Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 14

‫المبحث االول‬

‫تمهيد‬
‫تكمن أهمية العالقات التركية الخليجية نظًر ا لالعتبارات الدينية والتاريخية والمصير المشترك‬
‫ويدعم ذلك قوة االقتصادية التي تعدُ ضمن مجموعة الدول ذات الدور السياسي المؤثر في إدارة‬
‫التوازنات اإلقليمية وشبكة العالقات التي يقيمونها على المستويين اإلقليمي والدولي وألن أولوية‬
‫هي الحفاظ على السالم واألمن واالستقرار وخاصة في الشرق األوسط‪.‬‬
‫وقد شهدت العالقات التركية الخليجية منذ مجىء حزب العدالة والتنمية لحكم تركيا في ‪18‬‬
‫تشرين الثاني‪ /‬نوفمبر‪2002‬م‪ ،‬تقدًم ا ملموًسا على المستوى الدبلوماسي واإلقتصادي واألمني‬
‫والعسكري‪،‬شرعت أنقرة مع بداية العقد الحالي في تطوير رؤيتها وسياستها على نحو يتواكب مع‬
‫المستجدات في القرن الحادي والعشرين حيث بذلت جهودها إلرساء رؤيتها على أرضية صلبة‬
‫يتم فيها توظيف موروثاتها التاريخية والجغرافية التوظيف األمثل‪ ،‬ومع وصول حزب “العدالة‬
‫والتنمية” ذي الجذور اإلسالمية إلى السلطة عام ‪ 2002‬سعت أنقرة إلى تبني سياسة خارجية‬
‫فعالة ترتكز على عدة مبادئ وهي‪ :‬التوازن السليم بين الحرية واألمن‪ ،‬وتصفير المشكالت مع‬
‫دول الجوار‪ ،‬واالهتمام بالتأثير في األقاليم الداخلية والخارجية لدول الجوار‪ ،‬والسياسة الخارجية‬
‫المتعددة األبعاد‪ ،‬والدبلوماسية المتناغمة‪ .‬وهكذا شهد الشرق األوسط حضورًا تركيًا متناميًا‪ ،‬حيث‬
‫سعت انقرة الى اضطالع بدور محوري فيما يتعلق بالعديد من الملفات الحيوية والمحورية في‬
‫المنطقة‪.‬‬
‫وهكذا برزت تركيا كقوة إقليمية والعب محوري فاعل في محيطها اإلقليمي حيث سعت إلى‬
‫تطوير عالقاتها الثنائية مع دول منطقة الشرق األوسط ومن بينها دول الخليج والتي أضحت تعد‬
‫إحدى دوائر الحوار المهمة في سياسة تركيا الخارجية‪.‬‬

‫عرفت تركيا خالل العقد األول من حكم العدالة والتنمية (‪ 2002‬وحتى ‪ )2011‬عالقات طيبة مع‬
‫مختلف األطراف في العالم العربي والمنطقة‪ ،‬وخصوًص ا ما سمي حينها بمحوَر ْي االعتدال‬
‫والممانعة‪ ،‬من خالل سياستها الخارجية المتحفظة واعتمادها على القوة الناعمة ونموذج التعاون‬
‫االقتصادي المبني على مبدأ الربح للجميع(‪.)1‬‬

‫بيد أن الثورات العربية وتطورات السنوات الالحقة وضعت تركيا في مواجهة عدد من القوى‬
‫الفاعلة في المنطقة‪ ،‬وفي مقدمتها مصر والسعودية واإلمارات ودولة االحتالل‪ .‬كان االنقالب في‬
‫مصر‪ ،‬في يوليو‪/‬تموز ‪ ،2013‬محطة فارقة في عالقات أنقرة مع هذه األطراف التي أيدت النظام‬
‫الجديد في مصر عكس األخيرة‪ .‬وبسبب هذا االفتراق‪ ،‬ورغم أنه لم يحصل تعارض كبير في‬

‫‪15‬‬
‫المبحث االول‬
‫المصالح الجوهرية للطرفين‪ ،‬إال أنهما بقيا على طرفي نقيض في مجمل قضايا المنطقة وفي حالة‬
‫مواجهة غير معلنة على مدى السنوات الماضية‪.‬‬

‫اتهمت تركيا اإلمارات بتمويل المحاولة االنقالبية الفاشلة صيف ‪ 2016‬وبعض المحطات‬
‫الداخلية(‪ ، )2‬واتهمها المحور المقابل لها بالتدخل في شؤون الدول العربية وتبني سياسة توسعية في‬
‫المنطقة‪ .‬لكن بدايات عام ‪ 2021‬شهدت مرحلة جديدة بين الجانبين وصلت مع نهاياته إلى مرحلة‬
‫التهدئة والحوار وتوقيع اتفاقيات التعاون التجاري واالقتصادي‪.‬‬

‫سياسة خارجية جديدة‬


‫يعُّد التقارب التركي مع دول الخليج جزًء ا من مسار أكبر يتعلق بتحول مهم في السياسة الخارجية‬
‫التركية‪ ،‬وأسبابه تتنوع بين ما هو عام متعلق بإعادة تركيا النظر في عالقاتها عموًم ا وما هو‬
‫خاص ومرتبط بدول الخليج على وجه التحديد‪.‬‬

