Professional Documents
Culture Documents
بحث كامل
بحث كامل
" التوجه االستراتيجي التركي نحو الخليج العربي والبحر االحمر بعد عام "2011
باشراف الدكتور
د .اياد عبد الكريم
1444 2023م
أ
ِبسِم اِهلل الَّرحمِن ال ِحيِم
ّر
سورة األنعام
اآلية ()142
أ
اإلهــــداء
إلى خاتم األنبياء وسيد المرسلين ...محمد ...
صلى هللا عليه وسلم ...
إلى رمز العطاء وشالل الوفاء ...
أبي ...
إلى رمز التضحية والعطاء الدائم ...
والدتي ...
إلى فخري وسر سعادتي ...
عائلتي الكريمة ...
إلى من علمنا الوصول إلى طريق النجاح ...
أساتذتي ...
اهدي جهدي المتواضع ...
ب
الشكر والتقدير
الصفـحة الموضــــــــــوع
أ اآلية القرآنية
ح اإلهداء
ج الشكر والثناء
ب فهرس المحتويات
ت فهرس الجدال
1-13 المبحث االول :التوجه االستراتيجي التركي تجاه الخليج العربي
1-6 التمهيد
6-9 المطلب االول :األهمية االستراتيجية للخليج العربي
13 - 9 المطلب الثاني :االهداف االستراتيجية التركية تجاه الخليج العربي
27 -14 المبحث الثاني :التوجه التركية نحو البحر االحمر
14-16 التوجه التركي نحو البحر االحمر
16-21 المطلب االول :اهمية االستراتيجية للبحر االحمر
21-27 المطلب الثاني :االهداف االستراتيجية التركية نحو البحر االحمر
39 - 28 المبحث الثالث :مستقبل االستراتيجية التركية تجاه الخليج العربي والبحر
االحمر
31 - 30 اوال :حقائق ومقومات مؤثرة في االستراتيجية التركية تجاه الخليج العربي
35- 31 ثانيا :أسباب التقارب التركي الخليجي
35-37 ثالثا :هل التقارب الخليجي التركي مؤقت أم ثابت
37-39 مطلب الثاني :مستقبل االستراتيجة التركية نحو البحر االحمر
40 الخالصة
42 – 41 المصادر
فهرست الجداول
ب
الجدو
ل
5 يظهر حجم التبادل التجاري بين تركيا والسعودية خالل السنوات الفائتة 1
ت
المبحث االول
تمهيد
تكمن أهمية العالقات التركية الخليجية نظًر ا لالعتبارات الدينية والتاريخية والمصير المشترك
ويدعم ذلك قوة االقتصادية التي تعدُ ضمن مجموعة الدول ذات الدور السياسي المؤثر في إدارة
التوازنات اإلقليمية وشبكة العالقات التي يقيمونها على المستويين اإلقليمي والدولي وألن أولوية
هي الحفاظ على السالم واألمن واالستقرار وخاصة في الشرق األوسط.
وقد شهدت العالقات التركية الخليجية منذ مجىء حزب العدالة والتنمية لحكم تركيا في 18
تشرين الثاني /نوفمبر2002م ،تقدًم ا ملموًسا على المستوى الدبلوماسي واإلقتصادي واألمني
والعسكري،شرعت أنقرة مع بداية العقد الحالي في تطوير رؤيتها وسياستها على نحو يتواكب مع
المستجدات في القرن الحادي والعشرين حيث بذلت جهودها إلرساء رؤيتها على أرضية صلبة
يتم فيها توظيف موروثاتها التاريخية والجغرافية التوظيف األمثل ،ومع وصول حزب “العدالة
والتنمية” ذي الجذور اإلسالمية إلى السلطة عام 2002سعت أنقرة إلى تبني سياسة خارجية
فعالة ترتكز على عدة مبادئ وهي :التوازن السليم بين الحرية واألمن ،وتصفير المشكالت مع
دول الجوار ،واالهتمام بالتأثير في األقاليم الداخلية والخارجية لدول الجوار ،والسياسة الخارجية
المتعددة األبعاد ،والدبلوماسية المتناغمة .وهكذا شهد الشرق األوسط حضورًا تركيًا متناميًا ،حيث
سعت انقرة الى اضطالع بدور محوري فيما يتعلق بالعديد من الملفات الحيوية والمحورية في
المنطقة.
وهكذا برزت تركيا كقوة إقليمية والعب محوري فاعل في محيطها اإلقليمي حيث سعت إلى
تطوير عالقاتها الثنائية مع دول منطقة الشرق األوسط ومن بينها دول الخليج والتي أضحت تعد
إحدى دوائر الحوار المهمة في سياسة تركيا الخارجية.
عرفت تركيا خالل العقد األول من حكم العدالة والتنمية ( 2002وحتى )2011عالقات طيبة مع
مختلف األطراف في العالم العربي والمنطقة ،وخصوًص ا ما سمي حينها بمحوَر ْي االعتدال
والممانعة ،من خالل سياستها الخارجية المتحفظة واعتمادها على القوة الناعمة ونموذج التعاون
االقتصادي المبني على مبدأ الربح للجميع(.)1
بيد أن الثورات العربية وتطورات السنوات الالحقة وضعت تركيا في مواجهة عدد من القوى
الفاعلة في المنطقة ،وفي مقدمتها مصر والسعودية واإلمارات ودولة االحتالل .كان االنقالب في
مصر ،في يوليو/تموز ،2013محطة فارقة في عالقات أنقرة مع هذه األطراف التي أيدت النظام
الجديد في مصر عكس األخيرة .وبسبب هذا االفتراق ،ورغم أنه لم يحصل تعارض كبير في
المصالح الجوهرية للطرفين ،إال أنهما بقيا على طرفي نقيض في مجمل قضايا المنطقة وفي حالة
مواجهة غير معلنة على مدى السنوات الماضية.
1
المبحث االول
اتهمت تركيا اإلمارات بتمويل المحاولة االنقالبية الفاشلة صيف 2016وبعض المحطات
الداخلية( ، )2واتهمها المحور المقابل لها بالتدخل في شؤون الدول العربية وتبني سياسة توسعية في
المنطقة .لكن بدايات عام 2021شهدت مرحلة جديدة بين الجانبين وصلت مع نهاياته إلى مرحلة
التهدئة والحوار وتوقيع اتفاقيات التعاون التجاري واالقتصادي.
يعُّد التقارب التركي مع دول الخليج جزًء ا من مسار أكبر يتعلق بتحول مهم في السياسة الخارجية
التركية ،وأسبابه تتنوع بين ما هو عام متعلق بإعادة تركيا النظر في عالقاتها عموًم ا وما هو
خاص ومرتبط بدول الخليج على وجه التحديد.
كانت تركيا قد رفعت شعار "زيادة عدد األصدقاء وتقليل عدد الخصوم" ،عام ،2016مع استقالة
أحمد داود أوغلو من رئاسة حزب العدالة والتنمية الحاكم والحكومة وخالفة بن علي يلدرم له في
كليهما ،لكن تطوًرا جوهرًّيا لم يطرأ حينها على عالقات تركيا الخارجية .في العام نفسه ،أعادت
دولة اإلمارات العربية سفيرها ألنقرة ،ووَّقعت األخيرة مع دولة االحتالل اتفاًقا لتطبيع العالقات
بعد حادثة سفينة "مافي مرمرة" ، ،لكن الظروف اإلقليمية وحَّد ة االستقطاب في المنطقة لم تتيحا
ما هو أكثر.
تدفع عدة عوامل داخلية وخارجية أنقرة نحو تدوير زوايا خالفها مع عدد من القوى اإلقليمية
وفتح قنوات الحوار معها ،أهمها:
األول :انخرطت تركيا في األعوام القليلة الماضية في عدة قضايا ونزاعات في المنطقة بأشكال
مباشرة وغير مباشرة ،من سوريا للعراق ومن ليبيا لجنوب القوقاز .عام ،2020حققت تركيا
بعض االختراقات لصالح حلفائها السيما في ليبيا وجنوب القوقاز ،لكن ذلك استنزفها أيًضا وزاد
من الضغوط السياسية واالقتصادية عليها ،ولذلك فقد سعت مع بداية العام 2021للتهدئة ومحاولة
استثمار تلك اإلنجازات سياسًّيا.
الثاني :يقترب موعد االنتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا ،المحددة في يونيو/حزيران
،2023في ظل استقطاب غير مسبوق وأوضاع اقتصادية ضاغطة تجعلها استحقاًقا صعًبا على
أردوغان والعدالة والتنمية ،ولذلك يسعى األخير إلى تهدئة ملفات السياسة الخارجية وحل أزماتها
()3
لتخفيف تلك الضغوط.
الثالث :يواجه االقتصاد التركي مؤخًر ا تحديات حقيقية ألسباب عدة داخلية وخارجية ،زاد منها
قرار الرئيس التركي تخفيض سعر الفائدة ما أَّثر سلًبا على سعر صرف الليرة ونسبة التضخم
وبعض المؤشرات االقتصادية األخرى ،وترك آثاًر ا مباشرة على المواطن التركي .استغلت
المعارضة التركية هذه الظروف وتراجع شعبية العدالة والتنمية للمطالبة بانتخابات مبكرة ،بينما
2
المبحث االول
يعِّو ل الحزب الحاكم على تحسين األوضاع االقتصادية عبر رفع مستوى التعاون االقتصادي
والتجاري مع الخارج قبل موعد االنتخابات.
الرابع :يتقدم ملف شرق المتوسط أولويات السياسة الخارجية التركية مؤخًر ا؛ حيث تواجه أنقرة
محوًرا إقليمًّيا مكوًنا من اليونان ،وقبرص اليونانية ،ومصر ،ودولة االحتالل ،ومدعوًم ا من
اإلمارات وفرنسا (من خارج حوض شرق المتوسط) ،بينما ال شركاء ألنقرة إال الحكومة الليبية
التي أبرمت معها اتفاقين لترسيم الحدود البحرية وللتعاون األمني والعسكري والتي تعاني
أوضاًعا غير مستقرة .ولذا ،تسعى تركيا لكسر العزلة المفروضة عليها في شرق المتوسط
وخلخلة التحالف المواجه لها والبحث عن شركاء في شرق المتوسط.
الخامس :أتت كل هذه الظروف الداخلية والخارجية في ظل تغير اإلدارة األميركية وفوز بايدن
في االنتخابات الرئاسية األميركية ،بما يشمل عالقات متوترة مع أنقرة وتهديدات لها وعقوبات
عليها ،وتراجع اهتمام واشنطن بالمنطقة ،ورغبتها بتوافق حلفائها وشركائها اإلقليميين وتعاونهم،
وتوجهها إلبرام اتفاق جديد مع إيران .هذا العامل ،الذي يبدو األهم وكمظلة وتتويج لباقي
العوامل ،دفع بتركيا وغيرها من القوى اإلقليمية لمراجعة بعض السياسات واالصطفافات وإعادة
النظر في عالقاتها البينية.
بدافع من هذه األسباب وغيرها ،بدت أنقرة مصِّم مة على تحسين عالقاتها مع عدد من األطراف
اإلقليمية ،بما في ذلك أرمينيا التي بدأت معها حواًر ا واستأنفت الرحالت الجوية بعد انقطاع،
ومصر التي عقدت معها عدة جوالت من الحوار على مستوى وزارة الخارجية ،ودولة االحتالل
اإلسرائيلي التي أكد أردوغان رغبة بالده في تطوير العالقات معها وأعلن عن زيارة مرتقبة
لرئيسها إلى أنقرة في مارس/آذار القادم ،)4(2022إضافة لدول الخليج وتحديًدا اإلمارات
والسعودية والبحرين.
التقارب مع الخليج
إضافة لما سبق من أسباب ،دفعت مختلف القوى اإلقليمية لمسارات التهدئة والحوار ،ثمة دوافع
لتقارب تركيا مع دول الخليج ترتبط مباشرة بالعالقات بين الجانبين ،أهمها:
أواًل :تراجع أسباب االستقطاب :فقد كانت الثورات العربية وتحديًدا االنقالب في مصر ،عام
،2013محطة أساسية للخالف بين الجانبين ،ثم أتت أزمة حصار قطر التي وقفت فيها تركيا إلى
3
المبحث االول
جانب األخيرة لتعمق االستقطاب أكثر .بعد ثماني سنوات من االنقالب في مصر لم يعد النظام في
األخير يستشعر خطًرا من المعارضة وخصوًص ا اإلسالميين الذين يتهم أنقرة بدعمهم بعد أن
استتب األمر له داخلًّيا وخارجًّيا ،كما أن األزمة الخليجية انتهت على األقل رسمًّيا في قمة العال
في .2021
ثانًيا :العامل اإليراني :تشكل احتمالية توقيع الواليات المتحدة مع إيران اتفاًقا جديًدا بخصوص
برنامجها النووي ،مع ما سيفيده ذلك لألخيرة ،هاجًسا مشترًك ا لتركيا ودول الخليج ،التي ينظر
بعضها إليران بعين الخصومة والخطر بينما تنظر لها تركيا بعين التنافس.
ثالًثا :المحور المقابل :شَّك لت كل من السعودية واإلمارات والبحرين إضافة لمصر محوًرا
مواجًها لتركيا ومناكًفا لها في عدة قضايا إقليمية من سوريا للعراق لشرق المتوسطُ .ذ ِكَر ْت أنقرة
بشكل مباشر في قرارات الجامعة العربية التي تقف خلفها بشكل رئيسي كل من مصر
والسعودية ،وشاركت اإلمارات في بيانات منِّددة بأعمال التنقيب التركية في شرق المتوسط رغم
أنها ليست من دول حوضه .وعليه ،فإن تهدئة الخالفات مع هذه الدول من شأنها تخفيف الضغوط
()5
على أنقرة.
رابًع ا :االستثمارات الخليجية :تراَج َع حجم التبادل التجاري بين تركيا والسعودية على وجه
التحديد بسبب األزمة الخليجية ثم قضية اإلعالمي جمال خاشقجي في ظل ظروف صعبة
لالقتصاد التركي ،وطبقت الرياض حظًر ا غير معلن على استيراد البضائع التركية (تظهر آثاره
بوضوح في الجدول أدناه) .ومع تراجع احتياطي المصرف المركزي من العمالت األجنبية
وحاجة تركيا الملَّح ة لها ولالستثمارات واألموال الساخنة التي تملكها دول الخليج ،يمكن فهم
مسارعتها للتصالح معها.
جدول ( )1يظهر حجم التبادل التجاري بين تركيا والسعودية خالل السنوات الفائتة
حجم التبادل (مليار دوالر) الواردات (مليار دوالر) الصادرات (مليار دوالر) السنة
5.24 1.98 3.26 2013
5.55 2.42 3.13 2014
5.72 2.14 3.58 2015
5.09 1.83 3.26 2016
4
المبحث االول
5.04 2.21 2.83 2017
5.27 2.51 2.76 2018
5.29 2 3.29 2019
3.6 1.71 2.5 2020
3.71 3.45 0.265 2021
خامًس ا :مشروع الممر البري :اتفقت تركيا مع اإلمارات على ممر بري لنقل البضائع بينهما
باستخدام الموانئ اإليرانية ،وهو ما من شأنه تقليل مدة الشحن إلى ثلث المسار البحري الحالي
وتقليل كلفة النقل وتنشيط التجارة بين البلدين ،السيما في ظل تأثر سالسل التوريد بظروف
()6
جائحة كورونا.
