Professional Documents
Culture Documents
سوال الماء التحديات والافاق
سوال الماء التحديات والافاق
سوال الماء التحديات والافاق
لم تكن لدى كثير من الدول اإلفريقية عشية االستقالل رؤية واضحة للحكامة المائية على الرغم من كون
االقتصاد القاري قائما على الزراعة والرعي ،مما خلف تبعات حالت دون االستفادة من المياه فضال عن
استثمارها استثمارا مثاليا ،وبرهن العجز عن كسب الرهان التنموي على فشل الدول في سياساتها
الهيدرولوجية.
فيما تتردد الدول اإلفريقية بين خطرين :صعوبة الوصول إلى المياه الصالحة للشرب وبكميات كافية من
جهة واستغالل المياه في حال وفرتها من جهة أخرى ،وهو ما يستدعي من صانع القرار اتخاذ كافة
التدابير إليجاد حلول في ظل عالم متغير.
وظل تحقيق السلم واألمن في مختلف المناطق اإلفريقية قضية جوهرية لالنطالق نحو االستفادة من
الثروات ،إذ أن تكلفة عدم االستقرار باهظة بكل المقاييس ،وهو ما طبع الحياة السياسية اإلفريقية في
العقود الماضية ،وعلى هذا فال بد من السعي نحو االستقرار وتهيئة األسباب والظروف المركبة للوصول
إلى استغالل مختلف الموارد ،ويمكن مالحظة الوفرة المائية بالوسط مع متتالية عدم االستقرار ما كان
عائقا دون تثمين الموارد بصورة عامة.
ولم يكن تجاوب الشراكة المالية اإلقليمية والدولية واالستثمار في المورد الحيوي كافيان إلحداث نقلة
نوعية في المجال مما سبب ركودا طويل األمد ينضاف إليه الفساد وسوء التدبير ،وصار من المألوف
إلى اليوم انقطاع المياه في العواصم والمدن الكبرى بدولة جنوب إفريقيا فضال عن غيرها ،ويؤكد رئيس
الجمعية األفريقية للمياه سيلفان أوشر على أن االفتقار إلى اإلرادة السياسية وجهود تحسين البنية التحتية
1
يعد من بين األسباب التي تحول دون استفادة أفريقيا من مواردها المائية بشكل مفيد
غير أن تدبير المياه يحتاج إلى تنوع في التخطيط واألساليب باعتبار أنه مطلب يومي بل وقتي وتختلف
المناطق داخل الدولة الواحدة فضال عن الدول فيما بينها ،وقد تساعد الالمركزية وتوسيع صالحيات
اإلدارة المحلية في عالج األزمة ،بل إن إدراجها في التسيير ضروري لمواجهة مشكلة المياه والصرف
الصحي واإلشراف على جودة شبكات توزيع المياه المحلية باألساس وتأمين مرافق إمداد حديثة وإنهاء
انقطاع المياه كليا.
وقد سرعت األزمات المناخية المتكررة من دق ناقوس الخطر وفرضت على األفارقة مسايرة اآلثار
المناخية واالنتباه لقضايا الماء بشكل خاص وانتهاج سياسات إقليمية ووطنية ،ومع نهايات األلفية الثانية
بدأت ترتسم معالم سياسات إقليمية جهوية مصاحبة تأسيس مجالس بيئية تسعينيات القرن المنصرم "
المجالس االقتصادية واالجتماعية والبيئة "؛ باعثها التكيف مع األوضاع المناخية الجديدة واستشراف
المستقبل ،وتمخض عن النسق العام الرؤية اإلفريقية للمياه 2025مع مجموعة من الشركاء من داخل
القارة وخارجها.
وأفضى أن يكون الوصول إلى الماء حقا دستوريا كما في حالة جنوب إفريقيا 1996المادة :27الرعاية
الصحية والغذاء والمياه والتأمين االجتماعي" ،وتنص المادة 44من الدستور التونسي ،المعتمدة في عام
،2014على ما يلي" :الحق في الماء مضمون .والمحافظة على الماء وترشيد استغالله واجب على
الدولة والمجتمع".
1معضلة المياه تؤرق أفريقيا العاجزة عن استغالل كل مواردها المائية ،موقع العرب بتاريخ 29مارس ،2022تاريخ الدخول :2022 /12/06
https://bit.ly/3xmRh1x
ورغم ذلك أثبتت الرؤية السالفة محدوديتها في واقع الحياة اإلفريقية بحكم إنجازاتها المتواضعة وطنيا مع
تقاعس المجتمع الدولي عن الوفاء بالتزاماته بتقديم 100مليار دوالر أمريكي بحلول 2020لتنفيذ
2
إجراءات التخفيف والتكيف
فال يتوفر الماء الشروب إال لعدد قليل من ساكنة القارة ال يتعدى ربعها حسب دراسات أممية ،أما
الوصول إلى المياه بكمية كافية وبتكلفة ميسورة فال يزاالن بعيدي المنال على الغالبية العظمى من أبناء
القارة.
وينبغي اعتبار البعد المتعلق بصحة اإلنسان عنصرا رئيسيا في تنفيذ اإلدارة المتكاملة للموارد المائية،
فعلى سبيل المثال ،من بين األمراض التي تنقلها المياه اإلسهال المعدي حيث تنتشر العدوى عن طريق
مياه الشرب أو األغذية الملوثة ،أو من شخص إلى آخر نتيجة لسوء النظافة الصحية .كذلك ،يؤدي
اإلسهال الحاد إلى فقدان السوائل ويمكن أن يهدد الحياة ،وال سيما لدى األطفال الصغار واألشخاص
3
الذين يعانون من سوء التغذية أو من ضعف المناعة
تطالب الدول األفارقة العالم الغربي منذ فترة بالعدالة المناخية وآخرها ما كان في قمة التكيف المناخي
في إفريقيا 2022بهولندا ،وحسب تقارير إقليمية فإن أفريقيا هي أيضا أقل مناطق العالم قدرة على
التكيف مع تغير المناخ ،4ويقدر التقرير أنه منذ العام ،2015- 1986خسرت أفريقيا ما بين ٪5و15
٪من نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي اإلجمالي بسبب تغير المناخ ،5مع تواني المجتمع الدولي لدعم
التغير المناخي بالقارة.
ومن متطلبات توظيف المياه اإلبقاء على حيوية ودينامية الموارد وحمايتها من كل ما قد يؤدي إلى
إتالفها أو التقليل من مفعولها نضوبًا ،غورًا ،تلوثًا ،ومن ثَّم ضرورة إعادة تغذية المجاري المائية
الناضبة مثل بحيرة تشاد وصوال إلى رفاهية الشعوب
آفاق الموارد المائية بالقارة الخضراء في عالم متغير:
تضاعف عدد سكان القارة منذ االستقالل من 285مليون نسمة ليصل إلى 1,2مليار نسمة ما جعل
إفريقيا أمام تحد ديمغرافي حقيقي ،لكن ال تزال أمام القارة فرص لم يتم استغاللها ،وتجدر اإلشارة إلى
أن نسبة %3فحسب من مجموع األراضي الزراعية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هي أراض
6
مروية ،وال ُتروى إال نسبة %5من هذه األراضي بالمياه الجوفية
ويتيح إنشاء منطقة التجارة الحرة وانطالق أعمالها 2021زيادة تحسين تدبير المياه بناء على أن غالب
اقتصاديات إفريقيا قائمة على الزراعة ما يقتضي حسن استغالل لزيادة الغالت الزراعية إلدرار األرباح
وتنشيط الحركة التجارية بين الدول سعيا لتحقيق اكتفاء ذاتي قاري.
وال غنى عن العمل الجماعي للتعاون بحثا عن حلول مشتركة لقضايا المياه ،وتتمتع المغرب بأكبر محطة
لتحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية ،باإلضافة إلى هذه التقنية الواعدة في المستقبل فإن ما تزخر به دول
2القادة اإلفريقيون يدفعون نحو دعم مالي وتقني كاف للمساعدة في التصدي لتحديات تغيرات المناخ استعدادا للمؤتمر السابع والعشرين لتغير
المناخ ،موقع االتحاد اإلفريقي بتاريخ 6فبراير :2022تاريخ الدخول https://rb.gy/9ktotc 2022 /09 /06
3تقرير المياه والتنمية الثامن ،أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه في المنطقة العربية ،األمم المتحدة 2020ـ بيروت ص .23 :تاريخ
الدخولhttps://rb.gy/9ktotc 2022 /06/09 :
4إطالق تقرير التوقعات االقتصادية اإلفريقية لعام ،2022االجتماعات السنوية لمجموعة بنك التنمية األفريقي ،أكرا ،غانا 25 ،مايو ،2022
ص ،6:تاريخ الدخول https://rb.gy/hdbvxj 2022 /06/09
5المرجع السابق ،ص.7 :
6تقرير األمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية لعام ،2022المياه الجوفية ،مرجع سابق ،ص.6 :
إفريقيا الوسطى والجنوبية يمثل مخزونا مائيا لمسايرة التطورات والتغيرات المناخية فيما يخص المياه،
ويفضي التحام تلك الموارد والوسائل إلى تعزيز الدبلوماسية المائية للسالم بما يتفق مع تطلعات التنمية
ومبادئ االتحاد من التضامن اإلفريقي.
ال تزال الدول اإلفريقية تعاني نقصا في المعلومات في قطاع المياه ،ما يستوجب األخذ بزمام المبادرة
للتغلب على هذا العائق وتجاوزه بتوفير بيانات وافية سواء عن طريق استجواب أو استبيان أو بحوث
علمية تمكن من بناء رؤية كلية وشاملة حول السياسات المائية على األمد القريب والبعيد.
ولتجاوز العقبة يلزم العمل على إيجاد العدد الكافي من العناصر البشرية ثم الوسائل على تنوعها ،ولعل
هذين األمرين يتوقف عليهما تفعيل كثير من المؤسسات والهيئات اإلفريقية لتؤتي ثمارها؛ ما يطلق عليه
في األدبيات اإلدارية :تعزيز الكفاءات والقدرات وتعزيز قيم المواطنة والشفافية في تدبير الشأن العام.
ويفضي حسن استغالل المياه التغلب على مشاكل الشباب بما في ذلك الهجرة والبطالة من خالل
استصالح األراضي الصالحة للزراعة وتوجيه اليد العاملة الشابة نحو المشاريع الزراعية خصوصا وأن
7
كثيرا من المهاجرين األفارقة يعملون في المزارع األوربية سواء في إيطاليا أو إسبانيا وغيرها.
الخاتمة:
يعتبر الماء المورد الحيوي جوهريا لمستقبل إفريقيا في ظل الزيادة الديمغرافية ومقتضيات التنمية
بأبعادها المعاصرة سواء االقتصادية أو االجتماعية أو البيئية وتكالب القوى على خيراتها ،ومن ثم تتحول
المياه إلى أن تكون مسألة سيادية متعلقة بتحقيق مطالب األمن القومي.