‫كانت تركيا قد رفعت شعار "زيادة عدد األصدقاء وتقليل عدد الخصوم"‪ ،‬عام ‪ ،2016‬مع استقالة‬
‫أحمد داود أوغلو من رئاسة حزب العدالة والتنمية الحاكم والحكومة وخالفة بن علي يلدرم له في‬
‫كليهما‪ ،‬لكن تطوًرا جوهرًّيا لم يطرأ حينها على عالقات تركيا الخارجية‪ .‬في العام نفسه‪ ،‬أعادت‬
‫دولة اإلمارات العربية سفيرها ألنقرة‪ ،‬ووَّقعت األخيرة مع دولة االحتالل اتفاًقا لتطبيع العالقات‬
‫بعد حادثة سفينة "مافي مرمرة"‪ ، ،‬لكن الظروف اإلقليمية وحَّد ة االستقطاب في المنطقة لم تتيحا‬
‫ما هو أكثر‪.‬‬
‫اليوم‪ ،‬تدفع عدة عوامل داخلية وخارجية أنقرة نحو تدوير زوايا خالفها مع عدد من القوى‬
‫اإلقليمية وفتح قنوات الحوار معها‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫األول‪ :‬انخرطت تركيا في األعوام القليلة الماضية في عدة قضايا ونزاعات في المنطقة بأشكال‬
‫مباشرة وغير مباشرة‪ ،‬من سوريا للعراق ومن ليبيا لجنوب القوقاز‪ .‬عام ‪ ،2020‬حققت تركيا‬
‫بعض االختراقات لصالح حلفائها السيما في ليبيا وجنوب القوقاز‪ ،‬لكن ذلك استنزفها أيًضا وزاد‬
‫من الضغوط السياسية واالقتصادية عليها‪ ،‬ولذلك فقد سعت مع بداية العام ‪ 2021‬للتهدئة ومحاولة‬
‫استثمار تلك اإلنجازات سياسًّيا‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫المبحث االول‬
‫الثاني‪ :‬يقترب موعد االنتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا‪ ،‬المحددة في يونيو‪/‬حزيران‬
‫‪ ،2023‬في ظل استقطاب غير مسبوق وأوضاع اقتصادية ضاغطة تجعلها استحقاًقا صعًبا على‬
‫أردوغان والعدالة والتنمية‪ ،‬ولذلك يسعى األخير إلى تهدئة ملفات السياسة الخارجية وحل أزماتها‬
‫(‪)3‬‬
‫لتخفيف تلك الضغوط‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬يواجه االقتصاد التركي مؤخًر ا تحديات حقيقية ألسباب عدة داخلية وخارجية‪ ،‬زاد منها‬
‫قرار الرئيس التركي تخفيض سعر الفائدة ما أَّثر سلًبا على سعر صرف الليرة ونسبة التضخم‬
‫وبعض المؤشرات االقتصادية األخرى‪ ،‬وترك آثاًر ا مباشرة على المواطن التركي‪ .‬استغلت‬
‫المعارضة التركية هذه الظروف وتراجع شعبية العدالة والتنمية للمطالبة بانتخابات مبكرة‪ ،‬بينما‬
‫يعِّو ل الحزب الحاكم على تحسين األوضاع االقتصادية عبر رفع مستوى التعاون االقتصادي‬
‫والتجاري مع الخارج قبل موعد االنتخابات‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬يتقدم ملف شرق المتوسط أولويات السياسة الخارجية التركية مؤخًر ا؛ حيث تواجه أنقرة‬
‫محوًرا إقليمًّيا مكوًنا من اليونان‪ ،‬وقبرص اليونانية‪ ،‬ومصر‪ ،‬ودولة االحتالل‪ ،‬ومدعوًم ا من‬
‫اإلمارات وفرنسا (من خارج حوض شرق المتوسط)‪ ،‬بينما ال شركاء ألنقرة إال الحكومة الليبية‬
‫التي أبرمت معها اتفاقين لترسيم الحدود البحرية وللتعاون األمني والعسكري والتي تعاني‬
‫أوضاًعا غير مستقرة‪ .‬ولذا‪ ،‬تسعى تركيا لكسر العزلة المفروضة عليها في شرق المتوسط‬
‫وخلخلة التحالف المواجه لها والبحث عن شركاء في شرق المتوسط‪.‬‬

‫الخامس‪ :‬أتت كل هذه الظروف الداخلية والخارجية في ظل تغير اإلدارة األميركية وفوز بايدن‬
‫في االنتخابات الرئاسية األميركية‪ ،‬بما يشمل عالقات متوترة مع أنقرة وتهديدات لها وعقوبات‬
‫عليها‪ ،‬وتراجع اهتمام واشنطن بالمنطقة‪ ،‬ورغبتها بتوافق حلفائها وشركائها اإلقليميين وتعاونهم‪،‬‬
‫وتوجهها إلبرام اتفاق جديد مع إيران‪ .‬هذا العامل‪ ،‬الذي يبدو األهم وكمظلة وتتويج لباقي‬
‫العوامل‪ ،‬دفع بتركيا وغيرها من القوى اإلقليمية لمراجعة بعض السياسات واالصطفافات وإعادة‬
‫النظر في عالقاتها البينية‪.‬‬

‫بدافع من هذه األسباب وغيرها‪ ،‬بدت أنقرة مصِّم مة على تحسين عالقاتها مع عدد من األطراف‬
‫اإلقليمية‪ ،‬بما في ذلك أرمينيا التي بدأت معها حواًر ا واستأنفت الرحالت الجوية بعد انقطاع‪،‬‬
‫ومصر التي عقدت معها عدة جوالت من الحوار على مستوى وزارة الخارجية‪ ،‬ودولة االحتالل‬

‫‪15‬‬
‫المبحث االول‬
‫اإلسرائيلي التي أكد أردوغان رغبة بالده في تطوير العالقات معها وأعلن عن زيارة مرتقبة‬
‫لرئيسها إلى أنقرة في مارس‪/‬آذار القادم ‪ ،)4(2022‬إضافة لدول الخليج وتحديًدا اإلمارات‬
‫والسعودية والبحرين‪.‬‬

‫التقارب مع الخليج‬
‫إضافة لما سبق من أسباب‪ ،‬دفعت مختلف القوى اإلقليمية لمسارات التهدئة والحوار‪ ،‬ثمة دوافع‬
‫لتقارب تركيا مع دول الخليج ترتبط مباشرة بالعالقات بين الجانبين‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫أواًل ‪ :‬تراجع أسباب االستقطاب‪ :‬فقد كانت الثورات العربية وتحديًدا االنقالب في مصر‪ ،‬عام‬
‫‪ ،2013‬محطة أساسية للخالف بين الجانبين‪ ،‬ثم أتت أزمة حصار قطر التي وقفت فيها تركيا إلى‬
‫جانب األخيرة لتعمق االستقطاب أكثر‪ .‬بعد ثماني سنوات من االنقالب في مصر لم يعد النظام في‬
‫األخير يستشعر خطًرا من المعارضة وخصوًص ا اإلسالميين الذين يتهم أنقرة بدعمهم بعد أن‬
‫استتب األمر له داخلًّيا وخارجًّيا‪ ،‬كما أن األزمة الخليجية انتهت على األقل رسمًّيا في قمة العال‬
‫في ‪.2021‬‬