في أغسطس/آب ،2021زار مستشار األمن الوطني اإلماراتي ،طحنون بن زايد ،تركيا والتقى
الرئيس أردوغان وقالت مصادر البلدين :إنهما ناقشا "سبل التعاون التجاري واالقتصادي
والفرص االستثمارية" بينهما .كما جمعت عدة اتصاالت هاتفية بين الرئيس التركي وولي عهد
أبوظبي ،محمد بن زايد ،وكذلك بين وزيَر ْي خارجية البلدين .وفي نوفمبر/تشرين الثاني من
العام نفسه ،بحث وزيرا خارجية البحرين وتركيا ،عبد اللطيف الزياني ومولود تشاوش أوغلو،
في أنقرة "سبل تعزيز التعاون بين البلدين في عدة مجاالت" ،كما التقى نائب الرئيس التركي،
فؤاد أقطاي ،مع وزير التجارة السعودي ،ماجد بن عبدهللا القصبي ،في إسطنبول وتباحثا في
العالقات التجارية بين الجانبين.
هذا الزخم المتزامن للقاءات التركية-الخليجية ُتِّو َج في الـ 24من نوفمبر/تشرين الثاني الفائت
بزيارة محمد بن زايد ألنقرة ألول مرة منذ عشر سنوات ،واستقباله بحفاوة رسمية بالغة وتوقيع
البلدين عدة اتفاقات ومذكرات تفاهم في مجاالت التجارة والطاقة والبيئة واالستثمار ،إضافة
لتأسيس اإلمارات صندوًقا بقيمة 10مليارات دوالر أميركي لالستثمار في تركيا .رَّد أردوغان
بزيارة في فبراير/شباط الجاري ،تخَّللها توقيع 13اتفاقية بين البلدين وتوقيعهما على بيان مشترك
بشأن "بدء مفاوضات اتفاقية الشراكة االقتصادية الشاملة بينهما".
المطلب االول :األهمية االستراتيجية للخليج العربي
اوال :العامل الجغرافي واهميته االستراتيجية
5
المبحث االول
تستطع دول الخلج العري من موقعها الجغرافي أن تحقق الريادة والعلو ،فهو بين القارات الثالث
آسيا وأفريقيا وأوروبا ،ويشكل أهمية كيرة بل إن اإلستراتيجية االقتصادية إلى جانب الموقع
الجغرافي قد رسخت تلك األهمية وجعلتها أكثر شده وحساسية؛ وكما هو معروف أن دول الخليج
العربي تتحكم في مضيق باب السالم (هرمز) جنوب الخليج ،وحتى منطقة الفاو جنوب العراق؛
وعند النظر من زاوية القوى الجيوسياسية البرية المعتمدة عل خط الحزام المحط يعد أن منطقة
الخليج العربي تشكل مركز الحزام المحيط بأوروبا وآسيا ،وتشتمل على المقدرات الرئيسية
لمختلف أنواع التدخالت الموجهة محو أورآسيا( )7؛ وعندما نتناول الخليج العربي من زاوية
الجيوسياسية الحربية بحد أنه يقع في بؤرة االستراتيجيات التي تنتهجها القوى ذات المحور
البحري تجاه القارات الثالث آسيا وإفريقيا وأوروبا ،وقد أصح بالنسية لالستراتيجيات ذات الثقل
البحري ،كما بات بمثاية قاعدة عسكرية لتحقيق الهيمنة اإلستراتيجية الموجهة نحو القارات
الثالث آسيا وإفريقيا وأورويا وبحارها ،ومتلك أهم المعابر المائية مثل معبر مضيق هرمز
ومضيق بات عدن ،وتحتل دول الخلج المكان المميز في قلب العالم القديم وعلى البحار
والمضايق األكثر اهمية في العالم ،وعلى طرق مرور الطاقة ولكن المشكلة تاتي من أن الحدود
االتية داخل الشرق األوسط تشبه جدار مخلخل المفكك اللبنات ،وتدرك القوى الدولية أن تحريك
أية لبنة من لبنات ذلك الجدار المخلخل يعني انهياره ،وهي بطبيعة الحال ال ترغب في البقاء
تحت حطام جدار متهدم ،ولتحقيق هذا الهدف تعمل تحريك لبناته المختلفة في آن واحد ،وهو ما
يستوع تنوع ألعابها الدبلوماسية ،إذ يتحتم على هذه القوى المداومة على إعادة تقييم أوضاعها
بالنسبة للقوى األخرى داخل وسط مرن.
6
المبحث االول
الذي يمتلكه ،فإن أكبر التطورات الثقافية والدينية والفكرية التي أثرت في تاريخ البشرية تحققت
على أرض هذه المنطقة كما أسهم قربها من القارات الثالث أن تكون ساحة للمجاهرة والمواجهة
والمحاسبة الثقافية على المستوى العالمي والمحلي(.)8
وركز داود أغلو على التاريخ واعتبره من المعطيات الثابتة ،ألن التاريخ يساعد على معرفة ما
كان من شأن األمم البائدة بشكل عام؛ حيث يفيد هذا األمر في معرفة الطرق التي تقدم بها
اإلنسان ،والذي نتج اساسا عن تقدم العقل البشري وما صاحبه من تقدم في النظريات،
والفلسفات ،والعلوم ،واألفكار المختلفة ،إلى أن وصلت كلها إلى ما وصلت إليه اليوم من تطور
كبيرة ،فأفكار اليوم ليست كاألفكار في القرون الوسطى.
وتتميز دول الخليج العربي بغناها التاريخي والثقافي ،فبسبب موقعها المميز استطاع العرب أن
يحتكموا بكافة الثقافات ،فالناس مرتبطون بشكل أو بآخر بالتاريخ ،وإن حاولنا التعمق في
بعض الحضارات نجد أن التاريخ له أهميه عظيمة في حضارها ومنطلقاها تجاه
العالم.
ثالثا :العامل االقصادي و دوره في القوة الشاملة.
تعد منطقة الخليج العربي واحدة من أهم المناطق ذات األبعاد االستراتيجية على مستوى العام من
ناحية اقتصادية و الجغرافية،مرتبطا ذلك باالكتشافات النفطية الكبيرة التي عرفتها دول المنطقة
مما جعل منها محط أنظار العالم وقواه المتنافسة ،إال أن تنامي أهميتها اإلستراتيجية خالل العقود
القليلة المنصرمة ،قد ارتبط أيضا بقدرة دول المنطقة الغنية بالنفط على استثمار عائداته وتوظيفها
في تنمية مرافق هذه الدول ،ومحاولة النهوض سياسيا واقتصاديا واجتماعيا باالعتماد علي
"الطفرة" الكبيرة في أسعار النفط ،وقد أصبحت منطقة الخليج في اآلونة األخيرة إلى واحدة من
أكبر بؤر العالم أهمية واضطرابا في الوقت ذاته ،وبات من أهم مفرداته وملفاته مسألة تأمين أمن
منطقة الخليج والحفاظ على تدفق النفط منه إلى العالم ،وللداللة على األهمية االقتصادية للنفط
بالنسبة لدول المنطقة ،يمكن مطالعة التقارير االقتصادية الدولية الراصدة لحركة األموال فيها،
فقد وصلت عائدات دول مجلس التعاون الخليجي من مبيعات النفط عام 2003م إلى 350مليار
دوالر ،و تتجاوز 450مليار دوالر في عام 2008م بفضل ارتفاع أسعار النفط علميا .
كما وصل الفائض التراكمي في الحساب الجاري بين عامي 2003م و 2007م إلى نحو 700
مليار دوالر ،واصبح 900مليار دوالر في عام 2009بحسب تقارير صندوق النقد الدولي .كما
بلغ نمو الناتج المحلي اإلجمالي إلى ،% 7.5وتجاوزت الفوائض التجارية 250مليار دوالر في
7
المبحث االول
عام 2005م ،وحسب تقديرات بعض الخبراء ،فإن منطقة الخليج ستراكم فائضا في الميزانية
مقداره 3تريليون دوالر بين عامي 2005و 2025م.
ويرجع هذا النمو االقتصادي غير المسبوق إلى كون دول الخليج العربي تمثل محطة وقود للعالم
بأسره كما تبرز االحتياطات النفطية في منطقة الخليج العربي لتؤهلها كمركز مهم لتلبية الطلب
()9
العالمي المتزايد على النفط ،ال سيما احتياجات الدول اآلسيوية.
إذ تضم منطقة الخليج العربي ثلثي احتياطي النفط المكتشف في العالم ،كما ينتج اكثر من ربع
إجمالي اإلنتاج العالمي من النفط وبخز ن ثلث إجمالي االستهالك العالمي تقريبا ،وتشير تقارير
وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب العالمي على النفط سيزداد من 84مليون برميل يوميا في عام
2005م إلى 116مليون برميل يوميا في عام ،2030وستبلغ حصة الخليج العربي من إنتاج
النفط ما يزيد عن % 37من اإلجمالي العالمي بحلول عام 2025م.
وال يمكن بحال التغاضي في هذا السياق عن أهمية (الغاز) في الوقت الراهن ،مما يعزز من
هيمنة الخليج العربي على أسواق الطاقة ،فكل من إيران وقطر تملكان اثنين من أكبر ثالثة
احتياطيات للغاز ،تعتبر المنطقة بهذا االمتداد الجغرافي من أغنى المناطق العالمية بالثروات
الطبيعة ،فال يوجد منطقة في العالم أغنى من حيث الثروات من منطقة الخليج العربي ،وعلى
رأس هذه الثروات النفطة التي تنتشر في بقاع عديدة من بقاع الوطن العري وعلى رأسها دول
الخليج ،يبد انه مع انخفاض أسعار النفط من مائة دوالر لسعر البرميل إلى اثنان وأربعون دوالر
في عام ،2016اهتزت مكانة منطقة الخليج بالنسبة للقوى الدولية ،وهذا يعني أن على دول
الخليج تعزيز بقية أدوات قوتها في نظرية القوة الشاملة وان ال تعتمد فقط على القوة االقتصادية
البحتة.
المطلب الثاني :االهداف االستراتيجية التركية تجاه الخليج العربي
يمثل دور تركيا في الخليج العربي في عهد حزب العدالة والتنمية عقبة كبيرة أمام تحقيق األمن
واالستقرار في الخليج العربي ،حيث تمتلك تركيا األردوغانية أطماع واضحة وأجندة تنافسية مع
قوى اقليمية أخرى مثل إيران ،وتحاول من خاللها استعادة مكانتها وثقلها االستراتيجي المفقود
منذ طي صفحة الحرب الباردة وفشل مشروع االنضمام لالتحاد األوروبي.
ولذا تحاول القوى العربية الفاعلة في الوقت الراهن ،مثل المملكة العربية السعودية وجمهورية
مصر العربية ،ودولة االمارات العربية المتحدة ،التصدي لألطماع التركية في إطار جهود الدول
الثالث لصون األمن القومي العربي وحماية مصالح الشعـوب العربيـــــة .وفي هــــذا العـــــــــدد
تسلط “درع الوطن” الضوء على أبعاد ومالمـح وأهــداف تأثيرات الدور التركي ،وتوضيـح
خلفيــات وفــرص تحقــق األحـــالم والتطلعات التركية في الخليج العربي.
8
المبحث االول
كانت اضطرابات عام 2011التي شهدتها العديد من الدول العربية ،وما رافقها من فوضى
وانهيار أسس ودعائم الدولة المركزية في حاالت عدة ضمن مـايسمـى إعالميًا بـ “الربيع
العربي” ،فرصــة مناسـبة للمشــروع التوسعي الذي ظل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
يحلم به منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في عام .2002حيث كان ،وال يزال،
أردوغان يحلم باستعادة نفوذ القوة العثمانية القديمة ذات النفوذ االستعماري االقليمي الكبير،
منطلقًا من التدخل في شؤون الدول العربية المجاورة والسعي للعب دور فاعل في إعادة
()10
“هندسة” الخليج العربي بما يتـوافق مـــع طموحاتــه وأحالمه.
لماذا الخليج العربي ؟
يركز هذا الملف على دراسة أبعاد الدور التركي في الخليج العربي ألسباب عدة أهمها أن هذا
الدور لم يستهدف المنطقة الشرق أوسطية برمتها بل يالحظ أن هناك نوع من “تسكين” العالقات
التركية االسرائيلية والحفاظ علىها في مستوى يرتضيه الطرفان في توافق شبه ضمني ،وبما
يحفظ مصالحهما ويتوافق مع قواعد التعاون بل والتحالف االستراتيجي الذي يمثل المظلة
التاريخية للعالقات رغم بعض االشتباكات االعالمية والسياسية التي تصب إجماًال في سلة
مصالح كال الطرفين أو أحدهما على األقل ،كما يالحظ أن العالقات التركية االيرانية تتسم بتعاون
أكثر من الطابع التنافسي الذي يشير إليه بعض الباحثين ،وهناك توافق ضمني على حدود
المصالح والنفوذ وحرص متبادل على تفادي أي عوامل قد تؤدي إلى التوتر في العالقات بين
البلدين ،باعتبار أن كال منهما يمثل ظهيرًا استراتيجيًا لآلخر في ملفات عدة؛ فتركيا تعد منفذًا
حيويًا الفالت إيران من قبضة الحصار والعقوبات األمريكية ،وتركيا في المقابل ترى في
عالقاتها مع إيران ورقة مهمة للحفاظ على مصالحها في العراق المجاور ،وأيضًا لضمان
التنسيق المشترك فيما يخص “هندسة” العالقات االقليمية والسيما دور دول مجلس التعاون،
حيث يالحظ االقتراب المتبادل والحذر ،فإيران تتواجد عسكريا في سوريا على الحدود التركية،
والقوات التركية تتمركز في قاعدة عسكرية بقطر .صحيح أن الهدف من هذا االقتراب ليس
مناكفة احدهما اآلخر ،وخصوصًا الوجود التركي في قطر الذي يستهدف الضغط استراتيجيًا على
السعودية واالمارات ،ولكن هذا االقتراب يتطلب من أنقرة وطهران مستوى معين من التعاون
والتنسيق والتفاهم(.)11
وفي ضوء ماسبق ،ومعطيات الواقع التي تشير إلى أن التدخالت التركية تركز باألساس على
الخليج العربي وتستخدم أدوات وتسعى إلى تحقيق أهداف تتعلق بهذه المنطقة على وجه التحديد،
فإن التركيز على دراسة الدور التركي في العالم العربي يمتلك أهمية خاصة كي ال تنصرف
األنظار عن طبيعة هذا الدور الخبيث.
