول في جملة أهلها‪ ،‬وما إن خالفه أو ش يئًا من ه دخ ل في جمل ة من‬
‫عبناه وذكرناه وحذر من ه من أه ل الب دع والزي غ مم ا أجم ع على ش رحنا ل ه أه ل‬
‫اإلسالم وسائر األمة منذ بعث نبيه هللا ‪ ‬إلى وقتنا هذا‪ .‬ثم ذكر أمور االعتقاد)(‪)2‬‬

‫ثم عق د فص ال في التح ذير من المبتدع ة وهج رهم واس تعمال ك ل الوس ائل‬
‫إلذيتهم‪ ،‬كما هي عادة كل كتب السلفية العقدي ة‪ ،‬ومن النص وص ال تي ذكره ا ق ول‬
‫أبي عثمان الصابوني‪( :‬ويبغضون أهل البدع الذين أح دثوا في ال دين م ا ليس من ه‪،‬‬
‫وال يحبونهم وال يصحبونهم وال يسمعون كالمهم وال يجالسونهم‪ ..‬واتفق وا م ع ذل ك‬
‫على القول بقهر أهل البدع وإذاللهم وإخزائهم وإبع ادهم وإقص ائهم‪ ،‬والتباع د منهم‬
‫ومن مصاحبتهم ومعاش رتهم‪ ،‬والتق رب إلى هللا ع ز وج ل بمج انبتهم ومه اجرتهم‪.‬‬
‫وأنا بفضل هللا عز وجل ومّنه متبع آلثارهم مستض يء ب أنوارهم‪ ،‬ناص ح إلخ واني‬
‫وأص حابي أن ال يزلق وا عن من ارهم‪ ،‬وال يتبع وا غ ير أق والهم‪ ،‬وال يش تغلوا به ذه‬
‫المحدثات من البدع التي اشتهرت فيما بين المس لمين‪ ،‬والمن اكير من المس ائل ال تي‬
‫ظهرت وانتشرت‪ ،‬ولو جرت واحدة منها على لسان واحد في عصر أولئ ك األئم ة‬
‫لهجروه وبدعوه‪ ،‬ولكذبوه وأصابوه بكل سوء ومك روه‪ ،‬وال يغ ّرن إخ واني حفظهم‬
‫هللا كثرة أهل البدع ووفور عددهم‪ ،‬فإن وفور أهل الباطل وقلة ع دد أه ل الح ق من‬
‫عالمات اق تراب الي وم الح ق‪ ،‬ف إن ذل ك من أم ارات اق تراب الس اعة‪ ،‬إذ الرس ول‬
‫المصطفى ‪ ‬قال‪ :‬إن من عالم ات الس اعة واقترابه ا أن يق ل العلم ويك ثر الجه ل‬
‫والعلم هو السنة‪ ،‬والجهل هو البدعة)(‪)3‬‬
‫وقد ذكر هذا بناء على أن أصحاب تلك الفتوى أجازوا التع اون بين الس لفيين‬
‫وغيرهم من المسلمين الذين يعتقدون بمذهب األشعري‪.‬‬
‫وق د ختم كتاب ه ب ذكر (عش رة أخط اء ش رعية في ه ذه الفت وى الجماعي ة)‪،‬‬
‫وهي(‪:)4‬‬
‫‪ -1‬عدم جعلهم األشاعرة من الثنتين والسبعين فرقة الضالة م ع أن ح الهم م ا تق دم‬
‫‪ )(1‬تأكيد المسلمات السلفية‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪ )(2‬الشرح واإلبانة على أصول السنة والديانة‪)176-175( ،‬‬
‫‪ )(3‬عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص‪.113‬‬
‫‪ )(4‬تأكيد المسلمات السلفية‪ ،‬ص‪.28‬‬

‫‪50‬‬
‫ذكره‪ ،‬فهذا إما أن يرجع إلى عدم معرفتهم باألش اعرة والماتريدي ة أو ع دم‬
‫مع رفتهم بتأص يل أه ل العلم وض ابطهم في إخ راج الفرق ة المخالف ة من‬
‫الناجية إلى عموم االثن تين والش بعين فرق ة وكال االحتم الين ق بيح بأح دهم‬
‫فكيف وهم مجتمعون‪.‬‬
‫‪ -2‬جوزوا التعاون مع أهل البدع على البر والتق وى‪ ،‬وه ذا مخ الف له دي الس لف‬
‫مع أهل الب دع‪ ،‬إذ األص ل الع داء والبع د عنهم إال لمص لحة ش رعية وه و‬
‫خالف األصل‪.‬‬
‫‪ -3‬خلط وا وقاس وا قياس ًا فاس دًا وذل ك أنهم قاس وا التع اون م ع عم وم األش اعرة‬
‫بالتعاون م ع الح اكم وولي األم ر المبت دع ك أن يك ون أش عريًا‪ ،‬والش ريعة‬
‫ف رقت بين والة األم ر وعام ة الن اس‪ ،‬ومعتق د أه ل الس نة كم ا في كتب‬
‫االعتقاد أن يقاتل ويصلى مع والة األمر ولو كانوا فجارًا مبتدعة‪ ،‬وهذا ما‬
‫ال يكون مع عامة الناس‪.‬‬
‫‪ -4‬أنهم جعلوا كثرة وجود األش اعرة في العلم اء دليًال على أن األش اعرة من أه ل‬
‫السنة‪ ،‬وهذا خطأ فإن مما يعرفه المبتدئون من طالب العلم أن فعال وأقوال‬
‫واعتقاد أهل العلم ليست حجة م ا لم يجمع وا على ذل ك فكي ف جعل وا فع ل‬
‫الكثير حجة‪ ،‬وأنبه إلى أنه ليس معنى كونهم أش اعرة أال يس تفاد من علمهم‬
‫فال تع ارض بين ك ونهم أش اعرة واالس تفادة من علمهم عن د الحاج ة كم ا‬
‫فصل ذلك علماء أهل السنة‪.‬‬
‫‪ -5‬جْعُل المزي أشعريًا خطأ كبير بل هو من أئمة السنة كما يعرف ذل ك من ط الع‬
‫كالم أئمة السنة في عصره‪.‬‬
‫‪ -6‬جعلهم جميع شراح البخاري أشاعرة خطأ فاضح فإن مما يعلم ه المبت دئون من‬
‫طالب العلم أن من شراح البخاري ابن كث ير وابن رجب وهم ا من علم اء‬
‫السنة‪.‬‬
‫‪ -7‬القول بأنهم لم يعرفوا من أئمة الس لف من أم ر بإع ادة الص الة خل ف الم أمون‬
‫قصور من قائل ه فق د روى عبدهللا بن أحم د في كت اب الس نة أن يح يى بن‬
‫معين كان يعيد ص الة الجمع ة م ذ أظه ر عب د هللا بن ه ارون الم أمون م ا‬
‫أظهر يعني القرآن مخلوق (‪.)1‬‬
‫‪ -8‬قولهم‪ :‬يجب التأدب بآداب السلف ح ق وه ا نحن ن دعوهم من ه ذا المنطل ق أن‬
‫يتأدبوا بآداب السلف ويقوموا بواجب هللا تجاه األشاعرة وأن ي تراجعوا عن‬
‫فتواهم عالنية‪.‬‬
‫ٌط‬
‫‪ -9‬حصُر خطأ األشاعرة في تأويل بعض الصفات فحسب غل ظ اهر ي دل على‬
‫عدم معرفتهم بحال األش اعرة مم ا ي بين أن حكمهم فيهم غ ير مقب ول‪ ،‬فال‬
‫أدري هل العجب من حكمهم في األشاعرة أم جهلهم بهم‪.‬‬
‫‪ -10‬الجزم بأن األشاعرة كلهم معذورون في اجتهادهم ض رب من الغيب ومقتض اه‬
‫‪ )(1‬كتاب السنة (‪)1/130‬‬

‫‪51‬‬
‫أال يكون بينهم من هو مفرط في طلب الحق أو من اجته د وليس أهًال ل ذلك‬
‫أو معان د وهك ذا‪ ...‬وه ذا يكذب ه الواق ع ال ذي ال يخفى على ك ل ع ارف‬
‫منصف‪.‬‬
‫مدرسة الماتريدية‪:‬‬
‫تعت بر المدرس ة الماتريدي ة هي المدرس ة العقدي ة الثاني ة ال تي تتقاس م م ع‬
‫األشعرية أكثر بالد العالم اإلسالمي‪ ،‬ذلك أنها تنتش ر في ك ل المن اطق ال تي يتنش ر‬
‫فيها المذهب الحنفي‪ ،‬باعتبار أن أبا منصور محمد بن محمد بن محم ود الماتري دي‬
‫(توفي ‪333‬هـ) كان حنفيا‪.‬‬
‫وهي تنتش ر في بالد الهن د وم ا جاوره ا من البالد الش رقية‪ :‬كالص ين‪،‬‬
‫وبنغالديش‪ ،‬وباكستان‪ ،‬وأفغانستان‪ ،‬وتركيا‪ ،‬والكثير من المناطق في سوريا ولبنان‬
‫ومصر‪ ،‬أي في جميع المناطق التي يوجد فيها الحنفية‪ ،‬أو كان لهم سلطان فيها‪.‬‬
‫وسبب انتش ارهم وك ثرهم يع ود بالدرج ة األولى إلى المناص رة والتأيي د من‬
‫الملوك والسالطين لعلماء المذهب‪ ،‬وبخاصة سالطين الدول ة العثماني ة‪ ..‬باإلض افة‬
‫إلى الم دارس الماتريدي ة الكث يرة ال تي ك ان له ا دور كب ير في نش ر عقي دة ه ذه‬
‫المدرسة‪ ،‬ومن أمثلتها‪ :‬المدارس الديوبندية بالهند وباكس تان وغيره ا؛ حيث ال زال‬
‫ي درس فيه ا كتب الماتريدي ة في العقي دة على أنه ا عقي دة أه ل الس نة والجماع ة‪..‬‬
‫باإلضافة إلى كثرة علمائهم‪ ،‬وما تركوه من مصنفات‪.‬‬
‫وق د ق ال بعض الب احثين في بي ان س بب انتش ارها‪( :‬وعلى أي ة ح ال‪ ،‬ف إن‬
‫الماتريدية بلغت قمة قوتها وذروتها بتدعيم الدولة العثمانية لها وهي بالتحديد س نة (‬
‫‪1300 – 700‬هـ)‪ ،‬إذ ك انت دول ة حنفي ة الف روع‪ ،‬ماتريدي ة العقي دة‪ ،‬ومن تركي ا‬
‫انتش رت العقي دة الماتريدي ة ش رقا وغرب ا‪ ،‬ويع د الهن د من أهم مراك ز الم ذهب‬
‫الماتريدي‪ ،‬منذ أن حكمها الملوك السامانيون قديما‪ ،‬ثم قوي الم ذهب الماتري دي في‬
‫العصر الحديث بعد أن اعتنقها الديوبندي ة‪ .‬وال ي زال في األزه ر الش ريف ت دريس‬
‫العقيدة الماتريدية وبخاصة تدريس كتاب (شرح العقائ د النس فية) للتفت ازاني‪ ،‬وه و‬
‫شرح لكتاب [العقائد النسفية] لنجم الدين عمر النسفي)(‪)1‬‬
‫ويضم التاريخ الماتريدي الكثير من األعالم الكبار من أمثال الشيخ أبو اليسر‬
‫البزدوي (توفي ‪493‬هـ)‪ ،‬وأبو المعين النس في (ت وفي ‪508‬هـ)‪ ،‬ونجم ال دين عم ر‬
‫النسفي (توفي ‪537‬هـ)‪ ،‬وحافظ الدين عبد هللا النسفي (ت وفي ‪710‬هـ)‪ ،‬وأب و محم د‬
‫نور الدين أحمد بن محمد الصابوني (توفي ‪580‬هـ)‪ ..‬وغيرهم كثير(‪.)2‬‬
‫ولذلك فإن التكفير السلفي لهذه المدرسة تكف ير لك ل المس لمين ال ذين تتلم ذوا‬
‫على يدي أعالمها‪ ،‬أو أخذوا بمعتقداتها‪.‬‬
‫والسلفية ـ الذين تجرأوا فكفروا األشاعرة بسبب معتقداتهم ـ لم تنقص جرأتهم‬
‫في موقفهم من الماتريدية‪ ..‬ذلك أن كليهما يعتبران من الجهمية عند السلفية‪.‬‬
‫‪ )(1‬الماتريدية النشأة والمنهج للدكتور كمال الدين نور الدين مرجوني‪.‬‬
‫‪ )( 2‬انظر‪ :‬الماتريدية وموقفهم من توحيد األسماء والصفات للشمس السلفي األفغاني ‪.262 /1‬‬

‫‪52‬‬
‫ب ل إن موق ف الس لفية من الماتريدي ة أش د‪ ،‬ذل ك أنهم أق رب إلى المعتزل ة‪،‬‬
‫وأكثر استخداما للعقل‪ ،‬والسلفية ال يشككون في كف ر المعتزل ة وض اللهم‪ ،‬وض الل‬
‫كل من يقترب منهم‪ ..‬بل إن األشاعرة ما حكم عليهم بالضالل إال بس بب ق ربهم من‬
‫المعتزلة‪ ،‬ولذلك فإن درجة كفر الماتريدية ـ عند السلفية ـ أكبر بسبب ذلك القرب‪.‬‬
‫وقد وضح الشيخ محمد أبو زهرة ـ وه و من أعالم الماتريدي ة المعاص رين ـ‬
‫درجة ذلك القرب‪ ،‬فقال‪( :‬إن منهاج الماتريدية للعقل سلطان كب ير في ه من غ ير أي‬
‫شطط أو إسراف‪ ،‬واألشاعرة يتقيدون بالنقل ويؤيدونه بالعقل‪ ،‬حتى إنه يكاد الباحث‬
‫يقرر أن األشاعرة في خط بين اإلعتزال وأهل الفقه والحديث‪ ،‬والماتريدية في خ ط‬
‫بين المعتزلة واألشاعرة‪ ،‬فإذا ك ان المي دان ال ذي تس ير في ه ه ذه الف رق اإلس المية‬
‫األربع‪ ،‬والتي ال خالف بين المس لمين في أنه ا جميع ا من أه ل اإليم ان‪ ،‬إذا أقس ام‬
‫أربعة‪ ،‬فعلى طرف منه المعتزلة‪ ،‬وعلى الطرف اآلخ ر أه ل الح ديث‪ ،‬وفي الرب ع‬
‫الذي يلي المعتزلة‪ ،‬الماتريدية‪ ،‬وفي الربع الذي يلي المحدثين‪ ،‬األشاعرة)(‪)1‬‬
‫ومثله قال الشيخ محمد زاهد الك وثري ـ وه و من كب ار أعالمهم ال ذين اتف ق‬
‫المعاص رون على تكف يرهم وتب ديعهم واعتب ارهم من الجهمي ة ـ‪( :‬الماتريدي ة هم‬
‫الوس ط بين األش اعرة والمعتزل ة‪ ،‬وقلم ا يوج د بينهم متص وف‪ ،‬فاألش عري‬
‫والماتريدي هما إماما أهل السنة والجماعة في مشارق األرض ومغاربها‪ ،‬لهم كتب‬
‫ال تحصى‪ ،‬وغالب ما وقع بين هذين اإلمامين من الخالف من قبيل اللفظي)(‪)2‬‬
‫وق د ذك ر االم ام ال بزدوي‪ ،‬وه و أح د مش ايخ الماتريدي ة الكب ار في الق رن‬
‫الخامس المسائل الكبرى للخالف بين األشاعرة والماتريدية‪ ،‬وأنه ا ال تع دو مس ائل‬
‫معدودة‪ ،‬فقال‪( :‬وأبو الحسن األشعري وجمي ع توابع ه يقول ون إنهم من أه ل الس نة‬
‫والجماع ة‪ ،‬وعلى م ذهب األش عري عام ة أص حاب الش افعي‪ ،‬وليس بينن ا وبينهم‬
‫خالف إال في مسائل معدودة)(‪)3‬‬
‫ومن تل ك المس ائل ق ول الماتريدي ة بوج وب معرف ة هللا تع الى عقال وفاق ا‬
‫للمعتزلة‪ ،‬وخالف ا لألش اعرة ال ذين ي رون الوج وب ش رعيا ال عقلي ا‪ ،‬أو كم ا ق ال‬
‫العضدي في المواقف‪( :‬النظ ر إلى معرف ة هللا واجب إجماع ا‪ ،‬واختل ف في طري ق‬
‫ثبوته‪ ،‬فهو عند أصحابنا السمع‪ ،‬وعند المعتزلة العقل)(‪)4‬‬
‫وعلى خالفهم الماتريدي ة ال تي ع بر عن م ذهبها في ه ذا البياض ي بقول ه‪:‬‬
‫(ويجب بمجرد العقل في مدة االستدالل‪ ،‬معرفة وجوده‪ ،‬ووحدته‪ ،‬وعلمه‪ ،‬وقدرت ه‪،‬‬
‫وكالمه‪ ،‬وإرادت ه‪ ،‬وح دوث الع الم‪ ،‬ودالل ة المعج زة على ص دق الرس ول‪ ،‬ويجب‬
‫تصديقه‪ ،‬ويحرم الكفر‪ ،‬والتكذيب به‪ ،‬ال من البعثة وبلوغ الدعوة)(‪)5‬‬
‫ومن تلك المسائل قول الماتريدية بالتحسين والتقبيح العقليين وفاق ا للمعتزل ة‪،‬‬
‫تاريخ المذاهب االسالمية‪ :‬ج ‪ ١‬ص ‪.١٩٩‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مقدمة تبيين كذب المفتري‪ :‬ص ‪.١٩‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اصول الدين لالمام محمد بن محمد بن عبد الكريم البزدوي‪ :‬ص ‪.٢٤٢‬‬ ‫‪)( 3‬‬
‫المواقف‪ :‬ص ‪.٢٨‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫اشارات المرام‪ ،‬ص ‪..٥٣‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪53‬‬
‫وخالفا لألشاعرة الذين يرون التحسين والتقبيح يعرفان بالشرع ال بالعقل‪.‬‬
‫ق ال البياض ي‪( :‬والحس ن بمع نى اس تحقاق الم دح والث واب‪ ،‬والقبح بمع نى‬
‫استحقاق الذم والعقاب على التكذيب عنده (أي عند أبي منصور الماتري دي) إجم اال‬
‫عقلي‪ ،‬أي يعلم به حكم الصانع في مدة االس تدالل في ه ذه العش رة ـ إش ارة إلى م ا‬
‫ذكره من المسائل العشر خالل البحث في وجوب المعرفة عقال ـ كم ا في التوض يح‬
‫وغيره‪ ،‬ال بإيجاب العقل للحسن والقبح‪ ،‬وال مطلقا كما زعمته المعتزل ة‪ ،‬أم ا كيفي ة‬
‫الثواب وكونه بالجنة‪ ،‬وكيفية العقاب وكون ه بالن ار‪ ،‬فش رعي‪ ،‬واخت ار ذل ك االم ام‬
‫القفال الشاشي‪ ،‬والصيرفي‪ ،‬وأب و بك ر الفارس ي‪ ،‬والقاض ي أب و حام د‪ ،‬وكث ير من‬
‫متقدميهم‪ ،‬كما في القواطع لالمام أبي المظفر الس معاني الش افعي والكش ف الكب ير‪،‬‬
‫وهو مختار االمام القالنسي ومن تبعه كما في (التبصرة البغدادية)‪ .‬وال يجوز نس خ‬
‫م اال يقب ل حس نه أو قبح ه الس قوط كوج وب االيم ان‪ ،‬وحرم ة الكف ر واخت اره‬
‫المذكورون‪ ..‬ويستحيل عقال اتصافه تعالى بالجور وما ال ينبغي‪ ،‬فال يج وز تع ذيب‬
‫المطيع‪ ،‬وال العفو عن الكفر‪ ،‬عقال‪ ،‬لمنافاته للحكمة‪ ،‬فيجزم العقل بعدم جوازه‪ ،‬كما‬
‫في التنزيهات)(‪)1‬‬
‫ومن تلك المسائل قول الماتريدية بأن التكليف بما ال يط اق غ ير ج ائز وفاق ا‬
‫للمعتزلة‪ ،‬وخالفا لألشاعرة الذين يرون عكس ذلك‪.‬‬
‫يق ول البياض ي‪( :‬وال يج وز التكلي ف بم ا ال يط اق لع دم الق درة أو الش رط‪،‬‬
‫واختاره االستاذ أبو إسحاق االسفرائيني كما في (التبصرة) وأبوحام د االس فرائيني‬
‫كما في شرح السبكي لعقيدة أبي منصور)(‪)2‬‬
‫ويق ول أب و منص ور الماتري دي‪( :‬إن تكلي ف من من ع عن الطاق ة فاس د في‬
‫العقل‪ ،‬وأما من ضيع القوة فهو حق أن يكلف مثله‪ ،‬ولو كان ال يكل ف مثل ه لك ان ال‬
‫يكلف إال من يطيع)(‪)3‬‬
‫ومن تلك المسائل قول الماتريدية بأن أفعال هللا سبحانه معللة بالغاي ات وفاق ا‬
‫للمعتزلة‪ ،‬وخالفا لألشاعرة الذين يرون عكس ذلك‪ ،‬يقول البياض ي‪( :‬أفعال ه تع الى‬
‫معللة بالمصالح والحكم تفضال على العباد‪ ،‬فال يلزم االستكمال وال وجوب األصلح‬
‫واختاره صاحب المقاصد)(‪)4‬‬
‫ومن تلك المسائل قول الماتريدية بأن صفاته تعالى عين ذاته وفاقا للمعتزل ة‪،‬‬
‫وخالفا لألشاعرة الذين يذكرون أنها قائمة بذاته‪ ،‬يق ول النس في‪( :‬ثم اعلم إن عب ارة‬
‫متكلمي أهل الحديث في هذه المس ألة أن يق ال‪ :‬إن هللا تع الى ع الم بعلم‪ ،‬وك ذا فيم ا‬
‫وراء ذلك من الصفات‪ ،‬وأكثر مشايخنا امتنعوا عن هذه العبارة احترازا عم ا ت وهم‬
‫أن العلم آلة وأداة فيقولون‪ :‬إن هللا تعالى‪ ،‬عالم‪ ،‬ول ه علم‪ ،‬وك ذا فيم ا وراء ذل ك من‬

‫اشارات المرام‪ ،‬ص ‪..٥٤‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫اشارات المرام‪ :‬ص ‪.٥٤‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التوحيد‪ :‬ص ‪..٢٦٦‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اشارات المرام‪ :‬ص ‪.٥٤‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪54‬‬
‫رحمههللا يق ول‪ :‬إن هللا ع الم بذات ه‪ ،‬حي‬ ‫‌‬ ‫الصفات‪ .‬والش يخ أب و منص ور الماتري دي‬
‫بذات ه‪ ،‬ق ادر بذات ه‪ ،‬وال يري د من ه نفي الص فات‪ ،‬ألن ه أثبت الص فات في جمي ع‬
‫مصنفاته‪ ،‬وأتى بالدالئل إلثباتها‪ ،‬ودفع شبهاتهم على وج ه ال محيص للخص وم عن‬
‫ذلك‪ ،‬غير أنه أراد بذلك دفع وهم المغايرة‪ ،‬وأن ذاته يستحيل أن اليكون عالما)(‪)1‬‬
‫بن اء على ه ذا س نذكر هن ا مق والتهم في القض ايا الثالث الك برى ال تي كف ر‬
‫السلفية على أساسها الجهمية واألشاعرة‪ ،‬لنرى مدى انطباق التكفير السلفي عليهم‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ نفي الجهة والمكان‪:‬‬
‫يتفق الماتريدية مع األشاعرة على نفي اتص اف هللا تع الى بالجه ة والمك ان‪،‬‬
‫يقول أبو منصور الماتريدي في تفسير قوله تعالى‪ ﴿ :‬الَّرْح َم ُن َع َلى اْلَع ْر ِش اْس َتَو ى﴾‬
‫[طه‪ ]5 :‬ـ والتي يعتبرها السلفية ركنا من أركان التكفير ـ‪( :‬إن هللا سبحانه كان وال‬
‫مكان‪ ،‬وجائز ارتفاع األمكنة‪ ،‬وبقاؤه على ما كان‪ ،‬فهو على ما كان‪ ،‬وكان على م ا‬
‫عليه اآلن‪ .‬جل عن التغير والزوال‪ ،‬واالستحالة والبطالن‪ ،‬إذ ذل ك أم ارات الح دث‬
‫التي بها عرف حدث العالم)(‪)2‬‬
‫ثم رد على أهل الحديث ـ سلف السلفية ـ القائلين بكون ه تع الى على الع رش‪،‬‬
‫وأنه في جهة العلو‪ ،‬بأنه (ليس في االرتفاع إلى ما يعلو من مكان للجلوس أو القي ام‬
‫شرف وال علو‪ ،‬وال وصف بالعظمة والكبرياء كمن يعل و الس طوح والجب ال أن ه ال‬
‫يستحق الرفعة على من دونه عند استواء الج وهر‪ ،‬فال يج وز ص رف تأوي ل اآلي ة‬
‫إليه مع ما فيها ذكر العظم ة والجالل‪ ،‬إذ ذك ر في قول ه تع الى‪ِ﴿ :‬إَّن َر َّبُك ُم ُهَّللا اَّل ِذ ي‬
‫َخ َلَق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر َض ﴾ [األعراف‪ ،]54 :‬فدلك على تعظيم العرش)(‪)3‬‬
‫ثم ذكر ـ مثلما يذكر األش اعرة ع ادة ـ م ذهب التف ويض‪ ،‬أي تف ويض مع نى‬
‫اآلية هلل‪ ،‬ال تفويض الكيفية كما يقول السلفية‪ ،‬فقال‪( :‬وأما األصل عندنا في ذل ك أن‬
‫هللا تعالى قال‪َ﴿ :‬لْيَس َك ِم ْثِلِه َش ْي ٌء ﴾ [الشورى‪ ]11 :‬فنفى عن نفسه‪ ،‬شبه خلق ه‪ ،‬وق د‬
‫بينا أنه في فعله وصفته متعال عن األشباه‪ ،‬فيجب القول ب أن ال رحمن على الع رش‬
‫استوى على ما جاء به التنزيل‪ ،‬وثبت ذلك في العقل‪ .‬ثم ال نقطع تأويل ه على ش يء‬
‫الحتمال غيره مما ذكرنا)(‪)4‬‬
‫وقد ذكرنا سابقا أن الس لفية لم يرحم وا أه ل التف ويض كم ا لم يرحم وا أه ل‬
‫التأويل‪ ،‬بل إنهم يعتبرون التفويض أشد خطرا من التأويل‪.‬‬
‫وبناء على هذا ينص السلفية على كفر الماتريدية‪ ،‬أو كما عبر بعضهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(المعتزلة والمريسية والكالبية والماتريدية واإلباضية الخوارج والزيدية وغ يرهم‪..‬‬
‫وتكفير السلف يشملهم جميعا ألن جميعهم منكرة للعلو)(‪)5‬‬

‫العقائد النسفية‪ :‬ص ‪.٧٦‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التوحيد‪ :‬ص ‪ ٦٩‬و‪..٧٠‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التوحيد‪ :‬ص ‪ ٦٩‬و‪..٧٠‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التوحيد‪ :‬ص ‪ ٦٩‬و‪..٧٤‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫تكفير األشاعرة‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ 2‬ـ القول بخلق القرآن‪:‬‬
‫يتفق جميع المنزهة س واء ك انوا أش اعرة أو ماتريدي ة أو معتزل ة أو غ يرهم‬
‫على أن هللا تع الى م نزه في كالم ه عن الح رف والص وت‪ ،‬الرتب اط ذل ك كل ه‬
‫بالحدوث والجارحة وغيرها‪ ،‬وهللا تعالى هو الغنى عن كل ذلك‪.‬‬
‫وق د ذكرن ا س ابقا النص وص الكث يرة الدال ة على أن س لف الس لفية وخلفهم‬
‫يكفرون كل من يقول ذلك‪ ،‬وبن اء علي ه‪ ،‬س نذكر هن ا ـ من ب اب التأكي د ـ م ا يقول ه‬
‫الماتريدية‪ ،‬لنرى مدى انطباق تلك األحكام عليهم‪.‬‬
‫يقول التفتازاني (‪792‬هـ)‪( :‬وتحقيق الخالف بيننا وبينهم ‪( -‬أي المعتزل ة) ‪-‬‬
‫يرجع إلى إثبات الكالم النفسي‪ ،‬ونفيه‪ ،‬وإال فنحن ال نقول بقدم األلفاظ والحروف –‬
‫وال بعدم كونها مخلوقة ‪ -‬وهم ال يقولون بحدوث الكالم النفسي)(‪)1‬‬
‫ويقول عبدالعزيز الفريه اري (ك ان حي ًا ‪1239‬هـ) مبين ا مح ال االتف اق بين‬
‫الماتريدية والمعتزلة في كالم هللا‪( :‬وإن لم يختلف الفريقان في إثبات النفس ي ونفي ه‬
‫فال نزاع‪ ،‬فإنا إذا قلنا‪ :‬القرآن غير مخلوق‪ ،‬أردنا النفسي‪ .‬وإذا قلنا‪ :‬الق رآن مخل وق‬
‫أردنا اللفظي‪ .‬فنحن ال نقول بقدم األلفاظ والحروف‪ .‬بل بحدوثه كما قالت المعتزل ة‪.‬‬
‫وهم ال يقولون بحدوث النفسي‪ .‬بل ينكرون وج وده‪ ،‬ول و ثبت عن دهم لق الوا بقدم ه‬
‫مثل ما قلنا‪ .‬فصار محل البحث‪ ،‬هو أن النفسي ثابت أم ال؟)(‪)2‬‬
‫ويقول التفتازاني‪( :‬إن الكالم يطلق على الكالم النفسي فمع نى كون ه كالم هللا‬
‫أنه صفته‪ ،‬ويطلق على اللفظي الحادث المؤلف من السور واآليات ومع نى إض افته‬
‫إلى هللا‪ :‬أنه مخلوق هلل ليس من تأليفات المخلوقين)(‪)3‬‬
‫وقال الفريهاري ـ في توجيه إضافة القرآن إلى هللا تع الى ومع نى كون ه كالم‬
‫هللا ـ‪( :‬أراد ‪ -‬يع ني التفت ازاني‪ -‬أن ه ‪ -‬أي الق رآن الك ريم ‪ -‬مخل وٌق هلل تع الى‪ ،‬بال‬
‫توسط كاسب من المخلوقين إما بإيجاد الصوت حتى يسمعه الملك أو الرسول‪ ،‬وإما‬
‫بإيجاد النقوش في اللوح‪ ،‬وإما بخلق إدراك الحروف في قلب الملك أو الرسول وإما‬
‫بخلق الحروف في لسانه بال اختياره)(‪)4‬‬
‫بل إن أبا المعين النس في (‪508‬هـ) ي ذكر بك ل ص راحة ب أن هللا تع الى خل ق‬
‫صوتًا وحروفًا فأسمع جبريل كالمه بذلك الصوت والحروف فحفظه جبرائيل ونقله‬
‫إلى النبي ‪ ..‬معلال ذلك بأن كالم هللا قديم ال بحرف وال صوت (‪.)5‬‬
‫وقال الكوثري‪( :‬والواق ع أن الق رآن في الل وح المحف وظ وفي لس ان جبري ل‬
‫عليه السالم وفي لسان النبي ‪ ‬وألسنة سائر التالين وقلوبهم وألواحهم مخلوق)(‪)6‬‬
‫‪ 3‬ـ نفي الصفات‪:‬‬
‫شرح العقائد النسفية‪( ،‬ص ‪)58‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫النبراس‪ ،‬ص ‪)223‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص ‪.)61‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫(شرح العقائد النسفية)) (ص ‪)61‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫بحر الكالم‪ ،‬ص‪.29‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫بحر الكالم‪ ،‬ص‪.29‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫‪56‬‬
‫يتف ق الماتريدي ة م ع األش اعرة في اعتب ار التأوي ل والتف ويض أص الن من‬
‫األصول المنهجية التي يقوم عليها التعامل مع ما يس ميه الس لفية [ص فات هللا]‪ ،‬فق د‬
‫ذك ر الماتري دي ب أن النص وص ال تحم ل على ظواهره ا ب ل يجب أن تفهم على‬
‫المعنى الذي ورد في كالم العرب‪ ،‬حيث ق ال في (الت أويالت)‪( :‬إن الخط اب ق د ال‬
‫يوجب المراد والفهم على ظاهر المخرج ولكن على مخرج الحكمة والمعنى)(‪)1‬‬
‫وقال أبو المعين النسفي‪( :‬إن هذه األلفاظ الواردة في الكتاب والسنة المروي ة‬
‫التي يوهم ظاهرها التشبيه وكون الباري جسما متبعضا متجزيا كانت كله ا محتمل ة‬
‫لمعان وراء الظاهر والحجج المعقولة‪ ..‬غير محتملة‪ ،‬والعقول من أسباب المع ارف‬
‫وهي حجة هللا تعالى‪ ،‬وفي حمل هذه اآليات على ظواهره ا‪ ..‬إثب ات المناقض ة بين‬
‫الكتاب والدالئل المعقولة وهي كلها حجج هللا تعالى ومن تناقضت حججه فهو س فيه‬
‫جاهل‪ ..‬وهللا تعالى حكيم ال يج وز علي ه الس فه‪ ..‬فحم ل تل ك ال دالئل الس معية على‬
‫ظواهرها كان محاال ممتنعا)(‪)2‬‬
‫وق ال في موض ع آخ ر‪( :‬إن حم ل اآلي ات على ظواهره ا واالمتن اع عن‬
‫صرفها إلى ما يحتمله من التأويل ي وجب تناقض ا فاحش ا في كت اب هللا تع الى‪ ..‬فال‬
‫يجوز أن يفهم مما أضيف من األلفاظ إلى هللا تعالى ما يستحيل علي ه ويجب ص رفه‬
‫إلى ما ال يستحيل عليه أو تفويض المراد إليه واإليمان بظ اهر التنزي ل م ع ص يانة‬
‫العقيدة عما يوجب شيئا من أمارات الحدث فيه)(‪)3‬‬
‫وقد ذك ر التفت ازاني ـ وه و من أعالم الماتريدي ة المعت برين ـ الق انون ال ذي‬
‫يتعاملون به مع ما يسميه السلفية (آيات الصفات)‪ ،‬فقال‪ ..( :‬والج واب أنه ا ظني ات‬
‫سمعية في معارضة قطعي ات عقلي ة‪ ،‬فيقط ع بأنه ا ليس ت على ظاهره ا‪ ،‬ويف وض‬
‫العلم بمعانيه ا إلى هللا م ع اعتق اد حقيته ا جري ًا على الطري ق األس لم‪ ..‬أو ت ؤول‬
‫تأويالت مناس بة موافق ة لم ا علي ه األدل ة العقلي ة على م ا ذك ر في كتب التفاس ير‪،‬‬
‫وشروح األحاديث‪ ،‬سلوكًا للطريق األحكم ‪ -‬يعني طريقة المتكلمين ‪)4()-‬‬
‫وهذان المنهجان [التفويض والتأويل] كالهما منكران عند السلفية كما ذكرن ا‬
‫ذلك سابقا‪ ،‬بل يعتبرون التفويض أشد بدعة وضالال من التأويل‪.‬‬
‫وبناء على هذا أول الماتريدية االس تواء‪ ،‬ال ذي يعت بر الس لفية تأويل ه تعطيال‬
‫وتجهما‪ ،‬قال الماتريدي‪( :‬وأما األصل عندنا في ذل ك أن هللا تع الى ق ال ليس كمثل ه‬
‫شيء‪ ،‬فنفى عن نفسه شبه خلقه‪ ،‬وقد بينا أنه في فعله وص فته متع ال عن األش باه‪،‬‬
‫فيجب القول بـ (الرحمن على العرش استوى) على ما جاء ب ه التنزي ل‪ ،‬وثبت ذل ك‬
‫في العقل‪ ،‬ثم ال نقطع تأويله على شيء‪ ،‬الحتماله غيره مما ذكرنا‪ ،‬واحتمال ه أيض ا‬
‫ما لم يبلغنا مما يعلم أنه غير محتمل شبه الخلق‪ ،‬ونؤمن بما أراد هللا به‪ ،‬وك ذلك في‬

‫التأويالت‪/1 ،‬ل ‪.977‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫تبصرة األدلة‪.78 ،77 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تبصرة األدلة‪ ،‬ل‪)،111،113 ،110‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫شرح المقاصد‪.50 /2 ،‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪57‬‬
‫كل أمر ثبت التنزيل فيه‪ ،‬نحو الرؤية وغير ذل ك‪ ،‬يجب نفي الش به عن ه‪ ،‬واإليم ان‬
‫بما أراده من غير تحقيق على شيء دون شيء)(‪)1‬‬
‫ومثله قال الجرجاني‪ ..( :‬وال يجوز التعوي ل في إثبات ه ‪ -‬أي االس تواء‪ -‬على‬
‫الظ اهر من اآلي ات واألح اديث م ع قي ام االحتم ال الم ذكور‪ ،‬ه و أن الم راد ب ه‬
‫االس تيالء)(‪ ،)2‬وق ال‪( :‬والح ق أنه ا ـ أي ال دالئل النقلي ة ـ ق د تفي د اليقين في‬
‫الشرعيات‪ ،‬نعم في إفادتها في العقليات نظر‪ ..‬فال ج رم ك انت إفادته ا في العقلي ات‬
‫محل نظر وتأمل)(‪)3‬‬
‫وهكذا أول البزدوي الكثير مما يسميه الس لفية ص فات أفع ال‪ ،‬ويكف رون من‬
‫أوله ا‪ ،‬ويس مونه معطال‪ ،‬فق ال في مس ألة تحت عن وان (أن هللا ال يش به ش يئا وال‬
‫يشبهه شيء)‪( :‬فإن قالوا قد وجد دالئل االجسام فإنه يوصف باالتيان قال هللا تعالى‪:‬‬
‫﴿َهْل َيْنُظُروَن ِإاَّل َأْن َيْأِتَيُهُم ُهَّللا ِفي ُظَلٍل ِم َن اْلَغ َم اِم َو اْلَم اَل ِئَك ُة﴾ [البقرة‪ ،]210 :‬وقال‪:‬‬
‫﴿َو َج اَء َر ُّبَك َو اْلَم َلُك َص ًّفا َص ًّفا﴾ [الفجر‪ ،]22 :‬ويوصف باالستواء على العرش ق ال‬
‫هللا تع الى‪ُ﴿ :‬ثَّم اْس َتَو ى َع َلى اْلَع ْر ِش ﴾ [األع راف‪ ،]54 :‬واالتي ان واالس تواء على‬
‫المكان من صفات الجسم‪ ،‬وكذلك يوصف بأن له أيديا وأعينا‪ ،‬قال هللا تعالى‪ِ ﴿ :‬مَّم ا‬
‫َع ِم َلْت َأْيِد يَنا َأْنَع اًم ا﴾ [يس‪ ..]71 :‬وهذا من أمارات األجسام)(‪)4‬‬
‫ثم أج اب على ه ذا بقول ه‪( :‬الص حيح من م ذهب الس نة ـ يقص د ب ه ق ول‬
‫الماتريدية ـ فال بد من الوصف بما وصف هللا نفسه ب ه‪ ،‬ولكن ه ذه الص فات ليس ت‬
‫من صفات األجسام‪ ،‬فإن االتيان يذكر ويراد منه الظهور‪ .‬قال هللا تع الى‪َ﴿ :‬ف َأَتى ُهَّللا‬
‫ُبْنَي اَنُهْم ِم َن اْلَقَو اِع ِد ﴾ [النح ل‪ ..]26 :‬معن اه ـ وهللا أعلم ـ ظه رت آث ار س خطه في‬
‫بنيانهم‪ ،‬وظهرت آثار قدرته وقهره فيهم‪ ..‬وكذا االس تواء ليس من ص فات األجس ام‬
‫فإن االستواء هو االستيالء على الشيء والقهر عليه‪ .‬قال هللا تعالى‪َ﴿ :‬و َلَّم ا َبَلَغ َأُش َّد ُه‬
‫َو اْسَتَو ى آَتْيَناُه ُح ْك ًم ا َو ِع ْلًم ا ﴾ [القصص‪ ]14 :‬معناه ـ وهللا أعلم ـ تق وى حال ه بتم ام‬
‫البنية‪ .‬واس توى أم ر فالن‪ :‬إذا تن اهى‪ ،‬ومن ه المس توي على الكرس ي وه و القاع د‬
‫علي ه‪ ،‬عب ارة عن االس تيالء‪ .‬فإن ه (ال) يق ال‪ :‬اس توى على الكرس ي م ا لم يجلس‬
‫مس تقرا علي ه‪ ،‬فالمس تقر على الع رش مس تو‪ ،‬فك ان مع نى قول ه‪ُ﴿ :‬ثَّم اْس َتَو ى َع َلى‬
‫اْلَع ْر ِش ال َّرْح َم ُن ﴾ [الفرق ان‪ ]59 :‬ـ وهللا أعلم ـ أى اس توى علي ه بع د خلق ه‪ ،‬وهللا‬
‫تعالى مستول على جمي ع الع الم‪ ،‬إال أن ه خص الع رش بال ذكر ألن ه أعظم األش ياء‬
‫وأشرفها‪ ،‬ثم ذكر تفسير سائر الصفات الخبرية من اليد والعين)(‪)5‬‬
‫وهكذا ذهب الماتريدية إلى نفس ما ذهب إليه المنزهة من نفي الرؤية الحسية‬
‫هلل‪ ،‬وهو من المسائل التي كفر بها السلفية مخالفوهم‪.‬‬

‫التوحيد للماتريدي‪ :‬ص ‪.٧٤‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫شرح المواقف‪.111 – 110 /8 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫شرح المواقف‪.57 - 56 /2 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اصول الدين‪ :‬ص ‪ ٢٥‬ـ ‪..٢٨‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫اصول الدين‪ :‬ص ‪ ٢٥‬ـ ‪..٢٨‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪58‬‬
‫يقول الماتريدي عند حديثه عن رؤية هللا تعالى‪( :‬فإن قيل‪ :‬كيف ي رى؟ قي ل‪:‬‬
‫بال كيف‪ ،‬إذ الكيفية تكون لذي ص ورة‪ ،‬ب ل ي رى بال وص ف قي ام وقع ود‪ ،‬واتك اء‬
‫وتعل ق‪ ،‬واتص ال وانفص ال‪ ،‬ومقابل ة وم دابرة‪ ،‬وقص ير وطوي ل‪ ،‬ون ور وظلم ة‪،‬‬
‫وساكن ومتحرك‪ ،‬ومم اس ومب اين‪ ،‬وخ ارج وداخ ل‪ ،‬وال مع نى يأخ ذه ال وهم‪ ،‬أو‬
‫يقدره العقل‪ ،‬لتعاليه عن ذلك)(‪)1‬‬
‫وما ذكره الماتريدي هو ما نص عليه جميع من المنزهة مما يس مونه الرؤي ة‬
‫القلبية‪ ،‬خالفا للرؤية التي يذهب إليه ا الس لفية‪ ،‬وال تي ع بر عن رأيهم فيه ا مقارن ة‬
‫برأي غيرهم ابن عساكر‪ ،‬فق ال‪( :‬ق الت الحش وية المش بهة‪ :‬إن هللا س بحانه وتع الى‬
‫يرى مكيفا مح دودا كس ائر المرئي ات‪ ،‬وق الت المعتزل ة والجهمي ة والنجاري ة‪ :‬إن ه‬
‫سبحانه ال يرى بحال من األحوال فسلك األشعري طريقا بينهما فقال‪ :‬يرى من غير‬
‫حلول‪ ،‬وال حدود‪ ،‬وال تكييف‪ ،‬كما يرانا هو سبحانه وتعالى‪ ،‬وهو غير محدود‪ ،‬وال‬
‫مكيف)(‪)2‬‬
‫وقد سئل الشيخ عب د العزي ز بن عب د هللا بن ب از عن منك ر الرؤي ة الحس ية‪،‬‬
‫فأجاب بقول ه‪( :‬رؤي ة هللا تع الى في اآلخ رة ثابت ة عن د أه ل الس نة والجماع ة‪ .‬من‬
‫أنكرها كفر‪ .‬يراه المؤمنون يوم القيام ة ويرون ه في الجن ة كم ا يش اء بإجم اع أه ل‬
‫السنة)(‪)3‬‬
‫مدرسة المعتزلة‪:‬‬
‫ال نحتاج إلى بذل جهد كبير إلثبات تكفير السلفية للمعتزلة‪ ،‬ألنهم يص رحون‬
‫بذلك في كل حين‪ ،‬بل يعتبرون االع تزال والمعتزل ة م ؤامرة على ال دين‪ ،‬لتخريب ه‬
‫من الداخل‪ ،‬ويقصون في ذلك القصص الطويلة‪.‬‬
‫لكن بسبب إطالقهم أسماء أخرى لهذه المدرسة المحترمة من م دارس األم ة‬
‫وق ع بعض الن اس في اللبس‪ ،‬ذل ك أن ه ك ان يطل ق عليه ا عن د الس لف األول لقب‬
‫الجهمية‪ ،‬الشتراكها مع الجهمية األصلية في مسائل كث يرة‪ ،‬مث ل نفي الرؤي ة‪ ،‬وم ا‬
‫يسميه السلفية الصفات‪ ،‬والقول بخلق القرآن‪ ،‬ولذلك فإن ما كتب ه أوائ ل الس لف من‬
‫كتب في ال رد على الجهمي ة‪ ،‬مث ل اإلم ام أحم د في كتاب ه (ال رد على الجهمي ة)‬
‫والبخاري في الرد على الجهمية‪ ،‬كانوا يقصدون به المعتزلة‪.‬‬
‫وقد أشار ابن تيمية إلى هذا‪ ،‬فقال‪( :‬لم ا وقعت محن ة الجهمي ة نف اة الص فات‬
‫في أوائل المئة الثالثة على عهد المأمون وأخي ه المعتص م ثم الواث ق ودع وا الن اس‬
‫إلى التجهم وإبط ال ص فات هللا تع الى‪ ...‬وطلب وا أه ل الس نة للمن اظرة‪ ...‬لم تكن‬
‫المناظرة مع المعتزلة فق ط‪ ،‬ب ل ك انت م ع جنس الجهمي ة من المعتزل ة والنجاري ة‬
‫والضرارية وأنواع المرجئة‪ ،‬فك ل مع تزلي جهمي وليس ك ل جهمي معتزلي ًا؛ ألن‬

‫‪ )(1‬التوحيد للماتريدي‪ :‬ص ‪..٨٥‬‬


‫‪ )(2‬تبيين كذب المفتري البن عساكر‪ :‬ص ‪ ١٤٩‬ـ ‪..١٥٠‬‬
‫‪ )(3‬مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن باز ص ‪.16‬‬

‫‪59‬‬
‫والصفات)(‪)1‬‬ ‫جهمًا أشد تعطيًال لنفيه األسماء‬
‫وق ال في موض ع آخ ر‪ ،‬وه و يتح دث عن العالق ة بين الجهمي ة والمعتزل ة‬
‫واألشاعرة ـ ويدخل معهم طبعا الماتريدي ة ـ‪( :‬من رزق ه هللا معرف ة م ا ج اءت ب ه‬
‫الرسل وبصرا نافذا وعرف حقيقة مأخذ هؤالء علم قطع ا أنهم يلح دون فى أس مائه‬
‫وآياته وأنهم كذبوا بالرسل وبالكتاب وبما أرس ل ب ه رس له وله ذا ك انوا يقول ون ان‬
‫البدع مشتقة من الكفر وآيلة اليه ويقولون‪ :‬إن المعتزلة مخانيث الفالسفة واالشعرية‬
‫مخانيث المعتزلة‪ ،‬وكان يحيى بن عمار يقول المعتزلة الجهمية ال ذكور واالش عرية‬
‫الجهمية االناث ومرادهم االش عرية ال ذين ينف ون الص فات الخبري ة‪ ،‬وأم ا من ق ال‬
‫منهم بكتاب االبانة الذى صنفه االش عرى فى آخ ر عم ره ولم يظه ر مقال ة تن اقض‬
‫ذلك فهذا يعد من أهل السنة لكن مجرد االنتساب الى االشعرى بدعة)(‪)2‬‬
‫ويق ول في موض ع آخ ر‪( :‬فالمعتزل ة فى الص فات مخ انيث الجهمي ة‪ ،‬وأم ا‬
‫الكالبية في الص فات وك ذلك األش عرية ولكنهم كم ا ق ال أب و إس ماعيل األنص ارى‬
‫األش عرية اإلن اث هم مخ انيث المعتزل ة ومن الن اس من يق ول المعتزل ة مخ انيث‬
‫الفالسفة ألنه لم يعلم أن جهما س بقهم الى ه ذا األص ل أو ألنهم مخ انيثهم من بعض‬
‫الوجوه)(‪)3‬‬
‫وقد ذكر ابن تيمية أثناء ذمه لألشاعرة أن أمر المعتزلة واضح‪ ،‬وأن العلم اء‬
‫من س لفه كف وه ش أنهم‪ ،‬فق ال‪( :‬كم ا يق ال األش عرية مخ انيث المعتزل ة والمعتزل ة‬
‫مخانيث الفالسفة لكن لما شاع بين األمة فساد مذهب المعتزلة ونفرت القل وب عنهم‬
‫صرتم تظهرون الرد عليهم في بعض المواض ع م ع مق اربتكم أو م وافقتكم لهم في‬
‫الحقيقة وهم سموا أنفسهم أهل التوحيد العتقادهم أن التوحيد هو نفي الصفات‪ ،‬وأنتم‬
‫وافقتموهم على تسمية أنفسكم أهل التوحيد وجعلتم نفي بعض الص فات من التوحي د‬
‫وسموا ما ابتدعوه من الكالم الفاسد إما في الحكم وإما في الدليل أصول ال دين وأنتم‬
‫شاركتموهم في ذلك وقد علمتم ذم السلف واألئمة لهذا الكالم بل علم من يعرف دين‬
‫اإلسالم وما بعث هللا به نبيه عليه أفضل الصالة والسالم م ا في ه من المخالف ة لكتب‬
‫هللا وأنبيائه ورسله وقد بسطنا الكالم على فساد هذه األصول في غير هذا الموضع)‬
‫(‪)4‬‬
‫ويطل ق عليهم الس لف ك ذلك لقب المعطل ة‪ ،‬مثلم ا يطلقون ه على األش اعرة‬
‫والماتريدية وكل المنزهة‪ ،‬ولهذا فإن مقصد ابن القيم من كتابه [الصواعق المرس لة‬
‫في الرد على الجهميه والمعطلة] هو الرد على المعتزلة بالدرجة األولى‪ ،‬باعتبارها‬
‫ـ حسبما يصور السلفية ـ مصدرا لكل تعطيل حصل في الصفات‪.‬‬
‫وقد أضاف المعاصرون لقبا جديدا لمن يسمونهم [المعتزلة الجدد] وه و لقب‬

‫منهاج السنة النبوية (‪)604 /2‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مجموع الفتاوى (‪)6/359‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجموع الفتاوى (‪)8/227‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الفتاوى الكبرى (‪)5/325‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪60‬‬
‫العقالن يين أو العص رانيين أو غيره ا من األلق اب‪ ،‬وال تي س نتحدث عنه ا‪ ،‬وعن‬
‫موقفهم منها في هذا المبحث‪.‬‬
‫وقد قسمنا الحديث فيه إلى قسمين‪ :‬موقف المتقدمين‪ ،‬وموقف المتأخرين‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ تكفير متقدمي السلفية للمعتزلة‪:‬‬
‫ي ذكر الس لفية بفخ ر واع تزاز مواق ف س لفهم األول المتش ددة من المعتزل ة‬
‫األول‪ ،‬ابتداء من الحسن البصري إلى آخر المتقدمين في العصر السلفي الذهبي‪.‬‬
‫ومن تلك المواقف موقف الحسن البصري من واصل بن عطاء‪ ،‬حيث طرده‬
‫من حلقته(‪ )1‬وبذلك سمي المعتزلة ـ في نظر السلفية ـ بهذا االسم‪.‬‬
‫وقد رووا أن اإلمام أحمد كان يفتي بأنه (ال يصلى خلف القدري ة والمعتزل ة)‬
‫(‪)2‬‬
‫ورووا أن اإلمام مالك س ئل عن ت زويج الق دري‪ ،‬فق رأ قول ه تع الى‪َ﴿ :‬و َلَع ْب ٌد‬
‫ُّم ْؤ ِم ٌن َخْيٌر ِّم ن ُّم ْش ِر ٍك ﴾ [البقرة‪)3()]221 :‬‬
‫ورووا أن عمر بن عبدالعزيز كان يقول في القدرية‪( :‬أرى أن يس تتابوا ف إن‬
‫تابوا وإال قتلوا‪ ،‬قال أبو سهيل‪ :‬وذلك رأيي‪ ،‬قال مالك‪ :‬وذلك رأيي)(‪)4‬‬
‫ورووا أن رجال ق ال لإلم ام عبدهللا بن إدريس‪ :‬ي ا أب ا محم د إن قبلن ا ناس ًا‬
‫يقولون‪ :‬إن القرآن مخلوق‪ ،‬فقال‪ :‬من اليهود؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فمن النصارى؟ قال‪ :‬ال‪.‬‬
‫قال‪ :‬فمن المجوس؟ قال‪ :‬ال‪ .‬فقال‪ :‬فممن؟ ق ال‪ :‬من الموح دين‪ ،‬ق ال‪ :‬ك ذبوا ه ؤالء‬
‫ليسوا بموحدين‪ ،‬هؤالء زنادقة‪ ،‬من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن هللا مخلوق‪،‬‬
‫ومن زعم أن مخلوق فقد كفر‪ ،‬هؤالء زنادقة‪ ،‬هؤالء زنادقة)(‪)5‬‬
‫ورووا أن معاذ بن معاذ قال‪ :‬صليت خلف رجل من ب ني س عد ثم بلغ ني أن ه‬
‫قدري‪ ،‬فأعدت الصالة بعد أربعين سنة‪ ،‬أو ثالثين سنة)(‪)6‬‬
‫ورووا عن أبي عوانة قال‪( :‬ما رأيت عمرو ابن عبيد وال جالسته قط إال مرة‬
‫واحدة‪ ،‬فتكلم وطول ثم قال حين فرغ‪ :‬لو نزل من الس ماء مل ك م ازادكم على ه ذا‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬غيري من عاد إليك)(‪)7‬‬
‫ورووا عن عبدالوهاب بن الخفاف قال‪ :‬مررت بعمرو بن عبيد وحده‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫مالك؟ تركوك؟ قال‪ :‬نهى الناس عني ابن عون فانتهوا(‪.)8‬‬
‫ورووا عن عدي بن الفضل قال‪ :‬كلمت يونس بن عبيد في عبدالوارث‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫رأيته على باب عمرو بن عبيد جالسًا ال تذكره لي (‪.)9‬‬
‫سير أعالم النبالء‪.464 /5 ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫السنة لعبدهللا بن أحمد‪ ،‬برقم ‪.833‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫ابن أبي عاصم‪)198( :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫السنة البن أبي عاصم برقم (‪)199‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫السنة‪ ،‬لعبدهللا برقم (‪.29‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫السنة‪ ،‬لعبدهللا برقم (‪)839‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫ابن حبان‪ ،‬المجروحين‪.71 /2 ،‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫ميزان االعتدال‪.274 /3 ،‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫السنة‪ ،‬لعبدهللا برقم (‪)983‬‬ ‫‪)(9‬‬

‫‪61‬‬
‫ورووا عن قريش بن أنس قال‪ :‬سمعت عمرو بن عبيد يقول‪( :‬ي ؤتى بي ي وم‬
‫القيامة فأقام بين يدي هللا‪ ،‬فيقول لي‪ :‬أنت قلت‪ :‬إن القاتل في النار؟ فأقول‪ :‬أنت قلته‪،‬‬
‫ثم أتلو هذه اآلي ة ﴿َو َم ن َيْقُت ْل ُم ْؤ ِم ًن ا ُّم َتَعِّم ًدا َفَج َز آُؤ ُه َجَهَّنُم ﴾ [النس اء‪ ]93 :‬فقلت –‬
‫وليس في البيت أصغر مني‪ :-‬أرأيت إن قال لك‪ :‬أنا قلت‪ِ﴿ :‬إَّن َهّللا َال َيْغ ِفُر َأن ُيْش َر َك‬
‫ِبِه َو َيْغ ِفُر َم ا ُد وَن َذ ِلَك ِلَم ن َيَش اء﴾ [النساء‪ ]48 :‬من أين علمت أني ال أشاء أن أغف ر‬
‫لهذا؟ فما رد علي شيئًا)(‪)1‬‬
‫ورووا عن بعضهم‪ ،‬قال‪ :‬كنت جالسا عند يونس بن عبيد‪ ،‬فجاء رج ل فق ال‪:‬‬
‫يا أبا عبدهللا‪ ،‬تنهانا عن مجالسة عمرو بن عبيد‪ ،‬وق د دخ ل علي ه ابن ك قبي ل؟ ق ال‪:‬‬
‫ابني؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فلم أبرح حتى جالسه‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني‪ ،‬ألم تعرف رأيي في عم رو بن‬
‫عبيد‪ ،‬ثم تدخل عليه؟ قال‪ :‬كان عنده فالن‪ ،‬قال‪ :‬فجعل يعت ذر‪ ،‬فق ال ي ونس‪ :‬أنه اك‬
‫عن الزنا‪ ،‬والسرقة‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬وألن تلقى هللا بهن أحب إلي من أن تلقاه ب رأي‬
‫عمرو‪ ،‬وأصحاب عمرو (‪.)2‬‬
‫بل إن سلف السلفية لم يرحموا المعتزل ة ح تى في من امهم‪ ،‬فق د رووا الكث ير‬
‫من الرؤى التي تصفهم بالضالل والبدعة‪ ،‬ويستدلون بذلك على ضالالهم وبدعتهم‪،‬‬
‫باعتبار عصمة أحالم سلفهم‪..‬‬
‫ومن تلك الرؤى ما رواه عاصم األحول قال‪ ..( :‬فرأيت عم رو بن عبي د في‬
‫المنام يحك آية من القرآن‪ ،‬قلت‪ :‬م ا تص نع؟ ق ال‪ :‬إني أعي دها‪ ،‬ق ال‪ :‬فحكه ا‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫أعدها! فقال‪ :‬ال أستطيع)(‪)3‬‬
‫ورووا أن عم رو بن عبي د‪ ،‬وإس ماعيل المكي ج اءا إلى محم د بن س يرين‬
‫فسأاله عن رجل رأى كأنه نصف رأسه مجزوزة‪ ،‬ونصف لحيته‪ ،‬فق ال لهم ا‪ :‬اتقي ا‬
‫هللا‪ ،‬ال تظهروا أمرًا‪ ،‬وتسرا خالفه‪ ،‬قال‪ :‬فقال عمرو‪ :‬وهللا‪ ،‬ال نأخذ عنه في اليقظ ة‬
‫وكيف نأخذ عنه في المنام؟)(‪)4‬‬
‫ورووا عن محمد بن إدريس الرازي قال‪ :‬س معت األنص اري يق ول‪( :‬رأيت‬
‫في النوم كأنا على باب عمرو بن عبيد‪ ،‬ننتظر خروجه‪ ،‬إذ خرج علينا ق رد‪ ،‬ق الوا‪:‬‬
‫هذا عمرو بن عبيد)(‪)5‬‬
‫ولم يكتف سلف السلفية بهذا‪ ،‬بل كتبوا الردود الكث يرة المش حونة بك ل ص يغ‬
‫التكفير‪ ،‬فمن كتبهم األولى في ذلك (رس الة ال رد على القدري ة) ينس بونها لعم ر بن‬
‫عبدالعزيز (توفي ‪101‬هـ)(‪)6‬‬
‫ومنها رسالة في (الرد على القدرية) إلسماعيل بن حماد (توفي ‪212‬هـ)‬
‫ومنها رسالة (في أن القرآن غير مخلوق) ألبي إسحاق الحربي (ت‪285‬هـ)‬
‫سير أعالم النبالء‪.273 /3 ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الضعفاء‪.)285 /3 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫العقيلي‪ ،‬الضعفاء‪.282 ،281 /3 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫العقيلي‪ ،‬الضعفاء‪.282 ،281 /3 ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫ابن حبان‪ ،‬المجروحين‪.71 /2 ،‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫أخرجها أبو نعيم في الحلية ‪.353-5/346‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫‪62‬‬
‫ومنها رسالة في (الرؤية) ألبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي (ت‪342‬هـ)‬
‫ومنها رسالة (الرؤية) ألبي أحمد العسال (ت‪349‬هـ)(‪)1‬‬
‫ومنها رسالة في (الرؤية) لعلي بن عمر الدارقطني (ت‪385‬هـ)‬
‫ومنها رسالة في (الرد على القدرية) البن أبي زيد القيرواني (ت‪386‬هـ)‬
‫ومنها رسالة في (رؤية هللا) البن النحاس (ت ‪416‬هـ)‬
‫ومنها رسالة في (الرد على القدرية) ألبي المظفر السمعاني (ت‪489‬هـ)‬
‫ومنه ا رس الة (االنتص ار في ال رد على القدري ة األش رار) ليح يى بن س الم‬
‫العمراني (ت ‪558‬هـ)‬
‫ومنها رسالة في (رؤية الباري) للذهبي (ت ‪748‬هـ)‬
‫وقد ذكرنا سابقا الكثير من النص وص عن الس لف في تكف ير من ينفي الجه ة‬
‫أو ي ؤول الص فات أو يق ول بخل ق الق رآن‪ ،‬وقص دهم من ذل ك كل ه المعتزل ة‪ ،‬ألن‬
‫األش اعرة والماتريدي ة لم يظه را بع د‪ ،‬أوك ان ظهورهم ا في ذل ك الحين محتش ما‪،‬‬
‫بحيث لم يشكال مدارس خاصة‪.‬‬
‫ولم يكتفوا بهذا‪ ،‬بل أضافوا إليه استخدام السلطة السياسية في قهر المعتزل ة‪،‬‬
‫والتنكيل بهم‪ ،‬حتى لو كانوا من أعالم األم ة األجالء‪ ،‬ب ل ح تى ل و ك ان االع تزال‬
‫مجرد تهمة لم تثبت عنهم‪.‬‬
‫ول ذلك ف إن م ا فعل وه بالمعتزل ة‪ ،‬وبغ يرهم ممن ي وافقهم في بعض األفك ار‬
‫والمواقف ال يساوي شيئا أمام تلك الفتنة البسيطة ال تي ق ام به ا الم أمون‪ ،‬وال تي لم‬
‫يصب فيها اإلمام أحم د مك روه كب ير مقارن ة بالمص ائب وال ويالت ال تي ألحقوه ا‬
‫بالمعتزلة‪.‬‬
‫ونحن هنا ال نقر المأمون‪ ،‬وال غيره ممن يصادرون األفكار‪ ،‬ولكن ا في نفس‬
‫الوقت ال نقبل أن يعتبر المأمون طاغي ة ومس تبدا وظالم ا وك افرا‪ ،‬في نفس ال وقت‬
‫الذي يعتبر فيه المتوكل ـ وهو الذي وقف مع السلفية ض د المعتزل ة ـ ع ادال وطيب ا‬
‫وصالحا‪ ،‬بل وناصرا للسنة كما يزعم السلفية‪.‬‬
‫وبما أن جرائم المأمون في حق الفكر معروفة عن د الجمي ع‪ ،‬ف إني أحب هن ا‬
‫من باب العدالة‪ ،‬والش هادة هلل‪ ،‬أن أبين م ا ذك ره المحقق ون من الم ؤرخين في ح ق‬
‫المتوكل الذي يعتبرونه من خلفاء األم ة الع دول‪ ،‬ب ل هن اك من يعت بره من الخلف اء‬
‫االثني عشر الذين أثنى عليهم رسول هللا ‪.‬‬
‫ِّك‬ ‫ّن‬
‫فقد ذكر ابن الجوزي في كتاب (من اقب اإلم ام أحم د) أ المتو ل (في س نة‬
‫‪ 234‬هـ أش خص الفقه اء والمح ِّدثين‪ ،‬وأم رهم أن يجلس وا للّن اس وأن يح ِّدثوا‬
‫باألحاديث فيها الرّد على المعتزلة والجهمّية‪ ،‬وأن يحِّدثوا في الّر ؤية‪ ،‬فجلس عثمان‬
‫بن أبي شيبة فى مدينة المنصور‪ ،‬ووضع له منبر واجتمع عليه نحو من ثالثين ألف ًا‬
‫من الناس‪ ،‬وجلس أبوبكر بن أبي شيبة في مسجد الرص افة واجتم ع علي ه نح و من‬

‫‪ )(1‬ذكرها الذهبي في السير ‪.16/11‬‬

‫‪63‬‬
‫ألفًا)(‪)1‬‬ ‫ثالثين‬
‫ومن هنا بدأ التطرف الشديد للس لفية بس بب ذل ك االس تعالء والكبري اء ال ذي‬
‫أعانتهم عليه السلطة السياسية‪ ..‬ول ذلك راح وا يب الغون في التجس يم‪ ،‬وفي التكف ير‪،‬‬
‫وألبسط المسائل‪ ،‬ومن يطالع ما كتب في تلك الفترة يرى هذا بوضوح‪.‬‬
‫وق د ذكرن ا في مح ل س ابق أن المتوك ل ك ان يعت بر الس لفية في ذل ك الحين‬
‫مرجعا له يستشيرهم في كل وظيفة يريد أن يقدم عليها‪ ،‬فق د رووا في ذل ك عن أبي‬
‫علي البلخي قول ه‪ :‬دخلت على أحم د ابن حنب ل‪ ،‬فج اءه رس ول الخليف ة يس أله عن‬
‫االستعانة بأهل األهواء ـ ويقصدون بهم كل المخالفين لهم ـ فق ال أحم د‪ :‬ال يس تعان‬
‫بهم‪ ،‬فقال‪ :‬يستعان باليهود والنصارى وال يستعان بهم‪ ،‬فقال‪ :‬إن النصارى واليه ود‬
‫ال يدعون إلى أديانهم‪ ،‬وأصحاب األهواء داعية(‪.)2‬‬
‫وروى البيهقي في [مناقب أحمد] عن محمد بن أحم د بن منص ور الم روذي‬
‫أنه استأذن على أحمد بن حنبل‪ ،‬فأذن له‪ ،‬فجاء أربعة رسل المتوكل يسألونه فق الوا‪:‬‬
‫الجهمي ة ـ ويقص د بهم في ذل ك الحين المعتزل ة ـ يس تعان بهم على أم ور الس لطان‬
‫قليلها وكثيرها أولى أم اليهود والنصارى؟ ففقال أحمد‪(:‬أما الجهمية فال يس تعان بهم‬
‫على أمور السلطان قليلها وكثيرها‪ ،‬وأما اليهود والنصارى فال بأس أن يس تعان بهم‬
‫في بعض األمور التي ال يسلطون فيها على المسلمين حتى ال يكون وا تحت أي ديهم‪،‬‬
‫قد استعان بهم السلف)‪ ،‬قال محمد بن أحمد المروذي‪ :‬أيس تعان ب اليهود والنص ارى‬
‫وهما مشركان‪ ،‬وال يستعان بالجهمي؟ قال‪( :‬يا بني يغ تر بهم المس لمون وأولئ ك ال‬
‫يغتر بهم المسلمون)(‪)3‬‬
‫وقد قام المتوكل بنفس المضايقات التي كان يق وم به ا الم أمون‪ ،‬وال تي يب الغ‬
‫فيها السلفية‪ ،‬ويعظمونها تعظيما كبيرا‪ ،‬وبعتبرونه ا جناي ة في ح ق اإلس الم نفس ه‪،‬‬
‫ولكنهم في نفس الوقت يثنون على تلك الج رائم ال تي ق ام به ا المتوك ل‪ ،‬ويعتبرون ه‬
‫ناصرا للسنة‪ ،‬لسبب بسيط‪ ،‬وهو أنهم كانوا شركاءه في تلك الجرائم‪.‬‬
‫يقول الطبري‪( :‬وقد كان المتوِّك ل لّم ا أفض ت إلي ه الخالف ة‪ ،‬نهى عن الج دال‬
‫في القرآن وغيره‪ ،‬ونفذت كتبه ب ذلك إلى اآلف اق‪ ،‬وهّم ب إنزال أحم د بن نص ر عن‬
‫خشبته‪ ،‬فاجتمع الغوغاء والّر عاع إلى موضع تل ك الخش بة وك ثروا وتكّلم وا‪ ،‬فبل غ‬
‫ذل ك المتوّك ل‪ ،‬فوّج ه إليهم نص ربن الّليث‪ ،‬فأخ ذ منهم نح وًا من عش رين رجًال‬
‫فضربهم وحبسهم‪ ،‬وترك إنزال جّثة أحمد بن نصر من خش بته لم ا بلغ ه من تكث ير‬
‫العاّم ة في أم ره‪ ،‬وبقي اّل ذين ُأِخ ذوا بس ببه في الحبس حين ًا‪ ...‬فلّم ا دف ع بدن ه إلى‬
‫أوليائه في الوقت اّل ذي ذك رت‪ ،‬حمل ه ابن أخي ه موس ى إلى (بغ داد) وغس ل ودفن‬
‫وضّم رأسه إلى بدنه)(‪)4‬‬

‫مناقب االمام أحمد‪ :‬ص ‪ 375‬ـ ‪.385‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫اآلداب الشرعية والمنح المرعية (‪)256 /1‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫نقال عن اآلداب الشرعية والمنح المرعية (‪)256 /1‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تاريخ الطبري‪ :‬ج ‪ ،7‬حوادث سنة ‪ ،237‬ص ‪.368‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪64‬‬
‫وهك ذا انتقم الس لفية لم ا حص ل لإلم ام أحم د وغ يره بالتنكي ل بك ل علم اء‬
‫المعتزل ة‪ ،‬يق ول الط بري‪( :‬وفي س نة ‪ 237‬هـ غض ب المتوِّك ل على ابن أبي دؤاد‬
‫وأمر بالّتوكي ل على ض ياع أحم د بن أبي دؤاد لخمس بقين من ص فر‪ ،‬وحبس ي وم‬
‫السبت لثالث خلون من شهر ربيع األّو ل ابنه أبا الوليد محّم د بن أحم د بن أبي دؤاد‬
‫في ديوان الخراج وحبس إخوته عند عبيد هللا بن السرّي خليفة صاحب الشرطة)(‪)1‬‬
‫ولم يكتفوا بذلك التنكيل الحسي‪ ،‬بل راحوا يمألون المساجد بالتنكيل المعنوي‬
‫من التكفير واستعمال كل أساليب الوالء والبراء ال تي ورثوه ا من أس الفهم‪ ،‬وال تي‬
‫عاملوا بها قبل ذلك واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد‪ ،‬ومن ذلك أنه روي أنه س أل‬
‫أحدهم أحمد بن حنبل عّم ن يقول إّن القرآن مخل وق‪ ،‬فق ال‪ :‬ك افر‪ .‬ق ال‪ :‬ف ابن دؤاد؟‬
‫قال كافر باهلل العظيم(‪.)2‬‬
‫وقد لخص الشيخ حسن بن فرحان المالكي ما فعله المتوكل من جرائم‪ ،‬والتي‬
‫ال تزال آثارها إلى اآلن‪ ،‬فقال‪( :‬أتى المتوكل ع ام ‪ 232‬هـ؛ وم ال م ع العام ة ض د‬
‫األت راك والثقاف ة الس ابقة برمته ا؛ فعظم أه ل الح ديث ‪ -‬وعلى رأس هم أحم د ‪-‬‬
‫وأض طهد المعتزل ة والش يعة؛ وتع رض المعتزل ة ومن ش ايعهم؛ من أه ل الفلس فة‬
‫والمنط ق وعل وم اليون ان؛ الض طهاد أيض ًا؛ أح رقت كبتهم؛ والحقتهم الس لطات؛‬
‫وكان األثر على العام ة كب يرًا؛ وم ا زال أث ر المتوك ل قائم ًا إلى الي وم؛ في التي ار‬
‫الس لفي واألش عري مع ًا؛ فق د عظم المتوك ل أه ل الح ديث؛ وأج زل لهم العطاي ا؛‬
‫وتش كلت العقائ د من أيام ه‪ ..‬العقائ د والتص ورات الي وم‪ ،‬عن ال دين والعقائ د‬
‫والمذاهب‪ ،‬هي من آثار عصر المتوكل‪ .‬فقد كان جاهًال ظالمًا كالمتعصم والواث ق‪،‬‬
‫ولكن على الضد)(‪)3‬‬
‫وق د ذك ر تغاض ي الس لفية عن ج رائم المتوك ل ال تي تش هد به ا جمي ع كتب‬
‫الت اريخ‪ ،‬كم ا هي ع ادتهم م ع ك ل من يس اندهم‪ ،‬فق ال‪( :‬المتوك ل لم يكن رجًال‬
‫صالحًا؛ حتى بمقي اس أه ل الح ديث؛ فق د ك ان غارق ًا في الش هوات‪ ،‬مبغض ًا لعلي‬
‫والحسين‪ ،‬قاتًال ظالمًا؛ إال أنه نصر اإلمام أحمد‪ ..‬أهل الحديث ‪ -‬وسط ما يش عرون‬
‫به من انتصار سياسي ‪ -‬نسوا مظالم المتوكل‪ ،‬وسموه (ناصر الس نة)؛ ونش طوا في‬
‫هذه المرحلة؛ وغلوا وتطرفوا ضد الجميع‪ ..‬هذه المرحلة هي التي دونت تكفير أبي‬
‫حنيفة؛ وكان فيها الظلم كله؛ ونبش قبر الحسين؛ وإعالن بغض اإلمام علي؛ وأه ل‬
‫الحديث ساكتون ألنه نصر أحم د! وكنت أق ول لبعض الفض الء من أه ل الح ديث؛‬
‫ه ل س نة المتوك ل؛ في نص ر اإلم ام أحم د؛ تغطي على بدعت ه في بغض علي‬
‫والحسين؟ وأنتم تعترفون أنه ناص بي‪ ..‬فكي ف؟ بعض المحققين؛ من أه ل الح ديث؛‬
‫يعرفون هذا؛ وكان من عرف منهم هذا‪ ،‬كان السؤال محرج ًا ل ه ب المرة؛ فالس نة ال‬

‫‪ )(1‬تاريخ الطبري‪ :‬ج ‪ ،7‬حوادث سنة ‪ ،237‬ص ‪.367‬‬


‫‪ )(2‬تاريخ بغداد‪.285 /3 :‬‬
‫‪ )(3‬من مقال بعنوان [لسان حال السلطة‪ :‬اعطوهم من هذا ال دين ح تى يش بعوا وينس وكم‪ :‬المتوك ل ناص ر الس نة]‬
‫موقع الشيخ حسن بن فرحان المالكي‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫عليًا)(‪)1‬‬
‫تتجزأ وال تتمذهب؛ وأحمد ال يبلغ‬
‫وقد شبه الش يخ حس ن المتوك ل بم ا يفعل ه داعش وخليفهم في عص رنا ه ذا‪،‬‬
‫فقال‪( :‬المتوكل العباسي مات س نة ‪247‬هـ؛ بع د أن ق ام بأفع ال ال تق وم به ا داعش‬
‫اليوم؛ ولكن؛ العمى عند أهل الح ديث؛ وش دتهم في الخص ومة؛ نس وا ك ل جرائم ه‬
‫وبدعه! فأفعاله القبيحة عندي؛ في الجانب الجنائي؛ أبشع من بغضه ألهل البيت)(‪)2‬‬
‫ومن تلك الجرائم الداعشية التي قام به ا المتوك ل‪ ،‬وال تي أث نى علي ه الس لفية‬
‫بسببها واعتبروه ناصرا للسنة‪( ،‬سل لسان اللغ وي الكب ير يعق وب بن الس كيت من‬
‫قفاه؛ وقطعه فمات)(‪)3‬‬
‫وقد علق عليها حسن بن فرحان بقوله‪( :‬ه ذه لم تعمله ا داعش‪ ..‬ه ذه القص ة‬
‫الشنيعة؛ عندي؛ هي المؤثرة في قبح سيرة المتوك ل؛ أك ثر من النص ب‪ .‬لكن؛ أه ل‬
‫الحديث؛ غفر هللا لهم وهداهم؛ فقراء في الجانب الحقوقي؛ إلى اليوم؛ والسبب ال ذي‬
‫من أجل ه اس تل المتوك ل لس ان ابن الس كيت من قف اه ‪ -‬حف روا للس انه من القف ا‬
‫وأخرج وه من هن اك وقطع وه ‪ -‬ألن ه فض ل الحس ن والحس ين على ابني ه‪ ..‬فأه ل‬
‫الحديث ت ذكروا النص ب وذم وه علي ه ‪ -‬أع ني علم اء أه ل الح ديث ومنص فيهم –‬
‫ولكنهم؛ لم يذموه على هذا التفنن في المثلة بإمام العربية في وقته)(‪)4‬‬
‫ومن جرائمه التي يسكت عنها السلفية ـ وهي أكبر بكثير من جريمة المأمون‬
‫في حق اإلمام أحمد ـ أمره بجلد المح دث الكب ير نص ر بن علي ألفي س وط ‪ -‬وه و‬
‫محدث مشهور من طبقة أحمد وابن معين – وسبب ذلك أنه روى ح ديثًا في فض ل‬
‫علي؛ وظن المتوكل أنه شيعي!‬
‫ق ال الخطيب البغ دادي‪( :‬لم ا ح دث (نص ر بن علي) به ذا الح ديث‪ ،‬أم ر‬
‫المتوكل بضربه ألف س وط‪ ،‬فكلم ه جعف ر بن عب د الواح د؛ وجع ل يق ول ل ه؛ ه ذا‬
‫الرجل من أهل السنة‪ ،‬ولم يزل به حتى تركه!)(‪)5‬‬
‫وق د عل ق الخطيب البغ دادي على الحادث ة ـ معت ذار ل ه ـ بقول ه‪( :‬إنم ا أم ر‬
‫المتوكل بضربه ألنه ظنه رافضيا‪ ،‬فلما علم أنه من أهل السنة تركه)‬
‫ولم يكن عص ر المتوك ل ه و الوحي د ال ذي س اهم في إعالن الح رب على‬
‫المعتزل ة‪ ،‬وإنم ا تلت ذل ك عص ور كث يرة ك ان للس لفية ك ل الس طوة فيه ا‪ ،‬ول ذلك‬
‫استعملوا كل ما ورثوه من سلفهم من أحقاد لقمع المعارضين‪.‬‬
‫ومن تلك العصور عصر الق ادر باهلل الخليف ة العباس ي‪ ،‬ال ذي ق ام في س نة (‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )(3‬ذكرت القصة النجوم الزاهرة البن تغري بردى (‪ - )285 /2‬عن ابن السكيت ‪ -‬قال ل ه (المتوك ل) يوم ا‪ :‬أّيم ا‬
‫أحّب إليك‪ :‬ولداى المؤيد والمعتّز أم الحسن والحس ين أوالد علّى ؟ فق ال ابن الس كيت‪ :‬وهللا إّن قن برا خ ادم علّى خ ير‬
‫منك ومن ولديك؛ فقال المتوكل‪ :‬سّلوا لسانه من قفاه‪ ،‬ففعلوا فمات من ساعته‪ ..‬وقد اع ترف به ذا معظم الم ؤرخين؛‬
‫ومنهم الحنابلة المعتدلون ‪ -‬كابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (‪)204 /3‬‬
‫‪ )(4‬لسان حال السلطة‪ :‬اعطوهم من هذا الدين حتى يشبعوا وينسوكم‪.‬‬
‫‪ )(5‬تاريخ بغداد (‪)389 /15‬‬

‫‪66‬‬
‫‪408‬هـ) بنفس العمل اّلذي قامت به المعتزلة في عصر المعتصم والواثق‪ .‬يقول ابن‬
‫كثير‪( :‬وفي س نة (‪408‬هـ)‪ ،‬اس تتاب الق ادر باهلل الخليف ة فقه اء المعتزل ة ف أظهروا‬
‫الّرج وع وت بّرأوا من االع تزال وال رفض والمق االت المخالف ة لإلس الم‪ ،‬وأخ ذت‬
‫خطوطهم بذلك وأّنهم متى خالفوا أحّل فيهم من الّنكال والعقوبة ما يّتعظ به أمث الهم‪،‬‬
‫وامتثل محمود بن سبكتكين أمر أم ير المؤم نين في ذل ك واس تّن بس ّنته في أعمال ه‬
‫اّل تي اس تخلفه عليه ا من بالد خراس ان وغيره ا في قت ل المعتزل ة والرافض ة‬
‫واإلسماعيلّية والقرامطة والجهمّية والمشّبهة وصلبهم وحبسهم ونف اهم وأم ر بلعنهم‬
‫على المنابر وأبعد جميع طوائف أهل البدع ونفاهم عن ديارهم وصار ذلك س ّنة في‬
‫اإلسالم)(‪)1‬‬
‫ولم يكتف بذلك‪ ،‬بل راح ـ باسم سلطته السياسية يق وم بم ا ق ام ب ه قس طنطين‬
‫من قبله ـ من وضع قوانين لإليم ان ولل دين ال ن زالي نع اني آثاره ا إلى اآلن‪ ..‬ق ال‬
‫الخطيب البغدادي‪( :‬وصّنف القادر باهلل كتابًا في اُألصول ذكر فيه فضائل الصحابة‬
‫على ترتيب مذهب أصحاب الحديث وأورد في كتاب ه فض ائل عم ر بن عب دالعزيز‬
‫وإكف ار المعتزل ة والق ائلين بخل ق الق رآن وك ان الكت اب يق رأ ك ّل جمع ة في حلق ة‬
‫أصحاب الحديث بجامع المهدي ويحضر الّناس سماعه)(‪)2‬‬
‫والسلفية يثنون كثيرا على هذا الكتاب المسمى بـ (بالبيان القادري)‪ ،‬والممتلئ‬
‫بالتجسيم والتكفير‪ ،‬ويعتبرونه من فتوح هللا لهم‪.‬‬
‫ولم يكتفوا بذلك‪ ،‬بل أضافوا إليه الكثير من أل وان األذى للمعتزل ة والفالس فة‬
‫وكل العلماء الذين يخالفونهم‪ ،‬يقول ابن الجزري في حوادث س نة (‪420‬هـ)‪( :‬ولّم ا‬
‫ملك محمود بن سبكتكين ال رّي ‪ ..‬نفى المعتزل ة إلى خراس ان وأح رق كتب الفلس فة‬
‫ومذاهب االعتزال والّنجوم وأخذ من الكتب ما سوى ذلك مائة حمل)(‪)3‬‬
‫ويقول ابن كثير في حوادث سنة (‪456‬هـ) ناقًال عن ابن الجوزي‪( :‬وفي ي وم‬
‫الجمعة ثاني عشر شعبان هجم قوم من أصحاب عبدالصمد على أبي علّي بن الوليد‬
‫المدرس للمعتزلة فسّبوه وشتموه المتناعه من الص الة في الج امع وتدريس ه للّن اس‬
‫بهذا المذهب وأهانوه وجّر وه ولعنت المعتزلة في جامع المنصور وجلس أب و س عيد‬
‫بن أبي عمامة وجعل يلعن المعتزلة)(‪)4‬‬
‫ّن‬
‫وذكر في حوادث سنة (‪477‬هـ)‪( :‬إ أبا علّي بن الولي د ش يخ المعتزل ة ك ان‬
‫مدّرسًا لهم فأنكر أهل السّنة عليه فلزم بيته خمسين سنة إلى أن توّفي في ذي الحّج ة‬
‫منها)(‪)5‬‬
‫وذك ر في ح وادث س نة (‪461‬هـ)‪( :‬وفيه ا نقمت الحنابل ة على الش يخ أبي‬
‫الوف اء علّي بن عقي ل وه و من ك برائهم ب ترّد ده إلى أبي علّي بن الولي د المتكّلم‬
‫البداية والنهاية‪ :‬ج‪ 12‬ص‪..6‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫تاريخ بغداد‪ :‬ج ‪ ،4‬ص ‪ 37‬و‪..38‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الكامل‪ :‬ج ‪ ،7‬حوادث سنة ‪..420‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫البداية والنهاية‪ :‬الجزء ‪ ،12‬ص ‪.91‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫البداية والنهاية‪ :‬الجزء ‪ ،12‬ص‪.98‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪67‬‬
‫المعتزلي واّتهموه‬
‫باالعتزال)(‪)1‬‬
‫ويقول في حوادث س نة (‪465‬هـ)‪( :‬وفي ي وم الخميس ح ادي عش ر المح ّرم‬
‫حضر إلى الديوان أبو الوفاء علّي بن محّم د بن عقيل العقيلي الحنبلي وقد كتب على‬
‫نفسه كتابًا يتضّم ن توبته من االعتزال)(‪)2‬‬
‫‪ 2‬ـ تكفير متأخري السلفية للمعتزلة‪:‬‬
‫انطالقا من تلك المواقف التي وقفها السلف األول‪ ،‬وص نفوا فيه ا المص نفات‬
‫الكثيرة‪ ،‬لم يجد الس لفية المت أخرون ب دا من س لوك س بيل س لفهم األول خش ية على‬
‫أنفسهم من أن تطالهم سيوف التكف ير ال تي تط ال ك ل من يش كك في كف ر الجهمي ة‬
‫إناثهم وذكورهم‪.‬‬
‫واألمثلة على ذلك التكفير أكثر من أن تحصى‪ ،‬ومنها قول الشيخ ابن باز في‬
‫بعض فت اواه‪( :‬ومن ق ال‪ :‬إن هللا في األرض‪ ،‬إن هللا في ك ل مك ان كالجهمي ة‬
‫والمعتزلة ونحوهم فهو كافر عند أهل الس نة والجماع ة؛ ألن ه مك ذب هلل ولرس وله‪،‬‬
‫في إخبارهما بأن هللا سبحانه في السماء فوق العرش جل وعال‪ ،‬فال ب د من اإليم ان‬
‫باهلل‪ ،‬فوق العرش فوق جميع الخلق‪ ،‬وأنه في السماء في العل و مع نى الس ماء يع ني‬
‫العلو)(‪)3‬‬
‫وس ئل‪( :‬م احكم الش رع في نظ ركم فيمن ينفي الص فات الكلي ة واألس ماء‪،‬‬
‫أسماء هللا وصفاته بالكلية ويق ول ه ذا ه و المعتق د الص حيح؟)‪ ،‬فأج اب‪( :‬ه ذا دين‬
‫المعتزلة والجهمية‪ ،‬الجهمية ينفون أسماء هللا وصفاته‪ ،‬والمعتزلة نف اة الق در ينف ون‬
‫صفات هللا‪ ،‬ويثبتون أسماء ب دون ص فات يقول ون‪ :‬عليم بال علم‪ ،‬رحيم بال رحم ة‪،‬‬
‫سميع بال س مع‪ ،‬وه ذا باط ل‪ ،‬والعي اذ باهلل‪ ،‬ه ذا كف ر ردة عن اإلس الم‪ ،‬تك ذيب هلل‬
‫ولرسوله‪ ،‬هللا جل وعال أخبر عن نفسه إنه عليم وسميع وبصير‪ ،‬فمن نفى ذل ك عن‬
‫هللا‪ ،‬وقال إنه يعلم بال علم‪ ،‬العلم له وال رحمة له وال سمع له فهو ك افر‪ ،‬مك ذب هلل‬
‫ولرسوله‪ ،‬فالجهمية عند أهل السنة‪ ،‬والمعتزلة عند أه ل الس نة كف ار به ذا االعتق اد‬
‫الباطل)(‪)4‬‬
‫وقد ورد في بعض أشرطته الصوتية هذا الحوار المهم‪ ،‬الذي يمكن ه لوح ده‪،‬‬
‫أن يجعل من ابن باز مكفرا لكل طوائف األمة ـ ما ع دا طائفت ه‪ .‬وس ننقله كم ا ه و‪،‬‬
‫ونريد من ال ذين يتش بثون ببعض فت اواه الدبلوماس ية أن يض موا إليه ا ه ذه الفت وى‬
‫أيضا‪ ،‬والتي يوجد أمثالها في كتبه وفتاواه‪:‬‬
‫قال ابن باز‪ :‬هذا معروف‪ ،‬أه ل الس نة يكف رون من ق ال بخل ق الق رآن‪ ،‬ألن‬
‫معناه هللا ما يتكلم‪ ،‬معناه أن القرءان ليس كالم هللا‪ ،‬معن اه وص ف هللا بأن ه ال يتكلم‪،‬‬
‫ساكت‪.‬‬

‫البداية والنهاية‪ :‬الجزء ‪ ،12‬ص‪.98‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫البداية والنهاية‪ :‬الجزء ‪ ،12‬ص‪.98‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫فتاوى نور على الدرب البن باز بعناية الشويعر (‪)129 /1‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫األسئلة اليامية عن العقيدة اإلسماعيلية السؤال‪.17:‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪68‬‬
‫فقال أحد الحضور‪ :‬ما لهم شبهة يل شيخ؟‬
‫فقال ابن باز‪ :‬كفر‪ ...‬ال‪ ..‬نخرجه من الملة‪ ..‬هللا عز وجل له كالمه‪ ،‬وصفوه‬
‫بأن ه أبكم م ا يتكلم ﴿ُيِر ي ُد وَن َأْن ُيَب ِّد ُلوا َكاَل َم ِهَّللا ﴾ [الفتح‪َ﴿ ،]15 :‬و ِإْن َأَح ٌد ِم َن‬
‫اْلُم ْش ِر ِكيَن اْسَتَج اَر َك َفَأِج ْر ُه َح َّتى َيْس َم َع َكاَل َم ِهَّللا﴾ [التوبة‪ ،]6 :‬والرس ول ‪ ‬يق ول‪:‬‬
‫(إن قريشا منعوني أن أبلغ كالم ربي)‬
‫قال أحد الحضور‪:‬هل يكفر المعتزلة؟‬
‫قال ابن باز‪ :‬ما في شك‪ ،‬من قال بخلق القرآن فهو كافر‪.‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬أحمد بن أبي دؤاد يكفر؟‬
‫فقال بن باز‪ :‬كل من قال بخلق القرآن فهو كافر‪.‬‬
‫فقال أحد الحضور‪ :‬عينا يا شيخ؟‬
‫فقال اإلمام بن باز‪ :‬عينا إذا ثبت عليه ذلك‪.‬‬
‫فقال أحد الحضور‪ :‬الذهبي في السير ي ا ش يخ ذك ر أحم د بن دؤاد ق ال‪ :‬ه ذا‬
‫وليس الرجل بكافر‪ ،‬فهو يشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬ويومن باهلل‪.‬‬
‫فقال بن باز‪ :‬الذهبي ليس من أهل الفقه والبصيرة‪ ،‬الذهبي ع الم من الوس ط‪،‬‬
‫يعتني بمصطلح الحديث‪.‬‬
‫فقال أحد الحضور‪ :‬حمل المأمون الناس على القول بذلك أليس كفرا؟‬
‫فقال اإلمام بن باز‪ :‬كفر‪ ،‬المأمون وغير المأمون (‪.)1‬‬
‫ولم يكتف السلفية المتأخرون ج دا باالقتص ار على مس ائل الجه ة والص فات‬
‫وخلق القرآن ونحوها‪ ..‬بل أضافوا إليها الكثير من اإلضافات‪ ،‬ليشملوا بتكفيرهم كل‬
‫من يستعمل عقله‪ ،‬ألنهم رأوا أن سبب المشكلة ال تي وق ع فيه ا الجهمي ة والمعتزل ة‬
‫واألشاعرة والماتريدية وغيرهم هي استعمالهم لعق ولهم‪ ،‬وع دم جلوس هم م ع كعب‬
‫األحبار ووهب بن المنبه وغيرهما ليأخذو دينهم‪.‬‬
‫وكنموذج لهذا التكفير الجماعي للمفكرين والباحثين أحب أن أذك ر هن ا كتاب ا‬
‫ينتشر بك ثرة على النت يحم ل عن وان [المش ابهة بين المعتزل ة األوائ ل والمعتزل ة‬
‫الجدد] من تأليف فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب‪ ،‬وهو كتاب يبحث عن نواحي الشبه‬
‫بين مقوالت المعتزلة األوائل ومقوالت المفكرين المح دثين أمث ال الغ زالي ومحم د‬
‫عبده ورشيد رضا وغيرهم‪ ..‬ليطبق عليهم جميع ا س نة التج ريح ال تي س نها س لفه‪،‬‬
‫ألنه لكل عصر جهميته ومعتزليته‪.‬‬
‫وقد ذكر ل ذلك الكث ير من المآخ ذ والمع ايير ال تي على أساس ها يك ون الحكم‬
‫على المفكر المعاصر بكونه معتزليا‪ ..‬وطبعا يكفي وص مه ب االعتزال عن د الس لفية‬
‫عن رميه بالكفر‪ ..‬ألن مص طلح [المعتزل ة] عن دهم مس او تمام ا ومن ك ل الوج وه‬
‫لمصطلح [الكفرة]‬
‫وسنقتصر على المآخذ الثالثة التالية‪:‬‬
‫‪ )(1‬من شريط الدمعة البازية‪ ،‬وانظر مق اال بعن وان‪( :‬الدمع ة البازيـــة ص ورٌة من التج رد للح ق والثب ات علي ه)‪،‬‬
‫ويمكن تحميل الحوار والمحاضرة المرتبطة به من النت‪ ،‬وهي منتشرة بكثرة‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫المأخذ األول‪ :‬تقديس العقل وتقديمه على النقل‬
‫وأول تلك المآخذ ـ كما يرى الشلهوب ـ تقديس العقل وتقديمه على النق ل(‪..)1‬‬
‫ومن النصوص التي ذكرها عن سلفه‪ ،‬والتي اعتبرها مع ايير للحكم على المخ الفين‬
‫لها‪ ،‬قول ابن القيم‪( :‬فإذا تعارض النقل وه ذه العق ول أخ ذ بالنق ل الص حيح‪ ،‬ورمي‬
‫به ذه العق ول تحت األق دام‪ ،‬وحطت حيث حطه ا هللا وأص حابها)(‪ ،)2‬وق ول عب د‬
‫الرحمن الوكيل‪( :‬والداعون إلى تمجيد العقل‪ ،‬إنما هم في الحقيقة يدعون إلى تمجيد‬
‫صنم سموه عقًال‪ ،‬وما كان العقل وحده كافيًا في الهداي ة واإلرش اد‪ ،‬وإال لم ا أرس ل‬
‫هللا الرسل)(‪)3‬‬
‫وفي مقابل هذا الفكر السلفي النير ينقل الكاتب تلك الطام ات ال تي وق ع فيه ا‬
‫المعتزلة القدامى والمعتزلة الجدد‪.‬‬
‫أما المعتزلة القدامى‪ ،‬فق د نق ل عن الزمخش ري قول ه‪( :‬امش في دين ك تحت‬
‫راية السلطان [ ويع ني بالس لطان‪ :‬العق ل] وال تقن ع بالراوي ة عن فالن وفالن‪ ،‬فم ا‬
‫األسد المحتجب في عرينه أعز من الرجل المحتج على قرين ه‪ .‬وم ا الع نز الجرب اء‬
‫تحت الشمأل‪[-‬أي‪ :‬الريح الباردة]‪ -‬البليل أذل من المقل د عن د ص احب ال دليل‪ ،‬ومن‬
‫تبع في أصول الدين تقليده‪ ،‬فقد ضيع وراء الباب المرتج إقليده [أقليده‪ :‬المفتاح])(‪)4‬‬
‫ومثله قول النظام‪( :‬إن المكلف – قبل ورود الس مع – إذا ك ان ع اقًال متمكن ًا‬
‫من النظر يجب عليه تحصيل معرفة الباري تعالى بالنظر واالستدالل)(‪)5‬‬
‫وقد سار على منوالهم كما يذكر الشلهوب المعتزلة الجدد من رجال المدرسة‬
‫العقلية الحديثة‪ ،‬والذي عبر الشيخ محمد عبده على لسانهم‪ ،‬فقال‪( :‬ورفع القرآن من‬
‫شأن العق ل ووض عه في مكان ه بحيث ينتهي إلي ه أم ر الس عادة والتمي يز بين الح ق‬
‫والباطل والضار والنافع)(‪)6‬‬
‫فقد اعتبر الشلهوب هذا النص الواضح والذي يدل على حقيق ة وظيف ة العق ل‬
‫إدانة كبرى للشيخ محمد عبده‪ ،‬واعتباره بذلك من المعتزلة‪ ..‬وما أدراك ما المعتزلة‬
‫في العقل السلفي‪.‬‬
‫ًال‬
‫ومثله قوله‪( :‬اتفق أهل الملة اإلسالمية إال قلي ممن ال ينظر إليه على أنه إذا‬
‫تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل)(‪)7‬‬
‫وقد علق الش لهوب على ه ذا النص بقول ه‪( :‬وفي حكاي ة ه ذا االتف اق نظ ر‪،‬‬
‫ولعله يقصد بأهل الملة اإلسالمية‪ :‬المعتزلة واألشاعرة ومن س لك ط ريقهم‪ .‬وكث ير‬
‫من أئمة ال دين المرض يين عن د المواف ق والمخ الف ال يق دمون عق ولهم على كالم‬
‫المشابهة بين المعتزلة األوائل والمعتزلة الجدد‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مختصر الصواعق المرسلة ص‪.83-82‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مقدمة كتاب‪ :‬موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول (‪)1/21‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أطواق الذهب في المواعظ والخطب‪ ،‬مقالة‪ 37‬ص‪.28‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الملل والنحل (‪)1/60‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫رسالة التوحيد‪ ،‬ص‪.25‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫اإلسالم والنصرانية‪ ،‬ص ‪.56‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫‪70‬‬
‫ن بيهم كأمث ال اإلم ام مال ك‪ ،‬والش افعي‪ ،‬وأحم د‪ ،‬وإس حاق بن راهوي ه‪ ،‬وس فيان‬
‫الثوري‪ ،‬وابن المبارك‪ ،‬وابن عيينة‪ ،‬والدارمي‪ ،‬وغ يرهم كث ير يص عب حص رهم‪.‬‬
‫فبطل بذا االتفاق المزعوم)(‪)1‬‬
‫بل إن الشلهوب لم يرحم الشيخ محمد رشيد رضا مع كونه من أهل الح ديث‪،‬‬
‫ويثني على السلفية‪ ،‬بل حتى الوهابية منها‪ ،‬ألنه تكلم بما يدل على قيم ة العق ل‪ ،‬فق د‬
‫نق ل قول ه‪( :‬ذكرن ا في المن ار غ ير م رة أن ال ذي علي ه المس لمون من أه ل الس نة‬
‫وغ يرهم من الف رق المعت د بإس المهم أن ال دليل العقلي القطعي إذا ج اء في ظ اهر‬
‫الشرع ما يخالفه فالعمل بالدليل القطعي متعين‪ ،‬ولنا في النق ل التأوي ل أو التف ويض‬
‫وهذه المسألة مذكورة في كتب العقائد التي تدرس في األزهر وغ يره من الم دارس‬
‫اإلسالمية في كل األقطار كقول الجوهرة‪:‬‬
‫أوله أو فوض ورم تنزيه ا)‬ ‫وكل نص أوهم التشبيها‬
‫(‪)2‬‬
‫وقد علق عليه الشلهوب بقوله‪( :‬ما ذك ره رش يد رض ا ليس ه و ال ذي علي ه‬
‫أهل السنة عند التحقيق‪ ،‬ومراده بأهل السنة هنا األشاعرة –بال شك‪ -‬ومن لف لفهم‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬من الفرق المعتد بإسالمهم) فيه مجازفة كبيرة‪ ،‬فعلى كالمه فالس لف ال ذين‬
‫يقدمون الدليل السمعي على العقلي عند التعارض‪ ،‬هم من الذين ال يعت د بإس المهم‪،‬‬
‫وعند النظر نجد أنه ال تعارض بين دليل س معي ص حيح وبين عق ل ص ريح‪ ،‬كم ا‬
‫قرره المحققون من أهل العلم)(‪)3‬‬
‫وينقل عن فهمي هويدي ـ المعتزلي الجديد ـ قوله‪ ..( :‬أن الوثنية ليس ت‬
‫عب ادة األص نام فق ط‪ ،‬ولكن وثني ة ه ذا الزم ان ص ارت تتمث ل في عب ادة الق والب‬
‫والرموز‪ ،‬وفي عبادة النصوص والطقوس)(‪)4‬‬
‫ثم يعقب عليه بقوله‪( :‬م تى ك ان االعتص ام بالكت اب والس نة وتق ديمهما على‬
‫آراء الرجال وثنية وعبادة أصنام؟!‪ ،‬أ فنقدم كالم هويدي على كالم نبينا ‪)5()‬‬
‫المأخذ الثاني‪ :‬تفسير القرآن مخالفًا لتفسير السلف‪.‬‬
‫ومن المآخذ الكبرى والخط يرة ال تي وص م به ا الش لهوب المعتزل ة الق دامى‬
‫والجدد ما سماه [تفسير القرآن مخالفًا لتفسير السلف] (‪ )6‬وكأن القرآن الك ريم أن زل‬
‫ومعه جميع قيود السلف‪ ،‬فمن لم يتقيد بها لم يفهم القرآن الكريم‪.‬‬
‫ومن النص وص ال تي ذكره ا عن س لفه‪ ،‬واعتبره ا مع ايير للحكم على‬
‫المخالفين لها ما نقله عن ابن تيمية ـ إمامهم المقدس ـ من قوله‪( :‬إذا لم نج د التفس ير‬
‫في القرآن وال في السنة رجعنا في ذلك إلى أق وال الص حابة ف إنهم أدرى ب ذلك لم ا‬
‫المشابهة بين المعتزلة األوائل والمعتزلة الجدد‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫شببهات النصارى وحجج اإلسالم‪ :‬محمد رشيد رضا ص‪.72-71‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المشابهة بين المعتزلة األوائل والمعتزلة الجدد‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫نقًال من العصرانيون ص‪.178‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫المشابهة بين المعتزلة األوائل والمعتزلة الجدد‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫المشابهة بين المعتزلة األوائل والمعتزلة الجدد‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫‪71‬‬
‫ش اهدوه من الق رآن واألح وال ال تي اختص وا به ا‪ ،‬ولم ا لهم من الفهم الت ام والعلم‬
‫الصحيح والعمل الصالح‪ ..‬وإذا لم تجد التفسير في القرآن وال في السنة‪ ،‬وال وجدت ه‬
‫عن الصحابة‪ ،‬فقد رجع كثير من األئم ة في ذل ك إلى أق وال الت ابعين‪ ،‬كمجاه د ابن‬
‫جبر‪ ،‬فإنه كان آية في التفسير‪ ..‬فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام)(‪)1‬‬

‫ثم علق على هذا بقوله‪( :‬والعقالنيون القدماء‪ ،‬وأص حاب المدرس ة الحديث ة‪،‬‬
‫والعقالنيون الجدد سلكوا في تفسير القرآن خالف منهج الس لف وط ريقتهم‪ ،‬فق دموا‬
‫عقولهم واعتقدوا أوًال‪ ،‬ثم ذهبوا يحرفون الكلم عن مواض عه ت ارة‪ ،‬ويل وون أعن اق‬
‫النصوص تارة أخرى حتى توافق ما اعتقدوه بعقولهم وآرائهم)(‪)2‬‬
‫ثم استند في هذا التعليق بهذا النص المق دس من كالم ابن تيمي ة في المعتزل ة‬
‫األوائل‪( :‬والمقصود أن مثل هؤالء اعتقدوا رأيا ثم حملوا ألفاظ الق رآن علي ه وليس‬
‫لهم سلف من الص حابة والت ابعين لهم بإحس ان وال من أئم ة المس لمين ال في رأيهم‬
‫وال في تفسيرهم وما من تفسير من تفاسيرهم الباطلة إال وبطالن ه يظه ر من وج وه‬
‫كثيرة)(‪)3‬‬
‫ومن النماذج التي ضربها للتفسير المعتزلي األول‪ ،‬والبعيد عن منهج الس لف‬
‫في تصوره ما فسر به المعتزلة قوله تعالى‪ُ ﴿ :‬و ُجوٌه َيْو َم ِئ ٍذ َناِض َر ٌة (‪ِ )22‬إَلى َر ِّبَه ا‬
‫َن اِظ َر ٌة﴾ [القيام ة‪ ]23 ،22 :‬إلى أن النظ ر يك ون ب ذلك إلى الث واب ال إلى هللا ع ز‬
‫وجل‪( ،‬أي منتظرة ثواب ربها)(‪ )4‬وهو مع كونه معنى ص حيح في اللغ ة العربي ة‪،‬‬
‫وقال به أئمة اللغة كالزمخشري‪ ،‬إال أنه لمخالفته للسلف لم يقبله السلفية‪.‬‬
‫وهكذا نقل عن ابن تيمية تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬الَّرْح َم ُن َع َلى اْلَع ْر ِش اْس َتَو ى ﴾‬
‫[طه‪ ]5 :‬فق د ق ال‪( :‬وحرف وا كالم هللا في قول ه‪﴿ :‬ال َّرْح َم ُن َع َلى اْلَع ْر ِش اْس َتَو ى ﴾‬
‫[طه‪ ]5 :‬فقالوا‪ :‬استوى‪ :‬أي استولى وملك وقهر)(‪)5‬‬
‫ومن النماذج التي ضربها للمعتزلة الجدد ما فسر به الشيخ محمد عب ده قول ه‬
‫تعالى‪َ﴿ :‬و ِفْر َعْو َن ِذ ي اَأْلْو َتاِد ﴾ [الفجر‪ ،]10 :‬فقد قال‪( :‬وفرع ون ه و ح اكم مص ر‬
‫الذي كان في عهد موسى عليه السالم‪ ،‬وللمفسرين في األوتاد اختالف كبير وأظهر‬
‫أقوالهم مالءمة للحقيقة أن األوتاد المباني العظيمة الثابت ة‪ ،‬وم ا أجم ل التعب ير عم ا‬
‫ترك المصريون من األبنية الباقية باألوتاد‪ ،‬فإنه ا هي األه رام‪ ،‬ومنظره ا في عين‬
‫الرائي منظر الوتد الضخم المغروز في األرض‪ ،‬بل إن شكل هي اكلهم العظيم ة في‬
‫أقسامها شكل األوتاد المقلوبة !‪ ،‬يبتديء القسم عريضًا وينتهي بأدق مما ابتدأ‪ ،‬وهذه‬
‫هي األوتاد التي يصح نسبتها إلى فرعون على أنها معهودة للمخاطبين)(‪)6‬‬
‫ومع أن هذا التفسير مجرد رأي‪ ،‬ولم يسقه الشيخ محمد عبده على أنه تفس ير‬
‫فتاوى ابن تيمية (‪)370-13/363‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫المشابهة بين المعتزلة األوائل والمعتزلة الجدد‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الفتاوى (‪)13/358‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (‪)662 /4‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫فتاوى ابن تيمية (‪)5/143‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫تفسير جزء عم‪ :‬محمد عبده ص‪.84‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫‪72‬‬
‫نهائي‪ ،‬وهو في النهاية أفضل بكثير من تلك الخرافات التي فسر به ا س لف الس لفية‬
‫القرآن الكريم‪ ..‬إال أن السلفية لم يعجبهم هذا‪ ..‬ولو أن كعب األحب ار ه و ال ذي ق ال‬
‫هذا لهشوا له وبشوا‪ ،‬ونقلوه في كل تفاسيرهم‪ ..‬ولكن المشكلة أن محمد عبده لم يكن‬
‫هو وال أبوه يهوديا حتى ينال تلك المرتبة العظيمة في الوثاقة بما يقول‪.‬‬
‫وقد علق الشلهوب على ذلك الرأي الذي قال ه الش يخ محم د عب ده بقول ه‪( :‬ال‬
‫شك أن القرآن تكلم عن بعض الظواهر الكونية‪ ،‬فه ذه نثبته ا ألن الق رآن أش ار له ا‬
‫وتكلم عنها؛ لكن أن نتكلف في ربط آيات القرآن بما نشاهده في عالمنا أو بما يستجد‬
‫من مخترعات‪ ،‬فهذا خطأ شنيع يرتكب في حق تفسير كالم هللا‪ ،‬وكون الم رء يق ول‬
‫المراد باألوتاد هي األهرامات‪ ،‬كأنه يقول ربنا جل في عاله يقصد هذا ويري د ه ذا‪،‬‬
‫فالكالم في التفسير دقيٌق جدًا وخطٌر جدًا‪ .‬وقد جنح لمث ل ذل ك بعض المفس رين من‬
‫المت أخرين فأص بحوا يتكلف ون في رب ط الق رآن ب الظواهر الكوني ة والطبيعي ة‬
‫والمخترعات الحديث ة‪ ،‬وف اتهم أن المقص ود األعظم من الكت اب العزي ز أن ه كت اب‬
‫هداية‪ ،‬وتشريع‪ ،‬ال كتاب فلك)(‪)1‬‬
‫وم ا دمتم تؤمن ون به ذا ـ ي ا معش ر الس لفية ـ فلم تمل ؤون تفاس يركم بتل ك‬
‫األقوال الش نيعة من كالم س لفكم‪ ..‬وهي ال تتن اقض فق ط م ع جالل ة الق رآن‪ ،‬وإنم ا‬
‫تتناقض أيضا مع كل العقول‪ ،‬وكل العلوم؟‬
‫المأخذ الثالث‪ :‬رد األحاديث الصحيحة والطعن في الرواة‪.‬‬
‫ومن المآخذ الكبرى والخط يرة ال تي وص م به ا الش لهوب المعتزل ة الق دامى‬
‫والج دد م ا س ماه [رد األح اديث الص حيحة والطعن في ال رواة]‪ ،‬ذل ك أن المس تند‬
‫األكبر لكل البنيان السلفي هو أولئ ك الرج ال ال ذين ق دموهم على ك ل ش يء‪ ..‬على‬
‫العقل والنقل وكل شيء‪ ..‬وأعطوهم حصانة خاصة‪ ،‬فلذلك يشكل نقدهم أو التعرض‬
‫لهم أكبر مهدد للبنيان السلفي‪ ..‬ولهذا وقفوا بشدة مع كل من تسول له نفسه اس تعمال‬
‫العقل والمنطق في تحليل أمث ال تل ك الشخص يات‪ ،‬أو وزنه ا ب الموازين الش رعية‪،‬‬
‫ألن الموازين الشرعية خاصة بالخلف ال بالسلف‪.‬‬
‫وقد ذكر الشلهوب أنواع التحريفات التي فعلها س لفه بالح ديث وألص قها كم ا‬
‫هي بمن يس ميهم المعتزل ة الق دامى والج دد(‪ ،)2‬فق ال‪( :‬وق ف (أه ل األه واء)‬
‫العقالنيون –ق ديمًا وح ديثًا‪ -‬من الس نة النبوي ة الص حيحة موقف ًا مش ينًا‪ ،‬وذل ك ألن‬
‫كثيرًا من األحاديث الص حيحة تقتل ع أص ولهم من ج ذورها‪ ،‬وتفس د عليهم منهجهم‬
‫الذي أصلوه وبنوا عليه طريقتهم‪ .‬ولذلك س لكوا في رد األح اديث الص حيحة ال تي‬
‫خالفتها عقولهم المريضة طرق ًا مختلف ة‪ ،‬ف أول ش يٍء يؤول ون الح ديث بم ا يواف ق‬
‫أهوائهم وعقولهم‪ ،‬فإن أعياهم تأويل الحديث ولم يجدوا إلى ذل ك س بيًال‪ ،‬لجئ وا إلى‬
‫رد الحديث‪ ،‬فإن كان غير متواتر اس تراحوا وق الوا‪ :‬ه ذا خ بر آح اد ظ ني ال نقبل ه‬
‫مطلقًا‪ ،‬وهؤالء هم المعتزلة القدماء‪ ،‬والمعتزلة الحديثة والمعاصرة‪ ،‬قص روا قب ول‬
‫‪ )(1‬المشابهة بين المعتزلة األوائل والمعتزلة الجدد‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ )(2‬كما شرحنا ذلك بتفصيل في كتابي [هكذا يفكر العقل السلفي]‪ ،‬و[التراث السلفي تحت المجهر]‬

‫‪73‬‬
‫خبر اآلحاد على األحكام دون العقائد‪ ،‬وليس لديهم على هذا التفريق دلي ل ص حيح‪،‬‬
‫وهم مع ذلك تراهم ال يلتزمون بهذا التأصيل ال ذي أص لوه في خ بر اآلح اد‪ ،‬فح تى‬
‫األحكام يردون بعض األحاديث الظنية ! فعاد األم ر إلى اله وى وتحكم العق ل‪ ،‬وال‬
‫يعنيهم بعد ذلك أن يكون في الصحيحين أو في غيرهما من كتب الحديث‪ ،‬وإن ك ان‬
‫متواترًا بحثوا في سنده‪ ،‬فإن كان أحد رواته ق د روى ش يئًا من اإلس رائيليات ردوا‬
‫حديثه ألنه قد يكون مأخوذًا من التوراة‪ ،‬أو بحثوا في سيرة رواته عّلهم يجدون قشة‬
‫يتعلقون بها للطعن بهم حتى يردوا الحديث‪ .‬وق د تط اول العقالني ون ق ديمًا وح ديثًا‬
‫على الص حابة وخصوص ًا رواة األح اديث‪ ،‬ون الوا من عرض هم وك ذبوهم‪،‬‬
‫معرض ين ب ذلك عن تزكي ة هللا لهم وثن اء رس ول هللا ‪ ‬عليهم‪ .‬وهم – أي‬
‫العقالنيين‪ -‬سلكوا هذا السبيل لكي يسهل عليهم رد الح ديث‪ ،‬ف إذا ُطعن في ال راوي‬
‫في أمانته وصدقه وعدله‪ ،‬كان ذلك مدخًال لرد مروياته)(‪)1‬‬
‫ومن العجيب أن ك ل ه ذه الممارس ات ال تي ذكره ا مارس ها س لفه الص الح‪،‬‬
‫فتالعبوا بالحديث كما ش اءوا‪ ..‬لكن إن ت دخل أح د من العقالء‪ ،‬ف أول ح ديثا أو رده‬
‫قامت عليه القيامة‪.‬‬
‫لكنهم يتص ورون أن ذل ك ح ق لهم وح دهم دون س ائر الن اس‪ ،‬أو كم ا نق ل‬
‫الش لهوب عن ابن تيمي ة قول ه‪( :‬ومن المعل وم‪ :‬أن أه ل الح ديث والس نة أخص‬
‫بالرس ول وأتباع ه‪ .‬فلهم من فض ل هللا وتخصيص ه إي اهم ب العلم والحلم وتض عيف‬
‫األجر ما ليس لغيرهم كما قال بعض السلف‪( :‬أهل السنة في اإلسالم كأهل اإلس الم‬
‫في المل ل)‪ ،‬فه ذا الكالم تنبي ه على م ا يظن ه أه ل الجهال ة والض اللة من نقص‬
‫الص حابة في العلم والبي ان أو الي د والس نان‪ .‬وبس ط ه ذا ال يتحمل ه ه ذا المق ام‪.‬‬
‫والمقصود‪ :‬التنبيه على أن كل من زعم بلسان حال ه أو مقال ه‪ :‬أن طائف ة غ ير أه ل‬
‫الحديث أدركوا من حق ائق األم ور الباطن ة الغيبي ة في أم ر الخل ق والبعث والمب دأ‬
‫والمعاد وأم ر اإليم ان باهلل والي وم اآلخ ر وتع رف واجب الوج ود والنفس الناطق ة‬
‫والعلوم واألخالق التي تزكو بها النفوس وتصلح وتكمل دون أهل الحديث فهو ‪ -‬إن‬
‫كان من المؤمنين بالرسل ‪ -‬فهو جاهل في ه ش عبة قوي ة من ش عب النف اق وإال فه و‬
‫منافق خ الص من ال ذين ﴿ِإَذ ا ِقي َل َلُهْم آِم ُن وا َك َم ا آَم َن الَّن اُس َق اُلوا َأُن ْؤ ِم ُن َك َم ا آَم َن‬
‫الُّس َفَهاُء َأاَل ِإَّنُهْم ُهُم الُّس َفَهاُء َو َلِكْن اَل َيْع َلُم وَن ﴾ [البق رة‪ ،]13 :‬وق د يك ون من ﴿اَّل ِذ يَن‬
‫ُيَج اِد ُلوَن ِفي آَياِت ِهَّللا ِبَغْيِر ُس ْلَطاٍن َأَت اُهْم ﴾ [غ افر‪ ،]35 :‬ومن ﴿اَّل ِذ يَن ُيَح اُّج وَن ِفي‬
‫ِهَّللا ِم ْن َبْع ِد َم ا اْس ُتِج يَب َل ُه ُحَّج ُتُهْم َداِح َض ٌة ِع ْن َد َر ِّبِهْم َو َع َلْيِهْم َغ َض ٌب َو َلُهْم َع َذ اٌب‬
‫َش ِد يٌد ﴾ [الشورى‪ ]16 :‬وقد يبين ذل ك بالقي اس العقلي الص حيح ال ذي ال ريب في ه ‪-‬‬
‫وإن كان ذلك ظاهرا بالفطرة لكل سليم الفطرة ‪ -‬فإنه متى كان الرسول أكمل الخل ق‬
‫وأعلمهم بالحقائق وأقومهم قوال وح اال‪ :‬ل زم أن يك ون أعلم الن اس ب ه أعلم الخل ق‬
‫بذلك وأن يكون أعظمهم موافقة له واقتداء به أفضل الخلق)(‪)2‬‬

‫‪ )(1‬المشابهة بين المعتزلة األوائل والمعتزلة الجدد‪ ،‬ص‪.20‬‬


‫‪ )(2‬الفتاوى (‪)4/140‬‬

‫‪74‬‬
‫وهذا الكالم الخط ير من ابن تيمي ة‪ ،‬وال ذي ادعى في ه احتك ار أه ل الح ديث‬
‫للس نة النبوي ة‪ ،‬ب ل اعت برهم الفرق ة الناجي ة الوحي دة‪ ،‬ه و نص في تكف ير ك ل‬
‫المخالفين‪ ..‬وقوله (أهل السنة في اإلسالم كأهل اإلسالم في المل ل) وح ده ك اف في‬
‫بيان تكفير ابن تيمية الجماعي لألمة جميعا ما عدا سلفه‪.‬‬
‫ومن النماذج التي ساقها الشلهوب للمعتزلة القدامى موقفهم من الحديث ال ذي‬
‫يرفعونه إلى رسول هللا ‪ ‬وهو (ما من بني آدم مولود إال يمسه الشيطان حين يولد‬
‫فيستهل صارخًا من مس الشيطان غير مريم وابنها)(‪)1‬‬
‫فقد قال الزمخشري تعقيبا عليه‪( :‬وما يروى من الحديث م ا من مول ود يول د‬
‫إال والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه إال مريم وابنها‬
‫فاهلل أعلم بصحته‪ ،‬ف إن ص ح فمعن اه أن ك ل مول ود يطم ع الش يطان في إغوائ ه إال‬
‫م ريم وابنه ا فإنهم ا كان ا معص ومين‪ ،‬وك ذلك من ك ان في ص فتهما‪ ..‬واس تهالله‬
‫صارخًا من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه‪ ..‬وأما حقيقة المس والنخس كما يت وهم‬
‫أه ل الحش و فكال‪ ،‬ول و س لط إبليس على الن اس ينخس هم المتألت ال دنيا ص راخًا‬
‫وعياطًا مما يبلونا به من نخسه)(‪)2‬‬
‫فهذا الكالم العقالني الجميل والممتلئ باألدب لم يعجب الس لفية‪ ،‬ب ل اعت بروا‬
‫صاحبه طاعنا في السنة‪ ،‬ألن ه يقض ي على ذل ك ال دجل والش عوذة والخراف ة ال تي‬
‫فتحوا بها عياداتهم في الرقية التي يصفونها بالشرعية‪.‬‬
‫ومن النماذج التي ساقها للمعتزل ة الج دد‪ ،‬إنك ار الش يخ محم د عب ده لح ديث‬
‫س حر لبي د بن األعص م رس ول هللا ‪ ‬وقول ه‪( :‬وعلي أي ح ال فلن ا ب ل علين ا أن‬
‫نفوض األمر في الحديث وال نحكمه في عقيدتنا ونأخذ بنص الكتاب وب دليل العق ل)‬
‫(‪)3‬‬
‫فمع كون الشيخ محمد عبده عرض الحديث على القرآن‪ ،‬ف رأى مخالفت ه ل ه‪،‬‬
‫فأنكره‪ ،‬لكون الق رآن الك ريم أق وى ثبوت ا‪ ،‬وأوض ح دالل ة‪ ..‬لكن الس لفية ال يعجبهم‬
‫هذا‪ ..‬ألنهم مستعدون لضرب القرآن الك ريم‪ ..‬ول و بح ديث واح د يروي ه من ك ان‪،‬‬
‫وكيف كان‪.‬‬
‫ولهذا‪ ،‬فقد عقب عليه بقول ه‪( :‬رد األح اديث واالقتص ار على الق رآن مواف ق‬
‫لما أخبر عنه رسول هللا ‪ ،‬قال‪( :‬أال إني أوتيت هذا الكتاب ومثله معه‪ ،‬أال يوشك‬
‫رجل شبعان على أريكته يقول‪ :‬عليكم بهذا القرآن فما وج دتم في ه من حالل ف أحلوه‬
‫وما وجدتم فيه من حرام فحرموه)(‪)4‬‬
‫وهكذا ينقل عن الشيخ محمد رشيد رضا ـ متهما إي اه ب االعتزال والعقالني ة ـ‬
‫قوله‪( :‬وإن في البخ اري أح اديث في أم ور الع ادات والغرائ ز‪ ،‬ليس ت من أص ول‬

‫البخاري (‪)4/199‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫تفسير الكشاف‪)386-385 /1( :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير جزء عم‪ :‬محمد عبده ص ‪.186‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫رواه أبو داود‪.4604 :‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪75‬‬
‫الدين وال فروعه‪ ..‬وأنه ليست من أصول اإليمان‪ ،‬وال من أركان اإلس الم أن ي ؤمن‬
‫المسلم بكل حديث رواه البخاري‪ ،‬مهما يكن موضوعه)(‪)1‬‬
‫وينقل موقفه من كعب األحبار مجرما له‪ ،‬لكونه س ماه‪( :‬برك ان الخراف ات)‪،‬‬
‫وقال فيه‪( :‬كعب األحبار الذي أجزم بكذبه‪ ،‬بل ال أثق بإيمانه)(‪)2‬‬
‫وعقب على هذا بغض ب ق ائال‪( :‬قلت‪ :‬كعب األحب ار أخ رج ل ه مس لم‪ ،‬وأب و‬
‫داود‪ ،‬والنس ائي‪ ،‬والترم ذي في كتبهم‪ ،‬واتهام ه بتعم د الك ذب يطعن في نق ل أئم ة‬
‫الح ديث عن ه‪ ..‬فكي ف يص ح لن ا بع د ذل ك أن نأخ ذ عنهم وهم ي روون عن ك ذابين‬
‫يتعمدون الكذب‪ ،‬ال نظن بهم ذل ك إال أن ي ذكروا في رواي ة –حاش ا مس لم‪ -‬تك ون‬
‫لالعتضاد‪ ،‬فهذا قد تجده)(‪)3‬‬
‫وبس بب ه ذا الموق ف اتهم الش يخ محم د الغ زالي بالعص رانية‪ ،‬والعقالني ة‬
‫واالعتزال‪ ،‬ونقل عنه ليثبت ذلك قوله‪( :‬إن ركامًا من األحاديث الض عيفة مأل آف اق‬
‫الثقافة اإلسالمية بالغيوم‪ ،‬وركامًا مثله من األحاديث التي صحت‪ ،‬وس طا التحري ف‬
‫على معناها‪ ،‬أو ال بسها‪ ،‬كل ذلك جعلها تنب و عن دالالت الق رآن القريب ة والبعي دة‪،‬‬
‫وقد كنت أزجر بعض الناس عن رواية الحديث الصحيح‪ ،‬ح تى يكش فوا ال وهم عن‬
‫معناه‪ ،‬إذا ك ان ه ذا ال وهم موهم ًا‪ ،‬مث ل ح ديث‪( :‬لن ي دخل أح د الجن ة بعمل ه) إن‬
‫طوائف من البطالين والفاشلين‪ ،‬وقفت عند ظاهره المرفوض)(‪)4‬‬
‫هذا مجرد نموذج عن القمع الفك ري ال ذي يمارس ه الس لفية على ك ل ب احث‬
‫ومفكر وعاقل‪ ،‬وصدق نصر حام د أب و زي د حينم ا س مى كتاب ه [التفك ير في زمن‬
‫التكف ير]‪ ،‬ذل ك ألن الم وازين الس لفية في التكف ير ت دعو الم ؤمن إلى إلغ اء عقل ه‬
‫وتفك يره وك ل قدرات ه التحليلي ة ليحاف ظ على اإليم ان‪ ،‬وإال فإن ه س يقع في التجهم‬
‫واالعتزال والعقالنية والعصرانية‪ ..‬وكل ذلك عندهم كفر وضالل‪.‬‬

‫مجلة المنار‪ :‬مجلد (‪ )29‬ص ‪.104‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫تفسير المنار مجلد (‪ )27‬ص ‪.697‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المشابهة بين المعتزلة األوائل والمعتزلة الجدد‪ ،‬ص‪.22‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ص‪.119‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪76‬‬
‫السلفية‪ ..‬وتكفير المدارس الفقهية‬
‫قد يعتقد الكثير أن التكفير السلفي يتوق ف على الم دارس العقدي ة‪ ،‬باعتباره ا‬
‫تبحث في المسائل العقدية‪ ..‬وهذه المسائل تتعلق بأص ل أص ول ال دين‪ ،‬ول ذلك ف إن‬
‫التعامل معها يحتاج إلى الشدة والحزم‪ ،‬لتحفظ حقائق ال دين من التحري ف والتأوي ل‬
‫والتعطيل‪.‬‬
‫لكن ذلك غير صحيح‪ ..‬فطوفان التكفير السلفي ال ذي ش مل األم ة جميع ا‪ ،‬لم‬
‫يتوقف عند متكلمي المعتزلة واألشاعرة والجهمية‪ ،‬بل راح يغرق ك ل فقه اء األم ة‬
‫وتالمي ذهم وأتب اعهم على م دار الت اريخ اإلس المي‪ ،‬ولم يس تثن من ذل ك إال ثل ة‬
‫محدودة‪ ،‬قد ال تعدو أصحاب المذاهب وتالميذهم األوئ ل‪ ،‬ب ل إن منهم من تكلم في ه‬
‫السلف وكفره وكفر كل من تبعه‪ ،‬وكفر كل من لم يكفره‪.‬‬
‫أما أسباب تكف ير ه ؤالء‪ ،‬فكث يرة ج دا‪ ،‬لكن ا سنقتص ر في ه ذا الفص ل على‬
‫نوعين كبيرين منها‪ ،‬لنبين انطباقهما على جميع علماء األمة ما عدا تلك الثلة القليلة‬
‫التي نجت من سيف التكفير السلفي‪.‬‬
‫أما النوع األول‪ ،‬فهو التكفير بسبب الوقوع في أخط اء أو انحراف ات عقدي ة‪،‬‬
‫مثل نفي الجهة عن هللا تعالى‪ ،‬أو القول بخلق القرآن‪ ،‬أو م ا يس ميه الس لفية تعطي ل‬
‫الصفات‪ ..‬وجماهير علماء األمة من المذاهب األربعة وغيرها يقولون به ذا‪ ،‬ومنهم‬
‫الفقه اء والمح دثون والمفس رون وغ يرهم‪ ..‬وس نرى النم اذج الكث يرة عنهم‪ ،‬وعن‬
‫تكفير السلفية لهم‪.‬‬
‫أما النوع الثاني‪ ،‬فهو التكفير بسبب الوقوع في بعض األخطاء الفقهية‪ ،‬والتي‬
‫يوليها السلفية شأنا كبيرا‪ ،‬بل يعتبرونه ا من مس ائل العقائ د‪ ،‬ب ل يعتبرونه ا من أهم‬
‫ركن فيه عندهم‪ ،‬وهو توحيد األلوهية‪ ،‬وهذه المسائل كثيرة تش مل التوس ل وزي ارة‬
‫قبور الصالحين والتبرك بها ونحو ذلك‪ ..‬والسلفية يعتبرون كل هذا شركا جليا يكفر‬
‫فاعله‪ ،‬سواء كان عالما أو عاميا‪ ،‬ويتأكد التكفير إن كان عالما‪.‬‬
‫ولهذا نرى الش يخ محم د بن عب د الوه اب يطل ق الفت اوى الكث يرة على كف ر‬
‫علم اء عص ره من الم ذاهب األربع ة‪ ،‬وال يكتفي ب التكفير المطل ق‪ ،‬ب ل يض م إلي ه‬
‫التكفير العيني‪ ،‬فيسمي الكثير من العلماء‪ ،‬ويعتبرهم كفرة‪.‬‬
‫وقد سار على دربه كل مشايخ السلفية المت أخرين‪ ،‬اللهم إال تل ك الثل ة القليل ة‬
‫التي تستعمل التقية‪ ،‬فتصرح ب التكفير المطل ق‪ ،‬وتص رح باحترامه ا لتكف ير س لفها‬
‫للعلماء‪ ،‬بل تعتبرهم مجددين‪ ،‬وأنه لوالهم لما حفظ الدين‪ ..‬لكنه ا وحرص ا على أال‬
‫توص م ب التكفير تغ يره إلى ألف اظ قريب ة ال تفي د عن دهم إال التكف ير من أمث ال‬
‫[قبوريين]‪ ،‬وهي قد تتظاهر بالورع فتتوقف عن تكفير األعيان‪ ،‬وإن كان واقعها ال‬
‫يقول بذلك‪ ،‬ذلك أن من كفر واحدا من الناس لسبب من األسباب‪ ،‬فقد ش مل بتكف يره‬
‫كل من وقع في ذلك السبب‪ ،‬ألنه ال محاباة في أمثال هذه المسائل‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫ولذلك فإننا سننطلق من تلك المواقف التكفيرية الصريحة التي قام بها السلفية‬
‫متقدموهم ومتأخروهم‪ ،‬ونبين انطباقها على سائر علماء األمة‪.‬‬
‫وقد كان في إمكاننا في هذا الفصل أن نقتصر على مكفر واحد‪ ،‬كنفي الجهة‪،‬‬
‫ونذكر النماذج عن كل العلماء الذين قالوا به‪ ،‬وكان ذلك وحده كافيا لتكف يرهم‪ ،‬لكن ا‬
‫لم نشأ ذلك‪ ،‬بل آثرنا أن ن ذكر الن واقض المختلف ة‪ ،‬ح تى إذا ج ادلوا في أي ن اقض‬
‫منها‪ ،‬وجدوا أمامهم غيره‪ ،‬كما ق ال تع الى عن إب راهيم علي ه الس الم‪َ ﴿ :‬أَلْم َت َر ِإَلى‬
‫اَّلِذ ي َح اَّج ِإْبَر اِهيَم ِفي َر ِّبِه َأْن آَتاُه ُهَّللا اْلُم ْلَك ِإْذ َقاَل ِإْب َر اِهيُم َر ِّبَي اَّل ِذ ي ُيْح ِيي َو ُيِم يُت‬
‫َقاَل َأَنا ُأْح ِيي َو ُأِم يُت َقاَل ِإْب َر اِهيُم َف ِإَّن َهَّللا َي ْأِتي ِبالَّش ْم ِس ِم َن اْلَم ْش ِرِق َف ْأِت ِبَه ا ِم َن‬
‫اْلَم ْغ ِر ِب َفُبِهَت اَّلِذ ي َكَفَر ﴾ [البقرة‪]258 :‬‬
‫أوال ـ التكفير المطلق‬
‫يضع السلفية الكثير من القوانين التي على أساسها يك ون التكف ير‪ ،‬ويس مونها‬
‫[ن واقض اإليم ان]‪ ،‬ويعت برون ك ل من وق ع فيه ا‪ ،‬أو في أي واح د منه ا ك افرا أو‬
‫مشركا شركا جليا حتى لو صام وصلى وتحلى بكل ما يتطلب الدين من قيم‪.‬‬
‫ولهذا نرى الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يطلق ون التكف ير على س ائر‬
‫األمة‪ ،‬العتقادهم أنهم وحدهم أهل التوحي د‪ ،‬وأن من ع داهم ق د وق ع إم ا في ب راثن‬
‫المتكلمين‪ ،‬فصار ينفي الجهة ويعطل الصفات‪ ،‬أو وق ع في ب راثن الص وفية فص ار‬
‫يتوسل ويتبرك‪ ..‬وكل ذلك عندهم كفر وضاللة‪.‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬سنتحدث في هذا المبحث عن أهم س ببين من أس باب التكف ير‪،‬‬
‫يمكن تطبيقهما على األمة جميعا‪ ،‬ما عدا الس لفية وإن ك ان ال ينج و جميعهم منه ا‪..‬‬
‫أولهما الوقوع في النواقض العقدي ة‪ ،‬كنفي الجه ة والتعطي ل والق ول بخل ق الق رآن‬
‫وهي جميعا مما اهتم به سلفهم األول‪ ،‬وكفروا األمة على أساسه‪ ..‬وثانيهما الوق وع‬
‫فيما يسمونه الشرك الجلي نتيجة الق ول بالتوس ل أو االس تغاثة أو الت برك ونحوه ا‪،‬‬
‫وهي مم ا وض ع أسس ه المت أخرون ك ابن تيمي ة‪ ،‬وطبقه ا من بع ده محم د بن عب د‬
‫الوهاب ومدرس ته‪ ،‬وهي جميع ا مس ائل عملي ة فقهي ة أعطاه ا الس لفية بع دا عق ديا‬
‫إلرضاء شهوة العدوانية والتكفير التي تربوا عليها من لدن سلفهم الصالح‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ التكفير بسبب الوقوع في نواقض اإليمان العقدية‬
‫ذكرنا في الفصل السابق النواقض العقدي ة الكث يرة ال تي اختص به ا الس لفية‬
‫دون غيرهم من الفرق والمذاهب‪ ،‬والتي على أساسها شمل تكف يرهم ك ل الم دارس‬
‫العقدية من األشاعرة والماتريدية والمعتزلة باإلضافة للصوفية واإلمامي ة والزيدي ة‬
‫واإلباضية‪ ،‬فكل هؤالء جميعا ينزهون هللا عن الجهة والمكان والتركيب واألعضاء‬
‫ونحوها‪..‬‬
‫وبما أن المدارس الفقهية ارتبطت بالمدارس العقدية التي كفرها السلفية‪ ،‬ف إن‬
‫التكفير صار يشملها أيضا‪ ،‬فلم يستثن من ذلك إال المتقدمون من أص حاب الم ذاهب‬
‫الذين وقع الخالف في بعضهم‪.‬‬
‫يقول الحافظ تاج الدين السبكي في كتابه [معيد النعم ومبي د النقم] عن عالق ة‬

‫‪78‬‬
‫أكثر المذاهب الفقهية بالمدرس ة األش عرية‪( :‬وه ؤالء الحنفي ة والش افعية والمالكي ة‬
‫وفض الء الحنابل ة‪ ،‬وهلل الحم د في العقائ د ي د واح دة‪ ،‬كلهم على رأي أه ل الس نة‬
‫والجماعة‪ ،‬يدينون هللا تعالى بطري ق ش يخ الس نة والجماع ة أبي الحس ن األش عري‬
‫رحم ه هللا تع الى‪ ،‬ال يحي د عنه ا إال رع اع من الحنفي ة والش افعية لحق وا بأه ل‬
‫اإلعتزال ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم‪ ،‬وب ّر أ هللا المالكي ة فلم ن ر مالكي ا‬
‫إال أش عري عقي دة‪ ،‬وبالجمل ة عقي دة األش عرية هي م ا تض ّم نته عقي دة أبي جعف ر‬
‫الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة)(‪)1‬‬
‫وك ل مق والت ه ؤالء ترج ع للتنزي ه المحض ال ذي يس ميه الس لفية تجهم ا‬
‫وتعطيال‪ ،‬كما قال ابن عساكر مع برا عنهم‪( :‬ف إنهم – يع ني األش اعرة – بحم د هللا‬
‫ليسوا معتزلة‪ ،‬وال نفاة لصفات هللا معطلة‪ ،‬لكنهم يثبتون له س بحانه م ا أثبت ه لنفس ه‬
‫من الصفات‪ ،‬ويصفونه بما اتصف به في محكم اآليات‪ ،‬وبم ا وص فه ب ه نبّي ه ‘ في‬
‫ص حيح الرواي ات وينزهون ه عن س مات النقص واآلف ات‪ ،‬ف إذا وج دوا من يق ول‬
‫بالتجسيم أو التكييف من المجسمة والمشبهة‪ ،‬ولقوا من يصفه بصفات المحدثات من‬
‫القائلين بالح دود والجه ة فحينئ ذ يس لكون طري ق التأوي ل‪ ،‬ويثبت ون تنزيه ه تع الى‬
‫بأوضح الدليل‪ ،‬ويبالغون في إثبات التقديس له والتنزيه خوف ًا من وق وع من ال يعلم‬
‫في ُظلم التش بيه‪ ،‬ف إذا أمن وا من ذل ك رأوا أن الس كوت أس لم‪ ،‬وت رك الخ وض في‬
‫التأويل إال عند الحاجة أح زم‪ ،‬وم ا مث الهم في ذل ك إال مث ل الط بيب الح اذق ال ذي‬
‫يداوي كّل داء من األدواء بالدواء الموافق‪ ،‬فإذا تحقق غلب ة ال برودة على الم ريض‬
‫داواه باألدوية الحاّر ة‪ ،‬ويعالجه باألدوية الباردة عند تيقنه منه بغلب ة الح رارة‪ ..‬وم ا‬
‫مثال المتأّو ل بالدليل الواضح إال مثال الرجل السابح‪ ،‬فإنه ال يحتاج إلى السباحة م ا‬
‫دام في ال بر‪ ،‬ف إن اتف ق ل ه في بعض األح ايين رك وب البح ر‪ ،‬وع اين هول ه عن د‬
‫ارتجاجه وشاهد منه تالطم أمواجه‪ ،‬وعصفت به الريح حتى انكس ر الُفل ك‪ ،‬وأح اط‬
‫به إن لم يستعمل السباحة الُهلك‪ ،‬فحينئذ يس بح بجه ده طلب ًا للنج اة‪ ،‬وال يلحق ه فيه ا‬
‫تقصير حّبًا للحياة‪ ،‬فكذلك الموّح د م ا دام س الكًا محّج ة التنزي ه‪ ،‬آمن ًا في عق ده من‬
‫ركوب لّج ة التشبيه‪ ،‬فهو غير محت اج إلى الخ وض في التأوي ل لس المة عقيدت ه من‬
‫التشبيه واألباطيل‪ ،‬فأما إذا تكّد ر صفاء عقده بكدورة التك ييف والتمثي ل‪ ،‬فال ب ّد من‬
‫تصفية قلبه من الكدر بمصفاة التأويل‪ ،‬وترويق ذهنه براووق الدليل‪ ،‬لتس لم عقيدت ه‬
‫من التشبيه والتعطيل)(‪)2‬‬
‫وكال المنهجين ـ كما رأينا في الفصل السابق مرفوض لدى السلفية ـ بل يكفر‬
‫القائ ل ب ه‪ ،‬وسأس وق هن ا بعض أق وال أئمتهم ال تي يرجع ون إليه ا من مص در‬
‫مصادرهم المعتبرة‪ ،‬وهو كتاب السنة لعبد هللا بن أحمد‪ ،‬لنطبق من خالل ه تكف يرات‬
‫السلفية على أعالم األمة ومدارسها المختلفة‪.‬‬

‫‪ )(1‬معيد النعم ومبيد النقم‪ ،‬ص‪.75‬‬


‫‪ )(2‬تبيين كذب المفتري ص‪.388 /‬‬

‫‪79‬‬
‫فمن تلك النصوص الواضحة في التكف ير‪ ،‬وال تي ال تحت اج إلى أي ش غب أو‬
‫جدل‪ ،‬ما رواه عبد هللا بن أحمد عن خارجة أنه قال‪( :‬الجهمي ة كف ار بلغ وا نس اءهم‬
‫أنهن طوالق‪ ،‬وأنهن ال يحللن ألزواجهن ال تعودوا مرضاهم وال تشهدوا جن ائزهم‪،‬‬
‫ثم تال‪﴿ :‬طه (‪َ )1‬م ا َأْنَز ْلَنا َع َلْيَك اْلُقْر آَن ِلَتْش َقى (‪ِ )2‬إاَّل َتْذ ِكَر ًة ِلَم ْن َيْخ َش ى (‪َ )3‬تْنِز ياًل‬
‫ِمَّم ْن َخ َلَق اَأْلْر َض َو الَّس َم اَو اِت اْلُع َلى (‪ )4‬الَّرْح َم ُن َع َلى اْلَع ْر ِش اْس َتَو ى﴾ [ط ه‪- 1 :‬‬
‫‪ ]5‬وهل يكون االستواء إال بجلوس)(‪)1‬‬
‫وهذا النص واضج جدا في تكفير كل المدارس الفقهية‪ ،‬ألنها جميعا تق ف من‬
‫االس تواء موق ف التأوي ل أو التف ويض‪ ..‬وكله ا تتف ق على تنزي ه هللا عن الجل وس‬
‫والمكان والحيز‪.‬‬
‫وروى عن علي بن الحسن بن شقيق‪ ،‬قال‪ :‬سألت عب د هللا بن المب ارك كي ف‬
‫ينبغي لنا أن نعرف‪ ،‬ربنا ع ز وج ل؟ ق ال‪ :‬على الس ماء الس ابعة على عرش ه‪ ،‬وال‬
‫نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا في األرض)(‪)2‬‬
‫وهذا الكالم واضح في تكفير كل المدارس‪ ،‬ألنها جميعا تتف ق على تنزي ه هللا‬
‫عن المكان‪.‬‬
‫أما اإلمام أحمد‪ ،‬فقد روى عن ه ابن ه عب د هللا الكث ير من النص وص ال تي ل و‬
‫طبقت على جميع المذاهب اإلس المية لحكم عليه ا ب الكفر‪ ،‬ومنه ا قول ه‪( :‬من ق ال‪:‬‬
‫القرآن مخلوق فهو عندنا كافر‪ ،‬ألن القرآن من علم هللا عز وجل وفيه أسماء هللا عز‬
‫وجل)(‪ ،)3‬وكل المذاهب اإلسالمية ـ ما عدا السلفية ـ تقول بخل ق الق رآن كم ا س بق‬
‫وأن ذكرنا ذلك في الفصل السابق‪.‬‬
‫وروى عب د هللا عن أبي ه‪( :‬من ق ال ذل ك الق ول ال يص لى خلف ه الجمع ة وال‬
‫غيرها‪ :‬إال أنا ال ندع إتيانها فإن ص لى رج ل أع اد الص الة‪ ،‬يع ني خل ف من ق ال‪:‬‬
‫القرآن مخلوق)‪ ،‬وروى عنه‪( :‬إذا كان القاضي جهميا فال تشهد عنده)(‪)4‬‬
‫وروى عن سفيان بن عيينة ـ أحد سلفهم المعت برين ـ قول ه‪( :‬الق رآن كالم هللا‬
‫عز وجل‪ ،‬من قال‪ :‬مخلوق‪ ،‬فهو كافر‪ ،‬ومن ش ك في كف ره فه و ك افر)(‪ ،)5‬وقول ه‪:‬‬
‫(من قال القرآن مخلوق كان محتاجا أن يصلب على ذباب يعني جبال)(‪)6‬‬
‫وروى عن بعضهم أن ه ق ال‪( :‬كنت عن د عب د هللا بن إدريس [وه و من أئم ة‬
‫السلفية المعتبرين]‪ ،‬فسأله بعض أصحاب الحديث ممن كان معنا فقال‪ :‬ما تق ول في‬
‫الجهمية يصلى خلفهم؟ قال الفضل ثم اشتغلت أكلم إنسانا بشيء فلم أفهم ما رد عليه‬
‫ابن إدريس فقلت للذي سأله‪ :‬ما قال ل ك؟ فق ال‪ :‬ق ال لي‪( :‬أمس لمون ه ؤالء ال‪ ،‬وال‬

‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/105( ،‬‬


‫‪1‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/111( ،‬‬
‫‪2‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/102( ،‬‬
‫‪3‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/103( ،‬‬
‫‪4‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/112( ،‬‬
‫‪5‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/112( ،‬‬
‫‪6‬‬

‫‪80‬‬
‫خلفهم)(‪)1‬‬ ‫كرامة‪ ،‬ال يصلى‬
‫وروى عن آخر قال‪ :‬حضرت عبد هللا بن إدريس فقال له رجل‪ :‬يا أبا محمد‪،‬‬
‫إن قبلنا ناسا يقولون‪ :‬إن القرآن مخل وق‪ ،‬فق ال‪( :‬من اليه ود؟) ق ال‪ :‬ال‪ ،‬ق ال‪( :‬فمن‬
‫النص ارى؟) ق ال‪ :‬ال‪ ،‬ق ال‪( :‬فمن المج وس؟) ق ال‪ :‬ال‪ ،‬ق ال‪( :‬فممن؟) ق ال‪ :‬من‬
‫الموحدين‪ ،‬قال‪( :‬ك ذبوا ليس ه ؤالء بموح دين ه ؤالء زنادق ة‪ ،‬من زعم أن الق رآن‬
‫مخلوق فقد زعم أن هللا عز وجل مخلوق‪ ،‬ومن زعم أن هللا تعالى مخلوق فقد كف ر‪،‬‬
‫هؤالء زنادقة هؤالء زنادقة)(‪)2‬‬
‫وروى عن وكيع بن الجراح قوله‪( :‬أما الجهمي ف إني أس تتيبه ف إن ت اب وإال‬
‫قتلته)(‪ ،)3‬وقوله‪( :‬من زعم أن الق رآن مخل وق فق د زعم أن ه مح دث ومن زعم أن ه‬
‫مح دث فق د كف ر)(‪ ،)4‬وقول ه‪( :‬من زعم أن الق رآن‪ ،‬مخل وق فق د زعم أن ه مح دث‬
‫يستتاب فإن تاب وإال ضربت رقبته)(‪ )5‬وروى أنه سئل عن ذب ائح الجهمي ة‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫(ال تؤكل هم مرتدون)(‪)6‬‬
‫وروى عن بعضهم قال‪ :‬سألت معتمر بن سليمان‪ ،‬فقلت‪ :‬ي ا أب ا محم د‪ :‬إم ام‬
‫لقوم يقول‪ :‬القرآن مخلوق أصلي خلفه؟ فقال‪( :‬ينبغي أن تضرب عنقه)‪ ،‬ق ال فط ر‪:‬‬
‫وسألت حماد بن زيد فقلت‪ :‬يا أبا إس ماعيل لن ا إم ام يق ول‪ :‬الق رآن مخل وق أص لي‬
‫خلفه؟ قال‪( :‬صل خلف مسلم أحب إلي) وسألت يزيد بن زريع فقلت‪ :‬يا أبا معاوي ة‪:‬‬
‫إمام لقوم يقول‪ :‬القرآن مخلوق أصلي خلفه؟ قال‪( :‬ال وال كرامة)(‪)7‬‬
‫وروى عن عب د ال رحمن بن مه دي قول ه‪( :‬من زعم أن هللا تع الى لم يكلم‬
‫موسى صلوات هللا عليه يستتاب فإن تاب وإال ضربت عنق ه)(‪ ،)8‬وقول ه‪( :‬ل و ك ان‬
‫لي من األمر ش يء لقمت على الجس ر فال يم ر بي أح د من الجهمي ة إال س ألته عن‬
‫الق رآن ف إن ق ال‪ :‬إن ه مخل وق ض ربت رأس ه ورميت ب ه في الم اء)(‪ ،)9‬وقول ه‪:‬‬
‫(الجهمية يستتابون فإن تابوا وإال ضربت أعناقهم)(‪)10‬‬
‫وهكذا روى عن يزيد بن هارون قوله ـ وقد ذكرت الجهمية عنده ـ‪( :‬هم وهللا‬
‫زنادقة عليهم لعنة هللا)(‪ ،)11‬وقوله‪( :‬وهللا الذي ال إل ه إال ه و ع الم الغيب والش هادة‬
‫ال رحمن ال رحيم من ق ال‪ :‬الق رآن مخل وق فه و زن ديق)(‪ ،)12‬وقول ه‪( :‬من زعم أن‬

‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/113( ،‬‬


‫‪1‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/113( ،‬‬
‫‪2‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/114( ،‬‬
‫‪3‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/115( ،‬‬
‫‪4‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/115( ،‬‬
‫‪5‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/117( ،‬‬
‫‪6‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/118( ،‬‬
‫‪7‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/119( ،‬‬
‫‪8‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/120( ،‬‬
‫‪9‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/121( ،‬‬
‫‪10‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/121( ،‬‬
‫‪11‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/122( ،‬‬
‫‪12‬‬

‫‪81‬‬
‫جهمي)(‪)1‬‬ ‫الرحمن على العرش استوى على خالف ما يقر في قلوب العامة فهو‬
‫بل إن عبد هللا بن أحمد يروي عن أبيه وغيره شمولية هذه األحكام ح تى لمن‬
‫يقول بأن القرآن كالم هللا‪ ،‬ولكن التالوة واأللفاظ مخلوقة‪ ،‬وهو قول أكثر األمة بن اء‬
‫على تبعيتها للمدرسة األشعرية‪ ،‬فقد روى عنه أن ه س أله‪ :‬م ا تق ول في رج ل ق ال‪:‬‬
‫التالوة مخلوقة وألفاظنا بالقرآن مخلوقة والقرآن كالم هللا عز وجل وليس بمخل وق؟‬
‫وما ترى في مجانبته؟ وهل يسمى مبتدعا؟ فقال‪( :‬ه ذا يج انب وه و ق ول المبت دع‪،‬‬
‫وهذا كالم الجهمية ليس القرآن بمخلوق)(‪)2‬‬
‫وروى عنه قوله‪( :‬من قال ش يء من هللا ع ز وج ل مخل وق علم ه أو كالم ه‬
‫فهو زنديق كافر ال يصلى عليه‪ ،‬وال يصلى خلفه ويجعل ماله كمال المرت د وي ذهب‬
‫في مال المرتد إلى مذهب أهل المدينة أنه في بيت المال)‬
‫وقال‪ :‬س ألت أبي رحم ه هللا قلت‪ :‬إن قوم ا يقول ون‪ :‬لفظن ا ب القرآن مخل وق‪،‬‬
‫فقال‪( :‬هم جهمية وهم أشر ممن يقف‪ ،‬هذا ق ول جهم‪ ،‬وعظم األم ر عن ده في ه ذا‪،‬‬
‫وقال‪ :‬هذا كالم جهم)‪ ،‬وسألته عمن قال‪ :‬لفظي بالقرآن مخلوق‪ ،‬فق ال‪ :‬ق ال هللا ع ز‬
‫وجل‪َ﴿ :‬و ِإْن َأَح ٌد ِم َن اْلُم ْش ِرِكيَن اْسَتَج اَر َك َفَأِج ْر ُه َح َّتى َيْس َم َع َكاَل َم ِهَّللا ﴾ [التوب ة‪)]6 :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ب ل إن ه ذه األحك ام المتش ددة الممتلئ ة ب العنف لم تش مل المتكلمين في تل ك‬
‫العقائد فقط‪ ،‬بل شملت أيضا أولئ ك البس طاء ال ورعين ال ذين توقف وا أو فوض وا أو‬
‫اعتبروا البحث في أمثال هذه المسائل نوعا من الترف الذي لم نطالب به‪ ،‬وقد روى‬
‫عب د هللا بن أحم د في ه ذا عن أبي ه ق ال‪( :‬من ك ان من أص حاب الح ديث أو من‬
‫أصحاب الكالم فأمسك عن أن يقول‪ :‬القرآن ليس بمخلوق فهو جهمي)(‪)4‬‬
‫وقال‪ :‬سمعت أبي رحمه هللا مرة أخ رى وس ئل عن اللفظي ة‪ ،‬والواقف ة فق ال‪:‬‬
‫(من كان منهم يحسن الكالم فهو جهمي‪ ،‬وقال مرة أخرى هم شر من الجهمية)(‪)5‬‬
‫وروى أنه ذكر ليحيى بن أيوب الشكاك الذين يقولون ال نقول القرآن مخل وق‬
‫وال غير مخلوق فقال‪ :‬كنت قلت ألبي ش داد ص ديق لي‪( :‬من ق ال ه ذا فه و جهمي‬
‫صغير)‪ ،‬قال يحيى‪( :‬وهو اليوم جهمي كبير)(‪)6‬‬
‫ه ذه أمثل ة عن بعض أعالم الس لف‪ ،‬وم واقفهم من بعض الف روع التنزيهي ة‬
‫البسيطة التي أصبح القول بها بديهيا عند جميع المدارس اإلسالمية‪.‬‬
‫ولو أن السلفية تابوا من هذه المقوالت‪ ،‬وخطأوا سلفهم فيها‪ ،‬وتراجعوا عنها‪،‬‬
‫وذك روا أن الخالف فيه ا وفي أمثاله ا ف رعي‪ ،‬لم ا وص مناهم ب التكفير‪ ..‬ولكنهم ال‬
‫يزالون يصرون عليها‪ ،‬بل ي ذكرونها ك ل حين‪ ،‬ويؤي دونها‪ ،‬ويطبع ون الكتب ال تي‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/123( ،‬‬
‫‪1‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/163( ،‬‬
‫‪2‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/164( ،‬‬
‫‪3‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/151( ،‬‬
‫‪4‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/179( ،‬‬
‫‪5‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/179( ،‬‬
‫‪6‬‬

‫‪82‬‬
‫تنشر مثل هذا الفكر التكفيري الخطير‪ ،‬فكيف ال نعتبرهم مكفرة بعد هذا كله؟‬
‫ب ل إنهم يعت برون مج رد النق د لمث ل ه ذه الطروح ات اإلرهابي ة الخط يرة‬
‫الممتلئة بالعنف والعدوانية طعنا في السلف واألئمة‪ ..‬ومن طعن في السلف واألئم ة‬
‫طعن في الدين نفسه‪.‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬سنذكر نموذجين هنا للتكفير السلفي إلمامين كب يرين من أئم ة‬
‫الدين‪ ،‬هما أبو حنيفة وابن حجر‪ ..‬وسنذكر التطبيقات المفصلة على أعيان الم ذاهب‬
‫في المبحث الثاني الخاص بالتكفير المعين‪.‬‬
‫النموذج األول‪ :‬الموقف من أبي حنيفة‬
‫بناء على تلك األق وال الس ابقة ال تي اعتبره ا الس لفية مع ايير في الحكم على‬
‫األمة وأعالمها الكبار‪ ،‬نحب أن نذكر هنا نموذجا بسيطا للموقف الذي اتخ ذه س لف‬
‫السلفية من أبي حنيفة (المتوفى‪150 :‬هـ) صاحب المذهب المعروف‪ ،‬والمنتش ر في‬
‫كثير من بالد العالم اإلسالمي في القديم والحديث‪.‬‬
‫وسنعتمد في ذلك على المرجع السابق‪ ،‬باعتباره يمثل وجهة نظر كبار أعالم‬
‫السلف األوائل من أحمد بن حنب ل وغ يره من أص حابه وممن س بقه أو لحق ه‪ ،‬وق د‬
‫عنون عبد هللا بن أحم د له ذا التكف ير والتط اول على أبي حنيف ة به ذا العن وان [م ا‬
‫حفظت عن أبي وغيره من المشايخ في أبي حنيفة]‬
‫ومن تلك الروايات التي أورده ا م ا رواه عن إس حاق بن منص ور الكوس ج‪،‬‬
‫قال‪ :‬قلت ألحمد بن حنبل‪ :‬يؤجر الرجل على بغض أبي حنيفة وأص حابه؟ ق ال‪ :‬إي‬
‫وهللا(‪.)1‬‬
‫وروى عن سعيد بن سلم‪ ،‬قال سألت أبا يوسف وهو بجرجان عن أبي حنيفة‪،‬‬
‫فقال‪( :‬وما تصنع به مات جهميا)(‪ ،)2‬وقال‪ :‬قلت ألبي يوسف أكان أبو حنيف ة يق ول‬
‫بقول جهم؟ فقال‪( :‬نعم)(‪)3‬‬
‫وروى عن إس ماعيل بن حم اد بن أبي حنيف ة‪ ،‬يق ول‪( :‬ه و دين ه ودين آبائ ه‬
‫يعني القرآن مخلوق)(‪)4‬‬
‫وروى عن أبي يوسف‪ ،‬قال‪( :‬أول من قال‪ :‬القرآن مخلوق أبو حنيفة)(‪)5‬‬
‫وروى عن حازم الطفاوي قال‪ :‬وكان من أصحاب الحديث‪( :‬أبو حنيف ة إنم ا‬
‫كان يعمل بكتب جهم تأتيه من خراسان)(‪)6‬‬
‫وروى عن عم ر بن حم اد بن أبي حنيف ة‪ ،‬ق ال‪ :‬أخ برني أبي حم اد بن أبي‬
‫حنيف ة‪ ،‬ق ال‪ :‬أرس ل ابن أبي ليلى إلى أبي فق ال ل ه‪ :‬تب مم ا تق ول في الق رآن أن ه‬
‫مخلوق وإال أقدمت عليك بما تكره‪ ،‬قال‪ :‬فتابعه قلت‪ :‬يا أبه كيف فعلت ذا؟ قال‪( :‬ي ا‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/180( ،‬‬
‫‪1‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/181( ،‬‬
‫‪2‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/181( ،‬‬
‫‪3‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/182( ،‬‬
‫‪4‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/183( ،‬‬
‫‪5‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/183( ،‬‬
‫‪6‬‬

‫‪83‬‬
‫تقية)(‪)1‬‬ ‫بني خفت أن يقدم علي فأعطيت‬
‫وروى عن سفيان الث وري قول ه‪ :‬ق ال لي حم اد بن أبي س ليمان‪( :‬اذهب إلى‬
‫الكافر يعني أبا حنيفة فقل له‪ :‬إن كنت تقول‪ :‬إن القرآن مخلوق فال تقربنا)(‪)2‬‬
‫وروى عن سفيان الث وري‪ ،‬ق ال‪ :‬س معت حم ادا‪ ،‬يق ول‪( :‬أال تعجب من أبي‬
‫حنيفة يقول‪ :‬القرآن مخلوق‪ ،‬قل‪ :‬له يا كافر يا زنديق)(‪)3‬‬
‫وروى عن عبدة بن عبد الرحيم‪ ،‬قال دخلن ا على عب د العزي ز بن أبي رزم ة‬
‫نعوده أنا وأحمد بن شبويه وعلي بن يونس فقال لي عبد العزيز‪ :‬يا أبا سعيد‪ ،‬عن دي‬
‫سر كنت أطويه عنكم فأخبركم‪ ،‬وأخرج بيده عن فراش ه فق ال س معت ابن المب ارك‬
‫يقول‪ :‬سمعت األوزاعي يقول‪( :‬احتملنا عن أبي حنيفة كذا وعقد بأصبعه‪ ،‬واحتملن ا‬
‫عنه كذا وعقد بأصبعه الثانية‪ ،‬واحتملنا عنه كذا وعقد بأصبعه الثالثة العي وب ح تى‬
‫جاء السيف على أم ة محم د ‪ ‬فلم ا ج اء الس يف على أم ة محم د ‪ ‬لم نق در أن‬
‫نحتمله)(‪)4‬‬
‫وروى عن األوزاعي‪ ،‬أنه ذكر أبا حنيفة فقال ال أعلمه إال ق ال ينقض ع رى‬
‫اإلسالم(‪)5‬‬
‫وروى عنه أيضا قوله‪( :‬أبو حنيف ة ض يع األص ول وأقب ل على القي اس)(‪،)6‬‬
‫وقوله‪( :‬ما ولد في اإلسالم مولد أشر من أبي حنيفة وأبي مس لم وم ا أحب أن ه وق ع‬
‫في نفسي أني خير من أحد منهما وأن لي الدنيا وما فيها)(‪ ،)7‬وقول ه‪( :‬ل و ك ان ه ذا‬
‫الخطأ في أمة محمد ‪ ‬ألوسعهم خطأ‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما ولد في اإلسالم مولد أشأم عليهم‬
‫من أبي حنيفة)(‪)8‬‬
‫وروى عن سالم بن أبي مطيع قوله‪( :‬كنت مع أيوب الس ختياني في المس جد‬
‫الحرام فرآه أبو حنيفة فأقبل نح وه‪ ،‬فلم ا رآه أي وب ق ال ألص حابه‪ :‬قوم وا ال يع دنا‬
‫بجربه‪ ،‬قوموا ال يعدنا بجربه)(‪)9‬‬
‫وروى عن أيوب قوله‪( :‬لقد ترك أب و حنيف ة ه ذا ال دين وه و أرق من ث وب‬
‫سابري)(‪)10‬‬
‫وروى عن ابن عون قوله‪( :‬ما ولد في اإلسالم مولود أشأم على أهل اإلسالم‬
‫من أبي حنيفة)(‪)11‬‬

‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/183( ،‬‬


‫‪1‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/184( ،‬‬
‫‪2‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/184( ،‬‬
‫‪3‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/185( ،‬‬
‫‪4‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/186( ،‬‬
‫‪5‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/186( ،‬‬
‫‪6‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/187( ،‬‬
‫‪7‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/187( ،‬‬
‫‪8‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/188( ،‬‬
‫‪9‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/189( ،‬‬
‫‪10‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/189( ،‬‬
‫‪11‬‬

‫‪84‬‬
‫وروى عن معرف ق ال‪ :‬دخ ل أب و حنيف ة على األعمش يع وده فق ال‪ :‬ي ا أب ا‬
‫محمد لوال أن يثقل‪ ،‬عليك مجيئي لعدتك في كل يوم‪ ،‬فقال األعمش‪ :‬من هذا؟ ق الوا‪:‬‬
‫أبو حنيفة‪ ،‬فقال‪( :‬يا ابن النعمان أنت وهللا ثقيل في منزلك فكيف إذا جئتني)(‪)1‬‬
‫وروى عن سفيان بن سعيد قوله‪( :‬ما ابن يحطب بسيفه أقطع لع رى اإلس الم‬
‫من هذا برأيه يعني أبا حنيفة)(‪)2‬‬
‫وروى عن مالك أنه ذك ر أب ا حنيف ة ف ذكره بكالم س وء وق ال‪( :‬ك اد ال دين‪،‬‬
‫وقال‪ :‬من كاد الدين فليس من ال دين)(‪ ،)3‬وقول ه‪( :‬أي ذكر أب و حنيف ة ببل دكم؟) قلت‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قال‪( :‬ما ينبغي لبلدكم أن يسكن)(‪ ،)4‬وقوله‪( :‬أبو حنيفة من الداء العضال‪ ..‬أب و‬
‫حنيفة ينقض السنن)(‪ ،)5‬وقوله‪( :‬ما ولد في اإلسالم مولود أضر على أه ل اإلس الم‬
‫من أبي حنيفة)(‪)6‬‬
‫وروى عن شريك بن عبد هللا قوله ‪( :‬ألن يكون في كل ربع من أرباع الكوفة‬
‫خمار ي بيع الخم ر خ ير من أن يك ون في ه من يق ول بق ول أبي حنيف ة)(‪ ،)7‬وقول ه‪:‬‬
‫(أصحاب أبي حنيفة أشد على المسلمين من عدتهم من لصوص تاجر قمي)(‪)8‬‬
‫وروى عن أس ود بن س الم قول ه‪( :‬إذا ج اء األث ر ألقين ا رأي أبي حنيف ة‬
‫وأص حابه في الحش)‪ ،‬ثم ق ال لي أس ود‪( :‬علي ك ب األثر فالزم ه أدركت أه ل العلم‬
‫يكرهون رأي أبي حنيفة ويعيبونه)(‪)9‬‬
‫وروى عن محمد بن جابر قوله‪ :‬س معت أب ا حنيف ة‪ ،‬يق ول‪( :‬أخط أ عم ر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬فأخذت كفا من حصى فضربت به وجهه)(‪)10‬‬
‫هذه مجرد نماذج عن مواقف سلف السلفية األوائل من أبي حنيفة‪ ،‬وأحق ادهم‬
‫عليه‪ ،‬وهي تبين لنا بعض أس رار تل ك العدواني ة الموج ودة في الس لفية‪ ،‬وكي ف ال‬
‫يكونون كذلك‪ ،‬وهم يقدسون رجاال هذا شأنهم‪ ،‬وهذا أدبهم‪ ،‬وهذا تعاملهم م ع ق رين‬
‫من أقرانهم‪ ،‬وزميل من زمالئهم في العلم‪.‬‬
‫والسلفية الذين يمارسون التقية يغضون الط رف عن أمث ال ه ذه النص وص‪،‬‬
‫ويكتمونها‪ ،‬وال يتجرؤون أبدا على اإلنك ار عليه ا‪ ،‬ألنهم ل و فعل وا فس يعتبرون من‬
‫الطاعنين في أهل الحديث‪ ..‬وال يطعن فيهم إال زنديق‪.‬‬
‫وقد ذكرنا هذا النموذج لنطبقه بعد ذلك على جميع أعالم األم ة من أص حاب‬
‫المدارس المختلفة الذين يتفقون مع أبي حنيفة في كل ما طرح ه من آراء ابت داء من‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/190( ،‬‬
‫‪1‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/198( ،‬‬
‫‪2‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/199( ،‬‬
‫‪3‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/199( ،‬‬
‫‪4‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/199( ،‬‬
‫‪5‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/200( ،‬‬
‫‪6‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/203( ،‬‬
‫‪7‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/203( ،‬‬
‫‪8‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/224( ،‬‬
‫‪9‬‬
‫() السنة لعبد هللا بن أحمد‪)1/224( ،‬‬
‫‪10‬‬

‫‪85‬‬
‫القول بخلق القرآن‪.‬‬
‫النموذج الثاني‪ :‬الموقف من ابن حجر‬
‫وه و من النم اذج ال تي أوقعت الس لفيين في ح يرة كب يرة‪ ،‬ب ل جعلتهم يكف ر‬
‫بعضهم بعضا بسببه‪ ،‬ألن ابن حجر يقول بما تقوله األشاعرة‪ ،‬بل الجهمي ة‪ ،‬في ؤول‬
‫كل ما اعتبروا تأويله‪ ،‬وال يثبت الجهة هلل‪ ،‬وال يثبت المك ان‪ ،‬ويعط ل ك ل الص فات‬
‫التي يتعلق بها السلفية في تكفير الجهمية والمدارس الكالمية‪.‬‬
‫وهو فوق ذلك من العلماء الذين ال يع ذرون بجهلهم‪ ،‬ب ل ه و مطل ع على م ا‬
‫كتبه ابن تيمية‪ ،‬بل هو فوق ذلك يتعرض له‪ ،‬وينتقده بشدة‪..‬‬
‫ولكن ه م ع ذل ك علم من األعالم ال ذين ال يس تطيعون االس تغناء عنهم‪ ،‬فهم‬
‫يلجؤون إلى تحقيقاته ك ل حين‪ ،‬ويس تفيدون منه ا‪ ،‬ويس تدلون به ا على خص ومهم‪،‬‬
‫وتكفيرهم له يشكل حرجا كبيرا بالنسبة لهم‪ ،‬وفرصة سانحة ألعدائهم‪.‬‬
‫لذلك وقفوا كله وقفوا منه موقفين متناقضين‪:‬‬
‫الموقف األول‪ :‬الموقف السلفي الصريح‪:‬‬
‫وهو يعتمد على ما ذكره الس لف األول‪ ،‬ومن بع دهم من ابن تيمي ة وغ يره‪..‬‬
‫بل ما ذكره شيخهم ومجددهم الكبير في هذا العص ر الش يخ محم د بن عب د الوه اب‬
‫وتالميذه‪.‬‬
‫وه و يس تند إلى النص وص ال تي ذكره ا ابن حج ر في كتب ه‪ ،‬وخاص ة [فتح‬
‫الباري]‪ ،‬ويرى أنه يطبق عليها كل م ا طبق ه س لف الس لفية األوائ ل على الجهمي ة‬
‫والمدارس الكالمية‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذا الموقف ما ذك ره الش يخ إب راهيم بن رج ا الش مري في كتاب ه‬
‫[من مخالفات الخلف لم ا ك ان علي ه الس لف] ال ذي ينتق د في ه بش دة المنهج الس لفي‬
‫الخفي‪ ،‬أو التمييعي كما يسميه‪ ،‬ومن تلك االنتقادات الموقف من ابن حج ر‪ ،‬والكي ل‬
‫معه بمكاييل مختلفة عن المكاييل التي يكيلون بها لسائر الناس‪.‬‬
‫وق د ق ال في ذل ك ـ بع د أن أورد نصوص ا للس لف في تكف ير منك ر العل و ـ‪:‬‬
‫(فقارن –يا طالب الحق‪ -‬بين أقوال أهل العلم في منكري العلو وبين صنيع ابن ب از‬
‫لما علق على ق ول ابن حج ر في فتح ه‪( :‬في ه ال رد على من زعم أن ه على الع رش‬
‫بذاته) فقال‪ :‬ليس في الحديث المذكور رد على من أثبت استواء ال رب على عرش ه‬
‫بذاته‪ ..‬وكذلك لما وقف ابن باز على قول ابن حجر (ال يتوج ه علي ه –س بحانه‪ -‬في‬
‫وجوده أين وحيث) علق قائال‪( :‬الصواب عند أه ل الس نة وص ف هلل بأن ه في جه ة‬
‫العلو)‪ ،‬ولما بلغه تأويل ابن حجر لص فة الي د ق ال في مجموع ه‪( :‬اطلعت على م ا‬
‫ذكرتم في الرسالة المرفق ة من جه ة كالم الحاف ظ ابن حج ر على ق ول عب د هللا بن‬
‫مسعود؛ والذي نفسي بيده‪ ..‬إلخ؛ وأن المراد باليد القدرة وفهمت ه‪ .‬وال ش ك أن ه كالم‬
‫ناقص مخالف لما عليه أه ل الس نة والجماع ة‪ .‬والص واب‪ :‬أن م ا ورد في ه ذا من‬
‫األحاديث واآلثار يراد به إثبات اليد والقدرة جميعا‪ ،)..‬وال يخفى على ابن باز أيضا‬

‫‪86‬‬
‫أن تأويل صفة اليد ونحوها من الصفات أنه من مسالك أهل الب دع والزي غ فق د ق ال‬
‫كما في مجموعه‪( :‬ال يجوز تأويل الصفات‪ ،‬وال صرفها عن ظاهره ا الالئ ق باهلل‪،‬‬
‫وال تفويضها‪ ،‬بل هذا كله من اعتقاد أهل البدع‪ ،)..‬وقال أيضا‪( :‬إنم ا المؤول ون هم‬
‫الجهمي ة والمعتزل ة‪ ،‬واألش اعرة في بعض الص فات‪ ،‬وأم ا أه ل الس نة والجماع ة‬
‫المعروفون بعقيدتهم النقية فإنهم ال يؤولون‪ ،)..‬وكذلك لما وقف على قول ابن حجر‬
‫(لفظ الصوت مما يتوقف في إطالق نسبته إلى الرب)‪ ،‬قال‪( :‬ليس األم ر ك ذلك ب ل‬
‫إطالق الص وت على كالم هللا س بحانه ق د ثبت‪ ،)..‬والح ق أن من لم يثبت الص وت‬
‫للباري فهو جهمي‪ ،‬كما قال عب د ال رحمن بن حس ن‪:‬ق ال الخالل‪ :‬وح دثنا أب و بك ر‬
‫المروذي قال‪ :‬سمعت أبا عبد هللا‪ ،‬وقي ل ل ه‪ :‬إن عب د الوه اب ق د تكلم‪ ،‬وق ال‪( :‬من‬
‫زعم أن هللا كلم موسى بال صوت‪ ،‬فهو جهمي‪ ،‬عدو هلل‪ ،‬وعدو لإلسالم) فتبس م أب و‬
‫عبد هللا‪ ،‬وقال‪( :‬ما أحسن ما قال! عافاه هللا)(‪)1‬‬
‫وهكذا أخذ ينكر عليه‪ ،‬ويدله على ما كتبه في كتبه أو كتبه سلفه في تكفير من‬
‫وقع في نفس ما وقع فيه ابن حجر‪ ،‬وي دعوه إلى رعاي ة الع دل‪ ،‬وع دم الش فقة على‬
‫أهل البدع‪ ،‬ق ال‪( :‬وال يخفى على ابن ب از أيض ا حكم من لم يثبت الص وت للب اري‬
‫وقال بالكالم النفسي‪ ،‬فق د أح ال في رس الته (العقي دة الص حيحة وم ا يض ادها) إلى‬
‫السنة للاللكائي‪ ،‬وقد تق دم ق ول الاللك ائي –رحم ه هللا تع الى‪ -‬فيمن ق ال بالحكاي ة‪،‬‬
‫وابن باز قد اطلع أيض ا على ش رح ابن حج ر ال ذي ق ال في ه‪(:‬قول ه ﴿اْس َتَو ى َع َلى‬
‫اْلَع ْر ِش﴾ [األعراف‪ ]54 :‬هو من المتشابه الذي يف وض علم ه إلى هللا تع الى)‪ ،‬وق د‬
‫قال عبد الرحمن بن حسن عمن ينكر حقيقة االس تواء‪( :‬قول ه‪( :‬فليس فوق ك ش يء)‬
‫نص في أنه تعالى فوق جميع المخلوقات؛ وهو الذي ورد عن الص حابة‪ ،‬والت ابعين‬
‫من المفسرين وغيرهم‪ ،‬في معنى قوله‪﴿ :‬الَّرْح َم ُن َع َلى اْلَع ْر ِش اْس َتَو ى ﴾ [ط ه‪]5 :‬‬
‫إن معنى استوى‪ :‬استقر‪ ،‬وارتفع‪ ،‬وعال‪ ،‬وكلها بمعنى واحد؛ ال ينكر هذا إال جهمي‬
‫زنديق‪ ،‬يحكم على هللا وعلى أسمائه وصفاته بالتعطيل‪)2()..‬‬
‫وق ال‪( :‬وابن ب از ال يخفى علي ه حكم الس لف في المفوض ة‪ ،‬فق د ق ال في‬
‫مجموع ه‪ :‬المفوض ة ق ال أحم د فيهم‪ :‬إنهم ش ر من الجهمي ة‪ ،‬والتف ويض أن يق ول‬
‫القائل‪ :‬هللا أعلم بمعناها فقط وهذا ال يجوز؛ ألن معانيها معلوم ة عن د العلم اء‪ .‬ق ال‬
‫مالك رحمه هللا‪ :‬االستواء معلوم والكيف مجهول)(‪)3‬‬
‫وق ال‪( :‬ثم إن ابن ب از ال يخفى علي ه أن أه ل الس نة مجمع ون على ال براءة‬
‫والتحذير من المؤولة‪ ،‬فق د ق ال في مجموع ه‪ :‬أم ا التأوي ل للص فات وص رفها عن‬
‫ظاهرها فهو مذهب أهل البدع من الجهمية والمعتزلة‪ ،‬ومن سار في ركابهم‪ ،‬وه و‬
‫مذهب باطل أنكره أهل السنة والجماعة‪ ،‬وتبرؤوا منه‪ ،‬وحذروا من أهله)(‪)4‬‬