‫ثانًيا‪ :‬العامل اإليراني‪ :‬تشكل احتمالية توقيع الواليات المتحدة مع إيران اتفاًقا جديًدا بخصوص‬
‫برنامجها النووي‪ ،‬مع ما سيفيده ذلك لألخيرة‪ ،‬هاجًسا مشترًك ا لتركيا ودول الخليج‪ ،‬التي ينظر‬
‫بعضها إليران بعين الخصومة والخطر بينما تنظر لها تركيا بعين التنافس‪.‬‬

‫ثالًثا‪ :‬المحور المقابل‪ :‬شَّك لت كل من السعودية واإلمارات والبحرين إضافة لمصر محوًرا‬
‫مواجًها لتركيا ومناكًفا لها في عدة قضايا إقليمية من سوريا للعراق لشرق المتوسط‪ُ .‬ذ ِكَر ْت أنقرة‬
‫بشكل مباشر في قرارات الجامعة العربية التي تقف خلفها بشكل رئيسي كل من مصر‬
‫والسعودية‪ ،‬وشاركت اإلمارات في بيانات منِّددة بأعمال التنقيب التركية في شرق المتوسط رغم‬
‫أنها ليست من دول حوضه‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن تهدئة الخالفات مع هذه الدول من شأنها تخفيف الضغوط‬
‫(‪)5‬‬
‫على أنقرة‪.‬‬

‫رابًع ا‪ :‬االستثمارات الخليجية‪ :‬تراَج َع حجم التبادل التجاري بين تركيا والسعودية على وجه‬
‫التحديد بسبب األزمة الخليجية ثم قضية اإلعالمي جمال خاشقجي في ظل ظروف صعبة‬
‫لالقتصاد التركي‪ ،‬وطبقت الرياض حظًر ا غير معلن على استيراد البضائع التركية (تظهر آثاره‬

‫‪15‬‬
‫المبحث االول‬
‫بوضوح في الجدول أدناه)‪ .‬ومع تراجع احتياطي المصرف المركزي من العمالت األجنبية‬
‫وحاجة تركيا الملَّح ة لها ولالستثمارات واألموال الساخنة التي تملكها دول الخليج‪ ،‬يمكن فهم‬
‫مسارعتها للتصالح معها‪.‬جدول (‪ )1‬يظهر حجم التبادل التجاري بين تركيا والسعودية خالل‬
‫السنوات الفائتة‬
‫حجم التبادل (مليار دوالر)‬ ‫الواردات (مليار دوالر)‬ ‫الصادرات (مليار دوالر)‬ ‫السنة‬
‫‪5.24‬‬ ‫‪1.98‬‬ ‫‪3.26‬‬ ‫‪2013‬‬
‫‪5.55‬‬ ‫‪2.42‬‬ ‫‪3.13‬‬ ‫‪2014‬‬
‫‪5.72‬‬ ‫‪2.14‬‬ ‫‪3.58‬‬ ‫‪2015‬‬
‫‪5.09‬‬ ‫‪1.83‬‬ ‫‪3.26‬‬ ‫‪2016‬‬
‫‪5.04‬‬ ‫‪2.21‬‬ ‫‪2.83‬‬ ‫‪2017‬‬
‫‪5.27‬‬ ‫‪2.51‬‬ ‫‪2.76‬‬ ‫‪2018‬‬
‫‪5.29‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3.29‬‬ ‫‪2019‬‬
‫‪3.6‬‬ ‫‪1.71‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪2020‬‬
‫‪3.71‬‬ ‫‪3.45‬‬ ‫‪0.265‬‬ ‫‪2021‬‬

‫المصدر‪ :‬بيانات من هيئة اإلحصاء التركية‬

‫خامًس ا‪ :‬مشروع الممر البري‪ :‬اتفقت تركيا مع اإلمارات على ممر بري لنقل البضائع بينهما‬
‫باستخدام الموانئ اإليرانية‪ ،‬وهو ما من شأنه تقليل مدة الشحن إلى ثلث المسار البحري الحالي‬
‫وتقليل كلفة النقل وتنشيط التجارة بين البلدين‪ ،‬السيما في ظل تأثر سالسل التوريد بظروف‬
‫(‪)6‬‬
‫جائحة كورونا‪.‬‬

‫في أغسطس‪/‬آب ‪ ،2021‬زار مستشار األمن الوطني اإلماراتي‪ ،‬طحنون بن زايد‪ ،‬تركيا والتقى‬
‫الرئيس أردوغان وقالت مصادر البلدين‪ :‬إنهما ناقشا "سبل التعاون التجاري واالقتصادي‬
‫والفرص االستثمارية" بينهما‪ .‬كما جمعت عدة اتصاالت هاتفية بين الرئيس التركي وولي عهد‬
‫أبوظبي‪ ،‬محمد بن زايد‪ ،‬وكذلك بين وزيَر ْي خارجية البلدين‪ .‬وفي نوفمبر‪/‬تشرين الثاني من‬
‫العام نفسه‪ ،‬بحث وزيرا خارجية البحرين وتركيا‪ ،‬عبد اللطيف الزياني ومولود تشاوش أوغلو‪،‬‬
‫في أنقرة "سبل تعزيز التعاون بين البلدين في عدة مجاالت"‪ ،‬كما التقى نائب الرئيس التركي‪،‬‬

‫‪15‬‬
‫المبحث االول‬
‫فؤاد أقطاي‪ ،‬مع وزير التجارة السعودي‪ ،‬ماجد بن عبدهللا القصبي‪ ،‬في إسطنبول وتباحثا في‬
‫العالقات التجارية بين الجانبين‪.‬‬

‫هذا الزخم المتزامن للقاءات التركية‪-‬الخليجية ُتِّو َج في الـ ‪ 24‬من نوفمبر‪/‬تشرين الثاني الفائت‬
‫بزيارة محمد بن زايد ألنقرة ألول مرة منذ عشر سنوات‪ ،‬واستقباله بحفاوة رسمية بالغة وتوقيع‬
‫البلدين عدة اتفاقات ومذكرات تفاهم في مجاالت التجارة والطاقة والبيئة واالستثمار‪ ،‬إضافة‬
‫لتأسيس اإلمارات صندوًقا بقيمة ‪ 10‬مليارات دوالر أميركي لالستثمار في تركيا‪ .‬رَّد أردوغان‬
‫بزيارة في فبراير‪/‬شباط الجاري‪ ،‬تخَّللها توقيع ‪ 13‬اتفاقية بين البلدين وتوقيعهما على بيان مشترك‬
‫بشأن "بدء مفاوضات اتفاقية الشراكة االقتصادية الشاملة بينهما"‪.‬‬