9
المبحث االول
بيئة سياسية مواتية
ورغم أن تركيا قد تبنت في بداية وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى الحكم سياسة خارجية
قائمة على استراتيجية “صفر مشاكل” التي صاغها وزير الخارجية األسبق أحمد داود أوغلو،
فإن تنامي نفوذ أردوغان في الحزب الحاكم ثم قيامه بتغيير شكل نظام الحكم ذاته وإبعاد حلفائه
السياسيين المقربين ،قد فتح الباب واسعًا أمام االنقالب على هذه االستراتيجية واالعتماد على
توجه جديد معاكس تمامًا ،قائم على صناعة األزمات والتدخل عبر القوة الخشنة في مناطق
األزمات والصراعات العربية ،مستغًال في ذلك تنظيم “اإلخوان المسلمين” االرهابي الذي يرتبط
مع الحزب الحاكم في تركيا وقادته ،والسيما الرئيس أردوغان ،بروابط فكرية وأيديولوجية
وعالقات تنظيمية قوية ،حيث وجدت تركيا في أحداث العشرية الثانية من القرن الحادي
والعشرين في المنطقة العربية فرصة سانحة لتحقيق أطماعها في دول عربية عدة من بينها مصر
واليمن وتونس وسوريا ،من خالل دعم تنظيم “األخوان المسلمين” للوصول إلى الحكم حتى بلغ
بها الحال للتدخل العسكري المباشر في سوريا وليبيا ،فضًال عن خسارة المصالح االستراتيجية
التركية مع دول عربية مهمة مثل السعودية ومصر واالمارات ،بل والسعي الدائم لإلضرار
بمصالح هذه الدول عبر بناء تحالفات تكتيكية غير واقعية مع نظام الحكم في دولة قطر وحكومة
السراج في ليبيا وتنظيمات ارهابية متطرفة استطاعت عقد صفقات سرية مشبوهة مع النظام
التركي لفتح ممرات عبور االرهابيين إلى سوريا وغيرها.
وال يقتصر السعي التركي للتدخل في المنطقة العربية على سوريا وليبيا ومحاولة الضغط على
بعض الدول واالضرار بمصالحها بل يشمل محاوالت مستمرة للتسلل في منطقة القرن االفريقي،
حيث تبدي أنقرة اهتمامًا استثنائيًا بدول القارة االفريقية منذ سنوات مضت ،حيث استضافت تركيا
في مدينة اسطنبول عام ،2008قمة أفريقية تركية تحت اسم “التضامن والشراكة لمستقبل
مشترك” ،وكانت القمة األولى من نوعها ،وشارك في هذه القمة ممثلون من 50دولة أفريقية،
وفي العـام ذاتــه منحـــت “قمــــة االتحــاد األفريقـي” المنعقــدة في أديـــس أبابا وصـــــف
“حليف استراتيجي” لتركيا ،كما قامت بمضاعفة اعداد سفاراتها في افريقيا خالل السنوات القليلة
الماضية لنحو ثالثة أضعاف العدد في السابق ،وتنشط الخطوط الجوية التركية إلى جانب آلية
الدعم وتعزيز التبادل التجاري .صحيح أن العالقات التركية االفريقية لم تعد بنفس الحماس
السابق منذ تولي فخامة السيد عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر ووضع افريقيا في صدارة اولويات
السياسة الخارجية المصرية ،ولكن أنقرة ال تزال تستخدم عالقاتها مع دول قارة افريقيا في كسب
نفوذ متزايد داخل المنظمات الدولية واالقليمية ،كما توظفها في تحقيق أهداف عسكرية مثلما
حدث في اقامة قاعدة عسكرية تركية بالصومال ،وهي ثاني قاعدة عسكرية للجيش التركي خارج
10
المبحث االول
أراضيه بعد القاعدة العسكرية في قطر ،وهو تمدد مناوىء للنفوذ العربي ويعمل على محاصرة
هذا النفوذ او على االقل ايجاد معادل موضوعي له(.)12
أهداف الدور التركي في الخليج العربي
دعم أجندة تنظيم اإلخوان المسلمين االرهابي :يأتي هذا الهدف في صدارة أولويات السياسة
الخارجية التركية في الخليج العربي ،حيث يعتقد الرئيس أردوغان أن حلفائه األيديولوجيين
يمكن أن يكونوا البديل ألنظمة الحكم في دول عربية عدة ،ويتجاهل مساحات الرفض الشعبي
الهائلة للتنظيم وتوجهاته ،والتي كان من أبرزها ثورة الثالثين من يونيو عام 2013في مصر
ضد حكم نظام اإلخوان المسلمين ،ولكن أردوغان ال يزال يعتقد في أهمية دور التمسك بهذه
الورقة التي كان يسعى من خاللها إلى أن تكون تركيا نموذجًا ألنظمة الحكم البديلة ،فضًال عن
قيامها بدور عراب العالقات الغربيــــة مـع هــذه األنظمــة ،وهـي أحــــالم لم يعد لها فرص
التحقق على أرض الواقع ،ولكنه ال يزال يتشبث بأذيالها في ظل وجود بقايا حكم التنظيم في
بعض الدول العربيــة ،ورهانه على إحياء ولملمة شتات هذه البقايا كي تتحول إلى قوة دفع جديدة
يمكنها إحياء دور التنظيم عربيًا.
التحول إلى سياسة خارجية هجومية لتعزيز مكانة تركيا ودورها :رأى الرئيس أردوغان وحلفائه
في حزب «العدالة والتنمية» التركي أن مايعرف بـ الربيع العربي» يمثل فرصة ثمينة العادة
هيكلة توجهات تركيا وهويتها االستراتيجية من خالل السعي لقيادة العالم االسالمي وترسيخ
دورها االقليمي بما ينطوي علىه ذلك ـ وفقا لهذه الرؤية ـ من مصالح حيوية لتركيا على الصعيد
االقتصادي والتجاري والسياحي ،وحتى على مستوى مبيعات األسلحة ،فضًال عن امتالك أوراق
ضغط جديدة تسهم في حوارها االستراتيجي مع االتحاد األوروبي وروسيا والواليات المتحدة
واستغالل عالقاتها المفترضة مع أنظمة الحكم العربية ـ كما كان متصورًا قبل انهيار هذه األحالم
ـ في تحقيق األهداف والمصالح االستراتيجية التركية مع العالم .فضًال عن ممارسة سياسة خلط
األوراق واإلرباك من خالل تحقيق أهداف تخص األمن القومي التركي وتسويقها سياسيًا
باعتبارها ضمن األهداف المشتركة للعالم في مكافحة االرهاب وغير ذلك ،ومن أبرز األمثلة
الدالة على ذلك السعي للقضاء على األكراد ووأد احالمهم في بناء دولة مستقلة ،وكذلك سعي
أردوغان إلقامة منطقة عازلة على الحدود التركية السورية بزعم مكافحة ومالحقة تنظيمات
االرهاب والتطرف ،وأيضًا استغالل موقعها الجغرافي كمعبر لموجات اللجوء من سوريا إلى
دول االتحاد األوروبي وكذلك تسلل االرهابيين إلى الداخل السوري ،في تحقيق األهداف
االستراتيجية التركية والسيما مايتعلق بابتزاز دول االتحاد األوروبي والحصول على األموال
مقابل وقف زحف الالجئين إلى حدود أوروبا(.)13
11
المبحث االول
محاولة الضغط على مصر والسعودية والسعي للحد من دورهما االقليمي وتهديد األمن القومي
العربي :منذ انهيار نظام حكم تنظيم اإلخوان المسلمين االرهابي في مصر عام ،2013والدعم
القوي الذي قدمته المملكة العربية السعودية ودولة االمارات لمصر في تلك الظروف ،بما مًك نها
من تجاوز الصعوبات االقتصادية في أغلبها ،تشّك لت لدى أردوغان قناعة بأن السعودية ومصر
يقفان حجر عثرة في وجه تحقيق أحالمه التوسعية بالمنطقة العربية ،ومن ثم فقــد قــام بتطـوير
استراتيجيـــة السياسيــة لتشمل اسـتهدافهما والعمــــل على ضـــــرب مصالحها ،وجاء ذلك من
خالل محاور وأدوات عدة أولها تقديم دعم تركي عسكري وسياسي للنظام الحاكم في قطر من
أجل تحريضه على مواصلة سياساته المعادية لبقية دول مجلس التعاون ،حيث قامت تركيا باقامة
قاعدة عسكرية في الدوحة ويتمركز فيها قوات نخبة تركية تحت غطاء اتفاقية أمنية تم توقيعها
عام ،2014واتفاقية تسمى باتفاق المجلس االستراتيجي القطري التركي ،مقابل الحصول على
مليارات الدوالرات القطرية لدعم االقتصاد التركي المتداعي بسبب ازماتها المتالحقة والتدخالت
العسكرية المتوالية ،التي تسببت في تراجع الصادرات وانهيار العملة التركية.
اقامة توازن مع النفوذ االيراني اقليميًا ودوليًا :الثابت أن النظام االيراني منذ قيام ثورة الخميني
عام 1979يمتلك مشروعًا توسعيًا ذا وجه طائفي يحاول تنفيذ في المنطقة العربية ،وراوحت
الجهود في هذا اإلطار بين مد وجزر حتى جاء الغزو األمريكي للعراق في عام ،2003والذي
وجدت فيه إيران فرصة تاريخية للتغلغل إلى هذا البلد العربي الكبير من بوابة الطائفية والمذهبية
وترسيخ نفوذها فيها بالشكل الذي تشير إليها المؤشرات الراهنة .ولما كان الوجود االيراني في
العراق يمثل تهديدًا للمصالح التركية لما بين البلدين من تنافس تاريخي تقليدي وصراعات
مصالح تشتعل وتخمد بحسب الظروف االقليمية وحسابات المصالح واألولويات السياسية للبلدين،
والتوازنات االستراتيجية القائمة بين القوى االقليمية ،وفي ظل غياب أي مشروع عربي جماعي
للتصدي للتهديد اإليراني ولجم االندفاع االيراني في دول المنطقة العربية ،سارعت تركيا وقتذاك
إلى تغيير مقاربتها االستراتيجية وصياغة استراتيجية جديدة قائمة على التدخل الخشن في
األزمات والصراعات.
السعي الدائم لصرف األنظار عن األزمات الداخلية :رغم ما راكمته تركيا من نجاحات تنموية
في بدايات تولي حزب العدالة والتنمية ،فإن سياسات أردوغان قد تسببت في شبه عزلة تركية
اقليمية ودولية انعكست سلبًا على االقتصاد التركي ،الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات
الصادرات والسياحة ،فضًال عن تفاقم األزمات الداخلية وتدهور مستوى المعيشة وانهيارات
متوالية للعملة التركية ،التي شهدت سنوات طويلة من االرتفاعات القياسية ،وقد ازدادت
االوضاع الداخلية سوءًا بعد ما عرف بمحاولة االنقالب الفاشلة عام ،2016والتي وفرت
12
المبحث االول
ألردوغان المبرر والمسوغات لالنقضاض على معارضيه كافة سواء بدعوى االنضمام إلى
جماعة فتح هللا جولن أو التعاطف معها أو فتح قنوات اتصال مع قادتها ،وقام باستعداء شريحة
سياسية كبيرة ،وزج عشرات اآلالف السجون وفصل وتشريد مئات اآلآلف من وظائفهم ،وفتح
الباب امام تعديالت دستورية افضت إلى نظام حكام للرئيس أردوغان فيه الكلمة الفصل .وبحسب
احصاءات ،فقد اتخذ الرئيس أردوغان اجراءات عقابية ضد نحو 160ألف شخص فى اعقاب
محاولة االنقالب الفاشلة ،كما فقد نحو 140ألف شخص وظائفهم الحكومية ضمن مايعرف
بتطهير الدوائر الحكومية من جماعة فتح هللا جولن ،فضًال عن اعتقال عشرات اآلآلف من
العسكريين وضباط الشرطة والقضاة ما أحدث شرخًا في المجتمع التركي يصعب ترميمه سوى
بعد رحيل أردوغان وطي صفحة هذه السياسات االنتقامية.
13
المبحث الثاني
التوجه التركي نحو البحر االحمر
عزز دخول تركيا على خط التنافس حول منطقة البحر األحمر االستراتيجية المخاوف من تغذية
الصراعات اإلقليمية الدائرة فيها ،وتحولها إلى إحدى أكثر البؤر توترا حول العالم.
تتشارك عدة دول مياه البحر األحمر ،وهي مصر والسودان واليمن والسعودية واألردن
وإسرائيل وجيبوتي وإريتريا ،ويعتبر هذا البحر أحد أهم ممرات المالحة والتجارة العالميتين
ويشهد عبور ما يقارب 3.3ماليين برميل نفط يوميا.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن خالل زيارته األخيرة إلى السودان موافقة
الخرطوم على تسليمه جزيرة "سواكن" المطلة على البحر األحمر ،ألجل غير محدد ،وذلك من
أجل "إعادة تأهيلها" في إطار اتفاقيات أمنية واقتصادية ،ما أثار ردود فعل غاضبة ال سيما من
مصر والسعودية.
وقال مساعد وزير الداخلية المصري سابقا محمد نور الدين إن لتركيا "أطماعا" كبيرة في
المنطقة وإنها بخطوتها األخيرة ستؤدي "حتما" إلى قيام استقطابات وتحالفات من شأنها في
خاتمة المطاف تأجيج الصراع ليس على "المستوى اإلقليمي فحسب بل على "المستوى الدولي"
أيضا.
وأضاف لموقع "الحرة" أن الحكومة السودانية تكون "مخطئة" إن ظنت أنها بمنحها سواكن
لتركيا ،ستضغط على بالده بشأن حاليب ،مشددا على أن حاليب مصرية.
وقال نور الدين إن مصر ستتخذ "كل اإلجراءات التأمينية الالزمة" في مواجهة التطورات
األخيرة ،محذرا من أن السودان "سيفاجأ برد فعل عنيف جدا" إذا ما نجح في مساعيه لـ"جر
مصر إلى حرب" ،عبر استقدام تركيا ومواقفها "المعادية" إلى جوارها.
وقال المحلل االستراتيجي ومدير علوم الشرق األوسط في جامعة تل أبيب إيال زيسير لموقع
"الحرة" إن الصراع اإلقليمي والدولي في البحر األحمر ليس بجديد وإن وجود تركيا في المنطقة
ال يمثل "تهديدا حقيقيا" إلسرائيل بقدر المخاوف المتوقعة من "تحرك إيراني أو نزاع مصري
تركي" ،في ظل التعاون التركي مع السودان.
يعتبر الخبير األمني السوداني يونس محمود أن المخاوف من الوجود التركي في شرق السودان
"غير مبررة على اإلطالق" ويتساءل "لماذا لم يثر نفس الجدل عندما أدارت دول غير مشاطئة
()14
كاإلمارات ،عددا من الموانئ على البحر األحمر ،كعدن مثال؟"
14
المبحث الثاني
أعلنت كل من تركيا والسودان عن توقيع بعض االتفاقيات ،االقتصادية منها والعسكرية ،وذلك
خالل زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ،للسودان 24و 25و 26ديسمبر/كانون
األول ، 2017فيما أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو ،أنه تم توقيع اتفاقيات
بخصوص أمن البحر االحمر ،مؤكدا أن تركيا ستواصل تقديم كل الدعم للسودان بخصوص أمن
البحر األحمر ،فى الوقت ذاته تنازلت السودان عن جزيرة سواكن الواقعة فى البحر األحمر
لتركيا كى تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية لم يتم تحديدها.