‫من مخالفات الخلف لما كان عليه السلف‪ ،‬ص‪.30‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫من مخالفات الخلف لما كان عليه السلف‪ ،‬ص‪.31‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫من مخالفات الخلف لما كان عليه السلف‪ ،‬ص‪.31‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫من مخالفات الخلف لما كان عليه السلف‪ ،‬ص‪.32‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪87‬‬
‫وقال ملخصا تناقضات ابن باز في تعامله مع ابن حجر‪( :‬والمقصود أن ه م ع‬
‫علم ابن ب از‪ :‬بنفي ابن حج ر العس قالني لعل و الب اري س بحانه‪ ..‬وتأويل ه لص فة‬
‫الي د‪..‬وتوقف ه عن إثب ات الص وت‪ ..‬واطالع ه على ق ول ابن حج ر ب التفويض‪..‬‬
‫ومعرفته بانتصار ابن حج ر لق ول أه ل اإلرج اء في اإليم ان‪ ..‬ومعرفت ه بب دع ابن‬
‫حجر القبورية كقوله بالتبرك فقد رد عليه ذلك في تعقباته‪ ..‬ومعرفته لميل ابن حجر‬
‫لتحري ف ص فة المحب ة وال نزول فق د رد علي ه ذل ك أيض ا في تعقبات ه‪ ..‬ومعرفت ه‬
‫تحريف ابن حجر لصفة الحياء فقد رد عليه ذلك في تعقباته‪ ..‬مع ه ذا كل ه فق د ق ال‬
‫ه و ومن مع ه من أعض اء اللجن ة‪( :‬موقفن ا من أبي بك ر الب اقالني وال بيهقي وأبي‬
‫الف رج بن الج وزي وأبي زكري ا الن ووي وابن حج ر وأمث الهم ممن ت أول بعض‬
‫ص فات هللا تع الى أو فوض وا في أص ل معناه ا‪ :‬أنهم في نظرن ا من كب ار علم اء‬
‫المسلمين الذين نفع هللا األمة بعلمهم فرحمهم هللا رحم ة واس عة وج زاهم عن ا خ ير‬
‫الجزاء‪ ،‬وأنهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه الصحابة رضي هللا عنهم وأئمة السلف‬
‫في القرون الثالثة التي ش هد له ا الن بي ‪ ‬ب الخير وأنهم أخط ؤوا فيم ا ت أولوه من‬
‫نصوص الصفات وخ الفوا في ه س لف األم ة وأئم ة الس نة رحمهم هللا تع الى س واء‬
‫ت أولوا الص فات الذاتي ة وص فات األفع ال أم بعض ذل ك وباهلل التوفي ق)‪ ،‬ف انظر –‬
‫عاف اك هللا من البالء‪ -‬إلى ق ولهم عن نف اة العل و للعلي القه ار‪( :‬من كب ار علم اء‬
‫المسلمين الذين نفع هللا األمة بعلمهم ف رحمهم هللا رحم ة واس عة)‪ ،‬واستحض ر مع ه‬
‫قول ابن سحمان في كشف الشبهتين‪( :‬فهذا التلطف والش فقة والرحم ة ال يج وز أن‬
‫يعامل بها من ينكر علو هللا على خلقه‪ ،‬ويعطل أسماءه وصفاته‪ ،‬بل يعام ل بالغلظ ة‬
‫والشدة والمعاداة الظاهرة)‪ ،‬وبإسناده عن بعض السلف قال‪( :‬من أتى صاحب بدعة‬
‫ليوقره فقد أع ان على ه دم اإلس الم)‪ ..‬أم ا الجهمي ة‪ ..‬ف الرفق بهم‪ ،‬والش فقة عليهم‪،‬‬
‫واإلحسان‪ ،‬والتلطف‪ ،‬والصبر‪ ،‬والرحمة‪ ،‬والتبشير لهم‪ ،‬مما ينافي اإليمان‪ ،‬ويوق ع‬
‫في سخط الرحمن‪ ،‬ألن الحج ة بلغتهم من ذ أزم ان‪ ..‬أم ا جح د عل و هللا على خلق ه‪،‬‬
‫واستوائه على عرش ه بذات ه المقدس ة على م ا يلي ق بجالل ه وعظمت ه‪ ،‬وأن ه مب اين‬
‫لمخلوقاته‪ ،‬وكذلك نفي صفات كماله‪ ،‬ونعوت جالله فهذا ال يشك مسلم في كف ر من‬
‫نفى ذلك‪ ،‬ألنه من المعلوم بالضرورة من دين اإلسالم‪ ،‬ومم ا فط ر هللا علي ه جمي ع‬
‫خلقه إال من اجتالته الشياطين عن فطرته)(‪)1‬‬
‫وهك ذا أخ ذ ي ذكره ب أقوال س لفه من العلم اء المح افظين من أمث ال حم ود‬
‫التويجري الذي قال في (ذيل الصواعق)‪( :‬ال ينبغي تسمية أع داء هللا باس م العلم اء‬
‫ألن هذه التسمية ال تليق بهم وال تطابق حالهم‪ ..‬ومن المعلوم أن اسم العالم والعلم اء‬
‫من أعلى صفات المدح والتعظيم‪ ،‬وعلى هذا فال ينبغي مدح أع داء هللا وال تس ميتهم‬
‫بأس ماء الم دح والتعظيم؛ ألن ذل ك مم ا يغض ب ال رب تب ارك وتع الى ويه تز ل ه‬
‫العرش)(‪)2‬‬

‫‪ )(1‬من مخالفات الخلف لما كان عليه السلف‪ ،‬ص‪.33‬‬


‫‪ )(2‬من مخالفات الخلف لما كان عليه السلف‪ ،‬ص‪.34‬‬

‫‪88‬‬
‫بل إنه أخذ يذكره بأقواله ال تي يكف ر فيه ا من وق ع في نفس م ا وق ع في ه ابن‬
‫حجر‪ ،‬فقال‪( :‬واعلم يا من تريد معرفة الحق أن ابن باز ال يخفى عليه أن نفي العل و‬
‫كفر وردة‪ ،‬فقد قال في شرحه للحموية‪( :‬من أنكر أن هللا في الس ماء أو أن هللا ف وق‬
‫الع رش فق د كف ر‪..‬ه ذا إجم اع أه ل الس نة والجماع ة)‪ ..‬وق ال في ش رحه لكش ف‬
‫الشبهات‪( :‬الحاصل أن اإلنسان إذا أتى بكفر قولي أو فعلي أو قلبي من ش ك ونح وه‬
‫كفر حتى لو قال أنا أشهد أن ال إله إال هللا لكن عندي شك ه ل الجن ة ح ق‪ ..‬أو ش ك‬
‫في أن هللا في السماء أو فوق العرش أو م ا ه و ف وق الع رش يكف ر ألن ه مك ذب هلل‬
‫ولرس وله)‪ ،‬وق ال أيض ا في فت وى ص وتية ل ه لم ا س ئل عن‪ :‬حكم من خ دم الس نة‬
‫وشرح كتب السنة‪ ،‬لكنه أنكر صفة من صفات هللا كالعلو؟ فقال ابن باز‪ :‬هذا مك ذب‬
‫بالقرآن! من يقل إن هللا في كل مكان فهو يكذب بالقرآن‪ ،‬هللا تعالى يق ول‪﴿ :‬ال َّرْح َم ُن‬
‫َع َلى اْلَع ْر ِش اْسَتَو ى ﴾ [طه‪ ]5 :‬هذا مكذب بالقرآن‪ .‬ثم سئل‪ :‬هل يكفر بعين ه؟ فق ال‪:‬‬
‫ما فيه شك! بعينه)(‪)1‬‬
‫وهكذا أخذ يذكره بما يقتضيه الوالء والبراء من مواقف‪ ،‬فق ال‪( :‬وابن ب از ال‬
‫يخفى عليه أن الرجل ال يصير سنيا حتى يعتقد السنة ويتبرأ ممن خالفها من الفرق‪،‬‬
‫فقد قال كما في فتوى له ولمن معه في اللجنة‪( :‬من كان ي دعو إلى كت اب هللا تع الى‬
‫وإلى م ا ثبت عن رس ول هللا ‪ ‬من األح اديث ويعم ل ب ذلك في نفس ه‪ ،‬وينك ر م ا‬
‫خالف ذلك ويجتهد في إزالة ما أحدث من البدع‪ ،‬ويتعاون م ع أه ل الس نة وي واليهم‬
‫ويعادي أهل البدع وينكر عليهم ما ابتدعوه في اإلسالم على بينة وبصيرة ‪ -‬فهو من‬
‫أهل السنة والجماعة)‪ ،‬وم ع ه ذا كل ه ف ابن حج ر عن ده وعن د أص حابه (من كب ار‬
‫علماء المسلمين الذين نفع هللا األمة بعلمهم فرحمهم هللا رحمة واسعة)(‪)2‬‬
‫ثم ختم حديثه في الرد على موقف ابن ب از من ابن حج ر بقول ه‪( :‬ومن نظ ر‬
‫إلى الفتوى السابقة بعين اإلنصاف مع علمه بم ا ك ان علي ه الس لف الص الح ع رف‬
‫مباينة القوم لطريقة األولين وسلوكهم لمنهج مح دث جدي د في الحكم على أص حاب‬
‫البدع الكبرى المخالفين بين السلف والخلف)(‪)3‬‬
‫الموقف الثاني‪ :‬الموقف السلفي الخفي‪:‬‬
‫وهو ـ كما رأين ا في الموق ف الس ابق ـ موق ف متن اقض م ع نفس ه‪ ،‬وم ع م ا‬
‫يصرح به في كتبه‪ ،‬بل مع نسبته السلفية نفسها‪ ،‬ذلك أنه بينما يصرح ـ مثلم ا رأين ا‬
‫من ابن باز ـ بالكفر العيني لكل من ينك ر الجه ة‪ ،‬أو ي ؤول االس تواء‪ ،‬أو ي ؤول م ا‬
‫يسميه الصفات ويعطلها‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬ومع كون ابن حجر فع ل ذل ك مثل ه مث ل أك ثر‬
‫شراح الحديث إال أنهم لم يستطيعوا أن يصرحوا بتكفيره‪ ،‬خشية من أن يتهموا بأنهم‬
‫يرجعون إلى كفرة ال يؤمنون بإسالمهم‪ ،‬وخشية على س معتهم من أن ت دنس بتهم ة‬
‫التكفير‪.‬‬

‫‪ )(1‬من مخالفات الخلف لما كان عليه السلف‪ ،‬ص‪.35‬‬


‫‪ )(2‬من مخالفات الخلف لما كان عليه السلف‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪ )(3‬من مخالفات الخلف لما كان عليه السلف‪ ،‬ص‪.37‬‬

‫‪89‬‬
‫وهذا عجيب جدا‪ ،‬ويدل على المكاييل المزدوج ة للعق ل الس لفي‪ ،‬وإال فكي ف‬
‫يمكن أن نصف قانونا من القوانين بالعدالة‪ ،‬وهو يضع العقوبات لج رائم واح دة‪ ،‬ثم‬
‫يطبقها على قوم‪ ،‬ويستثني منها قوما‪ ،‬بل يكرمهم‪ ،‬ويثني عليهم‪ ،‬وال يج يز الح ديث‬
‫فيهم‪.‬‬
‫إن هذا يصدق عليه بجدارة قوله ‪( :‬إنما أهل ك ال ذين قبلكم‪ ،‬أنهم ك انوا إذا‬
‫سرق فيهم الشريف تركوه‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)(‪)1‬‬
‫ولذلك فإن هذا النوع من السلفيين مطالب بأحد أمرين‪:‬‬
‫أولهما‪ ،‬وهو األحسن والمستحب‪ ،‬بل الواجب‪ ،‬وهو إزالة تلك الق وانين ال تي‬
‫على أساسها كفروا األمة‪ ،‬والتراجع عنه ا‪ ،‬وتخطئ ة س لفهم‪ ،‬وأولهم ابن تيمي ة‪ ،‬في‬
‫اعتمادها‪ ،‬ليصبحوا كسائر المسلمين‪ ،‬لهم أن يعتقدو ما يشاءون‪ ،‬وي تركون الحري ة‬
‫لغيرهم ليعتقد ما يشاء‪.‬‬
‫والثاني‪ ،‬أن يضموا ابن حجر والنووي وغيرهما إلى س ائر من كف روهم من‬
‫الجهمية والمعطلة‪ ،‬ألن سنة هللا تعالى في عباده واحدة‪ ،‬وال يصح أن يطبقوه ا على‬
‫قوم ويتركوا غيرهم‪ ،‬خاصة وأنهم يذكرون أنهم يعتقدون بالوالء وال براء‪ ،‬وأن من‬
‫لم يكفر الكافر كافر‪.‬‬
‫خاصة وأن ابن حجر ال يكتفي بتلك العقائد التي يسمونها عقائد الجهمي ة‪ ،‬ب ل‬
‫يض م إليه ا موقف ا س لبيا متش ددا من ابن تيمي ة‪ ،‬ومن بعض أه ل الح ديث ال ذين‬
‫يقدسونهم‪ ،‬فقد قال في ابن تيمية‪( :‬ثم نسب أصحابه إلى الغلو فيه واقتضى لـه ذل ك‬
‫الُعجب بنفسه حتى زهى على أبناء جنس ه واستش عر أن ه مجته د‪ ،‬فص ار ي رد على‬
‫صغير العلماء وكبيرهم قديمهم وح ديثهم‪ ،‬ح تى انتهى إلى ُعم ر فخّط أه في ش يء‪،‬‬
‫فبلغ ذلك الشيخ إبراهيم الرقى فأنكر عليه ف ذهب إلي ه واعت ذر واس تغفر‪ ،‬وق ال في‬
‫ح ق علّي أخط أ في س بعة عش ر ش يئًا‪ ..‬وك ان لتعص به لم ذهب الحنابل ة يق ع في‬
‫األشاعرة حتى أنه سب الغزالي فقام عليه ق وم ك ادوا يقتلون ه‪ ..‬واف ترق الن اس في ه‬
‫شيعا فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية والواس طية وغيرهم ا‬ ‫ً‬
‫من ذلك كقوله أن الي د والق دم والس اق والوج ه ص فات حقيقي ة هلل وأن ه مس تو على‬
‫العرش بذاته فقيل ل ه يل زم من ذل ك التح يز واالنقس ام فق ال أن ا ال أس لم أن التح يز‬
‫واالنقسام من خواص األجسام فألزم بأنه يقول بتحيز في ذات هللا‪ ،‬ومنهم من ينس به‬
‫إلى الزندقة لقوله أن النبي ‪ ‬ال يستغاث به وأن في ذلك تنقيص اً ومنع اً من تعظيم‬
‫الن بي ‪ ..‬ومنهم من ينس به إلى النف اق لقول ه في علي م ا تق دم ولقول ه أن ه ك ان‬
‫مخذوالً حيث ما توجه وأنه ح اول الخالف ة م راراً فلم ينله ا وإنم ا قات ل للرياس ة ال‬
‫للديانة ولقوله أنه كان يحب الرياسة‪ ..‬ف ألزموه بالنف اق لقول ه ‪( :‬وال يبغض ك إال‬
‫منافق)‪ ..‬ونسبه قوم إلى أن ه يس عى في اإلمام ة الك برى فإن ه ك ان يلهج ب ذكر ابن‬
‫تومرت ويطريه فكان ذلك مؤكـداً لطول سجنه وله وق ائع ش هيرة وك ان إذا حوق ق‬
‫وألزم يقول لم أر هـذا إنما أردت كذا في ذكر احتم االً بعيـداً ق ال وك ان من أذكيـاء‬
‫‪ )(1‬رواه البخاري (‪)3733‬‬

‫‪90‬‬
‫عظيمة‪)1( )..‬‬ ‫العالم وله في ذلك أمـور‬
‫كم ا أن ه يمكن اعتب اره ـ بحس ب الش يخ محم د بن عب د الوه اب وتالمي ذه ـ‬
‫قبوري ا‪ ،‬فق د رّد بش دة على ابن تيمي ة في مس ألة زي ارة رس ول هللا ‪ ‬في كتاب ه‬
‫(اإلنارة بطرق حديث الزيارة)‪ ،‬وانتصر للقبور التي يعتبرها السلفية أوثانا‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك انهيار عقيدة الوالء والبراء عنده ـ بحسب المنهج السلفي ـ‬
‫ففي ال وقت ال ذي ي ؤنب في ه ابن تيمي ة ويقرع ه ويكتب علي ه ن رى في ه مي وال إلى‬
‫الشخصيات الشيعية التي واجهها ابن تيمي ة‪ ،‬وهي شخص ية ابن مطه ر الحلي‪ ،‬فق د‬
‫ق ال في [لس ان الم يزان] عن ابن تيمي ة‪( :‬وجدت ه كث ير التحام ل إلى الغاي ة في رد‬
‫األح اديث ال تي يورده ا ابن المطه ر وإن ك ان معظم ذل ك من الموض وعات‬
‫والواهيات‪ ،‬لكنه رد –في رّد ه– كثيرًا من األحاديث الجياد ال تي لم يستحض ر حال ة‬
‫التصنيف مظانها‪ ،‬ألنه كان التساعه في الحفظ يتكل على ما في ص دره‪ .‬واإلنس ان‬
‫عامد للنسيان‪ .‬وكم من مبالغة لتوهين كالم الرافضي‪ ،‬أّد ته أحيان ًا إلى تنقيص علي)‬
‫(‪)2‬‬
‫ويقول في ترجم ة ابن مطه ر مثني ا علي ه‪( :‬الحس ين بن يوس ف بن المطه ر‬
‫الحلي‪ :‬عالم الش يعة وإم امهم ومص نفهم‪ .‬وك ان آي ة في ال ذكاء ش رح مختص ر بن‬
‫الحاجب شرحَا جّيدًا سهل المآخذ‪ ،‬غايًة في اإليضاح‪ .‬واشتهرت تصانيفه في حياته‪.‬‬
‫وه و ال ذي رد علي ه الش يخ تقي ال دين بن تيمي ة في كتاب ه المع روف ب الرد على‬
‫الرافض ي [م ع أن اس م الكت اب ه و منه اج الس نة النبوي ة في ال رد على الش يعة‬
‫والقدرية‪ ،‬ومع ذلك لم يسمه به ذا االس م تنقيص ا ل ه]‪ ،‬وك ان ابن المطه ر‪ ،‬مش تهر‬
‫الذكر وحسن األخالق‪ ،‬ولما بلغه بعض كتاب ابن تيمية قال‪( :‬لو كان يفهم ما أقول‪،‬‬
‫أجبته) (‪)3‬‬
‫لكن هذا النوع من السلفية مع ذلك لم يس كت علي ه‪ ،‬ب ل كتب الكتب في بي ان‬
‫مخالفاته للعقيدة التي يعتقدونها‪ ،‬وردوا عليها ردودا هادئة جدا‪ ،‬م ع ك ونهم تع املوا‬
‫مع من هو دونها بشدة وعنف‪.‬‬
‫ومن تل ك الكتب ال تي لقيت قب وال كب يرا‪ ،‬ونح اول أن نع رض هن ا بعض‬
‫مواقفها ليكون نموذجا لغيرها كتاب [التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري]‬
‫من تأليف علي بن عبد العزيز بن علي الشبل‪ ،‬وقد قرظه مشايخ الس لفية الكب ار من‬
‫أمثال عبد العزيز بن باز وص الح الف وزان وعب د هللا بن عقي ل وعب د هللا بن م نيع‪،‬‬
‫وغيرهم‪ ،‬وهو في أصله إكمال لما بدأه الشيخ عبد العزي ز بن ب از على فتح الب اري‬
‫بإشارته ومتابعته ومراجعته وقراءته‪.‬‬
‫ونحب قبل أن نورد م ا أورده ص احب الكت اب من تعليق ات على ابن حج ر‪،‬‬
‫ومواقفه منه‪ ،‬أن نستعرض ما ذكره بعض المشايخ المقرظين حول قيم ة ابن حج ر‬
‫‪ )(1‬الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (‪)179 /1‬‬
‫‪ )(2‬لسان الميزان (‪)319 /6‬‬
‫‪ )(3‬لسان الميزان (‪)317 /2‬‬

‫‪91‬‬
‫عندهم‪ ،‬وهي ما جعلتهم يحسبون ألف حساب للحكم بتكفيره كما حكموا على أمثاله‪،‬‬
‫فقد قال الشيخ عبد هللا بن محمد الغنيمان في تقريظه للكتاب‪ ..( :‬إن من أصح الكتب‬
‫المصنفة في اإلسالم وأجمعها وأحسنها تبويبًا واستنتاجًا كتاب اإلمام البخاري‪ ،‬وق د‬
‫ع رف بش دة تمس كه بكت اب هللا تع الى وس نة نبي ه ‪ ‬وترس مه طريق ة الص حابة‬
‫وأتباعهم‪ ،‬فلم يضع في كتاب ه م ا يخ الف نهجهم‪ .‬وق د اعت نى العلم اء بش رح كتاب ه‬
‫وتقريبه وبيان ما اش تمل علي ه من العلم والفوائ د‪ ،‬وأعظم ش روحه وأكثره ا فوائ د‬
‫شرح الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقالني رحم ه هللا‪ ،‬وه ذا معل وم ل دى أه ل‬
‫العلم‪ ،‬غير أنه أدخل فيه من مسائل المتكلمين وتأويالتهم لص فات رب الع المين م ا‬
‫شان كتابه)(‪)1‬‬
‫وهكذا أصبحت تلك التأويالت والتعطيالت التي أقام عليها الس لفية ال دنيا ولم‬
‫يقعدوها هينة لينة سهلة يترحم على صاحبها للمصلحة المرتبطة به في نفس ال وقت‬
‫الذي تقام المحاكم من أج ل مخالف ات مثله ا أو أق ل منه ا‪ ..‬وه ذا من تن اقض العق ل‬
‫السلفي ومزاجيته التي تجلت في كل مواقفه ابتداء من التصحيح المزاجي لألحاديث‬
‫وتضعيفها‪ ،‬وانتهاء بالحكم باإليمان أو الكفر على من شاء ومتى شاء وكيف شاء‪.‬‬
‫ومن األمثلة على تل ك النص وص ال تي قاله ا ابن حج ر‪ ،‬ولم يكف ر به ا‪ ،‬م ع‬
‫تكفيرهم لغيره فيها مواقفه من االستواء‪ ،‬كقوله في [هدي الساري ]‪( ،‬قوله (استوى‬
‫على العرش) هو من المتشابه الذي يفوض علم ه إلى هللا تع الى‪ ،‬ووق ع تفس يره في‬
‫األصل)(‪)2‬‬
‫وقد علق عليه الشبل بقوله‪( :‬هذا ليس صحيحًا؛ إذ نص وص الص فات ومنه ا‬
‫آيات االستواء من النصوص المحكم ة المعلوم ة المع نى والمعقول ة الم راد‪ ،‬وإنم ا‬
‫ُيفوض إلى هللا تعالى كيفياتها وحقائقها التي هي عليه‪ ،‬كما هو مذهب س لف األم ة‪..‬‬
‫هذا وليس المتشابه من القرآن ما ال يعلم معناه إال هللا‪ ،‬كما يقوله أه ل التف ويض من‬
‫النفاة‪ ،‬وجرى عليه الحافظ ابن حجر هنا)(‪)3‬‬
‫وقال ابن حجر فيما يسمونه صفة اليد‪ ،‬والتي اعتبروا معطله ا جهمي ا‪( :‬وق ع‬
‫ذكر اليد في القرآن والح ديث مض افًا إلى هللا تع الى‪ ،‬واتف ق أه ل الس نة والجماع ة‬
‫على أنه ليس المراد باليد الجارحة التي هي من صفات المحدثات‪ .‬وأثبت وا م ا ج اء‬
‫من ذلك وآمنوا به؛ فمنهم من وقف ولم يتأول‪ ،‬ومنهم من حم ل ك ل لف ظ منه ا على‬
‫المعنى الذي ظهر له‪ ،‬وهكذا عملوا في جميع ما جاء من أمثال ذلك)(‪)4‬‬
‫وقد علق عليه الشبل بقوله‪( :‬الواجب إثبات اليدين حقيق ة على الوج ه الالئ ق‬
‫باهلل عز وجل حقيق ة من غ ير تك ييف وال تمثي ل‪ ،‬ومن غ ير تحري ف وال تعطي ل‪،‬‬
‫وعلى هذا اتفق أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح‪ ،‬أما التوق ف عن اإلثب ات‬

‫التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫هدي الساري‪.143 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري‪ ،‬ص‪.12‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫هدي الساري‪.219 ،‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪92‬‬
‫والتأويل بالتفويض‪ ،‬أو الجنوح للتأوي ل فمس لكا المؤول ة والمفوض ة من األش اعرة‬
‫والماتريدية في باب الصفات‪ ،‬وأهل السنة والجماعة منه براء)(‪)1‬‬
‫وقال تعليقا على ما قال ابن حجر‪( :‬والمراد باليد هنا الق درة)(‪(:)2‬ه ذا تأوي ل‬
‫غير صحيح؛ بل اليد ثابتة هلل عز وجل على حقيقته ا‪ ،‬وهي ص فة ذاتي ة من ص فاته‬
‫تعالى‪ ،‬فالواجب إثبات هذه الص فة على حقيقته ا كم ا يلي ق بجالل هللا وعظمت ه من‬
‫غير تحريف وال تكييف وال تعطيل وال تمثيل كسائر الص فات‪ .‬فكم ا أن هلل ق درة ال‬
‫تشبهها قدرة المخلوقين‪ ،‬فكذلك له يد ال تشبه أيدي المخلوقين‪ ،‬ول ه ص فات ال تش به‬
‫صفاتهم‪ ،‬وإال كان ذلك تفريقًا بين المتماثالت)(‪)3‬‬
‫وهذا الحديث الهادئ المؤدب مع خطورة المسألة خاص ب ابن حج ر‪ ،‬فل و أن‬
‫الذي قال بهذا غيره‪ ،‬لنقل له كل ما ذكره أئم ة الح ديث من كالمهم في معط ل ه ذه‬
‫الصفة‪ ،‬فقد قال ابن خزيمة إمام أئمتهم‪( :‬باب ذكر قصة ثابتة في إثب ات ي د هللا ج ل‬
‫ثناؤه بسنة صحيحة عن النبي ‪ ‬بيانا أن هللا خط التوراة بي ده لكليم ه موس ى‪ ،‬وإن‬
‫رغمت أنوف الجهمية)(‪ ،)4‬ثم ساق النصوص التي ت دل على ه ذه الص فة‪ ،‬واعت بر‬
‫منكرها جهميا معطال كافرا‪.‬‬
‫وقال ابن حجر في تعطيل ما يسمونه صفة الحياء‪( :‬قوله‪( :‬فاس تحيا هللا من ه)‬
‫أي رحمه ولم يعاقبه‪ ،‬قوله‪( :‬فأعرض هللا عنه) أي سخط عليه‪ ،‬وه و محم ول على‬
‫من ذهب معرضًا ال لعذر‪ ،‬هذا إن كان مسلمًا ويحتمل أن يكون منافقًا)(‪)5‬‬
‫وقد علق عليه الشبل بهدوء بقوله‪( :‬يوصف ربنا سبحانه وتع الى باالس تحياء‬
‫واإلعراض كم ا في النص وص الش رعية على وج ه ال نقص في ه؛ ب ل على الوج ه‬
‫الالئق من غير تكييف وال تعطيل وال تحريف وال تمثيل‪ .‬وال يج وز تأويلهم ا بغ ير‬
‫معناهما الظاهر من لوازمه ا وغ ير ذل ك‪ ،‬ب ل ال واجب إثباتهم ا هلل ع ز وج ل على‬
‫الوجه الالئق بجالله وكماله من غير تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل)(‪)6‬‬
‫وقال ابن حجر في نفي الرؤية الحسية هلل تعالى‪ ،‬وهي مما يشنعون ب ه كث يرا‬
‫على المخالفين‪ ،‬ويكفرونهم على أساسه‪( :‬ألن الح ق عن د أه ل الس نة أن الرؤي ة ال‬
‫يشترط لها عقًال عضو مخصوص وال مقابلة وال قرب)(‪)7‬‬

‫ومع خطورة المسألة من الناحية العقدية السلفية إال أنه من ب اب المص لحة لم‬
‫يشنع عليه‪ ،‬بل قال له به دوء‪( :‬ب ل رؤي ة الب اري س بحانه في ال دار اآلخ رة حقيق ة‬
‫بمقابلة ولقاء ورؤية وهو في عل وه س بحانه وتع الى كم ا ق ال‪َ﴿ :‬تِح َّيُتُهْم َي ْو َم َيْلَقْو َن ُه‬
‫َس الٌم ﴾‪ ،‬مع قطع االستشراف عن كيفي ة تل ك الرؤي ة‪ ،‬أو تش بيه الم رئي ب المخلوق‪.‬‬
‫التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري‪ ،‬ص‪.12‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫فتح الباري‪.1/419 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التوحيد البن خزيمة (‪)126 /1‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫فتح الباري‪.1/189،‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫فتح الباري‪.1/613،‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫‪93‬‬
‫وباطل)(‪)1‬‬ ‫ونفي المقابلة والقرب بال دليل صحيح – ما فيه من اإلجمال – خطأ‬
‫هك ذا بك ل بس اطة‪ ..‬مج رد خط أ وباط ل‪ ..‬ولكن ل و ك ان غ يره لق ال‪ :‬كف ر‬
‫وضالل ومعارضة للقرآن الكريم‪ ..‬وأتي له بكل ما قال سلفهم من شتائم وسباب‪.‬‬
‫وهكذا قال تعليقا على ما ق ال ابن حج ر‪( :‬ومع اذ هللا أن يك ون هلل جارح ة‪)..‬‬
‫(‪( :)2‬نفي الجارح ة عن هللا من النفي المجم ل ال ذي لم ي رد ب ه دلي ل ش رعي‪،‬‬
‫واالستفصال في ه أن ُيق ال‪ :‬إن ك ان الم راد بالجارح ة‪ ،‬كم ا للمخل وق من أعض اء؛‬
‫فالنفي حق وُيعَّبر عن ه بم ا في الق رآن ﴿َلْيَس َك ِم ْثِل ِه َش ْي ٌء ﴾‪ ..‬وإن ك ان الم راد بنفي‬
‫الجارحة نفي اليد عن هللا أو نفي الصفات‪ ،‬ف النفي والحال ة ه ذه باط ل‪ ،‬والب د‪ .‬ففي‬
‫باب النفي البد من التوقيف فال تنفي عن هللا إال ما نفاه عن نفسه أو نفاه عن رس وله‬
‫‪ ‬كما في باب اإلثبات)(‪)3‬‬
‫وقال تعليقا على ما قال ابن حجر‪( :‬ومن بعد ذلك لزي ارة ق بره ‪ ‬والص الة‬
‫في مسجده والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه)(‪( :)4‬زيارة القبر إذا احتاجت إلى‬
‫سفر مشروعة تبع ًا ال اس تقالًال‪ ،‬فال يج وز الَّس فر لقص د زي ارة الق بر‪ ،‬وإنم ا تش د‬
‫الرحال لزيارة المساجد الثالثة فقط‪ .‬والتبرك بالمشاهد واآلثار بدعة منكرة‪ ،‬ووسيلة‬
‫إلى الشرك)(‪)5‬‬
‫ولو أن الذي قال هذا كان غير ابن حجر العتبر قبوريا مشركا ش ركا جلي ا‪..‬‬
‫ولكن هللا رحم ابن حجر بكتاب ه فتح الب اري‪ ،‬ول واله لك ان اآلن في جهنم الس لفيين‪،‬‬
‫وفي سجالت تكفيرهم‪.‬‬
‫وقال ردا على ما ذكره ابن حجر‪( :‬اختلف في ك ون الخل وف أطيب عن د هللا‬
‫من ريح المس ك م ع أن ه س بحانه وتع الى م نزه عن اس تطابة ال روائح‪ ،‬إذ ذاك من‬
‫صفات الحيوان‪ ،‬ومع أنه يعلم الشيء على ما هو عليه)(‪( :)6‬هذا وما قبل ه ت أويالت‬
‫متكلف ة ال م برر له ا‪ ،‬وخ روج باللف ظ عن حقيقت ه‪ .‬واالس تطابة لرائح ة خل وف فم‬
‫الصائم من جنس س ائر الص فات العلى يجب اإليم ان به ا م ع ع دم مماثل ة ص فات‬
‫المخلوقين‪ ،‬وم ع ع دم التكل ف بتأويله ا ب آراء العق ول ومس تبعدات النق ول‪ ،‬وال ذي‬
‫يفضي بها إلى تعطيلها عن هللا)(‪)7‬‬
‫وقال ردا على قول ابن حج ر بخل ق الق رآن على حس ب الرؤي ة األش عرية‪:‬‬
‫(قوله (أحدث األخبار باهلل) أي أقربها نزوًال إليكم من عند هللا ع ز وج ل‪ ،‬فالح ديث‬
‫بالنسبة إلى المنزول إليهم‪ ،‬وهو في نفسه قديم)(‪( :)8‬هذا الموض ع في ه إيه ام يتعل ق‬

‫التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫فتح الباري‪.3/541 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫فتح الباري‪.4/112 ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري‪ ،‬ص‪.16‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫فتح الباري‪.4/127 ،‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري‪ ،‬ص‪.17‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫فتح الباري‪.5/345 ،‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫‪94‬‬
‫بصفة الكالم هلل عز وج ل‪ ،‬ويحت اج إلى تفص يل‪ :‬ف إن ك ان الم راد أن ه مع نى ق ديم‬
‫نفسي‪ ،‬فهذا قول األشاعرة بأن القرآن مع نى نفس ي ق ائم باهلل‪ ..‬وإن ك ان جبري ل لم‬
‫يسمعه من هللا وإنما تلقاه من غيره‪ :‬من اللوح أو الهواء أو اللطيفة فهو باطل أيض ًا‪.‬‬
‫وهو ق ول األش اعرة والمتكلمين لينف وا أن يك ون الكالم مس موعًا‪ .‬وه و راج ع إلى‬
‫االحتمال األول‪ :‬بأن الكالم معنًى قديٌم نفسٌّي ‪ ..‬وإن أراد أنه قديم بمع نى أن هللا كتب ه‬
‫في اللوح المحفوظ وسبق به علمه سبحانه ثم أنزله منجمًا حسب الحوادث‪ ،‬وس معه‬
‫جبريل من هللا‪ .‬فهذا حق وصواب)(‪)1‬‬
‫هكذا بكل هدوء حاول أن يجد المبررات لكالم ه م ع علم ه بك ون ابن حج ر‬
‫أشعريا‪ ،‬ومع وضوح كالمه‪ ،‬لكن لو كان غيره هو الذي قال هذا الكالم لنقل له ك ل‬
‫م ا ذكرن اه من تكف يرات ابن حنب ل وابن الج راح وابن عيني ة‪ ..‬ولط الب باس تتابته‬
‫وقتله‪.‬‬
‫وقال تعليقا على نفي ابن حج ر للعل و ال ذي على أساس ه كف روا الجهمي ة(‪:)2‬‬
‫(هذا جنوح إلى الق ول بعل و القه ر وعل و الش رف‪ .‬وه و الوص ف ب العلو من جه ة‬
‫المعنى‪ ،‬دون علو الذات الذي أحاله الحافظ حسًا‪ ،‬والحق أن هلل العلو التام ذاتًا وقدرًا‬
‫وقهرًا‪ ،‬وهو ما تواترت به نصوص الش ريعة ت واترًا قطعي ًا من وج وه كث يرة ج دًا‬
‫تفوق الحصر)(‪)3‬‬
‫مع العلم أن هذه المسألة من المكف رات ال تي لم يتن ازل الس لفية عنه ا‪ ،‬وعلى‬
‫أساسها كفروا تكفيرا عينيا كل من أنكرها‪ ،‬فقد قال ابن خزيمة‪( :‬من لم يق ل ب أن هللا‬
‫فوق سمواته‪ ،‬وأنه على عرش ه‪ ،‬ب ائن من خلق ه‪ ،‬وجب أن يس تتاب‪ ،‬ف إن ت اب وإال‬
‫ضربت عنقه‪ ،‬ثم ألقي على مزبلة لئال يتأذى بنتن ريحه أهل القبلة وال أهل الذم ة)‪،‬‬
‫وقال‪( :‬من لم يقر بأن هللا على عرشه قد استوى‪ ،‬فوق سبع سمواته فهو ك افر حالل‬
‫الدم‪ ،‬وكان ماله فيئا)(‪)4‬‬
‫وق د نق ل ابن تيمي ة اإلجم اع على م ا قال ه ابن خزيم ة‪ ،‬حيث ق ال في (درء‬
‫تعارض العقل والنقل)‪( :‬وجواب هذا أن يقال القول بأن هللا تعالى فوق العالم معل وم‬
‫باالضطرار من الكتاب والس نة وإجم اع س لف األم ة‪ ..‬وله ذا ك ان الس لف مطبقين‬
‫على تكفير من أنكر ذلك‪ ،‬ألنه عندهم معلوم باالضطرار من الدين)(‪)5‬‬
‫بل إن اللجنة الدائمة للفتوى نفسها‪ ،‬وبرئاسة ابن ب از أفتت به ذا في مواض ع‬
‫كثيرة منها أنه ا أج ابت عن س ؤال يق ول ص احبه‪( :‬في ه ذه القري ة مس جد‪ ..‬ولكن‬
‫لألسف ف إن إم ام ه ذا المس جد يعتق د عقي دة فاس دة وحلولي ة‪ ،‬يعتق د أن هللا في ك ل‬

‫‪ )(1‬التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري‪ ،‬ص‪.17‬‬


‫‪ )(2‬النص هو قول ابن حجر في الفتح ‪( :6/158‬فناسب تنزي ه هللا عن ص فات االنخف اض كم ا ناس ب تكب يره عن د‬
‫األماكن المرتفعة‪ ،‬وال يلزم من كون جهتي العلو والس فل مح ال على هللا أال يوص ف ب العلو؛ ألن وص فه ب العلو من‬
‫جهة المعنى‪ ،‬والمستحيل كون ذلك من جهة الحس)‬
‫‪ )(3‬التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫‪ )(4‬انظر درء تعارض العقل والنقل ‪.264 /6‬‬
‫‪ )(5‬درء تعارض العقل والنقل (‪)7/27‬‬

‫‪95‬‬
‫مكان‪ ..‬غلبتني نفس ي ح تى تناقش ت م ع إم ام ه ذا المس جد وط رحت علي ه األدل ة‬
‫وال براهين ب أن هللا في الس ماء مس تو على عرش ه وفي ه ذا إذ النكي ف والنمث ل‪..‬‬
‫وكذلك ذكرت له ليلة اإلسراء والمعراج وذكرت له ح ديث الجاري ة‪ ،‬ولم يقتن ع ب ل‬
‫ظل في عتوه وعقيدته هذه)‪ ،‬فأجابت أكبر هيئة س لفية للفت وى بقوله ا‪( :‬إنهم كف ار‪،‬‬
‫وال تجوز الصالة خلفهم وال تصح)(‪)1‬‬
‫وقال الشبل تعليقا على تأويل ابن حجر نسبة الصورة هلل(‪( :)2‬الص واب ع ود‬
‫الضمير على الرحمن كما جاء مصرحًا به في روايات صحيحة‪ ،‬والمقص ود إثب ات‬
‫الصورة هلل وآلدم كٌل على ما يلي ق ب ه‪ .‬وق د بس ط الكالم على المس ألة وبي ان ع ود‬
‫الضمير على هللا أبو العباس ابن تيمية في بيات تل بيس الجهمي ة في تأس يس ب دعهم‬
‫الكالمية بسطًا شافيًا)(‪)3‬‬
‫ولو أن الذي قال هذا غيره لنقل له ما ق ال الش يخ حم ود بن عبدهللا بن حم ود‬
‫التويجري في الصورة‪ ،‬وفي تكفير كل من أنكرها‪ ،‬في كتاب ه العظيم [عقي دة أه ل‬
‫اإليمان في خلق آدم على صورة الرحمن]‪ ،‬ومن ذلك قوله ـ عند ذكره دوافع ت أليف‬
‫كتابه ـ‪( :‬وال يزال القول بمذهب الجهمي ة مس تمرا إلى زمانن ا‪ .‬وق د رأيت ذل ك في‬
‫بعض مؤلفات المعاصرين وتعليقاتهم الخاطئة‪ .‬وذك ر لي عن بعض المنتس بين إلى‬
‫العلم أنه ألقى ذلك على الطلب ة في بعض المعاه د الكب ار في مدين ة الري اض‪ .‬ولم ا‬
‫ذكر له بعض الطلبة قول أهل السنة أعرض عنه وأصر على قول الجهمي ة‪ .‬عافان ا‬
‫هللا وسائر المسلمين مما ابتاله به)(‪)4‬‬
‫لكن بم ا أن ابن حج ر ه و ال ذي ق ال ه ذا‪ ،‬فق د عفي عن ه‪ ،‬وتس اهلوا مع ه‪..‬‬
‫ولست أدري كيف‪ ،‬وال بأي نص‪ ،‬وال بأي عذر‪.‬‬
‫وقال الش بل ردا على تأوي ل ابن حج ر للخل ة (‪( :)5‬إطالق الخل ة وهي أعلى‬
‫درجات المحبة على هللا صحيح وعلى الحقيقة الالئقة باهلل‪ ،‬كم ا في ص ريح الق رآن‬
‫والسنة‪ .‬وهي صفة ثابتة الئقة باهلل ال تستلزم تشبيهًا وال تمثيًال‪ ،‬بل هلل خلة الئق ة ب ه‬
‫كما أن له سمعًا وبصرًا وحياة تليق ب ه‪ .‬ونفي الخل ة عن هللا ه و ق ول الجهمي ة عن‬
‫الجعد‪ ،‬كما قال ابن القيم‪:‬‬
‫إذا قال إبراهيُم ليس خليله‬ ‫خالُد‬ ‫وألجل ذا ضحى بجعد‬
‫شكر الضحية كُّل صاحب سنة‪ ...‬قسرُّي يوم ذبائح القربان‬
‫كال وال موسى الكليم الداني هلل درك من أخي قربان)(‪)6‬‬
‫وإيراد الشبل لهذه األبيات هن ا من عج ائب التناقض ات‪ ،‬فكي ف يس تحلون دم‬
‫‪ )(1‬فتاوى اللجنة الدائمة (‪)365 /7‬‬
‫‪ )(2‬حيث قال في فتح الباري‪( :6/422 ،‬وهذه الرواية تؤيد قول من ق ال‪ :‬إن الض مير آلدم‪ ،‬والمع نى أن هللا تع الى‬
‫أوجده على الهيئة التي خلقه عليها)‬
‫‪ )(3‬التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪ )(4‬عقيدة أهل اإليمان في خلق آدم على صورة الرحمن ‪.)6 /1‬‬
‫‪ )(5‬ق ال ابن حج ر في الفتح ‪( :6/448‬وأم ا إطالق ه في ح ق هللا تع الى فعلى س بيل المقابل ة‪ ،‬وقي ل‪ :‬الخل ة أص لها‬
‫االستصفاء‪ ،‬وُسمي بذلك ألنه يوالي ويعادي في هللا تعالى‪ ،‬وخلة هللا له نصره وجعله إمامًا)‬
‫‪ )(6‬التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري‪ ،‬ص‪.24‬‬

‫‪96‬‬
‫ام رئ مس لم من أج ل مقول ة يقبلونه ا من غ يره‪ ،‬ب ل يثن ون علي ه‪ ،‬ويثق ون في ه‪..‬‬
‫ولألسف فإن الجعد بن درهم لم يؤلف كتاب فتح الباري‪ ،‬وإال فإنه لو كان ألفه لك ان‬
‫الذم متوجها إلى خالد القسري ال إليه‪..‬‬
‫هذه نماذج عن الكيل بالمكاييل المزدوج ة في التكف ير‪ ،‬وق د رأين ا في مح ال‬
‫مختلف ة أنهم يس تعملون لك ل ش يء موازين ه الخاص ة‪ ..‬وله ذا ف إن االض طراب‬
‫والتشتت والالعقالنية أكبر ما يميز العقل السلفي والتراث السلفي واإلنسان السلفي‪.‬‬
‫‪2‬ـ التكفير بسبب الوقوع في نواقض اإليمان فقهية‪:‬‬
‫ذكرنا في كتاب [التراث السلفي تحت المجه ر] أن ال تراث الس لفي لم يكت ف‬
‫بوضع المس ائل النظري ة فق ط في الج انب العق دي‪ ،‬وإنم ا أض اف إليه ا الكث ير من‬
‫المسائل العملية‪ ،‬والتي ترتبط بالفقه‪ ،‬كمسح الخفين‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫ومن تلك المسائل التي أوالها السلفية ـ وخاص ة أتب اع الش يخ محم د بن عب د‬
‫الوهاب ـ اهتماما كبيرا‪ ،‬وكفروا األمة على أساسها‪ ،‬ما يرتبط بتعظم رسول هللا ‪‬‬
‫والصالحين والتوسل والتبرك بآثارهم وزيارة قبورهم ونحو ذلك‪.‬‬
‫والتي حولها السلفية من قضايا فرعية فقهية ـ مختلف فيها في أحسن األحوال‬
‫ـ إلى قضايا أصلية عقدية يعتبر مشركا شركا جليا كل من أقر ذلك أو فعله أو سكت‬
‫عمن فعله‪.‬‬
‫وقد سئلت اللجنة الدائمة للفتوى برئاس ة ابن ب از ه ذا الس ؤال‪( :‬يق ول بعض‬
‫العلماء (إن التوسل قضية فقهية ال قض ية عقي دة) كي ف ذل ك؟)‪ ،‬فأج ابت‪( :‬التوس ل‬
‫إلى هللا في الدعاء بجاه الرسول ‪ ‬أو ذاته أو منزلته غير مشروع؛ ألنه ذريعة إلى‬
‫الشرك‪ ،‬فكان البحث فيه لبيان ما هو الحق من مباحث العقيدة‪ ،‬وأما التوس ل إلى هللا‬
‫بأسمائه جل شأنه وبصفاته وباتباع رسوله والعم ل بم ا ج اء ب ه من عقي دة وأحك ام‬
‫فهذا مشروع)(‪)1‬‬
‫بناء على هذا سنسوق هنا بعض النصوص الواضحة في تكفير الش يخ محم د‬
‫بن عبد الوهاب لألمة جميعا فيم ا يتعل ق به ذا الن وع من المس ائل‪ ،‬ذل ك أن البعض‬
‫ممن ال يقرؤون‪ ،‬أو ال يستعملون عقولهم عند الق راءة يج ادلون في ذل ك ويش نعون‬
‫على من يقول به‪.‬‬
‫فقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في [كشف الش بهات]‪( :‬بي ان أن توحي د‬
‫العبادة هو معنى ال إل ه إال هللا وأن الكف ار في زمن ه ‪ ‬ك انوا أع رف بمعناه ا من‬
‫بعض من يدعي اإلسالم وه ذا التوحي د ه و مع نى قول ك (ال إل ه إال هللا) ف إن اإلل ه‬
‫عندهم ه و ال ذي يقص د ألج ل ه ذه األم ور س واء ك ان ملك ا‪ ،‬أو نبي ا‪ ،‬أو ولًّي ا‪ ،‬أو‬
‫شجرة‪ ،‬أو قبرا‪ ،‬أو جنيا لم يريدوا أن اإلله هو الخالق الرازق المدبر‪ ،‬فإنهم يعلمون‬
‫أن ذلك هلل وحده كما قدمت لك‪ .‬وإنما يعنون باإلل ه م ا يع ني المش ركون في زمانن ا‬
‫بلف ظ (الس يد) فأت اهم الن بي ‪ ‬ي دعوهم إلى كلم ة التوحي د وهي (ال إل ه إال هللا)‬
‫والمراد من هذه الكلمة معناه ا ال مج رد لفظه ا‪ .‬والكف ار الجه ال يعلم ون أن م راد‬
‫‪ )(1‬فتاوى اللجنة الدائمة ‪)520 /1( 1 -‬‬

‫‪97‬‬
‫النبي ‪ -  -‬بهذه الكلمة هو (إفراد هللا تعالى) بالتعلق و(الكف ر) بم ا يعب د من دون ه‬
‫والبراءة منه‪ ،‬فإنه لما قال ‪ ‬قولوا (ال إله إال هللا) قالوا ﴿َأَجَعَل اآْل ِلَهَة ِإَلًها َو اِح ًدا ِإَّن‬
‫َهَذ ا َلَش ْي ٌء ُع َج اٌب ﴾ [ص‪ ]5 :‬فإذا ع رفت أن جه ال الكف ار يعرف ون ذل ك‪ ،‬ف العجب‬
‫ممن يدعي اإلسالم وهو ال يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكف رة‪ ،‬ب ل‬
‫يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني‪ .‬والح اذق‬
‫منهم يظن أن معناه ال يخلق وال ي رزق إال هللا وال ي دبر األم ر إال هللا‪ ،‬فال خ ير في‬
‫رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى (ال إله إال هللا)(‪)1‬‬
‫فهذه الكلمات الخطيرة تحوي تصريحات بكفر كل األمة ما ع داهم‪ ،‬ذل ك أن ه‬
‫يعتبر أن كل متوسل أو متبرك بالقبور واألشجار ونحوها مش ركا ش ركا جلي ا‪ ،‬ب ل‬
‫هو يتهم العلماء بذلك الشرك الجلي‪.‬‬
‫بل هو يعتبرهم أعداء يدعو لحربهم بك ل الوس ائل‪ ،‬فيق ول‪( :‬وج وب التس لح‬
‫بالكتاب والسنة لدحض شبهات األعداء إذا عرفت ذلك وعرفت أن الطري ق إلى هللا‬
‫ال بد له من أعداء قاعدين عليه أهل فص احة وعلم وحجج‪ .‬ف الواجب علي ك أن تعلم‬
‫من دين هللا ما يصير سالحا لك تقاتل به هؤالء الش ياطين‪ ..‬ولكن إذا أقبلت على هللا‬
‫وأص غيت إلى حجج هللا والع امي من الموح دين يغلب األل ف من علم اء ه ؤالء‬
‫المشركين كما قال تعالى‪َ﴿ :‬و ِإَّن ُج ْنَدَنا َلُهُم اْلَغاِلُبوَن ﴾ [الص افات‪ ]173 :‬فجن د هللا هم‬
‫الغالبون بالحجة واللسان‪ ،‬كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان)(‪)2‬‬
‫وهو يشير بقوله هذا‪ ،‬وبك ل ص راحة لك ل علم اء عص ره ومن س بقهم ممن‬
‫يقولون بالتوسل والتبرك‪ ..‬يقول الشيخ حسن بن فرحان الم الكي معلق ا على النص‬
‫السابق‪( :‬هذا تكفير واضح لعدد كبير من العلماء ويستحيل في العادة أن يوج د مث ل‬
‫هذا العدد الكبير (ألف) من العلماء الكفار في بلد واحد؛ فاعرف هذا فإن ه مهم وه و‬
‫من أدلة من يتهم الشيخ بتكفير من لم يتبعه!! والشيخ وأتباع ه يقول ون‪ :‬مع اذ هللا أن‬
‫نكفر المسلمين لكن هذا المسلم عند الشيخ له شروط طويلة يختلف فيه ا م ع العلم اء‬
‫قبل العوام وال تكاد تنطبق إال على من يقلده ويتبعه)(‪)3‬‬
‫وبن اء على ه ذا التكف ير المطل ق ن رى ابن عب د الوه اب وأتب اع مس يرته‬
‫التكفيري ة يقت دون ب ه في ذل ك‪ ،‬فيعمم ون التكف ير على ك ل بالد المس لمين م ا ع دا‬
‫بالدهم التي يسكنون فيها والتي يسمونها [بالد التوحيد]‬
‫يق ول الش يخ حس ن بن فرح ان الم الكي مبين ا ت اريخ الوهابي ة بع د ابن عب د‬
‫الوهاب‪( :‬جاء تالميذ الشيخ ومقلدوه رحمهم هللا وسامحهم ليواص لوا التكف ير فق الوا‬
‫بتكف ير من واف ق أه ل بل ده في الظ اهر وإن ك ان ي رى خط أهم ومحب الش يخ في‬
‫الباطن‪ ،‬وتكفير قبائل قحطان والعجمان‪ ،‬وتكفير أهل حايل‪ ،‬وتكف ير من خ رج إلى‬
‫البلدان خارج بلدان الدعوة إذا كان يرى إسالم أهل تلك البلدان‪ ..‬وتكف ير أه ل مك ة‬

‫‪ )(1‬كشف الشبهات (ص‪)8 :‬‬


‫‪ )(2‬كشف الشبهات (ص‪)14 :‬‬
‫‪ )(3‬داعية وليس نبيا‪ ،‬ص‪.99‬‬

‫‪98‬‬
‫اإلباضية‪)1()..‬‬ ‫والمدينة‪ ،‬وتكفير الدولة العثمانية‪ ،‬بل وتكفير من ال يكفرها! وتكفير‬
‫ونحب أن ننق ل هن ا تأكي دا لكالم الم الكي من [ال درر الس نية في األجوب ة‬
‫النجدية]‪ ،‬وهو من مصادر السلفية المعتبرة لتضمنه لرسائل الشيخ ابن عبد الوهاب‬
‫وأبنائه وتالميذه‪ ،‬ما يدل على تكفيرهم لجميع بالد الع الم اإلس المي م ا ع دا بالدهم‬
‫التي يقيمون فيها‪.‬‬
‫ونبدأ ذل ك بتكف يرهم أله ل الح رمين الش ريفين مك ة والمدين ة‪ ،‬فق د ورد في‬
‫الدرر السنية هذا النص الخطير‪( :‬وما ذكرت من جهة الحرمين الشريفين‪ ،‬الحمد هلل‬
‫على فضله وكرمه‪ ،‬حمدا كث يرا كم ا ينبغي أن يحم د‪ ،‬وع ز جالل ه‪ ،‬لم ا ك ان أه ل‬
‫الحرمين آبين عن اإلسالم‪ ،‬وممتنعين عن االنقياد ألمر هللا ورس وله‪ ،‬ومقيمين على‬
‫مثل ما أنت عليه اليوم من الشرك والضالل والفساد‪ ،‬وجب علين ا الجه اد بحم د هللا‬
‫فيما يزيل ذلك عن حرم هللا وحرم رسوله ‪ ‬من غير استحالل لحرمتهما)(‪)2‬‬
‫وهكذا ن راهم يكف رون الدول ة العثماني ة‪ ،‬ويكف رون من توق ف في تكفيره ا‪،‬‬
‫ويكفرون كل من أعانها ووقف معها‪ ،‬ففي [الدرر السنية في األجوبة النجدية] س ئل‬
‫الشيخ عبد هللا بن عبد اللطيف‪ ،‬عمن لم يكفر الدولة [يقصد الدولة العثمانية في ذل ك‬
‫الحين]‪ ،‬ومن ج رهم على المس لمين‪ ،‬واخت ار واليتهم وأن ه يل زمهم الجه اد مع ه؛‬
‫واآلخر ال يرى ذلك كله‪ ،‬بل الدولة ومن جرهم بغاة‪ ،‬وال يحل منهم إال ما يح ل من‬
‫البغاة‪ ،‬وأن ما يغنم من األعراب حرام؟)‪ ،‬فأجاب بقوله‪( :‬من لم يعرف كفر الدول ة‪،‬‬
‫ولم يفرق بينهم وبين البغاة من المسلمين‪ ،‬لم يعرف معنى ال إله إال هللا‪،‬؛ فإن اعتق د‬
‫مع ذلك‪ :‬أن الدولة مسلمون‪ ،‬فهو أشد وأعظم‪ ،‬وهذا هو الشك في كفر من كفر باهلل‪،‬‬
‫وأشرك به؛ ومن ج رهم وأع انهم على المس لمين‪ ،‬ب أي إعان ة‪ ،‬فهي ردة ص ريحة‪.‬‬
‫ومن لم ير الجهاد مع أئمة المسلمين‪ ،‬سواء كانوا أب رارا أو فج ارا‪ ،‬فه و لم يع رف‬
‫العقائد اإلسالمية‪ ،‬إذا اس تقام الجه اد م ع ذوي اإلس الم‪ ،‬فال يبطل ه ع دل ع ادل وال‬
‫جور جائر؛ والمتكلم في هذه المباحث‪ ،‬إما جاه ل فيجب تعليم ه‪ ،‬أو خ بيث اعتق اد‪،‬‬
‫فتجب منافرته ومباعدته)(‪)3‬‬
‫ومثله هذا النص الخطير الذين يوزع التكفير على األم ة جميع ا‪( :‬فال يعص م‬
‫دم العب د ومال ه‪ ،‬ح تى ي أتي به ذين األم رين‪ :‬األول‪ :‬قول ه‪ :‬ال إل ه إال هللا‪ ،‬والم راد‬
‫معناها ال مجرد لفظها‪ ،‬ومعناها هو توحيد هللا بجميع أنواع العب ادة‪ ..‬األم ر الث اني‪:‬‬
‫الكفر بما يعبد من دون هللا‪ ،‬والمراد ب ذلك تكف ير المش ركين‪ ،‬وال براءة منهم‪ ،‬ومم ا‬
‫يعبدون مع هللا‪ .‬فمن لم يكفر المشركين من الدولة التركية‪ ،‬وعباد القبور‪ ،‬كأهل مكة‬
‫وغيرهم‪ ،‬ممن عبد الصالحين‪ ،‬وعدل عن توحيد هللا إلى الشرك‪ ،‬وبّد ل سّنة رس وله‬
‫‪ ‬بالب دع‪ ،‬فه و ك افر مثلهم‪ ،‬وإن ك ان يك ره دينهم‪ ،‬ويبغض هم‪ ،‬ويحب اإلس الم‬
‫والمسلمين؛ فإن الذي ال يكفر المشركين‪ ،‬غير مصدق بالقرآن‪ ،‬فإن الق رآن ق د كف ر‬

‫‪ )(1‬داعية وليس نبيا‪ ،‬ص‪.222‬‬


‫‪ )(2‬الدرر السنية في األجوبة النجدية‪)285 /9( ،‬‬
‫‪ )(3‬الدرر السنية في األجوبة النجدية‪)429 /10( ،‬‬

‫‪99‬‬
‫المشركين‪ ،‬وأمر بتكفيرهم‪ ،‬وعداوتهم وقتالهم ق ال الش يخ محم د بن عب د الوه اب‪،‬‬
‫رحم ه هللا في ن واقض اإلس الم (من لم يكف ر المش ركين‪ ،‬أو ش ك في كف رهم‪ ،‬أو‬
‫صحح مذهبهم‪ ،‬كفر)‪ ،‬وقال ش يخ اإلس الم ابن تيمي ة رحم ه هللا‪( :‬من دع ا علي بن‬
‫أبي طالب‪ ،‬فقد كفر‪ ،‬ومن شك في كفره‪ ،‬فقد كفر‪ ..‬األمر الثالث‪ :‬مما يوجب الجه اد‬
‫لمن اتصف به‪ :‬ظاهرة المشركين‪ ،‬وإعانتهم على المس لمين‪ ،‬بي د أو بلس ان أو بقلب‬
‫أو بمال‪ ،‬فهذا كفر مخرج من اإلسالم‪ ،‬فمن أعان المش ركين على المس لمين‪ ،‬وأم د‬
‫المشركين من ماله‪ ،‬بما يستعينون به على حرب المسلمين اختيارا منه‪ ،‬فقد كفر)(‪)1‬‬
‫بل إن أتباع ابن عبد الوهاب لم يرحموا حتى أولئك الذين يحبونهم ويوال ونهم‬
‫من أهل الحجاز أواليمن أوالشام أو غيرها م ا دام حبهم لم يخ رج إلى الخ ارج‪ ،‬ولم‬
‫يظهر في الواقع‪ ،‬فقد ورد في الدرر السنية هذه الرسالة من الش يخ س ليمان بن عب د‬
‫هللا بن محمد بن عبد الوهاب‪( :‬اعلم‪ ،‬رحم ك هللا‪ :‬أن اإلنس ان إذا أظه ر للمش ركين‬
‫الموافقة على دينهم‪ ،‬خوفًا منهم ومداراة لهم‪ ،‬ومداهنة لدفع شرهم‪ ،‬فإنه كافر مثلهم‪،‬‬
‫وإن كان يكره دينهم ويبغضهم‪ ،‬ويحب اإلسالم والمس لمين؛ ه ذا إذا لم يق ع من ه إال‬
‫ذلك‪ ،‬فكيف إذا كان في دار منعة واستدعى بهم‪ ،‬ودخل في طاعتهم وأظهر الموافقة‬
‫على دينهم الباطل‪ ،‬وأع انهم علي ه بالنص رة والم ال وواالهم‪ ،‬وقط ع الم واالة بين ه‬
‫وبين المسلمين‪ ،‬وصار من جنود القب اب والش رك وأهله ا‪ ،‬بع د م ا ك ان من جن ود‬
‫اإلخالص والتوحيد وأهله؟ فإن هذا ال يشك مسلم أنه كافر‪ ،‬من أشد الناس عداوة هلل‬
‫ولرسوله ‪ .‬وال يستثنى من ذلك إال المكره‪ ،‬وهو الذي يستولي علي ه المش ركون‪،‬‬
‫فيقولون له‪ :‬اكفر‪ ،‬أو افعل كذا وإال فعلن ا ب ك وقتلن اك‪ ،‬أو يأخذون ه فيعذبون ه ح تى‬
‫يوافقهم‪ ،‬فيجوز له الموافقة باللسان مع طمأنينة القلب باإليم ان‪ .‬وق د أجم ع العلم اء‬
‫على أن من تكلم بالكفر هازًال‪ :‬أنه يكفر‪ ،‬فكيف بمن أظه ر الكف ر خوف ًا وطمع ًا في‬
‫الدنيا)(‪)2‬‬
‫ب ل لم ي رحم الس لفية وأتب اع ابن عب د الوه اب وتالمي ذه ح تى أولئ ك ال ذين‬
‫يقيمون معهم‪ ،‬ويعتقدون بمعتقداتهم‪ ،‬ولكنهم يجمعون معها اعتقادهم بإسالم غ يرهم‬
‫من المسلمين‪ ،‬ففي الدرر السنية‪ ..( :‬من يسافر إلى بالد المشركين للتجارة‪ ،‬ويرجع‬
‫إلى بل ده في المس لمين‪ ،‬فه ؤالء قس مان أيض ا‪ :‬قس م ي نزه دين ه عن الص الة وراء‬
‫أئمتهم‪ ،‬وال يأكل ذبحهم‪ ،‬وال يركن إليهم ب المودة ولين الكالم‪ ،‬ويكف رهم‪ ،‬وال يس لم‬
‫عليهم‪ ،‬فهذا ال يع ادى وال يهج ر‪ ،‬ألن بعض الص حابة س افر‪ ،‬ودخ ل بالد الش رك‬
‫للتج ارة‪ .‬والقس م الث اني‪ :‬من يس افر إليهم‪ ،‬ويعتق د إس المهم‪ ،‬وربم ا فض لهم على‬
‫المسلمين‪ ،‬فهذا له حكم هذه اآلية‪َ﴿ :‬أَلْم َتَر ِإَلى اَّلِذ يَن ُأوُتوا َنِص يبًا ِم َن اْلِكَتاِب ُيْؤ ِم ُنوَن‬
‫ِباْلِج ْبِت َو الَّطاُغ وِت َو َيُقوُلوَن ِلَّلِذ يَن َكَفُروا َهُؤالِء َأْهَدى ِم َن اَّلِذ يَن آَم ُنوا َس ِبيًال ُأوَلِئ َك‬
‫اَّل ِذ يَن َلَع َنُهُم ُهَّللا﴾ [النس اء‪ .]52-51 :‬وه ذا يوج د من كث ير‪ ،‬يفض ل أه ل الش رك‪،‬‬
‫ويجادل عنهم‪ ،‬فهذا تجب عداوته وهجره‪ .‬وما أك ثر ه ذا الض رب في الن اس! فإن ه‬
‫‪ )(1‬الدرر السنية في األجوبة النجدية‪)291 /9( ،‬‬
‫‪ )(2‬الدرر السنية في األجوبة النجدية‪)121 /8( ،‬‬

‫‪100‬‬
‫يع اقب ب الطبع على قلب ه‪ ،‬ح تى ال يع رف معروف ًا‪ ،‬وال ينك ر منك رًا‪ ،‬ب ل ت راه‬
‫كالمن افقين ال ذين ق ال هللا فيهم‪﴿ :‬اْلُم َن اِفُقوَن َو اْلُم َناِفَق اُت َبْعُض ُهْم ِم ْن َبْع ٍض َي ْأُم ُروَن‬
‫ِباْلُم ْنَك ِر َو َيْنَهْو َن َع ِن اْلَم ْع ُروِف ﴾ [التوب ة‪ .]67 :‬ومن ت دبر الكت اب والس نة‪ ،‬ع رف‬
‫ذلك‪ .‬وأكثر الناس يتعصب ألهل الباطل‪ ،‬إما ألجل دنيا أو رياسة أو قرابة‪ ..‬والفقي ه‬
‫الذي ينزل نصوص الكتاب والسنة على الواقع‪ ،‬فينف ذ الحكم فيهم على وف ق النص‪،‬‬
‫وال يق دم ع ادة الن اس أو حظ وظ نفس ه‪ ،‬أو الخ وف من أذاهم‪ ،‬في داهن في دين هللا‬
‫فيهلك مع الهالكين)(‪)1‬‬
‫وبن اء على ه ذا ن رى الكتب والرس ائل ال تي ت ؤرخ للوهابي ة تعت بر ك ل من‬
‫خ الف ابن عب د الوه اب مرت دا‪ ،‬فق د ورد في ال درر الس نية‪( :‬وس ئل أيض ا‪ :‬ش يخ‬
‫اإلسالم‪ ،‬وعلم الهداة األعالم‪ ،‬الشيخ محمد بن عبد الوه اب‪ ،‬رحم ه هللا تع الى‪ ،‬لم ا‬
‫ارت د طائف ة من أه ل العيين ة‪ ،‬ولم ا ارت د أه ل ح ريمالء أن يكتب كالم ا ينف ع هللا‬
‫به‪.‬فأجاب‪ ، )2()..‬وما أجاب به طبع في رسالة تلقى أهمية كبيرة لدى السلفية اس مها‬
‫[مفيد المستفيد في حكم تارك التوحيد]‬
‫وهك ا ي ذكر ابن غن ام في [ت اريخ نج دالبن غن ام]‪ ،‬وه و الكت اب ال ذي أرخ‬
‫للدعوة الوهابي ة‪( :‬وفي ش وال من ه ذه الس نة ‪1165‬هـ ارت د أه ل ح ريمالء‪ ..‬وفي‬
‫أواخر هذه السنة ‪1166‬هـ ارتد أهل منفوحة)(‪)3‬‬
‫ولم يكتف الس لفية من أتب اع ابن عب د الوه اب بتكف ير عام ة الن اس من أه ل‬
‫البالد المختلف ة‪ ،‬ب ل راح وا يكف رون علم اء األم ة الكب ار ال ذين عاص روهم‪،‬‬
‫واعتبروهم علماء شرك‪ ،‬وقدوتهم في ذلك ش يخهم النج دي محم د بن عب د الوه اب‬
‫الذي صرح في مواضع كثيرة من رسائله وكتبه بتكف ير علم اء عص ره‪ ،‬ومن ذل ك‬
‫قوله‪( :‬فاعلم‪ :‬أن الكالم في ه ذه المس ألة س هل على من يس ره هللا علي ه‪ ،‬بس بب أن‬
‫علماء المشركين اليوم‪ ،‬يق رون أن ه الش رك األك بر‪ ،‬وال ينكرون ه‪..‬وج واب ه ؤالء‬
‫كثير‪ ،‬في الكتاب والسنة‪ ،‬واإلجماع؛ ومن أصرح ما يجابون به‪ :‬إقرارهم في غالب‬
‫األوقات أن هذا هو الشرك األكبر؛ وأيضا‪ :‬إق رار غ يرهم من علم اء األقط ار‪ ،‬من‬
‫أن أكثرهم قد دخل في الشرك‪ ،‬وجاهد أهل التوحيد)(‪)4‬‬
‫ومثله قوله في كشف الشبهات‪( :‬الرد على أهل الباطل إجماال وتفصيال‪ ،‬وأن ا‬
‫أذكر لك أشياء مما ذك ر هللا في كتاب ه جواب ا لكالم احتج ب ه المش ركون في زمانن ا‬
‫علينا)(‪)5‬‬
‫وهو يقصد بالمشركين الذين احتجوا علي ه علم اء األم ة من جمي ع الم ذاهب‬
‫الفقهية‪ ،‬والذين اجتمعوا على الرد على تلك األحكام المتشددة التي وقفها ه و وس نده‬
‫من آل سعود‪ ،‬وألفوا الكتب في ذلك‪.‬‬
‫الدرر السنية في األجوبة النجدية‪)424 /8( ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الدرر السنية في األجوبة النجدية‪)9/396( ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تاريخ نجدالبن غنام (ص‪)107:‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الدرر السنية (‪)424/9‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫كشف الشبهات (ص‪)15 :‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪101‬‬
‫وقد قال الشيخ حسن بن فرحان المالكي تعليقا على ذلك النص‪( :‬ي ا ت رى من‬
‫هم هؤالء المش ركون ال ذين يغوص ون في أدل ة الكت اب والس نة م ع فص احة وعلم‬
‫وحجج؟! أليسوا علماء مختلفين معه في دعوى كفر مخالفي ه من علم اء وع وام؟ ال‬
‫ريب أن ه ذا في ه تكف ير ص ريح للمخ الفين ل ه ممن نس ميهم (خص وم ال دعوة) أو‬
‫(أعداء التوحيد) أو (أعداء اإلسالم)‪ ،‬وهذا ظلم‪ ،‬ألن الشيخ ك ان ي رد على مس لمين‬
‫ولم يكن يرد على كفار وال مشركين‪ ،‬وهذه رسائله وكتبه ليس فيها تس مية لمش رك‬
‫وال ك افر وإنم ا فيه ا تس مية لعلم اء المس لمين في عص ره ك ابن ف يروز‪ ،‬ومرب د‬
‫التميمي‪ ،‬واب ني س حيم س ليمان وعب د هللا‪ ،‬وعب د هللا بن عب د اللطي ف‪ ،‬ومحم د بن‬
‫سليمان المدني‪ ،‬وعبد هللا بن داود الزبيري‪ ،‬والحداد الحضرمي‪ ،‬وس ليمان بن عب د‬
‫الوهاب‪ ،‬وابن عفالق‪ ،‬والقاضي طالب الحميضي‪ ،‬وأحمد بن يحي‪ ،‬وصالح بن عبد‬
‫هللا‪ ،‬وابن مطلق‪ ،‬وغيرهم من العلماء الذين يطلق عليهم (المشركون في زماننا)(‪)1‬‬
‫وقد ذكر الشيخ المالكي ـ وهو الذي تربى في مدارس الوهابية ـ استمرار هذا‬
‫السيل من التكفير من لدن أتباع ابن عبد الوه اب إلى وقتن ا المعاص ر‪ ،‬فق ال‪( :‬وق د‬
‫استمر علماء الدعوة بعده في تكفير أو تبديع يكاد يصل للتكفير لعدد آخر من علم اء‬
‫المسلمين –أخطأوا ولم يكفروا‪ -‬في عهد الدولة السعودية الثانية كابن سلوم وعثم ان‬
‫بن س ند وابن منص ور وابن حمي د وأحم د بن دحالن المكي وداود بن ج رجيس‬
‫وغ يرهم‪ ..‬وفي الق رن الراب ع عش ر الهج ري اس تمر تكفيرن ا وتب ديعنا لعلم اء‬
‫معاصرين – أخطأوا كم ا نخطيء ولم يكف روا‪ -‬ك الكوثري‪ ،‬وال دجوي‪ ،‬وش لتوت‪،‬‬
‫وأبي زه رة‪ ،‬والغ زالي‪ ،‬والقرض اوي‪ ،‬والطنط اوي‪ ،‬والب وطي‪ ،‬والغم اري‪،‬‬
‫والكبيسي‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬ولو نستطيع لقلنا عنهم (المشركون في زماننا) وقد قيل!!)(‪)2‬‬
‫وق د أش ار الش يخ الم الكي إلى أن الحائ ل دون الهيئ ات الرس مية من علم اء‬
‫السعودية وغيرها وتكف ير ك ل من ع داهم من األم ة ه و الس لطة السياس ية ال تي ال‬
‫ترغب في المزيد من الصراعات‪ ،‬ولذلك توظف ما تشاء من تلك التكفيرات مع من‬
‫ت راهم مع ادين له ا فق ط دون غ يرهم‪ ،‬فق ال‪( :‬من المؤس ف أن ه ال يوق ف تكفيرن ا‬
‫وتبديعنا لآلخرين إال السلطة أو العجز‪ ،‬ولوالهما لما أبقينا أح دًا إال وص مناه بكف ر‬
‫أو بدع ة مكف رة! م ع أن ال واجب أن يك ون ه ذا الت ورع عن التكف ير والتب ديع من‬
‫العلماء ال من الحكام‪ ،‬وفي كل األوقات ال وقت العجز‪ ،‬ألن العلماء يعرفون عظم ة‬
‫حق المسلم وتحريم دمه وماله وعرضه)(‪)3‬‬
‫وق د أش ار الص نعاني ص احب س بل الس الم ـ وه و من المعاص رين لحرك ة‬
‫الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ إلى تل ك التكف يرات الكث يرة ال تي ك انت ت وزع على‬
‫األمة جميعا‪ ،‬وم ا يتبعه ا من الس لب والنهب والقت ل‪ ،‬فق ال‪..( :‬وك ان ق د تقدم ه في‬
‫الوصول إلينا بعد بلوغها الشيخ الفاضل عبد الرحمن النجدي‪ ،‬ووصف لنا من ح ال‬
‫‪ )(1‬داعية وليس نبيا‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫‪ )(2‬داعية وليس نبيا‪ ،‬ص‪.102‬‬
‫‪ )(3‬داعية وليس نبيا‪ ،‬ص‪.102‬‬

‫‪102‬‬
‫ابن عبد الوهاب أشياء أنكرناها‪ ،‬من س فك ال دماء‪ ،‬ونهب ه األم وال‪ ،‬وتجاري ه على‬
‫قتل النفوس ولو باالغتيال‪ ،‬وتكفير األم ة المحمدي ة في جمي ع األقط ار‪ ،‬فبقي معن ا‬
‫َتَر ُّدٌد فيما نقله الشيخ الفاضل عبد الرحمن‪ ،‬حتى وصل الشيخ العالم مرب د بن أحم د‬
‫وله نباهة‪ ،‬ووصل ببعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في وجه تكفيره أه ل‬
‫اإليمان‪ ،‬وقتلهم ونهبهم‪ ،‬وحقق لن ا أقوال ه وأفعال ه وأحوال ه‪ ،‬فرأين ا أحوال ه أح وال‬
‫رج ل ع رف من الش ريعة ش طرا‪ ،‬ولم يمعن النظ ر‪ ،‬وال ق رأ على من يهدي ه نهج‬
‫الهداية‪ ،‬ويدله على العلوم النافعة ويفقه ه فيه ا‪...‬ولم ا حق ق لن ا أحوال ه‪ ،‬ورأين ا في‬
‫الرسالة أقواله‪ ،‬وذكر لي أنه إنما َع ُظَم شأنه بوصول األبيات التي وجهنا إليه‪ ،‬وأن ه‬
‫يتعين علنيا نقض ما قدمناه‪ ،‬وَح ُّل ما أبرمناه)(‪)1‬‬
‫ومثله صرح الشوكاني ـ وهو ممن يث ق في ه الس لفية ويعتم دون على كتب ه‪،‬‬
‫مثل ه مث ل الص نعاني ـ فق د ق ال‪( :‬ولكنهم ي رون أن من لم يكن داخال تحت دول ة‬
‫صاحب نجد وممتثال ألوامره خارج عن اإلسالم‪ ،‬ولقد أخ برنى أم ير حج اج اليمن‬
‫السيد محمد بن حسين المراجل الكبسى أن جماعة منهم خ اطبوه ه و ومن مع ه من‬
‫حجاج اليمن بأنهم كفار وأنهم غير معذورين عن الوصول إلى صاحب نج د لينظ ر‬
‫في إسالمهم فما تخلصوا منه إال بجهد جهيد)(‪)2‬‬
‫ونحب أن نشير هنا من باب المث ال والنم وذج إلى العلم اء ال ذين ق ام الش يخ‬
‫محمد بن عبد الوهاب بتكفيرهم ص راحة‪ ،‬بم ا ادع اه عليهم من الوق وع في الش رك‬
‫الجلي‪ ،‬ويمكن أن يقاس عليهم غ يرهم ممن هم مثلهم من جمي ع علم اء األم ة‪ ،‬وم ا‬
‫أكثرهم‪ ،‬بل كل العلماء في ذلك الحين وفي أحيان كثيرة من التاريخ كانوا على تل ك‬
‫الشاكلة‪ ،‬يقولون بالتوسل والتبرك وغيرها مما يعتبرها الوهابية شركا جليا‪.‬‬
‫فمن هؤالء العلماء العالمة الكبير محمد بن فــيروز الحنبلي‪ ،‬ال ذين لم تش فع‬
‫له حنبليته عن د الوهابي ة‪ ،‬فق د ق ال في ه الش يخ محم د بن عب د الوه اب‪ ..( :‬وأيض ا‬
‫مكاتيب أهل األحساء موجودة‪ ،‬فأم ا ابن عب د اللطي ف‪ ،‬وابن عف الق‪ ،‬وابن مطل ق‪،‬‬
‫فحشو بالزبيل أعني‪ :‬سبابة التوحيد‪ ،‬واستحالل دم من صدق ب ه‪ ،‬أو أنك ر الش رك؛‬
‫ولكن تعرف ابن فيروز‪ ،‬أنه أقربهم إلى اإلسالم‪ ،‬وهو رج ل من الحنابل ة‪ ،‬وينتح ل‬
‫كالم الشيخ وابن القيم خاصة‪ ،‬ومع هذا صنف مصنفا أرسله إلينا‪ ،‬قرر فيه‪ :‬أن ه ذا‬
‫الذي يفعل عند قبر يوسف وأمثاله‪ ،‬هو الدين الص حيح‪ ،‬واس تدل في تص نيفه بق ول‬
‫النابغة‪:‬‬
‫أيا قبر النبي وصاحبيه ووامصيبتنا لو تعلمونا‬

‫‪ )(1‬إرشاد ذوي األلباب إلى حقيقة أقوال ابن عبد الوهاب‪ ،‬ص‪ ،110:‬وقد أقر أعالم الس لفية الكب ار به ذه الرس الة‪،‬‬
‫ومنهم‪ :‬الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في‪،‬المصارعة‪(،‬ص‪ ،)417:‬ومنهم الشيخ عبد هللا البسام في [علماء نجد خالل‬
‫ثمانية قرون] حيث قال‪ ،:‬كثير من أصحاب القلوب السليمة ينفون ص حة الرج وع عن الش يخ الص نعاني‪ ،‬وينس بون‬
‫تزوير الرج وع والقص يدة الناقض ة إلى ابن ه‪ ،‬ولكن ني تحققت من ع دد من الثق ات‪ ،‬ومنهم س ماحة الش يخ محم د بن‬
‫إبراهيم آل الشيخ رئيس القضاء بأن رجوع األمير الصنعاني حقيقة‪ ،‬وأن القصيدة الناقضة له وليس ت البن ه‪ ..‬انظ ر‪:‬‬
‫علماء نجد خالل ثمانية قرون‪)1/144( ،‬‬
‫‪ )(2‬البدر الطالع‪)500-1/499( ،‬‬

‫‪103‬‬
‫وفي مصنف ابن مطلق االستدالل بقول الشاعر‪:‬‬
‫وكن لي شفيعا يوم ال ذو شفاعة سواك بمغن عن سواد بن قارب‬
‫ولكن الكالم األول‪ ،‬أبلغ من هذا كله‪ ،‬وهو شهادة الب دو‪ ،‬والحض ر‪ ،‬والنس اء‬
‫والرجال‪ ،‬أن هؤالء الذين يقولون‪ :‬التوحيد دين هللا ورس وله‪ ،‬ويبغض ونه أك ثر من‬
‫بغض اليهود والنصارى‪ ،‬ويس بونه‪ ،‬ويص دون الن اس عن ه‪ ،‬ويجاه دون في زوال ه‬
‫وتثبيت الشرك‪ ،‬بالنفس والمال‪ ،‬خالف ما علي ه الرس ل وأتب اعهم‪ ،‬ف إنهم يجاه دون‬
‫﴿َح َّتى اَل َتُك وَن ِفْتَنٌة َو َيُك وَن الِّديُن ِهَّلِل﴾ [البقرة‪)1()]193 :‬‬
‫وصرح بذلك في موضع آخر‪ ،‬فقال في رسالة كتبها إلى أحمد بن عبد الكريم‬
‫جاء فيها‪..( :‬وصل مكتوب ك تق رر المس ألة ال تي ذك رت‪ ،‬وت ذكر أن علي ك إش كاال‬
‫تطلب إزالته‪ ،‬ثم ورد منك مراسلة‪ ،‬تذكر أن ك ع ثرت على كالم للش يخ أزال عن ك‬
‫اإلشكال‪ ،‬فنسأل هللا أن يهديك لدين اإلسالم‪ .‬وعلى أي شيء يدل كالم ه‪ ،‬من أن من‬
‫عبد األوثان عبادة أك بر من عب ادة الالت والع زى‪ ،‬وس ب دين الرس ول ‪ ‬بع دما‬
‫شهد به‪ ،‬مثل سب أبي جهل‪ ،‬أنه ال يكفر بعين ه‪ .‬ب ل العب ارة ص ريحة واض حة‪ ،‬في‬
‫تكفيره مثل ابن فيروز‪ ،‬وصالح بن عبد هللا‪ ،‬وأمثالهما‪ ،‬كفرا ظاهرا ينقل عن الملة‪،‬‬
‫فضال عن غيرهما؛ هذا صريح واضح‪ ،‬في كالم ابن القيم ال ذي ذك رت‪ ،‬وفي كالم‬
‫الش يخ ال ذي أزال عن ك اإلش كال‪ ،‬في كف ر من عب د ال وثن ال ذي على ق بر يوس ف‬
‫وأمثاله‪ ،‬ودعاهم في الشدائد والرخاء‪ ،‬وسب دين الرسل بعدما أقر به‪ ،‬ودان بعب ادة‬
‫األوثان بعدما أقر بها)(‪)2‬‬
‫ونالحظ ان ابن عبد الوهاب يضيف ـ كالسلفية سلفهم وخلفهم ـ ناقض ا جدي دا‬
‫لإليم ان‪ ،‬يس مونه [س ب دين الرس ل]‪ ،‬وهم يقص دون من ه انتق اد الس لفية أو أه ل‬
‫الح ديث‪ ..‬ألنهم يعت برون أنفس هم الممث ل الش رعي الوحي د لإلس الم‪ ،‬ب ل للرس ل‬
‫جميعا‪ ..‬ولذلك لهم الح ق في أن ينتق دوا الع الم أجم ع‪ ،‬وال يح ق ألح د أن ينتق دهم‪،‬‬
‫ومن تج رأ وفع ل ص ار ك افرا‪ ،‬ب ل أكف ر من اليه ود والنص ارى‪ ،‬ألن اليه ود‬
‫والنصارى ال يعرفون أهل الحديث‪ ،‬وال ينتقدونهم‪.‬‬
‫ونحب أن نذكر هنا ترجمة مختص رة البن ف يروز ننقله ا من كت اب من كتب‬
‫الحنابلة‪ ،‬حتى نعرف مدى الج رأة ال تي ك ان يمتلكه ا ابن عب د الوه اب وغ يره من‬
‫السلفية‪.‬‬
‫فقد قال ابن حميد المكي في كتابه [السحب الوابل ة على أض رحة الحنابل ة]‪:‬‬
‫(محمد بن عبد هللا بن محمد بن فيروز‪ ،‬التميمي‪،‬األحسائي‪ ،‬العالمة الفهام ة‪،‬كاش ف‬
‫المعضالت‪ ،‬وموضح المشكالت‪،‬و محرر أنواع العلوم‪ ،‬ومقرر المنقول والمعقول‪،‬‬
‫بالمنطوق والمفهوم‪ ..‬وض ع هللا في ه من س رعة الفهم وق وة اإلدراك وبطء النس يان‬
‫وشدة الرغبة والحرص والفتوح الباطنة والظاهرة ما يتعجب منه فحفظ القرآن وهو‬
‫صغير‪ ،‬وحفظ كثيرًًا من الكتب منها‪ :‬مختصر المقن ع في الفق ه وألفي ة الع راقي في‬
‫‪ )(1‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)78 /10‬‬
‫‪ )(2‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)63 /10‬‬

‫‪104‬‬
‫المصطلح وألفية ابن مالك في النح و‪ ..‬ك أن العل وم نص ب عيني ه أخ ذ الح ديث عن‬
‫علماء عصره وكذا الفقه والنحو والمعاني والبيان وسائر الفنون وأجازوه بإج ازات‬
‫مطولة ومختصرة وأثنوا عليه الثناء البلي غ‪ ،‬ومه ر في جمي ع ه ذه الفن ون وتص در‬
‫للتدريس في جميعها وأف تى في حي اة ش يوخه وكتب وا على أجوبت ه وفت اواه بالم دح‬
‫والثناء‪ ..‬ونفع هللا به نفعًًا جمًًا‪ ،‬وصار يرحل إليه من جميع األقطار حتى أنه يجتم ع‬
‫عنده من الطلبة نحو الخمسين وكان يقو م بكفاية أكثرهم ويتفق د أم ورهم في جمي ع‬
‫ما يلزم لهم ك أنهم أوالد ص لبه وال يَم ِّك ن أح دًًا ممن ي أتي عن ده من األج انب لطلب‬
‫العلم أن ينف ق من كيس ه ول و ك ان غني ا ويق ول‪( :‬من لم ينتف ع بطعامن ا ال ينتف ع‬
‫بكالمنا)‪ ،‬فوضع هللا ل ه القب ول في أقط ار األرض وكاتب ه علم اء اآلف اق من البالد‬
‫الشاسعة والمدائح وطلب اإلجازات والدعاء‪ ،‬ونجب خلق ممن قرأ عليه فك ان أه ل‬
‫البلدان يأتون إلي ه ويطلب ون أن يرس ل معهم واح دا منهم يفقههم في ال دين ويعظهم‬
‫ويقضي ويدرس ويصلي بهم ويخطب فيرسل معهم من استحسن فال يخالف ه التلمي ذ‬
‫في شيء أصال بل كانت الطلبة يمتثلون من ه أدنى إش ارة ويع دونها أس نى بش ارة‪..‬‬
‫وكان رحمه هللا كثير العبادة والذكر‪ ،‬سخي النفس كث ير الص دقات وال ي رد مس كينا‬
‫وثب إليه وكان ي دان على ذمت ه ويتص دق وع ذل في ذل ك فلم يلتفت لعاذل ه ويأتي ه‬
‫رزقه من حيث لم يحتسب‪ ،‬عليه أن وار زاه رة وآث ار للعلم والص الح ظـاهرة‪ ،‬ل ه‬
‫ح ظ من قي ام اللي ل‪ ،‬مهيب ا معظم ا عن د المل وك فمن دونهم مقب ول الكلـمة نافـذ‬
‫اإلشـارة‪ ،‬ال يخاف في هللا لومة الئم)(‪ )1‬إلى آخر ما ورد في ترجمته‪ ،‬والتي تظهره‬
‫مكانته الكبيرة في ذلك العصر‪ ،‬باإلض افة لعلم ه وخلق ه وتدين ه‪ ..‬ولكن ك ل ذل ك لم‬
‫يجعل لحمه مسموما يحرم التعرض له‪ ،‬كما ي ذكر الس لفية عن دما ينتق د أي علم من‬
‫أعالمهم‪ ،‬وليتهم اكتفوا بنقده‪ ،‬بل أضافوا إلى ذلك تكفيره‪.‬‬
‫وال يزال السلفية المعاصرون يصرون على ما قال شيخهم‪ ،‬وي دافعون عن ه‪،‬‬
‫وقد قال بعضهم في تبرير تكفير الشيخ البن فيروز‪( :‬ولكن هذا الخصم ‪ -‬محم د بن‬
‫فيروز ‪ -‬قد بلغت محاربته ومناهضته لهذه الدعوة حدًا ال يوص ف‪ ،‬ل ذا مدح ه أح د‬
‫خصوم هذه الدعوة وهو الحداد‪ ،‬حيث قال مادحًا البن فيروز‪( :‬وهلل در الشيخ محمد‬
‫بن عبد هللا بن فيروز الحنبلي لما قام مجتهدًا ابتغاء مرضاة هللا في إطفاء بدعة ه ذا‬
‫الخبيث‪ ،‬كلما رأى وجه ًا لبعض أه ل الم ذاهب األربع ة‪ ،‬تب ع ذل ك الوج ه إذا ك ان‬
‫مخالفًا لما يعلمه أو يقوله ابن عبد الوهاب الب دعي)(‪ ،)3()3‬وبل غ من كي د ابن ف يروز‬
‫أنه – كما ق ال ابن حمي د في الس حب الوابل ة ‪( -‬ك اتب الس لطان عب د الحمي د خ ان‬
‫يستنجده على قتال البغاة الخارجين بنجد)(‪)2‬‬
‫ومن العلماء الذين صرح ابن عبد الوهاب بتكفيرهم العالم ة الجلي ل عب د هللا‬
‫بن عيس ى الم ويس (ت ‪1175‬هـ)‪ ،‬فق د ق ال ابن عب د الوه اب في بعض رس ائله‪:‬‬
‫‪ )(1‬السحب الوابلة على أضرحة الحنابلة‪ ،‬البن حميد المكي ص‪.969:‬‬
‫( ‪ )3‬مصباح األنام وجالء الظالم في رد شبه البدعي النجدي التي أضل بها العوام‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ )(2‬دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض‪ ،‬ص‪.30‬‬

‫‪105‬‬
‫(وتذكرون‪ :‬أني أكّفرهم بالمواالة‪ ،‬وحاشا وكال؛ ولكن أقط ع‪ :‬أن كف ر من عب د قب ة‬
‫أبي طالب‪ ،‬ال يبلغ عشر كفر المويس وأمثاله)(‪)1‬‬
‫فهو في هذا النص ال يكفر الشيخ المويس فق ط‪ ،‬ب ل يكف ر ك ل من تبك ر بقب ة‬
‫أبي طالب التي هدمها الوهابية‪ ،‬وتصوروا أنهم بهدمها هدموا الالت والعزى‪.‬‬
‫وهكذا صرح مرة أخرى‪ ،‬فقال‪( :‬إذا عرف ما فعل المويس وأمثاله‪ ،‬م ع قب ة‬
‫الكواز وأهلها‪ ،‬وما فعله هو‪ ،‬وابن إسماعيل‪ ،‬وابن ربيعة‪ ،‬وعلماء نجد في مكة سنة‬
‫الحبس‪ ،‬م ع أه ل قب ة أبي ط الب‪ ،‬وإفت ائهم بقت ل من أنك ر ذل ك‪ ،‬وأن قتلهم وأخ ذ‬
‫أموالهم‪ ،‬قربة إلى هللا‪ ،‬وأن الحرم الذي يحرم اليهودي‪ ،‬والنصراني‪ ،‬ال يح رمهم ثم‬
‫تفكر في األحياء الذين صالوا معهم‪ ،‬هل تابوا من فعلهم ذلك وأس لموا‪ ،‬وعرف وا أن‬
‫عشر معشار ما فعلوه ردة عن اإلسالم‪ ،‬بإجماع المذاهب كلها)(‪)2‬‬
‫وهو يقصد هن ا فت اوى العلم اء من غ ير الوهابي ة للبالد ال تي يس كنون فيه ا‬
‫بالدفاع عن أنفسهم وبالدهم وآثارهم من هجمات الوهابيين‪ ،‬والتي اعتبرها ابن عبد‬
‫الوهاب ردة‪ ،‬بل اعت بر أن ه يكفي عش ر م ا فعل وه ليتهم وا ب الردة‪ ..‬فكف رهم ـ كم ا‬
‫يصرح ـ مضاعف‪.‬‬
‫وقد قال في بيان ذلك في موضع آخر‪( :‬فإذا أردت مصداق ه ذا‪ ،‬فتأم ل ب اب‬
‫حكم المرتد في كل كتاب‪ ،‬وفي كل مذهب‪ ،‬وتأمل ما ذكروه في األمور التي تجع ل‬
‫المسلم مرتدا يحل دم ه ومال ه؛ منه ا‪ :‬من جع ل بين ه وبين هللا وس ائط‪ ،‬كي ف حكى‬
‫اإلجماع في اإلقناع على ردته؛ ثم تأمل ما ذكروه في س ائر الكتب‪ .‬ف إن ع رفت أن‬
‫في المسألة خالفا‪ ،‬ولو في بعض المذاهب‪ ،‬فنبهني؛ وإن صح عن دك اإلجم اع على‬
‫تكفير من فعل هذا‪ ،‬أو رضيه‪ ،‬أو جادل فيه‪ ،‬فهذه خطوط المويس‪ ،‬وابن إس ماعيل‪،‬‬
‫وأحمد بن يحيى‪ ،‬عندنا‪ ،‬في إنكار ه ذا ال دين‪ ،‬وال براءة من ه‪ ،‬ومن أهل ه؛ وهم اآلن‬
‫مجتهدون في صد الناس عن ه)(‪ ،)3‬فق د اعت بر مج رد ردود العلم اء على الوهابي ة‪،‬‬
‫وإنكارهم لتكفيرهم لألمة إنكارا للدين نفسه‪.‬‬
‫وهكذا ذكر ال دكتور عب د هللا الع ثيمين في تحليل ه لرس ائل ابن عب د الوه اب‬
‫الشخصية‪ ،‬أن العلماء الذين واجهوه وانتقدوه كانوا كلهم محل طعن منه بس بب ه ذا‬
‫الموق ف‪ ،‬فق ال(واض ح من رس ائل الش يخ (الشخص ية) أن دعوت ه لقيت معارض ة‬
‫شديدة من قبل بعض علماء نجد‪ ،‬فالمتتبع لها يالحظ أن أكثر من عش رين عالم ًا أو‬
‫طالب علم وقفوا ضدها في وقت من األوقات‪ ،‬ويأتي في مقدمة هؤالء المعارض ين‬
‫عب د هللا الم ويس من حرم ة‪ ،‬وس ليمان بن س حيم من الري اض‪ ،‬ويس تفاد من ه ذه‬
‫الرس ائل أن معارض ي الش يخ من النج ديين ك انوا مختلفي المواق ف‪ ،‬فمنهم من‬
‫عارضه واستمر في معارضته مثل المويس‪ ،‬ومنهم من كان يعترف في بداية األمر‬
‫بأن ما جاء به الشيخ أو بعضه ح ق‪ ،‬لكن ه غّي ر موقف ه م ع م رور ال زمن مث ل ابن‬

‫‪ )(1‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)116 /10‬‬


‫‪ )(2‬الدرر السنية (‪)10/123‬‬
‫‪ )(3‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)62 /10‬‬

‫‪106‬‬
‫سحيم‪ ،‬ومنهم – أيضًا – من كان متأرجح ًا في تأيي ده ومعارض ته مث ل عب د هللا بن‬
‫‪)1‬‬
‫عيسى)(‬
‫ونحب أن نذكر هنا كما ذكرنا سابقا أن هذا العالمة الجلي ل ال ذين نال ه س يف‬
‫التكفير السلفي لم يكن من الهن د أو من مص ر‪ ،‬ب ل ك ان من علم اء نج د ال تي ك ان‬
‫ينتش ر فيه ا الم ذهب الحنبلي‪ ،‬وال ذي لم يرحم ه الس لفية كم ا لم يرحم وا س ائر‬
‫المذاهب‪ ،‬فقد ورد في ترجمته في كتاب [علم اء نج د للبس ام]‪( :‬عب د هللا بن عيس ى‬
‫الشهير بالمويسي ‪-‬تصغير موسى‪ -‬ول د في بل دة حرم ة من إح دى بل دان س دير في‬
‫نجد‪ ،‬ونشأ فيها وقرأ على مشايخ نجد‪ ،‬ثم ارتحل إلى دمشق لألخذ عن علمائها فأخذ‬
‫عنهم‪ ،‬ومن أشهرهم العالمة محمد السفاريني المشهور‪ ..‬وجد واجتهد حتى مهر في‬
‫الفق ه ثم ع اد إلى وطن ه‪..‬و الم ترجم بع د عودت ه من دمش ق جلس في بالده يف تي‬
‫ويدرس وصار معتمد أهل بلده‪ ،‬ثم ولي قضاء بلدة حرمة إحدى بلدان سدير‪ ،‬فمكث‬
‫في قضائها حتى توفي فيها سنة ‪1175‬هـ)(‪)1‬‬
‫وال زال السلفية إلى اليوم يصرون على تكفير هذا العلم الجليل مع أن أقوال ه‬
‫وآراءه ال تي كف ر على أساس ها ال تختل ف عن س ائر أق وال وآراء ك ل العلم اء من‬
‫المذاهب األربعة وغيرهم‪ ..‬فكيف بعد ذلك يذكرون أنهم ال يكفرون‪ ..‬وهل يصح أن‬
‫يكفر شخص لسبب‪ ،‬ثم يعفى عن آخر يرتكب نفس السبب؟‪ ..‬وهل ه ذا األم ر دين‪،‬‬
‫أم أنه مزاج شخصي‪ ،‬فيكفرون من شاءوا‪ ،‬متى شاءوا‪ ،‬ويس كتون على من ش اءوا‬
‫متى شاءوا؟‬
‫ومن األمثل ة على ذل ك ق ول الش يخ عب د العزي ز بن محم د بن علي العب د‬
‫اللطيف‪ ،‬وهو عندهم من المعتدلين‪ ،‬بل من المميعين للمنهج السلفي ـ كما يذكرون ـ‬
‫فقد قال في كتابه الذي خصصه للدفاع عن ابن عبد الوهاب‪( :‬ومن أشد خصوم هذه‬
‫ال دعوة وأك ثرهم عن ادًا ومناهض ة‪ ،‬عب د هللا بن عيس ى الم ويس (ت ‪1175‬هـ)‪،‬‬
‫ومعاداته وخصومته ظاهرة جلي ة ‪ -‬من خالل رس ائل الش يخ‪ ..‬يق ول ابن حمي د في‬
‫(السحب الوابل ة)(وك ان ممن أنك ر على ابن عب د الوه اب وعلى أتباع ه في ابت داء‬
‫دعوتهم)(‪)2‬‬
‫وهذا تبرير عجيب‪ ،‬فهل أصبحت كتابة الكتب والرسائل التي تنتص ر لعام ة‬
‫المس لمين‪ ،‬وت بين أن م ا هم في ه ليس ش ركا‪ ،‬تهم ة تص ل بص احبها إلى الش رك‬
‫والردة‪ ..‬فما دام األمر كذلك‪ ،‬فلم يتوقف هذا الك اتب نفس ه عن تكف ير من ع داه من‬
‫العلماء‪ ،‬وقد وقعوا في نفس ما وقع فيه‪ ..‬ولكن التقية ت دعوهم إلى ذل ك‪ ،‬وإال ف إنهم‬
‫في قرارة نفوسهم وفي بطون كتبهم وفي خطبهم ودروسهم ومقرراتهم ليسوا س وى‬
‫مكفرة لكل األمة من دون اسثناء‪..‬‬
‫ومن األعالم الذين نص ابن عب د الوه اب على تكف يره لهم الش يخ محم د بن‬
‫عبد الرحمن بن عفالق (ت ‪1164‬هـ)‪ ،‬وقد كان من كبار العلم اء في ذل ك ال وقت‪،‬‬
‫‪ )(1‬علماء نجد للبسام ‪.4/364‬‬
‫‪ )(2‬دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض‪ ،‬ص‪.32‬‬

‫‪107‬‬
‫وكان ماهرا ـ كما يذكر م ترجموه ـ (في الفق ه واألص ول والعربي ة وعلم الحس اب‬
‫والهيئة وتوابعها‪ ،‬واشتهر بتحقيق علم الفلك وتدقيقه في عصره فما بعده‪ ،‬وألف فيه‬
‫التآليف البديعة‪ ..‬وكان عالما عامال فاضال كامال محققا ماهرا)(‪)1‬‬
‫وسبب تكفيره له كم ا ي ذكر الس لفية المعاص رون ـ في دف اعهم عن ابن عب د‬
‫الوهاب ـ هو (رسالة وجهها إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬وكان عنوانه ا (تهكم‬
‫المقلدين في مدعي تجديد الدين)‪ ،‬وقد تضمنت هذه الرسالة أسئلة تعجيزية تهكمي ة‪،‬‬
‫وبأسلوب يحمل طابع التحدي والغرور‪ ،‬وقد قصد به ا ابن عف الق الطعن والت وهين‬
‫في محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬والني ل من ه واالس تخفاف ب ه ‪ -‬كم ا ه و ظ اهر في ه ذه‬
‫الرسالة ‪ ،-‬كما أن هذه األس ئلة – من خالل االطالع عليه ا ‪ -‬ليس ت وك ذا الج واب‬
‫عليها من أصول العلم وواجباته‪ ،‬بل أقرب ما تكون إلى فض ول العلم وترف ه‪ ..‬ومن‬
‫هذه األسئلة – المترفة – التي وجهها ابن عفالق إلى الش يخ لكي يجيب عليه ا‪ ،‬ق ول‬
‫ابن عفالق‪( :‬وبعد فأسألك عن قوله تعالى‪﴿ :‬والعاديات …‪ C‬إلى آخر الس ورة هي من‬
‫قصار المفصل كم فيها من حقيقة شرعية وحقيق ة لغوي ة وحقيق ة عرفي ة‪ ،‬وكم فيه ا‬
‫من مجاز مرسل ومج از م ركب‪ ،‬واس تعارة تحقيقي ة‪ ،‬واس تعارة وثاقي ة واس تعارة‬
‫عنادي ة واس تعارة عامي ة واس تعارة خاص ية واس تعارة أص لية واس تعارة تبعي ة‬
‫واستعارة مطلقة واستعارة مجردة واستعارة مرش حة وموض ع الترش يح والتجري د‬
‫فيها وموضع االستعارة بالكناية واالستعارة التخيلية وما فيه ا من التش بيه الملف وف‬
‫والمفروق والمفرد والمركب والتشبيه المجمل والمفص ل‪ .‬إلى آخ ر ه ذه األس ئلة)‪،‬‬
‫كما ألّف ابن عفالق رسالة وجهها إلى عثمان بن معمر أمير العيينة يشككه في دعوة‬
‫الشيخ‪ ،‬ويطعن فيها ح تى يتخلى عثم ان عن نص رتها – في ب ادئ الأم ر ‪ ،-‬وادعى‬
‫ابن عفالق أن ابن عبد الوهاب خالف ابن تيمية وابن القيم في مس ائل التوحي د‪ ،‬وق د‬
‫كتب ابن معمر ردًا على رسالة ابن عفالق يذكر موافقت ه ل دعوة الش يخ‪ ،‬مم ا جع ل‬
‫ابن عفالق يكتب جوابًا عن رسالة ابن معمر وقد شّنع في ه ذا الج واب على الش يخ‬
‫اإلمام وابن معمر‪ ،‬ورماهما بتكفير المسلمين وتض ليلهم‪ ،‬ويظه ر من ه ذه الرس الة‬
‫إلحاح ابن عفالق في إقناع ابن معمر بترك نصرة الشيخ)(‪)2‬‬
‫وقد أثارت كل هذه التح ديات ابن عب د الوه اب ال ذي كف ره في مواض ع من‬
‫رسائله‪ ،‬ومنها قوله فيه‪( :‬فأما ابن عبد اللطي ف‪ ،‬وابن عف الق‪ ،‬وابن مطل ق‪ ،‬فحش و‬
‫بالزبيل أعني‪ :‬سبابة التوحيد‪ ،‬واستحالل دم من صدق به‪ ،‬أو أنكر الشرك)(‪)3‬‬
‫وهكذا نرى ابن عبد الوه اب يكف ر علم ا آخ ر ال يق ل عن العلمين الس ابقين‪،‬‬
‫وهو من نجد أيضا‪ ،‬وقد أخذته الغيرة على أعراض المسلمين التي أصبحت منتهكة‬
‫بس بب أحك ام ابن عب د الوه اب وعص ابته عليهم‪ ،‬وه و س ليمان بن س حيم (ت‬

‫‪ )(1‬السحب الوابلة على أضرحة الحنابلة‪ ،‬ص‪.927:‬‬


‫‪ )(2‬دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫‪ )(3‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)78 /10‬‬

‫‪108‬‬
‫‪1181‬هـ)‪ ،‬والذي ذكره الشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف ـ الس لفي‬
‫المعتدل ـ أثناء تبريره لجرائم ابن عبد الوهاب‪ ،‬فقال‪( :‬س ليمان بن س حيم‪ ..‬عداوت ه‬
‫ظاهرة وواضحة كما في الرسائل الشخصية للشيخ اإلمام أثناء الرد على مفترياته‪..‬‬
‫وق د ك انت رس الته الممل وءة باألك اذيب والش بهات ض د ال دعوة الس لفية‪ ،‬من أش د‬
‫الوسائل تشويهًا للدعوة‪ ،‬وأشنعها تحريفًا وتزوي رًا لمب ادئ ه ذه ال دعوة وألتباعه ا‪،‬‬
‫حيث أن هذا الخص م ق د بعث بتل ك الرس الة إلى س ائر علم اء األقط ار واألمص ار‬
‫يستحثهم ويحرضهم ضد مجدد هذه الدعوة‪ ،‬ولقد كان لها آثارها وأص داءها الس يئة‬
‫ضد الدعوة ومجددها)(‪)1‬‬
‫فهذا الموقف النقدي الطبيعي من ابن سحيم جعل ابن عبد الوهاب يشن حمل ة‬
‫شديدة عليه‪ ،‬كما جعل خلفه من الس لفية المعاص رين يعتبرون ه مث ل أبي لهب وأبي‬
‫جهل‪ ،‬ألنهم يعتبرون ابن عبد الوهاب ه و الرس ول بع د الرس ول‪ ،‬فحكم من خالف ه‬
‫كحكم من خالف رسول هللا ‪ ‬نفسه‪.‬‬
‫ومن األمثلة على تلك الحملة ما ورد في الدرر الس نية تحت عن وان‪[ :‬رد م ا‬
‫صنفه ابن سحيم من الكفر والس ب والته ورات](‪ ،)2‬وه و نص طوي ل ننقل ه ببعض‬
‫التصرف لنتبين مظان التكفير الوهابي‪ ،‬ونرى م دى انطباقه ا بع د ذل ك على س ائر‬
‫علماء األمة‪.‬‬
‫وقد بدأ ابن عبد الوهاب تكفيره للشيخ بقوله‪( :‬يعلم من يقف علي ه‪ :‬أني وقفت‬
‫على أوراق‪ ،‬بخط ولد ابن سحيم‪ ،‬صنفها يريد أن يصد بها الناس عن دين اإلس الم‪،‬‬
‫وشهادة أن ال إله إال هللا‪ ،‬فأردت أن أنبه على م ا فيه ا‪ ،‬من الكف ر الص ريح‪ ،‬وس ب‬
‫دين اإلسالم‪ ،‬وما فيها من الجهالة التي يعرفها العامة)(‪)3‬‬
‫فق د اعت بر ابن عب د الوه اب ردود الش يخ علي ه ونق ده ل ه ردودا على دين‬
‫اإلس الم وعلى ش هادة أن ال إل ه إال هللا‪ ،‬م ع أن الش يخ ابن س حيم علم من أعالم‬
‫المس لمين‪ ،‬وص احب مؤلف ات ومص نفات‪ ،‬وم ع ذل ك ص ار عن ده من المح اربين‬
‫لإلسالم‪ ،‬ولشهادة التوحيد‪.‬‬
‫ثم أخذ ابن عبد الوهاب يذكر المبررات ال تي جعلت ه يتناول ه بس يف تكف يره‪،‬‬
‫فقال‪( :‬األول‪ :‬أنه صنف األوراق يسبنا‪ ،‬ويرد علينا في تكفير كل من قال ال إل ه إال‬
‫هللا‪ ،‬وهذا عمدة ما يشبه به على الجهال وعقولها؛ فصار في أوراق ه يق ول‪ :‬أم ا من‬
‫قال ال إله إال هللا ال يكفر ومن أم القبل ة ال يكف ر‪ ،‬ف إذا ذكرن ا لهم اآلي ات ال تي فيه ا‬
‫كفره وكفر أبيه‪ ،‬وكفر الطواغيت‪ ،‬يقول‪ :‬ن زلت في النص ارى‪ ،‬ن زلت في الفالني‪..‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه ذكر في أوراق ه‪ ،‬أن ه ال يج وز الخ روج عن كالم العلم اء‪ ،‬وص ادق في‬
‫ذلك؛ ثم ذكر فيها كفر القدرية‪ ،‬والعلماء ال يكفرونهم‪ ،‬فكفر ناس ا لم يكف روا‪ ،‬وأنك ر‬
‫علين ا تكف ير أه ل الش رك‪ ..‬الث الث‪ :‬أن ه ذك ر مع نى التوحي د‪ :‬أن تص رف جمي ع‬

‫‪ )(1‬دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض‪ ،‬ص‪..32‬‬
‫‪ )(2‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)46 /10‬‬
‫‪ )(3‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)46 /10‬‬

‫‪109‬‬
‫العبادات‪ ،‬من األقوال واألفعال هلل وحده‪ ،‬ال يجعل فيها ش يء‪ ،‬ال لمل ك مق رب‪ ،‬وال‬
‫نبي مرسل؛ وهذا حق‪ .‬ثم يرجع يكذب نفسه‪ ،‬ويقول‪ :‬إن دع اء شمس ان وأمثال ه في‬
‫الشدائد‪ ،‬والنذر لهم‪ ،‬ليبرؤوا المريض‪ ،‬ويفرجوا عن المكروب‪ ،‬الذي لم يص ل إلي ه‬
‫عبدة األوثان‪ ،‬بل يخلصون في الش دائد هلل‪ ،‬ويجع ل ه ذا ليس من الش رك‪ ،‬ويس تدل‬
‫على كف ره الباط ل‪ ،‬بالح ديث ال ذي في ه‪( :‬إن الش يطان يئس أن يعب د في جزي رة‬
‫العرب)‪ ..‬الرابع‪ :‬أنه قسم التوحيد إلى نوعين‪ ،‬توحي د الربوبي ة‪ ،‬وتوحي د األلوهي ة؛‬
‫ويقول‪ :‬إن الشيخ بين ذلك؛ ثم يرجع يرد علينا في تكفير طالب الحمض ي‪ ،‬وأمثال ه‪،‬‬
‫الذين يشركون باهلل في توحي د الربوبي ة‪ ،‬وتوحي د األلوهي ة‪ ،‬ويزعم ون أن حس ينا‪،‬‬
‫وإدريس‪ ،‬ينفعون ويضرون‪ ،‬وهذه الربوبي ة؛ وي زعم أنهم ينخ ون وين دبون‪ ،‬وه ذا‬
‫توحيد األلوهية‪ ..‬الخامس‪ :‬أنه ذك ر في ﴿ُق ْل ُه َو ُهَّللا َأَح ٌد ﴾ أنه ا كافي ة في التوحي د؛‬
‫فوحد نفسه في األفعال‪ ،‬فال خالق إال هللا‪ ،‬وفي األلوهية‪ ،‬فال يعب د إال إي اه‪ ،‬وب األمر‬
‫والنهي‪ ،‬فال حكم إال هلل؛ فيقرر هذه األنواع الثالثة‪ ،‬ثم يكفر بها كله ا‪ ،‬وي رد علين ا؛‬
‫فإذا كّفرنا من قال‪ :‬إن عبد القادر‪ ،‬واألولياء‪ ،‬ينفعون ويض رون‪ ،‬ق ال‪ :‬كّف رتم أه ل‬
‫اإلسالم‪ ،‬وإذا كّفرنا من يدعو شمسان‪ ،‬وتاجا‪ ،‬وحطابا‪ ،‬ق ال‪ :‬كف رتم أه ل اإلس الم؛‬
‫والعجب‪ :‬أنه يقول‪ :‬إن من التوحيد توحيد هللا باألمر والنهي‪ ،‬فال حكم إال هلل‪ ،‬ثم يرد‬
‫علين ا إذا عملن ا بحكم هللا‪ ،‬ويق ول‪ :‬من عم ل ب القرآن كف ر‪ ،‬والق رآن م ا يفس ر‪..‬‬
‫الس ادس‪ :‬أن ه ينهى عن تفس ير الق رآن‪ ،‬ويق ول‪ :‬م ا يع رف‪ ،‬ثم يرج ع يفس ره في‬
‫تصنيفه‪ ،‬ويقول‪ُ﴿ :‬قْل ُهَو ُهَّللا َأَح ٌد ﴾ فيها كفاية‪ ،‬فلما فسرها كفر بها‪ ..‬السابع‪ :‬أنه ذك ر‬
‫أن التوحيد له تعلق بالصفات‪ ،‬وتعلق بالذات؛ وقب ل ذل ك ق د كتب إلين ا‪ :‬أن التوحي د‬
‫في ثالث كلم ات‪ :‬إن هللا ليس على ش يء‪ ،‬وليس في ش يء‪ ،‬وال من ش يء؛ فت ارة‬
‫يذكر‪ :‬أن التوحيد إثبات الصفات‪ ،‬وتارة يذكر ذلك‪ ،‬ويقول‪ :‬التوحي د نفي الص فات‪..‬‬
‫الثامن‪ :‬أن ه ذك ر آي ات في األم ر بالتوحي د‪ ،‬وآي ات في النهي عن الش رك‪ ،‬ثم ق ال‪:‬‬
‫الم راد به ذا الش رك‪ ،‬في ه ذه اآلي ات واألح اديث‪ .‬الش رك الجلي‪ ،‬كش رك عب اد‬
‫الشمس‪ ،‬ال على العموم‪ ،‬كما يتوهمه بعض الجهال‪ ،‬فصرح‪ :‬بأن م راد هللا‪ ،‬وم راد‬
‫النبي ‪ ‬ال يدخل فيه إال عبادة األوثان‪ ،‬وأن الشرك األصغر ال يدخل فيه‪ ،‬ويس مى‬
‫الذين أدخلوه فيه الجهال‪ ،‬ثم في آخر الصفح بعينه‪ ،‬قال‪ :‬وقد يطلق الشرك بعب ارات‬
‫أخ ر؛ وك ل ذل ك في قول ه‪َ﴿ :‬و َم ا َأَن ا ِم َن اْلُم ْش ِر ِكيَن ﴾؛ ف رد علين ا في أول الص فح‪،‬‬
‫وكذب على هللا ورسوله‪ ،‬في أن معنى ذلك بعض الشرك‪ ،‬ثم رجع يقرر م ا أنك ره‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬إن الش رك األك بر واألص غر‪ ،‬داخ ل في قول ه‪َ﴿ :‬و َم ا َأَن ا ِم َن اْلُم ْش ِر ِكيَن ﴾‪..‬‬
‫التاسع‪ :‬أنه ذكر أن الشرك أربعة أنواع‪ :‬شرك األلوهية‪ ،‬وش رك الربوبي ة‪ ،‬وش رك‬
‫العبادة‪ ،‬وشرك الملك؛ وهذا كالم من ال يفهم ما يقول‪ ،‬فإن شرك العب ادة ه و ش رك‬
‫اإللهية‪ ،‬وشرك الربوبية هو شرك الملك‪ ..‬العاشر‪ :‬أنه قال في مسألة الذبح والن ذر‪،‬‬
‫ومن قال‪ :‬إن النذر والذبح عبادة‪ ،‬فهو منه دليل على الجهل‪ ،‬ألن العبادة م ا أم ر ب ه‬
‫شرعا‪ ،‬من غير اطراد عرفي‪ ،‬وال اقتضاء عقلي؛ لكن البهيم ال يفهم معنى العب ادة‪،‬‬

‫‪110‬‬
‫اإلثبات‪)1()..‬‬‫فاستدل على النفي بدليل‬
‫إلى آخر المبررات‪ ،‬والتي يعتبرها جميعا نواقض لإليمان‪ ،‬مع كونها قض ايا‬
‫فرعية خالفي ة بس يطة‪ ،‬ولكن بحكم مس تواه العلمي المح دود‪ ،‬وبحكم تعلق ه الش ديد‬
‫بابن تيمية صار يعتبرها ضرورات ال ينكرها إال كافر‪.‬‬
‫ونحن نطلب من القارئ الكريم أن يتذكر هذه الرسالة جي دا‪ ،‬ح تى ال يطالبن ا‬
‫كل حين بذكر كالم السلفية في أي علم من األعالم نذكر تكفيرهم ل ه‪ ..‬ألن ابن عب د‬
‫الوهاب أو السلفية لم يتعرضوا بالتعيين إال لمن واجههم‪ ،‬أو انتقدهم‪ ،‬أما من ع داهم‬
‫من العلماء في األزمنة القديمة‪ ،‬أو في األماكن البعيدة‪ ،‬فإنهم اكتفوا بتكفيرهم تكفيرا‬
‫مطلقا ال عينينا‪.‬‬
‫وقد ذكرنا سابقا أن التكفير المطلق كاف لكل عاقل‪ ،‬ألن ك ل من كف ر لس بب‬
‫من األسباب‪ ،‬فسيشمل ذلك كل من وقع في ذلك السبب‪.‬‬
‫ثانيا ـ التكفير المعين‪:‬‬
‫بناء على ما سبق من تصريحات أعالم السلفية المتقدمين والمتأخرين بتكف ير‬
‫كل من يقع في أحد المكفرات العقدية أو الفقهية ال تي فص لناها في المبحث الس ابق‪،‬‬
‫فإننا نحاول هن ا أن ننظ ر في م دى انطب اق تل ك التكف يرات على الم دارس الفقهي ة‬
‫الكبرى في األمة‪ ،‬من المدرسة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية‪.‬‬
‫وقبل ذلك نحب أن نذكر هنا تص ريحات ونصوص ا من علم كب ير من أعالم‬
‫الس لفية‪ ،‬ومن أحف اد الش يخ محم د بن عب د الوه اب‪ ،‬ت بين وج وب تكف ير ك ل من‬
‫انطبقت عليه المكفرات بأنواعها المختلفة‪ ،‬وعدم جواز التوقف في ذلك‪.‬‬
‫وعنوان الرس الة ه و [تكف ير المعين والف رق بين قي ام الحج ة وفهم الحج ة]‬
‫وهي من تأليف الش يخ المح دث األص ولي‪ :‬إس حاق بن عب د ال رحمن بن حس ن آل‬
‫الشيخ‪.‬‬
‫وهي من جملة رسائل وكتب كثيرة ألفت في الموضوع‪ ،‬لت برر م ا فعل ه ابن‬
‫عبد الوهاب من تكفيره للمسلمين وحربه لهم‪ ،‬ومنها [مفي د المس تفيد في كف ر ت ارك‬
‫التوحيد] للشيخ محم د بن عب د الوه اب‪ ،‬و[رس الة االنتص ار لح زب هللا الموح دين‬
‫والرد على المجادل عن المشركين] للشيخ عبد هللا بن عبد الرحمن أبابطين‪.‬‬
‫وقد ذكر الشيخ إسحاق بن عب د ال رحمن بن حس ن آل الش يخ دوافع ه لتأليف ه‬
‫الرسالة‪ ،‬فقال‪( :‬بلغنا وسمعنا من فريق يدعى العلم والدين وممن ه و بزعم ه م ؤتم‬
‫بالشيخ محمد بن عبد الوهاب إن من أشرك باهلل وعبد األوثان ال يطل ق علي ه الكف ر‬
‫والشرك بعينه‪ ،‬وذلك أن بعض من شافهني منهم بذلك سمع من بعض اإلخ وان أن ه‬
‫أطلق الشرك والكفر على رج ل دع ا الن بي ‪ ‬واس تغاث ب ه‪ ،‬فق ال ل ه الرج ل‪ :‬ال‬
‫تطلق عليه الكفر حتى تعرفه‪ ،‬وكان هذا وأجناسه ال يعبأون بمخالطة المشركين في‬
‫األس فار وفي دي ارهم‪ ،‬ب ل يطلب ون العلم على من ه و أكف ر الن اس من علم اء‬

‫‪ )(1‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)47 /10‬‬

‫‪111‬‬
‫المشركين [وهو أيضًا من الجهمية من علماء مكة(‪ ] )1‬وكانوا ق د لفق وا لهم ش بهات‬
‫على دعواهم يأتي بعض ها في أثن اء الرس الة ـ إن ش اء هللا تع الى ـ وق د غ روا به ا‬
‫بعض الرعاع من أتباعهم ومن ال معرفة عنده ومن ال يعرف حالهم وال فرق عن ده‬
‫وال فهم‪ .‬متحيزون عن اإلخوان بأجسامهم وعن المشايخ بقلوبهم ومداهنون لهم وقد‬
‫اسَتوحش وا واس ُتوِح ش منهم بم ا أظه روه من الش به وبم ا ظه ر عليهم من الكآب ة‬
‫بمخالطة الفسقة والمشركين وعن د التحقي ق ال يكف رون المش رك إال ب العموم وفيم ا‬
‫بينهم يتورع ون عن ذل ك ثم دبت ب دعتهم وش بهتهم ح تى راجت على من ه و من‬
‫خواص اإلخوان)(‪)2‬‬
‫وتحليل هذا النص وحده كاف في الداللة على تكفير السلفية لألم ة جميع ا‪..‬‬
‫فهذا العلم الكبير من أعالم الس لفية يص ف علم اء مك ة بالجهمي ة الكف ار‪ ..‬ويص ف‬
‫ع وام الن اس من غ يرهم بالمش ركين‪ ..‬ب ل يتهم ح تى الم والين لهم بالتذب ذب بين‬
‫اإليمان والكفر بسبب نقص والئهم وترددهم في تكفير المسلمين بأعيانهم‪.‬‬
‫ثم ذكر سبب ذلك‪ ،‬فقال‪( :‬وذلك وهللا أعلم بس بب ت رك كتب األص ول وع دم‬
‫االعتن اء به ا وع دم الخ وف من الزي غ رغب وا عن رس ائل الش يخ محم د بن عب د‬
‫الوهاب ‪ -‬قدس هللا روحه ‪ -‬ورسائل بنيه فإنها كفيلة بتبيين جميع هذه الشبه جدًا كما‬
‫سيمر)(‪)3‬‬
‫وقد أشرنا سابقا إلى ما تحويه تلك الكتب من تكفير مطلق ومعين لكل الناس‪،‬‬
‫وحتى الموالين الذين يترددون حكموا عليهم بالكفر‪.‬‬
‫ثم بين أن إطالق الكف ر على أوص اف معين ة ك اف بمف رده للتع يين من دون‬
‫حاجة لتسمية كل شخص‪ ،‬فقال‪ ( :‬ومن ل ه أدنى معرف ة إذا رأى ح ال الن اس الي وم‬
‫ونظر إلى اعتقاد المشايخ المذكورين تحير جدًا وال حول وال ق وة إال باهلل وذل ك أن‬
‫بعض من أشرنا إليه بحثته عن ه ذه المس ألة فق ال‪ :‬نق ول أله ل ه ذه القب اب ال ذين‬
‫يعبدونها ومن فيها فعلك هذا ش رك وليس ه و بمش رك‪ ،‬ف انظر ت رى واحم د رب ك‬
‫واسأله العافية‪ ،‬فإن هذا الجواب من بعض أجوبة العراقي [يقصد داود بن جرجيس‬
‫الذي رد عليه الش يخ عب د اللطي ف في كتاب ه منه اج التأس يس والتق ديس في كش ف‬
‫شبهات داود بن جرجيس] التي يرد عليها الشيخ عب د اللطي ف وذك ر ال ذي ح دثني‬
‫عن هذا أنه سأله بعض الطلبة عن ذلك وعن مس تدلهم فق ال نكف ر الن وع وال نعين‬
‫الشخص إال بعد التعريف ومستندنا ما رأيناه في بعض رسائل الشيخ محم د ‪ -‬ق دس‬
‫هللا روحه ‪ -‬على أنه امتنع من تكفير من عب د قب ة الك واز وعب د الق ادر من الجه ال‬
‫لعدم من ينبهه‪ ،‬فانظر ترى العجب ثم اسأل هللا العافي ة وأن يعافي ك من الح ور بع د‬
‫الكور‪ ،‬وما أشبههم بالحكاية المشهورة عن الش يخ محم د بن عب د الوه اب أن ه ذات‬
‫يوم يقرر على أصل الدين ويبين ما فيه ورجل من جلسائه ال يس أل وال يتعجب وال‬

‫‪ )(1‬يقصد األشاعرة وهذا يدل على أن الوهابية يطلقون على األشاعرة جهمية‪.‬‬
‫‪ )(2‬تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ )(3‬تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫‪112‬‬
‫يبحث حتى جاء بعض الكلمات التي فيها ما فيها فقال الرجل ما هذه كيف ذلك فق ال‬
‫الشيخ قاتلك هللا ذهب حديثنا منذ اليوم لم تفهم ولم تسأل عنه فلما جاءت هذه السقطة‬
‫عرفتها أنت مثل الذباب ال يقع إال على القذر أو كما قال)(‪)1‬‬
‫ثم أخذ يرد على هذه الشبهة‪ ،‬ويقرر أن التعيين واجب وض رورة‪ ،‬وال يص ح‬
‫أن يراعى فيه أحد‪ ،‬فقال‪( :‬ومما هو معلوم باإلضطرار من دين اإلسالم أن المرجع‬
‫في مسائل أصول الدين إلى الكتاب والسنة وإجماع األمة المعتبر وهو ما كان علي ه‬
‫الصحابة وليس المرجع إلى عالم بعينه في ذلك فمن تق رر عن ده األص ل تقري رًا ال‬
‫يدفعه شبهة وأخذ بشراشير قلبه هان عليه م ا ق د ي راه من الكالم المش تبه في بعض‬
‫مصنفات أئمته إذ ال معصوم إال النبي)(‪)2‬‬
‫ثم بين محل المسألة من الدين‪ ،‬فقال‪( :‬ومسألتنا ه ذه وهي عب ادة هللا وح ده ال‬
‫شريك له والبراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع هللا غ يره فق د أش رك الش رك‬
‫األكبر الذي ينقل عن الملة هي أصل األصول وبها أرسل هللا الرس ل وأن زل الكتب‬
‫وقامت على الناس الحجة بالرسول وبالقرآن وهكذا تجد الجواب من أئم ة ال دين في‬
‫ذلك األصل عند تكفير من أشرك باهلل فإن ه يس تتاب ف إن ت اب وإّال قت ل ال ي ذكرون‬
‫التعريف في مسائل األص ول إنم ا ي ذكرون التعري ف في المس ائل الخفي ة ال تي ق د‬
‫يخفى دليله ا على بعض المس لمين كمس ائل ن ازع به ا بعض أه ل الب دع كالقدري ة‬
‫والمرجئة أو في مسألة خفية كالصرف والعطف وكيف يعرفون عب اد القب ور‪ ،‬وهم‬
‫ليسوا بمسلمين‪ ،‬وال يدخلون في مسمى اإلسالم‪ ،‬وهل يبقى مع الشرك عمل)(‪)3‬‬
‫وهكذا فإن الشروط التي يصورها بعض السلفية من ب اب التموي ه واالحتي ال‬
‫على نفي التكف ير‪ ،‬ال عالق ة له ا به ذا‪ ،‬فمج رد الوق وع عن دهم في الش رك أو في‬
‫نواقض العقيدة كفر‪ ،‬وصاحبها كافر‪ ،‬ويستتاب من غ ير تعري ف وال إقام ة حج ة‪..‬‬
‫وإال قتل‪.‬‬
‫هذا في حق عوام الناس‪ ،‬فكيف بالعلم اء ال ذين عرف وا وت بينوا‪ ،‬ب ل فيهم من‬
‫قرأ كتب ابن تيمية وابن عبد الوهاب ورد عليها‪ ..‬فهم عن د الس لفية أولى ب التكفير‪..‬‬
‫بل يعتبرونهم أشد كفرا وعنادا‪.‬‬
‫وق د نق ل الش يخ إس حاق بن عب د ال رحمن بن حس ن آل الش يخ في رس الته‬
‫التكفيرية من كالم ابن عبد الوهاب ما يبرهن له على هذا بك ل ص راحة ووض وح‪،‬‬
‫فقد ورد فيها‪ ..( :‬فقد وصل مكتوب ك تق رر المس ألة ال تي ذك رت وت ذكر أن علي ك‬
‫إشكاًال تطلب إزالته‪ ،‬ثم ورد منك رس الة ت ذكر أن ك ع ثرت على كالم للش يخ أزال‬
‫عنك اإلشكال فنسأل هللا أن يهديك ل دين اإلس الم على أي ش يء ي دل كالم ه أن من‬
‫عبد األوثان أكبر من عبادة الالت والعزى وسب دين الرسول بعد ما ش هد ب ه مث ل‬
‫سب أبي جهل أنه ال يكفر بعينه‪ ،‬بل العب ارة ص ريحة واض حة في تكف ير مث ل ابن‬

‫‪ )(1‬تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة‪ ،‬ص‪.18‬‬


‫‪ )(2‬تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ )(3‬تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة‪ ،‬ص‪.20‬‬

‫‪113‬‬
‫فيروز وص الح بن عب د هللا وأمثالهم ا كف رًا ظ اهرًا ينق ل عن المل ة فض ًال عن عن‬
‫غيرهما‪ ،‬هذا صريح واضح‪ ،‬ففي كالم ابن القيم الذي ذكرت وفي كالم الشيخ ال ذي‬
‫أزال عنك اإلشكال في كفر من عبد الوثن ال ذي على ق بر يوس ف وأمثال ه ودع اهم‬
‫في الشدائد والرخاء وسب دين الرسول بعدما أقر به ودان بعبادة األوثان بعدما أق ر‬
‫بها وليس في كالمي هذا مجازفة بل أنت تشهد به عليهم)(‪)1‬‬
‫ثم أخذ ابن عبد الوهاب ـ كعادة السلفية في نش ر أفك ارهم ـ يح ذر محدث ه من‬
‫التورع عن التكفير‪ ،‬حتى ال يقع هو نفسه في الكفر‪ ،‬ألن من لم يكف ر الك افر ك افر‪،‬‬
‫فقال‪( :‬وأنا أخ اف علي ك من قول ه تع الى‪َ﴿ :‬ذ ِل َك ِب َأَّنُهْم آَم ُن وا ُثَّم َكَف ُروا َفُطِب َع َع َلى‬
‫ُقُلوِبِهْم َفُهْم اَل َيْفَقُهوَن ﴾ [المنافقون‪ ،]3 :‬والشبهة التي دخلت عليك هذه البّضيعة التي‬
‫في يدك تخاف أن تضيع أنت وعيالك إذا تركت بل د المش ركين وش اك في رزق هللا‬
‫وأيضًا قرناء السوء [ أض لوك كم ا هي ع ادتهم ] وأنت والعي اذ باهلل تنـزل درج ًة‬
‫درجة أول مرة في الشك وبلد الشرك ومواالتهم والصالة خلفهم)(‪)2‬‬
‫وقد علق الشيخ إس حق حفي د ابن عب د الوه اب على ه ذه الرس الة التكفيري ة‬
‫الخطيرة بقوله‪( :‬فتأمل قوله في تكفير هؤالء العلماء وفي كفر من عب د ال وثن ال ذي‬
‫على قبر يوسف‪ ،‬وأنه صريح في كالم ابن القيم وفي حكايت ه عن ص احب الرس الة‬
‫وحكم عليه بآية المنافقين‪ ،‬وأن ه ذا حكم ع ام‪ ،‬وك ذلك تأم ل الي وم ح ال كث ير ممن‬
‫ينتسب إلى الدين والعلم من أهل نج د ي ذهب إلى بالد المش ركين ويقيم عن دهم م دة‬
‫يطلب العلم منهم ويجالسهم ثم إذا قدم على المسلمين وقيل له اتق هللا وتب إلى ربك‬
‫من ذلك استهزأ بمن يقول له ذلك‪ ،‬ويقول أت وب من طلب العلم ثم يظه ر من أفعال ه‬
‫وأقواله ما ينبئ عن سوء معتقده وزيفه وال عجب من ذلك ألنه عصى هللا ورس وله‬
‫بمخالطة المشركين فعوقب‪ ،‬ولكن العجب من أه ل ال دين والتوحي د النبس اطهم م ع‬
‫هذا الجنس الذين أرادوا أن يقرنوا بين المش ركين والموح دين‪ ،‬وق د ف رق هللا بينهم‬
‫في كتابه وعلى لسان نبيه محمد ‪)3()‬‬
‫ثم رد على الشبهة التي تعلق بها من يتوق ف عن التكف ير‪ ،‬وال تي يس تدل به ا‬
‫عادة أصحاب التقية من السلفية لينفوا عن أنفسهم تهمة التكفير‪ ،‬فقال‪( :‬وأم ا عب ارة‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية التي لبسوا بها عليك فهي أغلظ من ه ذا كل ه ول و نق ول به ا‬
‫لكفرنا كثيرًا من المشاهير بأعيانهم فإنه صرح فيها بأن المعين ال يكفر إال إذا قامت‬
‫عليه الحجة‪ ،‬فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة فمن المعلوم أن قيامها ليس‬
‫معن اه أن يفهم كالم هللا ورس وله مث ل فهم أبي بك ر الص ديق ب ل إذا بلغ ه كالم هللا‬
‫ورسوله وخال عن ما يعذر به فهو ك افر كم ا ك ان الكف ار كلهم تق وم عليهم الحج ة‬
‫بالقرآن مع قول هللا تعالى‪ِ﴿ :‬إَّنا َجَع ْلَنا َع َلى ُقُل وِبِهْم َأِكَّن ًة َأْن َيْفَقُه وُه ﴾ [الكه ف‪]57 :‬‬

‫‪ )(1‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)63 /10‬‬


‫‪ )(2‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)64 /10‬‬
‫‪ )(3‬تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة‪ ،‬ص‪.25‬‬

‫‪114‬‬
‫‪)1()]22‬‬ ‫وقوله‪ِ﴿ :‬إَّن َشَّر الَّد َو اِّب ِع ْنَد ِهَّللا الُّص ُّم اْلُبْك ُم اَّلِذ يَن اَل َيْع ِقُلوَن ﴾ [األنفال‪:‬‬
‫وربما يتوهم البعض أن في العذر ال ذي ذك ره م ا ينفي عن الس لفية التكف ير‪،‬‬
‫وردا عليه نورد ما قال صاحب الرسالة نفسها‪ ،‬فقد اعتبر العذر في (الجنون وع دم‬
‫البلوغ أو عدم القدرة على البحث أو كان ممن ال يفهم م دلول الخط اب ولم يحض ر‬
‫ترجمان ي ترجم ل ه وه و الم راد بق ول ابن القيم (ومقل د لم يتمكن من العلم) وبق ول‬
‫الشيخ عبداللطيف‪( :‬إذا تمكنوا من طلب العلم ومعرفته وتأهلوا لذلك)‬
‫وبذلك فإنه ال عذر لألمة جميعا بهذا االعتبار إال صبيانها ومجانينها‪ ..‬أما من‬
‫عداهم‪ ،‬فحكمهم حكم من يتبعونهم من العلماء‪ ،‬وهو الكف ر والش رك‪ ،‬كم ا كف ر ابن‬
‫فيروز وغيره‪ ،‬وكفر معهم قومهم‪.‬‬
‫وحتى الصبيان‪ ،‬فإنهم عند السلفية في خطر‪ ،‬فقد سئل أبن اء الش يخ محم د بن‬
‫عبد الوه اب عبدهللا وحس ين عن حكم من م ات قب ل ظه ور دع وة الش يخ ابن عب د‬
‫الوهاب‪ ،‬فأجابوا‪( :‬من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة فالذي يحكم علي ه‬
‫أنه إذا كان معروفًا بفعل الشرك ويدين به‪ ،‬ومات على ذل ك فه ذا ظ اهره أن ه م ات‬
‫على الكفر فال يدعى له واليضحى له واليتصدق عن ه‪ ،‬وأم ا حقيق ة أم ره ف إلى هللا‬
‫تعالى فإن قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والب اطن وإن لم‬
‫تقم عليه الحجة في حياته فأمره إلى هللا)(‪)2‬‬
‫وحتى نبين أن هذا التكفير الجماعي للمسلمين ليس وليد فكر ابن عبد الوهاب‬
‫وتالميذه فقط‪ ،‬بل هو وليد كل التراث السلفي وخصوصا ابن تيمية‪ ،‬الذي نق ل عن ه‬
‫الشيخ إسحق حفيد ابن عبد الوهاب هذا النص من مجموع الفت اوى‪( :‬وه ذا إذا ك ان‬
‫في المقاالت الخفية فقد يقال إنه مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة ال تي يكف ر تاركه ا‬
‫لكن يق ع في طوائ ف منهم في األم ور الظ اهرة ال تي يعلم المش ركون واليه ود‬
‫والنصارى أن محمدًا بعث بها وكفر من خالفها مثل أمره بعبادة هللا وحده ال شريك‬
‫له ونهيه عن عبادة أحد سواه من النبيين والمالئكة وغيرهم ف إن ه ذا أظه ر ش عائر‬
‫اإلسالم ثم تجد كثيرًا من رؤساءهم وقع وا في ه ذه األن واع فك انوا مرت دين وكث ير‬
‫تارة يرتد عن اإلسالم ردة صريحة‪ -‬إلى أن قال‪ -‬وأبلغ من ذلك أن منهم من ص نف‬
‫في الردة كم ا ص نف ال رازي في عب ادة الك واكب وه ذه ردة عن اإلس الم باتف اق‬
‫المسلمين)(‪)3‬‬
‫وقد علق علي ه الش يخ إس حاق بقول ه‪( :‬ه ذا لفظ ه بحروف ه فتأم ل كالم ه في‬
‫التفرق ة بين المق االت الخفي ة وبين م ا نحن في ه في كف ر المعين‪ ،‬وتأم ل تكف يره‬
‫رؤس اءهم فالن ًا وفالن ًا بأعي انهم وردتهم ردة ص ريحة‪ ،‬وتأم ل تص ريحه بحكاي ة‬
‫اإلجماع على ردة الفخر الرازي عن اإلسالم مع كونه من أكابر أئمة الش افعية ه ل‬

‫‪ )(1‬تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة‪ ،‬ص‪.26‬‬


‫‪ )(2‬الدرر السنية‪ ،)142 /10(:‬والرد على جريدة القبلة للشيخ سليمان بن سحمان‪ :‬ص (‪)21 ،20‬‬
‫() مجموع الفتاوى ‪18/54 – 4/54‬‬
‫‪3‬‬

‫‪115‬‬
‫والشد)(‪)1‬‬ ‫يناسب هذا من كالمه أن المعين ال يكفر ولو دعا عبد القادر في الرخا‬
‫هذه مجرد نص وص قليل ة من نص وص كث يرة تؤك د التكف ير الس لفي لألم ة‬
‫جميعا بعلمائها وعوامه ا‪ ،‬ال ف رق في ذل ك بين اإلطالق والتع يين‪ ،‬ومن ش ك فيم ا‬
‫ذكرناه أو تردد فيه‪ ،‬فليعد للرسالة ليرى خطورة ما فيها‪ ،‬وأننا لم نتجن عليه‪ ،‬بل إن‬
‫في الكثير مما أهملناه أخطر مما ذكرناه‪.‬‬
‫وسنحاول هنا بناء على ذلك أن نطبق هذه القوانين السلفية على علم اء األم ة‬
‫من أتباع المذاهب األربعة أسوة بتلك التكف يرات الكث يرة ال تي نص عليه ا ابن عب د‬
‫الوه اب وتالمي ذه في ح ق علم اء من الم ذاهب اإلس المية المختلف ة‪ ..‬وس نرى من‬
‫خالل ذلك التطبيق أن الكفر في الرؤية السلفية شامل لألمة جميعا م ا ع دا أنفس هم‪..‬‬
‫وهم أنفسهم في خطر‪ ،‬ألنه يكفر بعضهم بعضا‪.‬‬
‫والقاعدة البسيطة التي يمكن من خاللها تطبيق تلك المق والت التكفيري ة على‬
‫أعيان أعالم المذاهب األربعة هو أنه بعد نشوء المذاهب العقدي ة‪ ،‬واختي ار الحنفي ة‬
‫للمدرسة الماتريدية‪ ،‬واختيار المالكية والشافعية وأكثر الحنابل ة للمدرس ة األش عرية‬
‫دخ ل راف د جدي د في التكف ير الس لفي ألص حاب الم ذاهب األربع ة‪ ،‬وه و التجهم‬
‫والتعطيل والقول بخلق القرآن الكريم‪ ،‬أو القول بخل ق ألف اظ الق رآن الك ريم‪..‬وه ذه‬
‫محل اتفاق بين السلفية في كفر المعتقدين بها‪ ..‬ألن أدنى ما يعتقده هؤالء جميعا ه و‬
‫نفي الجه ة عن هللا‪ ،‬وتف ويض أو تأوي ل م ا تش ابه من النص وص‪ ..‬ونح و ذل ك من‬
‫العقائد التي ال يشك أحد من السلفية في كفر معتقديها‪ ..‬بل ال يشكون في كف ر من لم‬
‫يكفرهم‪ ،‬كما رأينا تصريحاتهم الدالة على ذلك سابقا‪.‬‬
‫وبعد أن وجدت الطرق الصوفية‪ ،‬وصارت العادة جارية في اتب اع أص حاب‬
‫المذاهب ألصحاب الطرق الصوفية دخل رافد جدي د في التكف ير الس لفي ألص حاب‬
‫المذاهب األربعة هو التكفير بسبب التصوف‪ ،‬والذي سنراه ونرى غل و الس لفية في ه‬
‫في الفصل الخاص به‪.‬‬
‫وعندما أدخل ابن عبد الوهاب التوسل واالستغاثة ونحوها في الشرك أضاف‬
‫ألصحاب المذاهب األربعة كفرا جديدا‪ ،‬باإلضافة للتكفيرات السابقة‪ ..‬ه و القبوري ة‬
‫والوثنية والشرك األكبر‪ ..‬وبذلك تحول أصحاب المذاهب األربع ة أكف ر من اليه ود‬
‫والنصارى‪ ،‬بل أكفر من مشركي قريش‪.‬‬
‫وعن دما حص ل الص راع بين الدول ة العثماني ة ـ ال تي ك انت تتب نى الم ذهب‬
‫الحنفي‪ ،‬وتحترم سائر المذاهب ـ وآل سعود‪ ،‬أضافوا إلى التكفير تكف يرا آخ ر وه و‬
‫التكفير بالوالء للدولة الكافرة‪ ..‬وقد ذكرنا تصريحاتهم الدالة على ذلك سابقا‪.‬‬
‫وبذلك فإن السلفية ينظرون إلى الم ذاهب األربع ة‪ ،‬وكأنه ا خ زان من الكف ر‬
‫يتراكم بعضه على بعض‪ ،‬فكل عصر يضيف للتكفير السابق تكفيرا جديدا‪.‬‬
‫وقد أشار األلباني إلى ذل ك جميع ا في قول ه‪( :‬ف إن م ا أن ا في ه من االش تغال‬
‫بالمشروع العظيم ‪ -‬تقريب السنة بين يدي األمة ‪ -‬ال ذي يش غلني عن ه في كث ير من‬
‫‪ )(1‬تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة‪ ،‬ص‪.28‬‬

‫‪116‬‬
‫األحي ان ردود تنش ر في رس ائل وكتب ومجالت من بعض أع داء الس نة من‬
‫المتمذهبة واألشاعرة والمتصوفة وغيرهم‪ ،‬ففي هذا االنش غال م ا يغني ني عن ال رد‬
‫على المحبين الناشئين‪ ،‬فضال عن غيره)(‪)1‬‬
‫فقد اعتبر المتمذهبة بهذا من أعداء السنة مثلهم مثل األش اعرة والمتص وفة‪..‬‬
‫وه ذا وح ده ك اف في الدالل ة على تكف يرهم لألم ة جميع ا‪ ،‬ألن ه لم يتم ذهب به ذه‬
‫المذاهب غيرهم‪.‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬سنذكر هنا بعض النماذج من علماء المذاهب األربعة الكب ار‪،‬‬
‫والذين ال يصدق عليهم في المعايير السلفية إال حكم الكف ر على اإلطالق والتع يين‪،‬‬
‫ومن شك في ذلك فسيصبح كافرا بالمنطلق السلفي‪.‬‬
‫وبما أن عد ذلك كثير‪ ،‬ألنه يشمل كل علماء المذاهب األربع ة م ا ع د ال نزر‬
‫القليل منهم‪ ،‬فإن ا سنقتص ر على من وق ف منهم موقف ا س لبيا من ابن تيمي ة(‪ ،)2‬ألن‬
‫الردود على ابن تيمية تشمل اعتباره مجسما أو مشبها وذلك يعني ـ عند السلفية ـ أن‬
‫الراد جهمي معطل‪ ..‬أو تكون الردود عليه في موقفه من الصوفية‪ ..‬وذلك يع ني أن‬
‫الراد صوفي‪ ..‬أو تكون ال ردود علي ه في موقف ه من القب ور‪ ..‬وه ذا يع ني أن ال راد‬
‫قبوري مشرك وثني‪.‬‬
‫المدرسة الحنفية‪:‬‬
‫ذكرنا في المبحث السابق ذلك العداء الذي بين السلفية والمدرسة الحنفي ة من‬
‫أول نشوئها‪ ،‬فلذلك اتهم سلف الس لفية األوائ ل أب ا حنيف ة ب الكفر‪ ،‬وبمث ل ذل ك اتهم‬
‫سائر تالميذه‪ ،‬وخاصة أبو يوسف ومحمد بن الحسن‪ ،‬فق د ق ال ق ال عم رو بن علي‬
‫الفالس‪:‬سمعت يحيى القطان‪ ،‬وقال له جار له‪ :‬ح دثنا أب و يوس ف‪ ،‬عن أبي حنيف ة‪،‬‬
‫عن التيمي‪ ،‬فقال‪ :‬مرجئ‪ ،‬عن مرجئ‪ ،‬عن مرجئ(‪.)3‬‬
‫وقال نعيم بن حماد‪ :‬سمعت ابن المبارك‪ ،‬وذكروا عنده أب ا يوس ف؛ فق ال‪ :‬ال‬
‫تفسدوا مجلسنا بذكر أبي يوسف (‪.)4‬‬
‫ًا‬
‫وقال حبان بن موسى‪ :‬سمعت ابن المبارك‪ ،‬يق ول‪ :‬إني ألس تثقل مجلس في ه‬
‫ذكر أبي يوسف (‪.)5‬‬
‫ًا‬
‫وقال المسيب بن واضح‪ :‬ما سمعت ابن المبارك ذكر أحد بس وء ق ط؛ إال أن‬
‫رجًال قال له‪ :‬مات أبو يوسف؛ فقال‪ :‬مسكين يعقوب؛ ما أغنى عنه ما كان فيه (‪.)6‬‬
‫وقال عبدة بن عبدهللا الخراساني‪ :‬قال رج ل البن المب ارك‪ :‬أيم ا أص دق أب و‬
‫يوسف‪ ،‬أو محمد؟ قال‪ :‬ال تقل‪ :‬أيما أصدق؛ قل‪ :‬أيما أكذب(‪.)7‬‬
‫‪ )(1‬السلسلة الصحيحة (‪)6/285‬‬
‫‪ )(2‬استفدنا الكثير من المادة العلمية المرتبطة بالموض وع من كت اب [ابن تيمي ة وموق ف أه ل الس نة من ه]‪ ،‬للش يخ‬
‫عـادل كاظـم عـبدهللا‪.‬‬
‫‪ )(3‬تاريخ بغداد ‪.16/372‬‬
‫‪ )(4‬تاريخ بغداد ‪.16/372‬‬
‫‪ )(5‬تاريخ بغداد ‪.16/372‬‬
‫‪ )(6‬تاريخ بغداد ‪.16/372‬‬
‫‪ )(7‬تاريخ بغداد ‪.16/372‬‬

‫‪117‬‬
‫وقال زكري ا الس اجي‪ :‬يعق وب بن إب راهيم أب و يوس ف ص احب أبي حنيف ة؛‬
‫مذموم مرجئ(‪.)1‬‬
‫وقال عبدهللا بن إدريس‪ :‬كان أبو حنيفة ضاًال مضًال‪ .‬وأبو يوس ف فاس ق من‬
‫الفاسقين(‪.)2‬‬
‫وقال محمد بن إسماعيل البخاري‪ :‬يعقوب بن إب راهيم أب و يوس ف القاض ي؛‬
‫تركوه(‪.)3‬‬
‫وقال إسحاق بن منصور الكوسج‪ :‬قلت ألحمد بن حنب ل‪ :‬ي ؤجر الرج ل على‬
‫بغض أبي حنيفة‪ ،‬وأصحابه؟ فقال‪ :‬إي وهللا(‪.)4‬‬
‫وقال أبو الطيب طاهر بن عبدهللا الطبري‪ :‬سمعت أبا الحسن الدارقطني سئل‬
‫عن أبي يوسف القاضي‪ ،‬فقال‪ :‬أعور بين عميان(‪.)5‬‬
‫وقال محمد بن إسماعيل أبو إسماعيل‪ :‬سمعت أحمد بن حنب ل‪ ،‬وذك ر ابت داء‬
‫محمد بن الحسن؛ فقال‪ :‬كان يذهب مذهب جهم(‪.)6‬‬
‫وقال أبو زرعة الرازي‪ :‬كان محمد بن الحسن جهميًا(‪.)7‬‬
‫وقال زكريا الساجي‪ :‬محمد بن الحسن كان يقول بقول جهم‪ ،‬وكان مرجئًا(‪.)8‬‬
‫وقال يحيى بن معين‪ :‬كان محمد بن الحسن كذابًا‪ ،‬وكان جهميًا(‪.)9‬‬
‫وهكذا كان األمر من بعدهم‪ ،‬وخاصة بعد أن صار الحنفية ماتريدي ة العقائ د‪،‬‬
‫فق د كف رهم الس لفية حينه ا بتهم ة التجهم والتعطي ل‪ ..‬وبع د أن م ال أك ثرهم إلى‬
‫التصوف تحولوا جميعا إلى حلولية وقبورية ومشركين‪.‬‬
‫ومن العلماء الذين ينطبق عليهم التكفير السلفي لهذه األسباب وغيرها قاضــي‬
‫القضــاة الشــيخ شــمس الــدين أبوالعبــاس أحمــد بن إبــراهيم الّس روجي الحنفي‬
‫(المتوفى ‪ 710‬هـ)‪ ،‬والذي قال في ه م ترجموه‪( :‬وك ان بارع ًا في عل وم ش تى ول ه‬
‫اعتراضات على ابن تيمية في علم الكالم)(‪ ، )10‬وقال ابن حجر في ترجمت ه‪( :‬ومن‬
‫تصانيفه‪ :‬الرد على ابن تيمية‪ ،‬وهو فيه منصف متأدب صحيح المباحث‪ ،‬وبلغ ذل ك‬
‫ابن تيمية فتصدى للرّد على رّد ه)(‪)11‬‬
‫ورده على ابن تيمية في علم الكالم كاف في تكفيره عند السلفية‪ ،‬ألن القضايا‬
‫التي انتصر لها ابن تيمية في تصوره قضايا نهائية ال يحق ألحد الجدال فيها‪.‬‬

‫‪ )(1‬تاريخ بغداد ‪.16/372‬‬


‫‪ )(2‬تاريخ بغداد ‪.16/372‬‬
‫‪ )(3‬تاريخ بغداد ‪.16/372‬‬
‫‪ )(4‬السنة لعبدهللا بن أحمد ‪.228‬‬
‫‪ )(5‬تاريخ بغداد ‪.16/372‬‬
‫‪ )(6‬تاريخ بغداد ‪.2/561‬‬
‫‪ )(7‬تاريخ بغداد ‪.2/561‬‬
‫‪ )(8‬تاريخ بغداد ‪.2/561‬‬
‫‪ )(9‬تاريخ بغداد ‪.2/561‬‬
‫‪ )(10‬لنجوم الزاهرة‪ ،‬ابن تغردي بردي‪ ،‬ج‪ 9‬ص‪،213‬‬
‫‪ )(11‬رفع اإلصر عن قضاة مصر‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬ص ‪،42‬‬

‫‪118‬‬
‫ومنهم الفقيه أبــو الفتــح نصــر بن ســليمان المنبجي الحنفي (المت وفى ‪719‬‬
‫هـ) الذي قال عنه الذهبي‪( :‬الشيخ اإلمام القدوة‪ ،‬المقرئ‪ ،‬المحدث‪ ،‬النحوي‪ ،‬الزاه د‬
‫العابد القانت الرباني‪ ،‬بقي ة الس لف‪ ،‬أب والفتح نص ر بن س ليمان بن عم ر المنبجي‪،‬‬
‫نزي ل الق اهرة وش يخها)‪ ،‬وق د ذك ره ابن حج ر العس قالني ض من العلم اء ال ذين‬
‫عارضوا عقائد ابن تيمي ة‪ ،‬ب ل ك ان من أعظم الق ائمين علي ه والمحرض ين ض ده‪،‬‬
‫وكان يغري به بيبرس الجاشنكير(‪.)1‬‬
‫وقد ذكر ابن عبدالهادي المقدسي أن البن تيمية رسالة كتبها للش يخ المنبجي‬
‫وأسماها بالرسالة المصرية(‪ ،)2‬وقد ذكر ابن حجر الرسالة ـ وفيها م ا يكفي للدالل ة‬
‫على تكفير السلفية له ـ فقد جاء فيها‪( :‬واتفق الشيخ نصر المنبجي ك ان ق د تق دم في‬
‫الدولة العتقاد بيبرس الجاشنكير في ه فبلغ ه أن ابن تيمي ة يق ع في ابن الع ربي ألن ه‬
‫كان يعتقد أنه مستقيم‪ ،‬وأن الذي ينس ب إلي ه من االتح اد أو اإللح اد من قص ور فهم‬
‫من ينكر عليه‪ ،‬فأرس ل ينك ر علي ه وكتب إلي ه كتاب ًا ط ويًال ونس به وأصحـابه إلى‬
‫االتحاد الذي هو حقيقة اإللحاد فعظم ذلك عليهم) (‪)3‬‬
‫وقد اتهم ابن تيمية تيمية هذا الشيخ الجليل باإللحاد‪ ،‬قال ابن كثير‪( :‬وذلك أن‬
‫الشيخ تقي الدين بن تيمية كان يتكلم في المنبجي وينسبه إلى اعتقاد ابن عربي)‬
‫ومنهم الشيخ أحمد بن عثمان التركماني الجوزجاني الحنفي (المت وفى ‪744‬‬
‫هـ) الذي كتب رسالة في الرّد على ابن تيمية بعنوان (األبحاث الجلية في ال رد على‬
‫ابن تيمية)‬
‫ومنهم الشيخ أحمد بن عثمان التركماني الجوزجاني الحنفي (المت وفى ‪744‬‬
‫هـ) الذي كتب رسالة في الرّد على ابن تيمية بعنوان (األبحاث الجلية في ال رد على‬
‫ابن تيمية ) (‪)4‬‬
‫ومنهم الفقيه الشيخ محمد بن محمد العالء البخــاري الحنفي (المتوفى ‪841‬‬
‫هـ)‪ ،‬الذي قيل في ترجمته‪( :‬كان ُيسئل عن مقاالت ابن تيمية التي انفرد به ا فيجيب‬
‫بما ظهر له من الخطأ‪ ،‬وينفر عنه قلبه إلى أن استحكم ذلك عليه فص ّر ح بتبديع ه ثم‬
‫تكفيره‪ ،‬ثم صار ُيصرح في مجلسه أن من أطلق على ابن تيمي ة أن ه ش يخ اإلس الم‬
‫فهو بهذا اإلطـالق كافـر واشتهر ذلك‪)5( )..‬‬
‫ومنهم الفقيـه الشـيخ المال علي بن سـلطان محمـد القـاري الهـروي الحنفي‬
‫(المتوفى ‪ 1014‬هـ) الذي يعده السلفية قبوريا‪ ،‬وقد قال في (شـرح كـتاب الشفـا )‪:‬‬
‫(وقد فّر ط ابن تيمية من الحنابلة حيث حّر م السفر لزيارة النبي ‪)6()‬‬
‫ومنهم الفقيــه الشــيخ أبــو الحســنات محمــد عبــد الحي اللكنــوي الحنفي‬
‫الدرر الكامنة‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪147‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫العقود الدرية‪ ،‬ابن عبدالهادي‪ ،‬ص ‪،56‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الدرر الكامنة‪154 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫كتاب السلفية الوهابية ص ‪.. 136‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫البدر الطالع ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.. 137‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫شرح الشفا ‪ ،‬مال علي القاري ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.152‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫‪119‬‬
‫(المت وفى ‪ 1304‬هـ)‪ ،‬من علم اء الهن د‪ ،‬ص احب المص نفات الكث يرة في الفق ه‬
‫والحديث والتراجم ومنها كت اب (إبـراز الغي الواقـع )‪ ،‬ومم ا ذك ره في ه‪( :‬أق ول‪:‬‬
‫مسألة زيارة خير األنام ‪ ‬كالم ابن تيمية فيها من أفاحش الكالم‪ ،‬فإنه يحرم السفر‬
‫لزيارة قبر الرسول ‪ ‬ويجعل ه معص ية ويح رم نفس زي ارة الق بر النب وي أيض ًا‪،‬‬
‫ويجعلها غير مقدورة وغير مشروعة وممتنعة‪ ،‬ويحكم على األح اديث ال واردة في‬
‫الترغيب إليها كلها موضوعة من حس ن بعض ها‪ ،‬أو لعلمي أن علم ابن تيمي ة أك ثر‬
‫من عقله‪ ،‬ونظره أكبر من فهمه‪ ،‬وقد شّدّد عليه بسبب كالمه في هذه المسألة علم اء‬
‫عصره بالنكير‪ ،‬وأوجبوا عليه التعزيـر) (‪)1‬‬
‫ومنهم الفقيــه المحــدث الشــيخ محمــد زاهــد بن حســن الكــوثري الحنفي‬
‫(المتوفى ‪ 1371‬هـ) الذي ألف الس لفية الكتب الكث يرة في تكف يره‪ ،‬وه و من علم اء‬
‫تركيا الكبار وكان وكيل المشيخة اإلسالمية بدار الخالفة العثماني ة‪ ،‬وه و من كب ار‬
‫المخالفين البن تيمية وله معه وقف ات وردود كث يرة‪ ،‬منه ا قول ه‪( :‬ول و قلن ا لم يب ل‬
‫اإلسالم في األدوار األخيرة بمن هو أضر من ابن تيمية في تفري ق كلم ة المس لمين‬
‫لما كنا مبالغين في ذلك‪ ،‬وهو سهل متسامح مع اليه ود والنص ارى يق ول عن كتبهم‬
‫انها لم تح رف تحريف ًا لفظي ًا فاكتس ب ب ذلك إط راء المستش رقين ل ه‪ ،‬ش ديد غلي ظ‬
‫الحمالت على فرق المسلمين ال سيما الش يعة‪ ...‬ول وال ش دة ابن تيمي ة في رده على‬
‫ابن المطهر في منهاج ه إلى أن بل غ ب ه األم ر إلى أن يتع رض لعلي بن أبي ط الب‬
‫كرم هللا وجهه على الوجه الذي تراه في أوائل الجزء الثالث منه بطريق يأب اه كث ير‬
‫من أقحاح الخوارج مع توهين األحاديث الجيدة في هذا السبيل) (‪)2‬‬
‫وق ال في ال رد على ثن اء ابن تيمي ة على كت اب (النقض على المريس ي )‬
‫للدارمي‪( :‬فتب ًا البن تيمي ة وص احبه ابن القيم حيث كان ا يوص يان بكتاب ه ه ذا أش د‬
‫الوصية ويتابعان في كل ما في كتابه كما يظهر من صفحة خاصة منش ورة في أول‬
‫الكتاب‪ ،‬فأصبحا بذلك في صّف هذا المؤلف المجسم الفاقد العقل‪ ،‬فال إمام لمن اتخذ‬
‫ه ؤالء أئم ة في األص ول أو الف روع‪ ،‬ومن هن ا يظه ر ك ل الظه ور مبل غ ش ناعة‬
‫إتباعهما في شواذهما الفقهية بترك ما عليه أئمة الهدى فنعوذ باهلل من الخذالن) (‪)3‬‬
‫ومن كالمه في ابن تيمية‪( :‬وقد سئمت من تتبع مخازي هذا الرج ل المس كين‬
‫الذي ضاعت مواهبه في شتى البدع‪ ،‬وفي تكملتنا على (السيف الصقيل ) م ا يش في‬
‫غلة كل غليل إن شاء هللا تعالى في تعقب مخازي ابن تيمية وتلميذه ابن القيم)(‪)4‬‬
‫ومن السلفية الذين صرحوا بتكفيره الشيخ أبو عبد هللا محم د بن عب د الحمي د‬
‫حسونة الذي سماه (مجنون أبي حنيفة الجهمي الضال) (‪)5‬‬
‫ومنهم الشيخ مقبل بن هادي الوادعي الذي قال فيه‪( :‬من ض الالت الك وثري‬
‫سعادة الدارين في الرد على الفرقتين ‪ ،‬ابراهيم السمنودي ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪.173‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫اإلشفاق في أحكام الطالق ‪ ،‬محمد زاهـد الكوثري ‪ ،‬ص ‪.268‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مقاالت الكوثري ‪ ،‬محمد زاهد الكوثري ‪ ،‬ص ‪.265‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مقاالت الكوثري ‪ ،‬ص ‪.293‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪ )(5‬تسيير سرية من اجتماع الجيوش اإلسالمية‪ ،‬ص(‪)40-39‬‬

‫‪120‬‬
‫ع دو الس نة وأهله ا ‪( :‬تكف يره للع الم الرب اني والص ديق الث اني ابن القيم أعلى هللا‬
‫درجت ه ونقل ه عن بعض الرافض ة قول ه‪ :‬إن الش وكاني يه ودي مدس وس على‬
‫المسلمين) وسكوته عنه‪ ،‬ونق ل عن الفخ ر ال رازي أن كت اب التوحي د البن خزيم ة‬
‫[كتاب الشرك] وسكت‪ ..‬فهو رجل ضال مضل)(‪)1‬‬
‫ثم ق ال‪( :‬يع د من أئم ة المبت دعين والمعطل ة لص فات رب الع المين‪ ..‬حيث‬
‫يذهب في صفة العلو مذهب الجهمية المعطلة‪ ،‬وه و نفي عل و هللا تع الى بذات ه على‬
‫مخلوقاته‪ ،‬ويرى أن هللا تعالى ال داخل العالم وال خارجه ويقول عن الس لف‪ :‬ال ذين‬
‫أثبتوا علو هللا على خلق ه واس تواءه على عرش ه (ال ح ظ لهم في اإلس الم‪ ،‬غ ير أن‬
‫جعلوا صنمهم األرضي صنمًا س ماويًا)(‪ ..)2‬ثاني ًا‪ :‬ص فة االس تواء‪ :‬ت ابع الك وثري‬
‫فيها الجهمية‪ ،‬فعطل ص فة االس تواء‪ ،‬وح رف نصوص ها‪ ،‬وق ال ‪( :‬ولالس تواء في‬
‫كالم العرب خمس عشرة مع نى م ا بين حقيق ة ومج از‪ ،‬منه ا م ا يج وز على هللا ‪،‬‬
‫فيكون معنى اآلية‪ ،‬ومنه ا م ا ال يج وز على هللا بح ال‪ ،‬وه و م ا إذا ك ان االس تواء‬
‫بمعنى التمكن أو االستقرار (‪ .. )3‬ثالثًا‪ :‬صفة النزول‪ :‬تابع الك وثري فيه ا الجهمي ة‪،‬‬
‫فعط ل ص فة ال نزول‪ ،‬وح ّرف نصوص ها إلى ن زول المل ك (‪ .. )4‬وح رف ح ديث‬
‫النزول تحريفًا لفظيًا‪ ،‬فذكر لفظ [ُي نزل] بض م األول وه ذا عين المناقض ة لم ذهب‬
‫أهل السنة والجماعة‪ ..‬رابعًا‪ :‬صفة اليدين‪ :‬يذهب الكوثري في ص فة الي دين م ذهب‬
‫الجهمية المعطلة‪ ،‬فقد عطل صفة الي دين‪ ،‬وح رف نصوص ها إلى العناي ة الخاص ة‬
‫بدون توسط(‪ .. )5‬أو المراد من اليد‪ :‬القدرة (‪ ، )6‬وه ذا من اقض لم ذهب أه ل الس نة‬
‫والجماعة‪ ،‬فقد أثبتوا صفة اليدين كم ا ج اءت به ا النص وص‪ ،‬ومن لم يحمله ا على‬
‫الحقيقة عندهم فهو معطل ‪ ..‬خامسًا‪ :‬صفة الكالم‪ :‬تابع الكوثري الجهمية في تعطيل‬
‫صفة الكالم والقول بخلق القرآن‪ ،‬وح رف نصوص ها إلى الكالم النفس ي (‪ ،)7‬ب ل ‪..‬‬
‫ويعترف الكوثري بأنه ليس بينه وبين المعتزلة خالف في كون القرآن مخلوقا (‪، )8‬‬
‫كما أنه ال يرى ج واز س ماع كالم هللا تع الى‪ ،‬فلم يس مع من ه جبري ل؛ ألن كالم هللا‬
‫تعالى ليس بحرف وال بصوت (‪ ، )9‬وهذا مناقض لمذهب سلف األمة وأئمتها‪ ،‬الذي‬
‫يوافق األدلة العقلية الصريحة‪ ،‬وهو أن القرآن كالم هللا‪ ،‬منزل‪ ،‬غ ير مخل وق‪ ،‬من ه‬
‫بدأ‪ ،‬وإليه يعود فه و ‪-‬س بحانه‪ -‬المتكلم ب القرآن والت وراة واإلنجي ل وغ ير ذل ك من‬
‫كالمه ليس مخلوقًا منفصًال عنه بل سبحانه يتكلم بمشيئته وقدرته‪ ..‬موقفه من توحيد‬

‫فضائح ونصائح‪،‬ص(‪)266‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫تبديدالظالم‪ ،‬ص(‪)35،78‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مقاالت الكوثري‪،‬ص(‪)294،303‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مقاالت الكوثري‪ )349( ،‬وتبديد الظالم‪ )53،90( ،‬وتعليقاته على كت اب األس ماء والص فات‪-449( ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪)450‬‬
‫تعليقاته على كتاب األسماء والصفات‪)317( ،‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫تعليقاته على كتاب األسماء والصفات‪)314( ،‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫تأنيب الخطيب‪)97-96( ،‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫تعليق الكوثري على كتاب األسماء والصفات‪ ،‬ص (‪)251‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫تعليق الكوثري على كتاب اإلنصاف‪،‬ص(‪)95‬‬ ‫‪)(9‬‬

‫‪121‬‬
‫األلوهية‪ :‬اعتنق الكوثري من مهلكات القبورية‪ ،‬والبدع الش ركية‪ ،‬من ذل ك ‪ :‬ج واز‬
‫بناء المس اجد على القب ور ‪ :‬وادعى أن ه أم ر مت وارث كم ا في مقاالت ه (‪ ، )1‬وه ذا‬
‫خالف األحاديث الصحيحة في النهي عن بن اء المس اجد على القب ور ولعن فاعل ه‪..‬‬
‫جواز إيقاد السرج والشموع على القبور‪ ..‬جواز الصالة في مس جد جع ل على ق بر‬
‫رجل صالح بقصد التبرك بآثاره وإجابة دعائه (‪:) )2‬‬
‫ه ذه بعض األس باب ال تي كف ر به ا ال وادعي الك وثري‪ ،‬وق د نقلناه ا لن بين‬
‫انطباقها على أكثر علماء المذاهب األربعة‪.‬‬
‫ومن علم اء الحنفي ة ال ذين يش ملهم التكف ير الس لفي الشــيخ أحمــد خيـــري‬
‫المصــري (المت وفى ‪ 1387‬هـ)‪ ،‬وه و من ال ذين تتلم ذوا على الش يخ محم د زاه د‬
‫الكوثري بع د هجرت ه إلى مص ر‪ ،‬وبع د وف اة أس تاذه كتب كتاب ًا عن س يرته أس ماه‬
‫(اإلمـام الكوثـري )‪ ،‬وقد قال فيه‪( :‬وق د ع اش الم ترجم ط ول حيات ه خص مًا البن‬
‫تيمية ومذهبه‪ ،‬وسرد آراء األستاذ يخرج بالترجم ة عن القص د‪ ،‬وهي مبس وطة في‬
‫كث ير من تآليف ه وتعاليق ه‪ ،‬وعلى ال رغم من أن البن تيمي ة بعض المش ايعين اآلن‬
‫بمصر‪ ،‬فإنه سيتبين إن عاجًال وإن آجًال‪ ،‬ول و ي وم تع رض خفاي ا الص دور أن ابن‬
‫تيمية كان من الالعبين بديـن هللا‪ ،‬وأنه في جّل فتاواه كان يتبع ه واه وحس بك فس اد‬
‫رأيه في اعتبار السفر لزيارة النبي ‪ ‬سفر معص ية ال تقص ر في ه الص الة‪،)3() .‬‬
‫وهذا النص وحده كاف إلدانته وتكفيره عند السلفية‪.‬‬
‫ومنهم الشيخ محـمد أبو زهـرة (المت وفى ‪ 1394‬هـ)‪ ،‬ول ه عالق ة طيب ة ج دا‬
‫بأستاذه الكوثري‪ ،‬وقد أثنى عليه كثيرا‪ ،‬ومما يدينه به السلفية أنه سئل‪ ..( :‬قال أح د‬
‫الخطب اء على المن بر ي وم الجمع ة ب أن هللا خل ق الس موات واألرض في س تة أي ام‬
‫كأيامنا هذه وبدأ خلق األرض يوم األحد وفرغ من الخلق عصر يوم الجمعة‪ ،‬وخلق‬
‫اإلنسان بعد عصر يوم الجمعة ثم استوى على العرش فهو مس تو علي ه‪ ،‬ولم ا س ئل‬
‫عن العرش قال‪ :‬إنه الكرسي‪ ،‬وهو يوزع رسائل من تأليفه تثبت الجه ة هلل ويق ول‪:‬‬
‫إن العق ل ي وجب أن يك ون هللا في جه ة ألن م ا ليس في جه ة فه و مع دوم‪ ،‬ونحن‬
‫العوام قد تبلبلت أفكارنا ألننا نعتقد أن هللا في ك ل مك ان وه و معن ا أينم ا كن ا وه و‬
‫ثالث الثالثة ورابع األربعة‪ ،‬نرجو بيان األمر على صفحات المجلة؟)‬
‫فأجاب أبو زهـرة بقوله‪( :‬ما يقوله الشيخ إتّـباٌع لما قي ل عن ابن تـيميه فه و‬
‫في هذا يقل ده فيم ا روي عن ه في الرس الة الحموي ة‪ ،‬والحـق أن ه تع الى منـزه عن‬
‫المكان‪ ،‬ومنـزه عن أن يجلس كم ا يجلس البش ر‪ ،‬وأن العلم اء الص ادقين من عه د‬
‫الصحابة يفسرون هذا بتفسير ال يتفق مع المك ان‪ ،‬وال يمكن أن تفس ر األي ام الس تة‬
‫بأيامنا هذه‪ ،‬ألن أيامنا ناشئة من دوران األرض حول الشمس إال أن تفسر بمقدارها‬
‫ال بحقيقتها‪ ،‬وال نرى موافقة الشيخ في الخوض في هذه األم ور‪ ،‬ونب اب الموعظ ة‬