‫المطلب االول‪ :‬األهمية االستراتيجية للخليج العربي‬


‫اوال‪ :‬العامل الجغرافي واهميته االستراتيجية‬
‫تستطع دول الخلج العري من موقعها الجغرافي أن تحقق الريادة والعلو‪ ،‬فهو بين القارات الثالث‬
‫آسيا وأفريقيا وأوروبا‪ ،‬ويشكل أهمية كيرة بل إن اإلستراتيجية االقتصادية إلى جانب الموقع‬
‫الجغر افي قد رسخت تلك األهمية وجعلتها أكثر شده وحساسية؛ وكما هو معروف أن دول الخليج‬
‫العربي تتحكم في مضيق باب السالم (هرمز) جنوب الخليج‪ ،‬وحتى منطقة الفاو جنوب العراق؛‬
‫وعند النظر من زاوية القوى الجيوسياسية البرية المعتمدة عل خط الحزام المحط يعد أن منطقة‬
‫الخليج العربي تشكل مركز الحزام المحيط بأوروبا وآسيا‪ ،‬وتشتمل على المقدرات الرئيسية‬
‫لمختلف أنواع التدخالت الموجهة محو أورآسيا(‪ )7‬؛ وعندما نتناول الخليج العربي من زاوية‬

‫‪15‬‬
‫المبحث االول‬
‫الجيوسياسية الحربية بحد أنه يقع في بؤرة االستراتيجيات التي تنتهجها القوى ذات المحور‬
‫البحري تجاه القارات الثالث آسيا وإفريقيا وأوروبا‪ ،‬وقد أصح بالنسية لالستراتيجيات ذات الثقل‬
‫البحري‪ ،‬كما بات بمثاية قاعدة عسكرية لتحقيق الهيمنة اإلستراتيجية الموجهة نحو القارات‬
‫الثالث آسيا وإفريقيا وأورويا وبحارها ‪ ،‬ومتلك أهم المعابر المائية مثل معبر مضيق هرمز‬
‫ومضيق بات عدن ‪ ،‬وتحتل دول الخلج المكان المميز في قلب العالم القديم وعلى البحار‬
‫والمضايق األكثر اهمية في العالم‪ ،‬وعلى طرق مرور الطاقة ولكن المشكلة تاتي من أن الحدود‬
‫االتية داخل الشرق األوسط تشبه جدار مخلخل المفكك اللبنات‪ ،‬وتدرك القوى الدولية أن تحريك‬
‫أية لبنة من لبنات ذلك الجدار المخلخل يعني انهياره‪ ،‬وهي بطبيعة الحال ال ترغب في البقاء‬
‫تحت حطام جدار متهدم‪ ،‬ولتحقيق هذا الهدف تعمل تحريك لبناته المختلفة في آن واحد‪ ،‬وهو ما‬
‫يستوع تنوع ألعابها الدبلوماسية‪ ،‬إذ يتحتم على هذه القوى المداومة على إعادة تقييم أوضاعها‬
‫بالنسبة للقوى األخرى داخل وسط مرن‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العامل التاريخي واهميته االستراتيجية‬


‫يعتبر التاريخ الوسيلة الرئسية واألساسية التي اختص بها عدد كبير من أبناء العالم‪ ،‬وذلك نابع‬
‫بدرجة رئيسية من أهميته الكبيرة في حياة العالم‪ ،‬فالتاريخ هو السجل الكامل لمختلف الوقائع التي‬
‫وقعت منذ أن بدأت الكتاية على وجه األرض إلى يومنا هذ وهو واحد من أهم العلوم التي تدرس‬
‫باستمرار في مختلف مناطق العالم وفيما يلي بعض أبرز النقاط التي تبرز أهمية التاريخ‬
‫وتوضحها بشكل يمكن لإلنسان به معرفة القيمة الحقيقية لهذا العلم الهام‪.‬‬

‫والتراكم التاريخي هو أحد العناصر األساسية الي تحدد الوضع الزماني والكاني لدول الخليج‬
‫العربي‪ ،‬إن دول الخليج العربي يتمتعون بتاريخ إسالمي عريق يبدأ بتأسيس الدولة اإلسالمية‬
‫بالمدينة المنورة والدولة األموية والدولة العباسية‪ ،‬والدولة العثمانية‪ ،‬ثم العصر الحديث‪ ،‬من‬
‫الخصائص األساسية في منطقة الخليج العربي السمات الجيوثقافية النابعة من العمق التاريخي‬
‫الذي يمتلكه‪ ،‬فإن أكبر التطورات الثقافية والدينية والفكرية التي أثرت في تاريخ البشرية تحققت‬
‫على أرض هذه المنطقة كما أسهم قربها من القارات الثالث أن تكون ساحة للمجاهرة والمواجهة‬
‫والمحاسبة الثقافية على المستوى العالمي والمحلي(‪.)8‬‬
‫وركز داود أغلو على التاريخ واعتبره من المعطيات الثابتة‪ ،‬ألن التاريخ يساعد على معرفة ما‬
‫كان من شأن األمم البائدة بشكل عام؛ حيث يفيد هذا األمر في معرفة الطرق التي تقدم بها‬
‫اإلنسان‪ ،‬والذي نتج اساسا عن تقدم العقل البشري وما صاحبه من تقدم في النظريات‪،‬‬

