Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 47

‫جمهـــــــــــــــــــورية العـــــــــراق‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعــــــــــــــــــــــــــــة كـــــــــركــــــــــــوك‬
‫كــــــــــــــــلية القانون والعلوم السياسية‬
‫قســــــــــم ‪ :‬العلوم السياسية‬

‫" التوجه االستراتيجي التركي نحو الخليج العربي والبحر االحمر بعد عام ‪"2011‬‬

‫بحث مقدم من قبل‬


‫ادم عدانن مجيل‬

‫الى كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلية القانون والعلوم السياسية‪ /‬قسـ ـ ـ ـ ــم العلوم السياسية‬


‫وهو جزء من متطلبات نيل شهادة البكلوريوس‬

‫باشراف الدكتور‬
‫د‪ .‬اياد عبد الكريم‬

‫‪1444‬‬ ‫‪ 2023‬م‬

‫أ‬
‫ِبسِم اِهلل الَّرحمِن ال ِحيِم‬
‫ّر‬

‫َوِمَن اَألنَعاِم َحُموَلًة َو َفرشًا ُكُلوْا ِمَّما‬


‫َزَقُك ا َال َتَّتِبعوْا ُخُط اِت‬
‫َو‬ ‫َر ُم ُهلل َو‬
‫الَّشيطاِن ِإَّنُه َلُكْم َعُدُّو ُّمِبيُن ‪.‬‬
‫صدق اهلل العظيم‬

‫سورة األنعام‬
‫اآلية (‪)142‬‬

‫أ‬
‫اإلهــــداء‬
‫إلى خاتم األنبياء وسيد المرسلين ‪...‬محمد ‪...‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪...‬‬
‫إلى رمز العطاء وشالل الوفاء ‪...‬‬
‫أبي ‪...‬‬
‫إلى رمز التضحية والعطاء الدائم ‪...‬‬
‫والدتي ‪...‬‬
‫إلى فخري وسر سعادتي ‪...‬‬
‫عائلتي الكريمة ‪...‬‬
‫إلى من علمنا الوصول إلى طريق النجاح ‪...‬‬
‫أساتذتي ‪...‬‬
‫اهدي جهدي المتواضع ‪...‬‬

‫ب‬
‫الشكر والتقدير‬

‫البد لنا ونحن نخطو خطوتنا االخيرة‬


‫في الحياة الجامعية‬
‫من وقفة نعود الى اعوام قضيناها‬
‫في رحاب الجامعة مع‬
‫اساتذتنا الكرام الذين قدموا لنا الكثير باذلين جهودا كبيرة‬
‫في بناء جيل الغد لتبعث األمه من جديد‬
‫وقبل ان نحصي نقدم‬
‫اسمى آيات الشكر والثناء والتقدير والمحبة الى الذين حملوا اقدس رسالة‬
‫في الحياة الذين مهدو لنا طريق العلم والمعرفة‬
‫جميع اساتذتنا الفاضلين‬
‫واخص بالتقدير والشكر االستاذ‬
‫(د‪ .‬اياد عبد الكريم) المحترم‬
‫الذي تفضل باألشراف على هذا البحث فجزاه عنا كل خير‬
‫وله منا كل التقدير واالحترام‬
‫فهرست المحتويات‬

‫الصفـحة‬ ‫الموضــــــــــوع‬
‫أ‬ ‫اآلية القرآنية‬
‫ح‬ ‫اإلهداء‬
‫ج‬ ‫الشكر والثناء‬
‫ب‬ ‫فهرس المحتويات‬
‫ت‬ ‫فهرس الجدال‬
‫‪1-13‬‬ ‫المبحث االول‪ :‬التوجه االستراتيجي التركي تجاه الخليج العربي‬
‫‪1-6‬‬ ‫التمهيد‬
‫‪6-9‬‬ ‫المطلب االول‪ :‬األهمية االستراتيجية للخليج العربي‬
‫‪13 - 9‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬االهداف االستراتيجية التركية تجاه الخليج العربي‬
‫‪27 -14‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬التوجه التركية نحو البحر االحمر‬
‫‪14-16‬‬ ‫التوجه التركي نحو البحر االحمر‬
‫‪16-21‬‬ ‫المطلب االول‪ :‬اهمية االستراتيجية للبحر االحمر‬
‫‪21-27‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬االهداف االستراتيجية التركية نحو البحر االحمر‬
‫‪39 - 28‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬مستقبل االستراتيجية التركية تجاه الخليج العربي والبحر‬
‫االحمر‬
‫‪31 - 30‬‬ ‫اوال‪ :‬حقائق ومقومات مؤثرة في االستراتيجية التركية تجاه الخليج العربي‬
‫‪35- 31‬‬ ‫ثانيا‪ :‬أسباب التقارب التركي الخليجي‬
‫‪35-37‬‬ ‫ثالثا‪ :‬هل التقارب الخليجي التركي مؤقت أم ثابت‬
‫‪37-39‬‬ ‫مطلب الثاني ‪ :‬مستقبل االستراتيجة التركية نحو البحر االحمر‬
‫‪40‬‬ ‫الخالصة‬
‫‪42 – 41‬‬ ‫المصادر‬