‫‪ )(1‬مقاالت الكوثري‪ ،‬ص(‪)157-156‬‬


‫‪ )(2‬مقاالت الكوثري‪)157-156( :‬‬
‫‪ )(3‬اإلمام الكوثري ‪ ،‬أحمد خيري ‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪122‬‬
‫وبيان الحقائق اإلسالمية التكليفية متسع‪ ،‬وهللا تعالى هو الموفق واله ادي إلى س واء‬
‫السبيل ) (‪)1‬‬
‫وهذا النص وحده كاف إلدانته السلفية ورميه بكل الموبق ات ال تي رم وا به ا‬
‫الجهمية والمعطلة‪.‬‬
‫المدرسة المالكية‪:‬‬
‫على الرغم من ثن اء ابن تيمي ة والكث ير من الس لفية على المدرس ة المالكي ة‪،‬‬
‫واعتبارها مدرسة سلفية‪ ،‬فإن هذا الثناء ـ عند التأمل فيه ـ نجده بال معنى‪ ،‬بل نج ده‬
‫نوعا من االحتيال والتالعب‪.‬‬
‫ونحن لن نناقشهم هنا في صاحب المذهب نفسه‪ ،‬ألن لهم رواي ات ترتب ط ب ه‬
‫تجعل ه س لفيا كس ائر س لفيتهم‪ ..‬وللمالكي ة رواي ات أخ رى تجعل ه جهمي ا عن د أه ل‬
‫الحديث‪ ،‬وتضع له من الصفات ما يتناقض مع الرؤية السلفية تماما‪.‬‬
‫وهذا المحل ليس محل مناقشة أمثال هذه المس ائل‪ ،‬ألن مرادن ا ه و المدرس ة‬
‫التي تشمل مئات ب ل آالف الفقه اء ال ذين توزع وا في الت اريخ والجغرافي ا لف ترات‬
‫طويلة‪ ،‬وألماكن كثيرة‪.‬‬
‫وكلهم ـ إن لم نقل أكثرهم ـ كان يقول بما تق ول ب ه األش اعرة من التأوي ل أو‬
‫التفويض‪ ،‬وال يعتقد بالجهة‪ ،‬ويقول بأن الحرف والصوت مخل وق‪ ،‬وغ ير ذل ك من‬
‫العقائد التي يكفر السلفية معتقدها‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذل ك البع د الص وفي ال ذي دخ ل الم ذاهب اإلس المية جميع ا‪،‬‬
‫وخصوصا المذهب الم الكي ال ذي ك ان الكث ير من أعالم ه الكب ار مش ايخ للط رق‬
‫الص وفية‪ ،‬ك ابن عط اء هللا الس كندري وغ يره‪ ..‬وهم ل ذلك يعت برون عن د الس لفية‬
‫حلولية وقبورية باإلضافة إلى تجهمهم وتعطيلهم‪.‬‬
‫لكن البعض قد يجادلنا بأن السلفية يثنون على الكث ير من أعالم المالكي ة‪ ،‬ب ل‬
‫ويس تدلون بهم في مواجه ة الب دع‪ ،‬والتحريف ات ال تي أدخله ا الخل ف على ال دين‪،‬‬
‫ومنهم وعلى رأس هم إب راهيم بن موس ى بن محم د اللخمي الغرن اطي الش هير‬
‫بالشاطبي (المتوفى‪790 :‬هـ)‪ ،‬ذلك الذي يسبحون بكتابه [االعتصام] صباح مس اء‪،‬‬
‫وعلى أساسه يبدعون الطرق الصوفية‪ ،‬والكثير من السلوكات العادية للمسلمين‪.‬‬
‫حتى أن الشيخ الف وزان س ئل في بعض دروس ه‪( :‬أحس ن هللا اليكم م ا رأيكم‬
‫بكتاب االعتصام لإلمام الشاطبي وكذلك كتابه الموافقات؟)‪ ،‬فأجاب بقوله‪( :‬ما مثلي‬
‫يحكم على كتاب االعتصام والموافق ات‪ ،‬االم ام الش اطبي ام ام جلي ل وإم ام تق دره‬
‫العلماء ويرجعون إلى كتابي ه االعتص ام والموافق ات‪ ،‬يرجع ون إليهم ا ويس تفيدون‬
‫منهما فال مجال للتهويل في شأن الكتابين او السؤال عن الشاطبي او كتابيه فإن هذا‬
‫معروف عن العلماء واألئمة وهما مرجعان عظيمان ألهل العلم)(‪)2‬‬
‫وهذا الكالم نوع من االحتي ال على الحقيق ة ال تي ي ؤمن به ا الف وزان نفس ه‪،‬‬
‫‪ )(1‬فتاوى الشيخ محمد أبوزهرة ‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ )(2‬من شريط تفسير المفصل من السور‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫واألمر فيه مثل األمر في ابن حج ر‪ ،‬وق د رأين ا أنهم يكفرون ه‪ ،‬ولكن ال يص رحون‬
‫بذلك‪ ،‬لمصلحة لهم فيه‪.‬‬
‫ولهذا كتب بعض الب احثين من الس لفيين مق اال مط وال في ال رد على موق ف‬
‫الف وزان‪ ،‬يلزم ه من خالل ه بتط بيق منهج ه ومنهج الس لف في تكف ير الش اطبي‪،‬‬
‫وعنوان المقال هو‪[ :‬الشاطبي بين حكم السلف على أمثاله وبين ثناء الفوزان]‬
‫وقد رد فيه بأدلة كثيرة ألزم بها الفوزان بم ا يعتق ده‪ ،‬وق دم ل ذلك بقول ه ـ ردا‬
‫على منهج التمييع السلفي ـ‪( :‬صدقت فلست أنت من يسأل عن الش اطبي وال مثل ك‬
‫من يحكم علي ه وعلى كتب ه ألن ك جاه ل بعقي دة الس لف ومنهجهم في التعام ل م ع‬
‫المبتدعة والزنادقة‪ ،‬فكم ل ك من تم ييع م ع أمث ال الش اطبي وم ع من هم أش د كف را‬
‫وزندقة منه‪ ،‬وما اعتراضك على كالم السلف في أبي جيفة [يقصد أب ا حنيف ة] عن ا‬
‫ببعيد)(‪)1‬‬
‫باإلض افة إلى ذل ك كتب بعض الس لفية(‪ )2‬من أص حاب المنهج الخفي في‬
‫التكفير كتابا في مخالفة الشاطبي لمعتقدات السلف‪ ،‬من دون تكفير له فيها‪ ،‬مع كونه‬
‫يكفر من هم دونه‪ ،‬وقد قال في مقدمة كتابه المس مى [اإلعالم بمخالف ات الموافق ات‬
‫واإلعتصام]‪( :‬فقد كان لمؤلفات أبي إسحاق الشاطبي أثٌر عظيٌم بين العلماء وطلب ة‬
‫العلم‪ ،‬تلقوها بالقبول‪ ،‬وتناولوها بالتعليم والشرح والتلخيص‪،‬وانتفع بها من ش اء هللا‬
‫من الناس‪ ،‬وأعظم ما ألفه كتابي (الموافقات) في أصول الشريعة و(االعتص ام) في‬
‫لزوم السنة والتحذير من البدع‪ ،‬وقد كان طرحه في الكتابين طرح ًا لم يس بق إلي ه‪..‬‬
‫ولما كان للشاطبي جهود في حرب البدعة‪ ،‬وحرب البدع مما اش تهر ب ه الس لفيون‪،‬‬
‫فقد انتشر بين الناس أن ه س لفي االعتق اد – ح تى بين بعض طلب ة العلم‪ ،-‬والحقيق ة‬
‫التي تظهر لكل من يقرأ كتابيه هذين أنه أشعري المعتق د في ب اب الص فات والق در‬
‫واإليم ان وغيره ا‪ ،‬ومرجع ه في أب واب االعتق اد هي كتب األش اعرة‪ ..‬وموق ف‬
‫الش اطبي من الب دع العملي ة (وهي الب دع في العب ادات) في تح ذيره منه ا وبي ان‬
‫مفاسدها والتشديد على التمسك بالسنة فيها موقف جيد‪ ،‬وعم ل مش كور‪ ،‬ولكن ه م ع‬
‫ذلك وقع في بدع األشاعرة والمتكلمين االعتقادية في الصفات والقدر وغيرها)(‪)3‬‬
‫وقد بين الكاتب السلفي أن هذا النوع من البدع ليس خاصا به فقط‪ ،‬ب ل ش مل‬
‫ك ل من يس تفيد الس لفية من م واقفهم من الب دع العملي ة‪ ..‬فهم ينقل ون عنهم في ه ذا‬
‫الباب‪ ،‬ويكفرونهم في باب البدع العقدية‪ ..‬وهذا من عجائب السلوكات الس لفية‪ ..‬فهم‬
‫يض ربون األم ة بعض ها ببعض‪ ..‬يض ربون الص وفية بالش اطبي‪ ..‬ويض ربون‬
‫الشاطبي بسلفهم األول‪.‬‬
‫يقول في ذلك‪( :‬ولم ينف رد الش اطبي به ذا األم ر بين العلم اء؛ فق د وق ع في ه‬
‫غيره كأبي بكٍر الطرطوش ي فإن ه أّل ف كت اب (الب دع والح وادث) في التح ذير من‬
‫‪ )(1‬مقال‪ :‬الشاطبي بين حكم السلف على أمثاله وبين ثناء الفوزان‪.‬‬
‫‪ )(2‬هو الشيخ ناصر بن حمد الفهد‪.‬‬
‫‪ )(3‬اإلعالم بمخالفات الموافقات واإلعتصام‪ ،‬ص‪.3‬‬

‫‪124‬‬
‫البدع العملية ومع ذلك فقد وافق األشاعرة في أصولهم‪ ،‬وكأبي شامة الدمش قي ف إن‬
‫ل ه كت اب (الب اعث في إنك ار الب دع والح وادث) في الب دع العملي ة وه و أش عري‬
‫المعتقد)(‪)1‬‬
‫ثم بين أن السبب في ذل ك يع ود إلى (أن علم اء الكالم لم يتطرق وا لمث ل ه ذه‬
‫األمور؛ لهذا لم يفسدوها بأصولهم فلم تلتبس على من أراد الحق وسعى إليه بخالف‬
‫االعتقادات كاألسماء والصفات والق در واإليم ان وغيره ا ف إن المتكلمين أفس دوها‬
‫بأص ولهم المبتدع ة وش بهوا على كث يٍر من العلم اء الفض الء فيه ا فوافق وهم في‬
‫أصولهم وبدعهم)(‪)2‬‬
‫وسأذكر هنا باختصار بعض م ا ذك ره من مخالف ات خط يرة لمنهج الس لف‪،‬‬
‫ليس لها حكم عندهم إال الكفير الصريح‪.‬‬
‫وأولها هو مواقفه العقدية‪ ،‬والتي لخصها الكاتب بقول ه‪( :‬ذهب الش اطبي إلى‬
‫مذهب األشاعرة – في الجملة ‪ -‬ففي ب اب الص فات أّول بعض ها كالفوقي ة وال نزول‬
‫والكالم وغيرها‪ ،‬وإن ذكر مذهب الصحابة والسلف في هذا وحّث على اتباعه فإنما‬
‫يعني به التفويض – تفويض المعنى والكيفي ة ‪ ،-‬وفي ب اب الق در أنك ر األس باب –‬
‫تبع ًا لألش اعرة‪ -‬وجع ل المس ببات الت دخل تحت ق درة المكل ف‪ ،‬وأنك ر التحس ين‬
‫والتقبيح العقليين تبعًا إلنكار األش اعرة للحكم ة وجعلهم األعي ان ال تتص ف بحس ٍن‬
‫وال قبٍح قبل ورود الشرع وأن هللا س بحانه إنم ا ي أمر وينهى لمحض المش يئة فق ط‪،‬‬
‫واتبع الشاطبي أيض ًا المتكلمين في كث يٍر من أص ولهم الكالمي ة في إثب ات الص انع‬
‫وحدوث العالم‪ ،‬وفي النبوات‪ ،‬وفي حكم الدالئل اللفظية وغيرها)(‪)3‬‬
‫ومع أن الكثير مما ذكره هنا يكفرون على أساسه إال أنه ـ من باب المص لحة‬
‫السلفية ـ توقف عن التكفير‪ ..‬ولست أدري دليله الشرعي في ذلك‪ ..‬وهل يمكن عقال‬
‫أن يكفر عامي بسيط بسبب إنك اره الجه ة‪ ،‬بينم ا يتس امح م ع ع الم جلي ل في عق ل‬
‫الشاطبي؟‬
‫بل إنه في رده عليه‪ ،‬ولست أدري هل فطن لذلك أم ال‪ ،‬ينقل من كالم الس لف‬
‫وابن تيمية ما يحكم عليه بالكفر‪ ،‬فمن الوجوه التي رد بها علي ه (الوج ه الراب ع‪ :‬أن‬
‫ه ؤالء المتكلمين ال ذين ابت دعوا في الص فات والق در والنب وات وفي غيره ا –وق د‬
‫تبعهم الشاطبي في ذلك‪ -‬قد سلكوا في استدالالتهم على بدعهم هذه طرق ًا مبتدع ة –‬
‫زعموها عقلية‪-‬تلقفوها من الفالسفة والجهمية والمعتزلة)(‪)4‬‬
‫وه ذا تكف ير محض‪ ،‬وإال فكي ف يس تقيم أن يعتق د نفس معتق دات الجهمي ة‬
‫والمعتزل ة‪ ،‬ثم يكف رون ويعفى عن ه‪ ..‬ولس ت أدري ن وع العف و‪ ..‬ه ل ه و ملكي أم‬

‫اإلعالم بمخالفات الموافقات واإلعتصام‪ ،‬ص‪.3‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫اإلعالم بمخالفات الموافقات واإلعتصام‪ ،‬ص‪.5‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلعالم بمخالفات الموافقات واإلعتصام‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اإلعالم بمخالفات الموافقات واإلعتصام‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪125‬‬
‫رئاسي؟‬
‫ثم ذك ر (مخالفت ه للس لف في توحي د الربوبي ة)‪ ،‬فق ال‪( :‬ذهب أب و إس حاق‬
‫الشاطبي إلى ما ذهب إليه المبتدعة في إثبات الصانع وإثب ات ح دوث الع الم باتب اع‬
‫طريقة األعراض وهي طريقة جهمية معتزلية مبتدع ة‪ ،‬فق د نق ل الش اطبي عن أبي‬
‫بك ٍر الطرطوش ي كالم ًا ط ويًال وفي ه قول ه‪( :‬ال طري ق إلى معرف ة ح دوث الع الم‬
‫وإثبات الصانع إال بثبوت األع راض)(‪ )1‬ـ ثم ق ال الش اطبي مق ّررًا لجمي ع كالم ه‪:‬‬
‫(وهو حسن من التقرير)‪ ،‬وهذه الطريقة هي طريق ة الجهمي ة والمعتزل ة في إثب ات‬
‫حدوث العالم وإثبات الص انع‪ ،‬وأول من ق ال به ا الجهم بن ص فوان مق دم الجهمي ة‬
‫وأب و اله ذيل العالف مق دم المعتزل ة‪ ،‬وق د ال تزموا من أجله ا ل وازم أفس دوا به ا‬
‫الدين‪،‬وأحدثوا البدع‪ ،‬وحرفوا النص وص‪ ،‬وخ الفوا المنق ول والمعق ول)(‪ ،)2‬وهك ذا‬
‫يرميه بجرائم المعتزلة والجهمية‪ ..‬ثم يكفرهم ويعفو عنه‪.‬‬
‫ثم يذكر (مخالفاته في توحيد األسماء والصفات) ال تي يكف رون على أساس ها‬
‫ك ل األم ة‪ ،‬فيق ول‪( :‬تع ددت مخالف ات الش اطبي في ه ذا التوحي د تبع ًا لمخالف ات‬
‫األشاعرة‪ ،‬فإنه إنما ينقل االعتقادات من كتبهم الكالمية‪ ،‬فكان إذا أراد عرض معتقد‬
‫الصحابة والسلف في الصفات عرضها بما يتوافق مع عقيدة المفّوضة – وه و نفس‬
‫فهم األشاعرة لمعتقد السلف ‪ ،-‬ويبني أحكامه في الصفات تبعًا أللف اٍظ مجمل ة‪ ،‬وإذا‬
‫تكلم عن بعض الصفات أّولها كتأويالت األشاعرة والمبتدعة‪ ،‬وإذا تع رض للخالف‬
‫بين المذهبين – يعني مذهب السلف وم ذهب الخل ف في الص فات – هـّو ن الخالف‬
‫بينهم وجعله شبيهًا بالخالفات الواقعة في الفروع)(‪)3‬‬
‫وقد ذكر كثرة مخالفاته في هذا الباب‪ ،‬فقال‪( :‬ولكثرة مخالفاته هذه فق د رأيت‬
‫أن أقسم هذا الفصل إلى أربعة مباحث‪)4()..‬‬
‫وبن اء علي ه ذك ر الكث ير من النص وص من االعتص ام أو الموافق ات وال تي‬
‫يحكموها على أمثالها‪ ،‬بل على م ا ه و دونه ا ب الكفر‪ ،‬ومن أمثل ة تل ك النص وص‪،‬‬
‫قول الشاطبي في (الموافقات)‪(:‬كما زعم أهل التشبيه في ص فة الب اري حين أخ ذوا‬
‫بظ اهر قول ه تع الى‪(:‬تج ري بأعينن ا)(مم ا عملت أي دينا)(وه و الس ميع البص ير)‬
‫(واألرض جميع ًا قبض ته ي وم القيام ة) وحكم وا مقتض اه بالقي اس على المخل وقين‬
‫فأس رفوا م ا ش اءوا)(‪ ،)5‬وه ذا طعن ص ريح من ه للس لفية وأه ل الح ديث ب رميهم‬
‫بالتشبيه‪ ،‬ومع ذلك لم يتشدد معه‪ ،‬كما تشدد مع من هم دونه‪.‬‬
‫وهكذا نقل عنه في (الموافقات) تحت قاع دة إذا ثبتت قاع دة عام ة أو مطلق ة‬
‫فال تؤثر فيها معارضة قضايا األعيان‪(:‬كما إذا ثبت لنا أص ل التنزي ه كلي ًا عام ًا ثم‬

‫االعتصام‪..723 /2 ،‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫اإلعالم بمخالفات الموافقات واإلعتصام‪ ،‬ص‪.12‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلعالم بمخالفات الموافقات واإلعتصام‪ ،‬ص‪.12‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اإلعالم بمخالفات الموافقات واإلعتصام‪ ،‬ص‪.12‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الموافقات‪.4/223 ،‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪126‬‬
‫ورد موضع ظاهره التشبيه في أمٍر خاٍص يمكن أن يراد به خالف ظ اهره على م ا‬
‫أعطته قاعدة التنزي ه فمث ل ه ذا ال ي ؤثر في ص حة الكلي ة الثابت ة)(‪ ،)1‬وه ذا النص‬
‫يقضي على كل البنيان السلفي‪ ،‬ومع ذلك لم يعره أهمية كبيرة‪.‬‬
‫وهذا نقل عنه قوله ‪ -‬تحت مسألة من الخالف ما يكون ظاهره الخالف وليس‬
‫في الحقيقة كذلك‪،‬وذك ر من أس بابه‪(:-‬التاس ع‪:‬أن يق ع الخالف في التأوي ل وص رف‬
‫الظ اهر عن مقتض اه إلى م ا دل علي ه ال دليل الخ ارجي‪ ،‬ف إن مقص ود ك ل مت أول‬
‫الص رف عن ظ اهر اللف ظ إلى وج ٍه يتالقى م ع ال دليل الم وجب للتأوي ل‪ ،‬وجمي ع‬
‫الت أويالت في ذل ك س واء‪ ،‬فال خالف في المع نى الم راد‪ ،‬وكث يرًا م ا يق ع ه ذا في‬
‫الظواهر الموهمة للتشبيه)(‪)2‬‬
‫وهكذا نقل عنه تعطيله لما يسميه السلفيه صفة العل و ـ وهي مم ا اتفق وا على‬
‫تكفير معطلها ـ ومما نق ل عن ه في ذل ك قول ه‪ ..( :‬ومثال ه في مل ة اإلس الم م ذاهب‬
‫الظاهري ة في إثب ات الج وارح لل رب –الم نزه عن النق ائص – من العين‪ ،‬والي د‪،‬‬
‫والرجل‪ ،‬والوجه‪ ،‬والمحسوسات‪ ،‬والجهة‪ ،‬وغير ذلك من الثابت للمحدثات)(‪)3‬‬
‫ونقل عنه من (االعتصام) قوله‪(:‬ال يشك في أن البدع يصح أن يكون منها ما‬
‫هو كفر كاتخاذ األصنام لتقربهم إلى هللا زلفى‪ ،‬ومنها م ا ليس بكف ر ك القول بالجه ة‬
‫عند جماعة)(‪ ،)4‬وهكذا خالفهم في أصل أصول اعتقادهم‪ ،‬ب ل جعل ه بدع ة وأق رب‬
‫إلى الكفر‪ ،‬بل مما وقع الخالف في تكفير القائل به‪..‬‬
‫ونقل عن ه من (الموافق ات) ـ تحت مس ألة م اال ب د من معرفت ه لمن أراد علم‬
‫الق رآن ـ قول ه‪( :‬ومن ذل ك معرف ة ع ادات الع رب في أقواله ا وأفعاله ا ومج اري‬
‫أحوالها حالة التنزيل‪ ،‬وإن لم يكن ثم سبب خاص ال بد لمن أراد الخ وض في عل وم‬
‫الق رآن من ه‪ ،‬وإال وق ع في الُش به واإلش كاالت ال تي يتع ذر الخ روج منه ا إال به ذه‬
‫المعرفة – ثم ذكر أمثلًة على ذلك ومنها قوله‪ :‬والثالث‪ :‬قول ه تع الى ﴿َيَخ اُفوَن َر َّبُهْم‬
‫ِم ْن َفْو ِقِهْم ﴾ [النحل‪َ﴿ ]50 :‬أَأِم ْنُتْم َم ْن ِفي الَّس َم اِء ﴾ [المل ك‪ ]16 :‬وأش باه ذل ك‪ ،‬إنم ا‬
‫جرى على معتادهم في اتخ اذ اآلله ة في األرض وإن ك انوا مق رين بإلهي ة الواح د‬
‫الح ق‪ ،‬فج اءت اآلي ات بتع يين الف وق وتخصيص ه تنبيه ًا على نفي م ا ادع وه في‬
‫األرض‪ ،‬فال يكون فيه دليل على إثبات جهة البتة)(‪)5‬‬
‫ومن العجب أنه في وجوه ردوده عليه ي ذكر كالم س لفه في تكف ير من يق ول‬
‫بذلك‪ ،‬وقد قال مق دما له ا‪( :‬م ذهب الش اطبي – كم ا يت بين من مجم وع النص وص‬
‫السابقة‪ -‬يدل على نفيه للعلو‪ ،‬ونفي العلو إنما ذهب إلي ه مت أخرو األش اعرة بع د أن‬
‫غلب عليهم التجهم واالعتزال‪ ..‬ب ل إن الجهمي ة األوائ ل والمعتزل ة ال ذين امتحن وا‬
‫الموافقات‪.4/10 ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الموافقات‪.5/216 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫االعتصام‪.1/305 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫االعتصام‪.2/707 ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الموافقات‪.4/154 ،‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪127‬‬
‫األئمة بخلق القرآن ك انوا ال يج رؤون على التص ريح به ذه العقي دة وإنم ا يلمح ون‬
‫إليها‪،‬كما قال حماد بن زيد وعباد بن العوام ووهب بن جري ر وأب و بك ر بن عي اش‬
‫وغيرهم رحمهم هللا تعالى‪( :‬إنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء شيء)(‪)1‬‬
‫ثم نقل قول ابن تيمية في ذلك –وهو يخ اطب األش اعرة‪( :-‬ووافقتم المعتزل ة‬
‫على نفيهم وتعطيلهم الذي ما كانوا يجترئون على إظهاره في زمن الس لف واألئم ة‬
‫وهو قولهم إن هللا ال داخل العالم وال خارج ه‪ ،‬وأن ه ليس ف وق الس ماوات رب‪ ،‬وال‬
‫على العرش إله‪ ،‬فإن هذه البدعة الشنعاء والمقالة التي هي شر من كثير من اليه ود‬
‫والنصارى لم يكن يظهرها أحد من المعتزلة للعام ة وال ي دعو عم وم الن اس إليه ا‪،‬‬
‫وإنما كان السلف يستدلون على أنهم يبطنون ذلك بما يظهرونه من مقاالتهم)(‪)2‬‬
‫وهكذا نقل تأويالت الشاطبي لالستواء ـ وهو مما اتفق س لف الس لفية وخلفهم‬
‫على اعتباره تأويله تجهما وكفرا ـ فق د ق ال (االعتص ام)‪(:‬بدع ة الظاهري ة ـ يقص د‬
‫الحشوية والسلفية ـ فإنها تجارت بقوٍم حتى قالوا عند ذكر قوله تع الى(على الع رش‬
‫استوى)‪ :‬قاعد‪ ،‬قاعد‪ ،‬وأعلنوا بذلك وتقاتلوا عليه)(‪)3‬‬
‫ومن الوجوه التي رد بها عليه‪ ،‬وال تحمل إال على التكفير قوله‪( :‬معتق د أه ل‬
‫السنة في االستواء سبق ذكره عند ذكر كالم ربيعة بن أبي عبدالرحمن ومال ك في ه‪،‬‬
‫وهو أن معنى االستواء معل وم لن ا ولكن الكيفي ة مجهول ة‪ ،‬وق د ك ان نفي االس تواء‬
‫عالمة من عالمات الجهمية ُيستدل بها عليهم‪ ،‬كما روى عبدهللا بن أحم د عن يزي د‬
‫بن هارون أنه سئل‪ :‬من الجهمية؟ قال‪ :‬من زعم أن (الرحمن على العرش اس توى)‬
‫على خالف ما يقر ذلك في قلوب العامة فهو جهمي) (‪)5())4‬‬
‫ولكن لس ت أدري لم لم يق ل ص راحة عن الش اطبي‪ :‬إن ه جهمي‪ ..‬م ع أنهم‬
‫يرمون بهذا كل من قال بذلك‪ ..‬بل يرمون به من توقف في ذل ك‪ ،‬أو لم يكف ر قائل ه‪،‬‬
‫ولكن موازين السلفية المتناقضة والمزاجية تقبل كل شيء‪.‬‬
‫وذكر له في هذا المقام ما يدل على طعنه على السلفية وأه ل الح ديث بس بب‬
‫أخذهم بظاهر لفظ االستواء‪ ..‬وهم يعتقدون أن من يفعل ذلك زنديق زنديق زن ديق ـ‬
‫كما ينقلون عن اإلمام أحمد ـ فق د ق ال الش اطبي‪(:‬حكى ابن الع ربي في (العواص م)‬
‫قال‪ :‬أخبرني جماعة من أهل السنة – ويعني بهم األشاعرة – بمدينة السالم أنه ورد‬
‫بها األستاذ أبو القاسم عب دالكريم بن ه وازن القش يري الص وفي من نيس ابور فعق د‬
‫مجلسًا للذكر وحضر فيه كافة الخلق‪ ،‬وقرأ القارئ (الرحمن على الع رش اس توى)‬
‫قال لي أخص هم‪ :‬من أنت –يع ني الحنابل ة – يقوم ون في أثن اء المجلس ويقول ون‪:‬‬

‫‪ )(1‬انظر (السنة) لعبد هللا بن أحمد ‪.118،127-1/117‬‬


‫‪ )(2‬نقال عن الصواعق المرسلة‪.2/404 ،‬‬
‫‪ )(3‬االعتصام‪.2/787 ،‬‬
‫‪ )(4‬السنة‪1/123 ،‬‬
‫‪ )(5‬اإلعالم بمخالفات الموافقات واإلعتصام‪ ،‬ص‪.32‬‬

‫‪128‬‬
‫قاعد‪ ،‬قاعد‪ ،‬بأرفع صوٍت وأبعده مدى‪ ،‬وث ار بهم أه ل الس نة – يع ني األش اعرة –‬
‫من أصحاب القشيري ومن أهل الحضرة وتثاور الفئتان‪)1( )..‬‬
‫ثم نقل موقفه من خلق القرآن الكريم ـ وقد رأينا موقف س لف الس لفية وخلفهم‬
‫منه ـ والذي عبر عنه ـ كما في (االعتصام) بقوله‪(:‬وأما كون الكالم ه و األص وات‬
‫والحروف فبناًء على عدم النظر في الكالم النفس ي وه و م ذكور في األص ول)(‪،)2‬‬
‫وقوله‪( :‬كالم الباري إنما نفاه من نف اه وقوف ًا م ع الكالم المالزم للص وت والح رف‬
‫وهو في حق الباري محال‪ ،‬ولم يقف مع إمكان أن يك ون كالم ه تع الى خارج ًا عن‬
‫مشابهة المعتاد على وجٍه صحيٍح الئٍق ب الرب‪ ،‬إذ ال ينحص ر الكالم في ه عقًال‪ ،‬وال‬
‫يج زم العق ل ب أن الكالم إذا ك ان على غ ير الوج ه المعت اد مح ال‪ ،‬فك ان من حق ه‬
‫الوقوف مع ظاهر األخبار مجردًا)(‪ ،)3‬وقوله ـ كما في (الموافق ات) ـ‪(:‬إن كالم هللا‬
‫في نفسه كالم واحد ال تعدد فيه بوجٍه وال باعتبار حسبما تبين في علم الكالم)(‪)4‬‬
‫وهذه األقوال جميعا مما ال شك عند السلفية جميعا في تكفير قائلها‪ ،‬فق د ذك ر‬
‫ابن تيمية وغيره (أن القول بأن كالم هللا سبحانه معنى نفسي وهو واحد ال تعدد في ه‬
‫وليس بحرٍف وال ص وت ق ول مح دث مبت دع في اإلس الم لم يع رف إال في الق رن‬
‫الث الث وأول من قال ه ابن ُكّالب وتبع ه على ذل ك األش عري واألش اعرة وه و مم ا‬
‫اختص به األشاعرة والكّالبية دون بقية المبتدعة) (‪)5‬‬
‫وق د رد الك اتب الس لفي على م ا ذك ره الش اطبي بقول ه‪( :‬ل ذلك فاألش اعرة‬
‫يقولون بأن األلفاظ والحروف التي بين أي دينا‪-‬في المص حف‪ -‬مخلوق ة –وه و نفس‬
‫كالم المعتزلة‪ -‬وقد اعترف علماؤهم ب أن الخالف بينهم وبين المعتزل ة لفظي‪ ،‬كم ا‬
‫قال الرازي في (المحصل)‪(:‬فالحاصل أن الذي ذهبوا إليه –يعني المعتزل ة – فنحن‬
‫ال ننازعهم فيه) وقال‪(:‬واعلم أننا ال ننازعهم في المعنى) (‪ ،)6‬ولهذا ق ال أب و محم د‬
‫بن قدام ة‪(:‬وم دار الق وم –يع ني األش اعرة ‪ -‬على الق ول بخل ق الق رآن ووف اق‬
‫المعتزل ة‪ ،‬ولكنهم أحب وا أن ال يعلم بهم ف ارتكبوا مك ابرة العي ان‪ ،‬وجح د الحق ائق‪،‬‬
‫ومخالفة اإلجماع‪ ،‬ونبذ الكتاب والس نة وراء ظه ورهم‪ ،‬والق ول بش ئ لم يقل ه قبلهم‬
‫مسلم وال كافر‪ ،‬ومن العجب أنهم ال يتجاسرون على إظهار قولهم وال التصريح ب ه‬
‫إال في الخلوات ولو أنهم والة األمر وأرباب الدولة) (‪)8())7‬‬
‫وه ذا الق ول وح ده في إدان ة الش اطبي ـ على حس ب الرؤي ة الس لفية العتقي ة‬
‫والجديدة ـ فالنصوص عندهم في تجريم وتكفير من يق ول بخل ق الق رآن ال ع د له ا‬
‫االعتصام‪.2/785 ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫االعتصام‪.1/307 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫االعتصام‪.2/843،844 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الموافقات‪.4/274 ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫انظر (الرد على من أنكر الحرف والصوت) ص‪ ،81،109‬و(الفتاوى) ‪.5/463،533،553‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫انظر (المحصل) ص ‪ ،172،173‬و (درء تعارض العقل والنقل) ‪.7/237‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫حكاية المناظرة في القرآن‪ ،‬ص ‪،34‬وانظر‪( :‬الرد على من أنكر الحرف والصوت) ص‪.137،181‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫اإلعالم بمخالفات الموافقات واإلعتصام‪ ،‬ص‪.37‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫‪129‬‬
‫وال حصر‪ ،‬وقد قال ابن تيمية ‪-‬مخاطبًا األشاعرة‪(:-‬وكذلك ق ولكم في الق رآن‪ ،‬فإن ه‬
‫لما اشتهر عند الخاص والعام أن م ذهب الس لف أن الق رآن كالم هللا غ ير مخل وق‪،‬‬
‫وأنهم أنكروا على الجهمية المعتزلة وغيرهم من ال ذين ق الوا الق رآن مخل وق ح تى‬
‫كفروهم‪ ،‬وصبر األئمة على امتح ان الجهمي ة م دة اس تيالئهم ح تى نص ر هللا أه ل‬
‫الس نة وأطف أ الفتن ة‪ ،‬فتظ اهرتم ب الرد على المعتزل ة وموافق ة الس نة والجماع ة‪،‬‬
‫وانتسبتم إلى أئمة السنة في ذلك‪ ،‬وعند التحقيق‪ :‬فأنتم موافق ون للمعتزل ة من وج ه‪،‬‬
‫ومخالفوهم من وجه‪ ،‬وما اختلفتم فيه أنتم وهم فأنتم أقرب إلى السنة من وج ه‪ ،‬وهم‬
‫أقرب إلى السنة من وجه‪ ،‬وقولهم أفسد في العقل والدين من وجه‪ ،‬وقولكم أفس د في‬
‫العقل والدين من وجه) (‪)1‬‬
‫وما دام األمر بهذه الص ورة‪ ،‬والمعتزل ة واألش اعرة متفق ان فيه ا‪ ،‬فلم يكف ر‬
‫المعتزلة بسببها ويسكت عن األشاعرة؟‬
‫بل إن ابن القيم يذكر ما هو أخط ر من ذل ك‪ ،‬فق ال‪(:‬فتأم ل األخ ّو ة ال تي بين‬
‫هؤالء – يعني األشاعرة‪ -‬وبين هؤالء المعتزلة ال ذين اتف ق الس لف على تكف يرهم‪،‬‬
‫وأنهم زادوا على المعتزل ة في التعطي ل‪ ،‬فالمعتزل ة ق الوا‪ :‬ه ذا الكالم الع ربي ه و‬
‫القرآن حقيقة ال عبارة عنه وهو كالم هللا وإنه مخلوق) (‪)2‬‬
‫هذه مجرد نماذج عن شخصية كبرى في الم ذهب الم الكي‪ ،‬له ا قيمته ا عن د‬
‫السلفية‪ ،‬ولكنهم ـ مع ذلك ـ وبحس ب ق وانينهم التكفيري ة ال يملك ون إال الحكم عليه ا‬
‫بالكفر‪.‬‬
‫ومثلها شخصية أخرى ال تزال تنال حظها من االهتمام لدى الس لفية باعتب ار‬
‫نصرتها ألحباب السلفية من بني أمية‪ ،‬وهي شخصية ابن العربي المــالكي‪ ..‬وال ذي‬
‫يستدلون بعواصمه وقواصمه كل حين‪ ..‬وفي نفس ال وقت يض مرون تكف يره‪ ،‬ألن ه‬
‫أشعري جلد كما يقولون‪ ..‬فهم يضربون به الشيعة وكل محبي آل البيت الطاهرين‪..‬‬
‫ويضربونه هو بعد ذلك لتجهمه وتعطيله وكفره‪.‬‬
‫فمن األدلة على الص ريحة على تجهم ه وتعطيل ه ـ بحس ب الرؤي ة الس لفية ـ‬
‫قوله بخلق القرآن‪ ،‬فقد جاء في كتابه [المسالك]‪( :‬قلنا‪ :‬ال دليل في ق ول أبي هري رة؛‬
‫ألنه قال‪( :‬اقرأ بها في نفسك يا فارسي)‪ .‬والقراءة في النفس تسمى قرآنًا حقيقة؛ كما‬
‫قال األخطل‪ :‬إن الكالم لفي الفؤاد‪ ،‬وإنما جعل الكالم على اللسان دليًال)(‪)3‬‬
‫وقال‪( :‬اعلم أن القرآن ال يتحدد معناه‪ ،‬وال يتقدر مقتضاه؛ فقد يراد ب ه الكالم‬
‫القديم الموجود بذات الرب تعالى‪ ،‬وقد يراد به القراءة الحادثة؛ كما قال تعالى‪َ﴿ :‬فِإَذ ا‬
‫َقَر ْأَناُه َفاَّتِبْع ُقْر آَنُه﴾‪ ،‬وقد يضاف إليه من حيث إنه موجود بذاته‪ ،‬وصفة من ص فاته‪،‬‬
‫وقد يراد به القراءة الحادثة؛ كما أنها توصف بأنها كالم ه؛ ق ال هللا تع الى‪َ﴿ :‬ف َأِج ْر ُه‬

‫‪ )(1‬الفتاوى الكبرى‪.6/632 ،‬‬


‫‪ )(2‬مختصر الصواعق‪ ،‬ص ‪.500‬‬
‫‪ )(3‬المسالك ‪..375-2/374‬‬

‫‪130‬‬
‫بذاته)(‪)1‬‬‫َح َّتى َيْس َم َع َكاَل َم ِهَّللا﴾‪ ،‬والثاني‪ :‬أنها داللة على كالمه الموجود‬
‫وقال‪( :‬قوله‪( :‬على سبعة أحرف) والحروف هاهنا‪ :‬هي القراءة باألص وات‪،‬‬
‫وهي ضد كالم البارئ سبحانه؛ ألن البارئ كالمه القديم الذي هو ص فة من ص فاته‬
‫ال تفارقه؛ ليس هو بصوت‪ ،‬وال حرف)(‪)2‬‬
‫وه ذه كله ا تص ريحات واض حة ال يحكم على ص احبها عن د الس لفية س لفهم‬
‫وخلفهم إال بالتكفير‪ ،‬وقد رأينا النصوص الدالة على ذلك‪ ،‬وإجماعهم عليه‪.‬‬
‫وهكذا ن راه ي ؤول ال نزول وينفي الحرك ة واالنتق ال عن هللا‪ ،‬وهم يعت برون‬
‫تأويل كل ذلك تعطيال وتجهم ا وكف را‪ ،‬فق د ق ال في كتاب ه الس ابق‪( :‬اعلم أن مع نى‬
‫النزول في اللغة‪ ،‬والقرآن‪ ،‬والسنة؛ ينطبق على تس عة مع ان؛ منه ا مع ان مختلف ة‪،‬‬
‫ولم يكن هذا اللفظ مما يخص أمرًا واحدًا؛ حتى ال يمكن العدول عنه إلى غ يره؛ ب ل‬
‫وجدناه مشترك المعنى؛ فاحتمل التأويل‪ ،‬والتخريج‪ ،‬وال ترتيب في ذل ك؛ فمن ذل ك‪:‬‬
‫النزول بمعنى االنتقال‪ ،‬والبارئ تعالى؛ يتنزه عنه‪ ،‬وإنما ذلك في المخلوق ات؛ مث ل‬
‫قوله تعالى‪َ﴿ :‬و َأْنَز ْلَنا ِم َن الَّس َم اِء َم اًء َطُهوًرا﴾؛ هذا على معنى النقلة‪ ،‬والتحويل)(‪)3‬‬
‫وقال‪( :‬وهذه الوجوه من القرآن واللغة؛ على أن البارئ تعالى ال يجوز علي ه‬
‫النقلة‪ ،‬وال الحركة‪ ،‬وأن نزوله بخالف مخلوقاته؛ إنما نزوله نزول رحمة وإحسان‪،‬‬
‫أو يكون كما قال بعض العلماء الصوفية‪ :‬إن نزوله ثلث اللي ل؛ إنم ا ه و ن زول من‬
‫حال الغضب إلى حالة الرحمة‪ ،‬وإال إذا أض فت ال نزول إلى الس كينة؛ لم يكن‪ ،‬وإذا‬
‫أضفته إلى الكالم؛ لم يكن أيضًا تفريغ مكان‪ ،‬وال شغل مكان‪ ،‬وإنما أراد ب ه‪ :‬إقبال ه‬
‫على أهل األرض بالرحمة‪ ،‬واالستعطاف بالتوبة‪ ،‬واإلنابة‪ .‬هذا تفسيره عند علمائنا‬
‫من أهل الكالم‪ .‬وأما من تعدى عليه بالتفسير‪ ،‬والقول النك ير؛ ف إنهم ق الوا‪ :‬في ه ذا‬
‫الحديث دليل على أن هللا تعالى في السماء على العرش من فوق سبع سماوات‪ .‬قلنا‪:‬‬
‫هذا جهل عظيم؛ إنما ق ال‪( :‬ي نزل إلى س ماء ال دنيا)‪ ،‬ولم يق ل في الح ديث‪ :‬من أين‬
‫ينزل‪ ،‬وال كيف ينزل)(‪)4‬‬
‫وقال‪( :‬وأما قوله‪( :‬ينزل) و(يجيء) و(يأتي) وما أشبه ذلك من األلف اظ ال تي‬
‫ال تجوز على هللا في ذاته معانيه ا؛ فإنه ا ترج ع إلى أفعال ه‪ ،‬وههن ا نكت ة‪ ،‬وهي أن‬
‫أفعالك أيها العب د؛ إنم ا هي في ذات ك‪ ،‬وأفع ال هللا ال يج وز أن تك ون في ذات ه‪ ،‬وال‬
‫ترج ع إلي ه‪ ،‬وإنم ا تك ون في مخلوقات ه؛ ف إذا س معت أن هللا يفع ل ك ذا؛ فمعن اه في‬
‫المخلوقات؛ ال في الذات)(‪)5‬‬
‫وهذا تصريح خاطر ليس له حكم عند السلفية إال الكفر‪ ..‬وإال ف إنهم ملزم ون‬
‫بالعفو عن كل الطوائف التي كفروها بمثل هذه األسباب‪ ،‬فال يستقيم عقال وال شرعا‬
‫أن يؤاخذ قوم بما يعفى به عن آخرين‪.‬‬
‫المسالك ‪..380-3/379‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫المسالك ‪..3/380‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المسالك ‪..3/447‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫المسالك ‪..450-3/449‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫المسالك ‪..3/452‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪131‬‬
‫ومثل ذلك تعطيله للجهة‪ ،‬وال تي كتب فيه ا الس لفية كتبهم الكث يرة‪ ،‬والممتلئ ة‬
‫بتكفير من ينكرها‪ ،‬فقد قال ابن العربي في نفيها‪( :‬والذي يجب أن يعتقد في ذلك‪ :‬أن‬
‫هللا كان وال شيء معه؛ ثم خلق المخلوقات من الع رش إلى الف رش؛ فلم يتغ ير‪ ،‬وال‬
‫حدثت له جهة منها‪ ،‬وال كان ل ه مك ان فيه ا؛ فإن ه ال يح ول‪ ،‬وال ي زول؛ ق دوس ال‬
‫يحول‪ ،‬وال يتغير)(‪)1‬‬
‫وهك ذا ق ال في تنزي ه هللا عن الج وارح‪ ،‬وال تي يس ميها الس لفية ص فات‪،‬‬
‫ويقيمون الدنيا ويقعدوها من أجلها‪ ،‬فقد قال ابن الع ربي فيه ا‪( :‬فص ل في مفترق ات‬
‫من اآلي ات‪ ،‬ومجم وع الوظ ائف من األح اديث المش كالت‪ ،‬وهي ثماني ة أح اديث‪:‬‬
‫الحديث األول‪ :‬وقع في الصحيح لمسلم؛ قوله‪( :‬إن هللا يمسك السماوات على إصبع‪،‬‬
‫والش جر وال ثرى على إص بع‪ ،‬والخالئ ق على إص بع؛ ثم يق ول‪ :‬أن ا المل ك)؛ ق ال‬
‫علماؤنا‪ :‬قد استقر في عقائد المسلمين؛ أن البارئ تع الى م نزه عن الجارح ة؛ ألن ه‬
‫إنم ا ي راد ب ه الق درة‪ ،‬واالجتم اع‪ .‬وق ال ق وم‪ :‬إن اإلص بع هن ا؛ هي النعم ة‪ .‬وق ال‬
‫آخرون‪ :‬إنما أراد به؛ أن هللا تعالى خلق الس ماوات واألرض‪ ،‬وم ا بينهم ا في س تة‬
‫أيام‪ ،‬ولم يدركه في ذلك لغوب وال نصب‪ .‬وقال آخرون‪ :‬يحتمل أن يريد باإلصبع‪:‬‬
‫بعض خلق ه‪ .‬وه ذا غ ير مس تنكر في ق درة هللا‪ .‬وق ال آخ رون‪ :‬ق د يري د أن تك ون‬
‫المخلوقات؛ اسم‪ :‬إصبع؛ فأخبر بخلق هذه األشياء عليه‪ .‬والغرض في هذا الح ديث‪:‬‬
‫إبطال أن تكون هلل جارحة؛ إلحالة العقل)(‪)2‬‬
‫وقال‪( :‬قوله‪( :‬إن هللا يطوي السماوات يوم القيامة؛ ثم يأخ ذهن بي ده اليم نى؛‬
‫ثم يقول‪ :‬أنا الملك‪ ،‬أنا الجبار‪ ،‬أين المتكبرون‪ ،‬ثم يطوي األرض بشماله‪ ،‬ثم يق ول‪:‬‬
‫أنا الملك‪ ،‬أين المتكبرون) قد تقدم الكالم في اليدين‪ ،‬واختالف األصوليين في ذل ك‪،‬‬
‫وإنهما بمعنى الصفة؛ ال بمعنى الجارحة)(‪)3‬‬
‫وق ال في تأوي ل م ا يس ميه الس لفية ص فة الض حك والعجب والق دم والوج ه‬
‫وغيرها‪( :‬قوله‪( :‬يضحك هللا‪)..‬؛ معناه‪ :‬يظهر لهما أدلة الكرامة وعالم ات الرض ا‪،‬‬
‫كما يفعل الضاحك منا لما يسر به‪ .‬قوله‪( :‬عجب ربكم من شاب ليس ت ل ه ص بوة)؛‬
‫معناه‪ :‬فعل به من الكرامة فعل المتعجب من فعل ه‪ ،‬وول ه ‪( :‬ال ت زال الن ار يلقى‬
‫فيها‪ ،‬حتى يض ع الجب ار فيه ا قدم ه) وفي بعض طرق ه‪( :‬ح تى يض ع الجب ار فيه ا‬
‫قدمه‪ ،‬فتقول‪ :‬ق ط ق ط)؛ ق ال علماؤن ا‪ :‬مع نى (قدم ه) خل ق من خلق ه يس مى ق دمًا؛‬
‫أضافه إضافة المل ك إلى نفس ه‪ ..‬وق ال آخ ر‪ :‬معن اه‪ :‬أن الب ارئ تع الى يخل ق خلق ًا‬
‫يسمى قدمًا؛ يمأل بهم جهنم‪ .‬قول ه‪( :‬إذا ض رب أح دكم عب ده فليت ق الوج ه‪ ،‬ف إن هللا‬
‫خلق آدم على صورته)؛ معناه‪ :‬على صورة المضروب‪ ،‬فاله اء عائ دة على عب ده‪،‬‬
‫وغير ذلك من األحاديث المشكالت‪ ،‬والتأويل عليها يطول)(‪)4‬‬

‫المسالك ‪..3/451‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫المسالك ‪..464-3/463‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المسالك ‪..3/463‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫المسالك ‪.464-3/463‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪132‬‬
‫هذه مج رد أمثل ة ونم اذج عن مقوالت ه المرتبط ة بخل ق الق رآن الك ريم وم ا‬
‫يسميه السلفية [الصفات الذاتية والفعلية]‪ ،‬باإلضافة إلى ه ذا فإن ه يحم ل بش دة على‬
‫أهل الحديث والسلفية ويس خر من تش بيههم وتجس يمهم‪ ..‬وليس لك ل ه ذا حكم عن د‬
‫السلفية إال الكفر‪.‬‬
‫وهم مدعوون بهذا إما إلى إزال ة أمث ال ه ذه المس ائل من ق اموس تكف يرهم‪،‬‬
‫وإال تطبيقها على ابن العربي مثله مثل سائر العلماء‪ ..‬وإال فإنه ال يجوز ش رعا وال‬
‫عقال المحاباة والمجاملة في أمثال هذه المسائل‪.‬‬
‫ومن المالكيــة الــذين يصــدق عليهم التكفــير الســلفي قاض ي القض اة الفقي ه‬
‫المحدث الشيخ تقي الدين محمد بن أبي بك ر بن عيس ى الس عدي اإلخن ائّي الم الكي‬
‫المصري (المتوفى ‪ 750‬هـ)‪ ،‬والذي كان من العلم اء ال ذين وقف وا بش دة في وج ه‬
‫ابن تيمية وخاص ة في مواقف ه من الزي ارة والقب ور والتوس ل وغيره ا مم ا يس ميه‬
‫السلفية [الشرك في توحيد األلوهية]‪ ،‬والذي على أساسه كف ر ابن عب د الوه اب ابن‬
‫فيروز وغيره من علماء زمانه‪ ،‬فمن كتبه في ه ذا المج ال‪( :‬المقـالة المرض ية في‬
‫الرّد على من ينكر الزيارة المحمدية)‬
‫ويضاف إلى ذلك وقوفه في وجه دعوة التوحيد ـ كما يع بر ابن عب د الوه اب‬
‫وتالمي ذه ـ وذل ك عن دهم من أك بر مص ادر الكف ر‪ ،‬ق ال ابن حج ر العس قالني في‬
‫ترجمته‪( :‬وكان كث ير الح ط على الش يخ تقي ال دين بن تيمي ة وأتباع ه‪ ،‬وه و ال ذي‬
‫ع زر الش هاب ابن م ري وك ان على طريق ة الش يخ تقي ال دين ويتكلم على الن اس‬
‫بلسان الوعظ لما قدم مصر‪ ..‬إلى أن ج رت مس ألة التوس ل فتكلم فيه ا بكالم ش يخه‬
‫فأنكروا عليه‪ ،‬وبلغ ذلك القاضي فطلبه وعزره‪ ،‬وطوف به وبالغ في إهانته وتألم له‬
‫كثير من الناس) (‪)1‬‬
‫ومن المالكية الذين ينطبق عليهم التكفير السلفي المفتي الفقيه الشيخ ض ياء‬
‫الدين خلي ل بن إس حاق الم الكي (المت وفى ‪ 776‬هـ)‪ ،‬ال ذي يعت بر كتاب ه (مختص ر‬
‫الشيخ خليل) من أشهر المختص رات الفقهي ة على م ذهب المالكي ة‪ ،‬ب ل ربم ا ك ان‬
‫أشهرها على اإلطالق في القرون المتأخرة‪ ،‬ويشهد لذلك عناية العلماء به وعك وف‬
‫طالب العلم على حفظه ودراسته‪ ،‬وتلقيهم له بالقبول إلى اليوم‪.‬‬
‫و له باإلضافة إلى هذا كت اب في مناس ك الحج والزي ارة‪ ،‬نق ل عب ارات من ه‬
‫عدٌة من فقهاء المالكية‪ ،‬منهم اإلمام الزرقاني ال ذي ق ال في كتاب ه (ش رح الم واهب‬
‫اللدنية)‪( :‬ونحو هذا في منسك العالمة خلي ل‪ ،‬وزاد‪( :‬وليتوس ل ب ه ‪ ،‬ويس أل هللا‬
‫تعالى بجاهه في التوسل به‪ ،‬إذ هو محط جب ال األوزار وأثق ال ال ذنوب‪ ،‬ألن برك ة‬
‫شفاعته وعظمها عند ربه ال يتعاظمها ذنب‪ ،‬ومن اعتقد خالف ذل ك فه و المح روم‬
‫الذي طمس هللا بصيرته وأضل سريرته‪ ،‬ألم يسمع قوله تعالى ﴿ ولو أنهم إذا ظلم وا‬
‫أنفسهم جاؤوك ﴾‪ ،‬فقال الزرقاني ُم علقًا على كالم الخليل بن إس حاق‪( :‬ولع ل م راده‬

‫‪ )(1‬رفع اإلصر‪ ،‬ص ‪.353‬‬

‫‪133‬‬
‫‪)1‬‬
‫التعريض بابن تيـمية)(‪( )1‬‬
‫ومن أعيان المالكية‪ ،‬والذي كان يمثل ثقافــة زمانــه وأزمنــة كثيرة الرحال ة‬
‫الشيخ أبو عبدهللا محمد بن عبدهللا الل واتي الطنجي الش هير ب ابن بطوط ة (المت وفى‬
‫‪ 779‬هـ)‪ ،‬والذي يسميه السلفية [القبوري]‪ ،‬ويحكمون بشركه‪ ،‬ويحاربون ه في ك ل‬
‫محل بسبب قوله في كتابه (تحفة النظ ار في غ رائب األمص ار وعج ائب األس فار)‬
‫عند ذكر ما شاهده في دمشق عندما زارها‪( :‬وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابل ة‬
‫تقي الدين بن تيمية كبير الشام يتكلم في الفنون‪ ،‬إال أن في عـقله شـيئًا‪ .‬وك ان أه ل‬
‫دمشق يعظمونه أشد التعظيم‪ ،‬ويعظهم على المنبر‪ ،‬وتكلم مرة بأمر أنك ره الفقه اء‪،‬‬
‫ورفعوه إلى الملك الناص ر ف أمر بإشخاص ه إلى الق اهرة‪ ،‬وجم ع القض اة والفقه اء‬
‫بمجلس الملك الناصر‪ ،‬وتكلم شرف الدين ال زواوي الم الكي وق ال‪ :‬إن ه ذا الرج ل‬
‫قال كذا وكذا‪ ،‬وعدد ما أنك ر على ابن تيمي ة‪ ،‬وأحض ر العق ود ب ذلك ووض عها بين‬
‫يدي قاضي القضاة وقال قاض ي القض اة البن تيمي ة‪ :‬م ا تق ول؟ ق ال‪ :‬ال إل ه إال هللا‬
‫فأعاد عليه فأجاب بمثل قوله‪ .‬فأمر الملك الناص ر بس جنه فس جن أعوام ًا‪ ،‬وص نف‬
‫في السجن كتابًا في تفسير القرآن سماه البحر المحيط‪ ،‬في نحو أربعين مجلدًا‪ .‬ثم إن‬
‫أمـه تعرضت للملك الناصر‪ ،‬وشكت إليه‪ ،‬فأمر بإطالقه إلى أن وقع من ه مث ل ذل ك‬
‫ثاني ة‪ .‬وكنت إذ ذاك بدمش ق‪ ،‬فحض رته ي وم الجمع ة وه و يع ظ الن اس على من بر‬
‫الج امع وي ذكرهم‪ ،‬فك ان من جمل ة كالم ه أن ق ال‪ :‬إن هللا ينـزل إلى س ماء ال دنيا‬
‫ك نزولي ه ذا ون زل درج ة من درج المن بر‪ ،‬فعارض ه فقي ه م الكي يع رف ب ابن‬
‫الزهراء وأنكر ما تكلم به‪ ،‬فقامت العامة إلى هذا الفقي ه وض ربوه باألي دي والنع ال‬
‫ضربًا كثيرًا حتى سقطت عمامته‪ ،‬وظهر على رأسه شاش ية حري ر‪ ،‬ف أنكروا علي ه‬
‫لباسها واحتملوه إلى دار عز الدين بن مسلم قاضي الحنابل ة‪ ،‬ف أمر بس جنه وع زره‬
‫بعد ذلك‪ ،‬فأنكر فقهاء المالكية والشافعية ما كان من تعزيره‪ ،‬ورفعوا األمر إلى ملك‬
‫األمراء سيف الدين تنك يز‪ ،‬وك ان من خي ار األم راء وص لحائهم‪ ،‬فكتب إلى المل ك‬
‫الناصر بذلك‪ ،‬وكتب عقدًا ش رعيًا على ابن تيمي ة ب أمور منك رة‪ ،‬منه ا أن المطل ق‬
‫بالثالث في كلمة واحدة ال تلزمه إال طلقة واحدة ومنها المسافر ال ذي ين وي بس فره‬
‫زيارة القبر الشريف زاده هللا طيبًا ال يقصر الصالة‪ ،‬وسوى ذل ك م ا يش بهه وبعث‬
‫العقد إلى الملك الناصر فأمر بس جن ابن تيمي ة بالقلع ة‪ ،‬فس جن به ا ح تى م ات في‬
‫السجن) (‪)2‬‬
‫ومن أعالم المالكية الكبار الذين يشملهم التكفير السلفي العالمة الكبير الش يخ‬
‫أبوعبدهللا محمد بن عرفة التونسي الورغمي المالكي (المتوفى ‪ 803‬هـ)‪ ،‬فق د ق ال‬
‫الشيخ الكتاني في كتابه (فهرس الفهارس ) عند ترجم ة ابن تيمي ة‪( :‬ومن أش نع م ا‬
‫نقل عن ابن تيمية أيضًا قوله في حق شفاء القاضي عياض‪ :‬غال هذا المغيربي)(‪)3‬‬

‫‪ )(1‬شرح المواهب اللدنية ‪ ،‬الزرقاني ‪ ،‬ج ‪ 12‬ص ‪.219‬‬


‫‪ )(2‬تحفة النظار في غرائب األمصار ‪ ،‬ابن بطوطة ‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪ )(3‬فهرس الفهارس ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 278‬‬

‫‪134‬‬
‫ومنهم الش يخ أحـمد زروق الم الكي (المت وفى ‪ 899‬هـ) ال ذي ق ال عن ابن‬
‫تيمية‪( :‬ابن تيمي ة رج ل مس لم ل ه ب اب الحف ظ واإلتق ان‪ ،‬مطع ون علي ه في عقائ د‬
‫اإليمان‪ ،‬مثل وب بنقص العق ل فض ًال عن العرف ان‪ ،)1( )..‬ومن طعن في عقائ د ابن‬
‫تيمية ـ عند السلفية ـ ليس له حكم إال الكفر‪.‬‬
‫ومنهم الشيخ محمد البرلسي الرشيدي المالكي‪ ،‬ال ذي ق ال‪( :‬وق د تجاس ر ابن‬
‫تيمية عامل ه هللا بعدل ه وادعى أن الس فر لزي ارة الن بي ‪ ‬مح رم باإلجم اع‪ ،‬وأن‬
‫الصالة ال تقصر فيه لعصيان المسافر ب ه‪ ،‬وأن س ائر األح اديث ال واردة في فض ل‬
‫الزيارة موضوعة‪ ،‬وأطال بذلك بما تمجه األسماع وتنفر منه الطباع‪ ،‬وقد عاد شؤم‬
‫كالمه عليه حتى تجاوز إلى الجناب األقدس المستحق لك ل كم ال أنفس وح اول م ا‬
‫ينافي العظمة والكمال بادعائه الجه ة والتجس يم‪ ،‬وأظه ر ه ذا األم ر على المن ابر‪،‬‬
‫وشاع وذاع ذكره في األصاغر واألكابر وخالف األئمة في مسائل كثيرة‪ ،‬واستدرك‬
‫على الخلفاء الراش دين باعتراض ات س خيفة حق يرة‪ ،‬فس قط من عين أعي ان علم اء‬
‫األمة‪ ،‬وص ار ُم ثل ه بين الع وام فض ًال عن األئم ة‪ ،‬وتعقب العلم اء كلمات ه الفاس دة‬
‫وزيفوا حججه الداحض ة الكاس دة وأظه روا ع وار س قطاته‪ ،‬وبين وا قب ائح أوهام ه‬
‫وغلطاته‪ ،‬حتى ق ال في حق ه الع ز بن جماع ة‪ :‬إن ه و إال عب د أض له هللا وأغ واه‪،‬‬
‫وألبسه رداء الخزى وأرداه)(‪ ،)2‬وهذا النص وح ده ك اف عن د الس لفية لتس جيله في‬
‫قوائم الكفرة‪.‬‬
‫ومنهم المحدث الفقيه الشيخ محمد بن عبدالباقي الزرق اني الم الكي (المت وفى‬
‫‪ 1122‬هـ) ص احب (ش رح الموط أ )‪ ،‬و(ش رح المنظوم ة البيقوني ة )‪ ،‬و(ش رح‬
‫المواهب اللدنية )‪ ،‬وهي مراجع كبرى للمالكية وغيرهم‪ ،‬فقد قال الشيخ القس طالني‬
‫في (المواهب اللدنية ) ما يلي‪( :‬وقد روي أن مالك ًا لم ا س أله أب و جعف ر المنص ور‬
‫العباسي‪ :‬يا أبا عبدهللا أأستقبل رسول هللا ‪ ‬وأدعو‪ ،‬أم استقبل القبلة وأدعو؟ فق ال‬
‫له مالك‪ :‬ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك و وس يلة أبي ك آدم علي ه الس الم إلى‬
‫هللا عزوجل يوم القيامة‪ .‬لكن رأيُت منسوبًا للشيخ تقي الدين بن تيمية في منسكه‪ :‬أّن‬
‫هذه الحكاية كذب على مالك‪ ،‬وأّن الوقوف عند القبر بدع ة‪ ،‬ق ال‪ :‬ولم يكن أح ٌد من‬
‫الصحابة يقف عنده ويدعو لنفسه ولكن كانوا يس تقبلون القبل ة وي دعون في مس جده‬
‫‪ ، ‬قال‪ :‬ومالك من أعظم األئمة كراهية لذلك ) (‪)3‬‬
‫وقد عقب الشيخ الزرقاني في (شرح المواهب اللندنية ) على هذا بقوله‪( :‬هذا‬
‫تهور عجـيب‪ ،‬فإن الحكاية رواها أبو الحسن علي بن فه ر في كتاب ه فض ائل مال ك‬
‫بإسناد ال بأس به‪ ،‬وأخرجها القاضي عياض في الشفاء من طريق ه عن ش يوخ ع دة‬
‫من ثقات مشايخه‪ ،‬فمن أين أنها كذب وليس في إسنادها وضاع وال كذاب) (‪)4‬‬

‫شواهد الحق ‪ ،‬ص ‪. 453‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫شواهد الحق ‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫شرح المواهب اللدنية ‪ ،‬ج ‪ 12‬ص ‪. 194‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫شرح المواهب اللدنية ‪ ،‬ج ‪ 12‬ص ‪. 194‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪135‬‬
‫وقال تعليقا على قول ابن تيمية (وأن الوقوف عند القبر بدع ة‪ ،‬ق ال‪ :‬ولم يكن‬
‫أحٌد من الصحابة يق ف عن ده وي دعو لنفس ه )‪( :‬نفيـه م ردود علي ه من قص وره أو‬
‫مكابرته‪ ،‬ففي الشفاء ق ال بعض هم‪ :‬رأيت أنس بن مال ك أتى ق بر الن بي ‪ ‬فوق ف‬
‫فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصالة‪َ ،‬فَس ّلم على النبي ‪ ‬ثم انصرف) (‪)1‬‬
‫وقال تعليق ا على ق ول ابن تيمي ة (ولكن ك انوا يس تقبلون القبل ة وي دعون في‬
‫مسجده ‪ ، ‬ق ال‪ :‬ومال ك من أعظم األئم ة كراهي ة ل ذلك )‪( :‬ك ذا ق ال وه و خط أ‬
‫قبـيح‪ ،‬فإن كتب المالكية طافحة باس تحباب ال دعاء عن د الق بر مس تقبًال ل ه مس تدبر‬
‫القبلة) (‪)2‬‬
‫ثم قال تعليقا على ذل ك كل ه‪( :‬ولكن ه ذا الرج ل ابت دع ل ه م ذهبًا وه و ع دم‬
‫تعظيم القبور‪ ،‬وإنه ا إنم ا ت زار لل ترحم واالعتب ار بش رط أن ال ُيش ّد إليه ا رح ل‪،‬‬
‫فصار كل ما خالفه عنده كالصائل ال يبالي بما يدفعه‪ ،‬ف إذا لم يج د ل ه ش بهة واهي ة‬
‫يدفعه بها بزعمه‪ ،‬انتقل إلى دعوى أن ه َك ذب على من ُنس ب إلي ه‪ ،‬مجازفـة وع دم‬
‫نصفـه‪ ،‬وقد أنصف من قال فيه‪ :‬علمه أكبر من عقله‪)3( ) ...‬‬
‫وقيمة هذا الكالم هنا هو أن نظ رة المدرس ة المالكي ة لمال ك تختل ف اختالف ا‬
‫جذريا عن نظرة السلفية له‪ ،‬وكذا رواياتهم عنه تختلف اختالفا ج ذريا عن رواي ات‬
‫الس لفية ‪ ..‬ومطالع ة رواي ات المالكي ة عن مال ك ال تحكم علي ه إال ب الكفر عن د‬
‫السلفية ‪..‬‬
‫ومن أعالم المالكية الكبار الذين يشملهم التكف ير الس لفي الع الم الفقي ه الش يخ‬
‫أبوالمحاس ن جم ال ال دين يوس ف بن أحم د بن نص ر ال دجوي الم الكي (المت وفى‬
‫‪1365‬هـ)‪ ،‬فمن كالمه في رسالة بعثها إلى الشيخ الكوثري‪( :‬وأظن أنك ذك رَت لي‬
‫يوم كنا مع المرحوم الشيخ عبدالباقي سرور نعيم أن بعض علماء الهند ذك ر هن ات‬
‫ابن تيمية وزالته وأفاض في الرّد عليه ا‪ ..‬وق د ذك رَت حفظ ك هللا كث يرًا من هنات ه‬
‫التي خرق بها اإلجماع‪ ،‬وصادم بها المعق ول والمنق ول‪ ،‬وبينت مراجعه ا من كتب ه‬
‫وكتب تلميذه ابن القيم‪ ،‬وال معنى للمكابرة في ذلك بعد رسائله في العقائد المطبوع ة‬
‫في آخ ر فتاوي ه‪ ،‬وبع د م ا ق رره في مواض ع من منه اج الس نة وموافق ة المعق ول‬
‫والمنقول ورسائله الك برى إلى غ ير ذل ك من مؤلفات ه فق د ك ان س امحه هللا مولع ًا‬
‫بنشر تلك اآلراء الشاذة والعقائد الضالة كلما سنحت فرصة لتقرير معتقده الذي ملك‬
‫عليه مشاعره حتى أصبح عنده هو الدين كله‪ ،‬على ما فيه من جمود وحجود وخل ط‬
‫وخبط! وكذلك تلميذه ابن القيم رحمه هللا ك ان مس تهترًا بم ا ُج ّن ب ه ش يخه من تل ك‬
‫اآلراء المنحرفة‪ ،‬فكان دائمًا يرمي إليها عن قرب أو بعد حتى إنه في كتاب (الروح‬
‫) الكثير الفوائد التي تلطف األرواح لم ينس ما شغف به من تلك المقاالت الحمق اء)‬
‫(‪)4‬‬

‫شرح المواهب اللدنية ‪ ،‬ج ‪ 12‬ص ‪. 194‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫شرح المواهب اللدنية ‪ ،‬ج ‪ 12‬ص ‪. 194‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫شرح المواهب اللدنية ‪ ،‬ج ‪ 12‬ص ‪. 194‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫السلفية المعاصرة إلى أين ؟ ‪ ،‬محمد زكي إبراهيم‪ ،‬ص ‪.88‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪136‬‬
‫ثم قال ملخصا كل ما ذكره من مث الب ابن تيمي ة‪( :‬إن ابن تيمي ة في رأيي ال‬
‫يصح أن يكون إمامًا ألن اإلمامة الحقة ال ينالها من ُيقّد س نفسه ه ذا التق ديس‪ ،‬فإن ه‬
‫إذا قّد س نفسه كان متبع ًا آلرائه ا‪ ،‬غ ير متهم له ا‪ ،‬فك ان س ائرًا م ع أهوائه ا‪ ،‬غ ير‬
‫منحرف عنها‪ ،‬ومن اتبع هواه ضل عن سبيل هللا من حيث يدري أوال ي دري‪ ،‬ومن‬
‫قّد س نفسه لم يتبع سبيل المؤمنين شاء أم أبى‪ ..‬وقد أدى ذلك العالم الكبير ابن تيمية‪،‬‬
‫بس رعته –وال نق ول طيش ه– إلى أن يج ازف فيق ول‪( :‬لم ي رد ذك ر إب راهيم وآل‬
‫إبراهيم‪ ،‬في رواية من الروايات الواردة في الصالة على النبي ‪ ،‬مع أن ذل ك في‬
‫البخاري وهو يحفظه‪ ..‬وقد أنكـر حديث الزيـارة وهو صحيح كم ا أوض ح الس بكي‬
‫في (شفاء السقام ) إلى غير ذلك‪ ،‬مع أنه من الُح ّفاظ‪ ،‬وأش هر ش يء من مزاي اه ه و‬
‫أنه محدث‪ ،‬ولكنه التسرع ُيذهب من النفس رشدها‪ ،‬والمجازفة تعمي عين البص يرة‬
‫وتفقأ بصر العقل) (‪)1‬‬
‫ثم ق ال ردا على س لفية عص ره‪( :‬وأرج و أن تع ذرني فق د أه اج حفيظتن ا‬
‫واستثار الكامن منا ما ن راه اآلن من أولئ ك الزع انف ال ذين ي دعون االجته اد وق د‬
‫رددوا صدى مقال إمامهم ابن تيمي ة‪ ،‬وأك ثروا من ذك ر الكت اب والس نة وه و أبع د‬
‫الناس عنهما وأخالهم منهما‪.‬‬
‫فرقـة تدعـي الحديـث ولكـن‬
‫ال يكـادون يفقهـون حديثـا‬
‫ولو عقلوا لعلموا أنهم من مقلدة ابن تيمي ة على غ ير ه دى وال بص يرة‪ ،‬فهم‬
‫أعظم الناس جهًال‪ ،‬وأكبرهم دع وى‪ ،‬يع ادون المس لمين‪ ،‬ويكف رون المؤم نين‪ ،‬وال‬
‫غروا فقد كّفر أسالفهم من الخوارج علّي بن أبي طالب رضي هللا عن ه‪ ،‬واع ترض‬
‫جدهم األعلى ذو الخويصرة على النبي ‪)2()‬‬
‫وهذا النص وحده يكفي لتكفيره‪ ..‬بل وتكف ير آبائ ه وأج داده وك ل من يتص ل‬
‫به‪.‬‬
‫ومن أعالم المالكية الكبار الــذين يشــملهم التكفــير الســلفي العالم ة الحاف ظ‬
‫الشيخ أبي الفيض أحمد بن محم د بن الص ديق الغم اري الحس ني (المت وفى ‪1380‬‬
‫هـ) الذي لم تش فع ل ه حص انته ال تي اكتس بها من علم الح ديث‪ ،‬وكون ه من أعالم ه‬
‫الكبار في هذا العصر‪ ..‬فقد أل ف الس لفية في ش أنه وش أن تكف يره الكث ير من الكتب‬
‫والرسائل باعتباره جهميا قبوريا حلوليا صوفيا رافضيا‪ ..‬وغيرها من األلقاب‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك عداؤه الشديد البن تيمية وأهل الحديث‪ ،‬فقد كان ينتقده في‬
‫كل محل‪ ،‬ومن أقواله فيه قوله في (البرهـان الجـلي )‪( :‬ب ل بلغت الع داوة من ابن‬
‫تيمية إلى درجة المكابرة وانكار المحسوس فصّر ح بكل جرأة ووقاحة ول ؤم ونذال ة‬
‫ونفاق وجهالة أنه لم يصح في فضل علي عليه الس الم ح ديث أص ًال‪ ،‬وأن م ا ورد‬

‫‪ )(1‬السلفية المعاصرة إلى أين ؟ ‪ ،‬محمد زكي إبراهيم‪ ،‬ص ‪.88‬‬


‫‪ )(2‬السلفية المعاصرة إلى أين ؟ ‪ ،‬محمد زكي إبراهيم‪ ،‬ص ‪.88‬‬

‫‪137‬‬
‫منها في الصحيحين ال يثبت له فضًال وال مزية على غيره‪ ...‬ب ل أض اف ابن تيمي ة‬
‫إلى ذلك من قبيح القول في علي وآل بيته األطهار‪ ،‬وما دل على أنه رأس المن افقين‬
‫في عصره لقول النبي ‪ ‬في الحديث الصحيح المخرج في صحيح مسلم مخاطبـا‬
‫لعلي (ال يحب ك إال م ؤمن وال يبغض ك إال من افق) كم ا أل زم ابن تيمي ة ب ذلك أه ل‬
‫عصره وحكموا بنفاقه‪ ...‬وكيف ال يلزم بالنفاق مع نطقه قبح ه هللا بم ا ال ينط ق ب ه‬
‫مؤمن في حق فاطمة سيدة نساء العالمين وح ق زوجه ا أخي رس ول هللا ‪ ‬وس يد‬
‫المؤمنين‪ ،‬فقد قال في السيدة فاطمة البتول‪ :‬أن فيها شبهًا من المنافقين الذين وصفهم‬
‫هللا بقوله (َفِإْن ُأْع ُطوْا ِم ْنَها َر ُضوْا َو ِإن َّلْم ُيْع َطْو ْا ِم نَه ا ِإَذ ا ُهْم َيْس َخ ُطوَن ) ق ال لعن ة‬
‫هللا عليه‪ :‬فكذلك فعلت هي إذ لم يعطه ا أب و بك ر من م يراث وال دها ‪ ، ‬أم ا علّي‬
‫فقال فيه أنه أس لم ص بيًا وإس الم الص بي غ ير مقب ول على ق ول‪ ،‬ف رارًا من إثب ات‬
‫أسبقيته لإلسالم وجحودًا لهذه المزية‪ ،‬وأنه خ الف كت اب هللا تع الى في س بع عش رة‬
‫مسألة وأنه كان مخـذوًال حيثما توجه وأن ه ك ان يحب الرياس ة ويقات ل من أجله ا ال‬
‫من أجل الدين وأن كونه رابع الخلفاء الراش دين غ ير متف ق علي ه بين أه ل الٌّس نة‪..‬‬
‫وزعم قبحه هللا أن عليًا مات ولم ينس بنت أبي جهل ال تي منع ه الن بي ‪ ‬ال زواج‬
‫بها‪ ،‬بل فاه في حق ه بم ا ه و أعظم من ه ذا‪ ،‬فحكى عن بعض اخوان ه المن افقين أن‬
‫علي ًا حفيت أظف اره من التس لق على أزواج رس ول هللا ‪ ‬باللي ل‪ ،‬في أمث ال ه ذه‬
‫المث الب ال تي ال يج وز أن يتهم به ا مطل ق المؤم نين فض ًال عن س ادات الص حابة‬
‫رض ي هللا عنهم فض ًال عن أفض ل األم ة بع د رس ول هللا ‪ ، ‬فقّبح هللا ابن تيمي ة‬
‫وأخزاه وجزاه بما يستحق وقد فعل والحمد هلل‪ ،‬إذ جعله إمام كل ضال مض ل بع ده‪،‬‬
‫وجعل كتبه هادية إلى الضالل‪ ،‬فما أقبل عليها أحد واعتنى بش أنها إال وص ار إم ام‬
‫ضاللة في عصره) (‪)1‬‬
‫ومن أعالم المالكيــة الكبــار الــذين يشــملهم التكفــير الســلفي الحاف ظ الش يخ‬
‫محمد عبدالحي بن عبدالكبير الكتاني المغربي (المتوفى ‪ 1382‬هـ)‪ ،‬بسبب أشعريته‬
‫وصوفيته وموقفه من أهل الحديث عموم ا والس لفية خصوص ا‪ ،‬فق د ق ال في بعض‬
‫كتبه‪( :‬فإني أرى هذه الضالالت وما يتبعها من الشناعات ال تي ك ان أول م ذيع له ا‬
‫وموضح لظالمها الشيخ أحـمد بن تيميـة رحمه هللا تعالى وعفـا عنـه قد ك ادت اآلن‬
‫أن تشيع وفي كل بالد أهل السنة تذيـع‪)2( ) ...‬‬
‫وق ال في كتاب ه الش هير (فه رس الفه ارس واألثب ات ومعجم المع اجم‬
‫والمسلسالت )‪( :‬ومن أبشع وأشنع ما نقل عنه رحمه هللا قوله في حديث ينزل ربن ا‬
‫في الثلث األخير من الليل كنزولى هذا قال الرحالة ابن بطوطة في رحلته وش اهدته‬
‫نزل درج ة من المن بر ال ذي ك ان يخطب علي ه وق ال القاض ي أب و عبدهللا المق ري‬
‫الكبير في رحلته نظم الآللي في س لوك األم الي حين تع رض لش يخيه اب ني اإلم ام‬
‫التلمساني ورحلتهما ناظرا تقي الدين ابن تيمية وظهرا عليه وك ان ذل ك من أس باب‬
‫‪ )(1‬البرهان الجلي‪ ،‬أحمد الغماري ‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ )(2‬شواهد الحق ‪ ،‬ص ‪. 14‬‬

‫‪138‬‬
‫محنته‪ ،‬وكان له مقاالت ش نيعة من إم رار ح ديث ال نزول على ظ اهره وقول ه في ه‬
‫كنزولي هذا‪ ،‬وقوله فيمن سافر ال ينوي إال زيارة القبر الك ريم ال يقص ر لح ديث ال‬
‫تشد الرحال اه‪ ،‬ونقله عنه حفيده أبو العباس المقري في أزهار الري اض وأق ره م ع‬
‫أن تآليفه المتداولة اآلن بالطبع ليس فيها إال التوريك في مس ألة إبق اء المتش ابه على‬
‫ظاهره مع التنزي ه والتندي د ب المؤولين وه و على اإلجم ال مص يب في ذل ك‪ ،‬وأم ا‬
‫مسألة الزيارة فإنه انتدب للكالم معه فيها جماعة من األئمة األعالم وفوقوا إليه فيها‬
‫السهام كالشيخ تقي الدين السبكي والكمال ابن الزملكاني وناهيك بهما وتصدى لل ّرد‬
‫على ابن السبكي ابن عب د اله ادي الحنبلي ولكن ه ينق ل الج رح ويغف ل عن التع ديل‬
‫وسلك سبيل العنف والتشديد وقد رّد عليه وانتصر للسبكي جماعة منهم اإلمام ع الم‬
‫الحجاز في القرن الح ادي عش ر الش مس محم د علي بن عالن الص ديقي المكي ل ه‬
‫(الم برد المبكي في رّد الص ارم المنكي ) ومن أه ل عص رنا البـرهان إب راهيم بن‬
‫عثمان السمنودي المصري سماه (نصرة اإلمام السبكي برّد الصارم المنكي ) وك ذا‬
‫الحافظ ابن حجر له (اإلنارة بطرق حديث الزيارة ) وانظر مبحثه ا من فتح الب اري‬
‫والمواهب اللدنية وشروحها‪)1( ) ...‬‬
‫وهذا النص وحده كاف إلدانيته وتكفيره عند السلفية‪.‬‬
‫ه ذه مج رد نم اذج عن تكف ير الس لفية لكب ار علم اء المالكي ة في المج االت‬
‫المختلفة‪ ،‬ويقاس عليهم غيرهم‪ ..‬ألن إحصاء ذل ك مس تحيل لكثرت ه‪ ،‬وعلى العم وم‬
‫يمكن إطالق القول بأن األصل في كل متمذهب عندهم بمذهب مال ك الكف ر‪ ،‬وح تى‬
‫يخرج منه يحتاج إلى إثبات‪ ،‬ألن أكثر علماء المالكية إن لم نقل كلهم ك ان ل ه ص لة‬
‫بالمذهب األشعري‪ ،‬أو يقول بالتأويل‪ ،‬باإلض افة للبع د الص وفي ال ذي ش مل معظم‬
‫متأخري المالكي ة‪ ،‬باإلض افة للبع د القب وري نتيج ة تعظيم المالكي ة لرس ول هللا ‪‬‬
‫ولألولياء والصالحين‪.‬‬
‫المدرسة الشافعية‪:‬‬
‫وهي من المدارس التي شمل التكفير السلفي أكثر أعالمه ا‪ ،‬إن لم نق ل كلهم‪،‬‬
‫وقد نص على بعض النماذج من ذلك صراحة الشيخ سليمان بن سحمان‪ ،‬فقد صرح‬
‫بتكفير السبكي والرملي شارح المنهاج فقال‪( :‬فهذا الرجل الش هاب ال رملي إن ك ان‬
‫من المعروفين بالعلم ألني ال أعرف حاله فهو من جنس الس بكي وأض رابه الغ الين‬
‫ال ذين يص نفون في إباح ة الش رك زاعمين أن ذل ك من تعظيم الرس ول ثم ل و ك ان‬
‫الرملي من أهل العلم‪ ..‬هذا يوجب كفره وارتداده)(‪)2‬‬
‫فتطبيق هذا النص وحده على أعالم الشافعية كاف في تكفير جميع المدرس ة‪،‬‬
‫ذلك أن أكثر علماء الشافعية إن لم نقل كلهم كانوا إخوانا للسبكي والرملي‪ ،‬أو نس خا‬
‫مشابهة لهما‪ ..‬وحتى الذين يرضى عنهم السلفية مثل ابن حجر العسقالني‪ ،‬فقد رأينا‬
‫تصريحاتهم وتلميحاتهم في تكف يره‪ ،‬ومثل ه الن ووي‪ ،‬وس نرى تكف يرهم ل ه في ه ذا‬
‫‪ )(1‬فهرس الفهارس واألثبات ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪.227‬‬
‫‪ )(2‬الصواعق المرسلة‪..260 ،‬‬

‫‪139‬‬
‫المبحث‪.‬‬
‫بل قد صرح بعضهم بتكفير الّش افعي صاحب المذهب نفسه باعتب اره قبوري ا‬
‫متصّوفا ي زّك ي أب ا حنيف ة‪ ،‬ومن زكى الك افر ك افر‪ ،‬فق د ق ال‪( :‬الّش افعي الع اذرّي‬
‫االرتيابّي المرجئ الم ذهبّي الجل د قب وري متص ّوف ي زّك ي أب ا حنيف ة اّل ذي أجم ع‬
‫الّسلف على تكفيره‪ .‬وترّح مه عليه في كتابه [األّم ] يبّين أّن تض ليله ل ه ع نى ب ه في‬
‫أقصى الحاالت تبديعا دون تكفير) (‪)1‬‬
‫واستدل على قبوريته بما رواه علي بن ميمون ق ال‪ :‬س معت الش افعي يق ول‪:‬‬
‫(إنى ألتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم ‪ -‬يعني زائرا ‪ -‬ف إذا عرض ت‬
‫لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره‪ ،‬وسألت هللا تعالى الحاجة عنده‪ ،‬فما تبعد‬
‫عني حتى تقضى)(‪)2‬‬
‫باإلضافة إلى هذا فقد اتهم بالتشيع‪ ،‬واس تندوا في ذل ك كم ا ينق ل ال ذهبي إلى‬
‫موافقته الشيعة في عدة مسائل فقهية ك الجهر بالبس ملة والقن وت في ص الة الص بح‬
‫والتختم باليمين(‪.)3‬‬
‫وقد قال عنه الحافظ أحمد بن عب د هللا العجلي‪( :‬ه و ثق ة‪ ،‬ص احب رأي ليس‬
‫عنده حديث‪ ،‬وكان يتشيع)‪ ،‬وقد عل ق علي ه ال ذهبي بع د أن نق ل ذل ك عنـه بقول ه‪:‬‬
‫(فكـان العجـلي يوهم في اإلمام أبي عبد هللا التشيع لقوله‪:‬‬
‫إن كان رفضًا حب آل محمد فلشهد الثقالن أني رافضي(‪)4‬‬
‫ب ل إن يح يى بن معين ـ إم ام الج رح والتع ديل على اإلطالق عن د الس لفية ـ‬
‫حكم على الشافعي بأنه ليس بثقة‪ ،‬ومثله المحدث أبو عبيد القاسم بن سالم‪.‬‬
‫قال ابن عبد ال بر في [ج امع بي ان العلم وفض له]‪( :‬ومم ا نقم على ابن معين‬
‫وعيب به أيضًا قوله في الشافعي أنه ليس بثقة‪ ،‬وقيل ألحمد بن حنب ل‪ :‬أن يح يى بن‬
‫معين يتكلم في الشافعي‪ .‬فقال أحمد‪ :‬ومن أين يعرف يحيى الشافعي‪ ،‬وهو ال يعرف‬
‫وال يقول ما يقول الشافعي أو نحو هذا‪ ،‬ومن جهل شيئًا ع اداه‪ ..‬وقـد ص ح عن ابن‬
‫معين من طـرق أنه كان يتكلم في الشافعي على م ا ق دمت ل ك ح تى نه اه أحم د بن‬
‫حنبل‪ ،‬وقال له‪ :‬لم تر عيناك قط مثل الشافعي)(‪)5‬‬
‫أما الن ووي ـ ش ارح ص حيح مس لم وغ يره ـ فحال ه ال يختل ف عن ح ال ابن‬
‫حجر‪ ،‬ذلك أن الس لفية يرجع ون كث يرا إلى كتب ه‪ ،‬ويس تدلون به ا على خص ومهم‪،‬‬
‫وهذا ما جعلهم في حرج من التصريح بكفره‪ ،‬وإن كانوا يلمحون لذلك‪.‬‬
‫وق د كتب بعض هم كتاب ا في إثب ات كف ره‪ ،‬وفي ال رد على الس لفية المميع ة‬
‫والمرجئة ـ كما يذكر ـ وهو يلزمها بلوازم أقوالها في غيره‪ ،‬ألنه المع نى أن يف رق‬
‫‪ )(1‬انظ ر مق اال بعن وان‪ :‬الّش افعي الع اذرّي الم رجئ الم ذهبّي الجل د قب وري متص ّو ف ي زّك ي أب ا حنيف ة‪ ،‬مدون ة‬
‫الموحدين الغرباء‪.‬‬
‫‪ )(2‬تاريخ بغداد (‪)123 / 1‬‬
‫‪ )(3‬الرواة الثقات المتكلم فيهم بما اليوجب ردهم ص ‪.32‬‬
‫‪ )(4‬الرواة الثقات المتكلم فيهم بما اليوجب ردهم ص ‪.32‬‬
‫‪ )(5‬جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.160‬‬

‫‪140‬‬
‫بين الناس في األحكام الشرعية‪.‬‬
‫والكت اب بعن وان [بي ان تل بيس األش عرية ونقض ب دعهم الكفري ة]‪ ،‬وه و‬
‫إلبراهيم بن رجا الّش ّم رّي‪ ،‬وق د ق ال في مقدمت ه في بي ان وج وب تس مية المبتدع ة‬
‫والتح ذير منهم‪( :‬والمبت دع حق ه اإلهان ة والثن اء بالش ر والتح ذير والح ذر‪ ،‬ق ال‬
‫طاووس للناس لما رأى مبت دعًا يط وف في ال بيت‪( :‬ه ذا فالن‪ ،‬ف أهينوه)‪ ،‬والعم ل‬
‫بهذه الواجبات والسنن متوقفة على معرفة أصحابها ومعرفتهم متوقف ة على معرف ة‬
‫سنن السلف ومنهجهم في ه ذا الب اب‪ ،‬فص ار األم ر في غاي ة األهمي ة والض رورة‬
‫لتحقيق هذا المطلوب والتقرب إلى هللا عز وجل به‪ ،‬ألجل هذا وغيره صنف األئم ة‬
‫مصنفات مستقلة في بيان حال أهل الزيغ والكالم‪ ،‬وذكروا في مقامات تب يين الس نة‬
‫أئمة الس نة بأس مائهم‪ ،‬وجعل وا حب الم رء وذك ره لهم عالم ة على س نيته‪ ،‬وك ذلك‬
‫ذكروا رؤوس المبتدعة بأسمائهم وجعلوا ذكرهم عالم ة على ابت داع ذاك رهم‪ ،‬وق د‬
‫قال الوليد الكرابيسي –وصدق‪ -‬في وصف أهل السنة‪( :‬ألم ت روا إلى الواح د منهم‬
‫يجيء إلى الرجل الجليل فيبدعه‪ ،‬ويمزق في وجه ه)‪ ،‬هك ذا هم أه ل الس نة س اروا‬
‫على ما كان يبايع به النبي ‪ ‬أصحابه من (أن يقولوا الح ق أينم ا ك ان وال يخ افوا‬
‫في هللا لومة الئم)‪ ،‬فالواجب على كل متبع صادق في اتباعه إعم ال ه ذا المنهج في‬
‫الحكم على الصغير والكبير مهما عظمت منزلت المرء عند بعض الخلق فال يخاف‬
‫السني في هللا لومة الئم)(‪)1‬‬
‫وبناء على هذه الدوافع التي سنها السلفيون األوائل‪ ،‬وال تي ال يك ون الس لفي‬
‫س لفيا إال بمراعاته ا‪ ،‬رد على المتقل بين من الس لفية ال ذين يكيل ون بالمكايي ل‬
‫المزدوجة‪ ،‬فيظهرون سلفيتهم م ع من ش اءوا‪ ،‬فيكف رونهم‪ ،‬ويتميع ون م ع آخ رين‪،‬‬
‫فيسكتون عنهم‪ ،‬فقال‪( :‬وبما أنه قد أث يرت في الس نوات األخ يرة مس ألة الحكم على‬
‫بعض األشخاص والموقف منهم ومن آثارهم من تص انيف ومؤلف ات‪ ،‬وق د تناوله ا‬
‫البعض بشيء من العاطفة وعدم الضبط ألصول أهل السنة في باب التب ديع والحكم‬
‫على المخالف مما نتج عنه فساد عظيم من نشر أص ول بدعي ة وقواع د تمييعي ة ل و‬
‫طبقت لم تكد أن تبقي على األرض مبتدعا‪ ،‬وألظهرت منهج السلف عند إلتزامها –‬
‫عياذا باهلل‪ -‬بصورة المنهج المتعسف الظالم الذي يخمد الحسنات ويط وي الخ يرات‬
‫ويذكر الهنات ويسقط العلماء بالزالت‪ ،‬وألظهر أهله –وهم س لفنا الك رام‪ -‬بص ورة‬
‫المنحرفين عن الطريق المستقيم وعن العدل حين الحكم في الرجال‪ ،‬وهللا المس تعان‬
‫على زمان فشت فيه البدع‪ ،‬وظهرت فيه الضالالت والموبقات حتى أصبح يص رخ‬
‫ويق ال لمن دع ا إلى الس نة (غ يرت الس نة)‪ ،‬ووهللا (ل و أن رجال أنش ر فيكم من‬
‫السلف‪ ،‬ما عرف غير هذه القبلة) كما قال أبوقالبة رحم ه هللا تع الى في زم ان ه و‬
‫خير من زماننا هذا)(‪)2‬‬

‫‪ )(1‬بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.8‬‬


‫‪ )(2‬بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.9‬‬

‫‪141‬‬
‫بناء على هذه الدوافع السلفية ذكر الكاتب دوافعه الختيار الن ووي كشخص ية‬
‫تمثل المدارس الفقهي ة في غ الب تاريخه ا‪ ،‬فق ال‪( :‬ل ذا ارت أيت نش ر ه ذه الرس الة‬
‫مشاركة في الخير‪ ،‬ومن باب عدم حقران شيء من المعروف‪ ..‬وقد اخترت من بين‬
‫تلك األسماء المش هورة وال تي ك انت س ببا في إيق اع كث ير من الش رور بن اءا على‬
‫الموقف منها‪ :‬ش ارح ص حيح اإلم ام مس لم يح يى بن ش رف المع روف بـالنووي‪،‬‬
‫وذل ك لظه ور حال ه عن د من خ بره‪ ،‬مم ا يجع ل ال نزاع ألجل ه والتب ديع والتج ديع‬
‫للمحذر من طريقته والمبين لمنهجه نزاع ا غريب ا أجنبي ا عن العلم وأهل ه ال ينبغي‬
‫تركه من غير تحقيق المسائل التي تعلقت به والتي ترتب من ورائه ا م ا ت رتب من‬
‫اآلثار‪ ،‬وقد اختار ق وم –ممن عرف وا الح ق‪ -‬الدع ة والس المة ‪-‬فيم ا يظنون ه – في‬
‫ترك البيان لحقيقة هذه المسائل خوفا من ألسن الط اعنين من الجهل ة والس فهاء وم ا‬
‫أكثرهم‪ ،‬وهم في هذا قد وقعوا في شر عظيم وغش مبين)(‪)1‬‬
‫بن اء على ه ذا قس م فص ول الكت اب عارض ا ألق وال الن ووي على محك ات‬
‫التكفير السلفية‪ ،‬والتي على أساسها كف ر الجهمي ة والمعتزل ة والص وفية وغ يرهم‪..‬‬
‫وهو يطالب في ذلك كله أصحابه من السلفية الجبناء ـ كما يسميهم ـ بالتصريح ب دل‬
‫التمليح‪ ،‬وبترك الكذب على أنفسهم وعلى الناس‪.‬‬
‫وقد بدأ ذلك كله بذكر عقيدته ـ الجهمية كما يسميها ـ في العلو والجه ة‪ ،‬فنق ل‬
‫من قول ه في (ش رح مس لم) قول ه في ح ديث الجاري ة‪( :‬ه ذا الح ديث من أح اديث‬
‫الصفات‪ ،‬وفيها مذهبان تقدم ذكرهما مرات في كتاب اإليمان‪ ،‬أح دهما‪ :‬اإليم ان ب ه‬
‫من غير خوض في معناه م ع اعتق اد أن هللا تع الى ليس كمثل ه ش يء وتنزيه ه عن‬
‫س مات المخلوق ات‪ ،‬والث اني تأويل ه بم ا يلي ق ب ه فمن ق ال به ذا ق ال‪ :‬ك ان الم راد‬
‫امتحانها هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال ه و هللا وح ده وه و ال ذي إذا‬
‫دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المص لي اس تقبل الكعب ة وليس ذل ك ألن ه‬
‫منحصر في السماء كما أنه ليس منحصرا في جهة الكعبة بل ذل ك ألن الس ماء قبل ة‬
‫الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين أو هي من عبدة األوثان العابدين لألوث ان ال تي‬
‫بين أيديهم فلما قالت في السماء علم أنها موحدة وليست عابدة لألوثان‪)2()..‬‬
‫ثم نق ل عن القاض ي عي اض قول ه‪( :‬ال خالف بين المس لمين قاطب ة فقيههم‬
‫ومح دثهم ومتكلمهم ونظ ارهم ومقل دهم أن الظ واهر ال واردة ب ذكر هللا تع الى في‬
‫السماء كقوله تعالى‪َ﴿ :‬أَأِم ْنُتْم َم ْن ِفي الَّس َم اِء َأْن َيْخ ِس َف ِبُك ُم اَأْلْر َض َف ِإَذ ا ِهَي َتُم وُر ﴾‬
‫[الملك‪ ]16 :‬ونحوه ليست على ظاهرها بل متأول ة عن د جميعهم‪ ،‬فمن ق ال بإثب ات‬
‫جهة فوق من غ ير تحدي د وال تك ييف من المح دثين والفقه اء والمتكلمين ت أول في‬
‫السماء أي على السماء‪ ،‬ومن قال من دهم اء النظ ار والمتكلمين وأص حاب التنزي ه‬
‫بنفي الح د واس تحالة الجه ة في حق ه س بحانه وتع الى تأولوه ا ت أويالت بحس ب‬

‫‪ )(1‬بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.9‬‬


‫‪ )(2‬شرح مسلم‪.5/24 :‬‬

‫‪142‬‬
‫مقتضاها)(‪)1‬‬
‫وقد علق الشمري على هذا النص بقوله‪( :‬حاصل هذا التقري ر أن الن ووي ال‬
‫يثبت العلو للعزيز القهار‪ ،‬وأنه يدور في كالمه اآلن ف ال ذكر على م ا دارت حول ه‬
‫الجهمية األوائل‪ ،‬قال محمد بن يحيى بن سعيد القطان‪ :‬ك ان أبي وعب د ال رحمن بن‬
‫مهدي يقوالن‪( :‬الجهمية تدور أن ليس في السماء شيء)‪ ،‬وأخ رج عبدهللا في الس نة‬
‫عن حماد بن زيد قال‪( :‬إن هؤالء الجهمية إنم ا يح اولون يقول ون‪ :‬ليس في الس ماء‬
‫شيء)‪ ،‬وقال جري ر بن عبدالحمي د‪( :‬كالم الجهمي ة أول ه عس ل وآخ ره س م‪ ،‬وإنم ا‬
‫يحاولون أن يقول وا ليس في الس ماء إل ه)‪ ..‬وعل ق البخ اري في خل ق أفع ال العب اد‬
‫وصححه ابن القيم عن وهب بن جرير قوله‪( :‬إياكم ورأي جهم‪ ،‬فإنهم يج ادلون أن ه‬
‫ليس في السماء شيء‪ ،‬وما هو إال من وحي إبليس‪ ،‬وما هو إال الكفر)‪ ،‬فالنووي هنا‬
‫إنما جنح في هذه المسألة إلى رأي جهم عياذا باهلل)(‪)2‬‬
‫وبناء علي ه حكم علي ه ب الكفر‪ ،‬وفي الص فحات األولى من كتاب ه‪ ،‬ومن نص‬
‫واحد من النصوص التي ذكرها في شرحه على صحيح مسلم‪ ..‬وما زاد على ذل ك‪،‬‬
‫فهو تكفير على تكفير‪ ،‬وتضليل على تضليل‪.‬‬
‫وهكذا تعامل مع موقفه من حديث النزول‪ ،‬فقد قال النووي فيه‪( :‬هذا الح ديث‬
‫من أحاديث الصفات‪ ،‬وفيه مذهبان مش هوران للعلم اء‪ ..‬ومختص رهما أن أح دهما‪:‬‬
‫وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على م ا يلي ق باهلل‬
‫تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد‪ ..‬وال يتكلم في تأويله ا م ع اعتق اد‬
‫تنزي ه هللا تع الى عن ص فات المخل وق وعن االنتق ال والحرك ات وس ائر س مات‬
‫الخلق‪ ..‬والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماع ات من الس لف وه و محكي هن ا عن‬
‫مالك واألوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها فعلى ه ذا ت أولوا ه ذا‬
‫الحديث تأويلين‪ :‬أح دهما تأوي ل مال ك بن أنس وغ يره معن اه ت نزل رحمت ه وأم ره‬
‫ومالئكت ه كم ا يق ال فع ل الس لطان ك ذا إذا فعل ه أتباع ه ب أمره‪ ،‬والث اني أن ه على‬
‫االستعارة ومعناه اإلقبال على الداعين باإلجابة واللطف)(‪)3‬‬
‫وقد علق عليه بذكر كالم السلف في منكر النزول‪ ،‬واعتباره جهمي ا‪ ،‬ثم ق ال‪:‬‬
‫(سبق بيان بطالن الزعم أن مذهب السلف التفويض وزاد هنا بلية أخرى وهي قوله‬
‫(مع اعتقاد تنزيه هللا تعالى عن صفات المخل وق وعن االنتق ال والحرك ات)‪ ،‬وه ذا‬
‫كذب آخر على السلف فإن الحركة قد أثبتها عامة السلف والقول بنفيها هو المشهور‬
‫عند الجهمية ومن وافقهم‪ ،‬يقول حرب الكرم اني في الس نة‪ :‬ه ذا م ذهب أئم ة العلم‬
‫وأصحاب األثر وأهل السنة المعروفين بها المقت دى بهم فيه ا‪ ،‬وأدركت من أدركت‬
‫من علماء أهل العراق والحج از والش ام وغ يرهم عليه ا فمن خ الف ش يًئا من ه ذه‬
‫المذاهب‪ ،‬أو طعن فيها‪ ،‬أوع اب قائله ا فه و مبت دع خ ارج من الجماع ة زائ ل عن‬

‫‪ )(1‬شرح مسلم‪.5/24 :‬‬


‫‪ )(2‬بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ )(3‬شرح مسلم‪.6/36 :‬‬

‫‪143‬‬
‫منهج السنة وسبيل الحق‪ ،‬وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد‪ ،‬وعبد هللا‬
‫بن الزبير الحمي دي وس عيد بن منص ور‪ ،‬وغ يرهم ممن جالس نا وأخ ذنا عنهم العلم‬
‫فك ان من ق ولهم‪ ...‬وهللا تب ارك وتع الى س ميع ال يش ك‪ ،‬بص ير ال يرت اب‪ ،‬عليم ال‬
‫يجهل‪ ،‬جواد ال يبخ ل‪ ،‬حليم ال يعج ل‪ ،‬حفي ظ ال ينس ى‪ ،‬يقظ ان ال يس هو‪ ،‬رقيب ال‬
‫يغفل‪ ،‬يتكلم ويتحرك)(‪)1‬‬
‫ونقل عن ابن تيمية في تكفير من يؤول هذا قول ه‪..( :‬وأئم ة الس نة والح ديث‬
‫على إثب ات الن وعين‪ ،‬وه و ال ذي ذك ره عنهم من نق ل م ذهبهم‪ ،‬كح رب الكرم اني‬
‫وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما‪ ،‬بل صرح هؤالء بلفظ الحرك ة‪ ،‬وأن ذل ك ه و‬
‫مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين‪ ،‬وذك ر ح رب الكرم اني أن ه‬
‫قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد هللا بن الزبير‬
‫الحميدي وسعيد ين منصور‪ ،‬وقال عثمان بن س عيد وغ يره‪ :‬إن الحرك ة من ل وازم‬
‫الحياة‪ ،‬فكل حي متحرك‪ ،‬وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمي ة نف اة الص فات‪ ،‬ال ذين‬
‫اتفق السلف واألئمة على تضليلهم وتبديعهم)(‪)2‬‬
‫وبع د أن أتى بالنص وص الكث يرة الدال ة على تكف ير الس لف ـ بمن فيهم ابن‬
‫تيمية ـ لمن أنكر النزول‪ ،‬أو أوله‪ ،‬أو فوض فيه‪ ،‬علق عليها بقوله ـ منك را على من‬
‫يس ميهم المميع ة ال ذين يكيل ون بالمكايي ل المزدوج ة‪ ،‬فيوزع ون التكف ير بحس ب‬
‫المصلحة ـ‪( :‬فهذا شيء من أقوال السلف فيمن ي رد ح ديث ال نزول‪ ،‬أم ا حال ه عن د‬
‫كثير من الخلف هو‪ :‬أن هذا ال ينقص من مكانته وال علمه ولكل جواد كب وة‪ ،‬وليس‬
‫من شرط العالم أن ال يزل‪ ..‬وما دام قدم في خدمة السنة ما قدم فهو إمام)(‪)3‬‬

‫ثم رد على هذه األقوال التي انتهجها أصحاب التكفير التلميحي بقوله‪( :‬فأقول‬
‫نعم قولكم (هذا الينقص من مكانته) هذا على طريقة الخلف‪ ،‬أم ا على س نن الس لف‬
‫فإن األمر مختلف فإن تلبس المرء بالبدع مما ينقص مكانته عن دهم بال مثنوي ة كم ا‬
‫قال السجزي عنهم‪ :‬كان في وقتهم علم اء لهم تق دم في عل وم‪ ،‬واتب اع على م ذهبهم‬
‫لكنهم وقعوا في شيء من الب دع إم ا الق در‪ ،‬وإم ا التش ّيع أو اإلرج اء عرف وا ب ذلك‬
‫فانحطت منزلتهم عند أهل الحق‪ ..‬وأما إدخال هذه البدع الكفرية في ق ول من يق ول‬
‫(لك ل ج واد كب وة) باط ل الزم ه الطعن في الس لف‪ ،‬إذ الكالم هن ا عن (الكب وات‬
‫الكبرى =البدع والضالالت الكبرى) فمن زعم أن لكل عالم كبوات من ه ذا الجنس‬
‫فقد طعن في العلماء‪ ،‬وعلى رأس العلماء السلف الك رام‪ ،‬ف انظر كي ف وق ع ه ؤالء‬
‫القوم في الطعن بالعلماء دفاعًا عن المنحرفين‪ ..‬أما أن ه (ليس من الش رط الع الم أن‬
‫ال يزل) فصحيح‪ ،‬ولكن من شرطه أال يكثر منه أو يفحش في الزالت العظ ام‪ ،‬وإال‬
‫فما الفرق بين العالم والجاهل حينئذ‪ ،‬بل قد يصير العالم جاهًال بزلة واحدة‪ ..‬كما أنه‬
‫قد يرفع اسم اإليمان –ال اإلسالم‪ -‬بزلة واحدة‪ ..‬ثم إن العالم حقًا هو الفقي ه المتب ع ال‬
‫‪ )(1‬بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫‪ )(2‬درء تعارض العقل والنقل (‪)7 /2‬‬
‫‪ )(3‬بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.63‬‬

‫‪144‬‬
‫المبتدع المخ الف للس نة‪ ..‬وأم ا ق ول القائ ل في مع رض الكالم عمن وق ع في ب دع‬
‫كبرى (كفى بالمرء نبًال أن تعد معايبه) غلو في اإلرجاء‪ ،‬إذ َج ع ل الوق وع في ه ذه‬
‫الضالالت من النبل‪ ،‬وهذا من أقبح اإلرجاء عند (مرجئة التبديع=ال ذين ال يري دون‬
‫أن يبدعوا إال المعاند المتعمد في مخالفة الشرع)‪ ..‬وأما قولهم (ما دام قدم في خدم ة‬
‫الس نة م ا ق دم فه و إم ام) أق ول نعم‪ ،‬ه ذا على طريق ة المنتكس ين من الخل ف في‬
‫حصانتهم البدعية لكل من توسع في معرفة المعلومات‪ ،‬أما سلفنا الصالح فوربي ق د‬
‫بدعوا وضللوا أناسًا أفضل من الشارح بكثير كيعقوب بن ش يبة والكرابيس ي وداود‬
‫الظاهري وغ يرهم‪ ،‬ورض ي هللا عن حذيف ة القائ ل (إن ك ان الرج ل ليتكلم بالكلم ة‬
‫على عهد رسول هللا ‪ ‬فيصير بها منافق ا‪ ،‬وإني ألس معها الي وم من أح دكم عش ر‬
‫مرات)‪ ..‬فالرجل قد يخرج بكلمة واحدة من السنة بل من اإلسالم)(‪)1‬‬
‫وهكذا تعامل معه في موقفه من تأويل ص فة العين ـ كم يراه ا الس لفية ـ كم ا‬
‫نص على ذل ك في ش رحه لم ا رووه عن رس ول هللا ‪ ‬من قول ه‪( :‬إن هللا تب ارك‬
‫وتعالى ليس بأعور أال إن المسيح الدجال أعور عين اليم نى)‪( :‬معن اه أن هللا تع الى‬
‫منزه عن سمات الحدث وعن جميع النقائص وأن الدجال مخلوق من خلق هللا تعالى‬
‫ناقص الصورة فينبغي لكم أن تعلموا هذا وتعلموه الناس لئال يغتر بالدجال من يرى‬
‫تخييالته وما معه من الفتنة)(‪)2‬‬
‫وقد علق الشمري على هذا تعليقا مطوال بإيراد أقوال السلف في تنكير منك ر‬
‫هذا‪ ،‬أو مؤوله‪ ،‬ومما جاء في ه قول ه‪( :‬ه ذا تعطي ل لدالل ة الح ديث هرب ا من إثب ات‬
‫الصفة‪ ،‬فإن صفة العين ثابتة بالكتاب والسنة واآلثار وقد أجمع العلماء وأئم ة ال دين‬
‫على إثباتها‪ ..‬قال ابن خزيمة في كتاب التوحي د‪( :‬ف واجب على ك ل م ؤمن أن يثبت‬
‫لخالقه وبارئه ما ثبت الخالق الب ارئ لنفس ه‪ ،‬من العين‪ ،‬وغ ير م ؤمن من ينفي عن‬
‫هللا تبارك وتعالى ما ق د ثبت ه هللا في محكم تنزيل ه‪ ،‬ببي ان الن بي ‪ ‬ال ذي جعل ه هللا‬
‫مبينا عنه‪ ،‬ع ز وج ل‪ ،‬في قول ه‪َ﴿ :‬و َأْنَز ْلَن ا ِإَلْي َك ال ِّذْك َر ِلُتَبِّيَن ِللَّن اِس َم ا ُن ِّز َل ِإَلْيِهْم ﴾‬
‫[النحل‪ ..]44 :‬وقد قال ابن عثيمين في عقيدة أه ل الس نة والجماع ة‪( :‬وأجم ع أه ل‬
‫السنة على أن العينين اثنت ان‪ ،‬ويؤي ده ق ول الن بي ‪ ‬في ال دجال (إن ه أع ور‪ ،‬وإن‬
‫ربكم ليس ب أعور)(‪ ،)3‬وبه ذا يعلم أن الن ووي في تأويل ه له ذه الص فة أيض ا س لك‬
‫مسلك الجهمية ومن وافقهم وخالف الكتاب والسنة واإلجماع)(‪)4‬‬
‫وبع د أن ذك ر الش مري فص وال كث يرة ت بين وق وع الن ووي في التجهم‬
‫والتعطيل‪ ،‬وأنه ال يص ح الس كوت عن تكف يره‪ ،‬كم ا لم يص ح الس كوت عن تكف ير‬
‫غيره‪ ،‬عقد فصال خاصا بتوحيد األلوهية عند النووي‪ ،‬ليثبت فيه وقوعه في الش رك‬
‫الجلي‪ ..‬ليضم إلى تجهمه وتعطيله الشرك الجلي المخرج من الملة‪.‬‬

‫بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.79‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫شرح النووي على مسلم ‪.236-2‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫عقيدة أهل السنة والجماعة ص ‪.12‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.84‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪145‬‬
‫وقد قدم لذلك الفصل بم ا تنص علي ه الرؤي ة الس لفية‪ ،‬وخاص ة الوهابي ة من‬
‫تعظيم هذا النوع من التوحيد‪ ،‬فقال‪( :‬فإن من المعلوم لدى ك ل موح د –إن ش اء هللا‪-‬‬
‫أن هللا عزوجل خلق العباد لعبادت ه وتعظيم ه‪ ..‬وق د بين نبين ا ‪ ‬التوحي د أتم بي ان‪،‬‬
‫وحمى جناب التوحيد أتم حماي ة وس د وس ائل الش رك أكم ل إس داد‪ ،‬وه ذه المس ألة‬
‫=مسألة سد الوسائل المفضية إلى الشرك ـ مسألة عظيمة‪ ،‬فالش رك إنم ا حص ل في‬
‫هذه األمة بسبب الفتنة في القبور والغلو فيها‪ ،‬وبسبب الغل و في الص الحين‪ ،‬والغل و‬
‫في الرسول ‪ ،‬فالشرك إنما حصل في هذه األمة بسبب هذه األمور‪ ،‬منذ أن ب نيت‬
‫المس اجد على القب ور‪ ،‬ومن ذ أن ظه ر التص وف في ه ذه األم ة‪ ،‬والش رك يك ثر‬
‫ويتعاظم في هذه األمة اال من رحم هللا فاألمر خط ير ج دا‪ ..‬فالرس ول ‪ ‬نهى عن‬
‫الصالة عند القب ور‪ ،‬ونهى عن ال دعاء عن د القب ور‪ ،‬ونهى عن البن اء على القب ور‪،‬‬
‫ونهى عن العكوف عند القب ور‪ ،‬واتخ اذ القب ور عي دا‪ ،‬إلى غ ير ذل ك‪ ،‬ك ل ه ذا من‬
‫الوس ائل ال تي تفض ي إلى الش رك‪ ،‬وهي ليس ت ش ركا في نفس ها‪ ،‬ب ل ق د تك ون‬
‫مشروعة في األصل‪ ،‬ولكنها تؤدي إلى الشرك باهلل ع ز وج ل‪ ،‬ول ذلك منعه ا ‪..‬‬
‫وك ره ‪ ‬إطالق [اإلس تغاثة] علي ه فيم ا يس تطيعه‪ ،‬ويق در علي ه‪ ،‬حماي ة لجن اب‬
‫التوحيد‪ ،‬وسدا لذريعة الشرك‪ ،‬وإن كان يج وز إطالق ه فيم ا يق در علي ه المخل وق‪،‬‬
‫فحماية جناب التوحيد من مقاصد الرسول ‪ ،‬ومن قواعد هذه الشريعة المطه رة‪..‬‬
‫فاألمر في هذا الب اب كم ا ق ال عب داللطيف آل ش يخ‪ :‬حماي ة جن اب التوحي د‪ ،‬وس د‬
‫الذرائع الشركية‪ :‬من أكبر المقاصد اإلسالمية)(‪)1‬‬
‫ثم ذكر من أدلة وقوع النووي في الشرك الجلي قوله في [المجموع] مبينا م ا‬
‫يستحب أن يقوله من يزور النبي ‪ ‬إذا وق ف أم ام ق بره‪ ،‬فق د ق ال‪( :‬ثم يرج ع إلى‬
‫موقفه األول قبالة وجه رسول هللا ‪ ،‬ويتوسل به في ح ق نفس ه ويستش فع ب ه إلى‬
‫ربه سبحانه وتعالى‪ ،‬ومن أحسن ما يقول ما حكاه الم اوردي والقاض ي أب و الطيب‬
‫وسائر أص حابنا ‪ -‬يع ني س ائر الش افعية ‪ -‬عن العت بي مستحس نين ل ه‪ ،‬ق ال‪( :‬كنت‬
‫جالس ا عن د ق بر رس ول هللا ‪ ‬فج اء أع رابي فق ال‪ :‬الس الم علي ك ي ا رس ول هللا‪،‬‬
‫سمعت هللا يقول‪( :‬ول و أنهم إذ ظلم وا أنفس هم ج اءوك فاس تغفروا هللا وأس تغفر لهم‬
‫الرسول لوجدوا هللا توابا رحيم ا) وق د جئت ك مس تغفرا من ذن بي مستش فعا ب ك إلى‬
‫ربي)(‪)2‬‬
‫ثم علق على هذا بقوله‪( :‬وهذا القول خل ل في التوحي د من الش ارح –كفى هللا‬
‫المسلمين شره‪ -‬فإن قوله عن النبي ‪( :‬يتوسل به‪ ..‬يستشفع به‪ ،)..‬ألفاظ يس تمعلها‬
‫هؤالء المتصوفة ومرادهم منه ا الس ؤال واالس تغاثة ب المخلوقين ال مج رد التوس ل‬
‫بذاته ‪ ‬حال سؤال هللا تعالى‪ ،‬وال يستغربن مستغرب عدي للشارح من المتص وفة‬
‫فإنه متصوف جلد‪ ،‬وله كتاب اسمه [المقاصد] ذكر فيه أص ول التص وف الخمس ة‪،‬‬
‫‪ )(1‬بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.190‬‬
‫‪ )(2‬المجموع ‪.274 – 8 ،‬‬

‫‪146‬‬
‫كما أنه قد أخذ الطريقة الصوفية من ش يخه ‪-‬في الخ زعبالت!‪ -‬ياس ين المراكش ي‪،‬‬
‫كما قال السخاوي في كتابه [المنهل الروي في ترجم ة قطب األولي اء الن ووي] عن‬
‫الن ووي نقال عن الس بكي في الطبق ات الك برى‪ :‬ش يخه في الطري ق [ قلت‪ :‬أي‬
‫التصوف]‪ :‬الشيخ ياسين المراكشي‪ ،‬الماضي‪ ،‬ويشهد له ما أس لفناه عن ال ذهبي في‬
‫ترجمته‪ :‬أن الشيخ كان يخرج إليه ويتأدب معه ويزوره‪ ،‬ويرج و بركت ه ويستش يره‬
‫في أمور)(‪ ،)1‬وللنووي أذكار مشهورة اليزال المتصوفة يرونها بأس انيدهم متص لة‬
‫إليه‪ ،‬فهذه حقيقة ال شك فيها عند المنصفين المطلعين‪ ،‬ولكن بعض الناس حالهم كما‬
‫قال هللا تعالى ﴿إن الذين حقت عليهم كلمت ربك ال يؤمنون ولو جاءتهم كل آية﴾)(‪)2‬‬
‫ثم لخص حكمه على النووي بناء على ذلك النص‪ ،‬فقال‪( :‬والمقص ود وبن اءا‬
‫على ما تقدم يقال هنا‪ :‬إن أراد الشارح بالتوسل واالستشفاع أي‪ :‬سؤال هللا عند قبر‬
‫النبي ‪ ‬متوسال بذاته ‪ ‬فه ذه بدع ة ش ركية ووس يلة من وس ائل الش رك األك بر‬
‫عياذا باهلل‪ ،‬وإن أراد الشارح االستدالل بهذا األثر على سؤال الن بي ‪ ‬واالس تغاثة‬
‫به –وهي التي يس ميها أص حاب الش ارح من المتص وفة توس ال‪ -‬فه ذا ش رك أك بر‬
‫مخرج من الملة ‪ ،‬علما بأنه قد استدل غير واحد من المالحدة بهذه القصة على دعاء‬
‫األموات واالستغاثة بهم منهم محم د الكس م وداود بن ج رجيس وغيرهم ا من أه ل‬
‫الزندقة والشرك)(‪)3‬‬
‫هذه مجرد نماذج عن الموقف من فقيه محدث له وزنه في الم ذهب الش افعي‬
‫خصوصا‪ ،‬وعند سائر المذاهب اإلسالمية عموما‪ ..‬وال يخرج سائر فقهاء المدرس ة‬
‫الشافعية عن هذا النسيج‪ ،‬بل لعل فيهم من هو أكثر تطرفا بالنسبة للمواقف السلفية‪.‬‬
‫وسنذكر هنا بناء عليه نم اذج أخ رى‪ ،‬وخاص ة منه ا تل ك ال تي وقفت موقف ا‬
‫سلبيا من ابن تيمية وعقيدته‪ ..‬وفي ذلك كفاي ة للدالل ة على الكف ر عن د الس لفية‪ ،‬ألن‬
‫المنكر على ابن تيمية في العقيدة إما أن ينكر عليه في الصفات‪ ،‬فيكون بذلك جهمي ا‬
‫مؤوال معطال‪ ،‬أو ينكر عليه في الموق ف من التوس ل واالس تغاثة والت برك‪ ،‬فيك ون‬
‫بذلك قبوريا مشركا‪.‬‬
‫فمن هــؤالء األعالم من الشــافعية الــذين يشــملهم التكفــير الســلفي الفقيــه‬
‫الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد ابن الرفعة الشافعي المصري (المت وفى ‪ 710‬هـ)‬
‫الذي وصفه ابن قاضي ش هبه الدمش قي في (طبق ات الش افعية) بأن ه (الش يخ الع الم‬
‫العالمة ش يخ اإلس الم وحام ل ل واء الش افعية في عص ره)(‪ ،)4‬وق د ك ان من ال ذين‬
‫انتدبوا لمناظرة ابن تيمية‪ ،‬وهذا يدل على خالفه معه في المسائل التي ذكرنا‪.‬‬
‫ومنهم المفـــتي قاضـــي القضـــاة الشـــيخ كمـــال الـــدين محمـــد بن علي بن‬
‫عبدالواحــد الزملكــاني األنصــاري الشــافعي (المت وفى ‪ 727‬هـ) ال ذي انتهت إلي ه‬
‫المنهل الروي في ترجمة قطب األولياء النووي ص ‪.5‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.191‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.192‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫طبقات الشافعية‪ ،‬ابن قاضي شهبة‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪.66‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪147‬‬
‫رئاسة المذهب الش افعي تدريس ًا وإفت اء ومن اظرة‪ ،‬ول ه مؤلف ات في ال رّد على ابن‬
‫تيمي ة منه ا (العم ل المقب ول في زي ارة الرس ول)(‪ ،)1‬وه و ب ذلك يص نف ض من‬
‫القبورية عند السلفية‪.‬‬
‫وق د ذك ر ابن كث ير ـ تلمي ذ ابن تيمي ة النجيب ـ معج زة تحققت البن تيمي ة ـ‬
‫تتعلق بابن الزملك اني‪ ،‬وكي ف أن المني ة عاجلت ه قب ل عودت ه إلى الش ام فم ات في‬
‫الطريق بسبب دعاء ابن تيمية‪ ،‬قال ابن كثير‪( :‬وكان من نيت ه الخبيث ة إذا رج ع إلى‬
‫الشام متوليًا أن ي ؤذي ش يخ اإلس الم ابن تيمي ة‪ ،‬فدعـا علي ه فلم يبل غ أمل ه وم راده‬
‫فتوفي في سحر يوم األربعاء سادس عشر شهر رمضان بمدينة بلبيس)(‪)2‬‬
‫ومنهم المفتي المحدث الشيخ شهاب الدين أحمد بن يحــيى بن إســماعيل بن‬
‫جهبــل الحلــبي (المت وفى ‪ 733‬هـ)‪ ،‬وه و من علم اء دمش ق والق دس وك ان مفتي ًا‬
‫ومحدثًا ومعلمًا‪ ،‬وصفه الذهبي قائًال‪( :‬ابن جهبل العالمة‪ ،‬مفتي المس لمين)(‪ ،)3‬ول ه‬
‫رٌّد طويٌل على ابن تيمية في نفي الجهة أورده السبكي في طبقات الشافعية الكبرى‪..‬‬
‫وذلك الرد وحده كاف لتكفيره عند السلفية‪ ..‬فالجهة عندهم ال تق ل عن التوحي د‪ ،‬ب ل‬
‫تفوقه ألن منكر الجهة يقول بعدم اإلله كما نص على ذلك سلفهم‪.‬‬
‫ومنهم الحافــظ قاضــي القضــاة الشــيخ تقي الــدين علي الســبكي الشــافعي‬
‫(المتوفى ‪ 756‬هـ)‪ ،‬وهو من علماء الشافعية الكب ار‪ ،‬ب ل ه و مثلهم األعلى‪ ،‬ويمث ل‬
‫طبقة كبيرة من العلم اء في عص ره ومن بع دهم إلى عص رنا الح الي‪ ..‬ول ذلك ف إن‬
‫تكفير السلفية له تكفير لكن من اتبعه أو استفاد منه أو اعتقد عقيدته‪.‬‬
‫ومن أهم م ا يل زم الس لفية بتكف يره زي ادة على رميهم ل ه وألمثال ه ب التجهم‬
‫والتعطيل هو تلك المص نفات ال تي تجعل ه عن دهم من القبوري ة والمش ركين ش ركا‬
‫جليا‪ ،‬فمن مؤلفاته‪( :‬شفاء السقام في زيارة خير األن ام)‪ ،‬و(ال درة المض ية في ال رّد‬
‫على ابن تيمية)‪ ،‬و(شّن الغارة على من أنكر سفر الزيارة)‬
‫وس أنقل هن ا من رس الته (ال درة المض ية في ال رّد على ابن تيمي ة) م ا يل زم‬
‫السلفية بالحكم عليه بمثل ما حكم ابن عب د الوه اب على محم د بن ف يروز الحنبلي‪،‬‬
‫والذي كفره بأقل مما قاله وفعله السبكي وإخوان ه من الش افعية‪ ،‬فق د محم د بن عب د‬
‫الوهاب في ابن فيروز‪( :‬ولكن تعرف ابن فيروز أنه أقربهم إلى اإلسالم وهو رج ل‬
‫من الحنابلة‪ ،‬وينتحل كالم الشيخ وابن القيم خاصة ومع ه ذا ص نف مص نفًا أرس له‬
‫إلينا قرر فيه هذا الذي يفعل عند قبر يوسف وأمثاله هو الدين الصحيح)(‪)4‬‬
‫أما السبكي فينكر ابن تيمية ومدرسته أصال‪ ،‬فق د ق ال في [ال درة المض يئة]‪:‬‬
‫(فإنه لما أحدَث ابُن تيمية ما أح دَث في أص ول العقائ د‪ ،‬ونقَض من دع ائم اإلس الم‬
‫األركان والمعاقد‪ ،‬بعد أن كان مستترًا بتبعي ة الكت اب والس نة‪ ،‬مظه رًا أن ه داٍع إلى‬

‫طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪.106‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫البداية والنهاية‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.2169‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫ذيل تاريخ اإلسالم‪ ،‬ص ‪.307‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الرسائل الشخصية (‪)1/121‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪148‬‬
‫الحق هاٍد إلى الجنة‪ ،‬فخرج عن االِّتب اع إلى االبت داع‪ ،‬وش َّذ عن جماع ة المس لمين‬
‫بمخالفة اإلجماع‪)1()...‬‬
‫وقال في كـتابه (شفاء السقام في زيارة خير األنام)‪( :‬اعلم أنه يجوز ويحسن‬
‫التوس ل واالس تغاثة والتش فع ب النبي ‪ ‬إلى رب ه س بحانه وتع الى‪ ،‬وجـواز ذل ك‬
‫وُحسنه من األمور المعلومة لكل ذي ديـن‪ ،‬المعروف ة من فع ل األنبي اء والمرس لين‬
‫وسير السلف الصالحين والعلماء والعوام من المسلمين‪ ،‬ولم ينكر أحد ذلك من أه ل‬
‫األديان‪ ،‬وال سمع به في زمن من األزمان‪ ،‬حتى جاء ابن تيمية فتكلم في ذل ك بكالم‬
‫ُيلبـس فيه على الضعفـاء األغم ار وابت دع م ا لم يس بق إلي ه في س ائر األعص ار‪..‬‬
‫وحسبك أن إنكار ابن تيمية لالستغاثة والتوسل قول لم يقله عالم قبله وص ار ب ه بين‬
‫أهل اإلسالم ُم ثلة)(‪)2‬‬
‫وق ال في كـتابه (فت اوى في ف روع الفق ه الش افعي) عن ابن تيمي ة‪( :‬وه ذا‬
‫الرجل كنت رددت علي ه في حيات ه في إنك اره الس فر لزي ارة المص طفى ‪ ،‬وفي‬
‫إنكاره وقوع الطالق إذا حلف ب ه‪ ،‬ثم ظه ر لي من حال ه م ا يقتض ي أن ه ليس ممن‬
‫يعتمد عليه في نقل ينفرد به لمسارعته إلى النقل لفهم ه‪ ،‬كم ا في ه ذه المس ألة‪ ،‬وال‬
‫في بحث ينشئه لخلطه المقصود بغيره‪ ،‬وخروجه عن الح د ج دًا‪ ،‬وه و ك ان مك ثرًا‬
‫من الحفظ ولم يتهذب بشيخ‪ ،‬ولم يرتض في العلوم‪ ،‬بل يأخذها بذهنه‪ ،‬م ع جس ارته‬
‫واتساع خياله‪ ،‬وشغب كثير‪ ،‬ثم بلغني من حاله ما يقتضي اإلعراض عن النظر في‬
‫كالمه جملة‪ ،‬وكان الناس في حياته ابتلوا ب الكالم مع ه لل رد علي ه‪ ،‬وحبس بإجم اع‬
‫المسلمين ووالة األمور على ذلك ثم مات‪ .‬ولم يكن لنا غرض في ذك ره بع د موت ه‬
‫ألن تلك أمة قد خلت‪ ،‬ولكن له أتباع ينعق ون وال يع ون‪ ،‬ونحن نت برم ب الكالم معهم‬
‫ومع أمثالهم‪ ،‬ولكن للناس ضرورات إلى الجواب في بعض المسائل)(‪)3‬‬
‫هذه أمثلة مما قاله في بعض كتبه ورسائله‪ ،‬وهو ي دل على أن ص فات أتب اع‬
‫ابن تيمية من السلفية المعاصرين للسبكي ال يختلفون في أي ش يء عن أتب اع أتب اع‬
‫ابن تيمية بعدهم إلى عصرنا‪ ،‬وكيف يختلفون ومأكل عقولهم ومشربها واحد‪ ،‬وه و‬
‫تلك الكتب المليئة بالحقد والكراهية على جميع المسلمين‪ ،‬بل على جميع البشر‪.‬‬
‫ومن أتباع المدرسة الشافعية الذين س لط عليهم الس لفية س يف التكف ير اإلم ام‬
‫الحافظ المفتي الشيخ صالح الدين خليل العالئي الدمش قي المقدس ي (المت وفى ‪760‬‬
‫هـ)‪ ،‬الذي ألف كتابا في مشروعية زيارة قبر رسول هللا ‪ ،‬وال رد على ابن تيمي ة‬
‫في ذلك‪ ،‬وذلك ما يجعله قبوريا جلدا ـ كما يعبر السلفية ـ‬
‫ومنهم الحافظ قاضي القضاة العز بن جماعة (المتوفى ‪ 767‬هـ) ال ذي ذك ر‬
‫المؤرخون أنه وّقع على فتوى ابن تيمية بعدم جواز ش د الرح ال لزي ارة ق بر الن بي‬

‫‪ )(1‬الدرة المضية‪ ،‬تقي الدين السبكي‪ ،‬ص ‪.3‬‬


‫‪ )(2‬شفاء السقام‪ ،‬تقي الدين السبكي‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫‪ )(3‬فتاوى السبكي في فروع الفقه الشافعي‪ ،‬تقي الدين السبكي‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.163‬‬

‫‪149‬‬
‫‪ ‬وقب ور األنبي اء بقول ه‪( :‬القائ ل به ذه المقال ة ض ال مبت دع)(‪ ..)1‬وذل ك يكفي‬
‫العتباره قبوريا مشركا‪ ،‬باإلضافة لتجهمه وتعطيله الذي ال يخلو منه شافعي صادق‬
‫االتباع للشافعي‪.‬‬
‫ومنهم الشيخ عفيف الدين أبو السعادات اليافعي المكي الشافعي‪( ،‬المت وفى‬
‫‪768‬هـ) صاحب الكتاب التاريخي المش هور (م رآة الجن ان وع برة اليقظ ان)‪ ،‬وق د‬
‫أرخ فيه لسنة وفاة ابن تيمية بقوله‪( :‬وفيها مات بقلعة دمش ق الش يخ الحاف ظ الكب ير‬
‫تقي الدين أحمد بن عبدالحليم بن عبدالس الم بن عبدهللا بن تيمي ة معتقًال‪ ،‬ومن ع قب ل‬
‫وفاته بخمسة أشهر من الدواة والورق‪ ..‬س مع من جماع ة وب رع في حف ظ الح ديث‬
‫واألصلين‪ ،‬وكان يتوق د ذك اء ومص نفاته قي ل أك ثر من م ائتي مجل د‪ ،‬ول ه مس ائل‬
‫غريبة أنكر عليه فيها وحبس بسببها مباينة لمذهب أهل السنة‪ ،‬ومن أقبحها نهيه عن‬
‫زيارة قبر النبي ‪ ،‬وطعنه في مشائخ الصوفية العارفين كحجة اإلسالم أبي حام د‬
‫الغ زالي واألس تاذ اإلم ام أبي القاس م القش يري والش يخ ابن العري ف والش يخ أبي‬
‫الحسن الشاذلي وخالئق من أولياء هللا الكبار الص فوة األخي ار‪ ..‬وك ذلك عقيدت ه في‬
‫الجهة وما نقل عنه فيها من األقوال الباطلة‪ ،‬وغير ذلك مما هو معروف في مذهبه)‬
‫(‪)2‬‬
‫وهذا النص وحده ك اف عن د الس لفية إلدانيت ه بالتص وف والتجهم والقبوري ة‬
‫والشرك الجلي والطعن في المقدسين المعصومين من أهل الحديث‪.‬‬
‫ومنهم قاضي القضاة المحدث الشيخ تاج الدين الســبكي الشــافعي (المت وفى‬
‫‪771‬هـ)‪ ،‬صاحب (طبقات الشافعية الك برى) وغيره ا من المؤلف ات ال تي ال ي زال‬
‫الشافعية وغيرهم يعتمدونها‪ ،‬وهو ال يختلف عن والده في عقيدته أو مواقفه من ابن‬
‫تيمية‪.‬‬
‫وقد قال في ترجمته لوالده الحاف ظ الس بكي ال ذي م ر معن ا في ه ذا المبحث‪،‬‬
‫والذي كان معاصرا البن تيمية ومن المتصدين له‪( :‬إماٌم ناضح عن رس ول هللا ‪‬‬
‫بنضاله وجاهد بجدال ه ولم يلطخ بال دماء ح د نص اله‪ ،‬حمى جن اب النب وة الش ريف‬
‫بقيامه في نصره وتسديد سهامه للذب عنه من كنانة مصره فلم يخط على بعد الديار‬
‫سهمه الراش ق ولم يخ ف مس ام تل ك الدس ائس فهم ه الناش ق‪ ،‬ثم لم ي زل ح تى نقى‬
‫الصدور من شبه دنسها ووقي من الوقوع في ظلم حندسها‪ ،‬ق ام حين خل ط على ابن‬
‫تيمي ة األم ر وس ول ل ه قرين ه الخ وض في ضحض اح ذل ك الجم ر حين س د ب اب‬
‫الوسيلة يغفر هللا له وال حرمها‪ ،‬وأنكر شّد الرحال لمجرد الزيارة ال واخذه هللا)(‪)3‬‬
‫ومنهم المحدث الكبير ال ذي يرج ع إلي ه الس لفية كث يرا في كتب ه ومنظومات ه‬
‫الحديثي ة م ع أنهم يكفرون ه الحاف ظ زين ال دين عب دالرحيم بن الحس ين الع راقي‬
‫(المتوفى ‪ 804‬هـ) الذي نقل عنه تلميذه الحافظ بدر الدين العيني في (عمدة القاري‬

‫‪ )(1‬دفع شبه من شبه وتمرد‪ ،‬أبو بكر الحصني‪ ،‬ص ‪.325‬‬


‫‪ )(2‬مرآة الجنان وعبرة اليقظان‪ ،‬عبدهللا بن أسعد اليافعي‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪.209‬‬
‫‪ )(3‬طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪.310‬‬

‫‪150‬‬
‫شرح صحيح البخاري) ما يدل على كونه قبوريا جلدا ـ كما يعبر السلفية ـ فق د ق ال‬
‫ناقال عنه‪ ..( :‬وأما تقبي ل األم اكن الش ريفة على قص د الت برك وك ذلك تقبي ل أي دي‬
‫الصالحين وأرجلهم فهو حسن محمود باعتبار القصد والنية‪ ،‬وق د س أل أب و هري رة‬
‫الحسن أن يكشف له المكان الذي قبله رسول هللا ‪ ‬وهو سرته فقبله تبرك ًا بآث اره‬
‫وذريته ‪ ،‬وقد كان ثابت البناني ال يدع يد أنس حتى يقبلها ويق ول‪ :‬ي د مس ت ي د‬
‫رسول هللا ‪ .‬وقال أيضًا‪ :‬وأخبرني الحاف ظ أب و س عيد بن العالئي ق ال‪ :‬رأيت في‬
‫كالم أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خط ابن ناصر وغيره من الحفاظ‪ ،‬أن اإلمام‬
‫أحمد ُسئل عن تقبيل قبر النبي ‪ ‬وتقبيل منبره فقال‪ :‬ال بأس ب ذلك‪ .‬ق ال‪ :‬فأرين اه‬
‫للشيخ تقي الدين بن تيمية فصار يتعجب من ذلك ويقول‪ :‬عجبت أحمد عن دي جلي ل‬
‫يقوله؟ هذا كالمه أو معنى كالمه‪ .‬وقال‪ :‬وأي عجب في ذلك وق د روين ا عن اإلم ام‬
‫أحمد أنه غسل قميصًا للشافعي وشرب الماء الذي غسله ب ه وإذا ك ان ه ذا تعظيم ه‬
‫ألهل العلم فكيف بمقادير الصحابة وكيف بآثار األنبياء عليهم الصالة والسالم)(‪)1‬‬
‫وقيم ة ه ذا النص أن ه يض ع كال اإلم امين الكب يرين الش افعي وأحم د تحت‬
‫سطوة السيف التكفيري السلفي‪ ،‬خاصة وأن الذي ذكر ه ذا موث وق عن دهم في الفن‬
‫الذي يتصورون أنهم يحتكرونه علم الحديث‪.‬‬
‫وقد ذكرنا سابقا أن الرؤية التي يتصورها أصحاب الم ذاهب ألئم ة م ذاهبهم‬
‫تختلف اختالفا جذريا عن الرؤية السلفية‪ ،‬ولهذا ف إن من الحي ل ال تي يس تعملها من‬
‫ينفي التكفير عن السلفية هو قولهم‪ :‬نحن ال نكفر أصحاب مال ك وال الش افعي‪ ..‬وهم‬
‫يريدون بذلك أصحابهم الذين يتصورون أنهم يتبعون أولئك األئمة بحس ب الص ورة‬
‫السلفية‪.‬‬
‫وهكذا عندما يقولون‪ :‬ال نكفر أصحاب األشعري‪ ،‬فاألشعري عندهم مختل ف‬
‫عن أشعري األشعرية ذلك أنهم ينسبون إليه كتاب اإلبانة ال ذي ال يختل ف عن كتب‬
‫ابن بطة والبربهاري‪ ،‬وأصحاب المدرسة األشعرية ينكرون ذلك الكت اب‪ ..‬والع برة‬
‫يما يقول أصحاب المدرسة‪ ،‬ال بما يقول غيرهم‪.‬‬
‫ومنهم الحافظ الشيخ ولي الدين نجل الحافــظ زين الــدين العــراقي (المت وفى‬
‫‪ 826‬هـ) الذي كفر كما كفر والده بسبب انـتقاداته على ابن تيـمية‪ ،‬وذل ك في كتاب ه‬
‫(األجوبة المرضية في الرّد على األسئلة المكية)‬
‫ومنهم اإلمــام الفقيــه تقي الــدين أبي بكــر الحســيني الحصــني الشــافعي‬
‫(المتوفى ‪ 829‬هـ) الذي تهجوه ك ل كتب الس لفية بس بب انتقادات ه الش ديدة على ابن‬
‫تيمية‪ ،‬ومن تصريحاته التي تثبت قبوريته ـ كما يع برون ـ قول ه‪( :‬زي ارة ق بر س يد‬
‫األولين واآلخرين محمد ‪ ‬وك ّرم ومّج د من أفض ل المس اعي وأنجح الق رب إلى‬
‫رب العالمين وهي ُسنة من سنن المسلمين ومجمع عليه ا عن د الموح دين وال يطعن‬
‫فيه ا إال من في قلب ه خبث وم رض المن افقين‪ ،‬وه و من أف راخ الس امرة واليه ود‬
‫وأعداء الدين من المشركين‪ ،‬ولم تزل هذه األمة المحمدية على شّد الرحال إليه على‬
‫‪ )(1‬عمدة القاري‪ ،‬بدر الدين العيني‪ ،‬ج‪ 9‬ص ‪.349‬‬

‫‪151‬‬
‫مم ر األزم ان من جمي ع األقط ار والبل دان س واء في ذل ك الزراف ات والوح دان‪،‬‬
‫والعلماء والمشايخ والكه ول والش بان‪ ،‬ح تى ظه ر في الس نين الخداع ة مبت دع من‬
‫حـران لّبـس على أتباع الدجال ومن شابههم من ش ين األفه ام واألذه ان‪ ،‬وزخ رف‬
‫لهم من القول غ رورًا كم ا ص نع إمام ه الش يطان فص دهم بتمويه ه عن س بل أه ل‬
‫اإليمان‪ ،‬وأغواهم عن الصراط الس وي إلى ُبني ات الطري ق ومدرج ة الش يطان فهم‬
‫بتزويقه في ظلمة الخطأ واإلفك يعمهون‪ ،‬وعلى من وال بدعت ه يهرع ون‪ُ ،‬ص ّم ُبكم‬
‫ُعمّي فهم ال يعقلون)(‪)1‬‬
‫وقال في مقدمة كتابه (دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى اإلمام أحمد)‬
‫الذي ألفه في الرد على ابن تيمية‪ ،‬وفي حيله التي كان يعتم دها ه و وأتباع ه‪ ..( :‬ثم‬
‫اعلم أن مثل هؤالء ال يق درون على مقاوم ة العلم اء إذا ق اموا في نح ره فجع ل ل ه‬
‫مخلصًا منهم بأن ينظ ر إلى من األم ر إلي ه في ذل ك المجلس‪ ،‬فيق ول ل ه م ا عقي دة‬
‫إمامك؟ فإذا قال‪ :‬كذا وكذا قال‪ :‬أش هد أنه ا ح ق‪ ،‬وأن ا مخطيء‪ ،‬واش هدوا أني على‬
‫عقيدة إمامك وهذا كان سبب عدم إراق ة دم ه‪ ،‬ف إذا انفض المجلس أش اع أتباع ه أن‬
‫الحق في جهته ومعه‪ ،‬وأنه قطع الجميع‪ ،‬أال تروه كيف خرج س المًا؟ ح تى حص ل‬
‫بسبب ذلك افتتان خلق كثير‪ ،‬ال سيما من العوام‪ ،‬فلما تكرر ذلك منه علموا أن ه إنم ا‬
‫يفعل ذلك خديعة ومكرًا‪ ،‬فكانوا مع قوله ذلك يسجنونه‪ ،‬ولم يزل ينتقل من سجن إلى‬
‫سجن حتى أهلكه هللا عز وجل في سجن الزندقة والكفر‪ .‬ومن قواعده المقررة عن ده‬
‫وجرى عليها أتباعه التوقي بكل ممكن‪ ،‬حقًا ك ان أو ب اطًال ول و باأليم ان الف اجرة‪،‬‬
‫سواًء كانت باهلل عزوجل أو بغيره)(‪)2‬‬
‫وق ال ـ مبين ا بعض خ دع ابن تيمي ة‪ ،‬وال تي ال ي زال الس لفية المعاص رون‬
‫يستعملونها ـ‪( :‬ثم اعلم قبل الخوض في ذكر بعض ما وقع منه وانتقد عليه أنه يؤك د‬
‫في بعض مصنفاته كالم رجل من أهل الح ق وي دس في غض ونه ش يئًا من معتق ده‬
‫الفاسد‪ ،‬فيجري عليه الغبي بمعرفة كالم أهل الحق فيهلك وقد هلك بسبب ذلك خلق‪.‬‬
‫وأعمق من ذلك أنه يذكر أن ذلك الرج ل ذك ر ذل ك في الكت اب الفالني وليس ل ذلك‬
‫الكتاب حقيقة وإنما قصده بذلك انفضاض المجلس‪ ،‬ويؤكد قوله بأن يقول ما يبعد أن‬
‫هذا الكتاب عند فالن‪ ،‬ويسمى شخصًا بعيد المسافة‪ ،‬كل ذلك خديعة ومكرًا وتلبيسًا‪،‬‬
‫ألجل خالص نفسه‪ ،‬وال يحيق المكر السيء إال بأهله)(‪)3‬‬
‫وقال‪( :‬إن ابن تيمية الذي كان يوصف بأنه بح ر من العلم‪ ،‬ال يس تغرب في ه‬
‫ما قاله بعض األئمة عنه من أنه زنديق مطلق‪ ،‬وسبب قوله ذلك أنه تتب ع كالم ه فلم‬
‫يقف له على اعتقاد حتى أنه في مواضع عديدة يكفر فرقة ويضللها وفي آخر يعتق د‬
‫ما قالته أو بعضه‪ ،‬مع أن كتبه مشحونة بالتشبيه والتجس يم‪ ،‬واإلش ارة إلى االزدراء‬
‫بالنبي ‪ ،‬والشيخين وتكفير عبدهللا بن عباس وأنه من الملحدين‪ ،‬وجعل عبدهللا بن‬

‫‪ )(1‬دفع شبه من شبه وتمرد‪-‬تحقيق عبدالواحد مصطفى (ص‪)294 :‬‬


‫‪ )(2‬دفع شبه من شبه وتمرد‪ ،‬ص ‪.314‬‬
‫‪ )(3‬دفع شبه من شبه وتمرد‪ ،‬ص ‪.315‬‬

‫‪152‬‬
‫مبتدع)(‪)1‬‬ ‫عمر من المجرمين وأنه ضال‬
‫ونحن وإن كنا ال نحبذ التكفير من أي طرف من األط راف‪ ،‬لكن قيم ة كت اب‬
‫الحصني أنه كشف تلك الدس ائس والحي ل ال تي ك ان ابن تيمي ة يمارس ها‪ ،‬وال تي ال‬
‫يزال أتباعه لألسف يفعلونها بحذاقة‪ ..‬وكيف ال يفعلوها وهو إمامهم المقتدى‪ ،‬وشيخ‬
‫إسالمهم المعتبر‪.‬‬
‫ومنهم قاضـي القضـاة الشـيخ نجم الـدين عمـر بن حجي السـعدي الشـافعي‬
‫(توفي ‪ 830‬هـ)‪ ،‬فمن أقواله في ابن تيمية ـ ال تي تدين ه عن د الس لفية‪ ،‬ب ل تكف ره ـ‪:‬‬
‫(هذا الرجل المسئول عنه في االستفتاء كان عالم ًا متعب دًا‪ ،‬ولكن ه ض ّل في مس ائل‬
‫عديدة عن الطريق المستقيم والمنهج القويم‪ ،‬ال جرم سجن بس جن الش رع الش ريف‬
‫بعد الترسيم وأفضى به إعجابه بنفسه إلى الجنوح إلى التجسيم الذي ابتدعت ه اليه ود‬
‫الذين أشركوا بالواحد األحد المعبود‪ .‬وتغالى فيه أصحابه وأتباعه ح تى ق دموه على‬
‫جميع األئمة وعلى علماء األمة‪ .‬وهجر مذهب اإلم ام أحم د ال ذي أتباع ه باإلجم اع‬
‫أولى وأحمد‪ ،‬ورد عليه العلماء المحققون‪ .‬وسجنه حكام الشريعة األق دمون ون ودى‬
‫بدمشق أن ال ينظر أحٌد في كالمه وكتبه وهرب كٌّل من أتباعه وَم ن هو على مذهبه‬
‫واعتقاده‪ .‬والعجب كل العجب من ُجَّهال حنابل ة ه ذا الزم ان يغض بون إذا قي ل لهم‪:‬‬
‫(أخطأ ابن تيمية)‪ ،‬وربما اعتقد بعضهم أن قائ ل ذل ك ملح د‪ ،‬وال يغض بون إذا قي ل‬
‫لهم‪ :‬أخطأ الشافعي وأبو حنيفة ومالك واإلم ام أحم د‪ .‬اللهم اش هد أني ب رئ من ك ل‬
‫مجسم ومشبه ومعطل وإباحي وحلولي واتحادي وزنديق وملحد ومن كل من خالف‬
‫اعتقاد أهل السنة والجماعة‪ .‬وبرئ من كل من منع من زيارة قبر س يدنا رس ول هللا‬
‫‪ ‬ومن ش ّد الرح ل إلي ه ومن زي ارة قب ور األنبي اء والمرس لين واألولي اء‬
‫والصالحين‪ .‬اللهم وإني أس ألك وأتوس ل إلي ك بس يد األولين واآلخ رين رس ول رب‬
‫العالمين واألولياء والصالحين أن تحييني على اإلس الم وتميت ني على اإليم ان على‬
‫اعتق اد أه ل الس نة والجماع ة سالمـًا من اعتق اد أه ل الزي غ والض الل والب دع‬
‫‪.‬‬
‫واإلضالل )(‪)2‬‬
‫ومنهم الحافظ شهاب الدين أحمد بن محمــد القســطالني (المت وفى ‪ 923‬هـ)‬
‫ص احب (الم واهب اللدني ة ب المنح المحمدي ة)‪ ،‬وه و بالمع ايير الس لفية باإلض افة‬
‫لتجهم ه وتعطيل ه قب وري مش رك‪ ،‬فق د ق ال في (الم واهب اللدني ة) عن ابن تيمي ة‪:‬‬
‫(وللشيخ تقي الدين بن تيمية هنا كالم شنيع عجيب يتضمن منع شد الرح ال للزي ارة‬
‫النبوية المحمدية‪ ،‬وأنه ليس من القرب بل بض د ذل ك‪ ،‬ورّد علي ه الش يخ تقي ال دين‬
‫السبكي في (شفاء السقام) فشفى صدور المؤمنين)(‪)3‬‬
‫ومنهم الشــيخ أحمــد بن حجــر الهيتمي المكي الشــافعي (المت وفى ‪ 974‬هـ)‬
‫المشهور بانتقاداته الشديدة على ابن تيمية‪ ،‬وفيها ما يكفي للداللة على تكفيره ـ على‬

‫‪ )(1‬دفع شبه من شبه وتمرد‪ ،‬ص ‪.343‬‬


‫‪ )(2‬الفتاوى السهمية‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪ )(3‬المواهب اللدنية‪ ،‬القسطالني‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪.574‬‬

‫‪153‬‬
‫حسب المعايير السلفية ـ فمن أقوال في ابن تيمية‪( :‬ابن تيمية عب د خذل ه هللا وأض له‬
‫وأعماه وأصمه وأذله‪ ،‬وبذلك صرح األئمة الذين بينوا فساد أحوال ه وك ذب أقوال ه‪،‬‬
‫ومن أراد ذل ك فعلي ه بمطالع ة كالم اإلم ام المجته د المتف ق على إمامت ه وجاللت ه‬
‫وبلوغه مرتبة االجته اد أبي الحس ن الس بكي وول ده الت اج والش يخ اإلم ام الع ز بن‬
‫جماع ة وأه ل عص رهم وغ يرهم من الش افعية والمالكي ة والحنفي ة‪ ،‬ولم يقص ر‬
‫اعتراضه على متأخري الصوفية بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلّي بن‬
‫أبي طالب كما سيأتي‪ ،‬والحاص ل أن ال يق ام لكالم ه وزن ب ل ي رمى في ك ل وع ر‬
‫وحزن‪ ،‬ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال ومضل جاه ل غ ال‪ ،‬عامل ه هللا بعدل ه وأجارن ا‬
‫من مثل طريقته وعقيدته وفعل ه‪ ..‬وأخ بر عن ه بعض الس لف أن ه ذك ر علّي بن أبي‬
‫طالب في مجلس آخ ر فق ال‪ :‬إن علي ًا أخط أ في أك ثر من ثالثمائ ة مك ان‪ ،‬في ا ليت‬
‫شعري من أين يحصل لك الصواب إذا أخطأ علّي بزعمك)(‪)1‬‬
‫وقال في (الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم)‪( :‬فإن قلت‬
‫كيف تحكي اإلجم اع الس ابق على مش روعية الزي ارة والس فر إليه ا وطلبه ا‪ ،‬وابن‬
‫تيمية من متأخري الحنابلة منكر لمش روعية ذل ك كل ه؟‪ ..‬قلت‪ :‬من ابن تيمي ة ح تى‬
‫ينظر إليه أو يعول في شيء من أمور الدين عليه‪ ،‬وهل هو إال كما ق ال جماع ة من‬
‫األئمة الذين تعقبوا كلمات ه الفاس دة وحجج ه الكاس دة ح تى أظه روا ع وار س قطاته‬
‫وقبائح أوهامه وغلطاته كالعز بن جماعة‪ :‬عبد أضله هللا تعالى وأغواه وألبسه رداء‬
‫الخزي وأرداه‪ ،‬وباه من قوة االفتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان‪..‬‬
‫حتى تجاوز إلى الجناب األقدس منزه سبحانه وتعالى عن كل نقص والمستحق لك ل‬
‫كمال أنفس‪ ،‬فنسب إليه العظائم والكبائر‪ ،‬وأخرق سياج عظمته وكبرياء جاللته بم ا‬
‫أظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجس يم‪ ،‬وتض ليل من لم يعتق د ذل ك‬
‫من المتقدمين والمتأخرين حتى قام عليه علم اء عص ره وألزم وا الس لطان بقتل ه أو‬
‫حبسه وقهره‪ ،‬فحبس ه إلى أن م ات‪ ،‬وخم دت تل ك الب دع وزالت تل ك الظلم ات‪ ،‬ثم‬
‫انتصرت له أتباع لم يرف ع هللا تع الى لهم رأس ًا‪ ،‬ولم يظه ر لهم جاه ًا وال بأس ًا ب ل‬
‫ض ربت عليهم الذل ة والمس كنة وب اءوا بغض ب من هللا ذل ك بم ا عص وا وك انوا‬
‫يعتدون)(‪)2‬‬
‫ومنهم المحدث محمــد بن عبــدالرؤوف المنــاوي الشــافعي (المت وفى ‪1031‬‬
‫هـ) صاحب (فيض الق دير ش رح الج امع الص غير) ال ذي يعت بر مرجع ا كب يرا في‬
‫شرح الحديث وتخريجه‪ ،‬والسلفية ـ وخصوصا األلباني ـ يرجعون إليه كث يرا‪ ،‬وإن‬
‫كانوا يكفرون صاحبه‪.‬‬
‫بل إنه هو نفس ه يكف رهم‪ ،‬فق د ق ال في ش رح ح ديث (أبى هللا أن يقب ل عم ل‬
‫صاحب بدعة حتى يدع بدعت ه)‪( :‬والكالم كل ه في مبت دع ال يكف ر ببدعت ه‪ ،‬أم ا من‬
‫كفـر بها‪ ،‬كمنكر العلم بالجزئيات‪ ،‬وزاعم التجسيم أو الجهة أو الك ون‪ ،‬أو االتص ال‬
‫‪ )(1‬الفتاوى الحديثية‪ ،‬ابن حجر الهيتمي‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫‪ )(2‬الجوهر المنظم‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪154‬‬
‫بالعالم أو االنفصال عنه‪ ،‬فال يوصف عمله بقب ول وال رّد ألن ه أحق ر من ذل ك)(‪،)1‬‬
‫وهذا النص وحده كاف في تكفيره لهم‪ ،‬وتكفيرهم له‪.‬‬
‫ومنهم المحــدث الشــيخ محمــد بن علي الصــديقي المكي الشــافعي (المتوفى‬
‫‪ 1057‬هـ ص احب (الم برد المبكي في ال رّد على الص ارم المنكي)‪ ،‬في ال رد على‬
‫كتاب ابن عبدالهادي تلميذ ابن تيمية‪ ،‬والذي يعتمد عليه السلفية في مناقب ش يخهم‪..‬‬
‫والكتاب وحده كاف في الداللة على تكف يره بمع اييرهم المختلف ة‪ :‬التجهم والتعطي ل‬
‫والقبورية وغيرها‪.‬‬
‫ومنهم الشيخ شهاب الــدين أحمــد بن محمــد الخفــاجي المصــري‪( ،‬المت وفى‬
‫‪ 1069‬هـ) صاحب (نسيم الرياض في شرح ش فاء القاض ي عي اض)‪ ،‬فق د ق ال في‬
‫فصل عقده لزيارة قبره ‪( :‬وزيارة قبره سنة م أثورة مس تحبة مجم ع عليه ا‪ ،‬أي‬
‫على كونها سنة‪ ،‬وال عبرة بمن خالف فيها كابن تيمية‪ ..‬واعلم أن ه ذا الح ديث ه و‬
‫الذي دعا ابن تيمية ومن تبعه كابن القيم إلى مقالته إلى مقالته الش نيعة ال تي كفـروه‬
‫بها‪ ،‬وصنف فيها السبكي مصنفًا مستقًال وهي منعه من زيارة ق بر الن بي ‪ ‬وش ّد‬
‫الرحال إليه‪ ..‬فتوهم أن ه حمى ج انب التوحي د بخراف ات ال ينبغي ذكره ا‪ ،‬فإنه ا ال‬
‫تصدر عن عاقل فضًال عن فاضل سامحه هللا عزوجل)(‪)2‬‬
‫ومنهم الشيخ رضوان العدل بيبرس الشافعي المصري (المتوفى ‪ 1303‬هـ)‬
‫وه و ال ذي ق ال مؤرخ ا للوهابي ة في كتـابه (روض ة المحتـاجين لمعرف ة قواعـد‬
‫الدين)‪( :‬ثم ظهر بعد ابن تيمية محمد بن عبدالوهـاب في القرن الثاني عش ر‪ ،‬وتب ع‬
‫ابن تيمية وزاد عليه سخفًا وقبحًا‪ ،‬وهو رئيس الطائفة الوهابية قبحهم هللا‪ ،‬وتبرأ منه‬
‫أخوه الشيخ سليمان بن عبدالوهاب وكان من أهل العلم)(‪)3‬‬
‫ومنهم المحدث عبد ربه بن سليمان القليوبي األزهــري‪( ،‬كان حي ًا في ع ام‬
‫‪ 1377‬هـ) ص احب كت اب (فيض الوه اب في بي ان أه ل الح ق ومن ض ل عن‬
‫الص واب)‪ ،‬وه و كت اب ض خم في س تة أج زاء في ال رّد على ابن تيمي ة وابن‬
‫عبدالوهاب والسلفية جميعا‪ ،‬وذلك وحده كاف إلدانته وتكفيره‪.‬‬
‫ومن كالمه في ابن تيمية قوله‪( :‬ابن تيمي ة ال ذي أجم ع عقالء المس لمين أن ه‬
‫ضال مضل‪ ،‬خرق اإلجماع وسلك مسالك االبتداع‪ ،‬الذي ما ت رك أم رًا مخالف ًا وال‬
‫مبدءًا معارضًا لما عليه إجماع المس لمين إال وس لكه‪ ،‬فك ان ك ل من ك ان على ه ذا‬
‫المب دأ من أه ل الض اللة المقاب ل أله ل الح ق ي دعو إلى ه ذا المب دأ‪ ،‬وهم ح زب‬
‫الشيطان المقابل لحزب الرحمن‪ ،‬إذ األمر في الدين اثنان ال ثالث لهما)(‪)4‬‬
‫ومنهم العالمة الجليل الشهيد الدكتور الشيخ محمد ســعيد رمضــان البــوطي‬
‫الذي يتهمه السلفية بكل ما يتهمون به سائر الش افعية وأص حاب الم ذاهب المختلف ة‬

‫فيض القدير‪ ،‬للمناوي‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪.96‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫نسيم الرياض‪ ،‬أحمد بن محمد الخفاجي‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪.96‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫روضة المحتـاجين لمعرفة قواعـد الدين‪ ،‬ص‪.384‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫فيض الوهاب‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪.151‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪155‬‬
‫ب التجهم والتعطي ل والقبوري ة والش رك ونحوه ا‪ ..‬وق د ذكرن ا في كتابن ا [لح وم‬
‫مس مومة] موق ف الس لفية المتش دد من ه‪ ،‬واعتب اره رأس ا من رؤوس الض الل‪ ،‬فال‬
‫نعيده هنا‪.‬‬
‫وقد ختم حياته رحم ه هللا بالش هادة على أي ديهم‪ ..‬فهنيئ ا ل ه به ا‪ ،‬ورزقن ا هللا‬
‫مثلها‪.‬‬
‫ومنهم العالمة المعاصر الجليــل المحــدث الشــيخ محمــود ســعيد بن ممــدوح‬
‫الشافعي ‪ ،‬صاحب التحقيقات الكثيرة في الحديث وغيره‪ ،‬والذي يتهم بكل ما اتهم به‬
‫الش افعية من تجهم وتعطي ل وقبوري ة باإلض افة لل رفض‪ ..‬النتص اره آلل ال بيت‬
‫وأتباعهم‪.‬‬
‫ومن أقوال ه ال تي ال تحم ل إال على الكف ر ـ عن د الس لفية ـ قول ه‪( :‬وآخ رون‬
‫يتولون العترة المطهرة‪ ،‬ولكن بحد وإلى مقام ال يتجاوزونه البتة‪ ،‬فتراهم يأتون إلى‬
‫كل فضيلة لعلّي عليه الس الم ثابت ة باألح اديث الص حيحة فيتأولونه ا دفع ًا بالص در‬
‫لتوافق بعض المذاهب‪ ،‬فإذا جاء في األحاديث الص حيحة أن علي ًا م ولى المؤم نين‬
‫وأنه ال يغادر الحق وأنه أعلم وأشجع الصحابة وأسبقهم إسالمًا وهو الكرار الذي لم‬
‫يهزم‪ ،‬إلى غير ذلك اشتغلوا بتأويل األحاديث الصحيحة بما يوافق الم ذهب‪ ،‬وازداد‬
‫بعض هم جحـودًا بااللتج اء إلى منـهاج بـدعة ابن تيمـية فيعول ون علي ه في نفي‬
‫خصائص علّي عليه السالم‪ ،‬وتدعيم أسـس الّنصـب)(‪)1‬‬
‫هذه مجرد نماذج عن تكفير السلفية ألعيان المدرسة الش افعية‪ ،‬ومن ش اء أن‬
‫يستزيد‪ ،‬فليذهب للمكتبة الشافعية‪ ،‬وليقرأ ما كتبه أعالمها ابتداء من الق رون األولى‬
‫لظهوره ا‪ ،‬وسيكتش ف في ك ل كت اب منه ا من النص وص م ا يض ع ص احبه في‬
‫سجالت التكفير السلفية الضخمة‪.‬‬
‫مدرسة الحنابلة‪:‬‬
‫قد يتص ور البعض ممن ال يع رف ت اريخ الم دارس الفقهي ة‪ ،‬ولم يطل ع على‬
‫تراثها وأعالمها أن الحنابلة شيء واحد‪ ،‬وأنهم مدرسة ممتدة من أحمد بن حنبل ب ل‬
‫من قبل ه من أه ل الح ديث إلى عص رنا الح الي‪ ،‬وه ذا خط أ جس يم‪ ..‬ألن الحنابل ة‬
‫كس ائر الم ذاهب الفقهي ة ك ان فيه ا الكث ير من الص وفية ـ ال ذين يكف رهم الس لفية‬
‫لتص وفهم ـ وك ان فيهم الكث ير من المؤول ة والمفوض ة ـ ال ذين يكف رهم الس لفية‬
‫لتجهمهم وتعطيلهم ـ وك ان فيهم الكث يرمن ال ذين يمتلئ ت اريخهم بمحب ة الص الحين‬
‫والتبرك بقبورهم‪ ،‬ممن يسميهم السلفية قبورية ومشركين‪.‬‬
‫ومن أقوى األدلة على ذلك أن ابن عبد الوهاب كفر الحنابلة المعاصرين ل ه‪،‬‬
‫بل المساكنين له في نجد بسبب رميه لهم بالقبورية والشرك األكبر‪ ،‬وقد س بق ذك ر‬
‫بعض النماذج على ذلك‪.‬‬
‫بل حتى أحم د بن حنب ل نفس ه‪ ،‬نج د ل ه ص ورتين‪ :‬ص ورة س لفية هي ال تي‬
‫يعظمونها‪ ،‬ويقدرونها‪ ،‬ويلصقون بها كل تجسيم ونص ب‪ ..‬وص ورة أخ رى نج دها‬
‫‪ )(1‬غاية التبجيل‪ ،‬محمود سعيد بن ممدوح‪ ،‬ص ‪.119‬‬

‫‪156‬‬
‫عند الفريق اآلخر من الحنابلة تمثله ورعا تقيا عفيفا منزها‪.‬‬
‫ونحن ال يعنين ا أي ص ورتين هي الص حيحة‪ ..‬ألن األم ر ف وق األش خاص‪،‬‬
‫وإنما يعنينا هنا أن نبحث في شمولية التكفير السلفي لألم ة جميع ا‪ ،‬بم ا فيه ا فري ق‬
‫كبير محترم من الحنابلة‪.‬‬
‫وحتى ال نقع في أي جدال م ع أي ط رف ح ول م ا يص ح وم ا ال يص ح في‬
‫تاريخ أي شخص‪ ،‬وما روي عنه‪ ،‬فسأكتفي هنا بنموذجين للتكفير الس لفي للحنابل ة‪،‬‬
‫وكالهما يمثل قسما محترما منهم‪ ،‬أما أولهما فيرتبط بالمنزهة من الحنابلة‪ ،‬وتكف ير‬
‫السلفية لهم بتهمة التعطيل والتجهم‪ ،‬وأما الثاني‪ ،‬فيرتبط بالص وفية أو من يت بركون‬
‫بالقبور ونحوها‪ ،‬وهم ممن يطلق عليهم السلفية لقب القبوري ة‪ ،‬ويتهم ونهم بالش رك‬
‫الجلي‪.‬‬
‫وقب ل ذل ك أس وق نص ا مهم ا من رج ل ت ربي بين الحنابل ة‪ ،‬وفي المدرس ة‬
‫الوهابية‪ ،‬وهو أدرى بها‪ ،‬وبأقسامها‪ ،‬وهو الشيخ حس ن بن فرح ان الم الكي‪ ،‬وذل ك‬
‫في كتابه المهم [نصيحة لشباب المس لمين في كش ف غل و العلم اء المعاص رين في‬
‫المملكة العربية السعودية]‪ ،‬وال ذي ذك ر في ه الكث ير من نم اذج تكف ير كب ار علم اء‬
‫السعودية للمسلمين‪ ،‬وغلوهم في ذلك‪.‬‬
‫وق د احت اج في مقدم ة كتاب ه أن يوض ح مع نى كلم ة علم اء الس عودية‪،‬‬
‫ومذاهبهم‪ ،‬ويعنينا من كالمه مدى ارتباطهم بالمذهب الحنبلي‪ ،‬فقد قال تحت عن وان‬
‫[القيد السابع‪ :‬علماء في (عقائد الحنبلي ة) فق ط]‪( :‬ك ان ه ذا القي د ض روريًا وعلمي ًا‬
‫أكثر من القيود السابقة‪ ،‬وهذه القيود تأتي فائدتها عندما نرى أنه ا من أك بر عوام ل‬
‫الوحدة وأقوى محف زات التواض ع واله دوء والعلمي ة‪ ،‬فق د س بق أن ذكرن ا أن لقب‬
‫(أهل السنة) لقب اس تحوذ علي ه م ذهبان (األش اعرة والحنابل ة)‪ ،‬فه ذا م ا ال ينك ره‬
‫علماء المملكة‪ ..‬كما أن (لقب السلفية) محل تنازع في التفسير ال في االسم‪ ..‬وعلماء‬
‫المملكة ال ي دعون أنهم أش اعرة في العقي دة‪ ،‬ب ل هم ي ذمون األش اعرة ويب دعونهم‬
‫ويعدونهم من الفرق الهالكة يوم القيامة‪ ،‬وال يس تطيعون إثب ات أن تل ك التفص يالت‬
‫العقدي ة ك ان يعتق دها (الس لف) من الص حابة وكب ار الت ابعين‪ ،‬فم ا بقي إال ك ونهم‬
‫(حنابلة) فهنا يقل النزاع‪ ...‬ويسلم خصومهم من أهل السنة اآلخ رين‪ ..‬ويس تطيعون‬
‫أن ينسبوا ألحمد بن حنبل ماعجزوا عن نسبته إلى السلف من الصحابة والت ابعين‪..‬‬
‫إذن فهم (حنابلة في األصل‪ ،‬رغم أنهم منتسبون إلى األلقاب المتن ازع عليه ا كأه ل‬
‫السنة والسلفية)(‪)1‬‬
‫وهنا يقع إشكال كبير في مدى ص دق انتس اب ه ؤالء للم ذهب الحنبلي‪ ،‬وق د‬
‫حل هذا اإلشكال بقوله‪( :‬لكننا نجدهم ال يتسمون بـ(الحنابلة) إال من جهة الفقه فق ط‪،‬‬
‫أما من جهة العقيدة فإنهم يتس مون أو يتلقب ون باأللق اب األك ثر س عة (كأه ل الس نة‬
‫والسلفية) ربما ألنهم يريدون أن يثبتوا أنهم هم (أهل سنة) فق ط وغ يرهم (مبتدع ة)‬
‫وإن انتسبوا (للسنة)‪ ...‬وأنهم (أتب اع الس لف الص الح من الص حابة والت ابعين) وإن‬
‫‪ )( 1‬نصيحة لشباب المسلمين في كشف غلو العلماء المعاصرين في المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫‪157‬‬
‫انتسب غيرهم لسلف ص الح من ص حابة وت ابعين‪ ..‬ربم ا‪ ..‬لكن بم ا أنهم ي رون أن‬
‫اإلمام أحمد هو إمام أهل السنة‪ ..‬وأن عقيدته ومدرسته سنية سلفية فهم (حنابل ة) في‬
‫العقيدة‪ ...‬م ادام أن الحنابل ة س نة وس لفية‪ ...‬فال ض ير في نس بتهم إلى أحم د عقي دة‬
‫وفقهًا‪ ..‬لقلة من ينازعهم على هذا اللقب‪ ،‬وكثرة من ينازعهم على األلق اب األخ رى‬
‫العامة)(‪)1‬‬
‫لكن الشيخ حسن يعود فيتساءل‪( :‬هل هم حنابلة في العقيدة؟ وهل الحنابلة في‬
‫العقيدة مذهب أم مذاهب؟)(‪)2‬‬
‫ثم يجيب عن هذا التساؤل بقوله‪( :‬سؤال ال يع رف دقت ه إال من ق رأ المس يرة‬
‫الحنبلية‪ ..‬عندها سيعرف أن الحنابلة مذاهب وتي ارات‪ ..‬فمن أي ه ذه التي ارات أتت‬
‫المدرسة الحنبلية ال تي ينتمي إليه ا علم اء المملك ة؟‪ ..‬إنه ا مدرس ة ابن تيمي ة‪ ..‬إذن‬
‫فالقيد الواجب إض افته يك ون على النح و الت الي‪ :‬القي د الث امن‪ :‬علم اء في (العقي دة‬
‫الحنبلية التيمية) فقط‪[ ..‬ذلك] أن (العقيدة الحنبلية) تن ازع فيه ا فريق ان من الحنابل ة‬
‫المتفقين في الفقه والمختلفين في العقيدة‪ ..‬ثم جاء فرقة ثالثة (وهي فرقة ابن تيمي ة)‬
‫خالفتهم ا مع ًا في العقي دة في أم ر ه و عن دها (لب العقي دة) وهي مس ألة القب ور‬
‫وتوابعها من تبرك وتوسل وتعظيم وصالة عندها‪ ...‬وبم ا أن ه ذه المس ألة (القب ور‬
‫والصالحين والتبرك‪ )..‬هي من صلب العقيدة عند ابن تيمي ة فال ب د أن تك ون كافي ة‬
‫لجع ل (التيمي ة) فرق ة مس تقلة رغم أنه ا تلتقي م ع الحنابل ة في كث ير من العقائ د‬
‫كالصفات والرؤية والصحابة والقدر)(‪)3‬‬
‫ثم ي بين الش يخ حس ن انقس ام الحنابل ة من حيث العقائ د إلى قس مين أولهم ا‪:‬‬
‫(حنابلة هم أقرب لألشعرية كابن الجوزي فه و حنبلي اتفاق ًا من حيث الفق ه‪ ،‬ولكن ه‬
‫من حيث العقيدة هو من (المنزهة)‪ ،‬وكونه من المنزهة أنكر بعض الحنابلة حنبليته‬
‫في العقيدة وإن أقر به ا في الفق ه‪ ،‬وعلى ك ل ففي ه خالف ه ل ه و أش عري ينتس ب‬
‫ألحمد أم حنبلي ينتسب ألحمد‪ ..‬فهو ينتسب ألحمد ويقول عن نفسه (حنبلي) ويكتب‬
‫في (مناقب أحمد) ويصنف في (الفقه الحنبلي) ويقول إن أحم د (ك ان مثل ه منزه ًا)‬
‫فابن الجوزي لكن باإلجماع (منزه ومؤول) سواء كان هذا التأويل هو مذهب أحمد‬
‫أو مذهب األشعري‪ ..‬ومن قرأ كتاب ه (دف ع ش به التش بيه) وج ده م ؤوًال في العقائ د‬
‫بوضوح‪ ...‬وقد كان لهذا الشيخ الحنبلي المنزه صولة في القرن السادس ثم اضمحل‬
‫مذهبه شيئًا فشيئًا‪ ...‬إلى أن قضى عليه ابن تيمية في القرن الثامن)(‪)4‬‬
‫والقسم الثاني‪( :‬حنابلة هم أقرب للكرامي ة [وهي فرق ة جمعت بين التص وف‬
‫والتجس يم] كالحنابل ة المتق دمين من تالمي ذ أحم د كعب د هللا بن أحم د والم روذي‬
‫وال دارمي (قب ل ‪300‬هـ) ثم تالمي ذهم ك الخالل والبربه اري (بع د ‪300‬هـ) ثم‬

‫في كشف غلو العلماء المعاصرين في المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص‪.21‬‬ ‫نصيحة لشباب المسلمين‬ ‫‪)( 1‬‬
‫في كشف غلو العلماء المعاصرين في المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص‪.22‬‬ ‫نصيحة لشباب المسلمين‬ ‫‪)( 2‬‬
‫في كشف غلو العلماء المعاصرين في المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫نصيحة لشباب المسلمين‬ ‫‪)( 3‬‬
‫في كشف غلو العلماء المعاصرين في المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص‪.24‬‬ ‫نصيحة لشباب المسلمين‬ ‫‪)( 4‬‬

‫‪158‬‬
‫تالميذهم كابن بطة (قبل ‪400‬هـ) ثم تالمي ذه ك ابن حام د (على رأس الـ‪400‬هـ) ثم‬
‫تالميذه كأبي يعلى (‪458‬هـ)‪ ...‬وهم أغلبية الحنابل ة المتق دمين‪ ..‬ومن ق رأ كتبهم في‬
‫العقائد يجدهم (مشبهة)‪ ..‬وهذه الحنبلية انتص ر له ا ابن تيمي ة إال في مس ألة القب ور‬
‫وتوابعها)(‪)1‬‬
‫وب ذلك ف إن ه ذا القس م من الحنابل ة‪ ،‬وإن ك ان معت برا من ناحي ة التجس يم‬
‫والتشبيه عند السلفية إال أنه مكفر من جهة تعظيم القبور‪ ،‬أو الميل للتصوف‪.‬‬
‫وقد بين المالكي مزايا الحنبلية التيمي ة ودواف ع ظهوره ا‪ ،‬فق ال‪( :‬الحنبليت ان‬
‫الس ابقتان حنبلي ة ابن الج وزي وحنبلي ة المتق دمين – م ع اختالفهم ا الق وي في‬
‫الصفات‪ -‬إال أنهما يتفقان في الفقه وفي التصوف‪ ..‬أما الفقه فال يهمنا هنا فق د س بق‬
‫الكالم عنه‪ ..‬وليس ذي إشكال كبير ال عند ابن تيمية وال عند علماء المملك ة‪ ..‬وأم ا‬
‫الصفات فقد انتصر ابن تيمية لفرقة الحنابل ة المتق دمين‪ ..‬وقض ى على م ا تبقى من‬
‫حنبلية ابن الجوزي كم ا س بق‪ ..‬وأم ا التص وف ومس ألة القب ور فق د ك انت منطق ة‬
‫اإلف تراق بين ابن تيمي ة والم ذهبين الحنبل يين الس ابقين كليهم ا‪ ..‬ومن هن ا (نش أت‬
‫الفرقة الحنبلية الثالثة وهي‪ :‬التيمية)‪ ..‬وهذا اللقب معروف عن د كث ير من الم ؤلفين‬
‫في العقائد)(‪)2‬‬
‫وقد ختم المالكي هذه التحليالت التاريخية المهمة جدا‪ ،‬باعتبار الحنابلة مدسة‬
‫تشمل تيارات متعددة‪ ،‬والتكفير على أكثرها سار مثل ه مث ل س ائر الم ذاهب‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫(إذن فليس الحنابلة على مذهب واح د في العقي دة‪ ..‬ومن حس ن الح ظ أنن ا نس تطيع‬
‫الي وم أن نق ول ه ذا باطمئن ان ألن كتب ه ذه الف رق الثالث مطبوع ة مت وفرة وهي‬
‫مختلفة في العقائ د ي رد بعض ها على بعض ويض لل بعض ها بعض ًا ويبدع ه‪ ...‬إذن‬
‫فليس عندنا الرغبة في تقسيم المقسم‪ ...‬وإنما هذه حقيقة‪ ...‬الحنابلة أنفس هم مختلف ون‬
‫في العقائد‪ ...‬وانتقل هذا اإلختالف من التبديع في عهد ابن الجوزي إلى الحكم على‬
‫الفعل بالشرك في عهد ابن تيمية‪ ..‬إلى تبادل التكفير الصريح بين علماء الحنابلة في‬
‫عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومدرسته)(‪)3‬‬
‫وق د ض رب بعض األمثل ة على ذل ك‪ ،‬فق ال‪( :‬من يق رأ من اقب أحم د البن‬
‫الجوزي الحنبلي (المؤول المنزه) يجده معظمًا لمسألة القب ور وتوابعه ا‪ ،‬ومن يق رأ‬
‫آراء الحنابلة المتقدمين (المش بهة المثبت ة) في ال تراجم‪ ...‬يج دهم معظمين لمس ألة‬
‫القب ور وتوابعه ا‪ ...‬ب ل بعض هم موغ ل في التص وف إلى الق ول بوح دة الوج ود‬
‫كالهروي الحنبلي‪ ..‬ومن يقرأ كتب ابن تيمية يجده مستنكرًا لمسألة القبور وتوابعها‪،‬‬
‫ففارق ابن تيمية في هذه المسألة المذهب الحنبلي كله)(‪)4‬‬
‫وبذلك فإن مدرسة الحنابلة بالنسبة للس لفية ال يختل ف الحكم عليه ا عن س ائر‬