‫‪15‬‬
‫المبحث االول‬
‫والفلسفات‪ ،‬والعلوم‪ ،‬واألفكار المختلفة‪ ،‬إلى أن وصلت كلها إلى ما وصلت إليه اليوم من تطور‬
‫كبيرة‪ ،‬فأفكار اليوم ليست كاألفكار في القرون الوسطى‪.‬‬
‫وتتميز دول الخليج العربي بغناها التاريخي والثقافي‪ ،‬فبسبب موقعها المميز استطاع العرب أن‬
‫يحتكموا بكافة الثقافات‪ ،‬فالناس مرتبطون بشكل أو بآخر بالتاريخ‪ ،‬وإن حاولنا التعمق في‬
‫بعض الحضارات نجد أن التاريخ له أهميه عظيمة في حضارها ومنطلقاها تجاه‬
‫العالم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العامل االقصادي و دوره في القوة الشاملة‪.‬‬
‫تعد منطقة الخليج العربي واحدة من أهم المناطق ذات األبعاد االستراتيجية على مستوى العام من‬
‫ناحية اقتصادية و الجغرافية‪،‬مرتبطا ذلك باالكتشافات النفطية الكبيرة التي عرفتها دول المنطقة‬
‫مما جعل منها محط أنظار العالم وقواه المتنافسة‪ ،‬إال أن تنامي أهميتها اإلستراتيجية خالل العقود‬
‫القليلة المنصرمة‪ ،‬قد ارتبط أيضا بقدرة دول المنطقة الغنية بالنفط على استثمار عائداته وتوظيفها‬
‫في تنمية مرافق هذه الدول ‪ ،‬ومحاولة النهوض سياسيا واقتصاديا واجتماعيا باالعتماد علي‬
‫"الطفرة" الكبيرة في أسعار النفط‪ ،‬وقد أصبحت منطقة الخليج في اآلونة األخيرة إلى واحدة من‬
‫أكبر بؤر العالم أهمية واضطرابا في الوقت ذاته ‪ ،‬وبات من أهم مفرداته وملفاته مسألة تأمين أمن‬
‫منطقة الخليج والحفاظ على تدفق النفط منه إلى العالم‪ ،‬وللداللة على األهمية االقتصادية للنفط‬
‫بالنسبة لدول المنطقة‪ ،‬يمكن مطالعة التقارير االقتصادية الدولية الراصدة لحركة األموال فيها‪،‬‬
‫فقد وصلت عائدات دول مجلس التعاون الخليجي من مبيعات النفط عام ‪ 2003‬م إلى ‪ 350‬مليار‬
‫دوالر‪ ،‬و تتجاوز ‪ 450‬مليار دوالر في عام ‪ 2008‬م بفضل ارتفاع أسعار النفط علميا ‪.‬‬
‫كما وصل الفائض التراكمي في الحساب الجاري بين عامي ‪ 2003‬م و ‪ 2007‬م إلى نحو ‪700‬‬
‫مليار دوالر‪ ،‬واصبح ‪ 900‬مليار دوالر في عام ‪ 2009‬بحسب تقارير صندوق النقد الدولي‪ .‬كما‬
‫بلغ نمو الناتج المحلي اإلجمالي إلى ‪ ،% 7.5‬وتجاوزت الفوائض التجارية ‪250‬مليار دوالر في‬
‫عام ‪ 2005‬م‪ ،‬وحسب تقديرات بعض الخبراء‪ ،‬فإن منطقة الخليج ستراكم فائضا في الميزانية‬
‫مقداره ‪ 3‬تريليون دوالر بين عامي ‪ 2005‬و ‪ 2025‬م‪.‬‬
‫ويرجع هذا النمو االقتصادي غير المسبوق إلى كون دول الخليج العربي تمثل محطة وقود للعالم‬
‫بأسره كما تبرز االحتياطات النفطية في منطقة الخليج العربي لتؤهلها كمركز مهم لتلبية الطلب‬
‫(‪)9‬‬
‫العالمي المتزايد على النفط‪ ،‬ال سيما احتياجات الدول اآلسيوية‪.‬‬
‫إذ تضم منطقة الخليج العربي ثلثي احتياطي النفط المكتشف في العالم‪ ،‬كما ينتج اكثر من ربع‬
‫إجمالي اإلنتاج العالمي من النفط وبخز ن ثلث إجمالي االستهالك العالمي تقريبا ‪ ،‬وتشير تقارير‬

‫‪15‬‬
‫المبحث االول‬
‫وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب العالمي على النفط سيزداد من ‪ 84‬مليون برميل يوميا في عام‬
‫‪ 2005‬م إلى ‪ 116‬مليون برميل يوميا في عام ‪ ،2030‬وستبلغ حصة الخليج العربي من إنتاج‬
‫النفط ما يزيد عن ‪ % 37‬من اإلجمالي العالمي بحلول عام ‪ 2025‬م‪.‬‬
‫وال يمكن بحال التغاضي في هذا السياق عن أهمية (الغاز) في الوقت الراهن‪ ،‬مما يعزز من‬
‫هيمنة الخليج العربي على أسواق الطاقة‪ ،‬فكل من إيران وقطر تملكان اثنين من أكبر ثالثة‬
‫احتياطيات للغاز‪ ،‬تعتبر المنطقة بهذا االمتداد الجغرافي من أغنى المناطق العالمية بالثروات‬
‫الطبيعة‪ ،‬فال يوجد منطقة في العالم أغنى من حيث الثروات من منطقة الخليج العربي‪ ،‬وعلى‬
‫رأس هذه الثروات النفطة التي تنتشر في بقاع عديدة من بقاع الوطن العري وعلى رأسها دول‬
‫الخليج‪ ،‬يبد انه مع انخفاض أسعار النفط من مائة دوالر لسعر البرميل إلى اثنان وأربعون دوالر‬
‫في عام ‪ ،2016‬اهتزت مكانة منطقة الخليج بالنسبة للقوى الدولية‪ ،‬وهذا يعني أن على دول‬
‫الخليج تعزيز بقية أدوات قوتها في نظرية القوة الشاملة وان ال تعتمد فقط على القوة االقتصادية‬
‫البحتة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االهداف االستراتيجية التركية تجاه الخليج العربي‬