جزيرة "سواكن" قريبة من السواحل المصرية ،حيث تبعد نحو 650كيلومترا من حاليب
وشالتين المصرية ،وتضم الجزيرة منطقة أثرية تاريخية تعود للحقبة العثمانية وكانت سابقا ميناء
السودان الرئيسي ،وقد بنيت المدينة القديمة فوق جزيرة مرجانية وتحولت منازلها اآلن إلى آثار
وأطالل.
أمن البحر األحمر ال يتوقف عند السودان فقط ،بل يمتد لسبع دول أخرى ،مطله عليه باإلضافة
للسودان وهى :اليمن ،والسعودية من الجهة الشرقية ،واألردن ،وفلسطين من الجهة الشمالية،
وجيبوتي من الجهة الجنوبية ،ومصر من الجهتين الشمالية ،والغربية ،وإريتيريا من الجهتين
الجنوبية ،والغربية.
أهمية البحر األحمر من الناحية األمنية واإلستراتيجية ،تكمن في كونه ،أحد أهم البحار في العالم،
حيث يقع بين قارتي آسيا وأفريقيا؛ ويتصل مع المحيط الهندى من جهة الجنوب من خالل خليج
عدن ،ومضيق باب المندبَ ،أما من جهة الشمال فيشترك بالحدود مع شبه جزيرة سيناء ،وخليج
السويس ،وخليج العقبة ،حيث قناة السويس ،ويعتبر أحد طرق المالحة األساسية في العالم،
ومعبرًا رئيسيًا لتصدير النفط من دول الخليج إلى دول العالم ،وتزداد أهميته بوجود قناة السويس.
األهمية االستراتيجية للبحر األحمر تنطلق من الجنوب ،عند مضيق باب المندب ،فهو أحد أهم
الممرات المائية فى العالم وأكثرها احتضانا للسفن ،حيث يربط بين البحر األحمر وخليج عدن
الذى تمر منه كل عام 25ألف سفينة تمثل %7من المالحة العالمية ،وتزيد أهميته بسبب
ارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز ،حيث ظلت أهميته محدودة إلى أن تم افتتاح قناة
السويس عام 1869وربط البحر األحمر وما يليه بالبحر المتوسط ،فتحول إلى واحد من أهم
ممرات النقل والمعابر على الطريق البحرية بين بلدان أوربية والبحر المتوسط ،وعالم المحيط
الهندي وشرقي إفريقيا.
فما انعكاسات الخطوة على صراع النفوذ في البحر األحمر في ظل دخول كل من تركيا وروسيا
على الخط ،األمر الذي يعيد رسم النفوذ في البحر األحمر ويعكس بالضرورة تغييرا في خريطة
15
المبحث الثاني
التحالفات اإلقليمية في منطقة البحر األحمر الملتهبة بالصراع في اليمن واألزمة الخليجية
وحصار دولة قطر ،وغير بعيد عن تقاطعات القضية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير
عند مدخل خليج العقبة شمال البحر األحمر للسعودية.
ويبدو أن الرئيس أردوغان يعطي أهمية للتواجد العسكري في البحر األحمر عبر البوابة
السودانية ،وال يخفي عزمه إعادة نفوذ تركيا إلى القارة السمراء كما كانت قبل قرن من الزمان،
إذ حظيت جزيرة سواكن السودانية بمكانة مهمة في عهد الدولة العثمانية ،وكانت مركزا لبحريتها
في البحر األحمر ،وضم ميناؤها مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر األحمر بين عامي
1821و.1885
وتكمن أهمية جزيرة سواكن تاريخيا في أنها أقدم ميناء سوداني على ساحل البحر األحمر،
واختارها السلطان العثماني سليم األول في 1517مقرا لحاكم "مديرية الحبشة العثمانية" التي
()15
تشمل مدينتي حرقيقو ومصوع في إريتريا الحالية.
وبعد سيطرة البريطانيين على السودان سنة 1899قاموا بتدمير أجزاء كبيرة من الجزيرة،
خاصة اآلثار العثمانية ،واستغنوا عن مينائها وأنشؤوا ميناء بديال في بورتسودان
وتراقب تركيا ما يجري في منطقة البحر األحمر التي تشهد تنافسا محموما للسيطرة والتوسع ،فقد
سّلمت مصر جزيرتي تيران وصنافير للسعودية ،كما تسعى إسرائيل إلقامة مشروع قناة
إسرائيلية موازية لقناة السويس ،فضال عن قناعتها بأن البحر األحمر والسودان يشكالن معبرا
مهما للتعاون التجاري واألمني مع دول أفريقيا.
ومن جهة أخرى ،وربما بسبب صعوبة انضمام تركيا لمنظومة االتحاد األوروبي ،لجأت أنقرة
إلى تكثيف انخراطها في المنطقة عموما ،ووظفت عالقتها -على سبيل المثال بقطر -تحقيقا لهذا
الهدف ،ودفعت األزمة الخليجية وحصار قطر نحو تعميق التعاون بين أنقرة والدوحة ،حيث عمد
الطرفان إلى تفعيل التواجد العسكري التركي في قطر .ومعلوم أن لدى تركيا قاعدة عسكرية في
الصومال ،وتعكف على تدريب نحو 11ألف جندي صومالي.
أدركت القوى االستعمارية األهمية الكبرى للبحر األحمر خالل القرن السادس عشر وما بعده
وحتى مطلع القرن العشرين ،مما أدى تلك القوى إلى تطوير أساطيلها البحرية والعسكرية
والتجارية واالستيالء على الموانئ والمدن الساحلية السيما ذات األهمية االستراتيجية والزالت
16
المبحث الثاني
تلك المنطقة تشهد صراعات وتنافس بغرض السيطرة عليها وعلى مواردها خاصة بعد زيادة
األهمية للبحر األحمر بعد افتتاح قناة السويس في عام 1861م واكتشاف البترول في منطقة
الخليج العربي.
تتداخل وتتفاوت أهمية البحر األحمر االستراتيجية بالنسبة للقوى اإلقليمية والدولية ما بين أهميته
األمنية والعسكرية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية ،ففي كل لحظة تبرز أي من هذه
األهميات على السطح بحسب تداعيات التفاعل والتداخل اإلقليمي والدولي في المنطقة ،ولكن
تبقى األهمية االقتصادية واألهمية العسكرية واألمنية هما أكبر الدوافع للتنافس اإلقليمي على
البحر األحمر والتخوم المجاورة له.
في القرن الحالي بدأت العالقة بين االقتصاد العالمي وأمن المالحة البحرية تتطور مع الزيادة في
التجارة العالمية المنقولة بحرًا ،ومن المتوقع أن تتضاعف نقل الحموالت البحرية العالمية خالل
الفترة ما بين 2020 – 2014م ،بينما يتوقع زيادة عدد منصات النفط والغاز القائمة لتصل لما
يزيد عن 600منصة بحلول عام 2030م ،وذلك مما زاد من أهمية سالمة وأمن المالحة البحرية
خاصة في البحر األحمر الذي يربط ثالثة قارات هي آسيا وأفريقيا وأوروبا.
خلفية تاريخية
نجد أن أهمية البحر األحمر قديمة بدأت بتدخالت القوى السياسية العالمية واألجنبية وأثرها على
أمن شعوب البحر األحمر منذ عهد الفراعنة واألشوريين والرومان والفرس والبطالمة ،وحديثًا
17
المبحث الثاني
بدأ بظهور القوة البرتغالية في البحر األحمر التي أحكمت قبضتها على ساحل البحر األحمر عن
طريق استخدام القوة والقهر.
في العام 1540م استعان ملك الحبشة باألسطول البرتغالي ضد األمراء المسلمين في السواحل
اإلريترية حيث سيطر ملك البرتغال عمانويل على سواحل البحر األحمر وتولى حماية الحبشة
من أي اعتداء خارجي ،وقد حارب األهالي القوة البرتغالية ورفضوا التعاون معها حتى تم
طردها بواسطة القوة العثمانية حيث احتل األتراك مصوع عام 1557م وكل بالد الساحل وعّين
األتراك الزعماء المحليين حكامًا على بالدهم نيابة عن السلطان العثماني(.)16
منذ نهاية القرن التاسع عشر سعت القوى اإلمبريالية الغربية فرنسا ،بريطانيا وإيطاليا إلى تثبيت
أقدامها في المنطقة بعد فتح قناة السويس في 1869م التي ضاعفت األهمية االستراتيجية للبحر
األحمر وتضاعفت بالتالي اهتمامات دول الصراع في السيطرة عليه وحرصها على أن تكون
قريبة من باب المندب ،وكانت موانئ البحر األحمر موضوع اهتمامات ونقطة التحول في عملية
استعمار منطقة البحر األحمر وما حولها.
استخدمت بريطانيا قاعدة عدن كنقطة انطالق لتوسعها االستراتيجي الهادف للسيطرة على البحر
األحمر ومنع أي قوة أخرى من االقتراب منه فاحتلت مصر عام 1882م ،ومن ثم توجهت
للجنوب الشرقي في نفس العام لتحتل مينائي زلع وبربرة في الصومال وذلك الستخدامها في
العمليات العسكرية ضد دول المحور ثم احتلت السودان عام 1899م بحجة أن تلك األراضي
كانت تحت السيطرة العثمانية وهي ال تدخل ضمن إطار اتفاقية 1877م.
قامت فرنسا بترسيخ أقدامها على ساحل البحر األحمر وخليج عدن وبالقرب من باب المندب من
خالل معاهدة مع رؤساء قبائل عيسى احتلت بموجبها أوبوك وتاجورا في األعوام – 1884
1885م وميناء جيبوتي عام 1888م ،واستخدم الفرنسيون أوبوك كقاعدة لعملياتهم العسكرية في
المنطقة.
ركزت إيطاليا اهتماماتها في إيجاد منفذ غربي حيث قامت بتعيين مفوض مدني في عصب
1880م بهدف وضع موطئ قدم لوجودها هناك حيث قامت في العام 1882م بتحويل عصب إلى
مستعمرة حيث أنزلت قوة عسكرية في 22/2/1885م وفي نفس العام قامت باحتالل مصوع،
وقامت إيطاليا باحتالل الصومال عام 1925م ووقعت معاهدة مع بريطانيا تحدد مناطق
الصومالي اإليطالي والبريطاني .تراجع الحضور البريطاني والفرنسي بعد الحرب العالمية
الثانية وتحول البحر األحمر إلى ميدان تناقس أمريكي روسي (سوفييتي).
وألهمية المنطقة للواليات المتحدة األمريكية ولحماية مصالحها ونشاطها العسكري توصلت في
عام 1978م إلى اتفاق مع كل من كينيا والصومال للحصول على تسهيالت في الدولتين ،فمنذ
18
المبحث الثاني
الحرب العالمية الثانية تخوض أمريكا حربًا سرية في منطقة جنوب السويس ضد االحتكارات
البريطانية المسيطرة في ذلك الوقت ،ومن هنا جاءت عالقاتها مع أثيوبيا حيث حصلت على
قاعدة كاجينو ستيشن في إريتريا قبل استقاللها التي توفر لها منطلقًا استراتيجيًا فيما بعد قناة
السويس إلى داخل البحر األحمر.
مد االتحاد السوفييتي جسور التعاون إلى مصر بعد العام 1956م لضمان مرتكز استراتيجي
يستند إلى خصائص مصر الجغرافية /السياسية بإطاللتها على البحر األحمر والبحر األبيض
المتوسط ،أما على صعيد جنوب البحر األحمر فقد ركز السوفييت على كسب صداقة اليمن حيث
وّقعوا معها معاهدة صداقة في نوفمبر 1955م ،ثم الحقًا اليمن الجنوبي حيث تم تتويج هذه
العالقات بتوقيع معاهدة صداقة وتعاون بين البلدين ولمدة ربع قرن بتاريخ 25/10/1979م،
وقبلها وّثق السوفييت عالقتهم مع الصومال عام 1962م حيث قدمت الصومال للسوفييت
تسهيالت بحرية في ميناء بربرة ومركز اتصاالت عسكري في ديسمبر 1972م ،ثم الحقًا تم
توقيع اتفاقية صداقة بينهما في يوليو 1974م.
بدأت االستراتيجية اإلسرائيلية حيال البحر األحمر عام 1949م بعد تأسيس الوجود اإلسرائيلي
في خليج العقبة وبهدف االتصال مع العالم الخارجي عن طريقه ،ولتحقيق ذلك الهدف بدأت
إسرائيل بتأسيس وجودها على البحر األحمر بغية استخدامه لتحقيق مصالحها العسكرية
والسياسية واالقتصادية(.)17
األهمية االستراتيجية
تبلغ مساحة البحر األحمر حوالي 438ألف كيلومتر مربع ،ويمتد على طول يزيد عن ألفي
كيلومتر وعرض ثالثمائة كيلومتر ،ويحتل موقع جغرافي مميز يربط قارات العالم القديم آسيا
وأفريقيا وأوروبا والبحر األبيض المتوسط والمحيط الهندي والخليج العربي ،وبالتالي يشكل أحد
أهم الممرات المائية الرئيسية للمالحة والتجارة الدولية ،حيث تمر به ما يزيد عن 16ألف سفينة
تجارية وسياحية وعسكرية سنويًا ،ويتم االعتماد عليه في استيراد النفط ( % 30من إنتاج النفط
19
المبحث الثاني
العالمي) ،وكذلك المواد الخام ألوروبا والواليات المتحدة والغرب عمومًا ،ويتم عبره تصدير
المنتجات الصناعية إلى آسيا وأفريقيا وأستراليا لذلك أصبح البحر األحمر القطب الذي تتالقى فيه
مصالح وأهداف مجموعة كبيرة من الدول المحلية واإلقليمية والعالمية ذات القدرات العسكرية
والسياسية المتنوعة ،ونتج عن األهمية االستراتيجية للبحر األحمر اآلتي:
أ .أصبحت منطقة البحر األحمر تتأثر بالمتغيرات المحلية واإلقليمية والدولية نسبة لترابطها
واتصالها وألهميتها االستراتيجية والجيبوليتيكة ،مثًال الشواهد واألحداث تدل على أنما يحدث في
الشرق األوسط ينعكس على البحر األحمر لذلك يعتبر كثيرون أن البحر األحمر إقليم فرعي
للشرق األوسط.
ب .حماية المصالح والمكتسبات والسيطرة والنفوذ على منطقة البحر األحمر كانت دومًا حاضرة
في تاريخ البحر األحمر القديم والحديث وإن تغيرت الدواعي والمبررات .وهذا التدخل الخارجي
حرم دوله من فرص االستقرار والنماء والتطور منذ زمن قديم ألنه يخدم مصالح تلك الدول
ويكرس هيمنتها وريادتها.
جـ .تأثر مسار وتاريخ البحر األحمر باألحداث الداخلية لدوله والخارجية للفاعلين الدوليين خاصة
في مسألة النزاعات اإلقليمية ،حروبات الحدود ،اإلرهاب ،القرصنة البحرية ،الهجرة غير
الشرعية ،حروب الموارد والتي كانت سببًا جاذبًا لألطراف الخارجية ،فكل الشواهد تؤكد على
أن البحر األحمر أصبح عامًال هامًا يسهم في التطورات العسكرية والسياسية في المنطقة كلها
والصراعات اإلقليمية تتطور إلى استقطاب دولي.