وال تختلف مقاربة المورد االستراتيجي في هذه الورقة عن غيره من الموارد األخرى ،ما يضع األفارقة
غالبا في مأزق مع خيراتهم وثرواتهم المتعددة ،ولعل حياة المواطنين " الظامئة " تكفي شاهدا على
الحقيقة الماثلة أمام القاصي والداني.
على أنه من المداخل الواعدة إلفريقيا تجاه مواردها عامة تأهيل أبنائها علميا ومعرفيا وتكنلوجيا :إنتاجا
وابتكارا وتخطيطا وطرح بدائل إفريقية قياما بالواجب واستفادة من الثروات؛ وهو مدخل ضروري
وعمود أي تغيير أو إصالح.
ويلحق بذلك تدريب الشباب األفارقة على حسن استغالل الموارد من أي صنف كانت وعلى المواطنة
والصالح العام ،وهذا يتطلب تحسين التعليم العالي وباألخص العلمي ورفع نسبة الملتحقين به ،علما أن
نسبة التعليم العالي ال ترقى إلى المستوى المطلوب.
المراجع
1ـ تقرير األمم المتحدة عن تنمية الموارد المائية لعام 2021تقدير قيمة المياه ،ص .7 :موقع األمم
اليونسكو ،2021تاريخ الدخول .07/09/2022
https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000375750_ara
7الماء في إفريقيا بين تحديات الجغرافيا ومطامع السياسة هارون با باحث سنغالي مختص في العلوم السياسية 12أكتوبر 2022على الموقع
https://studies.aljazeera.net/ar/article/5480الساعة 13:41يوم 2023/05/09
2ـ هارون باه ،دول غرب إفريقيا في ميزان الجيوبوليتيك ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة،
جامعة محمد الخامس ـ السويسي ،وحدة الدبلوماسية المغربية ،السنة الجامعية 2007ـ ،2008ص :
16و.17
3ـ انظر :
Mbaye Dieng, L’eau en Afrique, les paradoxes d’une ressource très convoitée,
site : Lead in Africa du Janvier 2011, vu le 12 September 2022: shorturl.at/eln59
4ـ هارون باه ،دول غرب إفريقيا في ميزان الجيوبوليتيك ،مرجع سابق ،ص .19 :
le bulletin du forum, quotidien du 9 forum mondial de l’eau, "Dakar 2022 " -5
vu le 12 September 2022 : https://rb.gy/rumewl
6ـ تقرير األمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية لعام ،2022المياه الجوفية :إماطة اللثام عن
المستور ،ص .4 :تاريخ الدخول .2022 /12/06
https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000380726_ara
7ـ تقرير األمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية لعام ،2022المياه الجوفية ،مرجع سابق ،ص:
2
9ـ تقرير األمم المتحدة عن تنمية الموارد المائية لعام 2021تقدير قيمة المياه ،ص .6 :تاريخ الدخول
https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000375750_ara :07/09/2022
10ـ معضلة المياه تؤرق أفريقيا العاجزة عن استغالل كل مواردها المائية ،موقع العرب بتاريخ 29
مارس ،2022تاريخ الدخول 12/06/2022
https://bit.ly/3xmRh1x
11ـ القادة اإلفريقيون يدفعون نحو دعم مالي وتقني كاف للمساعدة في التصدي لتحديات تغيرات المناخ
استعدادا للمؤتمر السابع والعشرين لتغير المناخ ،موقع االتحاد اإلفريقي بتاريخ 6فبراير : 2022تاريخ
الدخول 09/2022 /06
https://rb.gy/9ktotc
12ـ تقرير المياه والتنمية الثامن ،أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه في المنطقة العربية ،األمم
المتحدة 2020ـ بيروت ص .23 :تاريخ الدخول:
2022https://rb.gy/9ktotc /06/09
13ـ إطالق تقرير التوقعات االقتصادية اإلفريقية لعام ،2022االجتماعات السنوية لمجموعة بنك
التنمية األفريقي ،أكرا ،غانا 25 ،مايو ،2022ص ،6 :تاريخ الدخول : 2022 /06/09
https://rb.gy/hdbvxj
15ـ تقرير األمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية لعام ،2022المياه الجوفية ،مرجع سابق،
ص.6 :
المياه هي في قلب التنمية المستدامة ،وهي ضرورية للتنمية االقتصادية االجتماعية ،والطاقة وإنتاج
الغذاء وسالمة النظم اإليكولوجية وبقاء اإلنسان .كما أن المياه كذلك في صلب عملية التكيف مع تغير
المناخ حيث تضطلع بدور الرابط بين المجتمع والبيئة.
والمياه هي كذلك مسألة حقوق .ففي حين يزداد تعداد سكان العالم ،تزداد الحاجة إلى خلق توازن بين
جميع المتطلبات التجارية من موارد المياه بما يتيح للمجتمعات الحصول على كفايتها من المياه .وينبغي
أن تحصل النساء والفتيات — على وجه التخصيص — على مرافق صحية خاصة ونظيفة تكفل لهن
السالمة والكرامة عند التعامل مع المسائل األنثوية البيولوجية من مثل مسائل الحيض واألمومة.
وعلى المستوى اإلنساني ،ال يمكن النظر إلى المياه بمعزل عن الصرف الصحي .فهما معا عاملين
حيويين في خفض العبء العالمي من األمراض ،فضال عن مالهما من دور في تحسين الصحة والتعليم
8
واإلنتاجية االقتصادية للسكان.
تغير المناخ
يشكل تغير المناخ تهديدا كبيرا للتنمية االقتصادية واالجتماعية والبيئية في أفريقيا .هناك أدلة قويــة تشــير
بأن ارتفاع درجات الحرارة في أفريقيــا زادت بشــكل كبــير خالل ال 50إلى 100ســنة الماضــية ،حيث
ظهرت آثارها الواضحة على صحة وسبل عيش الناس وأمنهم الغذائي في أفريقيا .من المرجح أن يــؤدي
تغــير المنــاخ إلى تقليــل المحاصــيل وزيــادة نــدرة الميــاه وتفـاقم فقـدان التنــوع الــبيولوجي والمســاهمة في
9
التصحر ،ومن ثم فرض تحٍد خطير على القارة.
يعتمد الوجود البشري على المياه بالكامل؛ إذ ترتبط المياه بجميع جوانب التنمية البشرية ،وهي القوة
الكبرى لدفع عملية التصنيع والصحة والمساواة بين الجنسين.
وطالما كان هناك اعتقاد بأن مشكالت الحياة ال توجد إال في المجتمعات الريفية الفقيرة ،واألحياء
الحضرية الفقيرة ،إال أنه -وللمرة األولى-قد تتعرض مدينة عالمية كبيرة ،مثل "كيب تاون" ،ألزمة نفاد
المياه.
وتعد ندرة المياه ظاهرة طبيعية وبشرية المنشأ وهي تصنف إلى نوعين :ندرة اقتصادية ،وندرة مادية.
وتمثل الندرة االقتصادية للمياه شكًال من أشكال ندرة المياه بسبب نقص االستثمارات في مجال المياه؛
بينما تشتمل أعراض الندرة االقتصادية للمياه على نقص البنية التحتية ،حيث يضطر الناس في الغالب
إلى جلب المياه من األنهار أو البحيرات بأنفسهم أو عن طرق غير متطورة من أجل استخدامها
لألغراض المحلية والزراعية .وتعاني أجزاء كبيرة من أفريقيا من ظاهرة الندرة االقتصادية للمياه ،بينما
تحدث الندرة المادية عندما ال يتوفر مقدار كاٍف من المياه في مكان والتوقيت والسعر المناسب.
ووفقًا لتقرير للجمعية األفريقية للمياه كان شعاره "المياه الجوفية" صدر في مارس2022م بمناسبة اليوم
العالمي للمياه (الذي يصادف 22مارس من كل عام) فإن حوالي 500مليون شخص في إفريقيا يعانون
10مقال كيف يمكن إلفريقيا أن تصبح أقوى بأزماتها المائية؟ 2018/07/15على الموقع
https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/559580
من صعوبة الوصول لموارد الماء .ويهدف االحتفال باليوم العالمي للمياه إلى رفع الوعي بأزمة المياه
العالمية ،بما في ذلك المياه الجوفية ،وتأثيرات األزمة على دول العالم ،والطرق الواجب اتباعها لمنع
الهدر واالستغالل األمثل للموارد المائية.
وأشار تقرير لألمم المتحدة حول التنمية المائية في العالم تم إعداده بالتعاون مع منظمة األمم المتحدة
للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ،أن المياه الجوفية تشكل ما نسبته % 99من المياه العذبة حول العالم.
ولفت التقرير كذلك إلى أن القارة األفريقية تعتبر من المناطق الغنية بالموارد المائية ،ولكن رغم ذلك فإن
أكثر من 500مليون شخص في القارة يعانون من مشاكل تتعلق بتوفير المياه ،بما في ذلك مياه الشرب.
وذكر التقرير أن كًال من هذه الدول اإلفريقية :مصر وبوتسوانا والغابون وموريشيوس وتونس ،تتمتع
بأعلى نسبة وصول إلى المياه؛ في حين وصفت دول الصومال وتشاد والنيجر بأنها دول لديها أدنى
مستوى وصول للمياه .كما أفاد التقرير أن 3من كل 10أشخاص في القارة ال يمكنهم الحصول حتى
على مياه الشرب.
كذلك ورد في مارس2021م تقرير صادر عن صفحة غير ربحية تهتم بالنقل المائي الداخلي واألنهار
عنوانها (النقل المائي الداخلي والمعارف) عن المياه الجوفية وأهميتها في أفريقيا ،أن المياه الجوفية تمثل
حوالي %15من إجمالي طاقة المياه المتجددة في القارة اإلفريقية ،التي يقدر حجمها بنحو 421ألف
مليون متر مكعب في السنة .وتشير التقديرات إلى أن أكثر من % 75من السكان األفارقة يستخدمون
المياه الجوفية بحسبانه مصدرًا رئيسيًا إلمدادات مياه الشرب ،خاصة في بلدان شمال إفريقيا ،مثل ليبيا
وتونس وأجزاء من الجزائر والمغرب ،وكذلك في بلدان الجنوب األفريقي مثل بوتسوانا وناميبيا
وزيمبابوي .بينما تمثل المياه الجوفية جنوب إفريقيا على سبيل المثال % 9من المياه المتوفرة بالبالد.
غير أن السودان ُيعد من الدول التي يعتمد %80من سكانه على المياه الجوفية على الرغم من وجود
نهر النيل وبعض األنهر الموسمية األخرى به ،والتي تسهم في توفير المياه فقط بنسبة %40من
المصادر النيلية مقابل %60للمصادر المياه الجوفية .وتذكر بعض الدراسات أن عدم مقدرة السودان
على إنشاء محطات مياه نيلية هي التي جعلت االتجاه يميل أكثر نحو استهالك أكبر للمياه الجوفية .كذلك
يوصف السودان بأنه من الدول المهددة بنضوب المياه الجوفية والتي تشكل المورد الرئيسي للشرب
للكثير من المناطق .وتشير بعض الدراسات إلى احتمالية نضوب الحوض النوبي الجوفي بحلول عام
2060م ،إذا لم تتخذ اإلجراءات الالزمة للحافظ على مخزون المياه الجوفية الذي يتم استهالكه دون
استراتيجية واضحة وال ترشيد مخطط.