‫في كشف غلو العلماء المعاصرين في المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص‪.25‬‬ ‫نصيحة لشباب المسلمين‬ ‫‪)( 1‬‬
‫في كشف غلو العلماء المعاصرين في المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص‪.26‬‬ ‫نصيحة لشباب المسلمين‬ ‫‪)( 2‬‬
‫في كشف غلو العلماء المعاصرين في المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫نصيحة لشباب المسلمين‬ ‫‪)( 3‬‬
‫في كشف غلو العلماء المعاصرين في المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص‪.28‬‬ ‫نصيحة لشباب المسلمين‬ ‫‪)( 4‬‬

‫‪159‬‬
‫المدارس‪ ،‬اللهم إال من تبع ابن تيمية منهم‪ ..‬بل ال يكفي ذلك‪ ،‬فقد كان من أتب اع ابن‬
‫تيمية من كفره ابن عبد الوهاب‪..‬‬
‫وقد لخص المالكي الفروقات بين ابن تيمية والحنابلة‪ ،‬فقال‪( :‬فابن تيمية اتفق‬
‫م ع حنبلي ة ابن الج وزي في الفق ه فق ط‪ ..‬واتف ق م ع حنبلي ة المتق دمين في الفق ه‬
‫والص فات مع ًا‪ ..‬ولكن ه اختل ف م ع الحنبلي تين في (موض وع القب ور والت برك‬
‫والتوسل)‪..‬من هنا قلنا‪ :‬إن ابن تيمية له مذهب في العقائد يختل ف عن الحنابل ة كلهم‬
‫في هذه المسألة)(‪)1‬‬
‫ولخص الفروق ات ال تي م يزت حرك ة الش يخ محم د بن عب د الوه اب عن‬
‫مدرسة ابن تيمية بقوله‪( :‬ومن هنا نعلم س ر اختي ار الش يخ محم د بن عب د الوه اب‬
‫لمدرسة ابن تيمي ة دون غيره ا من م دارس الحنابل ة العقدي ة‪ ..‬فض ًال عن م دارس‬
‫السنة‪..‬لقد اختار مدرسة ابن تيمية وجلبها إلى نجد ألجل هذه العقي دة ض د أص حاب‬
‫القب ور والتوس ل والت برك والتص وف فق ط‪ ..‬فه و لم يجلب (ابن تيمي ة) من أج ل‬
‫(الفقه)‪ ..‬وال من أجل (ذم الجهمية والمعتزلة والشيعة)‪ ..‬وال من أج ل (مس ألة خل ق‬
‫الق رآن)‪ ..‬وال الرؤي ة والم يزان والص راط والش فاعة وص فة نعيم الجن ة وع ذاب‬
‫النار‪ ...‬كال‪ ..‬ألن ه ذه األم ور (الفق ه والعقائ د) ك انت موج ودة أص ًال عن د حنابل ة‬
‫نجد‪ ..‬وهي أصيلة في التيارات أو االتجاهات الحنبلية الثالثة‪ ..‬وق د ك انت كتب ابن‬
‫تيمية (الفقهية ال العقدي ة) مح ل اهتم ام عن د حنابل ة نج د‪ ..‬وبم ا أن كتب ابن تيمي ة‬
‫(الفقهية) معروفة عند حنابلة نجد‪ ..‬فكأن الشيخ محمد بن عب د الوه اب يق ول‪ :‬ه ذا‬
‫شيخكم الحنبلي شيخ اإلسالم صاحب اإلختيارات وماليء الدنيا وشاغل الناس يقرر‬
‫بأن ما أنتم عليه هو (الشرك األكبر) الذي يوجب القتل والجهاد)(‪)2‬‬
‫ولخص اإلضافات الوهابية للمدرسة الحنبلية والتيمي ة‪ ،‬فق ال‪( :‬أم ا إض افات‬
‫الوهابية‪ ،‬فأشهرها الحكم على البلدان اإلسالمية التي فيها (تعظيم للقب ور أو ت برك‬
‫وتوس ل بالص الحين) بأنه ا بال د ش رك وليس بالد إس الم‪ ..‬والحكم على س كانها أو‬
‫المتأولين من علمائها بأنهم كفار‪ ..‬والتصريح بتكف ير للمعي نين من علم اء الحنابل ة‬
‫فض ًال عن غ يرهم‪ ..‬وإن زال اآلي ات ال تي ن زلت في المش ركين وجعله ا في‬
‫المس لمين‪...‬وتقس يم بالد اإلس الم ل ديار إس الم تابع ة للوهابي ة ودي ار كف ر تابع ة‬
‫لمخالفيهم‪ ..‬وإضافة شروط لـ (ال إله إال هللا)‪ ..‬وإض افة ن واقض له ا‪ ...‬وجعله ا في‬
‫المسلمين المخالفين للوهابية‪ ..‬فإذا كان من نواقض اإلس الم ال تي ذكره ا ابن تيمي ة‬
‫(مظاهرة المشركين على المسلمين) فقد جعلها الوهابية (في مظاهرة المشركين من‬
‫أه ل العيين ة على المس لمين من أه ل الدرعي ة)‪ ..‬أع ني أنزل وا خص ومهم منزل ة‬
‫المشركين األصليين وأنزلوا أنفسهم منزلة المسلمين فقط الذين ال يوج د في األرض‬
‫غيرهم)(‪)3‬‬

‫‪ )( 1‬نصيحة لشباب المسلمين في كشف غلو العلماء المعاصرين في المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪ )( 2‬نصيحة لشباب المسلمين في كشف غلو العلماء المعاصرين في المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪ )( 3‬نصيحة لشباب المسلمين في كشف غلو العلماء المعاصرين في المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص‪.30‬‬

‫‪160‬‬
‫وتأكيدا له ذا الوص ف ال دقيق ال ذي ذك ره الش يخ حس ن بن فرح ان الم الكي‬
‫للتاريخ الحنبلي‪ ،‬والذي يدل عليه كل التراث الحنبلي‪ ،‬سأنقل هن ا وص فا من كت اب‬
‫علمي أكاديمي أرخ فيه صاحبه لنج د وحنابلته ا في ال وقت ال ذي ظه ر في ه الش يخ‬
‫محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬وهو يبين بوض وح أن الس يطرة في الم ذهب الحنبلي ك انت‬
‫للجناح الذي اختارته األمة جميعا‪ :‬التنزيه في العقائد على منهج المتكلمين‪ ،‬والتربية‬
‫الروحية على منهج الصوفية‪.‬‬
‫وب ذلك ف إن المدرس ة الحنبلي ة في الحقيق ة لم تكن تختل ف كث يرا عن س ائر‬
‫الم دارس اإلس المية‪ ،‬وخاص ة في مواقفه ا التنزيهي ة أو الت برك باألولي اء وزي ارة‬
‫القبور ونحوها‪ ،‬ولهذا بدأ تكفير ابن عبد الوهاب وتالميذه لألمة من تكفيره للحنابل ة‬
‫المعاصرين له ومن قبلهم‪.‬‬
‫والكتاب بعنوان [مسائل االعتقاد عن د علم اء نج د قب ل ال دعوة اإلص الحية‪:‬‬
‫خالل الق رن العاش ر والح ادي عش ر والث اني عش ر] من ت أليف د‪ .‬عب دالعزيز بن‬
‫محمد بن علي آل عبداللطيف‪ ،‬وهو أستاذ مشارك بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة‬
‫بجامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪.‬‬
‫وقد قال الكاتب في مقدمة كتابه‪( :‬هذا بحث يهدف إلى جمع آراء علم اء نج د‬
‫في مسائل االعتقاد قبل الدعوة اإلص الحية‪ ،‬وخالل الق رن العاش ر والح ادي عش ر‬
‫والثاني عشر الهجري‪ ،‬وتبرز أهمية هذا البحث بأن الواق ع العق دي لبالد نج د قب ل‬
‫الدعوة لم يأخذ حّظه من الدراسة والتحرير‪ ،‬وإن ُو جدت دراسات فهي تقتصر على‬
‫الج انب الت اريخي فحس ب‪ ،‬وق د يخفى على الكث ير أن المس الك الكالمي ة وطرائ ق‬
‫الصوفية قد غشيت بالد نجد – كما هو مذكور في هذا البحث‪ -‬فال ي زال واق ع نج د‬
‫قبل الدعوة محل اختزال عند بعض الباحثين‪ ،‬كما أن هذا الواقع وما يحتمله من الذم‬
‫أو المدح هو محل جدل ونقاش بين الباحثين المعاصرين‪ ،‬ففري ق يغ رق في ذم ه ذا‬
‫الواقع‪ ،‬ويعمم في قدحه‪ ،‬وآخر يقلص هذا االنحراف‪ ،‬ويقل ل من ش أنه‪ .‬إض افة إلى‬
‫ذل ك ف إن جمل ة من الع داء والخص ومة بين ال دعوة ومخالفيه ا في مس ائل التوحي د‬
‫والشرك والتكفير والقتال‪ ،‬فإنه ال ينفك عند الخصوم من جذور كالمي ة‪ ،‬وش طحات‬
‫ص وفية‪ ،‬وق د تتب ع الب احث آراء مس ائل االعتق اد عن د علم اء نج د قب ل ال دعوة‪،‬‬
‫واس تخرجها من كتب االعتق اد والفق ه‪ ،‬والت اريخ وال تراجم‪ ،‬والرس ائل الشخص ية‬
‫واألشعار‪ ..‬ثم صنفها)(‪)1‬‬
‫ومن فصول الكتاب المهمة التي بين فيه ا الب احث التواف ق الش ديد بين س ائر‬
‫م ذاهب األم ة والم ذهب الحنبلي‪( :‬الفص ل الث اني‪ :‬علم الكالم عن د علم اء نج د‪..‬‬
‫والفصل الثالث‪ :‬التصوف عند علماء نجد)‪ ،‬وقد بين فيهما باألدل ة الكث يرة من كتب‬
‫الحنابلة أنفسهم‪ ،‬ومن كتب أئمة ال دعوة الوهابي ة أن الحنابل ة في ذل ك الحين دخلهم‬
‫علم الكالم والتنزيه الكالمي الذي يتناقض م ع الرؤي ة الس لفية ال تي تعت بره تجهم ا‬

‫‪ )(1‬مسائل االعتقاد عند علماء نجد قبل الدعوة اإلصالحية‪ ،‬ص‪.3‬‬

‫‪161‬‬
‫وتعطيال وكفرا‪ ..‬ودخلهم كذلك البعد الصوفي بجمي ع آث اره‪ ،‬وال ذي يرمي ه الس لفية‬
‫بالقبورية والشرك الجلي‪ ..‬واألدلة كلها تشير إلى أن غ يرهم من الحنابل ة في س ائر‬
‫بالد العالم اإلسالمي كانوا على منهاجهم‪.‬‬
‫وقد أشار الكاتب في الفصل ال ذي عق ده عن حنابل ة نج د وعلم الكالم إلى أن‬
‫الحنابلة الحقيقيين الذين ساروا على منهج الس لف لم يكون وا إال ع ددا مح دودا ج دا‬
‫مقارنة بغيرهم‪.‬‬
‫وقد نقل من ذلك عن ابن القيم قوله‪( :‬وجميع المتقدمين من أصحابه على مثل‬
‫منهاجه‪ ،‬وإن كان بعض المتأخرين منهم من دخل في نوع من البدع ة ال تي أنكره ا‬
‫أحمد‪ ،‬ولكن الرعيل األول من أصحابه كلهم وجميع أئمة الحديث قولهم قوله)(‪)1‬‬
‫وقد علق الكاتب على هذا النص بقوله‪( :‬فالحنابلة األوائل على طريقة اإلم ام‬
‫أحمد كالخالل وأبي داود ونحوهما‪ ،‬وك ذا من س لك طريق ة المح دثين من أص حابه‬
‫ك اآلجري وابن بط ة وغيرهم ا‪ ،‬بخالف المت أخرين من الحنابل ة ك التميميين‬
‫وأشباههم)(‪)2‬‬
‫وقد أشار ابن تيمية ـ في معرض حديثه عن التميميين ـ إلى ه ذا‪ ،‬فق ال‪( :‬أم ا‬
‫التميمي ون ك أبي الحس ن وابن أبي الفض ل وابن رزق هللا‪ ،‬فهم أبع د عن اإلثب ات‬
‫وأقرب إلى موافقة غ يرهم وألين لهم؛ وله ذا تتبعهم الص وفية ويمي ل إليهم فض الء‬
‫األشعرية‪ :‬كالباقالني والبيهقي؛ فإن عقي دة أحم د ال تي كتبه ا أب و الفض ل هي ال تي‬
‫اعتمدها البيهقي مع أن القوم ماشون على السنة‪ .‬وأما ابن عقي ل ف إذا انح رف وق ع‬
‫في كالمه مادة قوية معتزلية في الصفات والقدر وكرامات األولياء)(‪)3‬‬
‫وبهذا اإلقرار من ابن تيمية وابن القيم يصبح كبار أعالم الحنابلة وفضالءهم‬
‫من جمل ة المنزه ة ال ذين ال يتوق ف الس لفية في تكف يرهم‪ ..‬وهم ي روون عن أحم د‬
‫وأصحابه الكبار ما يدل على التنزيه‪ ..‬وبذلك يكون يصبحون جميع ا مح ل الخالف‬
‫من السلفية‪ ..‬ألنه إذا صح م ا ي روى عن أحم د وتالمي ذه الكب ار من التنزي ه أو من‬
‫الت برك فلن ينج و أح د من الحنابل ة م ا ع دا ال ذين يعظمهم ابن تيمي ة والس لف‬
‫المتأخرين كابن بطة وغيره‪.‬‬
‫وهكذا أشار إلى هذا ابن تيمية في موض ع آخ ر‪ ،‬فق ال‪( :‬إن اإلم ام أحم د في‬
‫أمره باّتباع السنة‪ ،‬ومعرفته بها ولزومه لها‪ ،‬ونهي ة عن الب دع‪ ،‬وذّم ه له ا وألهله ا‬
‫بالح ال ال تي ال تخفى ثم إن كث يرًا مم ا نّص ه و على أن ه من الب دع‪ ،‬ص ار بعض‬
‫أتباعه يعتقد أن ذلك من السنة‪ ،‬وأن الذي ُيذم من خالف ذلك‪ ..‬وكذلك ما أثبته أحم د‬
‫من الصفات التي ج اءت به ا اآلث ار‪ ،‬واتف ق عليه ا الس لف‪ ،‬كالص فات الفعلي ة من‬
‫االستواء والنـزول والمج يئ والتكلم إذا ش اء وغ ير ذل ك‪ ،‬فينك رون ذل ك ب زعم أن‬
‫الحوادث ال تحل به‪ ،‬ويجعلون ذلك بدعة‪ ،‬ويحكمون على أصحابه بما حكم به أحمد‬
‫() اجتماع الجيوش اإلسالمية البن القيم صـ ‪.213‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ )(2‬مسائل االعتقاد عند علماء نجد قبل الدعوة اإلصالحية‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪ )(3‬مجموع الفتاوى (‪)53 /6‬‬

‫‪162‬‬
‫في أهل البدع‪ ،‬وهم من أهل البدعة الذين فهم أحمد‪ ،‬ال أولئك‪ ،‬ونظ ائر ه ذا كث يرة‪،‬‬
‫بل قد ُيحكى عن واحد من أئمتهم إجماع المسلمين على أن الحوادث ال تح ّل بذات ه‪،‬‬
‫لينفي بذلك ما نّص أحمد وسائر األئمة عليه من أنه يتكلم إذا شاء‪ ،‬ومن هذه األفعال‬
‫المتعلقة بمشيئته)(‪)1‬‬
‫وهك ذا ن رى علم ا كب يرا من أعالم الس لفية ينك ر على الحنابل ة ميلهم إلى‬
‫المنزهة‪ ،‬وذل ك في فص ل عق ده ل ذلك بعن وان‪[ :‬الح ذر من الرك ون إلى ك ل أح د‪،‬‬
‫واألخذ من كل كتاب؛ ألن التلبيس قد كثر‪ ،‬والكذب على المذاهب قد انتشر](‪ ،)2‬قال‬
‫فيه‪( :‬إن أحوال أهل الزم ان ق د اض طربت‪ ،‬والمعتم د فيهم ق د ع ّز ‪ ،‬والك ذب على‬
‫المذاهب قد انتشر‪ ،‬فالواجب على كل مسلم يحب الخالص أن ال يركن إلى كل أحد‪،‬‬
‫وال يعتمد على كل كتاب‪ ،‬وال يسلم عنانه إلى من أظهر له الموافقة‪ ،‬فلقد وقفت على‬
‫رسالة عملها رجل من أهل أصبهان يعرف بابن اللبان‪ ،‬وسماها [شرح مقالة اإلم ام‬
‫األوحد أبي عبدهللا أحمد بن حنبل] وذك ر فيه ا م ذهب األش عري المخ الف ألحم د‪،‬‬
‫أعطى نسخًا إلى جماعة يطوفون بها في البالد)(‪)3‬‬
‫ومثله ذكر أبو العباس بن الحسين الع راقي (ت وفي ‪588‬هـ) خ روج الحنابل ة‬
‫من العقائد التي س نها الس لف‪ ،‬وارتم اؤهم في أحض ان المنزه ة ـ كس ائر الم ذاهب‬
‫اإلسالمية ـ فقال‪( :‬وإنما الشكوى إلى هللا من قوم إلى مذهب أحمد ينتمون‪ ،‬وبالس نة‬
‫يتوس مون‪ ،‬وي ّد عون التمس ك بقول ه وفعل ه‪ ،‬وهم م ع ذل ك يخ الفون نصوص ه‪،‬‬
‫ويطرحون عمومه وخصوصه‪ ،‬فكأنهم يدعون إليه ويبعدون من ه‪ ،‬وجمي ع م ا ي رد‬
‫عليهم من الس نة الثابت ة ينف رون عنه ا‪ ،‬ويس ّلطون على م ا ج اء في الص فات من‬
‫األخبار واآليات ما سّلطه المتكلمون من التأويل‪ ،‬ويسلكون فيه مسالك أه ل اإللح اد‬
‫والتعطيل)(‪)4‬‬
‫وق د عل ق د‪ .‬عب دالعزيز بن محم د بن علي آل عب داللطيف‪ ،‬على ه ذه‬
‫النصوص التي ت بين انح راف الحنابل ة على م ذاهب الس لف بقول ه‪( :‬المقص ود أن‬
‫جملة من متأخري الحنابلة قد غشيتهم طرائق المتكلمين في االعتقاد‪ ،‬وظهر موجب‬
‫ذلك في مصنفاتهم وتقريراتهم‪ ،‬م ع تف اوت بينهم في ه ذا األث ر والت أثير؛ إذ ليس وا‬
‫سواًء ‪ ،‬فإذا كان القاضي أبو يعلى ليس كابن عقيل مثًال‪ ،‬فكذا اإلم ام ابن قدام ة ليس‬
‫كابن حم دان‪ ،‬وهك ذا‪ ،‬وعلم اء نج د –قب ل ال دعوة اإلص الحية‪ -‬هم امت داد ألولئ ك‬
‫العلماء‪ ،‬فال غرو أن يلحقهم أثر وموجب أسالفهم المتأخرين كابن حمدان والبلب اني‬
‫وعبدالباقي المواهبي ونحوهم‪ ،‬كما أنهم يتفاض لون في ه ذا الش أن‪ ،‬ف األثر الكالمي‬
‫على ابن قائد –مثًال – أظهر وأشّد من أثره على ابن عطوة)(‪)5‬‬

‫() االستقامة ‪ 16 ،1/15‬بتصرف‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() رسالة السجزي إلى أهل زبيد ص ‪.231‬‬
‫‪2‬‬
‫() رسالة السجزي إلى أهل زبيد ص ‪ 231‬بتصرف‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() فتيا وجوابها في ذكر االعتقاد وذم االختالف ألبي العالء الهمذاني ص ‪.29‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ )(5‬مسائل االعتقاد عند علماء نجد قبل الدعوة اإلصالحية‪ ،‬ص‪.29‬‬

‫‪163‬‬
‫وقد ذكر أمثل ة كث يرة على ذل ك من خالل ال تراث العق دي للحنابل ة في ذل ك‬
‫الحين منها أن الشيخ ابن البسام (توفي ‪945‬هـ) ‪-‬في أس ئلته إلى معين ال دين محم د‬
‫اإليجي – (قد أثبت صفة االستواء هلل تعالى‪ ،‬لكنه أعقبه بقول (ال مجاز وال معنى)‪،‬‬
‫فنفي المعنى يوهم مذهب التجهيل والتف ويض‪ ،‬اللهم إن ك ان مقص وده نفي المع اني‬
‫الفاسدة كتأويالت المعطلة ونحوها‪ ،‬الس يما وأن ه ق رر مع نى االس تواء وأن ه العل و‬
‫واالرتفاع‪ ،‬لكنه تردد في هذا اإلثبات‪ ،‬وكذا تردد في إثبات الحرف والصوت فقال‪:‬‬
‫(ثم ق دح في خ اطري بع د ذل ك ريب أن يك ون بخالف ذل ك مم ا رأيت من كالم‬
‫العلماء في ذلك‪ ،‬واختالفهم فيه‪ ،‬وقدح لي أيضًا في الحرف والصوت مث ل ذل ك‪ ،‬ال‬
‫أدري أ مخلوقان أم منـزالن)‪ ،‬فابن بسام كان مثبتًا للصفات اإللهية‪ ،‬لكن َع َر ض ل ه‬
‫تردد واضطراب وتوقف بشأن صفة االستواء والحرف والصوت‪ ،‬ومن المعلوم أن‬
‫التوقف والش ك من طرائ ق المتكلمين‪ ،‬خاص ة وأن المس ؤول ليس على ج ادة أه ل‬
‫السنة المحضة)(‪)1‬‬
‫ومن األمثلة ال تي ذكره ا ل ذلك رس الة (ُط َر ف الَّط رف في مس ألة الح رف‬
‫والصوت) البن عطوة (‪948‬هـ)‪ ،‬ففي مطلع الس ؤال أن أقوام ًا من طالب العلم في‬
‫نجد يجاهرون بتمشعرهم‪ ،‬ويشهدون أن القرآن ال حرف وال صوت‪ ،‬وأن من يقول‬
‫هو حرف وصوت كافر(‪.)2‬‬
‫وق د عل ق على ه ذا بقول ه‪( :‬في ذل ك م ا يكش ف عن واق ع األث ر الكالمي‬
‫األشعري على طالب علم في نجد)(‪)3‬‬
‫هذه شهادة سقناها من باب ﴿َو َش ِهَد َش اِهٌد ِم ْن َأْهِلَه ا﴾ [يوس ف‪ ]26 :‬لن بين من‬
‫خاللها أن سيف التكفير السلفي كما شمل سائر المذاهب الفقهية لم يراع حرمة أتباع‬
‫اإلمام أحمد‪ ،‬بل زجهم جميعا في سجين تكفيره‪.‬‬
‫بناء على هذا سنحاول أن نذكر هنا النموذجين اللذين أشرنا إليهما سابقا‪.‬‬
‫النموذج األول‪ :‬التكفير بسبب التعطيل‬
‫ينص الحنابلة المنزهة على أن اإلمام أحمد ـ كان كسائر األئمة ـ أبع د الن اس‬
‫عن التجسيم والتشبيه الذي وقع فيه من ي دعون التبعي ة ل ه‪ ،‬وأن م ا ينس ب إلي ه من‬
‫كتب ورواي ات في ذل ك ال تص ح عن ه‪ ،‬فكت اب [ال رد على الجهمي ة] ليس ه و من‬
‫تصنيفه إنما هو من تصنيف من يتظاهر باتباعه من المشبهة والمجسمة‪ ،‬وق د نص‬
‫الحافظ الذهبي في ترجمة االمام أحمد في [سير أعالم النبالء] على أن كتاب [الرد‬
‫على الجهمية] موض وع على االم ام أحم د إذ ق ال‪( :‬ال كرس الة االص طخري‪ ،‬وال‬
‫كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبد هللا)(‪)4‬‬
‫ومن تأويالته التي ينقلونها عنه تأويله لقوله تعالى‪( :‬وجاء ربك) بج اء ثواب ه‬

‫‪ )(1‬مسائل االعتقاد عند علماء نجد قبل الدعوة اإلصالحية‪ ،‬ص‪.29‬‬


‫() انظر‪ُ :‬طَر ف الَّطرف ص ‪.31‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ )(3‬مسائل االعتقاد عند علماء نجد قبل الدعوة اإلصالحية‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪ )(4‬سير أعالم النبالء (‪)286 /11‬‬

‫‪164‬‬
‫(‪.)5‬‬
‫وهكذا أصبح اإلمام أحمد نفسه بسبب الروايات التي يرويها الحنابلة المنزهة‬
‫عنه معطال وجهميا‪..‬‬
‫أم ا أتباع ه المنزه ة‪ ،‬فلع ل أحس ن من يمثلهم‪ ،‬وال ذي انتق د انتق ادا ش ديدا‪،‬‬
‫وص رح بتكف يره جم ال ال دين أب و الف رج عب د ال رحمن بن الج وزي (المت وفى‪:‬‬
‫‪597‬هـ)‪ ،‬والذي تختلف تصويراته للمذهب الحنبلي عن التصويرات التي يعرض ها‬
‫السلفية عنه‪.‬‬
‫وقد عبر عن ذلك في مقدمة كتابه ال ذي انتق د في ه أب ا يعلى الف راء‪ ،‬ص احب‬
‫كتاب التأويالت‪ ،‬فقال بع د أن ذك ر بعض أعالم الحنابل ة ال ذين انتص روا للتجس يم‬
‫والتش بيه‪(:‬ورأيت من أص حابنا َم ْن تكَّلم في األص ول بم ا ال يص لح‪ ،‬وانت دب‬
‫للتصنيف ثالثة‪ :‬أبو عبد هللا بن حام د وص احبه القاض ي وابن الزاغ وني‪ ،‬فص نفوا‬
‫كتبًا شانوا بها المذهب‪ ،‬ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتب ة الع وام‪ ،‬فحمل وا الص فات على‬
‫مقتض ى الحس‪ ،‬فس معوا أن هللا تع الى خل ق آدم على ص ورته ف أثبتوا ل ه ص ورة‬
‫ووجهًا زائدًا على ال ذات‪ ،‬وعي نين وفم ًا وله وات وأضراس ًا وأض واء لوجه ه هي‬
‫الُسُبحات‪ ،‬ويدين وأصابع وكفًا وخنصرًا وإبهامًا وص درًا وفخ ذًا وس اقين ورجلين‪،‬‬
‫وقالوا ما س معنا ب ذكر ال رأس !! وق الوا‪ :‬يج وز أن َيَم َّس وُيَم س‪ ،‬وي دني العب د من‬
‫ذاته‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬ويتنَّفس‪ .‬ثم ُيْر ضون العوام بقولهم‪ :‬ال كما يعق ل !! وق د أخ ذوا‬
‫بالظاهر في األس ماء والص فات‪ ،‬فس موها تس مية مبتدع ة ال دلي ل لهم في ذل ك من‬
‫النقل وال من العقل‪ ،‬ولم يلتفتوا إلى النصوص الص ارفة عن الظ واهر إلى المع اني‬
‫الواجبة هلل تعالى وال إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث)(‪)1‬‬
‫وقد ذكر في كتابه ـ بناء على هذا ـ الكثير من التأويالت على النصوص التي‬
‫تعلق بها السلفية في وصفهم هلل تعالى‪ ..‬وال داعي لذكر ذل ك هن ا‪ ،‬وإن ك ان ذكره ا‬
‫كاف في تكفيره‪ ،‬لكنا ب دل ذل ك س نذكر م ا ص رح ب ه بعض من كف ره من الس لفية‬
‫المعاصرين الذين يدعون إلى انتهاج نهج السلف األول في تسمية األش ياء بأس ماء‪،‬‬
‫وعدم استعمال الخدع والحيلة والكذب‪.‬‬
‫ومن أمثلتهم الشمري الذي قال فيه‪( :‬وبه ذا يعلم تجهم ابن الج وزي –عامل ه‬
‫هللا بعدله‪ -‬لما قال عمن يستدل بأحاديث النزول على إثب ات العل و ق ال‪( :‬ه ذا كالم‬
‫جاهل بمعرفة هللا عز وجل ألن هذا استسلف من حسه ما يعرفه من ن زول الجس ام‪.‬‬
‫فقاس صفة الحق عليه)‪ ،‬والبن الجوزي أقوال عديدة ت دل على تجهم ه ب ل وتجل ده‬
‫في ذل ك كقول ه‪( :‬عجبت من أق وام ي دعون العلم‪ ،‬ويميل ون إلى التش بيه بحملهم‬
‫األح اديث على ظواهره ا)‪ ،‬وه ذه لغ ة الجهمي ة المحض ة يس مون ك ل من أثبت‬
‫الص فات مش بها‪ ..‬وق ال أخ زاه هللا‪( :‬ومن ق ال‪ :‬اس توى بذات ه فق د أج راه مج رى‬
‫الحسيات‪ ،‬وينبغي أال يعمل ما يثبت به األصل‪ ،‬وه و العق ل)‪ ..‬وق ال ال رحم ه هللا‪:‬‬
‫‪ )(5‬رواه عنه الحافظ البيهقي كما نقل ذلك عنه ابن كثير في البداية (‪)327 /10‬‬
‫‪ )(1‬دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه‪ ،‬ص (‪)97‬‬

‫‪165‬‬
‫(ومجيء وإتيان على معنى بر ولطف)‪ ،‬وق ال أيض ًا‪( :‬ال واجب علين ا أن نعتق د أّن‬
‫ذات هللا ال تتبعض وال يحويها مكان‪ ،‬ومنها قوله عن حديث النزول‪( :‬يستحيل على‬
‫هللا تعالى الحركة والنقلة والتغير‪ ،‬فبقي الناس رجلين؛ أح دهما‪ :‬المت أول ل ه بمع نى‬
‫أنه يقرب رحمته … الثاني‪ :‬الساكت عن الكالم في ذلك مع اعتقاد التنـزيه)‪ ..‬ومنه ا‬
‫قول ه فض هللا ف اه‪ :‬ثم لم ي ذكر الرس ول األح اديث جمل ة (أي‪ :‬أح اديث الص فات)‪،‬‬
‫وإنما كان يذكر الكلمة في األحيان؛ فق د غل ط من ألفه ا أبواب ا على ت رتيب ص ورة‬
‫غلطا قبيح ا‪ ،‬وقول ه‪ :‬ق ال هللا تع الى ﴿َو َيْبَقى َو ْج ُه َر ِّب َك ُذ و اْلَج َالِل َو اِإل ْك َر اِم ﴾ ق ال‬
‫المفسرون‪ :‬معناه‪ :‬يبقى ربك‪ ،‬وكذا ق ال في قول ه ﴿ُيري ُد وَن وَج ْه ُه﴾‪ ،‬أي‪ :‬يريدون ه‪،‬‬
‫وقوله‪ :‬وقال الحسن في قوله تعالى﴿َيُد ِهللا َف ْو َق َأْي ِد يِهْم ﴾‪ ،‬أي‪ :‬منت ه وإحس انه‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫وه ذا كالم المحققين‪ ..‬وقول ه لعن ه هللا‪ :‬وق د ذهب القاض ي أب و يعلى إلى أن الس اق‬
‫صفة ذاتية‪ ،‬وقال مثل ه في (يض ع قدم ه في الن ار)‪ ...‬قلت‪ :‬وذك ُر الس اق م ع الق دم‬
‫تشبيه محض)(‪)1‬‬
‫وقد نقل الشمري رسالة كتبها حنبلي مجسم هو إسحاق العثلي الحنبلي ينصح‬
‫فيه ا الحنبلي الم نزه ابن الج وزي‪ ،‬وك ان مم ا ق ال ل ه فيه ا‪( :‬فكي ف تص فون الّل َه‬
‫سبحانه بشيء َم ا وقفتم َع َلى صحته‪َ ،‬بل بالظنون والواقعات‪ ،‬وتنفون الص فات اَّلِتي‬
‫رضيها لنفسه‪ ،‬وأخبر بها رسوله بنقل الثقات األثبات‪ ،‬يحتمل‪ ،‬ويحتمل‪َ ...‬لَق ْد آذيت‬
‫عب اد هَّللا وأض للتهم‪ ،‬وص ار ش غلك نق ل األق وال فحس ب‪ ...‬ولق د س ودت وجوهن ا‬
‫بمقالتك الفاس دة‪ ،‬وانف رادك بنفس ك‪ ،‬كأن ك جب ار من الجب ابرة‪ ،‬وال كرام ة َل ك وال‬
‫نعمى‪ ،‬وال نمكنك من الجهر بمخالفة السنة)(‪)2‬‬
‫بل نقل عن ابن تيمية ما يدل على تكفيره ورميه بالتجهم والتعطي ل‪ ،‬فق د ق ال‬
‫في [درء تعارض العقل والنق ل]‪( :‬ف إن قي ل قلت إن أك ثر أئم ة النف اة من الجهمي ة‬
‫والمعتزلة كانوا قليلي المعرفة بما جاء عن الرسول واقوال السلف في تفسير القرآن‬
‫وأصول الدين وما بلغوه عن الرس ول ففي النف اة كث ير ممن ل ه معرف ة ب ذلك‪ ،‬قي ل‬
‫هؤالء أنواع نوع ليس لهم خبرة بالعقليات بل هم يأخ ذون م ا قال ه النف اة عن الحكم‬
‫وال دليل ويعتق دونها ب راهين قطعي ة وليس لهم ق وة على االس تقالل به ا ب ل هم في‬
‫الحقيقة مقلدون فيها‪ ،‬وقد اعتقد أقوال أولئك فجميع ما يسمعونه من القرآن والحديث‬
‫وأقوال السلف ال يحملونه على ما يخالف ذلك‪ ،‬بل إما أن يظنوه موافقا لهم وإما أن‬
‫يعرضوا عنه مفوضين لمعناه‪ ،‬وهذه حال مثل أبي حاتم البس تي وأبي س عد الس مان‬
‫المعتزلي ومثل أبي ذر الهروي وأبي بك ر ال بيهقي والقاض ي عي اض وأبي الف رج‬
‫ابن الجوزي وأبي الحسن علي بن المفضل المقدسي وأمثالهم)(‪)3‬‬
‫ًا‬
‫وقد علق على هذا النص من ابن تيمية بقوله‪( :‬وتأمل كيف ع د عياض م ع‬
‫النفاة والذي جل شرح النووي –في الحقيق ة‪ -‬نق ل عن ه وعن أخدان ه من األش اعرة‬
‫‪ )(1‬بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪ )(2‬بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪ )(3‬درء تعارض العقل والنقل (‪)32 /7‬‬

‫‪166‬‬
‫])(‪)1‬‬
‫والمتكلمين وأمرهم كما قال بعض السلف‪ [ :‬اعتبروا الناس بأخدانهم‬
‫باإلض افة إلى ه ذا ي ذكر الش مري من األم ور الموجب ة لكف ر ابن الج وزي‬
‫قبوريته وشركه الجلي‪ ،‬فق ال‪( :‬والرج ل –أع ني ابن الج وزي‪ -‬قب وري هال ك فمن‬
‫أقواله‪ :‬ك ثر ض جيجي من مرض ي‪ ،‬وعج زت عن طب نفس ي‪ ،‬فلج أت إلى قب ور‬
‫الصالحين‪ ،‬وتوسلت في صالحي‪ ،)..‬وألجل ه ذا وغ يره اش تد نك ير العلم اء علي ه‬
‫ونقموا أقواله‪ ،‬كما قال ابن رجب)(‪)2‬‬
‫وقال الشمري في كتاب آخر يتحدث عنه ويعاتب العلم اء ال ذين يتوقف ون في‬
‫تكفيره على الرغم من تكفير من هم دونه‪( :‬الوجه الث الث‪ :‬ق ولهم عن ابن الج وزي‬
‫أنه (من كب ار علم اء المس لمين ال ذين نف ع هللا األم ة بعلمهم)‪ ،‬باط ل من الق ول ب ل‬
‫الرج ل جهمي جل د‪ ،‬وق د ذك ر ابن رجب أن ه ق د اش تد نك ير العلم اء علي ه ونقم وا‬
‫أقواله‪ ..‬وقد قال عنه عبدالرحمن السعدي –وهو من أئمة العصريين‪ :-‬خلط تخليط ا‬
‫عظيما في باب الصفات وتبع في ذلك الجهمية والمعتزلة‪ ،‬فسلك سبيلهم في تحريف‬
‫كثير منها وخالف السلف في حملها على ظاهرها‪ ،‬وقدح في المثب تين‪ ،‬ونس بهم إلى‬
‫البالهة‪ ،‬وهذا الموضوع من أكبر أغالطه‪ ،‬ولذلك أنكر علي ه أه ل العلم وت برأ من ه‬
‫الحنابلة في هذا الباب ونزهوا مذهب اإلمام أحمد‪ ..‬ه ذا وق د ق ال ابن ب از نفس ه في‬
‫شرح كشف الشبهات‪( :‬األصل فيه ا أن ه ال يع ذر من ك ان بين المس لمين‪ ،‬من بلغ ه‬
‫الق رآن والس نة‪ ،‬م ا يع ذر هللا ج ل وعال ق ال‪َ ﴿ :‬ه َذ ا َباَل ٌغ ِللَّن اِس ﴾ [إب راهيم‪،]52 :‬‬
‫وقال‪َ﴿ :‬و ُأوِح َي ِإَلَّي َهَذ ا اْلُقْر آُن ُأِلْنِذَر ُك ْم ِبِه َو َم ْن َبَلَغ ﴾ [األنعام‪ ،]19 :‬من بلغه القرآن‬
‫والسنة غير معذور‪ ،‬إنما أوتي من تساهله وعدم مباالته)‪ ،‬وقال ابن ب از في فت اوى‬
‫ن ور على ال درب‪ :‬ليس في العقي دة والتوحي د توحي د الربوبي ة واإللهي ة واألس ماء‬
‫والصفات ليس فيها عذر يجب على المؤمن أن يعتقد العقي دة الص حيحة‪ ..‬وليس ل ه‬
‫عذر في التساهل في هذا األمر اال إذا ك ان بعي دا عن المس لمين في أرض ال يبلغ ه‬
‫فيه ا ال وحي فإن ه مع ذور في ه ذه الحال ة وأم ره إلى هللا ويك ون حكم ه حكم أه ل‬
‫الفترات‪ ..‬وأما كونه بين المس لمين ويبقى على الش رك وإنك ار األس ماء والص فات‬
‫فهذا غير معذور بالجهل)(‪)3‬‬
‫وقد علق الش مري على ه ذه النص وص بقول ه‪( :‬فه ل ابن الج وزي لم يبلغ ه‬
‫القرآن فيعذر في نفيه لعلو هللا وغير ذلك من الصفات؟!)(‪)4‬‬
‫هذه نصوص واضحة تبين أن المنهج التلميحي في التكفير لم يكن يقص د من‬
‫تلك الكلمات المعسولة إال التغطية على مواقفه التكفيرية الحقيقية‪ ،‬والتي ي دل عليه ا‬
‫كل شيء‪ ..‬ولكنه مع ذلك يسهل التالعب بها على العقول المخدرة التي ال يس تعملها‬
‫أصحابها‪.‬‬
‫‪ )(1‬بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫‪ )(2‬بيان تلبيس األشعرية ونقض بدعهم الكفرية‪ ،‬ص‪.74‬‬
‫‪ )(3‬من مخالفات الخلف لما كان عليه السلف‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪ )(4‬من مخالفات الخلف لما كان عليه السلف‪ ،‬ص‪.37‬‬

‫‪167‬‬
‫النموذج الثاني‪ :‬التكفير بسبب التصوف وتوابعه‬
‫ويمثله الكثير من الحنابلة‪ ،‬بل يمثله أك ثر الحنابل ة المت أخرين‪ ،‬وق د أش ار د‪.‬‬
‫عبدالعزيز بن محمد بن علي آل عبداللطيف في كتابه ال ذي س بق اإلش ارة إلي ه إلى‬
‫انتشار التصوف بين الحنابلة مثلهم مثل سائر المذاهب‪ ،‬فقال‪( :‬وقبل أن نتحدث عن‬
‫واقع نجد ومدى تأثره بالتصوف‪ ،‬يجدر بنا أن نشير إلى أن ت أثر بعض علم اء نج د‬
‫بالتصوف قد يكون امتدادًا لتأثر متأخري الحنابلة بالتصوف‪ ،‬ف إن الق اريء ل تراجم‬
‫الحنابلة في كتاب السحب الوابلة –على سبيل المثال‪ -‬ليجد أعدادًا كبيرة من الحنابلة‬
‫الذين تلّبسوا بالطرق الصوفية المحدثة(‪ ..)1‬وأحسب أن التصوف لدى علماء نجد –‬
‫قبل الدعوة اإلصالحية – أقل ظهورًا وتأثيرًا من تصوف الحنابلة في مصر والش ام‬
‫ونحوها‪ ،‬فأولئك الحنابلة ينتسبون إلى طرق صوفية‪ ،‬واحتفاء بلبس الخرقة‪ ،‬والتعّبد‬
‫بالعزلة والخلوة‪ ،‬وغير ذلك من شطح الصوفية ومخاريقهم‪،‬و هذا ما لم يكن ظ اهرًا‬
‫لدى أولئك النجديين ولذا ج زم بعض الب احثين أن الص وفية لم تكن ذات ج ذور في‬
‫نجد‪ ..‬وعلى كٍّل فإن جملة من هذا التعّبد مما ليس مشروعًا‪ ،‬قلد يلحظ في ثناي ا كتب‬
‫الفقه عند متأخري الحنابلة‪ ،‬فكتاب كشاف القناع عن اإلقن اع للبه وتي يح وي أمثل ة‬
‫متعددة على ذلك‪ ،‬مثل الذكر الجماعي‪ ،‬والتوسل بذوات الصالحين‪ ،‬والدعاء وقراءة‬
‫القبور عند القبور‪ ،‬وشّد الرحال لزي ارة ق بر الن بي ‪ ،)2( ‬والبه وتي ومؤلفات ه له ا‬
‫مكانتها ومنـزلتها عند علماء نجد آنذاك)(‪)3‬‬
‫والنتيجة التي خلص إليها من خالل التحقيق الت اريخي في منطق ة نج د ـ م ع‬
‫أنها أقل تأثرا بالتصوف على خالف سائر الحنابلة في المن اطق األخ رى من الع الم‬
‫اإلسالمي ـ عبر عنها بقوله‪( :‬مهما يكن ف إن التص وف المح دث‪ ،‬وم ا يش تمله من‬
‫عبادات مبتدع ة‪ ،‬وأذك ار غ ير مش روعة‪ ،‬وغل و في األولي اء ونح وهم‪ ،‬واالفتت ان‬
‫بالقبور‪ ،‬وسائر البدع المتنوعة‪ ..‬إن ذل ك ليظه ر على عم وم الن اس‪ ،‬بخالف األث ر‬
‫الكالمي النظري‪ ،‬فقد ال يظهر إال على خاصة الناس من العلماء وأشباههم‪ .‬وهذا ما‬
‫نلمسه في واق ع نج د‪ ،‬ف إن رس وم التص وف وش طحاته تلح ظ من خالل معلوم ات‬
‫متفرقة سواًء في رسائل العلماء وتقريراتهم‪ ،‬أو كتب ال تراجم والت اريخ‪ ،‬واألش عار‬
‫والمنظومات)(‪)4‬‬
‫وهذا يدل على أن الواقع الحنبلي في فترات تاريخية كثيرة كان ال يختلف في‬
‫قليل أو كثير عن واقع سائر المذاهب اإلسالمية‪ ..‬وما دام التكفير الس لفي ق د ش ملها‬
‫بسبب هذا‪ ،‬فإنه لم يغادر الحنابلة أيضا على عكس ما يتصور الكثير‪.‬‬
‫وق د أورد د‪ .‬عب دالعزيز بن محم د بن علي آل عب داللطيف الكث ير من‬
‫النصوص والرسائل التي تدل على تكفير الوهابية للحنابلة في ذلك العصر وما قبل ه‬
‫() انظر‪ :‬السحب الوابلة ‪ ،868 ،865 ،863 ،850 ،806 ،759 ،753 ،2/444 ،1/22‬وغيرها‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() انظر‪ :‬رسالة ‪،‬المسائل العقدية التي خالف فيها بعض فقهاء الحنابلة إمام المذهب – كتاب كشاف القناع أنموذجًا‪ ،-‬لحمود السالمة‪ ،‬رسالة ماجستير‪ -‬غير منشورة – جامعة الملك سعود‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ )(3‬مسائل االعتقاد عند علماء نجد قبل الدعوة اإلصالحية‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫‪ )(4‬مسائل االعتقاد عند علماء نجد قبل الدعوة اإلصالحية‪ ،‬ص‪.56‬‬

‫‪168‬‬
‫من العصور‪ ،‬اللهم إال من حافظ على منهج السلف منهم‪ ،‬وما أقلهم‪.‬‬
‫ومن تلك النصوص قول الشيخ عب دالوهاب وال د الش يخ ابن عب د الوه اب ـ‪:‬‬
‫(واعلموا أن أهل حرمة وأضرابهم الذين اتبعوا هذا الشيطان‪ ،‬اتباع كل ن اعق‪ ،‬وأن‬
‫من حضرهم منهم‪ ،‬أو جادل عنهم‪ ،‬أو قال لهم أشياء مستحسنة فال يصلى خلفه‪ ،‬وال‬
‫تقبل شهادته)(‪)1‬‬
‫ومن تل ك النص وص ق ول الش يخ محم د بن عب دالوهاب‪( :‬من أعظم الن اس‬
‫ضالًال متصوفية في معكال وغيره‪ ،‬مثل ولد موسى بن جوع ان‪ ،‬وس المة بن م انع‬
‫وغيرهم ا يتبع ون م ذهب ابن ع ربي وابن الف ارض‪ ،‬وق د ذك ر أه ل العلم أن ابن‬
‫عربي من أئمة أهل مذهب االتحادية‪ ،‬وهم أغلظ كفرًا من اليهود والنصارى)(‪)2‬‬
‫ومنها ما يدل على أن من أتباع الحنابلة في ذلك الوقت من ك ان ينتص ر البن‬
‫عربي وابن الفرضي وغيرهما ممن ال يتوقف السلفية في تكفيرهما‪ ،‬كما لم يتوق ف‬
‫قبل ذل ك مش ايخهما األوائ ل‪ ،‬ومن تل ك النص وص ق ول الش يخ عبدهللا بن عيس ى‪:‬‬
‫(وأما االتحادي ابن عربي صاحب الفصوص المخ الف للنص وص‪ ،‬وابن الف ارض‬
‫الذي لدين هللا محارب‪ ،‬وبالباطل للحق مع ارض‪ ،‬فمن تم ّذ هب بم ذهبهما فق د اتخ ذ‬
‫م ع غ ير الرس ول س بيًال‪ ،‬وانتح ل طري ق المغض وب عليهم والض الين المخ الفين‬
‫لشريعة سيد المرسلين‪ ،‬فإن ابن عربي وابن الف ارض ينتحالن نحًال تكفرهم ا‪ ،‬وق د‬
‫كّفرهم كثير من العلماء العاملين)(‪)3‬‬
‫وقد ذكر د‪ .‬عبدالعزيز بن محمد بن علي آل عبداللطيف عن الشيخ محم د بن‬
‫عبد الوهاب ما يشير إلى ما ذكرناه مرارا من ممارسة الس لفية للتقي ة حين يتهم ون‬
‫بالتكفير‪ ،‬فقد ذكر أنه لما اتهم ابن عبد الوهاب بتكفير ابن عربي وابن الف ارض نفى‬
‫ذلك عنه‪ ،‬وقال‪( :‬سبحانك هذا بهتان عظيم)(‪)4‬‬
‫ثم أج اب د‪ .‬عب دالعزيز آل عب داللطيف على ه ذا بقول ه‪( :‬وال ش ك أن ه ذه‬
‫ال دعوة وك ذا جوابه ا تعطي دالل ة جلّي ة على فداح ة االنح راف س واًء في نج د أو‬
‫خارجه وتكشف شدة التلبيس والمغالطة في شأن هذين الملحدين‪ ،‬فابن س حيم يه ّول‬
‫من هذا االتهام‪ ،‬ويرسل إلى اآلفاق أن الشيخ اإلمام يكّفرهم ا‪ ..‬والش يخ اإلم ام ينفي‬
‫هذا االتهام‪ ،‬ويجعله بهتانًا عظيمًا مع أن كفرهما ظاهر بّين‪ ،‬حتى قال اإلمام الذهبي‬
‫– عن ابن عربي‪( :-‬ومن أردأ تواليفه كتاب الفصوص‪ ،‬فإن كان ال كفر فيه‪ ،‬فما في‬
‫الدنيا كفر‪ ،‬نسأل هللا العفو والنج اة‪ ،‬فواغوث اه باهلل)(‪ ،)5‬واإلم ام البق اعي إنم ا جع ل‬
‫كتابه تنبيه ًا للغ بّي فحس ب! فس ّم اه (تنبي ه الغ بي في تكف ير ابن ع ربي)‪ ،‬كم ا ق ال‬
‫الذهبي – عن تائية ابن الف ارض ‪( :-‬ف إن لم يكن في تل ك القص يدة ص ريح االتح اد‬

‫() مجموعة الرسائل النجدية ‪.1/524‬‬


‫‪1‬‬
‫() مجموعة مؤلفات الشيخ ‪( 5/189‬الرسائل الشخصية)‬
‫‪2‬‬
‫() مجموعة مؤلفات الشيخ ‪( ،5/192‬الرسائل الشخصية)‬
‫‪3‬‬
‫() مجموعة مؤلفات الشيخ ‪( ،5/12‬الرسائل الشخصية)‬
‫‪4‬‬
‫() سير أعالم النبالء ‪.23/48‬‬
‫‪5‬‬

‫‪169‬‬
‫الذي ال حيل ة في وج وده‪ ،‬فم ا في الع الم زندق ة وال ض اللة)(‪ ،)1‬وإنم ا نفى الش يخ‬
‫اإلمام عن نفسه دعوى تكفير ابن عربي وابن الفارض؛ فألنه لم يقرر تكف يرهم ولم‬
‫يتحدث عنها أو يشتغل بهما‪ ،‬السيما وأن الشيخ اإلم ام في مس تهل دعوت ه‪ ،‬وابت داء‬
‫تعليمه وتبليغه‪ ،‬ويحتاج إلى الترفق بالناس وتأليفهم(‪ .)2‬خاصة وأن فئام ًا من الن اس‬
‫يعّظ مون ابن عربي‪ ،‬وينخدعون بكتابه [الفتوحات المكية]‪ ،‬وكذا ابن الفارض)(‪)3‬‬
‫ولم يقتصر اهتمام الحنابلة بالتصوف على المتأخرين‪ ،‬بل سبقهم إلي ه الكث ير‬
‫من المتقدمين‪ ،‬بل من كبار المتقدمين الذين واجهوا الجهمية‪ ،‬ولذلك نرى ابن تيمي ة‬
‫يخفف لهجته في نقد الص وفية األوائ ل‪ ،‬بن اء على أن بعض هم أو الكث ير منهم ك ان‬
‫حنبليا‪ ،‬أو كان له موقف من الجهمية‪.‬‬
‫ومن أشهر األمثلة على ذلك نموذج يعظمه السلفية كثيرا‪ ،‬لموقفه المتشدد من‬
‫األشاعرة‪ ..‬ولكنهم في نفس الوقت وبن اء على م واقفهم من الص وفية ال يج دون إال‬
‫أن يكفروه‪ ..‬فهم يستعملونه ويكفرون ه‪ ..‬مثلم ا يس تعملون ابن حج ر والن ووي وابن‬
‫الجوزي والشاطبي وابن العربي والمازري لضرب الطوائف المختلفة‪ ..‬ثم يرموهم‬
‫بعد ذلك في جهنم تكفيرهم‪.‬‬
‫وهذا النموذج هو أبو إسماعيل األنصاري اله روي ص احب كت اب‪[ :‬من ازل‬
‫السائرين] الذي شرحه ابن القيم في مدارج الس الكين‪ ،‬وهم يعظمون ه وينقل ون عن ه‬
‫مواقفهم من الجهمية واألشاعرة‪ ،‬مثلما فعل الحافظ الذهبي في كتابه العلو(‪.)4‬‬
‫وهو صاحب [كتاب ذم الكالم وأهله]‪ ،‬وه و أش هر كتب ه‪ ،‬وق د نق ل من ه ابن‬
‫تيمي ة نصوص ا كث يرة في رس الته التس عينية‪ ،‬ال تي هي عب ارة عن كت اب يتض من‬
‫تسعين وجها في نقض مذهب األشاعرة‪ ،‬وخاصة في مسألة الكالم والقرآن‪.‬‬
‫وله كتاب [الفاروق في صفات هللا سبحانه وتع الى]‪ ،‬وال ذي ج رى في ه على‬
‫منهج السلفية‪ ،‬ولذلك يعجبون به كثيرا‪ ،‬ويعتبرونه على أساسها من سلفهم‪.‬‬
‫ق ال ال ذهبي في ترجم ة اإلم ام أبي إس ماعيل عبدهللا بن محم د بن علي‬
‫األنصاري اله رروي‪( :‬ولق د ب الغ أب و إس ماعيل في ذم الكالم على االتب اع فأج اد‪،‬‬
‫ولكنه له نفس عجيب ال يشبه أئمة السلف في كتابه [منازل الس ائرين]‪ ،‬ففي ه أش ياء‬
‫مطربة‪ ،‬وفيه أشياء مش كلة‪ ،‬ومن تأمل ه الح ل ه م ا أش رت إلي ه‪ ،‬والس نة المحمدي ة‬
‫ص لفة‪ ،‬وال ينهض ال ذوق والوج د إال على تأس يس الكت اب والس نة‪ .‬وق د ك ان ه ذا‬
‫الرجل سيفا مسلوال على المتكلمين‪ ،‬له صولة وهيبة واس تيالء على النف وس ببل ده‪،‬‬
‫يعظمونه‪ ،‬ويتغالون فيه‪ ،‬ويبذلون أرواحهم فيما يأمر به‪ .‬كان عن دهم أط وع وأرف ع‬
‫من السلطان بكثير‪ ،‬وكان طودا راسيا في السنة ال ي تزلزل وال يلين‪ ،‬ل وال م ا ك در‬
‫كتابه [الفاروق في الصفات] بذكر أحاديث باطلة يجب بيانها وهتكها‪ ،‬وهللا يغفر ل ه‬

‫() سير أعالم النبالء ‪.22/368‬‬


‫‪1‬‬
‫() انظر‪ :‬مجموعة التوحيد النجدية ص ‪.339‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ )(3‬مسائل االعتقاد عند علماء نجد قبل الدعوة اإلصالحية‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫‪ )(4‬مختصر العلو‪ ،‬ص(‪)278‬‬

‫‪170‬‬
‫قصده‪)1()...‬‬ ‫بحسن‬
‫وقال‪( :‬ق د انتف ع ب ه خل ق‪ ،‬وجه ل آخ رون‪ ،‬ف إن طائف ة من ص وفة الفلس فة‬
‫واالتحاد يخضعون لكالمه في منازل السائرين‪ ،‬وينتحلونه‪ ،‬ويزعمون أنه موافقهم‪.‬‬
‫كال‪ ،‬بل هو رجل أثري‪ ،‬لهج بإثبات نص وص الص فات‪ ،‬من افر للكالم وأهل ه ج دا‪،‬‬
‫وفي منازله إشارات إلى المحو والفناء‪ ،‬وإنما م راده ب ذلك الفن اء الغيب ة عن ش هود‬
‫السوي‪ ،‬ولم يرد محو السوي في الخارج‪ ،‬وياليته ال صنف ذلك‪ ،‬فما أحلى تص وف‬
‫الصحابة والتابعين ! ما خاضوا في هذه الخطرات والوساوس‪ ،‬بل عبدوا هللا‪ ،‬وذلوا‬
‫ل ه وتوكل وا علي ه‪ ،‬وهم من خش يته مش فقون‪ ،‬وألعدائ ه مجاه دون‪ ،‬وفي الطاع ة‬
‫مسارعون‪ ،‬وعن اللغو معرضون‪ ،‬وهللا يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)(‪)2‬‬
‫وقد قال ابن تيمية وهو يتحدث عنه‪( :‬وأما الفناء الذي يذكره صاحب المنازل‬
‫فهو الفناء في توحيد الربوبية ال في توحيد اإللهية‪ ،‬وه و يثبت توحي د الربوبي ة م ع‬
‫نفي األس باب والحكم كم ا ق ول القدري ة المج برة ك الجهم بن ص فوان ومن اتبع ه‬
‫واألشعري وغيره‪ ،‬وشيخ اإلسالم وإن كان رحمه هللا من أشد الناس مباينة للجهمية‬
‫في الصفات وق د ص نف كتاب ه الف اروق في الف رق بين المثبت ة والمعطل ة وص نف‬
‫كتاب تكفير الجهمية وصنف كتاب ذم الكالم وأهله وزاد في هذا الب اب ح تى ص ار‬
‫يوصف ب الغلو في اإلثب ات للص فات لكن ه في الق در على رأي الجهمي ة نف اة الحكم‬
‫واألسباب والكالم في الصفات نوع والكالم في القدر نوع)(‪)3‬‬
‫والسلفية المعاصرون يصرحون بتكفيره‪ ،‬كما قال الشيخ أب و عب دالرحمن بن‬
‫عقيل الظاهري‪( :‬ومم ا ي رد من قول ه تعس فه وتكلف ه في تس ويغ حماق ات اله روي‬
‫صاحب منازل السائرين عندما يحوم حول االتح اد والحل ول وهم ا م ذهبان غبي ان‬
‫ك افران‪ ،‬وعن دما يتكل ف في اس تعراض ري اء الص وفية وتظ اهرهم بالش هقات‬
‫والقش عريرة من خ وف هللا (زعم وا) ويحوله ا إلى عب ادات وص فاء روحي ونحن‬
‫نع رفهم عن كثب لم يمتح وا من الس نة ب ذنوب ولم يتأس وا بس لف ص الح كجي ل‬
‫الصحابة وجيل أحمد بن حنب ل‪ ،‬ومن تبعهم بإحس ان‪ ،‬وإنم ا ك انوا قوم ا يواص لون‬
‫الصيام البدعي ويعتكفون في المقابر والخربات ويهمون بأوراد وضعية وطلس مات‬
‫ممحوجة‪ ،‬وربما انتهجوا منهج صاحب كتاب (شمس المعارف الكبرى) فتجلت لهم‬
‫األرواح األرض ية وأملت عليهم الس خام‪ ،‬فأح دهم ي دعي أن ه يس مع آذان مالئك ة‬
‫العرش واآلخر كالمأفون محيي ال دين بن ع ربي ي زعم أن ال رحمن تجلى ل ه‪ ،‬وأن‬
‫الرسول صافحه‪ ،‬وأنهما أمليا عليه أحكماما توصي بنس خ الش ريعة‪ ،‬وه ؤالء حقهم‬
‫أن تطهر منهم صحائف المسلمين وال تلتمس التسويغ لكفرهم الغبي ولهذا قلت‪ :‬يرد‬
‫الكثير الكثير مما ورد في مدارك السالكين السيما ما أنكره سلفنا من إدراك الس وي‬

‫‪ )(1‬سير أعالم النبالء (‪)509 /18‬‬


‫‪ )(2‬سير أعالم النبالء (‪)509 /18‬‬
‫‪ )(3‬منهاج السنة (‪)359 /5‬‬

‫‪171‬‬
‫(الغير)(‪)1‬‬
‫وهكذا قال المعلقون على [م دارج الس الكين] من أمث ال الش يخ محم د الفقي‪،‬‬
‫واألس تاذ عم اد ع امر ال تي ت دل على تكف يرهم ل ه‪ ،‬فق د عل ق عم اد ع امر على‬
‫النصوص التي ذكر الهروي فيها الفناء بقوله‪( :‬هذا لسان كفر ظاهر‪ ،‬ما كان أغ نى‬
‫ابن القيم عن االعتذار ألصحابه بغياب العقل وفقد اإلدراك والتمييز مع ه ذا الكالم‪،‬‬
‫قد كان حسبه أن يشير إلى فساد هذا الكالم وبطالنه‪ ،‬ثم هللا أعلم بأحوال هؤالء)(‪)2‬‬
‫وعلق حامد الفقي فقال‪( :‬وهل في شرع الرس الة الم وحى به ا من عن د ربن ا‬
‫الرحمن الرحيم هذا الفناء وما يستلزمه ويفضي إليه ويناسبه؟ غفر هللا للشيخ اإلم ام‬
‫ابن القيم فقد أجهد نفسه كثيرا جدا ـ بقلب سليم ـ في محاولة غسل أوضار الص وفية‬
‫فهل بلغ غايته ونجح في مقصده؟)‬
‫بل إن تكفير السلفية للهروي يكاد يتعدى إلى ابن القيم نفسه الذي شرح كتابه‪،‬‬
‫وسكت عن الكث ير من المكف رات ال تي يعت بر الس لفية الس اكت عنه ا أو المق ر له ا‬
‫كافرا‪ ،‬ولهذا نرى السلفية المحدثين يحذرون من كتاب م دارج الس الكين‪ ،‬ويطلب ون‬
‫أن يقرأ بدله تهذيبه(‪ ،)3‬بل فيهم من حاول أن ينفي نس بة الكت اب البن القيم لتض منه‬
‫الكثير من المكفرات‪..‬‬
‫ولذلك يمكن القول أنه ـ لوال التقية ال تي يمارس ها الس لفية في ح ق ابن تيمي ة‬
‫وتالميذه ـ لصرحوا بكفر صاحب المدارج‪ ،‬كم ا ص رحوا بكف ر ص احب المن ازل‪،‬‬
‫ألنه ال فرق بينهما‪ ،‬ومن يط الع تعليق ات الش يخ محم د حام د الفقي على الم دارج‪،‬‬
‫يستطيع أن يستنبط الكثير من وجوه تكف ير الس لفية البن القيم‪ ..‬ولكنهم ل و ص رحوا‬
‫بكفره النهدت أركان كثيرة من البنيان السلفي الهش‪.‬‬

‫‪ )(1‬الفنون الصغرى ‪242( ،‬ـ ‪)243‬‬


‫‪ )(2‬مدارج السالكين(‪)148 /1‬‬
‫‪ )(3‬وقد سئل بعض أعالم السلفية المعاصرين‪( :‬ما رأي فضيلتكم في كتاب مدارج الس الكين‪ ،‬حيث س معت التح ذير‬
‫منه؟)‪ ،‬فأجاب‪( :‬كتاب‪ :‬مدارج السالكين ـ غني عن التعريف‪ ،‬وفوائده جمة في بابه‪ ،‬ومع ذلك فإنه ال يخل و من بعض‬
‫المالحظات‪ ،‬بسبب المشرب الصوفي لمؤلف المنازل نفسها‪ ،‬شيخ اإلسالم الهروي وليس ه ذا مج ال لتفص يل ذل ك‪،‬‬
‫وقد قام غير واحد بتهذيب الكتاب‪ ،‬فلو رجع السائل ألحد ه ذه الته ذيبات لك ان أنف ع ل ه‪ ،‬كته ذيب عب د المنعم ص الح‬
‫العزي) انظر موقع الفتاوى في شبكة أسالم ويب‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫السلفية‪ ..‬وتكفير المدارس الصوفية‬
‫أخطر ما وصل إليه التكفير السلفي هو تكفيره للم دارس الص وفية بمش ايخها‬
‫وعلمائه ا ومري ديها ومحبيه ا ومناص ريها والم دافعين عنه ا‪ ..‬فلم يس لم من س يف‬
‫تكفيره بسببها إال السلفية‪ ،‬وبعضهم ـ ممن هادن أو سكت ـ على خطر‪ ،‬كم ا س نرى‬
‫في الفصل األخير من هذا الكتاب‪.‬‬
‫وما ذكرن اه ليس س هال وال بس يطا وال مح دودا‪ ،‬ذل ك أن الط رق الص وفية‪،‬‬
‫ولفترات طويلة من التاريخ اإلسالمي كانت هي المس يطرة والم ؤثرة في المجتم ع‪،‬‬
‫فلم تكن تخل و أس رة وال بيت من مري د لطريق ة من الط رق‪ ،‬ومن ع داهم ك انوا‬
‫ينظرون إلى الطريق ة باعتباره ا محال للص الحين‪ ،‬وم أوى للط اهرين الموح دين‪..‬‬
‫وكانوا جميعا يعظمون األولي اء ويت بركون بهم وي زرون قب ورهم‪ ..‬وك انوا جميع ا‬
‫يتوسلون برسول هللا ‪ ،‬ويستغيثون به‪ ،‬ويكتبون القصائد في مدحه‪..‬‬
‫وكيف ال يكون األمر كذلك‪ ،‬وأكثر األمة أسلم بسبب رجال الطرق الص وفية‬
‫ومريديها ومحبيها‪ ..‬فقد كانوا هم مفتاحهم لإلسالم‪ ،‬وهل يمكن ألحد أن يعرض عن‬
‫المفتاح الذي فتح هللا له به الهداية؟‬
‫بناء على هذا لن نبذل جهدا كب يرا في ه ذا الفص ل في إثب ات تكف ير الس لفية‬
‫للطرق الصوفية إما تكفيرا مطلقا‪ ،‬أو تكف يرا معين ا‪ ..‬ألنهم هم أنفس هم كفون ا ذل ك ـ‬
‫وخاصة في هذا العصر ـ حيث ألفوا الكتب الكثيرة‪ ،‬وأصدروا الفت اوى الطويل ة في‬
‫تكفير كل رجاال التصوف وطرقها والمؤيدين لها‪.‬‬
‫والمعاص رون من الس لفيين ق د تم يزوا عن الس ابقين بتوس يع دائ رة التكف ير‬
‫لتشمل األوائل من الصوفية كالجنيد ورابعة وغيرهما‪ ،‬ممن كان سلفهم األول ينظر‬
‫إليهم بنوع من االحترام والتقدير‪.‬‬
‫وقد ألفوا المؤلفات الكثيرة في ذلك‪ ..‬وال تي تح اول أن تعطي قاع دة مفاده ا‪:‬‬
‫كل صوفي كافر‪ ..‬وال يهم في ذل ك أن يك ون متق دما أو مت أخرا‪ ..‬س لفيا أو خلفي ا‪..‬‬
‫فمجرد نسبته للتصوف تطبعه بطابع الكفر‪ ،‬حتى لو برأه منه ابن تيمية وغيره‪ ..‬فال‬
‫عبرة بذلك‪ ،‬ألن ابن تيمية ـ كما يقول ه ؤالء الس لفيون ـ لم يكن ي درك الحي ل ال تي‬
‫احتالوا بها عليه‪ ،‬ليبرئهم‪ ،‬ويسكت عنهم‪.‬‬
‫ومن باب المثال‪ ،‬أذكر هنا كتابا لقي إقباال كبيرا من الس لفيين من ذ تأليف ه إلى‬
‫اآلن‪ ،‬وهو مرجعهم األكبر في هذا ـ بدل ابن تيمية ـ وهو كتاب (الكشف عن حقيق ة‬
‫الصوفية ألول مرة في التاريخ) الذي يعت بر من أعظم الكتب التكفيري ة ال تي كتبه ا‬
‫السلفية‪ ،‬وخالفوا بها حتى مشايخهم األوائل‪ ،‬وقد بدأ محمود عب د ال رؤوف القاس م ـ‬
‫صاحب الكتاب ـ كتابه هذا ببيان أن الصوفية جميع ا ش يء واح د‪ ،‬ويحمل ون فك رة‬
‫واحدة‪ ،‬ولذلك فإن تكف ير ابن تيمي ة أو غ يره ألي واح د منهم‪ ،‬يجع ل الجمي ع تحت‬
‫طائلة التكفير‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫يقول في ذلك‪( :‬ال يوجد إال صوفية واحدة‪ ،‬غايته ا واح دة‪ ،‬وحقيقته ا واح دة‬
‫(وسنرى أن طريقتها واح دة) من ذ أن وج دت الص وفية ح تى النهاي ة‪ ،‬وإن اختلفت‬
‫األسماء‪ ،‬وهذه براهين من أقوال عارفيهم (وصاحب البيت أدرى بما فيه)(‪)1‬‬
‫ونقل من نصوص الصوفية ما يدل على ذلك‪ ،‬كق ول الجني د (س يد الطائف ة)‪:‬‬
‫(الص وفية أه ل بيت واح د ال ي دخل فيهم غ يرهم)(‪ ،)2‬وق ول أبي نص ر الس راج‬
‫(صاحب اللمع)‪( :‬ألن علم الحقائق ثمرة العلوم كلها‪ ،‬ونهاي ة جمي ع العل وم‪ ،‬وغاي ة‬
‫جميع العلوم إلى علم الحقائق‪ ،‬إذا انتهى إليه ا وق ع في بح ر ال غاي ة ل ه‪ ،‬وه و علم‬
‫القل وب‪ ،‬وعلم المع ارف‪ ،‬وعلم األس رار‪ ،‬وعلم الب اطن‪ ،‬وعلم التص وف‪ ،‬وعلم‬
‫األحوال‪ ،‬وعلم المعامالت‪ ،‬أي ذلك شئت فمعناه واحد)(‪ ،)3‬وقول أبي طالب المكي‪:‬‬
‫(فأما المعرفة األصلية ال تي هي أص ل المقام ات ومك ان المش اهدات‪ ،‬فهي عن دهم‬
‫واح دة؛ ألن المع روف به ا واح د‪ ،‬والمتع رف عنه ا‪ ،‬إال أن له ا أعلى وأول‪،‬‬
‫فخص وص المؤم نين أعاله ا‪ ،‬وهي مقام ات المق ربين‪ ،‬وعم ومهم أوله ا‪ ،‬وهي‬
‫مقامات األبرار‪ ،‬وهم أصحاب اليمين)(‪)4‬‬
‫وهكذا نص على هذا الصوفية المت أخرون من أمث ال ابن عجيب ة ال ذي ق ال‪:‬‬
‫(‪..‬بخالف مذهب الصوفية‪ ،‬فهي متفقة في المقص د والعم ل وإن اختلفت المس الك‪..‬‬
‫فمرجع كالم القوم في ك ل ب اب ألح والهم‪ ،‬وإال فال تن افي بين أق والهم لمن تأمله ا‪،‬‬
‫وذل ك بخالف م ذهب غ يرهم‪ ،‬والوج ه في ه أن الح ق واح د وطريق ه واح دة وإن‬
‫اختلفت مسالكها‪ ،‬فالنهاية واحدة‪ ،‬والذوق واحد‪ ،‬وفي معنى ذلك قال قائلهم‪:‬‬
‫والسالكون طريق الحق‬ ‫الطرق شتى وطريق(‪ )5‬الحق واحدة‬
‫أفراد‬
‫ومذهب الصوفية هو االتفاق في األص ول والف روع‪ ،‬أم ا األص ول فنه ايتهم‬
‫الشهود والعيان‪ ،‬وهم متفقون فيه ألنه أمر ذوقي ال يختلف)(‪)6‬‬
‫وهكذا قال الشيخ عبد القادر عيس ى‪( :‬وإن الطري ق واح دة في حقيقته ا‪ ،‬وإن‬
‫تعددت المناهج العملي ة‪ ،‬وتن وعت أس اليب الس ير والس لوك‪ ،‬تبع ًا لالجته اد وتب دل‬
‫المكان والزمان‪ ،‬ولهذا تعددت الطرق الصوفية‪ ،‬وهي في ذاتها وحقيقتها وجوهرها‬
‫واحدة)(‪)7‬‬
‫وهك ذا ق ال الش يخ عب د الحليم محم ود‪( :‬وفي الن اس من ي رى أن التص وف‬
‫م ذاهب وف رق وطوائ ف‪ ،‬ولكن ه ذا التفك ير المنح رف ت أتى ِإلى الق ائلين ب ه من‬
‫نظرتهم إلى علم الكالم وإلى الفلس فة؛ ففي علم الكالم‪ :‬أش اعرة ومعتزل ة ومش بهة‪،‬‬

‫‪ )(1‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪5‬‬


‫() الرسالة القشيرية (ص‪)127:‬‬
‫‪2‬‬
‫() اللمع (ص‪)457:‬‬
‫‪3‬‬
‫() قوت القلوب‪)2/79 ( :‬‬
‫‪4‬‬
‫() ليستقيم البيت يجب أن يكون (الطرق شتى ودرب الحق‪)...‬‬
‫‪5‬‬
‫() الفتوحات اإللهية‪( ،‬ص‪ )101:‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫() حقائق عن التصوف‪( ،‬ص‪)272:‬‬
‫‪7‬‬

‫‪174‬‬
‫وفي الفلسفة‪ :‬أرسطيون وِإفالطوني ون وديك ارتيون‪ ..‬ولق د خل ط الك اتبون بين ه ذه‬
‫الدراسات والتصوف‪ ،‬فزعموا أن في التصوف مذاهب وفرقًا وطوائف ولو أمعن وا‬
‫النظر‪ ،‬لعرف وا أن التص وف تجرب ة روحي ة‪ ،‬وليس نظ رًا عقلي ًا‪ ،‬وإذا ك ان النظ ر‬
‫العقلي يفرق الناظرين إلى طوائف وفرق‪ ،‬فإن التجربة ال يختلف فيها اثنان‪ ..‬وكم ا‬
‫أن ه ال يستس اغ الخل ط بين الوس ائل والغاي ات في أي مي دان من المي ادين‪ ،‬فإن ه ال‬
‫يج وز أن يستس اغ الخل ط بين ط رق التص وف‪ ،‬وهي وس ائل‪ ،‬وبين الغاي ة‪ ،‬وهي‬
‫التص وف نفس ه‪ ،‬فط رق التص وف متع ددة مختلف ة‪ ،‬وبعض ها أوف ق من بعض‪،‬‬
‫وبعضها أسرع من بعض‪ ،‬ولكنها على اختالفه ا وتع ددها‪ ،‬ت ؤدي إلى ه دف واح د‬
‫وغاية واحدة‪ .‬التصوف إذن مذهب (بصيغة المفرد) ال مذهب (بصيغة الجمع)(‪)1‬‬
‫ومع كون ما ذكره هؤالء الصوفية واضح ال ح رج في ه‪ ،‬فالتجرب ة الص وفية‬
‫تختلف عن الرؤى العقلية‪ ،‬ولذلك فإنها واحدة من حيث أهدافها ألنه ا جميع ا ته دف‬
‫إلى التعرف على هللا والتواصل معه إال أن الكاتب راح يستنتج منها ـ كعادة الس لفية‬
‫ـ أن إثب ات كف ر واح د من ه ؤالء س يعمم النتيج ة على الجمي ع‪ ،‬وتص بح المعادل ة‬
‫كالتالي‪ :‬كل صوفي كافر‪ ،‬و(س) صوفي‪ ،‬إذن هو كافر‪..‬‬
‫وحينها ال نحتاج إلثبات كفر أي شخص إال إلثبات ميوله الروحي ة‪ ،‬ومحبت ه‬
‫للصالحين‪ ،‬أو قراءة كتبهم‪ ،‬فإن دعا اآلخرين إلى ذلك ص ار كف ره مض اعفا‪ ،‬ألن ه‬
‫سيتحمل وزر كل من كفر بسببه‪.‬‬
‫يقول في ذلك‪( :‬هذه أقوال لبعض كبار الق وم‪ ،‬نخلص منه ا إلى أن للص وفية‬
‫عقي دة واح دة ي دين به ا ك ل المتص وفة ق ديمهم وح ديثهم‪ ،‬وأن الط رق الص وفية‬
‫(كالش اذلية والرفاعي ة والقادري ة والخلوتي ة والنقش بندية واليش رطية والمولوي ة‬
‫والبكطاشية والتجانية وغيرها وغيرها‪ ،‬وإن اختلفت أسماؤها‪ ،‬فهي كلها ت ؤدي إلى‬
‫هدف واحد هو العقيدة الصوفية الواحدة)(‪)2‬‬
‫وه و ـ كس ائر الس لفية في تع املهم م ع المخ الفين لهم ـ يش ق على قل وبهم‪،‬‬
‫ويرميهم بالتقية إن دافعوا عن أنفسهم في وجه أي بهتان يص ب عليهم‪ ..‬ويص ورهم‬
‫بصورة المتآمرين على ذلك اإلسالم السلفي النظي ف‪ ،‬فيق ول‪( :‬س يظن الكث يرون ‪-‬‬
‫بن اء على م ا تق دم‪ -‬أن ه يكفي لدراس ة الص وفية أن ن درس عقي دة ص وفي واح د‪،‬‬
‫كالغزالي مثًال‪َ ،‬أو ابن ع ربي‪ ،‬أو ابن عجيب ة‪ ،‬أو غ يره‪ ،‬ثم نطل ق حكم ًا بك ل ثق ة‬
‫واطمئنان على جميع المتصوفة‪ ،‬وإن حكمن ا س يكون علمي ًا ص حيحًا‪ ،‬فنق ول‪ :‬ه ذا‬
‫صحيح كل الصحة من الناحية العلمية‪ ،‬ولكننا أمام جماعة باطنية لهم عقيدة س رية‪،‬‬
‫استهوت عقولهم ونفوس هم واس تحوذت عليه ا‪ ،‬فال يهت دون س بياًل ِإال س بيلها‪ ،‬وهم‬
‫ي دافعون عنه ا بك ل م ا ل ديهم من ِإمكاني ات وبالمراوغ ات والمغالط ات والل ف‬
‫والدوران وجميع األساليب الالعلمية والالأخالقية)(‪)3‬‬

‫() التعرف لمذهب أهل التصوف‪( ،‬ص‪)13 ،12:‬‬


‫‪1‬‬
‫‪ )(2‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ )(3‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.8‬‬

‫‪175‬‬
‫ثم يضرب مثال على ذلك فيقول ـ بيقين ليس وراءه يقين ـ (وكمثل على ذلك‪:‬‬
‫ِإنهم يعلمون يقينًا وخاص ة الواص لون منهم أن الص وفية هي كف ر وزندق ة بالنس بة‬
‫للشريعة اإلس المية‪ ،‬وم ع ذل ك فهم يكتم ون ه ذه الحقيق ة ويش يعون بين الن اس أن‬
‫الصوفية هي قمة اإلسالم واإليمان وهي منتهى التقى والورع‪ ،‬وهي مقام اإِل حسان‪،‬‬
‫وقد انطلت هذه الخدعة على الناس وصدقوها‪ ،‬حتى ل و قلت ألح دهم‪ِ :‬إن الص وفية‬
‫زندقة‪ ،‬لثار عليك واتهم ك االتهام ات ال تي ال تخط ر ل ك على ب ال‪ ،‬رغم َأن ه ليس‬
‫صوفًّيا‪ ،‬ولكنه اقتنع بالخدعة وانجرت عليه ذيولها)(‪)1‬‬
‫وهو ـ كسائر السلفية ـ ال يقبل من الصوفية ـ كما ال يقبل من غ يرهم ـ إال أن‬
‫يخضعوا لك ل م ا ينس بونه لهم‪ ،‬ف إن دافع وا عن أنفس هم بالحق ائق العلمي ة القطعي ة‬
‫اعتبروا مراوغين مخادعين يستعملون أساليب الباطنية‪ ،‬يقول في ذل ك‪( :‬ومث ل من‬
‫مراوغاتهم المعت ادة‪ :‬ل و جئتهم بدراس ة عن ص وفية ابن ع ربي مثاًل ‪ ،‬لس معت من‬
‫يقول لك‪ :‬هذا مدسوس عليه‪َ ،‬أو لسمعت من يقول‪ :‬هذا شيء ال يدين به الب اقون‪ ،‬أو‬
‫لسمعت‪ :‬ه ذا ك ان فيم ا مض ى من الزم ان‪ ،‬ولم يب ق ل ه أث ر‪ ،‬أو تس مع من يق ول‪:‬‬
‫الصوفية اآلن ال يعرفون هذه األمور وال يفهمونها‪ ،‬فَأكثرهم بسطاء وسذج‪ ،‬أو ه ذا‬
‫يعرفه بعضهم ويجهله اآلخرون‪ ،‬وإن كانت الدراس ة ح ول ص وفي غ ير مش هور‪،‬‬
‫فسيكون الجواب‪ :‬هذا مندس على الصوفية‪ ،‬مدع لها‪ ،‬والص وفية الحق ة بريئ ة من ه‬
‫ومن أمثال ه‪ ،‬والص وفية الحق ة هي قم ة اإِل س الم واإِل يم ان‪..‬ول و أتيتهم بنص وص‬
‫صوفية للغزالي مثًال‪ ،‬وبرهنت لهم على صحتها وصحة نس بتها إلى قائله ا وأريتهم‬
‫مواضع الض الل فيه ا‪ ،‬ف الجواب ال ذي ستس معه‪ :‬ه ذا كالم ل ه تأوي ل! أو يجب أن‬
‫نؤوله! أو هذا كالم ال نفهمه‪ ،‬ومثل هذه األجوبة‪ ،‬نسمعها أيضًا من غير المتص وفة‬
‫من كثير من الناس‪ ،‬ألنهم سمعوها سابقًا من المتصوفة‪ ،‬وسمعوها وسمعوها كث يرًا‬
‫حتى اقتنعوا بها)(‪)2‬‬
‫ولألسف فإنهم هم أنفسهم ـ أي السلفية ـ تأتيهم ب البراهين القاطع ة من كتبهم‪،‬‬
‫فيذكرون لك أن فيها فالن‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬وفالن لم يوثقه ابن حبان‪ ،‬أو تكلم فيه ابن‬
‫أبي زرعة‪ ..‬فإن ذكرت لهم شيئا مما قاله ابن تيمية أو غ يره مم ا ينكرون ه زعم وا‬
‫أن ه مدس وس عليهم‪ ..‬ف إن ذك رت لهم رجال من الس لف ال ذي أث نى علي ه ابن القيم‬
‫كالهروي‪ ،‬ذكر لك أن ابن القيم انخدع فيه‪ ..‬وهكذا يتيحون ألنفسهم ما يمنع ون من ه‬
‫غيرهم‪.‬‬
‫حتى أنه في موضوعنا هذا المتعلق بالتكفير‪ ..‬إذا نقلت لهم النصوص الكثيرة‬
‫من تكفير سلفهم لألش اعرة أو غ يرهم‪ ،‬يأتي ك بنص قال ه واح د من المت أخرين‪ ..‬ثم‬
‫يقول لك‪ :‬نحن ال نقول بذلك‪ ،‬وها ه و فالن أف تى به ذه الفت وى‪ ..‬فيس محون للواح د‬
‫منهم أن ينسخ كل جرائم سلفه‪ ..‬بينما يكلفون الصوفية أو غ يرهم من مخ الفيهم ب أن‬
‫يتحملوا أوزار أي واحد منهم‪.‬‬
‫‪ )(1‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ )(2‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪176‬‬
‫وهذا يذكرنا بموقف السلفية من تحريف الشيعة للقرآن الكريم‪ ،‬حيث يلج أون‬
‫إلى كت اب واح د ألف ه رج ل منهم‪ ،‬ليس ل ه أي مكان ة بينهم‪ ،‬ويتغ افلون عن مئ ات‬
‫الكتب والتصريحات والنصوص التي تؤكد أن قرآن الش يعة ه و نفس ه ق رآن س ائر‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫وه ذا كل ه من التطفي ف الس لفي في الم يزان ال ذي جعلهم يض عون مكايي ل‬
‫خاصة بهم‪ ،‬ومكاييل خاصة بغيرهم‪.‬‬
‫وأحب أن أبين هنا أن الص وفية وعلى م دار الت اريخ ك انوا من أك ثر الن اس‬
‫تسامحا مع األمة جميعا‪ ،‬بل م ع البش ر جميع ا‪ ،‬وله ذا لم يحف ظ عنهم أي إس اءة أو‬
‫أذى أو ممارسة عنف مع أي جهة من الجهات‪ ..‬وهذا ما جعلهم ينتش رون في كث ير‬
‫من مناطق اإلسالمي‪ ،‬وينشرون معهم اإلسالم وسماحة اإلسالم‪.‬‬
‫وقد قال الص وفي الكب ير األس تاذ الس يد محم د زكي إب راهيم رائ د العش يرة‬
‫المحمدية في كتابه المعن ون بـ [أه ل القبل ة كلهم موح دون وك ل مس اجدهم مس اجد‬
‫التوحيد‪ ،‬ليس منهم ك افر وال مش رك وال وث ني وال مرت د‪ ،‬وان قص ر أو اخط أ أو‬
‫تجاوز] يبين سماحة الصوفية م ع ك ل م ذاهب األم ة وطوائفه ا‪ ،‬وذل ك تعليق ا على‬
‫الحديث الذي يتعلق به السلفية في تكفير سائر األمة والحكم بهالكها‪ ،‬فقد ق ال‪( :‬بقي‬
‫الكالم عن الحديث الذي ال يزال يلغ ط ب ه بعض هم‪ ،‬ابتغ اء تطبيق ه على الجماع ات‬
‫الصوفية بخاصة وليس إال [هو يقصد في الفترة التي كتب فيها الكت اب حيث ك انت‬
‫الحرب حينها متوجهة للصوفية‪ ،‬أما اآلن فهي متوجهة للشيعة]‪ ..‬ونحن على تق دير‬
‫صحته‪ ،‬قد بينا لك من نصوص القرآن ثم من المسلمات البديهية أن تعدد الس بل إلى‬
‫المقصود الواحد أمر ط بيعي وش رعي‪ ،‬فال ينس حب علي ه حكم (تع دد الف رق) ألن‬
‫الذي يطلق عليها تجاوزا أو مج ازا اس م(الف رق) اآلن في اإلس الم‪ ،‬كله ا دائ رة في‬
‫فل ك الكت اب والس نة‪ ،‬فهي على م ا ك ان علي ه رس ول هللا ‪ ‬ه و وأص حابه‪.‬‬
‫فهى(مذاهب) أو (مشارب) أو(س بل) تبت دئ من الش هادتين‪ ،‬وتنتهي عن دها حقهم ا‬
‫وأثرهم ا‪ .‬فهى واح دة)‪ ..‬فالس ادة المالكي ة‪ ،‬واألحن اف‪ ،‬والش افعية‪ ،‬والحنابل ة‪،‬‬
‫والزيدي ة‪ ،‬والظاهري ة واإلباظي ة واإلمامي ة والهادوي ة والص وفية والس لفية‪،‬‬
‫واألشعرية والما تريدية‪ ،‬بل والمعتزلة (المعتدلين) كل هؤالء وأمثالهم يس يرون في‬
‫طريق واحد على (أساليب) مختلفة من الفهم واالستنباط والمقارنة والبحث‪ ..‬ويلحق‬
‫به ؤالء جميع ا س ائر الهيئ ات والجماع ات اإلس المية الس ليمة المنتش رة في بق اع‬
‫األرض وهي ألوف ال تحصى)(‪)1‬‬
‫ثم بين موضع انطباق الح ديث‪ ،‬فق ال‪( :‬وإنم ا ينطب ق الح ديث (على ف رض‬
‫صحته) على غالة الخوارج والباطنية والقرامطة والبهائي ة والتادياني ة والجماع ات‬
‫المستحدثة من السلفية ونح و ه ؤالء من الف رق ال تي ذكره ا أص حاب كتب (المل ل‬
‫والنحل) ممن خالفوا األصول عمدا‪ ،‬وأنكروا المعلوم من ال دين بالض رورة‪ ،‬وليس‬
‫في طوائف الصوفية خاصة وبقية الطوائف االسالمية المعتدلة من خ الف االص ول‬
‫‪ )(1‬أهل القبلة كلهم موحدون‪ ،‬ص‪.24‬‬

‫‪177‬‬
‫عمدا أو أنكر المعروف من الدين بالضرورة وإن تطرف أو غالى‪ ،‬ربم ا ك ان فيهم‬
‫المقص رون‪ ،‬أو المخطئ ون‪ ،‬أو العص اة‪ ،‬وه ذا ال يح رمهم من ال دين وال يس حب‬
‫عليهم حكم الفرق الكافرة‪ ،‬فبعض الفرق أشد غلوا وانحرافا وتطرفا وانجرافا‪ ،‬ومع‬
‫هذا فهى مسلمة‪ ،‬فالمعصية شيء‪ ،‬والردة والزندقة والشرك والكفر شيء آخر)(‪)1‬‬
‫بناء على هذا سنحاول في هذا الفصل أن نثبت باألدلة القطعية تكف ير الس لفية‬
‫للصوفية تكفيرا مطلقا أو تكفيرا معينا‪.‬‬
‫أوال ـ التكفير المطلق‪:‬‬
‫يضع السلفية الكثير من نواقض اإليمان المرتبطة بالتصوف‪ ،‬منها ما يرتب ط‬
‫بالعقائد والتصورات‪ ،‬ومنها ما يرتبط ببعض السلوكات العملية التي يدرجها السلفية‬
‫ضمن نواقض توحيد األلوهية‪ ،‬وقد استقرأنا أقوالهم في ذلك ابتداء من السلف األول‬
‫إلى اليوم‪ ،‬فوجدنا أنه يمكن تصنيفها إلى أربعة نواقض كبرى‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ تهمة التنزيه المطلق للحضرة اإللهية‪ :‬فالسلفية يتهمون الصوفية ب القول‬
‫بوحدة الوجود بمعناها الفلسفي ال ذي يجع ل من الخ الق والمخل وق ش يئا واح دا‪ ،‬أو‬
‫وحدة الموجود ـ كما يعبر بعضهم ـ أو تنزيه هللا عن أن يوجد معه غ يره كم ا يمكن‬
‫أن يعبر‪..‬‬
‫‪ 2‬ـ تهمة المواجيد واألشواق الروحيــة‪ :‬أو وح دة الش هود والفن اء والحل ول‬
‫واالتحاد‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تهمة تعظيم الحضرة النبوية‪ :‬بالتوسل واالستغاثة به ا‪ ،‬وكتاب ة القص ائد‬
‫والزيارات واالحتفال بالمناسبات المختلفة‪..‬‬
‫‪ 4‬ـ تهمــة تقــديس الواليــة واألوليــاء‪ :‬ومنه ا تعظيم آل بيت النب وة‪ ،‬واته ام‬
‫الص وفية بالتش يع على أس اس ذل ك‪ ،‬أو بالقبوري ة والش رك نتيج ة تعظيم مقام ات‬
‫األولياء‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ تهمة التنزيه المطلق للحضرة اإللهية‪:‬‬
‫وهذه أكبر التهم‪ ،‬وقد اهتم بها ابن تيمية كثيرا‪ ،‬وعلى أساسها كف ر كث يرا من‬
‫مشايخ الصوفية المتأخرين‪ ..‬والمعاص رون من الس لفية يرم ون به ا ك ل الص وفية‬
‫ابتداء من الجنيد إلى آخر صوفي‪ ..‬وهم يقرؤون ك ل م ا يقول ه الص وفية من مع ان‬
‫تحض على التوحيد إلى هذا المعنى‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك قول صاحب كت اب [الكش ف عن حقيق ة الص وفية ألول م رة‬
‫في التاريخ] في فصل خصصه لوحدة الوجود عند الص وفية‪( :‬إن الص وفيين كلهم‪،‬‬
‫من أولهم إلى آخرهم‪( ،‬إال المبتدئين)‪ ،‬يؤمنون بوحدة الوجود)(‪)2‬‬
‫ثم راح يسوق الكثير من تلك النصوص الجميلة التي ذكرها الصوفية‪ ،‬وال تي‬
‫راحوا من خاللها يعمقون صلة المؤمنين باهلل‪ ،‬ليجعلوا قبلة قل وبهم واح دة هي هللا‪..‬‬
‫لكنه ا لم تكن جميل ة عن د الس لفية‪ ،‬ألن لوث ة الخ وف من الش رك ال تي امتألت به ا‬
‫‪ )(1‬أهل القبلة كلهم موحدون‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪ )(2‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.75‬‬

‫‪178‬‬
‫عقولهم جعلتهم ينكرون كل شيء‪ ،‬ويشكون في كل شيء‪ ..‬وليتهم إذ لم يفهموها‪ ،‬أو‬
‫لم تعجبهم‪ ،‬سكتوا‪ ،‬بل إنهم شنوا حملة كب يرة عليه ا‪ ،‬واعتبروه ا زندق ة وهرطق ة‪،‬‬
‫واعتبروا أولئك العارفين الذين نطقوا بها زنادقة منحرفين ضالين‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك تلك النصوص الجميلة الممتلئة بتنزيه هللا وتعظيمه‪ ،‬ق ول أبي‬
‫حامد الغزالي‪..( :‬فمن عرف الحق رآه في كل ش يء‪ ،‬إذ ك ل ش يء فه و من ه وإلي ه‬
‫وبه وله‪ ،‬فهو الكل على التحقيق‪ ،‬ومن ال يراه في كل ما يراه فكأنه م ا عرف ه‪ ،‬ومن‬
‫عرفه عرف أن كل شيء ما خال هللا باطل‪ ،‬وأن كل ش يء هال ك إال وجه ه‪ ،‬ال أن ه‬
‫سيبطل في ثاني الحال‪ ،‬بل هو اآلن باطل)(‪)1‬‬
‫وقد علق صاحب الكتاب على هذا بقوله‪( :‬يبين لنا الغزالي هنا كيف يفهم ون‬
‫الجملة (كل شيء ما خال هللا باطل)‪ ،‬واآلية ﴿ُك ُّل َش ْي ٍء َهاِلٌك ِإاَّل َو ْج َه ُه﴾ [القص ص‪:‬‬
‫‪ ،]88‬ومن ذ اآلن يجب أن نع رف كي ف يفهمونه ا‪ ،‬وال نح اول التأوي ل والل ف‬
‫والدوران مثلهم)(‪)2‬‬
‫وينق ل عن الغ زالي قول ه‪( :‬نعلم أن للقلب ميًال إلى ص فات بهيمي ة‪ ..‬وإلى‬
‫صفات سبعية‪ ..‬وإلى صفات شيطانية‪ ..‬وإلى صفات ربوبية‪ ..‬فهو لما فيه من األمر‬
‫الرباني يحب الربوبية بالطبع؟! ومعنى الربوبية التوحد بالكم ال‪ ،‬والتف رد ب الوجود‬
‫على سبيل االس تقالل؛ فص ار الكم ال من ص فات اإللهي ة‪ ،‬فص ار محبوب ًا ب الطبع‬
‫لإلنسان‪ .‬والكمال بالتفرد بالوجود‪ ،‬فإن المشاركة في الوجود نقص ال محالة؛ فكمال‬
‫الشمس في أنها موجودة وحدها‪ ،‬فلو كان معه ا ش مس أخ رى لك ان ذل ك نقص ًا في‬
‫حقها إذ لم تكن منفردة بكمال مع نى الشمس ية‪ .‬والمنف رد ب الوجود ه و هللا تع الى إذ‬
‫ليس معه موجود سواه‪ ،‬فإن ما سواه أثر من آثار قدرته ال قوام له بذاته‪ ،‬بل هو قائم‬
‫به‪...‬وكما أن إشراق نور الشمس في أقطار اآلفاق ليس نقصانًا في الش مس ب ل ه و‬
‫من جملة كمالها‪ ،‬وإنما نقصان الشمس بوجود شمس أخرى‪ ..‬فكذلك وج ود ك ل م ا‬
‫في العالم يرجع إلى إشراق أنوار القدرة‪ ..‬فإذًا معنى الربوبية التفرد بالوجود‪ ،‬وه و‬
‫الكمال‪...‬ولذلك قال بعض مشايخ الصوفية‪( :‬ما من إنسان إال وفي باطنه م ا ص رح‬
‫به فرعون من قوله‪َ﴿ :‬أَنا َر ُّبُك ُم اَألْع َلى﴾ [النازعات‪ ،]24:‬ولكنه ليس يجد له مج اًال‪،‬‬
‫وهو كما قال)(‪)3‬‬
‫وم ع أن ه ذا النص واض ح في تنزي ه هللا وتعظيم ه وأن ه ص احب الوج ود‬
‫الحقيقي‪ ،‬وما عداه ال يملك هذا الوجود األصلي‪ ،‬ب ل وج وده تبعي‪ ،‬فق د عل ق علي ه‬
‫الكاتب بقوله‪( :‬هذا النص مشحون ـ أي بوح دة الوج ود ـ لكن أهم م ا في ه ه و‪-1 :‬‬
‫استعمال الغزالي أساليب علم الكالم إلثبات أمر غيبي تتعذر معرفته إال عن طري ق‬
‫الوحي‪ -2 ..‬قوله‪( :‬المنفرد بالوجود هو هللا تعالى إذ ليس معه موجود سواه) يع ني‪:‬‬
‫أن هللا جلت قدرته‪ ،‬لم يخلق ش يئًا من الع دم‪ ،‬إذ ل و خل ق ش يئًا من الع دم لك ان ه ذا‬
‫() إحياء علوم الدين‪)1/254( :‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ )(2‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫() إحياء علوم الدين‪)3/243( :‬‬
‫‪3‬‬

‫‪179‬‬
‫الشيء غير هللا‪ ،‬ولكان مع هللا موجود آخر غيره‪ ،‬لكن الحجة يق رر أن ليس م ع هللا‬
‫موجود سواه‪ ،‬وهذه هي‪( :‬وحدة الوجود)‪ -3 ..‬إعط اؤه لكلم ة (الربوبي ة) مع نى لم‬
‫يرد عن خير البشر‪ ،‬وال عن خير القرون‪ ،‬وال عن تابيعهم‪ -4 ..‬إيراده الق ول ال ذي‬
‫يعزوه إلى بعض مشايخ الصوفية والذي يفيد‪(:‬أ‪ -‬إن فرع ون رب في الب اطن‪ ،‬وق د‬
‫صرح بهذه الربوبية‪ .‬لننتبه إلى كلمة (صّرح)‪ .‬ب‪ -‬هذه الربوبية هي في ب اطن ك ل‬
‫إنسان‪ ،‬أي‪ :‬أن كل إنسان هو رب في الب اطن‪ ،‬لكن ه ال يج د مج اًال الستش عار ه ذه‬
‫الربوبية أو للتصريح بها مثل فرعون)‪ -5 ..‬تقرير الغزالي صحة هذا القول لقول ه‪:‬‬
‫(وهو كما قال)(‪)1‬‬
‫بهذه الطريقة يحلل السلفية كالم العارفين‪ ،‬وبقل وبهم المريض ة يحول ون تل ك‬
‫المعاني الرقيقة السامية إلى هذا المنحدر الس حيق‪ ..‬ك ل ذل ك ليرض وا ن زوة تكف ير‬
‫علم عظيم اتفقت األمة على احترامه واالستفادة منه‪.‬‬
‫وهكذا ينقل ق ول الغ زالي ـ وه و يتح دث عن إكرام ات هللا للس الكين إلي ه ـ‪:‬‬
‫(ومن ارتفع الحجاب بينه وبين هللا تجلى ص ورة المل ك والملك وت في قلب ه‪ ،‬ف يرى‬
‫جنًة ع رض بعض ها الس ماوات واألرض‪ ،‬أم ا جملته ا ف أكثر س عة من الس ماوات‬
‫واألرض؛ ألن الس ماوات واألرض عب ارة عن ع الم المل ك والش هادة‪ ..‬وأم ا ع الم‬
‫الملك وت‪ ،‬وهي األس رار الغائب ة عن مش اهدة األبص ار‪ ،‬المخصوص ة ب إدراك‬
‫البصائر‪ ،‬فال نهاية له‪ .‬نعم‪ ،‬الذي يلوح للقلب منه مقدار متن اٍه‪ ..‬وجمل ة ع الم المل ك‬
‫والملكوت إذا أخذ دفعة واحدة تسمى (الحض رة الربوبي ة)؛ ألن الحض رة الربوبي ة‬
‫محيط ة بك ل الموج ودات‪ ،‬إذ ليس في الوج ود ش يء س وى هللا تع الى وأفعال ه؟‬
‫ومملكُته وعبيُده من أفعاله)(‪)2‬‬
‫وعلق على ذلك بتوضيح م راد الغ زالي الحقيقي على حس ب م ا يفهم العق ل‬
‫السلفي‪ ،‬فق ال‪( :‬نحن اآلن نع رف مم ا س بق ومم ا س يأتي من نص وص‪ ،‬أن ه وأنهم‬
‫يعنون بقوله وقولهم‪( :‬أفعال هللا) أي‪ :‬حركاته (سبحانه عما يصفون)(‪)3‬‬
‫وهكذا ينقل هذه الدرر الجميل ة من كالم الغ زالي عن حقيق ة تنزي ه الص وفية‬
‫المطلق هلل‪ ،‬في قوله‪( :‬والثالثة‪ :‬أن يشاهد ذلك بطريق الكشف بواس طة ن ور الح ق‪،‬‬
‫وهو مقام المقربين‪ ،‬وذلك بأن يرى أشياء كثيرة‪ ،‬ولكن يراه ا على كثرته ا ص ادرة‬
‫عن الواح د القه ار‪ .‬والرابع ة‪ :‬أن ال ي رى في الوج ود إال واح دًا‪ ،‬وهي مش اهدة‬
‫الصديقين‪ ،‬وتسِّم يه الص وفية (الفن اء في التوحي د)‪..‬والث الث‪ :‬موح د‪ ،‬بمع نى أن ه لم‬
‫يشاهد إال فاعاًل واحدًا إذا انكشف له الحق كما هو عليه‪ ،‬وال يرى فاعاًل بالحقيقة إال‬
‫واحدًا وقد انكشفت له الحقيقة كما هي عليه‪ ،‬ال أن ه كَّل ف قلب ه أن يعق د على مفه وم‬
‫لفظ الحقيقة‪ ،‬فإن تلك رتبة العوام والمتكلمين‪ ..‬والرابع‪ :‬موحد بمعنى أنه لم يحض ر‬
‫في شهوده غير الواحد‪ ،‬فال يرى الكل من حيث إنه كث ير‪ ،‬ب ل من حيث إن ه واح د‪.‬‬

‫‪ )(1‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.85‬‬


‫() إحياء علوم الدين‪)3/13( :‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ )(3‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.86‬‬

‫‪180‬‬
‫التوحيد)(‪)1‬‬‫وهذه هي الغاية القصوى في‬
‫ثم يجيب عن س ر ذل ك‪ ،‬فيق ول‪( :‬ف إن قلت‪ :‬كي ف يتص ّور أن ال يش اهد إال‬
‫واحدًا‪ ،‬وه و يش اهد الس ماء واألرض‪ ،‬وس ائر األجس ام المحسوس ة‪ ،‬وهي كث يرة؟‬
‫فكيف يكون الكثير واحدًا؟ فاعلم أن هذه غاية علوم المكاشفات‪ ..‬وهو أن الشيء ق د‬
‫يك ون كث يرًا بن وع مش اهدٍة واعتب ار‪ ،‬ويك ون واح دًا بن وع آخ ر من المش اهدة‬
‫واالعتب ار‪ ،‬وه ذا كم ا أن اإِل نس ان كث ير إن التفّت إلى روح ه وجس ده وأطراف ه‬
‫وعروقه وعظامه وأحشائه‪ ،‬وهو باعتباٍر آخر ومشاهدٍة أخرى واحٌد ‪ ،‬إذ نق ول‪ :‬إن ه‬
‫إنسان واحد‪ ..‬والفرق بينهما أنه في حالة االستغراق واالستهتار به مستغرٌق بواح د‬
‫ليس فيه تفريق‪ ،‬وكأنه في عين (الجم ع)؛ والملتفُت إلى الك ثرة في (تفرق ة) فك ذلك‬
‫كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة مختلفة‪ ،‬فهو‬
‫باعتبار واحٍد من االعتبارات واحٌد ‪ ،‬وباعتبارات أخر سواه كث يٌر‪...‬وه ذه المش اهدة‬
‫التي ال يظهر فيها إال الواحد الحق‪ ،‬تارة تدوم‪ ،‬وتارة تطرأ كالبرق الخ اطف‪ ،‬وه و‬
‫األكثر‪ ،‬والدوام نادر عزيز)(‪)2‬‬
‫ثم يعلق الكاتب على هذا التوحيد العرفاني السامي بقوله‪( :‬أرج و االنتب اه إلى‬
‫كلمتى‪( :‬الجمع والتفرقة) اللتين يشرح معناهم ا بوض وح‪ ،‬ويق ول‪( :‬فك ذلك عقولن ا‬
‫ض عيفة‪ ،‬وجم ال الحض وة اإِل لهي ة في نهاي ة اإلش راق واالس تنارة‪ ،‬وفي غاي ة‬
‫االس تغراق والش مول‪ ،‬ح تى لم يش ذ عن ظه وره ذرة من ملك وت الس ماوات‬
‫واألرض‪ ،‬فصار ظهوره سبب خفائه‪ ،‬فسبحان من احتجب بإش راق ن وره‪ ،‬واختفى‬
‫عن البصائر واألبصار بظهوره‪ ،‬وال ُيتعجب من اختفاء ذل ك بس بب الظه ور‪ ،‬ف إن‬
‫األشياء ُتستبان بأضدادها‪ ،‬وما عّم وجوده حتى إنه ال ضّد له‪ ،‬عسر إدراكه)(‪)4())3‬‬
‫ومع وضوح هذا الكالم وجماله وروحانيت ه إال أن الس لفية ال يس تفيدون من ه‬
‫إال شيئا واحدا هو كفر صاحبه‪ ..‬أما لو ذك ر الغ زالي ب أن هللا ليس س وى ج رم من‬
‫األجرام‪ ،‬أو جسم من األجسام‪ ،‬وأن له بيتا في الجنة‪ ،‬وأنه يجلس ويس تلقي ويج ري‬
‫ويهرول‪ ،‬فإنه حينها يصير موحدا ومسلما‪.‬‬
‫هذا مجرد مثال عن مواقف الس لفية من كالم أبي حام د الغ زالي في التوحي د‬
‫السني التنزيهي‪ ،‬ال التوحيد السلفي الوثني‪.‬‬
‫ونحب أن نسوق هنا للداللة على معنى وحدة الوج ود عن د الص وفية‪ ،‬وال تي‬
‫كف رهم ابن تيمي ة والس لفية جميع ا بس ببها‪ ،‬كالم ع المين جليلين ن اال حظهم ا من‬
‫االهتم ام من ل دن الص وفية بمدارس ها المختلف ة‪ ،‬كم ا ن اال حظهم ا من التكف ير من‬
‫المدارس السلفية المختلفة‪.‬‬
‫أما أولهما‪ ،‬فهو الش يخ عب د الق ادر عيس ى‪ ،‬وه و ش يخ طريق ة ل ه مري دوه‪،‬‬

‫() إحياء علوم الدين‪)4/212( :‬‬


‫‪1‬‬
‫() اإِل حياء‪)4/213( :‬‬
‫‪2‬‬
‫() اِإل حياء‪)4/276( :‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ )(4‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.86‬‬

‫‪181‬‬
‫وشهادته لها أهميتها الكبرى‪ ،‬باعتبار عالقته العملية بالتص وف‪ ..‬وأم ا الث اني فه و‬
‫الشيخ عبد الحليم محمود‪ ،‬وه و ب احث وأك اديمي ومطل ع على الفلس فات المختلف ة‪،‬‬
‫باإلضافة لممارسته للتصوف‪.‬‬
‫أما األول‪ ،‬وهو الشيخ عبد الق ادر عيس ى فق د عق د فص ال في كتاب ه العظيم‬
‫[حقائق عن التصوف] لرد هذه الشبهة عن الصوفية قدم ل ه بقول ه‪( :‬اختل ف علم اء‬
‫النظر في موقفهم من العارفين المحققين الق ائلين بوح دة الوج ود‪ ،‬فمنهم من تس رع‬
‫باته امهم ب الكفر والض الل‪ ،‬وفهم كالمهم على غ ير الم راد‪ .‬ومنهم من لم يت ورط‬
‫بالتهجم عليهم‪ ،‬فتثبت في األمر ورجع ِإليهم ليعرف م رادهم‪ .‬ألن ه ؤالء الع ارفين‬
‫مع توسعهم في هذه المسألة لم يبحثوا فيه ا بحث ًا يزي ل ِإش كال علم اء النظ ر‪ ،‬ألنهم‬
‫تكلموا في ذلك ودَّو نوا ألنفسهم وتالميذهم ال لمن لم يشهد تل ك الوح دة من غ يرهم‪،‬‬
‫لذلك احتاج األمر لِإل يضاح لتطمئن به قلوب أهل التسليم من علماء النظر)(‪)1‬‬
‫وبناء على هذا فقد راح ـ وهو الشيخ المربي صاحب الطريقة ـ يشرح المراد‬
‫منها عند الصوفية‪ ،‬وأن معناها ال يعود إال لتنزيه هللا عن مش ابهة مخلوقات ه في أي‬
‫شيء حتى في الوجود نفسه‪ ،‬فاهلل صاحب الوجود الحقيقي الواجب‪ ،‬وأما مخلوقاته‪،‬‬
‫فوجودها تبعي ال ذاتي‪ ،‬وناقص ال كامل‪ ،‬فقال‪( :‬ونظ رًا ألن مس ألة وح دة الوج ود‬
‫أخذت حظًا كبيرًا من اهتمام بعض العلماء‪ ،‬وش غلت أذه ان الكث ير منهم‪ ،‬أردن ا أن‬
‫نزي د الموض وع ِإيض احًا وتبس يطًا خدم ة للش ريعة وتن ويرًا لألفه ام فنق ول‪ِ :‬إن‬
‫الوجود نوعان‪ :‬وجود ق ديم أزلي؛ وه و واجب‪ ،‬وه و الح ق س بحانه وتع الى‪ ،‬ق ال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ذِلَك بأَّن َهللا ُهَو الَح ُّق ﴾ [الحج‪ .]22 :‬أي الث ابت الوج ود‪ ،‬المَح َّق ق‪ ،‬ووج ود‬
‫جائز عرضي ممكن‪ ،‬وهو وجود من عداه من الُم ْح َدثات)(‪)2‬‬
‫وبناء على هذه البديهية القرآنية والعقلية راح يميز بين الفهم الشرعي لوح دة‬
‫الوجود كما يقول بها الصوفية‪ ،‬ووحدة الوجود الفلسفية‪ ،‬وال تي يت وهم الس لفية أنه ا‬
‫من مقوالت الصوفية‪.‬‬
‫فذكر أن وحدة الوجود الفلس فية وال تي تع ني (اتح اد الح ق ب الخلق‪ ،‬وأن ه ال‬
‫شيء في هذا الوجود سوى الحق‪ ،‬وأن الكل هو‪ ،‬وأنه هو الكل‪ ،‬وأنه عين األش ياء‪،‬‬
‫وفي كل شيء له آية تدل على أنه عينه)(‪)3‬‬
‫وق د حكم على ه ذا الن وع من الوح دة بأن ه (كف ر وزندق ة وأش د ض اللة من‬
‫أباطيل اليهود والنص ارى وعب دة األوث ان‪ ،‬وق د ش َّد د الص وفية النك ير على قائل ه‪،‬‬
‫وأفَتْو ا بكفره‪ ،‬وحَّذ روا الناس من مجالسته‪ .‬قال العارف باهلل أبو بك ر محم د بن اني‪:‬‬
‫(فاحذر يا أخي كَّل الحذر من الجلوس م ع من يق ول‪ :‬م ا َثَّم ِإال هللا‪ ،‬ويسترس ل م ع‬
‫اله وى‪ ،‬ف ِإن ذل ك ه و الزندق ة المحض ة‪ِ ،‬إذ الع ارف المحق ق ِإذا ص ح قدم ه في‬
‫الش ريعة‪ ،‬ورس خ في الحقيق ة‪ ،‬وَتَف َّو َه بقول ه‪ :‬م ا َثَّم ِإال هللا‪ ،‬لم يكن قص دُه من ه ذه‬

‫‪ )(1‬حقائق عن التصوف‪ ،‬ص‪.543‬‬


‫‪ )(2‬حقائق عن التصوف‪ ،‬ص‪.544‬‬
‫‪ )(3‬حقائق عن التصوف‪ ،‬ص‪.544‬‬

‫‪182‬‬
‫قصده)(‪)2())1‬‬ ‫العبارة ِإسقاَط الشرائع وِإهمال التكاليف‪ ،‬حاش هلل أن يكون هذا‬
‫أما وحدة الوجود الثانية‪ ،‬والتي يقصدها الص وفية بتعب يراتهم المختلف ة‪ ،‬فهي‬
‫(وحدة الوجود القديم األزلي‪ ،‬وهو الحق سبحانه‪ ،‬فهو الشك واحد منزه عن التع دد‪.‬‬
‫ولم يقص دوا بكالمهم الوج ود العرض ي المتع دد‪ .‬وه و الك ون الح ادث‪ ،‬نظ رًا ألن‬
‫وجوده مجازي‪ ،‬وفي أصله َعَد ِمٍّي ال يضر وال ينفع‪ .‬فالكون معدوم في نفسه‪ ،‬هالك‬
‫فاٍن في كل لحظة‪ .‬قال تعالى‪ُ﴿ :‬ك ُّل َش يٍء هاِل ٌك إال َو جَه ُه﴾ [القص ص‪ .]88 :‬وِإنم ا‬
‫ُيظهره اِإل يجاد‪ ،‬وُيْثبُته اِإل مداد‪ .‬الكائنات ثابتة بِإثباته‪ ،‬وممح وٌة بَأحِّد َي ة ذات ه‪ ،‬وِإنم ا‬
‫ُيْم سكه سر القيومية فيه)(‪)3‬‬
‫وهم يستشهدون لهذا المعنى بالمعنى اإلشاري المبثوث في ثنايا قول ه تع الى‪:‬‬
‫﴿ُك ُّل َش ْي ٍء َهاِل ٌك ِإاَّل َو ْج َه ُه﴾ [القص ص‪ ،]88 :‬فيفهم ون منه ا أن ك ل ممكن ه و‬
‫باعتبار ذاته هالك‪ ،‬أو هو عدم محض ونفي صرف‪ ،‬وإنما له الوجود من جهة ربه‪،‬‬
‫فهو هالك باعتبار ذاته‪ ،‬موجود بوجه ربه‪ ،‬أي أن وجوده قاصر على جهة ربه‪.‬‬
‫وربما يفيد سياق اآلية هذا المعنى‪ ،‬فهو ق د ورد في أثن اء ال دعوة إلى توحي د‬
‫هللا في الدعاء والعبادة‪ ،‬ليقول من جه ة ال تتخ ذ أي ن د ت دعوه من دون هللا فس يأتي‬
‫اليوم الذي يهلك فيه‪ ،‬فال يبقى شيء غير هللا‪ ،‬وقد تفيد ما يريده خالعو لب اس الك ون‬
‫المعدوم من نفي الوجود الذاتي‪ ،‬فلذلك يكون من دعا غير هللا‪ ،‬متوجه ا بال دعاء إلى‬
‫الوهم‪ ،‬قال تعالى‪َ﴿ :‬و اَل َتْدُع َم َع ِهَّللا ِإَلًها آَخ َر اَل ِإَلَه ِإاَّل ُهَو ُك ُّل َش ْي ٍء َهاِلٌك ِإاَّل َو ْج َه ُه‬
‫َلُه اْلُح ْك ُم َو ِإَلْيِه ُتْر َج ُعوَن ﴾ [القصص‪]88 :‬‬
‫وال تنافي بين المعنيين‪ ،‬وال تصادم بينهم ا‪ ،‬وال يلغي أح دهما اآلخ ر(‪ ،)4‬ب ل‬
‫إن المعنى األول مؤسس على المعنى الثاني‪.‬‬
‫وهكذا يفهم العارفون من كل النصوص الواردة في إثب ات وحداني ة الح ق أو‬
‫أحديته أو أحقيته‪:‬وق د ك ان الن بي ‪ ‬إذا ق ام إلى الص الة في ج وف اللي ل ق ال من‬
‫ضمن دعاء التهجد‪(:‬أنت الحق ووعدك الح ق وقول ك الح ق ولق اؤك الح ق والجن ة‬
‫حق والنار حق والساعة حق والنبيون حق ومحمد حق)(‪)5‬‬
‫ففي قوله ‪(:‬أنت الحق) أي واجب الوجود؛ فأصله من حق الشيء أي ثبت‬
‫ووجب‪ ،‬فوجود هللا هو الوجود الحقيقي إذ وجوده لنفس ه‪ ،‬لم يس بقه ع دم وال يلحق ه‬
‫عدم؛ وما عداه مما يقال عليه هذا االسم مس بوق بع دم‪ ،‬ويج وز علي ه لح اق الع دم‪،‬‬
‫ووجوده من موجده ال من نفسه‪ ،‬فهو معدوم باعتبار ذاته في كل األحوال‪ ،‬كما ق ال‬

‫‪ )(1‬مدارج السلوك ِإلى ملك الملوك للعارف الكبير محمد بناني المتوفى ‪1284‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(2‬حقائق عن التصوف‪ ،‬ص‪.544‬‬
‫‪ )(3‬حقائق عن التصوف‪ ،‬ص‪.545‬‬
‫‪ )(4‬وقد أنكر ابن تيمية هذا التفسير بوجوه من اإلنكار قال في التقديم لها‪ :‬وإذا كان المقصود هن ا الكالم في‬
‫تفسير اآلية تفسير اآلية بما هو مأثور ومنقول عن من قاله من السلف والمفسرين من أن المعنى ك ل ش يء هال ك إال‬
‫ما أريد به وجهه هو أحسن من ذلك التفسير المحدث‪ ،‬بل ال يج وز تفس ير اآلي ة ب ذلك التفس ير المح دث‪ ،‬وه ذا ي بين‬
‫بوجوه بعضها يشير إلى الرجحان وبعضها يشير إلى البطالن‪ .‬انظر‪ :‬مجموع الفتاوى‪.2/28:‬‬
‫‪ )(5‬صحيح البخاري (‪)61 /2‬‬

‫‪183‬‬
‫الشيخ أبو مدين(‪:)1‬‬
‫إن كنت مرتادًا بلوغ كم ال‬ ‫هللا ق ل وذر الوج ود وم ا ح وى‬

‫يل‬ ‫دم على التفص‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ل دون هللا أن حققت‬ ‫فالك‬
‫ال‬ ‫واإلجم‬

‫و وفي‬ ‫واله في مح‬ ‫ل‬ ‫واعلم بأن ك والع والم كله ا‬


‫محالل‬ ‫اض‬

‫فوجوده لواله عين محال‬ ‫من ال وج ود لذات ه من ذات ه‬

‫س وى المتك بر المتع ال‬ ‫والعارفون ب ربهم لم يش هدوا ش يئًا‬

‫ال والماض ي‬ ‫في الح‬ ‫ورأوا سواه على الحقيقة هالكــــــــًا‬


‫تقبال‬ ‫واالس‬

‫وعبر اآلخر عن انشغال العارف باهلل عن الكون بقوله‪:‬‬


‫في حب من خل ق اله واء‬ ‫ش غل المحب عن اله واء‬
‫خره‬ ‫ره وس‬ ‫بس‬

‫عن كل كون ترتضيه مطهره‬ ‫والعارفون عق ولهم معقول ة‬

‫أح والهم مجهول ة ومس تره‬ ‫فهم لدي ه مكرم ون وفي‬


‫ورى‬ ‫ال‬

‫وباعتبار هذا المعنى كان أصدق كلمة قاله ا الش اعر‪ ،‬كم ا ورد في الح ديث‬
‫كلمة لبيد(‪ :)2‬أال كل شيء ما خال هللا باطل(‪.)3‬‬
‫ومن هذا الباب جاءت أس ماء هللا تع الى ال تي نص عليه ا قول ه تع الى‪ُ﴿ :‬ه َو‬
‫اَأْلَّوُل َو اآْل ِخ ُر َو الَّظاِهُر َو اْلَباِط ُن َو ُهَو ِبُك ِّل َش ْي ٍء َع ِليٌم ﴾ [الحديد‪]3 :‬‬
‫فالتأمل في المعاني العميقة ال تي تحمله ا ه ذه األس ماء يلبس األش ياء جميع ا‬
‫ثوب العدم‪ ،‬ليبقى الحق وحده هو المتفرد بالوجودالحقيقي‪.‬‬
‫وقد قال سيد قطب مبينا عمق المعاني التي تدل عليها هذه األس ماء الحس نى‪:‬‬

‫‪ )(1‬أبو مدين‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.57‬‬


‫‪ )(2‬وقد ورد الحديث بصيغ مختلفة منه ا أش عر كلم ة تكلمت به ا الع رب‪ ،‬وفي رواي ة أص دق كلم ة قاله ا‬
‫شاعر‪ ،‬وفي أخرى أصدق بيت قاله الشاعر‪ ،‬وفي أخرى أصدق بيت قالته الشعراء‪ ،‬وفي أخرى أص دق كلم ة قالته ا‬
‫العرب‪.‬‬
‫‪ )(3‬صحيح البخاري (‪ ،)53 /5‬صحيح مسلم (‪)49 /7‬‬

‫‪184‬‬
‫(وما يكاد يفيق من تصور هذه الحقيقة الضخمة التي تمأل الكي ان البش ري وتفيض‪،‬‬
‫حتى تطالعه حقيقة أخرى‪ ،‬لعلها أضخم وأقوى‪ .‬حقيقة أن ال كينون ة لش يء في ه ذا‬
‫الوجود على الحقيقة‪ .‬فالكينونة الواحدة الحقيقية هي هلل وح ده س بحانه؛ ومن ثم فهي‬
‫محيطة بكل شيء‪ ،‬عليمة بكل شيء ﴿ُهَو اَأْلَّوُل َو اآْل ِخ ُر َو الَّظاِهُر َو اْلَباِط ُن َو ُهَو ِبُك ِّل‬
‫َش ْي ٍء َع ِليٌم ﴾ [الحديد‪]3 :‬‬
‫ويق ول عن المع اني ال تي يستش عرها‪ ،‬وه و يعيش في ظالل ه ذه األس ماء‪:‬‬
‫(األول فليس قبل ه ش يء‪ .‬واآلخ ر فليس بع ده ش يء‪ .‬والظ اهر فليس فوق ه ش يء‪.‬‬
‫والباطن فليس دونه شيء‪ ..‬األول واآلخ ر مس تغرقا ك ل حقيق ة الزم ان‪ ،‬والظ اهر‬
‫والباطن مستغرقا كل حقيقة المكان‪ .‬وهما مطلقتان‪ .‬ويتلفت القلب البش ري فال يج د‬
‫كينونة لشيء إال هلل‪ .‬وهذه كل مقومات الكينونة ثابتة له دون سواه‪ .‬حتى وجود ه ذا‬
‫القلب ذات ه ال يتحق ق إال مس تمدا من وج ود هللا‪ .‬فه ذا الوج ود اإللهي ه و الوج ود‬
‫الحقيقي الذي يستمد منه كل شيء وج وده‪ .‬وه ذه الحقيق ة هي الحقيق ة األولى ال تي‬
‫يستمد منها كل شيء حقيقته‪ .‬وليس وراءها حقيقة ذاتي ة وال وج ود ذاتي لش يء في‬
‫هذا الوجود)(‪)1‬‬
‫ونحب أن ن بين هن ا أن س يد قطب على ال رغم من ع دم انتمائ ه ألي طريق ة‬
‫صوفية‪ ،‬ومع ذلك رمي بسبب هذه الكلمات بالقول بوح دة الوج ود‪ ..‬وكف ر بس ببها‪،‬‬
‫وبأسباب أخرى سنراها في الفصل الخاص بتكفير السلفية للحركات اإلسالمية‪.‬‬
‫وقد نبه الشيخ عبد القادر عيسى في نهاي ة بيان ه لموق ف الص وفية من وح دة‬
‫الوجود إلى أن الصوفية يتواصون بينهم في عدم الحديث عن أمث ال ه ذه المس ائل‪،‬‬
‫ألنها مسائل ذوقية‪ ،‬والع ارف ه و ال ذي يعيش الحقيق ة ال ال ذي يج ادل به ا‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫(وعلى كٌّل فاَألْو لى بالصوفي في هذا الزم ان أن يبتع د عن األلف اظ والتع ابير ال تي‬
‫فيها ِإيهام أو غموض أو اشتباه‪ ،‬لئال يوقع الن اس بس وء الظن ب ه‪ ،‬أو تأوي ل كالم ه‬
‫على غير ما يقصده‪ ،‬وألن كث يرًا من الزنادق ة وال دخالء على الص وفية ق د تكلم وا‬
‫بمثل هذه العبارات الموهمة واأللفاظ المتشابهة‪ِ ،‬لَيْظهروا ما ُيِكُّنوَن ه في قل وبهم من‬
‫عقائد فاس دة‪ ،‬وِليص لوا ب ذلك ِإلى ِإباح ة المحرم ات‪ ،‬وِلي بِّر ُروا م ا يقع ون في ه من‬
‫المنكرات والفواحش‪ ،‬فاختلط الحق بالباطل‪ ،‬وُأِخ َذ المؤمن الصادق بجريرة الفاس ق‬
‫المنحرف‪ ،‬ولهذا سَّيَج الصوفية ب واطنهم وظ واهرهم بالش ريعة الغ َّراء‪ ،‬وأْو َص ْو ا‬
‫تالمذتهم بالتمسك بها قوًال وعمًال وحاًال‪ ،‬فهي عندهم باب الدخول وس لم الوص ول‪،‬‬
‫وَم ْن حاد عنها كان من الهالكين)(‪)2‬‬
‫بعد أن عرفنا تفسير الش يخ عب د الق ادر عيس ى لحقيق ة وح دة الوج ود ـ كم ا‬
‫يفهمها الصوفية‪ ،‬ال كم ا يفهمه ا الفالس فة ـ ن ذكر اآلن تفس ير الش يخ ال دكتور عب د‬
‫الحليم محمود شيخ األزهر السابق‪ ،‬والذي اهتم بالتصوف كثيرا‪ ،‬إلى جانبه اهتمامه‬
‫بالفلسفة‪ ،‬وشهادته لها أهميتها الكبرى في هذا المجال‪.‬‬
‫‪ )(1‬سيد قطب (‪)3161 /5‬‬
‫‪ )(2‬حقائق عن التصوف‪ ،‬ص‪.546‬‬

‫‪185‬‬
‫وقد تعرض لها الشيخ عبد الحليم محم ود في م واطن كث يرة من كتب ه‪ ،‬وبين‬
‫اتفاقها مع العقائد اإلسالمية‪ ،‬وبعدها عن الفلسفات اإللحادية‪ ،‬ومن ذلك ما ذكره في‬
‫كتابه (أبو العب اس المرس ي) حيث ق ال‪( :‬نري د أن نب دأ مباش رة بمالحظ ة تزي ل –‬
‫بصورة غير متوقعة – حدة المناقشة في هذا الموض وع‪ .‬وذل ك أنن ا بص دد (وح دة‬
‫الوج ود) ولس نا بص دد وح دة الموج ود‪ .‬والموج ود متع دد‪ :‬س ماء وأرض ا‪ .‬جب اال‬
‫وبح ارا‪ .‬لون ا ورائح ة وطعم ا‪ .‬متف اوت ثقال وخف ة‪ ..‬ولم يق ل أح د من الص وفية‬
‫الحقيقيين – ومنهم ابن العربي والحالج – بوح دة الموج ود – وم ا ك ان للص وفية‪،‬‬
‫وهم الذروة من المؤمنين أن يقولوا – وحاشاهم – بوحدة الموجود)(‪)1‬‬

‫وبعد أن بدأ هذه النتيجة المهمة التي توضح الف رق بين مع نى وح دة الوج ود‬
‫عند الصوفية ومعناها عن د الفالس فة‪ ،‬أخ ذ يتح دث عن س بب إلص اق تهم ة الق ول‬
‫بوح دة الوج ود الفلس فية بالص وفية‪ ،‬فق ال‪( :‬وق د تتس اءل‪ :‬من أين اذن أتت الفك رة‬
‫الخاطئة التي يعتقدها كثير من الن اس‪ .‬من أن الص وفية يقول ون بوح دة الموج ود؟!‬
‫وتفسير ذلك ال عسر فيه‪ :‬إن فريقا من الفالس فة في األزمن ة القديم ة‪ ،‬وفي األزمن ة‬
‫الحديثة‪ ،‬يقولون بوحدة الموجود‪ .‬بمعنى أن هللا – س بحانه وتع الى عن إفكهم – ه و‬
‫والمخلوقات شيء واحد ‪ .‬قال بذلك هيراقليط في العهد اليوناني‪ :‬وهللا عند نهار وليل‬
‫صيف وشتاء‪ ،‬وفرة وقلة‪ ،‬جامد وسائل – أن ه على ح د تعب يره – كالن ار المعط رة‬
‫تسمى بإسم العطر الذي يفوح منها تق دس س بحانه وت نزه عم ا يق ول‪ ،‬وهللا س بحانه‬
‫وتعالى في رأي (شلي) في العصور الحديثة‪ .‬ه و ه ذه البس مة الجميل ة على ش فتي‬
‫طفل باسم‪ .‬وهو هذه النسائم العليلة التي تنعشنا ساعة األصيل‪ .‬وه و ه ذه اإلش راقة‬
‫المتألق ة ب النجم اله ادي في ظلم ات اللي ل‪ ،‬وه و ه ذه ال وردة اليافع ة تنفتح وكأنه ا‬
‫ابتسامات شفاه جميلة‪ .‬إنه الجمال إينما وجد‪ ،‬ولكنه أيضا – سبحانه وتع الى – القبح‬
‫أينما كان‪ .‬وكما يكون طفال فيه نضرة‪ ،‬وفيه وسامة‪ .‬يكون جث ة ميت‪ ،‬ويك ون دودة‬
‫تتغ ذى من جس د ميت‪ .‬ويك ون ق برا يض م بين جدران ه ه ذه الجث ة‪ ،‬وه ذا ال دود‪.‬‬
‫أستغفرك ربي أوتوب اليك‪ .‬ولوحدة الوجود – بمعنى وحدة الموج ود – أنص ار في‬
‫كل زمان‪ .‬ولما قال الصوفية‪ ..‬ب الوجود الواح د‪ ..‬ش رح خص ومهم الوج ود الواح د‬
‫بالفكرة الفلسفية عن وحدة الوجود بمعنى وحدة الموجود وف رق كب ير بينهم ا‪ .‬ولكن‬
‫الخصومة كثيرا ما ترضى عن التزييف وعن الك ذب في س بيل الوص ول إلى ه دم‬
‫الخصم‪ .‬والغاية تبرر الوسيلة كما يقولون)(‪)2‬‬
‫ه ذا ه و الس بب األول‪ ،‬وه و مرتب ط باالش تراك اللفظي بين المص طلحين‪:‬‬
‫الفلسفي والصوفي مع أن لكل منهما داللته الخاصة‪.‬‬

‫‪ )(1‬أبو العباس المرسي‪ ،‬ص ‪.132‬‬


‫‪ )(2‬أبو العباس المرسي‪ ،‬ص ‪.133‬‬

‫‪186‬‬
‫وأم ا الث اني فمرتب ط باش تراك لفظي آخ ر‪ ..‬ليس بين الص وفية والفالس فة‪..‬‬
‫وإنم ا بين الص وفية والمتكلمين‪ ،‬وق د وض حه الش يخ عب د الحليم محم ود بقول ه‪:‬‬
‫(وشيء آخر في غاية األهمية‪ ،‬كان له أثر كب ير في الخط أ في فهم فك رة الص وفية‬
‫عن الوجود الواحد‪ ،‬وهو أن اإلمام األش عري رأي في فلس فته الكالمي ة أن الوج ود‬
‫هو عين الموج ود‪ ،‬ولم يوافق ه الكث ير من الص وفية على ه ذه الفك رة الفلس فية‪ .‬ولم‬
‫يوافقه الكثير من مفكري اإلسالم وفالسفته على رأيه‪ .‬وهو رأي فلس في يخطئ في ه‬
‫أبو الحسن األشعري أو يصيب‪ ،‬وما مثله في آرائه الفلس فية اال مث ل غ يره في ه ذا‬
‫الميدان يخطئ تارة ويصيب أخرى‪ ،‬ورأى مخالفوه أن الوجود غير الموجود‪ .‬وأن ه‬
‫ما به يكون وجود الموجود‪ .‬ولما ق ال الص وفية ب الوجود الواح د‪ .‬ش رح خص ومهم‬
‫فكرتهم في ضوء رأي األشعري‪ ،‬دون أن يراعوا مذهبهم وال رأيهم‪ .‬ففسروا قولهم‬
‫بالوجود الواحد على أنه قول بالموجود الواحد)(‪)1‬‬
‫ثم ذكر سببا ثالثا لذلك الخلط بين قول الصوفية وق ول الفالس فة ـ وه و ال ذي‬
‫يتشبت به السلفية في العادة ـ وهو (هذه الكلمات التي تناثرت هن ا وهن اك مخترع ة‬
‫ملفقة مزيفة‪ ،‬ضالة في معناها‪ ،‬تافهة في قيمتها الفلسفية غريبة على الجو اإلسالمي‬
‫تنادي بصورتها ومعناها‪ :‬أنها اخ ترعت تض ليال وافتيات ا‪ ،‬إنه ا ه ذه الكلم ات ال تي‬
‫يعزونها الى الحالج‪ ،‬أو الى غيره‪ ..‬ال توجد في كت اب من كتب ه ولم يخطه ا قلم ه‪..‬‬
‫لقد اخترعوها اختراعا ثم وضعوها أساسا تدور عليه أحك امهم ب الكفر واإلض الل‪.‬‬
‫ويكفي أن يتشبث بها انسان فيكون في منطق البحث غير أهل الثقة)(‪)2‬‬
‫وبناء على هذا راح الشيخ عبد الحليم محمود يوضح مدى عقالني ة وش رعية‬
‫ما يطرحه الصوفية من معان حول وحدة الوجود‪ ،‬فقال‪( :‬الوجود الواح د‪ :‬وه ل في‬
‫الوجود الواحد من شك؟ إنه وجود هللا المستغني بذاته عن غيره‪ ،‬وهو الوجود الحق‬
‫الذي أعطى ومنح الوجود لكل كائن‪ ،‬وليس لكائن غيره سبحانه‪ .‬الوج ود من نفس ه‪،‬‬
‫انه سبحانه الحالق‪ .‬وهو البارئ المصور‪ ..‬وصلة هللا باإلنسان إذن‪ :‬هي أنه سبحانه‬
‫يمنحه الوجود الذي يريده له في كل لحظة من اللحظات المتتابعة‪ .‬فش كل حيات ه في‬
‫كل بصورة أمده سبحانه وتعالى بها‪ .‬وصلة هللا بكل كائن‪ :‬إنما هي على هذا النمط)‬
‫(‪)3‬‬
‫ثم بين أن مع نى وح دة الوج ود في النص وص القرآني ة ه و نفس ه مع نى‬
‫القيومي ة‪ ،‬فاهلل س بحانه وتع الى (قي وم الس موات واألرض ق ائم على ك ل نفس بم ا‬
‫كسبت‪ ،‬وقائم على كل ذرة من كل خلية وقائم على كل ما هو أص غر من ذل ك وم ا‬
‫هو أكبر‪ ،‬بحيث ال يعزب عن هيمنت ه وعن قيوميت ه مثق ال ذرة في األرض وال في‬
‫السماء‪ .‬هذه القيومية أخذ القرآن والسنة يتحدثان عنها في استفاضة مستفيضة ليهزا‬
‫اإلنسان هزة عنيفة‪ ،‬فال يخلو على األرض‪ ،‬وال يتب ع ه واه‪ ،‬وانم ا يرتف ع ببص ره‪،‬‬

‫‪ )(1‬أبو العباس المرسي‪ ،‬ص‪.134‬‬


‫‪ )(2‬أبو العباس المرسي‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪ )(3‬أبو العباس المرسي‪ ،‬ص ‪.136‬‬

‫‪187‬‬
‫ويستشرف بكاين ه الى المأل األعلى مستخلص ا نفس ه من عبودي ة الم ادة ليوح د هللا‬
‫س بحانه وتع الى في عبودي ة خالص ة‪ ،‬وفي إخالص ال يش وبه ش رك من ه وى أو‬
‫شرك من سيطرة المادة أو الغرائز)(‪)1‬‬
‫وبناء على هذا راح يستعرض آيات القرآن الكريم التي يس تدل به ا الص وفية‬
‫عادة في إثبات وحدة الوجود القرآنية التي يؤمنون بها‪ ،‬ومنها قوله تع الى‪َ﴿ :‬أَف َر َأْيُتْم‬
‫َم ا ُتْم ُن وَن (‪َ )58‬أَأْنُتْم َتْخ ُلُقوَن ُه َأْم َنْح ُن اْلَخ اِلُقوَن ﴾ [الواقع ة‪ ،]59 ،58 :‬وقول ه‪:‬‬
‫﴿َأَفَر َأْيُتْم َم ا َتْح ُر ُثوَن (‪َ )63‬أَأْنُتْم َتْز َر ُعوَنُه َأْم َنْح ُن الَّز اِر ُع وَن ﴾ [الواقع ة‪،]64 ،63 :‬‬
‫وقول ه‪َ﴿ :‬أَف َر َأْيُتُم اْلَم اَء اَّل ِذ ي َتْش َر ُبوَن (‪َ )68‬أَأْنُتْم َأْنَز ْلُتُم وُه ِم َن اْلُم ْز ِن َأْم َنْح ُن‬
‫اْلُم ْنِز ُلوَن ﴾ [الواقعة‪]69 ،68 :‬‬
‫ثم علق على هذه اآليات الكريمة وغيرها مبينا قيمة النظ رة إلى الك ون به ذه‬
‫الصفة‪ ،‬بقوله‪( :‬هذه الهيمنة وهذه القيومي ة يم ر به ا ق وم فال يعيرونه ا التفات ا‪ ،‬إنهم‬
‫يمرون بها مرور الحيوانات بما تدرك وال تعقل‪ ،‬إن هللا سبحانه وتعالى ال يحتل من‬
‫شعورهم درجة أيا كانت‪ ،‬وهمهم كل همهم مصبحين ممسين‪ ،‬إنما ه و ملء البطن‪،‬‬
‫أو كنز الذهب والفضة‪ ،‬أو النزاع على جاه‪ ،‬أو العمل لتث بيت س لطان‪ .‬انهم يم رون‬
‫بآيات هللا فال يش هدونها‪ ،‬وتحي ط بهم آث اره‪ ،‬فال ينظ رون اليه ا‪ ،‬وتغم رهم نعم اؤه‬
‫وآالؤه‪ ،‬فال يوجههم ذلك الى الحم د ال الى الش كر‪ .‬إن هللا س بحانه وتع الى ال يحت ل‬
‫في قلوبهم وال في تفكيرهم وال في بيئتهم‪ ،‬قليال وال كثيرا‪ .‬والطرف اآلخ ر المقاب ل‬
‫لهذا هو هؤالء الذي انغمسوا حقا في محيط اإللهية‪ .‬س بحوا في بحاره ا‪ ،‬واستش قوا‬
‫نسائمها الندية‪ ،‬وغمرهم ألالؤها وضياؤها؛ لقد بدأوا بحم د هللا وش كره على نعم اه‬
‫وآالئه التي تحيط بهم من جمي ع أقط ارهم‪ ،‬ف زادهم نعم ا وآالء‪ ..‬لق د اتق وا هللا ح ق‬
‫تقاته فعلمهم هللا‪ ..‬لقد اكتفوا باهلل هاديا ونصيرا‪ ،‬فه داهم هللا إلى ص راطه المس تقيم‪،‬‬
‫ونصرهم على أنفسهم وعلى أعائدهم)(‪)2‬‬
‫وبناء على ه ذا ف إن الش رك عن د الص وفية ينطل ق من ه ذه النظ رة للك ون‪،‬‬
‫واعتقاد وجوده الذاتي القائم بنفسه‪ ،‬يقول عبد الحليم محم ود مبين ا م دى س مو الفهم‬
‫الصوفي للتوحيد مقارنة بغيرهم‪ ..( :‬وأخذوا شيئا فش يئا يح اولون تحقي ق التوحي د‪:‬‬
‫قوال وعقيدة‪ ،‬وذوقا وتحقيقا‪ ،‬وأخ ذوا ي رون في [أش هد أن ال إل ه إال هللا] مع اني ال‬
‫يتطل ع إليه ا غ يرهم‪ ،‬وب دأ مع نى الش رك يتض ح لهم بص ورة ال تخط ر على ب ال‬
‫الالهين الذين شغلتهم أموالهم وأهلوهم‪ ،‬وبدأوا يحطمون الشرك يحطم ون أص نامه‬
‫وأوهام ه‪ .‬ومن النفس واله وى والش يطان‪ ،‬ومن الغرائ ز الحيواني ة‪ ،‬والغرائ ز‬
‫اإلنسانية‪ .‬وانهار الشرك حتى همسات الف ؤاد لق د انه ار الش رك الواض ح‪ ،‬وانه ار‬
‫الشرك الخفي‪ ،‬وثبت في أذواقهم واستقر في أحوالهم ومقام اتهم أن (ال إل ه إال هللا)‬
‫وأنه‪َ﴿ :‬فَأْيَنَم ا ُتَو ُّلوا َفَثَّم َو ْج ُه ِهَّللا﴾ [البقرة‪ ،]115 :‬وأينما كانوا فاهلل معهم وه و أق رب‬
‫اليهم من حبل الوريد‪ .‬وهو أقرب اليهم من جلسائهم ومعاشريهم‪ .‬انه يغم ر كي انهم‪،‬‬
‫‪ )(1‬أبو العباس المرسي‪ ،‬ص ‪.137‬‬
‫‪ )(2‬أبو العباس المرسي‪ ،‬ص ‪.138‬‬

‫‪188‬‬
‫فال يرون غيره سبحانه‪ ،‬ال يرون غير قي وم الس موات واألرض‪ ،‬وال ي رون غ يره‬
‫مصرفا لليسير من األمور وللعظيم منها‪ ،‬وال يرون غيره مالكا للملك‪ ..‬لقد أصبحوا‬
‫ربانيين‪ ،‬وأصبح هللا في بصرهم وسمعهم وجوارحهم وفي قلوبهم من قبل ذلك ومن‬
‫بعده‪ .‬يشغله كله فال يدع فيه مكانا لألغيار)(‪)1‬‬
‫وبناء على هذا كانت أساليب الصوفية في عرض الحقائق العقدية مختلفة عن‬
‫سائر المناهج ألنهم في تعبيراتهم التي أساء السلفية فهمه ا‪ ،‬وكف روهم على أساس ها‬
‫(يشرحون أن هللا سبحانه وتعالى الممد الوجود لكل موجود‪ .‬إن ه يم د الق ائم بالقي ام‪،‬‬
‫ويم د الماش يء بالمش ي‪ ،‬والمتح رك بالحرك ة‪ .‬إن ه – على ح د تعب ير أه ل الس نة‬
‫واألشاعرة ـ الذي يقطع‪ ،‬وليست السكين هي التي تقطع‪ .‬وهو ال ذي يح رق وليس ت‬
‫النار هي التي تحرق‪ ،‬وه و ال ذي حينم ا يري د‪ ،‬يق ول للن ار‪ :‬ك وني ب ردا وس الما‪،‬‬
‫فتكون بردا وس الما‪ ،‬ومهم ا ع بر الص وفية في ه ذا المي دان عن الوج ود الواح د‪،‬‬
‫فقالوا في ذلك فإنهم سوف ال يبلغون المدى الذي بلغته تلك اآلية الكريمة‪ ،‬التي تمثل‬
‫في روعة رائعة الهيمنة المهيمنة‪ ،‬واالستغراق الق اهر‪ ،‬والجالل الش امل؛ وال تي ال‬
‫تع ني وح دة متح دة‪ ،‬وال اتح ادا متطابق ا بين الح الق وبين المخل وق‪ ،‬أو العاب د‬
‫والمعبود‪ ،‬واآلية هي ﴿ ُهَو اَأْلَّوُل َو اآْل ِخ ُر َو الَّظاِه ُر َو اْلَباِط ُن ﴾ [الحديد‪)2()]3 :‬‬
‫هذه ـ ببساطة ـ مفاهيم الصوفية حول وحدة الوجود ـ كم ا يوض حها أعالمهم‬
‫الكبار‪ ،‬بل كم ا يش ير إليه ا الق رآن الك ريم نفس ه‪ ،‬وك ان األج دى بالس لفية قب ل أن‬
‫يصدروا أحكامهم القاس ية بتكف ير ك ل من يق ول به ذا المع نى أن يراجع وا ه ؤالء‪،‬‬
‫ليفهموا منهم معناها‪ ،‬فخير من يعبر عن المرء لسانه‪.‬‬
‫ولكنهم ـ ح تى ل و ذهب وا إليهم ـ فس يظلون على تكف يرهم لهم‪ ،‬ألن المش كلة‬
‫عندهم ليس ت في ه ذا المع نى‪ ،‬وإنم ا المش كلة الك برى في تنزي ه هللا وع دم الق ول‬
‫بتجسيمه وتقييده وتحديده‪ ..‬ولهذا فإنهم يضعون المنزهة جميعا بمدارسهم الكالمي ة‬
‫والصوفية في سلة واح دة‪ ،‬ألن أول العقي دة في هللا عن دهم هي أن الك ون ش طران‪:‬‬
‫شطر يسكنه هللا‪ ،‬وهو العرش وما عال‪ ..‬وشطر يسكنه الخلق‪ ،‬وهو ما دون الع رش‬
‫إلى األرض السفلى(‪.)3‬‬
‫‪ 2‬ـ تهمة المواجيد واألشواق الروحية‪:‬‬
‫من المميزات التي تميز بها الصوفية عن سائر المدارس اإلسالمية اهتمامهم‬
‫الشديد بالصلة الروحية أو الوجدانية أو العاطفية بين العب د ورب ه س بحانه وتع الى‪،‬‬
‫ولهذا كانت جميع الطرق الصوفية عب ارة عن تج ارب مختلف ة تح اول أن تختص ر‬
‫للسالك والمريد الطريق إلى هذا التواصل‪.‬‬
‫فال يكفي في التواصل الروحي م ع هللا ـ عن د الص وفية ـ ممارس ة الش عائر‪،‬‬
‫وال أداء التكاليف الظاهرة‪ ،‬فكل ذلك جميل‪ ،‬ولكنه ال يكفي‪ ..‬بل الذي يجب قبل ذلك‬
‫‪ )(1‬أبو العباس المرسي‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪ )(2‬أبو العباس المرسي‪ ،‬ص ‪.140‬‬
‫‪ )(3‬انظر األدلة على قول السلفية بهذا في كتابنا [السلفية والوثنية المقدسة]‬

‫‪189‬‬
‫وبعده هو تلك المحبة والشوق والتطلع الروحي للتواصل مع هللا‪.‬‬
‫وقد كان من أساليبهم في تربية المري دين على ه ذه المع اني الس امية التعب ير‬
‫عنها بما يرغب فيها‪ ،‬وبما أن التعبير عن المع اني الوجداني ة ال تج دي في ه طريق ة‬
‫المتكلمين وال الفالسفة‪ ،‬فقد كان المنهج األسهل لذلك هو التعبير الشاعري عنها‪.‬‬
‫ذلك أنه بن اء على ص عوبة التعب ير عن المع اني الوجداني ة ال تي يتحق ق به ا‬
‫الس الك‪ ،‬فإن ه يلج أ إلى اللغ ة الرمزي ة أو القصص ية أو الش عرية‪ ،‬كم ا فع ل أك ثر‬
‫العرفاء المسلمون كابن الفارض وجالل الدين الرومي واألمير عبد القادر‪ ،‬والش يخ‬
‫ابن عليوة‪ ،‬والشيخ أبو العزائم‪ ،‬وغيرهم من مشايخ الصوفية‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك توظيفهم السم ليلى كتعبير رمزي للذات اإللهي ة‪ ،‬كم ا‬
‫ق ال الش يخ ابن علي وة في موش حة المش هور وال ذي ال ي زال ت ردد في الحض رات‬
‫الصوفية (دنوت من حي ليلى)(‪:)1‬‬
‫لما سمعت‬ ‫دنوت من حي‬
‫نداها‬ ‫ليلى ‍‬
‫أوُّد ال يتناهى‬ ‫يا له من صوت يحلو ‍‬
‫أدخلتني لحماها‬ ‫رضت عني جذبتني ‍‬
‫أجلستني بحذاها‬ ‫أنستني خاطبتني ‍‬
‫رفعت عني رداها‬ ‫قربت ذاتها مني ‍‬
‫حيرتني في بهاهـا‬ ‫أدهشتني تيهتنـــــي‬
‫وليلي عنده ــ كما هي عند غيره من الصوفية ــ رمز لل ذات المقدس ة‪ ،‬وك أن‬
‫العاشق هو قيس ليصور لنا تعلقه وهيامه بها‪ ،‬بحيث يستحضر الق ارئ أو المس تمع‬
‫صورة (قيس) ذلك العاشق الولهان‪.‬‬
‫وقد نجح الشيخ ابن عليوة في نقل هذه المعاني الحسية من الغزل الع ادي إلى‬
‫الغزل اإللهي‪ ،‬بحيث أضحت معاني روحية صرفة‪ ،‬فحب ليلى ه و رم ز الحض رة‬
‫اإللهية‪ ،‬والقرب أو الدنو من ليلى هو القرب من ذات هللا تعالى‪ ،‬ورفع الرداء رم ز‬
‫النكشاف الحجاب‪ ،‬وكذا ألفاظ األنس والحضور الغيبية‪ ،‬ليست إال رموزا تعكس لنا‬
‫بص دق‪ ،‬ش وق الش اعر وتعلق ه باهلل وح ده‪ ،‬وانقط اع قلب ه عن ك ل ش يء إال عن‬
‫محبته(‪.)2‬‬
‫ب ل إن الص وفية ال يعت برون من ليلى ومثيالته ا مج رد رم وز‪ ،‬ب ل إنهم‬
‫ي ذكرون أن قيس ا في الحقيق ة لم يكن يحب مظه ر ليلى‪ ،‬وإنم ا ك ان يحب الحقيق ة‬
‫المختفية وراءها‪ ،‬كما عبر جالل الدين ال رومي عن ذل ك بقول ه‪( :‬إن ك ل ض روب‬
‫الرغبة والميل والمحبة والشفقة التي يكنها الن اس ألن واع األش ياء تع د ض روبا من‬
‫محبة الحق والتوق إليه‪ ..‬وتلك األشياء جميعا حجب‪ ،‬وعندما يمضي الناس من ه ذا‬
‫‪ )(1‬العالوي‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ )(2‬انظر‪ :‬الشارف لطروش‪ ،‬الشيخ بن مصطفى العالوي‪ ،‬رائد الحركة الصوفية في القرن العش رين‪ ،‬ص‬
‫‪.7‬‬

‫‪190‬‬
‫العالم ويرون ذلك الملك من دون هذه الحجب يعلمون أن هذه األشياء جميع ا لم تكن‬
‫سوى حجب وأغظية‪ ،‬مطلوبهم على الحقيقة ذلك األوحد)(‪)1‬‬
‫لكن هذه اللغة لم تعجب السلفية أو لم يفهموها‪ ،‬فلذلك راحوا يرمون الصوفية‬
‫نتيجية لذلك بكل أنواع التهم كالحلول واالتحاد وغيرها‪.‬‬
‫ومن العجب أن بعض هم يجم ع بين رمي الص وفية ب الحلول واالتح اد وبين‬
‫رميهم بوحدة الوجود بمفهومها الفلسفي‪ ،‬وهذا هو التناقض بعين ه‪ ،‬ذل ك أن الحل ول‬
‫واالتحاد يستلزم ذاتين منفصلتين يحالن ببعضهما‪ ،‬أو يتحدان‪ ،‬بينما وح دة الوج ود‬
‫تعنى وجود ذات واحدة‪.‬‬
‫وقد رد الصوفية على هذه التهم الموجهة لها بصنوف من االس تدالالت منه ا‬
‫قول الشيخ عبد القادر عيسى عند عرضه لهذه الش بهة‪ِ( :‬إن من أهم م ا يتحام ل ب ه‬
‫المغرض ون على الس ادة الص وفية اته امهم جهًال وزورًا ب أنهم يقول ون ب الحلول‬
‫واالتحاد‪ ،‬بمعنى أن هللا سبحانه وتعالى قد حَّل في جميع أج زاء الك ون؛ في البح ار‬
‫والجب ال والص خور واألش جار واِإل نس ان والحي وان‪ ..‬والش ك أن ه ذا الق ول كف ر‬
‫صريح يخالف عقائد األمة‪ .‬وما ك ان للص وفية وهم المتحقق ون باِإل س الم واِإل يم ان‬
‫واِإل حسان أن ينزلقوا ِإلى هذا الدرك من الضالل والكفر‪ ،‬وما ينبغي لمؤمن منصف‬
‫أن ي رميهم به ذا الكف ر جزاف ًا دون تمحيص أو تثبت‪ ،‬ومن غ ير أن يفهم م رادهم‪،‬‬
‫ويطل ع على عقائ دهم الحق ة ال تي ذكروه ا ص ريحة واض حة في ُأمه ات كتبهم‪،‬‬
‫كالفتوحات المكية‪ ،‬وِإحياء علوم الدين‪ ،‬والرسالة القشيرية وغيرها)(‪)2‬‬
‫وبناء على هذا راح يستعرض ردود الصوفية على ه ذه التهم ة‪ ،‬ومن ذل ك‬
‫قول الشيخ عبد الوهاب الشعراني‪( :‬ولعمري ِإذا كان ُعَّباد األوثان لم يتجرؤوا على‬
‫أن يجعلوا آلهتهم عين هللا؛ ب ل ق الوا‪ :‬م ا نعب دهم ِإال ليقربون ا ِإلى هللا زلفى‪ ،‬فكي ف‬
‫ُيَظن بأولي اء هللا تع الى أنهم ي َّد عون االتح اد ب الحق على ح ٌّد م ا تتعقل ه العق ول‬
‫الضعيفة؟! هذا كالمح ال في حقهم رض ي هللا تع الى عنهم‪ِ ،‬إذ م ا ِم ن ولٌّي ِإال وه و‬
‫يعلم أن حقيقته تع الى مخالف ة لس ائر الحق ائق‪ ،‬وأنه ا خارج ة عن جمي ع معلوم ات‬
‫الخالئق‪ ،‬ألن هللا بكل شيء محيط)(‪)3‬‬
‫والمنط ق العقلي يؤك د ه ذا المع نى فـ (الحل ول واالتح اد ال يك ون ِإال‬
‫باألجن اس‪ ،‬وهللا تع الى ليس بجنس ح تى يح َّل باألجن اس‪ ،‬وكي ف يح ل الق ديم في‬
‫الحادث‪ ،‬والخالق في المخلوق!؟ ِإن كان حلوَل َع َر ض في ج وهر فاهلل تع الى ليس‬
‫عرضًا‪ ،‬وِإن كان حلوَل جوهر في جوهر فليس هللا تعالى جوهرًا‪ ،‬وبم ا أن الحل ول‬
‫واالتحاد بين المخلوقات محال؛ ِإذ ال يمكن أن يصير رجالن رجًال واح دًا لتباينهم ا‬
‫في الذات؛ فالتباين بين الخ الق والمخل وق‪ ،‬وبين الص انع والص نعة‪ ،‬وبين ال واجب‬

‫‪ )(1‬جالل الدين الرومي‪ ،‬فيه ما فيه‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ص‪.71‬‬


‫‪ )(2‬حقائق عن التصوف‪ ،‬ص‪.531‬‬
‫‪ )(3‬اليواقيت والجواهر‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.83‬‬

‫‪191‬‬
‫الحقيقتين)(‪)1‬‬ ‫الوجود والممكن الحادث أعظم وأولى لتباين‬
‫ولهذا فقد نص الص وفية جميع ا ب اختالف من اهجهم على اس تحالة الحل ول‬
‫واالتحاد‪ ،‬كما قال الشيخ محي الدين بن عربي في عقيدته الص غرى‪( :‬تع الى الح ق‬
‫أن تحله الحوادث أو يحلها)(‪)2‬‬
‫وقال في عقيدته الوسطى‪( :‬اعلم أن هللا تعالى واحد باِإل جماع‪ ،‬ومق ام الواح د‬
‫يتعالى أن يحل فيه شيء‪ ،‬أو يحل هو في شيء‪ ،‬أو يتحد في شيء)(‪)3‬‬
‫وقال في باب األسرار‪( :‬ال يجوز لعارف أن يقول‪ :‬أنا هللا‪ ،‬ولو بل غ أقص ى‬
‫درجات القرب‪ ،‬وحاشا العارف من هذا القول حاشاه‪ِ ،‬إنما يقول‪ :‬أنا العبد ال ذليل في‬
‫المسير والمقيل)(‪)4‬‬
‫وقال في باب األسرار‪( :‬من قال ب الحلول فه و معل ول‪ ،‬ف ِإن الق ول ب الحلول‬
‫مرض ال يزول‪ ،‬وما قال باالتحاد ِإال أهل اِإل لحاد‪ ،‬كما أن القائ ل ب الحلول من أه ل‬
‫الجهل والفضول)(‪)5‬‬
‫وقال‪( :‬لو صَّح أن يرقى اِإل نس ان عن ِإنس انيته‪ ،‬والَم ل ُك عن ملكيت ه‪ ،‬ويتح د‬
‫بخالقه تعالى‪ ،‬لصَّح انقالب الحقائق‪ ،‬وخرج اِإل له عن كونه ِإلهًا‪ ،‬وصار الحق خلقًا‪،‬‬
‫والخلق حقًا‪ ،‬وما وثق أحد بعلم‪ ،‬وصار المحال واجب ًا‪ ،‬فال س بيل ِإلى قلب الحق ائق‬
‫أبدًا)(‪)6‬‬
‫وقد عبر عن ذلك شعرا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫بأَّنه باِإل له الواحد‬ ‫ودْع مقالَة قوم قال‬
‫اتَح دا‬ ‫عالُم هم ‍‬
‫ِإال جهوٌل به عن عقلِه َش َر َدا‬ ‫االتحاُد ُم ُحاٌل ال يقول به ‍‬
‫فاعبْد ِإلَهك ال تشرْك به‬ ‫وعن حقيقِته وعن شريعِته‬
‫َح دا‬‫َأ‬
‫واس تدل على ذل ك عقال بقول ه‪( :‬من أعظم دلي ل على نفي الحل ول واالتح اد‬
‫الذي يتوهمه بعضهم‪ ،‬أن تعلم عقًال أن القمر ليس فيه من ن ور الش مس ش يء‪ ،‬وأن‬
‫الشمس ما انتقلت ِإليه بذاتها‪ ،‬وِإنما كان القمر محًال له ا‪ ،‬فك ذلك العب د ليس في ه من‬
‫خالقه شيء وال حل فيه)(‪)7‬‬
‫والصوفية يردون على خصومهم من السلفية عند ذكرهم لهذه التهم ة ب أقوال‬
‫ابن تيمية الكثيرة التي ينفي فيها عن الصوفية ه ذه التهم ة رغم مخاص مته الش ديدة‬
‫لهم‪ ،‬كما قال في فتاويه‪( :‬ليس أحد من أهل المعرفة باهلل‪ ،‬يعتقد حل ول ال رب تع الى‬

‫‪ )(1‬حقائق عن التصوف‪ ،‬ص‪.531‬‬


‫‪ )(2‬الفتوحات المكية للشيخ األكبر محي الدين بن عربي‪ ،‬نقال عن اليواقيت والجواهر ج‪ .1‬ص‪.81-80‬‬
‫‪ )(3‬اليواقيت والجواهر ج‪ .1‬ص‪.81-80‬‬
‫‪ )(4‬اليواقيت والجواهر ج‪ .1‬ص‪.81-80‬‬
‫‪ )(5‬اليواقيت والجواهر ج‪ .1‬ص‪.81-80‬‬
‫‪ )(6‬اليواقيت والجواهر ج‪ .1‬ص‪.81-80‬‬
‫‪ )(7‬اليواقيت والجواهر ج‪ .1‬ص‪.81-80‬‬

‫‪192‬‬
‫به أو بغ يره من المخلوق ات‪ ،‬وال اتح اده ب ه‪ ،‬وِإن ُس مع ش يء من ذل ك منق ول عن‬
‫بعض أكابر الشيوخ فكثير من ه مك ذوب‪ ،‬اختلق ه األف اكون من االتحادي ة المباحي ة‪،‬‬
‫الذين أضلهم الشيطان وألحقهم بالطائفة النصرانية)(‪)1‬‬
‫وقال‪( :‬كل المش ايخ ال ذين ُيقت َدى بهم في ال دين متفق ون على م ا اتف ق علي ه‬
‫سلف األمة وأئمته ا من أن الخ الق س بحانه مب اين للمخلوق ات‪ .‬وليس في مخلوقات ه‬
‫ش يء من ذات ه‪ ،‬وال في ذات ه ش يء من مخلوقات ه‪ ،‬وأن ه يجب ِإف راد الق ديم عن‬
‫الحادث‪ ،‬وتمي يز الخ الق عن المخل وق‪ ،‬وه ذا في كالمهم أك ثر من أن يمكن ذك ره‬
‫هنا)(‪)2‬‬
‫بل إن ابن تيمية يذكر م ا ي ورده خص وم الس لفية من ق ول بعض هم‪( :‬أن ا َم ْن‬
‫أهوى وَم ْن أهوى أنا) بقوله‪( :‬فهذا ِإنما أراد به الشاعر االتحاد المعنوي‪ ،‬كاتح اد‬
‫أح د المحّبين ب اآلخر‪ ،‬ال ذي يحب أح دهما م ا يحب اآلخ ر‪ ،‬ويبغض م ا يبغض ه‪،‬‬
‫ويقول مثل م ا يق ول‪ ،‬ويفع ل مث ل م ا يفع ل؛ وه ذا تش ابه وتماث ل‪ ،‬ال اتح اد العين‬
‫ب العين‪ِ ،‬إذا ك ان ق د اس تغرق في محبوب ه‪ ،‬ح تى ف ني ب ه عن رؤي ة نفس ه‪ ،‬كق ول‬
‫اآلخر‪:‬غبُت بَك عِّني فظنْنُت أَّنك أِّني‪ ..‬فهذه الموافقة هي االتحاد السائغ)(‪)3‬‬
‫وهك ذا ت ولى ابن تيمي ة نفس ه ال دفاع عن الص وفية في ه ذا رغم خص ومته‬
‫الشديدة لهم‪ ،‬ولكن السلفية ـ لألسف ـ ال يقبلون من ابن تيمية هذا‪ ،‬بل يتمنون لو أن ه‬
‫لم يكتبه كما سنرى ذلك الحقا‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تهمة تعظيم الحضرة النبوية‪:‬‬
‫من العجائب التي وقع فيها العق ل وال تراث الس لفي ه و ذل ك الهج وم الش ديد‬
‫على تلك القلوب الط اهرة واألرواح الس امية الممتلئ ة حب ا لنبيه ا ‪ ،‬وال تي تمث ل‬
‫صدق نبوءة رسول هللا ‪ ‬عندما قال‪( :‬من أشد أمتي لي حبا ن اس يكون ون بع دي‪،‬‬
‫يوُّد أحدهم لو رآني بأهله وماله)(‪)4‬‬
‫وفي حديث آخ ر أن الن بي ‪ ‬ق ال‪( :‬إن أش َّد أم تي لي حب ا ق وم يكون ون أو‬
‫يجيئون‪ ،‬وفي رواي ة ‪ -‬يخرج ون بع دي‪ -‬ي ودّ أح دهم أن ه أعطى أهل ه ومال ه وأن ه‬
‫رآني)(‪)5‬‬
‫وفي حديث آخر أن النبي ‪ ‬قال‪( :‬ليأتين على أحدكم زمان ألن يراني أحُّب‬
‫إليه من مثل أهله وماله)(‪)6‬‬
‫لكن الس لفية أول وا ك ل ه ذه النص وص‪ ،‬ف اعتبروا المحب ة مج رد االتب اع‪،‬‬
‫وقصروا االتباع على بعض الظواهر ال تي يخ الفون فيه ا س ائر المس لمين‪ ..‬وله ذا‬
‫صار الحب عندهم قاصرا على م ا يس مونه تط بيق الس نة‪ ..‬وتط بيق الس نة عن دهم‬
‫‪ )(1‬مجموع فتاوى ابن تيمية ج‪ .11‬ص‪.75- 74‬‬
‫‪ )(2‬مجموع فتاوى ابن تيمية ج‪ .10‬ص‪.223‬‬
‫‪ )(3‬مجموع رسائل ابن تيمية ص‪.52‬‬
‫‪ )(4‬أحمد (‪ . )2/417‬ومسلم (‪)8/145‬‬
‫‪ )(5‬أحمد ‪.5/170‬‬
‫‪ )(6‬أحمد (‪ ، )2/313‬ومسلم (‪)7/96‬‬

‫‪193‬‬
‫قاصر على تلك الظ واهر ال تي ترتب ط بهن دامهم وحرك اتهم وأكلهم وش ربهم‪ ..‬أم ا‬
‫الشوق إلى رسول هللا ‪ ‬والتعلق به والحنين إليه‪ ،‬فيحذرون منه خشية أن يجر إلى‬
‫الشرك‪..‬‬
‫ومن ه ذا الب اب‪ ..‬ب اب التعل ق برس ول هللا ‪ ،‬واعتق اد منزلت ه عن د هللا‪،‬‬
‫توجهت األمة منذ عصورها األولى إلى االستشفاع والتوسل واالستغاثة به ‪ ‬كلما‬
‫احتاجت إلى ذل ك‪ ..‬ذل ك أن هللا تع الى أخ بر أن من حكمت ه وس نته في خلق ه قب ول‬
‫شفاعة الشافعين من المقربين إليه‪ ،‬وأخبر رسول هللا ‪ ‬أنه أولى بهذه الش فاعة من‬
‫غيره‪ ،‬وفي أكثر المواق ف حساس ية‪ ،‬وه و ذل ك الموق ف العظيم ي وم القيام ة‪ ..‬فمن‬
‫شفع يوم القيامة ال يحال عليه أن يشفع في الدنيا‪ ..‬ألن الدنيا واآلخرة مرتبتان فق ط‪،‬‬
‫والقوانين الجارية فيهما واحدة‪ ..‬فإن كانت االستغاثة والتوسل شركا في ال دنيا‪ ،‬فهي‬
‫كذلك في اآلخرة‪ ..‬وإن لم تكن شركا في اآلخرة ـ كما ورد في األح اديث الش ريفة ـ‬
‫فلن تكون أيضا شركا في الدنيا‪.‬‬
‫باإلض افة إلى ذل ك ف إن م وت رس ول هللا ‪ ‬ال يغ اير حيات ه إال في ناحي ة‬
‫واحدة‪ ،‬وهي انقطاع الوحي‪ ،‬أما ما عداه فإن حياته ‪ ‬الشك فيه ا‪ ،‬ب ل ت دل عليه ا‬
‫كل األدلة‪ ..‬فإن كان الشهداء‪ ،‬وهم أدنى بآالف آالف الدرجات من رسول هللا ‪ ‬قد‬
‫نفى هللا م وتهم‪ ،‬ونهى عن اعتق اد ذل ك‪ ،‬فق ال تع الى‪َ ﴿:‬و ال َتْح َس َبَّن اَّل ِذ يَن ُقِتُل وا ِفي‬
‫َس ِبيِل ِهَّللا َأْم َو اتًا َبْل َأْح َياٌء ِع ْنَد َر ِّبِهْم ُيْر َز ُقوَن ﴾ (آل عمران‪ ،)169:‬فكيف برس ول هللا‬
‫‪ ‬وهو سيد الشهداء والعارفين والنبيين؟‬
‫ثم إن رسول هللا ‪ ‬أخبر بأن أعمال أمته تعرض عليه‪ ،‬وأنه يدعو لهم‪ ،‬فقال‬
‫‪(:‬حي اتي خ ير لكم تح دثون ويح دث لكم‪ ،‬ف إذا أن ا مت ك انت وف اتي خ يرا لكم‪،‬‬
‫تعرض علي أعمالكم فإن رأيت خيرا حم دت هللا تع الى وإن رأيت ش را اس تغفرت‬
‫لكم)(‪)1‬‬
‫فإن شك في هذا الح ديث‪ ،‬فق د ق ال تع الى‪َ ﴿:‬و ُق ِل اْع َم ُل وا َفَس َيَر ى ُهَّللا َع َم َلُك ْم‬
‫َو َر ُسوُلُه َو اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َو َس ُتَر ُّد وَن ِإَلى َعاِلِم اْلَغْيِب َو الَّش َهاَد ِة َفُيَنِّبُئُك ْم ِبَم ا ُكْنُتْم َتْع َم ُل وَن ﴾‬
‫(التوبة‪)105:‬‬
‫فإن قيل‪ :‬بأن هذه رؤية وليس ت دع اء أو ش فاعة‪ ،‬فنق ول‪ :‬إن ك ان هللا تع الى‬
‫أخبر بدعوة المالئكة ـ عليهم الس الم ـ للمؤم نين‪ ،‬كم ا ق ال تع الى‪ ﴿:‬اَّل ِذ يَن َيْح ِم ُل وَن‬
‫اْلَع ْر َش َو َم ْن َح ْو َلُه ُيَس ِّبُحوَن ِبَح ْمِد َر ِّبِهْم َو ُيْؤ ِم ُنوَن ِبِه َو َيْس َتْغ ِفُروَن ِلَّل ِذ يَن آَم ُن وا َر َّبَن ا‬
‫َو ِس ْعَت ُك َّل َش ْي ٍء َر ْح َم ًة َو ِع ْلمًا َفاْغ ِفْر ِلَّلِذ يَن َتاُبوا َو اَّتَبُعوا َس ِبيَلَك َو ِقِهْم َع َذ اَب اْلَجِح يِم ﴾‬
‫(غافر‪ ،)7:‬فإن كان هذا مع حملة العرش‪ ،‬فكي ف برس ول هللا ‪ ،‬وم ع أمت ه ال تي‬
‫كلف بها‪ ،‬وهو أحرص الخلق عليها؟‬
‫وقد أخبر ‪ ‬أن أعمال األحياء تعرض على األموات من األقرباء والعش ائر‬
‫في البرزخ‪ ،‬فقال ‪(:‬إن أعمالكم تع رض على أق اربكم وعش ائركم من األم وات‪،‬‬
‫فإن كان خيرًا استبشروا به‪ ،‬وإن كان غ ير ذل ك ق الوا‪ :‬اللهم ال تمتهم ح تى ته ديهم‬
‫‪ )(1‬قال في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (‪ :)24 /9‬رواه البزار‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫هديتنا)(‪)2‬‬ ‫كما‬
‫ف إن ج از ه ذا للعش ائر واألق ارب‪ ،‬وهم أف راد من األم ة‪ ،‬فكي ف ال يج وز‬
‫لرسول هللا ‪ ،‬وهو أحن على أمته من آب ائهم‪ ،‬وأمه اتهم‪ ،‬وق د ق ال تع الى‪ ﴿:‬الَّنِبُّي‬
‫َأْو َلى ِباْلُم ْؤ ِمِنيَن ِم ْن َأْنُفِس ِهْم َو َأْز َو اُجُه ُأَّمَهاُتُهْم ﴾ (األحزاب‪)6 :‬‬
‫باإلضافة إلى هذا كله‪ ،‬فإن الشرك الحقيقي هو اعتقاد الت أثير لرس ول هللا ‪‬‬
‫في ح ال حيات ه‪ ،‬وع دم الت أثير بع د موت ه‪ ..‬ألن الم ؤمن ي درك أن هللا ه و الفاع ل‬
‫والم ؤثر مطلق ا‪ ..‬وأن دور رس ول هللا ‪ ‬ه و الوس اطة‪ ..‬أي أن ه وس يلة للفض ل‬
‫اإللهي‪ ..‬ول ذلك ف إن ه ذه اللفظ ة وح دها [الوس يلة] ت دل ك ل عاق ل على التوحي د‬
‫الحقيقي الذي تدل عليه السنة النبوية‪ ..‬ال التوحي د ال ذي ي دعو إلي ه الس لفية‪ ،‬وال ذي‬
‫يختلط بالوثنية والمنطق الوثني‪.‬‬
‫وهكذا كان ذلك التعظيم للحضرة النبوية المقدسة هو الدافع للمؤم نين لزي ارة‬
‫القبر الشريف الذي ه و أطه ر بقع ة وأعظم بقع ة على األرض‪ ،‬وال ذي وق ف من ه‬
‫السلفية موقفا متشددا خ الفوا ب ه س ائر المس لمين‪ ،‬ف اعتبروا الزي ارة ال تي تحن له ا‬
‫القل وب ش ركا‪ ،‬فأص بح المش تاقون لرس ول هللا ‪ ‬والمتح دثون إلي ه بأش واقهم‬
‫مشركين‪.‬‬
‫وبناء على هذه كله ظهر ما يسمى بأدب الم ديح‪ ،‬وه و ج زء بس يط من ح ق‬
‫رس ول هللا ‪ ‬على أمت ه‪ ،‬فاألم ة ال تي ال تم دح نبيه ا وال تعظم ه وال تمأل قل وب‬
‫أجيالها شوقا إليه‪ ،‬أمة ال خير فيها‪ ..‬ألن ذلك المديح ال تعود فائدته لرسول هللا ‪..‬‬
‫فرسول هللا ‪ ‬أعظم وأكرم‪ ..‬ولكن فائدته له ذه األم ة جميع ا‪ ،‬ح تى ت ربى أجياله ا‬
‫على محبت ه والش وق إلي ه واالرتب اط ب ه‪ ،‬ألن ذل ك ه و ال دين الحقيقي‪ ..‬ال دين‬
‫المظاهر والطقوس‪.‬‬
‫لكن الس لفية لألس ف‪ ،‬وال ذين س كتوا على أولئ ك الش عراء ال ذين م دحوا‬
‫الس الطين ال ذين يعظم ونهم‪ ،‬فلم ينبس وا تج اههم ببنت كلم ة‪ ،‬ولم يب دعوهم ولم‬
‫يكفروهم تجرأوا على تكفير كل من يقول قصيدة في مدح رسول هللا ‪ ‬أو يس معها‬
‫متأثرا بها وقابال لها‪ ..‬وال يعفون من الكفر إال من س معها وأنكره ا وكف ر ص احبها‬
‫وحذر منها‪.‬‬
‫وس نذكر هن ا نم وذجين عن مواق ف الس لفية من ش اعرين كب يرين اختص ا‬
‫بالمديح النبوي‪ ،‬وانتشرت أشعارهما‪ ،‬فك انت تنش د في المج الس المختلف ة‪ ،‬وتقبله ا‬
‫األمة جميعا بمذاهبها المختلفة‪ ،‬ما عدا الفئة الباغية التي لم تكت ف ب أن تص م آذانه ا‬
‫عن سماعها‪ ،‬بل راحت تحذر منها‪ ،‬كما قال تعالى‪َ﴿ :‬و ُهْم َيْنَهْو َن َع ْن ُه َو َيْن َأْو َن َع ْن ُه‬
‫َو ِإْن ُيْهِلُك وَن ِإاَّل َأْنُفَس ُهْم َو َم ا َيْش ُعُروَن ﴾ [األنع ام‪ ،]26 :‬ب ل راحت تض يف إلى ذل ك‬
‫تكفير الشاعر وتكفير المنشد وتكفير كل من استمع ورض ي‪ ..‬ثم يقول ون بع د ذل ك‪:‬‬
‫نحن لسنا مكفرين‪ ..‬ولو أنه لم يكن من قوانين تكفيرهم إال هذا لشمل األمة جميعا‪.‬‬
‫النموذج األول‪ :‬البوصيري ومدحه للنبي ‪.‬‬
‫‪ )(2‬قال في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (‪ :)327 /2‬رواه الطبراني في الكبير واألوسط‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫يعتبر الشاعر الكب ير محم د بن س عيد البوص يري (ت وفي ‪695‬هـ) من أك بر‬
‫شعراء المديح النبوي المشهورين‪ ،‬والذين سنوا سنة حسنة في الشعر تبعته ا أجي ال‬
‫كثيرة من المسلمين الذين تركوا تل ك األغ راض الش عرية القديم ة كالم دح والرث اء‬
‫والغزل وغيرها‪ .‬ليحولوا قبلة شعرهم لرسول هللا ‪..‬‬
‫وقد تلقت األمة ذلك بقبول كبير بين العوام والخ واص‪ ،‬وفي جمي ع المن اطق‬
‫المحافظة‪ ،‬ولفترة طويل ة في الت اريخ اإلس المية‪ ،‬وفي مس احة واس عة من ه ـ ح تى‬
‫صارت قصائده ـ وخاصة البردة ـ تحفظ وتنش د في ك ل المج الس والمناس بات‪ ..‬ال‬
‫لجمالها الشاعري فقط‪ ،‬ألنه يوجد ما هو أكثر جماال وشاعرية منه ا‪ ،‬وإنم ا لكونه ا‬
‫تتحدث عن رسول هللا ‪ ..‬وهي ل ذلك اكتس بت قيمته ا من رس ول هللا ‪ ..‬ولقيت‬
‫القبول في األمة ألجل هذا المعنى‪.‬‬
‫إال السلفية ال ذين خ الفوا س ائر المس لمين في ك ل ش يء‪ ،‬وخ الفوهم في ه ذا‬
‫أيضا‪ ،‬فراحوا يفتون بكفر البردة‪ ،‬وصاحبها وكل من ارتبط به ا‪ ..‬اللهم إال إذا أنك ر‬
‫على صاحبها‪ ،‬وكفره‪ ،‬وكفر كل من رضي عن قصيدته‪.‬‬
‫وح تى ال يك ون كالمن ا مج رد دع وى‪ ،‬فس أنقل هن ا من فت اوى كب ار أعالم‬
‫السلفية ما يجعل من قصيدة البردة أكبر وسيلة من الوس ائل ال تي يس تعملها الس لفية‬
‫في التكفير‪ ..‬وكأن البردة بالنس بة للس لفية ف يروس يص يب ك ل من أص ابه بم رض‬
‫الكفر الذي ال شفاء له‪.‬‬
‫ونبدأ تلك الفتاوى بفتوى للشيخ محمد بن عبدالوهاب في تفس ير قول ه تع الى‪:‬‬
‫﴿َم اِلِك َيْو ِم الِّديِن ﴾ [الفاتح ة‪ ]4 :‬فق د ق ال‪( :‬فمن ع رف تفس ير ه ذه اآلي ة‪ ،‬وع رف‬
‫تخصيص الملك بذلك اليوم‪ ،‬م ع أن ه س بحانه مال ك ك ل ش يء ذل ك الي وم وغ يره‪،‬‬
‫عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة التي بسبب معرفتها دخ ل الجن ة‬
‫من دخلها‪ ،‬وسبب الجهل بها دخل النار من دخلها‪ ،‬فيالها من مسألة لو رحل الرج ل‬
‫فيها أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها‪ ،‬فأين هذا المعني واإليم ان بم ا ص رح ب ه‬
‫القرآن‪ ،‬مع قوله ‪( :‬يا فاطمة بنت محمد ال أغني عن ك من هللا ش يئا)(‪ )1‬من ق ول‬
‫صاحب البردة‪:‬‬
‫اذا الكريم تجلي باسم منتقم‬ ‫ولن يضيق رسول هللا‬
‫جاهك بي‬
‫محمدًا وهو أوفى الخلق‬ ‫فإن لي ذمة منه بتسميتي‬
‫بالذمم‬ ‫إن لم تكن في معادي آخذًا‬
‫فضًال وإال فقل يازلة القدم‬
‫بيدي‬
‫فليـتأمل من نصح نفسه هذه األبيات ومعناها‪ ،‬ومن فتن بها من العب اد‪ ،‬وممن‬
‫يدعى أنه من العلماء واختاروا تالوتها على تالوة القرآن‪ ..‬هل يجتمع في قلب عب د‬
‫التصديق بهذه األبيات والتصديق بقوله‪َ﴿ :‬يْو َم اَل َتْمِلُك َنْفٌس ِلَنْفٍس َشْيًئا َو اَأْلْم ُر َيْو َم ِئٍذ‬
‫ِهَّلِل ﴾ [االنفط ار‪ ..]19 :‬ال وهللا‪ ،‬ال وهللا ال وهللا إال كم ا يجتم ع في قلب ه أن موس ى‬
‫‪ )(1‬البخاري رقم‪.2753 :‬‬