د .ال تزال منطقة البحر األحمر تمر بظروف وفترات غاية في الخطورة والحساسية بسبب
التوترات اإلقليمية واألوضاع غير المستقرة بشكل عام وذلك سيوجد حالة من التعقيد والتوتر
المستمر وعدم االستقرار بحيث ال يمكن لدولة أن تبقى بمنأى عن التأثر بتلك األوضاع أو التفاعل
معها أو التعامل مع تداعياتها.
هـ .تزايد األهمية االستراتيجية للبحر األحمر ستنعكس على زيادة المصالح واألطمـاع ،وهــذا
يترتـب عليه الصـراع بأشكاله المختلفة بين القوى اإلقليمية والدولية وال شك أن األطراف المحلية
ستدخل في هذه المواجهة.
و .توفر أسباب عديدة لحدوث أزمات حادة مستقبًال في منطقة البحر األحمر أو تأثره بأزمات في
مناطق قريبة أو مرتبطة به أيضًا قائمة مفتوحة سواًء بفعل قوى إقليمية أو دولية ونتيجة لتعارض
األهداف والمصالح وال شك أن ذلك سينعكس على األمن البحري في البحر األحمر والذي يتمثل
في تهديد تدفق التجارة البحرية والتأثير على البيئة البحرية واألمن الغذائي واألمن اإلقليمي للدول
المطلة عليه (متشاطئة).
20
المبحث الثاني
21
المبحث الثاني
بهدف ضمان مصالحها .ويمكن القول إن أهم مظاهر الحضور التركي في البحر األحمر يتمَّثل
في ما يأتي:
نشر القواعد العسكرية )1
حاولت حكومة العدالة والتنمية التركية توسيع نطاق استراتيجيتها المتمثلة في نشر
قواعد عسكرية متقّد مة في عمق محيطها الملتهب وغير المستقر في الشرق األوسط ،حيث نشرت
أول قاعدة عسكرية تركية في أفريقيا في الصومال ،بتكلفة 50مليون دوالر .وتبلغ مساحة القاعدة
الضخمة المقامة في طرف العاصمة الصومالية بالقرب من المطار الرئيس 400 ،هكتار ،وتضم
200ضابط وُم دِّر ب تركي.
ومع أن الصومال ال يملك حدودًا ساحلية فعلّية مع خليج عدن ومضيق باب المندب االستراتيجي،
بحكم أن جمهورية أرض الصومال منفصلة عن الصومال على أرض الواقع ،إال أن تركيا ما
فتئت ُتحاول الدفع نحو تغيير الوضع الجيوسياسي القائم حاليًا ،من خالل دعم المساعي الهادفة
إلى ضم أرض الصومال إلى جمهورية الصومال الفدرالية ،األمر الذي يتيح للنظام التركي
تحقيق مزيد من التأثير في جيوبوليتيك البحر األحمر وخليج عدن ،والشرق األفريقي عمومًا.
وفي السودان ،قام وزير الدفاع التركي ،الفريق أول خلوصي آكار بزيارة إلى البالد في مطلع
نوفمبر ،2018وشملت زيارته جزيرة سواكن الُمِط َّلة على البحر األحمر ،والتي منحتها الحكومة
السودانية السابقة لتركيا بهدف إعادة ترميمها على الطراز العثماني .وفي السياق ذاته ،أشار
بعض التحليالت إلى أّن زيارة خلوصي آكار هدفت بحث إقامة قواعد عسكرية للتدريب في
جزيرة سواكن السودانية .وفي أكتوبر من نفس العام ،أجازت الحكومة السودانية ما أسمته
"اتفاقية للتعاون والتدريب العسكري بين السودان وتركيا؛ بهدف تعزيز التعاون في مجال
التدريب ودعم السالم واالستقرار في البلدين".
ومع أن ثمة تحليالت تؤكد أن المخاوف إزاء إقامة قاعدة عسكرية تركية على البحر األحمر أمٌر
مبالٌغ فيه؛ ألن الحجم الصغير لجزيرة سواكن ،والصعوبات المالية التي تواجهها تركيا حاليًا
تجعل توجهًا كهذا احتماًال غير مرَّج ح على األمد القريب على األقل .لكَّن هذه الجزيرة التاريخية
في المنظور التركي تعكس عالقات عميقة مع السودان ،ما يجعلها تحمل قيمة رمزية في اللعبة
األوسع بين المتنافسين في منطقة الشرق األوسط.
والمؤكد أن استمرار البحث التركي عن إقامة قواعد عسكرية في المنطقة ،سيظل يثير حفيظة
عدة دول فيها ،وقد انتقد الرئيس اإلريتري أسياسي أفورقي ،على سبيل المثال ،الوجود العسكري
التركي المحتمل في سواكن السودانية ،إلى جانب الوجود التركي في الصومالُ ،م عتبرًا هذه
22
المبحث الثاني
التوجهات أمرًا غير مقبول وال يساهم في استقرار المنطقة ،باعتبار أن تركيا ُتنِّفذ أجندة اإلخوان
()19
المسلمين في البحر األحمر ،وتسعى لفرض نفوذها في المنطقة.
أدوات القوة الناعمة )2
إلى جانب استعراض مظاهر القوة الخشنة ،وإقامة القواعد العسكرية ،حرصت تركيا على
توظيف ما تمتلكه من أدوات القوة الناعمة ضمن سياستها الخارجية الرامية إلى التوُّسع اإلقليمي،
ولعب دوٍر في هذه المنطقة .ويتضح التركيز على بعد القوة الناعمة التركية ،من خالل استخدام
أدوات مثل المساعدات اإلنسانية والمنح الدراسية وبناء المستشفيات والمساجد والطرق ومواصلة
نشر الدراما التركية التي تمّج د الحكم العثماني .فضًال عن االستفادة من حالة االضطراب التي
كانت تعّم بلدًا مثل الصومال ،لوضع اليد على إمكانياته؛ وربما هذا ما ُيفِّسر قيام أردوغان بزيارة
العاصمة الصومالية في عام 2011إثر المجاعة التي ضربت أجزاء واسعة من هذا البلد ،وهي
قضية ال يغفل المسؤولون األتراك عن تكرارها.
وتحَّو ل ما بدأ كمبادرة إنسانية بشكل أساسي إلى سياسة أكثر شموًال ،حيث زادت أنقرة من أموال
المساعدات ،وأطلقت مشاريع تنموية ،وفتحت المدارس ،وبدأت بلعب دور بارز في تشكيل أجندة
بناء الدولة ،بما في ذلك فتح ُم نشأة عسكرية كبيرة لتدريب جنود الحكومة الصومالية .وتدير
شركات تركية اليوم مطار وميناء مقديشو ،كما تعُّج أسواق العاصمة بالبضائع التركية ،إضافة
إلى قيام شركة الطيران التركية بتشغيل رحالت مباشرة إلى مقديشو ،وهي أول شركة طيران
عالمية رئيسة تقوم بذلك.
وقد كَّر ست تركيا نفسها في أذهان الصوماليين ،بوصفها الجهة التي "تجّرأت" على االنخراط
بنشاط في هذه البالد الخطرة .وأشاد الصوماليون على نطاق واسع بمقاربة تركيا في بالدهم،
والتي جاءت مدعومة بمناشدة أردوغان للتضامن اإلسالمي واإلنساني ،ووجود أكثر وضوحًا
على األرض مقارنًة بالمانحين التقليديين .ويأتي مضمون انخراط تركيا وقلة القيود التي ترتبط
بهذا االنخراط بالنسبة للكثيرين على طرفي نقيض مع االنطباعات حول التدخالت الغربية الفاشلة
في الماضي .وعَّينت أنقرة مبعوثًا خاصًا إلى الصومال عام - 2018وهي المرة األولى من
نوعها في السياسة الخارجية التركية -وأناطت بهذا المبعوث مسؤولية إحياء جهود إجراء
مصالحة ،وإن كانت غير محتملة على األمد القصير ،بين الحكومة االتحادية في الصومال
ومنطقة "أرض الصومال" االنفصالية.
وفي الوقت الذي تصدر فيه تقارير عن مسؤولين في أنقرة بأنهم أصبحوا ُيقِّدرون قيمة "القوة
الناعمة" الناتجة عن استثماراتهم في الصومال ،إال أن حضور تركيا هناك لم يكن مشروعًا
استراتيجيًا بعيد األمد في البداية .وَش َّك َل الدور البارز التدريجي الذي لعبته هذه االستثمارات
23
المبحث الثاني
تجربة مفيدة أكثر من ممارسة القوة المدروسة .وَتراَفق هذا مع نقاش داخلي حول كيفية النظر إلى
()20
وضع تركيا ،ليس في الصومال فحسب وإنما في أرجاء القارة األفريقية أيضًا.
وُيَم ِّثُل انخراط تركيا في الصومال أكثر نمو جوهري لسياسة أنقرة الطموحة" ،االنفتاح على
أفريقيا" ،التي ظهرت عام 2005مع "مبادرة عام أفريقيا" ،والتي تهدف إلى تعزيز وجود تركيا
الدبلوماسي والتجاري في أرجاء القارة .واشتملت المبادرة على فتح عشرات السفارات الجديدة،
وخطوط جديدة لشركة الطيران التركية ،وعقد لقاءات قمة منتظمة تركية-أفريقية .وَش ِمَل زخم
دبلوماسية التركيا الناعمة بعض دول منطقة البحر األحمر األفريقية؛ حيث تنتشر مساجد يديرها
خطباء ُم دَّربون في تركيا ،ومؤخرًا تّم تشييد مسجد عبد الحميد الثاني في جيبوتي ،وهو أكبر
مسجد في جيبوتي من قبل وقف الديانة التركي الذي يتبع رئاسة الشؤون الدينية ،وهي هيئة تملك
نحو 1000فرع داخل تركيا ،وُتقِّدم خدمات مختلفة في 135دولة .والمسجد ُم صَّم م على طراز
العمارة الكالسيكية العثمانية ،وقد ُش ِّيد على رقعة مساحتها 10آالف متر مربع ،وُيطل على
شواطئ المحيط الهندي بالقرب من القصر الرئاسي في جيبوتي.
وكجزٍء من خطط حكومة حزب العدالة والتنمية للتوجه نحو المنطقة ُأطِلَقت منصاٌت إعالمية
رسمية ناطقة باللغة العربية والصومالية ،وجرى دبلجة المسلسالت التركية إلى اللغات الصومالية
واألمهرية ،حيث سعت الحكومة التركية إلى توسيع نطاق التركيز على المسلسالت التاريخية
بهدف إعادة رسم الصورة الذهنية لشعوب المنطقة عن الحكم العثماني.
وتحاول تركيا طرح مخططاتها وعالقتها مع الدول الساحل الجنوبي للبحر األحمر كبديل عن
عالقتها بالقوى األوروبية ،التي تمتلك سجًال استعماريًا في المنطقة .ولبرهنة ذلك ،تعمل تركيا
بشكل دؤوب على بناء الطرق والجسور وتقديم المساعدات اإلنسانية والمنح الدراسية للطالب
األفارقة والعرب على حٍّد سواء ،ويدرس حاليًا قرابة 4500طالب أفريقي في إطار برنامج
حكومي للمنح الدراسية ،بمن فيهم طالب قادمون من الصومال والسودان ومصر وجيبوتي .ومنذ
2011حافظت تركيا على حضور دبلوماسي في جميع الدول الواقعة ضمن سواحل البحر
األحمر ،عدا إريتريا .وُتسِّير الخطوط الجوية التركية رحالت منتظمة إلى الصومال وإثيوبيا
وجيبوتي والسودان ،وقد فتحت وكالة التعاون والتنسيق التركية مكاتب لها في عواصم تلك
الدول.
وعلى الضفة الشرقية للبحر األحمرُ ،تحاِو ل تركيا الدخول على خّط األزمة في اليمن ،تحت
غطاء تقديم المساعدات اإلنسانية واإلغاثية .وتقدم أنقرة ،عبر هيئات حكومية وغير حكومية،
مساعدات إغاثية وإنسانية ،تقول إنها "من أجل مساعدة الشعب اليمني جراء ظروف الحرب التي
يعيشها منذ أكثر من 5أعوام" .وُيمكن فهم التوجه التركي لتقديم المساعدات في اليمن بوصفها
24
المبحث الثاني
محاولة جديدة الستنساخ التجربة التركية في الصومال ،حيث تحولت تركيا من مانح أجنبي ،إلى
دولة ُتسيطر على أهم القطاعات االقتصادية والخدمية في البالد .كما ُيمكن فهم هذا التوجه
باعتباره محاولة للبحث عن موطئ قدم في الساحل الجنوبي لليمن ،ما يؤهل لتركيا تأسيس نفوذ
لها في البحر األحمر وخليج عدن لضمان مصالحها في منطقة تفتقر إلى هياكل إقليمية راسخة
ُتنِّظم العالقات والتعاون بين البلدان المعنية.
فتح أسواق للمنتجات التركية )3
يشمل التوجه التركي للتغلغل في منطقة البحر األحمر ،تعميق العالقات التجارية واالقتصادية مع
أكبر عدد ممكن من دولها ،وتحديدًا من خالل غزو المنتجات التركية للدول العربية واألفريقية
المطلة على البحر األحمر .كما تشمل هذه االستراتيجية ضّخ االستثمارات المباشرة في القطاعات
العامة والخاصة لتلك الدول ،وكذلك عقد صفقات تجارية إلنشاء مناطق تجارية ُحّر ة .ففي
ديسمبر ،2016على سبيل المثال ،وّقعت تركيا اتفاقية مع جيبوتي ،البلد الصغير الُمِط ّل على
ساحل البحر األحمر ومضيق باب المندب ،إلنشاء منطقة تجارية ُحّر ة ،تبلغ مساحتها 5ماليين
متر مربع" ،بهدف وصول منتجاتها إلى القارة اإلفريقية بسهولة وسرعة أكبر.
ووفقًا لمعهد اإلحصاء التركي ،فقد ارتفع حجم التجارة الثنائية بين تركيا والصومال إلى 206
ماليين دوالر في عام ،2019بعد أن كان 144مليون دوالر في عام .2017وحصلت تركيا
على مكاسب عديدة من تحالفها مع نظام الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير ،وتمثل ذلك في
زيادة وزنها اإلقليمي وامتالكها منصة جديدة في البحر األحمر؛ ففي وقٍت سابٍق تعَّهد الرئيس
رجب طيب أردوغان خالل زيارته للخرطوم في 2017بزيادة حجم التجارة التركية السودانية
بمقدار 10مليارات دوالر تقريبًا ،واشترى الحق في إعادة تأهيل جزيرة سواكن التي كانت ميناًء
للدولة العثمانية خالل الفترة من القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر الميالدي ،في
خطوة أثارت مخاوف كل من السعودية ومصر التي تعتقد أن تركيا تقوم ببناء قاعدة عسكرية
على الساحل الغربي للبحر األحمر بهدف تهديد أمنها ومصالحها.