كذلك نشرت مجموعة من الجهات البحثية المتخصصة التابعة لهيئة األمم المتحدة مثل «المعهد الكندي
للبيئة المائية" تقييمًا جديدًا لقياس األمن المائي في دول إفريقيا .واستخدم ذلك التقييم عشرة مؤشرات
لقياس األمن المائي في 54دولة في إفريقيا .حيث أن مفهوم األمم المتحدة لألمن المائي يشير بصورة
عامة إلى احتياجات وشروط عديدة تتعلق باألمن المائي منها مياه للشرب ،والنشاط االقتصادي،
واألنظمة البيئية ،باإلضافة إلى مقاومة المخاطر ،والحوكمة ،والتعاون عبر الحدود ،والتمويل،
واالستقرار السياسي فقد ذكر ذلك المعهد " ...كما وتنصب مفاهيم األمن المائي في قياس قدرة السكان
على حصولهم المستدام على الكميات الكافية من المياه الجيدة المقبولة بحيث تضمن سبل العيش ورفاهية
اإلنسان والتنمية االجتماعية واالقتصادية ،ومن أجل الحفاظ على النظم البيئية في مناخ يسوده السالم
واالستقرار السياسي" .والجدير بالذكر أن ذلك التقييم أظهر بشكل عام ،أن مصر وبوتسوانا والجابون
وموريشيوس وتونس هي الدول الخمس األولى في إفريقيا من حيث األمن المائي .ويشير (المؤشر
الخامس الذي هو " كفاءة االستخدام") إلى أن كفاءة استخدام المياه هي األدنى في شمال إفريقيا ،واألعلى
في وسط إفريقيا؛ بينما يشير (المؤشر السادس الذي هو "البنية التحتية") أن البنية التحتية للمياه هي
األفضل في منطقة جنوب إفريقيا الفرعية ،واألسوأ في شرق إفريقيا .أما المؤشر (الثامن الذي هو "إدارة
المياه") فيبدو أنه هو األكثر تقدمًا في المناطق الفرعية لشمال وجنوب إفريقيا ،في حين أن وسط إفريقيا
هي األقل تقدما؛ أما فيما يتعلق بـ (المؤشر العاشر الذي هو "االعتماد والتنوع") الذي يشير إلى االعتماد
على مصدر المياه اآلتية من الدول المجاورة ،وبتنوع الموارد المائية ،فتبرز فيه مصر كأكثر دول إفريقيا
اعتمادًا على المياه من دول مجاورة .والمالحظ أن ذلك التقرير لم يشر قط لدولة السودان في أي مؤشر
من المؤشرات العشرة.
تعتبر بعض الدول االفريقية حق الحصول على المياه حقا دستوريا أصيًال .فدستور تونس مثًال ينص
على أن "الحق في الماء مضمون .والمحافظة على الماء وترشيد استغالله واجب على الدولة والمجتمع".
كما ينص قانون المغرب على أن الماء يعتبر ملكًا مشتركًا يقتسمه كل أفراد المجتمع ،بينما ينص دستور
جنوب أفريقيا على أن "الرعاية الصحية والغذاء والمياه والتأمين االجتماعي" هي حق دستوري .ويجدر
بكافة دول القارة السير على ذات النهج في اعتبار حق الحصول على المياه حقا دستوريا أصيًال .ويظل
الماء هو المورد الحيوي لمستقبل إفريقيا ،ومن أهم مقتضيات التنمية بأبعادها المعاصرة ،سواًء
االقتصادية ،االجتماعية ،البيئية أو حتى السياسية /السيادية ،حيث أخذ هذا المورد الحيوي يجذب هجرة
متنوعة سواًء أكانت هجرة شرعية أم غير شرعية للسكن بالقرب من مصادر المياه .وقد تكون هذه
الهجرة هجرًة بين دول القارة االفريقية نفسها أو حتى من قارات أخرى تعاني من شح مصادر المياه،
باإلضافة لعوامل إضافية أخرى .وعادة ما توصف الهجرات غير الشرعية تحديدًا بأنها تتسبب في
انتقاص حقوق المواطن الحاليين واألجيال القادمة في المياه؛ هذا بإضافة إلى االنتهاكات لقوانيين استخدام
المياه والحفاظ على البيئة .ومن جانب آخر ينظر الكثير من المحللين السياسيين للصراع الحديث في
أفريقيا بأنه تكالب على مورد المياه سواًء أكان بين الدول االفريقية أو من بعض القوى الدولية ،ويوصف
أحيانًا بأنه االستعمار السياسي الجديد المبني على اإلستفادة من خيرات القارة االفريقية المتعددة ،خاصة
مورد المياه.
نخلص إلى أن األزمات المناخية المتكررة قد فرضت على القارة األفريقية مسايرة اآلثار المناخية
واالنتباه لقضايا المياه بشكل خاص ،وانتهاج سياسات إقليمية ووطنية في إطار تشاركي بين دول القارة
تماشيًا مع النسق العام الرؤية اإلفريقية للمياه 2063م .ومن جانب آخر ينبغي على تلك الدول االهتمام
بزيادة كفاءة المياه عبر إصالح نظم توزيع المياه في القطاع الزراعي ،وزراعة المحاصيل التي تتطلب
قدرًا أقل من المياه ،واالستثمار في التقنيات الحديثة لتحقيق اإلستدامة خاصة في الدول التي ترتبط عندها
وفورات المياه بالطاقة.
لذلك ينبغي على الدول االفريقية أن تحول نهجها التنموي نحو المياه ،وأن تغدو تلك مسألًة سيادية متعلقة
بتحقيق مطالب األمن القومي .ويظل تحقيق السلم واألمن في مختلف المناطق اإلفريقية قضية جوهرية
لالنطالق نحو االستفادة من الثروات ،وإن ما تزخر به دول إفريقيا الوسطى والجنوبية يمثل مخزونا
مائيا لمسايرة التطورات والتغيرات المناخية فيما يخص المياه ،ويفضي التحام تلك الموارد والوسائل إلى
تعزيز الدبلوماسية المائية للسالم بما يتفق مع تطلعات التنمية ومبادئ االتحاد اإلفريقي حول تضامن دول
القارة.
ومن جانب آخر يتطلب اإلصالح في قطاع المياه في أفريقيا معالجة نقص المعلومات في هذا القطاع
الحيوي ،بتوفير بيانات وافية سواًء عن طريق استبيانات ميدانية أو بحوث علمية تمكن من بناء رؤية
كلية وشاملة حول السياسات المائية على المستوى القاري والوطني لكل دولة ،وعبر تعزيز دور
المؤسسات والهيئات بوسائل وأدبيات علم اإلدارة لتعزيز الكفاءات والقدرات ،وتعزيز قيم المواطنة
11
والشفافية في تدبير الشأن العام.
الجوانب األساسية لحق اإلنسان في الحصول على المياه وخدمات الصرف الصحي
إن الوصول إلى مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي بطريقة مأمونة وبأسعار ميسورة وكافية هو حق
أساسي من حقوق اإلنسان .ويعُّد ذلك مسألة ضرورية الستدامة سبل عيش سليمة والحفاظ على كرامة
الناس .ويعتبر حق اإلنسان في الحصول على المياه وخدمات الصرف الصحي أساسيًا للقضاء على الفقر
وبناء مجتمعات سلمية ومزدهرة وضمان’ شمل الجميع من دون أي استثناء ‘في الطريق إلى تحقيق
التنمية المستدامة.
ويلزم القانون الدولي لحقوق اإلنسان الدول على العمل باتجاه تحقيق الوصول الشامل إلى المياه وخدمات
الصرف الصحي للجميع ،من دون أي تمييز مع إعطاء األولوية إلى األشخاص األشد حاجة إليها .أما
العناصر األساسية للحق في الحصول على المياه وخدمات الصرف الصحي ،فهي:
التوافر؛
إمكانية الوصول؛
القدرة على تحمل الكلفة؛
الجودة والسالمة؛
12
المقبولية.
تعاني جنوب أفريقيا نقص المياه وندرتها منذ عام .2015وبدت هذه األزمة جلية في أيار/مايو ،2017
عندما تصّد رت كيب تاون -واحدة من أكثر المناطق الحضرية اكتظاظًا بالسكان في جنوب أفريقيا -
منصات األخبار بسبب الخوف من "يوم الصفر" ( ،)Day Zeroوهو مصطلح ُتوصف به حالة انخفاض
السدود الرئيسة إلى نسبة 13.5في المئة من سعتها ،األمر الذي يستدعي إغالق شبكة المياه البلدية
ومواجهة ماليين السكان قيودًا شديدة على المياه.
وأرجع خبراء البيئة والمياه ومسؤولو الحكومة في جنوب أفريقيا سبب األزمة إلى عدة أمور وعوامل،
بعضها مادي ،باإلضافة إلى عوامل أخرى اقتصادية وبيئية واجتماعية ومناخية ،إلى جانب ضعف ثقافة
استهالك المياه.
العوامل المادية
11مقال حول تخزين المياه في أفريقيا د .نازك حامد الهاشمي February, 2023 26موقع https://sudanile.com/%D8%AD
%D9%88%D9%84-%D8%AA%D8%AE%D8%B2%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A
%D8%A7%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-
/%D8%A8%D9%82%D9%84%D9%85-%D8%AF-%D9%86%D8%A7%D8%B2يوم 2023/05/09على الساعة 14 :51
12
https://www.ohchr.org/ar/water-and-sanitationيوم 2023/05/09على الساعة 14 :56
اتفق العلماء وخبراء المياه والبيئة ومسؤولون في جنوب أفريقيا على أن تهالك البنية التحتية المستخدمة
للمياه من األسباب الرئيسة لهذه األزمة ،بحيث إن أغلبية مناطق البالد ال تزال تستخدم البنية التحتية التي
يزيد عمرها على ثالثة عقود من دون صيانة أو استبدال ،بينما ُيدار نحو 64في المئة من المياه
الصالحة لالستخدام من جانب هذه البنية التحتية ،وهو ما أدى إلى انخفاض مستويات إمدادات المياه في
كيب تاون وجيكبيرها (.)Gqeberha
تحدث أزمة المياه في وقت تعاني جنوب أفريقيا أيضًا أزمة انقطاع التيار الكهربائي ،وهو ما يفاقم
الوضع ويزيد في الضغط على الحكومة ومسؤولي قطاعي المياه والكهرباء .وهناك عالقة بين األزمتين،
إذ تتوقف إمدادات المياه عندما تحاول شركة الكهرباء التخلص من األحمال ،بينما يعني انقطاع الكهرباء
ارتفاع الطلب على المياه ،وخصوصًا في حاالت انقطاع التيار الكهربائي فترات طويلة ،بحيث تسبب
درجات الحرارة الحارقة ،إلى تسجيل ثالث بلديات أعلى معدل استهالك للمياه ،وإلى استنزاف بعض
خزانات المياه في "غاوتينغ"؛ المركز االقتصادي الذي قال مسؤولون إن إمدادات مياهه معرضة لخطر
الجفاف.