‫‪196‬‬
‫صادق‪ ،‬وأن فرعون صادق‪ ،‬وأن محمدًا صادق على الحق‪ ،‬وأن أب ا جه ل ص ادق‬
‫على الحق‪ .‬ال وهللا ما استويا ولن يتالقيا حتى تشيب مفارق الغربان)(‪)1‬‬
‫ثم قال متأسفا على حال األمة التي أوقعته ا ه ذه القص يدة في الش رك الجلي‪:‬‬
‫(فمن ع رف ه ذه المس ألة‪ ،‬وع رف ال بردة ومن فتن به ا‪ ،‬ع رف غرب ة اإلس الم‪،‬‬
‫وعرف أن العداوة‪ ،‬واستحالل دمائنا وأموالنا ونسائنا‪ ،‬ليس عند التكفير والقتال؛ بل‬
‫هم الذين بدؤونا بالتكفير والقت ال‪ ،‬ب ل عن د قول ه‪َ﴿ :‬فال َت ْد ُعو َم َع ِهَّللا َأَح دًا﴾ [الجن‪:‬‬
‫‪ ،]18‬وعن د قول ه‪ُ﴿ :‬أوَلِئ َك اَّل ِذ يَن َي ْدُع وَن َيْبَتُغ وَن ِإَلى َر ِّبِهُم اْلَو ِس يَلَة َأُّيُهْم َأْق َر ُب ﴾‬
‫[اإلسراء‪ ،]57 :‬وقوله‪َ﴿ :‬لُه َد ْع َو ُة اْلَح ِّق َو اَّل ِذ يَن َي ْدُع وَن ِم ْن ُدوِن ِه ال َيْس َتِج يُبوَن َلُهْم‬
‫ِبَش ْي ٍء ﴾ [الرعد‪)2()]14 :‬‬
‫ويقول في بعض رسائلِه الشخصية‪( :‬وأعجب من ذلك‪ :‬م ا رأيت‪ ،‬وس معت‪،‬‬
‫ممن يدعى أن ه أعلم الن اس‪ ،‬ويفس ر الق رآن ويش رح الح ديث بمجل دات‪ ،‬ثم يش رح‬
‫البردة‪ ،‬ويستحس نها‪ ،‬وي ذكر في تفس يره وش رحه للح ديث أن ه ش رك! ويم وت م ا‬
‫عرف ما خرج من رأسه! هذا هو العجب العجاب‪ ،‬أعجب بكثير من ن اس ال كت اب‬
‫لهم‪ ،‬وال يعرفون جن ة‪ ،‬وال ن ارا‪ ،‬وال رس وال‪ ،‬وال إله ا؛ وأم ا ك ون ال إل ه إال هللا‪،‬‬
‫تجمع الدين كله‪ ،‬وإخراج من قالها من النار‪ ،‬إذا ك ان في قلب ه أدنى مثق ال ذرة‪ ،‬فال‬
‫إشكال في ذلك)(‪)3‬‬
‫وهذا النص واضح في تكفيره للعلماء الذين قبلوا البردة أو شرحوها‪ ..‬وكأن ه‬
‫يق ول لهم‪ :‬لن تغ ني عنكم ك ل عل ومكم وتص انيفكم م ا دمتم استحس نتم ال بردة أو‬
‫شرحتموها‪.‬‬
‫وهكذا قال عالمتهم المجدد عبد الرحمن بن حسن في قول البوصيري‪:‬‬
‫ِس َو اَك ِع نَد ُحلوِل الحاِدِث الَعِم ِم‬ ‫يا أكَر َم الخلِق ما لي َم ن ألوُذ به‬
‫اذا الكريُم َتَج َّلى باسِم ُم نَتِقِم‬ ‫وَلن َيِض يَق رسوَل ِهللا جاُهَك بي‬
‫فقد علق على هذه األبيات بقوله‪( :‬فناقضوا الرسول ‪ ‬في ارتك اب م ا نهى‬
‫عنه أعظم مناقشة‪ ،‬وشاقوا هللا ورسوله أعظم مشاقة‪ ،‬وذلك أن الش يطان أظه ر لهم‬
‫ه ذا الش رك العظيم‪ ،‬في ق الب محب ة الن بي ‪ ‬وتعظيم ه‪ .‬وأظه ر لهم التوحي د‬
‫واإلخالص‪ ،‬الذي بعثه هللا به في قالب تنقصه‪ .‬وه ؤالء المش ركون هم المتنقص ون‬
‫الناقصون‪ ،‬أفرطوا فى تعظيمه بما نهاهم عنه أشد النهي‪ ،‬وفرط وا في متابعت ه‪ .‬فلم‬
‫يعبؤوا بأقواله وأفعاله‪ ،‬والرضوا بحكمه والسلموا له‪ ،‬وأنما يحصل تعظيم الرسول‬
‫‪ ‬بتعظيم أمره ونهيه‪ .‬وهؤالء المشركون عكسوا األمر فخالفوا ما بَّل غ ب ه األم ة‪،‬‬
‫وأخبر به عن نفسه ‪ ‬فعاملوه بما نهاهم عنه‪ :‬من الشرك باهلل‪ ،‬والتعل ق على غ ير‬
‫هللا)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)294 /4‬‬


‫‪ )(2‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)294 /4‬‬
‫‪ )(3‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)65 /2‬‬
‫‪ )(4‬فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد‪)381 / 1( :‬‬

‫‪197‬‬
‫وهكذا ق ال عالمتهم المح دث س ليمان بن عبدهللا‪ ،‬وال ذي عل ق على األبي ات‬
‫السابقة وغيرها بقوله‪( :‬فتأم ل م ا في ه ذه األبي ات من الش رك‪ ..‬منه ا‪ :‬أن ه نفى أن‬
‫يكون له مالٌذ إذا حلت به الحوادث‪ ،‬إال النبي ‪ ،‬وليس ذلك إال هلل وحده ال ش ريك‬
‫له‪ ،‬فهو الذي ليس للعباد مالذ إال هو‪ ..‬الث اني‪ :‬أن ه دع اه ون اداه بالتض رع وإظه ار‬
‫الفاقة واالضطرار إليه‪ ،‬وسأل منه هذه المطالب التي ال تطلب إال من هللا‪ ،‬وذلك هو‬
‫الشرك في اإللهية‪ ..‬الثالث‪ :‬سؤاله منه أن يشفع له‪ ،‬وهذا هو الذي أراده المش ركون‬
‫ممن عبدوه‪ ،‬وهو الجاه والشفاعة عند هللا‪ ،‬وذلك هو الشرك‪ ،‬وأيضًا فإن الشفاعة ال‬
‫تكون إال بعد إذن هللا فال معنى لطلبها من غيره‪ ،‬فإن هللا تعالى هو الذي يأذن للشافع‬
‫أن يشفع ال أن الشافع يشفع ابتداء‪ ..‬تناقض عظيم وشرك ظاهر‪ ،‬فإن ه طلب أوًال أن‬
‫ال يضيق به جاهه‪ ،‬ثم طلب هنا أن يأخذ بيده فضًال وإحسانًا‪ ،‬وإال فيا هالكه‪ .‬فيقال‪:‬‬
‫كيف طلبت منه أوًال الشفاعة ثم طلبت من ه أن يتفض ل علي ك‪ ،‬ف إن كنت تق ول‪ :‬إن‬
‫الشفاعة ال تكون إال بعد إذن هللا‪ ،‬فكيف تدعو الن بي ‪ ‬وترج وه وتس أله الش فاعة؟‬
‫فهال سألتها من له الشفاعة جيمعًا‪ ،‬الذي له ملك السموات واألرض‪ ،‬ال ذي ال تك ون‬
‫الشفاعة إال من بعد إذنه‪ ،‬فهذا يبطل عليك طلب الشفاعة من غير هللا)(‪)1‬‬
‫وهكذا علق على قول البوصيري‪:‬‬
‫فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم‬
‫بقول ه‪( :‬فجع ل ال دنيا واآلخ رة من ج وده‪ ،‬وج زم بأن ه يعلم م ا في الل وح‬
‫المحفوظ‪ ،‬وهذا ه و ال ذي حك اه ش يخ اإلس الم عن ذل ك الم درس‪ ،‬وك ل ذل ك كف ر‬
‫صريح‪ .‬ومن العجب أن الش يطان أظه ر لهم ذل ك في ص ورة محبت ه علي ه الس الم‬
‫وتعظيمه ومتابعته‪ ،‬وه ذا ش أن اللعين الب د وأن يم زج الح ق بالباط ل ل يروج على‬
‫أشباه األنعام اتباع كل ناعق‪ ،‬ال ذين لم يستض يئوا بن ور العلم‪ ،‬ولم يلجئ وا إلى ركن‬
‫وثيق‪ ،‬ألن هذا ليس بتعظيم‪ ،‬فإن التعظيم محله القلب واللس ان والج وارح وهم أبع د‬
‫الناس منه‪ ،‬فإن التعظيم بالقلب‪ :‬ما يتبع اعتقاد كونه عبدًا رس وًال‪ ،‬من تق ديم محبت ه‬
‫على النفس والولد والوالد والناس أجمعين)(‪)2‬‬
‫وهكذا قال عالمتهم عبد هللا بن عبد الرحمن أبابطين في األبيات السابقة‪ ،‬فق د‬
‫علق عليها بقول ه‪( :‬مقتض ى ه ذه األبي ات‪ ،‬إثب ات علم الغيب للن بي ‪ ،‬وأن ال دنيا‬
‫واآلخرة من جوده‪ ،‬وتضمنت االستغاثة به ‪ ‬من أعظم الش دائد‪ ،‬ورج اه لكش فها‪،‬‬
‫وهو اآلخ ذ بي ده في اآلخ رة‪ ،‬وإنق اذه من ع ذاب هللا؛ وه ذه األم ور من خص ائص‬
‫الربوبية واأللوهي ة‪ ،‬ال تي ادعته ا النص ارى في المس يح علي ه الس الم‪ .‬وإن لم يق ل‬
‫هؤالء إن محم دا ه و هللا‪ ،‬أو ابن هللا‪ ،‬ولكن حص لت المش ابهة للنص ارى في الغل و‬
‫الذي نهى عنه ‪ ‬بقوله‪( :‬ال تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم‪ ،‬إنما أنا عبد‪،‬‬
‫فقولوا‪ :‬عبد هللا ورسوله)(‪ ،)3‬واإلطراء هو المبالغة في الم دح‪ ،‬ح تى ي ؤول إلى أن‬

‫‪ )(1‬تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد (ص ‪)621‬‬


‫‪ )(2‬تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد (ص ‪)621‬‬
‫‪ )(3‬البخاري‪ ، 3445 :‬وأحمد ‪..1/55، 1/47، 1/24، 1/23‬‬

‫‪198‬‬
‫واأللوهية)(‪)1‬‬ ‫يجعل للممدوح شيء من خصائص الربوبية‬
‫ثم أورد ما يذكره الصوفية من كون البوصيري وغيره من م داح رس ول هللا‬
‫‪ ‬لم يقص دوا ب ذلك إال طلب الش فاعة‪ ،‬ثم رد علي ه بقول ه‪( :‬أوال‪ :‬ه ذه األلف اظ‬
‫صريحة في االستغاثة بالنبي ‪ ‬كقوله‪ :‬يا أكرم الخلق ما لي من أل وذ ب ه س واك‪...‬‬
‫أي‪ :‬وإال فأنا هالك‪ ،‬والنبي ‪ ‬يق ول في دعائ ه‪( :‬ال ملج أ من ك إال إلي ك)(‪ ..)2‬وأي‬
‫لفظ في االستغاثة أبلغ من هذه األلفاظ؟ وعطف الشفاعة على ما قبله ا بح رف (أو)‬
‫في قوله‪ :‬أو شافعا لي‪ ،‬صريح في مغايرة ما بعدها لما قبلها‪ ،‬وأن المراد مم ا قبله ا‬
‫طلب اإلغاثة بالفعل والقوة‪ ،‬فإن لم يكن فبالشفاعة)(‪)3‬‬
‫وهك ذا راح يطلب من الش اعر أن يغ ير ك ل م ا ذك ره من محس نات بديعي ة‬
‫وجماليات تعبيرية تعارفت عليها الشعوب لتنس جم م ع توحي دهم‪ ،‬وإال فه و مش رك‬
‫شركا جليا‪ ..‬هو وكل من استحسن شعره أو رضي عنه‪ ..‬أو سمعه ولم ينكر عليه‪.‬‬
‫وهكذا علق على أبيات جميلة للبوصيري يقول فيها مخاطبا النبي ‪:‬‬
‫من ذنوب أتيتهن هواء‬ ‫األمان األمان إن‬
‫وليس يخفى عليك في القلب‬ ‫فؤادي ‍‬
‫داء‬ ‫فهذه علتي وأنت طبيبي‬
‫فقد قال‪( :‬والناظم آل به المبالغة في اإلطراء‪ ،‬ال ذي نهى عن ه رس ول هللا ‪‬‬
‫إلى هذا الغلو‪ ،‬والوقوع في هذه الزلقة العظيمة‪.‬فطلب األم ان من الن بي ‪ ،‬وش كا‬
‫إليه علة قلبه ومرضه من الذنوب‪ ،‬فتضمن كالمه سؤاله من النبي ‪ ‬مغف رة ذنب ه‪،‬‬
‫وصالح قلبه؛ ثم صرح بأنه ال يخفى عليه في القلب داء‪ ،‬أي‪ :‬فه و يعلم م ا احت وت‬
‫عليه القلوب)(‪)4‬‬
‫وهكذا قال عالمتهم محمد بن صالح بن عثيمين تعليقا على األبي ات الس ابقة‪:‬‬
‫(وقد ضل من زعم أن هلل شركاء كمن عبد األصنام أوعيسى بن مريم عليه الس الم‪،‬‬
‫وكذلك بعض الشعراء الذين جعلوا المخلوق بمنزلة الخالق‪ ..‬وهذا من أعظم الشرك‬
‫ألنه جعل الدنيا واآلخرة من جود الرسول ‪ ،‬ومقتضاُه أن هللا ج ل ذك ره ليس ل ه‬
‫فيهم ا ش يء‪ ..‬وق ال ‪-‬أي‪ :‬البوص يري ‪[ -‬ومن علوم ك علم الل وح والقلم]‪ ،‬يع ني‪:‬‬
‫وليس ذلك كل علومك؛ فما بقي هلل علٌم وال تدبيٌر ـ والعياذ باهلل ـ)(‪)5‬‬
‫وهكذا قال عالمتهم صالح بن ف وزان الف وزان تعليق ا على األبي ات الس ابقة‪:‬‬
‫(هذا على اعتقاد المشركين أن الرس ول يأخ ذ بي ده ويخلص ه من الن ار‪ ،‬وه ذا ليس‬
‫بصحيح‪ ،‬ال يخلصه من النار إال هللا سبحانه وتعالى إذا كان من أهل اإليمان)(‪)6‬‬
‫وقال‪ ..( :‬فيه التحذير من الغلّو في حِّقه ‪ ‬عن طريق المديح‪ ،‬وأّنه ‪ ‬إ م ا‬
‫ّن‬

‫‪ )(1‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)145 /12‬‬


‫‪ )(2‬البخاري‪.6، 6313، 6311 :‬‬
‫‪ )(3‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)145 /12‬‬
‫‪ )(4‬الدرر السنية في األجوبة النجدية (‪)160 /12‬‬
‫‪ )(5‬القول المفيد على كتاب التوحيد (‪)1/218‬‬
‫‪ )(6‬إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (‪)241 / 1‬‬

‫‪199‬‬
‫يوصف بص فاِته ال تي أعط اُه هللا إَّياه ا‪ :‬العبودّي ة والِّر س الة‪ ،‬أّم ا أن ُيغلي في حَّق ه‬
‫فيوصف بأّنه يفِّر ج الُك روب ويغفر الذنوب‪ ،‬وأنه يستغاث به ـ عليه الصالة والسالم‬
‫ـ بعد وفاته‪ ،‬كما وقع فيه كثيٌر من المخِّر فين اليوم فيما يسّم ونه بالم دائح النبوي ة في‬
‫أشعارهم (البردة) للبوصيري‪ ،‬وما قيل على نسجها من المخرفين‪ ،‬فه ذا غل و أوق ع‬
‫في الشرك‪ ،‬كما قال البوصيري‪ :‬ي ا أك رم الخل ق م ا لي من أل وذ ب ه‪ ..‬فه ذا غل ٌّو ‪-‬‬
‫والعياذ باهلل ‪ -‬أفضى إلى الكفر والِّش ْر ك‪ ،‬ح تى لم ي تُرك هلل ش يئًا‪ ،‬ك ّل ش يء جعل ه‬
‫للرسول ‪ :‬الدنيا واآلخرة للرسول‪ ،‬علم اللوح والقلم للرسول‪ ،‬ال ينق ذ من الع ذاب‬
‫ي وم القيام ة إال الرس ول‪ ،‬إذًا م ا بقي هلل ع ز وج ل‪ ،‬وه ذا من قص يدٍة يتناقلونه ا‬
‫ويحفظونها وُينشدونها في الموالد‪ ،‬وكذلك غيُرها من األشعار‪ ،‬كّل ه ذا س ببه الغل ّو‬
‫في الّرسول ‪ ..‬وكذلك من نهج على نهج البردة ممن جاء بع ده‪ ،‬وحاك اه في ه ذا‬
‫الغلو‪ ،‬هذا كله من الغلو في مدح النبي ‪ ‬ومن اإلطراء‪ ..‬ومن الغل و في حق ه ‪:‬‬
‫إحياء المولد كل سنة‪ ،‬ألن النصارى يحيون المول د بالنس بة للمس يح على رأس ك ل‬
‫سنة من تاريخهم‪ ،‬فبعض المسلمين تشبه بالنصارى فأحدث المولد في اإلس الم بع د‬
‫مضي القرون المفضلة‪ ،‬ألن المولد ليس له ذك ر في الق رون المفض لة كله ا‪ ،‬وإنم ا‬
‫حدث بعد المائة الرابعة‪ ،‬أو بعد المائة السادسة لما انقرض عه د الق رون المفض لة‪،‬‬
‫فهو بدعة‪ ،‬وهو من التشبه بالنصارى)(‪)1‬‬
‫هذا قليل من كثير من فتاوى علماء السلفية في اعتبار ما تض منته ال بردة من‬
‫معاني سامية‪ ،‬ومشاعر متدفقة رفيعه لرسول هللا ‪ ..‬شركا جليا‪ ،‬وكفرا بواحا‪..‬‬
‫وقد ألفوا في ذلك المؤلف ات الكث يرة ال تي تحج ر على ك ل لس ان يغ رد بحب‬
‫رسول هللا ‪ ..‬ح تى ص ار حب رس ول هللا ‪ ‬والتعب ير عن الش وق إلي ه جريم ة‬
‫أكبر من جريمة القتل والفاحشة وغيرها‪ ..‬ألنهم يتس اهلون في تل ك الج رائم‪ ،‬بينم ا‬
‫يتشددون في هذا‪.‬‬
‫النموذج الثاني‪ :‬البرعي ومدحه للنبي ‪.‬‬
‫مثلما وقف السلفية موقفا سلبيا من البوص يري‪ ،‬فق د وقف وا نفس الموق ف من‬
‫الشاعر الكبير المشهور في الدوائر الصوفية المتأخرة الشيخ عبد ال رحيم بن الش يخ‬
‫محمد وقي ع هللا ال برعي أح د أب رز ش يوخ الص وفية الع املين في الس ودان والع الم‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫فمن الكتب التي ألفت لتكفير الشاعر نتيجة مشاعرة الجياشة نح و رس ول هللا‬
‫‪ ‬كتاب بعنوان [شــعر البــرعي فـي م يزان الكت اب والس نة] لمؤلف ه عم ر بن‬
‫التهامي بن عبد الرحمن‪ ،‬والذي قدم له وقرظه وشجعه الشيخ عبد العزيز بن محم د‬
‫السدحان‪.‬‬
‫وقد قال في تقديمه للكتاب‪( :‬فإَّن هللا تعالى قد أكمل لنا الدين وأتَّم علينا النعمة‬
‫ورضَى لنا اإلسالم دينًا‪ ،‬ومن ثمار ذلك اإلكمال والتمام والرضى بيان أبواب الخير‬
‫والحّث عليها والترغيب في ولوجها‪ .‬وبيان أبواب الش ِّر والتح ذير منه ا وال ترهيب‬
‫‪ )(1‬إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (‪)312 / 2‬‬

‫‪200‬‬
‫من ُقربها‪ ،‬وكان من ضمن أبواب الشِّر المحَّذ ر منه ا‪ :‬األئم ة المض لون‪ ..‬ذل ك ألَّن‬
‫ضرر ُأولئك األئَّم ة يتعدى إلى ش ريحٍة كث يرٍة من الن اس ممن يس مع منهم أو عنهم‬
‫فُيْخ دع بهم وبخاصٍة أتباعهم ومن سار في ركابهم‪ ،‬ويزيد شُّر أولئ ك األئَّم ة ويعُظُم‬
‫خطرهم وضررُهم إذا كان ض اللهم عقائ ديًا‪ ،‬وفي ه ذه الرس الة س ترى بيان ًا ورّد ًا‬
‫ألن واع من الض الل العق دي‪ِ :‬م ن وص ف هللا تع الى بالنق ائص‪ ،‬ومن إس باغ بعض‬
‫ص فات الخ الق على بعض المخل وقين‪ ،‬ومن تعلي ق فالح الن اس ونج احهم باتب اع‬
‫بعض الناس دون الرسول ‪ ‬ومن تقرير وحدة الوجود‪،‬والحلول واالتحاد‪ ،‬كل هذه‬
‫الضالالت وغيرها سترى بيانًا شافيًا ورَّد ًا ُم فحمًا ُم لِزمًا قام به الشيخ عمر التهامي‪.‬‬
‫بعد ما تتَّبع بعض األشعار التي تضَّم نت هدم التوحيد وبناء الشرك)(‪)1‬‬
‫ونحب ـ قبل أن نتط رق إلى م ا ذك ره من تكف ير لل برعي وش عره ـ أن ننق ل‬
‫مقدمته للكتاب ل نرى الحق د والض غائن والعدواني ة والتكف ير‪ ،‬وهي تتح دث جميع ا‬
‫بلسان فصيح‪ ،‬لتخرج األمة بكل مدارسها من اإلسالم‪ ،‬حتى ال يبقى فيه إال الته امي‬
‫وسلفه‪.‬‬
‫يقول التهامي في مقدمة كتابه‪( :‬فاعلم رحمك هللا أّن كثيرًا من ش يوخ الط رق‬
‫الصوفية وأتباعهم يعتقدون اعتقادات فاسدة منها ما هو كفر صريح باهلل‪ ،‬ومنها م ا‬
‫هو دون ذلك‪ .‬فمن االعتقادات الكفري ة ال تي يعتق دونها وال تي تخ رج ص احبها من‬
‫اإلسالم‪ ،‬اعتقادهم أَّن األنبياء والمرسلين واألولياء الصالحين سواء ك انوا أحي اًء أو‬
‫أموات ًا يتص ّر فون في ه ذا الك ون‪ ،‬وينوب ون عن هللا في ت دبيره‪ ،‬ف يرزقون العب اد‪،‬‬
‫وُيحيون وُيميتون‪ ،‬وُيسعدون‪ ،‬وُيشقون‪ ،‬وُيع ُّز ون‪ ،‬وُي ذُّلون‪ ،‬وأنهم يعلم ون الغيب‪..‬‬
‫هذا بعض فسادهم في االعتقاد‪ ،‬وأما فسادهم في العب ادة فه و أك ثر من أن ُيحص ر‪،‬‬
‫فهم يعبدون الصالحين في غيابهم وبعد موتهم في دعونهم ويس تغيثون بهم في جمي ع‬
‫أحوالهم سواًء في الرخاء‪ ،‬أو الشدة‪ ،‬ب ل في الش دائد ال يلج أون إَّال إليهم‪ .‬وي ذبحون‬
‫وينذرون لهم ويطوفون بقبورهم‪ ،‬ويت بَّركون به ا‪ ،‬وُيعِّف رون وج وههم في ترابه ا‪،‬‬
‫ويبك ون عن دها‪ ،‬ويت ذللون ألص حابها‪ ،‬ويخش عون عن دهم أك ثر من خش وعهم هلل‪،‬‬
‫ويخافون منهم وهم أموات أشد من خوفهم من هللا‪ ،‬لذلك قد يحلف أحدهم باهلل كاذبًا‪،‬‬
‫وال يحلف بشيخه إَّال وهو صادق‪ .‬ويثنون على الصالحين أكثر من ثن ائهم على هللا‪،‬‬
‫ويلهجون ب ذكرهم‪ ،‬وإذا عب دوا هللا عب دوه بالب دع المح دثات واألم ور المنك رات‪،‬‬
‫فتجد أحدهم يرقص الليل كّله ويستمع الدفوف واأللحان ظنًا منه أنها تقرب ه من هللا‪،‬‬
‫بل تجد أح دهم ي ذكر هللا آالف الم رات ب ذكر مبت دع م ا أن زل هللا ب ه من س لطان‪،‬‬
‫فصاروا بهذه االعتقادات واألعمال واألقوال من أشِّر أه ل األرض‪ ،‬وأخبثهم‪ ،‬ومن‬
‫أكفر الناس على اإلطالق)(‪)2‬‬
‫وهكذا صار الصوفية بل األمة جميعا من من (أش ِّر أه ل األرض‪ ،‬وأخبثهم‪،‬‬
‫ومن أكفر الن اس) ال لش يء إال لك ونهم لم يس تأذنوا ابن تيمي ة وال ابن ع ثيمين وال‬
‫‪ )(1‬شعر البرعي في ميزان الكتاب والسنة‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫‪ )(2‬شعر البرعي في ميزان الكتاب والسنة‪ ،‬ص‪.5‬‬

‫‪201‬‬
‫السدحان في أي ذكر يريدون أن يذكروا هللا به‪ ،‬أو في أي بيت شعر يريدون قراءته‬
‫أو سماعه‪.‬‬
‫ثم قال ـ مبينا سبب اختياره للبرعي ـ‪( :‬وِم ن هؤالء الذين أفن وا أعم ارهم في‬
‫محارب ة الموِّح دين‪ ،‬واالس تهزاء بهم‪ ،‬والتنف ير منهم‪ ،‬وال دعوة له ذا الفس اد العظيم‬
‫والشّر الجسيم‪ ،‬صوفي ُيدعى عبد الرحيم البرعي‪ ..‬فهو من الشعراء الذين ُيك ثرون‬
‫من مدح النبي ‪ ‬واألولياء الصالحين‪ ،‬لكَّنه مع ذلك ما ت رك معتق دًا كفري ًا فاس دًا‬
‫يعتق ده غالة المتص وفة‪ ،‬إال وص ّر ح ب ه في ه ذا الم ديح‪ ،‬فب دا جلي ًا خبث منهج ه‪،‬‬
‫وسوء معتقده‪ ،‬وهو وأتباعه على شفا هلكة‪ ،‬وعلى خط ر عظيم‪ ،‬إن لم يرجع وا إلى‬
‫هللا‪ ،‬ويتوبوا إليه مما يعتقدونه ويدعون إلي ه من الكف ر الق بيح‪ ،‬والش رك الص ريح‪..‬‬
‫وفي هذه الرسالة المختصرة نستعرض معكم بعض األبي ات من أش عاره‪ ،‬في م دح‬
‫النبي ‪ ‬واألولياء الص الحين‪ ،‬ل تروا بوض وح ت ام االعتق ادات الكفري ة البّين ة في‬
‫شعره‪ ،‬ولتروا الخطر العظيم على قارئه ا المعجب به ا‪ ،‬إذا لم يكن عن ده ش يء من‬
‫العلم بالتوحيد الصحيح والعقيدة الصحيحة‪ ،‬خاصة وأن قص ائده وأش عاره انتش رت‬
‫انتشارًا واس عًا في الس ودان‪ ،‬وفي جمي ع األوس اط بين العام ة والخاص ة‪ ،‬والكب ار‬
‫والصغار‪ ،‬والرجال والنساء)(‪)1‬‬
‫وقد عقد فصال في كتابه هذا سماه [بيان شرك البرعي وتفانيه في الدعوة إليه‬
‫وحثه الَّناس لإلشراك باهلل عند الشدائد والكروب]‪ ،‬ق دم ل ه بقول ه‪( :‬اعلم رحم ك هللا‬
‫تعالى أن البرعي يرى أن إشراك الصالحين مع هللا في الدعاء واإلس تغاثة ال ح رج‬
‫فيه بل هو مستحب‪ ،‬فهو وكثير من المتصوفة يتقَّر بون إلى هللا بالشرك ويرون ه من‬
‫األدب والَّتعظيم هلل‪ ،‬تمامًا كما كان يظن مشركو مكة فإنهم كانوا ي دعون الص الحين‬
‫كالالت وغيره ويظّنون أّن ذلك الفعل من األمور التي تقِّر بهم إلى هللا)(‪)2‬‬
‫ثم ذكر أبياتا جميلة للبرعي يقول فيها‪:‬‬
‫على نجب الّرجا نحو‬ ‫شددت رحال عزمي يا‬
‫لكريم‬ ‫ْا‬ ‫نديمي‬
‫أب الّضعفاء كّفال ْاليتيم‬ ‫رسول هللا مصباح ْالبرايا‬
‫أجوب ْالوادي في الّليل‬ ‫أتيت إليه من فٍّج عميٍق‬
‫ْالبهيم‬
‫إلى أن قال‪:‬‬
‫مريض الجسم ذو قلب‬ ‫أغثني يا رسول هللا إني‬
‫سليم‬
‫وال هضًم ا أيا عبد‬ ‫وقل التخش مهما عشت‬
‫الرحيم‬ ‫ضيًم ا‬
‫ثم علق عليها بقوله‪( :‬في هذه األبيات ُيصِّر ح البرعي بإستغاثته بالرسول ‪‬‬
‫ويشركه مع هللا في الدعاء واإلستغاثه‪ ،‬وهذا من الشرك األكبر الذي ُيخرج ص احبه‬
‫‪ )(1‬شعر البرعي في ميزان الكتاب والسنة‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ )(2‬شعر البرعي في ميزان الكتاب والسنة‪ ،‬ص‪.43‬‬

‫‪202‬‬
‫من الِم َّلة؛ ألّن هللا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪َ -‬نهى عن دع اء غ يره فق ال ج َّل وعال‪َ ﴿ :‬و َأَّن‬
‫اْلَم َس اِج َد ِهَّلِل َفاَل َتْد ُعوا َم َع ِهَّللا َأَح ًدا﴾ [الجن‪)1()]18 :‬‬
‫بل إنه يتهمه بأنه أعظم شركا من مشركي قريش أنفسهم‪ ،‬بسبب قوله‪:‬‬
‫فأنت رجائي في الخطوب‬ ‫إليك رسول هللا أشكو‬
‫وعمدتي‬ ‫مصائبًا‬
‫وأنت لمرضانا شفاء‬ ‫وأنت لنا غوث وعون‬
‫ورحمة‬ ‫وملجاء‬
‫فقد علق على هذه األبيات بقوله‪( :‬وه ذا من أعظم احملاداة هلل واإلش راك ب ه‪،‬‬
‫ألن اهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬أخرب أنه هو وحده الذي جييب دعوة ا ضطر‪ ..‬بل‬
‫ُمل‬
‫إّن هذا الشرك الذي وقع فيه الربعي وأمر به ودعا إليه‪ ،‬ما كان يفعله مشركو‬
‫مكة؛ ألهنم كانوا إذا أصابتهم ِش َّدة جلأوا إىل اهلل وحده ونس وا كل ما س واه‪..‬‬
‫فإذا علمت أن مشركي مكة كانوا ال يلجؤون يف الشدائد إال إىل اهلل‪ ،‬ت بنَّي لك‬
‫أن شرك عبدالرحيم الربعي أعظم من شركهم واشّد ‪ ،‬وأن الربعي من أكثر الناس‬
‫وأعظمهم حمارب ة لتوحي د رب الع املني ومع اداة ل ه‪ ،‬وأن أس اس دعوته وُلُّبه ا هو‬
‫اإلشراك باهلل وهدم التوحيد والدين الصحيح نسأل اهلل العافية)(‪)2‬‬

‫ه ذا مج رد مث ال عن موق ف الس لفية من أبي ات ش عر بس يطة يخ اطب فيه ا‬


‫الشاعر بشوق رسول هللا ‪ ‬باعتب اره ولي أم ره األول‪ ،‬وأن ه أولى ب ه من نفس ه‪..‬‬
‫ولكن السلفية ال يعجبهم ه ذا‪ ،‬ألنهم ال يري دون لرس ول هللا ‪ ‬أن ي زاحم ش يوخهم‬
‫وسلفهم الذين يعظمونهم‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تهمة تقديس الوالية واألولياء‪:‬‬
‫وهذه التهمة وحدها كافية في إثبات شمولية التكفير السلفي لكل المسلمين‪ ،‬بل‬
‫حتى أحباب سلفهم األول منهم‪ ،‬بل حتى أحباب ابن تيمية نفس ه‪ ،‬ألنهم جميع ا‪ ،‬وفي‬
‫كل العصور‪ ،‬وفي كل األماكن يعظمون من يعتقدون واليته‪ ،‬وإذا م ات يبن ون على‬
‫قبره ضريحا‪ ،‬ويظلون يزورونه‪ ،‬وقد يقيمون المناسبات التي تسمى الموالد ت ذكيرا‬
‫به‪.‬‬
‫وقد أشار الشيخ علي بن أحمد الحداد إلى هذا‪ ،‬فقال‪( :‬ومن قال بكفر أه ل البل د‬
‫ال ذي في ه القب اب وإنهم كالص نم فه و تكف ير للمتق دمين والمت أخرين من األك ابر‬
‫والعلماء والصالحين من جميع المسلمين من أحقاب وسنين)(‪)3‬‬

‫‪ )(1‬شعر البرعي في ميزان الكتاب والسنة‪ ،‬ص‪.43‬‬


‫‪ )(2‬شعر البرعي في ميزان الكتاب والسنة‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪ )(3‬إحياء المقبور من أدلة جواز بناء المساجد والقباب على القبور‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪203‬‬
‫وهو يشير بهذا إلى الشيخ محمد بن عب د الوه اب وتالمي ذه ال ذين كف روا جمي ع‬
‫المس لمين بس بب تعظيمهم لألولي اء‪ ،‬وبن ائهم على قب ورهم‪ ،‬ف اعتبروهم مش ركين‬
‫شركا جليا ال يختلف عن شرك أهل الجاهلية‪ ،‬بل قد يفوقه‪.‬‬
‫فقد وضع الشيخ محمد بن عبد الوهاب في (نواقض اإلسالم) ما يجعل من جميع‬
‫المسلمين مشركين‪ ..‬وأكثرها يعود إلى تعظيم األولي اء وتقديس هم واح ترامهم‪ ،‬فمن‬
‫تلك النواقض (‪ 1‬ـ الش رك في عب ادة هللا تع الى‪ ..‬ومن ه ال ذبح لغ ير هللا‪ ،‬كمن ي ذبح‬
‫للجن أو للق بر‪ ،‬أو للقب اب‪2 ..‬ـ من جع ل بين ه وبين هللا وس ائط ي دعوهم ويس ألهم‬
‫الشفاعة ويتوّك ل عليهم كفر إجماعا‪3 ..‬ـ من لم يكّف ر المش ركين أو ش ك في كف رهم‬
‫أو صحح مذهبهم كفر‪)..‬‬
‫ثم ختم القول على ه ذه الن واقض بقول ه‪( :‬ال ف رق في جمي ع ه ذه الن واقض بين‬
‫الهازل والجاد والخائف‪ ،‬إال المكره‪ .‬وكلها من أعظم ما يكون خطرًا‪ ،‬ومن أكثر م ا‬
‫يكون وقوعًا)(‪)1‬‬
‫فهذا ما يتصوره الشيخ ابن عبد الوهاب وأتباعه من نواقض اإلسالم‪ ،‬واألخط ر‬
‫مما ذكرنا من المكفرات هو ما ورد فيها من عبارات غامضة وأحكام مطلقة‪ ،‬تجعل‬
‫لك ل من يش اء أن يكف ر أح دا أن يس تخدمها بس هولة‪ ،‬ولعل ه ألج ل ه ذا خ رجت‬
‫الحركات التكفيرية من رحم الوهابية‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك نرى الشيخ ابن عبد الوهاب يربط بين الذبح الذي ال يقصد ب ه‬
‫إشراك أحد في عبادة غير هللا‪ ،‬بالشرك باهلل مع أنه قد يكون عادة جرت أن يذبح في‬
‫مكان ولي للبركة‪ ،‬وليس للتعبد‪ ،‬ثم يوزع لحم الذبيحة على الفقراء‪ ،‬وهذا م ا ج رى‬
‫به العمل في العالم اإلسالمي‪ ،‬بما فيها الجزائر‪ ،‬والتي كانت تسمى (زردة)‪ ،‬ولقبه ا‬
‫علماء الجمعية بـ (أعراس الشيطان)‬
‫وهكذا األمر بالنسبة لما ذكره في الناقض الثاني‪ ،‬فهو يعتبر (الواس طّية) وكأنه ا‬
‫شرك ي زاحم هللا تع الى‪ ،‬م ع أن المس لم إنم ا يرج و ني ل ش فاعة نبي ه ‪ ،‬كم ا في‬
‫أحاديث مستفيضة عن ش فاعته ‪ ‬للعص اة من أمت ه ي وم القيام ة‪ ،‬وكقول ه تع الى‪:‬‬
‫﴿َو َلْو َأَّنُهْم ِإْذ َظَلُم وا َأْنُفَس ُهْم َج اُءوَك َفاْسَتْغ َفُروا َهَّللا َو اْسَتْغ َفَر َلُهُم الَّرُس وُل َلَو َج ُدوا َهَّللا‬
‫َتَّواًب ا َر ِح يًم ا ﴾ [النس اء‪ ،]64 :‬فاآلي ة الكريم ة ال تق ف عن د المع نى الظ اهر في‬
‫﴿َو اْس َتْغ َفَر َلُهُم الَّرُس وُل ﴾ [النس اء‪ ،]64 :‬لوج ود آي ة أخ رى ص ريحة‪َ﴿ :‬و َم ْن َيْغ ِف ُر‬
‫الُّذ ُنوَب ِإاَّل ُهَّللا ﴾ [آل عمران‪ ،]135 :‬ولكن ض ّم اس تغفار الرس ول ‪ ‬للق وم ال ذين‬
‫أرادوا التوبة رجاء لقبولها من هللا‪ .‬وهناك مواقف عديدة لجأ فيها الصحابة لبعضهم‬
‫في مواقف شديدة طلبًا لتحقيق أمر أو نزول بركة أو رحمة من هللا‪ ،‬وكم ا ُفع ل م ع‬
‫‪ )(1‬موسوعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬ص ‪ 385‬ـ ‪.387‬‬

‫‪204‬‬
‫العباس عم النبي ‪.‬‬
‫وقد رد الص وفية م دافعين عن أنفس هم من ذ ظه رت ه ذه المق والت عن د الش يخ‬
‫محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في العالم اإلسالمي‪ ،‬وتركزت ردودهم على تفنيد م ا‬
‫يزعمه الوهابيون من أن تعظيم الصوفية للص الحين أو ألض رحتهم أو توس لهم بهم‬
‫إلى هللا ال يعني الشرك‪ ،‬وال عالقة له بما كان يفعله أهل الجاهلية‪.‬‬
‫فهذا الشيخ القباني يخاطب الشيخ ابن عبد الوهاب قائال‪( :‬فهل سمعت عن أح د‬
‫من المستغيثين أنه يعتقد في الرسول ‪ ،‬أو في الولي المستغاث به أن ه إل ه م ع هللا‬
‫تعالى يضر وينفع‪ ،‬ويشفع بذاته كما يعتقد المشركون فيمن عبدوه‪)1()..‬‬
‫وي ذكر (الح داد) عن أتباع ه أنهم (مهم ا عظم وا األنبي اء واألولي اء‪ ،‬ف إنهم ال‬
‫يعتقدون فيهم ما يعتقدون في جن اب الح ق تب ارك وتع الى من الخل ق الحقيقي الت ام‬
‫العام‪ ،‬وإنما يعتقدون الوجاه ة لهم عن د هللا في أم ر ج زئي‪ ،‬وينس بونه لهم مج ازًا‪،‬‬
‫ويعتقدون أن األصل والفعل هلل سبحانه)(‪)2‬‬
‫ويق رر (دحالن) م ا ق رره س ائر المس لمون في جمي ع العص ور قب ل مج يئ‬
‫الوهابية‪ ،‬وهو أن الشرك في حقيقته ليس سوى اعتقاد التأثير لغير هللا‪ ،‬وليس هن اك‬
‫مسلم يعتقد التأثير لغير هللا‪ ،‬يق ول في ذل ك‪( :‬فال ذي يوق ع في اإلش راك ه و اعتق اد‬
‫ألوهية غير هللا س بحانه‪ ،‬أو اعتق اد الت أثير لغ ير هللا‪ ..‬وال يعتق د أح د من المس لمين‬
‫ألوهية غير هللا تعالى‪ ،‬وال تأثير أحد سوى هللا تعالى)(‪)3‬‬
‫وه ذا ن رى (الزه اوي) يؤك د مث ل من س بقه على أن المش ركين األولين ك انوا‬
‫يعتقدون ألصنامهم أنها تنفع وتضر بذواتها فيقول‪( :‬إن المشركين إنما كفروا بسبب‬
‫اعتق ادهم في المالئك ة واألنبي اء واألولي اء أنهم آله ة م ع هللا يض رون وينفع ون‬
‫بذواتهم)(‪)4‬‬
‫ويرد (العاملي) على ابن عب د الوه اب في ادعائ ه أن مش ركي الع رب ينك رون‬
‫ربوبية هللا ‪ -‬كما ذكر ذلك ابن عبد الوهاب في رسالتيه‪( :‬كشف الشبهات)‪ ،‬و(أرب ع‬
‫قواعد) – فيقول‪( :‬ال شيء يدلنا على أنهم – أي مش ركي الع رب – ال يعتق دون في‬
‫األصنام واألوثان ومعبوداتهم أنه ال تأثير لها في الكون‪ ،‬وأن التأثير وحده هلل تعالى‬
‫وهي ش افعة فق ط‪ ،‬إذ يج وز أن يعتق دوا أن له ا ت أثير بنفس ها بغ ير م ا في اآلي ات‬
‫المستشهد بها‪ ،‬فتشفي المرض وتكشف الضر)(‪)5‬‬
‫ويذكر الشطي في معتقد الوهابية في االس تغاثة‪ ،‬فيق ول‪( :‬ف إنهم يص رحون ب أن‬
‫من يستغيث بالرسول عليه السالم‪ ،‬أو غيره‪ ،‬في حاجة من حوائج ه‪ ،‬أو يطلب من ه‬
‫أو يناديه في مطالبه ومقاصده‪ ،‬ولو بيا رسول هللا‪ ،‬أو اعتق د على ن بي أو ولي ميت‬
‫‪ )(1‬نقال عن‪ :‬الشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف‪ ،‬دعاوى المناوئين لدعوة الش يخ محم د بن‬
‫عبد الوهاب عرض ونقض‪ ،‬ص‪.233‬‬
‫‪ )(2‬مصباح األنام‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪ )(3‬مصباح األنام ‪ ،‬ص ‪.234‬‬
‫‪ )(4‬الفجر الصادق في الرد على منكري التوسل والكرامات والخوارق‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪ )(5‬كشف االرتياب‪ ،‬ص ‪.170‬‬

‫‪205‬‬
‫…)(‪)1‬‬ ‫وجعله واسطة بينه وبين هللا في حوائجه فهو مشرك حالل الدم والمال‬
‫ويرد على ذلك بأن ما يفعله العوام ال يرقى إلى هذه الدرجة‪ ،‬فبذكر حكاية مهم ة‬
‫لجده تبين دوافع العوام فيما يفعلونه من التعلق باألولياء والص الحين‪ ،‬فق ال‪( :‬وم رة‬
‫دخل جدي جامع بني أمية في الشام‪ ،‬فسمع عجوزًا تقول‪ :‬يا س يدي يح يى ع اف لي‬
‫بن تي‪ ،‬فوج د ه ذا اللف ظ بظ اهره مش كًال‪ ،‬وغ ير الئ ق ب األدب اإللهي‪ ،‬فأمره ا‬
‫بالمعروف‪ ،‬وقال لها‪ :‬يا أختي قولي بجاه س يدي يح يى ع اف لي بن تي‪ ،‬فق الت ل ه‪:‬‬
‫أعرف أعرف‪ ،‬ولكن هو أقرب مني إلى هللا تع الى‪ ،‬فأفص حت عن ص حة عقي دتها‬
‫من أن الفعال هو هللا تعالى‪ ،‬وإنما صدر هذا القول منها على وجه التوسل والتوس ط‬
‫إلى هللا تعالى‪ ،‬بحصول مطلوبها منه)(‪)2‬‬
‫ويرد ابن عفالق على كل ما يذكره الوهابية من مكفرات‪ ،‬بل يعتبر أنه ا في أش د‬
‫أحوالها ليست سوى ذنوب ومعاص ال ترقى لحد الكفر‪ ،‬فقد قال – في معرض نفي ه‬
‫أن يكون الذبح والنذر لغير هللا شركًا ‪( :-‬فاجتمعت األمة على أن الذبح والنذر لغ ير‬
‫هللا حرام‪ ،‬ومن فعلها فهو عاص هلل ورسوله‪ ..‬والذي منع العلم اء من تكف يرهم أنهم‬
‫لم يفعلوا ذلك باعتقاد أنها أنداد هلل)(‪)3‬‬
‫بل إن الشيخ سليمان بن عبد الوهاب‪ ،‬وهو األخ الشقيق لمحم د بن عب د الوه اب‬
‫يستنكر استنكارا شديدا موقف أخيه من تكفير من ذبح أو ن ذر لغ ير هللا‪ ،‬ويس تغرب‬
‫من تكفير من دعا غير هللا فيقول‪( :‬من أين لكم أن المس لم ال ذي يش هد أن ال إل ه إال‬
‫هللا وأن محمدًا عبده ورسوله إذا دعا غائبًا أو ميتًا أو ن ذر ل ه‪ ،‬أو ذبح لغ ير هللا‪ ،‬أن‬
‫هذا هو الشرك األكبر الذي من فعله حبط عمله وحل ماله ودمه)(‪)4‬‬
‫ويضيف في موضع آخر‪( :‬لم يقل أهل العلم من طلب من غير هللا فهو مرتد ولم‬
‫يقولوا من ذبح لغير هللا فهو مرتد‪)5()..‬‬
‫وهكذا بالنسبة لالستغاثة‪ ،‬فالشيخ محمد بن محمد القادري ال ي رى في االس تغاثة‬
‫بغير هللا ‪ -‬ما دام أن المستغيث بغير هللا‪ ،‬ال يعتقد أن غ ير هللا ه و الموج د‪ ،‬وأن ه ال‬
‫تأثير إال هلل وحده شركا ‪ -‬يقول في تقرير ذلك‪( :‬وقول يا سيدي أحم د أو ش يخ فالن‬
‫ليس من اإلشراك؛ ألن القصد التوسل واالستغاثة‪ ..‬وال يشك في مس لم أن يعتق د في‬
‫سيدي أحمد أو غيره من األولياء أن له إيجاد شيء من قضاء مصلحة أو غيره ا إال‬
‫بإرادة هللا وقدرته‪)6()..‬‬
‫ومث ل ذل ك الن ذر لألولي اء‪ ،‬فه و عن دهم من الش رك ال ذي لم ينص علي ه غ ير‬
‫الوهابية‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫ًا‬
‫(وأما نص النجدي بمنع الن ذر مطلق لألك ابر‪ ،‬فمن افترائ ه على كتب الش ريعة‬
‫‪ )(1‬نقال عن دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض‪ ،‬ص‪.237‬‬
‫‪ )(2‬النقول الشرعية‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫‪ )(3‬نقال عن‪ :‬دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض‪ ،‬ص‪.234‬‬
‫‪ )(4‬الصواعق اإللهية في الرد على الوهابية‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪ )(5‬الصواعق اإللهية في الرد على الوهابية‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ )(6‬نقال عن‪ :‬دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض‪ ،‬ص‪.237‬‬

‫‪206‬‬
‫المركب)(‪)1‬‬
‫وجهله‬
‫وبناء على هذه فإن هذه النواقض العشرة التي تبناه ا الوهابي ة‪ ،‬وتبناه ا أتب اعهم‬
‫في العالم اإلسالمي تعتبر – كما يذكر بعض الباحثين‪( -‬المدخل الذي ي رد من ه ك ل‬
‫من أراد الترويج لثقافة التكفير‪ ،‬على قاع دة أن من لم يكّف ر ك افرًا فه و ك افر‪ ،‬ومن‬
‫شّك في كفره فهو كافر‪ ،‬األمر الذي يشّج ع الناس على اإلنغماس في عقائد بعض هم‪،‬‬
‫فيخرجون من يشاءون من الدين ويدخلون إليه من يشاءون‪ ،‬ويعقدون ناديًا للت داول‬
‫فيما انعق دت علي ه قل وب المؤم نين‪ ،‬فه ذا م ؤمن‪ ،‬وذاك ك افر‪ ،‬وذل ك من افق‪ ،‬وق د‬
‫يصدرون أحكامًا بقتل فالن بتهمة الرّد ة عن الدين‪ ،‬لمجرد أنه يختل ف م ع الم ذهب‬
‫الرسمي‪ ،‬وتطال آخر تهمة اإلنحراف عن العقيدة‪ ،‬والضالل‪ ،‬ويتكّفل رس ل الم وت‬
‫من أهل الدعوة بإيصال رسائل التهديد للكّتاب كما فعل الفوزان)(‪)2‬‬
‫وكمثال على انتشار التكفير في العالم اإلسالمي بسبب تلك التعاليم المتشددة‪ ،‬م ا‬
‫حصل في الجزائر إبان االستعمار من تكفير جمعية العلم اء المس لمين الجزائ ريين‬
‫لعوام الجزائر بسبب تعظيمهم لألولياء‪ ،‬وزيارتهم ألضرحتهم‪ ،‬وإحيائهم للمناس بات‬
‫المرتبطة بهم‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك نرى الش يخ مب ارك الميلي ال ذي استنس خ المنهج الوه ابي‬
‫كامال غير منقوص‪ ،‬وخاص ة في كتاب ه (رس الة الش رك ومظ اهره) ال ذي حكم ب ه‬
‫على ش رك جمي ع الجزائ ريين‪ ،‬ب ل على ش رك جمي ع المس لمين ال ذين ي زورون‬
‫األضرحة أو يتوسلون بأصحابها‪.‬‬
‫بل إنه يعتقد ما كان يعتقد الشيخ ابن عبد الوهاب من ع ودة الجاهلي ة األولى‪،‬‬
‫ب ل إن ه ي رى أن الجاهلي ة اآلخ رة أش د‪ ،‬فيق ول‪( :‬ولق د س ادت ه ذه الحال ة الع الم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فانتهوا إلى جاهلية كجاهلية العرب في الدين ال في اللس ان والبي ان‪ ،‬فق د‬
‫ارتقى الع رب أي ام ج اهليتهم في معرف ة مع اني الكالم واإلبان ة عم ا في أنفس هم‬
‫باأللفاظ المؤدية ألصل المعنى‪ ،‬ولكن المسلمين شمل انحطاطهم هذه الناحية أيض ا؛‬
‫فلم يكونوا مثل أولئك العرب في فص احة اللس ان ووض ع األس ماء على مس مياتها؛‬
‫فتراهم يعتقدون في الغوث والقطب وصاحب الكشف والتص ريف مع نى األلوهي ة‪،‬‬
‫ولكن ال يسمونهم آلهة!! ويخضعون ألولي ائهم ويخش ونهم كخش ية هللا أو أش د‪ ،‬وال‬
‫يسمون ذلك عبادة!!)(‪)3‬‬
‫ويخاطب الذي يشكك في كون المسلمين تحولوا إلى مشركين ال يختلفون عن‬
‫أبي جه ل وأبي لهب‪ ،‬إن لم يكون وا أش د منهم ش ركا‪ ،‬فيق ول‪( :‬ألس ت ت رى في‬
‫أوساطهم قبابا تبذل في تشييدها األموال‪ ،‬وتشد لزيارته ا الرح ال؟! أم لس ت تس مع‬

‫‪ )(1‬مصباح األنام‪ ،‬ص ‪.44‬‬


‫‪ )(2‬س عد الش ريف‪ ،‬الوهابي ة م ذهب الكراهي ة‪ ،‬مش ايخ التكف ير‪ ،‬الج زء الخ امس ـ ‪ ،2‬مجل ة الحج از‬
‫اإللكترونية‪.‬‬
‫‪ )(3‬رسالة الشرك ومظاهره (ص‪)162 :‬‬

‫‪207‬‬
‫منهم استغاثات وطلب حاجات من الغائبين واألموات؛! أم لم تعلم ب دور تنعت ب دار‬
‫الضمان تشترى ضمانتها باألثمان؛! أم لم تجتمع بذرية نس ب للم رابطين إعطاؤه ا‬
‫بقوة غيبية؟! أم لم تتكرر عليك مناظر مكلفين إباحيين يقدسون بصفتهم مرابطين أو‬
‫طرقيين؟! هذا إلى اجتماع ات تنته ك فيه ا ك ل الحرم ات باس م ال زردات‪ ،‬أو تحت‬
‫س تار االعتق ادات وال دعوة إلى أوض اع مبتدع ة ص دت الن اس عن اتب اع الس نة‬
‫المطهرة‪ ..‬والخبير بحي اة أه ل عص ره‪ ،‬الع الم بأص ول دين ه‪ ،‬ال ي تردد في ظه ور‬
‫الشرك وانتش اره‪ ،‬وتع دد مظ اهره وآث اره‪ ،‬والع امي الفط ري ل و س ألته وأفهمت ه؛‬
‫لوجدت عنده الخبر اليقين إلثبات أن أمثاله‪ -‬وما أكثرهم‪ -‬في ضالل مبين)(‪)1‬‬
‫والشيخ مبارك الميلي كالشيخ البشير اإلبراهيمي يف تي بحرم ة الطع ام ال ذي‬
‫يقدم في تلك المح ال‪ ،‬ألن ه في تص وره مم ا أه ل ب ه لغ ير هللا‪ ،‬على ال رغم من أن‬
‫الذابحين لتلك األنعام يذكرون اسم هللا عليه ا‪ ،‬ويطبق ون فيه ا م ا ي ذكره الفقه اء من‬
‫أحكام الذبائح‪ ،‬فيق ول‪( :‬ه ذه ال زردة ي ذكرون اس م هللا على ذبيحته ا‪ ،‬ونيتهم ال ذبح‬
‫للصالح عندهم‪ ،‬فأعمل الجامدون من الطلبة جانب اللف ظ‪ ،‬ورأوا إباح ة أكله ا‪ ،‬وهم‬
‫يقرؤون قول خليل في نية المصلي ولفظ ه‪( :‬وإن تخالف ا‪ ،‬فالعق د)؛ يري د أن الع برة‬
‫عند اختالف القلب واللسان بما يعقده القلب ال بما يلفظه اللس ان‪ ،‬وهي قاع دة عام ة‬
‫في جميع الطاعات)(‪)2‬‬
‫ولسنا ندري كي ف اطل ع الش يخ على ني ة ال ذابح‪ ،‬وهي باطن ة ال يمكن ألح د‬
‫االطالع عليها إال ربها أو صاحبها‪ ،‬ولكنه مع ذلك يصر على أنهم يريدون بها غير‬
‫وجه هللا‪ ،‬ويعتبر أن المخالف في ذلك جامد ومغرض‪ ،‬فيقول‪( :‬وقد يقول الجام دون‬
‫والمغرضون‪ :‬إنا نحكم بالظواهر وهللا يتولى السرائر‪ ،‬وقد ظهر من حال الذابح أن ه‬
‫ذك ر اس م هللا‪ ،‬فال نبحث عن نيت ه الباطن ة! فنق ول لهم‪ :‬أوال‪ :‬إن المف تي ال يقتص ر‬
‫دائم ا على الظ واهر؛ ففي األيم ان والطالق مس ائل تنب ني على الني ة والقص د‪،‬‬
‫ويختلف حكمها باختالف النية مع اتحاد اللفظ‪ ،‬بل تقدم قريب ا االس تناد إلى الني ة في‬
‫حكم الذبائح عن علي وغ يره‪ ..‬وثاني ا‪ :‬إن من الس رائر م ا تح ف ب ه ق رائن تجع ل‬
‫الحكم للنية وال تقبل معه الظواهر‪ ..‬وذبائح الزردة من هذا القبيل؛ فإن كل من خالط‬
‫العامة يجزم بأن قصدهم بها التقرب من صاحب المزار)(‪)3‬‬
‫ثم اعتبر من القرائن الدالة على أن الذبح فيها لغ ير هللا‪ ،‬وهي ل ذلك محرم ة‪،‬‬
‫واألخطر من ذلك الحكم على فاعل ذلك بالشرك الجلي‪ ،‬ألنه قدم القرابين لغ ير هللا‪،‬‬
‫فيذكر(‪:)4‬‬
‫األول‪:‬ـ أنهم يض يفون ال زردة إلى ص احب الم زار؛ فيقول ون‪ :‬زردة س يدي‬
‫فالن‪ ،‬أو‪ :‬طعام سيدي عبد القادر‪ ،‬مثال‪.‬‬

‫‪ )(1‬رسالة الشرك ومظاهره (ص‪)164 :‬‬


‫‪ )(2‬رسالة الشرك ومظاهره (ص‪)379 :‬‬
‫‪ )(3‬رسالة الشرك ومظاهره (ص‪)380 :‬‬
‫‪ )(4‬رسالة الشرك ومظاهره (ص‪)380 :‬‬

‫‪208‬‬
‫ثانيها‪ :‬أنهم يفعلونها عند قبره وفي جواره‪ ،‬وال يرضون لها مكانا آخر‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أنهم إن نزل المطر إثرها نسبوا إلى سر المذبوح له‪ ،‬وق وي اعتق ادهم‬
‫فيه وتعويلهم عليه‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬أنهم إن نهوا عن فعلها في المكان الخ اص‪ ،‬غض بوا ورم وا الن اهي‬
‫بضعف الدين أو باإللحاد‪ ،‬وقد يجاوزون الجه ر بالس وء من الق ول إلى م د األي دي‬
‫باإلذاية‪.‬‬
‫خامسها‪ :‬أنهم لو تركوها فأصيبوا بمصيبة نكس وا على رؤوس هم وق الوا‪ :‬إن‬
‫وليهم غضب عليهم لتقصيرهم في جانبه‪.‬‬
‫ثم عل ق على ه ذه الق رائن بقول ه‪( :‬فه ذه دالئ ل من أح وال الن اس وأفع الهم‬
‫وأق والهم ال تي لم يلقنه ا لهم المك ابرون المتس ترون وراء التأوي ل تري ك أن ذب ائح‬
‫الزردة مما ذبح على النصب وأهل به لغير هللا وإن ذكر عليها اسمه)(‪)1‬‬
‫بل حكم عليها بأنها من (من الش رك‪ ،‬فيجب على العلم اء تح ذير األم ة منه ا‬
‫والنصح باجتنابها‪ ،‬ويجب على األمة االتباع والمبادرة إلى اإلقالع)(‪)2‬‬
‫واستدل لذلك بـ (مشابهتها في المعنى لعتائر الجاهلية وقرابينه ا واجتماعاته ا‬
‫على أنصابها وأصنامها‪ ،‬وتقدم حكم الشرع في ذلك‪ ،‬ومشابهتها في الص ورة لعق ر‬
‫الجاهلية على قبور أجاودهم)(‪)3‬‬
‫ثم عاد كرجال الجمعية جميعا إلى الشاطبي ليستند إليه في الداللة على أن م ا‬
‫يقوم به المسلمون البسطاء أمام أضرحة من يعظمونهم من الصالحين شرك جلي ال‬
‫يختلف عن شرك الجاهلي ة‪ ،‬فيق ول‪( :‬ك ان أه ل الجاهلي ة يعق رون اإلب ل على ق بر‬
‫الرجل الجواد؛ يقولون‪ :‬نجازيه على فعل ه‪ ،‬ألن ه ك ان يعقره ا في حيات ه‪ ،‬فيطعمه ا‬
‫األضياف‪ ،‬فنحن نعقرها عند قبره؛ لتأكلها السباع والطير‪ ،‬فيكون مطعما بعد ممات ه‬
‫كم ا ك ان مطعم ا في حيات ه‪ ...‬ومنهم من ك ان ي ذهب في ذل ك إلى أن ه إذا عق رت‬
‫راحلته عند قبره؛ حشر في القيامة راكبا‪ ،‬ومن لم يعقر عنه‪ ،‬حشر راجال)(‪)4‬‬
‫ولسنا ندري العالقة بين ما ذكره الشاطبي عن أه ل الجاهلي ة وبين م ا يفعل ه‬
‫المسلمون أمام أضرحة من يصومون ويصلون ويذكرون هللا ذكرا كثيرا‪.‬‬
‫وهكذا يسترسل الشيخ مبارك الميلي في النقول واالس تدالالت المبني ة جميع ا‬
‫على أساس أن أولئ ك البس طاء ال ذين اجتمع وا قص دوا ب ذبحهم غ ير هللا‪ ،‬وبالت الي‬
‫صار حكمهم حكم المشركين‪ ،‬وهو الكفر البواح‪.‬‬
‫وعلى هذا المنوال نجد الشيخ البشير اإلبراهيمي الذي أعلن حربا شديدة على‬
‫تل ك المناس بات ال تي تجم ع الجزائ ريين وتوح د قل وبهم‪ ،‬ومن ذل ك م ا كتب ه في‬

‫‪ )(1‬رسالة الشرك ومظاهره (ص‪)381 :‬‬


‫‪ )(2‬رسالة الشرك ومظاهره (ص‪)381 :‬‬
‫‪ )(3‬رسالة الشرك ومظاهره (ص‪)381 :‬‬
‫‪ )(4‬رسالة الشرك ومظاهره‪ ،‬ص‪.382 :‬‬

‫‪209‬‬
‫البص ائر(‪ )1‬تحت عن وان (أع راس الش يطان)(‪ ،)2‬اس تهله على طريقت ه في تغليب‬
‫األدب على العلم‪ ،‬والبيان على البرهان‪ ،‬فهو بدأ بذكر الش يطان وتأثيرات ه المختلف ة‬
‫بطريقته تهكمية ساخرة‪ ،‬فقال‪( :‬كنا نفهم أن الشيطان يطوف ما يطوف ثم يأوي إلى‬
‫قل وب أوليائ ه‪ ،‬لينفث فيه ا الش ر‪ ،‬وي زين له ا معص ية هللا‪ ،‬ويحركه ا إلى الفس اد‬
‫والمنكر‪ ،‬ويذكرها بسننه المنسية لتتوب إليه من إهمالها وإضاعتها؛ وما كنا نعلم أن‬
‫للش يطان م راج خاص ة ال يبرحه ا في فص لين من الس نة‪ ،‬ومعظمه ا في (العمال ة‬
‫الوهرانية)‪ ،‬وما ذلك لطيب في هوائها‪ ،‬أو عذوبة في مائه ا‪ ،‬أو اعت دال في جوه ا‪،‬‬
‫فالشيطان غني عن هذا كله‪ ،‬وال يعبأ بهذا كله‪ ،‬وإنما ذل ك لل ذة يج دها الش يطان في‬
‫هواها‪ ...‬وسهولة انقياد يجدها في أوليائه بها‪ ،‬وقابلية للتسويل وال تزين قلم ا يج دها‬
‫في غيرهم من رعاياه‪ ،‬وصدق هللا العظيم‪ ،‬فإن الشياطين ال تنزل إال على كل أف اك‬
‫أثيم)(‪)3‬‬
‫بعد هذا االستهالل الذي خصصه للشيطان م ع أن الح ديث مرتب ط بالموال د‪،‬‬
‫أخ ذ يرب ط بين الش يطان والموال د‪ ،‬فق ال – بأس لوبه التعميمي ال ذي ال يحب‬
‫االس تثناء‪( :-‬ه ذه (ال زرد) ال تي تق ام في ط ول العمال ة الوهراني ة وعرض ها هي‬
‫أعراس الشيطان ووالئم ه‪ ،‬وحفالت ه ومواس مه‪ ،‬وك ل م ا يق ع فيه ا من البداي ة إلى‬
‫النهاي ة كل ه رجس من عم ل الش يطان‪ ،‬وك ل داع إليه ا‪ ،‬أو معين عليه ا‪ ،‬أو مك ثر‬
‫لسوادها فهو من أعوان الشيطان)(‪)4‬‬
‫ثم ذكر المبررات الداعية إلى هذا الحكم الشديد‪ ،‬فقال‪( :‬ألم تر إلى م ا ي ركب‬
‫فيها من فواحش ومحرمات؛ وما يهتك فيها من أع راض وحرم ات؟ ك ل ذل ك مم ا‬
‫يأمر به الشيطان البدوي‪ ،‬وكل ذل ك مم ا ذكرن ا ب ه الق رآن‪ ،‬وبين لن ا أن ه من أم ره‬
‫ووعده‪ ،‬وتزيينه وإغوائه)(‪)5‬‬
‫ولم يذكر الشيخ أي دليل على هذا القذف العام لكل الموال د من دون اس تثناء‪،‬‬
‫وكأنها جميعا مناسبات للمنكرات والفواحش‪ ،‬وال حظ فيه لعبادة أو دين أو علم‪.‬‬
‫ولم يكتف الش يخ به ذا الق ذف الع ام لجمي ع المجتم ع الجزائ ري‪ ،‬وإنم ا راح‬
‫يشهر سالح التكفير والرمي بالش رك األك بر ال ذي تلقف ه من ش يخه محم د بن عب د‬
‫الوهاب‪ ،‬فقال‪( :‬كلما انتصف فصل الربيع من كل س نة ت داعى أولي اء الش يطان في‬
‫كل بقعة من هذه العمالة إلى زردة يقيمونها على وثن مع روف من أوث انهم‪ ،‬يس وله‬
‫لهم الشيطان وليا ص الحا‪ ،‬ب ل يص وره لهم إله ا متص رفا في الك ون‪ ،‬متص رفا في‬
‫النفع والضر والرزق واألجل بين عباد هللا‪ ،‬وقد يكون صاحب القبر رجال ص الحا‪،‬‬
‫فما عالقة هذه الزرد بصالحه؟ وما مكانها في الدين؟ وهل يرضى بها لو ك ان حي ا‬

‫‪ )(1‬في العدد ‪ 95‬من جريدة «البصائر»‪ 14 ،‬نوفمبر سنة ‪.1949‬‬


‫‪ )(2‬انظر‪ :‬آثار اإلمام محمد البشير اإلبراهيمي (‪)319 /3‬‬
‫‪ )(3‬آثار اإلمام محمد البشير اإلبراهيمي (‪)319 /3‬‬
‫‪ )(4‬آثار اإلمام محمد البشير اإلبراهيمي (‪)320 /3‬‬
‫‪ )(5‬آثار اإلمام محمد البشير اإلبراهيمي (‪)320 /3‬‬

‫‪210‬‬
‫وك ان ص الحا الص الح الش رعي؟ وق د ك انت ه ذه ال زرد تق ام في أي ام الج دوب‬
‫لالستسقاء غ ير المش روع‪ ،‬فأص بحت ع ادة مس تحكمة‪ ،‬وش رعة محكم ة‪ ،‬وعب ادة‬
‫موقوتة‪ ،‬يتقرب بها هؤالء المبتدعة إلى أوثانهم في أوق ات الج دوب والغي وث على‬
‫السواء‪ ،‬يدعوهم إليها شيطانهم في النصف األخ ير من ك ل ربي ع‪ ،‬ف إذا ج اء الغيث‬
‫نسبوه إلى أوثانهم‪ ،‬وإذا كان الجدب نس بوه إلى هللا‪ ،‬عكس م ا ق ال هللا وحكم‪ ،‬ثم إذا‬
‫جاء الصيف فاءوا إلى األعمال الصيفية مضطرين‪ ،‬ف إذا أقب ل الخري ف ع ادوا إلى‬
‫تلك العادة النكراء فأنفقوا فيها كل ما جمعوه‪ ،‬وتداينوا بالربا المضاعف بما ال تق وم‬
‫ب ه ذممهم وال أم والهم؛ ف إذا ثق ل ال دين وألح ال دائن‪ ،‬ب اع من يمل ك قطع ة أرض‬
‫أرضه‪ ،‬وب اع من يمل ك داب ة دابت ه‪ ،‬وتل ك هي الغاي ة ال تي يعم ل له ا الش يطانان‪،‬‬
‫شيطان الجن‪ ،‬وشيطان االستعمار!)(‪)1‬‬
‫بعد هذا الحكم القاسي الشديد المفتقر إلى اللغ ة العلمي ة والحكم ة في معالج ة‬
‫الظواهر‪ ،‬راح يعتبر ذلك التقديس الذي جبل عليه الجزائريون لألولياء والص الحين‬
‫نفخة من نفخات الشيطان أو كيد من كيد االستعمار‪ ،‬وأنه ال عالقة له بحب الصالح‬
‫والوالية والتدين‪ ،‬فال يحب الص الحين إال من يحب الص الح نفس ه‪ ،‬وال يعظم أه ل‬
‫الدين إال من سبق تعظيمهم لهم تعظيم الدين نفسه‪.‬‬
‫يق ول اإلب راهيمي‪( :‬س ر م ا ش ئت في جمي ع األوق ات‪ ،‬وفي جمي ع ط رق‬
‫المواصالت تر القب اب البيض اء الئح ة في جمي ع الثناي ا واآلك ام ورؤوس الجب ال‪،‬‬
‫وسل تجد القليل منها منسوبا إلى معروف من أجداد القبائل‪ ،‬وتج د األق ل مجه وال‪،‬‬
‫والكثرة منسوبة إلى الشيخ عبد القادر الجيالني‪ .‬واسأل الحقيقة تجبك عن نفسها بأن‬
‫الكث ير من ه ذه القب اب إنم ا بناه ا المعم رون األوربي ون في أط راف م زارعهم‬
‫الواسعة‪ ،‬بعد ما عرفوا افتتان هؤالء المجانين بالقب اب‪ ،‬واح ترامهم له ا‪ ،‬وتقديس هم‬
‫للشيخ عبد القادر الجيالني‪ ،‬فعلوا ذلك لحماية مزارعهم من السرقة واإلتالف‪ .‬فك ل‬
‫معمر يبني قبة أو قبتين من هذا الن وع ي أمن على مزارع ه الس رقة‪ ،‬ويس تغني عن‬
‫الحراس ونفقات الحراسة‪ ،‬ثم يترك لهؤالء العميان‪ -‬ال ذين خس روا دينهم ودني اهم‪-‬‬
‫إقامة المواسم عليها في كل سنة‪ ،‬وإنفاق النفق ات الطائل ة في الن ذور له ا وتعاه دها‬
‫ب التبييض واإلص الح‪ ،‬وق د يحض ر المعم ر معهم ال زردة‪ ،‬ويش اركهم في ذبح‬
‫القرابين‪ ،‬ليقولوا عنه إنه محب في األولياء خادم لهم‪ ،‬حتى إذا تمكن من غرس هذه‬
‫العقيدة في نفوسهم راغ عليهم نزغ ا لألرض من أي ديهم‪ ،‬وإجالء لهم عنه ا‪ ،‬وبه ذه‬
‫الوسيلة الشيطانية استولى المعمرون على تلك األراضي الخصبة التي أحالوه ا إلى‬
‫جنات‪ ،‬زيادة على الوسائل الكثيرة التى انتزعوا بها األرض من أهلها)(‪)2‬‬
‫ثم بين أثر الحركة اإلص الحية في قل ع ه ذه الع ادات‪ ،‬ويق ر في نفس ال وقت‬
‫بأنه لم يمض عليها زمن حتى عادت من جديد من غ ير أن يبحث في س ر عودته ا‪،‬‬
‫فقال‪( :‬ولقد ماتت هذه العوائد الشيطانية قبل الحرب األخيرة أو كادت تموت‪ ،‬بتأثير‬
‫‪ )(1‬آثار اإلمام محمد البشير اإلبراهيمي (‪)320 /3‬‬
‫‪ )(2‬آثار اإلمام محمد البشير اإلبراهيمي (‪)321 /3‬‬

‫‪211‬‬
‫الحركة اإلصالحية المطهرة للعقائد‪ ،‬ثم قضي عليها بتأثر الناس بالحرب وألوائه ا‪،‬‬
‫وقد عادت في السنتين األخيرتين إلى ما كانت عليه)(‪)1‬‬
‫ثم ختم مقاله بفتاوى خطيرة تفتقر إلى لغة الفقه اء‪ ،‬فق ال‪( :‬ي ا قومن ا‪ ،‬أجيب وا‬
‫داعي هللا‪ ،‬وال تجيب وا داعي الش يطان‪ ،‬ي ا قومن ا إن أص ول ه ذه المنك رات مفس دة‬
‫للعقيدة‪ ،‬وإن فروعها مفسدة للعقل والمال‪ ،‬وإنكم مسؤولون عند هللا عن جميع ذل ك‪،‬‬
‫يا قومنا إنكم تنفقون هذه األموال في حرام وإن الذبائح التي تذبحونها حرام ال يح ل‬
‫أكلها‪ ،‬ألنها مما أهل به لغير هللا؛ فمن أفتاكم بغير هذا فهو مفتي الش يطان‪ ،‬ال مف تي‬
‫القرآن)(‪)2‬‬
‫وق د اس تمر – لألس ف – منهج خل ف الجمعي ة على درب س لفها في ه ذه‬
‫المواقف الخطيرة المفتقرة إلى اللغة العلمي ة‪ ،‬والمتس رعة في الحكم ب التكفير‪ ،‬حيث‬
‫نجد الشيخ أحم د حم اني الرج ل المتس اهل في الكث ير من الفت اوى يتكلم بنفس تل ك‬
‫اللغة التي تكلم بها اإلبراهيمي والميلي‪ ،‬فيقول ‪ -‬متأسفا‪(:-‬وفي الجزائ ر ين ادي ك ل‬
‫قوم برجلهم‪ :‬أهل الغرب بسيدي بومدين وسيدي اله واري وفي الوس ط س يدي عب د‬
‫الرحمان وسيدي محمد وسيدي منصور‪ ،‬وأهل الشرق سيدي الخير وسيدي راش د‪،‬‬
‫وسيدي عبد القادر للجميع للجميع‪،‬وقد كانت الدعوة اإلص الحية قض ت على معظم‬
‫هذه البدع ورجعت بالناس إلى ذكر هللا وحده‪ ،‬ولكننا عدنا إلى س ماع ه ذا ح تى في‬
‫إذاعتنا ووسائل إعالمنا‪ ،‬وما كان يجوز هذا في أمة موحدة وإنم ا ي ذكر عن دنا اس م‬
‫هللا وحده‪،‬فإننا أمة وحدها اإلسالم)(‪)3‬‬
‫ولس نا ن دري م ا الح رج في أن تش تهر المن اطق المختلف ة بأس ماء األولي اء‬
‫والصالحين‪ ،‬بل نرى في ذلك تشجيعا للصالح والتقوى ال تي أهلت أولئ ك ليتب وؤوا‬
‫تلك المكانة الرفيعة في المجتمع‪.‬‬
‫ولكن الجمعية لألسف‪ ،‬والتي بالغت في تقديس أعضائها لم ت رض للن اس أن‬
‫يقدسوا أحدا غيرهم‪ ،‬وهي تعلم أن المجتمع إن لم يرفع الصالحين فسيرفع غيرهم ال‬
‫محالة‪ ،‬فهي سنة اجتماعية‪ ،‬فلكل مجتمع أبطاله ورجاله وأه ل الق دوة في ه‪ ،‬ف إذا م ا‬
‫ض ربوا ض ربت هوي ة المجتم ع معهم‪ ،‬ولألس ف فق د اس تبدل الن اس بع د أولئ ك‬
‫الص الحين – بغض النظ ر عن حقيق ة ص الحهم وم دى ص دقهم في ه‪ -‬بمط ربين‬
‫ومهرجين والعبين وسياسيين‪ ..‬ولم نجد أحدا ينكر ذلك‪.‬‬
‫واألخطر من هذا أن الشيخ أحمد حم اني ال ذي أتيحت ل ه ف رص كث يرة بع د‬
‫االستقالل ضيعها جميعا‪ ،‬ولم يجد شيئا ينكره إال هذه العادات ليقتلعه ا من ج ذورها‬
‫من غير أن يضع أي بديل صالح لها‪ ،‬وكمثال على ذلك أنه طرح علي ه في اإلذاع ة‬
‫الوطنية هذا السؤال‪( :‬عادة موروثة ك انت منتش رة فين ا ورثناه ا عن األج داد وهي‬
‫إقام ة حفالت ال زردة‪ ،‬يتهي أ له ا الن اس‪...‬ويجتمع ون بمك ان ولي فينح رون البق ر‬
‫‪ )(1‬آثار اإلمام محمد البشير اإلبراهيمي (‪)321 /3‬‬
‫‪ )(2‬آثار اإلمام محمد البشير اإلبراهيمي (‪)322 /3‬‬
‫‪ )(3‬أحمد حماني‪ :‬حياة وآثار‪،‬شهادات ومواقف‪ ،‬ص ‪.123‬‬

‫‪212‬‬
‫ويذبحون الشياه‪...‬وتقام االحتفاالت بالحضرة واآلالت والته وال ويض رع لألولي اء‬
‫والصالحين فيمدونهم بالبركات والخيرات‪،‬اختفت هذه العادة أيام الثورة لكنها عادت‬
‫بعد ‪ 1962‬وكان الناس فيها قسمان مؤيد ومعارض)(‪)1‬‬
‫فأجاب عن هذا السؤال بنفس الحمية التي كان ينط ق به ا الش يخ اإلب راهيمي‬
‫والتبسي والميلي‪ ،‬فذكر أن آخ ر زردة ك انت في قس نطينة س نة ‪ 1937‬ألن إقامته ا‬
‫ليست من اإلسالم في شيء لما فيها من مظاهر الشرك ودعاء لألولياء والذبح لغ ير‬
‫هللا‪،‬زيادة على أنها من مظاهر التخلف ووراءها االس تعمار وق د اختفت ه ذه الب دع‬
‫بعد االستقالل حتى عادت للظه ور من جدي د في الثمانيني ات‪ ،‬ووج ه حم اني لوم ه‬
‫للمذيع واإلذاعة الوطنية أنه لو احترم نفس ه كص حافي ص ادق لق دم ألمت ه الحق ائق‬
‫لتتمسك بها بما يفيدها وتهجر القبيح الذي يضرها(‪.)2‬‬
‫ولسنا ندرى لم لم ينكر الشيخ تلك االحتفاالت الكبرى أو أن واع ال زردة ال تي‬
‫تقام في مالعب كرة القدم‪ ،‬والتي استبدل بها المجتمع احترامه وتعظيم ه للص الحين‬
‫بتعظيمه لالعبين‪ ،‬فحصد نتيجة ذلك ص راعات ك برى بين أه ل المن اطق المختلف ة‬
‫من أج ل ه دف أو العب أو حكم‪ ،‬ولم يكن للش يخ أحم د حم اني في ذل ك ال وقت ‪-‬‬
‫لألسف‪ -‬إال أن ينضم إلى قائمة المشجعين‪ ،‬فيشجع فريقا على حساب فريق‪.‬‬
‫بل إن الشيخ لم يكتف بالتبشير في اإلذاعة التي هي مل ك للجزائ ريين جميع ا‬
‫به ذه التص ريحات الخط يرة‪ ،‬ب ل راح في ك ل الن وادي يبش ر به ا‪ ،‬وكأنه ا قض ية‬
‫الساعة‪ ،‬فقد وردت إليه اس تفتاء(‪ )3‬ح ول ال زردة‪ ،‬فأج اب بلغ ة ال تختل ف عن لغ ة‬
‫الوهابيين التكفييريين‪ ،‬نجتزئ منها – من باب االختص ار‪ -‬ه ذه العب ارات المفرق ة‬
‫الدالة على المنهج الفكري للشيخ وللجمعية جميعا‪.‬‬
‫فقد ذكر أن المقصودين بالزيارة (كانوا عاطلين عن كّل ما يؤّهلهم للزي ارة !‬
‫فال علم وال زهد وال صالح ولكن نسب مرتاب في صّحته)‬
‫وذكر أن الممارسات التي تؤدى عند األضرحة ممارسات شركية‪ ،‬فقال‪( :‬إّن‬
‫مثل ه ذا التمّس ح ن وع من الش رك وال يك ون إّال للحج ر األس ود بالكعب ة فق ط م ع‬
‫التوحيد الخالص هلل وقد قال ل ه عم ر يخاطب ه‪( :‬وهللا م ا أنت إال حج ر ال تنف ع وال‬
‫تضر ولو ال أّني رأيت رسول هللا يقبلك ما قبلتك)‪ ،‬فإن كنت مع الحجر األسود كم ا‬
‫قال عمر فال بأس أن تقّبله‪ ،‬أّم ا غيره فال يجوز لك التمّسح به فإّن التمّسح به وتقبيله‬
‫شرك يتَنّز ه عنه المؤمن الموّحد)‬
‫ثم إنه حكم بالشرك حتى على التوسل ال ذي لم ي ر الش يخ ابن ب اديس في ه أي‬
‫حرج‪ ،‬فقال‪( :‬إّن التوّسل الشائع بين الناس وهو الدعاء – ال دعاء ه و مخ العب ادة –‬
‫شرك محض‪ ،‬فالتوحيد أن تدعو هللا الذي خلقك – ولو عظمت ذنوب ك – فإن ه مع ك‬

‫‪ )(1‬أحمد حماني‪ :‬الفتاوى‪.312 /3 ،‬‬


‫‪ )(2‬أحمد حماني‪ :‬الفتاوى‪.312 /3 ،‬‬
‫‪ )(3‬جريدة الشعب الجزائرية الصادرة بتاريخ ‪ 1991 / 11/ 18‬الصفحة ‪.9‬‬

‫‪213‬‬
‫يسمع دعاءك فإن كان ال ب ّد من التوّس ل فتوّس ل بص الح أعمال ك كم ا فع ل الثالث ة‬
‫اصحاب الغار حينم ا ن زلت عليهم الص خرة وس ّد ته عليهم‪ ،‬فاس تجاب لهم من يعلم‬
‫شّد تهم‪ .‬هذا هو التوّسل الصحيح وغيره قد يوقع صاحبه في الشرك‪ ،‬فال تحم حوله)‬
‫ثم اعتبر كالوهابيين جميعا أن األض رحة ليس ت غ ير أص نام ال تختل ف عن‬
‫أصنام الجاهلية‪ ،‬فقال‪( :‬وكانت هذه الزردة كثيرة ألّن لكّل ق وم إللههم من أص حاب‬
‫القب ور من ح دود تبس ة إلى مغني ة‪ ،‬ك انت القب ور تعب د من دون هللا ولك ّل ق وم من‬
‫يقدسونه‪ .‬فـ(سيدي سعيد) في تبسة‪ ،‬و(سيدي راش د) في قس نطينة و(س يدي الخ ير)‬
‫بس طيف و(س يدي بن حمالوي) بالتالغم ة‪ ،‬و(س يدي ال زين) بس كيكدة و(س يدي‬
‫منصور) بوالية تيزي وزو و(سيدي محمد الكبير) في البليدة‪ ،‬و(سيدي بن يوس ف)‬
‫بمليان ة و(س يدي اله واري) ب وهران و(س يدي عاب د) بغل يزان و(س يدي بوم دين)‬
‫بتلمسان و(سيدي عب د ال رحمن) ب الجزائر‪ ،‬ويزاحم ه (س يدي امحم د)‪ ،‬وليع ذرني‬
‫اإلخوة ممن لم أذكر آلهة بلدانهم وهم ألوف‪ ،‬ففعل هؤالء القوم م ع ه ؤالء المش ايخ‬
‫يشبه فعل الجاهلية مع هبل والالت والعّز ى وخصوصا إقامة الزردة حوله ا وال ذبح‬
‫لها والتمسح بالقبور‪ ،‬أفترانا نحيي آثار الشرك ونحن الموحدون؟)‬
‫ثم أفتى بأن (الطعام واللحم المقّد م في ال زردة ال يح ّل أكل ه ش رعا ألّن ه مم ا‬
‫نّص القرآن على حرمة أكله فإنه سبحانه وتعالى يقول‪ُ﴿ :‬حِّر َم ْت َع َلْيُك ُم اْلَم ْيَتُة َو ال َّد ُم‬
‫َو َلْح ُم اْلِخ ْنِز يِر َو َم ا ُأِهَّل ِلَغْيِر ِهَّللا ِبِه ﴾ [المائ دة‪ ]3 :‬ف اللحم من القس م الراب ع أي مم ا‬
‫أهل لغير هللا‪ ،‬أي ذبح لغير هللا بل للمشايخ‪ ،‬فزردة (س يدي عاب د) أقيمت ل ه وهك ذا‬
‫(سيدي أحمد بن عودة) و(سيدي بومدبن)‪ ..‬أقيمت له الزردة ليرض ى وينف ع وي دفع‬
‫الّضر‪ ،‬وتقول إّن هذه الذبائح قد ذكر اسم هللا عليها‪ ،‬ف أقول‪ :‬ول و ذك ر اس م هللا ف إَّن‬
‫الّنية األولى وهي تقديمها إلى صاحب المقام‪ ،‬يجعلها لغير هللا)‬
‫ونحب أن نختم هذا العنوان بم ا حص ل من تعظيم تالمي ذ ابن تيمي ة وأتباع ه‬
‫األوائل له‪ ،‬والذي ال ينطبق عليه ـ بالمقاييس السلفية والوهابية خصوص ا ـ إال حكم‬
‫الشرك الجلي‪.‬‬
‫فقد ورد في كتاب [البداية والنهاية] البن كث ير تلمي ذ ابن تيمي ة النجيب قول ه‬
‫في أحداث سنة ‪ 728‬هـ‪(:‬وحضر جمع كثير إلى القلعة‪ ،‬وأذن لهم في الدخول عليه‪،‬‬
‫وجلس جماع ة عن ده قب ل الغس ل وق رأوا الق رآن وت بركوا برؤيت ه وتقبيل ه‪ ،‬ثم‬
‫انصرفوا‪ ،‬ثم حضر جماعة من النساء ففعلن مثل ذلك ثم انص رفن واقتص روا على‬
‫من يغسله‪ ،‬فلما فرغ من غسله أخرج ثم اجتمع الخلق بالقلعة والطري ق إلى الج امع‬
‫وامتأل بالج امع أيض ا وص حنه والكالس ة وب اب البري د وب اب الس اعات إلى ب اب‬
‫اللب ادين والغ وارة‪ ،‬وحض رت الجن ازة‪ ..‬ثم تزاي د الجم ع إلى أن ض اقت الرح اب‬
‫واألزقة واألسواق بأهله ا ومن فيه ا‪ ،‬ثم حم ل بع د أن يص لي علي ه على ال رؤوس‬
‫واألصابع‪ ،‬وخرج النعش به من باب البريد واشتد الزحام وعلت األصوات بالبك اء‬
‫والنحيب وال ترحم علي ه والثن اء وال دعاء ل ه‪ ،‬وألقى الن اس على نعش ه من اديلهم‬
‫وعمائمهم وثيابهم‪ ،‬وذهبت النع ال من أرج ل الن اس وقب اقيبهم ومنادي ل وعم ائم ال‬

‫‪214‬‬
‫يلتفتون إليها لشغلهم بالنظر إلى الجن ازة‪ ،‬وص ار النعش على ال رؤوس ت ارة يتق دم‬
‫وتارة يتأخر‪ ،‬وتارة يقف حتى تمر الناس‪ ،‬وخرج الناس من الجامع من أبوابه كله ا‬
‫وهي شديدة الزحام‪ ،‬كل باب أشد زحمة من اآلخر)(‪)1‬‬
‫ويذكر أن ه بع د دفن ه‪( :‬ش رب جم اع الم اء ال ذي فض ل من غس له‪ ،‬واقتس م‬
‫جماعة بقية السدر الذي غسل به‪ ،‬ودفع في الخيط الذي كان في ه الزئب ق ال ذي ك ان‬
‫في عنقه بسبب القمل مائة وخمسون درهما‪ ،‬وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه‬
‫دفع فيها خمسمائة درهما)(‪)2‬‬
‫ولم يقتصر التبرك بابن تيمية وتعظيمه على ذلك اليوم‪ ،‬بل استمر بين أتباعه‬
‫ومحبيه حتى أنهم كانوا يستشفون بتراب قبره‪ ،‬فقد جاء في كتاب (الرد ال وافر على‬
‫من زعم بأن من سمى ابن تيمة شيخ االس الم ك افر) في الحادث ة ال تي حص لت م ع‬
‫البطائحي المزي‪ ،‬وراوها البن حجي قال‪ :‬كنت ش ابا‪ ،‬وك انت لي بنت حص ل له ا‬
‫رمد‪ ،‬وكان لن ا اعتق اد في ابن تيمي ة‪ ،‬وك ان ص احب وال دي‪ ،‬وي أتي إلين ا وي زور‬
‫والدي‪ ،‬فقلت في نفسي‪ :‬آلخ ذن من ت راب ق بر ابن تيمي ة فألكحله ا ب ه‪ ،‬فإن ه ط ال‬
‫رمدها ولم يفد فيها الكحل‪ ،‬فجئت إلى الق بر‪ ،‬فوج دت بغ داديا ق د جم ع من ال تراب‬
‫صررا‪ ،‬فقلت‪ :‬ما تصنع بهذا‪ ،‬قال‪ :‬أخذته لوجع الرم د‪ ،‬أكح ل ب ه أوالدا لي‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫وهل ينفع ذلك؟ فقال‪ :‬نعم‪ ..‬وذكر أنه جربه فازددت يقينا فيما كنت قصدته‪ ،‬فأخ ذت‬
‫منه‪ ،‬فكحلتها وهي نائمة‪ ،‬فبرئت‪ ،‬قال‪ :‬وحكيت ذل ك البن قاض ي الجب ل أبي عم ر‬
‫المقدسي‪ ،‬وكان يأتي الينا‪ ،‬فأعجبه ذلك‪ ،‬وكان يسألني ذلك بحضرة الن اس فأحكي ه‪،‬‬
‫ويعجبه ذلك(‪.)3‬‬
‫ثانيا ـ التكفير المعين‪:‬‬
‫بناء على ما سبق من تصريحات أعالم السلفية المتقدمين والمتأخرين بتكف ير‬
‫كل من يقع في أحد المكفرات التي ذكرناها في المبحث السابق‪ ،‬فإننا نحاول هن ا أن‬
‫ننظر في تطبيقاتهم لتلك التكف يرات على الص وفية بأعالمه ا وطرقه ا ومن يواليه ا‬
‫ومن يتودد إليها أو يقبل سلوكاتها أو ال يقف في وجهها‪..‬‬
‫فإن هؤالء جميعا كفار عند السلفية باعتبارات مختلفة‪ ،‬فمنهم من يكفر بس بب‬
‫مواقف ه العقدي ة‪ ،‬ومنهم من يكف ر بس بب س لوكاته العملي ة‪ ،‬ومنهم من يكف ر بس بب‬
‫نقضه للوالء والبراء الذي يتطلب من ه أن يكف رهم‪ ،‬ألن من ال يكف ر الك افر ك افر‪..‬‬
‫وهكذا نجدهم يكفرون كل من اق ترب من الص وفية ب أي ش كل من األش كال‪ ،‬أو في‬
‫أي بعد من األبعاد‪.‬‬
‫بل إن السلفية كفروا دوال قائمة بذاتها ـ كالدولة العثمانية ـ بناء على رعايته ا‬
‫للصوفية‪ ،‬وتأييدها لهم‪ ،‬وأطلقوا بناء على ذل ك أحك امهم الكث يرة ال تي تجع ل ذل ك‬
‫الحكم أعم من أن يخص دولة بعينها‪.‬‬
‫‪ )(1‬البداية والنهاية (‪)156 /14‬‬
‫‪ )(2‬البداية والنهاية (‪)157 /14‬‬
‫‪ )(3‬الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمة شيخ االسالم كافر ‪.130-129‬‬

‫‪215‬‬
‫بن اء على ه ذا س نحاول في ه ذا الفص ل‪ ،‬ومن خالل ال تراث الس لفي الق ديم‬
‫والحديث أن ن ذكر األدل ة والوث ائق المثبت ة له ذا التكف ير‪ ..‬وق د قس منا المبحث إلى‬
‫أربعة أقسام‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ تكفير أعالم الصوفية‪ ،‬ومفكريها في القديم والحديث‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تكفير أنصار الصوفية ومؤيديها من العلماء والعامة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تكفير الطرق الصوفية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تكفير الدول الراعية للصوفية‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ تكفير أعالم الصوفية‪ ،‬ومفكريها في القديم والحديث‪.‬‬
‫من المفارقات العجيبة التي تدل على غلبة المزاجية على العق ل الس لفي ذل ك‬
‫الموقف المتناقض من كثير من أعالم التصوف المتق دمين وغ يرهم‪ ..‬فبينم ا ن راهم‬
‫يعظمون ابن تيمية في ك ل ش يء‪ ،‬وال يك ادون يخرج ون عن كلم ة من كلمات ه‪ ،‬أو‬
‫موق ف من مواقف ه‪ ..‬لكنهم في الموق ف من كث ير من أعالم التص وف خصوص ا‬
‫نجدهم يخرقون هذه القاعدة‪ ،‬ويتصورون‪ ،‬وألول م رة‪ ،‬أن ابن تيمي ة ق د أخط أ في‬
‫تعامله معهم‪ ،‬وأنه كان لينا م ع الكث ير منهم‪ ،‬وأن األج در ب ه ل و تعام ل معهم كم ا‬
‫تعامل مع الجهمية وغيرهم من الفرق التي سلط عليها سيف تكفيره‪.‬‬
‫بناء على هذا سنتحدث هنا عن هذا الخالف بين السلفية المت أخرين والس لفية‬
‫المتقدمين في الموقف من أعالم الصوفية‪.‬‬
‫موقف متقدمي السلفية من تكفير أعالم الصوفية‪:‬‬
‫ذكرن ا في الفص ل الس ابق أن الكث ير من أعالم الحنابل ة والكرامي ة ـ ال ذين‬
‫يش كلون لبن ة من لبن ات العقي دة الس لفية ـ ك انوا ذوي مي ول ص وفية‪ ،‬وأنهم ك انوا‬
‫يمزجون بينها وبين تشددهم مع المتكلمين والم نزهين‪ ،‬ورميهم ب التجهم والتعطي ل‪،‬‬
‫وذكرنا مثاال على ذلك بالشيخ الهروي الذي يطلقون عليه لقب [شيخ اإلسالم]‬
‫وبناء على هذا‪ ،‬فقد كانت موقف ابن تيمية ـ مثال ـ م ع الص وفية الحنابل ة أو‬
‫الصوفية األوائل مواقف لينة جدا مقارنة بغيرهم‪ ..‬فهو يدافع عنهم‪ ،‬ويؤول م ا ورد‬
‫عنهم من كلمات‪ ،‬وال يحملها على ظاهرها‪ ،‬بل يجد لها من المسوغات والم بررات‬
‫ما يجعلها مقبولة عندهم‪.‬‬
‫وهكذا نجده في مواقفه من الكثير من المصطلحات الصوفية التي شنع عليه ا‬
‫المتأخرون‪ ،‬وكفروا كل من يتحدث بها أو عنها من أمث ال الفن اء والبق اء والجمعي ة‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫وقد كان ذلك مدعاة النتقادات المتأخرين مثلما فعل الشيخ محمد جميل غازي‬
‫حين قدم لكت اب [الص وفية والفق راء] البن تيمي ة‪ ،‬فاس تنكر أش ياء علي ه ك ذكر ابن‬
‫تيمية أن الصوفية يريدون مق ام الص ديقية (‪ ،)1‬ف راح ينتق ده في ذل ك انتق ادا ش ديدا‬
‫مبينا أنهم ليسوا كذلك وأنهم أنهم أهل الزندقة‪ ،‬والحلول واالتح اد‪ ،‬ووص فهم ب أنهم‬
‫أهل المروق والفرقة والبدعة‪.‬‬
‫‪ )(1‬انظر الصوفية والفقراء (‪)10-8‬‬

‫‪216‬‬
‫ومن أمثلة هذه المواقف اللينة ال تي أطلقه ا ابن تيمي ة تج اه أعالم الص وفية ـ‬
‫وخصوص ا المتق دمين منهم ـ قول ه في [مجم وع الفت اوى]‪( :‬فأم ا المس تقيمون من‬
‫السالكين كجمهور مشائخ السلف مثل الفضيل بن عياض‪ ،‬وِإب راهيم بن أدهم‪ ،‬وأبي‬
‫س ليمان ال داراني‪ ،‬ومع روف الك رخي‪ ،‬والس ري الس قطي‪ ،‬والجني د بن محم د‪،‬‬
‫وغيرهم من المتقدمين‪ ،‬ومثل الشيخ عب د الق ادر الجيالني‪ ،‬والش يخ حم اد‪ ،‬والش يخ‬
‫أبي البيان‪ ،‬وغيرهم من المتأخرين‪ ،‬فهم ال يسِّو غون للس الك ول و ط ار في اله واء‪،‬‬
‫أو مش ى على الم اء‪ ،‬أن يخ رج عن األم ر والنهي الش رعيين‪ ،‬ب ل علي ه أن يفع ل‬
‫المأمور‪ ،‬وي دع المحظ ور ِإلى أن يم وت‪ .‬وه ذا ه و الح ق ال ذي دل علي ه الكت اب‬
‫والسنة وِإجماع السلف وهذا كثير في كالمهم)(‪)1‬‬
‫وقال‪( :‬وأما أئمة الصوفية والمشايخ المشهورون من الق دماء مث ل الجني د بن‬
‫محم د وأتباع ه ومث ل الش يخ عب د الق ادر وأمثال ه فه ؤالء من أعظم الن اس لزوم ًا‬
‫لألمروالنهي وتوصية باتباع ذلك‪ ،‬وتحذيرا من المشي مع القدر كما مشى أصاحبهم‬
‫أولئك وهذا هو الفرق الثاني الذي تكلم فيه الجنيد مع أصحابه‪ ،‬والش يخ عب د الق ادر‬
‫كالمه كله ي دور على إتب اع الم أمور وت رك المحظ ور والص بر على المق دور وال‬
‫يثبت طريقًا تخالف ذلك أصال‪ ،‬اله و وال عام ة المش ايخ المقب ولين عن د المس لمين‬
‫ويحذر عن مالحظة القدر المحض بدون إتباع األمر)(‪.)2‬‬
‫وقال مثنيا على الش يخ عب دالقادر الجيالني‪( :‬قلت‪( :‬وله ذا يق ول الش يخ عب د‬
‫القادر ‪ -‬قدس هللا روحه‪ -‬كثير من الرجال إذا وص لوا إلى القض اء والق در أمس كوا‬
‫وأنا انفتحت لي فيه روزنة فن ازعت أق دار الح ق ب الحق للح ق والرج ل من يك ون‬
‫منازعا لقدر ال موافقا له وهو ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬كان يعظم األم ر والنهي ويوص ي‬
‫باتباع ذلك وينهى عن االحتجاج بالقدر)(‪)3‬‬
‫وقال عنه‪( :‬والشيخ عبد القادر من أعظم شيوخ زمانه م أمرا ب التزام الش رع‬
‫واألمر والنهى وتقديمه على الذوق‪ ،‬ومن أعظم المشائخ أمرا بترك الهوى واالراده‬
‫النفسية)(‪)4‬‬
‫وهك ذا أث نى على الجني د كث يرا‪ ،‬وفي مواض ع مختلف ة من كتب ه‪ ،‬كقول ه‪:‬‬
‫(والجنيد وأمثاله أئمة هدى‪ ،‬ومن خالفه في ذلك فهو ضال‪ .‬وك ذلك غ ير الجني د من‬
‫الشيوخ تكلموا فيما يعرض للسالكين وفيما يرونه في قلوبهم من األنوار وغير ذلك؛‬
‫وحذروهم أن يظنوا أن ذلك هو ذات هللا تعالى)(‪)5‬‬
‫وقال‪( :‬فمن سلك مسلك الجنيد من أه ل التص وف والمعرف ة ك ان ق د اهت دى‬
‫ونجا وسعد)(‪)6‬‬

‫‪ )(1‬مجموع الفتاوى ‪،‬ج‪ .10‬ص‪ 516‬ـ‪.517‬‬


‫‪ )(2‬مجموع الفتاوى ‪،‬ص‪. 369/8‬‬
‫‪ )(3‬مجموع الفتاوي ‪.8/303 ،‬‬
‫‪ )(4‬مجموع الفتاوى ‪،‬ج‪ - 10‬ص ‪.884‬‬
‫‪ )(5‬مجموع فتاوي ابن تيمية ‪،‬ج‪ 5‬ص‪.321‬‬
‫‪ )(6‬مجموع الفتاوى ‪ ،‬جزء ‪ - 14‬صفحة ‪. 355‬‬

‫‪217‬‬
‫وهكذا سمى الكثير منهم واعتبرهم مشائخ اإلسالم وأئمة الهدى‪ ،‬فق ال‪( :‬أنهم‬
‫مشائخ اإلسالم وأئمة الهدى الذين جعل هللا تع الى لهم لس ان ص دق في األم ة‪ ،‬مث ل‬
‫س عيد بن المس يب‪ ،‬والحس ن البص ري‪ ..‬وإب راهيم بن أدهم‪ ،‬وس فيان الث وري‪،‬‬
‫والفضيل بن عياض‪ ،‬ومعروف الك رخي‪ ..‬وبش ر الح افي‪ ،‬وعب د هللا بن المب ارك‪،‬‬
‫وشقيق البلخي‪ ،‬ومن ال يحصى ك ثرة‪ .‬إلى مث ل المت أخرين‪ :‬مث ل الجني د بن محم د‬
‫القواريري‪ ،‬وسهل بن عبد هللا التستري‪ ،‬وعمر بن عثمان المكي‪ ،‬ومن بعدهم ـ إلى‬
‫أبي طالب المكي إلى مثل الشيخ عب د الق ادر الكيالني‪ ،‬والش يخ ع دي‪ ،‬والش يخ أبي‬
‫البي ان‪ ،‬والش يخ أبي م دين‪ ،‬والش يخ عقي ل‪ ،‬والش يخ أبي الوف اء‪ ،‬والش يخ رس الن‪،‬‬
‫والشيخ عبد ال رحيم‪ ،‬والش يخ عب د هللا اليوني ني‪ ،‬والش يخ القرش ي‪ ،‬وأمث ال ه ؤالء‬
‫المشايخ الذين كانوا بالحج از والش ام والع راق‪ ،‬ومص ر والمغ رب وخراس ان‪ ،‬من‬
‫األولين واآلخرين)(‪)1‬‬
‫بل إن ابن تيمية يمتدح الصوفية الذين ذكروا في الكتب المؤرخ ة للتص وف‪،‬‬
‫وإن كان يعتب عليها إهمالها للصحابة والتابعين‪ ،‬فق د ق ال‪( :‬وك ذلك من ص نف في‬
‫التص وف و الزه د جع ل األص ل م ا روي عن مت أخري الزه اد ‪ -‬وأع رض عن‬
‫طريق الصحابة والتابعين كما فعل صاحب الرسالة أبو القاس م القش يري وأب و بك ر‬
‫محمد بن إسحاق الكالباذي وابن خميس الموص لي في من اقب األب رار ؛ وأب و عب د‬
‫الرحمن السلمي في تاريخ الصوفية لكن أبو عبد الرحمن صنف أيضا س ير الس لف‬
‫من األولياء والصالحين‪ .‬وسير الصالحين من السلف كما صنف في سير الصالحين‬
‫من الخلف ونحوهم من ذكرهم ألخبار أهل الزهد واألحوال من بعد الق رون الثالث ة‬
‫من عن د إب راهيم بن أدهم والفض يل بن عي اض وأبي س ليمان ال داراني ومع روف‬
‫الكرخي ومن بعدهم وإعراضهم عن حال الص حابة والت ابعين ال ذين نط ق الكت اب‬
‫والسنة بمدحهم والثناء عليهم والرضوان عنهم‪ .‬وكان أحسن من هذا أن يفعل وا كم ا‬
‫فعله أبو نعيم األصبهاني في الحلي ة من ذك ره للمتق دمين والمت أخرين‪ .‬وك ذلك أب و‬
‫الفرج بن الجوزي في صفوة الص فوة وك ذلك أب و القاس م ال تيمي في س ير الس لف‪،‬‬
‫وكذلك ابن أسد بن موسى إن لم يصعدوا إلى طريقة عبد هللا بن المبارك‪ .‬وأحمد بن‬
‫حنبل‪ .‬وهناد بن السري وغيرهم في كتبهم في الزهد)(‪)2‬‬
‫وهكذا نجده يدافع عما نسب لهم من أشياء تخالف الش ريعة كقول ه في الس يدة‬
‫رابعة العدوية‪( :‬وأما ما ُذ كر عن رابع ة العدوي ة من قوله ا عن ال بيت‪ :‬إن ه الص نم‬
‫المعب ود في األرض‪ ،‬فه و ك ذب على رابع ة‪ ،‬ول و ق ال ه ذا من قال ه لك ان ك افرًا‬
‫يستتاب فإن تاب وإال ُقِتل‪ ،‬وهو كذب فإن البيت ال يعب ده المس لمون‪ ،‬ولكن يعب دون‬
‫رب البيت بالطواف به والصالة إليه‪ ،‬وكذلك ما نقل من قولها‪ :‬وهللا ما ولجه هللا وال‬
‫خال منه‪ ،‬كالم باطل عليها)(‪)3‬‬

‫‪ )(1‬مجموع الفتاوي ‪،‬ج‪ 2‬ص‪،452‬‬


‫‪ )(2‬مجموع الفتاوى (‪)367 /10‬‬
‫‪ )(3‬مجموع الفتاوى (‪)288 /2‬‬

‫‪218‬‬
‫وهكذا نراه ال يكف ر بس بب الكث ير من المص طلحات ال تي يغ رم المت أخرون‬
‫بتكفير أصحابها‪ ،‬بل يعذرهم في استعمالها‪ ،‬فقد قال في [مجم وع الفت اوى]‪( :‬واعلم‬
‫أن لف ظ الص وفية وعل ومهم تختل ف فيطلق ون ألف اظهم على موض وعات لهم‬
‫ومرموزات واشارات تجرى فيما بينهم فمن لم يداخلهم على التحقيق ون ازل م ا هم‬
‫عليه رجع عنهم وهو خاسىء وحسير)(‪)1‬‬
‫بل إن ابن تيمية يقر الص وفية على م ا يذكرون ه من وح دة الش هود والفن اء‪،‬‬
‫والذي يحكم المتأخرون بتكفير قائله ـ كما فعلوا مع سيد قطب ـ‪( :‬وأما النوع الثاني‪:‬‬
‫فهو الفناء عن شهود السوى‪ ،‬وهذا يحصل لكثير من السالكين؛ فإنهم لفرط انج ذاب‬
‫قلوبهم إلى ذكر هللا وعبادت ه ومحبت ه وض عف قل وبهم عن أن تش هد غ ير م ا تعب د‬
‫وترى غير ما تقص د؛ ال يخط ر بقل وبهم غ ير هللا؛ ب ل وال يش عرون؛ كم ا قي ل في‬
‫قوله‪﴿ :‬وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به ل وال أن ربطن ا على قلبه ا﴾‬
‫قالوا‪ :‬فارغا من كل شيء إال من ذكر موسى‪ .‬وهذا كثير يعرض لمن فقمه أم ر من‬
‫األمور إما حب وإما خوف‪ .‬وإما رجاء يبقي قلبه منصرفا عن كل شيء إال عما ق د‬
‫أحبه أو خافه أو طلبه؛ بحيث يكون عند استغراقه في ذلك ال يشعر بغيره‪ .‬فإذا قوي‬
‫على ص احب الفن اء ه ذا فإن ه يغيب بموج وده عن وج وده وبمش هوده عن ش هوده‬
‫وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته حتى يف نى من لم يكن وهي المخلوق ات‬
‫المعبدة ممن سواه ويبقى من لم يزل وهو ال رب تع الى‪ .‬والم راد فناؤه ا في ش هود‬
‫العبد وذكره وفناؤه عن أن يدركها أو يشهدها‪ .‬وإذا ق وي ه ذا ض عف المحب ح تى‬
‫اضطرب في تمييزه فقد يظن أنه هو محبوبه كما يذكر‪ :‬أن رجال ألقى نفسه في اليم‬
‫فألقى محبه نفسه خلفه فقال‪ :‬أنا وقعت فما أوقعك خلفي قال‪ :‬غبت ب ك ع ني فظننت‬
‫أنك أني)(‪)2‬‬
‫بل إن ابن تيمية مع تشدده في الكث ير من المس ائل يتس اهل م ع م ا روي من‬
‫شطحات من الصوفية األوائل‪ ،‬فقد قال في [مجموع الفتاوى]‪( :‬وفي ه ذا الفن اء ق د‬
‫يقول‪ :‬أنا الحق‪ ،‬أو سبحاني‪ ،‬أو ما في الجبة إال هللا‪ ،‬إذا ف ني بمش هوده عن ش هوده‪،‬‬
‫وبموجوده عن وجوده‪ ،‬وبمذكور عن ذكره‪ ،‬وبمعروفه عن عرفانه‪ .‬كما يحكون أن‬
‫رجًال كان مستغرقا في محبة آخر‪ ،‬فوقع المحبوب في اليم فألقى اآلخر نفسه خلف ه‪،‬‬
‫فقال ما الذي أوقع ك خلفي؟ فق ال‪ :‬غبت ب ك ع ني فظننت إن ك أني‪ .‬وفي مث ل ه ذا‬
‫المقام يقع السكر الذي يسقط التمييز مع وج ود حالوة اإليم ان‪ ،‬كم ا يحص ل بس كر‬
‫الخمر‪ ،‬وسكر عشيق الصور‪ .‬وكذلك قد يحصل الفناء بح ال خ وف أو رج اء‪ ،‬كم ا‬
‫يحصل بحاله حب فيغيب القلب عن شهود بعض الحقائق ويصدر منه قول أو عم ل‬
‫من جنس أم ور الس كارى وهي ش طحات بعض المش ائخ‪ ،‬كق ول بعض هم‪ :‬انص ب‬
‫خيمتي على جهنم‪ ،‬ونحو ذلك من األق وال واألعم ال المخالف ة للش رع؛ وق د يك ون‬
‫صاحبها غير مأثوم‪ ،‬وأن لم يكن فيشبه هذا الباب أمر خفراء الع دو من يعين ك افرا‬
‫‪ )(1‬مجموع الفتاوى ‪،‬جزء ‪ - 5‬صفحة ‪.79‬‬
‫‪ )(2‬مجموع الفتاوى (‪)219 /10‬‬

‫‪219‬‬
‫أو ظالما بحاله ويعلم أنه مغلوب عليه‪ .‬ويحكم على ه ؤالء أن أح دهم إذا زال عقل ه‬
‫بسبب غير محرم فال جناح عليهم فيما يصدر عنهم من األقوال واألفع ال المحرم ة‬
‫بخالف ما إذا كان سبب زوال العقل والغلبة أمرا محرما)(‪)1‬‬
‫ولو أننا أخذنا ه ذا النص‪ ،‬ونس بناه إلى أي ش خص‪ ،‬ثم اس تفتينا أي ع الم من‬
‫علماء الس لفية المعاص رين ابت داء من هيئ ة كب ار العلم اء إلى ص غارهم‪ ،‬ف إنهم ال‬
‫محالة يحكمون بكفر قائله‪ ..‬اللهم إال إذا وجدنا منهم من طالع كتب ابن تيمي ة‪ ،‬وق رأ‬
‫هذا النصوص خصوصا‪ ،‬فإنه يكتفي بتخطئته وانتقاده دون تكفيره‪.‬‬
‫وهك ذا ن رى ابن القيم في تعامل ه م ع الص وفية‪ ،‬فه و يث ني على الكث ير من‬
‫أعالمها‪ ،‬وينقل كالمهم‪ ،‬ويشرحه‪ ،‬ويبين قيمته‪ ،‬ويبرر م ا أس يء فهم ه‪ ..‬وه ذا م ا‬
‫لقي نوع ا من النف ور من المت أخرين ال ذين تمن وا ل و أن ه اكتفى بتكف ير الجهمي ة‬
‫والمعطلة وغيرهم‪ ،‬ولم يفعل هذا‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك قوله في [مدارج السالكين] في تعريف التصوف‪( :‬ال دين كل ه‬
‫خلق‪ ،‬فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين‪ ،‬وكذلك التص وف ق ال الكت اني‪:‬‬
‫التصوف‪ :‬هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في التصوف)(‪)2‬‬
‫وقال معلقا على قول الجنيد‪( :‬المريد الصادق غنى من العلماء)‪ ،‬وقول ه‪( :‬إذا‬
‫أراد هللا بالمريد خيرا أوقعه إلى الصوفية ومنع ه ص حبة الق راء)‪( :‬قلت‪ :‬إذا ص دق‬
‫المريد وصح عقد صدقه مع هللا‪ ،‬فتح هللا على قلبه ببركة الص دق وحس ن المعامل ة‬
‫مع هللا ما يغنيه عن العلوم التى هي نتائج أفكار الناس وآرائهم وعن العلوم التى هى‬
‫فضله ليست من زاد القبر)(‪)3‬‬
‫وق ال معلق ا على ق ول الش افعي‪( :‬ص حبت الص وفية فم ا انتفعت منهم إال‬
‫بكلمتين سمعتهم يقولون‪ :‬الوقت سيف فان قطعته وإال قطعك‪ ،‬ونفسك أن لم تشغلها‬
‫ب الحق وإال ش غلتك بالباط ل)‪( :‬قلت‪ :‬ي ا لهم ا من كلم تين‪ ،‬م ا أنفعهم ا وأجمعهم ا‬
‫وأدلهما على علو همة قائلهما ويقظته‪ ،‬ويكفي في هذا ثناء الشافعي علي طائفة ه ذا‬
‫قدر كلماتهم)(‪)4‬‬
‫وهكذا ن رى ال ذهبي يث ني على الكث ير من الص وفية أثن اء ترجمت ه لهم‪ ،‬ب ل‬
‫يعت برهم من أه ل الح ديث‪ ،‬ومن ذل ك قول ه في (ابن اإلع رابى)‪( :‬اإلم ام الحاف ظ‬
‫الزاهد شيخ الحرم أبو س عيد احم د بن محم د بن زي اد بن بش ر بن درهم البص ري‬
‫الصوفي صاحب التصانيف وكان ثقة ثبتا عارفا ربانيا كبير القدر بعد الصيت)(‪)5‬‬
‫وقال في (غندر)‪( :‬وإما غندر الثالث فهو صوفي مح دث ج وال‪ ،‬لقي الجني د‬
‫وطبقته وكتب الحديث وسكن مصر)(‪)6‬‬

‫‪ )(1‬مجموع الفتاوى‪.402 /16 :‬‬


‫‪ )(2‬مدارج السالكين‪..307 /2 :‬‬
‫‪ )(3‬مدارج السالكين‪.366 /2 :‬‬
‫‪ )(4‬مدارج السالكين‪.3/128 :‬‬
‫‪ )(5‬تذكرة الحفاظ‪.3/852 ،‬‬
‫‪ )(6‬تذكرة الحفاظ‪..3/961 ،‬‬

‫‪220‬‬
‫وقال في (الماليني)‪( :‬الحافظ العالم الزاهد أبو سعد احمد بن محم د بن احم د‬
‫ابن عب د هللا ابن حفص األنص ارى اله روي الم الينى الص وفي‪ ،‬ويع رف أيض ا‬
‫بطاووس الفقراء‪ ..‬وجمع وحصل من المسانيد الكبار ش يئا كث يرا‪ ،‬وك ان ثق ة متقن ا‬
‫صاحب حديث ومن كبار الصوفية)(‪)1‬‬
‫وقال في (الكتاني)‪( :‬اإلم ام المح دث مفي د دمش ق ومح دثها أب و محم د عب د‬
‫العزي ز بن أحم د بن محم د علي التميمي الدمش قي الص وفي‪ ،‬س مع الكث ير وجم ع‬
‫فأوعى)(‪)2‬‬

‫هذه مجرد نماذج بسيطة‪ ،‬واألمثلة على ذلك أكثر من أن تحص ر‪ ،‬وهي كله ا‬
‫تدل على الموقف اللين الذي انتهجه متقدمو الس لفية مقارن ة ب الموقف ال ذي انتهج ه‬
‫المتأخرون‪ ،‬وخاصة في الفترة التي جاء فيها محم د بن عب د الوه اب‪ ،‬وال ذي كف ر‬
‫جميع صوفية زمانه حتى الحنابلة منهم‪ ،‬كما رأينا س ابقا‪ ،‬وق د زاد ذل ك التكف ير في‬
‫عصرنا على كل العصور السابقة كما أشرنا إلى ذلك‪.‬‬
‫موقف متأخري السلفية من تكفير أعالم الصوفية‪:‬‬
‫على عكس ذل ك الموق ف اللين ال ذي وقف ه كب ار منظ ري ومحققي المدرس ة‬
‫السلفية نج د المت أخرين ال ذين تش ددوا في ك ل أعالم الص وفية أوائلهم وأواخ رهم‪،‬‬
‫ورموهم جميعا بالقول بوحدة الوجود بمعناها الفلسفي‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك موقف صاحب كتاب [الكشف عن حقيقة الص وفية ألول م رة‬
‫في التاريخ]‪ ،‬والذي يقدسه السلفية المعاصرون كثيرا‪ ،‬ويعت برون ص احبه ص احب‬
‫اكتشاف مهم غاب عن كل متقدمي السلفية الذين أحس نوا الظن بالص وفية بس ب م ا‬
‫كانوا يرونه من عبادة وتقوى‪.‬‬
‫فقد قال في كتابه هذا مشيرا إلى أن الص وفية جميع ا ق ائلون بوح دة الوج ود‬
‫بمعناها الفلسفي‪( :‬أمام هذا الوضع‪ ،‬ال يكفي تقديم دراسة عن صوفي واحد أو اثنين‬
‫أو ثالثة أو عشرة! لذلك ستكون الفصول اآلتية أقواًال ألك بر ع دد يمكن للكت اب أن‬
‫يستوعبه من أئمتهم وكبرائهم‪ ،‬منذ الجنيد وأقرانه ح تى أص حاب الط رق في أيامن ا‬
‫الحاضرة‪ ،‬بحيث ال يبقى مجال ألولئ ك الم دافعين‪ ،‬وال يبقى مك ان لحججهم‪.‬ويجب‬
‫أن نتذكر دائمًا‪ ،‬وأن ال ننسى أبدًا أن التصوف م ذهب واح د‪ ،‬كم ا يق رره أص حاب‬
‫هذا المذهب العارفون الواصلون)(‪)3‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك موقفه من الجنيد الذي رأين ا ثن اء ابن تيمي ة وابن القيم‬
‫عليه‪ ،‬ومثلهما الكثير من المحدثين كابن رجب والذهبي وغيرهما‪ ..‬لكن كل ذل ك لم‬
‫يعجبه‪ ،‬بل راح يتهم الجنيد بما لم يجرؤ سلفه على اتهامه به‪.‬‬
‫بل راح يتهم ابن تيمية في ثنائه عليه‪ ،‬بسب عدم فهمه لمقاصده‪ ،‬فق د نق ل م ا‬
‫ق ال ابن تيمي ة في كت اب (دق ائق التفس ير)‪ ،‬وه و قول ه‪..( :‬وبين لهم الجني د الف رق‬
‫‪ )(1‬تذكرة الحفاظ‪.1070 /3 ،‬‬
‫‪ )(2‬تذكرة الحفاظ‪.1170 /3 ،‬‬
‫‪ )(3‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.9‬‬

‫‪221‬‬
‫الثاني‪ ،‬وهو أنهم مع مشاهدة المش يئة العام ة‪ ،‬ال ب د لهم من مش اهدة الف رق بين م ا‬
‫يأمر هللا به وما ينهى عن ه‪ ،‬وه و الف رق بين م ا يحب ُه وم ا يبغض ه‪ ،‬وبين ذل ك لهم‬
‫الجنيد‪ ،‬كما قال في التوحيد‪ :‬هو إفراد الحدوث عن القدم)(‪)1‬‬
‫ثم علق على ذلك بقول ه‪( :‬أق ول‪ :‬رحم هللا ابن تيمي ة‪ ،‬لم يكل ف نفس ه دراس ة‬
‫اللغ ة الص وفية وعباراته ا‪ ،‬ف انزلق مث ل ه ذا االن زالق‪ ،‬وأظن أن عب ارة الجني د‬
‫(مشاهدة المشيئة العامة) هي اآلن واضحة المدلول‪ ،‬أما العبارتان‪( :‬ما يأمر هللا به‪،‬‬
‫وما ينهى عن ه) فق د تغيب اإلش ارة فيهم ا عن الق ارئ ال ذي لم يتم رس بع د باللغ ة‬
‫الصوفية‪ ،‬فإلى ماذا تشيران؟)(‪)2‬‬
‫ثم راح يشرح البن تيمية م ا لم يفهم ه من كالم الجني د‪ ،‬فق ال‪( :‬م ر معن ا في‬
‫ص فحات س ابقة‪ ،‬وس يمر فيم ا ي أتي من فص ول أنهم يقول ون باإِل س الم واإِل يم ان‬
‫واإِل حسان الذي جاء في الحديث الشريف‪ ،‬وأنهم يفسرون (اإِل حسان) أن ه الفن اء في‬
‫الذات‪ ،‬أو استش عار األلوهي ة وت ذوقها‪ ،‬وبالت الي معرف ة وح دة الوج ود استش عارًا‬
‫وذوقًا وتحققًا‪ .‬ومر معنا‪ -‬وسيمر‪ -‬أنهم يجعلون معنى كلمة (الفاحشة‪ ،‬أو الفواحش)‬
‫الواردة في القرآن الكريم هو البوح بالسر‪ ،‬ولنتذكر أيضًا تفس يرهم لآلي ة الكريم ة‪:‬‬
‫﴿َو َلْو َتَقَّو َل َع َلْيَنا َبْع َض اَألَقاِو يِل ﴾ [الحاقة‪ ،]44:‬وغيره ا‪ .‬من هن ا تتوض ح اإِل ش ارة‬
‫في قول الجنيد (ما يأمر هللا به) التي تشير إلى اآلي ة الكريم ة‪ِ﴿ :‬إَّن َهَّللا َي ْأُم ُر ِباْلَع ْد ِل‬
‫َو اِإل ْح َس اِن ﴾ [النحل‪ ،]90:‬وكذلك اإِل شارة في قوله‪( :‬وما ينهى عنه) ال تي تش ير إلى‬
‫اآلية الكريمة‪َ﴿ :‬و َيْنَهى َع ِن اْلَفْح َش اِء َو اْلُم نَك ِر ﴾[النحل‪ .]90:‬أي إن عبارة الجنيد‪( :‬ما‬
‫أمر هللا به) تشير إلى (اإِل حسان) الذي يْأمر هللا به‪ ،‬والذي هو عن دهم معرف ة وح دة‬
‫الوج ود؛ وعبارت ه‪( :‬وم ا ينهى عن ه) تش ير إلى (الفحش اء) ال تي ينهى هللا س بحانه‬
‫عنها‪ ،‬والتي هي عندهم البوح بالسر‪ ،‬وبذلك تكون العب ارة‪( :‬ال ب د لهم من مش اهدة‬
‫الفرق بين ما يأمر هللا به وم ا ينهى عن ه) له ا نفس مع نى عب ارة الش اذلي‪( :‬اجع ل‬
‫الفرق في لسانك موجودًا‪ ،‬والجمع في جنانك مشهودًا) ونفس معنى عبارة الجيالني‬
‫(فبظاهره ينظر إلى ما في السوق‪ ،‬وبقلبه ينظر إلى ربه عز وجل‪ ،‬إلى جالل ه ت ارة‬
‫وإلى جمال ه ت ارًة أخ رى)‪ ،‬ونفس مع نى عب ارة ابن عجيب ة‪( :‬إي اك أن تق ول أن اه‪،‬‬
‫واحذر أن تكون سواه)(‪)3‬‬
‫وهكذا يقع السلفية في الطعن في ابن تيمية إن لم يوافق هواهم‪ ..‬فهم مع ه ك ل‬
‫ش يء‪ ،‬وخاص ة إن واف ق نفوس هم الممتلئ ة باألحق اد‪ ،‬ليغ ذيها بغ ذاء التكف ير ال ذي‬
‫يشتهونه‪ ..‬لكنه إن قصر في ذلك‪ ،‬فهم يكملون ما قصر فيه‪.‬‬
‫ولهذا نجدهم يتمنون لو أنهم استطاعوا أن يحرقوا كل ما كتب ه عن التص وف‬
‫هو وابن القيم وابن رجب وغيرهم‪ ..‬مثلما فعل أسالفهم بكتب الغزالي والفالسفة‪.‬‬
‫وهك ذا راح ينق ل كلم ات الجني د في الس لوك والمعرف ة‪ ،‬ويطب ق عليه ا ك ل‬
‫() دقائق التفسير الجامع لتفسير اإلمام ابن تيمية‪)1/426 ( ،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ )(2‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.93‬‬
‫‪ )(3‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.94‬‬

‫‪222‬‬
‫األحكام الجزافية التي وضعها‪ ،‬فقد نقل عن الجني د قول ه للش بلي‪( :‬نحن حبرن ا ه ذا‬
‫العلم تحب يرًا‪ ،‬ثم خبأن اه في الس راديب‪ ،‬فجئت أنت فأظهرت ه على رءوس المإل!‬
‫فقال‪ :‬أنا أقول‪ ،‬وأنا أسمع‪ ،‬فهل في الدارين غ يري؟)‪ ،‬ثم عل ق علي ه بقول ه‪( :‬يهمن ا‬
‫في هذا النص قول الجنيد فق ط‪ِ .‬إن ه يخ بر عن علم ح بره ه و تحب يرًا‪( ،‬أي‪ :‬وض ع‬
‫قواعده وأصوله)‪ ،‬ثم خبأه في السراديب! فم ا ه و ه ذا العلم المخب أ؟! ولم خب أه في‬
‫السراديب؟!)(‪)1‬‬
‫وهكذا يسأل نفسه‪ ،‬ويجيب نفس ه‪ ،‬ثم يحكم في األخ ير بنفس ه‪ ،‬فه و القاض ي‬
‫وهو المدعي وهو السجان وهو الس ياف‪ ..‬وال يح ل ألح د من الن اس أن يوض ح ل ه‬
‫مقصود الجنيد حتى لو كان ابن تيمية نفسه‪.‬‬
‫وهكذا نراه في موقفه من الشيخ عبد القادر الجيالني‪ ،‬والذي أثنى ابن تيمي ة‬
‫عليه كثيرا في كتبه‪ ،‬كما رأينا بعض النماذج على ذلك س ابقا‪ ،‬لكن ابن تيمي ة ـ كم ا‬
‫يصور هذا السلفي المعاصر ـ لم يفهم هذا الشيخ الجليل‪ ،‬ألن حيل الباطنية الصوفية‬
‫انطلت عليه‪.‬‬
‫ولهذا يوضحها له في كشفه الذي حصل ألول مرة في التاريخ‪ ،‬وتلقاه السلفية‬
‫بكل أريحية‪ ،‬ولم يبالوا بطعن ابن تيمية وال غيره من أسالفهم‪.‬‬
‫ومن تل ك األدل ة ال تي اس تدل به ا على تكف يره بس بب قول ه بوح دة الوج ود‬
‫الفلسفية هذه النصوص الروحية العميق ة‪( :‬الحم د هلل ال ذي كّي ف الكي ف وت نزه عن‬
‫الكيفية‪ ،‬وأّين األين وتعزز عن األينية‪ ،‬وُو جد في ك ل ش يء وتق دس عن الظرفي ة‪،‬‬
‫وحضر عند كل شيء وتعالى عن العندية)(‪)2‬‬
‫وقوله‪..( :‬ثم قال لي‪ :‬يا غوث األعظم! ما أكل اإِل نسان شيئًا وم ا ش رب وم ا‬
‫قام وال قعد وما نطق وما صمت وما فعل فعاًل وما توجه لشيء وما غاب عن شيء‬
‫إال وأنا فيه‪ ،‬ساكنه ومتحركه‪ .‬ثم ق ال لي‪ :‬ي ا غ وث األعظم‪ ،‬جس م اإِل نس ان ونفس ه‬
‫وقلبه وروحه وسمعه وبصره ويده ورجله ولسانه وكل ذل ك طه رت ل ه نفس بنفس‬
‫ال هو إال أنا وال أنا غيره)(‪)3‬‬
‫وقوله‪( :‬ف إذا تحق ق عن دكم العم ل‪ ،‬رأيتم الق درة‪ ،‬فحينئ ذ َيْج َع ُل التك وين في‬
‫أيدي قلوبكم وأسراركم‪ ،‬إذا لم يبق بينك وبين هللا حجاب من حيث قلبك‪ ،‬قّد رك على‬
‫التكوين وأطلعك على خزائن سره‪ ،‬وأطعمك طع ام فض له‪ ،‬وس قاك ش راب األنس‪،‬‬
‫وأقعدك على مائدة القرب منه‪ ،‬وكل هذا ثمرة العلم بالكتاب والسنة أعم ل بهم ا وال‬
‫تخرج عنهما‪ ،‬حتى يأتيك صاحب العلم‪ ،‬هللا ع ز وج ل‪ .‬فيأخ ذك إلي ه‪ ،‬إذا ش هد ل ك‬
‫معلم الحكم بالح ذق في كتاب ه‪ ،‬نقل ك إلى كت اب العلم‪ ،‬ف إذا تحققت في ه أقيم قلب ك‬
‫ومعناك‪ ،‬والنبي في صحبتهما آخذ بأيديهما‪ ،‬ويدخلهما إلى الملك‪ ،‬ويق ول لهم ا‪ :‬ه ا‬

‫‪ )(1‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.96‬‬


‫() الفيوضات الربانية‪( ،‬ص‪)41:‬‬
‫‪2‬‬
‫() الفيوضات الربانية‪( ،‬ص‪ ) 5:‬وتبرز هنا ملحوظة هامة‪ ،‬هي أنه ال يهمنا إن كان كل ما في كتاب (الفيوضات الربانية) صحيح النسبة للجيالني أم ال؛ ألن الذي يهمنا هو أن ه ذا الكت اب ه و عقي دة‬
‫‪3‬‬
‫عشرات الماليين من الذين ساروا على نهج الطريقة القادرية طيلة قرون طويلة‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫ربكما)(‪)1‬‬ ‫أنتما‬
‫وقول ه‪( :‬بقي أب و يزي د البس طامي س بع م رات‪ ،‬لم ا ُس مع من ه من الكالم‬
‫العجيب‪ ،‬يفتح إلى قل ويهم أب واب الق رب‪ ،‬ال يجمعهم م ع الخل ق س وى الص لوات‬
‫الخمس ولقب اآلدمي ة البش رية؛ وص ورتهم ص ورة اإِل نس‪ ،‬وقل وبهم م ع الق در‪،‬‬
‫وأسرارهم مع الملك)(‪)2‬‬
‫ثم يعل ق على ه ذا النص بقول ه‪( :‬يخ بر عب د الق ادر الجيالني عن أبي يزي د‬
‫البسطامي أنه كان يفتح أبواب القرب (من هللا وبه وإلي ه وفي ه) إلى قل وبهم‪ ،‬أي إلى‬
‫قلوب المريدين‪ .‬إذًا فعبد القادر الجيالني ‪-‬في هذا النص‪ -‬يزكي أب ا يزي د‪ ،‬وبالت الي‬
‫فهو يوافقه على أقواله التي مرت معنا آنفًا)(‪)3‬‬
‫وقوله تعليقا على قول الشيخ عبد القادر الجيالني‪( :‬قي ل للحالج حين ص لب‪:‬‬
‫(أوصني)‪ ،‬قال‪ :‬نفس ك إن لم تش غلها وإال ش غلتك)(‪ُ( :)4‬يظه ر الحالَج هن ا بمظه ر‬
‫المعلم الحكيم‪ ،‬المقصود‪ ،‬حتى عند الصلب‪ ،‬إذًا فالحالج مزكًى عند الجيالني‪ ،‬وهذا‬
‫يع ني أن الجيالتي يتلقى أق وال الحالج ب القبول‪ ،‬فه و ي ؤمن بأقوال ه وعقيدت ه‪،‬‬
‫ونستطيع أن نرجع إليها حاًال‪ ،‬لتكون تذكرة وتعيها أذن واعية)(‪)5‬‬
‫وهكذا ن راه ينق ل النص وص الكث يرة من كتب الش يخ عب د الق ادر المختلف ة‪،‬‬
‫ويحللها كما يشاء‪ ،‬ويحكم عليها بسيف تكفيره‪.‬‬
‫ومثل ذلك نجد علما آخر من أعالم الس لفية المعاص رين أعطى جه دا كب يرا‬
‫في تكفير الصوفية والتح ذير منهم‪ ،‬وه و د‪ .‬محم د جمي ل غ ازي‪ ،‬وال ذي عق د في‬
‫كتابه [الصوفية والوجه اآلخر] فصال خاصا برابع ة العدوي ة ال تي أث نى عليه ا ابن‬
‫تيمة‪ ،‬والتي هي محل احترام من جميع المسلمين‪.‬‬
‫وق د عن ون فص له به ذا العن وان المث ير‪[ :‬رابع ة العدوي ة‪ :‬الشخص ية‬
‫واألسطورة]‪ ،‬وقد ذكر أن الذي دفعه إلى كتابته [مجلة التوعية اإلسالمية]‪ ،‬نظرا لـ‬
‫(اتساع ش هرتها بين المتص وفة‪ ،‬وم ا ذاع وش اع حوله ا من أس اطير‪ ..‬فق د امتألت‬
‫كتبهم بآالف الصفحات التي كتبت عنها)(‪)6‬‬
‫وقد بدأ حديثه الممتلئ بالحق د عليه ا‪ ،‬بس ب تل ك الش هرة بالص الح والتق وى‬
‫التي نالتها بقوله‪( :‬رابعة العدوية واحدة من المتصوفين الذين اتخذوا لهم منهج ا في‬
‫العقيدة‪ ،‬ومنهجا في العبادة‪ ،‬أما منهجهم في العقيدة فهو مجموعة أفك ار غريب ة عن‬
‫اإلس الم م أخوذة من ال ديانات القديم ة كالهندوكي ة‪ ،‬والزرادش تية‪ ،‬والفارس ية‪،‬‬
‫واإلغريقية‪ ،‬والمسيحية‪ ،‬وغيرها من األديان األخرى ومجموعة ه ذه األفك ار أدت‬
‫بهم إلى عقيدة معينة توهموه ا واعتنقوه ا فق الوا ب الحلول‪ ،‬وق الوا بوح دة الوج ود‪،‬‬
‫() الفتح الرباني‪( ،‬ص‪)217:‬‬
‫‪1‬‬
‫() الفتح الرباني‪( ،‬ص‪)360:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ )(3‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫() الفتح الرباني‪( ،‬ص‪)367:‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ )(5‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪ )(6‬الصوفية والوجه اآلخر‪ ،‬ص‪.39‬‬

‫‪224‬‬
‫وقالوا باإلشراق أو ما شاكل ذلك‪ ،‬ولن نن اقش م ا يعتقدون ه اآلن‪ .‬فنحن نرك ز على‬
‫أربعة بالذات وما قالته‪ ،‬وم ا نس به إليه ا‪ ،‬وم ا نس ج ح ول شخص يتها من خراف ات‬
‫وأوهام)(‪)1‬‬
‫وانطالقا من هذا راح يحل ل م ا قالت ه رابع ة بنفس المحالي ل ال تي يحل ل به ا‬
‫السلفية ما ال يعجبهم من األفكار‪ ،‬وقد بدأ ذلك بتساؤل طرحه‪ ،‬هو (لماذا نعبد هللا؟)‪،‬‬
‫ثم أجاب عليه بقوله‪( :‬الصوفية كما نعلم اسم يوناني قديم مأخوذ من الحكمة ص وفيا‬
‫وليس كما يقولون أنه مأخوذ من الصوف ألنه كان لباس المسيح عليه الس الم‪ ،‬فلق د‬
‫رد عليهم ابن تيمية في رسالته عن الصوفية والفقراء‪ ،‬فقال‪ :‬نحن أولى بهدي محمد‬
‫‪ ‬من هدي عيسى بن مريم ولق د ك ان رس ول هللا ‪ ‬يلبس الص وف يلبس القطن‬
‫ويلبس الكتان‪ ،‬هذا إذا سلمنا جدال أن عيسى عليه السالم كان ينفرد بلبس الص وف‪،‬‬
‫أو كان ال يلبس شيئا غير الصوف‪ ..‬ورابع ة العدوي ة كم ا قلت هي واح دة من ه ذه‬
‫المدرسة‪ .‬وحينما تقول إنها ال تعبد هللا خوف ا من ن اره‪ ،‬وال طمع ا في جنت ه تخ الف‬
‫نص الق رآن الك ريم‪ ،‬وإن ك انت هي به ذا تنتمي إلى مدرس تها تمام ا‪ ..‬فالمدرس ة‬
‫الصوفية هي التي تعتبر أن ال ذين يعب دون هللا من أج ل جن ة أو خوف ا من ن ار إنم ا‬
‫يتعاملون مع هللا‪ ،‬أو يعبدون هللا‪ ،‬عبادة التجار كما أطلقوا عليها‪ .‬مع أن ه ذه العب ادة‬
‫التي يسمونها عبادة التجار هي عبادة رسل هللا عليهم ص لوات هللا وس المه‪ ..‬فكي ف‬
‫يتأتى لواحدة كرابعة العدوية قالوا عنها أنها ك انت مغني ة‪ ،‬وق الوا عنه ا أنه ا ك انت‬
‫راقصة‪ ،‬وقالوا عنها كالما كثيرا‪ ،‬كيف تأتى لهذه التي عاشت عمرا في الغن اء وفي‬
‫الرقص‪ ..‬كيف يت أتى له ا أن تس بق رس ول هللا ‪ ‬وأن تس بق رس ل هللا جميع ا في‬
‫المعرفة باهلل والعلم به سبحانه وتعالى؟)(‪)2‬‬
‫ثم ساق أبياتها التي هي محل إعجاب من المؤمنين جميعا‪ ،‬وهي قولها‪:‬‬
‫وحبا ألنك أهل لذاكا‬ ‫أحبك حبين حب الهـــوى‬
‫فشغلي بذاتك عمن سواكا‬ ‫‍‬
‫فكشفك لي الحجب حتى‬ ‫فأما الذي هو حب الهوى ‍‬
‫أراكا‬ ‫وأما الذي أنت أهل لـــــه‬
‫وعلق عليها بقوله‪( :‬ما هي ه ذه الحجب ال تي تنتظ ر رابع ة أن تنكش ف له ا‬
‫حتى ترى هللا‪ ،‬مع أن هللا سبحانه وتعالى ق ال لموس ى علي ه الس الم حينم ا ق ال ل ه‪:‬‬
‫﴿َر ِّب َأِرِني َأْنُظْر ِإَلْيَك َقاَل َلْن َتَر اِني َو َلِكِن اْنُظْر ِإَلى اْلَجَبِل َفِإِن اْسَتَقَّر َم َكاَنُه َفَس ْو َف‬
‫َت َر اِني ﴾ [األع راف‪ ،]143 :‬ولق د اتفقت األم ة المس لمة الواعي ة على أن ه ال يمكن‬
‫للبشر أن يروا هللا سبحانه وتعالى في الدنيا ألن اإلنسان بحالته هذه‪ ،‬وه و في ال دنيا‬
‫ال يستطيع أن يواجه تجلي هللا سبحانه وتعالى)(‪)3‬‬
‫ثم راح لتلك األحاديث الجميلة ال تي رويت عن رابع ة في محب ة هللا ليقض ي‬

‫‪ )(1‬الصوفية والوجه اآلخر‪ ،‬ص‪.39‬‬


‫‪ )(2‬الصوفية والوجه اآلخر‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫‪ )(3‬الصوفية والوجه اآلخر‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪225‬‬
‫عليها بفهمه الممتلئ بالعنف والغلظة‪ ،‬فقال‪( :‬رابعة العدوي ة‪ ،‬ومن على ش اكلتها هم‬
‫أول من أطلق على محبة هللا عشقا‪ ،‬والعشق ما هو؟ إن العشق في أصل وض عه في‬
‫اللغة العربي ة لم ا ينكح‪ ،‬والص وفية وض عوا ه ذا اللف ظ لم ا بينهم وبين هللا س بحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬اعتبروه عشيقا كالذي يكون بين الرجل والمرأة‪ ،‬ق د ي ذهل اإلنس ان حينم ا‬
‫يسمع هذا الكالم‪ ،‬وربما اعت بر البعض أن ه ذا تجني ا على الص وفية‪ ،‬ولكن ه حينم ا‬
‫يتابع كالم القوم وما كتبوه في باب العشق يجد أنهم ينهجون ذلك المنهج‪ ،‬ويقصدون‬
‫هذا المنحى‪ ،‬ويعترفون أن عالقتهم باهلل تكون على هذا المستوى)(‪)1‬‬
‫ثم يتساءل‪( :‬ما هو هذا العشق اإللهي الذي لجأت إليه رابعة العدوية‪ ،‬ونسيت‬
‫الدنيا‪ ،‬وما فيها وكرهت العالم جميعا‪ ،‬وهل هللا سبحانه أمرنا بهذا؟ ه ل هللا س بحانه‬
‫وتعالى أمرنا أن نصد عن خلقه‪ ،‬وأن نصد عن الناس‪ ،‬وأن نصد عن ال زواج‪ ،‬وأن‬
‫نصد عن المتع‪ ،‬وأن نصد عن المال‪ ،‬وأن نصد عن هذا كله بحج ة أنن ا تركن ا ه ذا‬
‫كله له‪ ،‬مع أنه هو الذي ق ال في كتاب ه‪ُ﴿ :‬ق ْل َم ْن َح َّر َم ِز يَن َة ِهَّللا اَّلِتي َأْخ َر َج ِلِعَب اِدِه‬
‫َو الَّطِّيَب اِت ِم َن ال ِّر ْز ِق ﴾ [األع راف‪ ]32 :‬ثم كي ف تمتن ع رابع ة عن ال زواج كم ا‬
‫يقولون‪ ..‬أتزعم رابعة العدوية أنها متفوقة على رس ول هللا ‪ ‬ال ذي ت زوج النس اء‬
‫وأكل وطعم وشرب‪ ،‬وهل نتصور أن رابع ة أفض ل من الرس ول ‪ ،‬وأفض ل من‬
‫ص حابته‪ ،‬ه ؤالء ال ذين رب اهم هللا‪ ،‬وأنه ا أوتيت من العلم م ا لم يؤت ه رس ول هللا‪،‬‬
‫وأكثر مما نزل في القرآن‪ ،‬وأنه ا تتخل ق ب أخالق أك بر من أخالق الق رآن؟‪ ..‬وه ذا‬
‫وحده مخرج من الملة والعياذ باهلل سبحانه وتعالى)(‪)2‬‬
‫هذه نماذج عن اللغة التي تحدث بها هذا السلفي عن هذه المرأة التي اعتبره ا‬
‫المسلمون والمسلمات مثاال من أمثلة الصالح والتقوى والمحبة اإللهية‪ ..‬والسلفية ال‬
‫يعجبهم أن يث نى على أح د من الن اس اللهم إال على أولئ ك ال ذين حفظ وا عش رات‬
‫ومئات اآلالف من األحاديث‪ ..‬أما من عداهم‪ ،‬فال يستحق أن ت ذكر ل ه مكرم ة‪ ،‬وال‬
‫أن يشاد به‪ ،‬حتى ال تصير اإلشادة به حجابا بين األمة وبين سلفها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تكفير أنصار الصوفية ومؤيديها والمتأثرين بها‪.‬‬
‫ال يكتفي الس لفية بتكف ير مش ايخ الص وفية الكب ار‪ ،‬كم ا أش رنا إلى ذل ك في‬
‫العن وان الس ابق‪ ،‬ب ل إنهم يض مون إليهم تحت عن اوين مختلف ة ك ل من ل ه ص لة‬
‫بالتصوف من قريب أو بعيد‪.‬‬
‫وهم يكفرونه على أسس مختلفة‪ :‬منه ا م ا يرتب ط برمي ه بوح دة الوج ود‪ ،‬أو‬
‫رميه بالشرك الجلي نتيجة قوله بالتوس ل واالس تغاثة والت برك‪ ،‬أو رمي ه ب الغلو في‬
‫رسول هللا ‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫وكتط بيق على ذل ك سأس وق هن ا بعض النم اذج على من يش ملهم التكف ير‬
‫العيني السلفي بسبب تأثرهم بالتصوف‪ ،‬أو انتمائهم لطرقه‪.‬‬
‫وأول ه ؤالء جمي ع مش ايخ األزه ر الش ريف ابت داء من أول ش يخ في ه إلى‬
‫‪ )(1‬الصوفية والوجه اآلخر‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪ )(2‬الصوفية والوجه اآلخر‪ ،‬ص‪.43‬‬

‫‪226‬‬
‫آخرهم‪ ..‬فكلهم كفار عند السلفية ليس باالعتبار العقدي فقط‪ ..‬ألنهم جميع ا منزه ة‪..‬‬
‫وإنما باالعتبار الصوفي أيضا‪ ..‬فهم كفار كفرا مضاعفا‪.‬‬
‫فمن مشــايخ األزهــر الشــيخ اإلمــام ابــراهيم بن محمــد بن شــهاب الــدين‬
‫البرماوي االزهري الشافعي الذي تولى مشيخة األزهر عام ‪ 1106‬هجرية الموافق‬
‫‪ 1695‬م‪ ،‬فق د ك ان ذا نزع ة ص وفية ظ اهرة في كتب ه‪ ،‬باإلض افة لم ا طب ع علي ه‬
‫الصوفية من حب آل البيت وتعظيمهم‪ ،‬ولهذا كان من أشهر كتبه (تراجم جماعة من‬
‫آل البيت) وهو مصنف يترجم لعدد كبير من آل ال بيت وي دخل للتص وف من خالل‬
‫محبة آل بيت رسول هللا ‪ ‬المطهرين(‪.)1‬‬
‫ومن مؤلفات ه ال تي يكفي الواح د منه ا لتكف يره عن د الس لفية (‪( :)2‬رس الة في‬
‫التوسل باألولياء والصالحين بعد الممات)‪ ،‬و(رسالة في قواعد التصوف)‬
‫ومنهم اإلمــام أحمــد بن عبــد المنعم بن صــيام الــدمنهوري (‪ ،)3‬ال ذي ولي‬
‫مشيخة األزهر عام ‪ 1182‬هجري ة‪ ،‬وق د أخ ذ التص وف من ع دد من كب ار ش يوخ‬
‫التصوف في عصره‪ ،‬ومن مؤلفاته فيه رسالة حول تحقيق معنى وحدة الوجود عن د‬
‫الصوفية‪ ،‬وكتاب [الزايرجة]‪ ،‬وهو ش رح لكت اب (كش ف ال ران عن وج ه البي ان)‬
‫لمحي الدين ابن ع ربي‪ ،‬وكت اب [حلي ة األب رار فيم ا في اس م على من األس رار]‪،‬‬
‫وكتاب [إرشاد الماهر إلى كنز الجواهر] (في أمراض القلوب وأعمالها)‬
‫ومنهم الشــيخ أحمــد العروســي(‪)4‬ال ذي ت ولى مش يخة األزه ر ع ام ‪1192‬‬
‫هجرية‪ ،‬وقد كان من كبار متصوفة عصره‪ ،‬وق د تتلم ذ على ي دي الش يخ الص وفي‬
‫الكبير مصطفى البكري‪ ،‬ومن مؤلفاته في التصوف التي تكفي لتكفير عن د الس لفية‪:‬‬
‫(شرح نظم التنوير في اسقاط التدبير للشيخ الملوي (في التصوف)‬
‫ومنهم الشيخ عبد هللا بن حجازي بن اب راهيم الش افعي الش رقاوي‪ ،‬وق د تلقى‬
‫مبادئ الطريقة الخلوتية على اإلمام الشيخ الحفني‪ ،‬وي ذكر م ترجموه أن ه (اس تولى‬
‫عليه التدله والذهول والهيام مما يسميه الصوفية بالجذب‪ ،‬وثاب إلى نفسه بع د أي ام‪،‬‬
‫ثم اتص ل بالص وفي الش هير الع ارف باهلل الش يخ محم ود الك ردي‪ ،‬والزم ه فرب اه‬
‫وأرش ده وقط ع ب ه م دارج الطري ق ولقن ه أس راره‪ ،‬فأص بح في مقدم ة المري دين‬
‫وطليعتهم)(‪)5‬‬
‫ومن مؤلفاته في التصوف التي تكفي لتكفيره عند السلفية‪ :‬ثبت الشرقاوي في‬
‫األح زاب واألوراد‪ ،‬وش رح حكم ابن عط اء هللا الس كندري‪ ،‬وش رح مختص ر لعلم‬
‫التصوف‪ ،‬وشرح الحكم والوصايا الكردية‪ ،‬وشرح ورد السحر للبكري‪.‬‬
‫ومنهم الشيخ مصطفى العروسي(‪ ، )6‬الذي ولي مشيخة األزهر كما وليها أبوه‬
‫‪ )(1‬الجبرتي‪ ،‬عجائب الىثار في التراجم واالخبار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.34‬‬
‫‪ )(2‬خير الدين الزركلي‪ ،‬األعالم‪ ،‬ج‪.42 ،1‬‬
‫‪ )(3‬علي عبد العظيم‪ ،‬مشيخة األزهر‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪.131‬‬
‫‪ )(4‬د‪ .‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬األزهر في ألف عام‪ ،‬ص‪..72‬‬
‫‪ )(5‬الجبرتي‪ ،‬مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس‪ ،‬ص‪.125‬‬
‫‪ )(6‬الجبرتي‪ ،‬عجائب اآلثار‪ ،‬ص ‪.92‬‬

‫‪227‬‬
‫وج ده من قبل ه‪ ،‬ومن مؤلفات ه في التص وف‪ :‬حاش ية على ش رح الش يخ زكري ا‬
‫األنصاري للرسالة القشيرية في التصوف‪ ،‬وكشف الغمة وتقييد مع اني أدعي ة س يد‬
‫األمة‪ ،‬والهداية بالوالية‪.‬‬
‫ومنهم الشيخ مصطفى عبد الرازق (‪ ،)1‬وكان من تالميذ الش يخ محم د عب ده‬
‫الذين يحضرون دروسه حيث قرأ عليهم رسالة (الجامي في الصفات) وهي رس الة‬
‫فلسفية صوفية‪ ،‬ومن مؤلفاته في التص وف‪ :‬أص ول التص وف‪ ،‬وفص ول في األدب‬
‫واألخالق (في آداب التصوف)‬
‫ومنهم الش يخ عب د الحليم محم ود‪ ،‬ال ذي ت دور معظم كتب ه ح ول نص رة‬
‫التصوف بمدارسه وطرقه المختلف ة‪ ،‬وه و م ا لقي إنك ارا ش ديدا من الس لفية ال ذين‬
‫يحملون عليه بشدة‪ ،‬ويلحقونه بابن عربي وبمن يسمونهم مالحدة الصوفية‪.‬‬
‫ومن أهم ما قام به تحقيقه الجيد ألمهات كتب التص وف‪ ،‬من أمث ال‪ :‬الرعاي ة‬
‫لحقوق هللا للمحاسبي‪ ،‬والتعرف لمذهب أهل التصوف للكالباذي‪ ،‬واللمع للطوس ي‪،‬‬
‫وتفسير التستري‪ ،‬والطريق إلى هللا أو كتاب الصدق للخ راز‪ ،‬والرس الة القش يرية‪،‬‬
‫والمنقذ من الضالل‪ ،‬للغ زالي‪ ،‬وع وارف المع ارف للس هروردي‪ ،‬وش رح حكم بن‬
‫عط اء هللا‪ ،‬للش يخ زروق‪ ،‬وغيث ال واهب في ش رح الحكم العطائي ة البن عب اد‪،‬‬
‫ولطائف المنن البن عطاء هللا السكندري‪.‬‬
‫باإلضافة إلى كتبه الكثيرة الممتلئة بالنفحات الص وفية من أمث ال‪ :‬الفيلس وف‬
‫المسلم دينييه (عبد الواحد يحيى)‪ ،‬والتصوف عند ابن س ينا‪ ،‬والتص وف االس المي‬
‫شحصيات ونصوص‪ ،‬والمدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي‪ ،‬وأبو‬
‫البركات سيدي أحمد الدرديري‪ ،‬وأبو العباس المرسي‪ ،‬والس يد أحم د الب دوي‪ ،‬وذو‬
‫النون المصري‪ ،‬وأبو مدين الغوث‪ ،‬وأبو اليزيد البسطامي‪ ،‬وغيرها من الكتب التي‬
‫لقيت شهرة كبيرة في األوساط الصوفية خصوصا‪.‬‬
‫هذه مجرد نماذج عن مشايخ األزهر الكبار ال ذين ت أثروا بالتص وف‪ ،‬وألف وا‬
‫فيه‪ ،‬وهو يدل على أن األزهر وغيره من المدارس اإلسالمية الك برى ك انت تتب نى‬
‫التصوف في السلوك كما تتبنى المدرسة األشعرية أو غيرها من المدارس التنزيهية‬
‫في العقيدة‪ ..‬وكل ذلك مما ليس له من حكم عند السلفية إال الكفر‪.‬‬
‫وهكذا الحال بالنسبة للمدارس الفقهية‪ ..‬فأكثر أعالمها نجده إما صوفيا بحت ا‪،‬‬
‫أو نجد للصوفية أثره ا في ه‪ ،‬ب ل إن الكث ير من أعالم الس لفية ال ذين يس تندون إليهم‬
‫ويجلونهم‪ ،‬ل و طبقن ا عليهم مق اييس الس لفية وخصوص ا بفرعه ا الوه ابي‪ ،‬فإن ه ال‬
‫ينطبق عليها إال حكم الشرك الجلي‪.‬‬
‫وسأسوق هنا باختصار شديد أس ماء بعض القب وريين من الس لف ـ على ح د‬
‫تعبير السلفية ـ مع المصادر الموثوقة التي وردت فيها(‪ )2‬وال ذين ن دعو الس لفية إلى‬

‫‪ )(1‬على عبد العظيم‪ ،‬مشيخة األزهر‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.684‬‬


‫‪ )( 2‬اقتبستها من كتاب [أسماء أشهر علماء أالمه اإلسالمية المتوسلين‪ ،‬فهل هؤالء وقعوا في الشرك]‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫ما كتبه الدكتور محمود صبيح في الموضوع‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫ضمهم إلى إخوانهم من القبوريين من سائر المسلمين‪ ،‬فال يصح أن يحكموا بالشرك‬
‫الجلي على قوم‪ ،‬ويتركوا الحكم به على آخرين‪ ..‬فمن تلك األسماء‪:‬‬
‫‪-1‬الحافظ إب راهيم الح ربى‪ :‬ال ذي روى عن ه الخطيب البغ دادي في تاريخ ه‬
‫قوله‪( :‬قبر معروف الترياق المجرب)(‪ ،)1‬وقال أبو عبد ال رحمن الس لمي في كتاب ه‬
‫طبقات الصوفية في ترجمة معروف الكرخي‪( :‬سمعت أبا الحسن بن مقسم المق رئ‬
‫ببغ داد يق ول‪ :‬س معت أب ا علي الص فار يق ول‪ :‬س معت إب راهيم بن الج زري يق ول‬
‫معروف الترياق المجرب)(‪)2‬‬
‫‪ 2‬ـ الحاف ظ أب و الربي ع بن س الم‪ ،‬ال ذي ق ال عن ه ال ذهبي في [س ير أعالم‬
‫النبالء]‪( :‬قال األبار كان غاي ة في ال ورع والص الح والعدال ة ولي خطاب ة المري ة‬
‫ودعي إلى القضاء فأبى ولما تغلب العدو نزح إلى مرسية وضاقت حاله فتحول إلى‬
‫فاس ثم إلى سبتة فتصدر به ا وبع د ص يته ورح ل إلي ه الن اس وطلب إلى الس لطان‬
‫بمراكش ليأخذ عنه فبقي بها مدة ورجع حدثنا عنه عالم من الجلة سمعت أبا الربي ع‬
‫بن سالم يق ول ص ادف وقت وفات ه قح ط فلم ا وض عت جنازت ه توس لوا ب ه إلى هللا‬
‫فسقوا وما اختلف الناس إلى قبره مد األسبوع إال في الوح ل)‪ ،‬وروى عن ه أن ه أن ه‬
‫توسل بقبر محمد بن عبيد هللا الحجري (‪.)3‬‬
‫‪ -3‬الحافظ أبو الشيخ األص بهانى‪ :‬ال ذي ذك ر ل ه ال ذهبي قص ة ل و حص لت‬
‫لغيره لما ترددوا في رميه بالشرك الجلي‪ ،‬فقد روى عن أبي بكر بن أبي علي‪ :‬ق ال‬
‫كان ابن المقرئ يقول كنت انا والط براني وأب و الش يخ بالمدين ه فض اق بن ا ال وقت‬
‫فواصلنا ذل ك الي وم‪ ،‬فلم ا ك ان وقت العش اء حض رت الق بر‪ ،‬وقلت‪ :‬ي ا رس ول هللا‬
‫الجوع‪ ،‬فقال لي الطبراني‪ :‬اجلس فإما ان يكون ال رزق او الم وت‪ ،‬فقمت أن ا وأب و‬
‫الشيخ‪ ،‬فحضر الباب علوي ففتحنا له‪ ،‬فإذا معه غالم ان بقف تين فيهم ا ش يء كث ير‪،‬‬
‫وقال شكوتموني إلى النبي ‪ ‬رأيته في النوم فأمرني بحمل شيء اليكم (‪)))4‬‬
‫‪ 4‬ـ الحافظ أبو زرعة الرازى‪ :‬الذي ذكر له المناوي هذه القصة‪ ..( :‬أن علي ا‬
‫الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محم د الب اقر بن علي زين العاب دين‬
‫بن الحسين لما دخل نيسابور كان في قبة مستورة على بغل ة ش هباء‪ ،‬وق د ش ق به ا‬
‫الس وق‪ ،‬فع رض ل ه اإلمام ان الحافظ ان أب و زرع ة ال رازي وابن أس لم الطوس ي‬
‫ومعهما من أهل العلم والحديث من ال يحصى‪ ،‬فقاال‪ :‬أيه ا الس يد الجلي ل ابن الس ادة‬
‫األئمة بح ق آبائ ك األطه رين وأس الفك األك رمين إال م ا أريتن ا وجه ك الميم ون‪،‬‬
‫ورويت لنا حديثا عن آبائك عن جدك ن ذكرك ب ه‪ ،‬فاس توقف غلمان ه وأم ر بكش ف‬
‫المظلة وأقر عيون الخالئق برؤية طلعته‪ ،‬فكانت ل ه ذؤابت ان مت دليتان على عاتق ه‪،‬‬
‫والناس قيام على طبقاتهم ينظرون ما بين باك وص اخ ومتم رغ في ال تراب ومقب ل‬

‫‪ )(1‬تاريخ بغـداد (‪)122 / 1‬‬


‫‪ )(2‬طبقات الصوفية‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ )(3‬سير أعالم النبالء)(‪)253- 251 / 21‬‬
‫‪ )(4‬سير أعالم النبالء (‪)400 / 16‬‬

‫‪229‬‬
‫لح افر بغلت ه‪ ،‬وعال الض جيج‪ ،‬فص احت األئم ة األعالم‪ :‬معاش ر الن اس انص توا‬
‫واسمعوا ما ينفعكم وال تؤذونا بصراخكم‪ ،‬وك ان المس تملي أب و زرع ة والطوس ي‪،‬‬
‫فقال الرضا‪ :‬حدثنا أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الب اقر‬
‫عن أبي ه علي زين العاب دين عن أبي ه ش هيد ك ربالء عن أبي ه علي المرتض ى ق ال‬
‫حدثني حبيبي وقرة عيني رسول هللا قال حدثني جبريل عليه السالم قال حدثني رب‬
‫العزة سبحانه يقول كلمة ال إل ه إال هللا حص ني فمن قاله ا دخ ل حص ني ومن دخ ل‬
‫حص ني أمن من ع ذابي‪ ،‬ثم أرخى الس تر على القب ة وس ار‪ ،‬فع د أه ل المح ابر‬
‫والدواوين الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفا)(‪)1‬‬
‫‪ 5‬ـ المحدث أبو على الخالل‪ :‬قال الخطيب البغدادي‪( :‬أخبرنا أحمد بن جعفر‬
‫بن حم دان القطيعي‪ ،‬ق ال‪ :‬س معت الحس ن بن إب راهيم أب ا علي الخالل‪ ،‬يق ول‪ :‬م ا‬
‫همني أمر فقصدت ق بر موس ى بن جعف ر‪ ،‬فتوس لت ب ه إال س هل هللا تع الى لي م ا‬
‫أحب)(‪)2‬‬
‫‪ 6‬ـ الحافظ ابن القيسرانى‪ :‬قال الذهبي في تذكرة الحفاظ‪( :‬قال أبو الربي ع بن‬
‫سالم الحافظ كان وقت وفاة أبي محمد بن عبيد هللا قحط مضر فلما وضع على شفير‬
‫القبر توسلوا به إلى هللا في إغ اثتهم فس قوا في تل ك الليل ة مط را وابال وم ا اختل ف‬
‫الناس إلى قبره مدة االسبوع اال في الوحل والطين)(‪)3‬‬
‫‪ 7‬ـ الحافظ ابن حبان‪ :‬الذي قال في كتابه [الثق ات]‪( :‬وق بره ـ أي ق بر اإلم ام‬
‫علي الرضا ـ بسنا ب اذ خ ارج النوق ان مش هور ي زار بجنب ق بر الرش يد ق د زرت ه‬
‫مرارا كثيرة‪ ،‬وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر على بن موس ى‬
‫الرض ا ص لوات هللا على ج ده وعلي ه ودع وت هللا إزالته ا ع نى إال أس تجيب لي‬
‫وزالت عنى تلك الشدة‪ ،‬وهذا شئ جربته مرارا‪ ،‬فوجدته كذلك أماتنا هللا على محب ة‬
‫المصطفى وأهل بيته ‪ ‬هللا عليه وعليهم أجمعين)(‪)4‬‬
‫‪ -8‬الحافظ ابن حجر العس قالنى‪ :‬ول ه كالم كث ير فى فتح الب ارى وغ يره في‬
‫هذا‪ ،‬من ذلك قوله‪ ،‬وهو يشرح ح ديث التوس ل ب دعاء العب اس في االستس قاء ق ال‪:‬‬
‫(ويستفاد من قصة العباس استحباب االستش فاع بأه ل الخ ير والص الح وأه ل بيت‬
‫النبوة)(‪)5‬‬
‫‪ 9‬ـ اإلمام أحمد‪ :‬ال ذي ق ال فى منس كه ال ذى كتب ه للمـروذى‪( :‬إن ه يتوسـل‬
‫بالنبى ‪ ‬فى دعائه)‪ ،‬فمع أن النص واضح في التوسل بذات النبي ‪ ‬نفس ها‪ ،‬لكن‬
‫ابن تيمية تكلف‪ ،‬فأول ذلك إلى التوس ل باإليم ان ب النبي ‪ ‬وطاعت ه‪ ،‬فق د نق ل ابن‬
‫مفلح قول اإلمام أحمد وتفسير ابن تيمية له مقررا له ال‪ ،‬فقال‪( :‬وقيل‪ :‬يستحب‪ ،‬ق ال‬
‫أحمد في منسكه الذي كتبه للمروذي‪ :‬إنه يتوسل بالنبي ‪ ‬في دعائه‪ ،‬وجزم ب ه في‬
‫‪ )(1‬فيض القدير‪.489 /4 ،‬‬
‫‪ )(2‬تاريخ بغداد (‪)442 /1‬‬
‫‪ )(3‬تذكرة الحفاظ‪.1371 /4 ،‬‬
‫‪ )(4‬الثقات (‪)457 / 8‬‬
‫‪ )(5‬فتح الباري‪.2/497 :‬‬

‫‪230‬‬
‫المستوعب وغيره‪ ،‬وجعلها ش يخنا كمس ألة اليمين ب ه‪ ،‬ق ال‪ :‬والتوس ل باإليم ان ب ه‬
‫وطاعته ومحبته‪ ،‬والصالة والسالم عليه ‪‬وبدعائه وشفاعته‪ ،‬ونح وه مم ا ه و من‬
‫فعله وأفعال العباد المأمور بها في حقه مشروع‪ ،‬وهو من الوس يلة الم أمور به ا في‬
‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬اَّتُقوا َهَّللا َو اْبَتُغ وا ِإَلْيِه اْلَو ِس يَلَة ﴾ [المائدة‪)1()]35 :‬‬
‫‪ 10‬ـ أحمد بن حرب ‪ :‬فقد روى عنه الحافظ ابن الجوزي هذه القصة‪ ..( :‬عن‬
‫زكريا بن أبي دلويه يقول‪( :‬رأيت أحمد بن حرب بعد وفاته بش هر في المن ام فقلت‪:‬‬
‫ما فعل بك ربك قال‪ :‬غفر لي وفرق المغفرة ‪ .‬قلت ‪ :‬وما فوق المغفرة قال‪ :‬أكرمني‬
‫بأن يستجيب دعوات المسلمين إذا توسلوا بقبري)(‪)2‬‬
‫‪ 11‬ـ الحافظ ابن خزيم ة ال ذي يس ميه ابن تيمي ة وغ يره [إم ام األئم ة]‪ ،‬فق د‬
‫ذك ره الحاف ظ ابن حج ر في الته ذيب‪ ،‬وذك ر أن الح اكم ق ال في ت اريخ نيس ابور‪:‬‬
‫وسمعت أبا بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول‪( :‬خرجنا مع إمام أه ل‬
‫الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مش ائخنا وهم إذ‬
‫ذاك مت وافرون إلى زي ارة ق بر علي بن موس ى الرض ي بط وس ق ال ف رأيت من‬
‫تعظيمه يعني بن خزيمة لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرعه عندها م ا تحيرن ا)(‪،)3‬‬
‫وقال الحاكم‪( :‬سمعت أبا علي النيسابوري يقول كنت في غم شديد فرأيت الن بي ‪‬‬
‫في المنام كأنه يقول لي صر إلى قبر يحيى بن يحيى واس تغفر وس ل تقض حاجت ك‬
‫فأصبحت ففعلت ذلك فقضيت حاجتي)(‪)4‬‬
‫‪ 12‬ـ الحاف ظ الخطيب البغ دادى‪ :‬ال ذي روى في ب اب [دع اء لحف ظ الق رآن‬
‫والحديث وأصناف العل وم] ه ذا الح ديث عن ابن مس عود عن الن بي ‪ ‬ق ال‪( :‬من‬
‫أراد أن يؤتيه هللا حفظ القرآن وحفظ العلم فليكتب هذا الدعاء في إناء نظي ف بعس ل‬
‫ثم يغسله بماء مطر يأخذه قبل أن يقع إلى األرض ثم يشربه على الري ق ثالث ة أي ام‬
‫فانه يحفظ بإذن هللا‪( :‬اللهم إني أسألك بأنك مسؤول لم يسأل مثلك أسألك بحق محم د‬
‫رسولك ونبيك وإب راهيم خليل ك وص فيك وموس ى كليم ك ونجي ك وعيس ى كلمت ك‬
‫وروحك‪ )5()...‬وقد أنكر بعض الس لفية ه ذا بحج ة أن الح ديث موض وع‪ ،‬ونحن لم‬
‫ننقله هنا من باب كونه حديثا‪ ،‬وإنما من باب إقرار الخطيب له‪ ،‬واعتباره ل ه‪ ،‬وه ذا‬
‫يدل على قوله به‪.‬‬
‫‪ 13‬ـ الحافظ الدارمى‪ :‬الذي روى في سننه في [باب ما أكرم هللا به نبيه ‪]‬‬
‫عن أبي الجوزاء أوس بن عبد هللا قال‪ :‬قحط أه ل المدين ة قحط ا ش ديدا فش كوا إلى‬
‫عائشة فقالت‪ :‬انظروا قبر النبي ‪ ‬فاجعلوا منه كووا إلى السماء حتى ال يكون بينه‬
‫وبين السماء سقف قال‪ :‬ففعلوا فمطرنا مطرا حتى نبت العشب وسمنت اإلبل ح تى‬