استئجار الموانئ البحرية )4
من ضمن استراتيجية حكومة العدالة والتنمية التركية للتغلغل في اقتصاد منطقة البحر األحمر،
سعيها للحصول على عقود استئجار للموانئ االستراتيجية ،وأحدث خطوة في هذا االتجاه ،تطُّلع
تركيا إلى لعب دوٍر في إدارة ميناء دوراليه الجيبوتي؛ وهو واحٌد من أهم موانئ منطقة القرن
اإلفريقي ،والذي لعب منذ فترة طويلة دورًا رئيسًا في التجارة اإلقليمية ،وفقًا التفاقية جديدة بشأن
التعاون البحري بين حكومتي البلدين .وتضع االتفاقية األساس القانوني لمثل هذه االستثمارات
التركية في جيبوتي.
25
المبحث الثاني
وتشمل االتفاقية ،التي وقعتها الحكومة الجيبوتية مع نظيرتها التركية ،مجاالت مثل إنشاء مشاريع
مشتركة لتشغيل وإدارة الموانئ ،وكذلك النقل البحري الدولي وخدمات المالحة وبناء السفن
واليخوت وتطبيق التقنيات الحديثة والتدريب ،وتمت الموافقة على االتفاقية بين تركيا وجيبوتي
بشأن التعاون البحري من قبل لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي في نفس اليوم الذي
شارك فيه وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف ووزير النقل والبنية التحتية محمد محمد
تورهان في رئاسة اجتماع اللجنة االقتصادية المشتركة في أنقرة ،في 19فبراير .2020ووفقًا
لصحيفة Milliyetاليومية التركية ،اتفق الطرفان على تعزيز التجارة الثنائية ومواصلة تطوير
العالقات في مجال النقل ،بما في ذلك قطاعات الطيران والسكك الحديدية والبحرية ،وإنشاء
منطقة اقتصادية ُحَّرة جديدة في جيبوتي.
وفي الصومالُ ،تدير مجموعة البيرق التركية ،المعروفة بعالقاتها الوثيقة مع حزب العدالة
والتنمية الحاكم ( )AKPوالرئيس أردوغان ،ميناء مقديشو في الصومال تماشيًا مع أجندة تركيا
منذ عام .2014وقد حصلت على امتياز مدته 20عامًا؛ تأخذ بموجبه الشركة ٪45من إجمالي
إيرادات الميناء.
وتتماشى تلك االتفاقيات التركية مع جيبوتي والصومال وإثيوبيا والسودان مع سياسة حزب
العدالة والتنمية الخارجية ،التي تسعى إلى توسيع دور تركيا وحضورها في مجال البحر األحمر
مع زيادة مكانة تركيا بشكل عام في القارة األفريقية .وتسعى تركيا من خالل هذا التوُّسع في
عقود اإليجار إلى التحكم في الموانئ والمناطق الحاكمة وصوًال إلى ضمان قدرة أوسع على
التحكم في طرق التجارة العالمية وتأمين قواعد وخطوط المالحة لقواتها ،من أجل دعم ومساندة
أي خطط لتوسيع نطاق العمل العسكري التركي إذا اقتضت الحاجة ذلك مستقبًال.
على األسواق ،وتشكل سيطرة الشركات التركية على بعض القطاعات الحيوية في الصومال
مثاًال على ذلك.
فرض الهيمنة العسكرية واألمنية ،ومراقبة أطراف أخرى في المنطقة والحد من تأثيرها،
وذلك في إطار المساعي التركية المستمرة لدعم جماعة اإلخوان المسلمين ،وإرسال رسالة
إلى الدول الفاعلة في المنطقة التي تختلف وتتنافس معها في الرؤى والمشاريع مثل مصر
والسعودية بأهمية دورها ومكانتها.
26
المبحث الثاني
فتح األسواق األفريقية أمام المنتجات التركية ،وتأمين مصادر الطاقة والمشاريع المستقبلية،
والبحث عن المواد الخام (النفط والغاز) ،ورفع وتيرة المنافسة االقتصادية مع القوى
األخرى.
27
المبحث الثالث
مطلب االول :مستقبل االستراتيجة التركية تجاه الخليج العربي
يعُد التفاهم التركي – الخليجي له ثقله وتأثيره المباشر على التوازنات في المنطقة كلها بما يلقي
بظالله على أمن منطقة الخليج فتركيا دولة لها وزنها العسكري واالقتصادي والجيوسياسي،
واستطاعت خالل السنوات الماضية أن تحقق صعودًا متناميًا على الصعيدين السياسي
واالقتصادي ،وأصبحت العبًا رئيسيًا في المنطقة وال يمكن إتمام أية ترتيبات إقليمية بمعزل عن
مشاركتها .وتشكل دول مجلس التعاون الخليجي في مجملها ثقًال اقتصاديًا وماليًا بالغ األهمية ،وال
يمكن أن تتم أية ترتيبات إقليمية أمنية أو اقتصادية أو استثمارية دون أن يكون لها فيها النصيب
األكبر .وعليه فإن هذا الحوار االستراتيجي رفيع المستوى إذا واصل تنمية قنواته فهو مؤهل ألن
يقود تيار االعتدال في المنطقة وسوف يسهم على هذا النحو في تحقيق االستقرار اإلقليمي وزيادة
معدالت التنمية في منطقة الخليج العربي ،فنجاحه وتحقيق أهدافه التنموية سيخفف التوتر في
المنطقة وسيخلق توازنًا في القوى اإلقليمية في منطقة الخليج ،كما أنه سيقدم النموذج العملي
للتعاون المبني على المصالح المتبادلة ،باإلضافة إلى أن نجاحه سيؤدي إلى أن تتجاوز منافعه
وآثاره اإليجابية الدول االطراف فيه وستمتد هذه المنافع حتى إلى الدول الواقعة في المحيط
()21
اإلقليمي.
وتجدر اإلشارة إلى أنه إذا كان هذا الحوار قد توقفت جوالته في ضوء مستجدات و تطورات
إقليمية ،إال أنه من المالحظ أن أنقرة قد عاودت اللجوء إلى الطابع البرجماتي في سياستها
الخارجية وقامت بتغليب مصالحها االستراتيجية على أية اعتبارات أيديولوجية ،من خالل
إعالنها دعمها الكامل لعملية ”عاصفة الحزم“ ومساعيها لتحسين عالقاتها مع المملكة العربية
السعودية.
وفي هذا اإلطار كان العديد من المحللين وفي ضوء المعطيات السابقة فمن المرجح أن يتم
استئناف جوالت الحوار االستراتيجي بين الجانبين خالل المرحلة القادمة وأن يتم توسيع مجاالت
التعاون بحيث ال تقتصر على المجاالت االقتصادية فحسب ،بل تشمل أيضًا القضايا االستراتيجية
وقضايا األمن اإلقليمي بما في ذلك أمن منطقة الخليج ،ومما ال شك فيه أن استمرار المشاورات
بين الجانبين بشكل دوري هو أمر ضروري وذلك لتقييم التطورات والمستجدات ذات الصلة
بأوضاع الدول التي شهدت االنتفاضات الشعبية فيما يسمى ”بثورات الربيع العربي“ و دراسة
سبل التعاطي مع هذه التطورات ،وذلك استنادًا إلى قناعة الجانبين بدخول المنطقة العربية خالل
هذه المرحلة منعطفًا جديدًا مع تسارع رياح ”الربيع العربي“ وما أحدثته من تغيرات جوهرية
على بعض األنظمة الحاكمة وما قد تتركه من نتائج تتسع دائرتها بما يصعب معه الجزم بمعرفة
حدودها وتقدير حجم تداعياتها السياسية واالقتصادية واالجتماعية.
28
المبحث الثالث
كما أن تنسيق الجهود التركية – الخليجية إلنشاء آليات إقليمية لمنع النزاعات وتحقيق االستقرار
اإلقليمي بما في ذلك ما يتعلق بالحد من عمليات تسييس االنقسامات الطائفية السنية – الشيعية في
منطقة الشرق األوسط ستكون له انعكاساته اإليجابية على أمن منطقة الخليج .باإلضافة إلى ذلك
فإن بلورة أجندة مشتركة بشأن إخالء منطقة الشرق األوسط من أسلحة الدمار الشامل هي
إستراتيجية ال تستهدف ايران فحسب بل تستهدف أيضًا إسرائيل ،واخيرًا فإن توثيق العالقات
الثقافية بين الشعوب من ضرورات تجذر العالقات التركية – الخليجية ،حيث إن العالقات
السياسية واالقتصادية قد تتدهور بتغير الحكومات أو المواقف ،إال أن العالقات الثقافية ال تتأثر
بالتطورات والتغيرات السياسية.
في ضوء ما تقدم شهدت العالقات التركية الخليجية تحسًنا كبيًر ا منذ بداية األلفية ،وتعمق التعاون
بين الجانبين في مجاالت مختلفة ،وساعد النمو االقتصادي المتسارع في تركيا والخليج على أن
يكون البعد االقتصادي هو األكثر بروًز ا في هذا التعاون ،وبدأ حوار استراتيجي بين الجانبين منذ
عام ،2008ومن ناحية برجماتية كانت تركيا راغبة في تعظيم استفادتها من تنامي ثروات دول
مجلس التعاون الخليجي ،وارتفاع معدل النمو االقتصادي بها ،والذي بلغ متوسطه %5,5في
الفترة من 2002حتى 2012وكانت ذروته نحو %8,5في ،2011وخاصة أن الصعود
االقتصادي التركي تبنى نفس النهج الشرق آسيوي «التصنيع المتوجه الى التصدير» ،وبدت
تركيا راغبة في االستفادة من أخطاء التجربة الصينية في هذا الصعود والتي غلب عليها االهتمام
بالكم دون الجودة ،ولعبت على عنصر الجودة لتأخذ نصيًبا متزايًدا من السوق االستهالكية
الخليجية على حساب النصيب الصيني ،إن هذه التجارة قد ارتفعت قيمتها إلى 63,9مليار دوالر
في 2012وبنسبة %16,4من إجمالي تجارة تركيا الخارجية ،كما أن الموقف التركي من
القضية الفلسطينية ،وتعزيز تركيا عالقاتها مع الدول والمنظمات اإلسالمية حتى غدت عضًو ا
مراقًبا في جامعة الدول العربية ..هذه الصورة عززت التطور اإليجابي للعالقات الخليجية
التركية ،ونظر الخليج الى تركيا ليس فقط كقوة إقليمية ولكن كحليف محتمل ،حيث ان دوًال كثيرة
في صعودها االقتصادي قد تمكنت من الفصل بين األبعاد األيديولوجية والسياسية من جانب
ومصالحها االقتصادية من جانب آخر ،ونحت األبعاد األيديولوجية والسياسية تماًم ا وجعلت
المصالح االقتصادية القائمة على تبادل المنافع محور عالقاتها الخارجية.
29
المبحث الثالث
إجماع في صفوف المتابعين على أن العالقات التركية الخليجية كانت دائما تحت رحمة مسار
وتقدم العالقات التركية ـ العربية وملفات التقارب والتباعد اإلقليمية والدولية التي تتحكم أو تؤثر
()22
في صعود وهبوط هذه العالقات.
ومع وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة في بداية العام 2002م ،أطلق استراتيجية إعادة
هيكلة السياسة الداخلية والعالقات الخارجية لتركيا ،بما في ذلك توسيع رقعة التعاون واالنفتاح
على دول الخليج وتبني سياسة فاعلة مشتركة لدفع العالقات نحو األفضل والتنسيق لحل المشاكل
اإلقليمية وعلى رأسها الملف الفلسطيني .وقد ترجمت هذه سياسات االنفتاح اقتصاديا وتجاريا
واستثماريا في الجانبين.
في مطلع عام 2010وبعدها قادت التطورات اإلقليمية وتحديدا ما سمي بثورات الربيع
العربي التي اندلعت في العديد من الدول العربية والمواقف التركية حيالها إلى جانب وصول
السياسة التركية في التعامل مع الكثير من الملفات السياسية واالقتصادية واألمنية في الداخل
والخارج إلى طريق شائك ومتعجرف في مسار ومستقبل العالقات التركية ـ الخليجية.
تباعد وتقارب المواقف التركية والخليجية حيال هذه القضايا هو الذي كان يحدد مسارها
وفرص تقدمها أو تراجعها سياسيا واقتصاديا وأمنيا .لكن الصعود اإليراني والنفوذ اإلسرائيلي في
المنطقة وبروز العديد من األزمات التي تحولت إلى تهديد مباشر على أمن دول
المنطقة وتماسكها وحماية وحدتها السياسية والدستورية والعرقية هي التي فتحت الباب على
مصراعيه أمام تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي للبحث في فرص التعاون الجديدة التي بدأت
تتحول إلى خطوات تنسيق استراتيجي بين الجانبين في أكثر من حقل أو مجال.
المخاطر والتهديدات اإلقليمية وعلى رأسها التوسع واالنتشار اإليراني األخير بعد التفاهم مع
الغرب على قوة إيران النووية وما يقال حول أدوار جديدة كلفت طهران القيام بها إقليميا بالوكالة
عن قوى دولية أخرى كانت أيضا بين األسباب التي دفعت تركيا ودول الخليج إلعادة النظر في
حسابات مواقفهم وسياساتهم وخياراتهم االستراتيجية والتحول نحو قراءة جديدة لمسار ومستقبل
عالقاتهم أمام ما تشهده المنطقة من سيناريوهات تستهدف إعادة رسم الخرائط والحدود وتشكيل
جديد لجغرافيتها.
مراقبون كثيرون يرون أن كل هذه المستجدات هي التي استدعت المزيد من التعاون بين
تركيا من جهة ،والمملكة العربية السعودية وقطر تحديدا من جهة ثانية ،فشرع هذا
الثالثي في ترك الكثير من نقاط التباعد والخالف جانبا وتوقيع عشرات من العقود واالتفاقيات
االقتصادية والسياسية واألمنية المشتركة في األشهر األخيرة ووضع خطط تحرك شمولي باتجاه
30
المبحث الثالث
سياسات واقعية عملية تهدف إلى قلب المعادالت والتوازنات التي تسير وتتقدم على حسابه
وتمس مناطق نفوذه اإلقليمي.
لكن األسئلة المطروحة في هذا الصدد هي :ما هي أسباب وفرص التقارب التركي ـ الخليجي؟ ما
هي أهم نتائج التقارب التركي الخليجي وارتداداته اإلقليمية والدولية؟ وهل التقارب الخليجي
ــ التركي هومؤقت أم ثابت؟ وما الذي يمكن أن تقدمه تركيا لدول الخليج وفرص الرد الخليجي
على استراتيجية االنفتاح التركية؟
ثانيا :أسباب التقارب التركي الخليجي
في طليعة العوامل التي أدت إلى تنامي التقارب التركي – الخليجي يأتي الغزو األمريكي للعراق
عام 2003م ،وما نتج عنه من آثار سلبية محلية وإقليمية تمثلت في البعد التفتيتي العرقي
والمذهبي الموقف التركي من الغزو األمريكي للعراق ورفض البرلمان التركي السماح للقوات
األمريكية باستخدام األراضي التركية لفتح جبهة شمالية .وتطابقت الرؤية الخليجية مع نظيرتها
التركية بشأن تحقيق االستقرار اإلقليمي والحفاظ على وحدة واستقاللية دول المنطقة ورغبة أنقرة
في تأمين احتياجاتها النفطية المتزايدة من منطقة الخليج ،إلى جانب التحرك التركي نحو جذب
االستثمارات ورؤوس األموال الخليجية والعمل على فتح أسواق جديدة للصادرات التركية في
األسواق الخليجية كانت كلها بين العوامل المباشرة التي دفعت القيادات السياسية في الطرفين
لمراجعة مسار العالقات نحو األفضل واألحسن.