وُيلَم س من تصريحات المسؤولين أن عدة محّط ات ضخ للمياه في "جوهانسبرغ" و"تشواني" في حاجة
إلى إمدادات ثابتة من الكهرباء لتغذية أبراج مياهها ،بينما يفرض الوضع الراهن على سكان المدينتين
التزام قيود "المستوى األول" وتقليل االستهالك من أجل المحافظة على إمدادات مياه ثابتة .وتحظر قيود
"المستوى األول " استخدام خراطيم المياه بين الساعتين الـسادسة صباحًا والـسادسة مساًء ،واستخدام
خراطيم المياه في المناطق المرصوفة والممرات ،كما تحث على استخدام المياه الرمادية في رّي الحدائق
وغسل السيارات.
بناًء على ما سبق ،فإن معالجة أزمة المياه تعني ضرورة التحّسن في التيار الكهربائي ،الذي يعاني أيضًا
بسبب بنيته التحتية القديمة المتهالكة .وأثبتت حوادث األشهر الماضية أن االكتفاء بمعالجة عوارض أزمة
المياه ال ُيجدي نفعًا ،ففي مايو الماضي اسُت نفدت السدود في بلدية "نيلسون مانديال باي" ،التي تضم مدينة
"جكيبرها" ،وأدى اإلفراط في استخدام المواد الكيميائية من أجل معالجة المياه اآلسنة المتبقية إلى وفاة
طفلين ونفوق المواشي وإتالف النباتات.
13مقال بعنوان ما وراء ازمة المياه في جنوب افريقيا للكاتب حكيم االدي نجم الدين كاتب نجيري مهتم بافريقيا جنوب الصحراء الكبرى
https://www.almayadeen.net/research-papers/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-
%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A
%D8%A7%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%A8-%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A
%D9%82%D9%8A%D8%A7
الحق في المياه باعتباره حقًا اجتماعيًا وحقًا جماعيًا
دانيلو زولو
16
الصحي.وتتضمن األدوات القانونية ذات الصلة "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"
و"العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية" ،الصادرين في عام .1966وتنص
المادة 6من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" ،والذي وقعت عليه وأقرته ما يربو على
130دولة من بينها إسرائيل ،على أن "الحق في الحياة حق مالزم لكل إنسان .وعلى القانون أن يحمى
هذا الحق 17)5( ".أما "العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية" ،فيعلن في
المادة األولى منه عن حق "جميع الشعوب في التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية" ( .18)6غير
أننا ال نرى في أي من هذين العهدين إشارة صريحة إلى الحق في المياه واستخدام المصادر المائية .ومع
ذلك ،فإن استنتاجنا ال يجانب الشرعية إن قلنا بأن لكل مجتمع إنساني الحق في استخدام مصادره المائية
الخاصة به باعتبارها من موارده الطبيعية .ولكن تبقى المسألة المتعلقة بتحديد معنى عبارة "الخاصة به"،
وذلك عندما تشترك عدة دول في ملكية األنهار أو البحيرات أو األحواض المائية؛ فدون هذا التحديد،
تفتقد القواعد القانونية المرعّية في جوهرها إلى القوة التنظيمية ،وتؤدي بالتالي -كما سنرى -إلى نشوء
قواعد عرفية تفتقر إلى هذه القوة الضرورية .وباإلضافة إلى ذلك ،يمكن االحتكام وبصورة غير مباشرة
إلى المواد ،9و 11و 12من "العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية
«المذكور اعاله ،والتي تنص في محصلتها على الحق في الضمان االجتماعي واألمن الغذائي والصحي.
ولكن هذه المواد تشتمل على صيغ غير مباشرة وغير عامة؛ واألهم من ذلك أن هذه المواد تفتقر إلى
قواعد تستطيع إنفاذها وتعزز من خاللها حق الشعوب في المياه .وبناًء على فهم واقعي -وليس مجرد
فهم مثالي وقانوني -للقانون الدولي ،تمثل األحكام القانونية التي ال تسندها وسائل إدارية أو قضائية
تضمن إنفاذها تحذيرات أخالقية ،وأماني نبيلة في أحسن األحوال؛ ولذا ،فهي ال ترتقي إلى مرتبة القانون
الدولي الملزم .كما تفتقر هذه األحكام القانونية إلى الصفة الرئيسية التي تميز القانون ،والتي تتمثل في
إمكانية تنفيذ أحكامه بصورة جبرية.
وعالوًة على ما تقدم ،يعتبر هذا التحليل صحيحًا بالنسبة لألحكام الدولية التي تنظم استخدام مياه األنهار
والبحيرات واألحواض المائية والمياه الجوفية بصورة عامة .فالقانون الدولي يعتبر قاصرًا في تناول هذه
المسألة .وعلى مستوى القارة األوروبية -التي تمثل نطاقًا إقليميًا محدودًا -يمكن للمرء أن ينظر إلى
اتفافية هلسنكي الموقعة عام 1992حول حماية استخدام المصادر المائية المشتركة بين الدول
والبحيرات الدولية ،والتي شّك لت األساس النعقاد مؤتمر يضم الدول األعضاء المعنية لتطبيق بنود هذه
االتفاقية .وأخيرًا ،تجدر اإلشارة إلى قرار الجمعية العامة لألمم المتحدة الذي تمخض عن إعداد االتفاقية
حول القانون بشأن االستخدامات غير المالحية للمجاري المائية الدولية ( ،)1997والتي لم تدخل حيز
التنفيذ ألنها لم تحصل على النصاب المطلوب للمصادقة عليها ،وهو 35دولة .ومما يثير االهتمام في
هذه االتفاقية المواد التي تنص على المبادئ العرفية ،التي تعود في تاريخها إلى "قواعد هلسنكي"
المعروفة ،بشأن استخدام مياه "األنهار الدولية" ،والتي اعتمدتها رابطة القانون الدولي في هلسنكي عام
.1966وُتلزم المادتان 5و 6من هذه االتفاقية الدول األطراف بمبدأ "االستخدام العادل والمعقول
للمياه" .أما المادة 7منها فتنص على مبدأ "عدم التسبب في الضرر" المترتب على التغييرات المائية؛
بمعنى أن هذه المادة تحظر إلحاق "ضرر جسيم" بتدفق المياه الدولية ،في حين تنص المادة 8على التزام
الدول بالتعاون في إدارة المياه الدولية.)7 19
17
18
19
وعلى وجه العموم ،نستنتج وجود تناقض (ولبس) فيما يتعلق باإلعالن عن الحقوق في المياه وحماية هذه
الحقوق ،إلى جانب االلتزام الواقع على الدول بالتعاون في استخدام المصادر المائية الدولية ،وهيكلية
الحلول الالزمة للدفاع عن هذه المصالح والقيم .)820
وفي سياق آخر ،تبدو األمور ِج ّد مختلفة حول قضية محددة بشأن العالقة القائمة بين القوة القائمة
باالحتالل واألقاليم الخاضعة لالحتالل ،وذلك فيما يتعلق باستخدام المصادر المائية الوطنية والدولية.
وتؤثر هذه القضية بصورة كبيرة على الوضع الراهن في فلسطين؛ حيث تشوب المشاكل القواعد السارية
في هذه الحالة .فليس هناك من أدوات دولية تتناول قضية المصادر المائية بشكل صريح .ولكن هذا األمر
ال يمنعنا من استخالص بعض المبادئ القانونية المهمة التي تنظم إدارة المصادر المائية من األنظمة
الملحقة لالتفاقية الرابعة لسنة 1970والصادرة عن مؤتمر الهاي ،باإلضافة إلى وثيقة جنيف الرابعة
الموقعة في سنة ،1949كما سنرى أدناه.
-2الحق في المياه باعتباره حقًا طبيعيًا ،وحقًا اجتماعيًا وحقًا جماعيًا
إذا كانت الكثير من المشاكل تعتري النظام القانون الدولي ،فهناك -كما شاهدنا أعاله -عدد من المنظمات
والحركات الدولية التي حولت على مدى سنوات من عملها الحق في المياه إلى قضية قابلة للنقاش
والمطالبة على المستوى العالمي ،حتى إن تلك المنظمات والحركات حاولت طرح صيغة قانونية لهذه
القضية.
-2-1الحق في المياه باعتباره حقًا طبيعيًا :يمثل البيان بشأن المياه الوثيقة التي مهدت السبيل لهذا النوع
من النشاط .وقد أصدرت إحدى اللجان الدولية برئاسة ماريو سواريس ،الرئيس السابق لجمهورية
البرتغال ،مسودة هذا البيان في شهر أيلول/سبتمبر .1998ويشتمل هذا البيان على أربع أفكار رئيسية:
يمثل الماء مصدرًا من مصادر الحياة والذي ال يمكن استبداله ،وهو كذلك سلعة ضرورية يشترك فيها
كافة سكان األرض؛
يمثل الماء إرثًا من إرث اإلنسانية ،ولذلك فهو ال يماثل أي مصدر آخر؛ وهو ال يعتبر سلعة قابلة للتداول
أو التسويق؛
يعود األمر للمجتمع بكافة شرائحه وعلى مختلف مستويات التنظيم االجتماعي فيه لضمان الحق في
الحصول على الماء لجميع أفراده دون تمييز؛
وتتطلب إدارة المياه قيام مؤسسات ديموقراطية ،تحتكم إلى المبادئ الديموقراطية التشاركية والتمثيلية.
ولذلك ،فمن الضروري إنشاء "شبكة من البرلمانات تختص في قضايا المياه" على المستوى الدولي،
وذلك إلطالق حمالت لرفع مستوى الوعي العالمي ،إلى جانب إنشاء "هيئة دولية لمراقبة الحقوق في
المياه".
وعقب إصدار هذه الوثيقة ،تم وضع الكثير من المقترحات األخرى -خصوصًا من قبل الحركات المتعددة
القومية التي تنشط في المجاالت االجتماعية والبيئية ،كالمنتديات االجتماعية ،ورابطة الضرائب
والمعامالت المالية لمصلحة المواطن ( ،)Attacوالمدافعون عن "عقد المياه الدولي" وغيرها -والتي لم
تفتأ تصّر على تعزيز الفكرة القائلة بأن المياه تمثل "سلعة عالمية عامة"؛ حيث ال يمكن بموجب هذه
الصفة أن يتمّلكها أفراد أو يتعاملون بها على أنها بضاعة تباع وتشترى .كما تشير هذه الحركات إلى أنه
ال يمكن التعامل مع المياه إال باعتبارها "حقًا اجتماعيًا" ،وذلك ألن الماء "هبة من هبات الطبيعة" وال
دخل لإلنسان فيه .وبذلك ،يشكل هذا التوجه نوعًا ما من "القانون الطبيعي للماء" ،والذي يرتقي في
20
21
بعض األحيان إلى مرتبة األخالق العالمية التي تعززها سمات دينية معّبرة ،كما ترى ذلك فاندانا شيفا
( .)9ومن أجل حماية هذا "الحق الطبيعي" ،تقترح تلك الحركات إنشاء منظمات دولية ،من قبيل
"البرلمان الدولي للمياه" ،باإلضافة إلى صندوق دولي ومحاكم دولية خاصة لرعاية هذا الحق.