‫‪ )(1‬الفروع‪.229 /3 :‬‬
‫‪ )(2‬المنتظم ص ‪.11 / 211‬‬
‫‪ )(3‬التهذيب‪.7/339 :‬‬
‫‪ )(4‬تهذيب التذهيب‪.260 /11 :‬‬
‫‪ )(5‬الجامع ألخالق الراوى والسامع (‪)261 / 2‬‬

‫‪231‬‬
‫تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق (‪.)6‬‬
‫‪ 14‬ـ الحافظ الطبراني‪ ،‬الذي روى عنه الذهبي توس له عن د الق بر والش كوى‬
‫إلى الرسول ‪ ‬من الجوع (‪ ،)1‬كما أنه صحح حديث التوسل بعد وفاة النبى ‪.‬‬
‫هذه مجرد نماذج عن قبورية الحفاظ وأهل الح ديث‪ ،‬واألمثل ة غيره ا كث ير‪،‬‬
‫والسلفية مدعوون إما إلى حذف التوسل واالس تغاثة والت برك ونحوه ا من ن واقض‬
‫اإليمان‪ ،‬واعتبارها من المسائل المختلف فيها‪ ،‬أو رمي سلفهم بتهمة التكف ير‪ ،‬مثلهم‬
‫مثل سائر الناس‪ ،‬ألن القضية خطيرة وهي مرتبطة بالتوحيد وال محاباة في ه‪ ،‬و﴿َهَّللا‬
‫اَل َيْغ ِفُر َأْن ُيْش َر َك ِبِه َو َيْغ ِفُر َم ا ُد وَن َذ ِلَك ِلَم ْن َيَش اُء َو َم ْن ُيْش ِر ْك ِباِهَّلل َفَق ِد اْفَت َر ى ِإْثًم ا‬
‫َع ِظ يًم ا﴾ [النساء‪]48 :‬‬
‫‪ 3‬ـ تكفير الطرق الصوفية‬
‫كما ذكرنا سابقا‪ ،‬فإن تكفير مشايخ الط رق الص وفية ومري ديها ومناص ريها‬
‫وكل من يرتبط بها‪ ،‬ب ل من ك ل من لم يكفره ا‪ ،‬بديه ة من الب ديهيات الس لفية ال تي‬
‫ابتدأت ـ خصوصا ـ من الشيخ محم د بن عب د الوه اب إلى الي وم‪ ،‬وفت اواه وفت اوى‬
‫تالميذه وأتباعه منتشرة مشتهرة‪ ،‬وقد أيدتها الهيئات الرسمية الكبرى في السعودية‪،‬‬
‫وأي دها مفتوه ا الكب ار‪ ،‬وألف وا في ذل ك المؤلف ات الكث يرة‪ ،‬وال تي تعت بر الط رق‬
‫الصوفية أشد كفرا من اليهود والنصارى ومشركي قريش‪.‬‬
‫فمن ذلك ما ورد في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء بالس عودية‬
‫إجابة عن س ؤال يق ول ص احبه‪( :‬م ا هي حقيق ة ه ذه الط رق الكث يرة عن دنا مث ل‪:‬‬
‫الشاذلية‪ ،‬واألحمدية‪ ،‬والسعدية‪ ،‬والبرهانية‪ ،‬وغيرها‪)..‬‬
‫وقد أجابت اللجنة الرسمية الممثل ة للدول ة الس عودية به ذا الج واب الخط ير‪:‬‬
‫(طريقة الشاذلية واألحمدية والسعدية والبرهانية ونحوها من الطرق طرق ض الل‪،‬‬
‫ال يجوز للمسلم أن يتبع واحدة منها)(‪)2‬‬
‫وهك ذا ق ال الش يخ ابن ج برين‪( :‬أم ا الص وفية في ه ذا الزم ان ومنهم من‬
‫يعرفون بالتيجانية وغيرهم‪ ،‬فإنهم قد انتحلوا طرقا‪ ،‬وصارت لهم مقامات وخ واص‬
‫تصادم األدلة؛ حيث يعتقدون في أوليائهم األقدمي ة على الرس ل الك رام‪ ،‬ويزعم ون‬
‫أن الولي يأخذ عن هللا بال واسطة‪ ،‬ويرجع ون إلى أق وال مق دميهم‪ ،‬ويحكم ونهم في‬
‫األنفس واألزواج واألموال‪ ،‬ويعتقدون فيهم العصمة وملكية التصرف‪ ،‬ونح و ذل ك‬
‫من االعتق ادات الس يئة‪ ،‬فم ا دام وا ك ذلك فهم مج انبون للص واب‪ ،‬ومح ادون هلل‬
‫ورسوله‪ ،‬فال نعرف لهم فضال وال كرامة)(‪)3‬‬
‫وق ال الش يخ الف وزان‪ ..( :‬ومن ذل ك الط رق الص وفية فإنه ا ط رق مبتدع ة‬
‫محدث ة ليس ت من دين اإلس الم ب ل هي من دس أع داء اإلس الم وتلقفه ا كث ير من‬

‫‪ )(6‬سنن الدارمى‪ ،‬ح‪.92‬‬


‫‪ )(1‬سير أعالم النبالء (‪)400 / 16‬‬
‫‪ )(2‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪.141 /3 :‬‬
‫‪ )(3‬مجلة البحوث اإلسالمية (‪)171 /9‬‬

‫‪232‬‬
‫الجهال أو من الضالل الذين يريدون أن يحتالوا بها على الناس ويتزعموا به ا على‬
‫الناس بالباطل فالطرق الصوفية طرق محدثة وطرق فاس دة وط رق ض الة مخالف ة‬
‫لهدي الرسول ‪ ..‬ومن ذلك الطريق ة التيجاني ة فإنه ا من أض ل الط رق الص وفية‬
‫وأفسدها ولها عقائد كفرية وقد أنقذ هللا منها بعض معتنقيها فردوا عليه ا وكتب وا في‬
‫بيان كفرها وضاللها الكتابات الطيبة المفيدة وهي مطبوعة ومتداولة وهلل الحمد)(‪)1‬‬
‫هذه مجرد أمثلة عن أقوال كبار مشايخ السلفية المعاصرين‪ ،‬والتي تبدو ـ في‬
‫ظاهرها ـ لينة نوعا ما بسبب المكانة الرسمية التي يتبوأها هؤالء‪ ..‬أم ا من ع داهم‪،‬‬
‫فنالحظ لغة أكثر خشونة‪ ،‬وأعظم تكفيرا‪.‬‬
‫وسأس وق هن ا نم اذج عن تكف ير أعي ان الط رق الص وفية من ك اتب س لفي‬
‫أكاديمي وأستاذ جامعي‪ ،‬لكنه لألسف يفتقر لكل أدوات البحث العلمي‪.‬‬
‫وهذا الكت اب بعن وان [الط رق الص وفية نش أتها وعقائ دها وآثاره ا] لمؤلف ه‬
‫عبدهللا بن دجين بن علي السهلي‪ ،‬وفيه ع رض لنم اذج للط رق الص وفية الك برى‪،‬‬
‫وتكفيره لها‪ ،‬وبيان أسباب ذلك‪.‬‬
‫وقد بدأ مسلسل تكفيره بالطريقة القادرية المنسوبة للشيخ عبد القادر الجيالني‬
‫(المت وفى ‪561‬هـ)‪ ،‬وال تي تنتش ر في اليمن والص ومال ومص ر والهن د والمغ رب‬
‫والسودان الغربي‪ ،‬ومن فروعها‪ :‬اليافعية‪ ،‬والنابلسية‪ ،‬والرومية‪ ،‬والعروسية(‪.)2‬‬
‫وقد استعرض هذا األستاذ السلفي األكاديمي أسباب تكفيره له ا‪ ،‬بقول ه‪( :‬أم ا‬
‫أتب اع الطريق ة القادري ة‪ ،‬فق د ابتع دوا عن ه ذا المنهج ولم يتمس كوا في ط ريقتهم‬
‫بالكتاب والسنة وال بقول شيخهم‪ ،‬ف ذهبوا إلى م ا ذهب إلي ه كث ير من الص وفية من‬
‫الرب ط بين العقائ د الكالمي ة والتص وف‪ ،‬كم ا نس بوا للش يخ كث يرًا من الكرام ات‬
‫واألقوال التي فيه ا غل و كب ير‪ ،‬وال تي تص ل إلى الش رك في توحي د الربوبي ة وفي‬
‫توحيد العبادة‪ ،‬ونسبوا له قصائد شركية فيه ا دع وى الربوبي ة‪ ،‬ونس بوا إلي ه الق ول‬
‫بالحقيقة المحمدية‪ ،‬ونسبوا للشيخ الورد المسمى‪ :‬ص لوات الك بريت األحم ر‪ ،‬وه و‬
‫في الصالة على النبي ‪ ‬والباز األشهب‪ ،‬والقصيدة العينية‪ ،‬وقد تضمنت عب ارات‬
‫تدل على وحدة الوجود‪ ،‬وكذلك ورد الجاللة ودعاء الجالل ة وتض منا دع اء أس ماء‬
‫أعجمية يظهر أنها أسماء جن‪ ،‬والسؤال بحقها‪ ،‬وعبارات تدل على وح دة الوج ود‪،‬‬
‫وصرح عبدالغني النابلسي من القادرية بوحدة الوجود ومأل بها كتبه‪ ..‬فهذه األق وال‬
‫المخالف ة للكت اب والس نة ق ال به ا القادري ة ممن ينتس بون إلى الش يخ عب دالقادر‬
‫الجيالني)(‪)3‬‬
‫ولنفس األسباب حكم بتكف ير الطريق ة الش اذلية(‪ )4‬ال تي تنتس ب ألبي الحس ن‬
‫الشاذلي‪ ،‬والتي ينتس ب له ا كب ار أعالم التص وف من أمث ال أبي العب اس المرس ي‬

‫‪ )(1‬مؤلفات الفوزان‪.24/88 ،‬‬


‫() انظر‪ :‬الموسوعة الصوفية د‪ .‬عبدالمنعم الحنفي ص‪.269‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ )(3‬الطرق الصوفية نشأتها وعقائدها وآثارها‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫‪ )(4‬الطرق الصوفية نشأتها وعقائدها وآثارها‪ ،‬ص‪.51‬‬

‫‪233‬‬
‫(ت وفي ‪686‬هـ)‪ ،‬وابن عط اء هللا اإلس كندري (ت وفي ‪709‬هـ) ص احب الحكم‬
‫وغيرها‪ ،‬وهي تنتش ر في من اطق كث يرة من الع الم اإلس المي‪ ،‬وينتس ب له ا كب ار‬
‫العلماء‪.‬‬
‫وق د ذك رهم الب احث الس لفي األك اديمي ـ مكف را لهم جميع ا ـ بقول ه‪( :‬ومن‬
‫أعالمها الكبار الشيخ عب د الوه اب الش عراني (ت ‪707‬هـ)‪ ،‬ويوس ف النبه اني ت(‬
‫‪1350‬هـ)‪ ،‬اللذان ص رحا بالش ر ك األك بر في كتبهم ا‪ ،‬وللش اذلي ش عر ون ثر في ه‬
‫متشابهات وعبارات يتكلف له في االعتذار عنها‪ ،‬كما ق ال ال ذهبي‪ ،‬أم ا ابن عط اء‬
‫هللا فقد جاء في الحكم ما يثبت قوله بوحدة الوجود‪ ،‬وهذا ما أشار إليه شراحها‪ ،‬كم ا‬
‫قال ابن عطاء باألنوار كثيرا‪ ،‬التي هي الفلسفة اإلشراقية‪ ،‬واعتقاد الشاذلية الظ اهر‬
‫على م ذهب األش عرية الكالبي ة‪ ،‬وي دعون أن األولي اء يعلم ون الغيب‪ ،‬كم ا زعم‬
‫ش يخهم أن حزب ه الكب ير كتب ب إذن من هللا ورس وله ‪ ،‬كم ا ي دعون مث ل ك ل‬
‫الصوفية رؤية هللا ـ تعالى ـ في الدنيا‪ ،‬والحقيقة المحمدية والنور المحمدي‪ ،‬ويحثون‬
‫على اللباس الحسن وترك المرقعات)(‪)1‬‬
‫وهك ذا راح يكف ر الطريقــة الرفاعيــة الــتي تنس ب إلى الش يخ أحم د بن علي‬
‫الرفاعي المغربي‪( ،‬المتوفى ‪578‬هـ)‪ ،‬فقد قال عنها‪( :‬وقد انتشر الشرك األكبر عند‬
‫الرفاعي ة مث ل غ يرهم من الص وفية‪ ..‬وللص يادي [ب وارق الحق ائق] كل ه اس تعانة‬
‫واستغاثة وتوجه للقبور‪ ،‬وعقيدتهم الظاهرة يت ابعون فيه ا األش عرية المت أخرة‪ ،‬في‬
‫تعري ف التوحي د‪ ،‬ونفي العل و‪ ،‬وأن الق رآن ق ديم وغ ير ذل ك‪ ،‬كم ا تت ابع الص وفية‬
‫المت أخرة في المش ي م ع الق در‪ ،‬وفي الحقيق ة المحمدي ة والن ور المحم دي‪ ،‬وذك ر‬
‫الرفاعي ما يشير إلى الحل ول أو الوح دة‪ ،‬وواف ق مت أخروهم أه ل وح دة الوج ود‪،‬‬
‫ودافعوا عنهم‪ .‬كما يوافق الرفاعية الصوفية في الخل وة‪ ،‬والفق ر‪ ،‬وذم الفقه اء‪ ،‬وق د‬
‫ورد عن الرفاعي)(‪)2‬‬
‫وهكذا راح يكفر الطريقة النقشبندية التي تنسب للشيخ محمد بن به اء ال دين‬
‫النقشبندي المعروف بشاه نقشبند‪( ،‬ت وفي ‪791‬هـ)‪ ،‬له ا ف روع في الص ين وتركي ا‪،‬‬
‫وبعض بلدان أسيا الوسطى‪ ،‬والهند‪ ،‬وجاوه‪ ،‬ومن فروعها‪ :‬الصديقية‪ ،‬وخوجكانية‪.‬‬
‫وق د ص رح األس تاذ الس لفي األك اديمي بتكف يرهم‪ ،‬فق ال‪ ..( :‬ويص رحون‬
‫بالش رك األك بر في توحي د الربوبي ة واأللوهي ة‪ ،‬وظ اهر جلي ا أن النقش بندية ممن‬
‫يقولون بوح دة الوج ود أو يمي ل إليه ا كث ير منهم‪ ،‬وق د ك ثرت ش روحهم لكتب ابن‬
‫عربي وغيره من القائلين بوحدة الوجود‪،‬وال يخفى أن النقشبندية ظه رت في الق رن‬
‫الثامن الهجري وما بع ده وال ذي يعت بر تفريع ًا وش رحًا لكتب ابن ع ربي وأتباع ه‪،‬‬
‫ودفاعًا عنهم‪ .‬وقد ذكر النقشبندية مثل غيرهم من الصوفية‪ :‬أن الولي يقول للش يء‬
‫كن فيكون‪ ،‬والحقيقة المحمدية‪ ،‬ورؤية هللا ـ تعالى ـ في اليقظ ة‪ ،‬وخطاب ه ـ س بحانه‬
‫وتعالى عما يقولون ـ‪ ،‬والنقشبندية تتفق م ع الط رق الص وفية األخ رى في الخل وة‪،‬‬
‫‪ )(1‬الطرق الصوفية نشأتها وعقائدها وآثارها‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ )(2‬الطرق الصوفية نشأتها وعقائدها وآثارها‪ ،‬ص‪.53‬‬

‫‪234‬‬
‫ذلك)(‪)3‬‬
‫والفقر‪ ،‬وغير‬
‫وهكذا راح يكفر الطريقة الختمية التي تنسب للشيخ محمد عثم ان بن محم د‬
‫الميرغ ني المحج وب‪ ،‬وتنتش ر في ش مال الس ودان وش رقه‪ ،‬وجن وب مص ر‪،‬‬
‫والحجاز‪.‬‬
‫وقد صرح األستاذ السلفي األكاديمي بتكف يره له ا بقول ه‪( :‬التختل ف الختمي ة‬
‫عن الطرق الصوفية األخرى فقد ذكر محمد عثمان الميرغني أنها خالصة الط رق‬
‫الصوفية الخمس السابقة ذكرها‪ ،‬والغالب عليها الطريقة النقشنبدية‪ ،‬ويت ابع الختمي ة‬
‫ابن عربي ويعظمون ه وأه ل نحلت ه‪ ،‬ويقول ون بوح دة الوج ود‪ ،‬وق د ق الوا بالش رك‬
‫األكبر‪ ،‬فزعموا أن شيوخهم يغيثون من يلتجئ بهم‪ ،‬ويزيلون الكربات‪،‬وأنهم وس يلة‬
‫النجاة‪ ،‬ويزعمون ما مفاده استمرار الوحي‪ ،‬وأنهم يتلقون من النبي ‪ ،‬فقد زعموا‬
‫أن ك ل كتبهم هي من إمالء الرس ول ‪ ،‬وأنهم تلق وا أس س ط ريقتهم وأوراده ا‬
‫وتعاليمها من الرسول ‪ ،‬وقالوا بالحقيقة المحمدية‪،‬وسائر عقائد الصوفية‪ .‬ويدعى‬
‫شيوخ الختمية النسب الشريف مثل كل الطرق الصوفية‪ ،‬وإن كان في نسبهم أس ماء‬
‫أعجمية‪ ،‬وقد تابعوا الرافضة في دعوى والية أهل البيت‪،‬وتابعهم الختمي ة في س ب‬
‫الصحابة ‪ ،‬واتهامهم بكتم والية علي ‪‬لكنهم يثبت ون والي ة الخلف اء الراش دين‪،‬‬
‫ويعتبرون أنفسهم امتدادًا لوالية أه ل ال بيت‪ ،‬ل ذلك ي دعون للتق ارب م ع الرافض ة‪،‬‬
‫ومناصرتهم والدعوة لهم‪ ،‬ومما اشتهر به الختمية السحر واستخدام الجن)(‪)1‬‬
‫وهك ذا راح يكف ر الطريقــة البكتاشــية ال تي تنس ب إلى بكت اش ولي‪ ،‬وق د‬
‫انتشرت في تركيا‪ ،‬وكردستان وآسيا الصغرى‪ ،‬وفي ألبانيا‪ ،‬غالب السكان على هذه‬
‫الطريقة‪.‬‬
‫وق د ص رح الك اتب الس لفي بتكف يره لهم بقول ه‪( :‬هي طريق ة ص وفية في‬
‫األصل‪ ،‬وحتى اآلن يعتبرها أتباعها طريق ة ص وفية‪ ،‬إال أن فيه ا عقائ د نص رانية‪،‬‬
‫ورافضية فيغلون في آل البيت‪ ،‬خاصة جعفر الصادق‪ ،‬وأحل وا علي بن أبي ط الب‬
‫مكان عيسى عليه السالم‪ ،‬ويحتفلون بما يشبه العشاء الرباني عند النص ارى‪ ،‬وعلى‬
‫رؤوسهم قلنسوات أسطوانية ذات ‪ 12‬طَّي ة‪ ،‬إش ارة إلى األئم ة االث ني عش ر‪ ،‬أئم ة‬
‫الشيعة‪ ..‬ومن عقائدها الشرك األكبر في دعاء األولي اء‪ ،‬وتألي ه علي بن أبي ط الب‬
‫ويعترفون بخطاياهم لشيخهم ويغفرها لهم‪ ،‬ويقولون بوحدة األديان)(‪)2‬‬
‫وهكذا راح يكفر الطريقة التجانية‪ ،‬المنتسبة ألبي العب اس أحم د التج اني(ت‬
‫‪ 1239‬هـ)‪ ،‬وهي تنتشر في شمال إفريقيا وغربها‪.‬‬
‫وقد صرح الكاتب السلفي بتكفيرهم لهم بقوله‪( :‬أهم عقائدهم‪ :‬الش رك األك بر‬
‫في ش يوخهم‪ ،‬فيحج ون إلى ف اس حيث ق بر ش يخهم قب ل ت وجههم للحج إلى مك ة‪،‬‬
‫والشرك في الربوبية‪ ،‬والقول بوحدة الوجود‪ ،‬واستمرار النبوة والوحي لش يوخهم‪،‬‬

‫‪ )(3‬الطرق الصوفية نشأتها وعقائدها وآثارها‪ ،‬ص‪.55‬‬


‫‪ )(1‬الطرق الصوفية نشأتها وعقائدها وآثارها‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫‪ )(2‬الطرق الصوفية نشأتها وعقائدها وآثارها‪ ،‬ص‪.58‬‬

‫‪235‬‬
‫فزعم وا أن كتبهم من إمالء رس ول هللا ‪ ،‬ويقول ون بالحقيق ة المحمدي ة‪ ،‬والن ور‬
‫المحمدي‪ ،‬وأن صالة الف اتح أفض ل من الق رآن الك ريم‪ ،‬وب اقي عقائ دهم مث ل بقي ة‬
‫الطرق الصوفية األخرى)(‪)1‬‬
‫هذا نموذج عن تكفيرات أستاذ جامعي لألمة جميع ا ع بر تكف يره ألهم مق وم‬
‫من مقوماتها‪ ،‬وركن من أركانها‪.‬‬
‫وحتى نؤكد هذا‪ ،‬ونبين مدى اإلجح اف ال ذي يمارس ه الس لفية تج اه الط رق‬
‫الصوفية‪ ،‬سنذكر هنا نموذجا عن اإلجحاف الكبير الذي سلطه السلفية على الطريقة‬
‫التيجانية‪ ،‬التي يتبعها الكثير في بالد المغرب والسودان الغربي (السنغال) ونيجيريا‬
‫وشمالي إفريقيا ومصر والسودان وغيرها من أفريقيا‪ ،‬وقدر بعضهم ع دد التيجاني ة‬
‫في عام ‪1401‬هـ ـ ‪1981‬م في نيجيريا وحدها بما يزيد على عشرة ماليين‪.‬‬
‫وقد ألف السلفية الكثير من الكتب في تكفير أص حاب ه ذه الطريق ة ب دءا من‬
‫مؤسسها‪ ،‬ومنها‪ :‬الهداي ة الهادي ة إلى الطائف ة التيجاني ة‪ ،‬لل دكتور محم د تقي ال دين‬
‫الهاللي‪ ،‬ومشتهى الخارف الجاني في رد زلقات التيجاني الج اني‪ ،‬لمحم د الخض ر‬
‫الجكني الش نقطي‪ ،‬واألن وار الرحماني ة لهداي ة الفرق ة التيجاني ة‪ ،‬لعب د ال رحمن بن‬
‫يوسف األفريقي‪.‬‬
‫وقد أصدروا ك ذلك الكث ير من الفت اوى في تكفيره ا‪ ،‬وتكف ير المؤي دين له ا‪،‬‬
‫ومن تلك الفتاوى فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ ،‬برئاس ة الش يخ عب د‬
‫العزيز بن باز‪ ،‬والتي ج اء فيه ا‪( :‬الفرق ة التيجاني ة من أش د الف رق كف رًا وض الًال‬
‫وابتداعًا في الدين لما لم يش رعه هللا‪ .‬وس بق أن س ئلت اللجن ة الدائم ة عنهم وكتبت‬
‫بحثًا في كثير من بدعهم وضالالتهم الدالة على ذلك)(‪)2‬‬
‫ومن المكفرين لهذه الطريقة الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي تأثر هو وجمعيته‬
‫بالعقل السلفي والتراث السلفي‪ ،‬فراح يكفر هذه الطريقة م ع علم ه ب أن أتباعه ا في‬
‫الجزائر في ذلك الحين كبير جدا‪ ،‬ولها علماء كثيرون‪.‬‬
‫وقد انطلق في فتواه من مسألة بسيطة جدا تتعلق بص الة الف اتح(‪ )3‬ال تي يردده ا‬
‫التيج انيون‪ ،‬ويعتق دون له ا فض ال خاص ا‪ ،‬وهي فت وى ال ت زال تج د ص داها م ع‬
‫خطورتها‪ ،‬ولذلك نرى أن ندرسها على ما يقتضيه المنهج العلمي‪ ،‬وخاصة أن الزم‬
‫قوله فيها كفر أك بر تجم ع إس المي في الع الم‪ ،‬وه و التجم ع التيج اني المنتش ر في‬
‫جميع أنحاء العالم‪ ،‬وخاصة إفريقيا‪.‬‬
‫ونص السؤال هو حكم بعض الدعاوى المنسوبة للتيجانية‪ ،‬وهي أنهم‪:‬‬
‫‪ -1‬يعتقدون أن ق راءة (ص الة الف اتح) أفض ل من تالوة الق رآن س تة آالف م رة‬
‫متأولين بأن ذلك بالنسبة لمن لم يتأدب بآداب القرآن‪.‬‬
‫‪ )(1‬الطرق الصوفية نشأتها وعقائدها وآثارها‪ ،‬ص‪.59‬‬
‫‪ )(2‬فتاوى اللجنة الدائمة ‪)324 /2( 1 -‬‬
‫‪ )(3‬نص صالة الفاتح هي‪( :‬اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق‪ ،‬والخـاتم لما س بق‪ ،‬ناصـر الح ق‬
‫بالحق‪ ،‬الهـادي إلى صراطك المستقيم‪ ،‬وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم)‬

‫‪236‬‬
‫‪ -2‬أن (صالة الفاتح) من كالم هللا القديم‪ ،‬وال يترتب عليها ثوابه ا إال لمن اعتق د‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬وأن (صالة الفاتح) علمها النبي ‪ ‬لصاحب الطريقة ولم يعلمها لغيره‪.‬‬
‫‪ -4‬وأن مؤسس الطريقة التيجانية أفضل األولياء‪.‬‬
‫‪ -5‬وأن من انتسب إلى تلك الطريقة ي دخل الجن ة بال حس اب وال عق اب وتغف ر‬
‫ذنوبه الصغار والكبار‪ ،‬حتى التبعات‪.‬‬
‫ومع خطورة المسألة‪ ،‬ومع االنتشار الكثيف للتيجاني ة في الجزائ ر‪ ،‬وخصوص ا‬
‫الجن وب الجزائ ري‪ ،‬لم يتح رز ابن ب اديس‪ ،‬ولم يستفس ر عن م دى ص حة ه ذه‬
‫الدعاوى‪ ،‬بل راح يطلق األحك ام ال تي يخ رج منه ا قارئه ا ال بتص ديق االتهام ات‬
‫فقط‪ ،‬وإنما بكفر معتقدها أيضا‪.‬‬
‫وسنذكر هنا باختصار بعض ما أجاب به‪ ،‬وما يستنتج منه الحكم بالكفر‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ الق رآن كالم هللا و(ص الة الف اتح) من كالم المخل وق ومن اعتق د أن كالم‬
‫المخلوق أفضل من كالم الخالق فقد كفر‪ ،‬ومن جعل ما للمخلوق مثل ما هلل فقد كف ر‬
‫بجعل ه هلل ن دًا فكي ف بمن جع ل م ا للمخل وق أفض ل مم ا للخ الق‪ ..‬ه ذا إذا ك انت‬
‫األفضلية في الذات فأما إذا كانت األفضلية في النف ع ف إن األدل ة النظري ة واألثري ة‬
‫قاض ية بأفض لية الق رآن على جمي ع األذك ار وه و م ذهب األئم ة من الس لف‬
‫والخلف(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬أن من زعم ‪ -‬متأوال لتلك األفضلية الباطلة – بأن (صالة الفاتح) خير لعام ة‬
‫الن اس من تالوة الق رآن ألن ثوابه ا محق ق وال يلح ق فاعله ا إثم والق رآن إذا تاله‬
‫العاصي كانت تالوته عليه إثمًا لمخالفت ه لم ا يتل وه‪ ،‬واس تدلوا على ه ذا بق ول أنس‬
‫الذي تحسبه العامة حديثًا‪( :‬رب تال للقرآن والقرآن يلعنه)(‪ )2‬فه و زعم باط ل ألن ه‬
‫مخالف لما قاله أئمة السف والخل ف من أن الق رآن أفض ل األذك ار‪ ،‬ولم يفرق وا في‬
‫ذلك بين عامة وخاصة وال بين مطيع وعاص‪ ،‬ومخ الف لمقاص د الش رع من تالوة‬
‫القرآن(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬ليس عندنا من كالم هللا إال القرآن العظيم‪ ،‬هذا إجماع المس لمين ح تى أن م ا‬
‫يلقي ه جبري ل ‪ -‬علي ه الس الم ‪ -‬في روع الن بي ‪ ‬س ماه األئم ة بالح ديث القدس ي‪،‬‬
‫وفرق وا بين ه وبين الق رآن العظيم ولم يقول وا في ه كالم هللا‪ ،‬ومن الض روري عن د‬
‫المسلمين أن كالم هللا هو القرآن وآي ات الق رآن‪ ،‬فمن اعتق د أن (ص الة الف اتح) من‬

‫‪ )(1‬آثار ابن باديس (‪)143 /3‬‬


‫‪ )(2‬ذكره الغزالي في اإلحياء(‪ )1/324‬بدون سند‪ ،‬وذكر نحوه عن بعض السلف‪ ،‬وأقرب ما حديث إليه م ا‬
‫رواه ابن أبي ح اتم في تفس يره (ج‪ 6:‬ص‪ )2017:‬عن ميم ون بن مه ران ق ال‪ :‬إن الرج ل ليص لي ويلعن نفس ه في‬
‫قراءته فيقول(﴿َأاَل َلْعَنُة ِهَّللا َع َلى الَّظاِلِم يَن ﴾ [هود‪ )]18 :‬وإنه لظالم‪.‬‬
‫‪ )(3‬آثار ابن باديس (‪)144 /3‬‬

‫‪237‬‬
‫كالم هللا فقد خالف اإلجماع في أمر ضروري من الدين وذلك موجب للتكفير(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬أن الن بي ‪ ‬بعث معلم ا‪ ،‬وع اش معلم ا آخ ر لحظ ة من حيات ه‪ ،‬وق د أدى‬
‫الرسالة‪ ،‬وبلغ األمانة‪ ،‬وانقطع الوحي وانتهى التبليغ والتعليم‪ ،‬وهذا كله مجم ع عن د‬
‫المس لمين‪ ،‬وقطعي في ال دين‪ ،‬فمن زعم أن محم دًا م ات وق د بقي ش يء لم يعلم ه‬
‫للناس في حياته فقد أعظم على هللا الفرية وقدح في تبليغ الرسالة‪ ،‬وذل ك كف ر‪ ،‬فمن‬
‫اعتقد أن (صالة الفاتح) علمها النبي ‪ ‬لصاحب الطريقة التيجانية دون غيره‪ ،‬كان‬
‫مقتضى اعتقاده هذا أنه مات ولم يبلغ وذلك كفر‪ ،‬فإن زعم أنه علمه إياها في المن ام‬
‫فاإلجماع على أنه ال يؤخ ذ ش يء من ال دين في المن ام م ع م ا في ه من الكتم وع دم‬
‫التبليغ المتقدم(‪.)2‬‬
‫ومن مقتضى االعتقاد الباطل المتقدم أنه ‪ ‬كتم عن أفضل أمته ما هو األفض ل‬
‫وحرم منه قرونا من أمته وهو األمين على ال وحي وتبليغ ه‪ ،‬الح ريص على هداي ة‬
‫الخلق وتمكينهم من كل كمال وخير‪ ،‬فمن قال عليه ما يقتضي خالف هذا فق د ك ذب‬
‫عليه وكذب ما جاء به‪ ،‬ومن رجح صالته على م ا علم ه ه و ‪ ‬ألص حابه ب وحي‬
‫من هللا واختيار منه تعالى فقد دخل في وعد‪َ( :‬و َم ا َك اَن ِلُم ْؤ ِم ٍن َو ال ُم ْؤ ِم َنٍة ِإَذ ا َقَض ى‬
‫ُهَّللا َو َر ُسوُلُه َأْم ًرا َأْن َيُك وَن َلُهُم اْلِخَيَر ُة ِم ْن َأْم ِر ِهْم َو َم ْن َيْع ِص َهَّللا َو َر ُس وَلُه َفَق ْد َض َّل‬
‫َض الاًل ُم ِبيًنا))[األحزاب‪.]36:‬‬
‫‪ -5‬ال تثبت األفضلية الشرعية إال بدليل شرعي ومن أدعاه ا لش يء ب دون دلي ل‬
‫فق د تج رأ على هللا وقف ا م ا ليس ب ه علم وق د أجمعت األم ة على تفض يل الق رون‬
‫المشهود لها بالخيرية من الصادق المصدوق عليه الصالة والسالم فاعتق اد أفض لية‬
‫صاحب الطريقة التيجانية تزكية على هللا بغير علم وخرق لإلجماع‪ ،‬موجب للتبديع‬
‫والتضليل(‪.)3‬‬
‫‪ -6‬عقيدة الحساب والج زاء على األعم ال قطيع ة الثب وت ض رورية العلم‪ ،‬فمن‬
‫اعتقد أنه يدخل الجنة بغير حساب فقد كفر(‪.)4‬‬
‫وبناء على هذه األدلة ال تي س اقها ابن ب اديس‪ ،‬خ رج بنتيج ة ع بر عنه ا بقول ه‪:‬‬
‫(فالمندمج في الطريقة التيجانية على هذه العقائ د ض ال ك افر‪ ،‬والمن دمج فيه ا دون‬
‫هذا العقائد عليه أثم من كثر سواد البدعة والضالل)(‪)5‬‬
‫ثم نق ل من كالم األس تاذ محم د بن الحس ن الحج وي وزي ر مع ارف الحكوم ة‬

‫‪ )(1‬آثار ابن باديس (‪)146 /3‬‬


‫‪ )(2‬آثار ابن باديس (‪)147 /3‬‬
‫‪ )(3‬آثار ابن باديس (‪)147 /3‬‬
‫‪ )(4‬آثار ابن باديس (‪)148 /3‬‬
‫‪ )(5‬آثار ابن باديس (‪)148 /3‬‬

‫‪238‬‬
‫المغربية مقرا له قوله‪( :‬لهذه وغيره نقول أن الطريقة التيجانية ليست كسائر الطرق‬
‫في بدعها‪ ..‬بل هي طريقة موضوعة لهدم اإلسالم تحت اسم اإلسالم)(‪)1‬‬
‫وقد علق ابن باديس على هذا بذكر مضار هذه الطريقة‪ ،‬والتي تؤهلها كما ي رى‬
‫لكفر المنتسب لها‪ ،‬فقال‪( :‬فبهذا صارت الطريقة التيجانية في نظر أهل العلم بالس نة‬
‫والكتاب كأنها مسجد الضرر ضد اإلسالم‪ ،‬فاهلل يق ول في نبي ه خ اتم النب يين‪ ،‬وه و‬
‫يقولون في الشيخ التيجاني هو الختم وهو لبنة التمام لألولياء فحجروا على هللا ملك ه‬
‫وقطعوا المدد المحمدي وهم ال يبالون أو ال يش عرون‪ ،‬وح تى إن ش عروا فالمقص د‬
‫يبرر الواسطة‪ ،‬وإذا سمعوا أن الن بي أفض ل النب يين ق الوا إن التيج اني رجل ه على‬
‫رقبة كل ولي هلل‪ ،‬بهذه العبارة الجافة من كل أدب الجارحة لعواطف ك ل مس لم ألن‬
‫الولي في عرفهم يشمل النبي إذ يقولون أن والية النبي أفضل من نبوته‪ ،‬وال يبالون‬
‫أن يكون أصابهم أفضل من أبي بكر وعمر والعشرة المبشرين بالجن ة ال ذين ك انوا‬
‫يخافون الحساب وال ي أمنون العق اب‪ ،‬ولم يكن عن دهم بش ارة بالنج اة منهم ا‪ ،‬إذ ال‬
‫يأمن مكر هللا إال القوم الخاسرون‪ ..‬دعاء اإلسالم إلى الجد ومحاسبة النفس والعم ل‬
‫على الخوف والرجاء في جميع نواحي الحياة الدنيا على أن يكون ذل ك على الس داد‬
‫واإلخالص ليكون ذخرًا لسعادة األخرى فجاءت عقيدة ضمان الشيخ ودخول الجن ة‬
‫بال حساب)(‪)2‬‬
‫هذا ما ذكره وما نقله ابن باديس في فتواه‪ ،‬ولم ينق ل أي نص من كتب التيجاني ة‬
‫المعتمدة‪ ،‬أو من شيوخهم المعتبرين في ذلك الحين‪ ،‬وال ذين زار بعض هم الجزائ ر‪،‬‬
‫وصرح بخالف التصريحات التي نقلت البن باديس‪.‬‬
‫بل إن الدليل الذي ذكره ه و م ا تع ود الس لفية على االس تدالل ب ه من الحكاي ات‬
‫والقصص‪ ،‬فقد حكى عن الحجوري المغ ربي قول ه‪( :‬حكي لي بعض القض اة ق ال‪:‬‬
‫كان في محكمتي تسعون عدال في البادية‪ ،‬وقد تقصيت أخبار الصالح والطالح منهم‬
‫ألعلم مق دار ثق تي بهم في حق وق المس لمين فوج دت عش رين منهم متس اهلين ال‬
‫يؤتمنون على الحقوق‪ ،‬وحين دققت النظر في السبب تبين لي أنهم جميعًا تيجانيون‪،‬‬
‫فبقيت متحيرا حتى انكشف لي أن السبب هو اتكالهم على أن ه ال حس اب وال عق اب‬
‫يترصدهم فانتزع الخوف من صدورهم)(‪)3‬‬
‫وقد علق ابن باديس على هذه الحكاية بقوله‪( :‬هذا في العدول وهم من أه ل العلم‬
‫فكيف بالعامة؟ فهذه الطريقة ما وضعت إال لهدم اإلس الم‪ ،‬وال أج زم ب أن ص احبها‬
‫هو الذي وضعها هذا الوضع فقد يك ون فيمن أتص ل ب ه من ك اد ه ذا الكي د‪ ،‬ودّس ‪،‬‬

‫‪ )(1‬آثار ابن باديس (‪)148 /3‬‬


‫‪ )(2‬آثار ابن باديس (‪)149 /3‬‬
‫‪ )(3‬آثار ابن باديس (‪)149 /3‬‬

‫‪239‬‬
‫وليس مثل هذا الكيد جديدًا على‬
‫اإلسالم)(‪)1‬‬
‫وقد كان األجدى بابن باديس مع مكانته االجتماعي ة أن يتص ل بمش ايخ وعلم اء‬
‫التيجانية الكثيرين‪ ،‬ليستوضح منهم حقيق ة م ا ينس ب إليهم‪ ،‬وال يرج ع في ذل ك إلى‬
‫اس تفتاء أو إلى كتب ال ن دري من طبعه ا‪ ،‬خاص ة إذا أنكره ا علم اء التيجاني ة(‪،)2‬‬
‫وتبرأوا مما فيها‪.‬‬
‫ولو أنه رجع في هذا إلى كثير من علماء التيجانية لوجدهم يردون ه ذه الش بهة‪،‬‬
‫ويص رحون بأنه ا ال تمت إلى الواق ع بص لة‪ ،‬ب ل ل و أن ه رج ع إلى ش يخ الطريق ة‬
‫التيجانية في ذلك الحين‪ ،‬وهو الشيخ محمد الحافظ المصري ال ذي زار الجزائ ر في‬
‫ذلك الوقت لوجده يتبرأ من تلك الشبهة‪.‬‬
‫ولألسف فإن هذه الشبهة ال تزال تطرح على ال رغم من المؤلف ات الكث يرة ال تي‬
‫ألفها التيجانيون في الرد عليها‪ ،‬مع أن المس ائل المرتبط ة ب الردة يكفي فيه ا مج رد‬
‫تصريح الشخص بتراجعه أو براءته أو عدم فهم المخالف له لتنفى عنه التهمة‪.‬‬
‫ولخطورة المسألة لتعلقها بإس الم مئ ات الماليين من المس لمين نع رض هن ا م ا‬
‫ذكره الشيخ محمد الحافظ شيخ الطريق ة التيجاني ة في ذل ك الحين‪ ،‬فق د كتب خطاب ا‬
‫نش رته مجل ة الفتح الص ادرة في الق اهرة الع دد ‪ 418‬بت اريخ‪ :‬الخميس ‪ 16‬رجب‬
‫‪ ،1353‬جاء في ه بع د الحم د والص الة والس الم على رس ول هللا‪( :‬إني أعلن أنن ا ال‬
‫نعتقد أن رسول هللا ‪ ‬كتم شيئًا مما أِمَر بتبليغه‪ ،‬ومستحيل أن ُيؤَم ر بتبلي غ ورد أو‬
‫صالة الفاتح أو غيرها أو بياِن فضلها فيكتم شيئًا من ذلك‪ ،‬ومن أعتقد ذلك فهو كافر‬
‫باهلل ورسوله ال ُيقبل منه صرف وال عدل‪ ،‬وال أدري كي ف يعق ل أن يك ون ق د كتم‬
‫الورد وهو االستغفار والصالة عليه ‪ ‬بأي ص يغة وال إل ه إال هللا‪ .‬وص الة الف اتح‬
‫موجودة قب ل الش يخ (أي أبي العب اس التيج اني) مش هورة فال يص ح بح اٍل كونُـ ها‬
‫اّد ِخَر ت له‪ ،‬ولم يثبت ذلك عنه)(‪)3‬‬
‫ورد على شبهة بقاء التش ريع بع د رس ول هللا ‪ ‬ال تي ي رميهم به ا خص ومهم‪،‬‬
‫فقال‪( :‬وال نعتقد أن هنالك بعد رس ول هللا ‪ ‬تش ريعًا ب أي وج ه من الوج وه‪ ،‬وم ا‬
‫جاء به ‪ ‬مستحيل أن ينسخ ش يء من ه أو ي زاد ش يء علي ه‪ ،‬ومن زعم ذل ك فه و‬
‫كافر خارج على اإلسالم)(‪)4‬‬
‫وبين المراد من التلقي المباشر من رسول هللا ‪ ،‬فقال‪( :‬وإنن ا وإن قلن ا بج واز‬
‫أن ي رى ال ولُي رس وَل هللا ‪ ‬في اليقظ ة إال أنن ا نعت بر حكمه ا حكم رؤي ة الن وم‬
‫الصحيحة سواء بسواء‪ ،‬وال يعّو ل فيها إال على ما وافق شرعه ‪ ،‬وليست مش اهد‬
‫األولياء بحجة وإنما الحجة هي الشريعة المحمدية‪ .‬أما تلك فمبشرات مقي دة بش رعه‬
‫الشريف‪ :‬ما قبِـله منها قبلناه وما لم يقبله فمذهبنا في ه حس ن الظن فنحكم عليه ا حكم‬

‫‪ )(1‬آثار ابن باديس (‪)150 /3‬‬


‫‪ )(2‬سنرى الوثائق الدالة على إنكار التيجانية لمثل هذه العقائد في محلها‪.‬‬
‫‪ )(3‬محمد الحافظ‪ ،‬براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة‪،‬ص‪.3‬‬
‫‪ )(4‬محمد الحافظ‪ ،‬براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة‪ ،‬ص‪.3‬‬

‫‪240‬‬
‫الرؤيا المؤولة‪ ،‬وال نشك أن معظم الرؤيا يحت اج إلى التأوي ل‪ .‬وإنم ا رجحن ا حس ن‬
‫الظن ألن المؤمن الذي يشهد أن ال إله إال هللا وأن محمدًا رسول هللا ‪ ‬وهو شحيح‬
‫بدين ه ح ريص على متابعت ه نس تبعد علي ه أن يتعم د الك ذب على رس ول هللا ‪ ‬ـ‬
‫واليقظة في ذلك ك النوم ـ وه و يق رأ قول ه علي ه الص الة والس الم‪( :‬من ك ذب علي‬
‫متعمدًا فليتبوأ مقع ده من الن ار)(‪ ،)1‬وال نخص واح دًا من الص الحين ب ذلك ب ل ه و‬
‫عندنا عام في كل ما ينق ل عنهم‪ ،‬وكم نِق َل عن الش يوخ من الموهم ات والش طحات‬
‫سواء في ذلك طريق ة موالن ا الش يخ عب د الق ادر وغيره ا‪ .‬وق د اعت ذر لهم العلم اء‬
‫وردوا الوجَه المخالف‪ .‬وال تخلو كتب أي طريقة من موهماٍت وشطٍح كلها م ؤول)‬
‫(‪)2‬‬
‫وبين حقيقة ما تريده التيجانية من تأثير العالق ة بين المري دين والمش ايخ‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫(وال نعتقد أن مجرد رؤي ة أح د من الص الحين كافي ة في نج اة الم رء وإنم ا ينجي ه‬
‫اإليمان والعمل الص الح ﴿َو َأْن َلْيَس ِلِإْل ْنَس اِن ِإاَّل َم ا َس َع ى﴾ [النجم‪ ،]39 :‬ون رى أن‬
‫االجتماع بالصالحين مع صدق المحبة يجر إلى الص الح غالب ًا ول ذلك حث الش رع‬
‫على صحبتهم وبّين أنها من أسباب التوبة‪ ،‬وحديث الذي قتل تسعًا وتس عين نفس ًا ثم‬
‫طلب التوبة فدله حبٌر على بعض الصالحين ليصحبهم فأدركه الموت قبل أن يص ل‬
‫إليهم فرحمه هللا وقبِـله‪ ،‬ثابٌت في الصحيح‪ .‬وحديث الجليس الصالح كذلك)(‪)3‬‬
‫وبين أن صالة الفاتح التي قامت عليها كل تلك الضجة‪ ،‬مجرد أوهام عاري ة من‬
‫الصحة‪ ،‬فقال مع برا عن عقائ د التيجاني ة في ه ذا‪( :‬ونعتق د أن من أعظم الكف ر أن‬
‫يعتقد أحد أن صالة الفاتح أو غيرها من الصلوات عليه ‪ ‬تعادل في الفضل أية آية‬
‫من القرءان‪ ،‬فكيف تفضلها؟! فكيف بس ورة؟! فكي ف ب ه كل ه؟! وال نعتق د أنه ا من‬
‫الق رءان كم ا زعم من زعم‪ ،‬وال من الح ديث القدس ي وال من أي قس م من وحي‬
‫النبوة‪ ،‬فإن ذل ك ق د انقط ع بلحوق ه ‪ ‬ب الرفيق األعلى‪ .‬والم ذكور عن دنا أنه ا من‬
‫اإللهام الثابت لألولياء‪ ،‬وال نعتقد أنها تساوي الكلمة الشريفة (ال إله إال هللا)‪ ،‬وحاشا‬
‫الشيخ أن يقول بنسخ ال ذكر باألس ماء ف ذلك باط ل‪ ،‬فنحن وهلل الحم د ن ذكر هللا ع ز‬
‫وجل بأسمائه ونحافظ على التسبيح والتحميد وقي ام اللي ل وس ائر النواف ل واألذك ار‬
‫الواردة في الشريعة ونحث عليها)(‪)4‬‬
‫وبين التصور التيجاني للورد‪ ،‬وعدم تعارضه مع االلتزام الش رعي‪ ،‬فق ال‪( :‬وال‬
‫نعتقد أن مجرد أخذ الورد ُيدخُل أح دًا الجن ة بحس اٍب أو بغ ير حس اب ف إن ش رَطه‬
‫المحافظة على األوامر الشرعية كلها علمًا وعمًال‪ .‬وما هو الورد‪ :‬استغفار وص الة‬
‫على النبي ‪ ‬وال إله إال هللا بعد القيام بالواجبات التي أوجبها هللا تبارك وتعالى)(‪)5‬‬
‫ورد على الشبهة التي ترفع الش يخ التيج اني أو أتباع ه إلى مقام ات عالي ة ف وق‬
‫‪ )(1‬صحيح البخاري (‪ ،)38 /1‬صحيح مسلم (‪)8 /1‬‬
‫‪ )(2‬محمد الحافظ‪ ،‬براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ )(3‬محمد الحافظ‪ ،‬براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ )(4‬محمد الحافظ‪ ،‬براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪ )(5‬محمد الحافظ‪ ،‬براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة‪ ،‬ص‪.5‬‬

‫‪241‬‬
‫جمي ع الص الحين‪ ،‬فق ال‪ ..( :‬وال أن الش يخ التيج اني وال أح دًا من غ ير أص حاب‬
‫رسول هللا ‪ ‬يبلغ مرتبة أص حابه ‪ .‬فكي ف باألنبي اء عليهم الس الم فكي ف بس يد‬
‫الخلق ‪ ،‬والولي مهما سمت رتبت ه مس تحيل أن يبل غ في العل وم اإللهي ة مبل َغ أي‬
‫نبي‪ ،‬ومن زعم ذلك فهو ضال مضل‪ .‬ونعتقد أن من الضالل أن يأمن العبد مكر هللا‬
‫تبارك وتعالى مهما توالت عليه المبشرات‪ ،‬ومن اتك ل على عمل ه أو نس بته إلى أي‬
‫شخص وترك العمل فذلك ءاية الخسران المبين والعياذ باهلل تعالى)(‪)1‬‬
‫ورد على الشبهة المرتبطة باعتقاد تصرف األولياء‪ ،‬فقال‪( :‬ونعتقد أن من أش نع‬
‫الشرك أن يعتقد أحد أن ألي أحٍد كان مع هللا تصرفًا‪ ،‬أو من دون ه س بحانه وتع الى‪.‬‬
‫وإنما نقول أن العبد قد يص ل إلى مكان ة من المحبوبي ة ل دى رب ه ع ز وج ل بحيث‬
‫يتص رف الح ُق في ه فيرب ط على قلب ه فال يس أله إال م ا س بقت ب ه إرادت ه األزلي ة‬
‫س بحانه‪ ،‬وه ذا ال ذي نفهم ه في قول ه ‪( :‬إن من عب اد هللا َم ن ل و أقس م على هللا‬
‫ألبّر ه)(‪ )2‬وفي الحديث القدسي (وإن سألني ألعطينه)(‪ )3‬وهذا غالبًا‪ ،‬وإال فق د يس أل‬
‫رَبه عز وجل وال يعطيه ألن ما شاء هللا كان ال ما شاء غيره)(‪)4‬‬
‫ورد على تهم ة الحل ول واالتح اد ال تي ي رمي به ا الس لفيون ومن بينهم جميع ة‬
‫العلماء الطرق الصوفية‪ ،‬فقال‪( :‬وإن من اعتقد في هللا عز وجل حلوًال أو اتح ادًا أو‬
‫اعتقد أن مخلوقًا هو ذات هللا أو فيه صفة من صفاته أو شبهه بخلقه أو شّبه خلقه ب ه‬
‫أو أنكر أمرًا معلوم ًا من ال دين بالض رورة أو أّو ل ه إلى ص ورة تخالف ه كمن يق ول‬
‫بتناس خ األرواح وي زعم أن ه البعث‪ ،‬أو اتب ع رأي ًا من ءاراء المبتدع ة فه و ض ال‬
‫مضل)(‪)5‬‬
‫ثم ذكر خالصة عقيدة التيجانية‪ ،‬والتي تنسجم مع سائر عقائ د المس لمين‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫(وخالصة عقيدتنا في األص ول م ا علي ه الس لف الص الح والخل ف من أه ل الس نة‬
‫والجماعة من الفقهاء والمحدثين والصوفية وما عليه األئمة األربعة مالك والشافعي‬
‫وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل وأصحابهم في الفروع‪ .‬ونسلم للسادة الصوفية قاطبة مع‬
‫وزن أقوالهم وأعمالهم وأح والهم بالش ريعة‪ ،‬فم ا وافقه ا أقررن اه وم ا ك ان يحتم ل‬
‫الموافق ة والمخالف ة حّسنّـ ا للظن فيهم وحملن ا ح الهم على الوج ه المواف ق ووكلن ا‬
‫أمرهم إلى هللا العليم بما في القلوب‪ ،‬وقد ُنقلت عنهم شطحات ال يت اَبعون عليه ا وال‬
‫ُيقتدى بهم فيها‪ .‬وما ال يحتمل رددناه فإنه ال نبوة بعد رسول هللا ‪ ‬وال تشريع)(‪)6‬‬

‫‪ )(1‬محمد الحافظ‪ ،‬براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة‪ ،‬ص‪.6‬‬


‫‪ )(2‬صحيح البخاري (‪ ،)243 /3‬وصحيح مسلم (‪)105 /5‬‬
‫‪ )(3‬نص الحديث كما في البخاري‪( :‬إن هللا قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وم ا تق رب إلي عب دي‬
‫بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع‬
‫به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي به ا وإن س ألني ألعطين ه ولئن اس تعاذني ألعيذن ه‬
‫وما ترددت عن شيء أنا فاعله ت رددي عن نفس الم ؤمن يك ره الم وت وأن ا أك ره مس اءته) (ص حيح البخ اري (‪/8‬‬
‫‪)131‬‬
‫‪ )(4‬محمد الحافظ‪ ،‬براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪ )(5‬محمد الحافظ‪ ،‬براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ )(6‬محمد الحافظ‪ ،‬براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪242‬‬
‫وهكذا يستمر الشيخ الذي هو مرجع التيجانية األك بر في بي ان عقائ د التيجاني ة‪،‬‬
‫وأنها ال تختلف عن سائر عقائد المسلمين‪ ،‬وكان في إمكان الشيخ ابن باديس وغيره‬
‫من أعض اء الجمعي ة‪ ،‬ومن بع دهم من المكف رة أن يق رؤوا مث ل ه ذه النص وص‬
‫الص ادرة من الن اطقين الرس ميين باس م الطريق ة‪ ،‬وي تراجعوا عن تل ك األحك ام‬
‫الخطيرة التي أصدروها‪ ،‬ولكن ذلك لألسف لم يحصل‪ ،‬لسبب بس يط وه و االفتق ار‬
‫إلى المنهج العلمي‪ ،‬وإلى بعض األمراض النفسية التي تجعل من الش خص ال يحب‬
‫أن يدخل الجنة إال وحده أو مع طائفته‪.‬‬
‫ول و أنهم رجع وا إلى مص ادر التيجاني ة لعلم وا أن الش يخ التيج اني يخ بر أن ه‬
‫سيكذب عليه كما كذب على غيره‪ ،‬وأنه في هذه الحال ة ينبغي الع ودة إلى المص ادر‬
‫الشرعية‪ ،‬فقد روي أن ه س ئل‪ :‬ه ل ُيك َذ ب علي ك؟ ق ال‪ :‬نعم‪ ،‬إذا س معتم ع ني ش يئًا‬
‫فزنوه بميزان الشرع فما وافق فاعملوا به وما خالف فاتركوه)‬
‫وبناء على هذا يخ ير الش يخ محم د الحاف ظ‪ ،‬وه و مرج ع من مراج ع التيجاني ة‬
‫الكبار في عهد الجمعي ة وبع دها أن ه (م ا من ف رد في ه ذه الطريق ة كب يرًا ك ان أو‬
‫صغيرًا إال وهو يعلن براءته من تلك األباطيل‪ .‬وقد تلقينا عن مشايخ ه ذه الطري ق ـ‬
‫وهو المنصوص عليه عن صاحبها نفسه ـ أن كل ما ينسب إلى الشيخ بفرض صحة‬
‫نسبته إليه س واء ُو ج د في كتب ه أو لم يوج د وك ان ظ اهره مخالف ًا لنص الكت اب أو‬
‫السنة أو إجماع األمة المحمدية فهو مؤول ويحرم األخذ بظاهره‪ ،‬ويجب حمله على‬
‫وجه يلتئم مع الشريعة‪ .‬وقد قام علماء الطريق ببيان تأويله الموافق للشريعة حتى ال‬
‫يضل أحد بحمله على الوجه المخالف‪ .‬وما لم تصح نسبته إليه فال يعول على ش يء‬
‫منه بح ال‪ .‬وق د بلغن ا أن بعض خلف اء الطري ق أح رق بعض م ا ينس ب للش يخ من‬
‫الفضائل المختلفة التي تتنافى مع السنة المحمدية وأمر بإحراقها حيثما وجدت‪ .‬وهل‬
‫من منصف يستطيع أن يبين لن ا مع نى لتتب ع تل ك الموهم ات ـ ح تى كأن ه ليس في‬
‫الطريق غيرها مع أنه ال خالف بين أهل الطريق في أنها مؤول ة ـ وت رك الص ريح‬
‫البّين من الدعوة إلى هللا عز وج ل والعم ل بالكت اب والس نة والتمس ك الش ديد بهم ا‬
‫وهو الذي عليه العمل وحده عند كل فرد من أه ل الطريق ة؟ وحيث أن تل ك العقائ د‬
‫المخالفة بحذافيرها ال خالف بينن ا في بطالنه ا ونحن متفق ون على ال براءة من ك ل‬
‫من يعتق دها كله ا أو بعض ها‪ ،‬فلم تب ق إال الخالف ات الشخص ية وليس ت خالف ًا‬
‫جوهريًا‪ ..‬فإن كان هذا النك ير غ يرًة على ال دين حقيق ة فال يوج د أح د ـ فيم ا نعلم ـ‬
‫يعتقد تلك العقائد من التيجانيين فه و جه اد في غ ير ع دو‪ .‬ومن نس ب إلى الطريق ة‬
‫التيجانية أي عقيدة من تلك العقائد أو غيرها مما ينافي العقيدة اإلسالمية فهو كاذب‪.‬‬
‫وصح عنه ‪( :‬ما أكفر رجٌل رجًال إال ب اء أح دهما به ا إن ك ان ك افرًا وإال يكف ر‬
‫بتكفيره)(‪)2())1‬‬
‫‪ 4‬ـ تكفير الدول الراعية للصوفية‪.‬‬
‫‪ )(1‬نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي‪ ،‬موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان‪( ،‬ص‪)44 :‬‬
‫‪ )(2‬محمد الحافظ‪ ،‬براءة الطريقة التيجانية من كل ما يخالف الشريعة‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪243‬‬
‫لم يكتف السلفية بكل تلك التكف يرات ال تي ارتبطت بالص وفية‪ ،‬وإنم ا ش ملت‬
‫تكفيراتهم أيضا كل دولة تؤي د ه ذه الط رق‪ ،‬أو تنتش ر بينه ا ه ذه الط رق‪ ..‬وب ذلك‬
‫يصبح التكفير ـ ألول مرة ـ مرتبطا بالجغرافيا‪ ..‬ول ذلك ال عجب أن يس مي الس لفية‬
‫السعودية [بالد التوحيد]‪ ،‬ألنهم يعتقدون أن غيرها من البالد بالد شرك‪.‬‬
‫وقد أشار ابن غنام إلى هذا الموقف في تأريخه للدعوة الوهابية‪ ،‬فق ال‪( :‬ك ان‬
‫غالب الناس في زمانه – أي الشيخ محمد بن عب دالوهاب – متض مخين باألرج اس‬
‫متلطخين بوضر األنجاس حتى قد انهمكوا في الشرك بعد حلول السنة باألرماس‪...‬‬
‫فعدلوا إلى عبادة األولي اء والص الحين‪ ،‬وخلع وا ربق ة التوحي د وال دين‪ ،‬فج دوا في‬
‫االستغاثة بهم في النوازل والحوادث والخطوب المعض لة الك وارث‪ ،‬وأقبل وا عليهم‬
‫في طلب الحاجات وتفريج الش دائد والكرب ات من األحي اء منهم واألم وات‪ ،‬وكث ير‬
‫يعتق د النف ع والض ر في الجم ادات)(‪ ،)1‬ثم ذك ر ص ور الش رك في نج د والحج از‬
‫والعراق والشام ومصر وغيرها‪.‬‬
‫ويق ول س عود بن عب دالعزيز (ت‪1229‬هـ) في رس الة ل ه إلى والي الع راق‬
‫العثماني واصفًا حال دولتهم‪( :‬فشعائر الكفر باهلل والشرك هي الظاهرة عن دكم مث ل‬
‫بناء القباب على القبور وإيقاد السرج عليها وتعليق الس تور عليه ا وزيارته ا بم ا لم‬
‫يش رعه هللا ورس وله واتخاذه ا عي دًا وس ؤال أص حابها قض اء الحاج ات وتف ريج‬
‫الكربات وإغاثة اللهفات‪ ،‬هذا مع تض ييع ف رائض ال دين ال تي أم ر هللا بإقامته ا من‬
‫الصلوات الخمس وغيرها فمن أراد الصالة ص لى ح ده ومن تركه ا لم ينك ر علي ه‬
‫وك ذلك الزك اة وه ذا أم ر ق د ش اع وذاع ومأل األس ماع في كث ير من بالد‪ :‬الش ام‬
‫والعراق ومصر وغير ذلك من البلدان)(‪)2‬‬
‫وقال فيها‪( :‬وحالكم وحال ائمتكم وسالطينكم تشهد بكذبكم وافترائكم في ذل ك‬
‫‪ -‬أي في ادعائهم اإلسالم ‪ -‬وقد رأينا لما فتحنا الحجرة الشريفة على س اكنها أفض ل‬
‫الصالة والسالم عام (اثنين وعشرين) رسالة لسلطانكم (سليم) أرسلها ابن عم ه إلى‬
‫رسول هللا ‪ ‬يس تغيث ب ه وي دعوه ويس أله النص ر على األع داء‪ ،‬وفيه ا من ال ذل‬
‫والخضوع والخشوع ما يشهد بكذبكم‪ ،‬وأولها‪( :‬من ُع َبْيدك السلطان سليم‪ ،‬وبعد‪ :‬ي ا‬
‫رسول هللا قد نالنا الضر ونزل بنا المك روه م ا ال نق در على دفع ه‪ ،‬واس تولى عّب اد‬
‫الصلبان على عّباد ال رحمن !! نس ألك النص ر عليهم والع ون عليهم) وذك ر كالم ًا‬
‫كثيرًا هذا حاصله ومعناه‪ ،‬فانظر إلى هذا الشرك العظيم‪ ،‬والكفر باهلل الواحد العليم‪،‬‬
‫فما سأله المشركون من آلهتهم العزى والالت‪ ،‬فإنهم إذا نزلت بهم الش دائد أخلص وا‬
‫لخالق البريات)(‪)3‬‬
‫ولهذا لما غزا األتراك مواطن الوهابية ألف الشيخ سليمان بن عبدا هلل (ت وفي‬
‫‪1233‬هـ) كتابًا ‪ُ -‬سمَي بالدالئل ‪ -‬على ردة وكفر من أعان ه ؤالء وظ اهروهم وإن‬
‫‪ )(1‬حسين بن غنام (روضة األفكار) ص‪.5‬‬
‫‪ )(2‬الدرر السنية‪.1/382 ،‬‬
‫‪ )(3‬الدرر السنية‪ ،‬ص ‪( ،160‬تاريخ الدولة العلية) ص ‪177‬وص ‪ 198‬ومابعدها‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫كان ليس على دينهم ‪ -‬في الش رك ‪ -‬وذك ر في ه أك ثر من عش رين دليًال على ذل ك‪،‬‬
‫وسمي الجيش الغازي (جنود القباب والشرك)(‪)1‬‬
‫وسئل الشيخ عبدهللا بن عبداللطيف (‪1339‬هـ) عن من لم يكف ر الدول ة – أي‬
‫العثمانية – ومن ج رهم على المس لمين واخت ار واليتهم وأن ه يلزم ه الجه اد معهم‪،‬‬
‫واآلخر ال يرى ذلك كله بل الدولة ومن ج رهم بغ اة وال يح ل منهم إال م ا يح ل من‬
‫البغاة وإن ما يغنم منهم من األعراب حرام‪ ،‬فأجاب‪( :‬من لم يعرف كف ر الدول ة ولم‬
‫يفرق بينهم وبين البغاة من المسلمين لم يعرف مع نى ال إل ه إال هللا‪ ،‬ف إن اعتق د م ع‬
‫ذلك أن الدولة مسلمون فهو أشد وأعظم وهذا هو الشك في كف ر من كف ر باهلل وِأرك‬
‫به‪ ،‬ومن جرهم وأعانهم على المسلمين بأي إعانة فهي ردة صريحة)(‪)2‬‬
‫أما الشيخ سليمان بن سحمان (ت ‪1349‬هـ)‪ ،‬فقد قال في قصيدة له (‪:)3‬‬
‫فحق فهم من أكفر الناس في‬ ‫وما قال في األتراك من وصف‬
‫النحل‬ ‫كفرهم ‍‬
‫ينوف ويربو في الضالل على الملْل‬ ‫وأعداهم للمسلمين وشرهم ‍‬
‫وال شك في تكفيره عند من عقْل‬ ‫ومن يتول الكافرين فمثلهم ‍‬
‫فال شك في تفسيقه وهو في وجـــْل‬ ‫ومن قد يواليهم ويركن نحوهـــــــــم‬
‫ولعل هذا الموقف هو الذي جعل ابن باديس المتأثر بالوهابية لدرجة كبيرة ج دا‪،‬‬
‫يختلف مع أكثر علماء األم ة في الموق ف من كم ال أت اتورك حين أث نى علي ه حي ا‬
‫وميتا‪ ،‬فقد رثاه بعد موته به ذه الكلم ات ال تي لم ي رث بمثله ا غ يره‪ ،‬فق د ق ال‪( :‬في‬
‫الس ابع عش ر من رمض ان المعظم ختمت أنف اس أعظم رج ل عرفت ه البش رية في‬
‫التاريخ الحديث‪ ،‬وعبقري من أعظم عباقرة الشرق‪ ،‬ال ذين يطلع ون على الع الم في‬
‫مختلف األحقاب‪ ،‬فيحولون مجرى التاريخ ويخلقونه خلقًا جديدًا ذل ك ه و مص طفى‬
‫كمال بطل غاليبولي في ال دردنيل وبط ل س قاريا في األناض ول وب اعث تركي ا من‬
‫شبه الموت إلى حيث هي اليوم من الغنى والعز والسمو)(‪)4‬‬
‫وقد برر ابن باديس هذا الموقف بقوله‪( :‬إن اإلحاطة بنواحي البحث في شخصية‬
‫أتاتورك (أبي الترك) مما يقصر عنه الباع‪ ،‬ويضيق عنه المجال‪ ،‬ولكن ني أرى من‬
‫المناسب أو من الواجب أن أق ول كلم ة في موقف ه إزاء اإلس الم‪ .‬فه ذه هي الناحي ة‬
‫الوحيدة من نواحي عظمة مص طفى أت اتورك ال تي ينقبض له ا قلب المس لم ويق ف‬
‫متأسفًا ويكاد يولي مصطفى في موقف ه ه ذا المالم ة كله ا ح تى يع ِّر ف المس ؤولين‬
‫الحقيق يين ال ذين أوقف وا مص طفى ذل ك الموق ف فمن هم ه ؤالء المس ؤلون؟‪...‬‬

‫‪ )(1‬الدرر السنية‪57 /7 ،‬ـ ‪.69‬‬


‫‪ )(2‬الدرر السنية‪.8/242 ،‬‬
‫‪( )(3‬ديوان ابن سحمان) ص ‪..191‬‬
‫‪ )(4‬آثار ابن باديس‪.4/213:‬‬

‫‪245‬‬
‫المسؤولون هم الذين كانوا يمثلون اإلسالم وينطق ون باس مه‪ ،‬ويتول ون أم ر الن اس‬
‫بنفوذه‪ ،‬ويعدون أنفسهم أهله وأولى الناس به)(‪)1‬‬
‫ثم يحدد هؤالء‪ ،‬والذين اعتبر أتاتورك بالرغم من توجهه العلم اني أو اإللح ادي‬
‫أفضل منهم‪ ،‬فذكر أنهم (خليفة المسلمين شيخ إسالم المسلمين ومن مع ه من علم اء‬
‫الدين‪ ،‬شيوخ الطرق المتصوفون‪ ،‬األمم اإلسالمية التي كانت تعد السلطان العثماني‬
‫خليفة لها)(‪)2‬‬
‫ولم يكتف السلفية ب ذلك التكف ير الع ام للدول ة العثماني ة‪ ،‬ب ل راح وا يكف رون‬
‫سالطينها ـ ال بسبب استبدادهم وظلمهم ـ وإنما بسبب انتمائهم للطرق الصوفية‪.‬‬
‫فمن سالطين العثم انيين ال ذين كف روهم‪ :‬الس لطان أورخ ان األول (ت ‪761‬‬
‫هـ)‪ ،‬وهو السلطان الثاني لهذه الدولة بعد أبي ه عثم ان (عثم ان األول ت ‪ 726‬هـ)‪،‬‬
‫وسبب تكفيرهم له هو أنه كان صوفيًا على الطريقة البكتاشية(‪.)3‬‬
‫ومنهم السلطان محمد الثاني (الف اتح)(ت ‪ 886‬هـ)‪ ،‬وس بب تكف يرهم ل ه أن ه‬
‫(بعد فتح ه للقس طنطينية س نة ‪ 857‬هـ‪ ،‬كش ف موق ع ق بر (أبي أي وب األنص اري)‬
‫وبنى عليه ضريحًا‪ ،‬وبنى بجانبه مسجدًا وزين المسجد بالرخام األبيض وب نى على‬
‫ضريح أبي أيوب قبة‪ ،‬فكانت عادة العثمانيين في تقليدهم للسالطين أنهم كانوا يأتون‬
‫في موكب حافل إلى هذا المسجد ثم يدخل السلطان الجديد إلى هذا الضريح ثم يتسلم‬
‫سيف السلطان (عثمان األول) من شيخ (الطريقة المولوية)(‪)4‬‬
‫ومنهم الس لطان س ليمان الق انوني (ت ‪ 974‬هـ)‪ ،‬وه و من أش هر س الطين‬
‫الدولة العثمانية‪ ،‬وحكم ‪ 46‬سنة تقريبًا‪ ،‬وسبب تكفيرهم له أنه (لما دخل (بغداد) بنى‬
‫ضريح أبي حنيفة وبنى عليه قبة‪ ،‬وزار مقدسات الرافضة في (النجف) و(ك ربالء)‬
‫وبنى منها ما تهدم)(‪)5‬‬
‫ومنهم السلطان سليم خان الثالث (ت ‪ 1223‬هـ)‪ ،‬والذي قاله فيه اإلمام سعود‬
‫بن عبد العزيز في رسالته لوالي بغداد ‪ -‬والتي سبق ذكرها‪( :-‬وحالكم وحال أئمتكم‬
‫وسالطينكم تشهد بكذبكم وافترائكم في ذلك ‪ -‬أي في ادعائهم اإلسالم ‪ -‬وقد رأينا لما‬
‫فتحنا الحجرة الشريفة على ساكنها أفضل الص الة والس الم ع ام (اث نين وعش رين)‬
‫رسالة لسلطانكم (س ليم) أرس لها ابن عم ه إلى رس ول هللا ‪ ‬يس تغيث ب ه وي دعوه‬
‫ويسأله النصر على األعداء‪ ،‬وفيها من الذل والخضوع والخشوع ما يش هد بك ذبكم)‬
‫(‪)6‬‬
‫ومنهم السلطان عب د الحمي د الث اني (‪ 1327‬هـ)‪ ،‬وق د كف روه بس بب انتمائ ه‬

‫‪ )(1‬آثار ابن باديس‪.4/213:‬‬


‫‪ )(2‬آثار ابن باديس‪.4/213:‬‬
‫‪ )(3‬انظر (تاريخ الدولة العلية العثمانية) ص ‪ ،123‬و(الفكر الصوفي) ص ‪.411‬‬
‫‪ )(4‬الدولة العثمانية دولة إسالمية مفترى عليها) ‪..1/64‬‬
‫‪ )(5‬الدولة العثمانية دولة إسالمية) ‪.25 /1‬‬
‫‪ )(6‬الدرر السنية‪ ،‬ص ‪.160‬‬

‫‪246‬‬
‫للطريقة (الشاذلية)‪ ،‬ويذكرون في مبررات تكفيرهم له رسالة له إلى ش يخ الطريق ة‬
‫الشاذلية في وقته يقول فيه ا‪( :‬الحم د هلل‪....‬أرف ع عريض تي ه ذه إلى ش يخ الطريق ة‬
‫العلية الشاذلية‪ ،‬وإلى مفيض الروح والحياة‪ ،‬شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفن دي‬
‫أبي الشامات وأقبل يديه المباركتين‪ ،‬راجيًا دعواته الصالحات‪ ،‬سيدي‪ :‬إنني بتوفي ق‬
‫هللا تعالى أدوام على ق راءة األوراد الش اذلية ليًال ونه ارًا‪ ،‬وأع رض أن ني ال زالت‬
‫محتاجًا لدعواتكم القلبية بصورة دائمة)(‪)6‬‬

‫‪ )(6‬انظر (إمام التوحيد) ألحمد القطان ومحمد الزين ص ‪.148‬‬

‫‪247‬‬
‫السلفية‪ ..‬وتكفير المدارس الحركية‬
‫ينظر السلفية بريبة كبيرة إلى كل العاملين في المجال ال دعوي مهم ا اختلفت‬
‫توجهاتهم ومذاهبهم وتياراتهم‪ ،‬فلهم عندهم جميعا لقب واحد ه و لقب المبتدع ة‪ ،‬م ا‬
‫داموا لم ينضموا إلى الجماعة السلفية التي تمثل وحدها اإلسالم كما يزعمون‪..‬‬
‫وكل ذلك ينطلق من تلك النظرة الطائفية المس تكبرة ال تي يتعام ل به ا العق ل‬
‫السلفي مع كل األمور‪ ..‬فه و في ه ذا المج ال أيض ا ال يرض ى أن يوج د في البيئ ة‬
‫اإلسالمية أي منافس ل ه‪ ،‬ألن ه ال يري د إال أن يك ون وح ده في الس احة‪ ،‬وأن يك ون‬
‫وحده ممثال لإلسالم‪.‬‬
‫وقد عبر عن هذا المعنى الش يخ ص الح الف وزان عن دما س ئل‪( :‬ي زُعم بعض‬
‫الناس أَّن السلفية تعتبر جماع ة من الجماع ات العامل ة على الس احة‪ ،‬وحكمه ا حكم‬
‫بقية الجماعات‪ ،‬فما هو تقييمكم لهذا الزعم؟)‬
‫فأجاب بقول ه‪( :‬الجماع ة الس لفية هي الجماع ة ال تي على الح ق‪ ،‬وهي ال تي‬
‫يجب االنتماء إليها والعمل معها واالنتساب إليه ا‪ ،‬وم ا ع داها من الجماع ات يجب‬
‫أن ال تعت بر من جماع ات ال دعوة ألنه ا مخالف ة إال إذا انض مت إلى ه ذه الجماع ة‬
‫السلفية‪ ،‬أما إذا استمرت مخالفة فال نتبعها وكي ف نَّتب ع فرق ة مخالف ة لجماع ة أه ل‬
‫الُّسنة وهدي السلف الصالح‪ ..‬ما خالف للجماعة السلفية فإنه مخالف لمنهج الرسول‬
‫‪ ‬مخالف لما كان عليه الرسول ‪ ‬وأصحابه‪ ،‬فقول القائ ل‪ :‬إن الجماع ة الس لفية‬
‫واحدة من الجماعات اإلسالمية‪ ،‬هذا قول غلط‪ ،‬ألن الجماع ة الس لفية هي الجماع ة‬
‫الوحيدة التي يجب اِّتباُعها والسير على منهجها واالنضمام إليها والجهاد معها ألنه ا‬
‫الجماعة األصيلة وما عداها فهي جماعة اصطالحية تضع له ا منهج ًا اص طالحيًا‪،‬‬
‫فما عدا الجماعة الس لفية فإن ه ال يج وز للمس لم أن ينض م إلي ه‪ ،‬ألن ه مخ الف‪،‬فه ل‬
‫يرض ى إنس ان أن ينض م إلى المخ الفين‪ ..‬ه ل يري د اإلنس ان النج اة ويس لك غ ير‬
‫طريقها)(‪)1‬‬
‫وُس ِئَل ‪( :‬ه ل السلفيـة ح زب من األحـزاب وه ل االنتس اب له ا م ذموم؟)‪،‬‬
‫فأجاب‪( :‬السلفية هي الفرق ة الناجي ة‪ ،‬وهم أه ل الُّس نة والجماع ة‪ ،‬ليس ت حزًب ا من‬
‫األحزاب التي تسمى أحزاًبا وإنم ا هم جماع ة على الُّس نة وال دين‪ ..‬فالس لفية طائف ة‬
‫على مذهب السلف على ما كان عليه الرسول ‪ ‬وأص حابه‪ ،‬هي ليس ت حزب ًا من‬
‫األحزاب العصرية اآلن‪ ،‬إنما هي جماعة قديمة أثرية من عهد الرسول ‪ ‬متوارثة‬
‫مستمرة ال تزال على الحق ظاهرة إلى قيام الساعة كما أخبر‪)2()‬‬
‫وهكذا نراهم عندما يتحدثون عن أي حرك ة من الحرك ات اإلس المية‪ ،‬ف إنهم‬
‫ينطلق ون من مق والت س لفهم في الجهمي ة والمعتزل ة والش يعة وغيره ا ليطبقوه ا‬
‫(‪ )1‬األجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة ص‪.252‬‬
‫‪1‬‬
‫(‪ )1‬األجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة ص‪.253‬‬
‫‪2‬‬

‫‪248‬‬
‫عليهم‪.‬‬
‫وبذلك ف إن أحك امهم على ه ذه الجماع ات والحرك ات ال تختل ف عن أحك ام‬
‫سلفهم على تلك الفرق والمذاهب‪ ،‬وإن كانوا يختلف ون في ح دة الموق ف‪ ،‬بن اء على‬
‫الظروف المختلفة المتعلقة بكل متحدث منهم‪.‬‬
‫أما الموق ف الحقيقي لهم فه و ال يختل ف عن م وقفهم من س ائر األم ة‪ ،‬وه و‬
‫تسليط سيف التكفير عليهم إما تكفيرا مطلقا أو تكفيرا معين ا‪ ،‬كم ا س نرى من خالل‬
‫هذا الفصل‪.‬‬
‫أوال ـ التكفير المطلق‪:‬‬
‫بناء على ما ذكرنا سابقا من تكفير السلفية لألش اعرة والماتريدي ة والمعتزل ة‬
‫وغيرهم بسبب م واقفهم التنزيهي ه من ص فات هللا‪ ،‬وال تي اعتبره ا الس لفية تعطيال‬
‫وتجهما‪ ..‬وبناء على م وقفهم من الص وفية‪ ،‬وتكف يرهم لهم جمل ة وتفص يال‪ ..‬وبن اء‬
‫على مواقفهم المتشددة فيما يسمونه الوالء والبراء‪ ،‬فإن موقف السلفية من الحركات‬
‫اإلسالمية جميعا يص ل إلى ح د التكف ير بن اء على ه ذه االعتب ارات وغيره ا‪ ،‬كم ا‬
‫سنشرح ذلك في التهم التي يوجهها السلفية عادة للحركات اإلسالمية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ التهم المرتبطة باالنحرافات العقدية‪.‬‬
‫ال ي درس الس لفية الحرك ات اإلس المية من ب اب ج دوى م ا تق وم ب ه من‬
‫ممارسات في خدمة اإلسالم أو التعريف به وال دعوة إلي ه‪ ،‬ليحكم وا من خالل ذل ك‬
‫على مدى جديتها وجدوى ما تق وم به ا‪ ،‬وإنم ا يدرس ونها من خالل الم وازين ال تي‬
‫تركها لهم سلفهم‪ ..‬وال تي تختص ر في الموق ف من الص فات والعل و وخل ق الق رآن‬
‫ونحو ذلك‪..‬‬
‫ولهذا نرى السلفية يبحثون في تراث أي حركة‪ ،‬وفي عقل أي منتم إليها‪ ،‬فإن‬
‫وجدوا شيئا مما يخالف ما ذك ره س لفهم‪ ،‬س ارعوا إلى نقل ه وتوثيق ه ‪،‬ثم الحكم على‬
‫الحركة كلها من خالله‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما حكم به الشيخ ربيع بن هادي المدخلي على جماعة التبليغ‪،‬‬
‫فق د ق ال‪( :‬وال ش ك أن االختالف بين الس لفيين أه ل الُس ّنة والتوحي د وبين جماع ة‬
‫التبليغ اختالف شديد وعميق في العقيدة والمنهج‪ .‬فهم ماتريدية معّطل ة لص فات هللا‪،‬‬
‫وصوفية في العبادة والسلوك يبايعون على أربع طرق صوفية ُم غرق ة في الض الل‬
‫ومن ذلك أن هذه الطرق تقوم على الحلول ووحدة الوج ود والش رك ب القبور وغ ير‬
‫ذلك من الضالالت‪ .‬وهذا قطعًا ال يعرفه عنهم العالمة ابن عثيمين ولو ع رف ذل ك‬
‫عنهم ألدانهم بالضالل ولحَّذ ر منهم أشد التحذير‪ ،‬ولسلك معهم المس لك الس لفي كم ا‬
‫فعل شيخاه اإلمام محمد بن إبراهيم واإلمام ابن باز وغيرهما)(‪)1‬‬
‫وهكذا قال التويجري في كتابه الذي خصص ه لتكف يرهم ـ عن د ذك ره لبعض‬
‫القصص التي حصلت بين السلفية وبينهم ـ (ق ال الش يخ ال ذي أرس ل إلَّي الم ذكرة‪:‬‬

‫‪ )(1‬أقوال علماء الُسنة في جماعة التبليغ‪ ،‬لربيع المدخلي‪ ،‬ص‪.3‬‬

‫‪249‬‬
‫وقد حص لت لي م ع الش اهد الم ذكور قص ة‪ ،‬وهي أن ه ج اءني مس تنكرًا الكالم في‬
‫جماعة التبليغ! فقلت له‪ :‬إنهم متصوفة وماتريدية ال يصفون هللا بصفة العلو‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫وما الدليل على ذلك؟ فقلت له‪ :‬اذهب بنفسك‪ ،‬وح اول أن تق ف على الواق ع‪ .‬ف ذهب‬
‫الرجل‪ ،‬وبعد أيام عاد إلَّي وهو يقول‪ :‬إن ما ذكرته من كونهم ال يع ترفون بعل ِّو هللا‬
‫واستوائه على عرشه صحيح‪ .‬فقلت له‪ :‬وكيف عرفت ذل ك؟ ق ال‪ :‬ذهبت إلى رئيس‬
‫الجماعة سعيد أحمد الذي كان يثق بي تمام الثق ة؛ ألني من تالمي ذه ومريدي ه‪ ،‬فقلت‬
‫له‪ :‬إني لست في شك من عقيدتنا‪ ،‬وهي أن هللا في كل مكان‪ ،‬وليس هو في الس ماء‪،‬‬
‫ولكن؛ بماذا نرُّد على ال ذين يقول ون‪ :‬إن هللا في الس ماء‪ .‬فق ال‪ :‬ات ركهم واثبت على‬
‫عقيدتك؛ فهي الحق)(‪)1‬‬
‫وقد علق التويجري على هذه القص ة بقول ه‪( :‬وه ذه طام ة ك برى من عقائ د‬
‫التبليغِّيين‪ ،‬وهي إنكار علو هللا على خلقه‪ ،‬وهذا ه و م ذهب الجهمي ة ال ذين كَّف رهم‬
‫كثير من علماء السلف وتبَّرؤوا منهم‪ ..‬وقد ذكر عبد هللا ابن اِإل م ام أحم د في كت اب‬
‫[السنة] كثيرًا من أقوال العلماء في تكفيرهم‪ ،‬وذكرها غيره من األئمة الذين ص َّنفوا‬
‫في السنة والرِّد على الجهمَّية‪ .‬فليعتبر المسارعون إلى االنضمام إلى جماعة التبلي غ‬
‫بما ُذ كر عن رئيس جماعتهم في المملكة العربية السعودية أن ه يعتق د أن هللا في ك ل‬
‫مكان وليس هو في السماء! وهذا كفر صريح؛ لمناقضته لألدلة الكث يرة من الكت اب‬
‫والس نة وإجم اع المس لمين على أن هللا تع الى مس تٍو على عرش ه‪ ،‬ف وق جمي ع‬
‫المخلوقات‪ ،‬وأنه م ع الخل ق بعلم ه واطالع ه وإحاطت ه‪ ..‬فليح ذر الم ؤمن الناص ح‬
‫لنفسه من االنضمام إلى التبليغيين الذين ينكرون علَّو هللا على خلقه‪ ،‬ويزعم ون أن ه‬
‫في كل مكان‪ ،‬تعالى هللا عَّم ا يقول الظالمون علّو ًا كبيرًا)(‪)2‬‬
‫وهكذا ينظر السلفية إلى اإلخوان المسلمين‪ ،‬فهم في ك ل كت اب يتح دثون في ه‬
‫عنهم ال يهتمون كثيرا بأخطائهم التي وقعوا فيه ا أثن اء ممارس تهم للعم ل ال دعوي‪،‬‬
‫فذلك ال يهمهم كثيرا‪ ،‬وإنما الذي يهمهم هو أن الشيخ حسن البن ا عن د ذك ره للعقائ د‬
‫كان متأثرا باألش اعرة المعطلين للص فات والمنك رين للجه ة‪ ،‬وق د ق ال أح دهم في‬
‫كت اب تكف يري خط ير خصص ه لإلخ وان المس لمين‪( :‬أم ا حس ن البن ا فمذهب ه في‬
‫صفات هللا تعالى أنه (أش عري مف وض) في ص فات هللا تع الى أي يثبت المع نى في‬
‫ثالث عشرة صفة فقط أما باقي الصفات فيفوض في المعنى وال يثبت معناه ا وه ذا‬
‫مذهب األشاعرة المفوض ة‪ .‬فحس ن البن ا أثبت في كتاب ه (العقائ د) الص فات الثالث ة‬
‫عشرة التي أثبتها األشاعرة وهي الصفات السبع التي تسمى صفات المع اني وأثبت‬
‫الصفات الخمس التي تسمى الصفات النفسية ثم أثبت صفة الوجود فهذه ثالث عشر‬
‫صفة من أثبتها بطريقة األشاعرة يعتبر أشعريا‪ ..‬فحسن البنا أشعري يثبت الص فات‬
‫السبع والصفات السلبية الخمسة والصفة النفسية‪ ،‬ثم بعد ذلك اختار الطري ق اآلخ ر‬
‫من طرق األشاعرة وهو تفويض الصفات ثم دلس وألصق كل هذا بم ذهب الس لف‪.‬‬
‫‪ )(1‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪ )(2‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.43‬‬

‫‪250‬‬
‫فحسن البنا يرى بتفويض صفات هللا تعالى ثم يتمادى ويدلس وينسب ه ذا بالباط ل‬
‫لمذهب السلف)(‪)1‬‬
‫بل إنه يذهب ويرمي محاول ة الش يخ حس ن البن ا ته وين الخالف بين الس لف‬
‫والخلف في تلك المسائل إلى أنه ارتكب بذلك أكبر جريم ة‪ ،‬فق ال‪( :‬ال يكتفي حس ن‬
‫البنا بأنه يفوض في صفات هللا تعالى‪ ،‬وال يكتفي بأنه يدلس وينس ب مذهب ه الباط ل‬
‫في التفويض إلى السلف ب ل يتم ادى أك ثر وأك ثر‪ ،‬فُيه ِّو ن ويُـقلِّـ ل من الخالف بين‬
‫األشاعرة المفوضة (الذين يكذب حسن البنا ويق ول أن م ذهبهم في تف ويض مع اني‬
‫ص فات هللا تع الى ه و م ذهب الص حابة والس لف) وبين األش اعرة المؤول ة ال ذين‬
‫يسميهم حسن البن ا ب الخلف؛ فيق ول ب أن الخالف بين الف ريقين من قبي ل (خالف ال‬
‫يس تحق ض جة وال إعنات ا) أو (ه و هين كم ا ت رى‪ ،‬وأم ر لج أ إلي ه بعض الس لف‬
‫أنفسهم‪ ،‬وأهم ما يجب أن تتوجه إلي ه همم المس لمين اآلن توحي د الص فوف‪ ،‬وجم ع‬
‫الكلمة ما استطعنا إلى ذلك سبيال)‪..‬؛ فيقول حس ن البن ا (ونعتق د إلى ج انب ه ذا أن‬
‫تأويالت الخلف ال توجب الحكم عليهم بكف ر وال فس وق‪ ،‬وال تس تدعي ه ذا ال نزاع‬
‫الطويل بينهم وبين غيرهم قديما وحديثا‪ ،‬وصدر اإلس الم أوس ع من ه ذا كل ه‪ ..‬وإذا‬
‫تقرر هذا فقد اتفق السلف والخلف على أصل التأويل‪ ،‬وانحصر الخالف بينهم ا في‬
‫أن الخلف زادوا تحديد المعنى المراد حيثما ألجأتهم ضرورة التنزيه إلى ذلك حفظ ا‬
‫لعقائد العوام من شبهة التش بيه‪ ،‬وه و خالف ال يس تحق ض جة وال إعنات ا)(‪ ..)2‬أي‬
‫يجعل الخالف في توحيد األسماء والصفات بين الفريقين الضاَّلين من ب اب الخالف‬
‫السائغ الهين الذي ال ينكر فيه على المخالف‪ ،‬وقول حسن البن ا الص وفي الحص افي‬
‫الشاذلي لم يقل به أحد من السلف نعوذ باهلل تعالى من الخذالن)(‪)3‬‬
‫وهكذا يرمي من خلف الشيخ حسن البن ا ب الوقوع في نفس البدع ة ال تي وق ع‬
‫فيها‪ ،‬بل في أشد منها‪ ،‬فيقول‪( :‬أما خلفاء حسن البنا كسعيد حوى والغزالي وغيرهم‬
‫فكانوا أصرح منه فعطلوا الصفات بالكلية ثم أولوها ما عدا ثالثة عشر على م ذهب‬
‫األشاعرة المؤولة أو الماتريدية)(‪)4‬‬
‫بل إنه يص ور مش روع اإلخ وان المس لمين في إقام ة الخالف ة اإلس المية أو‬
‫إحيائها‪ ،‬بأنه ليس كذلك‪ ،‬وإنم ا ه و مش روع إلحي اء الخالف ة الص وفية األش عرية‪،‬‬
‫فيقول في فصل بعنوان [السبب الحقيقي والهدف الحقيقي إلنشاء حسن البنا لجماعة‬
‫اإلخوان الضالة]‪( :‬نريد أن نسأل‪ :‬لماذا أنشأ حسن البنا األشعري الص وفي جماع ة‬
‫جديدة في ب دايات الق رن العش رين تض م جمي ع الف رق الض الة المنتس بة لإلس الم؟‬
‫اإلجابة ببساطة نعرفها عن دما نع رف اله دف األس مى واألعلى لجماع ة اإلخ وان؛‬
‫فالهدف األسمى واألعلى لجماعة اإلخوان هو‪ :‬وص ول جماع ة اإلخ وان للحكم في‬

‫‪ )(1‬إثبات فساد منهج ودعوة حسن البنا وجماعة اإلخوان‪ ،‬ص‪.107‬‬


‫‪ )(2‬كتاب رسائل اإلمام من رسالة العقائد ص ‪.289‬‬
‫‪ )(3‬إثبات فساد منهج ودعوة حسن البنا وجماعة اإلخوان‪ ،‬ص‪.118‬‬
‫‪ )(4‬إثبات فساد منهج ودعوة حسن البنا وجماعة اإلخوان‪ ،‬ص‪.119‬‬

‫‪251‬‬
‫البالد اإلسالمية ويليه إقامة الخالفة الصوفية األشعرية الحامية ألهل البدع والف رق‬
‫الضالة‪ ،‬فهي خالفة البدع والخرافات والض الالت‪ ،‬وإذا أنش أ حس ن البن ا الص وفي‬
‫األش عري جماعت ه لتض م فق ط من هم على مذهب ه من الص وفيين األش اعرة فه ذا‬
‫سُيعَـطِّـل تنفيذ الهدف األسمى للجماعة وسيض ع المعوق ات في طري ق تحقي ق ه ذا‬
‫الهدف األساس للجماع ة ول ذلك اخت ار حس ن البن ا أن يجع ل جماعت ه تض م جمي ع‬
‫الفرق الضالة وتحتضنها لتحقيق هدف الجماعة؛ وه ذا م ا س ار علي ه خلف اء حس ن‬
‫البنا وحتى اآلن وهذا صميم منهج جماعة اإلخوان الضالة)(‪)1‬‬
‫وهك ذا كف ر الس لفية جماع ة الع دل واإلحس ان المغربي ة بس بب ميوالته ا‬
‫الص وفية‪ ،‬وق د ق ال بعض هم‪ ،‬وه و يتح دث عن الش يخ عب د الس الم ياس ين زعيم‬
‫الجماعة‪( :‬وهذا الرجل الذي يتزعم حاليًا جماعة أش به م ا تك ون بطريق ة ص وفية‪،‬‬
‫وتدعى [جماعة العدل واإلحسان]‪ ،‬قد مر في حياته باضطرابات فكري ة وعقائدي ه‪،‬‬
‫حيث عاش ردحًا من الزمن يتغذى على الفكر المادي فكر فرويد وم اركس‪ ،‬وفج أة‬
‫ينتق ل إلى توج ه آخ ر‪ ،‬ومن اقض ل ه تم ام المناقض ة‪ ،‬وه ذه التوج ه الجدي د ه و‬
‫التصوف‪ ،‬الذي ال أثر للعقل فيه البت ة‪ ..‬وق د لخص المغ راوي مص ادر التلقي عن د‬
‫ياسين في األمور التالية‪-1 :‬الفكر الرافضي‪-2 ..‬فكر الحالج المقتول على الزندقة‪..‬‬
‫‪-3‬فكر ابن عربي الحاتمي شيخ القائلين بوحدة الوجود‪-4 ..‬فكر الش عراني ص احب‬
‫الطبقات‪-5 ..‬فكر الدباغ وكتابه اإلبريز‪-6 ..‬فكر التجاني)‬
‫‪ 2‬ـ التهم المرتبطة بالتصوف والبدع العملية‬
‫من االهتمام ات الك برى للس لفية أثن اء دراس تهم ألي حرك ة من الحرك ات‬
‫اإلسالمية البحث عن صلتها وعالقتها بالطرق الصوفية‪ ..‬ذلك أن وجود ه ذا وح ده‬
‫كاف لشرعنة التحذير من تلك الحركة وتبديعها‪ ..‬بل وتكفيره ا كم ا يكف ر الص وفية‬
‫جميعا‪.‬‬
‫ولهذا نراهم عند حديثهم عن جماعة التبليغ يس تعملون ك ل الوس ائل لربطه ا‬
‫بالطرق الصوفية‪ ،‬ابتداء من بحثهم عن حي اة ش يخها وعالقت ه بالتص وف‪ ،‬وانته اء‬
‫بالبحث عن أي دليل يرتبط بأي منتم لهذه الحركة لرمي الجماعة كلها من خالله‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك تلك الشهادات التي يوردونه ا عن بعض من ت ابوا من‬
‫تبعيتهم للجماعة‪ ،‬ويعتبرونها مصدرا كافيا للحكم عليهم‪ ،‬بل وتكفيرهم‪.‬‬
‫فمن تلك الشهادات التي أوردها صاحب كتاب [الحقائق عن جماع ة التبلي غ]‬
‫هذه الشهادة‪( :‬أشهد أنا الواضع اسمي فيه والموقع في آخره‪ ،‬السيد عبد اللطيف عبد‬
‫ال رحمن الم دني؛ ب أن الجماع ة الم دعَّو ة جماع ة التبلي غ‪ ،‬التابع ة ِإل لي اس ص احب‬
‫الطريقة الجشتية‪ ،‬ثم بعد وفاته اَّتبعت ابنه يوسف (ديوبند) صاحب الطريقة الجشتية‬
‫النقش بندية‪ ،‬ثم التابع ة حالّي ًا ِإل نع ام الحس ن (ديوبن د) ص احب الطريق ة الجش تية‬
‫النقشبندية‪ ،‬ومن ثَّم رئيسهم بمكة المكرمة سعيد بن أحم د الهن دي ص احب الطريق ة‬
‫الجش تية النقش بندية‪ ،‬وهي الجماع ة المعروف ة ال تي ت دور في داخ ل المملك ة‪،‬‬
‫‪ )(1‬إثبات فساد منهج ودعوة حسن البنا وجماعة اإلخوان‪ ،‬ص‪.42‬‬

‫‪252‬‬
‫ومركزها بمكة المكرمة والمدينة المنَّو رة‪ ..‬أعرفه ا تمام ًا ح َّق المعرف ة؛ ألن ني ق د‬
‫خرجُت معهم في جوالت التبلي غ س نتين في داخ ل المملك ة وبالد أخ رى‪ ،‬وأع رف‬
‫عقائدهم فاسدة‪ :‬عقيدة الجش تية النقش بندية البدعي ة الش ركية‪ ،‬وأع رف منهم تعزي ز‬
‫البدع والخرافات في ك ل المج االت‪ ،‬وأنهم بعي دون عن التوحي د والكت اب والس نة‪،‬‬
‫وأنهم ال يعرفون من التوحيد شيئًا‪ ،‬بل هم وثنيون في العقي دة والعم ل‪ ،‬وق د أنك رت‬
‫عليهم أنا شخصّيًا مرارًا في العقائ د والب دع والخراف ات‪ ،‬ولكن لم يس معوا م ني أي‬
‫شيء من الكتاب والس نة النبوي ة‪ ،‬ب ل هم أل ُّد الخص ام في ط ريقتهم الباطل ة‪ ،‬وه ذا‬
‫مبلغهم من العلم‪ ،‬جه ٌل على اِإل طالق‪ ،‬وب الرغم ينش رون في البالد اِإل س المية‬
‫وغيرها العقائد الفاسدة الوثنية الجشتية النقشبندية البدعية الشركية‪ ،‬ويشردون عب اد‬
‫هللا العامة عن التوحيد والكتاب والسنة بطرق غريبة من أقوال الخرافيين‪ ..‬وه ؤالء‬
‫الجماع ة ‪ -‬أع ني‪ :‬جماع ة التبلي غ ‪ -‬ين ذرون له ؤالء المقب ورين في المس جد‪،‬‬
‫ويستنصرون بهم في كل المهمات‪ ،‬وعندما ينك ر عليهم؛ يقول ون في ج وابهم‪ :‬لس نا‬
‫وهابيين‪ ،‬ولسنا على مذهب الشيخ النجدي‪ ،‬وقصدهم الش يطان ال رجيم‪ ،‬يمثل ون ب ه‬
‫الش يخ محم د بن عب د الوه اب‪ ،‬غف ر هللا ل ه ورحم ه‪ .‬وأع رف عنهم ك ل عملهم‬
‫واجتهادهم في إخفاء التوحيد والكتاب والسنة ودعوة الشيخ محم د بن عب د الوه اب‬
‫إليهما‪ ،‬كما أعرف عنهم أن تجُّو لهم في أرض هللا م ا ه و إال لنش ر الب دع والش رك‬
‫والطرق الشيطانية بأس لوب س احر للع وام بالتجمع ات في قلب الجزي رة وغيره ا‪،‬‬
‫وكل ذلك يخدعون به العوام‪ ،‬حتى يدخلونهم في مذهبهم الباطل‪ ..‬وللعلم؛ قد كَّف رهم‬
‫جماعة السلفيين أه ل الح ديث بالباكس تان والهن د‪ ،‬وه ذا ال ذي أعرف ه عنهم جميع ًا‬
‫حقيقّيًا‪ ،‬وال أقول هذا إال إحقاقًا للحق)(‪)1‬‬
‫وهك ذا ن راهم في م وقفهم من جماع ة الع دل واإلحس ان‪ ،‬فهم ال يهتم ون‬
‫بطروحاتها التي تهدف إلى التغيير االجتماعي والسياسي ونحوهم ا‪ ،‬وإنم ا يهتم ون‬
‫بك ون ش يخها ك ان في ي وم من األي ام مري دا ل دى الطريق ة القادري ة البودشيش ية ـ‬
‫الكافرة كما يعبرون ـ‬
‫وهك ذا في م وقفهم من اإلخ وان المس لمين‪ ،‬حيث ال نج د كتاب ا من كتبهم إال‬
‫وه و ي رمي اإلخ وان المس لمين بك ونهم ص وفية‪ ..‬وأنهم ل ذلك حلولي ون قبوري ون‬
‫مشركون شركا جليا‪.‬‬
‫بل إن بعض هم يص ور أن حرك ة اإلخ وان المس لمين لم تكن س وى م ؤامرة‬
‫صوفية أشعرية للقضاء على الس نة ومن يمثله ا من الس لفية‪ ،‬وق د ق ال بعض هم في‬
‫ذلك‪ ،‬تحت عنوان [ظروف إنشاء حسن البنا لجماعة اإلخوان وعالقة ذلك بص وفية‬
‫حسن البنا]‪( :‬لقد أنشأ حسن البنا جماعة اإلخوان الصوفية االش عرية المنحرف ة عن‬
‫هدي رسول هللا ‪ ‬انطالق ًا من الم ذهب الص وفي األش عري الض ال لحس ن البن ا‪،‬‬
‫وانطالقًا من الفك ر الض ال المنح رف لحس ن البن ا؛ فبع د س قوط الخالف ة العثماني ة‬
‫الص وفية األش عرية حامي ة الش رك واألوث ان واألض رحة ع ام ‪1924‬م نتيج ة‬
‫‪ )(1‬الحقائق عن جماعة التبليغ (ص ‪)27 - 26‬‬

‫‪253‬‬
‫النحرافها عن منهج هللا ومحاربتها ومقاتلتها ألولي اء هللا تع الى ال داعين لتوحي د هللا‬
‫وإخالص العبادة له وحده تعالى والناهين عن الشرك والكفر – حيث قاتلت الخالف ة‬
‫الصوفية األشعرية العثمانية المنحرف ة دع وة التوحي د ال تي دع ا له ا ش يخ اإلس الم‬
‫محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية – فأراد حسن البنا أن يعي د تل ك الخالف ة‬
‫الصوفية األشعرية الضالة الحاوية والحامية للبدع والشركيات‪ ،‬فأنش أ ع ام ‪1928‬م‬
‫جماعة اإلخوان الصوفية الحاوية للبدع والض الالت الص وفية‪ ..‬ب ل إن حس ن البن ا‬
‫يصرح بأنه في البداية أنشأ (جمعية الحصافية الخيرية) نسبة إلى الطريقة الحصافية‬
‫الشاذلية الصوفية القبورية التي بايعها حسن البنا في شبابه ثم غير التسمية بعد ذل ك‬
‫وأنشأ (جماعة اإلخوان المسلمين) كما ج اء في كتاب ه [م ذكرات ال دعوة والداعي ة]‬
‫ويفهم من ذلك أن جماعة اإلخوان هي امتداد للجماعة الصوفية ال تي أنش أها حس ن‬
‫البنا من قبل وهي [جمعية الحصافية الخيرية] كما سبق بيانه)(‪)1‬‬

‫ثم يوضح الحيل ة ال تي من خالله ا فك ر الش يخ حس ن البن ا في القض اء على‬


‫السلفية ليحل بدلهم الصوفية واألشعرية‪ ،‬فقال‪( :‬فقد رأى حس ن البن ا أن ه ل و اعتم د‬
‫فقط على أهل مذهبه الضال من الصوفية األشعرية الستعادة الخالف ة العثماني ة فلن‬
‫يستطيع ذلك ألن م ذهب الص وفية األش عرية ه و في انح دار وض عف وأم ا دع وة‬
‫التوحيد الدعوة السلفية دعوة أهل السنة والجماعة في علو وانتشار؛ فج اءت لحس ن‬
‫البنا فكرة شيطانية تقضي بإنشاء جماعة حاوية لجميع الفرق ال تي تنتس ب لإلس الم‬
‫والتي تدعي اإلسالم على أن تضم تلك الجماعة كل من يقول [ال إله إال هللا] سواء أ‬
‫ك ان على س نة أو على بدع ة أو على ض اللة على أال ينك ر أي فري ق على اآلخ ر‬
‫ضالله وبدعه وعلى أن يتعاون الجميع إلعادة الخالفة الصوفية األش عرية الحاوي ة‬
‫للب دع والحامي ة لألوث ان وللش رك باهلل تع الى‪ ..‬بحيث يك ون الجمي ع أخ وة فيك ون‬
‫الرافضي أخًا للصوفي القبوري ويكون السلفي أخًا للقبوري الذي يعبد األوثان وأخًا‬
‫للرافضي الذي يكفر الصحابة ويقول بتحريف كتاب هللا تعالى ويكون الجميع أخ وة‬
‫في جماعة حسن البنا لكي يحقق وا ل ه هدف ه ويعمل وا على إع ادة الخالف ة الص وفية‬
‫االشعرية الضالة‪ ،‬وكانت تلك الجماعة هي [جماعة اإلخوان] وال تي أنش أها حس ن‬
‫البنا عام ‪1928‬م بعد أربعة أعوام من سقوط الخالفة العثماني ة الص وفية االش عرية‬
‫الضالة)(‪)2‬‬
‫ويحلل الك اتب أك ثر حرك ة اإلخ وان المس لمين‪ ،‬ب ل ي دخل ـ كم ا هي ع ادة‬
‫السلفية ـ في عقل مؤسسها الشيخ حس ن البن ا‪ ،‬ليتع رف على نيت ه وخدع ه ومك ره‪،‬‬
‫فيقول‪( :‬إن المتأمل لفكر حسن البنا خالل حياته يدرك أنه صوفي مائة بالمائة ولكنه‬
‫عندما تم تعيينه كمدرس ابتدائي في مدينة اإلسماعيلية ع ام ‪1927‬م وج د أن هن اك‬
‫اتج اهين في مدين ة اإلس ماعيلية االتج اه األول ه و ال دعوة الس لفية دع وة الح ق‪،‬‬
‫‪ )(1‬إثبات فساد منهج ودعوة حسن البنا وجماعة اإلخوان‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫‪ )(2‬إثبات فساد منهج ودعوة حسن البنا وجماعة اإلخوان‪ ،‬ص‪.100‬‬

‫‪254‬‬
‫واالتجاه الث اني ه و االتج اه الص وفي ال ذي ينتمي ل ه حس ن البن ا‪ ،‬وك انت ال دعوة‬
‫السلفية تنكر على الصوفيين بدعهم وأص بح االتج اه الص وفي في انحس ار‪ ،‬ف أدرك‬
‫حسن البنا أنه لو دع ا للص وفية ال تي ي ؤمن به ا فس يكون في مواجه ة مباش رة م ع‬
‫االتجاه السلفي وسيخسر كثيرًا لذا فبدًال من أن ينضم حسن البنا ألهل الحق السلفيين‬
‫وينكر بدع الصوفية اتجه حسن البنا لفك رة خبيث ة وهي أن ينش أ اتجاه ًا ثالث ًا يق ول‬
‫بالبعد عن مواطن الخالف بين الطرفين بين أهل الح ق الس لفيين وبين أه ل الباط ل‬
‫الص وفيين‪ ،‬وه ذا االتج اه الث الث وهي جماع ة اإلخ وان المس لمين هي في الواق ع‬
‫نسخة معدلة من الصوفية أو هي صوفية معاصرة‪ ..‬وبه ذه الفك رة الجدي دة الخبيث ة‬
‫لحسن البنا وهي (جماعة اإلخوان المسلمين) جعل حسن البنا الخالف مع الرافضي‬
‫الشيعي من باب الخالف السائغ الذي ال يجب اإلنك ار علي ه في ه فحس ن البن ا جع ل‬
‫الخالفات مع الرافضة من قبيل الخالفات التي يمكن تجاوزها)(‪)1‬‬
‫وهم ال يكتفون بهذا‪ ،‬بل يصورون كل عمل اجتهادي تقوم ب ه أي حرك ة من‬
‫الحركات اإلسالمية للدعوة إلى هللا نوعا من أنواع البدع ال تي أخ ذتها تل ك الحرك ة‬
‫عن الطرق الصوفية‪..‬‬
‫ومن األمثلة البسيطة على ذلك ما تقوم به الحرك ات اإلس المية من نش اطات‬
‫فنية كاإلنشاد والتمثيل وغيرهما‪ ،‬بغية تقريب الدين للناس‪ ،‬وجذبهم إليه‪.‬‬
‫فهم في هذه المسألة متشددون جدا‪ ،‬بل ألف وا المؤلف ات في تح ريم ذل ك‪ ،‬وهم‬
‫يس تندون فيه ا لفت وى طويل ة البن تيمي ة (‪ )2‬يف رق فيه ا بين الوس ائل المش روعة‬
‫للدعوة‪ ،‬والوسائل غير المشروعة‪ ،‬وقد أجاب فيها على سؤال مهم حول رج ل من‬
‫الصالحين أراد أن يدعو جماعة من المنحرفين إلى هللا‪ ،‬ولم ير حال لذلك س وى (أن‬
‫يقيم لهم س ماعًا ـ أي غن اء ـ يجتمع ون في ه به ذه الني ة‪ ،‬وه و ب دف بال صالص ل‪،‬‬
‫وغناء المغني بشعر مباح بغير شبابة‪ ،‬فلما فعل هذا تاب منهم جماعة‪ ،‬وأصبح من‬
‫ال يصلي ويسرق وال يزكي يتورع عن الش بهات‪ ،‬وي ؤدي المفروض ات‪ ،‬ويجتنب‬
‫المحرمات‪ ،‬فهل يباح فعل هذا السماع لهذا الشيخ على هذا الوجه لم ا ي ترتب علي ه‬
‫من المصالح مع أنه ال يمكنه دعوتهم إال بهذا؟)(‪)3‬‬
‫فمع أن السائل ذكر سوء حال المدعوين قبل ه دايتهم‪ ،‬وأنهم ك انوا مرتك بين‬
‫لذنوب كبائر متعدية كالقتل وسرقة المال وقطع الطرق‪ ..‬ومع أن الداعي ة ال ذي ق ام‬
‫بذلك ـ كما ذكر السائل ـ كان شيخًا معروفًا بالخير واتباع السنة‪ ..‬ومع أنه قص د من‬
‫فعله الخير‪ ..‬ومع أنه لم يمكنه إال اتخاذ هذه الطريقة لهدايتهم‪ ..‬ومع أنه لم يقع معهم‬
‫في محرمات كبائر‪ ،‬وإنما دف بال صالصل وغناء بشعر مباح بغ ير ش بابة‪ ..‬وم ع‬
‫أنه ترتب على هذه الطريقة مصلحة كبيرة وخير عظيم‪( .‬ومع هذا كل ه لم تغلب ابن‬

‫‪ )(1‬إثبات فساد منهج ودعوة حسن البنا وجماعة اإلخوان‪ ،‬ص‪.102‬‬


‫‪ )(2‬طبعت ه ذه الفت وى ض من مجم وع الفت اوى (‪)635-11/620‬وق د أف ردت في ك تيب ص غير بعن وان‪ :‬الط رق‬
‫الشرعية والطرق البدعية في المسائل الدعوية‪.‬‬
‫‪ )(3‬مجموع الفتاوى (‪)620 /11‬‬

‫‪255‬‬
‫تيمية عاطفته ولم ينكسر لها‪ ،‬بل بنى فتواه على األدلة الشرعية والقواعد المرعي ة)‬
‫(‪ )1‬كما يذكر السلفية‪ ..‬وهو التشدد مع هذا لمخالفته السنة‪.‬‬
‫ولطول جواب ابن تيمية على المسألة‪ ،‬وإيراده النصوص الكثيرة على ذل ك‪،‬‬
‫فسنختصر جواب ه هن ا ألهميت ه في بي ان س بب النظ رة الس لبية للس لفية لك ل عم ل‬
‫إسالمي يقام‪ ،‬مهما انضبط بالضوابط الشرعية‪ ،‬فقد قال‪ ..( :‬والعمل إذا اشتمل على‬
‫مصلحة ومفسدة‪،‬فإن الشارع حكيم‪.‬ف إن غلبت مص لحته على مفس دته ش رعه‪ ،‬وإن‬
‫غلبت مفسدته على مصلحته لم يشرعه‪ ،‬ب ل نهى عن ه‪ ..‬وهك ذا م ا ي راه الن اس من‬
‫األعمال مقربًا إلى هللا‪ ،‬ولم يشرعه هللا ورسوله‪ :‬فإنه ال ب د أن يك ون ض رره أعظم‬
‫من نفعه‪ ،‬وإال فلو ك ان نفع ه أعظم غالب ًا على ض رره لم يهمل ه الش ارع؛ فإن ه ‪‬‬
‫حكيم‪ ،‬ال يهمل مصالح الدين‪ ،‬وال يفوت المؤمنين ما يقربهم إلى رب الع المين‪ ..‬إذا‬
‫تبين هذا فنقول للسائل‪ :‬إن الشيخ المذكور قص د أن يت وب المجتمعين على الكب ائر‪،‬‬
‫فلم يمكن ه ذل ك إال بم ا ذك ره من الطري ق الب دعي ي دل أن الش يخ جاه ل ب الطرق‬
‫الش رعية ال تي به ا تت وب العص اة‪ ،‬أو ع اجز عنه ا‪ ،‬ف إن الرس ول ‪ ‬والص حابة‬
‫والتابعين كانوا يدعون من هو شر من ه ؤالء من أه ل الكف ر والفس وق والعص يان‬
‫بالطرق الشرعية‪ ،‬التي أغناهم هللا بها عن الطرق البدعية‪ ،‬فال يج وز أن يق ال‪ :‬إن ه‬
‫ليس في الطرق الشرعية التي بعث هللا بها نبيه م ا يت وب ب ه العص اة‪ ،‬فإن ه ق د علم‬
‫باإلض طرار والنق ل المت واتر أن ه ق د ت اب من الكف ر والفس وق والعص يان من ال‬
‫يحص يه إال هللا تع الى من األمم ب الطرق الش رعية‪ ،‬ال تي ليس فيه ا م ا ذك ر من‬
‫االجتماع البدعي؛ بل السابقون األولون من المهاجرين واألنص ار وال ذين اتبع وهم‬
‫بإحسان –وهم خير أولياء هللا المتقين من هذه األمة – ت ابوا إلى هللا تع الى ب الطرق‬
‫الشرعية‪ ،‬ال بهذه الطرق البدعية‪ .‬وأمصار المسلمين وقراهم قديمًا وح ديثًا ممل وءة‬
‫ممن ت اب إلى هللا واتق اه‪ ،‬وفع ل م ا يحب ه هللا ويرض اه ب الطرق الش رعية ال به ذه‬
‫الط رق البدعي ة‪ .‬فال يمكن أن يق ال‪ :‬إن العص اة ال تمكن ت وبتهم إال به ذه الط رق‬
‫البدعية‪ ،‬بل ق د يق ال‪ :‬إن في الش يوخ من يك ون ج اهًال ب الطرق الش رعية‪ ،‬ع اجزًا‬
‫عنها‪ ،‬ليس عنده علم بالكتاب والسنة‪ ،‬وما يخ اطب ب ه الن اس‪ ،‬ويس معهم إي اه‪ ،‬مم ا‬
‫يتوب هللا عليهم‪ ،‬فيعدل هذا الشيخ عن الطرق الشرعية إلى الطرق البدعية‪ .‬إما م ع‬
‫حسن القصد‪ .‬إن كان له دين وإم ا أن يك ون غرض ه ال ترأس عليهم وأخ ذ أم والهم‬
‫بالباطل‪ ..‬فال يع دل أح د عن الط رق الش رعية إلى البدعي ة إال لجه ل‪،‬أو عج ز‪ ،‬أو‬
‫غرض فاسد)(‪)2‬‬
‫وهكذا حول ابن تيمية هذا الشيخ الصالح الذي استطاع أن يخلص المج رمين‬
‫من إجرامهم بتلك الوسائل الشرعية المباحة التي استعملها‪ ،‬إلى أن مبت دع وض ال‪..‬‬
‫ألن كل مبتدع عندهم ضال‪ ،‬وكل ضال في النار‪.‬‬
‫بل إنه أومأ إلى اتهامه في نيته نفسها ب أن يك ون قص ده الرئاس ة عليهم‪ ،‬وق د‬
‫‪ )(1‬اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪ )(2‬مجموع الفتاوى (‪)625 /11‬‬

‫‪256‬‬
‫استدل لذلك بقوله تعالى‪َ﴿ :‬ياَأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَّن َك ِثيًرا ِم َن اَأْلْح َباِر َو الُّر ْهَباِن َلَي ْأُك ُلوَن‬
‫َأْم َو اَل الَّناِس ِباْلَباِط ِل َو َيُص ُّد وَن َع ْن َس ِبيِل ِهَّللا﴾ [التوبة‪]34 :‬‬
‫ولم يس تند في ه ذا إلى حج ة عقلي ة أو نقلي ة‪ ،‬وإنم ا ك ل حجج ه هي أولئ ك‬
‫السلف المعصومين الذين أحل بهم السلفية م ا ح رم هللا‪ ،‬وحرم وا بهم م ا أح ل هللا‪،‬‬
‫يقول ابن تيمية‪( :‬ولم يكن في السلف األول سماع يجتمع عليه أهل الخير إال هذا‪ .‬ال‬
‫بالحجاز‪ ،‬وال باليمن‪ ،‬وال بالشام وال بمص ر والع راق وخراس ان والمغ رب‪ ،‬وإنم ا‬
‫حدث السماع المبتدع بعد ذلك)(‪)1‬‬
‫وبم ا أن الص وفية في ذل ك الحين‪ ،‬وفي ك ل بالد الع الم اإلس المي ك انوا‬
‫يعتمدون السماع والغناء كوس يلة من وس ائل ج ذب القل وب واألرواح هلل‪ ..‬ف إن ابن‬
‫تيمية حرم هذه الوسيلة العظيمة‪ ،‬كما حرم كل وسيلة غيرها‪.‬‬
‫بل إنه أب اح الس ماع والغن اء إذا ك ان في األع راس ونحوه ا من ب اب الله و‬
‫واللعب‪ ،‬أما أن يتحول إلى وسيلة للتعبد‪ ،‬فلم ير ص حة ذل ك‪ ،‬ب ل وق ف في وجه ه‪،‬‬
‫كما يقف السلفية كل حين في وجه كل مشروع لخدمة األمة ورقيها‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية‪( :‬وقول السائل وغيره‪ :‬هل هو حالل؟ أو ح رام؟ لف ظ مجم ل‬
‫فيه تلبيس‪ .‬يشتبه الحكم فيه‪ ،‬حتى ال يحسن كث ير من المف تين تحري ر الج واب في ه؛‬
‫وذلك أن الكالم في السماع وغيره من األفعال على ضربين‪( :‬أحدهما) أنه ه ل ه و‬
‫محرم؟ أو غير محرم؟ بل يفعل كما يفعل سائر األفعال التي تلت ذ به ا النف وس‪ .‬وإن‬
‫كان فيها نوع من اللهو واللعب كسماع األعراس وغيرها‪ .‬مم ا يفعل ه الن اس لقص د‬
‫اللذة واللهو ال لقصد العبادة والتقرب إلى هللا‪ ،‬و(الن وع الث اني) أن يفع ل على وج ه‬
‫الديانة والعبادة وصالح القلوب وتجريد حب العباد لربهم وتزكية نفوس هم وتطه ير‬
‫قلوبهم وأن تحرك من القلوب الخشية واإلنابة والحب ورقة القلوب وغير ذل ك مم ا‬
‫هو من جنس العبادات والطاعات ال من جنس اللعب والملهي ات‪ ..‬فيجب الف رق بين‬
‫سماع المتقربين‪،‬وسماع المتلع بين‪ ،‬وبين الس ماع ال ذي يفعل ه الن اس في األع راس‬
‫واألفراح ونحو ذلك من العادات‪ ،‬وبين السماع الذي يفعل لصالح القلوب والتق رب‬
‫إلى رب السموات‪ ،‬فإن هذا يسأل عنه‪ :‬هل هو قربة وطاع ة؟وه ل ه و طري ق إلى‬
‫هللا؟وهل لهم بد من أن يفعلوه لم ا في ه من رق ة قل وبهم وتحري ك وج دهم لمحب وبهم‬
‫وتزكي ة نفوس هم وإزال ة القس وة عن قل وبهم ونح و ذل ك من المقاص د ال تي تقص د‬
‫بالسماع كما أن النصارى يفعلون مثل ه ذا الس ماع في كنائس هم على وج ه العب ادة‬
‫والطاعة ال على وجه اللهو واللعب)(‪)2‬‬
‫وبناء على هذا كله‪ ،‬فقد ذكر أن (من حضر السماع للعب والله و ال يع ده من‬
‫صالح عمله‪ ،‬وال يرجو به الثواب‪ ،‬وأما من فعله على أنه طريق إلى هللا تعالى فإن ه‬
‫يتخ ذه دين ًا‪ ،‬وإذا نهى عن ه ك ان كمن نهى عن دين ه‪ ،‬ورأى أن ه ق د انقط ع عن هللا‬
‫وحرم نصيبه من هللا تعالى إذا تركه‪ .‬فه ؤالء ض الل باتف اق علم اء المس لمين‪ ،‬وال‬
‫‪ )(1‬مجموع الفتاوى (‪)627 /11‬‬
‫‪ )(2‬مجموع الفتاوى (‪)631 /11‬‬

‫‪257‬‬
‫يقول أحد من أئمة المسلمين‪ :‬إن اتخاذ هذا دينًا وطريقًا إلى هللا تعالى أمر مباح؛ ب ل‬
‫من جع ل ه ذا دين ًا وطريق ًا إلى هللا تع الى فه و ض ال‪ ،‬مف تر‪ ،‬مخ الف إلجم اع‬
‫المسلمين‪ .‬ومن نظر إلى ظاهر العمل وتكلم عليه‪ ،‬ولم ينظر إلى فعل العام ل ونيت ه‬
‫كان جاهًال متكلمًا في الدين بال علم)(‪)1‬‬
‫هذه هي النتيجة التي خلص بها ابن تيمية‪ ،‬وعلى أساسها يتعامل الس لفية م ع‬
‫كل نشاط دعوي بغض النظر عن الجهة التي تتبناه‪ ،‬ولهذه فإن هذه الفتوى استعملها‬
‫صاحب كتاب [اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ] ليطبق على جماعة التبليغ‪ ،‬وهك ذا‬
‫تطبق على كل حركة إسالمية‪ ،‬وعلى كل ناشط في العمل اإلسالمي‪.‬‬
‫بل إن تيمية لم يكتف بذلك‪ ،‬بل راح يص عد في موقف ه من ه ذا الش يخ الطيب‬
‫ال ذي اس تعمل ه ذه الوس يلة المباح ة لهداي ة المنح رفين‪ ،‬فق ال‪( :‬فمن فع ل م ا ليس‬
‫بواجب وال مس تحب على أن ه من جنس ال واجب أو المس تحب فه و ض ال مبت دع‪،‬‬
‫وفعله على هذا الوجه حرام بال ريب)‬
‫هذه هي قاعدته في هذا الموضوع‪ ،‬وال تي يس تعملها الس لفية كم ا يس تعملون‬
‫النصوص المقدسة لتحريم كل عمل إسالمي ال يتوافق مع ما فعله السلف‪ ..‬الذين هم‬
‫أعلم الناس وأطهر الناس وأبر الناس قلوبا وأص دقهم ح ديثا‪ ..‬وال يخ الفهم ـ حس ب‬
‫تصورهم ـ إال هالك‪.‬‬
‫وبما أن السماع أو اإلنشاد الروحي كان الوسيلة التي يس تعملها الص وفية في‬
‫ذلك الحين لالنتشار‪ ،‬فقد حمل عليه ابن تيمي ة حمل ة ش ديدة ج دا‪ ،‬وق د وص فهم في‬
‫فتواه هذه بقوله‪( :‬فهؤالء جند الشيطان‪،‬وأعداء الرحمن‪ ،‬وهم يظنون أنهم من أولياء‬
‫هللا المتقين‪ ،‬وحالهم أشبه بحال أعداء هللا المن افقين؛ ف إن الم ؤمن يحب م ا أحب ه هللا‬
‫تعالى‪ ،‬ويبغض ما أبغضه هللا تعالى‪ ،‬ويوالي أولياء هللا‪ ،‬ويعادي أعداء هللا‪ ،‬وهؤالء‬
‫يحبون ما أبغض هللا‪ ،‬ويبغضون ما أحب هللا‪ ،‬ويوالون أعداء هللا‪ ،‬ويعادون أولياءه؛‬
‫ولهذا يحصل لهم تنزالت شيطانية بحس ب م ا فعل وه من مزام ير الش يطان‪ ،‬وكلم ا‬
‫بع دوا عن هللا ورس وله وطري ق المؤم نين قرب وا من أع داء هللا ورس وله وجن د‬
‫الشيطان)(‪)2‬‬
‫وهذه الفتوى تنطبق تماما على كل الحركات اإلسالمية التي تستعمل اإلنش اد‬
‫أو غيره من الوسائل للدعوة والتربية والتوجيه والتعبئة ونحوها‪ ،‬فابن تيمية‪ ،‬ومع ه‬
‫السلفية يحرمون كل ذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ التهم المرتبطة بالوالء والبراء‬
‫كما ذكرنا س ابقا‪ ،‬ف إن الس لفية يعت برون ال والء وال براء من أرك ان اإليم ان‬
‫الكبرى‪ ،‬فال يكفي أن يكون المؤمن عن دهم مؤمن ا‪ ،‬ب ل يش ترط ك ذلك أن يت برأ من‬
‫جميع الكفرة‪ ،‬وأول ذلك أن يكفرهم‪ ،‬وال يتوقف في تكفيرهم‪ ..‬ف إن كف رهم جميع ا‪،‬‬
‫وتوق ف في واح د منهم ممن وق ع في ه الخالف‪ ،‬اعت بر ـ عن د الس لفية ـ مخال به ذا‬
‫‪ )(1‬مجموع الفتاوى (‪)633 /11‬‬
‫‪ )(2‬مجموع الفتاوى (‪)635 /11‬‬

‫‪258‬‬
‫الركن الخطير‪ ،‬وألحق بالكفرة‪ ،‬وال ينفعه أداؤه لجميع أركان اإليمان كم ا تتطلبه ا‬
‫القوانين السلفية‪.‬‬
‫ومن ه ذا الب اب أمكنهم أن يكف روا جمي ع الحرك ات اإلس المية‪ ،‬باعتباره ا‬
‫جميعا ت دعو ـ ول و في الظ اهر ـ بالقاع دة المعروف ة المنس وبة لإلخ وان المس لمين‬
‫[نجتمع فيما اتفقنا عليه‪ ،‬ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا عليه]‪ ،‬وال تي عل ق عليه ا‬
‫الش يخ بك ر بن عبدهللا أب و زي د في كتاب ه (حكم االنتم اء إلى الف رق واألح زاب‬
‫والجماعات اإلسالمية] بقوله‪( :‬ه ذا تقعي د ح ادث فاس د‪ ،‬إذ ال ع ذر لمن خ الف في‬
‫قواطع األحكام في اإلسالم‪ ،‬فإنه بإجماع المسلمين ال يس وغ الع ذر وال التن ازل عن‬
‫مسلمات االعتقاد‪ ،‬وكم من فرقة تنابذ أصًال شرعيًا وتجادل دونه بالباط ل؟ وعلي ه؛‬
‫فإلى الطريق الوسط الحق‪ ،‬طريق جماعة المسلمين على منهاج النبوة)(‪)1‬‬
‫وق ال الش يخ عبدالمحس ن العب اد الب در في تقديم ه لكت اب [زج ر المته اون‬
‫بضرر قاعدة المعذرة والتعاون ـ نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعض نا بعض ًا فيم ا‬
‫اختلفنا فيه]‪( :‬كان الالئق – بل المتعين – على أتب اع ه ذا الداعي ة – (يقص د حس ن‬
‫البن ا) ب دًال من التوس ع في إعم ال مقولت ه ه ذه (يقص د‪ :‬نعم ل فيم ا اتفقن ا علي ه‪)..‬‬
‫لتس توعب الف رق الض الة‪ ،‬ح تى ل و ك انت أش دها ض الًال؛ كالرافض ة – أن يعن وا‬
‫بتطبيق قاعدة الحب في هللا والبغض في هللا‪ ،‬والمواالة فيه والمع اداة في ه – ال تي ال‬
‫مجال فيها ألن يعذر أهل الزيغ والضالل فيما خالفوا فيه أهل السنة والجماعة)(‪)2‬‬
‫وبناء على هذا الموق ف راح وا ينك رون تل ك المواق ف المعتدل ة من جماع ة‬
‫التبلي غ أو الع دل واإلحس ان أو اإلخ وان المس لمين من القض ايا المختل ف فيه ا بين‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫وق د ق ال بعض هم منك را على الش يخ حس ن البن ا تس اهله م ع الخالف ات م ع‬
‫الصوفية واألشاعرة وغيرهم‪( :‬و به ذه الفك رة الجدي دة الخبيث ة‪ ..‬جع ل حس ن البن ا‬
‫الخالف مع الرافضي الشيعي من باب الخالف الس ائغ ال ذي ال يجب اإلنك ار علي ه‬
‫في ه‪ ،‬فحس ن البن ا جع ل الخالف ات م ع الرافض ة من قبي ل الخالف ات ال تي يمكن‬
‫تجاوزها‪ ..‬وجعل البنا الخالفات مع الصوفية حول البدع اإلضافية التركي ة كال ذكر‬
‫الجماعي والحضرة واألوراد البدعية واالحتفال بالمولد النبوي هي خالفات فرعي ة‬
‫يس وغ فيه ا الخالف وال ينك ر فيه ا على المخ الف فيق ول حس ن البن ا في األص ول‬
‫العشرين األصل الثاني عشر‪( :‬والبدعة اإلضافية والَّترِكَّي ة واالل تزام في العب ادات‬
‫المطلقة خالف فقهي‪ ،‬لكل فيه رأيه‪ ،‬وال بأس بتمحيص الحقيق ة بال دليل والبره ان)‬
‫وال عجب فالبنا صوفي يمارس بنفسه تلك البدع اإلضافية التركية ويفاخر ب ذلك في‬
‫كتابه (مذكرات الدعوة والداعية) وال يعلن توبته أو ندمه على ذل ك‪ ..‬وجع ل حس ن‬

‫‪ )(1‬حكم االنتماء إلى الفرق واألحزاب والجماعات اإلسالمية ‪( ،‬ص‪)149‬‬


‫‪ )(2‬زجر المتهاون بضرر قاعدة المعذرة والتعاون ـ نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعض نا بعض ًا فيم ا اختلفن ا في ه‪،‬‬
‫ص‪.7‬‬

‫‪259‬‬
‫البن ا الخالف بين الس لف ال ذين يثبت ون ص فات هللا تع الى وبين الخل ف كالمعتزل ة‬
‫واألشاعرة المفوضة أو المؤولة الذين ينفون صفات هللا تعالى أو يفوضون فيها هي‬
‫كما قال في آخر رسالة العقائد من قبي ل (‪..‬خالف ال يس تحق ض جة وال إعنات ا) أو‬
‫(‪ ..‬وه و هين كم ا ت رى‪ ،‬وأم ر لج أ إلي ه بعض الس لف أنفس هم‪ ،‬وأهم م ا يجب أن‬
‫تتوجه إليه همم المسلمين اآلن توحيد الصفوف‪ ،‬وجمع الكلمة م ا اس تطعنا إلى ذل ك‬
‫سبيال)‪ ..‬وطبعًا هذا الفكر الضال لجماعة اإلخوان المسلمين الذي وضعه حسن البنا‬
‫ال يتطرق إلى التوحيد بشكل خاص كتوحيد األلوهية ومحاربة الشركيات ألن حسن‬
‫البنا يرى أن هذا يثير الخالف والفتنة بين المس لمين‪ ،‬وألن توحي د األلوهي ة يتطلب‬
‫اإلنكار على الصوفية التي ينتمي لها حسن البنا‪ ،‬كما يس تنكر الفك ر الض ال لحس ن‬
‫البنا إنكار أه ل الس نة الس لفيين أي ش يء على الف رق الض الة ال واردة في الح ديث‬
‫الشريف سواء األشاعرة أو المعتزلة أو المفوضة في باب توحيد األسماء والصفات‬
‫ألن هذا يثير الخالف والفتنة بين المسلمين وألن حسن البنا وجماعته أصًال أشاعرة‬
‫صوفية)(‪)1‬‬
‫ثانيا ـ التكفير المعين‬
‫عندما نطبق النواقض التي وضعها الس لفية لإليم ان ابت داء من س لفهم األول‬
‫إلى المتأخرين منهم‪ ،‬وخصوصا في عهد الشيخ محمد بن عب د الوه اب ومن بع ده‪،‬‬
‫فإننا نجد أن كل الجماعات اإلسالمية عندهم وفي م وازينهم ليس ت س وى جماع ات‬
‫كفر وضالل وبدعة‪ ،‬بدون استثناء‪ ،‬وأنه يجب لذلك التحذير منهم‪ ،‬بل التعامل معهم‬
‫وفق ما تقضيه قوانين الوالء والبراء السلفية المتشددة‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك قول الشيخ صالح الف وزان‪( :‬ومن هن ا وجب على ك ل‬
‫من عنده علم وبصيرة أن يبين خطر هذه الجماع ات واألح زاب ال تي ظه رت على‬
‫الساحة باسم الدعوة إلى اإلسالم وكثير من أفرادها بل ومن قادتها ال يعرفون حقيقة‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلسالم وما يناقضه وال يحملون مؤهالت الدعوة إليه)(‪)1‬‬
‫وسئل الشيخ ابن باز‪( :‬نرج و من س ماحتكم توجي ه نص يحة خاص ة للش باب‬
‫الذين يتأثرون باالنتماءات الحـزبية المسماة بالدينية؟)‪ ،‬فأجاب‪( :‬أما االنتماءات إلى‬
‫األحزاب المحدثة فالواجُب تركها وأن ينتمي الجميع إلى كتاب هللا وسنة رس ول هللا‬
‫‪ ..‬وال فرق في ذلك بين جماعة اإلخوان المس لمين أو أنص ار الُّس نة أو الجمعي ة‬
‫‪)4‬‬
‫الشرعية أو جماعة التبليغ أو غيرهم من الجمعيات واألحزاب المنتسبة لإلسالم)(‬
‫وق ال الش يخ محم د أم ان بن علي الج امي‪( :‬في ه ذه األي ام يكُث ر الكالم‬
‫واالستشكال حول االنتماءات الكث يرة وإذا تك رر الس ؤال ح ول االنتم اءات وش عر‬
‫ش بابنا بالتش ويش والبلبل ة لهم الح ق أن يبعث وا ويس ألوا ألن ه ذه االنتم اءات أم ر‬
‫محدث ومبتدع في هذا البلد‪ ،‬بل عند جماعة المس لمين ق ديمًا وح ديثًا‪ ..‬من يتص ور‬
‫هذا الدين تصورًا سليمًا بعي دًا عن اله وى ال يش ك أن االنتم اءات ال تي ط رأت في‬
‫‪ )(1‬إثبات فساد منهج دعوة حسن البنا‪ ،‬ص‪.100‬‬
‫( ‪ )1‬من مقدمة الشيخ لكتاب ‪ ،‬تنبيه أولي اإلبصار ‪ ،‬لمؤلفه الشيخ صالح بن سعد السحيمي‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪260‬‬
‫صفوف المسلمين أنها انتماءات محدثٌة وبدعٌة ال يش ك في ذل ك إال من نقص علم ه‬
‫‪)6‬‬
‫أو غلب عليه هواه ودخلت عليه بعض المؤثرات التي غيرت فطرته وعقله)(‬
‫وق ال الش يخ الش يخ ص الح بن محم د اللحي دان‪( :‬ف إن جمي ع الجماع ات‬
‫‪)2‬‬
‫والتسميات ليس لها أصٌل في سلف هذه األمة)(‬
‫وسئل الشيخ صالح الفوزان‪( :‬ما رأيكم في الجماعات كحكم ع ام؟)‪ ،‬فأج اب‪:‬‬
‫(كل من خالف جماعة أهل الُّسنة فهو ض ال‪ ،‬م ا عن دنا إال جماع ة واح دة هم أه ل‬
‫الُّسنة والجماعة وم ا خ الف ه ذه الجماع ة فه و مخ الف لمنهج الرس ول‪ ،‬ونق ول –‬
‫أيًضا ‪ :-‬كل من خ الف أه ل الُّس نة والجماع ة فه و من أه ل األه واء‪ ،‬والمخالف ات‬
‫تختلف في الحكم بالتضليل أو بالتكفير حسب كبرها وصغرها‪ ،‬وبع دها وقربه ا من‬
‫(‪)3‬‬
‫الحق)‬
‫وُس ِئَل ‪( :‬م ا وج ه نس بة الجماع ات الموج ودة الي وم إلى اإلس الم أو وص فهم‬
‫باإلسالمية‪ ،‬وصحة إطالق لفظ الجماعات عليهم‪ ،‬وإنما هي جماعة واح دة كم ا في‬
‫حديث حذيفة؟)‪ ،‬فأجاب‪( :‬الجماعات ف رق توج د في ك ل زم ان‪ ،‬وليس ه ذا األم ر‬
‫بغريب‪ ..‬فوجود الجماعات‪ ،‬ووجود الفرق هذا أمر معروف‪ ،‬وأخبرنا عن ه رس ول‬
‫هللا ‪ ..‬ولكن الجماعة التي يجب السير معه ا واالقت داء به ا واالنض مام إليه ا هي‬
‫جماعة أهل الُّسنة والجماع ة‪ ،‬الفرق ة الناجي ة‪ ..‬ه ذه هي الجماع ة الممت دة من وقت‬
‫الرس ول ‪ ‬إلى قي ام الس اعة‪ ،‬وهم أه ل الُّس نة والجماع ة‪ ،‬وأم ا من خ الفهم من‬
‫الجماعات فإنها ال اعتبار بها وإن تسَّم ْت باإلسالمية‪ ،‬وإن تسَّم ْت جماعة ال دعوة أو‬
‫غير ذلك‪ ،‬فكل ما خ الف الجماع ة ال تي ك ان إمامه ا الرس ول ‪ ‬فإنه ا من الف رق‬
‫المخالف ة المتفرق ة ال تي ال يج وز لن ا أن ننتمي إليه ا أو ننتس ب إليه ا‪ ،‬فليس عن دنا‬
‫انتم اء إال أله ل الُّس نة والتوحيـد‪ ..‬ه ؤالء هم الجماع ة المعت برة‪ ،‬وم ا ع داها من‬
‫الجماعات فإنه ال اعتبار بها‪ ،‬بل هي جماعة مخالفة‪ ،‬وتختلف في ُبع دها عن الح ق‬
‫وقربه ا من الح ق‪ ،‬ولكن كله ا تحت الوعي د‪ ،‬كله ا في الن ار إال واح دة‪ ،‬نس أل هللا‬
‫العافية)(‪)1‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬فسنتحدث عن مواقفهم من أهم الجماعات اإلسالمية الموجودة‬
‫اآلن في الواقع اإلسالمي‪ ،‬والتي رأينا أنه يمكن تقسيمها إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ .1‬جماعات دعوي ة مج ردة ليس له ا أي أه داف سياس ية‪ ،‬ب ل تكتفي بال دعوة إلى‬
‫الدين في جوانيه العقدية والروحية والسلوكية‪.‬‬
‫‪ .2‬جماعات قد تم ارس العم ل ال دعوي‪ ،‬ولكنه ا تض م إلي ه العم ل السياس ي‪ ،‬إم ا‬
‫باتخاذها مواقف معينة من الواقع السياسي‪ ،‬أو أنها تمارس السياسة نفسها‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ الجماعات الدعوية‪:‬‬
‫ونريد بها كل الجماعات التي تهتم بالدعوة للعقائد أو القيم اإلسالمية من غير‬
‫أن يكون لها أي اهتمام أو طموح سياسي‪..‬‬
‫( ‪ )6‬من شريط النصح بترك الجماعات ‪ ،‬تسجيالت اإلبانة السمعية‪.‬‬
‫(‬
‫() األجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة ص‪241‬‬
‫‪1‬‬

‫‪261‬‬
‫ومن أهم النماذج التي تمثلها جماعة التبليغ‪ ،‬وهي من الجماعات ال تي تعتم د‬
‫التربي ة والموعظ ة والح وار كوس ائل لل دعوة إلى اإلس الم والقيم اإلس المية‪ ،‬وهي‬
‫تتوج ه ب ذلك س واء لمن لم تبلغ ه ال دعوة اإلس المية لمحاول ة إدخال ه لإلس الم‪ ،‬أو‬
‫للمستاهلين من المسلمين أو المنحرفين منهم‪ ..‬ولها مناهجها الخاصة في ذلك‪.‬‬
‫لكن هذه الجماعة‪ ،‬ومع تعظيمها الش ديد للح ديث‪ ،‬ألن كب ار مش ايخها ك انوا‬
‫محدثين‪ ..‬ومع تعظيمها للصحابة‪ ،‬بل مبالغتهم في شأنهم‪ ،‬فمن الكتب األساسية التي‬
‫يكادون يحفظونها كتاب [حياة الص حابة]‪ ..‬وم ع اهتمامه ا الكب ير بتفاص يل الس نن‬
‫الظاهري ة‪ ،‬ح تى أن الكث ير ال يف رق بينهم وبين الس لفية نفس ها‪ ..‬وم ع ذل ك كل ه لم‬
‫يجدوا من السلفية إال التكفير‪.‬‬
‫وقد نص على هذا التكفير كبار مشايخ الس لفية المعاص رين‪ ،‬وكب ار مف تيهم‪،‬‬
‫من أمثال الشيخ محمد بن إبراهيم الذي يعت بر من أك ثر الشخص يات الس لفية وثاق ة‬
‫وتأثيرا‪ ،‬فهو من أحفاد الش يخ محم د بن عب د الوه اب‪ ،‬وت ولى أك بر المناص ب في‬
‫الس عودية‪ ،‬فق د ك ان ه و المف تي للبالد قب ل فتح (إدارة اإلفت اء) رس ميًا‪ ،‬ثم افتتحت‬
‫(إدارة اإلفت اء) رس ميًا ع ام ‪1374‬هـ تحت إش رافه‪ ..‬ولم ا افتتحت رئاس ة المعاه د‬
‫والكليات أيضًا كان هو الرئيس‪ ،‬وكان قد أناب عنه أخاه الشيخ عبد اللطي ف‪ ..‬ولم ا‬
‫تأسست رئاسة القضاء عام ‪1376‬هـ عم د رس ميًا برئاس ة القض اء‪ ،‬ووض عت له ا‬
‫ميزانية خاصة‪ ،‬وعين ابن ه الش يخ عب د العزي ز نائب ًا ل ه فيه ا‪ ،‬والش يخ عب د هللا بن‬
‫خميس مديرًا عامًا‪ ..‬ولما افتتحت رئاس ة البن ات ع ام ‪1380‬هـ ك ان ه و المش رف‬
‫العام عليها‪ ،‬فوضع الشيخ عبد العزي ز ابن ناص ر بن رش يد رئيس ًا عليه ا‪ ،‬ثم عين‬
‫بدًال عنه الشيخ ناصر بن حمد الراشد‪..‬ولما افتتحت رابطة العالم اإلسالمي كان هو‬
‫رئيس المجلس التأسيسي لها‪ ..‬ولما افتتحت الجامع ة اإلس المية ع ام ‪1380‬هـ ك ان‬
‫هو المؤسس لها وعين نـائبًا له الشيخ عبد العزيز بن عبد هللا بن باز‪.‬‬
‫بناء على كل هذه المناصب التي تبوأها‪ ،‬فإن فتواه تعتبر بمثابة قرار رئاس ي‬
‫أو مرسوم ملكي ل ه ت أثيره الكب ير في ك ل تل ك الكتب والفت اوى والتح ذيرات ال تي‬
‫ووجه بها جماعة التبليغ‪.‬‬
‫وقد قال في فتواه بكل صراحة وتحريض‪( :‬وأعرض لسموكم أن هذه جمعية‬
‫ال خ ير فيه ا‪ ،‬فإنه ا جمعي ة بدع ة وض اللة‪ ،‬وبق راءة الكتيب ات المرفق ة بخط ابهم‬
‫وجدناها تشتمل على الضالل والبدع ة وال دعوة إلى عب ادة القب ور والش رك األم ر‬
‫الذي ال يسع السكوت عنه‪ ،‬ولذا فسنقوم إن شاء هللا بالرد عليها بما يكش ف ض اللها‬
‫ويدفع باطلها‪ .‬ونسأل هللا أن ينصر دينه ويعلي كلمته)(‪)1‬‬
‫وهكذا نجد الفتاوى الكثيرة من أعالم الس لفية المص رحة بكف رهم إم ا بس بب‬
‫نسبتهم للتصوف أو للعقيدة الماتريدية أو باعتبارهم من القبورية أو بس بب م واقفهم‬
‫من تكفير المسلمين أو غير ذلك‪.‬‬

‫فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (‪)1/268‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫‪262‬‬
‫وسأذكر هنا نموذجين لكتابين ينتشران بكثرة في تكفير جماعة التبليغ‪ ،‬ل نرى‬
‫األسباب التي من خاللها يكفر أعالم السلفية هذه الجماعة الدعوية‪.‬‬
‫النموذج األول‪ :‬كتاب [اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ]‬
‫وهو من إع داد‪ :‬عب دالعزيز بن ريس ال ريس‪ ،‬وتق ديم الش يخ عب دالعزيز بن‬
‫محمد السدحان‪ ،‬وهي عب ارة عن رس الة تحت وي على فت وى أح د عش ر عالم ًا من‬
‫كب ار علم اء الس لفية كالش يخ محم د بن إب راهيم وابن ب از واأللب اني وعب دالرزاق‬
‫عفيفي‪ ..‬وغيرهم‪.‬‬
‫وفي مقدمة الكتاب ذكر أبرز النتائج التي وص ل إليه ا‪ ،‬واوال تي ع بر عنه ا‬
‫بم ا يلي‪( :‬بي ان ح ال ه ذه الجماع ة وح ال مؤسس ها من التص وف وال دعوة إلى‬
‫البدعة‪ ،‬بل وإلى الش رك األك بر كم ا في كت ابهم المعتم د للعجم وه و كت اب تبليغي‬
‫نصاب‪ ..‬أن ه ذه الجماع ة ال تهتم ب دعوة التوحي د؛ توحي د األلوهي ة‪ ،‬والتح ذير من‬
‫الشرك األك بر ووس ائله‪ ،‬فكي ف يطلب منه ا ه ذا وهي ت دعوا إلى الش رك األك بر‬
‫بتوزيعها وإقرارها لكتاب تبليغي نصاب المتضمن للش رك األك بر؟ ب ل كي ف ي راد‬
‫منها أن ت دعو إلى س د وس ائل الش رك ومرك زهم ال رئيس في الهن د والس ودان ب ه‬
‫قبور‪ ..‬أن ه ذه الجماع ة جماع ة بدع ة وض اللة‪ ،‬س واء ك انوا داخ ل الس عودية أو‬
‫خارجها‪ ،‬كم ا نص على ذل ك الش يخ عب دالرزاق عفيفي والش يخ حم ود الت ويجري‬
‫وغيرهما‪ .‬وفي هذا الكتاب البرهنة والتدليل)(‪)1‬‬
‫وقد ذكر في مقدمة الكتاب أن تلك الفتاوى المتس اهلة ال تي ص درت بحقهم لم‬
‫تكن إال فتاوى مؤقتة ذلك أن (للتبليغيين حيًال كما أخ بر ب ذلك من خ برهم وع رف‬
‫حالهم‪ ،‬ومن حيلهم أنهم إذا جاءوا إلى العلماء أظهروا لهم ما يرض يهم من االهتم ام‬
‫بالسنة واالئتمار بأوامر أهل العلم‪ ،‬وهذا يفسر ما أشكل على غير واح د س بب ثن اء‬
‫بعض أهل العلم عليهم؛ لذا ترى بعض العلماء كان محسن الظن بهم‪ ،‬ثم تراجع كما‬
‫كان من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم)(‪)2‬‬
‫وقد رد الكاتب على من يدافع عنهم بحج ة أن من الس لفيين من تس اهل معهم‬
‫ب ذكره (أن هن اك علم اء آخ رين ق دحوا فيهم‪ ،‬والع برة بالحج ة وال دليل‪ ،‬والحج ة‬
‫ظاهرة – كما في هذا الكتاب ‪ -‬في أن هذه الجماعة جماعة بدعة وضاللة‪ ،‬بل دعاة‬
‫شرك‪ ..‬أن القادح والذام عنده زيادة علم فقوله مقدم على غ يره؛ ل ذا ال ذي ن راه ه و‬
‫تراجع كث ير من م ادحيهم إلى الق دح فيهم وال عكس‪ ..‬أن ه ذا يرج ع إلى مك رهم‬
‫ودهائهم؛ ألنهم إذا جاءوا عند العالم أظهروا ما يرضيه)(‪)3‬‬
‫وقد بين أن عمله هذا يندرج ض من ال رد على أه ل الب دع‪ ،‬وال ذي ه و منهج‬
‫السلفيين أولهم وآخرهم‪ ،‬فقال‪( :‬الرد على المخالف من أبرز سمات علم اء الس لف‪،‬‬
‫وإن كنَت في شك فانظر إلى كالم السلف الماضين ومؤلف ات اإلم ام ابن تيمي ة تج د‬
‫‪ )(1‬اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫‪ )(2‬اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ )(3‬اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.5‬‬

‫‪263‬‬
‫أكثرها ردودًا كمنهاج السنة‪ ،‬ودرء تعارض العق ل والنق ل‪ ،‬واالس تقامة‪ ،‬والج واب‬
‫الصحيح‪ ،‬والرد على البكري‪ ،‬ونقض التأسيس وهكذا‪ .‬وإن من أبرز مزاي ا ال دعوة‬
‫اإلصالحية ألئمة الدعوة النجدية الرد على المخالف من أه ل الب دع‪ ،‬فلل ه درهم كم‬
‫كشفوا من شبهة وفندوا من بدعة‪ ،‬وحم وا من جن اب التوحي د‪ ،‬وكس روا من ش وكة‬
‫كل مبتدع عنيد)(‪)1‬‬
‫وقد ذكر أن ل ه س نة بس لفه الص الح من األولين‪ ،‬وم واقفهم من أه ل الب دع‪،‬‬
‫وحكى لالستدالل على ذلك عن أبي صالح الفراء قال‪ :‬حكيت ليوسف بن أسباط عن‬
‫وكي ع ش يئًا من أم ر الفتن‪ ،‬فق ال‪ :‬ذاك أس تاذه – يع ني الحس ن بن حي – فقلت‬
‫ليوسف‪ :‬أما تخاف أن تكون هذه غيبة؟ فقال‪ :‬لم يا أحمق؟ أنا خير لهؤالء من آبائهم‬
‫وأمهاتهم‪ ،‬أن ا أنهى الن اس أن يعمل وا بم ا أح دثوا فتتبعهم أوزارهم‪ ،‬ومن أط راهم‪،‬‬
‫كان أضر عليهم(‪.)2‬‬
‫وذكر من أسباب بدعية جماعة التبليغ وكفرها األسباب التالية(‪:)3‬‬
‫‪ 1‬ـ وقوعها في نواقض اإليم ان المرتبط ة بتوحي د األلوهي ة‪( ،‬وهي ال دعوة‬
‫التي من أجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وخلق الثقالن‪ ..‬وهي وإن ذك رت من‬
‫أصولها الكلم ة الطيب ة (ال إل ه إال هللا ومحم د رس ول هللا) إال أنه ا من أبع د الن اس‬
‫عنها‪ ،‬وذلك أن التوحي د ال ذي يعتن ون ب ه ه و توحي د الربوبي ة ال ذي أق ر ب ه كف ار‬
‫قريش‪ ،‬ولم يدخلهم في اإلسالم دون توحيد األلوهية الذي من أجله أرسلت الرس ل)‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ 2‬ـ أن في مركزهم الرئيس في الهند والسودان قبورًا‪ ،‬وكذا بجوار مرك زهم‬
‫الرئيس في رائي وند بالباكستان‪ ،‬وقد ذكر هذا من خ برهم وعايش هم ثم ان س نوات‬
‫الشيخ المعروف سعد الحصين(‪.)5‬‬
‫‪ 3‬ـ أن أكابر المنتسبين إليها على عقائد شركية وبدعية‪ ،‬وم ع ذل ك م ا زال وا‬
‫من أكابرهم فهذا يدل داللة واضحة على أن الجماعة ال تبالي بتوحي د العب ادة‪ ،‬ق ال‬
‫األس تاذ س يف ال رحمن بن أحم د ال دهلوي‪( :‬إن أك ابر أه ل التبلي غ يرابط ون على‬
‫القبور‪ ،‬وينتظرون الكشف والكرامات والفيوض الروحية من أهل القبور‪ ،‬ويق رون‬
‫بمسألة حياة النبي ‪ ‬وحياة األولياء حياة دنيوية ال برزخية مثل ما يق ر القبوري ون‬
‫بنفس المعنى) (‪)6‬ـ وقد نق ل الش يخ حم ود الت ويجري ش هادات س بعة أش خاص م ع‬
‫تواقيعهم أن هذه الجماعة عندها كفريات وبدع(‪.)7‬‬
‫‪ 4‬ـ أنك إذا جالس ت أف راد ه ذه الجماع ة رأيت تفس يرهم للكلم ة الطيب ة بم ا‬

‫‪ )(1‬اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.6‬‬


‫‪ )(2‬سير أعالم النبالء (‪)7/364‬‬
‫‪ )(3‬اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ‪ ،‬ص‪ ،9‬فما بعدها‪.‬‬
‫‪ )(4‬انظر كتاب الصفات الستة عند جماعة التبليغ ص‪ ،22،28‬القول البليغ ص‪،205 ،8‬‬
‫‪ )(5‬انظر القول البليغ ص‪ 12‬وكتاب الصفات الستة ص‪.81‬‬
‫‪ )(6‬القول البليغ ص‪.14-12‬‬
‫‪ )(7‬القول البليغ ص‪190-187‬‬

‫‪264‬‬
‫يتعلق بتوحيد الربوبية دون األلوهية‪ .‬و(كون هذه الجماعة ال تهتم بالتوحيد كاٍف في‬
‫اسقاطهم عند الموحدين السائرين على طريق ة النب يين والمرس لين‪ ،‬ذل ك ألن دع وة‬
‫األنبياء والمرسلين هي ال دعوة إلى إف راد هللا س بحانه بالعب ادة دون أح د س واه فمن‬
‫خالفهم في الدعوة فليس من أتباعهم الناجين)(‪)1‬‬
‫‪ 5‬ـ أن هذه الجماعة أعدت ألتباعها من العجم كت اب [تبليغي نص اب]‪ ،‬وفي ه‬
‫الدعوة الصريحة إلى طلب الشفاعة من رس ول هللا ‪ ،‬وه ذا (كم ا يق رر علماؤن ا‬
‫شرك أكبر محبط للعمل ومخرج من الملة‪ ،‬فبإعدادهم لهذا الكتاب والحث عليه‪ ،‬ب ل‬
‫وتوزيعه‪ ،‬تكون جماعة التبليغ قد أدانت بأنها ليست مهملة ل دعوة التوحي د فحس ب‪،‬‬
‫بل هي داعية شرك)(‪)2‬‬
‫‪ 6‬ـ أن هذه الجماعة قد انغمست في البدع المختلف ة‪ ،‬فهم يب ايعون العجم ومن‬
‫يثقون به من العرب على الطرق الص وفية المبتدع ة األربع ة الجش تية والنقش بندية‬
‫والقادرية والسهروردية‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ أن في كت ابهم المع د ألتب اعهم من العجم [تبليغي نص اب] من الب دع‬
‫المهلك ة الكث ير‪ ،‬ومنه ا (الحث على الس فر إلى المدين ة النبوي ة بقص د زي ارة ق بر‬
‫الرسول ‪ ‬بعد الحج بدليل (من حج فلم ي زرني‪ ،‬فق د جف اني)‪ ،‬وه ذا الفع ل بدع ة‬
‫والحديث موضوع‪ ..‬ومنها الحث على التوجه لق بره ‪ ‬بال دعاء اآلتي (ي ا رس ول‬
‫هللا أسألك الشفاعة)(‪ ..)3‬وغيرها كثير‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ ال يهتم التبليغيون بالعلم‪ ،‬وليس عن دهم في من اهجهم العلم بمعن اه الح ق‪-‬‬
‫معرفة أحكام الشرع بأدلته‪ -‬والدراسة على العلماء فهم مفرط ون في ش رط العب ادة‬
‫الثاني‪ ،‬وهو المتابعة لرسول هللا ‪ ..‬فألجل ع دم اهتم امهم ب العلم وقع وا في ب دع‬
‫كثيرة في باب العبادات زيادة على ما سبق ذكره من البدع‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ من أص ول ه ذه الجماع ة الخ روج‪ ،‬وه و الس فر لل دعوة إلى هللا‪ ،‬وه ذا‬
‫األص ل محم ود مطل وب موج ود عن د رس ول هللا ‪ ،‬لكن على غ ير طريق ة‬
‫التبليغيين‪ ،‬فإن رسول هللا ‪‬لم يكن يرسل إال العلماء فلم يرسل غيرهم لل دعوة إلى‬
‫هللا مع وجود المقتضي والحاجة في زمانه وانتفاء المانع‪ ،‬وم ا ك انت ه ذه ص ورته‬
‫فحكمه بدعة في الشريعة‪( ..‬فنخلص من هذا أن إرس ال الجه ال لل دعوة إلى هللا من‬
‫جملة البدع)(‪)4‬‬
‫‪ 10‬ـ أن مؤس س ه ذه الجماع ة ه و محم د إلي اس بن محم د بن إس ماعيل‬
‫الكاندهلوي الديوبندي الحنفي مذهبًا األش عري الماتري دي عقي دة الص وفي طريق ة‪،‬‬
‫أخذ البيعة الصوفية على يد الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي‪ ،‬ثم جددها بعد موت الشيخ‬
‫رشيد على يد الشيخ أحمد الس هارنفوري ال ذي أج ازه في مبايع ة غ يره على النهج‬

‫‪ )(1‬اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.9‬‬


‫‪ )(2‬اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪ )(3‬اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪ )(4‬اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪265‬‬
‫الصوفي المعروف‪.‬‬
‫وقد كان محمد إلياس يجلس في الخلوة عند قبر الش يخ ن ور محم د الب دايوني‬
‫وفي المراقبة الجشتية عندقبر قدوس الكنكوهي الذي كانت تسيطر عليه فكرة وح دة‬
‫الوجود(‪.)1‬‬
‫ًا‬
‫وقال الشيخ سيف الرحمن عن محم د إلي اس‪( :‬ه و الحنفي م ذهب والص وفي‬
‫مشربًا قليل البضاعة العلمية غ ير ش هير فيه ا لكن ك ان ق وي الحم اس لل دعوة إلى‬
‫الدين اإلسالمي – بل إلى الدين الصوفي – وإلى المسلك التصوفي الطرقي) (‪)2‬‬

‫وهو يرد على بعض السلفيين الذين ـ في تص وره ـ انخ دعوا بهم بقول ه‪( :‬في‬
‫كالم ه ؤالء األجل ة رد على أولئ ك التبليغ يين الموج ودين في جزي رة الع رب‬
‫الزاعمين أن محمد إلياس داعية سلفي يدعو إلى توحيد األلوهي ة ونب ذ الش رك باهلل‪.‬‬
‫فانظر إلى أي مدى بلغ التالعب بعقول الناس؟ وإلى أي حد بلغ التدليس والك ذب؟‪..‬‬
‫فهل يوجد سلفي موح د يق ر كت اب (تبليغي نص اب) المتض من للش ركيات والب دع؟‬
‫وهل يوجد سلفي يبايع على الطرق الصوفية وهكذا أتباعه من بعده)(‪)3‬‬
‫وقد رد الكاتب على الشبهة التي يستند إليها بعض السلفيين‪ ،‬وبسببها ال يق ول‬
‫بكفرهم‪ ،‬وهي أن (ما سبق ذكره إنم ا ه و في ح ق التبليغ يين الموج ودين في الهن د‬
‫والباكستان‪ ،‬أما التبليغيون الموجودون في جزيرة العرب والدول العربي ة أص حاب‬
‫العقيدة السلفية فال ينطبق عليهم هذا التحذير وهم على خير)(‪)4‬‬
‫وقد رد على هذه الشبهة بقوله‪( :‬وهذه الشبهة تضمنت حقًا وباطًال؛ أم ا ك ون‬
‫هؤالء ليسوا كأولئك إذ هم على عقيدة س لفية ص حيحة فه ذا ح ق فيمن ك ان ك ذلك‪،‬‬
‫لكن ليس معنى هذا أنهم في الدعوة ليسوا على طريقة بدعية‪ ،‬وأيضًا المس تمر منهم‬
‫مع هؤالء التبليغيين موافق لهم على عدم إنكار الشرك؛ ألن من أصولهم عدم إنكار‬
‫المنكر أيًا كان‪ ،‬بل وسيوالي التبليغيين الهن ود والباكس تانيين المبتدع ة ال واقعين في‬
‫الشرك؛ ألنهم من جماعته فتراه يحضر اجتم اعهم الس نوي‪ ،‬ويخ رج معهم لل دعوة‬
‫على هذه الطريقة الضالة‪ ،‬فهم بهذا على خطر عظيم وطريق غير مستقيم)(‪)5‬‬
‫النموذج الثاني‪ :‬كتاب [القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ]‬
‫وهو لمؤلفه الشيخ حمود بن عبد هللا بن حم ود الت ويجري (‪1413 - 1334‬‬
‫هـ)‪ ،‬وهو من كبار مشايخ السلفية المعاص رين‪ ،‬وق د تتلم ذ على يدي ه الكث ير منهم‪،‬‬
‫من أمثال الشيخ س فر الح والي‪ ،‬والش يخ س ليمان الع ودة‪ ،‬والش يخ ربي ع الم دخلي‪،‬‬
‫والشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ‪ ..‬وغيرهم من المشايخ‪.‬‬
‫ومن مزايا هذه الشخصية السلفية ـ والتي خولها له ع دم تولي ه ألي مناص ب‬

‫‪ )(1‬كتاب حقيقة الدعوة إلى هللا تعالى ص‪75‬‬


‫‪ )(2‬كتاب نظرة عابرة اعتبارية حول جماعة التبليغ ص‪.7،8‬‬
‫‪ )(3‬اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ )(4‬اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ )(5‬اإلمام ابن تيمية وجماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪266‬‬
‫حساسة ـ صراحته الش ديدة‪ ،‬وتبعيت ه المطلق ة للس لف األول من غ ير اس تعمال أي‬
‫تقية‪ ..‬وقد الحظنا هذا فيما استعرضنا من كتبه في األجزاء السابقة من هذه السلس لة‬
‫ذلك‪ ،‬ككتاب [إثبات علو هللا ومباينته لخلقه والرد على من زعم أن معي ة هللا للخل ق‬
‫ذاتي ة]‪ ،‬و[تحف ة اإلخ وان بم ا ج اء في الم واالة والمع اداة والحب والبغض‬
‫والهجران]‪ ،‬و[إقامة الدليل على المنع من األناشيد الملحنة والتمثيل]‪ ،‬و[الص واعق‬
‫الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة]‪ ،‬و[عقيدة أهل اإليم ان في خل ق آدم على ص ورة‬
‫الرحمن]‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد كان مقربا من علماء السلفية الكبار‪ ،‬كالش يخ ابن ب از‬
‫الذي قدم له الكثير من كتبه‪ ،‬وغيره‪ ..‬وهو لذلك محل ثقة كب يرة ل دى الس لفيين‪ ،‬ب ل‬
‫إن ثناءهم عليه وعلى صدقه في سلفيته يتج اوز ثن اءهم على ابن ب از وغ يره ممن‬
‫يتصور السلفية أن المناصب قد غيرتهم ولينتهم‪ ،‬كما ذكرنا بعض األمثلة على ذل ك‬
‫سابقا‪.‬‬
‫وقد اخترناه من بين الكثير من الكتب المؤلفة في تكفير جماعة التبليغ‪ ،‬لكون ه‬
‫يمثل صورة واضحة دقيقة عن المنهج السلفي في النقد والتكفير‪ ،‬والذي يتجاوز كل‬
‫ح دود المنهج العلمي‪ ..‬فالك اتب لم يكل ف نفس ه بالرحل ة إلى علم اء ه ذه الجماع ة‪،‬‬
‫وسؤالهم‪ ،‬وإنما اكتفى بالكثير من القصص التي سمعها من ثقاة كم ا ي ذكر‪ ..‬ثم ب نى‬
‫عليها كل ذلك البنيان‪ ..‬وهو منهج س لفه األول في التس رع في األحك ام على الن اس‬
‫من خالل القصص والحكايات‪.‬‬
‫ولهذا فإن هذا الكتاب مع كبر حجمه‪ ،‬مقارنة بالقضية ال تي طرحه ا‪ ،‬ممل وء‬
‫بالقصص والحكايات عن أف راد جماع ة الت بيلغ‪ ،‬فه و ينطل ق من الف رد ليحكم على‬
‫المجموع‪ ..‬وهذا منهج سلفي معتمد يطبقونه مع خصومهم‪ ،‬وال يرضون لخصومهم‬
‫أن يطبقوه معهم‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك قوله بعد إيراد بعض القصص‪ ..( :‬وفي قصتهم مع فاروق‬
‫ح نيف أوض ح دلي ل على أن إك رام المس لم المتمس ك بالس نة ال وج ود ل ه عن د‬
‫التبليغيين‪ ..‬ويدل على ذلك أيضًا بغض هم وع داوتهم لش يخ اِإل س الم ابن تيمي ة وابن‬
‫القيم ومحم د بن عب د الوه اب‪ ،‬ومح اربتهم لكتبهم‪ ،‬وتم نيهم إحراقه ا وإزالته ا عن‬
‫وجه األرض‪ ..‬وق د تق دم في القص ة الثالث ة عش رة أن طائف ة من التبليغِّيين اعت دوا‬
‫على الحسامي لم ا تكَّلم في بي ان التوحي د والتح ذير من الش رك‪ ..‬وتق دم في القص ة‬
‫الرابعة عشرة أنهم أنكروا على اليربوزي لما تكَّلم في بيان التوحيد‪ ،‬وقالوا له‪ :‬إَّن ك‬
‫تفس د عق ول المس لمين ب آراء ابن تيمي ة ومحم د بن عب د الوه اب!! ثم ط ردوه من‬
‫مجتمعهم‪ ،‬وطردوا معه جميع الذين ينتسبون إلى السنة)‬
‫وبع د أن س اق ه ذه االس تدالالت العجيب ة‪ ،‬راح يس تنتج منه ا ه ذه النتجي ة‬
‫الخطيرة‪( :‬فلتتأمل ه ذه القص ص؛ ففيه ا دلي ل على بغض التبليغِّيين للس نة وأهله ا‪،‬‬
‫وفي اعتدائهم على بعض أهل السنة‪ ،‬وإهانتهم‪ ،‬وطردهم من مجتمعاتهم؛ دليل على‬
‫أن إكرام المسلم المتمسك بالسنة ال وجود له عند التبليغِّيين‪ ،‬وأنهم إنما جعلوا إك رام‬

‫‪267‬‬
‫المس لم أص ًال من أص ول ب دعتهم؛ ليص يدوا ب ه الس َّذ ج ال ذين ينخ دعون لظ واهر‬
‫أقوالهم التي ُيراد به ا الخديع ة لألغبي اء واس تدراجهم إلى قب ول الب دع والجه االت‬
‫واِإل عراض عن السنة وأهلها)(‪)1‬‬
‫بن اء على ه ذا سأس وق هن ا ـ باختص ار ـ بعض الوج وه ال تي كف رهم على‬
‫أساسها‪ ،‬وهي نفسها التي يذكرها غيره‪ ،‬ولكنا اعتمدنا على ما ذك ره هن ا بن اء على‬
‫ثقتهم فيه‪ ،‬بخالف غيره ممن وقع فيه الخالف‪.‬‬
‫الوجه األول‪ :‬وقوعهم في نواقض اإليمان المرتبطة بالتوحيد‬
‫كعادة السلفية في التركيز على ما يسمونه [التوحيد] بأنواعه الثالثة‪ ،‬وخاصة‬
‫توحيد األلوهية‪ ،‬واعتباره األس اس األول لل دين‪ ،‬وحص ره في التوس ل واالس تغاثة‬
‫وزيارة األضرحة ونحوها‪ ،‬ف إن أول م ا ب دأ ب ه الش يخ الت ويجري تكف يره لجماع ة‬
‫التبليغ هو وقوعهم في هذا الن وع من الش رك‪ ،‬ق ال في ذل ك‪( :‬أم ا جماع ة التبلي غ؛‬
‫فإنهم جماعة بدعة وضاللة‪ ،‬وليسوا على األمر الذي عليه رسول هللا ‪ ‬وأص حابه‬
‫والتابعون لهم بإحسان‪ ،‬وإنما هم على بعض طرق الص وفية ومن اهجهم المبتدع ة‪..‬‬
‫وقد ذكر العلماء العارفون بجماعة التبليغ كثيرا مما هم علي ه من الب دع والخراف ات‬
‫والضالالت وأنواع المنكرات وفساد العقيدة‪ ،‬وال سيما في توحيد األلوهي ة؛ فهم في‬
‫هذا الباب ال يزيدون على ما كان عليه أهل الجاهلية الذين بعث فيهم رس ول هللا ‪‬‬
‫ألنهم إَّنما يقرون بتوحيد الربوبية فقط كما كان المشركون من العرب يقرون ب ذلك‪،‬‬
‫ويفسرون معنى (ال إله إال هللا) بمعنى توحي د الربوبي ة‪ ،‬وأن هللا تع الى ه و الخ الق‬
‫الرازق المدبر لألمور‪ ،‬وقد كان المشركون يقرون بهذا التوحيد؛ كما ذك ر هللا ذل ك‬
‫عنهم في آيات كثيرة من القرآن‪ ،‬ولم ينفعهم ذل ك‪ ،‬ولم ي دخلوا ب ه في اإلس الم‪ .‬وق د‬
‫جهل التبليغيون معنى (ال إله إال هللا) على الحقيقة‪ ،‬وهوأنه المستحُّق للعبادة دون ما‬
‫سواه‪ ،‬فيجب إفراده بجميع أنواع العبادة‪ ،‬وال يجوز صرف شيء منها لغ يره‪ ،‬ومن‬
‫صرف منها شيئا لغيره؛ فقد جعل ذلك الغير شريكا له في األلوهية‪ ،‬ومن خفي عليه‬
‫هذا المعنى؛ فهومن أجهل الناس‪ ،‬وال خير فيه)(‪)2‬‬
‫ومن األدلة التي اس تدل به ا على وق وعهم في ه ذا الن وع من الش رك قول ه‪:‬‬
‫(وللتبليغيين مسجد ومركز رئيس ي في دلهي‪ ،‬يش تمل على أربع ة قب ور في ال ركن‬
‫الخلفي للمصَّلى‪ ،‬وهذا شبيه بفعل اليهود والنصارى‪ ،‬وال ذين اَّتخ ذوا قب ور األنبي اء‬
‫والصالحين مس اجد‪ ،‬وق د لعنهم رس ول هللا ‪ ‬على ه ذا الص نيع‪ ،‬وأخ بر أنهم من‬
‫شرار الخلق عند هللا)(‪)3‬‬
‫ويؤك د ت ويجري كالم ه ه ذا بم ا نقل ه عن األس تاذ س يف ال رحمن بن أحم د‬
‫الدهلوي من أن (أك ابر أه ل التبلي غ يرابط ون على القب ور‪ ،‬ويق رون بمس ألة حي اة‬
‫الن بي ‪ ‬وحي اة األولي اء حي اة دنيوي ة ال برزخي ة مث ل م ا يق ر القبوري ون بنفس‬

‫‪ )(1‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.56‬‬


‫‪ )(2‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ )(3‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪268‬‬
‫المع نى‪ ،‬وي أتي ش يخهم الش يخ زكري ا ‪-‬ش يخ الح ديث عن دهم وبمدرس تهم ببل دة‬
‫سهارنفور بالهند‪ -‬يأتي إلى المدين ة المن ورة‪ ،‬ويراب ط عن د ق بر الن بي ‪ ‬بالج انب‬
‫الشرقي من القبر ونحو األق دام الش ريفة‪ ،‬وي ذهب في المراقب ة ع دة س اعات؛ كم ا‬
‫شاهده الكثيرون)(‪.)1‬‬
‫ونقل عنه (ثمانية أبيات بلغة الهن ود‪ ،‬وق د ت رجمت إلى العربي ة‪ ،‬وذك ر أنه ا‬
‫لمؤلف من التبليغيين‪ ،‬وقد اشتملت على الشرك األكبر‪ ،‬وذلك بصرف خ الص ح ق‬
‫هللا تعالى للنبي ‪ ،‬ولقبح ما فيها من الشرك تركت إيرادها)(‪)2‬‬
‫هذا بالنسبة لوقوعهم في النواقض المرتبطة بتوحيد األلوهية‪ ،‬وال تي ال يش ك‬
‫أي سلفي في كفر من وقع فيها‪ ،‬بل إننا ل و طبقن ا مق والتهم في تكف ير من لم يكف ر ـ‬
‫كما يذكر الشيخ ابن عبد الوهاب وتالميذه ـ العتبرنا الس لفية المت وقفين في التكف ير‬
‫من جملة هؤالء الكفرة‪.‬‬
‫وهك ذا األم ر بالنس بة لم ا يس مونه [توحي د األس ماء والص فات]‪ ،‬فق د ذك ر‬
‫التويجري أن (التبليغيين فيه أشعرية وماتريدية‪ ،‬وهما من المذاهب المخالف ة لعقي دة‬
‫أه ل الس نة والجماع ة)(‪ ،)3‬ب ل هي من الم ذاهب المكف رة عن دهم ـ بم ا فيه ا ق ول‬
‫التويجري نفس ه ـ كم ا ذكرن ا ذل ك س ابقا‪ ..‬ويكفي نفيهم للعل و‪ ،‬ليض عهم في زم رة‬
‫الكفرة كما يقرر جميع السلفية‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬وقوعهم في نواقض اإليمان المرتبطة بالوالء والبراء‬
‫ذكرنا سابقا أن السلفية ال يكتفون بتكفير من وقع في الكفر‪ ،‬بل يض مون إلي ه‬
‫وجوب تكفيره‪ ،‬ومن لم يفعل ال يعتبرونه آثما أو مقصرا فق ط‪ ،‬ب ل يعتبرون ه ك افرا‬
‫أيضا حتى لو قام بكل التكاليف التي يتطلبها منه اإلسالم‪.‬‬
‫وبما أن جماعة التبليغ جماعة دعوية‪ ،‬وهي تبتعد عن كل الوسائل التي تنف ر‬
‫من ت دعوهم‪ ،‬فق د جعله ا ذل ك ـ كم ا ي رى الس لفية ـ تقص ر في الحكم على الكف رة‬
‫بكونهم كفرة‪ ..‬وكأنهم يطلبون منها عند لقائها بأي كافر ـ بدل أن تركز حديثها مع ه‬
‫على دعوته إلى هللا ـ إلى الحكم بكفره‪ ،‬لينفر بذلك نفورا تاما‪.‬‬
‫وقد نقل الشيخ التويجري ـ لالستدالل على كفر جماعة التبلي غ به ذا الس بب ـ‬
‫ما قاله األس تاذ س يف ال رحمن بن أحم د ال دهلوي عنهم وأن (من أص ولهم تعطي ل‬
‫جميع النصوص الواردة في الكتاب والسنة بصدد الكف ر بالط اغوت وبص دد النعي‬
‫عن المنكر تعطيًال بَاتًا‪ ..‬ومن أصولهم‪ :‬التجُّنب بشدة بل المنع بعن ف من الص راحة‬
‫بالكفر بالطاغوت‪ ،‬ومن الصراحة بالنهي عن المنكر‪ ،‬وتعليل ذلك بأنه يورث العناد‬
‫ال الصالح‪)4()..‬‬
‫ثم راح ـ كما يفعل السلفية في العادة ـ إلى تط بيق م ا ورد من الق رآن الك ريم‬