لكن األحداث التي شهدتها المنطقة والمرتبطة بتطورات “الربيع العربي” في مطلع عام 2010م،
لعبت دورًا كبيرًا في توسيع الفجوة بين تركيا والحكومات الخليجية حيث ناهضت دول
الخليج التغيير بهذه الطرق الثورية ،ودعت إلى اإلصالح التدريجي ،في حين كانت أنقرة من بين
العواصم التي دعمت دعاوى التغيير الجذري والسريع في المنطقة لتعزيز طموحاتها اإلقليمية.
تطورات كثيرة سياسية وأمنية دفعت الحقا باتجاه فتح الباب أمام تهدئة التوتر ،فثمة مصالح
سياسية واقتصادية مشتركة وثمة تهديدات ومخاطر كثيرة تطاردهما وتهدد موقعهما ودورهما
ومصالحهما في المنطقة .صعود الحوثيين في اليمن ،وتهديدات إيران العلنية لدول الخليج فضال
عن تراجع العالقة السياسية بين أنقرة وطهران وأنقرة وموسكو على خلفية األزمة السورية
والتردد التركي الخليجي حيال مواقف واشنطن في التعامل مع أكثر من أزمة إقليمية مال الخيار
األميركي فيها إلى الجانب اإليراني بشكل واضح هي في مقدمة األسباب التي أدت إلى هذا
التقارب التركي ـ الخليجي الجديد.
31
المبحث الثالث
اللقاءات األخيرة بين القيادات السياسية التركيةـ السعودية والتركية ـ القطرية كان لها عالقة
مباشرة في ترجمة خطط الحرب على داعش والتنسيق االستراتيجي بعد قمة الدول العشرين التي
عقدت في تركيا وسبقها زيارتان استراتيجيتان ألمير قطر والعاهل السعودي ألنقرة.
العالقات التركية المتأزمة مع موسكو ،عقب إسقاط تركيا مقاتلة "سوخوي "24في أواخر
نوفمبر ،2015وسياسة روسيا السورية والكردية كان عامال آخر في دفع أنقرة نحو منطقة
الخليج لترسخ العالقات مع أصدقاء خليجيين كانت أولى نتائجه التحالف اإلسالمي العسكري،
الذي شكلته السعودية منتصف ديسمبر المنصرم والهادف لمحاربة اإلرهاب ،ويضم 35دولة
إسالمية من بينها تركيا وضع أسس تشكيل حلف تركي -خليجي في مواجهة الحلف الروسي -
اإليراني ،الذي تنفس الصعداء مؤخرا ،محاوال ممارسة الضغوط على دول الخليج من جهة،
وعلى أنقرة من جهة أخرى .رغم أن الطرفين يعرفان وجود عقبة أساسية في طريق حماية هذا
التوجه الجديد وهي األزمة التركية ـ المصرية التي مضى عليها عامان تقريبا وتفجرت
بعد إزاحة الرئيس المصري األسبق ،محمد مرسي ،ووقوف أنقرة إلى جانب اإلخوان المسلمين
بشكل أغضب القيادات المصرية.
في الجانب التركي وحول أسباب التقارب الجديد مع دول الخليج ترى أنقرة أنه:
مع وصول حزب العدالة والتنمية التركي إلى السلطة في العام 2002م ،بدأت العالقات التركية ـ
الخليجية تشهد تطوًرا كبيًر ا ،ووصلت تلك العالقة إلى الذروة في عام 2009م ،بعد حادثة دافوس
الشهيرة وموقف تركيا من القضية الفلسطينية تحديًدا.
أما فيما يتعلق بمسألة الربيع العربي الذي بدأ نهاية عام 2010م ،فالواضح هو أن غالبية عواصم
دول الخليج ترى أن تركيا أخذت موقًفا متعجًال تجاه هذا الحراك ،عندما اكتشفت بعد عام على
اندالع هذه الثورات أن المسألة تتجاوز قضايا الديمقراطية وحرية الرأي والمشاركة السياسية.
ومع تطورات األحداث نرى اليوم وكما حدث في اليمن ،أن المواقف التركية تلتقي مع
المواقف الخليجية في أكثر من مكان؛ فتركيا كانت مع الدول الخليجية منذ بداية األزمة اليمنية،
وكان هناك توافق على االنتقال السلمي للسلطة في اليمن ،ودفعت تركيا بهذا االتجاه
بوضوح ،وكذلك األمر فيما يتعلق باألزمة العراقية حيث نرى أن هناك توافقا تركيا خليجيا فيما
يتعلق بمستقبل العملية السياسية في العراق.
واألرجح ،على الجانب التركي ،أن ثمة عوامل ساعدت على طي المسافة بين أنقرة والخليج
كشفت عنها الزيارات المتبادلة ،وكان آخرها زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
للرياض في 28فبراير 2015م ،الماضي وزيارته للكويت نهاية أبريل الماضي ،وتعهد فيهما
بتنشيط العالقات االقتصادية وبحماية المصالح األمنية المشتركة للجانبين في المنطقة .زيارة
32
المبحث الثالث
الرئيس أردوغان األخيرة إلى دول الخليج ال سيما السعودية وقطر ثم زيارة رئيس الوزراء
التركي أحمد داود أوغلو إلى الرياض في نهاية يناير المنصرم تأتي ضمن تعزيز وزيادة التعاون
بين الجانبين ،خصوصًا في ظل التحالفات الدولية لمحاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا
والتنسيق في ملف األزمة السورية.
قضية المنطقة اآلمنة في شمال سوريا التي تسعى تركيا منذ سنوات لتطبيقها ،هي بين المسائل
التي تعطيها تركيا األولويات في التعاون وال سيما في ظل التدخل الروسي في منطقة شمال
سوريا الذي أحدث فوضى كبيرة ،والسعي لخلق كيان كردي على حدود تركيا ،وهو األمر الذي
ال يمكن لتركيا أن تقبل به.
التقارب التركي الخليجي األخير وكما تراه أنقرة يندرج أيضا في إطار رسم مالمح حلف جديد
لمواجهة الحلف الروسي – اإليراني الذي بدأت تتضح مالمحه في اآلونة األخيرة ،خصوصا
وأن إيران بعد االتفاق النووي بدأت في توجيه الرسائل التصعيدية واالستفزازية نحو تركيا ودول
()23
الخليج.
لكن أنقرة تقبل حقيقة ضرورة تجاوز " العقبة المصرية " وموقع وأهمية هذه األزمة في عرقلة
عالقاتها مع دول الخليج رغم أنه ال وجود لمؤشرات حتى اآلن توحي بحصول مثل هذا التحول
أو التغيير في الموقف التركي الذي فتح أبواب التوتر والقطيعة حتى مع بعض عواصم الخليج.
التنسيق الروسي ــ اإليراني األخير وكما تراه أنقرة السيما بعدما تبّين الدور الذي أخذه
حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا ،وشروع حزب العمال الكردستاني بعملياته القتالية داخل
تركيا من جديد .تعكس مسألة وجود عالقة بين االتفاق اإليراني الغربي وعودة عمليات حزب
العمال الكردستاني والتصعيد المتواصل ضد أنقرة.
المشهد وكما يبدو من أنقرة هو أن تركيا وهي تسعى لتحسين عالقاتها مع دول الخليج قد حزمت
أمرها في بعض األمور التي تتعلق بالمنطقة ،وستتخذ مواقف أكثر صرامة حيال ملفي حزب
العمال الكردستاني وحزب االتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا بهدف تعطيل مشروع تفتيت
سوريا وتركيا الذي تسعى إليه روسيا وإيران في هذه المرحلة وربما سيكون هذا التفاهم التركي
الخليجي على حماية وحدة وتماسك دول المنطقة العربية واإلسالمية هو حلقة من الرد التركي
الخليجي على محاوالت المساس بالحدود والبنية والهوية الوطنية لهذه الدول.
أما في الجانب الخليجي وحول أسباب االنفتاح الجديد على تركيا فالواضح هو أن:
غالبية دول الخليج باتت ترى في تركيا اليوم القوة العسكرية اإلقليمية القادرة على أن تأخذ مكانها
في خط التصدي للتهديدات واالستفزازات اإليرانية والتعجرف اإلسرائيلي ومشاريع الهيمنة على
دول المنطقة وضرورة كسب العامل التركي لموازنة توسع التمدد واالنتشار اإليراني في سوريا
33
المبحث الثالث
والعراق واليمن ولبنان .وأن المساعي الخليجية لالستفادة من الخبرات التركية الكبيرة في مجال
الصناعات العسكرية الدفاعية المتقدمة ،هدفها تنويع مصادر تسليحها من جهة وكسر احتكار
الدول الغربية لهذا المجال الحساس المتعلق باألمن القومي الخليجي من جهة أخرى.
وأن تركيا إلى جانب مصر مع الشراكة الخليجية تمثل المثلث القادر على إيقاف مشاريع التوسع
اإليراني ومحاوالت إسرائيل ملء الفراغ الحاصل بسبب العديد من األزمات والحروب في
المنطقة .وقبول ما يوصف بالنمط الجديد في بلورة حضور تركي متقدم في الخليج من مدخل
أوسع هو مدخل التعاون الشرق أوسطي الذي يبقى أمام الطاولة مشروع تزويد دول الخليج بمياه
تركية.
وأن هذا التقارب يأتي في العالقة في الوقت الذي تواجه فيه الدول الخليجية تحديات إقليمية
أفرزتها ارتدادات الربيع العربي التي أعطت طهران المساحة والفرص التي كانت تبحث
عنها لتفتيت المنطقة بما يكرس هيمنتها العسكرية والسياسية .ووسط قناعة خليجية حول وجود
فرص تنسيق مشتركة كثيرة إزاء القضايا والنزاعات اإلقليمية.
تحرك إيران النووي حقيقة لم يعد بمقدور أحد تجاهلها أو التعتيم عليها وهو أن مضي إيران في
سياستها النووية لتحقيق هدفها النهائي امتالك السالح النووي ،يزيد من قلق ودوافع جيرانها
اإلقليميين مثل تركيا والسعودية وإسرائيل ومصر للتخطيط والتحرك باتجاه امتالك هذه القوة،
لتحقيق التوازن اإلقليمي ،كما يزيد من التقارب التركي الخليجي ،خصوصا أن قناعة تركية
تتزايد حول أن أنقرة لم تعد تثق بالترسانة النووية الغربية والتعهدات المقدمة لها في إطار الحلف
وخارجه ألنها تعرف أن الغرب وواشنطن تحديدا يساوما طهران على ملفات إقليمية على حساب
دول المنطقة .
جملة من الحقائق ال بد من قبولها خالل الحديث عن التقارب التركي الخليجي في إنه سيحقق
مجموعة من المكاسب المشتركة لكال الطرفين أهمها:
العامل االقتصادي اإليجابي حيث أن ارتفاع مستوى التعاون االقتصادي والتجاري بين أنقرة
والخليج ،سيوفر العديد من الفرص االستثمارية الواعدة بينهما ،مع ارتفاع ومضاعفة حجم
التجارة البينية بين دول الخليج وتركيا ،حيث تضاعف حجم التبادل التجاري ليصل إلى نحو 25
مليار دوالر عام 2013م ،منها 15مليار دوالر للصادرات التركية وما يقرب من 10مليارات
دوالرات للجانب الخليجي.
34
المبحث الثالث
وفتحت استراتيجيات تنويع مصادر الدخل ومشروعات البنية التحتية في دول مجلس التعاون
الخليجي العديد من الفرص لتركيا التي تمتلك قوة اقتصادية يمكن أن تتكامل مع االقتصاد
الخليجي ،ولهذا ليس من الغريب أن يصبح االقتصاد هو القوة األساسية المحركة لتشكيل العالقات
التركية الخليجية؛ حيث تم توقيع عدة اتفاقيات في مجاالت التجارة واالستثمار.
في الجانب األمني ،طرحت أفكار أمنية منذ منتصف التسعينيات في مسار العالقات التركية
الخليجية في إمكانية إيجاد محور أمني مشترك بين الطرفين ،لكنها ظلت حبرا على ورق إلى
أن فاز حزب «العدالة والتنمية» في انتخابات تركيا 2002م ،حيث جاء البعد األمني كعامل مهم
في التقارب بين الطرفين ،بعد جهود إيران النووية ومحاولة هيمنتها على العديد من الدول
العربية.
الواضح أيضا هو أن العالقات التركية -الخليجية ستتأثر بشكل أو بآخر بالعالقات التركية مع
حلف األطلسي وبالعالقات الخليجية األميركية حيث ستتوضح حقيقة إذا ما كانت واشنطن
واألطلسي يرغبان بدعم هذا التقارب التركي الخليجي أم ال على ضوء التفاهم الغربي مع طهران
في الملف النووي والتصعيد اإليراني األخير ضد دول الخليج الذي رأى فيه البعض تحركا تغطيه
واشنطن لمنع أي تقارب تركي خليجي يكون على حسابها في المنطقة.
ثالثا :هل التقارب الخليجي التركي مؤقت أم ثابت ؟.
من هنا يمكن القول اليوم أن التقارب التركي الخليجي ال يمكن أن يكون ظرفيا مؤقتا أمام مشاريع
التفتيت والتقسيم في المنطقة وتغيير الحدود والخرائط كما تريد طهران والنظام السوري وروسيا
وحزب االتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا وبعض القوى العراقية وإسرائيل.
يكفي التوقف عند ما قاله وزير خارجية تركيا السابق علي باباجان خالل توقيع عقود التنسيق
التركي الخليجي عام 2008م« ،تركيا تولي أهمية كبيرة ألمن الخليج واستقراره ..وهي ستكون
في طليعة الدول التي قد تتأثر بشكل مباشر من أي تدهور أمني هناك» واستطراده بتحديد أبعاد
وأهداف هذه االتفاقية لتشكل «آلية للحوار السياسي المنظم وتطوير العالقات االستراتيجية بين
تركيا ودول الخليج» ،هي رسائل علنية واضحة مخاطبها هو إيران بقدر ما هي موجهة إلى
أميركا وإسرائيل طبعا .من هنا ضرورة القول إن مذكرة التفاهم التركية ـ الخليجية هذه قد ال
تستهدف إيران لكنها رسالة مباشرة موجهة إليها لمراجعة سياساتها اإلقليمية خصوصا في الخليج
لناحية التمدد والتمسك بالمشروع النووي واألزمة المستمرة معدولة.