ومن جانب آخرُ ،بذلت محاولة لتحديد هذا 'الحق الطبيعي' من ناحية قانونية ،بمعنى النظر إلى ذلك الحق
باعتباره إحدى 'الخدمات االجتماعية' التي يمكن توفيرها في كل مجتمع من المجتمعات اإلنسانية .ولذا،
يجب أن تضمن هذ الخدمة العامة حق جميع المواطنين في استهالك كمية محددة (يمكن تحديدها مثًال بـ
40لترًا في اليوم الواحد لكل شخص باعتبار أن هذه الكمية تمثل "الحد األدنى الضروري") مجانًا .كما
يمكن مثًال تحديد سعر الستهالك كمية أكبر من المياه تصل إلى مستوًى معين أو حصة معينة (وذلك من
قبيل 130لترًا في اليوم لكل شخص باعتبار أن هذه الكمية تمثل "الحد األقصى من االستهالك") .ويجب
كذلك فرض عقوبات مالية على االستخدامات التي تزيد في حّد ها عن هذه الحصة ،وذلك بهدف الحيلولة
دون هدر المياه .ويستحق مثل هذا الموقف ،الذي يقوم على أساس أيديولوجية عالمية وبيئية واضحة ،كل
االحترام بسبب الرؤية األخالقية والعامل اإلنساني اللذين يتحلى بهما.
-2-2الحق باعتباره حقًا اجتماعيًا جديدًا :من الناحية الواقعية ،علينا أن نأخذ بعين االعتبار أن الماء
النقي الصالح للشرب -بخالف ماء البحر وضوء الشمس والفضاء الخارجي -ال يمثل "سلعة طبيعية"،
ناهيك عن كونه يمثل سلعة عالمية يمكن اعتبارها "حقًا طبيعيًا" ،وذلك بغض النظر عن المعنى القانوني
الذي يحمله هذا التعبير األخير .ففي الواقع ،ما يعتبر اليوم حاجة أساسية لإلنسان -وهو الماء الضروري
للغذاء والصحة والزراعة ،والذي ال يتجاوز %1من إجمالي كمية الماء "المتوفرة في الطبيعة" -هو
بعينه ما يشكل مصدرًا نادرًا وحيويًا يثير الكثير من النزاعات بسبب تدخل اإلنسان .ومن المشاكل
الرئيسية التي نشهدها في هذا اإلطار ضمان حصول ماليين األشخاص على المياه التي ُحرموا منها
ألسباب سياسية واقتصادية وبيئية ،مما حرمهم بالتالي من توفر احتياجاتهم من الغذاء والدواء .ومن
المشاكل األخرى القائمة في هذا الشأن كيفية حماية حق المجتمعات الضعيفة أو الفقيرة أو المضطهدة في
استخدام مصادرها المائية التي تصادرها منها الدول الغنية والقوية والشركات الدولية ،مثل شركة أونديو
( )Ondeoالفرنسية (وهي شركة ليونيز ديزوكس السويسرية في السابق) وشركة فيوليا ()Veolia
(والمعروفة بشركة فيفندي في السابق) ،وشركة روي ( )Rweاأللمانية ،وشركة أعمال المياه األمريكية
( )American Water Worksفي الواليات المتحدة األمريكية .وعالوًة على ذلك ،تعمل عدة مؤسسات
دولية ،من قبيل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ،على دعم هذه الشركات في
توجهها لتحويل الماء إلى سلعة تجارية ،باإلضافة إلى توفير الدعم لها في مجاالت أخرى (.)1022
ولهذه األسباب ،أعتقد أنه ال يجوز فهم الحق في المياه والمطالبة به باعتباره شكًال من أشكال الحرية
السلبية -بمعنى االستخدام غير المقيد لسلعة وفرتها الطبيعة لجميع الناس ،وإنما يجب النظر إلى هذا الحق
باعتباره "حقًا اجتماعيًا" .)11( 23وبحسب تعليق ليجي فيراجولي ،فقد خضع تصور الحق في الحياة
وفق النظريات التي حددته في مستهل الحضارة القانونية الحديثة -باعتباره "الحق في عدم القتل" ،والذي
يمثل حصانة بسيطة أو "حرية سلبية" -لتغييرات جذرية ،كما أصبح اليوم يتضمن "الحق في البقاء"
بصورة مالئمة ومناسبة .وعلى نقيض األيديولوجية الليبرالية الكالسيكية ،والتي كان البقاء بالنسبة إليها
يمثل ظاهرة طبيعية تعتمد على عالقة اإلنسان بالطبيعة وعلى عمله ومشاريعه الحرة الخاصة ،لم يُع ْد
ُينظر إلى هذا البقاء في هذه األيام باعتباره حقيقة طبيعية ،بل باعتباره حقيقة اجتماعية تعتمد على فرص
العمل المتاحة واالستهالك والبقاء التي يوفرها االندماج االجتماعي .ولذلك ،يعتبر الحق في المياه بصفته
21
22
23
يمثل الحق في البقاء حقًا في التضامن االجتماعي -وذلك كما هو الحال بالنسبة للحق في الصحة والتعليم
والسكن -مما يفرض على المجتمع السياسي بذل جهود كبيرة في هذا السياق .وعلى الرغم من أن الحق
في المياه يشكل حقًا اجتماعيًا "جديدًا" ،فإن أيًا من قوانين الحقوق الليبرالية الحالية ال تقّر به .وهذا الحق
"جديد" ألن الحاجة التي تدعو له هي حاجة متجددة وتنبع من الشّح المتزايد لهذه السلعة المطلوبة،
وتوزيعها أو الوصول إليها بصورة غير متساوية ،والنزاعات الناجمة عن التنافس على الحصص فيها.
وكما هو الحال على مدى التاريخ ،يبرز الحق الفردي في هذا السياق كذلك ويأخذ مكانه من خالل
الصراع االجتماعي .وعند يصل الحرمان أو القمع أو االستغالل إلى مستويات ال ُتطاق ،توفر لغة
الحقوق ونظرياتها أنسب األشكال التي تعّبر عن المطالب االجتماعية .)1224
ولذلك ،تتمثل المسألة التي يتعين العمل عليها في إعادة تشكيل األنظمة القانونية المحلية التي تنص على
الوصول إلى المياه واستهالكها باعتبارها حقًا من الحقوق الدستورية االجتماعية المكفولة ،كما يجب
التعامل مع المشكلة المرتبطة بكيفية ضمان هذا الحق لجميع أعضاء الجماعات االجتماعية ،بدءًا
بالجماعات التي تعاني من التهميش والحرمان أكثر من غيرها .وإلى هذه اللحظة ،لم تقم سوى
األوروغواي بإدراج الحق في المياه في قانون الحقوق واألفراد الذي ُسّن بموجب دستور هذه الدولة،
وذلك بفضل الضغط السياسي الذي مارسته حركة 'الماء والحياة' ( )Agua y Vidaفي شهر تشرين
األول/أكتوبر .2004وفي نفس الوقت ،يجب على الحكومات أن تخصص الموارد المالية العامة إلعداد
الهيكليات الخاصة بتوزيع المياه ،وضمان جودتها ونقاوتها ،وتنفيذ السياسات الكفيلة بتخفيض سعرها،
باإلضافة إلى القضاء على جميع أشكال تحويل الماء ،الذي يستخدم لألغراض الغذائية وأغراض النظافة،
إلى سلعة بهدف اإلتجار بها .وفضًال عما تقدم ،يتعين على جميع الحكومات أن تواجه هدر المياه بكل
حزم ،وأن تفرض العقوبات على األشخاص الذين ُيلِحقون الضرر بالمنشآت المائية ،كما يجب عليها أن
تحول دون تلويث ينابيع المياه.
-2-3الحق في المياه باعتباره حقًا جماعيًا :من وجهة نظري ،يجب النظر إلى الحق في المياه باعتباره
"حقًا جماعيًا" .وفي هذا السياق ،فأنا أستخدم عبارة "الحق الجماعي" -وهو مفهوم غريب في جانب كبير
منه عن النظرية الغربية حول حقوق اإلنسان -بحسب المعنى الذي اكتسبه منذ انعقاد مؤتمر األمم المتحدة
في فيينا عام ،1993وعلى نحو ما تحديده منذ بروز نظرية كيمليكا .)13( 25وقد ثار جدل مرير في
فيينا بين المدافعين الغربيين عن حقوق اإلنسان باعتبارها تشكل حقوقًا عالمية وغير قابلة للتجزئة لألفراد
والمؤيدين غير الغربيين لفكرة "الحقوق الجماعية" ،كالحق في التنمية االقتصادية وحماية لغات األقليات
العرقية وهوياتها الثقافية والقضاء على الفقر .وفي ضوء النظرية التي خرج بها كيمليكا ،ال يجوز فهم
الحقوق الجماعية على أنها مجرد حقوق فردية تتعلق بأعضاء جماعة ما؛ بل تعّبر هذه الحقوق عن
حقوق الجماعة بالتصرف ،بهذه الصفة ومن خالل مؤسساتها أو ممثليها بالنيابة عن جميع أفرادها ،أمام
النظام القانوني الوطني أو الدولي القائم.