‫‪ )(1‬نظرة عابرة اعتبارية حول الجماعة التبليغية‪ ،‬ص‪.47‬‬


‫‪ )(2‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ )(3‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ )(4‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪269‬‬
‫في ح ق المش ركين إلى تحويل ه إلى المؤم نين‪ ،‬فق ال‪( :‬وال يخفى م ا في أص ولهم‬
‫المذكورة ها هن ا من المعارض ة للق رآن والس نة‪ :‬ألن هللا تع الى يق ول‪َ﴿ :‬فَم ْن َيْكُف ْر‬
‫ِبالَّطاُغ وِت َو ُيْؤ ِم ْن ِباِهَّلل َفَقِد اْسَتْمَس َك ِباْلُعْر َو ِة اْلُو ْثَقى اَل اْنِفَص اَم َلَها َو ُهَّللا َس ِم يٌع َع ِليٌم ﴾‬
‫[البق رة‪ ..]256 :‬وق ال‪ُ﴿ :‬لِع َن اَّل ِذ يَن َكَف ُروا ِم ْن َبِني ِإْس َر اِئيَل َع َلى ِلَس اِن َداُووَد‬
‫َو ِع يَس ى اْبِن َم ْر َيَم َذ ِلَك ِبَم ا َع َص ْو ا َو َك اُنوا َيْعَتُد وَن (‪َ )78‬ك اُنوا اَل َيَتَن اَهْو َن َع ْن ُم ْنَك ٍر‬
‫َفَع ُلوُه َلِبْئَس َم ا َك اُنوا َيْفَع ُل وَن ﴾ [المائ دة‪..]79 ،78 :‬واآلي ات واألح اديث في الحِّث‬
‫على األمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوعيد الشديد على تركهما كث يرة ج دًا)‬
‫(‪)1‬‬
‫وبعد إيراده لهذه اآليات وغيرها‪ ،‬وما قال فيها مفس رو الس لف‪ ،‬ق ال‪( :‬ثم إن‬
‫التبليغيين لم يقتصروا على ترك الصراحة بالكفر بالَّطاغوت‪ ،‬بل ضموا إلى ذلك ما‬
‫هو ش ر من ه‪ ،‬وه والتجُّنب بش دة والمن ع بعن ف من الص راحة ب الكفر بالط اغوت‪،‬‬
‫وتعطيل جميع النصوص الواردة في الكتاب والسنة بصدد الكفر بالط اغوت‪ ،‬وه ذا‬
‫من زيادة ارتكاسهم في الغي والضالل‪ ..‬وأما تركهم الصراحة ب الَّنهي عن المنك ر‪،‬‬
‫وتجُّنبهم ذل ك بش دة‪ ،‬ومنعهم من ه بعن ف‪ ،‬وتعطيلهم جمي ع النص وص ال واردة في‬
‫الكتاب والسنة بصدد النهي عن المنكر؛ فهو من أوضح األدَّل ة على زيغهم‪ ،‬وفس اد‬
‫معتق دهم‪ ،‬وس لوكهم طري ق الغي والض الل ال ذي ذك ره هللا عن العص اة من ب ني‬
‫إسرائيل‪ ،‬وذمهم على ذلك‪ ،‬ولعنهم)(‪)2‬‬
‫بل إنه لم يكتف بتشبيههم ببني إسرائيل‪ ،‬بل راح يعتبرهم أضل منهم‪ ،‬فق ال ـ‬
‫تعليق ا على بعض م ا أورده من األح اديث ـ (وفي ه ذا الح ديث أبل غ رد على‬
‫التبليغيين الذين ال يبالون بالنهي عن المنكر وال يعدون ه من واجب ات اإلس الم‪ ،‬وق د‬
‫زادوا على ما ذكره هللا عن بني إسرائيل بزيادات من الغي والض الل‪ ،‬وهي تجُّنبهم‬
‫الص راحة ب النهي عن المنك ر بش دة‪ ،‬ومنعهم من ذل ك بعن ف‪ ،‬وتعطيلهم جمي ع‬
‫النصوص الواردة في الكتاب والسنة بصدد النهي عن المنكر‪ .‬وفي هذا أوضح دليل‬
‫على مخالفتهم لطريقة الرس ل ص لوات هللا وس المه عليهم؛ ف إن األم ر ب المعروف‬
‫والنهي عن المنكر هو وظيفة الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة)(‪)3‬‬
‫ومن العجيب أن هذا الوجه الذي كفر التويجري على أساسه جماع ة التبلي غ‪،‬‬
‫ه و نفس ه ال ذي كف ر الس لفية على أساس ه اإلخ وان المس لمين وغ يرهم من ال ذين‬
‫يذكرون أن هدفهم هو الوقوف في وجه الطاغوت‪ ..‬فمن وق ف في وج ه الط اغوت‬
‫عندهم كافر بسبب رميه بالخروج‪ ..‬ومن سكت كافر لتشبهه ببني إسرائيل‪.‬‬
‫هذا فيما يتعلق بوقوع جماعة التبليغ في نواقض اإليم ان المرتبط ة ب البراء‪..‬‬
‫أما نواقضه المرتبطة بالوالء‪ ،‬فهي ـ كما يذكر التويجري ـ طعنهم في السلفية‪ ..‬ألن‬
‫الطعن فيهم طعن في عقائدهم‪ ..‬والطعن في عقائدهم كفر‪.‬‬

‫‪ )(1‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.14‬‬


‫‪ )(2‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ )(3‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.16‬‬

‫‪270‬‬
‫يقول التويجري‪( :‬وأي خير يرجى من أناس ال يعرفون توحيد األلوهي ة‪ ،‬وال‬
‫يرون الكفر بالَّطاغوت‪ ،‬وال يرون النهي عن المنك ر‪ ،‬ويع ادون أئم ة العلم واله دى‬
‫من أه ل التوحي د وأنص ار الس نة‪ ،‬وخصوص ًا ش يخ اإلس الم ابن تيمي ة وابن القيم‬
‫ومحمد بن عبد الوهاب‪ ،‬ويحاربون كتبهم المشتملة على تقرير التوحيد والدعوة إليه‬
‫وإلى إخالص العب ادة هلل وح ده وعلى النهي عن الش رك وذرائع ه وعن الب دع‬
‫والخرفات وأنواع الضالالت والمنك رات؟! وق د حص ل من بعض أك ابرهم الس ب‬
‫القبيح في كتبهم لشيخ اِإل سالم محمد بن عب د الوه اب‪ ..‬وحص ل من بعض أم رائهم‬
‫إحراق مجموعة التوحيد المسماة ب (الجامع الفريد) لما أهداها له بعض الخ ارجين‬
‫معه‪ ،‬وكان المهدي للكتاب يظن أن األمير يسر بهذه الهدية الثمينة‪ ،‬فك انت المقابل ة‬
‫على حسن الصنيع بالمنكر الفظيع‪ ،‬وهو إحراق كتب التوحيد‪ ،‬عامل هللا هذا األم ير‬
‫والذين يسبون شيخ اإلسالم بعدله‪ .‬وأيضًا؛ فأي خير يرجى من االنضمام إلى أن اس‬
‫يراب ط أك ابرهم على القب ور‪ ،‬وينتظ رون الكش ف والكرام ات والفي وض من أه ل‬
‫القبور‪ ،‬ويزعمون أن ألكابرهم حّظًا من مجالسة النبي ‪ ‬يقظة ال منامًا؟! وأيض ًا؛‬
‫ف أي خ ير ي رجى من االنض مام إلى أن اس ق د جعل وا لهم أص وًال من أص ول الغي‬
‫والضالل يدعون الناس إليها‪ ،‬ومنها ترك الص راحة ب الكفر بالط اغوت والنهي عن‬
‫المنكر‪ ،‬ومنه ا تعطي ل جمي ع النص وص ال واردة في الكت اب والس نة بص دد الكف ر‬
‫بالطاغوت وبصدد النهي عن المنكر تعطيًال باّتًا‪ ،‬ومنها التجُّنب بشدة والمنع بعن ف‬
‫من الصراحة بالكفر بالطاغوت ومن الصراحة بالنهي عن المنكر‪ ،‬وتعليل ذلك بأنه‬
‫يورث العناد ال الصالح؟!)(‪)1‬‬
‫ومن القصص التي استدل بها على عداوتهم للس لفية (قص ة إح راق [الج امع‬
‫الفريد]‪ ،‬وفيها دليل على ما يكُّنه التبليغُّي ون من بغض العقي دة الس لفية وبغض أه ل‬
‫التوحيد وكتبهم ورسائلهم‪ .‬وقد جاء في مذكرة الشيخ الم دني ال ذي تق َّد مت اِإل ش ارة‬
‫إليه‪ :‬أن أح د الثق ات الس عوديين ش هد عن ده على عب د ال رزاق المص ري الص وفي‬
‫الملقب‪ :‬الكويتي؛ قال‪( :‬وكان لسان جماعة التبليغ‪ ،‬وأش هر قادته ا بع د س عيد أحم د‬
‫الهندي الصوفي؛ شهد عليه أنه أحرق [الجامع الفريد] المش تمل على مجموع ة من‬
‫الكتب والرسائل في بيان التوحيد والدعوة إليه والتحذير من الش رك والب دع‪ ،‬وذل ك‬
‫بمرأى من الشاهد‪ ،‬عندما أهدى الكتاب إلى الصوفي التبليغي؛ ظاّنًا أن ه يف رح به ذه‬
‫الهدية الثمينة‪ ،‬فكان األمر بالعكس‪ ،‬ولم يقتص ر التبليغي على كراهت ه للكت اب وم ا‬
‫فيه من أصول السنة‪ ،‬بل بادر إلى إحراقه؛ ليشفي غيظه وحقده على العقيدة الس لفية‬
‫وأهلها؛ بإحراق ما وقع في يده من كتب أه ل الس نة‪ ،‬ولم ا رأى الس عودي م ا فعل ه‬
‫الصوفي من مقابلة الهدية بإحراق الكتاب؛ فارقهم‪ ،‬وكانت هذه الحادثة موعظ ة ل ه‬
‫وحافزًا على مفارقة التبليغِّيين والبعد عنهم)(‪)2‬‬
‫ومن القصص التي ذكرها واستدل بها على بغض هم للس لفية [القص ة الثالث ة‬
‫‪ )(1‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ )(2‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.45‬‬

‫‪271‬‬
‫عشرة]‪ ،‬وقد ذكرها الشيخ أحمد بن صالح بن ثابت الحس امي في كت اب أرس له إلى‬
‫بعض المشايخ بتاريخ ‪1393 / 9 /21‬هـ‪ ،‬وقال فيه‪( :‬أحيطكم علمًا بما أني ذهبُت‬
‫إلى الري اض لزي ارة اِإل خ وان والتج ُّو ل في المس اجد في آخ ر ش هر رجب‪ ،‬ح تى‬
‫ذهبت إلى مسجد المنتزه قرب المط ار‪ ،‬وك ان م ني أن وض حت دع وة الن بي ‪‬؛‬
‫كيف بدأ يدعو‪ ،‬وأول ما بدأ في دعوته إلى توحيد هللا عَّز وجَّل‪ ،‬وحَّذ ر من جميع ما‬
‫يعبد من دون هللا‪ ،‬فعندما وضحت العقي دة اِإل س المية؛ اعت دى علَّي مجموع ة‪ ،‬منهم‬
‫أربعة أنفار ال أعرف أسماءهم‪ ،‬وإنما يسمون من جماع ة التبلي غ‪ ،‬فمس كني أح دهم‬
‫وق ال لي‪ :‬أنت ش يطان ن اطق! أنت بض د اِإل س الم والمس لمين! أنت تري د تخ رب‬
‫جماعة التبليغ! وأخذوا فيوز المكرفون)(‪)1‬‬
‫ومن القصص التي ذكرها [القصة الثامنة]‪ ،‬وذكر فيها أن أح د كب ار العلم اء‬
‫في المدينة المنورة ألقى موعظة في مسجد التبليغِّيين في المدينة‪ ،‬وهو الذي يسمونه‬
‫مسجد الن ور‪ ،‬ف انفَّض التبليغُّي ون‪ ،‬وخرج وا من المس جد‪ ،‬ولم يس تمعوا إلى كالم ه‬
‫وموعظته‪ ..‬وذكر أيضًا أن العالم المش ار إلي ه ألقى موعظ ة في مس جد ص ياف في‬
‫الحرة الشرقية بالمدينة‪ ،‬فانفَّض التبليغُّيون ولم يستمعوا إلى كالمه وموعظته(‪.)2‬‬
‫ومن القص ص ال تي ذكره ا [القص ة العاش رة] قص ة أح د كب ار العلم اء في‬
‫المدينة المنورة‪ ،‬حينما ذهب إلى المقر الرئيسي للتبليغِّيين بدلهي في الهند‪ ،‬وأراد أن‬
‫يلقي عليهم دروسًا في بيان العقيدة الس لفية وتوحي د األلوهَّي ة والتح ذير من الش رك‬
‫والبدع‪ ،‬وليبِّين لهم وجوب الكفر بالطاغوت ووجوب األمر ب المعروف والنهي عن‬
‫المنك ر‪ ،‬ف أظهروا ل ه الجف اء ومنع وه من الكالم في مق َّرهم‪ ،‬ولم ا س ألهم عن ق بر‬
‫إمامهم محمد إلياس الذي وضع الخطة التبليغَّية ‪ -‬وكان قبره في زاوية مس جدهم ‪-‬؟‬
‫قالوا‪ :‬إنه يبعد عن دلهي بمسافة مئة كيلومتر(‪.)3‬‬
‫ه ذه نم اذج عن القص ص ال تي ذكره ا‪ ،‬وبس ببها اتهمهم ببغض الس نة‬
‫والتوحيد‪ ..‬وليس لمن يفعل ذلك من حكم سوى الكفر‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬انتماؤهم للطرق الصوفية‬
‫وهذا الوجه وحده كاف لتكفيرهم عند السلفية جميعا‪ ،‬وبدون استثناء‪ ،‬ألن هذا‬
‫االنتم اء يتض من ـ كم ا ذكرن ا في الفص ل الس ابق ـ ك ل ن واقض اإليم ان بحس ب‬
‫تصوراتهم‪.‬‬
‫يقول التويجري‪( :‬وأما باب السلوك؛ فإنهم في ه ص وفية‪ ،‬والص وفية من ش ر‬
‫أهل البدع‪ ..‬وقد تعَّلق التبلغيون بأربع ط رق من ط رق الص وفية‪ ،‬وهي‪ :‬الجش تية‪،‬‬
‫والسهروردية‪ ،‬والقادرية‪ ،‬والنقشبندية؛ ف إلى ه ذه الط رق األرب ع ي دعون األع اجم‬
‫ويبايعونهم عليها بدون تحُّفظ‪ ،‬ويدعون من انخدع بهم ومال إليهم من جهال الع رب‬

‫‪ )(1‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.49‬‬


‫‪ )(2‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪ )(3‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.47‬‬

‫‪272‬‬
‫به)(‪)1‬‬ ‫وأغبيائهم إلى مبايعة عليها إذا وثقوا‬
‫ومن األك اذيب ال تي نقله ا عنهم من دون تحقي ق وال توثي ق ه ذه الكذب ة‬
‫العظيمة‪ ،‬فقد قال‪( :‬وقد ذكر بعض العلماء عن التبليغيين نوعًا آخر من الذكر‪ ،‬وهو‬
‫أنهم يكررون كلمة (ال إله) ست مئة مرة‪ ،‬ثم يكررون كلمة (إال هللا) أربع مئة مرة‪.‬‬
‫وذكر آخر عن عدد كثير من الرجال أنهم سمعوا جماعة من التبليغ يين الهن ود وهم‬
‫في بيت في شارع المنصور بمكة يكررون كلمة (ال إله) نحوًا من ست مئة مرة‪ ،‬ثم‬
‫بعد ذلك يكررون كلمة (إال هللا) نحوًا من مئتي مرة‪ ،‬ويقولون ذلك بصوت جم اعي‬
‫مرتفع‪ ،‬يسمعه من كان في الشارع‪ ،‬وذلك بحضرة شيخ من كبار مش ايخهم الهن ود‪،‬‬
‫وقد استمر فعلهم هذا مدة طويلة‪ ،‬وك انوا يفعل ون ذل ك في الش هر م رتين‪ :‬م رة في‬
‫نصفه‪ ،‬ومرة في آخره)(‪)2‬‬
‫وقد علق على هذا بقوله‪( :‬وال ش ك أن ه ذا من االس تهزاء باهلل وب ذكره‪ ،‬وال‬
‫يخفى على من له علم وفهم أن فعلهم هذا يتضمن الكف ر س ت مئ ة م رة؛ ألن فص ل‬
‫النفي عن اإلثبات في قول (ال إله إال هللا) بزمن متراخ بين أول الكلمة وآخرها على‬
‫وجه االختيار يقتض ي نفي األلوهي ة عن هللا تع الى س ت مئ ة م رة‪ ،‬وذل ك ص ريح‬
‫الكفر‪ ،‬ولوأن ذلك وقع من أحد مرة واحدة؛ لك ان كف َر ا ص ريَح ا؛ فكي ف بمن يفع ل‬
‫ذلك ست مئة مرة في مجلس واح د؟! ثم إن إتي انهم بكلم ة اإلثب ات بع د فص لها عن‬
‫كلمة النفي بزمن متراٍخ ال يفيدهم شيئًا‪ ،‬وإنما هوالتالعب بذكر هللا واالس تهزاء ب ه‪.‬‬
‫وه ذا المنك ر الق بيح والض الل البعي د من نت ائج تقلي دهم لش يوخهم‪ ،‬ش يوخ الس وء‬
‫والجهل والضالل‪ ،‬الذين أغواهم الشيطان‪ ،‬وزين لهم ما كانوا يعملون)(‪)3‬‬
‫وهكذا‪ ،‬وبثق ة ش ديدة‪ ،‬وب دون اس تعمال أي وس ائل للتحقي ق والتح ري يحكم‬
‫عليهم هذه األحكام الشديدة‪ ..‬وهو أنهم يكفرون ليس مرة واحدة‪ ،‬وإنما ‪ 600‬مرة‪.‬‬
‫ومن الحكايات التي ذكرها في هذا‪ ،‬واستدل بها على كف ره (م ا ذك ره بعض‬
‫العلماء عن التبلغيين أيضًا أن رجالً من طلبة العلم خرج معهم من مدينة الحناكي ة‪،‬‬
‫وأميرهم أحد رؤساء جماعة التبليغ‪ ،‬وفي أثناء الليل رأى أحدهم يهتز ويق ول‪ :‬ه و‪،‬‬
‫هو‪ ،‬ه و! فأمس كه‪ ،‬ف ترك الحرك ة وس كت‪ ،‬وفي الص باح أخ بر أم يرهم بم ا فعل ه‬
‫الهندي الصوفي التبليغي‪ ،‬فأنكر األمير على طالب العلم إنكاره على التبليغي‪ ،‬وقال‬
‫له بغضب شديد‪ :‬أنت ص رت وهابًّي ا‪ ،‬وهللا؛ لوك ان لي من األم ر ش يء؛ ألح رقت‬
‫كتب ابن تيمي ة وابن القيم وابن عب د الوّه اب‪ ،‬ولم أت رك على وج ه األرض منه ا‬
‫شيًئا! ففارقهم طالب العلم حين سمع من ه ه ذا الكالم الس يئ؛ ألن ه ع رف ع داوتهم‬
‫ألئم ة العلم واله دى من أه ل التوحي د وأنص ار الس نة‪ ،‬وع رف مح اربتهم لكتبهم‬
‫المشتملة على تقرير التوحيد وال دعوة إلي ه وإلى إخالص العب ادة هلل وح ده‪ ،‬والنهي‬
‫عن الشرك والبدع والخرافات وأنواع الضالالت والمنك رات‪ ،‬والتح ذير منه ا ومن‬

‫‪ )(1‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.9‬‬


‫‪ )(2‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ )(3‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.9‬‬

‫‪273‬‬
‫أهلها)(‪)1‬‬
‫وذكر التويجري من أورادهم أيضا [دالئل الخيرات]‪ ،‬و(ال بردة) و(القص يدة‬
‫الهمزي ة)‪( ،‬وفيهم ا من الش رك والغل ِّو م ا ه و مع روف عن د أه ل العلم من أه ل‬
‫التوحيد)(‪)2‬‬
‫وذكر من كتبهم كت اب [حي اة الص حابة] لمحم د يوس ف الكان دهلوي‪( ،‬وه و‬
‫مملوء بالخرافات والقصص المكذوبة واألحاديث الموضوعة والض عيفة‪ ،‬وه و من‬
‫كتب الشر والضالل والفتنة)(‪)3‬‬
‫وهكذا لم يرحم السلفية جماعة التبليغ م ع تعظيمهم للص حابة‪ ،‬ومب الغتهم في‬
‫شأنهم‪ ،‬وهذا أكبر دليل على أن مواقف السلفية من األمة جميع ا واح دة‪ ..‬س واء من‬
‫عظم منهم الص حابة‪ ،‬أو من لم يعظمهم‪ ..‬ألن قاع دتهم هي (من لم يكن معن ا فه و‬
‫ضدنا)‬
‫الوجه الرابع‪ :‬تشبههم بالشيعة‪.‬‬
‫لم يكتف التويجري بتلك الحملة الش ديدة على جماع ة التبلي غ بس بب مواقفه ا‬
‫العقدي ة‪ ،‬أو خالفاته ا م ع الس لفية‪ ،‬ب ل راح يس تعمل س الح التنف ير عنهم ب ربطهم‬
‫الشيعة‪ ،‬ألنه يعلم العداوة الشديدة التي يكنها السلفية للشيعة‪ ..‬والتي نقلوها إلى س ائر‬
‫األمة‪.‬‬
‫وقد لخص التويجري ما ذكره سيف الرحمن بن أحم د في كتاب ه من مش ابهة‬
‫التبليغيين للشيعة‪ ،‬وحكم عليهم على أساساس هم بك ونهم منهم‪ ،‬كم ا ق ال‪( :‬من تش به‬
‫بقوم؛ فهو منهم)(‪)4‬‬
‫فمن تلك الوجوه (أن لهم الشبه بالشيعة في إخفاء السم في الدسم‪ ..‬ولهم الش به‬
‫بالش يعة في إخف اء م ا في كتبهم‪ ..‬ولهم ش به بالش يعة في إخف اء كث ير من عقائ دهم‬
‫المبعدة في الغلو وفي التطُّر فات والخرافات النائية‪ ..‬ولهم شبه بالشيعة بالتقي ة باس م‬
‫الحكم ة واالحتي اط‪ ،‬حيث إنهم يظه رون ش يئًا ويخف ون ش يئًا‪ ،‬ويحرف ون الكلم عن‬
‫مواض عه‪ ،‬ويقول ون ش يئًا ويفعل ون ش يئًا‪ ،‬وين ادون بال دعوة إلى اإلجماعي ات‪،‬‬
‫ويتحمس ون لكث ير من الخالفي ات‪ ..‬ولهم ش به بالش يعة في البغض ونص ب الع داء‬
‫ألهل الحق وعقيدة السلف‪ ..‬ولهم ش به بالش يعة في كث ير من الت أويالت النائي ة عن‬
‫طريق السلف الصالح‪ ..‬ولهم شبه بالشيعة في ق ربهم للحكاي ات والخراف ات وتعظيم‬
‫النسبة إلى أك ابرهم وإلى مش ايخهم‪ ..‬ولهم ش به بالش يعة في بع دهم عن النص وص‬
‫وعن الظلم بالنص وص ‪-‬نص وص الكت اب والس نة‪-‬؛ فال ذاكر الش يعي على العم وم‬
‫جاهل‪ ،‬وهذا التبليغي كذلك على العموم جاهل‪ ..‬ولهم شبه بالشيعة في تحدي د علمهم‬
‫وعلم طائفتهم في كتبهم المعروفة عن دهم دون غيره ا من الكتب ودون غ يرهم من‬

‫‪ )(1‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.10‬‬


‫‪ )(2‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ )(3‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ )(4‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.18‬‬

‫‪274‬‬
‫علم اء المس لمين‪ ..‬ولهم ش به بالش يعة بمن ع اتب اعهم عن البحث وطلب الح ق عن د‬
‫غيرهم‪ ..‬ولهم ش به بالش يعة؛ بجع ل معظم ال دين محص ورًا في المن اقب والمث الب‬
‫وتعظيم األكابر‪ ..‬ولهم شبه بالشيعة في المقدرة على المغالط ات والمبالغ ات‪ ..‬ولهم‬
‫شبه بالشيعة في المقدرة على النفاق وإظهار التوحي د وإخف اء اإلش راك‪ ،‬ب ل الن داء‬
‫بالتوحيد وترويج اإلشراك)(‪)1‬‬
‫وقد علق التويجري على هذا وغيره بقول ه‪( :‬ولق د ص دق من ق ال‪ :‬إن يه ود‬
‫هذه األمة هم الشيعة‪ ،‬وإن يهود أهل السنة هم المقلدون الجام دون‪ ،‬وخاص ة أمث ال‬
‫هؤالء التبليغيين الذين يناصرون الجهل ة التقلي د الجام د وعب ادة الك براء وتعظيمهم‬
‫والخض وع لهم‪ ،‬ويروج ون البدع ة في المس لمين‪ ،‬ويوجب ون على المس لمين م الم‬
‫يوجبه هللا‪ ،‬ويشرعون لهم ما لم يشرعه هللا ورسوله‪ ،‬وقد ق ال رس ول هللا ‪( :‬من‬
‫وَّقر صاحب بدعة؛ فقد أعان على هدم اإلسالم)(‪)2‬‬
‫ثانيا ـ الحركات السياسية‬
‫مثلما وقف السلفيون في وجه كل الحركات والجماعات ال تي تم ارس العم ل‬
‫الدعوي بعيدا عن السياسة ما دامت ال تنتهج نهجها‪ ،‬وال تسلك س بيلها‪ ،‬فإنه ا ك ذلك‬
‫وقفت في وجه كل الحركات التي تنتهج العمل السياسي كوسيلة من وس ائل ال دعوة‬
‫والتغيير‪ ،‬مثلما تنتهج غيره من الوسائل‪.‬‬
‫وبما أن جماعة اإلخوان المسلمين هي أكبر وأقدم جماعة تنتهج ه ذا المنهج‪،‬‬
‫فقد توجهت الحرب السلفية إليها مبكرا‪..‬‬
‫فقد قال الشيخ أحمد ش اكر (‪ 1892‬م ‪ 1958 -‬م) في كتاب ه [ش ؤون التعليم‬
‫والقضاء]‪( :‬حركة الشيخ حسن البنا وإخوانه المسلمين الذين قلبوا الدعوة االسالمية‬
‫إلى دعوة إجرامية هدامة ينفق عليها الشيوعيون واليهود كم ا نعلم ذل ك علم اليقين)‬
‫(‪)3‬‬
‫وقال الشيخ عبد العزيز بن باز‪( :‬حركة اإلخ وان المس لمين ينتق دها خ واص‬
‫أهل العلم؛ ألنه ليس عندهم نشاط في الدعوة إلى توحي د هللا وإنك ار الش رك وإنك ار‬
‫البدع‪ ،‬لهم أساليب خاصة ينقصها عدم النشاط في الدعوة إلى هللا‪ ،‬وعدم التوجه إلى‬
‫العقيدة الصحيحة التي عليه ا أه ل الُس نة والجماع ة‪ .‬فينبغي لإلخ وان المس لمين أن‬
‫تكون عندهم عناية بالدعوة الَس لفية‪ ،‬ال دعوة إلى توحي د هللا‪،‬وإنك ار عب ادة القب ور‪،‬‬
‫والتعلق باألموات واالستغاثة بأهل القبور كالحسين أوالحسن أو البدوي‪ ،‬أو ما أشبه‬
‫ذلك‪ ،‬يجب أن يكون عندهم عناية به ذا األص ل األص يل‪،‬بمع نى الإل ه إال هللا‪ ،‬ال تي‬
‫هي أصل ال دين‪ ،‬وأول م ا دع ا إلي ه الن بي ‪ -  -‬في مك ة دع ا إلى توحي د هللا‪،‬إلى‬
‫معنى ال إله إال هللا‪ ،‬فكثير من أهل العلم ينتقدون على اإلخوان المسلمين هذا األم ر‪،‬‬
‫أي‪ :‬عدم النشاط في الدعوة إلى توحيد هللا‪،‬واإلخالص له‪ ،‬وإنكار ما أحدث ه الجه ال‬
‫‪ )(1‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ )(2‬القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ )(3‬شؤون التعليم والقضاء ص‪.48‬‬

‫‪275‬‬
‫من التعل ق ب األموات واالس تغاثة بهم‪ ،‬والن ذرلهم وال ذبح لهم‪ ،‬ال ذي ه و الش رك‬
‫األكبر‪ ،‬وكذلك ينتقدون عليهم ع دم العناي ة بالُس نة‪ :‬تتب ع الُس نة‪ ،‬والعناي ة بالح ديث‬
‫الشريف‪ ،‬وماكان عليه سلف األمة في أحكامهم الشرعية‪ ،‬وهناك أشياء كثيرة أسمع‬
‫الكثير من اإلخوان ينتقدونهم فيها‪ ،‬ونسأل هللا أن يوفقهم ويعينهم ويص لح أح والهم)‬
‫(‪)1‬‬
‫وسئل الشيخ مقبل بن هادي الوادعي‪( :‬هل اإلخوان المسلمون ي دخلون تحت‬
‫مسمى الفرقة الناجية‪ ،‬والطائفة المنصورة‪ ،‬أهل السنة والجماع ة منهًج ا وأف راًدا أم‬
‫ال؟)‪ ،‬فأجاب‪( :‬أما المنهج فمنهج مبتدع من تأسيسه ومن أول أمره‪ ،‬فالمؤس س ك ان‬
‫يطوف بالقبور وهو حسن البنا‪ ،‬وي دعو إلى التق ريب بين الس نة والش يعة‪ ،‬ويحتف ل‬
‫بالموال د‪ ،‬ف المنهج من أول أم ره منهج مبت دع ض ال‪ ،‬أم ا األف راد فال نس تطيع أن‬
‫نجري عليهم حكمًا عامًا‪ ،‬فمن كان يعرف أفكار حسن البنا المبتدع ثم يمش ي بع دها‬
‫فهو ضال‪ ،‬ومن كان ال يعرف هذا ودخل معهم باسم أنه ينصر اإلس الم والمس لمين‬
‫وال يعرف حقيقة أمرهم فلسنا نحكم عليه بشيء‪ ،‬لكننا نعت بره مخطئ ًا‪ ،‬ويجب علي ه‬
‫أن يعيد النظر حتى ال يضيع عمره بعد األناشيد والتمثيليات‪ ،‬وانتهاز الفرص لجمع‬
‫األموال)(‪)2‬‬
‫وق ال‪( :‬اإلخ وان المس لمون ش يعة في مس ألة اإلمام ة‪ ،‬ومعتزل ة في مس ألة‬
‫الرأي‪ ،‬وخوارج في معاملة الحكام)(‪.)3‬‬
‫وقال‪( :‬بعض الذين اتخذوا منهج ًا على الجه ل واله وى يقحم ون أنفس هم في‬
‫التصويتات واإلنتخابات واللفلفة يجمع ال يفرق بين الصوفي والسني والشيعي المهم‬
‫أن تك ون معن ا ح تى ل و ك انت الكالب والحم ير ت دلي بأص واتها ل دعوها ت دلي‬
‫بأصواتها معهم)(‪)4‬‬
‫وس ئل الش يخ ص الح الف وزان‪( :‬م ا حكم وج ود مث ل ه ذه الف رق‪ :‬التبلي غ‪،‬‬
‫واإلخوان المسلمين‪،‬وحزب التحرير‪ ،‬وغيرها في بالد المسلمين عام ة؟)‪ ،‬فأج اب‪:‬‬
‫(هذه الجماعات الوافدة يجب أّال نتقبلها ألنها تري د أن تنح رف بن ا وتفرقن ا وتجع ل‬
‫هذا تبليغيًا وهذا إخوانيًا وه ذا ك ذا‪ِ،...‬لَم ه ذا التف رق ! ه ذا كف ٌر بنعم ة هللا س بحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬ونحن على جماعٍة واح دة وعلى بين ٍة من أمرن ا‪ ،‬لم اذا نس تبدل ال ذي ه و‬
‫أدنى بالذي هو خير ! لماذا نتنازل عما أكرمنا هللا سبحانه وتعالى ب ه من االجتم اع‬
‫واأللفة والطري ق الص حيح‪ ،‬وننتمي إلى جماع ات تفرقن ا وتش تت ش ملنا‪ ،‬وت زرع‬
‫العداوة بيننا ! هذا ال يجوز أبدًا)(‪)5‬‬
‫ويقول الشيخ ربيع المدخلي‪ ..( :‬معل وم أّن من منهج اإلخ وان ح رب العقي دة‬
‫السلفية‪ ،‬فهذا السلفي الذي يقول أنا سلفي‪،‬إذا قال أنا سلفي العقيدة إخ واني المنهج أو‬
‫‪ )(1‬مجلة (المجلة) عدد ‪..806‬‬
‫‪ )(2‬تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب‪ ،‬السؤال‪.77‬‬
‫‪ )(3‬كتاب البشائر في السماع المباشر‪.‬‬
‫‪ )(4‬أسئلة الطائف من األجوبة السديدة في فتاوى العقيدة ص‪.31 - 30‬‬
‫‪ )(5‬األجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة‪ ،‬من إجابات الشيخ صالح الفوزان‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫تبليغي المنهج فهو ينادي على نفسه بأّن ه يح ارب المنهج الس لفي والعقي دة الس لفية‪،‬‬
‫فهي من الحيل الحزبية والسياسية التي أشاعها التبليغ واإلخوان وفّرقوا بين العقي دة‬
‫والمنهج للتالعب بعقول السلفيين خاّصة)(‪)1‬‬
‫بن اء على ه ذا س أذكر هن ا نم وذجين من الكتب المؤلف ة في تكف يرهم‪ ..‬وهي‬
‫قليل من كثير تمتلئ به المكتبات والمواقع‪.‬‬
‫النمــوذج األول‪ :‬كتــاب [إثبــات فســاد منهج ودعــوة حســن البنــا وجماعــة‬
‫اإلخوان وأنها ليست على منهج السلف الصالح]‬
‫وهو كتاب ضخم ينتشر بك ثرة على مواق ع ال ويب‪ ،‬ويتم يز بجمع ه لك ل م ا‬
‫يذكره السلفيون من انتق ادات لإلخ وان المس لمين‪ ،‬وهي ال تحم ل إال على التكف ير‪،‬‬
‫وعبارات الكاتب فيها واضحة جدا‪ ،‬ولكنه ـ بغية الفرار من وص م التكف ير ـ يتكل ف‬
‫لذلك بمثلما يتكلف به أصحاب المنهج التكفيري الخفي‪ ،‬وأن ه ال يكف رهم‪ ..‬وه و في‬
‫ذلك يمارس المنطق السلفي الذي يخالف جميع منطق الدنيا‪ ،‬حين يقول‪ :‬ك ل إنس ان‬
‫فان‪ ،‬وسقراط إنسان‪ ..‬ولك ني ال أق ول‪ :‬إن ه ف ان‪ ..‬وهك ذا نج د الك اتب ـ ككث ير من‬
‫السلفية ـ يقولون‪ :‬الصوفية والقبورية مشركون‪ ،‬واإلخوان صوفية وقبورية‪ ..‬ولكن ا‬
‫ال نقول إنهم كفار أو مشركون‪.‬‬
‫وللداللة على ه ذا أنق ل هن ا فه رس الكت اب ال ذي من خالل ه يمكن اكتش اف‬
‫تكفير الكاتب لإلخوان بكل سهولة‪ ،‬حتى ل و زعم ـ من ب اب الحيل ة والتقي ة ـ أن ه ال‬
‫يكفرهم‪ ..‬ألن تطبيق ما ذكره من صفاتهم ال ينطبق عليه إال التكفير‪ ..‬ب ل تكف ير من‬
‫لم يكفر‪.‬‬
‫والكتاب يتكون من خمسة عشر بابا‪ ،‬وفي ك ل ب اب الفص ول الكث يرة‪ ،‬وهي‬
‫كلها عناوين جاهزة ألحكام خطيرة‪ ،‬ليس لها عند الس لفية إال حكم واح د ه و الكف ر‬
‫الجلي‪.‬‬
‫الباب األول‪ :‬حقيقة جماع ة اإلخ وان والبدع ة المنك رة الجدي دة ال تي أح دثها‬
‫حسن البنا‪ ،‬وهل جماعة اإلخوان من الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة؟‬
‫الفصل األول‪ :‬الفرقة الناجية هي أه ل الس نة والجماع ة ال ذين هم على منهج‬
‫السلف الصالح الصحابة رضوان هللا عليهم‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬حسن البنا ينفي انتم اء جماع ة اإلخ وان للفرق ة الناجي ة أه ل‬
‫السنة والجماعة ويسمح ويدعو لضم جمي ع الف رق الض الة لجماعت ه لتحقي ق ه دف‬
‫الجماعة األعلى واألسمى‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬حسن البنا يأتي ببدع ة منك رة جدي دة لم يس بقه أح د إليه ا من‬
‫قبل‪ :‬حسن البنا يطبق القاعدة الفاسدة في منهج جماعة اإلخوان (يعذر بعضنا بعضًا‬
‫فيما اختلفنا فيه) مع الفرق الضالة المسلمة المبتدعة‪ :‬حس ن البن ا وجماع ة اإلخ وان‬
‫الض الة يطبق ون القاع دة الض الة األخ رى (ال يض ر م ع اإليم ان بدع ة) كنتيج ة‬
‫لتطبيقهم القاعدة السابقة المنحرفة‬
‫‪ )(1‬أجوبة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي السلفية على أسئلة أبي رواحة المنهجية ص‪.42:‬‬

‫‪277‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬حيلة خبيثة ماكرة تخدع بها وتحتال بها جماعة اإلخ وان على‬
‫المسلمين لمساواة الفرق الضالة المبتدعة بأهل السنة السلفيين‪:‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬فتوى مهم ة لإلم ام العالم ة ص الح الف وزان ح ول البدع ة‬
‫الجديدة المنكرة لحسن البنا‪:‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬ظروف إنش اء حس ن البن ا لجماع ة اإلخ وان وعالق ة ذل ك‬
‫بصوفية حسن البنا‪:‬‬
‫الفصــل الســابع‪ :‬ليس مع نى أن جماع ة اإلخ وان تس مح بض م جمي ع الف رق‬
‫الضالة أن جماعة اإلخوان ليس لها مذهب رسمي؛ فمذهب الجماع ة الرس مي ه و‬
‫أنها (جماعة صوفية أشعرية)‪:‬‬
‫الفصل الثامن‪ :‬السبب الحقيقي واله دف الحقيقي إلنش اء حس ن البن ا لجماع ة‬
‫اإلخوان الضالة‪:‬‬
‫الفصـــل التاســـع‪ :‬ه ل من الممكن أن يك ون هن اك س لفي ينتمي لجماع ة‬
‫اإلخوان؟!‪:‬‬
‫الفصل العاشر‪ :‬الفرق بين ك ون المس لم س لفي س ني وك ون المس لم إخ واني‬
‫ينتسب إلى جماعة اإلخوان !!‬
‫الفصل الحادي عشر‪ :‬الكذب والخداع والتقية والتالعب باأللف اظ والمراوغ ة‬
‫من أصول جماعة اإلخوان لتحقيق هدفها األعلى واألسمى في النهاية‪:‬‬
‫الفصل الثاني عشر‪ :‬أسلوب جماعة اإلخوان في الطعن في العلم اء الس لفيين‬
‫ومحاولة إسقاطهم عند العوام‪:‬‬
‫الفصل الثالث عشر‪ :‬المرحلية في الدعوة‪:‬‬
‫الفصل الرابع عشر‪ :‬استغالل جماعة اإلخوان لجراحات المسلمين في الع الم‬
‫لكي تنشر نفوذها ولتزيد من أتباعها وأموالها‪:‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬حسن البنا صوفي وجماعة اإلخوان جماعة صوفية‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬صوفية حسن البنا وموقفه وموقف جماعة اإلخوان من توحي د‬
‫األلوهية ومن بدع الصوفية‪ :‬حسن البنا صوفي يتفاخر بأنه يطوف ويت برك ب القبور‬
‫وي ؤدي الحض رة وي داوم االحتف ال بالمول د النب وي المبت دع ويب ايع على الطريق ة‬
‫الص وفية الحص افية الش اذلية ويؤس س الجمعي ة الحص افية ال تي تح ولت لجماع ة‬
‫اإلخوان‪:‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نصرة حس ن البن ا ودعوت ه لم ذهب الفرق ة الص وفية الض الة‬
‫(البدعة الحسنة في الدين) وتسويغ حسن البنا للبدع اإلضافية والتَّـركية وفتحه باب‬
‫ب دع الص وفية على مص راعيه‪ :‬ال رد على حس ن البن ا في قول ه (الب دع اإلض افية‬
‫الَتـركية محل خالف بين العلماء)‪:‬‬
‫الفصــل الثــالث‪:‬حس ن البن ا يض ع م ذهب الفرق ة الص وفية الض الة (البدع ة‬
‫الحسنة في الدين) في نص بيعة أفراد جماعة اإلخوان !!‬
‫الفصل الرابــع‪ :‬وقوع حس ن البن ا وجماع ة اإلخ وان (ح تى اآلن) في الب دع‬

‫‪278‬‬
‫الصوفية‪:‬‬
‫‪ )1‬إعراض جماعة اإلخ وان عن العقي دة الص حيحة عقي دة الس لف الص الح‬
‫وتوحيد هللا تعالى بل تحذير جماعة اإلخوان ممن ينشر التوحيد والعقي دة الص حيحة‬
‫وينهى عن الشركيات بدعوى أنه يفرق األمة ويفرق وحدة المسلمين‪:‬‬
‫‪ )2‬انعكاس حب الصوفية وعدم إنكار شركياتها على حسن البنا نفسه (حس ن‬
‫البنا يخطب بجوار الض ريح المنس وب للس يدة زينب ثم ال يق ول حرف ًا في اإلنك ار‬
‫على الشرك باهلل من حوله)‬
‫‪ )3‬حسن البنا يهون من التوس ل ب األموات وال ذوات في ال دعاء ويجعل ه من‬
‫باب الخالف السائغ‪:‬‬
‫‪ )4‬تبني جماع ة اإلخ وان الم ذهب الص وفي المنح رف (البدع ة الحس نة في‬
‫الدين) وحسن البنا يضعه في أركان بيعة جماعة اإلخوان الضالة‬
‫‪ )5‬حسن البنا يداوم على أن يحتفل بالمولد النبوي وينشد بيتًا شركيًا كفريًا‬
‫‪ )6‬حسن البنا ُينشد بأنشودة صوفية تتضمن عقيدة الوج ود الكفري ة مم ا ي دل‬
‫على جهله المطبق بالعقيدة‪.‬‬
‫‪ )7‬حس ن البن ا يبت دع أورادًا وأذك ارًا مبتدع ة لجماعت ه الص وفية جماع ة‬
‫اإلخوان‬
‫‪ )8‬حسن البنا وبدعة الذكر الجماعي‬
‫‪ )9‬استخدام األناشيد الصوفية والتمثيليات بكثرة وكوسيلة دعوية مع استخدام‬
‫الموسيقى‪:‬‬
‫‪ )10‬حسن البنا وبدعة االحتفال بليلة اإلسراء والمعراج‪:‬‬
‫‪ )11‬ثن اء حس ن البن ا على محم د عثم ان الميرغ ني ‪ -‬الص وفي القب وري‬
‫السوداني المنادي بعقيدة وحدة الوجود الكفرية –‬
‫‪ )12‬غل و جماع ة اإلخ وان الص وفية في مؤسس ها وفي زعمائه ا والطاع ة‬
‫المطلقة لهم مشابهة للفرقة الصوفية الضالة وللطرق الصوفية الضالة‬
‫الفصــل الخــامس‪ :‬حس ن البن ا يس تمر على طريقت ه الص وفية المبتدع ة‬
‫وأوراده ا المبتدع ة المنتس بة أله ل الض الل الص وفية ح تى آخ ر نفس من حيات ه‬
‫والعياذ باهلل تعالى‪:‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬حسن البنا ينسب الصوفية لنفسه ولجماعته بنفسه‪:‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬شبهات حول صوفية حسن البنا والرد عليها‪:‬‬
‫الرد على الشبهة األولى حول صوفية حسن البنا‪:‬‬
‫الرد على الشبهة الثانية حول صوفية حسن البنا‪:‬‬
‫الفصــل الثــامن‪ :‬ظ روف إنش اء حس ن البن ا لجماع ة اإلخ وان وعالق ة ذل ك‬
‫بصوفية حسن البنا‪:‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬انعكاس حب الص وفية وع دم إنك ار ش ركياتها والته اون في‬

‫‪279‬‬
‫توحيد األلوهية على خلفاء حسن البنا وعلى جماعة اإلخوان " فخ يرهم س اكت عن‬
‫الشرك ومقر له وإن كان الساكت عن الشرك ال خير فيه "‪:‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬حسن البنا أشعري وجماعة اإلخوان جماعة أشعرية‪:‬‬
‫تمهيد عن الفرقة الضالة األشعرية‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مذهب حس ن البن ا في تف ويض ص فات هللا تع الى وموقف ه من‬
‫توحيد األسماء والصفات‪:‬‬
‫الرد على حس ن البن ا الص وفي األش عري في كذب ه على الص حابة والس لف‬
‫وادعائه أنهم على مذهب األشاعرة المفوضة في صفات هللا تعالى‪:‬‬
‫كتاب رسالة العقائد لحسن البنا دعوة إلى المذهب األشعري‪:‬‬
‫الفصل الثــاني‪ :‬الرد على حس ن البن ا في س به وش تمه لم ذهب الص حابة في‬
‫توحيد الص فات وفي س به أله ل الس نة المؤم نين بتوحي د الص فات وفي كذب ه على‬
‫الصحابة بأنهم أشاعرة مفوضة وفي استخفافه بتوحيد الصفات‪:‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬حسن البنا يضع (عقيدة التفويض األشعرية الفاسدة في ص فات‬
‫هللا تعالى) في نص بيعة أفراد جماعة اإلخوان !!!‬
‫الفصل الرابع‪ :‬نماذج من الثمرات الخبيثة لعقيدة حسن البنا على قادة جماع ة‬
‫اإلخوان من بعده‪ :‬القرضاوي األشعري يدافع وينافح عن العقيدة األش عرية الض الة‬
‫ويستهين ويستخف بعقيدة الصحابة العقيدة السلفية الصحيحة‪:‬‬
‫الفصــل الخــامس‪ :‬ال رد على جماع ة اإلخ وان وحس ن البن ا ح ول العقي دة‬
‫األشعرية‪:‬‬
‫البــاب الرابــع‪ :‬جماع ة اإلخ وان هي عميل ة للرافض ة الش يعة وهي ط ابور‬
‫خامس للرافضة في بالد المس لمين وجماع ة اإلخ وان تعتق د ب أن الم ذهب الش يعي‬
‫الرافضي هو مذهب شرعي إسالمي كالمذاهب األربعة !!!‬
‫الفصل األول‪ :‬جماعة اإلخوان ابنتها حماس هم ا عمالء للرافض ة والط ابور‬
‫الخامس لهم في بالد اإلسالم وجماعة اإلخوان تعتقد أن المذهب الش يعي الرافض ي‬
‫هو مذهب شرعي كالمذاهب األربعة‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الرد على جماع ة اإلخ وان في اتهامه ا أه ل الس نة الس لفيين‬
‫بتكفير الشيعة الرافضة الذي يقولون (ال إله إال هللا)‪:‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬الرد على دعوى جماعة اإلخوان الضالة بالتقريب مع الشيعة‬
‫الرافضة وزعم جماعة اإلخوان الضالة بوجود شيعة معتدلين‪:‬‬
‫الباب الخــامس‪ :‬القاع دة الفاس دة في منهج جماع ة اإلخ وان " يع ذر بعض نا‬
‫بعضًا فيما اختلفنا فيه "‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬جماعة اإلخوان تطبق القاعدة الفاسدة في التوحيد وفي أص ول‬
‫الدين ومع الفرق الضالة المسلمة المبتدع ة وح تى م ع غ ير المس لمين‪ :‬حس ن البن ا‬
‫وجماعة اإلخوان الضالة يطبق ون القاع دة الض الة األخ رى [ال يض ر م ع اإليم ان‬
‫بدعة] كنتيجة لتطبيقهم القاعدة السابقة المنحرفة‬

‫‪280‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬حيلة خبيثة ماكرة تخدع بها وتحتال بها جماعة اإلخ وان على‬
‫المسلمين لمساواة الفرق الضالة المبتدعة بأهل السنة السلفيين‪:‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬جماعة اإلخوان تطبق القاعدة الفاس دة [يع ذر بعض نا بعض ًا‬
‫فيما اختلفنا فيه] في (فروع الدين) أيضًا بعد أن طبقتها في أصول الدين والتوحيد‪:‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الهدف من تطبيق القاع دة الفاس دة في منهج جماع ة اإلخ وان‬
‫في أصول الدين وفروعه‪:‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬جماعة اإلخوان الضالة هم من غث اء الس يل ال ذين تنب أ بهم‬
‫النبي ‪:‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬نماذج من إفساد حسن البنا وجماعة اإلخوان في األرض‪:‬‬
‫أوًال ـ حسن البنا ينشئ فرق ة مس رح جماع ة اإلخ وان ويض م إليه ا النس وة‬
‫الممثالت ويضم إليها الرجال النصارى‪ ،‬والفرقة تبدأ باكورة أعمالها بتمثيل القص ة‬
‫الغرامية (جميل بثينة)‪ ،‬وحسن البن ا ي دفع الم ال للممثالت المس لمات الفاس قات في‬
‫الفرق ة المس رحية لجماع ة اإلخ وان لكي يقلن كالم الغ رام للممثلين النص ارى‬
‫وغيرهم في المسرحيات الغرامية‪.‬‬
‫ثانيًا ـ حسن البنا يفتي ويقول‪ :‬احلقوا لحاكم وال تطلقوها إال بإذن خاص م ني‬
‫واللحية غير واجبة‪.‬‬
‫ثالثًا ـ حسن البنا يدعو زواره وضيوفه إلى حفالت األوبرا الموسيقية‪.‬‬
‫رابعًا ـ حسن البنا ينشئ الفرقة الموسيقية لجماعة اإلخوان‪.‬‬
‫خامسًا ـ حسن البنا ينشر الص ور الفوتوغرافي ة للنس اء المس لمات عض وات‬
‫جماع ة اإلخ وان في الص فحة األولى في الجري دة الرس مية لجماع ة اإلخ وان‬
‫المفسدين‪:‬‬
‫سادسًا ـ حسن البنا ينشر الرسوم الكاريكاتوري ة في جري دة جماع ة اإلخ وان‬
‫ويشجع الرسوم الكاريكاتورية‪:‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬نموذج من ثم رة تربي ة حس ن البن ا؛ المرش د الع ام لإلخ وان‬
‫المسلمين (أم ير المؤم نين) ص وفي قب وري ي رقص الديس كو ! ويش رب ال دخان !‬
‫ويشاهد األفالم ! ويستمع ألم كلثوم‪ ..‬المرشد الع ام ي ترك ص الة الجمع ة لمش اهدة‬
‫السينما‪ ..‬المرشد العام يشرب الدخان‪:‬‬
‫الفصل الثامن‪ :‬منهج يوسف القرضاوي مفتي جماع ة اإلخ وان وض الله في‬
‫الفت اوى‪ :‬حقيق ة منهج القرض اوي وأث ره في فتاوي ه المض لة‪ :‬نم اذج وأمثل ة من‬
‫الفتاوى المضلة للقرضاوي‪:‬‬
‫الباب السادس‪ :‬موقف حسن البنا وجماعة اإلخوان من اليهود والنصارى‪:‬‬
‫الفصــل األول‪ :‬ه دم حس ن البن ا لمفه وم عقي دة ال والء وال براء م ع اليه ود‬
‫والنصارى‪ :‬حسن البنا يق ول ب أن الكن ائس هي بي وت هللا !!! وفي كالم ه تص حيح‬
‫أديان النصرانية واليهودية والدعوة لوحدة األديان‪:‬‬
‫جماع ة اإلخ وان وحس ن البن ا يض مون النص ارى كأعض اء وكمستش ارين‬

‫‪281‬‬
‫وكقادة في جماعة اإلخوان وكوكالء في االنتخابات‪:‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نماذج من انحرافات خلفاء حسن البنا في جماعة اإلخوان م ع‬
‫اليهود والنصارى وهدمهم لمفهوم الوالء والبراء‪:‬‬
‫الباب السابع‪ :‬الموقف الحقيقي لجماعة اإلخوان من الديمقراطية والعلمانية‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬جماعة اإلخ وان الض الة ت َّد عي وت زعم مواجه ة العلماني ة ثم‬
‫تدعو للعلمانية وتطبق العلمانية ق وًال وفعًال وتتح الف م ع العلم انيين وتتح الف م ع‬
‫األحزاب العلمانية للوصول للحكم !!!!‬
‫البــاب الثــامن‪ :‬اله دف األعلى واألس مى لجماع ة اإلخ وان وعالق ة ذل ك‬
‫بالقاعدة الفاسدة في منهجهم‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬حقيقة الهدف األعلى واألسمى لجماعة اإلخوان‪:‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬من وسائل جماعة اإلخوان لتحقيق هدفها األسمى واألعلى‪:‬‬
‫أوًال استخدام القاعدة الفاسدة في منهج جماعة اإلخوان لتحقيق الهدف األعلى‬
‫واألسمى للجماعة‪:‬‬
‫ثاني ًا اس تخدام واتب اع الطريق ة المباش رة والطريق ة غ ير المباش رة إلس قاط‬
‫الحكومات في البالد اإلسالمية وللوصول إلى الحكم في تلك البالد اإلسالمية‪:‬‬
‫ثالثًا المرحلية في الدعوة‪:‬‬
‫رابعًا إقامة التنظيم العالمي لجماعة اإلخوان والتنظيمات المحلية‪:‬‬
‫خامسًا‪ :‬البيعة في تنظيم جماعة اإلخوان‪:‬‬
‫الفصــل الثــالث‪ :‬حس ن البن ا يب دي إعجاب ه الش ديد بمحاول ة ولي الص وفية‬
‫القبورية (أحمد البدوي) االنقالب على حاكم مص ر المس لم وإقام ة خالف ة ص وفية‬
‫قبورية بمصر‪:‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬حسن البن ا يح اول عم ل انقالب في الحكم ض د ح اكم مص ر‬
‫حينئذ فاروق‪ ،‬ولما بدأ ف اروق يواج ه حس ن البن ا وجماعت ه إذا بحس ن البن ا يك ذب‬
‫وينفي محاولت ه عم ل انقالب ويعلن رض اءه باألنظم ة العلماني ة الس ائدة في‬
‫البالد !!!‪:‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬نماذج من الدول التي حكمتها جماعة اإلخوان‪:‬‬
‫البــاب التاســع‪ :‬الف رق بين منهج اإلص الح عن د أه ل الس نة الس لفيين وبين‬
‫جماعة اإلخوان الضالة‪:‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬اختالف تفسير أهل السنة السلفيين لكلمة التوحيد وللتوحيد عن‬
‫جماعة اإلخوان الضالة‪:‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اختالف منهج أهل السنة السلفيين م ع منهج جماع ة اإلخ وان‬
‫الضالة‪:‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬اختالف وسائل أهل السنة والجماعة عن جماعة اإلخ وان في‬
‫اإلصالح‪:‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الرد على شبهة لجماعة اإلخوان الضالة‪:‬‬

‫‪282‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬مقارنة بين شيخ اإلسالم محمد بن عبد الوهاب وبين حس ن‬
‫البنا مؤسس جماعة اإلخوان‪:‬‬
‫البـــاب العاشـــر‪ :‬الموق ف الحقيقي لجماع ة اإلخ وان من ال دعوة الس لفية‬
‫والسلفيين والدولة السعودية السلفية‪:‬‬
‫الفصــل األول‪ :‬موق ف جماع ة اإلخ وان من ال دعوة الس لفية والس لفيين أه ل‬
‫السنة‪:‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬موقف جماعة اإلخوان من المملكة السعودية السلفية‪:‬‬
‫البــاب الحــادي عشــر‪ :‬جماع ة اإلخ وان هي كالس رطان وكالط اعون ال ذي‬
‫يصيب المسلمين واألمة اإلسالمية‪:‬‬
‫الباب الثاني عشر‪ :‬انحرافات أخرى في منهج حسن البنا وجماعة اإلخوان‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تحويل حسن البنا االنتماء من االنتم اء لإلس الم وأله ل الس نة‬
‫والجماعة إلى التعصب له ولجماعته‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اغـتـرار حسن البنا بالكثرة وبعده عن منهج السلف‪:‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬حسن البنا الحاكم بأمره‪:‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬شيخ اإلسالم ابن تيمية يرد على المبتدع حسن البنا‪:‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬ملخص بعض الجرائم التي اقترفها سيد قطب‬
‫البيان في تكفير وسب سيد قطب للصحابة رضوان هللا عليهم‬
‫بعض األدلة على أن تكفير سيد قطب وسبه للصحابة هو عن تعمد وإص رار‬
‫وقصد‪:‬‬
‫أوًال‪ :‬نص يحة وإنك ار الش يخ محم ود ش اكر على س يد قطب س به وتكف يره‬
‫للصحابة ورد سيد قطب برفض النصيحة وبسب وشتم الشيخ محمود شاكر‪:‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تصريح سيد قطب بأنه يسعى إلعادة كتابة التاريخ اإلس المي من خالل‬
‫لجنة هو عضو فيها !!!‬
‫َت‬
‫علي أكبر خ امنئي المرش د األعلى في إي ران ُي رجم بنفس ه كتب س يد قطب‬
‫للفارسية وُيثني عليه وينصح بقراءة كتبه وُيصدر طابعًا بريديًا إحياء لذكراه‪:‬‬
‫الباب الثالث عشر‪ :‬بي ان وإيج از لبعض الب دع الك برى ال تي تبنته ا جماع ة‬
‫اإلخوان وخرجت بمقتضاها عن الطائفة المنصورة الناجية أهل السنة والجماعة‪:‬‬
‫الباب الرابع عشر‪ :‬نــصـيــحة للـقــارئين وللمنتمين لجماعة اإلخوان‪:‬‬
‫الباب الخامس عشر‪ :‬تحذير كبار العلماء من جماعة اإلخوان ومن مؤسس ها‬
‫حسن البنا‪.‬‬
‫هذا هو فهرس الكتاب‪ ،‬وهو وحده كاف للداللة على تكفير ص احبه لإلخ وان‬
‫المس لمين‪ ،‬ألن س لفه ال ذين يعت بره مرجع ه في ك ل قض ية يطرحه ا ال يقول ون إال‬
‫بذلك‪ ..‬بل إنهم يخيرونه بين القول بتكف يرهم‪ ،‬وبين أن يكف ر ه و نفس ه‪ ..‬ويكفي في‬
‫ذلك جميعا رميهم بالقبورية‪ ،‬والتي ال تعني إال الشرك الجلي‪.‬‬
‫النموذج الثاني‪ :‬كتاب [اإلخوان المسلمون‪ :‬الوجه اآلخر]‬

‫‪283‬‬
‫وهو لمؤلفه الشيخ علي الحذيفي‪ ،‬والذي بين هدفه من كتابه هذا بقوله‪( :‬فرقة‬
‫[اإلخوان المسلمين]‪ ،‬صنع لها كبارها صيتًا كبيرًا يغطي على حقائقها وفض ائحها‪،‬‬
‫وروج وا له ا على أنه ا هي الفرق ة الناجي ة‪ ،‬والطائف ة المنص ورة‪ ،‬ج اهلين أو‬
‫متج اهلين أن منهجه ا مخ الف تمام ًا ومص ادم ك ل المص ادمة ب ل يس ير باالتج اه‬
‫المعاكس للطائفة الناجي ة والفرق ة المنص ورة‪ ،‬وم ع ه ذا فــ [اإلخ وان المس لمون]‬
‫يصنعون ألنفسهم زخمًا إعالميًا كبيرًا‪ ،‬وهالة عجيب ة وك أنهم هم ال ذين في الس احة‬
‫وحدهم وهم الذين حفظ هللا بهم دينه وشريعته‪ ،‬وقد دفعتني ه ذه التغطي ة اإلعالمي ة‬
‫لهذه الفرقة إلى كتابة شيء مختصر عن حقيقته ا وفض ائحها كم ا فع ل العلم اء من‬
‫قبلي ولهم في ذلك قصب السبق‪ ،‬وإنما فعلوا ذلك ليهلك من هلك عن بينة ويحي من‬
‫حي عن بينة)(‪)1‬‬
‫وهو ـ كسائر السلفية الذين تحدثوا عن اإلخوان ـ راحوا يثبتون أوال انتماءهم‬
‫أو ت أثرهم بالتص وف‪ ،‬وبع د ذل ك يحكم ون عليهم بم ا يحكم ون على التص وف‬
‫والصوفية‪.‬‬
‫يق ول الح ذيفي عن د حديث ه عن الش يخ حس ن البن ا‪ ..( :‬نش أ وتعلم على تعليم‬
‫المدارس النظامية‪ ،‬أي‪ :‬لم يتلق تعليم ه على ي د واح د من أه ل العلم‪ ،‬ب ل نش أ على‬
‫أحدى الطرق الصوفية‪ ،‬وهي الطريقة الحصافية كما اعترف هو نفسه بذلك‪ ،‬وشهد‬
‫عليه طلبته المقربون إليه وأصحابه الذين عاشروه ردحًا من الزمن‪ ،‬وبقي ه و على‬
‫هذه الطريقة واستمر يزور أهلها ويذهب إليهم حتى آخ ر أي ام حيات ه‪ ..‬ك انت لنش أة‬
‫حسن البنا أثرها البالغ على جماعة (اإلخوان المسلمين) وعلى أفرادها‪ ،‬فقد تس رب‬
‫إلى الجماعة كثير من معالم التصوف وآثاره بواسطة حسن البنا دون أن يتفطن له ا‬
‫كثير من أتباعها‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬البيع ة للمش ائخ والكب ار للجماع ة‪ ..‬الس رية والتك تيم‪..‬‬
‫حصر الدين بجزئي ة من جزئيات ه‪ ،‬وش يء من ش عائره‪ ،‬والغل و في ه ذه الجزئي ة‪..‬‬
‫تقس يم ال دين إلى قش ور ولب اب‪ ..‬تقس يم ال دعاة إلى فقه اء واق ع وغ يرهم‪ ..‬وج ود‬
‫المرشد والذي ال تصدر الجماعة إال عن رأيه‪ ،‬والذي يطاع طاع ة عمي اء‪ ..‬حص ر‬
‫والء أفراد الجماعة على طريقتهم فق ط‪ ،‬وزعمهم أن ه ذا من ع دم االزدواجي ة في‬
‫الوالء‪ ..‬األناشيد‪)2().‬‬
‫وهو يؤكد هذا بما يذكره الذين أرخوا للجماعة‪ ،‬ومنهم جابر رزق ال ذي ق ال‬
‫في كتاب ه [حس ن البن ا بقلم تالمذت ه ومعاص ريه]‪( :‬وفي دمنه ور ت وثقت ص لته‬
‫ب اإلخوان الحص افية‪ ،‬وواظب على الحض رة في مس جد التوب ة في ك ل ليل ة م ع‬
‫اإلخ وان الحص افية‪ ،‬ورغب في أخ ذ الطريق ة‪ ،‬ح تى انتق ل من مرتب ة المحب إلى‬
‫مرتبة التابع المبايع)(‪)3‬‬
‫وقال الندوي‪( :‬الشيخ حسن البنا ونص يب التربي ة الروحي ة في تكوين ه‪ ،‬وفي‬

‫‪ )(1‬اإلخوان المسلمون‪ :‬الوجه اآلخر‪ ،‬ص‪.4‬‬


‫‪ )(2‬اإلخوان المسلمون الوجه اآلخر‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ )(3‬حسن البنا بقلم تالمذته ومعاصريه‪ ،‬ص‪.8‬‬

‫‪284‬‬
‫تكوين حركته الكبرى‪ :‬إنه ك ان في أول م رة – كم ا ص رح بنفس ه – في الطريق ة‬
‫الحصافية الشاذلية وكان قد مارس أشغالها وأذكارها وداوم عليها مدة‪ ،‬وق د ح دثني‬
‫كبار رجاله وخ واص أص حابه أن ه بقي متمس كًا به ذه األش غال واألوراد إلى آخ ر‬
‫عهده وفي زحمة أعماله‪ ،‬وكان إعجابه ومواظبته على وردها المع روف بالوظيف ة‬
‫الرزوقية)(‪)1‬‬
‫وهك ذا راح يرمي ه بتهم ة [القبوري ة] ال تي عرفن ا معناه ا عن د الس لفية‪،‬‬
‫وخصوصا عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتالميذه‪ ،‬وقد استدل لذلك بقول الشيخ‬
‫حسن البن ا في [م ذكرات ال دعوة والداعي ة]‪( :‬وكن ا في كث ير من أي ام الجم ع ال تي‬
‫يتصادف أن نقضيها في دمنهور‪ ،‬نق ترح رحل ة لزي ارة أح د األولي اء األق ربين من‬
‫دمنهور‪ ،‬فكنا أحيانا نزور دسوق فنمشي على أق دامنا بع د ص الة الص بح مباش رة‪،‬‬
‫حيث نصل حوالي الساعة الثامنة ص باحًا‪ ،‬فنقط ع المس افة ني ثالث س اعات وهي‬
‫نحو عش رين كيل و م ترا‪ ،‬ون زور ونص ل الجمع ة‪ ،‬ونس ترح بع د الغ داء‪ ،‬ونص ل‬
‫العصر ونعود أدراجنا إلى دمنهور حيث نصلها بع د المغ رب تقريب ًا‪ ،‬وكن ا أحيان ا‬
‫ن زور عزب ة الن وام حيث دفن في مقبرته ا الش يخ س يد س نجر من خ واص رج ال‬
‫الطريقة الحصافية والمعروفين بصالحهم وتق واهم‪ ،‬ونقض ي هن اك يوم ًا ك امًال ثم‬
‫نعود)(‪.)2‬‬
‫وهكذا ينقل عن سيد قطب تأويله لالستواء (بما يشبه كالم الجهمية)(‪ )3‬ـ كما‬
‫يع بر عن ذل ك ـ وه و قول ه‪( :‬واالس تواء على الع رش كناي ة عن غاي ة الس يطرة‬
‫واالستعالء)‪ ،‬وقوله‪( :‬وكذلك العرش‪ ،‬فنحن نؤمن به كما ذكره وال نعلم حقيقته‪ .‬أما‬
‫االستواء على العرش فنملك أن نقول‪ :‬إنه كناية عن الهيمنة على هذا الخلق‪ .‬استنادا‬
‫إلى ما نعلمه من القرآن عن يقين من أن هللا س بحانه ال تتغ ير علي ه األح وال‪ .‬فال‬
‫يكون في حالة عدم استواء على العرش‪ ،‬ثم تتبعها حالة استواء‪ .‬والقول بأنن ا ن ؤمن‬
‫باالستواء وال ندرك كيفيته ال يفسر قول ه تع الى‪( :‬ثم اس توى)‪ ،‬واألولى أن نق ول‪:‬‬
‫إنه كناية عن الهيمنة كما ذكرنا)‬
‫ًا‬
‫وقد رد على هذا بقول الشيخ عبد العزيز بن باز معلق على كالم س يد قطب‪:‬‬
‫(معناه إنكار االستواء المعروف وهو العلو على العرش‪ ،‬وهذا باط ل ي دل على أن ه‬
‫مسكين ضائع في التفسير)(‪)4‬‬
‫وهذا وحده كاف للحكم بكفره عند جميع السلفية‪ ،‬وق د نقلن ا من كالم ابن ب از‬
‫وغيره الكثير من النصوص الدالة على ذلك‪.‬‬

‫‪ )(1‬التفسير السياسي لإلسالم‪ ،‬ص‪.139-138‬‬


‫‪ )(2‬مذكرات الدعوة والداعية‪( ،‬ص‪)36‬‬
‫‪ )(3‬اإلخوان المسلمون الوجه اآلخر‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ )(4‬شريط‪ :‬أقوال العلماء في مؤلفات سيد قطب‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫السلفية‪ ..‬وتكفير المدارس الشيعية‬
‫يعتبر الشيعة ـ وخصوصا اإلمامية منهم ـ من أكبر المظاهر التي تظهر فيه ا‬
‫العدوانية السلفية بقم ة عنفوانه ا وجالله ا وشراس تها‪ ،‬ذل ك أنهم عن د ح ديثهم عنهم‬
‫يفقدون كل م ا بقي لهم من عق ل وحكم ة وبص يرة ليص بحوا ك ذلك األس د الج ريح‬
‫الجائع إذا رأى فريسته السهلة‪.‬‬
‫ول ذلك يمكن ألي ش خص أن يس تفز من ش اء منهم ليخرج ه من ط وره‬
‫اإلنساني إلى طوره البهيمي السبعي بشيء بسيط جدا‪ ،‬وهو أن يذكر له ب أن الش يعة‬
‫طائفة من المسلمين‪ ،‬أو أن لهم بعض الحسنات‪ ،‬أو أنه ال يصح تكفيرهم‪ ،‬أو أنهم ال‬
‫يقولون بتحريف القرآن‪ ..‬فيكفي هذا أو بعضه ليتحول السلفي إلى وحش شرس‪ ،‬ق د‬
‫يقضي على نفسه‪ ،‬أو يقضي على أي شيء يقف بجانبه‪.‬‬
‫وقد حصل لي هذا كثيرا في حواراتي التي أحاول فيها التقريب بين الم ذاهب‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وردم الهوة التي حفرها الشيطان بينهم‪ ..‬فكنت حينها ألحظ تل ك الوج وه‬
‫التي كانت تدعي الوحدة والتسامح والسالم وتتحمس لها تتغير وتنقلب انقالب ا تام ا‪،‬‬
‫وألحظ األلسن كيف ترغي وتزبد‪ ،‬وكي ف تط ير معه ا العق ول‪ ..‬وكنت أش فق على‬
‫محدثي أن تصيبه جلطة أو يرتفع ضغط دمه أو تصيبه س كتة قلبي ة‪ ،‬فل ذلك أس ارع‬
‫إلى تغيير الحديث خشية أن أتسبب في أي مكروه ألمثال هذه العقول الصغيرة ال تي‬
‫ال تطيق الحوار‪.‬‬
‫والسلفية لذلك كله ال يكتفون بتكفيرهم فقط‪ ..‬بل يضيفون إليه توابل كثيرة من‬
‫الكذب عليهم لتجعلهم شر أهل المل ل‪ ،‬وأكف ر أه ل األرض‪ ..‬ب ل يص ورون للعام ة‬
‫والخاصة أنه لم تقع مصيبة في األم ة إال ك انوا خلفه ا والم دبرين له ا‪ ..‬ويجيش ون‬
‫لذلك ما تعودوا أن يجيشوه من كالم سلفهم وخلفهم‪.‬‬
‫وهم ـ فوق ذلك ـ ينتقون من كتبهم ما شاءت لهم أهواؤهم ليرموهم بالعظائم‪،‬‬
‫فإذا رأوا أل ف مرج ع من م راجعهم يص رح ب أن الق رآن الك ريم كالم هللا‪ ،‬وأن ه لم‬
‫يمسه التحريف وال التبديل أعرض وا عنهم جميع ا‪ ،‬وراح وا إلى أي أي مجه ول أو‬
‫مغمور ليجعلوه لسانهم الناطق رغم أنوفهم‪.‬‬
‫وهكذا يذهبون إلى كتبهم التي جمعت الغث والسمين‪ ،‬والصحيح والض عيف‪،‬‬
‫والمقبول والمرفوض‪ ،‬ليلزموهم بكل ما فيها‪ ..‬لكنهم إن قي ل لهم‪ :‬لق د روى رواتكم‬
‫مثلم ا روى رواتن ا‪ ،‬ونحن ال نل زمكم بم ا تكذبون ه من الرواي ات‪ ،‬فال تلزمون ا بم ا‬
‫نكذبه منها‪ ،‬رفضوا منهم هذا‪ ..‬وأصروا على أن يكيلوا ألنفسهم بخالف م ا يكيل ون‬
‫لهم‪.‬‬
‫وهذا كله يرج ع لتخلي الس لفية عن اس تعمال العق ل المق دس ال ذي وهب ه هللا‬
‫لعباده ليزنوا به األمور‪ ..‬ألن غلبة السبعية والبهيمية على العق ل تمنع ه من التفك ير‬
‫السليم‪ ..‬بل تجعله كذلك األسد ال ذي يس تحل فريس ته‪ ،‬وال ي أذن له ا في ال دفاع عن‬

‫‪286‬‬
‫نفسها‪.‬‬
‫والسبب األكبر ال ذي جع ل الس لفية يس تعملون ك ل ه ذا م ع الش يعة سياس ي‬
‫بالدرجة األولى‪ ..‬ذلك أن الش يعة ك انت لف ترات تاريخي ة كث يرة تمث ل المعارض ة‪،‬‬
‫ألنها لم تكن تعترف بالحكومات القائمة‪ ،‬وتتصور أنها اغتصاب لحق أه ل ال بيت‪..‬‬
‫ولذلك شن الحك ام حملتهم عليه ا ابت داء من ب ني أمي ة‪ ..‬واس تغلوا الس لف والخل ف‬
‫لينشروا لهم من تشويهها ما شاءت لهم أهواؤهم وع دوانيتهم‪ ..‬ول ذلك ورد فيهم من‬
‫اآلثار ما لم يرد في أي طائفة من الطوائف‪.‬‬
‫وه ذه مظلم ة عظيم ة ال يص ح لن ا أن نس كت عنه ا‪ ،‬أو أن نوافقه ا‪ ،‬ف الظلم‬
‫حرام‪ ..‬وأعظم الظلم أن يظلم مسلم بسبب حبه لنبيه وآل بيت نبيه‪..‬‬
‫بناء على هذا سنكتفي في هذا الفصل بذكر تصريحات س لف الس لفية وخلفهم‬
‫بتكفير الشيعة‪ ،‬وآثار ذلك التكفير (‪ ..)1‬أما أسباب التكفير والرد عليها‪ ،‬فقد ذكرناه ا‬
‫في محل آخر من كتبنا‪ ،‬ألن غرضنا من هذا الكتاب هو بي ان تكف ير الس لفية لألم ة‬
‫جميعا‪.‬‬
‫أوال ـ تكفير السلفية المتقدمين للشيعة‪.‬‬
‫تنقل المصادر المس ندة للس لفية الكث ير من النص وص ـ ال تي ال ن دري م دى‬
‫صحتها ـ عن أئمة السلفية األوائل‪ ،‬وحملتهم الشديدة على الشيعة‪..‬‬
‫وهي ـ إن صحت ـ تنم عن حقد ش ديد ال يتناس ب م ع أولئ ك األعالم الكب ار‪،‬‬
‫وربما يكونون قد قالوا ذلك ـ في حال صحته ـ إرض اء للس لطات األموي ة الحاكم ة‬
‫التي جعلت مشروعها األكبر حرب اإلمام علي وذريته‪ ..‬حتى وصل األمر في ذلك‬
‫العصر إلى اعتبار التسمية بعلّي محظورة إّال لبني هاشم‪ ،‬فك ان بعض هم يخ اف من‬
‫اسمه‪ ،‬فيصّغ ره‪ ،‬ويقول‪ :‬انا ُع َلّي ولست بعلي‪ ..‬قال قتيبة بن سعيد س معت الليث بن‬
‫سعد يقول‪ :‬قال علُّي بن رباح‪( :‬ال أجعل في حٍّل من سّم اني ُع َلّيًا ف إن اس مي َع ِلّي )‪،‬‬
‫وقال سلمة بن شبيب‪( :‬سمعت أبا عبد الرحمن المقرىء يق ول‪ :‬ك انت بن و أمي ة إذا‬
‫سمعوا بمولود اسمه َع ِلّي قتلوه‪ ،‬فبلغ ذلك رباحًا فقال‪ :‬ه و ُع َلّي ‪ ،‬وك ان يغض ب من‬
‫(َع ِلٍّي ) وُيحّر ج على من سّم اه به)(‪)2‬‬
‫باإلضافة إلى أن المقصود بالتش يع في ذل ك الحين ليس الم ذهب المع روف‪،‬‬
‫وإنما كان مجرد محبة اإلمام علي‪ ،‬أو تقديمه على س ائر الص حابة‪ ،‬كم ا نص على‬
‫ذلك ابن حجر في قول ه‪( :‬والتش يع محبـة علي وتقديم ه على الص حابة‪ ،‬فمن قدم ه‬
‫على أبي بكر وعمر فهو غال في تش يعه وُيطل ق علي ه رافض ي‪ ،‬ف إْن انض اف إلى‬
‫ذلك السب والتصريح بالبغض فغـال في ال رفض‪ ،‬وإْن اعتقـد الرجعـة إلى الدنيـا‬
‫‪ )( 1‬يتصور البعض أن هذا الموقف التكفيري خاص بالشيعة اإلمامية االثني عش رية‪ ،‬وه ذا غ ير ص حيح‪ ،‬فالش يعة‬
‫الزيدية أيضا مشمولون بالتكفير السلفي‪ ،‬بناء على عقائدهم التي ال تختلف عن عقائ د المعتزل ة‪ ،‬وال تي يتف ق الس لفية‬
‫جميعا على تكفير القائل بها‪ ،‬وق د ش ن ال وادعي الس لفي حمل ة ش ديدة عليهم‪ ،‬وق د ُس ئل عنهم فق ال‪ :‬هم بعي دون عن‬
‫السنة‪ ،‬ثم ذكر مقولة‪ :‬ائتني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضيًا كبير (انظر‪ :‬بغية الطالب األلمعي لفت اوى المح دث‬
‫العالمة مقبل بن هادي الوادعي (ص ‪)3‬‬
‫‪ )(2‬تهذيب الكمال ج ‪ ،429 :20‬تهذيب التهذيب ‪.280 :7‬‬

‫‪287‬‬
‫فأشـد في‬‫الغلو)(‪)1‬‬
‫وقال‪( :‬وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غالب ا‪ ،‬وت وهينهم الش يعة مطلق ا‪،‬‬
‫وال سيما أن عليا ورد في حقه‪( :‬ال يحبه إال مؤمن وال يبغضه إال من افق)‪ ،‬ثم ظه ر‬
‫لي في الجواب عن ذلك أن البغض ها هنا مقيد بسبب وه و كون ه نص ر الن بي ‪،‬‬
‫ألن من الطب ع البش ري بغض من وقعت من ه إس اءة في ح ق المبغض والحب‬
‫بالعكس‪ ،‬وذلك ما يرجع إلى أمور ال دنيا غالب ا والخ ير في حب علي وبغض ه ليس‬
‫على العموم‪ ،‬فقد أحبه من أفرط فيه حتى ادعى أنه نبي أو إله‪ ،‬تع الى هللا عن أفكهم‬
‫والذي ورد في حق علي من ذلك قد ورد مثله في حق األنصار وأجاب عنه العلم اء‬
‫أن بغضهم ألجل النصر كان ذلك عالمة نف اق وب العكس‪ .‬فك ذا يق ال في ح ق علي‪.‬‬
‫وأيضا فأكثر من يوصف بالنصب يكون مش هورا بص دق اللهج ة والتمس ك ب أمور‬
‫الديانة‪ ،‬بخالف من يوص ف ب الرفض ف إن غ البهم ك اذب وال يت ورع في األخب ار‪،‬‬
‫واألصل فيه أن الناصبة اعتقدوا أن عليا قتل عثمان أو كان علي ه فك ان بغض هم ل ه‬
‫ديانة بزعمهم‪ .‬ثم انضاف إلى ذلك أن منهم من قتلت أقاربه في حروب علي)(‪)2‬‬
‫بن اء على ه ذا روى الس لفية ـ المتق دمون منهم والمت أخرون ـ الكث ير من‬
‫الروايات عن سلفهم األول‪ ،‬باعتبار أقوالهم فيهم نصوص ا مقدس ة ال يص ح نقض ها‬
‫وال نقدها وال حتى توجيهها‪..‬‬
‫ومن أوائ ل تل ك النص وص م ا يروون ه عن علقم ة بن قيس النخعي (‪62‬هـ)‬
‫وقوله‪( :‬لقد غلت هذه الشيعة في علي كما غلت النصارى في عيسى بن مريم)(‪)3‬‬
‫ومنها الروايات الكثيرة عن عامر الشعبي (‪105‬هـ)‪ ،‬وال تي نقله ا ابن تيمي ة‬
‫وغيره من أعالم السلفية‪ ،‬وهي إن صحت تدل على حقد كبير ال يتناس ب م ع جالل‬
‫هذا العلم ومكانته‪ ،‬فق د رووا عن ه قول ه‪( :‬م ا رأيت أحم ق من الخش بية (‪[ )4‬يقص د‬
‫الشيعة ]‪ ،‬لو كانوا من الطير لكانوا رخما‪ ،‬ولو كانوا من البهائم لك انوا حم را‪ ،‬وهللا‬
‫لو طلبت منهم أن يملؤوا هذا البيت ذهب ا على أن أك ذب على علي ألعط وني‪ ،‬وهللا‬
‫ما أكذب عليه أبدا)(‪)5‬‬
‫ورووا عنه ه ذا الق ول الطوي ل الممتلئ بالك ذب عليهم‪( :‬أح ذركم أه ل ه ذه‬
‫األهواء المضلة‪ ،‬وشرها الرافض ة‪ ،‬لم ي دخلوا في االس الم رغب ة وال رهب ة‪ ،‬ولكن‬
‫مقتا ألهل االسالم وبغيا عليهم)(‪)6‬‬
‫ثم راح يقارن بين الشيعة واليهود ليجع ل الش يعة يه ود ه ذه األم ة ـ متناس يا‬
‫تتلمذه وتتملذ إخوانه من السلف على اليهود ـ فقال‪( :‬وآية ذل ك أن محن ة الرافض ة‪،‬‬
‫‪ )(1‬هدي الساري ص ‪.640‬‬
‫‪ )(2‬تهذيب التهذيب (‪)458 /8‬‬
‫‪ )(3‬السنة لعبد هللا بن أحمد ‪.2/548‬‬
‫‪ )( 4‬يقصد الشيعة‪ ،‬والخشبية نسبة إلى الخشب‪ ،‬وذلك ألنهم كانوا يرفضون القتال بالسيف ويقاتلون بالخش ب‪ ،‬وذك ر‬
‫ابن حزم (الفصل ‪ )5/45‬أن بعض الشيعة كانوا ال يستحلون حمل الس الح ح تى يخ رج ال ذي ينتظرون ه فهم يقتل ون‬
‫الناس بالخنق وبالحجارة‪ ،‬والخشبية بالخشب فقط‪.‬‬
‫‪ )(5‬منهاج السنة النبوية (‪)22 /1‬‬
‫‪ )(6‬السنة لعبد هللا بن أحمد ‪ ،2/549‬والخالل في السنة ‪ ،1/497‬والاللكائي في شرح السنة ‪.7/1461‬‬

‫‪288‬‬
‫محن ة اليه ود‪ .‬ق الت اليه ود‪ :‬ال يص لح المل ك إال في آل داود‪ ،‬وق الت الرافض ة ال‬
‫تصلح اإلمامة إال في ولد علي‪ ،‬وق الت اليه ود‪ :‬ال جه اد في س بيل هللا ح تى يخ رج‬
‫المسيح الدجال‪ ،‬وينزل سيف من الس ماء‪ ،‬وق الت الرافض ة‪ :‬ال جه اد في س بيل هللا‬
‫حتى يخرج المهدي‪ ،‬وينادي من اد من الس ماء‪ ..‬واليه ود ي ؤخرون الص الة إلى‬
‫اشتباك النجوم‪ ،‬وكذلك الرافض ة ي ؤخرون المغ رب إلى اش تباك النج وم‪ ..‬واليه ود‬
‫تزول عن القبلة شيئا‪ ،‬وكذلك الرافضة‪ ،‬واليهود تنود في الصالة‪ ،‬وكذلك الرافضة‪،‬‬
‫واليهود تسدل أثوابها في الصالة‪ ،‬وكذلك الرافضة‪ ..‬واليهود حرفوا التوراة‪ ،‬وكذلك‬
‫الرافضة حرفوا القرآن‪ .‬واليه ود ق الوا‪ :‬اف ترض هللا علين ا خمس ين ص الة‪ ،‬وك ذلك‬
‫الرافضة‪ ..‬واليهود ال يخلصون السالم على المؤم نين إنم ا يقول ون‪ :‬الس ام عليكم ـ‬
‫والسام الموت ـ وك ذلك الرافض ة‪ ..‬واليه ود ال ي رون المس ح على الخفين‪ ،‬وك ذلك‬
‫الرافض ة‪ ..‬واليه ود تبغض جبري ل‪ ،‬ويقول ون ه و ع دونا من المالئك ة‪ ،‬وك ذلك‬
‫الرافضة‪ ،‬يقولون غلط جبريل بالوحي على محمد)(‪)1‬‬
‫وهكذا راح يشببهم بالنصارى‪ ،‬فقال ـ كما يروونه عن ه ـ‪( :‬وك ذلك الرافض ة‬
‫وافق وا النص ارى في خص لة‪ :‬النص ارى ليس لنس ائهم ص داق إنم ا يتمتع ون بهن‬
‫تمتع ا‪ ،‬وك ذلك الرافض ة ي تزوجون بالمتع ة‪ ،‬ويس تحلون المتع ة‪ ،‬وفض لت اليه ود‬
‫والنص ارى على الرافض ة بخص لتين‪ ،‬س ئلت اليه ود‪ :‬من خ ير أه ل ملتكم؟ ق الوا‪:‬‬
‫أصحاب موس ى‪ ،‬وس ئلت النص ارى من خ ير أه ل ملتكم؟ ق الوا‪ :‬ح واري عيس ى‪.‬‬
‫وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم؟ قالوا أصحاب محم د‪ ،‬أم روا باالس تغفار لهم‪،‬‬
‫فسبوهم والسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة‪ ،‬ال تقوم لهم راية‪ ،‬وال يثبت لهم ق دم‬
‫وال تجتمع لهم كلم ة‪ ،‬وال تج اب لهم دع وة‪ ،‬دع وتهم مدحوض ة‪ ،‬وكلمتهم مختلف ة‪،‬‬
‫وجمعهم متفرق‪ ،‬كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها هللا)(‪)2‬‬
‫وهك ذا رووا عن طلح ة بن مص ّرف (‪112‬هـ) قول ه‪( :‬الرافض ة ال تنكح‬
‫نساؤهم‪ ،‬وال تؤكل ذبائحهم‪ ،‬ألنهم أهل ردة)(‪)3‬‬
‫ورووا عن مسعر بن كدام (‪155‬هـ) أنه لقيه رجل من الرافضة فكلمه بشئ‪..‬‬
‫فقال له مسعر‪ :‬تنح عني فإنك شيطان)(‪)4‬‬
‫ورووا عن أش هب بن عب دالعزيز أن مالك ا س ئل عن الرافض ة فق ال‪( :‬ال‬
‫تكلمهم وال ترو عنهم فإنهم يكذبون)(‪)5‬‬
‫وهكذا قال محمد بن يوسف الفريابي (‪212‬هـ)‪( :‬ما أرى الرافضة والجهمي ة‬
‫إال زنادقــة)(‪)6‬‬
‫وقال القاسم بن سالم (‪224‬هـ)‪( :‬عاشرت الناس‪ ،‬وكلمت أهل الكالم‪ ،‬وك ذا‪،‬‬
‫‪ )(1‬منهاج السنة النبوية (‪)24 /1‬‬
‫‪ )(2‬منهاج السنة النبوية (‪)26 /1‬‬
‫‪ )(3‬اإلبانة الصغرى ص‪..161‬‬
‫‪ )(4‬الاللكائي في شرح السنة ‪..8/1457‬‬
‫‪ )(5‬ذكره ابن تيمية في منهاج السنة ‪.1/61‬‬
‫‪ )(6‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة ‪.8/1457‬‬

‫‪289‬‬
‫فما رأيت أوسخ وسخًا‪ ،‬وال أقذر قذرًا‪ ،‬وال أضعف حجة‪ ،‬وال أحمق من الرافض ة‪،‬‬
‫ولقد وليت قضاء الثغور فنفيت منهم ثالثة رجال‪ :‬جهميين ورافض ي‪ ،‬أو رافض يين‬
‫وجهمي‪ ،‬وقلت‪ :‬مثلكم ال يساكن أهل الثغور فأخرجتهم)(‪)1‬‬
‫وقال أحمد بن يونس (‪227‬هـ)‪( :‬إنا ال نأكل ذبيحة رجل رافضي‪ ،‬فإنه عندي‬
‫مرتد)(‪)2‬‬
‫ورووا أن أحمد بن حنبل (‪241‬هـ) س ئل‪ :‬عن رج ل ل ه ج ار رافض ي يس لم‬
‫عليه؟ قال‪( :‬ال‪ ،‬وإذا سلم عليه ال يرد عليه)(‪)3‬‬
‫وهك ذا ق ال البخ اري (‪256‬هـ) في كت اب [خل ق أفع ال العب اد]‪( :‬م ا أب الي‬
‫صليت خل ف الجهمي والرافض ي‪ ،‬أم ص ليت خل ف اليه ود والنص ارى‪ ،‬وال يس لم‬
‫عليهم‪ ،‬وال يعادون‪ ،‬وال يناكحون‪ ،‬وال يشهدون‪ ،‬وال تؤكل ذبائحهم)(‪)4‬‬
‫وهكذا قال أبو زرعة الرازي (‪264‬هـ)‪( :‬إن الجهمي ة كف ار‪ ،‬وإن الرافض ة‪،‬‬
‫رفضوا اإلسالم)(‪)5‬‬
‫وقال الحسن بن علي بن خلف البربهاري (‪329‬هـ)‪( :‬واعلم أن األهواء كله ا‬
‫ردية‪ ،‬تدعوا إلى السيف‪،‬وأردؤها وأكفرها الرافض ة‪،‬والمعتزل ة‪ ،‬والجهمي ة‪ ،‬ف إنهم‬
‫يريدون الناس على التعطيل والزندقة)(‪)6‬‬
‫وق ال ابن بط ة (‪387‬هـ)‪( :‬وأم ا الرافض ة‪ :‬فأش د الن اس اختالف ًا‪ ،‬وتباين ًا‪،‬‬
‫وتطاعنًا‪ ،‬فكل واحد منهم يخت ار م ذهبًا لنفس ه يلعن من خالف ه علي ه‪ ،‬ويكف ر من لم‬
‫يتبعه‪ .‬وكلهم يقول‪ :‬إنه ال صالة‪ ،‬وال صيام‪ ،‬والجهاد‪ ،‬وال جمع ة‪ ،‬وال عي دين‪ ،‬وال‬
‫نكاح‪ ،‬وال طالق‪ ،‬وال بيع‪ ،‬والشراء‪ ،‬إال بإمام وإنه من ال إمام له‪ ،‬فال دين له‪ ،‬ومن‬
‫لم يعرف إمامه فال دين له‪ ..‬ولوال ما ن ؤثره من ص يانة العلم‪ ،‬ال ذي أعلى هللا أم ره‬
‫وشّر ف قدره‪ ،‬ونزهه أن يخلط به نجاسات أهل الزي غ‪ ،‬وق بيح أق والهم‪ ،‬وم ذاهبهم‪،‬‬
‫ال تي تقش عر الجل ود من ذكره ا‪ ،‬وتج زع النف وس من اس تماعها‪ ،‬وي نزه العقالء‬
‫ألفاظهم وأسماعهم عن لفظها‪ ،‬لذكرت من ذلك ما فيه عبرة للمعتبرين)(‪)7‬‬
‫وق ال القحط اني (‪387‬هـ) في نونيت ه ال تي يهتم به ا الس لفية ويعظمونه ا‬
‫ويحفظونها(‪:)8‬‬
‫من كـِّل إنـٍس ناطــٍق أو‬ ‫إن الروافَض شُّر من وطيَء‬
‫جــاِن‬ ‫الَحَص ى ‍‬
‫ورمُو هـــُم بالظلـــِم والعــدواِن‬ ‫مدحوا الّنبَي وخونوا أصحابـــه ‍‬
‫جــدالن عند هللا منتقضــــــــاِن‬ ‫حّبـوا قرابتــَه وسَّبـــوا صحبــــــــه‬
‫‪ )(1‬السنة للخالل ‪.1/499‬‬
‫‪ )(2‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة ‪.8/459‬‬
‫‪ )(3‬السنة للخالل ‪.1/494‬‬
‫‪ )(4‬خلق أفعال العباد (ضمن عقائد السلف) ص‪.125‬‬
‫‪ )(5‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة ‪.1/178‬‬
‫‪ )(6‬شرح السنة ص‪.54‬‬
‫‪ )(7‬اللطيف لشرح مذاهب أهل السنة ص‪.252-251‬‬
‫‪ )(8‬نونيه القحطاني ص‪. 21‬‬

‫‪290‬‬
‫وبعد هؤالء جميعا وغ يرهم ج اء ابن تيمي ة (‪728‬هـ) إلى ك ل األحق اد ال تي‬
‫ورثها عن سلفه‪ ،‬فصبها على الشيعة‪ ،‬وألف الكتب في ذلك‪ ،‬ومن أقواله فيهم‪( :‬وهللا‬
‫يعلم وكفى باهلل عليم ًا‪ ،‬ليس في جمي ع الطوائ ف المنتس بة إلى اإلس الم م ع بدع ة‬
‫وضاللة ش ر منهم‪ :‬ال أجه ل‪ ،‬وال أك ذب‪ ،‬وال أظلم وال أق رب إلى الكف ر والفس وق‬
‫والعصيان‪ ،‬وأبعد عن حقائق اإليمان منهم)(‪)1‬‬
‫ويقول‪( :‬وهؤالء الرافضة‪ :‬إما من افق‪ ،‬وإم ا جاه ل‪ ،‬فال يك ون رافض ي وال‬
‫جهمي إال منافقًا‪ ،‬أو جاهًال بما جاء ب ه الرس ول ‪ ،‬ال يك ون فيهم أح د عالم ًا بم ا‬
‫جاء به الرسول ‪ ‬مع اإليمان به‪ .‬فإن مخالفتهم لما ج اء ب ه الرس ول ‪ ،‬وك ذبهم‬
‫عليه ال يخفى قط إال على مفرط في الجهل والهوى)(‪)2‬‬
‫وقال‪( :‬فبهذا يتبين أنهم ش ر من عام ة أه ل األه واء‪ ..‬وأيض ًا فغ الب أئمتهم‬
‫زنادقة إنما يظهرون الرفض ألنه طريق إلى هدم اإلسالم)(‪)3‬‬
‫ويقول عن جهلهم وضاللهم‪( :‬القوم من أض ل الن اس عن س واء الس بيل ف إن‬
‫األدل ة إم ا نقلي ه وإم ا عقلي ه‪ ،‬والق وم من أض ل الن اس في المنق ول والمعق ول‪ ،‬في‬
‫المذاهب والتقرير‪ ،‬وهم من أشبه الناس بمن قال هللا فيهم‪َ﴿ :‬و َق اُلوا َل ْو ُكَّن ا َنْس َم ُع َأْو‬
‫َنْع ِق ُل َم ا ُكَّن ا ِفي َأْص َح اِب الَّس ِع يِر ﴾ [المل ك‪ ،]10 :‬والق وم من أك ذب الن اس في‬
‫النقلي ات‪ ،‬ومن أجه ل الن اس في العقلي ات‪ ،‬يص دقون من المنق ول بم ا يعلم العلم اء‬
‫باالضطرار أن ه من األباطي ل ويك ذبون ب المعلوم من االض طرار‪ ،‬المت واتر أعظم‬
‫تواتر في األمة جيًال بعد جيل)(‪)4‬‬

‫ويقول عن اشتهارهم بالكذب‪( :‬وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواي ة واإلس ناد‬
‫على أن الرافض ة أك ذب الطوائ ف‪ ،‬والك ذب فيهم ق ديم‪ ،‬وله ذا ك ان أئم ة اإلس الم‬
‫يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب)(‪)5‬‬
‫ويقول عن عدائهم للمس لمين ومناص رتهم الكف رة والمش ركين‪( :‬وق د ع رف‬
‫العارفون باإلسالم أن الرافضة تميل مع أعداء الدين‪ ،‬ولما كانوا ملوك القاهرة ك ان‬
‫وزي رهم م رة يهودي ًا‪ ،‬وم رة نص رانيًا أرميني ًا‪ ،‬وق ويت النص ارى بس بب ذل ك‬
‫النصراني األرميني‪ ،‬وبنوا كنائس كث يرة ب أرض مص ر في دول ة أولئ ك الرافض ة‬
‫المنافقين‪ ،‬وكانوا ينادون بين القصرين‪ :‬من لعن وسب فله دينار وأردب)(‪)6‬‬
‫ويقول‪( :‬والرافضة تحب التتار ودولتهم ألن ه يحص ل لهم به ا من الع ز م اال‬
‫يحصل بدول ة المس لمين‪ ،‬والرافض ة هم مع اونون للمش ركين واليه ود والنص ارى‬
‫على قتال المسلمين‪ ،‬وهم كانوا من أعظم األس باب في دخ ول التت ار قب ل إس المهم‬
‫‪ )(1‬منهاج السنة ‪.1/160‬‬
‫‪ )(2‬منهاج السنة ‪.1/161‬‬
‫‪ )(3‬مجموع الفتاوى ‪.483-28/482‬‬
‫‪ )(4‬منهاج السنة ‪.1/8‬‬
‫‪ )(5‬منهاج السنة ‪.1/59‬‬
‫‪ )(6‬مجموع الفتاوى ‪28/637‬‬

‫‪291‬‬
‫إلى أرض المشرق بخراسان والعراق والشام‪ ،‬وكانوا من أعظم الن اس معاون ة لهم‬
‫على أخ ذهم لبالد اإلس الم وقت ل المس لمين وس بي ح ريمهم‪ ،‬وقض ية ابن العلقمي‬
‫وأمثاله مع الخليفة‪ ،‬وقض يتهم في حلب م ع ص احب حلب مش هورة يعرفه ا عم وم‬
‫النـــاس)(‪)1‬‬
‫ويقول‪( :‬وهؤالء يعاونون اليهود والنصارى والمشركين على أهل بيت النبي‬
‫‪ ‬وأمته المؤمنين‪ ،‬كما أعانوا المشركين من الترك والتت ار على م ا فعل وه ببغ داد‬
‫وغيرها بأه ل بيت النب وة‪ ،‬ومع دن الرس الة ول د العب اس وغ يرهم من أه ل ال بيت‬
‫المؤمنين من القت ل والس بي وخ راب الديـــار‪ .‬وش ر ه ؤالء وض ررهم على أه ل‬
‫اإلسالم ال يحصيه الرجل الفصيح في الكالم)(‪)2‬‬
‫وهكذا نرى ابن القيم يسير على نهج شيخه ابن تيميه‪ ،‬ومشايخه من الس ابقين‬
‫من السلفية‪ ،‬بل إنه يستعمل ما يسميه توسما ليخبر عن حقيق ة الش يعة‪ ،‬وأنهم ليس وا‬
‫سوى خن ازير‪ ..‬كم ا ع بر عن ذل ك بقول ه‪( :‬ثم إن كنت من المتوس مين ف اقرأ ه ذه‬
‫النسخة من وجوه أشباههم ونظرائهم كي ف تراه ا بادي ة عليه ا وإن ك انت مس تورة‬
‫بصورة اإلنسانية‪ ..‬واقرأ نسخة الخنازير من صور أشبهاهم وال سيما أع داء خي ار‬
‫خلق هللا بعدالرسل وهم أصحاب رسول هللا ‪ ‬فإن هذه النسخة ظاهرة على وج وه‬
‫الرافضة يقرأها كل مؤمن كاتب وغير كاتب‪ ،‬وهي تظهر وتخفى بحسب خنزيري ة‬
‫القلب وخبثه‪ ،‬فإن الخنزير أخبث الحيوانات وأردؤها طباعا‪ ،‬ومن خاصيته أنه يدع‬
‫الطيبات فال يأكلها ويقوم االنسان عن رجيعة فيبادر اليه فتأمل مطابقة هذا الوصف‬
‫ألعداء الصحابة كيف تجده منطبقا عليهم فإنهم عمدوا إلى أطيب خلق هللا وأطهرهم‬
‫فع ادوهم وت برؤوا منهم ثم والواك ل ع دو لهم من النص ارى واليه ود والمش ركين‪،‬‬
‫فاس تعانوا في ك ل زم ان على ح رب المؤم نين الم والين ألص حاب رس ول هللا ‪‬‬
‫بالمشركين والكفار وصرحوا بأنهم خير منهم فاي شبه ومناسبة أولى بهذا الض رب‬
‫من الخنازير فإن لم تقرأ هذه النسخة من وجوههم فلست من المتوسمين)(‪)3‬‬
‫وهكذا جعل ابن القيم من شروط التوسم والفراسة والصالح أن يرى الم ؤمن‬
‫إخوانه من الشيعة بصورة الخنازير‪ ..‬وإال فلن يتوسم الصالح أبدا‪.‬‬
‫هذه مجرد نماذج عن أحقاد سلف السلفية على الشيعة‪ ،‬وإال فإن أقوالهم فيهم‪،‬‬
‫وخاصة أقوال ابن تيمية ال تكاد تعد وال تحصى‪ ،‬وهي التي ال يزال يردده ا خلفهم‪،‬‬
‫بع د أن أض افوا إليه ا أيض ا المزي د من األحق اد والعق د‪ ،‬وخاص ة بع د أن أع انهتم‬
‫ودعمتتهم السلطات السياسية التي يعظمونها ويخضعون لها على ذلك‪.‬‬
‫ثانيا ـ تكفير السلفية المتأخرين للشيعة‪.‬‬
‫ربم ا لم يح دث في الت اريخ جميع ا أن ش نت ح رب حاق دة على طائف ة من‬
‫الطوائف تريد حرمانها من كل حقوقها في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وإلص اق ك ل التهم به ا‪،‬‬
‫‪ )(1‬مجموع الفتاوى‪.528-28/527‬‬
‫‪ )(2‬مجموع الفتاوى ‪.25/309‬‬
‫‪ )(3‬مفتاح دار السعادة ومنشور والية العلم واإلرادة (‪)254 /1‬‬

‫‪292‬‬
‫مثلما فعلت الس لفية م ع الش يعة اإلمامي ة‪ ،‬وخصوص ا بع د تمكنه ا وألول م رة في‬
‫التاريخ من تأسيس دولتها ذات الطابع اإلسالمي الملتزم‪.‬‬
‫فبع د تل ك الف ترة مباش رة نس ي علم اء الس لفية أحق ادهم على الص وفية‬
‫واألش اعرة والماتريدي ة والمعتزل ة‪ ..‬ب ل نس وا الص هيونية والص ليبة‪ ..‬ب ل نس وا‬
‫الش يطان نفس ه‪ ..‬ليفرغ وا أنفس هم لح رب الش يعة‪ ،‬باعتباره ا الع دو األول لل دين‬
‫ولألم ة‪ ..‬وباعتباره ا ك ذلك كيان ا يه دد المنطق ة والك رة واألرض ية والمجموع ة‬
‫الشمسية وكل الكون‪.‬‬
‫وفي ه ذا ال وقت بال ذات ظه رت تل ك الفت اوى الدبلوماس ية المتس اهلة م ع‬
‫مدارس األمة األخرى غير الشيعة‪ ،‬ألنها ال تريد أن تتفرغ وح دها لح رب الش يعة‪،‬‬
‫وحرب دولتها‪ ،‬فلذلك تس اهلت م ع الجمي ع ـ مؤقت ا ـ لتس تعملهم في ح رب الش يعة‬
‫وحرب دولتها الفتية‪ ..‬وقد نجحت في ذلك نجاحا كبيرا‪.‬‬
‫وسأكتفي هنا ب ذكر بعض الفت اوى والنم اذج من المنش ورات الس لفية لترين ا‬
‫صورة عن الحقد السلفي على هذه الطائفة اإلسالمية المحترمة‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ الفتاوى والبيانات السلفية في تكفير الشيعة‪:‬‬
‫ال يمكن عد الفتاوى والبيانات التي أصدرها أعالم السلفية المعاصرين ح ول‬
‫الشيعة‪ ،‬فهي من الك ثرة بحيث ال يمكن إحص اؤها‪ ،‬فق د جيش وا ك ل أس لحتهم ال تي‬
‫مكنهم منه ا التط ور الح ديث ليس تعملوها في ح ربهم ض د الش يعة‪ ،‬ف ألفوا الكتب‪،‬‬
‫ووزع وا المنش ورات‪ ،‬وأرس لوا الخطب اء لك ل أنح اء الع الم‪ ،‬وأق اموا القن وات‬
‫الفضائية‪ ،‬حتى صار العوام البسطاء يعرفون الشيعة ويقومون هم أنفس هم بالتح ذير‬
‫منهم‪ ..‬بل وصل األمر إلى أن يفخر الفسقة والمنحرفون ممن ال يعرف ون ال دين وال‬
‫يوقرونه بكونهم من أه ل الس نة والجماع ة‪ ..‬وليس وا كأولئ ك المعممين من الش يعة‬
‫والرافضة‪.‬‬
‫وسأكتفي هنا بذكر نموذجين عن الفت اوى الس لفية المعاص رة‪ :‬أح دهما يمث ل‬
‫هيئة رسمية‪ ،‬والثاني يمثل شخصية علمية‪ ،‬بل من هيئة كبار العلماء‪.‬‬
‫النموذج األول‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة في تكفير الشيعة‬
‫تعتبر اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء بالمملك ة العربي ة الس عودية من‬
‫أك بر الهيئ ات الرس مية للفت وى ال تي يرج ع إليه ا الس لفية‪ ،‬باعتباره ا تض م كب ار‬
‫علمائهم‪ ،‬وباعتبارها مؤسسة رسمية لها قيمتها وحرمتها عند جماهير السلفية‪.‬‬
‫ومن األس ئلة ال تي وجهت له ذه اللجن ة ه ذا الس ؤال ح ول الحكم على ع وام‬
‫الشيعة اإلمامية‪( :‬ما حكم عوام الروافض األمامية االثنى عشرية؟ وهل هناك ف رق‬
‫بين علماء أي فرقة من الفرق الخارجة عن الملة وبين أتباعه ا من حيث التكف ير أو‬
‫التفسيق؟)‬
‫فأج ابت‪( :‬من ش ايع من الع وام إمام ا من أئم ة الكف ر والض الل‪ ،‬وانتص ر‬
‫لسادتهم وكبرائهم بغيا وعدوا‪ ،‬حكم له بحكمهم كفرا وفسقا‪ ،‬قال هللا تع الى‪َ﴿ :‬و َق اُلوا‬
‫َر َّبَنا ِإَّنا َأَطْعَنا َس اَدَتَنا َو ُك َبَر اَء َنا َفَأَض ُّلوَنا الَّس ِبياَل (‪َ )67‬ر َّبَنا آِتِهْم ِض ْع َفْيِن ِم َن اْلَع َذ اِب‬

‫‪293‬‬
‫َو اْلَع ْنُهْم َلْع ًنا َك ِبيًرا ﴾ [األحزاب‪ ..]68 ،67 :‬وغ ير ذل ك في الكت اب والس نة كث ير؛‬
‫وألن النبي ‪ ‬قاتل رؤساء المشركين وأتباعهم‪ ،‬وكذلك فعل أص حابه‪ ،‬ولم يفرق وا‬
‫بين السادة واألتباع)(‪)1‬‬
‫وهذه الفتوى أبل غ رد على ال ذين ي دافعون عن الس لفية‪ ،‬ويتص ورون أنهم ال‬
‫يكفرون العوام بسبب جهلهم‪ ..‬ول و طبقناه ا على م واقفهم من س ائر األم ة‪ ،‬لطبقت‬
‫عليها جميعا‪ ،‬ألنها كلها تبع لمن تعتبرهم السلفية من الكفرة‪..‬‬
‫وسئلت هذه اللجنة حول حكم أكل ذبائح الشيعة‪ ،‬فأجابت‪( :‬إذا كان األمر كم ا‬
‫ذكر السائل من أن الجماعة الذين لديه من الجعفرية يدعون عليًا والحسن والحس ين‬
‫وسادتهم فهم مشركون مرتدون عن اإلسالم والعياذ باهلل‪ ،‬ال يحل األكل من ذبائحهم‬
‫ألنها ميتة ولو ذكروا عليها اسم هللا)(‪)2‬‬
‫وس ئلت‪( :‬إن بعض الن اس ي رى أن ه يجب على المس لم كي تق ع عبادت ه‬
‫ومعامالته على وجه صحيح أن يقلد أحد المذاهب األربعة المعروفة وليس من بينها‬
‫مذهب الشيعة اإلمامية وال الشيعة الزيدية فه ل توافق ون فض يلتكم على ه ذا ال رأي‬
‫على إطالقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة اإلمامية واألثنا عشرية مثًال؟)‬
‫فأجابت‪( :‬على المسلم أن يتبع ما جاء عن هللا ورسوله إذا ك ان يس تطيع أخ ذ‬
‫األحكام بنفسه وإذا كان ال يستطيع ذلك سأل أهل العلم فيما أشكل عليه من أمر دين ه‬
‫ويتحرى أعلم من يتحصل عليه من أه ل العلم ليس أله مش افهة أو كتاب ة‪ .‬وال يج وز‬
‫للمسلم أن يقلد مذهب الشيعة اإلمامية وال الشيعة الزيدية وال أشباههم من أهل البدع‬
‫كالخوارج والمعتزلة والجهمية وغيرهم وأم ا انتس ابه إلى بعض الم ذاهب األربع ة‬
‫المشهور فال حرج فيه إذا لم يتعصب للمذهب الذي انتس ب إلي ه ولم يخ الف ال دليل‬
‫من أجله)(‪)3‬‬
‫وأجابت في فتوى أخرى من سألها عن طلب العلم من بعض الشيعة‪( :‬علي ك‬
‫بالدراسة على العلماء المعروفين بعلمهم‪ ،‬وس المة اعتق ادهم‪ ،‬والبع د عن المبتدع ة‬
‫والمخالفين ألهل السنة‪ ،‬ومنهم الشيعة واإلمامية ال ت درس عليهم‪ ،‬وال تجالس هم وال‬
‫تراسلهم وال تنظر في كتبهم لئال يضلوك عن سبيل هللا)(‪)4‬‬
‫النموذج الثاني‪ :‬فتاوى ابن جبرين في تكفير الشيعة‬
‫يعتبر الش يخ عب د هللا بن عب د ال رحمن الج برين (‪ 1430 - 1353‬هـ) من‬
‫كبار أعالم السلفية المعاصرين من أصحاب الفتاوى الكثيرة المرتبط ة بك ل ش يء‪،‬‬
‫وقد ذكرنا سابقا فتاواه العجيبة في الرقيا والطب ونحوها‪ ،‬وسنذكر هنا بعض فتاواه‬
‫في الشيعة‪ ،‬لنرى مبلغ علم العقل السلفي في مثل هذه المسائل الخطيرة‪.‬‬
‫ومن فتاواه في هذا الجانب أنه سئل عن حكم ش راء اللحم من ج زار ش يعي‪،‬‬

‫‪ )(1‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء ج‪ ]2/377‬فتوى رقم [ ‪.] 9247‬‬
‫‪ )(2‬فتاوى اللجنة الدائمة لإلفتاء‪..264 /2 :‬‬
‫‪ )(3‬فتاوى اللجنة الدائمة لإلفتاء‪.1/153 :‬‬
‫‪ )(4‬فتاوى اللجنة الدائمة ‪..12/99‬‬

‫‪294‬‬
‫فقال‪( :‬ال يحل ذبح الرافضي وال أكل ذبيحته‪ ،‬ف إن الرافض ة غالب ًا مش ركون حيث‬
‫ي دعون علي بن أبي ط الب دائم ًا في الش دة والرخ اء ح تى في عرف ات والط واف‬
‫والسعي‪ ،‬ويدعون أبناءه وأئمتهم كما سمعناهم م رارا‪ ،‬وه ذا ش رك أك بر وردة عن‬
‫اإلسالم يستحقون القتل عليها‪ .‬كما هم يغلون في وصف علي ويصفونه بأوصاف ال‬
‫تصلح إال هلل‪ ،‬كما سمعناهم في عرفات‪ ،‬وهم بذلك مرتدون حيث جعلوه ربًا وخالقًا‪،‬‬
‫ومتص رفًا في الك ون‪ ،‬ويعلم الغيب‪ ،‬ويمل ك الض ر والنف ع‪ ،‬ونح و ذل ك‪ .‬كم ا أنهم‬
‫يطعنون في القرآن الكريم‪ ،‬ويزعمون أن الصحابة حرفوه وحذفوا منه أشياء كث يرة‬
‫تتعلق بأهل البيت وأعدائهم‪ ،‬فال يقتدون به وال يرونه دليًال‪ ..‬لكنهم مع ذلك ين افقون‬
‫فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم‪ ،‬ويخفون في أنفسهم ما ال يبدون لك‪ ،‬ويقولون‪:‬‬
‫من ال تقية له فال دين له‪ .‬فال تقبل دعواهم في األخوة ومحبة الشرع‪ ،‬فالنفاق عقي دة‬
‫عندهم‪ ،‬كفى هللا شرهم)(‪)1‬‬
‫وسأله آخر ه ذا الس ؤال ال ذي ي بين األحق اد ال تي ينش ئها علم اء الس لفية في‬
‫نفوس العوام والبسطاء‪( :‬لدي أمر طالما أشغلني؛ حيث إنني أحد م وظفي أرامك و‪،‬‬
‫وحديث عهد بهذه الوظيفة‪ ،‬ولكن ما أشغلني أنني أعمل مع رافضة في نفس القس م‪،‬‬
‫وجرت العادة على االشتراك في وجبات الطع ام خالل وقت ال دوام‪ ،‬ويك ون األك ل‬
‫جماعيا‪ ،‬وما قد يتخلل ذلك من الضحك والمزاح‪ ،‬مما قد يضعف عند المسلم قض ية‬
‫الوالء والبراء والغيرة على هذا ال دين‪ ،‬م ع العلم أن ني أح دث واح د فيهم ورئيس ي‬
‫المباشر منهم‪ ،‬مما قد يضطرهم إلى مضايقتي في العم ل إذا أحس وا م ني بغض هم‪.‬‬
‫أفيدونا رعاكم هللا‪ ،‬فإنني في حيرة من أمري؛ لما قد يترتب على ذلك إن أنا قطعتهم‬
‫وجعلت عالقتي معهم مجردة فيما يتعلق بالعمل‪ ،‬ولكن قد يضايقوني كما أسلفت؟)‬
‫فأجاب بقوله‪( :‬عليك أن تحاول االنتقال إلى جهة أخ رى ال يوج دون به ا‪ ،‬أو‬
‫ال يكون لهم سلطة فيها‪ ،‬ف إن لم تج د قريب ا فعلي ك أن تظه ر لهم المقت واالحتق ار‪،‬‬
‫والسخرية منهم‪ ،‬وأن ال يكون لك انبساط معهم وال انشراح ص در‪ ،‬وإذا رأيت منهم‬
‫مضايقة خاصة فسجل كلم اتهم واكتب به ا إلى المس ئولين في الش ركة‪ ،‬ح تى يلق وا‬
‫جزاءهم‪ ،‬كما أن عليك محاولة إقناعهم ببطالن معتقدهم وصحة ما أنت علي ه‪ ،‬ف إن‬
‫رجع أحد منهم وإال قامت عليهم الحجة)(‪)2‬‬
‫وس ئل‪( :‬أن ا طالب ة في جامع ة المل ك س عود ومن ض من طالب ات الجامع ة‬
‫طالب ات ش يعيات يحض رن معن ا نفس المحاض رات‪ ،‬فنتح دث إليهن وتح دث بينن ا‬
‫وبينهن مناقشات خاصة بالدراس ة‪ ،‬وغ ير الدراس ة‪ ،‬م ع العلم أن معظمهن يتص فن‬
‫بصفات حميدة وأخالق عالية‪ ،‬وقد سمعت أنه من المحرم مخالطة الشيعة فما الحكم‬
‫في ذلك؟)‬
‫فأج اب‪( :‬الش يعة غالب ا يطعن ون في أك ابر الص حابة كالخلف اء الثالث ة‪،‬‬
‫ويكفرونهم‪ ،‬ويلعنونهم‪ ،‬ويطعنون في القرآن‪ ،‬ويزعمون أن الصحابة نقص وه أك ثر‬
‫‪ )(1‬فتاوى ابن جبرين‪ :‬رقم الفتوى (‪)11092‬‬
‫‪ )(2‬فتاوى الشيخ ابن جبرين (‪)28 /18‬‬

‫‪295‬‬
‫من ثلثي ه‪ ،‬وي ردون األح اديث ال تي في الص حيحين؛ ألن رواته ا الص حابة الكف رة‬
‫بزعمهم‪ ،‬ثم يغلون في علي وفاطمة وابنيها‪ ،‬ويعب دونهم من دون هللا وي دعونهم في‬
‫الشدائد‪ ،‬ويكفرون أه ل الس نة ال ذين يحب ون الص حابة‪ ،‬وي دعون أن من أحبهم فق د‬
‫أبغض أهل ال بيت ال ذين هم عن دهم على وابن اه وفاطم ة فق ط‪ ،‬فعلى ه ذا ال يج وز‬
‫إقرارهم وال األنس بهم‪ ،‬وال يوثق بهم وال تجوز محبتهم وم واالتهم‪ ،‬ول و أظه روا‬
‫النصح والمحبة فإن ذلك من التقية التي هي النف اق‪ ،‬ويقول ون بألس نتهم م ا ليس في‬
‫قلوبهم)(‪)1‬‬
‫وسئل‪( :‬ما حكم دفع زكاة أموال أهل السنة لفق راء الرافض ة (الش يعة) وه ل‬
‫تبرأ ذمة المسلم الموكل بتفريق الزكاة إذا دفعها للرافضي الفقير أم ال؟)‬
‫فأجاب‪( :‬لقد ذكر العلماء في مؤلفاتهم في باب أهل الزكاة أنها ال ت دفع لك افر‬
‫وال لمبتدع‪ ،‬فالرافضة بال شك كفار)(‪)2‬‬
‫وسئل‪( :‬أنا أعمل في دائرة حكومية‪ ،‬وعند االنتهاء من صالة الظهر يحض ر‬
‫بعض من الموظفين الشيعة يؤدون صالة غير الص الة ال تي وردت عن الُم ص طفى‬
‫‪ ،‬ولقد بين ا لهم الص الة الص حيحة وأن الص الة ال تي يص لونها غ ير ص حيحة‪،‬‬
‫ولكنهم أصروا على صالتهم‪ ،‬فهل نمنعهم من أداء الصالة أم ال؟)‬
‫فأجاب بهذا الجواب التي ال يتناسب إال مع العقل الس لفي‪( :‬علي ك أن تس ألهم‬
‫عن ص التكم ه ل هي ص حيحة أم باطل ة‪ ،‬ف إن ق الوا ص حيحة ف ألزموهم بالص الة‬
‫معكم‪ ،‬ف إن ق الوا باطل ة فس لهم عن س بب البطالن‪ ،‬ف إن زعم وا أنكم على ض الل‬
‫وخطؤوكم وأبطلوا عباداتكم فقد كفروكم‪ ،‬ومن كفر المسلمين فهو الك افر ف امنعوهم‬
‫من الصالة ألنهم قد فعلوا ما يكفرون ب ه وه و تكف يركم وبطالن الص الة خلفكم فال‬
‫صالة لهم وال عبادة لهم سيما إذا صلوا صالة تخ الف ص الة المس لمين في مس اجد‬
‫المسلمين‪ ،‬فامنعوهم حتى يذهبوا إلى بالدهم ويصلوا في معابدهم الخاصة بهم‪ ،‬وهللا‬
‫يكفينا شرهم)(‪)3‬‬
‫وس ئل‪( :‬كي ف التعام ل م ع الرافض ة؟)‪ ،‬فأج اب‪( :‬ال يج وز تش جيعهم وال‬
‫ته نئتهم بمواس مهم وال الش راء من بض ائعهم وال من تج اراتهم‪ ،‬وك ذا ال يج وز‬
‫بداءتهم بالس الم وال القي ام لهم‪ ،‬وال تص ديرهم في المج الس؛ وذل ك ألنهم ُيكف رون‬
‫الصحابة غالًبا ويردون األحاديث التي رويت عنهم مع أنها في الص حيحين‪ ،‬وألنهم‬
‫يكفرون أهل الُسنة‪ ،‬ولهذا ال ُيصلون خلف أئمة أه ل الُس نة‪ ،‬وق د فش ا فيهم الش رك‬
‫الذي هو ُدعاء أئمتهم كعلي والحس ن والُحس ين وزين العاب دين ونح وهم‪ ،‬والش رك‬
‫ُيحبط األعمال وُيدخل صاحبه في النار)(‪)4‬‬
‫ًا‬
‫وسئل‪( :‬استنكر أحد اإلخوة تكفير الرافضة‪ ..‬فقال األخ ـ علم أن ه أق دم م نى‬

‫‪ )(1‬فتاوى ابن جبرين‪ :‬رقم الفتوى (‪)10495‬‬


‫‪ )(2‬فتاوى الشيخ ابن جبرين (‪)44 /18‬‬
‫‪ )(3‬فتاوى ابن جبرين‪ :‬رقم الفتوى (‪)7827‬‬
‫‪ )(4‬فتاو ابن جبرين‪ :‬رقم الفتوى (‪)12461‬‬

‫‪296‬‬
‫في طلب العلم ـ أن تكفير عقيدتهم ال يعني تكفير عام ة ُجّه الهم ال ذين ُيَض ّللون ِم ن‬
‫ِقبل أئمتهم‪ ،‬ولكن إن ُنِص حوا وُبِّيَن لهم وأقيمت عليهم الُحج ة ولم يرجع وا عن تل ك‬
‫العقيدة الفاسدة وجب تكفيرهم‪ ،‬فم ا رأي س ماحة الش يخ‪ ،‬ه ل الجاه ل منهم مع ذور‬
‫بشركه؟)‬
‫فأج اب‪( :‬الرافض ة ال ذين يس مون أنفس هم الش يعة‪ ،‬وي دعون حب آل بيت‬
‫الرسول ‪ ،‬هم شر طوائف األمة‪ ،‬وقد كان المؤسس له ذا الم ذهب يه ودي اس مه‬
‫عبد هللا بن س بأ‪ ،‬وأص حابه الس بئية الغالة ال ذين ادع وا اإللهي ة في علي‪ ،‬وورثتهم‬
‫يألهون أئمتهم من ذرية علي‪ ،‬وهؤالء كفار بإجماع المسلمين‪ ،‬وإذا أظهروا اإلسالم‬
‫وكتموا اعتقادهم كانوا منافقين‪ ،‬وهؤالء من غالة طوائف الرافض ة ال ذين ق ال فيهم‬
‫بعض العلماء‪ :‬إنهم يظهرون الرفض‪ ،‬ويبطن ون الكف ر المحض‪ ..‬ثم اعتنق وا بعض‬
‫أص ول المعتزل ة كنفي الص فات‪ ،‬والق در‪ ،‬ثم أح دثوا بع د الق رون المفض لة بن اء‬
‫المشاهد على قبور أئمتهم؛ فأحدثوا في األمة ش رك القب ور‪ ،‬وب دع القب ور‪ ،‬وس رى‬
‫منهم ذلك لكثير من طوائف الص وفية‪ ،‬والمقص ود أن الرافض ة في جملتهم هم ش ر‬
‫طوائف األمة‪ ،‬واجتمع فيهم من موجبات الكفر‪ ،‬تكفير الصحابة‪ ،‬وتعطيل الصفات‪،‬‬
‫والشرك في العبادة بدعاء األموات‪ ،‬واالس تغاثة بهم‪ ،‬ه ذا واق ع الرافض ة اإلمامي ة‬
‫الذين أشهرهم اإلثنا عشرية فهم في الحقيقة كفار مش ركون لكنهم يكتم ون ذل ك‪ ،‬إذا‬
‫كانوا بين المسلمين عمال بالتقية التي ي دينون به ا‪ ،‬وهي كتم ان ب اطلهم‪ ،‬ومص انعة‬
‫من يخالفهم‪ ..‬وعلى هذا فإنهم يع املون معامل ة المن افقين ال ذين يظه رون اإلس الم‪.‬‬
‫ولكن يجب الحذر منهم‪ ،‬وعدم االغترار بم ا يدعون ه من االنتص ار لإلس الم‪ ..‬ومن‬
‫أجل ذلك الغالب عليهم عدواة أه ل الس نة‪ ،‬والكي د لهم بك ل م ا يس تطيعون‪ ،‬ولكنهم‬
‫يخف ون ذل ك ش أن المن افقين‪ ،‬وله ذا ك ان خط رهم على المس لمين أعظم من خط ر‬
‫اليهود‪ ،‬والنصارى لخفاء أمرهم على كثير من أهل السنة‪ ،‬وبسبب ذلك راجت على‬
‫كثير من جهلة أهل الس نة دع وة التق ريب بين الس نة والش يعة‪ ،‬وهي دع وة باطل ة‪.‬‬
‫فمذهب أهل السنة‪،‬ومذهب الشيعة ضدان ال يجتمع ان‪ ،،‬فال يمكن التق ريب إال على‬
‫أس اس التن ازل عن أص ول م ذهب الس نة‪ ،‬أو بعض ها‪ ،‬أو الس كوت عن باط ل‬
‫الرافضة‪ ،‬وهذا مطلب لك ل منح رف عن الص راط المس تقيم ـ أع ني الس كوت عن‬
‫باطل ه ـ كم ا أراد المش ركون من الرس ول ‪ ‬أن ي وافقهم على بعض دينهم‪ ،‬أو‬
‫يسكت عنهم فيعاملونه كذلك‪ ،‬كما قال تعالى‪َ﴿ :‬و ُّد وا َلْو ُت ْد ِهُن َفُي ْد ِهُنوَن ﴾ [القلم‪)]9 :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ 2‬ـ الكتب والمنشورات السلفية في تكفير الشيعة‪:‬‬
‫ال يمكن إحصاء ما ألفه السلفية من كتب ومنشورات ح ول الش يعة‪ ،‬ألن ك ل‬
‫علم من أعالمهم أو خطيب من خطبائه ا يتق رب إلى هللا بكتاب ة كت اب أو رس الة‬
‫يملؤها بكل م ا مأله ب ه س لفه من أحق اد ح ول ه ذه الطائف ة المحترم ة من طوائ ف‬
‫األمة‪.‬‬
‫‪ )(1‬فتاوى ابن جبرين‪ :‬رقم الفتوى ‪.18080‬‬

‫‪297‬‬
‫وق د ش جع على الت أليف في ه ذا الج انب الكث ير من العوام ل‪ ،‬ومن أهمه ا‬
‫العام ل السياس ي‪ ،‬فالس عودية ودول الخليج اس تعملت في حربه ا م ع إي ران ك ل‬
‫الوسائل وأهمه ا الح رب الثقافي ة المتمثل ة في نش ر الكتب والرس ائل والمطوي ات‪..‬‬
‫حتى ال يخلو بيت من بيوت المسلمين من أمثال هذه الكتب‪.‬‬
‫وسأذكر هن ا باختص ار نم وذجين عن كتب تنتش ر بك ثرة‪ ،‬وخصوص ا على‬
‫النت‪ ،‬لتكون مثاال على أحقاد السلفية وطبيعتها العدوانية‪ ،‬وأمراض ها النفس ية ال تي‬
‫تلبسها لباس اإلسالم‪.‬‬
‫النموذج األول‪ :‬كتاب [الخطوط العريضة التي قام عليها دين الشيعة االثــنى‬
‫عشرية]‬
‫وهو لمؤلفه الس لفي الكب ير ص احب اله وى األم وي محب ال دين الخطيب (‬
‫‪ 1389 - 1303‬هـ) ال ذي لم ي ترك طائف ة من األم ة إال وأص ابها بحق ده وك بره‬
‫وغروره السلفي‪.‬‬
‫وقد ذكر الدكتور صالح الخرفي لقاء مطوال له مع ه ذا العلم الس لفي الكب ير‬
‫ذكر فيه جهوده الكبرى في خدمة األمة ـ كما يتص ور الس لفية ـ وك ان مم ا قال ه ل ه‬
‫قوله‪( :‬إن االستعمار على اختالف دوله حاول أن يحارب اإلسالم بالطرق الصوفية‬
‫بشمال إفريقي ا‪ ،‬وبالقادياني ة والبهائي ة في الهن د‪ ،‬وأقط ار كث يرة أخ رى‪ ،‬فك ان من‬
‫وسائل الدفاع عن اإلسالم التنبيه على أضرار الطرق المنحرف ة ال تي ك ان يس ميها‬
‫الن بي ‪ ‬بني ات الطري ق‪ ،‬وأن مجل ة(الفتح) ق امت بنص يب كب ير من الجه ود في‬
‫مقاومة الطرق ومقاومة القاديانية‪ ،‬وحتى بعد احتجاب الفتح كنت أنتهز الف رص في‬
‫مجلة (األزهر) لمواص لة ه ذا الجه اد ال ذي أرج و هللا أن ي ؤدي ثم رات طيب ة في‬
‫الجزائر وفي جميع البالد اإلس المية ال تي زال عن آفاقه ا ش بح االس تعمار‪ ..‬وكم ا‬
‫كنت أرى ضرر الطرق الصوفية فيم ا مض ى‪ ،‬فق د اتس ع في ه ذه الس نوات مج ال‬
‫الدعوة الشيعية بكتب تصدر عن النجف في العراق ومن جبل عام ل في لبن ان ومن‬
‫إيران والهند‪ ،‬وفيها الطعن على الصحابة من الصديق األكبر إلى من ه و دون ه من‬
‫أصحاب الرسول ‪ ،‬فرأيت من أكبر الجهاد في الدفاع عن مذهب السنة وأهلها أن‬
‫أنب ه على م واطن الباط ل من ه ذه الكتب الش يعية‪ ،‬فنش رت تعليق ا على كت اب‬
‫(العواصم من القواصم) للقاضي ابن العربي الذي سبق الشيخ ابن باديس إلى نش ره‬
‫ولكن بغير تعليق‪ ،‬وكذلك نشرت تعليقا على مختصر(الحافظ الذهبي) لكتاب(منهاج‬
‫السنة) للشيخ (ابن تيمية) وتعليق ا على مختص ر(التحف ة اإلث ني عش رية) البن ش اه‬
‫ولي هللا الدهلوي‪ ،‬ورسالة (الخطوط العريضة) في حقيقة الشيعة)(‪)1‬‬
‫وق د ك ان ه ذا العلم الس لفي من كب ار المح اربين للتق ارب بين الم ذاهب‬
‫اإلسالمية مع أنه كان مذهب كب ار العلم اء في عص ره‪ ،‬وخاص ة علم اء األزه ر‪..‬‬
‫وهو لذلك كان يحذرهم بشدة من تلك الدعوات الصادقة ال تي اتف ق علي ه االطرف ان‬
‫من العمل في المتفق عليه‪ ،‬وعذر بعضهم بعض ا في المختل ف في ه‪ ..‬وه و نفس م ا‬
‫‪ )( 1‬صفحات من الجزائر‪ :‬شخصيات ومواقف للدكتور صالح خرفي (ص‪)123-122:‬‬

‫‪298‬‬
‫تدعو إليه التقية التي يقول بها جميع الشيعة‪.‬‬
‫لكن عقل محب الدين الخطيب السلفي لم يستطع أن يفهم ه ذا المع نى‪ ،‬ف راح‬
‫يقول‪( :‬أول موانع التجاوب الصادق بيننا وبينهم ما يس مونه (التقي ة)‪ ،‬فإنه ا‪ :‬عقي دة‬
‫دينية تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون‪ ،‬فينخدع سليم القلب من ا بم ا يتظ اهرون‬
‫له به من رغبتهم في التفاهم والتقارب‪ ،‬وهم ال يريدون ذل ك‪ ،‬وال يرض ون ب ه‪ ،‬وال‬
‫يعملون له‪ ،‬إال على أن يبقى من الطرف الواحد‪ ،‬مع بقاء الطرف اآلخر في عزلت ه‬
‫ال يتزحزح عنها قيد شعرة‪ ،‬ول و توص ل ممثل و دور التقي ة منهم إلى إقناعن ا ب أنهم‬
‫خطوا نحون ا بعض الخط وات‪ ،‬ف إن جمه ور الش يعة كلهم من خاص ة وعام ة يبقى‬
‫منفصال عن ممثلي هذه المهزلة‪ ،‬وال يسلم للذين يتكلمون باسمه ب أن لهم ح ق التكلم‬
‫باسمه)(‪)1‬‬
‫وهكذا راح في رسالته تلك يتغافل عن كل الجهود التي قام بها ع وام الش يعة‬
‫وخواصهم في خدمة القرآن الكريم وحفظه وتفسيره لينشر تلك الشبهة التي ال ي زال‬
‫السلفية يتعلقون بها‪ ،‬ويردونها على الرغم من أن كل األدلة ضدهم‪.‬‬
‫يقول الخطيب‪( :‬وقد ألف أحد طواغيتهم واسمه النوري الطبرس ي كتاب ا في‬
‫ذلك سماه (فصل الخط اب)‪ ،‬وفي ه مئ ات النص وص والنق ول عن كب ار ط واغيتهم‬
‫بدعوى أن القرآن محرف‪...‬وإن المنافقين منهم يتظاهرون بالبراءة من ه ذا الكت اب‬
‫تقي ة‪ ،‬ولكن ه ذه ال براءة ال تنفعهم ألنهم يحمل ون من ذ أل ف س نة إلى اآلن أوزار‬
‫النصوص والنقول الموجودة في كتبهم بهذا المعنى)(‪)2‬‬
‫وهكذا راح يواجه تل ك ال دعوات التقريبي ة ال تي تح اول حص ر الخالف بين‬
‫الشيعة وغيرهم من األمة في مسائل فرعية وتاريخي ة ال عالق ة له ا بج وهر ال دين‬
‫وأصوله‪ ،‬فقال تحت عنوان [الشيعة تخ الف المس لمين في األص ول وليس فق ط في‬
‫الفروع]‪( :‬يستحيل هذا التفاهم مع الشيعة اإلمامية؛ ألنها تخالف جميع المسلمين في‬
‫أصولهم‪ ،‬وال ترض ى من المس لمين إال ب أن يلعن وا (الجبت والط اغوت) أب ا بك ر‬
‫وعمر‪ ،‬فمن دونهم إلى اليوم‪ ،‬وبأن يتبرؤوا من كل من ليس شيعيا‪ ،‬حتى آل ال بيت‪،‬‬
‫ال ذين لم ينض ووا تحت ل واء الرافض ة في عقائ دهم الملتوي ة ال تي منه ا ادع اء أن‬
‫القرآن محرف‪ ،‬وقد زعموا ذلك في جميع عصورهم وطبقاتهم‪ ،‬على م ا نقل ه عنهم‬
‫وسجله لهم نابغتهم العزيز عليهم‪ ،‬الحبيب إلى قلوبهم‪ :‬النوري الطبرسي)(‪)3‬‬
‫ولم يكتف السلفية عند طبعهم للكتاب بتلك األحقاد التي كتبها الخطيب‪ ،‬وإنم ا‬
‫أضاف إليها كل من نشر الكتاب المزيد مما في نفسه منها‪.‬‬
‫ومن النماذج على ذلك م ا ق دم ب ه [محم د م ال هللا] للكت اب‪ ،‬فق د ش ن حمل ة‬
‫ش ديدة على العلم اء ال ذين ي دعون للوح دة اإلس المية‪ ،‬والتق ارب بين الم ذاهب‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ومن أقواله أو خطبه في ذلك‪( :‬ال يفك رن أح د في الوح دة وفي الت أليف‬

‫‪ )(1‬الخطوط العريضة‪ ،‬ص‪.15‬‬


‫‪ )(2‬مقدمة الخطيب لكتاب (التحفة االثني عشرية) (هامش ص‪)33 :‬‬
‫‪ )(3‬الخطوط العريضة‪ ،‬ص‪.54‬‬

‫‪299‬‬
‫بين المسلمين وبين هذه الجماعة‪ ،‬فإن م ذاهبها ومبادئه ا ال تمكنه ا أب دًا في الرض ا‬
‫عن المس لمين ومن االق تراب إليهم وإلى ودهم وواليتهم‪ .‬وإذا ك انت ه ذه الق رون‬
‫الطويلة التي مرت بهم لم تستطع أن تأكل من صدورهم ومن كتبهم الع داوات ال تي‬
‫يحملونهم ألبي بكر وعمر وعثم ان واآلخ رين‪ ،‬ب ل ظلت في ص دورهم وفي كتبهم‬
‫حتى اليوم تزداد ذكاء واتق ادًا وتوهج ًا‪ ،‬فكي ف نرج و نحن منهم محب ة أو والي ة أو‬
‫صداقة؟! ثم ما الذي نرجوه من االتحاد بهم واالقتراب إليهم؟ إنهم لن ينفعونا ش يئًا‪،‬‬
‫ولن يزيدونا إال ضعفًا وهونًا وهوانًا وخباًال!‪ ..‬أنريد منهم أن يجاهدوا معنا أع داءنا‬
‫وأع داء اإلس الم‪ ،‬وهم يقول ون إن الجه اد باط ل موض وع ال يج وز إال تحت راي ة‬
‫اإلمام المنتظر‪ ،‬وهم يقولون أيضًا‪ :‬إن الذين فتحوا بالد الكفر والشرع من المسلمين‬
‫آثم ون عاص ون ألنهم تحت إم رة غ ير معص وم أمث ال عم رو وخال د وأبي عبي دة‬
‫وأسامة‪ ..‬أم نريد منهم القوة وهم ما زالوا الضعف في اإلسالم وال وهن في ص فوف‬
‫المسلمين؟ أم نريد منهم كثرة العدد‪ ،‬وماذا نفعل بك ثرة الع دد؟ والمس لمون لم يؤت وا‬
‫من قلة العدد‪ .‬إن ه الغث اء والوب اء والبالء‪ .‬ومس لم واح د مث ل خال د بن الولي د خ ير‬
‫لإلسالم من الشيعة في جميع عصورها)(‪)1‬‬
‫ثم راح يصدق كل تلك األك اذيب ال تي تتح دث عن ت اريخ الش يعة‪( :‬أم م اذا‬
‫نريد منهم وقد كانوا أبدًا حربًا على المسلمين‪ ،‬وعون ًا ألع داء المس لمين‪ ،‬المري دين‬
‫بهم الف واق؟ س ائلوا الت اريخ قول وا ل ه‪ :‬في أي عص ر من عص ورك كتبت في‬
‫ص فحاتك له ذه الطائف ة جه ادًا أو نص رًا لإلس الم‪ .‬أو دفاع ًا عن ه بين ص فوف‬
‫المجاهدين من المسلمين؟ ب ل قول وا ل ه في أي عص ر من عص ورك لم تكتب على‬
‫هذه الطائفة انحيازها إلى غير المسلمين وانكفاءها شطر آخصام اإلسالم ف رارًا من‬
‫المس لمين؟ قول وا للت اريخ وه و أص دق ن اطق ومجيب‪ :‬أم ا ك انوا أعوان ًا وعيون ًا‬
‫لطاغي ة التت ار على المس لمين وعلى خليفتهم‪ ،‬ثم أم ا ح اولوا قت ل البط ل المجاه د‬
‫السلطان صالح الدين بينما هو يناجز عبدة الصلبان ويحاربهم ولكن هللا أنج اه منهم‬
‫ومن عدوانهم؟ وقد خصوا هذا البطل العظيم بمزيد العداوة وعنيف الخص ومة‪ .‬ب ل‬
‫قولوا أي بطل من أبط ال اإلس الم وفاتحي ه ومجاهدي ه لم يكره وه ويمقت وه م ا خال‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬وما والؤهم ل ه ب والء ولكن ه البالء؟ إذن م اذا نري د منهم ومن‬
‫االقتراب إليهم وتألفهم لو كان ذلك ممكنًا ميسورًا؟ إننا نريد مسلمًا واحدًا سليمًا قويًا‬
‫وال نريد ألف مريض هالك)(‪)2‬‬
‫النموذج الثاني‪ :‬كتاب [أحكام الروافض؛ شبهاتهم؛ كيفية التعامل معهم]‬
‫وهو للشيخ عبد الرحمن السحيم‪ ،‬وهو لداعية سعودي يعمل بوزارة األوق اف‬
‫والشؤون اإلسالمية في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬وق د تتلم ذ ـ كم ا‬
‫ورد في ترجمته ـ على كب ار أعالم الس لفية‪ ،‬من أمث ال الش يخ ابن ع ثيمين والش يخ‬
‫ناصر العقل والشيخ عبد هللا بن جبرين والشيخ عبد الكريم الخضير‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ )(1‬الخطوط العريضة‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪ )(2‬الخطوط العريضة‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪300‬‬
‫وهذا الكتاب مملوء بالفت اوى التكفيري ة‪ ..‬وق د ب دأها به ذه الفت وى إجاب ة عن‬
‫سؤال يقول‪( :‬هل الرافضة أو الش يعة كف ار م ع أنهم يش هدون أن ال إل ه إال هللا وأن‬
‫محمدا رسول هللا)‪( :‬ليس كل من شهد أن ال إله إال هللا وأن محمدا رس ول هللا ص ار‬
‫مس لما‪ ،‬فالمن افقون يش هدون ه ذه الش هادة وم ع ذل ك ال تنفعهم‪ ..‬وذل ك أن ش هادة‬
‫التوحيد لها شروط وأركان ولها نواقض‪ ،‬فمن أتى بناقض من نواقض هذه الش هادة‬
‫فإن ه ال ينفع ه عم ل‪ .‬وك ذلك الح ال بالنس بة للرافض ة ف إنهم أش د كف را من اليه ود‬
‫والنصارى كما نص على ذلك العلماء‪ .‬وقد بسط القول فيهم شيخ اإلسالم ابن تيمي ة‬
‫في كتاب ه الن افع‪[ :‬منه اج الس نة النبوي ة ]‪ ..‬والرافض ة عموم ا ُيعّظم ون القب ور‬
‫واألموات‪ ،‬والشرك أصل فيهم‪.‬وليس شيء أضّر على اإلس الم من الرافض ة‪ ،‬ومن‬
‫قرأ التاريخ َع َر ف ذلك‪ ،‬فمن أسقط الخالفة العباسية سواهم؟ ومن جّرأ المغول على‬
‫سفك دماء المسلمين في بغداد وسائر البالد اإلسالمية إّال هـم؟)(‪)1‬‬

‫وسئل في فتوى أخرى عن مخاظر الشيعة‪ ،‬فقال‪( :‬الرافض ة ش ّر من اليه ود‬


‫والنص ارى‪ ،‬وذل ك ألنهم ينتس بون إلى اإلس الم‪ ،‬واإلس الم منهم ب راء‪ ،‬وق د ح ّذ ر‬
‫السلف من ُصحبة الرافضة‪ ،‬بل حتى منعوا من إلقاء الس الم عليهم‪ ،‬وهم ُيض مرون‬
‫عداء واضحا ألهل اإلسالم‪ ،‬وربما طفح هذا العداء حتى ص ّرحوا ب ه‪ ..‬ق ال اإلم ام‬
‫البربه اري‪ :‬واعلم أن األه واء كله ا ردي ة ت دعو إلى الس يف‪ ،‬وأردؤه ا وأكفره ا‬
‫الرافض ة والمعتزل ة والجهمي ة‪ ،‬ف إنهم يري دون الن اس على التعطي ل والزندق ة‪..‬‬
‫وجرائم الرافضة ال تخفى على ذي بص يرة‪ ،‬فج رائمهم ع بر الت اريخ ح تى س ّودوا‬
‫صفحات من التاريخ َبسوء أفعالهم‪ ،‬سّو د هللا وجوههم وأخزاهم)(‪)2‬‬
‫وأجاب في فتوى أخ رى عن س ؤال ح ول التعام ل م ع الش يعة ومخ الطتهم‪،‬‬
‫فق ال‪( :‬يجب أن ال يغيب عن ذهن ك أن الك ذب والنف اق ه و دين الرافض ة‪ ،‬وال ذي‬
‫ُيسّم ونه الّتـقـّيـة‪ ،‬وهو عندهم تسعة أعشار الِّدين‪ ،‬وفي حديث عن دهم أيض ا‪( :‬من ال‬
‫ّتـقـّيـة له ال دين له)‪ ،‬وي روون عن جعف ر الص ادق – وه و منهم ب رئ – أن ه ق ال‪:‬‬
‫(الّتـقـّيـة ديني ودين آبائي وأجدادي)‪ ،‬وعندهم أيضا حديث‪( :‬من صّلى خل ف ُس نّي‬
‫ّتـقـّيـة فكأنما صّلى خلف نبّي )‪ ،‬فهذا التعامل الحسن وعدم إظهار الُك ره هو من ه ذا‬
‫الباب من باب الّتـقـّيـة‪ ،‬ثم إنهم ال يملكون قّو ة الحجة فُيحاولون كس ب العاّم ة يع ني‬
‫أهل السنة بهذه الطريقة‪ ،‬وال يغررك طيب كالمهم فم ا ُتخفي ص دورهم أك بر‪ .‬فهم‬
‫كمالمس الحيات وكأني اب الليث‪ ..‬ثانًي ا‪ :‬جلوس ك معهم وُم ص احبتهم ُيطمعهم في ك‬
‫أك ثر‪ .‬باإلض افة إلى ُم جالس ة أه ل الض الل تكث ير لس وادهم‪ .‬وهم شـّر من وطئ‬
‫الحصى كما ق ال ش يخ اإلس الم ابن تيمي ة‪ ..‬وإني ألتس اءل كي ف تطيب نفوس نا أن‬
‫ُنجالس من يطعنون في ع رض رس ول هللا ‪ ،‬وإن لم يتفّوه وا به ذا أمامن ا‪ ،‬فه ذا‬
‫اعتقادهم الذي تنضح ب ه كتبهم‪ ..‬رابًع ا‪ :‬بالنس بة ل دعوتهم فه و ش به ال ريح وأخ و‬

‫‪ )(1‬أحكام الروافض‪ ،‬ص‪.9‬‬


‫‪ )(2‬أحكام الروافض‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪301‬‬
‫المستحيل‪ ،‬أذكر أنني ق ابلت رافض ًيا ه داه هللا إلى اإلس الم فس ألته‪ :‬كي ف ُيمكن أن‬
‫أعرف أن الرافضي قد اقتنع وأنه ال يستعمل معي الّتقّي ة؟ ق ال‪ :‬ه ذا ال ُيمكن إال إذا‬
‫أسلم وحُسن إسالمه‪ .‬أما من خالل النقاش والمجادلة فال ُيمكن ذلك‪ ،‬وأف اد أيض ا أن‬
‫دعوتهم أصعب ما تك ون‪ ،‬إذ ق د رض عوا بغض العاّم ة يع ني أه ل الس نة رض عوا‬
‫بغضنا مع حليب أمهاتهم‪ ،‬والحوادث على ذلك كثيرة‪ ،‬والشواهد أكثر)(‪)1‬‬
‫وسئل‪( :‬ما صحة قول‪ :‬كلنا مسلمين ش يعة كن ا أم س نة فال ف رق؟)‪ ،‬فأج اب‪:‬‬
‫(إذا صح أنه ال فرق بين الليل والنهار‪ ،‬وال بين ال ثرى والثري ا فيص ّح أن ه ال ف رق‬
‫بين الكفر واإلسالم ! فالرفض شرك وُك فر‪ ،‬والرفض دين آخ ر غ ير دين اإلس الم‪،‬‬
‫ليس لهم مساجد بل حسينيات‪ ،‬ليس عندهم قرآن ب ل مص حف فاطم ة‪ ،‬يحّج ون إلى‬
‫كربالء والنجف والعتبات المقدسة ‪ -‬بزعمهم ‪ُ -‬يقّد سون مراقد األئمة‪َ ،‬ي دعون علي ا‬
‫والحسين من دون هللا ! أي إسالم ه ذا؟! فنحن ال نلتقي م ع الرافض ة إال أنن ا نعيش‬
‫وإياهم على سطح األرض)(‪)2‬‬
‫وسئل‪( :‬جاري شيعي فهل يجوز زيارته في بيته أو قبول دعوت ه إلى بيت ه أو‬
‫إلى أي مكان آخر‪ ،‬وهل يجوز أن ندعوه في المناسبات وغيره ا؟)‪ ،‬فأج اب بقول ه‪:‬‬
‫(روى أبو بكر الخّالل في كتاب السنة عن يوسف بن موسى أن أبا عبد هللا [ اإلم ام‬
‫أحمد ] ُسئل ‪ -‬وأخبرني علي بن عبد الصمد ‪ -‬قال‪ :‬سألت أحمد بن حنب ل عن ج اٍر‬
‫لنا رافض ّي ُيَس ِّلُم َع َلّي أُر ّد علي ه؟ ق ال‪ :‬ال‪ .‬وروى أيض ا عن إس ماعيل بن إس حاق‬
‫الثقفي النيسابوري أن أبا عبد هللا ُسئل عن رجل له جار رافض ي ُيَس ِّلم علي ه‪ .‬ق ال‪:‬‬
‫ال‪ ،‬وإذا َس ّلم عليه ال َيُر ّد عليه‪ .‬فإذا ك ان الس لف َيمنع ون من الس الم علي ه وِم ن َر ّد‬
‫الس الم‪ ،‬فكي ف ِبدعوت ه؟ م ع أن أه ل العلم ُيج يزون رّد الس الم على اليه ودي أو‬
‫النص راني إذا س َّلم‪ ،‬وأم ا الرافض ي الط اعن في ع رض رس ول هللا ‪ ‬الس اّب‬
‫ألصحابه‪ ،‬فهذا ال ُيرّد عليه وال كرامة له)(‪)3‬‬
‫وس ئل‪( :‬ه ل يج وز أن ي دَخ ل ال رواِفض الح رمين؟)‪ ،‬فأج اب بقول ه‪( :‬إن‬
‫الرافضة لم َي دخلوا اإلس الم أص ال ح تى ُيحَك م ِبكف ِر هم‪ ،‬ب ل لهم ِد ين ُم س َتِقّل‪ ،‬ولهم‬
‫ُم صحف غ ير مص حف المس لمين [مص حف فاطم ة]‪ ،‬ب ل وح تى االس م‪ ،‬فاس مهم‬
‫[الرافضة]‪ ،‬وهم َيعترفون بذلك كله في ُك تبهم‪ ،‬وقد صّر ح بعض معاص ريهم ب أنهم‬
‫ال َيجتمع ون م ع أه ل الس نة ال في رّب وال في ِد ين وال في ن بّي ‪ ،‬وإذا ك ان األم ر‬
‫ك ذلك فإن ه َيجب منعهم من دخ ول الح رم‪ ..‬وَم ن َس َفك ال دم الح رام في الح رم إال‬
‫الرافض ة‪ ..‬ومن َقت ل الحجيج ق ديما وح ديثا إال الرافض ة؟! وك ل ذل ك ِب دعوى‬
‫اإلس الم ! وتحت ِش عار محب ة آل ال بيت‪ ،‬وحقيق ة ِد ين الرافض ة الكف ر الص ريح‬
‫والزندقة المكشوفة)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬أحكام الروافض‪ ،‬ص‪.12‬‬


‫‪ )(2‬أحكام الروافض‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ )(3‬أحكام الروافض‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫‪ )(4‬أحكام الروافض‪ ،‬ص‪.39‬‬

‫‪302‬‬
‫وس ئل‪( :‬م ا رأيكم بعم ل تح الف إس المي س ني وش يعي ق ائم على أس اس‬
‫الش هادتين والق رآن الك ريم؟)‪ ،‬فأج اب‪( :‬ال ذي َيطلب الق رب من الرافض ة كال ذي‬
‫يتطّلب جذوة نار في ق اع البح ر‪ ،‬وال ذي ُيري د ُم س المة الرافض ة أو ُنص رتهم فه و‬
‫كالذي ُيريد مسالمة العقارب واألفاعي السامة‪ ..‬شواهد الت اريخ كث يرة وكث يرة ج دا‬
‫على َغدر الرافضة‪ ،‬بل شواهد الواقع المعاصر المشاَهد شاهدة بذلك‪ ..‬فكي ف ُيطلب‬
‫التقارب مع أناس ال عهد لهم وال وفاء؟ بل مع أناس َي رون س فك دم اء أه ل الس نة‬
‫(العام ة – الناِص بة) ُقرب ة إلى هللا‪ ..‬ه ذا غ ير مُم كن إال أن يتن ازل الرافض ة عن‬
‫ُك فرهم وشركهم‪ ،‬وأن ُيؤمن وا بالكت اب والس نة‪ .‬أم ا م ا ع دا ذل ك فعبث ! والت اريخ‬
‫أثبت أن يد الرافضة ِبَي د الع دو المحت ّل‪ ..‬فكي ف نطلب ح رب ع دو أي ديهم في ي ده‬
‫وقلوبهم معه)(‪)1‬‬
‫وس ئل عن حكم لعن الش يعة‪ ،‬فأج اب‪( :‬أم ا الرافض ة فلعنهم ُقرب ة؛ ألنهم‬
‫يلعنون خيار األمة‪ ،‬بل يلعنون أفضل الناس بعد النبي ‪ ،‬فيلعنون أب ا بك ر وعم ر‬
‫وابنتيهم ا‪ ..‬وَم ن ال يرع وي عن اللعن‪ ،‬فال ينبغي الت وّرع عن لعن ه‪ ،‬إّال أن ُيفض ي‬
‫ذلك إلى َحْمِلهم على َلْع ن األخيار)(‪)2‬‬
‫وسئل‪( :‬من أشد خطرا على المسلمين الروافض أم اإلس رائليون؟)‪ ،‬فأج اب‪:‬‬
‫(الرافضة واليهود‪َ :‬و ْج ه ان ِلُعمل ة واح دة‪ ،‬وال رفض َص نيعة يهودي ة‪ ،‬إّال أن ال ذي‬
‫ُيبِط ن لك خالف ما ُيظِهر أخطر‪ .‬خاصة إذا كان يتمّس ح ِب ِد ين اإلس الم وي زعم أن ه‬
‫مسلم ! فهذا قد يِص ل إلى ما ال يِص ل إليه غيره‪ ،‬وق د ُيخ َدع ب ه فئ ام من المس لمين‪،‬‬
‫وه ل أس قط الخالف ة في بغ داد ق ديما إّال ابن العلقمي الرافض ي؟ وه ل س اعد على‬
‫ُدخول العدّو اْلُم ْح َتّل إلى العراق إال أحفاد ابن العلقمي؟! والتاريخ ُيعيد نفسه‪ .‬والحية‬
‫ال ُتؤمن وإن كانت ناعمة الملمس)(‪)3‬‬
‫هذه مج رد نم اذج قليل ة عن فت اوى كث يرة ممتلئ ة بالحق د والكراهي ة‪ ..‬وهي‬
‫نتيجي ة طبيعي ة لتل ك األحق اد ال تي تتلم ذ عليه ا من مش ايخه من الس لفية الق دامى‬
‫والمعاصرين‪ ..‬فيستحيل على من تتلم ذ على أولئ ك الرج ال وتل ك الكتب أن يك ون‬
‫إنسانا مسالما أو طبيعيا‪.‬‬

‫‪ )(1‬أحكام الروافض‪ ،‬ص‪.41‬‬


‫‪ )(2‬أحكام الروافض‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪ )(3‬أحكام الروافض‪ ،‬ص‪.65‬‬

‫‪303‬‬
‫السلفية‪ ..‬وتكفير المدرسة اإلباضية‬
‫ال تختلف النظرة السلفية التكفيرية لإلباضية عن نظرته ا لس ائر األم ة‪ ،‬ذل ك‬
‫أنهم يقولون بالكثير من العقائد التي اتف ق س لف الس لفية وخلفهم على التكف ير به ا‪..‬‬
‫ولكن بما أن صراعهم الحالي متوجه إلى الشيعة‪ ،‬وفي وقت سابق كان متوجه ا إلى‬
‫الصوفية‪ ،‬فلهذا كانوا أكثر هدوءا معهم‪ ،‬وإن كانوا يبطنون تكفيرهم‪ ،‬ب ل يظهرون ه‬
‫في كثير من األحيان‪ ،‬ولكن ليس بالحدة التي أظهروا به ا كف ر الش يعة أو الص وفية‬
‫لعدم وجود أسباب سياسية تشجعهم على إعالن المواجهة‪.‬‬
‫وأول م ا يكف ر ب ه الس لفية اإلباض ية اته امهم بك ونهم خ وارج‪ ،‬وأن ك ل‬
‫النصوص الواردة في الخوارج منطبق ة عليهم‪ ،‬وله ذا يفس رون قول ه ‪ ‬فيهم وفي‬
‫سلفهم من الخارجين على األمة المكفرين لها‪( :‬سيخرج قوم في آخر الزمان‪ ،‬حداث‬
‫األسنان‪ ،‬سفهاء األحالم‪ ،‬يقولون من قول خير البرية‪ ،‬ال يجاوز إيمانهم حن اجرهم‪،‬‬
‫يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمي ة‪ ،‬فأينم ا لقيتم وهم ف اقتلوهم‪ ،‬ف إن في‬
‫قتلهم أج را لمن قتلهم ي وم القيام ة)(‪ )1‬إلى حمل ه على الخ وارج ق ديما واألباض ية‬
‫حديثا(‪ ..)2‬ولست أدري كي ف يحملون ه عليهم‪ ،‬وهم أك ثر الن اس س الما م ع األم ة‪،‬‬
‫وأبع د الن اس عن التط رف واإلره اب والعن ف ال ذي ب دأ بس لف الس لفية‪ ،‬وانتهى‬
‫بخلفهم‪.‬‬
‫باإلض افة إلى ه ذا‪ ،‬فهم يحكم ون عليهم بم ا يحكم ون على الق ائلين بخل ق‬
‫القرآن‪ ،‬وهم جميع األمة ما عداهم‪..‬‬
‫ويحكمون عليهم بما يحكمون على ما يسمونه تعطيل الصفات وإنك ار الجه ة‬
‫ونفي الرؤية الحسية وغير ذل ك من العقائ د مم ا رأين ا تكف ير الس لفية للق ائلين به ا‪،‬‬
‫واإلباض ية من جمل ة الق ائلين به ا‪ ..‬ول ذلك فهم ي دخلون في دائ رة التكف ير الس لفي‬
‫المطلق لجميع المدارس العقدية كما شرحنا ذلك في الفصل األول‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد وردت الكثير من التصريحات من السلفية المت أخرين‬
‫من مدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تكفير اإلباضية‪ ،‬ومنها قول الشيخ عب د‬
‫الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب‪( :‬والخوارج ما عندنا أحد منهم حتى في‬
‫األمصار ما هنا طائفة تقول بقول الخوارج إال اإلباضية في أقص ى عم ان ووقع وا‬
‫فيما هو أكبر من رأي الخوارج وهي عبادة األوثان وال وجدنا خط ك في الخ وارج‬
‫إال أن أهل هذه الدعوة اإلسالمية التي هي دعوة الرس ل إذا كف روا من أنكره ا قلت‬
‫)‬
‫يكفرون المسلمين ألنهم يقولون ال إله إال هللا)‪3‬‬
‫وق ال الش يخ س ليمان بن س حمان‪( :‬فإن ه بلغن ا عن بعض اإلخ وان الس اكنين‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري (‪ ،)6930‬ومسلم (‪)1066‬‬


‫‪ )(2‬انظر‪ :‬فرق معاصرة لغالب عواجي ‪.295 /1‬‬
‫() المطلب الحميد لعبد الرحمن بن حسن ص ‪.157‬‬
‫‪3‬‬

‫‪304‬‬
‫بالساحل من أرض ُعم ان أن في جهتهم جهمي ًة وإباض ية وعب اد قب ور متظ اهرين‬
‫بمذاهبهم وعقائدهم‪ ،‬مظهرين العداوة لإلسالم وأهله‪ .‬وذكروا أن ه ك ان ل ديهم أن اس‬
‫ممن ينتسب إلى العلم والطلب يجادلون عنهم‪ ،‬ويوالونهم‪ ،‬ويف رون إليهم‪ ،‬ويأخ ذون‬
‫جوائزهم وصالتهم‪ ،‬ويأكلون ذبائحهم‪ .‬وه ؤالء الجهمي ة ال ذين ك انوا بالس احل من‬
‫أرض عمان قد شاع ذكرهم وانتشر خبرهم‪ ،‬وظهر أم رهم من ق ديم الزم ان‪ ..‬حكم‬
‫الجهمي ة‪ ،‬وعب اد القب ور واإلباض ية وغ يرهم من طوائ ف الكف ر ممن ق د نش أ في‬
‫اإلسالم‪ ،‬وبين أظهر المسلمين‪ ،‬ويسمعون كتاب هللا وسنة رسوله ويق رؤون فيهم ا‪.‬‬
‫وكتب أهل الفقه وأهل الحديث)(‪)1‬‬
‫وقال‪( :‬فأما الجهمية‪ ،‬واإلباضية‪ ،‬وعباد القبور‪ ،‬فالرفق بهم‪ ،‬والشفقة عليهم‪،‬‬
‫واإلحسان‪ ،‬والتلطف‪ ،‬والصبر‪ ،‬والرحمة‪ ،‬والتبشير لهم‪ ،‬مما ينافي اإليمان‪ ،‬ويوق ع‬
‫في سخط الرحمن‪ ،‬ألن الحجة بلغتهم منذ أزمان)(‪)2‬‬
‫بل إنهم يستدلون بالحديث السابق على جواز قتلهم‪ ،‬ولو لم يق اتلوا‪ ،‬وق د كتب‬
‫بعضهم تحت عنوان [حكمهم عند أهل السنة وقتالهم]‪ ،‬أورد بع ده الح ديث الس ابق‪:‬‬
‫(يأتي في آخر الزمان قوم ح دثاء األس نان‪ ،‬س فهاء األحالم‪ ،‬يقول ون من خ ير ق ول‬
‫البرية يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ال يجاوز إيمانهم حناجرهم‪،‬‬
‫فأينما لقيتموهم فاقتلوهم‪ ،‬فإن فى قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)(‪)3‬‬
‫ثم علق عليه بقوله‪( :‬بهذا الحديث ونحوه استدل من ي رى ج واز قتلهم ابت داء‬
‫وإن لم يبدءوا بحرب‪ ،‬وهذا إذا أظهروا بدعتهم‪ ،‬وكذلك اس تدل ب ه على ج واز قت ل‬
‫المقدور عليه منهم‪ ،‬قال ابن تيمي ة‪( :‬فأم ا قت ل الواح د المق دور علي ه من الخ وارج‬
‫كالحرورية والرافضة ونحوهم‪ ،‬فهذا في ه ق والن للفقه اء‪ ،‬هم ا روايت ان عن اإلم ام‬
‫أحمد‪ ،‬والصحيح أنه يجوز قت ل الواح د منهم)(‪ ،)4‬وق ال ابن قدام ة‪( :‬والص حيح إن‬
‫شاء هللا أن الخ وارج يج وز قتلهم ابت داء واإلجه از على ج ريحهم ألم ر الن بى ‪‬‬
‫بقتلهم ووعده بالثواب لمن قتلهم)(‪ ،)5‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪( :‬اتفق على قت الهم‬
‫سلف األمة وأئمتها)(‪ )6‬وإنما وجب قتال الخوارج إلفسادهم أمر المسلمين‪ ،‬وتفري ق‬
‫كلمتهم وإضعافهم أمام ع دوهم‪ ،‬ق ال ابن هب يرة (إن قت ال الخ وارج أولى من قت ال‬
‫المش ركين‪ ،‬والحكم ة في ه أن فى قت الهم حف ظ رأس م ال اإلس الم‪ ،‬وفى قت ال أه ل‬
‫الشرك طلب الربح‪ ،‬وحفظ رأس المال أولى)(‪)7‬‬
‫وهكذا أفتت اللجنة الدائمة للبح وث العلمي ة واإلفت اء بالس عودية‪ ،‬وهي أعلى‬
‫لجنة رسمية للفتوى ل دى الس لفية‪ ،‬فق د س ئلت ح ول حكم الص الة خل ف اإلباض ية‪،‬‬
‫() مجموعة الرسائل النجدية ‪ ،1/72‬كشف الشبهتين‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() كشف الشبهتين ص ‪.60‬‬
‫‪2‬‬
‫() البخاري (‪ ،)3611‬مسلم ( ‪)1066‬‬
‫‪3‬‬
‫() مجموع الفتاوى ( ‪)28/499‬‬
‫‪4‬‬
‫() المغني (‪)8/526‬‬
‫‪5‬‬
‫() مجموع الفتاوى ( ‪)7/481‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ )(7‬اإلباضية في ميزان أهل السنة والجماعة‪ ،‬ص‪.37‬‬

‫‪305‬‬
‫فأجابت‪( :‬فرقة اإلباضية من الفرق الضالة لم ا فيهم من البغي والع دوان والخ روج‬
‫على عثمان بن عفان وعلي رضي هللا عنهما‪ ،‬وال تجوز الصالة خلفهم)(‪)1‬‬
‫بناء على هذا سنحاول في ه ذا الفص ل ذك ر نم وذجين عن الكتب والرس ائل‬
‫المؤلفة في تكفير اإلباضية‪ ،‬لنرى من خاللها أسباب التكفير ونتائجه‪ ،‬ونرى معهم ا‬
‫مظهرا جديدا من مظاهر حقد السلفية على األمة جميعا‪.‬‬
‫النموذج األول‪ :‬كتاب [اإلباضية في ميزان أهل السنة والجماعة]‬
‫وهو لمؤلفه الذين أطلق على نفسه لقب [عبد هللا السلفي]‪ ،‬وقد بدأ كتابه هذا ـ‬
‫كعادة السلفية ـ بمدح أنفسهم وسلفهم الذين (يدعون من ضل إلى الهدى‪ ،‬ويص برون‬
‫منهم على األذى‪ ،‬ويحي ون بكت اب هللا تع الى الم وتى‪ ،‬ويبص رون بن ور هللا أه ل‬
‫العمى‪ ،‬فكم من قتي ل إلبليس ق د أحي وه‪ ،‬وكم من ض ال تائ ه ق د ه دوه‪ ،‬فم ا أحس ن‬
‫أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم‪ ،‬ينفون عن كتاب هللا تحري ف الغ الين‪،‬‬
‫وانتح ال المبطلين‪ ،‬وتأوي ل الج اهلين‪ ،‬ال ذين عق دوا ألوي ة البدع ة‪ ،‬وأطلق وا عن ان‬
‫الفتنة‪ ،‬فهم مختلفون في الكتاب‪ ،‬مخالفون للكت اب‪ ،‬مجمع ون على مفارق ة الكت اب‪،‬‬
‫يقول ون على هللا وفي هللا وفي كت اب هللا بغ ير علم‪ ،‬يتكلم ون بالمتش ابه من الكالم‪،‬‬
‫ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم)(‪)2‬‬
‫وبعد ذلك مباشرة‪ ،‬وبدون مقدمات نطق به ذا الحكم التكف يري الخط ير‪( :‬من‬
‫المضلين الضالين في ه ذا الزم ان وقبل ه بأزم ان اإلباض ية فق د جمع وا بين عقي دة‬
‫الخ وارج –إذ هم ف رع عنهم‪ -‬والمعتزل ة الجهمي ة وس موا أنفس هم أه ل الح ق‬
‫واالستقامة!)(‪)3‬‬
‫ثم راح ينق ل النص وص ال واردة في الخ وارج‪ ،‬ويطبقه ا عليهم‪ ،‬ويس تعين‬
‫بش يخه ش يخ اإلس الم في ذل ك‪ ..‬ويس تنتج بع د ذل ك ه ذه النتيج ة‪( :‬يتف ق العلم اء‬
‫والباحثون قديمًا وحديثًا على أن اإلباضية في أصولها العقدي ة ف رع عن الخ وارج‪،‬‬
‫وتلتقي معهم في أغلب األصول التي خرجت به ا الخ وارج عن األم ة وأن الخالف‬
‫الذي انشعبت به عنهم كان في موقفهم من بقية المسلمين‪ ،‬وحكم اإلقامة معهم ومتى‬
‫يكون قتالهم‪ ،‬وأحكامهم في السلم والحرب)(‪)4‬‬
‫ثم راح ينق ل أق والهم في المس ائل المختلف ة‪ ،‬ويعقب عليه ا بأحك ام س لفه‬
‫المتشددة‪ ،‬وقد بدأ ذلك بتوحيد األلوهية ـ كما يفهمه السلفية ـ ونقل عن [لباب اآلثار]‬
‫لمهنا بن خلفان البورسعيدي قوله‪( :‬ومن نذر لشيء من القبور أو لموضع ولم ي بين‬
‫الشيء هل يثبت‪ ،‬وفيم يجعل؟ قال‪ :‬يثبت ويجع ل في مص الح الموض ع أو الق بر أن‬
‫احتاج وإال يوقف إلى أن يحتاج‪ ،‬وقول يفرق في الفقراء وهللا أعلم)(‪ ،)5‬وقوله‪( :‬من‬

‫() فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ ،‬فتوى رقم ‪.6935‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ )(2‬اإلباضية في ميزان أهل السنة والجماعة‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ )(3‬اإلباضية في ميزان أهل السنة والجماعة‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ )(4‬اإلباضية في ميزان أهل السنة والجماعة‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫() لباب اآلثار لمهنا بن خلفان البوسعيدي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.22‬‬
‫‪5‬‬

‫‪306‬‬
‫نذر برأس غنم ليؤكل عند القبر الفالني كل س نة ت دور م ادام حي ا‪ ،‬ثم ت رك قض اء‬
‫النذر سنتين ثم أراد قضاء الماضي ما يلزمه؟ قال‪ :‬يجزي الب دل لم ا مض ى وعلي ه‬
‫التوبة واالستغفار وفي الكفارة عليه اختالف وهي كفارة يمين مرسلة وهللا أعلم)(‪)1‬‬
‫وغيرها من النصوص‪ ،‬ثم عقب عليها بقوله‪( :‬هذا شرٌك أكبر هذا ما يج وز‪،‬‬
‫هذا ال يحل الوفاء به‪ ،‬وعلي ه التوب ة إلى هللا من ذل ك؛ ألن ه ذا ش رٌك أك بر‪ ،‬ال ذبح‬
‫لألموات‪ ،‬والتقرب إليهم بالذبائح‪ ،‬أو النذور هذا شرٌك أكبر‪ ،‬العبادة حق هللا وح ده)‬
‫(‪)2‬‬
‫وهكذا عقد فصال خاصا بموقفهم من خلق القرآن‪ ،‬وراح يكفرهم على أس اس‬
‫ذلك‪ ،‬قال‪( :‬وهذه المسألة من أهم المسائل وليست فتنة القول بخلق الق رآن ال تي ق ام‬
‫بها بعض خلفاء بني العب اس ونص رهم فيه ا قض اة المعتزل ة بخافي ة على أح د فكم‬
‫أريق فيها من دماء وكم امتحن بسببها وكم جل د وأوذي أه ل الس نة فيه ا من اإلم ام‬
‫احمد بن حنبل فمن دونه‪ ،‬وقد ورث هذه المقولة الخبيثة المخرجة عن المل ة ورثه ا‬
‫عن المعتزلة اتباعهم اإلباضية وانتصروا لها وقرروها)(‪)3‬‬
‫وليؤكد هذا ذكر ما أورده ابن جمي ع اإلباض ي في مقدم ة التوحي د من قول ه‪:‬‬
‫(وليس منا من قال إن القرآن غير مخلوق)(‪)4‬‬
‫ونقل من كتاب [الدليل ألهل العقول] لل ورجالني قول ه‪( :‬وال دليل على خل ق‬
‫القرآن أن ألهل الحق عليهم أدلة كثيرة‪ ،‬وأعظمها استداللهم على خلقه باألدلة الدالة‬
‫على خلقهم هم فإن أب وا من خل ق الق رآن أبين ا لهم من خلقهم‪ ،‬وق د وص فه هللا ع ز‬
‫وجل في كتابه وجعله قرآنًا عربيًا مجعوًال)(‪)5‬‬
‫وذكر أن هذا هو ما ذكره جميعهم انتهاء بالخليلي في كتابه [الح ق ال دامغ]‪،‬‬
‫والذي سنعرض له في هذا الفصل‪.‬‬
‫وقد اعت بر أق والهم في ه ذه المس ألة وح دها م ا يكفي لتكف يرهم‪ ،‬ق ال‪( :‬ه ذه‬
‫المس ألة من المس لمات عن د أه ل الس نة‪ ،‬فق د دل الق رآن والس نة وأق وال الس لف ‪-‬‬
‫الص حابة فمن دونهم‪ -‬وإجم اع أه ل الس نة على أن الق رآن كالم هللا م نزل غ ير‬
‫مخلوق ومن قال بخلقه كفر)(‪)6‬‬
‫ثم نقل عن ابن القيم قوله في النونية‪:‬‬
‫عشر من العلماء‬ ‫ولقد تقلد كفرهم‬
‫في البلدان‬ ‫خمسون فـي‬
‫بل حكاه قبله‬ ‫والاللكائي اإلمام‬
‫الطــــــبراني‬ ‫حكاه عنهم‬
‫وهكذا عقد فصال خاصا بموقفهم من [األسماء والصفات] كفرهم بسببه‪ ،‬وق د‬
‫() لباب اآلثار ‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ )(2‬اإلباضية في ميزان أهل السنة والجماعة‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ )(3‬اإلباضية في ميزان أهل السنة والجماعة‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪ )(4‬مقدمة التوحيد ص ‪.19‬‬
‫() الدليل ألهل العقول للورجالني ص‪.72 -68 ،50‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ )(6‬اإلباضية في ميزان أهل السنة والجماعة‪ ،‬ص‪.14‬‬