الخليج يرى في تركيا فرصة صناعية زراعية مائية استثمارية وطريقا نحو أوروبا وفرصة
لتجاوز أزمة نقص المياه التي بدأت سلبياتها ترتفع في المنطقة بشكل عام وفرصة أسواق جديدة
تعوضه عن عودة بعض رؤوس األموال الخليجية إلى المنطقة بعد أحداث 11سبتمبر
35
المبحث الثالث
2001م ،وتركيا ترى في الخليج قاعدة االحتياج المتبادل ووسيلة تعزيز موقفها على طريق
العضوية األوروبية بكل ما يحمل لها من حظوظ تجارية واقتصادية ومالية وإمدادات نفطية .من
هنا تعتبر اتفاقية التفاهم والتعاون هذه نتيجة طبيعية لسنوات طويلة من العمل المتواصل الدؤوب
على طريق تحسين العالقات .ويكفي التوقف مثال عند حجم التبادل التجاري الذي تضاعف 4
مرات خالل السنوات السبع األخيرة لنكتشف أبعاد قرار تركيا ودول الخليج في توسيع تعاونهما
هذا وتحويله إلى تحالف استراتيجي متعدد الجوانب.
طرح التعاون التركي الخليجي االستراتيجي ال بد أن يتضمن نقاشا في العمق
حول التنسيق البنيوي المنظم والشامل في المجاالت السياسية واإلنمائية واألمنية والدفاعية وهو
تعاون سيكون من الصعب إيقافه عند نقطة معينة إذا ما وجدت القيادات السياسية في
الجانبين فائدة في المضي بمشروع توسيع رقعة التعاون واالنتشار .وأنقرة لن تفرط بهذه السهولة
بما بنته بصبر وتأن حتى اآلن ولن تسمح بتعريض مشروعها اإلنفتاحي التقاربي على دول
الخليج هذا الذي يضع أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي في مقدمة استراتيجياته.
لكن االنطالقة تحتاج إلى قوة دفع حقيقي تمر عبر إنهاء الخالف التركي المصري وضرورة
مراجعة تركيا لسياستها تجاه مصر والعكس صحيح ألن التوتر التركي ـ المصري بهذا الشكل
سيؤثر دائما على خطوات االنفتاح التركي الخليجي طالما أن العديد من العواصم الخليجية ال تريد
أن تفرط بمصر ودورها وموقعها اإلقليمي في سائر معادالت بناء المنطقة.
وال يمكن ألنقرة سوى أن تقبل حقيقة أن الموقف التركي من حكم الرئيس السيسي ينعكس سلبًا
على عالقات تركيا مع دول الخليج والسيما السعودية واإلمارات ،خصوصًا بعد أن تحولت تركيا
إلى ملجأ للمعارضة المصرية وقيادات اإلخوان ومراكز انطالقته .الملف المصري مرشح إلى أن
يبقى حجر عثرة كبيرة في مسار ومستقبل العالقات الخليجية – التركية مهما جرى الحديث عن
تقارب تركي خليجي خارج الموقع والدور المصري.
التحالف التركي الخليجي قادر على لعب الدور الريادي في تجنيب المنطقة الكثير من
الويالت بعيدا عن سياسة األخالف واالصطفاف اإلقليمي وهو فرصة تستحق أن تترجم عمليا
على األرض في ظل تلك التحديات الكثيرة التي تتربص بالمنطقة.
مطلب الثاني :مستقبل االستراتيجة التركية نحو البحر االحمر
المتغيرات الجديدة في البحر األحمر وانعكاساتها على الحضور التركي
تتأثر منطقة البحر األحمر بالمتغيرات المحلية واإلقليمية والدولية نظرًا لترابطها واتصالها،
وتزايد أهميتها االستراتيجية والجيوبوليتيكية .وقادت مجموعة من المتغيرات السياسية
واالقتصادية واألمنية إلى برز نظام جديد في البحر األحمر ،وإن كان نظامًا شديد التقُّلب والتغير.
36
المبحث الثالث
ويمكن إجمال تلك التغيرات التي رسمت مشهد البحر األحمر الحالي في أربعة تطورات رئيسة،
()24
أخذت ُتلقي بظاللها على الوجود التركي في البحر األحمر:
-1التحوالت السياسية في القرن األفريقي:
من شأن تغُّير أنظمة سياسية مَّر ت عليها عقود طويلة في الدولتين الكبيرتين في المنطقة (إثيوبيا
في خريف ،2017ثم السودان في ربيع ،)2019أن يزيد من احتمالية بروز تحول قد يكون
تاريخيًا في منطقة القرن األفريقي ،وهو اتجاٌه ال يبدو في صالح تركيا .فسقوط نظام عمر البشير
المقَّر ب من حكومة العدالة والتنمية دفع هذه األخيرة إلى محاولة عقد صالت مع السلطة االنتقالية
الجديدة في السودان بعد أن كانت أحد أبرز الداعمين لنظام الرئيس البشير ،ويشكل فقدان تركيا
لنفوذها في السودان ضربة موجعة لطموحاتها التوُّسعية في المنطقة ،وفي شرق القارة األفريقية
عمومًا ،السيما وأن ثمة توجهًا لدى الحكومة االنتقالية في السودان لمراجعة وإعادة تقييم
مجموعة من االتفاقيات التي ُو ِّقعت إبان نظام البشير مع الجانب التركي (بما فيها اتفاقية جزيرة
سواكن) ،والتي لم َيستِفد منها السودان بنفس درجة استفادة تركيا.
وبالنسبة إلثيوبيا ،يقود رئيس الوزراء اُإلثيوبي آبي أحمد سياسة معتدلة مع الدول الخارجية،
ويظهر أنه يميل إلى المحور اإلماراتي-السعودي ،نظرًا للدور المهم الذي لعبته الدولتين
األخيرتين في عملية السالم التاريخية التي تحققت بين إريتريا وإثيوبيا في منتصف عام .2018
-2حرب اليمن :إن استمرار هذه الحرب وعدم الوصول إلى تسوية شاملة ومحاولة األطراف
المحلية المدعومة من إيران وتركيا َفْر ض أوضاع جديدة على األرض ،قد تسَّببا في وصول
النشاط الخليجي في منطقتي البحر األحمر والقرن األفريقي إلى مستويات غير معهودة .وتجَّلى
ذلك في السباق المحموم على الساحل األفريقي ،حيث استقطبت عمليات االستحواذ على الموانئ
التجارية وبناء القواعد العسكرية اهتمامًا خليجيًا ملحوظًا ،وهذا من شأنه أن ُيساِهم في تطويق
الوجود التركي في المنطقة.
-3ظهور منتدى البحر األحمر:
أصبح ما يعرف منتدى البحر األحمر ،موضوع نقاش كبير في العامين ،2019-2018داخل
المنطقة وخارجها على حد سواء .ويشكل إنشاء تجمع/هيكل إقليمي كهذا تتمكن الدول المعنية في
إطاره من مناقشة المصالح المتشاطرة وتحديد التهديدات الناشئة ووضع الحلول المشتركة ،ردًا
معقوًال على الوقائع والمتغيرات الجديدة في المنطقة .وُيتيح منتدى إقليميًا كهذا معالجة مسائل
متنوعة مثل التجارة وتطوير البنية التحية واألمن البحري والهجرة المختلطة والتدفقات المالية
وحماية البيئة وإدارة الصراعات بصورة سلمية.
37
المبحث الثالث
والمؤكد أن توُّج ه السعودية إلى تبِّني مبادرة إلنشاء "مجلس الدول العربية واألفريقية المطلة على
البحر األحمر وخليج عدن" قد أثار هاجسًا وقلقًا لدى الجانب التركي ،وسارع مسؤولون أتراك
إلى إظهار شكوكهم إزاء غايات هذا المجلس وأهدافه .فعندما ُس ِئَل مسؤول رفيع المستوى في
أنقرة عَّم ا إذا كان اهتمام الرياض في العمل على منتدى للبحر األحمر يمثل خطوًة لبلورة تحالف
أوسع ضد إيران ،أجاب على الفور "أو تحالٌف ضدنا؟".
-4تكثيف جمهورية أرض الصومال مساعيها لفك االرتباط:
في إبان الحرب الباردة ،كان االتحاد السوفيتي يحتفظ بقاعدة عسكرية في مدينة بربرة الصومالية
(صومال يالند حاليًا) ،ألهميتها االستراتيجية وقربها من البحر األحمر ،وفي خضم سعيها
للسيطرة على الصومال وتعزيز نفوذها فيه ،تعي تركيا أيضًا أهمية مدينة بربرة االستراتيجية،
وباتت تحشد قوتها لمنع هذا اإلقليم من االنفصال عن جمهورية الصومال الفدرالية ،وعّينت تركيا
مبعوثًا خاصًا لمحادثات أرض الصومال مع الحكومة الصومالية ،هو أولكان بيكر ،ما ُيشِّك ل
سابقًة في السياسة الخارجية التركية ،وهي أول دولة في العالم تخطو هذه الخطوة .وُيفَّسر هذا
القرار من منطلق أن المسؤولين األتراك ُيدركون أهمية موقع هذا اإلقليم الذي يمتلك 650
كيلومترًا من السواحل على خليج عدن ،وفي حال نيله االعتراف الدولي ،قد تفقد تركيا جزءًا
مهمًا من وجودها على البحر األحمر.
38
المبحث الثالث
المساجد والمدارس وتقديم المنح الدراسية للطالب األفارقة والعرب ،وتقديم المساعدات
اإلنسانية ،خاصة في ظل الهشاشة االقتصادية التي تتسم بها دول المنطقة ،مثل الصومال واليمن
وجيبوتي.
السيناريو الثاني :زيادة الوجود العسكري التركي ودخول المنطقة في حالة استقطاب إقليمي
أكبر.
في منحى ُم غاير ،قد تعمل تركيا على مضاعفة وجودها العسكري في منطقة البحر األحمر،
وُيعِّز ز هذا الخيار االنخراط العسكري التركي الواسع في الشأن الليبي ،وتفاقم الصراع على غاز
البحر المتوسط .وفي ظل هذا السيناريو من المتوقع أن تواجه تركيا تحّد ي وجود مجلس البحر
األحمر ،بقيادة المملكة العربية السعودية ،وهي مواجهة من المتوقع أن تخسرها تركيا في نهاية
المطاف بالنظر إلى أن قدرة الرياض على تعبئة بلدان المنطقة وحشدها خلفها تتجاوز القدرة
التركية على ذلك.
خالصة
ال ُيمِكن َفهم الحضور التركي في البحر األحمر بمنأى عن حالة العسكرة والتنافـس والصـراع
بيـن الدول الكبرى واإلقليمية بهدف التوُّسع وزيادة النفوذ في المنطقة ورعاية مصالحها ،بحيث لم
يعد هناك مـن دولة مؤثرة خاصة من خارج المنطقة إال ولها شكٌل من أشكال الحضور في البحر
األحمر أو في الدول الُم طَّلة عليه.
ورغم المتغيرات الكبيرة التي شهدها البحر األحمر السيما في العامين األخيرين؛ فإن الوجود
العسكري التركي ُم رَّش ح لالستمرار ،كما يأخذ الحضور التركي الناعم في المنطقة الذي يقوم
على اإلنتاج السينمائي والتلفزيوني والتعليم الديني وتسويق المنتجات التركية في التزايد ،لكن
الوجود العسكري التركي في البحر األحمر سيظل يطرح سيناريوهات خطيرة؛ ويشكل تهديدًا
ألمن منظومة البحر األحمر ،إن لم يكن لألمن القومي العربي برمته.
39
المراجـــع
-1محمد غسان الشبوط ،العالقات التركية الخليجية بعد عام ، 2011العدد. 2016 ، 5237
-2سعيد الحاج ،محددات السياسة التركية إزاء سوريا ،مركز إدراك للدراسات ،مارس/آذار
.2016
- 3سعيد الحاج ،التقارب التركي-الخليجي :الدوافع وفرص النجاح واالستمرار2022 ،
-4األمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي ،العمل الثقافي المشترك2009 ،م،
Org. https://www.gcc-sg
-5سعيد الحاج ،قراءة في المشروع اإلقليمي لتركيا ،المعهد المصري للدراسات السياسية
واالستراتيجية 28 ،أبريل/نيسان .2021
-6أحمد أغلو ،العمق االستراتيجي ،موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية " قطر،الدار العربية
للعلوم ناشر ون."2011 ،
-7أردوغان يستعرض أهم إنجازات 2020التركية ،وكالة أنباء األناضول 31 ،ديسمبر/كانون
األول .2020
-8سعيد الحاج ،ما الذي يمنع التقارب التركي-السعودي ،الجزيرة نت 11 ،مايو/أيار .2021
-9جيمس دورتي ،روبرت بالتسعراف .،النظريات المتضاربة في العالقات الدولية ،ترجمة:
وليد عبد الحي ،الكويت ،المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع ،الطبعة األولى ،
-10رانيا طاهر .) 2013 ( ،الدور اإلقليمي التركي في ظل ثورات الربيع العربي ،مجلة الرؤية
التركية.
-11علي جالل معوض ،االرتباك :تحليل أولي للدور التركي -في ظل الثورات العربية ،مجلة
السياسة الدولية ،عد ،185يوليو،2011ص.62
-12شريف شعبان مبروك ،الدور اإلقليمي الجديد تركيا في منطقة الخليح والشرق األوسط،
مجلة أراء حول الخليج اإلمارات؛ مركز الخليج اإلمارات " العدد .2009 ، 55
-13درع الوطن ،مجلة عسكرية و استراتيجية ،الدور التركي في المنطقة العربية :األبعاد
واألهداف والتأثيرات االستراتيجية . 2020 ،
-14عسكرة البحر األحمر ..مقدمة لحرب إقليمية جديدة ،موقع الحرة 2017،
https://2u.pw/Kbc66C
-15حمدي عبد الرحمن ،سباق القواعد العسكرية في القرن اإلفريقي الفرص والمخاطر األمنية
بالنسبة لمصر ،السياسة الدولية ،العدد ( 211القاهرة :يناير ،)2018ص .123
41
المراجـــع
-16المركز العربي للبحوث والدراسات ،التنافس اإلقليمي والدولي في البحـر األحمـر وأثره
http://www.acrseg.org/41448 على أمن الدول المتشاطئة.2020 ،
-17جمال الدين عبد الرحمن رستم ،إسرائيل والبحر األحمر ،الراصد للبحوث والعلوم ،يناير
2012م ،ص .13
-18مجلة الشون العربية ،االمانة العامة لجامعة الدول العربية،محددات الدور :سياسات تركيا
في منطقة البحر األحمر في القرن الحادي والعشرين ،العدد . 2018 ، 174
-19معهد الشرق االوسط ،اتفاقية سواكن بين السودان وتركيا والتعاون في البحر األحمر،
https://ormer.sakarya.edu.tr/20,3,,283,_.html 2018
-20مركز الجزيرة للدراسات ،مستقبل التموضع التركي في القرن اإلفريقي :سياق إقليمي
متغير.2021 ،
-21محمد غسان الشبوط ،مصدر سابق.
-22مركز الخليج لالبحاث ،مستقبل الشراكة التركية -الخليجية تركيا والخليج :خيارات
االنفتاح االستراتيجي ومتطلباته ،العدد .2016 ، 106
-23مركز الخليج لالبحاث ،المصدر السابق.
-24مركز الجزيرة للدراسات ،مستقبل التموضع التركي في القرن اإلفريقي :سياق إقليمي
متغير .2021،
42