ومن هذه الوجهة ،فمن غير المستساغ إعداد الكثير من المعايير التي تنظم االستهالك المجاني أو
المشروع للمياه ،والتي تعتبر من حق جميع الدول والمجتمعات .وفيما عدا الحد األدنى المطلوب
للمحافظة على البقاء ،فلكل مجتمع مطالب تختلف عن اآلخر ،بحيث يمكنه االدعاء بها أو النضال من
أجلها .ووفقًا لرأي شيفا ،يشبه الحق في المياه في عدد من المجتمعات لغة المرء وعاداته .وهو حق يمثل
هوية المجتمع كذلك ،وال يشكل مجرد شرط من شروط بقائه .ومن شأن تجريد المجتمع من حقه في
موارده الطبيعية ومنعه من تولي إدارة هذه الموارد ووسائل اإلنتاج فيه تقويض الهوية الثقافية التي تميز
ذلك المجتمع .وإذا لم يُع ْد باإلمكان التعبير عن هذه الهوية الجمعية من خالل الخبرات االجتماعية
24
25
المتحصلة في فالحة الحقول واألراضي والحدائق ،وبالمهن وانتقال العادات والتقاليد ،فسوف ينحدر
مستوى ثقافة ذلك المجتمع إلى "قوقعة سلبية" ،بحيث ال يعدو أفراده يطلبون تأمين احتياجاتهم
االقتصادية ،مما يسبغ عليهم سمة المجتمع االستهالكي .أما إذا تم احترام العالقة االجتماعية التي تربط
المجتمع بالمياه -والغذاء -وحماية هذه العالقة وفق األشكال التي اكتسبتها على مدى تاريخها ،فإن الحقوق
في المياه ستكتسب معنًى مهمًا بالنسبة للجماعة نفسها ،وليس ألفرادها فقط .وهنا يمكن التفكير في العالقة
القائمة بين المجاري المائية وجودة البيئة ،والعالقة بين رطوبة األرض وأنواع الزراعة ،والعالقة بين
عادات الملبس والمأكل ،ناهيك عن خرافة الهوية المرتبطة باألنهار الكبرى الممتدة من النيل إلى
جانجيز ،إلى ريو ديال بالتا ،والمسيسبي ،ودجلة والفرات ونهر األردن .)14( 26ومما يجدر التذكير به
أن الفيلسوف والعالم الجيولوجي األلماني ،إرنست كاب ،في كتابه الذي ُنشر عام 1845بعنوان
الجغرافيا العامة الفلسفية أو المقارنة ،اقترح تصنيف الحضارات الرئيسية على أساس المياه؛ حيث مّيز
بين ثالثة أنواع من الثقافات ،هي :الثقافة النهرية ،والثقافة البحرية ،والثقافة المحيطية .ومن المعروف أن
كارل شميت اشتق من هذه الفكرة المقارنة البارعة بين الحضارات التي قامت على اليابسة والحضارات
التي قامت في المحيطات.)15 27
ثبت المراجع
المراجع
أالن ،ج .أ ،.وماالت ،ك( .محررون) ،المياه في الشرق األوسط :الدالالت القانونية والسياسية
والتجارية ،لندن :مطبعة األكاديمية البريطانية (.1995 ،)British Academy Press
أالن ،ت" ،.الحلول االقتصادية والسياسية لشح المياه في الشرق األوسط" ،في كتاب ج .إسحاق وهـ.
شوفال (محررون) ،المياه والسالم في الشرق األوسط ،أمستردام.Elsevier، 1994 :
أالن ،ت" ،.لماذا نقدر الماء؟ بعض وجهات النظر حول االقتصاد السياسي للمياه والبيئة في منطقة
حوض المتوسط" ،في كتاب ي .فيراجينا (محرر) ،المياه في الدول الواقعة في حوض البحر األبيض
المتوسط ،بولونيا.il Mulino، 1997 :
القريوتي ،ب ،المصارد المائية في القانون الدولي ،مع اإلشارة إلى فلسطين على نحو خاص ،فيرينز:
.Edizioni Cultura della Pace، 1999
أندرسون ،ت .وسنايدر ،ب ،.أسواق المياه :تحويل المياه إلى المضخة غير المرئية ،واشنطن :معهد كاتو
(.1997 ،)Cato Institute
أنتيبوليس ،س ،.المياه في منطقة المتوسط ،الخطة الزرقاء الخاصة بالبحر األبيض المتوسط.1997 ،
رابطة التضامن بين فرنسا وفلسطين ،قضية المياه في فلسطين وإسرائيل.2003 ،
بدور ،ن .د ،.خطر االحتالل الذي يزداد حدة عند تنفيذ سياساته.
26
27
بارلو ،م ،.الذهب األزرق :أزمة المياه العالمية وتحول تزويد المياه في العالم إلى سلعة تجارية ،سان
فرانسيسكو :المنتدى الدولي حول العولمة.2000 ،
بيلياساري ،أ ،.الصحة العامة وأزمة المياه في األراضي الفلسطينية المحتلة ،مجلة الدراسات الفلسطينية،
.2 ،)1994( ،23
بورنس ،ك .ب ،.القانون الدولي للمياه ،تحرير ب .ووترز ،لندن وبوسطن ،مجلة كلوير للقانون الدولي (
.1997 ،)Kluwer Law International
المركز اإلسرائيلي لحقوق اإلنسان في األراضي المحتلة (بيتسيلم) ،المياه المتنازع عليها :مسؤولية
إسرائيل عن شح المياه في األراضي الفلسطينية المحتلة ،تحرير ي .لين ،ن .أبو رقيه وم .جعاره -
الطيبي القدس ،أيلول/سبتمبر .1998
المركز اإلسرائيلي لحقوق اإلنسان في األراضي المحتلة (بيتسيلم) ،التعطش للحل :أزمة المياه في
األراضي الفلسطينية المحتلة وحلها في اتفاقية الوضع الدائم ،القدس ،تموز/يوليو .2005
المركز اإلسرائيلي لحقوق اإلنسان في األراضي المحتلة (بيتسيلم) ،وال حتى قطرة واحدة :أزمة المياه
في القرى الفلسطينية التي ال تحتوي على شبكات توزيع المياه ،القدس ،تموز/يوليو .2001
المركز اإلسرائيلي لحقوق اإلنسان في األراضي المحتلة (بيتسيلم) ،أزمة المياه في األراضي الفلسطينية
المحتلة ،القدس ،كانون الثاني/يناير .2005
بولوك ،ج .ودرويش أ ،.حروب المياه :النزاعات المستقبلية في الشرق األوسط ،لندنVictor :
.Gollancz، 1993
كانيبا ،م ،.كل شيء يبدأ من الماء ،مجلة "اليمز" (".1، (2001) ،)"Limes
كاسيسي ،أ ،.الصالحيات وااللتزامات الواقعة على القوة القائمة باالحتالل فيما يتعلق باألرض والموارد
الطبيعية ،ورقة مقدمة أمام المؤتمر حول إدارة األراضي المحتلة ،والذي نظمته مؤسسة الحق ،القدس،
25 - 22كانون الثاني/يناير.1988 ،
كالرك ،ر ،.المياه :األزمة الدولية ،كامبردج (ماساتشوستس) ،معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.1993 ،
دي فيلييرز ،م ،.المياه :قدر موردنا الثمين ،نيويورك.Houghton Mifflin، 2000 :
ديختر ،هـ ،الوضع القانوني للسياسات المائية التي تفرضها إسرائيل على األراضي المحتلة" ،مجلة
هارورد للقانون الدولي" (.35 (1994)، 2 ،)Harvard International Law Journal
دوالتيار ،م ،.وغراي ت .س ،.السياسات المائية في الشرق األوسط :سياق النزاع والتعاون ،لندن،
.Macmillan، 2000
إلموسا ،س ،.النزاع على المياه ،واشنطن ،معهد الدراسات الفلسطينية.1997 ،
فيراجولي ل ،.المياه باعتبارها سلعة عامة والحق في المياه باعتباره حقًا أساسيًا ،ورقة مقدمة أمام
المؤتمر الدولي حول الحق في المياه ،غوريزيا 8 ،شباط/فبراير .2003
فيشلسون ،ج ،.النظر إلى النزاع في الشرق األوسط من خالل المياه :نظرة تاريخية ،تل أبيب :جامعة تل
أبيب.1989 ،
محكمة العدل الدولية ،التبعات القانونية لبناء جدار في األراضي الفلسطينية المحتلة (طلب الرأي
االستشاري) .البيان الخطي الذي قدمته فلسطين 30 ،كانون الثاني/يناير .2004
إسحاق ج ،.وصباح و ،.المصادر المائية والزراعة المروية في الضفة الغربية ،القدس ،معهد الدراسات
التطبيقية.1998 ،
كالي ،ي ،.المياه والسالم :وجهة نظر إسرائيلية ،بيروت :معهد الدراسات الفلسطينية.1991 ،
خضر ،ب ،.الوضع الجيو-سياسي للمياه في حوض المتوسط" ،مذكرات العالم العربي" ("Le cahiers
.117 - 118 (1994) ،)"du Monde Arabe
كيلوت ،ن ،.المصادر المائية والصراع في الشرق األوسط ،لندن.Routledge، 1994 ،
ليندهولم ،هـ" ،.المياه والصراع العربي اإلسرائيلي" ،في كتاب ل .أولسون (محرر) ،سياسة المياه:
الصراعات على المياه باعتبارها تشكل عائقًا أمام التنمية ،لندن.Zed Books، 1995 ،
لووي ،م .ر ،.المياه والسلطة :السياسة المتعلقة بالمورد الشحيح في حوض نهر األردن ،كامبردج:
مطبعة جامعة كامبردج (.1993 ،)Cambridge University Press
التحريات بشأن البحر األبيض المتوسط ،الماء في فلسطين ،تحرير ج .م .ستابلر ،كانون األول/ديسمبر
.2000
باتريال ،ر ،.البيان بشأن المياه ،تورينو.Gruppo Abele، 2001 :
باولدج ،ف ،.المياه :طبيعة واستخدامات ومستقل موردنا الثمين الذي يتعرض لسوء االستخدام،
نيويورك.Farrar, Straus and Giroux، 1982 :
تاميني ،أ .ر ،.جدار المياه ،آب/أغسطس .2004
شيفا ف ،.حروب المياه :الخصخصة والتلوث والربح ،كامبردج( ،ماساتشوستس)South End ،
.Press، 2002
سيمونسيلي ،م ،.وروسكا ،م ،.حرب المياه :الوضع الجيو-سياسي للمياه والتعاون والحرب ،روما:
.Edizioni Ediesse، 2005
سيرونو ،ج ،.المياه :قضية استراتيجية عالمية جديدة ،باريس.Economica، 1996 :
سبوسيتو ،ي ،.المياه والصراع اإلسرائيلي الفلسطيني :الخطط اإلسرائيلية حول توفر المياه وشحها،
نابولي :جامعة نابولي.2002 ،
ستار ،ج .ر ،.وستول ،د .ك ،.السياسة الخارجية للواليات المتحدة األمريكية بشأن مصادر المياه في
الشرق األوسط ،واشنطن ،مركز الدراسات االستراتيجية والدولية.1987 ،
تريكاريكو ،أ ،.االستراتيجية المالية التي ينفذها بنك االستثمار األوروبي بشأن المياه في فلسطين ،روما:
.Edizioni Ediesse، 2002
زيغلر ،ج ،.التقرير حول الحق في الغذاء في األراضي الفلسطينية المحتلة ،لجنة حقوق اإلنسان التابعة
لألمم المتحدة.2003 ،
الهوامش
* .رام هللا 4- 2 ،أيار/مايو .2005
.1وعلى وجه الخصوص ،يشير الفصل الثامن عشر من "األجندة "21إلى اإلجراءات المتكاملة بشأن
تنمية المصادر المائية وإدارتها واستخدامها .كما وضع هذا الفصل برنامجًا شامًال يتعلق باستخدام المياه
في المدن ،باإلضافة إلى حماية األنظمة البيئية والمصادر المائية وضمان جودتها .وتهدف هذه
اإلجراءات بمجموعها إلى توفير الماء باعتباره عنصرًا ضروريًا للمحافظة على الصحة والتخفيف من
حدة الفقر والري ،وبالتالي ضمان إنتاج الغذاء.