‫‪307‬‬
‫نقل في مقدمته قول بعضهم عند حديثه عن اشتقاق االسم‪( :‬االسم مش تق من الس مة‬
‫وهو العالمة‪ :‬يقول المرء‪ :‬ك ان هللا تع الى في األزل بال اس م وال ص فة‪ .‬فلم ا خل ق‬
‫الخلق جعلوا له أسماء وصفات‪ ،‬فلما أفناهم بقي بال اسم وص فة‪ ..‬واالس م أيض ا م ا‬
‫دل على الذات من غير اعتبار معنى يوصف به الذات)(‪)1‬‬
‫ثم عقب على هذا بقوله‪( :‬وهذا من أعظم الض الل وأقبح الكف ر أن يك ون هللا‬
‫تعالى بال اسم وال صفة‪ ،‬وقد كفر جمٌع من األئمة من قال إن أسماء الباري س بحانه‬
‫مخلوق ة‪ ،‬ومنهم‪ :‬اإلم ام الش افعي‪ ،‬واإلم ام أحم د بن حنب ل‪ ،‬وإس حاق بن راهوي ه‪،‬‬
‫عثمان بن سعيد ال دارمي‪ ،‬ونعيم بن حم اد‪ ،‬ومحم د بن اس لم الطوس ي‪ ،‬ومحم د بن‬
‫جرير الطبري وابن خزيمة‪ ،‬وغيرهم)(‪)2‬‬
‫هذه نماذج قليلة عن تكفيره لهم‪ ،‬وأس باب ذل ك‪ ،‬وهي مم ا اتف ق علي ه س لف‬
‫الس لفية وخلفهم على التكف ير على أساس ها‪ ،‬ول ذلك ف إن من ي ذكر ب أن الس لفية ال‬
‫يكفرون اإلباضية مخطئ في ذلك‪ ،‬أو هو ال يعرف قوانين السلفية في التكفير‪ ،‬أو ال‬
‫يعرف مقوالت اإلباضية‪.‬‬
‫النمــوذج الثــاني‪ :‬كتــاب [الــرد القــويم البــالغ على كتــاب الخليلي‬
‫المسمى بالحق الدامغ]‬
‫وهو لمؤلفه األكاديمي السلفي الدكتور علي بن محمد ناصر الفقيهي‪ ،‬وقد قدم‬
‫للكتاب وأقره الشيخ السلفي الكبير صالح بن فوزان بن عبدهللا الفوزان‪ ،‬وقد قال في‬
‫تقديمه له‪( :‬وصلتني رسالتكم ومعها مؤلفكم في ال رد على اإلباض ي الجهمي أحم د‬
‫بن حمد الخليلي في كتابه المسمى (الح ق ال دامغ)‪ ،‬وال ذي ض منه ثالث ض الالت‪:‬‬
‫نفي رؤية المؤمنين لربهم‪ ،‬والقول بخلق الق رآن‪ ،‬وتخلي د العص اة من المؤم نين في‬
‫النار‪)3()..‬‬
‫وقد قال الكاتب في مقدمته بعد ذكره ـ كعادة السلفية ـ للمؤامرات ال تي ش نت‬
‫على األم ة اإلس المية من ط رف الم ذاهب والف رق‪( :‬اطلعت على كتاب ه بعن وان‬
‫(الح ق ال دامغ)المطب وع ع ام ‪‍1409‬ه وعلى غالف ه اس م مؤلف ه‪ :‬أحم د بن حم د‬
‫الخليلي‪ .‬وهو يق ع في ‪ 239‬ص فحة‪ ،‬وبع د قراءت ه وجدت ه خّصص ه لثالث مس ائل‬
‫عقدي ة خ الف فيه ا أه ل الس نة والجماع ة‪ ،‬وس لك فيه ا مس لك الجهمي ة والمعتزل ة‬
‫والزيدية واإلمامية الرافضة من الش يعة وه ذه المس ائل الثالث هي‪( :‬إنك اره رؤي ة‬
‫المؤمنين ربهم ي وم القيام ة في ال دار اآلخ رة‪ ..‬قول ه‪ :‬إن الق رآن مخل وق‪ ..‬اعتق اده‬
‫تخليد الفساق في النار)(‪)4‬‬
‫وقال مبينا دوافعه من تأليف الكتاب‪( :‬وحيث إن المؤلف وطائفته – اإلباضية‬
‫– قد ورثوا الجهمية والمعتزلة‪ ..‬كما صرح بذلك في كتابه هذا أنه يشارك اإلباضية‬
‫‪ )(1‬أصول العقائد اإلسالمية ـ العقيدة (‪)2/25‬‬
‫‪ )(2‬اإلباضية في ميزان أهل السنة والجماعة‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪ )(3‬الرد القويم البالغ على كتاب الخليلي المسمى بالحق الدامغ‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ )(4‬الرد القويم البالغ على كتاب الخليلي المسمى بالحق الدامغ‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪308‬‬
‫في ه ذه األفك ار الجهمي ة‪ ،‬والمعتزل ة‪ ،‬والزيدي ة‪ ،‬واإلمامي ة من الش يعة‪ ..‬وه ذا‬
‫تصريح بإحياء تلك األفكار التي وقف أهل السنة جميع ًا في وج ه معتنقيه ا‪ ،‬وبّين وا‬
‫أص ولها‪ ،‬وأه داف َم ْن أّسس ها ودع ا إليه ا وأدخله ا على ض عاف المس لمين علم ًا‬
‫وإيمانًا‪ ،‬فتفرقت بذلك كلمتهم‪ ،‬وتشتت ش ملهم‪ ،‬ح تى أص بحت تل ك الطوائ ف ال تي‬
‫اعتنقت تلك األفكار باسم اإلسالم يكّف ر بعض هم بعض ًا‪ ،‬أو يبّد ع ه أو يفّس قه‪ ،‬ولكن‬
‫بحم د هللا بقيت الطائف ة الناجي ة المنص ورة‪ ،‬على م ا ك ان علي ه رس ول هللا ‪‬‬
‫وأصحابه‪ ،‬عقيدة‪ ،‬وعبادة ومنهجًا‪ .‬فرّد ت على تل ك الطوائ ف المنحرف ة انحرافه ا‪،‬‬
‫وبينت لألمة السبيل الصحيح والص راط المس تقيم‪ ،‬بم ا ج اء في كت اب هللا العزي ز‪،‬‬
‫وسنة رسوله ‪ ‬وأقوال الصحابة والتابعين‪ ،‬واليوم نج د ه ذه األفك ار ال تي ف ّرقت‬
‫كلمة األمة‪ُ ،‬تْبَع ُث من جديد‪ ،‬ويحمل لواءها الخليلي ‪-‬ومن كان على شاكلته‪ -‬في هذا‬
‫الكتاب‪ ..‬كما يشارك في هذه األفكار المنحرفة‪ ،‬في قالب التنزيه‪ ،‬ويطعن في عقي دة‬
‫علماء السلف وأتباعهم‪ ،‬شخص ي دعى حس ن بن علي الس قاف‪ ،‬ال ذي ص ار يس ود‬
‫أوراقه بترهات وأباطي ل ينش رها ليس تر به ا الح ق األبلج‪ ،‬ولنص ر آراء الك وثري‬
‫ومن صار على منهجه قبله وبعده)(‪)1‬‬
‫والكتاب يمتلئ بتكفيرات اإلباضية الصريحة والملمحة‪ ،‬ومن ذلك قول ه عن د‬
‫عتاب الخليلي البن القيم بسبب تكف يره للمنزه ة ال ذين يس ميهم الس لفية [المعطل ة]‪:‬‬
‫(وأما دعوى المؤلف على ابن القيم أنه يكّفر المعطل ة ألس ماء هللا وص فاته من عن د‬
‫نفسه‪ ،‬فهي دعوى باطلة‪ ،‬ألن الحكم بالكفر أو الفسق أو التبديع حكم ش رعي‪ ،‬الحكم‬
‫فيه هلل ولرس وله‪ ،‬ف ابن القيم ال يحكم على أح د به واه‪ ،‬وإنم ا يحكم ب الكفر على من‬
‫كّفره هللا ورسوله‪ ،‬فهو يقول م ا قال ه هللا ورس وله فيمن رد آي ات هللا وس نة رس وله‬
‫الصحيحة وجحدها‪ ،‬وربما أن المؤلف يخشى على نفسه من حكم هللا ورسوله)(‪)2‬‬
‫وهكذا حول المؤل ف حكم ابن القيم حكم ا هلل ورس وله‪ ..‬وهك ذا ذك ر أن البن‬
‫القيم أن يكفر من يشاء باعتباره ناطقا باسم هللا ورسوله‪ ،‬أم ا الخليلي‪ ،‬فال يص ح ل ه‬
‫أن يقول شيئا وإال فإنه سيصيبه ما أصاب غيره من التكفير‪.‬‬
‫هذه هي الكبرياء السلفية التي تصور لهم أن لهم الح ق وح دهم في أن يكتب وا‬
‫م ا يش اءون‪ ،‬وي ردوا على من يش اءون‪ ،‬وينص روا عقائ د التجس يم والتش بيه ال تي‬
‫يشاءون‪ ،‬فإن جاء أحد من األمة وكتب ينتصر آلرائه أقاموا عليه الدنيا‪.‬‬
‫ومن النصوص الدالة على تكفير المؤل ف لإلباض ية في الكت اب قول ه ـ عن د‬
‫نفي الخليلي للرؤية الحسية هلل تعالى ـ‪( :‬فهل ترضى لنفسك ولطائفت ك اإلباض ية أن‬
‫تكونوا في صف الجهمية الذين أخذوا عقائدهم عن اليهود أع داء ه ذا ال دين‪ ،‬ال ذين‬
‫وصفهم هللا باإلفساد في األرض‪ ،‬ولما عجزوا عن مواجهة اإلسالم بالسيف‪ ،‬لجؤوا‬
‫للكيد له‪ ،‬بأن دخل بعضهم في اإلسالم نفاقًا كم ا فع ل (عبدهللا بن س بأ) ال ذي أس س‬
‫عقائد اإلمامية‪ ،‬في الرفض وتكفير الص حابة‪ ،‬ودع وى تحري ف الق رآن‪ ،‬ثم ختم وا‬
‫‪ )(1‬الرد القويم البالغ على كتاب الخليلي المسمى بالحق الدامغ‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ )(2‬الرد القويم البالغ على كتاب الخليلي المسمى بالحق الدامغ‪ ،‬ص‪.24‬‬

‫‪309‬‬
‫عقائدهم بعقائد الجهمية واالعتزال‪ ،‬ومنها إنكار رؤية المؤم نين ربهم ي وم القيام ة‪،‬‬
‫والقول بخلق القرآن‪ ،‬وقد حمل بشر المريسي لواء الجهمية في ذل ك‪ ،‬والمعتزل ة هم‬
‫المنك رون للرؤي ة‪ ،‬وق د أّل ف القاض ي عب د الجب ار المع تزلي مجل دًا خاص ًا بنفي‬
‫الرؤية‪ ،‬وهو المجلد الرابع من كتابه المسمى (المغني في أبواب التوحيد والع دل )‪،‬‬
‫وكل فصوله تدور على الفلسفة والمنطق‪ ،‬وليس لها صلة بكتاب هللا ال ذي أنزل ه هللا‬
‫على رس وله ليخ رج ب ه الن اس من الظلم ات إلى الن ور‪ ،‬ومنه ا ظلم ات أص حاب‬
‫الفلسفة والمنطق الذين ضلوا في عقائ دهم قب ل ظه ور اإلس الم‪ ..‬ومم ا نض يفه إلى‬
‫معلوم ات الخليلي ه و أن أه ل الس نة والجماع ة‪ ،‬حكم وا على الجهم بن ص فوان ‪-‬‬
‫ألفكاره الضالة‪ ،‬وإنكاره أن يكون هلل عّز وجَّل اسمًا أو صفة –بالكفر)(‪)1‬‬

‫ومن تكفيراته الص ريحة قول ه عن د الح ديث عن موق ف اإلباض ية من خل ق‬


‫القرآن‪( :‬إن أولئك الدخالء من اليهود وغ يرهم أرادوا القض اء على اإلس الم وأهل ه‬
‫به ذا األس لوب الم اكر‪ ،‬حين عج زوا عن مواجه ة اإلس الم في الظ اهر‪ ،‬فه ؤالء‬
‫الدخالء اختلطوا بالمسلمين ونشروا أفكارهم الّض الة في المجتم ع اإلس المي‪ ،‬ومن‬
‫هذه األفكار الضالة المضلة الق ول (بخل ق الق رآن) وإال لم يكن ه ذا الق ول معروف ًا‬
‫عند الصحابة والتابعين‪ ،‬وقد تقبل بعض المسلمين (كالمعتزلة) وبعض (اإلباض ية)‬
‫والزيدية وغيرهم تلك األفكار المنحرفة البعي دة ك ل البع د عن ه دي كت اب هللا ع ز‬
‫وجل وسنة رسول هللا ‪ ..‬فعرف أعداء اإلسالم أن اجتماع األم ة اإلس المية على‬
‫اإليمان بكتاب ربها عزوجل وسنة نبيها ‪ ‬وأن التمسك بها سبب عظيم في عزها‬
‫وقوتها‪ ،‬وامتداد سعادتها فأدخلوا أفكارهم المنحرفة على المس لمين في ب اب أس ماء‬
‫هللا وص فاته‪ ،‬ونش روها بينهم تحت س تار التنـزيه هلل ع ز وج ل عن مش ابهة‬
‫المخلوقين‪ ،‬ومن تلك الصفات التي نفوها عن هللا عز وجل صفة (الكالم) فق الوا‪:‬‬
‫إن الكالم ال يصدر إال عن لسان وشفتين وهذه من صفات المخلوقين‪ ،‬فل و أثبتن ا هلل‬
‫ص فة الكالم فق د ش بهناه بخلق ه ومن ش به هللا بخلق ه فق د كف ر‪ ،‬ولّم ا تقّب ل بعض‬
‫المسلمين كالمعتزلة والزيدية وبعض اإلباضية ومن يدعي اإلس الم كالرافض ة تل ك‬
‫األفكار الضالة ‪-‬وقد يك ون ذل ك من بعض هم جهًال بم راد أولئ ك ال دخالء ‪َ -‬و َص َل‬
‫أعداء اإلسالم إلى أهدافهم‪ ،‬وهي إثارة الفتنة وتمزيق األمة)(‪)2‬‬
‫وهكذا يص ور الك اتب الس لفي األك اديمي اإلباض ية ب أنهم م ؤامرة لتخ ريب‬
‫اإلس الم وه دم العقائ د اإلس المية‪ ،‬وأن الوحي دين ال ذين نج وا من ه ذه الم ؤامرة‪،‬‬
‫وتوجهوا لمحاربتها هم السلفية‪..‬‬

‫‪ )(1‬الرد على الجهمية‪( ،‬ص‪)171:‬‬


‫‪ )(2‬الرد القويم البالغ على كتاب الخليلي المسمى بالحق الدامغ‪ ،‬ص‪.155‬‬

‫‪310‬‬
‫السلفية‪ ..‬وتكفير المدارس السلفية‬
‫قد يستغرب البعض هذا العن وان‪ ،‬ويتس اءل متعجب ا أو متهم ا أو س اخرا‪ :‬كي ف‬
‫تكفر السلفية السلفية؟‪ ..‬وهل السلفية إال شيء واحد؟‪ ..‬وه ل يمكن للواح د أن ينقس م‬
‫على نفسه؟‪ ..‬وهل يمكن للواحد أن يتصارع مع نفسه؟‬
‫وهذا سؤال وجيه‪ ،‬واإلجابة عليه تحل إشكاالت كثيرة‪ ،‬وتفضح مكرا خفي ا يق وم‬
‫به من يدافع عن السلفية في قضايا التكفير وغيرها من القضايا‪..‬‬
‫ذل ك أن ه ذا اللقب [الس لفية] تتنازع ه ق ديما وح ديثا الكث ير من الشخص يات‬
‫والمدارس والتوجهات‪ ،‬والصراع بينها شديد جدا‪ ،‬وال يقل عن صراعها م ع س ائر‬
‫المدارس‪ ،‬بل وصل الصراع إلى حد التكفير‪ ..‬فالسلفية يكفر بعضهم بعضا إما على‬
‫منهج التكفير المطلق‪ ،‬وإما على منهج التكف ير المعين‪ ..‬وب ذلك فإنن ا ل و طبقن ا تل ك‬
‫المقاييس التي طبقناها على سائر المدارس اإلسالمية‪ ،‬فلن يبقى س لفي في ال دنيا إال‬
‫وأصابته سهام التكفير‪ ،‬ال من لدن أصحاب المدارس األخ رى ال تي يكفره ا‪ ،‬وإنم ا‬
‫من لدن زمالئه في المدرس ة الس لفية ال ذين يتف ق معهم على أك ثر العقائ د الس لفية‪،‬‬
‫ويتفق معهم على اعتبار ابن تيمية شيخا لإلسالم‪ ،‬واعتبار ابن عب د الوه اب مج ددا‬
‫له‪.‬‬
‫وهذا الخالف السلفي السلفي ليس مجرد كلمات قد نجتهد في البحث عن مظانها‪،‬‬
‫وليس مجرد تلميحات قد نجتهد في البحث عن تفس يرها‪ ..‬وإنم ا تمثل ه ث روة كب يرة‬
‫من الكتب والرس ائل ال تي نج د فيه ا من الص راحة والوض وح م ا ال يحت اج مع ه‬
‫الباحث ألي عناء أو تكلف‪..‬‬
‫فكما أن كل سلفي كتب في ال رد على الجهمي ة والمعطل ة والص وفية والش يعة‪..‬‬
‫فكذلك نجد له كتابات في الرد على الجامية أو المداخلة أو الحدادية أو الس رورية أو‬
‫الحزبية أو الجماعات المسلحة وهكذا‪..‬‬
‫بل نجد أن الجماعة الواحدة ذات التوج ه الواح د‪ ،‬وال تي تجتم ع على خص ومها‬
‫سرعان ما يحصل الخالف بينها في أي قضية من القضايا لتنش غل ف ترة طويل ة في‬
‫رد بعضها على بعض‪ ،‬إما على المواقع والمنتديات وإما بإص دار الكتب والبيان ات‬
‫والتحذيرات‪.‬‬
‫والذي ال يقر بهذا أو ينكره أو يتصور أننا نبالغ فيه أحد شخصين‪ :‬إم ا جاه ل ال‬
‫يعرف الواقع‪ ،‬وال يعرف التراث السلفي وما يص در ك ل ي وم من ه‪ ،‬فه و يعيش في‬
‫برج ه الع اجي يحم ل ص ورة مثالي ة عن الس لفية‪ ،‬ولم يش أ أن يلطخ نفس ه ب الواقع‬
‫المرير الذي تعيشه‪ ..‬وإما شخص يكذب على نفسه‪ ،‬ويحتال على الن اس‪ ،‬ويف ر من‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫وما أسهل على العقالء ـ من غ ير ب ذل أي جه د ـ أن يكتش فوا ه ذا‪ ،‬ال بمطالع ة‬
‫الكتب التي قد تشق عليهم‪ ،‬وإنما باالكتفاء بالجلوس أمام شاشات التلفزيون ومتابع ة‬

‫‪311‬‬
‫األخبار‪ ،‬ليرى ـ مثال ـ أن السلفية التي اختارت العم ل الح ركي السياس ي‪ ،‬وش كلت‬
‫لذلك حزبا من األحزاب‪ ،‬سرعان ما تنشق على نفسها‪ ،‬وتتحول إلى حزبين‪ ،‬ثم إلى‬
‫أربعة وهكذا‪.‬‬
‫ومثل ذلك الحركات الس لفية المس لحة‪ ..‬فس رعان م ا تتح ول إلى الص راع فيم ا‬
‫بينها مع كونها جميعا تقدس ابن تيمية‪ ،‬وتقتدي بابن عب د الوه اب‪ ،‬وتكف ر المعطل ة‬
‫والجهمية والصوفية والشيعة وكل ما تتبناه جميع المدارس السلفية‪.‬‬
‫ومثل ذلك الخالف الذي تفض حه شاش ات التلفزي ون‪ ،‬نج ده في الكتب والمواق ع‬
‫والمحاضرات الكثيرة التي يتهجم فيها السلفية بعضهم على بعض إلى الدرجة ال تي‬
‫يتصور القارئ أنه في غابة ممتلئة بالوحوش المفترسة‪ ،‬ال بين ن اس عقالء ي دعون‬
‫جميع ا أنهم يحكم ون الق رآن والس نة ويرجع ون إلى س لفهم الص الح في فهمهم ا‬
‫وتطبيقهما‪.‬‬
‫وقد أشار الشيخ ربيع المدخلي إلى هذه الظاهرة‪ ،‬قال‪( :‬فبعض الناس ـ يقصد‬
‫من السلفيين ـ اآلن يطاردون السلفيين حتى وص لوا إلى العلم اء وس موهم ممّيعين!‬
‫واآلن ما بقي في الساحة عالم –تقريبًا‪ -‬إال طعن به وفيه !وهذه –طبعًا‪ -‬هي طريق ة‬
‫اإلخوان وطريقة أهل البدع؛ فإن أهل البدع من أسلحتهم أن يبدأوا بإس قاط العلم اء‪،‬‬
‫ب ل هي طريق ة يهودي ة‪ ،‬ماس ونية‪ :‬إذا أردت إس قاط فك رة فأس قط علماءه ا أو‬
‫شخصياتها‪ ،‬فابتعدوا عن هذا الميراث الرديء‪ ،‬واحترموا العلماء‪ .‬ووهللا م ا يس عى‬
‫في الكالم ِفَّي –وال الطعن في ما نحن فيه‪ -‬إال لتكون النتيجة إس قاط المنهج؛ فال ذي‬
‫يكره هذا المنهج يتكلم في علمائه‪ ،‬الذي يبغض هذا المنهج ويريد إسقاطه‪ ،‬يسير في‬
‫هذا الطريق)(‪)1‬‬
‫وأشار إلى بعض زمالئه الذين كانوا معه في نفس المدرسة ـ وهم الحدادي ة ـ‬
‫فقال ـ عند ذكره للفروق بينه وبينهم ـ‪( :‬ومن ص فاتهم أيض ا ع دم ال ترحم ؛ك ان إذا‬
‫ترحمت على مثل ابن حج ر والش وكاني والن ووي ق الوا‪ :‬مبت دع‪ ،‬إذا قلت الحاف ظ‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬مبتدع‪ ،‬إذا قلت‪ :‬عندهم أشعرية قالوا‪:‬البّد أن تقول‪ :‬مبت دع‪ ،‬إذا لم تق ل مبت دع‬
‫فأنت مبتدع‪ ..‬قلنا لهم‪ :‬إذا قلنا أشعري معناه أنه عنده بدعة؛ اإلنسان يريد أن يت أدب‬
‫في لفظه ليس الزما أن تقول عن ه مبت دع‪ ..‬أن ا أق رأ لكم ت راجم من البخ اري؛ يم ّر‬
‫على جابر الجعفي ويمر على غ يره ال يق ول مبت دع وه و يع رف أن ه رافض ي وال‬
‫يقول أنه مبتدع‪ ،‬ألن هذا ليس الزما‪ ،‬بّين ضالله نص حا للن اس لكن ليس الزم ا أن‬
‫تقول مبتدع أو غير مبتدع فأبوا‪ .‬يتصل علي أناس من الخارج من أبها يقول لي‪:‬م ا‬
‫رأيك في ابن حجر‪ ،‬أقول له‪ :‬عنده أشعرية‪ ،‬يقول لي‪:‬أبدا‪ ،‬أنت ضاّل الب ّد أن تق ول‬
‫مبتدع)(‪)2‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬فإنه ال يمكننا في هذا الفصل أن نحيط بكل ذلك الخالف‪ ،‬ونش رح‬

‫‪ )(1‬مجموع الكتب والرسائل‪)482-1/481( :‬‬


‫‪ )(2‬مقال حول الفرق بين الحدادية والسلفية‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫تفاصيله‪ ،‬ف الكتب والرس ائل في ذل ك أك ثر من أن تحص ى إلى الدرج ة ال تي يمكن‬
‫اعتبار كل علم من أعالم السلفية مدرسة قائم ة ب ذاتها‪ ،‬وله ا أحكامه ا الخاص ة به ا‬
‫على سائر السلفيين أعالمهم وعوامهم‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك أننا عن دما نبحث في ت راث الش يخ ربي ع بن ه ادي الم دخلي‪،‬‬
‫والذي له جمهوره الكبير‪ ،‬وأتباعه الكثيرون‪ ،‬ال نجد ردوده فق ط على س يد قطب أو‬
‫اإلخوان أو التبليغ أو الصوفية أو الشيعة‪ ..‬وإنما نج د ردودا كث يرة ل ه على إخوان ه‬
‫في المدرس ة الس لفية‪ ،‬يتهمهم فيه ا بع دم رع ايتهم لش روط المنهج الس لفي‪ ،‬وع دم‬
‫تطبيقهم الجاد له‪ ،‬ولو طبقنا المقاييس التي يحكمون بها على من يفعل ذلك‪ ،‬فإننا لن‬
‫نحكم على من اتهمهم إال بالكفر‪ ..‬بل إننا نجد تصريحات كثيرة ب الكفر لمن تتلم ذوا‬
‫على يديه‪ ،‬ثم اتهموه بعد ذلك بالسكوت ومهادنة أهل البدع من السلفية كما سنرى‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك اتهام الشيخ ربي ع لعلم اء الس لفية المعاص رين بالمهادن ة‪،‬‬
‫والتقصير في مواجهة أهل البدع‪ ،‬فق د ق ال في [مجم وع الكتب والرس ائل] بع د أن‬
‫نقل (قول رجل من أهل البدع ألي وب الس ختياني‪( :‬ي ا أب ا بك ر! أس ألك عن كلم ة؟‬
‫فولى وهو يقول‪ :‬وال نصف كلمة)‪( :‬هذا –وهللا‪ -‬هو ال والء الص ادق هلل ولإلس الم‪،‬‬
‫ولو عامل (علماء السنة) في هذا الزمن أهل الب دع ه ذه المعامل ة الحازم ة‪ ،‬لم اتت‬
‫البدع في جحورها‪ ،‬ولما استطاعت المطابع أن تطبع كتبهم!)(‪)1‬‬
‫وهكذا قال في حديثه عن علماء الهند والعراق والشام م ع أن فيهم الكث ير من‬
‫أعالم السلفية‪( :‬والفطن يعرف من هم علماء الهند وإيران والعراق والش ام؟! وأنهم‬
‫الروافض‪ ،‬وأسوأ منهم!)(‪)2‬‬
‫وهكذا كان حديثه عن علماء السعودية مع تشددهم وسلفيتهم التي ورثوها أب ا‬
‫عن جد‪ ،‬وتتلمذوا عليها منذ نعومة أظفارهم‪ ،‬فقد قال عند حديث ه عن تقص يرهم في‬
‫الرد على اإلخوان المسلمين‪( :‬ونسأل هللا أن يطه ر ه ذه البالد من كتب أه ل الب دع‬
‫الملمعة من كتب اإلخوان المس لمين فإن ه إلى اآلن علم اء ه ذه البل د م ا أدرك وا أن‬
‫كتب اإلخوان المسلمين أخطر من كتب كل أهل البدع ألنهم لم يقرأوها)(‪)3‬‬
‫وهكذا حكم على (هيئة كبار العلماء)‪ ،‬فقد قال عنهم‪( :‬ربيع‪ ،‬وزي د بن محم د‬
‫هادي جاهدا أك ثر من كث ير من (هيئ ة كب ار العلم اء)‪ ،‬بعض(هيئ ة كب ار العلم اء)‬
‫يجيئون في طبقة تالميذ ربيع وزيد)(‪)4‬‬
‫وقال في الشيخ بكر عبد هللا أبو زيد عند واصفه تعليقاته على كتاب (أض واء‬
‫إسالمية)‪( :‬يمكن أن نس مي ه ذه األوراق بالص فحات الظالم ة ألنه ا اش تملت على‬
‫الباطل واإلثم‪ ،‬وخلت خلوا كامال من العلم وأساليب العلماء‪ ،‬وحشيت بالتلبيس الذي‬
‫خدع الشباب الحزبي ورسخ في نفوسهم ما غرسه فيهم دعاة الباطل من تق ديس من‬

‫‪ )(1‬مجموع الكتب والرسائل (‪)168-167\5‬‬


‫‪ )(2‬مجموع الكتب والرسائل‪)573\10( ،‬‬
‫‪ )(3‬مجموع الكتب والرسائل‪)526\2( ،‬‬
‫‪ )(4‬مجموع الكتب والرسائل‪)440\9( ،‬‬

‫‪313‬‬
‫ال يجوز تصنيفه إال في أئمة الضالل الجامعين للبدع الكبرى التي قل أن تجتم ع إال‬
‫فيمن طب ع هللا على قل وبهم وأص مهم وأعمى أبص ارهم‪ ،‬وال يس تمر على تقديس ه‬
‫والذب عنه بعد أن قيض هللا من يكشف عواره وي بين ض الله إال ك ل من س قط من‬
‫عين هللا ﴿َو َم ْن ُيِهِن ُهَّللا َفَم ا َلُه ِم ْن ُم ْك ِر ٍم ِإَّن َهَّللا َيْفَع ُل َم ا َيَش اُء ﴾ [الحج‪ ،]18 :‬وألنه ا‬
‫قد تعمد صاحبها اإلجمال واإلطالق كما هو شأن كل ناصر للباطل مدافع عنه)(‪)1‬‬
‫ويقول فيه‪( :‬فوهللا ما عهدنا سنيا سلفيا غضب ألهل البدع والباطل مثل ك وال‬
‫عرفنا أحدا ثأر ألهل الب دع والباط ل مث ل ث أرك‪ ،‬وك ان الالئ ق ب ك على األق ل أن‬
‫تخلي الميدان ألهل البدع يصولون ويجولون فيه بالباط ل والبهت لنص رة األباطي ل‬
‫والضالالت والترهات)(‪)2‬‬
‫وقال مخاطبا الشيخ بكر‪( :‬إنني ألرثي لحال رجل حمل راية السنة ردح ا من‬
‫ال زمن أن يص ل ب ه األم ر إلى ه ذه الح ال الغريب ة العجيب ة من المجازف ات في‬
‫األحك ام‪ ،‬والج رأة على الطعن بالباط ل‪ ،‬وتحري ك الفتن ة ‪-‬بع د أن استس لمت للن وم‬
‫عجزا عن مقارعة الحق)(‪)3‬‬
‫وقال‪( :‬فما الذي أعمى بكرا أبا زيد عن ك ل ه ذه الص حائف ‪-‬ح تى ل و ك ان‬
‫اس تعرض الكت اب مج رد اس تعراض‪-‬؟ إن ه اله وى والرغب ة الجامح ة في الطعن‬
‫والتشويه‪ ،‬وإن هذا العمل وأمثاله ال يصدر إال من قلب مريض ب الهوى‪ -‬أعاذن ا هللا‬
‫والمسلمين من اله وى وأم راض القل وب والنف وس‪ ،-‬وم ع ك ل م ا ارتكب ه من ظلم‬
‫يقول‪(:‬إن هللا يحب العدل واإلنصاف في كل شيء) كبر مقتا عند هللا أن تقولوا ما ال‬
‫تفعلون)(‪)4‬‬
‫وقال في الشيخ فالح الحربي ال ذي ك ان من المق ربين من ه‪( :‬ك ان ف الح عبئ ا‬
‫ثقيال على الدعوة الس لفية وأهله ا من ذ س لك نفس ه في ال دعاة إلى المنهج الس لفي ال‬
‫يراعي في تصرفاته ومواقف ه وأحكام ه مص الح وال مفاس د وال يأب ه له ا‪ ،‬ب ل ك ان‬
‫زراعا للمشاكل في أوساط الشباب السلفي متعالما واضعا نفسه ف وق منزلت ه يطعن‬
‫في العلماء من مثل العالمة األلباني والشيخ مقبل الوادعي وغيرهما)(‪)5‬‬
‫وقال‪( :‬ت بين ك ذب وفج ور ف الح على أي دي بعض الكت اب الس لفيين باألدل ة‬
‫الواضحة‪ ،‬ونحن اليوم مع فالح رائد الفتنة والشغب والكذب)(‪)6‬‬
‫وق ال‪( :‬ف الح وعص ابته ق د مرق وا من المنهج الس لفي وأص بحوا من أل د‬
‫خصومه‪ ،‬ويظهر للعاقل أنهم أشد خطرا عليه وعلى أهله من كل خصوم وطوائ ف‬
‫أهل الضالل)(‪)7‬‬

‫‪ )(1‬مجموع الكتب والرسائل‪)13-12\7( ،‬‬


‫‪ )(2‬مجموع الكتب والرسائل (‪)20\7‬‬
‫‪ )(3‬مجموع الكتب والرسائل (‪)27\7‬‬
‫‪ )(4‬مجموع الكتب والرسائل (‪)87\7‬‬
‫‪ )(5‬مجموع الكتب والرسائل‪)69\4( ،‬‬
‫‪ )(6‬مجموع الكتب والرسائل (‪)168\9‬‬
‫‪ )(7‬مجموع الكتب والرسائل (‪)417\9‬‬

‫‪314‬‬
‫مع العلم أنه هو نفسه الذي ق ال في ه عن دما ك ان مقرب ا لدي ه‪( :‬المع روف أن‬
‫الشيخ فالح أنه رجٌل من أهل السنة من السائرين على منهج السلف وال نع رف ب أن‬
‫له ابتداع أو له مخالفات ألهل السنة الرجل يصَّنف مع أهل السنة والجماع ة ويغ ار‬
‫على منهج السلف وينصر منهج السلف ويرد على أهل البدع وهذه طريق ة الَّس لف)‬
‫(‪)1‬‬
‫وق ال في الش يخ أبي إس حاق الحوي ني والش يخ محم د حس ان وغيرهم ا من‬
‫الس لفيين المص ريين‪( :‬األص ل فيهم أنهم من اإلخ وان‪ ،‬وتربي ة اإلخ وان‪ ..‬وهللا أن ا‬
‫أرى أنهم مبتدعة‪ ..‬ما يزداد إَّال بعًدا عن المنهج السلفي وتالحًم ا م ع القطب يين‪،‬فه ذا‬
‫حال ه‪ ،‬ه ذا حال ه اآلن‪ ،‬ه و ي دعي أن ه من أه ل الس ّنة ويق ترب من أه ل الب دع‪،‬‬
‫ويعاش رهم‪ ،‬ويتالحم معهم‪ ..‬فمث ل ه ذا الرج ل ال يج وز أخ ذ العلم عن ه‪ ،‬ب ل يجب‬
‫الحذر منه؛ وإن زَّك اه من زَّك اه من المنتسبين إلى العلم)(‪)2‬‬
‫وقال في الشيخ أحمد فريد ومصطفى العدوي‪( :‬الذي أعرفه عنهما؛ أنهما من‬
‫مدرسة اإلسكندرية‪ ،‬وهذه المدرسة مدرسة تكفيري ة‪ ،‬عن دهم خل ل عظيم في مس ألة‬
‫الحكم بغير ما أنزل هللا‪ ،‬وتعلق شديد بسيد قطب وأفكار سيد قطب المتعلقة ب الحكم‪،‬‬
‫وبعضهم أولياء بعض‪ ،‬يعني بعض أولئ ك ال يظه ر عليهم التأيي د الواض ح ألفك ار‬
‫س يد قطب‪ ،‬أو اللهج بمس ألة تكف ير الحك ام‪ ،‬لكنهم أولي اء‪ ،‬وأنص ار وأص دقاء‪،‬‬
‫وأحباب‪ ،‬وأخالء للمص رحين ب ذلك‪ ،‬ومن رؤوس هم‪( :‬ياس ر بره امي‪ ،‬ومحم د بن‬
‫إسماعيل المقدم‪ ،‬ومحمد عبد المقصود وهو من رؤوس الش ر في مص ر‪ ،‬وإن ك ان‬
‫اشتهر بأنه فقيه وك ذا‪ ،‬لكن ه تكف يري محض‪ ،‬وك ذلك أحم د حطيب ة‪ ،‬وك ذلك أحم د‬
‫فريد‪ ،‬وكذلك أبو إسحاق الحويني‪ ،‬وكذلك محمد حسان‪ ،‬وكذلك النقيب)‪ ،‬ومجموعة‬
‫كبيرة ممن يسمون بالمدرسة اإلسكندرية؛ كلهم على هذا المنوال)(‪)3‬‬
‫وقال في الشيخ العيد شريفي الجزائري‪( :‬إن عيد شريفي قد عرف عند حملة‬
‫العلم وطالبه في الجزائر أنه صاحب هوى وينتصر لبعض أهل األه واء‪ ..‬ي ا ش يخ‬
‫ه ذا من س نوات ونحن الناص ح واس كت الن اس عن ه ولكن أبى اال مناص رة أه ل‬
‫الباطل والمضي في هذا السبيل‪ ،‬ورأيت أنه في الجدال يعني ال يعرف منطقا أبدا ال‬
‫يعرف منطق الجدال‪ ،‬ومتبع لهواه فصبرنا صبرنا صبرنا عنه؛ فرأينا فيه من الشر‬
‫والسوء؛ فنعوذ باهلل فهـو من أنصار أبي الحس ن في الب اطن‪...‬من أه ل الباط ل ول ه‬
‫طعن في األبري اء واس تنقاص من العلم اء طعن يع ني غ ريب‪ ،‬غ ريب‪ ،‬غ ريب؛‬
‫فنسأل هللا له العافية هذا يعتبر يعني بيني وبينوا عالق ة ومعرف ة ومعرف ة في الح ق‬
‫من أول مرة يجيء هنا وهو يعاملني هكذا أين الوفاء والمروءة وأين الوف اء للمنهج‬
‫نفس يعني الخطأ واضح‪ ،‬جاء يحاججني بالباطل أكثر من أبي الحسن)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬الثناء البارع على الشيخ فالح بن نافع‪ ،‬ص‪.2‬‬


‫‪ )( 2‬هذا ما نقله أحمد بازمول عنه في تقديمه لكتاب خالد المصري (الحدود الفاصلة) (ص‪)29‬‬
‫‪ )(3‬نقال عن‪ :‬شبهات حول أحداث مصر‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫‪ )(4‬مجموع الكتب والرسائل‪)127\9( ،‬‬

‫‪315‬‬
‫وقال في الشيخ أبي الحسن المأربي اليمني‪( :‬إن أبا الحسن المصري المأربي‬
‫أعجوبة من أعاجيب هذا الزمان ال أج د ل ه نظ يرا في الق درة على ال ثرثرة وك ثرة‬
‫الكالم ويتمت ع بق درة هائل ة ع ل تقليب األم ور وجع ل الح ق ب اطال والباط ل حق ا‬
‫والظ الم مظلوم ا والمظل وم ال بريء ظالم ا وإلب اس نفس ه لب اس التق وى وال ورع‪،‬‬
‫وإلباس األبرياء لباس الفجار الهدامين المفسدين الظ المين‪ ،‬كم ا فع ل ذل ك في ع دد‬
‫من أشرطته‪ ،‬مما يدل على خبرة طويلة راسخة ومهارة نادرة في هذه المي ادين إلى‬
‫درجه ال يلحق فيها وال يبلغ فيها شأوه‪ ..‬إن هذا الرجل صاحب فتنة عظيمة ق د أع د‬
‫لها العدة لعله منذ وطئت قدماه اليمن أو من قبل ذلك)(‪)5‬‬
‫وهكذا تعام ل م ع ع دنان العرع ور ال ذي أل ف كت ابين خاص ين ب ه أح دهما‬
‫[انقضاض الشهب السلفية على أوكار ع دنان الخلفي ة] و[دف ع بغي ع دنان]‪ ،‬ومم ا‬
‫قال فيه‪( :‬عدنان عرعور هذا بالء البالء وفتنة الفتن‪ ،‬وما عرفت صاحب فتنة مثل ه‬
‫أض ر ب المنهج الس لفي وأهل ه مثل ه‪ ،‬م ا أع رف أح د يس عى في تمزي ق الس لفيين‬
‫وتفريقهم وإلقاء الفتن والشحناء والبغضاء مثله‪ ،‬وأخشى أن يكون ظرفة من ظ رف‬
‫أعداء هللا لتحقيق أهداف خبيثة ألن األعداء يهود ونصارى يعرفون أن الدين الح ق‬
‫إنما هو هذا الحق الذي يدين به الس لفيين فيس عى في تف ريقهم وتم زيقهم‪ ،‬ثم يتب اكى‬
‫كذبا وزورا أنه يحذر الفتن ويخ اف من الفتن ة ومن أج ل المص لحة وه و ك ذب في‬
‫كذب‪ ،‬وهللا ما رأيت دجاال مثل هذا اإلنس ان ولعلكم تق رأون‪ ..‬ابن ص ياد‪ ...‬أص دق‬
‫من كالم ال دجال المعاص ر ع دنان‪ ،‬أص دق بكث ير‪ ،‬ع دنان كل ه ك ذب ومرواغ ات‬
‫وتلبيس وفتن‪ ..‬فاحذروا هذا ال دجال اح ذروا ك ل الح ذر وهن اك كتاب ات وأش رطة‬
‫سوف تصلكم إن شاء هللا لتعرف وا أن ه ذا دج ال العص ر‪ ،‬والرس ول علي ه الص الة‬
‫والسالم قال‪( :‬لغ ير ال دجال أخوف ه عليكم من ال دجال)‪ ،‬فه ذا ممن ُيخ اف وُيخش ى‬
‫على األمة‪ ،‬ورأينا شره وفتنته تشتعل في أوربا‪ ،‬وال أشك أنه مجن د من أه ل الب دع‬
‫واألهواء‪ ،‬وال أستبعد أنه مجند من غيرهم لهذه الفتن ولهذه الزالزل وله ذه القالق ل‬
‫ولهذه البالبل التي يقولها هذا الرجل وال تي يتج ارى ب ه أه ل اله وى كم ا يتج ارى‬
‫الكلب بصاحبه؛ فهو يركض في مشارق األرض ومغاربه ا ب األموال الطائل ة ال تي‬
‫اعترف عدنان بأن ه ص علوك؛ فمن أين له ذا الص علوك ه ذه األم وال إال أن ه يفع ل‬
‫ويفعل األفاعيل للحصول على هذه األموال لماذا؟ ليبدد السلفيين ويض رب بعض هم‬
‫ببعض ويجع ل بأس هم بينهم أال ف ادعوا هللا تب ارك وتع الى أن ي ريح اإلس الم‬
‫والمسلمين من هذا الرجل وأمثاله)‬
‫وقال فيه‪( :‬كّنا نعّد ه من جملة السلفيين بناًء على ما يظهر لنا من حال ه آن ذاك‬
‫رغم قلة مجالستي له‪ ،‬لكن بناء في الوقت نفسه على ادعائه‪ ،‬وق ول بعض الس لفيين‬
‫المخدوعين به‪ .‬إذ‪( :‬المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم)‪ ..‬بدأ ينكشف لي بعض م ا‬
‫ينطوي عليه في إحدى زياراتي للرياض حيث بدأ يدافع ويناضل عن س ِّيد قطب إذا‬
‫انتقده بعض السلفيين؛ وي دعي ل ه أن ه ص حيح التأص يل‪ ،‬وأن المنهج الس لفي غ ير‬
‫‪ )(5‬مجموع الكتب والرسائل‪)413\13( ،‬‬

‫‪316‬‬
‫مؤصل‪ ،‬وأن السلفيين ال يؤصلون‪ ،‬ويخص منهم الشيخ ابن باز رأس السلفيين بأن ه‬
‫ال يؤصل‪ ،‬في نقاش وكالم طويل تظاهر فيه بالتراجع عن رأيه في تل ك الجلس ة ثم‬
‫عاد لما كان عليه‪ ..‬ثم أراد ع دنان أن ينق ذ نفس ه من ه ذه الورط ة الكب يرة والفعل ة‬
‫الش نيعة وأراد أن يغطي س وأته أم ام الس لفيين ولع ل ل ه أه دافًا أخ رى‪ ،‬فكتب إلّي‬
‫اعتذارًا باردًا ميتًا ال يساوي الحبر الذي كتب به‪ ،‬ولهوانه وسقوطه وركته لم أحف ل‬
‫به فال أدري أأعاده الرسول لصاحبه أو بقي عندي والغالب أن الكتاب قد ضاع ولو‬
‫وجدته لفضحته به)(‪)1‬‬
‫وهك ذا راح يقص قص ته الطويل ة في الص راع مع ه‪ ،‬وال تي ت دل على ذل ك‬
‫الصراع الشديد في تعامل السلفية بعضهم مع بعض‪.‬‬
‫هذا مج رد مث ال‪ ،‬وبن اء علي ه س نحاول في ه ذا الفص ل أن ن ذكر الم دارس‬
‫الكبرى للسلفية‪ ،‬ونماذج عن صراع بعضها مع بعض‪ ،‬بل تكفير بعضها لبعض‪.‬‬
‫وقد رأينا أنه يمكن تقسيم المدارس الس لفية بن اء على تكف ير بعض ها بعض ا إلى‬
‫قسمين كب يرين‪ :‬الس لفية العلمي ة والس لفية الحركي ة‪ ..‬ثم تنقس م الس لفية العلمي ة إلى‬
‫أقسام كثيرة أشهرها‪ :‬الجامية والحدادية‪ ..‬وأما السلفية الحركية‪ ،‬فتنقس م إلى قس مين‬
‫كبيرين‪ :‬المسلحة والحزبية‪ ..‬وكالهما ينقس م أقس اما كث يرة‪ ..‬وكلهم يض لل بعض هم‬
‫بعضا‪ ،‬بل يصل التضليل أحيانا كثيرة إلى حد التكفير‪.‬‬
‫وقد أشار إلى بعض هذه األقسام محمد عم ارة في كتاب ه (الس لفية‪ ..‬واح دة؟‪ ..‬أم‬
‫سلفيات؟) تن اول في ه قض ية التن وع والتن اقض بين الم دارس الس لفية على الس احة‬
‫السياسية واإلعالمية في العالم اإلسالمي‪ ،‬بل على مستوى العالم ككل‪.‬‬
‫وقد خلص في نتيجة بحث ه إلى أن الس لفية (ق د توزعته ا العدي د من التوجه ات‪،‬‬
‫فطرأ عليها الكث ير من االنش قاقات فمنه ا م ا يس مى بالس لفية العلمي ة ال تي تح اول‬
‫استلهام المشروع التجديدي البن تيمية‪ ..‬ومنها السلفية الجهادية التي س لكت طري ق‬
‫العنف والتغيير‪ ..‬ومن هذه السلفية المعاصرة فصيل بلغ في الغل و والجم ود ح دودًا‬
‫فاقت الخيال حتى لقد كتب بعضهم في تفكير أئمة السلفية مث ل ابن القيم ال ذي ق الوا‬
‫عنه‪( :‬إنه زائغ مبت دع ك ذاب وقح بلي د غ بي جاه ل ض ال مض ل خ ارجي ملع ون‬
‫كافر)‪ ،‬وقال أحد كتاب هذه السلفية الظالمية عن ابن تيمية‪( :‬إنه ال تؤخذ منه أحك ام‬
‫الوالء والبراء‪ ،‬ولقد سئمت من تتبع مخازي هذا الرجل المسكين)(‪)2‬‬
‫وفي موضع آخر عبر عن النتيج ة ال تي ي دل عليه ا الواق ع ال دعوي والسياس ي‬
‫المعاصر‪ ،‬فقال‪( :‬وهكذا نجد أنفسنا تاريخيًا وحديثًا أم ام ع دد من الس لفيات‪ ،‬وليس‬
‫أمام سلفية واحدة كما يحسب كثير من السلفيين ومن خصوم السلفيين)(‪)3‬‬
‫وهكذا ذكر باحث آخر في دراسة عن الحركة السلفية في مصر وتنوعه ا‪ ،‬وهي‬
‫‪ )(1‬انقضاض الشهب السلفية على أوكار عدنان الخلفية (ص‪)3 :‬‬
‫‪ )(2‬محمد عمارة‪ ،‬السلفية‪ ..‬واحدة؟‪ ..‬أم سلفيات؟ ‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪ )(3‬محمد عمارة‪ ،‬السلفية‪ ..‬واحدة؟‪ ..‬أم سلفيات؟ ص‪.77‬‬

‫‪317‬‬
‫دراس ة ميداني ة ص نفت الحرك ات الس لفية المص رية إلى أرب ع س لفيات‪ :‬الس لفية‬
‫التقليدية‪ ،‬والسلفية العلمية‪ ،‬والسلفية الحركية‪ ،‬السلفية الحديثية (أهل الحديث)(‪)1‬‬
‫فالسلفية التقليدية‪ :‬وتهدف – بحسب دعاتها – إلى تنقي ة ال دين مم ا يرون ه من‬
‫البدع خاصة المرتبطة بالتصوف واألض رحة‪ ،‬وك ذلك من ع المس لمين من اإلفتت ان‬
‫بالحضارة الغربية ومرتكزاتها الفكرية المخالف ة لإلس الم‪ ..‬ووس يلة التغي ير عن دهم‬
‫تنحصر في الدعوة عبر خطب الجمعة والدروس الدينية في المساجد باإلض افة إلى‬
‫الدعوة الفردية‪.‬‬
‫الســلفية العلميــة‪ :‬وهي الس لفية ال تي تعتم د مهج الش يخ محم د ناص ر ال دين‬
‫األلب اني‪ ،‬وتتلخص رؤيته ا في أن م ا لح ق بالمس لمين من ت دهور حض اري س ببه‬
‫األحاديث الضعيفة والموضوعة واإلسرائيليات واآلراء الفقهية التي تخالف الحديث‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫السلفية الحركية‪ :‬وق د نش أت في نفس ال وقت ال ذي نش أت في ه الس لفية العلمي ة‬
‫(منتصف السبعينات من القرن العش رين الميالدي) بقي ادة ع دد من ال دعاة الش باب‬
‫حينذاك‪ ،‬ولم يختلف هذا الرافد السلفي عن السلفية العلمية إال في ش يء واح د وه و‬
‫االعالن عن كفر الحاكم الذي ال يحكم بالشريعة االسالمية باسمه أيا كان اسمه‪.‬‬
‫سلفية أهل الحديث‪ :‬وقد ظه ر ه ذا االتج اه – وإن ك ان في أص له ت ابع للس لفية‬
‫العلمي ة – في أوائ ل الثمانين ات‪ ،‬ف انجرف بعض الس لفيين نح و دراس ة المص طلح‬
‫وعلم العل ل ومعرف ة الص حيح من الض عيف‪ ،‬باالض افة إللق اء الخطب وال دروس‬
‫الوعظية والعلمية للعامة وللخاصة‪ ،‬ومن ه ؤالء أب و إس حاق الحوي ني‪ ،‬ومص طفى‬
‫العدوي‪ ،‬وأسامة القوصي‪ ،‬ومحمد سعيد رسالن وغيرهم‪.‬‬
‫وقد عقب ك اتب الدراس ة على كالم ه ه ذا بقول ه عن د ذك ر بعض التي ارات‬
‫السلفية‪( :‬هذا الكالم قبل أحداث ثورة ‪ 25‬يناير‪ ،‬ولنا كتاب (الدولة السلفية) نبين فيه‬
‫التحوالت السياسية والفكرية عند هذا الفصيل السلفي)‬
‫هذان نموذجان عن التصنيفات التي صنفت بها المدارس السلفية الحديثة‪ ،‬وهناك‬
‫نماذج أخرى كثيرة‪ ،‬ذلك أن االنشاق بين السلفية يحصل كل حين‪ ،‬وألتفه األسباب‪،‬‬
‫وبما أنن ا ال نس تطيع أن نحص ي خالف اتهم وم ا كتب وه في تض ليل بعض هم بعض ا‪،‬‬
‫فسنقتصر على ذكر نماذج متنوعة من مواقفهم وفت اواهم وكتبهم ل نرى ب ذلك مبل غ‬
‫التكفير السلفي‪.‬‬
‫أوال ـ تكفير المدارس السلفية العلمية‬
‫المراد بالسلفية العلمية السلفية التي تركز جل اهتماماتها على مطالعة التراث‬
‫السلفي وتدريسه ودعوة الناس إليه من غير أن يكون له ا أي اهتم ام بالوص ول إلى‬
‫‪ )(1‬انظر‪ :‬موقع التغيير‪ ،‬ولم أجد هذه الدراسة منشورة‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫السلطة ال عن طريق السلم‪ ،‬وال عن طريق العنف‪.‬‬
‫وهم أقسام كثيرة‪ ،‬والصراع بينهم شديد جدا‪ ،‬ال يمكن اإلحاطة به هنا‪ ،‬ولذلك‬
‫سنكتفي بذكر نموذجين عن تكفيرهم من طرف أصحاب المدرسة الحركية‪ ،‬أحدهما‬
‫من المدرسة السلفية الحركية المسالمة أو الحزبية‪ ،‬كما يطلقون عليها‪ ..‬والث اني من‬
‫المدرس ة الس لفية الحركي ة ذات الط ابع المس لح‪ ،‬أو الجهادي ة كم ا يطلق ون على‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫النموذج األول‪ :‬كتب الدكتور عبدالرزاق بن خليفة الشايجي‬
‫وه و من الس لفية الحركي ة المس المة‪ ،‬وال ذين يطل ق عليهم مخ الفوهم لقب‬
‫[السرورية]‪ ،‬وهو تلميذ عبد الرحمن عبد الخ الق‪ ،‬ول ه ع دة رس ائل في ال رد على‬
‫الش يخ الم دخلي والس لفية العلمي ة‪ ،‬منه ا‪( :‬الخط وط العريض ة ألص ول أدعي اء‬
‫السلفية)‪ ،‬و(أض واء على فك ر دع اة الس لفية الجدي دة)‪ ،‬و(الب ديع في بي ان منهج د‪.‬‬
‫ربيع‪ ..‬دراسة نقدية وثائقية تكشف اللثام عن حقيقة د‪ .‬ربي ع بن ه ادي الم دخلي في‬
‫الحكم على الكتب والطوائ ف والرج ال والجماع ات)‪ ،‬وق د رد علي ه الش يخ ربي ع‬
‫المدخلي برسالة مضادة‪.‬‬
‫وقد قال الشيخ الشايجي في خط اب مفت وح إلى الش يخ ربي ع‪( :‬ه ل ه ذا ه و‬
‫منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف الذي ادعيتموه يا شيخ‬
‫ربيع‪ ،‬وكتبتم فيه‪ ،‬ودعوتم إليه‪ .‬ال شك أن هذا المنهج الذي يقوم على الظلم وتكف ير‬
‫المسلمين هو منهج الخوارج في تكفير المسلم‪ ،‬بل إن الخ وارج لم يقول وا مث ل ه ذا‬
‫في الذين يكفرونهم‪ ،‬وهذا يوضح جليا األصل األول الذي ذكرناه عن الطائف ة ال تي‬
‫أدخلت في السلفية ما ليس فيها‪ :‬أنهم خوارج مع الدعاة‪ ،‬مرجئة مع الحكام‪ ،‬رافض ة‬
‫مع الجماعات‪ ،‬قدرية مع اليهود والنصارى والكفار)‬
‫ومن أق وال الش يخ ربي ع الم دخلي في ال رد علي ه‪( :‬ي دافع عن أه ل الب دع‬
‫والباطل ويطعن بأهل السنة‪ .‬منهجه فاسد‪ .‬يخدم أهل البدع‪ ،‬ويخ دم أه ل الفتن‪ .‬ك ل‬
‫أساليبه مغالطات وكالمه فارغ وكله كذب‪ ،‬وأخس من أه ل الب دع‪ .‬ش يطان يع رف‬
‫الحق ويحاربه‪ ،‬ويح ارب أهل ه وينص ر الباط ل‪ ...‬س لفيته م ا هي إال مج رد لب اس‬
‫لضرب الحق وإيذائه‪ .‬رجل ال خير فيه‪ .‬مصيبة على اإلس الم‪ .‬يجب هج ره ويفع ل‬
‫فيه أكثر من الهجران‪ .‬رجل يكذب ويبالغ م ا يص لح للمن اظرة جاه ل‪ .‬ه ذا الرج ل‬
‫ليس له شيء من السلفية‪ .‬ألف في أهل السنة كتابا فيه ثالثون أصال كلها قامت على‬
‫الفجور والكذب واالفتراء‪ ،‬وجعلتهم أخبث الفرق‪ ،‬وجمعوا شر ما عند الفرق‪ .‬يلبس‬
‫السلفية خداعا لتضليل الشباب‪ .‬أساء إلى السلفيين أكثر من أهل البدع‪ .‬يتبع بكتابات ه‬
‫أسلوب المن افقين فهم يظه رون اإلس الم وه و يظه ر الس لفية‪ ،‬ثم يح ارب أش د من‬
‫المنافقين‪ ..‬فالمنافقون في عهد الرسول ‪ ‬لم يضعوا ثالثين أصال‪ ،‬ه ذا ه و النف اق‬
‫ويظهر السلفية ثم يكر على أهل السنة والمنهج السلفي ويحطم ه‪ .‬متس تر ي دافع عن‬
‫أهل البدع ويلمعهم ويشوه أهل الس نة‪ .‬أخط ر على اإلس الم وعلى الس لفية من أه ل‬
‫البدع الواضحين‪ .‬يلبس لباس السلفية ثم يض رب في أهله ا ض ربا ش ديدا‪ ،‬ثم يم دح‬

‫‪319‬‬
‫أهل البدع والضالل‪ ،‬ويدافع عنهم بقوة ثم ال يترك شرا في أه ل الب دع‪ ...‬أي جناي ة‬
‫على اإلسالم أشد من هذه؟!)(‪)1‬‬
‫وهذه الرسائل والكتب المتبادلة تدل على جزء بسيط جدا من الصراع السلفي‬
‫الذي طفا على السطح‪ ،‬وإال فالصراع بينهم أشد وأبلغ‪.‬‬
‫ومن بين الكتب التي ألفها الشيخ الشايجي‪ ،‬والتي لها أهميتها الك برى في نق د‬
‫السلفية العلمية وبيان األصول التي تعتمد عليها والتي تقربها من الخوراج وغ يرهم‬
‫من الطوائف التي يكفرها السلفية كتاب [الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية]‬
‫وأهمية الكتاب تكمن في كونه صدر من البيت الداخلي للسلفية‪ ،‬وه و أع رف‬
‫بطرقهم ومناهجهم‪ ،‬ولذلك كان حديثه عنهم‪ ،‬ونقده لهم أهم من حديث غيره أو نقده‪.‬‬
‫ولهذا لقي الكتاب ردود فعل شديدة من طرف أصحاب السلفية العلمية‪ ،‬فألفوا‬
‫في الرد عليه‪ ،‬ومن تآليفهم في ذلك كتاب [بيننا وبينكم يوم الجنائز‪ :‬كشــف أباطي ل‬
‫كتاب (الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة)] لمؤلفه د‪.‬عب دالعزيز بن‬
‫إبراهيم بن عبدالرحمن الجبرين‪.‬‬
‫وقد قال الشايجي في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه‪( :‬هذه هي الطبع ة الثاني ة‬
‫من الخطوط العريضة ألص ول أدعي اء الس لفية‪ ،‬جمعن ا فيه ا مجموع ة أخ رى من‬
‫أص ول ه ذه المجموع ة ال تي ظه رت على المس لمين بالتب ديع والتفس يق والتج ريم‬
‫والتكفير‪ ،‬واستعملت كل ألفاظ التنفير والتحقير مع دعاة اإلسالم خاص ة‪ ،‬كوص فهم‬
‫بالزندقة‪ ،‬واإللحاد‪ ،‬والخروج‪ ...‬وقصرت عملها الدعوي على حرب الدعاة إلى هللا‬
‫وتصنيفهم‪ ،‬ومن نظر في أصولهم التي ابت دعوها أدرك يقين ا أن ه ؤالء هم الش رع‬
‫والحكم‪ ،‬فكما وجد في الف رق اإلس المية معطل ة الص فات وهم الجهمي ة‪ ،‬ومن نح ا‬
‫نحوهم ممن اخترعوا أصوال باطلة أدت بهم إلى تعطيل ص فات ال رب ع ز وج ل‪،‬‬
‫فقد جاءت هذه الطائفة الجديدة وباسم السلفية لتضع أصوال باطلة تفضي إلى تعطيل‬
‫الحاكمية التي اختص هللا بها ﴿َو اَل ُيْش ِر ُك ِفي ُح ْك ِم ِه َأَح ًدا ﴾ [الكه ف‪ ]26 :‬فزعم وا‬
‫أن توحيد الحاكمية ليس من التوحيد‪ ،‬بل وليس هو من أص ول ال دين واإليم ان‪ ،‬ب ل‬
‫هو من الفروع‪ ،‬وتعطيل الشرع كله ما هو إال كفر دون كفر‪ ،‬وكل من اعت نى به ذا‬
‫األصل فهو عندهم مبتدع يحمل فك ر الخ وارج‪ ،‬ولقب وه بك ل وص ف ق بيح لمج رد‬
‫مطالبته األم ة ب العودة إلى حكم هللا ورس وله‪ ،‬وق د تف رع عن ه ذا األص ل الباط ل‬
‫عندهم وجوب ترك الحكام وشأنهم‪ ،‬وعدم التع رض لهم وإن ص در منهم م ا ص در‬
‫من الكفر البواح‪ ،‬وتمكين أعداء اإلسالم ووجوب ترك االشتغال بفقه الواق ع وت رك‬
‫ما هلل هلل وم ا لقيص ر لقيص ر ‪ -‬كم ا ص رح ب ه أح د كب ارهم ‪ -‬وه ذه هي العلماني ة‬
‫بعينه ا‪ ،‬ومن ثم ش نعوا على ك ل مجاه د في س بيل هللا‪ ،‬وق دموا حرب ه على ح رب‬
‫أعداء هللا فكانوا بذلك من دعاة التعطيل‪ ،‬وهم المعطلة للحاكمي ة والش رع كم ا ك ان‬
‫الجهمية معطلة للصفات واألسماء)(‪)2‬‬

‫‪ )(1‬نقال من مقال بعنوان‪ :‬االنشقاقات الوهابية‪ :‬محاولة للتأريخ‪.‬‬


‫‪ )(2‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.3‬‬

‫‪320‬‬
‫وهكذا تح ول الس لفية العلمي ة إلى معطل ة مثلهم مث ل الجهمي ة تمام ا‪ ،‬وه ذا‬
‫يذكرنا بكتاب ألفه أبو محمد المقدسي بعنوان [تبصير العقالء بتلبيسات أه ل التجّهم‬
‫واإلرج اء]‪ ،‬حكم في ه على الس لفية العلمي ة بمث ل م ا حكم ب ه الس لف األول على‬
‫المرجئة‪.‬‬
‫وق د ذك ر الش ايجي أس باب اعتب ار الس لفية العلمي ة معطل ة‪ ،‬فق ال‪ ..( :‬وق ام‬
‫مذهبهم على التعطيل‪ :‬تعطيل الجهاد‪ ،‬وتعطيل األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫إال بإذن اإلمام ‪ -‬حسب زعمهم ‪ -‬وتعطيل الدعوة إلى هللا‪ ،‬وتعطي ل النظ ر في ح ال‬
‫األمة‪ ،‬وإشغالها بحرب الصالحين‪ ،‬وتتبع عوراتهم وزالتهم‪ ،‬وتنفير الناس عنهم)(‪)1‬‬
‫ولم يكتف الكاتب بوصفهم بالمعطلة‪ ،‬بل راح يقارنهم بغيرهم من الفرق التي‬
‫اتفقوا على تكفيره ا‪ ،‬فهم ـ كم ا يق ول ـ (خ وارج م ع ال دعاة‪ ،‬مرجئ ة م ع الحك ام‪،‬‬
‫رافضة مع الجماعات‪ ،‬قدرية مع اليهود والنصارى والكفار‪ ،‬وأنهم جمع وا ش ر م ا‬
‫عن د الف رق‪ ،‬فهم م ع ال دعاة إلى هللا خ وارج يكف رونهم بالخط أ ويخرج ونهم من‬
‫اإلسالم بالمعصية‪ ،‬ويستحلون دمهم ويوجبون قتلهم وقتالهم‪ ..‬وأم ا م ع الحك ام فهم‬
‫مرجئة يكتفون منهم بإس الم اللس ان وال يلزم ونهم بالعم ل‪ ،‬فالعم ل عن دهم بالنس بة‬
‫للح اكم خ ارج عن مس مى اإليم ان‪ ..‬وأم ا م ع الجماع ات فق د انتهج وا معهم نهج‬
‫الرافضة مع الصحابة وأهل السنة‪ ،‬فإن الرافضة جمعوا ما ظنوه أخط اء وق ع فيه ا‬
‫الصحابة الكرام ورموهم جميعا بها‪ ،‬وجمع وا زالت علم اء أه ل الس نة وس قطاتهم‬
‫واتهموا الجميع بها‪ ..‬وهم مع الكفار من اليهود والنصارى قدرية جبرية ي رون أن ه‬
‫ال مفر من تسلطهم وال حيلة للمسلمين في دفعهم‪ ،‬وأن كل حركة وجهاد لدفع الكفار‬
‫عن صدر أمة اإلسالم فمصيره اإلخفاق‪ ،‬ولذلك فال جهاد حتى يخرج اإلمام)(‪)2‬‬
‫ثم ختم هذه المقارنات بقوله‪( :‬فوا عجبا كيف جم ع ه ؤالء ب دع ه ذه الف رق‪،‬‬
‫وكيف استطاعوا أن يكيلوا في كل قضية بكيلين‪ ،‬فالكيل الذي يكيلون به للحكام غير‬
‫الكيل الذي يكيلون به لعلماء اإلسالم‪ ،‬فال حول وال قوة إال باهلل)(‪)3‬‬
‫وقد ذكر من أصولهم التي حولتهم إلى خوارج وتكفيريين اعتبارهم (ك ل من‬
‫وقع في الكفر كافر‪ ،‬وكل من وقع في البدع مبتدع‪ ..‬دون نظرا في أن يكون قد ق ال‬
‫هذا الكفر أو وقع منه خطأ أو تأوال أو جهال أو إكراها‪ ..‬وكل مسلم وقع في بدعة أو‬
‫ما يتوهمونه بدعة‪ ،‬فهو مبتدع دون اعتبار أن يكون قائل البدعة أو فاعلها متأوال أو‬
‫مجتهدا أو جاهال‪ ..‬وهم أحق الناس بوصف المبت دع ب اختراعهم ه ذا األص ل ال ذي‬
‫هو من أصول أهل البدع وليس من اصول أهل السنة والجماعة)(‪)4‬‬
‫ومن أصولهم التي ذكره ا‪ ،‬وال تي تلحقهم ب الخوارج اعتب ارهم (من لم يب دع‬
‫مبتدعا فهو مبتدع‪ ..‬فإذا حكموا على رج ل أن ه مبت دع أو على جماع ة دعوي ة أنه ا‬

‫‪ )(1‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.5‬‬


‫‪ )(2‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ )(3‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ )(4‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.9‬‬

‫‪321‬‬
‫جماعة بدعة‪ ،‬ولم تأخذ برأيهم وحكمهم الفاسد فأنت‪ :‬مبتدع‪ ،‬ألنك لم تبدع مبت دعا‪..‬‬
‫وهو أصل وقائي فإما أن تكون معن ا أو تك ون منهم‪ ،‬وهم على ش اكلة من قبلهم في‬
‫التكفير الذين قالوا‪( :‬من لم يكف ر الك افر ‪ -‬عن دهم ‪ -‬فه و ك افر)‪ ،‬ف إذا حكم وا على‬
‫رج ل مس لم أن ه ك افر ولم ت وافقهم على ذل ك ف أنت ك افر أيض ا ألن ك لم ت رض‬
‫باجتهادهم‪ ،‬فما أشبه هذا القول بقول الخوارج)(‪)1‬‬
‫ومن أصولهم الخط يرة ال تي ذكره ا (اس تداللهم بمنهجهم الفاس د في التب ديع‬
‫والتفسيق والهجر والتحذير من المبتدعة بقولهم أن هللا سبحانه ذكر أخطاء األنبياء‪..‬‬
‫وهذا من عظائمهم ومصائبهم الكبيرة‪ ..‬ف أين القي اس في ه ذا ي ا أه ل العق ول‪ ،‬ه ل‬
‫أصبح األنبياء هم المبتدعة‪ ،‬الذين يجب التح ذير منهم‪ ،‬م ع العلم أن ه ذا األص ل ال‬
‫يج وز تطبيق ه عليهم من خالل إظه ار مث الب دع اتهم وش يوخهم فيج وز لهم م ا ال‬
‫يجوز لغيرهم ومن انتقدهم فقد انتقد السلف بأكملهم‪ ..‬فه ل أص بحوا في مق ام ال رب‬
‫الذي يرشد األنبي اء‪ ..‬وه ل أراد هللا س بحانه وتع الى بإرش اد أنبيائ ه‪ -‬إلى بعض م ا‬
‫خالفوا فيه األولى ‪ -‬تحذير الناس منهم كما يفعلون هم بالدعاة المهت دين‪ ..‬وه ل أراد‬
‫هللا من ذكر أخطاء األنبياء ‪ -‬حسب ق ولهم ‪ -‬تنقيص هم‪ ،‬وتحق يرهم كم ا يفعل ون هم‬
‫بالدعاة إلى هللا)(‪)2‬‬
‫ومن أص ولهم الخط يرة ال تي ذكره ا ع دم حملهم المطل ق على المقي د‪ ،‬وال‬
‫المجم ل على المفس ر (ح تى يحكم وا ب الكفر والبدع ة على من ش اءوا من ال دعاة‪،‬‬
‫فبمجرد أن يجدوا في كالمه كلمة موهمة‪ ،‬أو عبارة غامض ة‪ ،‬أو ق ول مجم ل يمكن‬
‫أن يحمل على معنى فاسد فإنهم يسارعون بحمل هذا القول على المعنى الفاسد الذي‬
‫يريدون‪ ،‬وال يشفع عندهم أن يكون قائل هذا القول المجمل قد فس ره في مك ان آخ ر‬
‫تفسيرا صحيحا‪ ،‬أو قال بخالف المعنى الفاسد المتوهم في مواض يع أخ رى‪ ..‬وه ذا‬
‫تصيد وترقب للخطأ من المسلم‪ ،‬وتحميل لكالم المسلم ماال يحتمله‪ ،‬وتفس ير ل ه بم ا‬
‫يخالف نيته وقصده‪ ،‬مع استثنائهم لمشايخهم وأتباعهم)(‪)3‬‬
‫ومن أصولهم التكفيريهم التي تلحقهم ب الخوارج ـ كم ا ي ذكر ـ (اعتب ارهم أن‬
‫اإلنسان ‪ -‬أي إنسان عالما كان أم جاهال بأمور األحكام ومسائل الشريعة ‪ -‬ال يغتفر‬
‫له جهله أو خطؤه في أصول الدين‪ ..‬وقد جاء أصلهم هذا بناء على فهمهم السقيم لما‬
‫ذكر العلماء من أن االجتهاد ال يقبل في العقيدة‪ ..‬ففهموا بفهمهم الباطل الخارجي أن‬
‫من وقع في الخطأ في مسائل العقيدة فإنه غ ير مغف ور ل ه‪ ..‬وب ذلك أخرج وا علم اء‬
‫األمة من الملة من حيث يشعرون أو ال يشعرون)(‪)4‬‬
‫ومن أصولهم التكف يريهم ال تي تلحقهم ب الخوارج ـ كم ا ي ذكر ـ (إطالق لف ظ‬
‫الزنديق على المسلم بال دليل سوى الهوى‪ ..‬والزن ديق ال يطل ق في لغ ة أه ل العلم‪-‬‬

‫‪ )(1‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.9‬‬


‫‪ )(2‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ )(3‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ )(4‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪322‬‬
‫في األغلب ‪ -‬إال على الكافر المظهر لإلسالم‪ ،‬وبالخصوص على الثنوي ة والق ائلين‬
‫بإلهين‪ ،‬ومدعي النبوة والرسالة‪ ،‬والفرق الباطنية الذين يحملون معاني الق رآن على‬
‫عقائدهم الوثنية‪ ..‬وقد تساهل أصحاب هذا الكفر الجدي د ب إطالق لف ظ الزن ديق على‬
‫المسلم المتبع للقرآن والسنة بخطأ أخطأ فيه)(‪)1‬‬
‫ومن أصولهم التكفيريهم التي تلحقهم بالخوارج ـ كما يذكر ـ اعتبارهم (إقامة‬
‫الحجة ال تك ون إال في بالد بعي دة عن اإلس الم‪ ..‬أم ا بالد المس لمين فال حاج ة لمن‬
‫وجد فيها إلى أن تقام الحجة عليه‪ ،‬وعلى هذا األصل الخ ارجي يك ون ك ل من وق ع‬
‫في الكفر أو الشرك وهو في بالد التوحيد فهو مشرك كافر‪ ،‬وال حاجة عند ذل ك إلى‬
‫إقامة الحجة عليه‪ ..‬باستثناء الحكام فهم عندهم بحاج ة إلقام ة الحج ة لينطب ق عليهم‬
‫الكفر من عدمه‪ ،‬أما العامة فال حاجة عندهم إلقامة الحجة عليهم)(‪)2‬‬
‫ومن أصولهم ومكاييلهم المزدوجة ال تي ذكره ا (تح ريمهم العم ل الجم اعي‬
‫والتنظيم الدعوي على الجماع ات اإلس المية وإباحت ه ألنفس هم وأش ياعهم‪ ،‬فم ع أن‬
‫هؤالء افتوا بحرمة العمل الجماعي والتنظيم الدعوي بحجة أن ه ي دعو إلى الحزبي ة‬
‫لكن أعمالهم جاءت مخالفة لفتواهم‪ ،‬فلديهم عمل منظم كاألسابيع الثقافية والمخيمات‬
‫الربيعية وطب ع الكتب والتواص ل الفك ري والتنظيمي بينهم في بق اع مختلف ة‪ ،‬وبين‬
‫قيادتهم المدينة المعروفة إلى غير ذلك مما ال سبيل إلى إنكاره)(‪)3‬‬
‫ومن أصولهم اهتمامهم (بجمع األخطاء والمثالب التي وقع فيه ا بعض أف راد‬
‫الجماعات الدولي ة ال لغ رض تنبي ه أفراده ا وتبص يرها للنص ح لهم‪ ،‬لكن من أج ل‬
‫هدمها والتنفير عنها وتبديعها بل تكفير المنتسبين إليها‪ ،‬وق د عم دوا في س بيل ذل ك‬
‫إلى ضرب الجميع بأخطاء البعض‪ ،‬فإذا كان في جماعة التبلي غ أف راد من الص وفية‬
‫أصبح كل تبليغي صوفي‪ ،‬وإذا ك ان في أف راد االخ وان من ي والي ال روافض فك ل‬
‫اإلخوان المسلمين كذلك وهكذا‪ ..‬وهم يعلمون أن ه ليس ك ل من ينتس ب إلى جماع ة‬
‫التبليغ يدخل في الصوفية ضرورة‪ ،‬وهل إذا أساء بعض أهل بلد كان كل أه ل البل د‬
‫جميعهم مسيئين بسببه)(‪)4‬‬
‫ومن أص ولهم ال تي تلحقهم ب الخوارج ـ كم ا ي رى المؤل ف ـ اعتب ارهم (أن‬
‫الجماعات اإلسالمية ماهي إال امتداد للفرق الضالة من معتزلة وأش اعرة وخ وارج‬
‫وقدري ة وجهمي ة‪ ،‬تنتهج منهج الخل ف في العقي دة‪ ،‬فأص بح ب دل أن يق ال ه ؤالء‬
‫أشاعرة وهؤالء معتزلة صار يقال هؤالء إخوان‪ ،‬وهؤالء تبليغ)(‪)5‬‬
‫ومن أصولهم التكفيرية ـ كما يذكر ـ اعتبارهم (أن الجماعات الدعوية أخط ر‬
‫على اإلس الم من اليه ود والنص ارى وأن ه يجب تق ديم ح ربهم على ح رب اليه ود‬
‫والنصارى وجمع مثالبها من أجل هدمها‪ ،‬حتى زعم بعضهم أن هذه الجماعات هي‬
‫‪ )(1‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪ )(2‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪ )(3‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪ )(4‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪ )(5‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.18‬‬

‫‪323‬‬
‫جماعات ردة‪ ،‬وزعموا أن جميعها انحرفت عن المنهج الحق وأخذت بمنهج الخلف‬
‫وعقيدتهم ودخلت إلى الساحة باسم جماعات الدعوة وجماعات خير وهي تسعى في‬
‫الحقيقة إلى اإلطاحة بدعوة التوحيد ومحاربته)(‪)1‬‬
‫ومن أصولهم التي تشبههم بالمعتزلة ـ كما يذكر ـ استعانتهم (بسوط الس لطان‬
‫إلسكات مخالفيهم بدال من الحجة والبرهان‪ ..‬فال يت ورع الق وم عن ت أليب الس لطان‬
‫على مخالفيهم في القض ايا االجتهادي ة‪ ،‬وذل ك من خالل تص وير ه ؤالء المخ الفين‬
‫ب أنهم خط ر على الدول ة وبالت الي يجب اقتالعهم‪ ،‬ومن ه ؤالء من كتب مؤلب ا في‬
‫صفحات الجرائد العامة‪ ،‬ومنهج السلف مع السالطين معروف‪ ،‬فهم يتجنبون أبواب‬
‫السلطان‪ ،‬وإن كان عادال مقسطا‪ ..‬فكي ف إذا ك ان يعم ل بالنميم ة ويرس ل التق ارير‬
‫واألشرطة المسجلة‪ ،‬ليصطاد عبارة موهم ة‪ ،‬أو يتجس س على ش يخ ليتق رب بدم ه‬
‫عن د الس لطان‪ ..‬وه ؤالء ال س لف لهم في أس لوبهم التحريض ي إال المعتزل ة أي ام‬
‫المأمون والمعتصم حين استعانوا بس وط الس لطان على أه ل الس نة‪ ،‬وحك ايتهم م ع‬
‫اإلمام أحمد مشهورة معلومة)(‪)2‬‬
‫ومن األصول التكفيرية التي ذكرها (للطائفة التي اتخذت سب ال دعاة إلى هللا‬
‫دينا‪ :‬أن أهل البدع الكبرى كالرفض والتجهم واإلرج اء والالدين يين يقول ون عنهم‪:‬‬
‫هؤالء معروف أمرهم‪ ،‬ظ اهر فعلهم ول ذلك فال يج وز أن ننش غل بهم ب ل يجب أن‬
‫ننشغل بالدعاة إلى هللا لنبين أخطاءهم ألنه ا تخفى على الن اس‪ ..‬ف انظر كي ف عمى‬
‫هؤالء عن حرب المحاربين لإلسالم وانشغلوا بح رب أولي اء ال رحمن وال دعاة إلى‬
‫هللا ونهش لح ومهم وتفض يل جه ادهم ب دال من م ؤازرتهم والنص ح لهم‪ ،‬وتس ديد‬
‫أخطائهم)(‪)3‬‬
‫ومن أصولهم التي ذكرها (التعبد هلل بسب الصالحين وشتمهم ولعنهم‪ .‬فالمسلم‬
‫الداعية الذي يمكن أن يكون قد أخطأ ت أوال أو جهال يص بح وقوع ه في ه ذا الخط أ‬
‫االجتهادي سببا في استحالل عرضه بل دمه‪ ..‬وقائمة السباب عند هؤالء الجراحين‬
‫طويلة فـ (الخبيث)‪ ،‬و(الخنيث)‪ ،‬و(الزنديق)‪ ،‬و(المبتدع) أوصاف سهلة على ألس ن‬
‫هؤالء الجراحين يقولونها في كل مناس بة‪ ،‬ويطلقونه ا على الص الحين من عب اد هللا‬
‫دون أي تأثم أو مراجعة للنفس‪ ،‬بل بصدر منشرح‪ ،‬ويظنون أن هذا أرجى أعم الهم‬
‫عند أعمالهم عند هللا)(‪)4‬‬
‫ومن أصولهم ال تي ذكره ا (أن ه ذه الفئ ة ال تي اتخ ذت س ب المس لمين دين ا‬
‫أرادت أن تستدل لمنهجه ا في تج ريح أه ل اإلس الم وتب ديعهم وتفس يقهم واس تباحة‬
‫أعراضهم‪ ،‬ووجوب مفارقة الصالحين منهم وهجرهم‪ ،‬وتعطيل دعوتهم‪ ،‬أرادت أن‬
‫تستدل لهذا المنهج الفاس د من الق رآن‪ ...‬فاس تدلت باآلي ات النازل ة في الكف ار‪ ،‬وأن‬

‫‪ )(1‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫‪ )(2‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪ )(3‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪ )(4‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.29‬‬

‫‪324‬‬
‫الرسل ج اءوا للتفري ق بين األب وأبي ه وال زوج وزوجت ه‪ ،‬واألخ وأخي ه‪ ،‬ويس تدل‬
‫بعضهم في دروسه بأن محمدا ‪ ‬قد جاء فرق ا بين الن اس أو ق د ف رق بين الن اس‪،‬‬
‫ويجعل ون ه ذا الح ديث دليال على وج وب التفري ق بين المس لمين‪ ،‬فالس لفي غ ير‬
‫اإلحواني غير التبليغي‪ ...‬ويعقدون الوالء وال براء بين الس لفيين وه ؤالء‪ ،‬كم ا ه و‬
‫الوالء والبراء مع الكفار)(‪)1‬‬
‫ومن أصولهم ال تي ذكره ا أن (همهم األول في ال دعوة إلى هللا ه و الوق وف‬
‫على أخطاء الدعاة‪ ،‬وجمع مثالبهم‪ ،‬وحفظ سقطاتهم برقم الصفحة‪ ،‬ونص كالمهم‪...‬‬
‫واالهتمام بنشر هذه المث الب والس قطات بقص د تنف ير الن اس منهم ال بقص د تح ذير‬
‫الناس من الوقوع فيها‪ ،‬أو النصح لمن وقعوا فيها‪ ،‬وإنما بقصد أن ينفروا الناس عن‬
‫الداعي إلى هللا ويبطلوا جميع جهاده وكل حسناته‪ ،‬ويهدموا ك ل م ا بن اه‪ ،‬ويحرم وا‬
‫المسلمين من جميع مؤلفات ه وعلم ه ول و ك ان نافع ا ص الحا‪ ..‬وه ذا تخ ريب عظيم‬
‫وسعي لإلفساد في األرض‪ ،‬فلو أن س اعيا س عى في جمي ع مث الب األئم ة والفقه اء‬
‫لوجد الكثير‪ ،‬ولو أن جامعا جمع سقطات الفقهاء لجمع شيئا ال يحص ى‪ ..‬وال يوج د‬
‫ع الم لم يتكلم في ه‪ ،‬ول و ت ذكر ل ه جرح ة أو س قطة إال من رحم هللا‪ ..‬وه ؤالء‬
‫الجراحون أنفسهم لو جمع جامع بعض سقطاتهم وزالتهم من شريط أو شريطين أو‬
‫كت اب أو كت ابين أو محاض رة أو محاض رتين لكفت في إس قاط ع دالتهم‪ ،‬وتب ديعهم‬
‫وتكفيرهم على حسب أصولهم الفاسدة في التبديع والتفسيق والتجهيل والتكفير)(‪)2‬‬
‫ومن أصولهم التي ذكرها (إنزالهم أنفسهم منزلة أئم ة أه ل الس نة الكب ار في‬
‫تبديع مخالفيهم‪ ،‬ومن ذلك استداللهم بكالم الثوري واألوزاعي في تبديع أحد األئم ة‬
‫المش هورين على ج واز م ا يفعلون ه من تب ديع وتض ليل لمخ الفيهم‪ ،‬وه و بال ريب‬
‫قياس مع الفارق فإنما ساغ ذلك للثوري وغيره من أئمة السلف بسبب م ا أوت وه من‬
‫علم وعمل وقبول بين الناس‪ ،‬وشتان م ا بين أح وال أولئ ك األئم ة وأح وال ه ؤالء‬
‫الطائشين المتعجلين)(‪)3‬‬
‫ومن أصولهم التي ذكرها اختراعهم (ليس على منهج الس لف) أو (ليس على‬
‫منهج أهل السنة والجماعة)(وهي عبارة مجملة ت رقى عنهم إلى التكف ير واإلخ راج‬
‫من أهل السنة والجماعة‪ ،‬والفرقة الناجية‪ ..‬ويطلقون هذه الكلمة على مجرد مخالف ة‬
‫يسيرة في أمر اجتهادي يسوغ فيه الخالف‪ ،‬كالمشاركة في المجالس النيابية‪ ،‬بقص د‬
‫اإلصالح ودفع الشر‪ ،‬وكالقول بأن وسائل الدعوة ليست توقيفية‪ ،‬وهذه الكلم ة كلم ة‬
‫كبيرة‪ ،‬واصطالح خطير ألن ه أدى بكث ير من ه ؤالء الج راحين إلى التكف ير بغ ير‬
‫مكفر‪ ،‬والتبديع بغير مبدع للمس لمين ال ذين يؤمن ون ب القرآن والس نة وال يخرج ون‬
‫على إجماع األمة ويعتقدون عقيدة الس لف في اإليم ان باألس ماء والص فات وس ائر‬
‫أمور الغيب وال يقدمون قول أحد على قول هللا ورسوله‪ ،‬ولكنهم قد يخالفون ه ؤالء‬

‫‪ )(1‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.30‬‬


‫‪ )(2‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ )(3‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪325‬‬
‫في أمر فرعي اجتهادي يسوغ فيه الخالف‪ ..‬فيطلق عليهم هؤالء هذه الكلمة الكبيرة‬
‫(ليس على منهج السلف) أو (ليس على منهج أهل السنة والجماعة)‪ ،‬وهذه الكلمة ال‬
‫تطلق إال على من وضع أصوال تخالف أصول أه ل الس نة كإنك ار الس نة أص ال أو‬
‫الدخول في بدعة عقائدية كالخروج وال رفض واإلرج اء والتجهم والق در‪ ،‬أو تق ديم‬
‫العقل والهوى على النصوص من القرآن والسنة‪ ،‬أو الفصل بين ال دين والسياس ة‪...‬‬
‫ونحو ذلك من البدع العقائدية التي تهدم الدين أو جزءا منه)(‪)1‬‬
‫ومن أصولهم التي ذكرها اعتبارهم (هجر المبتدع وس يلة ش رعية لإلص الح‬
‫تخض ع للمص الح والمفاس د وه و من أص ول أه ل الس نة والجماع ة‪ ..‬وه ؤالء‬
‫الجراحون استخدموا الهج ر س الحا لقت ل اإلس الم‪ ،‬وتفري ق المس لمين فجعل وا ك ل‬
‫صغير لم يصل الحلم جراحا وحاكما على الناس بالبدعة والسنة‪ ،‬وأمروا بهجر ك ل‬
‫الدعاة والجماعات‪ ،‬وكل من أخطأ خطأ في نظرهم‪ ،‬فلم يبق أح د من المس لمين من‬
‫أهل السنة والجماع ة ‪ -‬إال من رحم هللا ‪ -‬إال اس تحق عن دهم الهج ر‪ ،‬ثم ك روا على‬
‫أنفسهم فبدع بعض هم بعض ا وهج ر بعض هم بعض ا وهك ذا ارت د س الحهم عليهم‪...‬‬
‫وبهذا حول هؤالء الجراح ون س الح هج ر المبت دع ال ذي اس تعمله أه ل الس نة في‬
‫محاربة البدعة إلى سالح يحاربون به اإلسالم والسنة)(‪)2‬‬
‫ومن أصولهم التي ذكرها (حملهم أق وال الس لف في التح ذير من أه ل الب دع‬
‫على الدعاة المنتسبين إلى أهل السنة والجماعة‪ ..‬وعلى أساس منهجهم الفاسد في أن‬
‫(كل من وقع في البدعة فه و مبت دع) ف إنهم أخرج وا أناس ا كث يرين من أه ل الس نة‬
‫والجماع ة لم يكون وا دع اة لبدع ة وإن ك انوا ق د تلبس ببعض هم به ا خط أ‪ ،‬وت أوال‬
‫كالحافظ ابن حجر واإلمام النووي من األئمة األعالم رحمهما هللا‪ ،‬وغيرهما‪ ..‬ولم ا‬
‫رأى بعضهم خطورة ذلك وأنهم ربما يب دعون ب ذلك ع ددا كب يرا من علم اء األم ة‬
‫رجعوا عن تبديع هؤالء األقدمين‪ ،‬واستمروا في تبديع الدعاة المعاصرين‪ ،‬علم ا أن‬
‫ه ؤالء ال دعاة وقع وا في بعض األخط اء ال تي ال تخ رجهم من عم وم أه ل الس نة‬
‫والجماعة‪ ،‬وهي أهون مما وقع فيه الحاف ظ ابن حج ر واإلم ام الن ووي‪ ..‬ومنهم من‬
‫اتخ ذ التقي ة‪ ،‬دين ا فك ان يب دع ه ؤالء األق دمين س را أو أم ام خاص ته‪ ،‬وينفي عنهم‬
‫البدعة علنا)(‪)3‬‬
‫ومن أصولهم التي ذكره ا (امتح ان ال دعاة إلى هللا ب الموقف من بعض أه ل‬
‫العلم‪ ..‬فمن لم يقل بقولهم أخرجوه من السلفية‪ ،‬ومن قال بقولهم فهو الس لفي الحقيقي‬
‫عند هؤالء القوم‪ ..‬وبذلك أصبح للسلفية مقاييس خاصة عند هذه الطائفة)(‪)4‬‬
‫ومن أصولهم التي ذكره ا (م وقفهم المتن اقض من فت اوى أئم ة أه ل الس نة‬
‫والجماعة‪ ..‬فإذا وجد هؤالء فتوى ألحد من علماء السنة ‪ -‬قديما وحديثا ‪ -‬يشتم منه ا‬

‫‪ )(1‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.41‬‬


‫‪ )(2‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫‪ )(3‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪ )(4‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.45‬‬

‫‪326‬‬
‫رائحة الموافقة لبعض آرائهم طاروا بها فرحا‪ ،‬وألزموا الن اس به ا من ب اب توق ير‬
‫أهل العلم والرجوع إلى أقوالهم‪ ..‬أما إذا ج اءت الفت وى ناس فة ألص ولهم الكاس دة‪..‬‬
‫فإنهم يردونها ولو كانت من نفس العالم الذي طبلوا من قبل لفتاويه األخرى)(‪)1‬‬
‫ومن أصولهم التي ذكرها (تعليم ص غار طالب العلم والمبت دئين س ب الن اس‬
‫وتجريحهم قبل أن يعرف الشاب المبتدئ أركان األيمان‪ ،‬وأصول األخالق‪ ،‬وأحكام‬
‫العبادات‪ ...‬فهم يبدأون مع الشاب الذي بدأ في االل تزام والهداي ة فيعلمون ه أن فالن ا‬
‫أخطأ في كذا‪ ،‬وابتدع كذا‪ ،‬وهذا العالم زنديق ألنه ق ال ك ذا‪ ،‬وذاك ض ال ألن ه فع ل‬
‫كذا‪ ،‬وهذه أمور تضره في دينه وتقسي قلبه‪ ،‬وهم مع ذلك يوهمونه أنه ب ذلك يك ون‬
‫كإمام أهل السنة والجماعة أحم د بن حنب ل‪ ،‬والناق د الخب ير يح يى بن معين‪ ،‬وأئم ة‬
‫الجرح والتعديل الذين جلسوا لتمييز الرواة‪ ،‬وجرح المجروحين‪ ،‬والذب عن الدين)‬
‫(‪)2‬‬
‫ومن أصولهم التي ذكرها أنه (لما كانت حركة االبتداع الجديدة هذه تق وم في‬
‫بعض جوانبها على مناصرة الحكام أّيا كانوا‪ ،‬وإبطال فريضة الجهاد وبعض صور‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنك ر‪ ،‬وتش ويه ص ورة ك ل داع إلى الحكم بش ريعة‬
‫هللا‪ ،‬فإنهم عادوا المطالبة بتحكيم ش رع هللا في األرض واعت بروا م ا اص طلح على‬
‫تسميته بتوحيد الحاكمية ابت داعا في ال دين‪ ،‬وأن ه ال يوج د ن وع من التوحي د يس مى‬
‫توحيد الحاكمية‪ ،‬وأن األولى أن يدرج في أبواب الفقه‪ ،‬وجه ل ه ؤالء أن الص حابة‬
‫أنفسهم لم يقسموا التوحيد اصطالحا إلى ربوبية وألوهية واألسماء والصفات‪ ،‬وإنما‬
‫هذا اصطالح حادث)(‪)3‬‬
‫ومن أصولهم التي ذكرها والتي تقربهم من الجهمية (ق ول بعض هم أن الكف ر‬
‫ال يك ون إال بالتك ذيب‪ ،‬وه و بعين ه ق ول جهم بن ص فوان وبش ر المريس ي وابن‬
‫الرواندي والص الحي‪ ،‬وغ يرهم من الجهمي ة‪ ،‬وله ذا لم ا طبق وا ه ذا األص ل على‬
‫الواقع صار حكم من نبذ الشريعة كلها وحكم بقوانين الكفار بحذافيرها وح ارب من‬
‫يدعو إلى تحكيم الشريعة وبالغ في أذاهم وتشويه دعوتهم أنه ال يكفر)(‪)4‬‬
‫ومن أصولهم التي ذكرها (إطالق لفظ الخارجي على من أنك ر منك ر اإلم ام‬
‫باللسان‪ ..‬وأنه ال أمر بمعروف إال بإذن اإلمام)(‪)5‬‬
‫هذه بعض األصول التي ذكره ا في كتاب ه المهم والخط ير وال ذي ش ن علي ه‬
‫الس لفية حملتهم الش ديدة‪ ،‬وهي تؤك د ك ل م ا ذكرن اه س ابقا من ك ون الس لفية أك بر‬
‫مصدر للتكفير في األمة‪.‬‬
‫وقد يتصور البعض أن هذا الداعية الذي ذكر هذا بمنأى عن التكف ير‪ ..‬وذل ك‬
‫غير صحيح‪ ،‬فالتكفير ركن من أركان التمذهب بمذهب السلف‪ ..‬وال يصير الس لفي‬
‫‪ )(1‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪ )(2‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫‪ )(3‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪ )(4‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ )(5‬الخطوط العريضة ألصول أدعياء السلفية الجديدة‪ ،‬ص‪.55‬‬

‫‪327‬‬
‫سلفيا إال به‪ ..‬وإنما ذكر الكاتب م ا ذك ره هن ا من انتق ادات وتهم ألص حاب التوج ه‬
‫الس لفي العلمي من ب اب ال دفاع عن النفس ض د تكف يرهم ل ه‪ ..‬وليس ض د التكف ير‬
‫مطلقا‪.‬‬
‫وقد أشار إلى ذلك في رسالة مفتوحة للشيخ ربيع المدخلي جاء فيها‪ :‬ويق ول‪:‬‬
‫(ولم ا ك ان الش يخ ربي ع بن ه ادي ي نزع في نق ده لي وفي غ يري من طلب ة العلم‬
‫والدعاة إلى المنهج الذي اخترعه في النقد والذي سماه‪( :‬منهج أهل السنة والجماعة‬
‫في نق د الرج ال والكتب والطوائ ف)‪ ،‬وك ان ق د خ رج على المس لمين به ذا المنهج‬
‫الظالم الذي نس به إلى س لف األم ة‪ ،‬وأه ل الس نة وال ذي يق وم على التع دي والظلم‬
‫واتهام الناس بالباطل‪ ،‬وإخراج المسلمين من اإلسالم‪ ،‬ورميهم بالبدع ة والزندق ة‪...‬‬
‫فإنني رأيت دفعا للظلم الواقع علي‪ ،‬ودفاعا عن نفسي‪ ،‬وال دفاع عن النفس مش روع‬
‫ب ل واجب أحيان ا لق ول هللا تع الى‪َ﴿ :‬و اَّل ِذ يَن ِإَذ ا َأَص اَبُهُم اْلَبْغ ُي ُهْم َيْنَتِص ُروَن ﴾‬
‫[الش ورى‪ ، ]39 :‬وك ذلك دفاع ا عن منهج أه ل الس نة والجماع ة الح ق في النق د‬
‫والنصح لكل مسلم‪ ...‬رأيت أن أوجه هذا الخطاب إلى الشيخ ربيع بن هادي خاص ة‬
‫وللمسلمين عامة)(‪)1‬‬
‫النموذج الثاني‪ :‬كتب أبي محمد المقدسي‬
‫وهو محم د عاص م بن محم د البرق اوي المقدس ي (ول د ‪1378‬هـ)‪ ،‬ص احب‬
‫الكتاب التكفيري المش هور [مل ة إب راهيم]‪ ،‬وغ يره من الكتب‪ ،‬ول ه أتب اع كث يرون‬
‫سواء من الملتحقين به في الجماعات المسلحة‪ ،‬أو غيرهم‪.‬‬
‫وهو يرى كفر المدرس ة الس لفية العلمي ة ال تي يس ميها [الجامي ة والمدخلي ة]‬
‫بسبب وقوفها مع الطغاة وعدم إنكارها عليهم‪ ،‬وأنهم ب ذلك وقع وا في نفس ن واقض‬
‫اإليمان التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪.‬‬
‫ومن كتب ه ال تي ألفه ا في تكف ير الس لفية العلمي ة كت اب [تح ذير البري ة من‬
‫ضالالت الفرقة الجامية والمدخلية]‪ ،‬والذي قال في مقدمته‪( :‬حقيقة الفرقة المدخلي ة‬
‫أنها فرقة من حزب الوالة المتولين للطواغيت المعادين ألهل الح ق من المجاه دين‬
‫وأنصار الدين؛ فرقة تعتقد أن في رقبتها بيعة للطاغوت المح ارب ل دين هللا توالي ه‬
‫وتظاهره على المجاهدين وتعادي كل من طعن فيه وتسميهم بالخوارج والتكفيريين‬
‫والفئ ة الض الة‪ ..‬وهم كم ا قلت في رس الة لي قديم ة بعن وان (تح ذير البري ة من‬
‫ضالالت الفرقة الجامية والمدخلية)‪ :‬إن ه ؤالء الجامي ة والمداخل ة ومن س ار على‬
‫نهجهم م ا هم في الحقيق ة إال لفي ف من الض الل الم ارقين الم والين لحك ام بالدهم‬
‫عموما‪ ،‬وآلل سعود خصوصا فهم مجموعة من مشايخ السلطان ودعاته ب ل وكث ير‬
‫منهم من مخابراته ومباحثه وأنصاره وأوليائه)(‪)2‬‬
‫وقد نقل من أقوال السلف ما يدل على منهج التعام ل معهم‪ ،‬فنق ل عن س فيان‬
‫بن عيينة قوله لما سئل عن اإلرجاء‪( :‬اإلرجاء على وجهين‪ :‬ق وم أرج وا أم ر علي‬
‫‪ )( 1‬من مقال به بعنوان‪[ :‬أدعياء السلفية وتنفيذهم للمخططات االمريكية‪ :‬خطاب مفتوح إلى ربيع المدخلي]‬
‫‪ )(2‬تحذير البرية من ضالالت الفرقة الجامية والمدخلية‪ ،‬ص‪.3‬‬

‫‪328‬‬
‫وعثمان‪ ،‬فقد مضى أولئك‪ .‬فأما المرجئة الي وم فهم يقول ون اإليم ان ق ول بال عم ل‪.‬‬
‫فال تجالسوهم وال تؤاكلوهم وال تشاربوهم‪ ،‬وال تصلوا معهم وال تصلوا عليهم)(‪)1‬‬
‫وقد علق على ه ذا النص التكف يري بقول ه‪( :‬ال ش ك أن أولئ ك أق ل خبث ا من‬
‫هؤالء المداخلة ؛ألنهم رغم تع ريفهم الفاس د لإليم ان لم يظ اهروا المش ركين على‬
‫الموحدين ولم يتولوا الطواغيت وال رقعوا للمشرعين وأعداء الدين كما يفعل هؤالء‬
‫الخوالف من المداخلة الذين دخلوا في والي ة الط واغيت‪ ،‬وزادوا على ذل ك فعل ة لم‬
‫يفعلها حتى غالة المرجئة من الجهمية الذين لم يوالوا الروم وال انح ازوا إلى ص ف‬
‫الصليبيين ضد المس لمين؛ أم ا ه ؤالء الخوال ف الض الل ؛ فلم يكتف وا بالج دال عن‬
‫طواغيت الحكم‪ ،‬بل انبروا يدافعون ويج ادلون عن أحالفهم من الص ليبيين ويثن ون‬
‫عليهم ب ل وي دعون لهم‪ ،‬ح تى نعب خطب اؤهم على من بر المس جد الح رام ق ائلين‬
‫(جزى هللا أمريكا عّن ا خ يرًا!!) وفي مقاب ل ه ذا كل ه ت راهم يش نون غ اراتهم على‬
‫الموح دين ويطيل ون ألس نتهم في ال دعاة المعارض ين للتح الف م ع الص ليبين‬
‫واالستنص ار بهم وي بيحون دم اء المجاه دين لهم ويؤي دون ط واغيت الحكم‬
‫ويظاهرونهم ويؤزونهم ويحرضونهم علي قتلهم وإعدامهم)(‪)2‬‬
‫بناء على هذا راح يذكر رؤوسهم‪ ،‬ومواقف السلفية الحركية منهم‪ ،‬فمنهم(‪ )3‬ـ‬
‫وعلى رأس هم ـ محم د أم ان الج امي ال ذي ق ال في ه‪( :‬ه و أثي وبي ق دم إلى المدين ة‬
‫المنورة‪ ،‬وسهل له التدريس في المسجد النبوي‪،‬و الجامعة اإلسالمية وه و ص احب‬
‫التقارير الشهيرة للسلطان في المشايخ وطلبة العلم وقد هلك)‬
‫ومنهم (ربي ع بن ه ادي الم دخلي الم درس في الجامع ة اإلس المية المتف رغ‬
‫والمتفنن في الطعن في كل داعية محارب للطواغيت)‬
‫ومنهم (فالح بن نافع الحربي شيخ المباحث السعودية كم ا يعرف ه إخوانن ا في‬
‫الحجاز)‬
‫ومنهم (محم د بن ه ادي الم دخلي ذنب أم راء آل س عود وش اعر بالطهم؛‬
‫المحاضر في الجامعة اإلسالمية‪ ..‬وق د ش ابه الخ وارج في ترحيب ه باس تباحة دم اء‬
‫المس لمين ومبارك ة قتلهم‪ ،‬وتح ريم دم اء الكف رة والمش ركين ول ه ش عر في ذل ك‪..‬‬
‫وشعره هذا يشبه شعر عمران بن حطان من الخوارج األزارقة)‬
‫ومنهم (علي الحلبي صاحب الفت وى الش هيرة في وج وب التبلي غ عن ال دعاة‬
‫والمجاهدين الذين يسميهم هو ومقلدته بالتكفيريين؛ حيث ُوِّج ه إلي ه الس ؤال الت الي‪:‬‬
‫ه ل يج وز أن ُيبل غ أم ر ه ؤالء التكف يريين إلى الس لطان في ه ذا الزم ان؟ فأج اب‬
‫الحل بي بج واب ملخب ط وحّم ال أوج ه بقول ه‪( :‬إذا ك ان هنال ك ي ترتب عليهم من‬
‫الضرر‪ ،‬واإلفساد لألمة‪ ،‬والتضليل له ا‪ ،‬وبعث الش ر فيه ا‪ ،‬فه ذا واجب)‪ ،‬ثم ُس ئل‬
‫بتاريخ ‪ 2‬ربيع األول ‪ 1420‬عن فتواه هذه‪ ،‬فأنكرها بشدة‪ ،‬مدعيًا بأن دي دن ه ؤالء‬

‫‪ )(1‬رواه الطبري في تهذيب اآلثار (‪)2/181‬‬


‫‪ )(2‬تحذير البرية من ضالالت الفرقة الجامية والمدخلية‪ ،‬ص‪ ،5‬فما بعدها‪.‬‬
‫‪ )(3‬تحذير البرية من ضالالت الفرقة الجامية والمدخلية‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪329‬‬
‫الكذب على الدعاة‪ ،‬فُأحضر الشريط الذي عليه السؤال والج واب بص وت الحل بي‪،‬‬
‫فُبِهَت أمام جمٍع من الذين سمعوا إنكاره قبل دقائق وفي نفس الجلسة؛ ال تي تمت في‬
‫بيت أحد اإلخوة في مدينة الزرقاء (األردن) بعد صالة العشاء وحضرها ُقراب ة ‪40‬‬
‫شخصًا‪ ،‬فانقلب ُيدافع عن فتواه هذه بحرارة‪ ،‬وبأنه قصد ال ذين ُيفس دون على األم ة‬
‫منهج سلفها الصالح‪ ..‬فسئل‪ :‬هل ُك تب وآراء الش يخ س فر الح والي‪ ،‬والش يخ س لمان‬
‫العودة‪ ،‬والشيخ عمر عبد الرحمن وأمثالهم‪ ،‬هل هي ُتفسد الشباب المس لم عن منهج‬
‫السلف؟ فأجاب دون خجٍل وال وجٍل ‪( :‬هي باب للفساد ال شك وال ريب)‪ ،‬وقد واف ق‬
‫بذلك فرقة اليزيدية من فرق الخوارج‪ ،‬وذل ك في ق ولهم بت ولي من ش هد أن محم دا‬
‫رسول هللا ولو لم يدخل في دينه؛ م ع ت برئهم من الموح دين واس تباحتهم لهم‪ ،‬ولكن‬
‫هناك فرق بينه وبين اليزيدية؛ وهو أن اليزيدية استباحوا الموحدين بالمعاصي‪ ،‬أم ا‬
‫هؤالء المارقة المعاصرين فقد اس تباحوهم بالطاع ات مث ل الجه اد والص دع بكلم ة‬
‫الحق والبراءة من الطواغيت وتكفيرهم ونحوه)‬
‫ومنهم (س ليم الهاللي ص احب اللس ان الطوي ل على المجاه دين وال دعاة‬
‫وصاحب السرقات الشهيرة من كتب الدعاة والعلماء)‬
‫ومنهم (س عد الحص ين المستش ار في الس فارة الس عودية في األردن وه و‬
‫سعودي الجنسية والوالء حتى النخاع يتتبع خطى الجاميين والمداخلة)‬
‫ومنهم (محمد بن عبد الرحمن المغراوي وال يتورع من التهدي د برف ع أم ور‬
‫مخالفيه من الدعاة إلى السالطين)‬
‫ومنهم (الجزائري عب د المال ك بن أحم د رمض اني ص احب كت اب (م دارك‬
‫النظر في السياسة‪ )..‬وهو من أسوء وأردأ ما كتب في هذا الباب وحقيقته أن ه ي دعو‬
‫إلى سياسة انبطاحية معيشية إرجائي ة م ع الطغ اة خارجي ة م ع ال دعاة؛ فه و يعت بر‬
‫حكام الجزائر والة أمره الشرعيين فال يجيز الخروج عليهم ولو باللس ان والكالم إذ‬
‫هو ولآلن لم يبصر لغشاوة على بصره وطمس على بصيرته شيئا من الكفر الب واح‬
‫والشرك الصراح والحرب المعلنة على الدين التي يمارسها والة أمره ه ؤالء‪ ،‬وفي‬
‫مقابل هذا التعامي عن كف ر الط واغيت وال ترقيع ل ه؛ ت رى ه ذا الغليم الُق َز ّيم على‬
‫منهاج شيخه ربيع المدخلي يشن غارته على المجاهد العمالق سيد قطب فال يع ذره‬
‫بتأوي ل وال ينّب ه على تراجع ه عن كث ير من الهّن ات ال تي يص ّر ه ذا وأمثال ه على‬
‫إلصاقها به وال يوردون على كالمه شيئا من ترقيعاتهم الواسعة لطوام الطواغيت)‬
‫وهكذا راح يذكر الكثير منهم‪ ،‬ويبين وجوه تضليله وتبديعه وتكفيره‪ ،‬وه و لم‬
‫يكتف بالج اميين فق ط‪ ،‬ب ل ض م إليهم الحرك يين من الس لفية ال ذين لم يوافق وا على‬
‫العم ل المس لح‪ ،‬ولم يكف روا الحك ام‪ ،‬فق ال‪( :‬في الك ويت يس ميهم إخوانن ا هن اك‬
‫بأص حاب المنهج األنبط احى لتخ ذيلهم عن ال دعاة والمجاه دين وانبط احهم ل والة‬
‫الخمور‪ ،‬وينقسمون إلى قسمين؛ حزبيين وغير حزبيين؛ يتفاوتون بدرجة األنبط اح‬
‫لكنهم يلتقون على نفس الفكر والمنهج)(‪)1‬‬

‫‪ )(1‬تحذير البرية من ضالالت الفرقة الجامية والمدخلية‪ ،‬ص‪.9‬‬

‫‪330‬‬
‫ومن كتبه التكفيرية التي لقيت ردود فعل واسعة‪ ،‬وألفت في الرد عليها الكثير‬
‫من الكتب كتابه [الكواشف الجلي ة في كف ر الدول ة الس عودية]‪ ،‬وال ذي ص رح في ه‪،‬‬
‫وفي مواض ع كث يرة على كف ر ك ل الس لفيين ـ وخصوص ا العلم اء منهم ـ ممن لم‬
‫يؤمن وا بالس لفية الحركي ة المس لحة‪ ،‬وه و يس تند في ذل ك إلى نفس م ا يس تند إليهم‬
‫السلفية في تكفير المدارس العقدية والص وفية وغيره ا‪ ،‬ب ل يس تعمل نفس أس لحتهم‬
‫التي أشهروها على خصومهم‪.‬‬
‫وق د ب دأ كتاب ه ه ذا بم ا ذك ره القحط اني في نونيت ه من أبي ات ح ول تهدي د‬
‫األشاعرة وغيرهم‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫ولهتك ستر جميعكم‬ ‫وهللا صيرني عليكم‬
‫أبقاني‬ ‫نقمة ‍‬
‫اعيى أطبتكم غموض مكاني‬ ‫أنا في حلوق جميعهم عود‬
‫أنا سمكم في السر واإلعالن‬ ‫الحش ‍‬
‫أنا همكم أنا غمكم أنا سقمكم‬
‫وقد قال في مقدمته مشيرا إلى األدوار التلبيسية التي يقوم به ا آل س عود م ع‬
‫من يساندهم من مشايخ السلفية‪( :‬أمّا هذه الّد ولة الخبيث ة‪ ،‬فهي من أش ّد ال ّد ول الي وم‬
‫ممارسة لسياسة الّتلبيس على العباد واالستخفاف بهم والّلعب بعقولهم مّد عية تط بيق‬
‫الّش ريعة اإلسالمية ونبذ القوانين الوضعية‪ .‬ولقد أجادت هذه الّد ول ة الخبيث ة أس اليب‬
‫الّتلبيس والتدليس وأحكمتها حّتى انطلى هذا على كثير مّم ن ينتسبون للعلم والّد عوة‪،‬‬
‫فشاركوا في الّتلبيس والّترقي ع له ا‪ ،‬فتج د كث يرًا منهم يتكّلم ون في ال ّد ول األخ رى‬
‫وطغيانها ويهاجمون تحاكمها للق وانين الوض عية ويص درون الكتب والمؤّلف ات في‬
‫هذا الكفر والّش رك المستبين‪ ،‬بل وتق وم ه ذه الّد ول ة بطباع ة ه ذه الكتب وتوزيعه ا‬
‫على الخلق مّجانًا‪ ،‬حتى يتوهم ويظن المتابع لحماسهم في تلك الكتابات أن حكومتهم‬
‫التي تطبع لهم تلك الكتب وتوّز عها حكومة تحارب القوانين وتنبذها وت أبى تطبيقه ا‬
‫أو الّتحاكم إليها)(‪)1‬‬
‫ثم قال مخاطبا علماء السلفية الذين ارتضوا ألنفسهم أن يكون وا س دنة وكهن ة‬
‫آلل سعود‪( :‬فيا قّر ة عين طغاة آل سعود بأمثالكم وي ا ف رحتهم بأفه امكم وأفك اركم‪،‬‬
‫فوهللا لو اّطلعوا عليكم ووجدوا سبيًال إليكم لشروكم بالماليين‪ ..‬هذا وهللا من أعجب‬
‫العجب)(‪)2‬‬
‫ومن الفصول التكفيرية التي عقدها في الكتاب لتكفير علم اء الس لفية العلمي ة‬
‫فصل بعنوان [السعودية مقبرة العلماء وسجن الدعاة] بين في ه دور العلم اء في ك ل‬
‫ما تق وم ب ه الحكوم ة الس عودية من مواق ف‪ ،‬فق ال‪( :‬كث ير من الكت اب والسياس يين‬
‫عندما يتكّلمون عن هذه الدولة الخبيثة وركائزها ودعائهما وما تقوم عليه‪ ،‬ي ذكرون‬
‫عّد ة أمور أساسية من أهّم ها وفي مقدمتها (فئ ة من العلم اء والمش ايخ تتخ ذهم ه ذه‬
‫‪ )(1‬الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪ )(2‬الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية‪ ،‬ص‪.6‬‬

‫‪331‬‬
‫الدولة ستارًا وحاجزًا وركيزة من رك ائز الق وة فيه ا) نعم‪ ..‬ووهللا لق د أص ابوا كب د‬
‫الحقيقة وصدقوا في هذا‪ ،‬فإن ستار العلماء الذي وض عته ه ذه الحكوم ة الخبيث ة أو‬
‫تهّيأ لها بنفسه ورغبته‪ ..‬يقدم لها دون شك خدمة عظيمة ومجه ودًا جب ارًا في تث بيت‬
‫أركانها‪ ..‬بل إّنه يؤدي في هذا المجال دورًا هو أعظم ورّب الكعب ة من دور الق وات‬
‫المس ّلحة والح رس الوط ني أو الملكي والقواع د األمريكي ة وط ائرات ال واكس‬
‫ومعاهدات الدفاع المشترك والمعاهدات األمنية‪.‬فه و جه از تخ دير وتن ويم وتل بيس‬
‫وتدليس على الشعوب يعطي الصبغة الشرعية لكل ما تقوم به الحكومة وتفعل ه‪ ،‬م ا‬
‫دام هؤالء العلماء في أحضانها‪ ..‬فالّناس يثقون بهم وينظرون إليهم ويقّلدونهم)(‪)1‬‬

‫ثم بين األساليب واإلغراءات التي يس تخدمها حك ام آل س عود لجلب العلم اء‬
‫والخطباء لنشر الفكر السلفي فقال‪( :‬فكم سمعنا عن عالم أو خطيب أو داعية صادق‬
‫صادع كان في بلده قبل أن يستقدم إلى هذه الدولة الخبيثة‪ ،‬ته تز ب ه المن ابر وتس ير‬
‫إلى مجالس ه وحلق ه وخطب ه الركب ان‪ ،‬فم ا يلبث أن يتعاق د للت دريس عن دنا في دخل‬
‫(ثالج ة) العلم اء‪ ،‬فم ا تك اد تس مع ل ه بع د ذل ك حس ا فمنهم من يخنس وينكب على‬
‫المشاغل الكثيرة والتكليف ات الواس عة ال تي يش غلونه ويلبس ون علي ه به ا‪ ..‬وينس ى‬
‫الصدع والدعوة وبيان الحق للناس وفضح الطغ اة وطغي انهم‪ ،‬ويض يع م ا تبقى من‬
‫العمر في خدمة مؤتمرات أو إن شئت فسّم ها مآمرات السالطين ون دواتهم ولج انهم‬
‫وأوقاتهم وهيئاتهم وروابطهم التي هي في الحقيقة شيء قلي ل مم ا يلبس ب ه الّطغ اة‬
‫على هذه األّم ة أم ر دينه ا لص بغ دولتهم ص بغة ديني ة ش رعية‪ ،‬وفي ال وقت نفس ه‬
‫يوجهون الناس إلى الدين الممسوخ الذي يريدونه هم‪ ،‬ال ال ذي يري ده هللا ع ّز وج ّل‬
‫والذي بعث من أجله رسله والذي أصل أص وله (ال إل ه إال هللا) توحي د هللا وم واالة‬
‫أوليائه الحقيقيين والبراءة من الش رك – جمي ع ص ور الش رك وأنواعه ا ‪ -‬وع داوة‬
‫أهلها‪ ..‬فمن أولئ ك المش ايخ وال ّد عاة من يبقى على ه ذه الح ال يف ني عم ره خادم ًا‬
‫مطيعًا وكلبًا أليفًا وجن ديًا وفي ًا للطغ اة ومخطط اتهم ش عر أو لم يش عر‪ ..‬قص د أو لم‬
‫يقصد‪ ..‬فهذا هو واقع الحال)(‪)2‬‬

‫ثم بين األدوار والوظائف التي صار علماء الس لفية العلمي ة يتولونه ا لخدم ة‬
‫الحك ام‪ ،‬فق ال‪( :‬فه ذا ه و الحاص ل الي وم وه ذا ه و الواق ع ال يج ادل في ذل ك إال‬
‫مطموس البصيرة‪ ..‬فإّن القلب وهللا ليذوب حسرة وكم دًا على م ا آل إلي ه ح ال العلم‬
‫والعلماء في هذا الزمان‪ ،‬وها نحن نرى طلبتهم يملؤون البقاع ال َهَّم لهم إال الج دال‬
‫عن الّطغاة والوقوف في وجه من يكّفرهم ويح ّرض على ح ربهم وقت الهم‪ ..‬فبئس ت‬
‫الثم رة ه ذه إن ك انت هي ثم رة العلم المزع وم‪ ..‬وانش غلت طائف ة أخ رى بتحقي ق‬

‫‪ )(1‬الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية‪ ،‬ص‪.231‬‬


‫‪ )(2‬الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية‪ ،‬ص‪.233‬‬

‫‪332‬‬
‫المخطوطات حتى أمس ى ذل ك العم ل ترف ًا ق اتًال‪ ..‬يحقق ون وينقح ون وال يعمل ون‪..‬‬
‫انش غلوا باألس انيد وغفل وا أو تغ افلوا عن المت ون‪ ..‬يجلس الواح د منهم ش هورًا في‬
‫تحقيق أح اديث غربة أهل اإلسالم في آخر الزمان‪ ،‬ومنهجه ومسلكه المنحرف تجاه‬
‫الطغاة من أعظم الدالئل على غربة اإلسالم وغربة أهله العارفين له حق المعرف ة‪..‬‬
‫ثم هو يستغرب ويتعجب ب ل ينك ر ويه اجم ك ل من تكلم في ش رك العص ر‪ ،‬ش رك‬
‫الحكام واألحكام‪ ..‬هذا حال طلبة العلم‪ ..‬وال غرابة من حالهم إذا ك ان مش ايخهم على‬
‫الحال التي عرفت)(‪)1‬‬

‫وتحدث المقدسي عن تلك التناقض ات ال تي ف رق أص حاب الس لفية فيه ا بين‬


‫شرك القبور وشرك القصور‪ ،‬فقال‪( :‬وقد قدمنا لك من ضالالت أبي بكر الجزائري‬
‫ومجازفات ه م ا في ه الكفاي ة‪ ..‬وأمثال ه كث ير ممن ليس لهم هم إال ال دفاع عن الطغ اة‬
‫وحكمهم والهجوم على الموح دين المع ادين له ذه الدول ة ورميهم ووص فهم بنع وت‬
‫الخوارج والتكفير ليصرفوا الناس عن ه ذا الطري ق الق ويم طري ق التوحي د الح ق‪،‬‬
‫طريق الوالء والبراء إلى توحيد ال يغضب وال يزعج أس يادهم من طغ اة آل س عود‬
‫وال ي ؤّثر في سياس اتهم ومن اهجهم‪ ..‬فالش رك عن دهم ه و عب ادة القب ور واألص نام‬
‫ودعاء غير هللا والنذر لغير هللا والذبح لغ ير هللا ومن حق ق ه ذا ك ان موح دًا ك امًال‬
‫حق على هللا أن يدخله الجّنة وإن والى أعداء هللا وع ادى أولي اء هللا ولبس الص ليب‬
‫وتحاكم إلى الط اغوت محلي ًا وإقليمي ا وعربي ا ودولي ا‪ ..‬ف الحكم والتش ريع ونص رة‬
‫الكفار على اختالف مللهم بالنفس والمال ومودتهم وتوليهم وح رب ال دين وأهل ه ال‬
‫دخل لذلك كّله – عند مشايخ آل سعود ‪ -‬بالشرك والكفر والتوحيد)(‪)2‬‬

‫وقد ضرب األمثلة عن بعضهم‪ ،‬فقال‪( :‬فه ذا أح دهم يكتب كتاب ًا ي وّز ع على‬
‫عوام الناس باآلالف‪ ،‬يخّص ص فيه صفحة كاملة بعنوان (العقي دة أوًال أم الحاكمي ة)‬
‫فاصًال فيه عن العقيدة قضية هي من أهم قضايا العقيدة وتوحيد األلوهية ‪ ..‬فما الثمرة‬
‫من هذا غير الجدال عن الّطغاة وصّد كل من يعم ل أو يتكّلم ض ّد هم‪ ..‬وذاك دكت ور‬
‫يشغل منصب رئيس قسم السند بالدراسات العليا في الجامعة اإلس المية في المدين ة‬
‫المنورة يؤلف كتابا كامًال ألجل هذه الغاية‪ ،‬سّم اه (منهج األنبي اء في ال دعوة إلى هللا‬
‫فيه الحكمة والعقل) ويشن فيه الغارة بحكمته وعقله المعيشي الم داهن على ك ل من‬
‫يحارب كفرة الحكام ويجاهدهم‪ ..‬وحاول بكل ما أوتي من جهد أن ي بين أن ط ريقهم‬
‫هذا خالف منهج األنبياء في الّد عوة إلى هللا)(‪)3‬‬
‫ثانيا ـ تكفير السلفية الحركية‬
‫‪ )(1‬الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية‪ ،‬ص‪.233‬‬
‫‪ )(2‬الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية‪ ،‬ص‪.234‬‬
‫‪ )(3‬الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية‪ ،‬ص‪.235‬‬

‫‪333‬‬
‫المراد بالسلفية الحركية السلفية ال تي ح اولت أن تم زج بين توجهه ا الس لفي‬
‫والعمل الحركي إلقامة الدولة اإلسالمية‪ ،‬متأثرة في ذلك ـ بالدرجة األولى ـ بما ق ام‬
‫به الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبناءه وأحفاده من بعده من تأسيسهم م ع آل س عود‬
‫للدولة السعودية‪ ،‬ومتأثرة كذلك باإلخوان المسلمين‪ ،‬وخصوصا بما كتبه س يد قطب‬
‫مما يعتبرونه تكفيرا للحكام واألنظمة والمجتمع ات‪ ،‬وله ذا يطل ق عليهم المخ الفون‬
‫لهم لقب القطبيين والحزبيين وغيرهما من األلقاب‪.‬‬
‫وهؤالء أيض ا انقس موا إلى من ينتهج المنهج الس لمي في ال دعوة‪ ،‬ومنهم من‬
‫ينتهج العنف وسيلة لذلك‪ ..‬وهؤالء جميعا سلميهم وحربيهم انقسموا أقساما كثيرة‪.‬‬
‫وأحك ام ه ؤالء جميع ا ت تراوح عن د أص حاب الس لفية العلمي ة بين الكف ر‪،‬‬
‫باعتبارهم خوراج‪ ،‬وبين اعتبارهم من أهل فرق الضالل الخارجين من أه ل الس نة‬
‫والجماعة‪.‬‬
‫ولك ثرة م ا كتب فيهم‪ ،‬فس أكتفي هن ا ب ذكر بعض النم اذج من الفت اوى‬
‫والتص ريحات ال تي ت دل على موق ف الس لفية العلمي ة منهم‪ ،‬من خالل المبح ثين‬
‫التاليين‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ موقف السلفية العلمية من السلفية الحركية‬
‫ال يمكننا إحصاء ما كتبه أص حاب االتج اه الس لفي العلمي بفروع ه المختلف ة‬
‫في تبديع وتضليل وتكفير الجماعات السلفية الحركية‪ ..‬وذل ك لك ثرة الجماع ات من‬
‫كال الط رفين‪ ،‬ولك ثرة الم ؤلفين في ك ل جماع ة‪ ..‬ذل ك أن الجمي ع يعت برون ه ذه‬
‫الجماعات الحركية من أهل البدع المعاصرة الك برى ال تي ال تق ل عن الف رق ال تي‬
‫واجهها سلفهم األول‪ ..‬وهم يري دون أن يتقرب وا إلى هللا ب الرد عليهم‪ ،‬اس تنانا بس نة‬
‫سلفهم‪.‬‬
‫ولكن مع ذلك‪ ،‬فسأكتفي هنا بنموذجين في الرد على شخص يتين كب يرتين في‬
‫المدرسة السلفية الحركية‪ ،‬ولكليهما أتباع كثيرون فيها‪.‬‬
‫النموذج األول‪ :‬الموقف من السلفية السرورية‬
‫تعت بر الس لفية الس رورية من أوس ع التي ارات الس لفية الحركي ة في الع الم‬
‫اإلسالمي في العصر الحديث‪ ،‬وقد أسسها الشيخ محم د س رور زين العاب دين ال ذي‬
‫كان كان من اإلخوان المسلمين ثم انش ق عنهم‪ ،‬وح اول أن يجم ع بين فك رهم وبين‬
‫المدرسة السلفية العلمية‪.‬‬
‫وقد نشأت هذه المدرس ة في البداي ة في الس عودية‪ .‬ثم انتش رت بع د ذل ك في‬
‫كثير من دول العالم اإلسالمي‪ ،‬وهي تتفق مع السلفية الجهادية في كثير من مواقفها‬
‫المتشددة من الحكومات اإلسالمية‪ ..‬كم ا تتف ق م ع الس لفية العلمي ة في أطروحاته ا‬
‫المتشددة من الطوائف اإلسالمية‪.‬‬
‫وللسلفية العلمية مواقف متشددة منها التقل عن مواقفها من الجماعات السلفية‬
‫الجهادية‪ ،‬باعتبار فكرها يؤهل ويهيئ لظهور الجماعات المسلحة‪.‬‬
‫والسلفية العلمية ينقلون في التحذير منها وتكفيرها أقوال كبارهم أمثال الشيخ‬

‫‪334‬‬
‫عبد العزيز بن باز الذي سئل عن مقول ة لش يخ الس رورية يق ول فيه ا‪( :‬نظ رت في‬
‫كتب العقيدة فرأيت أنها كتبت في غير عص رنا‪ ،‬وك انت حل وًال لقض ايا ومش كالت‬
‫العصر الذي كتبت فيه‪ ،‬ولعصرنا مشكالته ال تي تحت اج إلى حل ول جدي دة‪ ،‬ومن ثم‬
‫فأسلوب كتب العقيدة فيه كثير من الجفاف‪ ،‬ألن ه نص وص وأحك ام‪ ،‬وله ذا أع رض‬
‫معظم الشباب عنها وزهدوا بها)(‪)1‬‬
‫فأجاب ابن باز بقوله‪( :‬هذا غلط عظيم‪ ...‬كتب العقيدة‪ :‬الصحيح أنه ا ليس ت‬
‫جفاء‪ ،‬قال هللا قال الرسول؛ فإذا كان يصف القرآن والسنة بأنها جف اء فه ذا ردة عن‬
‫اإلسالم‪ ،‬هذه عبارة سقيمة خبيثة)‪ ،‬وسئل عن حكم بيع الكت اب فق ال‪( :‬إن ك ان في ه‬
‫هذا القول فال يجوز بيعه‪ ،‬ويجب تمزيقه)(‪)2‬‬
‫وقال األلب اني في وص ف س رور لكتب العقي دة بالجف اف‪( :‬وه ل يق ول ه ذا‬
‫مسلم)(‪)3‬‬
‫وقال الشيخ حماد األنصاري‪( :‬مجلة السنة لس رور زين العاب دين رأيته ا بي د‬
‫بعض الناس فأمرتهم بإحراقها‪ ،‬وقلت قولي هذا قبل أن اعرف هذا الرجل)(‪.)4‬‬
‫وقال الشيخ أحمد النجمي‪( :‬إن المنهج اإلخواني بجميع فص ائله من س رورية‬
‫وقطبية وجماعة تكفير وح زب جه اد وتحري ر وغ ير ذل ك كله ا تتف ق على الفك رة‬
‫الحركية الحزبي ة الثوري ة‪ ،‬كلهم ي دعون إلى التخطي ط الس ري والخ روج المف اجئ‬
‫عندما يرون قوتهم قد اكتملت‪ ،‬وإن كانوا يدعون أنهم من أهل السنة والجماعة)(‪.)5‬‬
‫وقال الشيخ صالح الفوزان إجابة على سؤال يقول‪( :‬قرأت كتاب ًا اس مه‪:‬منهج‬
‫األنبياء في الدعوة إلى هللا لمؤلفه‪ :‬محمد س رور بن ن ايف زين العاب دين‪ ،‬ق ال في ه‪:‬‬
‫(نظرت في كتب العقيدة فرأيت أنها كتبت في غير عصرنا‪ ،‬وك انت حل وال لقض ايا‬
‫ومش كال ت العص ر ال ذي كتبت في ه‪ ،‬ولعص رنا مش كالته ال تي تحت اج إلى حل ول‬
‫جديدة‪ ،‬ومن ثم فأسلوب كتب العقيدة فيه كثير من الجفاف؛ ألن ه نص وص وأحك ام‪،‬‬
‫ولهذا أعرض معظم الشباب عنها وزهدوا به ا) فم ا ه و تعلي ق فض يلتكم على ه ذا‬
‫الكالم؟)‪ ،‬فأج اب بقول ه‪( :‬لم اذا نس تورد أفكارن ا من الخ ارج‪ ..‬لم اذا ال نرج ع إلى‬
‫الكتب التي بين أيدينا‪ ،‬من كتب السلف الصالح‪ ،‬وكتب علماء التوحيد التي ص درت‬
‫عن علماء‪ ،‬ولم تصد ر عن كاتب أو مثقف ال يد ري عن مقاصده؟ وال يدري أيضا‬
‫ـــ عن مقدار علمه؟‪ ..‬الرجل ـ محمد سرور ‪-‬بكالمه هذا يضلل الشباب‪ ،‬ويص رفهم‬
‫عن كتيب العقيدة الصحيحة وكتب السلف‪ ،‬وي وجههم إلى األفك ار الجدي دة‪ ،‬والكتب‬
‫الجدي دة‪ ،‬ال تي تحم ل أفك ارا مش بوهة كتب العقي دة آفته ا عن د محم د س رور أنه ا‬
‫نصوص وأحكام‪ ،‬فيها‪ :‬قال هللا وقال رسوله‪ ،‬وهو يريد أفكار فالن وفالن‪ ،‬ال يري د‬
‫نصوص ًا وأحكام ًا‪ .‬فعليكم أن تح ذ روا من ه ذه الدس ائس الباطل ة‪ ،‬ال تي ي راد به ا‬
‫‪ )(1‬منهج األنبياء في الدعوة إلى هللا ‪.1/8‬‬
‫‪ )(2‬األجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة ص ‪.50‬‬
‫‪ )(3‬المقاالت السلفية ص‪..25‬‬
‫‪ )(4‬المجموع في ترجمة الشيخ حماد األنصاري ‪.2/574‬‬
‫‪ )(5‬المورد العذب الزالل ص‪.237‬‬

‫‪335‬‬
‫صرف شبابنا عن كتب سلفنا الصالح)(‪)1‬‬
‫ّف‬
‫وقال الشيخ مقبل الوادعي‪( :‬الحزبيون غير مو قين في دعوتهم بل يعت برون‬
‫نكبة على الدعوات‪ ،‬هذا وقد احتـــرق عب دالرحمن عب دالخالق بحم د هللا‪ ،‬واح ترق‬
‫عمالؤه في اليمن بحمد هللا‪ ،‬واحترق محمد س رور ال ذي ك ان ص احبنا قب ل قض ية‬
‫الخليج‪ ،‬وأصبح وحفنة من أتباعه يح اربون العلم اء‪ ،‬وينف رون عن العلم اء‪ ،‬فت ارة‬
‫يطعن هو وأتباعه في الشيخ األلباني وأخرى في الش يخ ابن ب از‪،‬وانهم ا ال يفهم ان‬
‫الواقع وأما عند الّتحيل من أجل التزكيات ومن أجل المال فيأتون إلى الشيخ ابن باز‬
‫ويقولون فعلنا وفعلنا)(‪)2‬‬
‫و س ئل‪( :‬ه ل هن اك أح د من ال دعاة في الس عودية ت ابع محم د س رور على‬
‫نهج ه؟)‪ ،‬فأج اب‪( :‬وج د من يتابع ه بك ثرة‪ ،‬وأّي دوا فكرت ه الخاطئ ة أن ه ال يج وز‬
‫االستعانة بأمريك ا على رد المعت دي ص دام البع ثي‪ ..‬فهن اك من تابع ه على فكرت ه‬
‫وتأثر بها‪ ،‬مثل سلمان العودة‪ ،‬وكذلك سفر الحوالي‪ ،‬لكن سفًرا أقل ت أثًرا به ا‪ ،‬ول و‬
‫جالس س فًرا إخ وان ص الحون فم ا أظن ه إال س يرجع‪ ،‬أم ا س لمان فق د خّب ط خْب ط‬
‫عشواء‪ ،‬وفي اليمن أيًض ا تابعه بعض المخذولين من أصحاب جمعية اإلحسان)(‪.)3‬‬
‫ومن الرسائل المؤلفة في الرد على السرورية رسالة بعنوان [عشرون مأخذا‬
‫على السرورية]‪ ،‬وهي من تأليف الشيخ محم د بن عب دالوهاب الوص ابي العب دلي‪،‬‬
‫وهي في أصلها محاضرة ألقاها في س نة ‪1419‬هـ في دار الح ديث الس لفية ب دماج‪،‬‬
‫في التحذير من السروريين‪.‬‬
‫ومن المآخذ التي أخذها عليهم‪ ،‬وبدعهم على أساسها (والؤهم لمحمد سرور‪،‬‬
‫وقد قال‪ :‬كلمة (الكفر)‪ ،‬وهذه الكلم ة هي ال تي ذكره ا في كتاب ه [منهج األنبي اء في‬
‫الدعوة إلى هللا]‪ ..‬وهذه الكلمة لما ُسئل عنها الشيخ ابن عثيمين قال هذه الكلمة كفر‪،‬‬
‫ولما سئل عنها الشيخ الفوزان قال‪( :‬هذا كفر‪ ،‬من قال هذا‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا محمد سرور‬
‫قال‪ :‬هذا رجل خبيث)‪ ،‬ولما سئل عنها الشيخ ابن باز – إال أنها حرفت على السائل‬
‫– بكلمة (جفاء) بد ل (جفاف) فقال‪( :‬هذه (ردة) و(كلمة خبيثة) قالوا يا شيخ ما حكم‬
‫بيع هذا الكتاب والقراءة فيه؟! قال‪( :‬يحرم بيعه ويجب تمزيق ه)‪ ..‬وقول ه في علم اء‬
‫العقي دة ب أنهم عبي د عبي د عبي د العبي د وس يدهم األخ ير نص راني‪ ،‬وب أنهم (كذب ة)‬
‫و(من افقون) و(جواس يس)‪ ،‬حيث طعن طعن ات متع ددة في كتب العقي دة وعلم اء‬
‫التوحي د كالش يخ ابن ب از والش يخ ابن ع ثيمين‪ ،‬والش يخ ربي ع وغ يرهم من علم اء‬
‫التوحيد)(‪)4‬‬
‫النموذج الثاني‪ :‬الموقف من عبد الرحمن عبد الخالق ومدرسته‬
‫يشكل عبد الرحمن عبد الخالق وأتباعه الكثيرون عقبة كأداء بالنس بة للس لفية‬
‫‪ )(1‬األجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة‪.‬‬
‫‪ )(2‬إعالم اإلخوان‪.‬‬
‫‪ )(3‬تحفة المجيب‪.‬‬
‫‪ )(4‬انظر‪ :‬عشرون مأخذا على السرورية‪ ،‬ص‪ ،7‬فما بعدها‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫العلمية‪ ،‬ذلك أنه مع موافقته لهم في كل مواقفهم من الصوفية والش يعة وغ يرهم إال‬
‫أنه مع ذلك ينتقدهم ويرد عليهم‪ ،‬بل ويتعامل معهم ب المنهج ال ذي يتع املون ب ه م ع‬
‫المبتدعة‪ ،‬وذلك ما أغاظهم‪ ،‬فهم يريدون أن ينتقدوا‪ ،‬وال ينتقدوا‪ ،‬ويكف روا غ يرهم‪،‬‬
‫وال يكفرهم أحد‪ ،‬ألن لحوم غيرهم حالل‪ ،‬ولحومهم مسمومة‪.‬‬
‫ولهذا تظهر اللهجة الحاقدة في حديثهم معه وعنه‪ ،‬مثلما تظه ر م ع الص وفية‬
‫والشيعة وغيرهما‪ ،‬ومن أمثلة ذلك أن الشيخ مقبل الوادعي سئل‪( :‬ه ل عب دالرحمن‬
‫عبدالخالق مبتدع؟)‪ ،‬فأجاب‪( :‬نعم مبتدع‪ ،‬ما دام ي دعو إلى الحزبي ة‪ ..‬وإذا ك ان من‬
‫أهل العلم من يقول‪ :‬أن المتعص ب للم ذاهب األربع ة أو لواح د منه ا يع د مبت دًعا‪..‬‬
‫فالتعصب لهذه الحزبيات الساقطة تعتبر بدعة‪ ،‬وكذلك محاربته إلخوانه أه ل الس نة‬
‫وتنقصه لهم‪ ،‬واعترافه بالديمقراطية‪ ،‬والذي ينك ر على أه ل الس نة أّنهم ال يقول ون‬
‫بالعمل الجماعي‪ ،‬فهو صاحب هوس‪ ،‬وإال فمن ال ذي ينك ر العم ل الجم اعي‪ ..‬لكن‬
‫في ح دود الكت اب والس نة‪ ،‬وليس كم ا يق ال‪ :‬أمرن ا األم ير أن نحل ق لحان ا فنحن‬
‫نحلقها‪ ..‬أو أمرنا األمير أن نتصور فنتصور‪ ،‬وغيرها من المحرمات‪ ،‬وإنني أحم د‬
‫هللا على الخ ير ال ذي حقق ه على ي دي ال دعاة إلى الس نة من أه ل الس نة في اليمن‪،‬‬
‫اخرج وا إلى إخ وانكم ال ذين ت زّو دونهم بال دنانير تج دوهم أمواًت ا غ ير أحي اء وم ا‬
‫يشعرون متى يسقطون‪ ،‬فهم يتوقعون السقوط‪ ،‬بخالف دعوة أهل السنة‪ ..‬فالحمد هلل‬
‫دعوة أهل السنة منتشرة في اليمن وفي غير اليمن‪ ،‬وأبشركم أّنه ا ت أتيني أس ئلة من‬
‫بريطاني ا ومن أمريك ا ومن ألماني ا ومن كث ير من البالد يس ألون عن عب دالرحمن‬
‫عب دالخالق وعن جمعي ة إحي اء ال تراث‪ ،‬ونح ذرهم غاي ة التح ذير من الوق وع في‬
‫شباكهم)(‪)1‬‬
‫وقال‪( :‬فيجب على عبد الرحمن عبد الخالق أن يتقي هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬وأن‬
‫يترك الدعوة إلى هللا‪ ،‬فأنا أرى أن مثله ينبغي أن يتقاعد‪ ،‬وإن كان صغير السن‪ ،‬فقد‬
‫صار ضرره أعظم من نفعه‪ ،‬وينبغي أن يحجر علي ه؛ لك ثرة فس اده على ال دعوات‬
‫القائمة على الكتاب والسنة؛ وتنفيذ ما يريده أع داء اإلس الم‪ .‬وننص حه قب ل ه ذا أن‬
‫يتوب إلى هللا تعالى ويبتعد عن هذه الحزبيات المغلفة)(‪)2‬‬
‫وهكذا ردوا عليه بشدة قوله‪( :‬وقد عجبت أشد العجب أن ينك ر بعض تالمي ذ‬
‫الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يتنكروا لطريقة أستاذهم‪ ،‬ويقولوا كم ا يق ول أع داء‬
‫دعوته‪ ،‬كل من أسس جماعة للدعوة والجهاد فه و خ ارجي مع تزلي‪ .‬وليس النظ ام‬
‫من دين هللا‪ ،‬والتح زب ليس من اإلس الم‪ .‬والعجب ك ل العجب أن بعض ه ؤالء‬
‫أعط وا األئم ة من أش باه المس لمين حق وق لم تعطى للص ديق‪ ،‬وال الف اروق‪ ،‬وال‬
‫عرفها المسلمون في كل تاريخهم‪ .‬وال دونه ا حس ب علمي ع الم موث وق في ش يء‬
‫من كتب العلم‪ ،‬وأنه ال يجوز األمر بالمعروف والنهي عن المنك ر إال ب إذن اإلم ام‪.‬‬
‫وال يج وز رد الع دوان عن دي ار المس لمين إال ب أمر الس لطان‪ ،‬وه ؤالء ولألس ف‬
‫‪ )(1‬تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب‪ ،‬ص‪.143‬‬
‫‪ )(2‬فضائح ونصائح‪ ،‬للشيخ مقبل الوادعي ص (‪)54-53‬‬

‫‪337‬‬
‫وتعالى)(‪)1‬‬
‫أعطوا الحاكم صفات الرب سبحانه‬
‫فقد قال الشيخ عبد العزيز بن باز تعليق ا على ه ذا‪( :‬ه ذا كالم باط ل‪ ،‬وغل ط‬
‫منه‪ ،‬ولم يقل به أحد‪ ،‬وال يقول به مؤمن)(‪)2‬‬
‫وق ال في ه الش يخ محم د ص الح بن ع ثيمين‪( :‬ك ذب من وج ه‪ ،‬وض الل من‬
‫وجه‪ ..‬ال أنصح الشباب أن يرتبطوا بمثل هؤالء‪ ،‬يحذر منه‪ ،‬ويحقق معه)(‪)3‬‬
‫وقال الشيخ صالح الفوزان‪( :‬ه ذا الكالم ي دل على حق د في قلب ه على علم اء‬
‫الدعوة الموجودين اآلن‪ ،‬وه ذا قلي ل من كث ير مم ا قال ه‪-‬يع ني‪ :‬عب د ال رحمن عب د‬
‫الخالق‪-‬عليه مسئوليته أمام هللا… على الطلبة أن يحذروا منه)(‪)4‬‬

‫وقال في قوله (أعطوا الحاكم صفات الرب)‪( :‬هذا فيه تكفير للعلم اء‪ ..‬أنص ح‬
‫أن هؤالء يحاربون)(‪)5‬‬
‫وقد انتقدوه بشدة في قوله‪( :‬تجد طائفة العلماء ال يحسنون العقي دة إال م ا تكلم‬
‫ب ه الش يخ محم د بن عب د الوه اب وهي قض ايا توحي د األلوهي ة والنهي عن عب ادة‬
‫القبور والتوسل بها‪ ..‬مع العلم أن البيئة والقرى التي يتكلمون فيها هذا الكالم ال تج د‬
‫فيها إنسان يقول بمثل هذا‪ ،‬لكن نشأ أفكار جديدة مثل اإللح اد والتش كيك في ال دين‪..‬‬
‫لكن هم‪-‬يعني‪ :‬العلماء‪-‬في عماء تام وجهل تام عن ه ذه المش كالت الجدي دة إذًا ه ذه‬
‫السلفية التقليدية ال تساوي شيئًا)(‪)6‬‬
‫فقد رد الشيخ صالح بن غصون على ذل ك بقول ه‪( :‬كالم ه يص ل إلى الكف ر؛‬
‫ألنه يصف الحق أنه ال شيء‪ ،‬ويص ف االس تقامة أنه ا ال ش يء‪ ..‬أنص ح أن ه ؤالء‬
‫يحاربون‪ ،‬أما صاحب المقالة‪-‬عبد الرحمن عبد الخالق‪-‬مغرض إنسان خ بيث ف اجر‬
‫مريض)(‪)7‬‬
‫ومن المسائل التي انتقدوه فيها بش دة قول ه بالحاكمي ة‪ ،‬وق د ق ال في ذل ك أب و‬
‫أحمد السلفي مؤلف كتاب [العلماء يتولون تفني د ال دعاوى السياس ية المنحرف ة لعب د‬
‫الرحمن عبد الخالق]‪( :‬يستند العلم اء في نق د عب د ال رحمن عب د الخ الق التكف يري‬
‫الخارجي على مضامين كت اب [الص راط] ال ذي أص دره مؤلف ه في رمض ان س نة‬
‫‪1417‬هـ أجمل فيه المؤلف‪ -‬كعادته كما في كتب ه األخ رى ‪ -‬الق ول ب أن ك ل من لم‬
‫يحكم بما أنزل هللا كافر‪ ،‬وأن التوحيد ينقسم إلى أربعة أقسام‪ ،‬منها الحاكمية‪ .‬وس اق‬
‫أق وال العلم اء دون تفص يل‪ ..‬ويق ول العلم اء إن مس ألة التكف ير المطل ق ل دى عب د‬
‫الرحمن عبد الخالق موجودة في كتبه األخرى‪ ،‬وي ورد العلم اء نم اذج من ذل ك في‬
‫‪ )(1‬نقال عن‪ :‬العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ )(2‬العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪ )(3‬العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ )(4‬العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫‪ )(5‬العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ )(6‬نقال عن‪ :‬العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ )(7‬العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق‪ ،‬ص‪.20‬‬

‫‪338‬‬
‫كتب مختلف ة مث ل [أص ول العم ل الجم اعي] و[مش روعية ال دخول إلى المج الس‬
‫النيابية]‪ ،‬ويتخوف الذين يحذرون من هذه الكتابات من ب وادر فتن ة جدي دة‪ ،‬خاص ة‬
‫أن هذه األفكار التي تتعل ق ب التكفير والحاكمي ة ص ار له ا واق ع ملم وس في بعض‬
‫الدول)(‪)1‬‬
‫ومن المسائل التي انتقدوه فيها بش دة طعن ه في كب ار علم اء الس لفية‪ ،‬وفيهم‬
‫بعض شيوخه‪ ،‬ومن ذلك قوله‪( :‬واليوم لألسف نملك شيوخًا يفهمون قشور اإلس الم‬
‫على مستوى عصور قديمة… ال نريد هذا الطابور من علم اء المحنطين)‪ ،‬وذك ر أن‬
‫الشيخ ابن باز مضغوط عليه من الحكومة‪ ،‬وقال‪( :‬أقول ل و أن ال ذين أفت وا بحرم ة‬
‫الجماعة والتجمع وأزال وا عن أعينهم غش اوة الجه ل‪ ..‬م ا أق دموا علي ه من الفت وى‬
‫الباطلة والقول الجزاف)‪ ،‬وقال‪( :‬لألسف أن بعض الدعاة إلى هللا قد ال يم ارس من‬
‫أساليب الدعوة إال مجرد نشر كتاب أو إلقاء درس ويظن أنه س يخرج اليه ود‪ ..‬فهم‬
‫م ع ذل ك ثرث ارون متش دقون)‪ ،‬وق ال‪( :‬أن يقتص دوا ج دًا في تعليم الطالب‪ :‬آداب‬
‫الحاجة وشروط المياه و… كفانا إغراقًا في النوم وسعيًا في الفوضى وعماية وجهالة‬
‫… إننا نريد علماء على مستوى العصر )‪ ،‬ويقول في شيخه الشنقيطي‪( :‬مكتبة متنقلة‬
‫ولكنها طبعة قديمة تحتاج إلى تنقيح وتصحيح)(‪)2‬‬
‫يقول الشيخ ربيع المدخلي في ه ذه التهم ة بع د أن نق ل نصوص ا من أقوال ه‪:‬‬
‫(هذه نظرة الشيخ عب دالرحمن عب دالخالق إلى علم اء اإلس الم عموم ًا وإلى علم اء‬
‫الس نة والتوحي د في المملك ة العربي ة الس عودية خصوص ًا وإلى علم اء الجامع ة‬
‫اإلسالمية وعلى رأسهم الشيخ اإلمام محمد األمين الشنقيطي فهم‪ :‬شيوخ ال يفهم ون‬
‫إال قشور اإلسالم على مستوى عصور قديم ة‪ ..‬وهم ط ابور من العلم اء المحنطين‬
‫الذين يعيش ون بأجس ادهم في عص رنا ولكنهم يعيش ون بعق ولهم وفت اواهم في غ ير‬
‫عصورنا فهو اليريدهم‪ ..‬ويضرب مثًال بشيخه اإلمام الشنقيطي ويدعي أنه ما ك ان‬
‫يدرك جواب شبهة يوردها عدو من أعداء هللا‪ ،‬مع أنه يشهد بأن ه لم تق ع عين ه على‬
‫أعلم بكت اب الَّلـه من ه؛ لكن ه مكتب ة متنقل ة ولكن ه طبع ة قديم ة تحت اج إلى تنقيح‬
‫وتصحيح‪ ..‬وأنه كان يدرس غيره عش رات في عل وم الش ريعة على ه ذا المس توى‬
‫جهال بالحياة وعلمًا بالدين‪ ،‬ثم يقول‪ :‬وهذا ال يكفي في عصرنا ال ب د لن ا من رج ال‬
‫يكونون على مستوى ثقاف ة وعل وم عص ورهم ويكون ون أيض ًا على مس توى الفهم‬
‫الجيد لكتاب الَّلـه وسنة رسوله ‪)3()‬‬
‫ومن الردود التي رد بها علماء السلفية العلمية على تلك األقوال السابقة ق ول‬
‫ابن عثيمين‪( :‬من يدعي أن هناك قسمًا رابعًا للتوحيد تحت مسمى [توحيد الحاكمية]‬

‫‪ )(1‬العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪ )(2‬نقال عن كتاب‪ :‬العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق‪.‬‬
‫‪ )(3‬جماعة واحدة ال جماعات‪ ،‬ص‪.51‬‬

‫‪339‬‬
‫يعّد مبتدعًا‪ ،‬فهذا تقسيم مبتدع صادر من جاهل ال يفقه من أمر العقيدة والدين ش يئًا)‬
‫(‪)1‬‬
‫وقال الشيخ صالح بن غانم الس دالن‪( :‬ومن جع ل الحاكمي ة قس مًا رابع ًا من‬
‫أقسام التوحيد فهذا إما جاهل وإما مبتدع)(‪)2‬‬
‫وقال الشيخ ناصر العقل‪( :‬الحاكمية من األلفاظ المحدثة‪ ،‬مثلها مثل ما أحدث ه‬
‫الجهمي ة والمعتزل ة وأص ل الكالم من ألف اظ مبتدع ة‪ ..‬وال يخل و مفهومه ا عن د‬
‫المعاصرين من الغلو والمبالغة والتنطع والتعمق في المعنى المراد عندهم‪ ،‬فاألولى‬
‫اجتنابها)(‪)3‬‬
‫وقال الشيخ عثمان بن عبد السالم نوح تحت عنوان [ماذا يري د الس لفيون من‬
‫السلفيين] عند حديثه عن عبد الرحمن عب د الخ الق‪( :‬دع اة الس لفية في اإلس كندرية‬
‫جعلوا من مؤلفاته منهاجًا يس يرون علي ه في طريق ة ال دعوة‪ -‬مث ل‪ :‬منه اج ال دعوة‬
‫الس لفية‪ ،‬ولكن الرج ل ل ه نزع ة إخواني ة في االنهزامي ة أم ام الض غوط العص رية‬
‫وتطوي ع نص وص الش رع إلى الواق ع العص ري‪ ،‬ويمي ل أيض ًا إلى الترخص ات‬
‫اإلخوانية‪ ،‬ويبدو عليه االفتنان ببعض المبادئ األوربية في السياسة وغيرها)(‪)4‬‬
‫وق د أعطى الش يخ عب د ال رحمن عب د الخ الق ألعدائ ه من الس لفية العلمي ة‬
‫وغيرهم الفرصة لنقده بكل سهولة‪ ،‬ألن ه ال يمكن أن يجم ع أب دا بين المنهج الس لفي‬
‫وبين ما يدعو إليه‪.‬‬
‫ومن أمثلة تلك التناقضات أن الشيخ عب د ال رحمن عب د الخ الق وفي برن امج‬
‫على قناة الرحمة يسمى (جبريل يسأل‪ ،‬والنبي ‪ ‬يجيب)‪ ،‬وكان معه محمد حس ان‬
‫ومحمد عبد المقصود‪ ،‬وقد سأله المقدم هذا السؤال‪ :‬بعض الناس بيس أل ه ل يج وز‬
‫االحتف ال بي وم ‪ 25‬ين اير؟ فأج اب الش يخ عب د ال رحمن عب د الخ الق ـ به ذه الن برة‬
‫الدبلوماسية ـ‪( :‬ال شك أن هذه مناس بة س عيدة‪ ،‬احتفالن ا به ا ليس إث ارة عي د يع ني‪،‬‬
‫وإنما ت ذكر ه ذا الي وم‪ ،‬ك ان ي وم فاص ل بين عه دين‪ ،‬بين عه د مض ى عه د الظلم‬
‫واالستبداد‪ ،‬وعه د آتي إن ش اء هللا تع الى عه د لالس تقرار والحري ة والش ورى في‬
‫المجتمع فذكرى هذه المناسبة هو يعني االحتفال بها أرى أنه أمر مش روع)‪ ،‬إلى أن‬
‫قال‪( :‬هذه مناسبة ينبغي أن نذكرها ونقف عندها كما نذكر كما مثًال نذكر يوم ب در‪،‬‬
‫فإن هذا اليوم من أيام هللا تبارك وتعالى‪ ،‬ثم ذكر يوم عاشوراء وأن المسلمين ك انوا‬
‫يصومونه)(‪)5‬‬
‫بينما هو نفسه يقول في كتابه [الفكر الصوفي في ضوء الكت اب والس نة] ك ل‬
‫ما قاله سلفه عن بدعية إحياء المناسبات المختلفة ح تى ل و ارتبطت برس ول هللا ‪‬‬

‫‪ )(1‬العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق‪،‬ص (‪)45‬‬
‫‪ )(2‬العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق‪،‬ص ‪.49‬‬
‫‪ )(3‬العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق‪،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ )(4‬الطريق إلى الجماعة األم‪ ،‬ص (‪)178‬‬
‫‪ )(5‬عبد الرحمن عبد الخالق‪ :‬يجوز االحتفال بيوم ‪ 25‬يناير وهو كيوم بدر وعاشوراء !‪ .‬على شبكة سحاب السلفية‪.‬‬

‫‪340‬‬
‫نفسه‪ ،‬فقد قال فيه‪( :‬ولق د أص ل الرس ول ‪ ‬بع د ذل ك أص ًال خط يرًا‪ ،‬وه و تعم د‬
‫مخالفة أهل الكتاب واألمم األخرى‪ ،‬وذلك حتى تتحقق ميزة األمة ب المنهج المس تقل‬
‫واألفعال المستقلة‪ ،‬وح تى ال تختل ط أفع ال األم ة وعباداته ا بأفع ال األمم األخ رى‬
‫وعباداتها‪ ..‬ولهذا األصل أدلة وشواهد ال تحصى كثرة‪ ،‬من أجمع الكتب المؤلفة في‬
‫ذلك كتاب (اقتضاء الصراط المس تقيم) لش يخ اإلس الم ابن تيمي ة والفص ل الخ اص‬
‫بحرمة التشبه بالكفار من (حجاب المرأة المسلمة) لأللباني‪ ،‬والمراد هنا التنبيه على‬
‫أن األم ة اإلس المية يجب أن تك ون أم ة مس تقلة في ك ل ش يء‪ :‬المنهج والعب ادة‪،‬‬
‫والسلوك واآلداب والعبادات‪ ،‬وحتى اللباس والمظاهر والعادات)(‪)1‬‬
‫وقد علق بعض أصحاب المنهج التكفيري الصريح على التناقضات ال تي ب دا‬
‫بها الشيخ عب د ال رحمن‪ ،‬فق ال‪( :‬ف إن الم رء ليعجب أش د العجب عن دما ي رى ه ذا‬
‫التقلب السريع لعبد الرحمن بن عبد الخالق‪ ،‬فباألمس كان الحاكم لمجرد دخول ه في‬
‫معاهدة معينة مع بعض الكف ار يكف ر وأحك ام ه ذه الهدن ة ليس ت ملزم ة‪ ،‬وإذا حكم‬
‫الحاكم بغير ما أنزل هللا فهذا مرتد بال مثنوية‪ ،‬بل إذا انتسب الرجل لغير أبي ه وه و‬
‫يعلم فهو كافر كفرًا أكبر كما في كتابه (السياسة الشرعية)‪ ،‬واليوم يجب أن نرض ى‬
‫بمن أتت به الصناديق ولو أتت برئيس علماني‪ ،‬كما قال في لقاءه في جريدة ال وطن‬
‫الكويتية عندما سأله الصحفي قائال‪( :‬لو جاءت نت ائج االنتخاب ات ب رئيس او عض و‬
‫برلمان علماني او ليبرالي او غير س لفي عموم ا‪ ،‬فق ال عب د ال رحمن عب د الخ الق‬
‫(مقاطعا)‪( :‬البد ان نقبل به‪ ،‬فنحن قبلنا بالنظام والب د ان نرض ى بنتائج ه‪ ،‬ولتع زز‬
‫صناديق االنتخابات من تفرزه فاالنتخابات عقد وعه د وينبغي ان نفي به ذه العه ود‬
‫والعقود لكن على االغلبي ة اال تلغي األقلي ة‪ ،‬ف إذا انتخبن ا مجلس أم ة وط رح علي ه‬
‫موض وع اقتص ادي ك أن نس ير في إط ار اقتص اد ح ر أو اقتص اد مقي د‪ ،‬فالب د أن‬
‫نرضى بقرار األغلبية ونحترم رؤية األقلية)‪ ،‬قد رد عليه الص حفي بقول ه‪( :‬حقيق ة‬
‫للمرة األولى التي استمع فيها الى (سلفي ديموقراطي) فهل أنت سلفي بالفعل؟)(‪)2‬‬
‫وقد كانت هذه التناقضات دافعا لدعاة لمنهج الس لفي الص ريح لكتاب ة ال ردود‬
‫الكثيرة عليه‪ ،‬وال يمكننا أن نتحدث عن كل تلك الردود فهي كث يرة ج دا‪ ،‬تمتلئ به ا‬
‫الكتب والمواقع وغيرها‪ ..‬ولذلك سأكتفي بأهم ما كتب عن ه‪ ،‬وه و كت اب [جـمـاعة‬
‫واحــــدة الجـمـاعات وصــراط واحــــد العـــشرات‪ِ :‬حَو ار َم ع الَّش ْيخ َع ْب دالَّرحَم ن‬
‫بن َع ْبدالـَخ اِلق] ال ذي ألف ه الش يخ ربي ع بن ه ادي عم ير الم دخلي‪ ،‬وال ذي أص بح‬
‫مدرسة بحد ذاتها‪ ،‬فقد رد عليه‪ ،‬ورد على الرد‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ومن تل ك ال ردود ال تي تكفي آحاده ا لتكف يره على حس ب المنهج التكف يري‬
‫الس لفي قول ه‪( :‬ه ذه دع وة من عب دالرحمن إلق رار الباط ل والب دع والتص وف‬
‫والتعطيل ألسماء هللا وصفاته)(‪)3‬‬

‫‪ )(1‬الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة (ص‪)29 :‬‬


‫‪ )(2‬عبد الرحمن عبد الخالق‪ :‬يجوز االحتفال بيوم ‪ 25‬يناير وهو كيوم بدر وعاشوراء !‪ .‬على شبكة سحاب السلفية‪.‬‬
‫‪ )(3‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.45‬‬

‫‪341‬‬
‫وقال‪( :‬ونسي عبدالرحمن أنه بهذا األسلوب يدافع عن نفسه وعن أه ل الب دع‬
‫والباطل أسلوب دحالن والكوثري وأمثالهما من أهل الباطل)(‪)1‬‬
‫وقال‪( :‬إن عبدالرحمن يحترم رؤوس أهل الب دع المعاص رين ورؤوس أه ل‬
‫الفتن الحزبيين)(‪)2‬‬
‫وق ال‪( :‬الخالص ة أن عب دالرحمن بن عب دالخالق ش ديد الحن ق على علم اء‬
‫المنهج السلفي وطالبه‪ ،‬ومن هذا المنطلق كثر طعن ه فيهم ظلم ًا واس تمر على ه ذا‬
‫الطعن والتهويش والتشويش ما يقارب ثالثين عامًا)(‪)3‬‬
‫وقال‪( :‬لم يقتصر عبدالرحمن على السلفيين وتشويهه لهم بل تجاوز ذل ك إلى‬
‫تشويه السلفية نفسها)(‪)4‬‬
‫وقال‪( :‬فمنذ تس ع وعش رين س نة يس دد ض رباته وطعون ه إلى أتب اع المنهج‬
‫السلفي علماء كبارًا وطالبًا‪ ،‬ويشهر بهم وينسب إليهم ما هم ب راء من ه في ع دد من‬
‫كتبه وأشرطته)(‪)5‬‬
‫وقال‪( :‬فوا حسرتاه على عبدالرحمن عبدالخالق‪ ،‬وعلى من ينخدع بتصرفاته‬
‫الباطلة التي تهز المنهج السلفي‪ ،‬وتؤذي أهله وتخدم البدع وأهلها‪ ،‬وتشيدها‪ ،‬وتلم ع‬
‫أهلها)(‪)6‬‬
‫وقال‪( :‬فهو يطعن ويسخر بعلماء أه ل الس نة وأتب اعهم والمنهج الس لفي من ذ‬
‫تخرج من الجامعة اإلسالمية إلى يومنا هذا)(‪)7‬‬
‫قال‪( :‬ونرى أنه إلى اآلن في مخاطبة الشيخ ابن ب از وهيئ ة كب ار العلم اء ال‬
‫يعترف بخطئه)(‪)8‬‬
‫وقال‪( :‬ثم إن اعتذارك عما ذك ره ل ك الش يخ من ش ريط المدرس ة الس لفية ال‬
‫يكفي فإن الطعن واسع وعميق وق ام على أص ول ل و رآه ا الش يخ ابن ب از وغ يره‬
‫ورأوا طعونك األخرى في كتبك لما قبلوا عذرك السياسي)(‪)9‬‬
‫وقال‪( :‬وقد أعلن عب دالرحمن تراجع ه وندم ه بس بب ض غط الش يخ ابن ب از‬
‫وضغط الواقع من حوله‪ ،‬وإدراكه أن تصميمه علي رأيه في ه ذه المس ألة وغيره ا‬
‫سيدمره ففي تراجعه نظر)(‪)10‬‬
‫وقال‪( :‬اآلن يا عبدالرحمن تتواضع وتتنازل لهيئة كبار العلم اء بع د أن كنت‬

‫‪ )(1‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.31‬‬


‫‪ )(2‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.194‬‬
‫‪ )(3‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.194‬‬
‫‪ )(4‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.196‬‬
‫‪ )(5‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.118‬‬
‫‪ )(6‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ )(7‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ )(8‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ )(9‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪ )(10‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.132‬‬

‫‪342‬‬
‫الناصحين)(‪)1‬‬ ‫شامخ األنف رافع الرأس ال تقبل نصح‬
‫وقال‪( :‬فأخطاء عبدالرحمن كثيرة وخطيرة وليست مؤلفاته كلها وال جلها في‬
‫إطار المنهج السلفي)(‪)2‬‬
‫ًا‬ ‫ًا‬
‫وقال‪( :‬وأقسم باهلل لو أن شخص واحد تفرغ يومين فقط لق راءة بعض كتب ك‬
‫لوجد فيها ما يدينك أشد اإلدانة)(‪)3‬‬
‫ويق ول‪( :‬ف رأيت وس معت م ا تش يب ل ه النواص ي من تجني ه على الس لفيين‬
‫وتشويه السلفية نفسها ودفاع عن أهل الباطل)(‪)4‬‬
‫‪ 2‬ـ موقف السلفية العلمية من السلفية الجهادية‬
‫على الرغم من أن السلفية المسلحة لم تكن سوى نتيجة لتلك الدعوات الكثيرة‬
‫الصريحة من دعوة السلفية العلمية للجه اد في أفغانس تان‪ ،‬ب ل ك ان ابن ب از وهيئ ة‬
‫كبار العلماء هم أنفسهم من يتولى توجيه من يسمونهم المجاه دين لح رب ال روس‪..‬‬
‫لكنهم وبمجرد أن انتهت الحرب األفغانية‪ ،‬وانتهى اس تعمالهم فيه ا‪ ،‬وب دأ الس لفيون‬
‫المسلحون الذين ربوهم على أعينهم يوجهون حروبهم للعدو األمريكي الجديد‪ ..‬هن ا‬
‫تغير الموقف السلفي العلمي بسبب تغير الموقف السياسي‪ ،‬وتح ول المجاه دون في‬
‫لحظة واحدة إلى خوارج ومفسدين في األرض‪.‬‬
‫ولهذا فقد حصل ارتباك كبير في المجتمع السلفي بسبب الموقف المتج دد من‬
‫أسامة بن الدن حتى انتشر بينهم خبر يذكر أن اللجنة الدائمة لإلفتاء ترى أن أس امة‬
‫بن الدن وتنظيم القاع دة على الح ق ظ اهرين وأن التنظيم خالف ة إس المية‪ ،‬وله ذا‬
‫سارعت ه ذه اللجن ة بإص دار بي ان يك ذب ه ذا‪ ،‬ج اء في ه‪( :‬اطلعت اللجن ة الدائم ة‬
‫للبحوث العلمية واإلفتاء على ما ورد إلى س ماحة المف تي الع ام من بعض الس ائلين‬
‫والمح ال إلى اللجن ة من األمان ة العام ة لهيئ ة كب ار العلم اء ب رقم (‪ )336‬وت اريخ‬
‫‪6/3/1432‬هـ حول ما نشر في بعض مواق ع الش بكة العنكبوتي ة من فت وى م زورة‬
‫ومكذوبة على اللجنة‪ ،‬وقد أعطيت رقمًا وتاريخًا من فتوى أخرى ومه رت بتواقي ع‬
‫مركبة لألعضاء‪ .‬وق د تض منت ه ذه الفت وى المكذوب ة أن اللجن ة الدائم ة ت ذكر أن‬
‫أسامة بن الدن وتنظيم القاع دة على الح ق ظ اهرين‪ ،‬وأن التنظيم خالف ة إس المية‪،‬‬
‫إلى آخر ما جاء في هذه الفت وى من البهت ان وال زور والك ذب على اللجن ة الدائم ة‪.‬‬
‫وبناء على ذلك فإن اللجنة الدائمة تبين األمور اآلتية‪ :‬أوًال‪ :‬ما نس ب إلى اللجن ة في‬
‫هذه الفتوى المزورة كذب وبهتان ال نقر به وال نرض ى عن ه‪ ،‬وهللا حس يب وطليب‬
‫من كتب هذه الفتوى وعمل على إخراجها‪ ..‬ثانيًا‪ :‬ال يخفى حكم الشريعة فيمن تق ول‬
‫على شخص كالمًا لم يقله‪ ،‬ونسب إليه ما لم يصدر عنه‪ ،‬وأنه بفعله هذا آثم م رتكب‬
‫لجرم يستحق عليه العقاب الشرعي‪ ..‬ثالثًا‪ :‬تقرر الجنة أن م ا ج اء في ه ذه الفت وى‬

‫‪ )(1‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.12‬‬


‫‪ )(2‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ )(3‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ )(4‬جماعة واحدة وال جماعات‪ ،‬ص‪.5‬‬

‫‪343‬‬
‫المزورة المكذوبة ‪ -‬هو بحمد هلل تعالى ‪ -‬ظاهر البطالن‪ ،‬بّين الكذب‪ ،‬ال ينطلي على‬
‫من له أدنى معرفة بالبيانات والق رارات الص ادرة عن هيئ ة كب ار العلم اء وفت اوى‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء وعلماء هذه البالد‪ ،‬فإن المدعو الضال أسامة‬
‫بن الدن وتنظيم القاعدة متقرر لدى العلماء ضالل مسلكهم‪ ،‬وشناعة جرمهم‪ ،‬وأنهم‬
‫بأقوالهم وأفعالهم ما جّر وا على اإلسالم والمسلمين إال الوبال والدمار‪ ،‬وك ل عاق ل‪،‬‬
‫فضًال عن عالم‪ ،‬يدرك انحراف هذا المس لك‪ ،‬وأن ه ال يج وز لمس لم أن ينتس ب إلى‬
‫تنظيم القاعدة‪ ،‬وال أن يرضى بأفعاله‪ ،‬وال أن يتكتم على المنتس بين إلي ه‪ ..‬رابع ًا‪ :‬ال‬
‫يجوز التساهل مع م روجي األق وال الكاذب ة والش ائعات الباطل ة ال س يما إذا ك انت‬
‫منسوبة إلى أهل العلم الذين ي بينون الش رع‪ ،‬ويفت ون الس ائلين لم ا ي ؤدي إلي ه ه ذا‬
‫التساهل من آثار خطيرة وكبيرة على المسلم فردًا والمسلمين جماعة)(‪)1‬‬
‫وبعد ذلك نشرت بيان ات وفت اوى ومنش ورات كث يرة تكف ر ه ذه الجماع ات‪،‬‬
‫وتعتبرهم خوارج‪ ،‬وليسوا مجرد بغاة‪ ،‬ومن ذلك قول الشيخ عبد العزيز بن عبد هللا‬
‫بن باز في أسامة بن الدن ـ ال ذي ك ان يبارك ه‪ ،‬ويعت بره مجاه دا ومض حيا ـ‪( :‬إن‬
‫أسامة بن الدن من المفسدين في األرض‪ ،‬ويتحرى طرق الشر الفاس دة وخ رج عن‬
‫طاعة ولي األمر)(‪)2‬‬
‫وفي لقاء مع الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في جريدة [الرأي العام الكويتية]‬
‫ق ال الش يخ مقب ل ال وادعي‪( :‬أب رأ إلى هللا من بن الدن فهوش ؤم وبالء على األم ة‬
‫وأعماله شر)‬
‫وسئل في اللق اء‪( :‬المالح ظ أن المس لمين يتعرض ون للمض ايقات في ال دول‬
‫الغربية بمجرد حدوث انفجار في أي مك ان في الع الم؟)‪ ،‬فأج اب‪( :‬أعلم ذل ك‪ ،‬وق د‬
‫اتصل بي بعض األخوة من بريطانيا يشكون التضييق عليهم‪ ،‬ويسألون عما إذا كان‬
‫يجوز لهم إعالن البراءة من أسامة بن الدن‪ ،‬فقلنا لهم تبرأن ا من ه ومن أعمال ه من ذ‬
‫زمن بعي د‪ ،‬والواق ع يش هد أن المس لمين في دول الغ رب مض يق عليهم بس بب‬
‫الحركات التي تغذيها حركة اإلخوان المفلسين أو غيرهم‪ ،‬وهللا المستعان)‬
‫وسئل‪ :‬ألم تقدم نصيحة إلى أس امة بن الدن؟‪ ،‬فأج اب‪( :‬لق د أرس لت نص ائح‬
‫لكن هللا أعلم إن كانت وصلت أم ال‪ ،‬وقد جاءنا منهم إخوة يعرضون مس اعدتهم لن ا‬
‫وإع انتهم ح تى ن دعو إلى هللا‪ ،‬وبع د ذل ك فوجئن ا بهم يرس لون م اال ويطلب ون من ا‬
‫توزيعه على رؤساء القبائل لش راء م دافع ورشاش ات‪ ،‬ولكن ني رفض ت عرض هم‪،‬‬
‫وطلبت منهم أال يأتوا إلى منزلي ثانية‪ ،‬وأوضحت لهم أن عملنا هو دعوي فقط ولن‬
‫نسمح لطلبتنا بغير ذلك)(‪)3‬‬
‫وهذا الحوار يشير إلى الدور الجهادي الذي كانت تقوم به السلفية العلمية قبل‬
‫أن تولي ظهرها له ذه الحرك ات المس لحة‪ ،‬وإال كي ف يرس ل الن اس أم واال لش راء‬
‫‪ )(1‬فتوى رقم (‪ )25041‬وتاريخ ‪6/3/1432‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(2‬جريدة المسلمون والشرق األوسط – ‪ 9‬جمادى األولى ‪1417‬هـ‪.‬‬
‫‪ )( 3‬لقاء مع الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في جريدة الرأي العام الكويتية بتاريخ ‪ 19/12/1998‬العدد‪.11503 :‬‬

‫‪344‬‬
‫السالح إن لم يكونوا قد وجهوا من قبل هذه الوجه ة‪ ..‬وك ذلك في اس تئذانهم إلعالن‬
‫البراءة من أسامة بن الدن‪ ،‬فذلك يدل أنهم كانوا قبل ذلك يقبلونه ويتولونه‪.‬‬
‫وسئل الشيخ أحمد النجمي‪(:‬أحسن هللا إليك هذا سائل يقول قد صح الن بي ‪‬‬
‫أن ه ق ال‪(:‬لعن هللا من آوى مح دثًا)‪ ،‬ه ل ه ذا الح ديث ينطب ق على دول ة طالب ان‬
‫وخاص ة أنهم ي ؤون الخ وارج ويع دونهم في معس كر الف اروق ال ذي يش رف علي ه‬
‫أسامة بن الدن)‪ ،‬فأجاب الشيخ‪( :‬ال شك أن هؤالء يعتبروا محدثين‪،‬و ه ؤالء ال ذين‬
‫آووهم داخلون في هذا الوعيد الذي قاله النبي ‪ ‬واللعنة التي لعنه ا من فع ل ذل ك‪،‬‬
‫(لعن هللا من آوى محدثًا) فلو أن واحدًا قتل بغ ير ح ق وأنت أويت ه وقلت ألص حاب‬
‫الدم ما لكم عليه سبيل ومنعتهم‪ ،‬ألست تعتبر مؤويًا للمحدثين!)(‪)1‬‬
‫نكتفي به ذه النم اذج من أق والهم لش هرة إنك ار الس لفية العلمي ة على الس لفية‬
‫المسلحة‪ ،‬واعتبارهم من الخوارج‪ ،‬ول ذلك ال نحت اج إلى ذك ر أي نم اذج من الكتب‬
‫الكثيرة المؤلفة في حقهم‪.‬‬

‫‪ )(1‬أقوال العلماء في أسامة بن الدن‪ ،‬ص‪.3‬‬

‫‪345‬‬

You might also like