‫يمثل دور تركيا في الخليج العربي في عهد حزب العدالة والتنمية عقبة كبيرة أمام تحقيق األمن‬
‫واالستقرار في الخليج العربي ‪ ،‬حيث تمتلك تركيا األردوغانية أطماع واضحة وأجندة تنافسية مع‬
‫قوى اقليمية أخرى مثل إيران‪ ،‬وتحاول من خاللها استعادة مكانتها وثقلها االستراتيجي المفقود‬
‫منذ طي صفحة الحرب الباردة وفشل مشروع االنضمام لالتحاد األوروبي‪.‬‬
‫ولذا تحاول القوى العربية الفاعلة في الوقت الراهن‪ ،‬مثل المملكة العربية السعودية وجمهورية‬
‫مصر العربية‪ ،‬ودولة االمارات العربية المتحدة‪ ،‬التصدي لألطماع التركية في إطار جهود الدول‬
‫الثالث لصون األمن القومي العربي وحماية مصالح الشعـوب العربيـــــة‪ .‬وفي هــــذا العـــــــــدد‬
‫تسلط “درع الوطن” الضوء على أبعاد ومالمـح وأهــداف تأثيرات الدور التركي‪ ،‬وتوضيـح‬
‫خلفيــات وفــرص تحقــق األحـــالم والتطلعات التركية في الخليج العربي‪.‬‬
‫كانت اضطرابات عام ‪ 2011‬التي شهدتها العديد من الدول العربية‪ ،‬وما رافقها من فوضى‬
‫وانهيار أسس ودعائم الدولة المركزية في حاالت عدة ضمن مـايسمـى إعالميًا بـ “الربيع‬
‫العربي”‪ ،‬فرصــة مناسـبة للمشــروع التوسعي الذي ظل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان‬
‫يحلم به منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في عام ‪ .2002‬حيث كان‪ ،‬وال يزال‪،‬‬

‫‪15‬‬
‫المبحث االول‬
‫أردوغان يحلم باستعادة نفوذ القوة العثمانية القديمة ذات النفوذ االستعماري االقليمي الكبير‪،‬‬
‫منطلقًا من التدخل في شؤون الدول العربية المجاورة والسعي للعب دور فاعل في إعادة‬
‫(‪)10‬‬
‫“هندسة” الخليج العربي بما يتـوافق مـــع طموحاتــه وأحالمه‪.‬‬

‫لماذا الخليج العربي ؟‬


‫يركز هذا الملف على دراسة أبعاد الدور التركي في الخليج العربي ألسباب عدة أهمها أن هذا‬
‫الدور لم يستهدف المنطقة الشرق أوسطية برمتها بل يالحظ أن هناك نوع من “تسكين” العالقات‬
‫التركية االسرائيلية والحفاظ علىها في مستوى يرتضيه الطرفان في توافق شبه ضمني‪ ،‬وبما‬
‫يحفظ مصالحهما ويتوافق مع قواعد التعاون بل والتحالف االستراتيجي الذي يمثل المظلة‬
‫التاريخية للعالقات رغم بعض االشتباكات االعالمية والسياسية التي تصب إجماًال في سلة‬
‫مصالح كال الطرفين أو أحدهما على األقل‪ ،‬كما يالحظ أن العالقات التركية االيرانية تتسم بتعاون‬
‫أكثر من الطابع التنافسي الذي يشير إليه بعض الباحثين‪ ،‬وهناك توافق ضمني على حدود‬
‫المصالح والنفوذ وحرص متبادل على تفادي أي عوامل قد تؤدي إلى التوتر في العالقات بين‬
‫البلدين‪ ،‬باعتبار أن كال منهما يمثل ظهيرًا استراتيجيًا لآلخر في ملفات عدة؛ فتركيا تعد منفذًا‬
‫حيويًا الفالت إيران من قبضة الحصار والعقوبات األمريكية‪ ،‬وتركيا في المقابل ترى في‬
‫عالقاتها مع إيران ورقة مهمة للحفاظ على مصالحها في العراق المجاور‪ ،‬وأيضًا لضمان‬
‫التنسيق المشترك فيما يخص “هندسة” العالقات االقليمية والسيما دور دول مجلس التعاون‪،‬‬
‫حيث يالحظ االقتراب المتبادل والحذر‪ ،‬فإيران تتواجد عسكريا في سوريا على الحدود التركية‪،‬‬
‫والقوات التركية تتمركز في قاعدة عسكرية بقطر‪ .‬صحيح أن الهدف من هذا االقتراب ليس‬
‫مناكفة احدهما اآلخر‪ ،‬وخصوصًا الوجود التركي في قطر الذي يستهدف الضغط استراتيجيًا على‬
‫السعودية واالمارات‪ ،‬ولكن هذا االقتراب يتطلب من أنقرة وطهران مستوى معين من التعاون‬
‫والتنسيق والتفاهم(‪.)11‬‬
‫وفي ضوء ماسبق‪ ،‬ومعطيات الواقع التي تشير إلى أن التدخالت التركية تركز باألساس على‬
‫الخليج العربي وتستخدم أدوات وتسعى إلى تحقيق أهداف تتعلق بهذه المنطقة على وجه التحديد‪،‬‬
‫فإن التركيز على دراسة الدور التركي في العالم العربي يمتلك أهمية خاصة كي ال تنصرف‬
‫األنظار عن طبيعة هذا الدور الخبيث‪.‬‬

‫بيئة سياسية مواتية‬

‫‪15‬‬
‫المبحث االول‬
‫ورغم أن تركيا قد تبنت في بداية وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى الحكم سياسة خارجية‬
‫قائمة على استراتيجية “صفر مشاكل” التي صاغها وزير الخارجية األسبق أحمد داود أوغلو‪،‬‬
‫فإن تنامي نفوذ أردوغان في الحزب الحاكم ثم قيامه بتغيير شكل نظام الحكم ذاته وإبعاد حلفائه‬
‫السياسيين المقربين‪ ،‬قد فتح الباب واسعًا أمام االنقالب على هذه االستراتيجية واالعتماد على‬
‫توجه جديد معاكس تمامًا‪ ،‬قائم على صناعة األزمات والتدخل عبر القوة الخشنة في مناطق‬
‫األزمات والصراعات العربية‪ ،‬مستغًال في ذلك تنظيم “اإلخوان المسلمين” االرهابي الذي يرتبط‬
‫مع الحزب الحاكم في تركيا وقادته‪ ،‬والسيما الرئيس أردوغان‪ ،‬بروابط فكرية وأيديولوجية‬
‫وعالقات تنظيمية قوية‪ ،‬حيث وجدت تركيا في أحداث العشرية الثانية من القرن الحادي‬
‫والعشرين في المنطقة العربية فرصة سانحة لتحقيق أطماعها في دول عربية عدة من بينها مصر‬
‫واليمن وتونس وسوريا‪ ،‬من خالل دعم تنظيم “األخوان المسلمين” للوصول إلى الحكم حتى بلغ‬
‫بها الحال للتدخل العسكري المباشر في سوريا وليبيا‪ ،‬فضًال عن خسارة المصالح االستراتيجية‬
‫التركية مع دول عربية مهمة مثل السعودية ومصر واالمارات‪ ،‬بل والسعي الدائم لإلضرار‬
‫بمصالح هذه الدول عبر بناء تحالفات تكتيكية غير واقعية مع نظام الحكم في دولة قطر وحكومة‬
‫السراج في ليبيا وتنظيمات ارهابية متطرفة استطاعت عقد صفقات سرية مشبوهة مع النظام‬
‫التركي لفتح ممرات عبور االرهابيين إلى سوريا وغيرها‪.‬‬