.2نظم المجلس العالمي للمياه هذا المنتدى .وقد أسس البنك الدولي هذا المجلس عام ،1994بمساعدة
بعض الحكومات والشركات الكبرى .وخالل هذه الفترة نفسها ،تم إنشاء برنامج "الشراكة العالمية في
المياه" ،والذي ُيعنى بتنظيم االجتماعات بين السلطات العامة والمستثمرين من القطاع الخاص وتشجيعها.
.3أنظر فاندانا شيفا ،حروب المياه :الخصخصة والتلوث والربح ،كامبردج( ،ماساتشوستس)South ،
( ،End Press، 2002ويرد هذا المرجع ويستشهد به في مواطن كثيرة من هذه الورقة).
.4أنظر ليجي فيراجولي ،المياه باعتبارها سلعة عامة والحق في المياه باعتباره حقًا أساسيًا ،المؤتمر
الدولي حول الحق في المياه ،غوريزيا 8 ،شباط/فبراير .2003
.5أنظر "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" 16 ،كانون األول/ديسمبر .1966
.6أنظر "العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية" 16 ،كانون األول/ديسمبر
.1966
.7أنظر القريوتي ،ب ،المصارد المائية في القانون الدولي ،مع اإلشارة إلى فلسطين على نحو خاص،
(ويرد هذا المرجع ويستشهد به في مواطن كثيرة من هذه الورقة).
.8أنظر فاندانا شيفا ،حروب المياه ،ميالنو :فلترينلي ،2003 ،ص.50 - 33 .
.11وأنا استخدم هذه العبارة وفقًا للتصنيف الذي جاء به توماس مارشال ،والذي ميز بين الحقوق
المدنية والحقوق السياسية والحقوق االجتماعية؛ أنظر توماس هـ .مارشال ،الطبقة والمواطنة والتطور
االجتماعي ،شيكاغو ،مطبعة جامعة شيكاغو ،1964 ،ص.79 - 78 .
.12ليجي فيراجولي ،الحاشية رقم 4أعاله( ،ويرد هذا المرجع ويستشهد به في مواطن كثيرة من هذه
الورقة).
.13أنظر و .كيمليكا ،الليبرالية ،والمجتمع والثقافة ،أكسفورد ،مطبعة جامعة أكسفورد .1989 ،وانظر
كذلك أ .فاتشي ،الحقوق في قارة أوروبا التي تتعدد فيها الثقافات ،روما-باري :التيرزا ،2001 ،ص.
.36 - 21ولإلطالع على وجهة نظر مخالفة لكيمليكا ،أنظر ج .هابيرماس ،النضال في سبيل الحصول
على االعتراف في ظل سيادة القانون ،فرانكفورت ،مطبعة .Suhrkamp، 1996
.15أنظر كارل شميت ،األرض والبحر :أثرهما على تاريخ العالم ,شتتغارت.Klett-Cotta، 1954 :
وبالنسبة لكاب ،يبدأ تاريخ العالم من الحضارة النهرية ،كحضارة اآلشوريين والبابليين التي ازدهرت في
بالد الرافدين بين نهري دجلة والفرات والمصريين الذين ازدهرت حضارتهم على ضفاف النيل .وتلت
هذه الحضارات الحضارة البحرية ،وهي تمثل الحضارات التي قامت على شواطئ البحار الداخلية
والبحر األبيض المتوسط .وتنتمي إلى هذه الحضارات الحضارة اإلغريقية-الرومانية والعصر الوسيط
على ضفاف البحر األبيض المتوسط .وأخيرًا ،أدى اكتشاف األمريكيتين والدوران حول األرض إلى ما
يعرف بالحضارة 'المحيطية' .ومع اكتشافهما من قبل الشعوب األيبيرية ،ال تزال األنجلو-سكسونية تهيمن
على القارتين األمريكيتين.
.16أنظر المركز اإلسرائيلي لحقوق اإلنسان في األراضي المحتلة (بيتسيلم) ،المياه المتنازع عليها:
مسؤولية إسرائيل عن شح المياه في األراضي المحتلة ،تحرير ي .لين ،ن .أبو رقيه و م .جعاره-الطيبي،
أيلول/سبتمبر 1998؛ والمركز اإلسرائيلي لحقوق اإلنسان في األراضي المحتلة (بيتسيلم) ،أزمة المياه
في األراضي المحتلة ،كانون الثاني/يناير ،2005المصدر السابق .أنظر أيضًا ن .د .بدور ،خطر
االحتالل الذي يزداد حدة عند تنفيذ سياساته.
.17أنظر فاندانا شيفا ،حروب المياه ،ص.86 - 85 .
.18أنظر م .كانيبا ،كل شيء يبدأ من الماء ،Limes"، 1، (2001)" ،ص.192 - 191 .
.19أنظر ج .إسحاق و و .صباح ،المصادر المائية والزراعة المروية في الضفة الغربية ،القدس ،معهد
الدراسات التطبيقية ،1998 ،ص4 - 3 .؛ أنظر أيضًا فاندانا شيفا ،حروب المياه ،ص.86 - 84 .
.20بخصوص هذه القواعد العرفية الدولية ،أنظر "إعادة البناء من الناحية التاريخية" ،في كتاب فاندانا
شيفا ،حروب المياه ،ص.94 - 88 .
.21أنظر ج .إسحاق و و .صباح ،المصادر المائية والزراعة المروية في الضفة الغربية ،ص.3 .
.22وهذه "األنظمة" ملحقة باتقافية الهاي الرابعة :قوانين وأعراف الحرب على األرض ،الصادرة عن
مؤتمر السالم الثاني في الهاي ،تشرين األول/أكتوبر ،1907والتي دخلت حيز النفاذ في شهر كانون
الثاني/يناير .1910
.23يتضمن الموضوع حول الحرب ،والقانون والنظام العالمي نص اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية
األشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12آب/أغسطس .1949
.24تنص المادة 55من "أنظمة الهاي" الملحقة التفاقية الهاي الرابعة لسنة 1907على أن "الدولة
القائمة باالحتالل تدير أو تنتفع بالمباني العامة والعقارات والغابات والممتلكات الزراعية التي تعود
ملكيتها للدولة المعتدية والتي تقع في البلد الواقع تحت االحتالل .ويجب عليها أن تحمي أصول هذه
الممتلكات ،وأن تديرها بما يتفق مع قواعد االنتفاع"؛ أنظر أيضًا التقرير الصادر عن التحريات بشأن
البحر األبيض المتوسط ،المياه في فلسطين ،تحرير ج .م .ستابلر ،كانون األول/ديسمبر 2000؛ و
بلوج ،المياه ،تحرير س .منصور.
.25في عام ،1979أنشأ مجلس األمن الدولي بموجب القرار 446لجنة تعنى بـ"دراسة وتفحص
تناقص الموارد الطبيعية ،وال سيما المصادر المائية في األراضي الفلسطينية المحتلة ،من أجل ضمان
حماية األراضي الواقعة تحت االحتالل" .وقد صادق مجلس األمن على التوصيات التي خرجت بها هذه
اللجنة بقراره رقم 465عام .1980وتشير الدراسات التي أعدتها اللجنة المذكورة إلى أن "دولة
إسرائيل أحدثت تغييرات في األراضي المحتلة ،بما فيها القدس ،مما يشكل خرقًا التفاقية جنيف الرابعة
الرابعة والقرارات ذات العالقة التي اتخذها مجلس األمن حول هذه المسألة" .ومن القرارات الرئيسية
األخرى التي اتخذها مجلس األمن الدولي بشأن فلسطين واألراضي المحتلة القرارات التالية :القرارين
رقم 237و 242عام 1967؛ والقرار 252عام 1968؛ والقرارين 267و 271عام 1969؛
والقرارات 339 ،338و 349عام 1970؛ والقرار 298عام .1976
.26أنظر محكمة العدل الدولية ،التبعات القانونية لبناء جدار في األراضي الفلسطينية المحتلة (طلب
الرأي االستشاري) .البيان الخطي الذي قدمته فلسطين 30 ،كانون األول/يناير ،2004الفقرات - 293
.297ولإلطالع على المزيد من المعلومات حول هذا الموضوع ،أنظر ن .د .بدور ،خطر االحتالل
الذي يزداد حدة عند تنفيذ سياساته؛ و أ .ر .تميني ،جدار المياه ،آب/أغسطس .2004
.27أنظر إدوارد سعيد ،القضية الفلسطينية ،نيويورك ،طبعة كتب فينتج (Vintage Books
.1992 ،)Edition
.30أنظر ر .ريبسيلي ،هل المطلوب بحر أبيض متوسط جديد؟ كاتانيا.Mesogea، 2004 :
https://www.juragentium.org/topics/palestin/ar/water.htm
المياه كسلعة استراتيجية:
ُيعد الماء مورًد ا طبيعًّي ا ثميًن ا ،حيث إنه يمثل شرًط ا الزًما للحياة والعمران البشري .يقول القرآن الكريم:
"َو َج َع ْلَن ا ِمَن اْلَم اِء ُك َّل َش ْي ٍء َح ٍّي " ،وهو األمر الذي يجعل الماء سلعة استراتيجية تحدد مصائر األمم
والشعوب .لقد تميزت السنوات األخيرة بزيادة الوعي العام بأن إمدادات المياه العذبة في العالم تمثل
مورًد ا نادًر ا ومهًّم ا للغاية الستمرار جهود التنمية المستدامة .ونظًر ا إلى أنه ال يمكن استبدال المياه ،فال
يمكن الحفاظ على التنوع البيولوجي وال التنمية االجتماعية واالقتصادية في ظل غيابها أو ندرتها .ثمة
تحديات كبرى تواجه الدول المختلفة تتمثل في صعوبة توفير إمدادات كافية من المياه ذات النوعية الجيدة
لتلبية االحتياجات المتزايدة للسكان .وقد يدفع ذلك إلى تزايد التوترات داخل وبين الدول مع انخفاض
إمدادات المياه العذبة بسبب استنفاد الموارد والتلوث ،إلى جانب التوسع الحضري والتصنيع السريع.
وتتسم هذه الحالة بأهمية خاصة في المناطق األكثر جفاًف ا في العالم مثل إفريقيا ،حيث تعوق ندرة المياه
جهود التنمية االجتماعية واالقتصادية ،وتدفع باتجاه التنافس على المياه بين مختلف قطاعات المجتمع،
كما ترتبط بانتشار الفقر والجوع والمرض.
هناك جانب آخر مهم ينبثق عن الوعي العام المتزايد بأهمية المياه ،وهو إدراك أن المياه تعد مسألة حياة
أو موت ،فقد تكون في حالة الوفرة عامل نماء وإنتاج ،وفي حالة الندرة سبًبا للتدمير والشقاء .في هذه
العملية قد تمارس المياه دوًر ا مهًّم ا لتوطيد ُعرى التعاون وتقاسم المنافع بين المجتمعات والبلدان .على
العكس من ذلك ،تؤدي ندرة المياه أو عدم كفاية الموارد والبنية التحتية لضمان توفير إمدادات المياه
الكافية إلى نزاعات بل وحتى صراعات من أجل الحصول على المياه .أضف إلى ذلك ،يمكن أن يكون
للماء جانب آخر إضافي ومدّمر للغاية ،حيث ُت لحق المياه "الزائدة" في شكل فيضانات الخراب بالبنية
التحتية االجتماعية واالقتصادية داخل الدولة.
صراعات المياه في إفريقيا:
على المستوى االستراتيجي ،تؤثر خمس خصائص جيوسياسية رئيسية على الدفع ألن تصبح المياه
مصدًر ا للتنافس أو المواجهة االستراتيجية بين الدول المتجاورة • :درجة ندرة المياه في المنطقة • .مدى
مشاركة إمدادات المياه بين أكثر من دولة أو منطقة • .عالقات القوة النسبية الموجودة بين الدول التي
تتقاسم المياه • .مدى توافر مصادر مياه بديلة وإمكانية الوصول إليها • .الدرجة أو المدى الذي تتماشى
فيه الحدود الدولية لبلد معين مع أنظمة األنهار المشتركة أو أنها تقع على طولها.
قد تتحول النزاعات حول المياه إلى "حروب مائية" عندما تصل حدة الخالفات بين الدول حول قضايا
المياه إلى مستوى المواجهة المسلحة .فقد وقعت الخالفات حول المياه حول بحيرة فيكتوريا في شرق
إفريقيا باإلضافة إلى نهر زامبيزي في الجنوب اإلفريقي .وال شك أنه عندما يرتبط الصراع المائي
بأنهار معينة -مثل :إنكوماتي ،وليمبوبو ،والنيل ،وأورانج ،وباجاني ،والسنغال ،والزامبيزي -أو أجزاء
منها ،فإنه غالًبا ما تكون هذه األنهار عابرة للحدود في طبيعتها ،أو أنها تشكل أنظمة لألنهار المشتركة،
والتي تثير إشكالية التوزيع المنصف والعادل بين دول المنبع ودول المصب.
لدى إفريقيا تاريخ طويل من الصراعات المتعلقة بالمياه .ولعل أحد األمثلة البارزة في هذا الصدد هي سد
مانانتالي على نهر السنغال .فقد تورطت كل من موريتانيا والسنغال في الصراع الذي أدى إلى أعمال
شغب مناهضة للسنغال في موريتانيا ،وأعمال شغب معادية لموريتانيا في السنغال ،مما أجبر عشرات
اآلالف من الناس على الفرار من البلدين وقتل مئات األشخاص ،في الوقت الذي حدثت فيه مناوشات
عسكرية كادت أن تدفع كلتا الدولتين إلى حافة الحرب .وقد أدى انخفاض مستوى المياه إلى نزاع حدودي
بين كينيا وأوغندا حول جزيرة ميجينو الصغيرة التي ال تتجاوز مساحتها فداًن ا واحًد ا في بحيرة فيكتوريا.
ومما أسهم في تغذية الصراع المائي بين الدولتين تغير المناخ ،والتدهور البيئي ،وتزايد موجات الجفاف
والمجاعة.
تطرح بحيرة توركانا الكينية نموذًج ا مهًّم ا لمستقبل الصراعات المائية في إفريقيا خالل السنوات القادمة.
لقد أضحت البحيرة معرضة لخطر الجفاف بعد خطة الحكومة اإلثيوبية لبناء سد على نهر أومو .ومنذ
بدأت إثيوبيا في ملء السد في ،2015تعرضت حياة السكان المحليين للخطر ،والذين يعتمد كثير منهم
على مهنة الصيد .في إحدى مناطق البحيرة التي ُت عتبر أكبر بحيرة صحراوية دائمة في العالم ،انحسرت
المياه لمسافة تقارب نحو اثني كيلومتر.
الحالة البارزة لحوض نهر النيل ُتقدم مثااًل آخر للصراع المائي في المنطقة .يمتد نهر النيل عبر 11
دولة هي إثيوبيا والسودان وجنوب السودان ومصر وبوروندي ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية
وتنزانيا وكينيا وأوغندا وإريتريا .في الماضي ،كانت هناك خالفات خطيرة بين مصر ودول المصب وال
سيما إثيوبيا حول تقسيم مياه النيل ،والتي أدت في حاالت الجفاف الشديد إلى التهديد بالتصعيد .وتشير
أدلة جديدة اليوم إلى حقيقة أن الوضع السياسي واإليكولوجي في حوض النيل أصبح أكثر خطورة عن
ذي قبل .يبدو أن نوعية المياه تزداد سوًءا ،وهناك مشكالت في كمية المياه ،حيث تعاني بعض الدول من
الفقر المائي .وتتفاقم هذه التحديات بسبب استراتيجية بناء السدود على كل من النيل األزرق والنيل
األبيض .ولعل أكبر هذه السدود هو سد النهضة الكبير في إثيوبيا .أضف إلى ذلك أن هناك مخاوف
جديدة ومتزايدة بشأن التأثير المحتمل لتغير المناخ على حوض نهر النيل .وتتفاقم هذه الشكوك من حقيقة
أن معظم الدول التي تشترك في حوض النيل سوف تكون أكثر عرضة "لندرة المياه" بحلول عام
.2050ويرجع ذلك إلى تغير المناخ ،وزيادة الطلب على المياه بسبب النمو السكاني.
نزع "األمننة" عبر دبلوماسية المياه:
تشكل الدول التي تشترك في حوض النهر نظاًما مائًّي ا سياسًّي ا معقًد ا للغاية ومترابًط ا ،وتتداخل ديناميكياته
بشكل وثيق من حيث البيئة واالقتصاد والسياسة واألمن .لذا أصبحت السياسة المائية مجااًل هاًّم ا في
السياسة الدولية .هناك أكثر من 260نهًر ا دولًّي ا في العالم تستخدمها دولتان أو أكثر من الدول المشاطئة،
يوجد 63منها في القارة اإلفريقية .لذلك من السهل تخيل عدد الصراعات الدولية المحتملة حول المياه.
تعتمد العديد من الدول على موارد المياه التي تتدفق من خارج أراضيها .لذلك ،تصبح أي محاولة
لتطوير النهر اقتصادًّي ا واالستفادة من موارده ،مثل إنتاج الطاقة الكهرومائية ،دوًما قضية خالفية ،ومع
ذلك يمكن التخلص من مقولة حروب المياه عبر نزع الطابع األمني عن الذهب األزرق.
وتوفر اتفاقية األمم المتحدة لعام 1997الخاصة بقانون االستخدامات غير المالحية للمجاري المائية
الدولية إطاًر ا عاًّم ا الستخدام األنهار الدولية من قبل الدول النهرية .وقد تم تبني هذه االتفاقية ،حيث
صوت 103دول لصالحها ،وامتنعت 27دولة عن التصويت ،بينما عارضتها ثالث دول أخرى هي
تركيا وبوروندي وجمهورية الصين الشعبية ،وجميعها دول نهرية .وقد نّصت االتفاقية على ثالثة مبادئ
أساسية لقانون المياه الدولي :مبدأ االنتفاع المنصف والمعقول ،وااللتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم،
وواجب التعاون مع الدول المشاطئة .أضف إلى ذلك يوجد مبدآن مهّمان آخران ،هما مبدأ اإلخطار
المسبق الذي يتطلب إخطار الدول المشاطئة األخرى عند القيام بأي مشروع مخطط للمياه من قبل أي من
دول المنبع ،وقاعدة عدم االعتراض التي تقضي بإجماع الدول النهرية على تنفيذ المشروع.
في إفريقيا ،تشكل هذه المبادئ التوجيهية أساس مجموعة من االتفاقات الثنائية والمتعددة األطراف بشأن
مجاري المياه المشتركة والعديد من المنظمات الدولية واإلقليمية التي تتبنى نهج الدبلوماسية المائية في
إطار أوسع .وتساهم هذه المؤسسات بشكل كبير في منع النزاعات المتعلقة بالمياه وإدارتها وحلها .يجب
أن يكون التعاون بداًل من الصراع السمة الرئيسية للسياسة المائية الدولية في إفريقيا ،والتي ستعزز
الدبلوماسية المائية .ويمكن اإلشارة إلى نهجين من دبلوماسية المياه الماهرة ،هما:
-1دبلوماسية المياه في دول أحواض األنهار :وهي تركز على موارد المياه العذبة العابرة للحدود ،مثل
البحيرات واألنهار وأحواض المياه الجوفية .وهنا يمكن التمييز بين عدة مستويات .أولها من حيث النطاق
الجغرافي ،حيث يمكن أن يكون التفاوض ثنائًيا ،أو على مستوى دول الحوض ،مثل مبادرة حوض النيل
وبحيرة تشاد .وثانًيا على المستوى اإلقليمي مثل التوجيهات المائية للجماعة االقتصادية لدول غرب
إفريقيا .وثالًث ا على المستوى العالمي ،مثل اتفاقية األمم المتحدة لقانون المجاري المائية.
إن إحدى السمات البارزة لدبلوماسية المياه هي إشراك مختلف الفاعلين التقنيين من المهندسين وعلماء
الهيدرولوجيا واالقتصاديين في عملية التفاوض بغرض الحصول على إطار علمي لمصادر المياه
المتنازع عليها .يمكن أن يعمل هذا كنقطة بداية للتفاوض .بعد ذلك ،يأتي دور السياسيين والدبلوماسيين
وخبراء القانون للتوصل إلى توافق حول الموضوعات الجوهرية.
-2دبلوماسية المياه من منظور الطرف الثالث :حيث يتم التركيز على مساعدة أو إقناع الدول المشاطئة،
كجزء من المصلحة الوطنية للبلدان ،مثل مصر والسودان وإثيوبيا ،أو المنظمات الدولية مثل االتحاد
اإلفريقي ،أو السياسة اإلنمائية الخارجية للدول المانحة ،لحماية وإدارة الموارد المائية .وتختلف األدوار
التي تقوم بها الدول والمنظمات الدولية في الدبلوماسية باختالف النطاق الجغرافي ،وطبيعة النزاع
المائي ،ودرجة االنخراط في العملية التفاوضية.
ال يزال الحوار الدبلوماسي والمفاوضات الشاملة بين الدول المشاركة في موارد المياه هو السبيل الوحيد
للمضّي قدًما لبناء الثقة والتعاون من أجل مستقبل مستدام لمواردها الطبيعية .في نهاية المطاف تستطيع
دبلوماسية المياه الماهرة ،مع نزع الطابع األمني والتخلص من الخطاب الشعبوي ،أن تحول المياه من
28
مصدر للصراع إلى قوة دافعة للتعاون والتنمية لكل الشعوب.
28
على الموقع2020 ، مارس26 اتجاهات نزع األمننة عن قضايا المياه في إفريقيا:"مقال بعنوان دبلوماسية "الذهب األزرق
https://futureuae.com/ar/Mainpage/Item/5424/%D8%AF
%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-
%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D8%B1%D9%82-
%D8%A7%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D9%86%D8%B2%D8%B9-
%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86%D9%86%D8%A9-%D8%B9%D9%86-
%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A7%D9%87-
%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7