‫وال يقتصر السعي التركي للتدخل في المنطقة العربية على سوريا وليبيا ومحاولة الضغط على‬
‫بعض الدول واالضرار بمصالحها بل يشمل محاوالت مستمرة للتسلل في منطقة القرن االفريقي‪،‬‬
‫حيث تبدي أنقرة اهتمامًا استثنائيًا بدول القارة االفريقية منذ سنوات مضت‪ ،‬حيث استضافت تركيا‬
‫في مدينة اسطنبول عام ‪ ،2008‬قمة أفريقية تركية تحت اسم “التضامن والشراكة لمستقبل‬
‫مشترك”‪ ،‬وكانت القمة األولى من نوعها‪ ،‬وشارك في هذه القمة ممثلون من ‪ 50‬دولة أفريقية‪،‬‬
‫وفي العـام ذاتــه منحـــت “قمــــة االتحــاد األفريقـي” المنعقــدة في أديـــس أبابا وصـــــف‬
‫“حليف استراتيجي” لتركيا‪ ،‬كما قامت بمضاعفة اعداد سفاراتها في افريقيا خالل السنوات القليلة‬
‫الماضية لنحو ثالثة أضعاف العدد في السابق‪ ،‬وتنشط الخطوط الجوية التركية إلى جانب آلية‬
‫الدعم وتعزيز التبادل التجاري‪ .‬صحيح أن العالقات التركية االفريقية لم تعد بنفس الحماس‬
‫السابق منذ تولي فخامة السيد عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر ووضع افريقيا في صدارة اولويات‬
‫السياسة الخارجية المصرية‪ ،‬ولكن أنقرة ال تزال تستخدم عالقاتها مع دول قارة افريقيا في كسب‬
‫نفوذ متزايد داخل المنظمات الدولية واالقليمية‪ ،‬كما توظفها في تحقيق أهداف عسكرية مثلما‬
‫حدث في اقامة قاعدة عسكرية تركية بالصومال‪ ،‬وهي ثاني قاعدة عسكرية للجيش التركي خارج‬

‫‪15‬‬
‫المبحث االول‬
‫أراضيه بعد القاعدة العسكرية في قطر‪ ،‬وهو تمدد مناوىء للنفوذ العربي ويعمل على محاصرة‬
‫هذا النفوذ او على االقل ايجاد معادل موضوعي له(‪.)12‬‬

‫أهداف الدور التركي في الخليج العربي‬


‫دعم أجندة تنظيم اإلخوان المسلمين االرهابي‪ :‬يأتي هذا الهدف في صدارة أولويات السياسة‬
‫الخارجية التركية في الخليج العربي ‪ ،‬حيث يعتقد الرئيس أردوغان أن حلفائه األيديولوجيين‬
‫يمكن أن يكونوا البديل ألنظمة الحكم في دول عربية عدة‪ ،‬ويتجاهل مساحات الرفض الشعبي‬
‫الهائلة للتنظيم وتوجهاته‪ ،‬والتي كان من أبرزها ثورة الثالثين من يونيو عام ‪ 2013‬في مصر‬
‫ضد حكم نظام اإلخوان المسلمين‪ ،‬ولكن أردوغان ال يزال يعتقد في أهمية دور التمسك بهذه‬
‫الورقة التي كان يسعى من خاللها إلى أن تكون تركيا نموذجًا ألنظمة الحكم البديلة‪ ،‬فضًال عن‬
‫قيامها بدور عراب العالقات الغربيــــة مـع هــذه األنظمــة‪ ،‬وهـي أحــــالم لم يعد لها فرص‬
‫التحقق على أرض الواقع‪ ،‬ولكنه ال يزال يتشبث بأذيالها في ظل وجود بقايا حكم التنظيم في‬
‫بعض الدول العربيــة‪ ،‬ورهانه على إحياء ولملمة شتات هذه البقايا كي تتحول إلى قوة دفع جديدة‬
‫يمكنها إحياء دور التنظيم عربيًا‪.‬‬

‫التحول إلى سياسة خارجية هجومية لتعزيز مكانة تركيا ودورها‪ :‬رأى الرئيس أردوغان وحلفائه‬
‫في حزب «العدالة والتنمية» التركي أن مايعرف بـ الربيع العربي» يمثل فرصة ثمينة العادة‬
‫هيكلة توجهات تركيا وهويتها االستراتيجية من خالل السعي لقيادة العالم االسالمي وترسيخ‬
‫دورها االقليمي بما ينطوي علىه ذلك ـ وفقا لهذه الرؤية ـ من مصالح حيوية لتركيا على الصعيد‬
‫االقتصادي والتجاري والسياحي‪ ،‬وحتى على مستوى مبيعات األسلحة‪ ،‬فضًال عن امتالك أوراق‬
‫ضغط جديدة تسهم في حوارها االستراتيجي مع االتحاد األوروبي وروسيا والواليات المتحدة‬
‫واستغالل عالقاتها المفترضة مع أنظمة الحكم العربية ـ كما كان متصورًا قبل انهيار هذه األحالم‬
‫ـ في تحقيق األهداف والمصالح االستراتيجية التركية مع العالم‪ .‬فضًال عن ممارسة سياسة خلط‬
‫األوراق واإلرباك من خالل تحقيق أهداف تخص األمن القومي التركي وتسويقها سياسيًا‬
‫باعتبارها ضمن األهداف المشتركة للعالم في مكافحة االرهاب وغير ذلك‪ ،‬ومن أبرز األمثلة‬
‫الدالة على ذلك السعي للقضاء على األكراد ووأد احالمهم في بناء دولة مستقلة‪ ،‬وكذلك سعي‬
‫أردوغان إلقامة منطقة عازلة على الحدود التركية السورية بزعم مكافحة ومالحقة تنظيمات‬
‫االرهاب والتطرف‪ ،‬وأيضًا استغالل موقعها الجغرافي كمعبر لموجات اللجوء من سوريا إلى‬
‫دول االتحاد األوروبي وكذلك تسلل االرهابيين إلى الداخل السوري‪ ،‬في تحقيق األهداف‬

‫‪15‬‬
‫المبحث االول‬
‫االستراتيجية التركية والسيما مايتعلق بابتزاز دول االتحاد األوروبي والحصول على األموال‬
‫مقابل وقف زحف الالجئين إلى حدود أوروبا(‪.)13‬‬

‫محاولة الضغط على مصر والسعودية والسعي للحد من دورهما االقليمي وتهديد األمن القومي‬
‫العربي‪ :‬منذ انهيار نظام حكم تنظيم اإلخوان المسلمين االرهابي في مصر عام ‪ ،2013‬والدعم‬
‫القوي الذي قدمته المملكة العربية السعودية ودولة االمارات لمصر في تلك الظروف‪ ،‬بما مًك نها‬
‫من تجاوز الصعوبات االقتصادية في أغلبها‪ ،‬تشّك لت لدى أردوغان قناعة بأن السعودية ومصر‬
‫يقفان حجر عثرة في وجه تحقيق أحالمه التوسعية بالمنطقة العربية‪ ،‬ومن ثم فقــد قــام بتطـوير‬
‫استراتيجيـــة السياسيــة لتشمل اسـتهدافهما والعمــــل على ضـــــرب مصالحها‪ ،‬وجاء ذلك من‬
‫خالل محاور وأدوات عدة أولها تقديم دعم تركي عسكري وسياسي للنظام الحاكم في قطر من‬
‫أجل تحريضه على مواصلة سياساته المعادية لبقية دول مجلس التعاون‪ ،‬حيث قامت تركيا باقامة‬
‫قاعدة عسكرية في الدوحة ويتمركز فيها قوات نخبة تركية تحت غطاء اتفاقية أمنية تم توقيعها‬
‫عام ‪ ،2014‬واتفاقية تسمى باتفاق المجلس االستراتيجي القطري التركي‪ ،‬مقابل الحصول على‬
‫مليارات الدوالرات القطرية لدعم االقتصاد التركي المتداعي بسبب ازماتها المتالحقة والتدخالت‬
‫العسكرية المتوالية‪ ،‬التي تسببت في تراجع الصادرات وانهيار العملة التركية‪.‬‬
‫اقامة توازن مع النفوذ االيراني اقليميًا ودوليًا‪ :‬الثابت أن النظام االيراني منذ قيام ثورة الخميني‬
‫عام ‪1979‬يمتلك مشروعًا توسعيًا ذا وجه طائفي يحاول تنفيذ في المنطقة العربية‪ ،‬وراوحت‬
‫الجهود في هذا اإلطار بين مد وجزر حتى جاء الغزو األمريكي للعراق في عام ‪ ،2003‬والذي‬
‫وجدت فيه إيران فرصة تاريخية للتغلغل إلى هذا البلد العربي الكبير من بوابة الطائفية والمذهبية‬
‫وترسيخ نفوذها فيها بالشكل الذي تشير إليها المؤشرات الراهنة‪ .‬ولما كان الوجود االيراني في‬
‫العراق يمثل تهديدًا للمصالح التركية لما بين البلدين من تنافس تاريخي تقليدي وصراعات‬
‫مصالح تشتعل وتخمد بحسب الظروف االقليمية وحسابات المصالح واألولويات السياسية للبلدين‪،‬‬
‫والتوازنات االستراتيجية القائمة بين القوى االقليمية‪ ،‬وفي ظل غياب أي مشروع عربي جماعي‬
‫للتصدي للتهديد اإليراني ولجم االندفاع االيراني في دول المنطقة العربية‪ ،‬سارعت تركيا وقتذاك‬
‫إلى تغيير مقاربتها االستراتيجية وصياغة استراتيجية جديدة قائمة على التدخل الخشن في‬
‫األزمات والصراعات‪.‬‬
‫السعي الدائم لصرف األنظار عن األزمات الداخلية‪ :‬رغم ما راكمته تركيا من نجاحات تنموية‬
‫في بدايات تولي حزب العدالة والتنمية‪ ،‬فإن سياسات أردوغان قد تسببت في شبه عزلة تركية‬
‫اقليمية ودولية انعكست سلبًا على االقتصاد التركي‪ ،‬الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات‬

‫‪15‬‬
‫المبحث االول‬
‫الصادرات والسياحة‪ ،‬فضًال عن تفاقم األزمات الداخلية وتدهور مستوى المعيشة وانهيارات‬
‫متوالية للعملة التركية‪ ،‬التي شهدت سنوات طويلة من االرتفاعات القياسية‪ ،‬وقد ازدادت‬
‫االوضاع الداخلية سوءًا بعد ما عرف بمحاولة االنقالب الفاشلة عام ‪ ،2016‬والتي وفرت‬
‫ألردوغان المبرر والمسوغات لالنقضاض على معارضيه كافة سواء بدعوى االنضمام إلى‬
‫جماعة فتح هللا جولن أو التعاطف معها أو فتح قنوات اتصال مع قادتها‪ ،‬وقام باستعداء شريحة‬
‫سياسية كبيرة‪ ،‬وزج عشرات اآلالف السجون وفصل وتشريد مئات اآلآلف من وظائفهم‪ ،‬وفتح‬
‫الباب امام تعديالت دستورية افضت إلى نظام حكام للرئيس أردوغان فيه الكلمة الفصل‪ .‬وبحسب‬
‫احصاءات‪ ،‬فقد اتخذ الرئيس أردوغان اجراءات عقابية ضد نحو ‪ 160‬ألف شخص فى اعقاب‬
‫محاولة االنقالب الفاشلة‪ ،‬كما فقد نحو ‪ 140‬ألف شخص وظائفهم الحكومية ضمن مايعرف‬
‫بتطهير الدوائر الحكومية من جماعة فتح هللا جولن‪ ،‬فضًال عن اعتقال عشرات اآلآلف من‬
‫العسكريين وضباط الشرطة والقضاة ما أحدث شرخًا في المجتمع التركي يصعب ترميمه سوى‬
‫بعد رحيل أردوغان وطي صفحة هذه السياسات االنتقامية‪.‬‬

‫‪15‬‬

You might also like