‫فهرست الجداول‬

‫الصفحة‬ ‫العنوان‬ ‫رقم‬

‫ب‬
‫الجدو‬
‫ل‬
‫‪5‬‬ ‫يظهر حجم التبادل التجاري بين تركيا والسعودية خالل السنوات الفائتة‬ ‫‪1‬‬

‫ت‬
‫المبحث االول‬
‫تمهيد‬
‫تكمن أهمية العالقات التركية الخليجية نظًر ا لالعتبارات الدينية والتاريخية والمصير المشترك‬
‫ويدعم ذلك قوة االقتصادية التي تعدُ ضمن مجموعة الدول ذات الدور السياسي المؤثر في إدارة‬
‫التوازنات اإلقليمية وشبكة العالقات التي يقيمونها على المستويين اإلقليمي والدولي وألن أولوية‬
‫هي الحفاظ على السالم واألمن واالستقرار وخاصة في الشرق األوسط‪.‬‬
‫وقد شهدت العالقات التركية الخليجية منذ مجىء حزب العدالة والتنمية لحكم تركيا في ‪18‬‬
‫تشرين الثاني‪ /‬نوفمبر‪2002‬م‪ ،‬تقدًم ا ملموًسا على المستوى الدبلوماسي واإلقتصادي واألمني‬
‫والعسكري‪،‬شرعت أنقرة مع بداية العقد الحالي في تطوير رؤيتها وسياستها على نحو يتواكب مع‬
‫المستجدات في القرن الحادي والعشرين حيث بذلت جهودها إلرساء رؤيتها على أرضية صلبة‬
‫يتم فيها توظيف موروثاتها التاريخية والجغرافية التوظيف األمثل‪ ،‬ومع وصول حزب “العدالة‬
‫والتنمية” ذي الجذور اإلسالمية إلى السلطة عام ‪ 2002‬سعت أنقرة إلى تبني سياسة خارجية‬
‫فعالة ترتكز على عدة مبادئ وهي‪ :‬التوازن السليم بين الحرية واألمن‪ ،‬وتصفير المشكالت مع‬
‫دول الجوار‪ ،‬واالهتمام بالتأثير في األقاليم الداخلية والخارجية لدول الجوار‪ ،‬والسياسة الخارجية‬
‫المتعددة األبعاد‪ ،‬والدبلوماسية المتناغمة‪ .‬وهكذا شهد الشرق األوسط حضورًا تركيًا متناميًا‪ ،‬حيث‬
‫سعت انقرة الى اضطالع بدور محوري فيما يتعلق بالعديد من الملفات الحيوية والمحورية في‬
‫المنطقة‪.‬‬
‫وهكذا برزت تركيا كقوة إقليمية والعب محوري فاعل في محيطها اإلقليمي حيث سعت إلى‬
‫تطوير عالقاتها الثنائية مع دول منطقة الشرق األوسط ومن بينها دول الخليج والتي أضحت تعد‬
‫إحدى دوائر الحوار المهمة في سياسة تركيا الخارجية‪.‬‬
‫عرفت تركيا خالل العقد األول من حكم العدالة والتنمية (‪ 2002‬وحتى ‪ )2011‬عالقات طيبة مع‬
‫مختلف األطراف في العالم العربي والمنطقة‪ ،‬وخصوًص ا ما سمي حينها بمحوَر ْي االعتدال‬
‫والممانعة‪ ،‬من خالل سياستها الخارجية المتحفظة واعتمادها على القوة الناعمة ونموذج التعاون‬
‫االقتصادي المبني على مبدأ الربح للجميع(‪.)1‬‬
‫بيد أن الثورات العربية وتطورات السنوات الالحقة وضعت تركيا في مواجهة عدد من القوى‬
‫الفاعلة في المنطقة‪ ،‬وفي مقدمتها مصر والسعودية واإلمارات ودولة االحتالل‪ .‬كان االنقالب في‬
‫مصر‪ ،‬في يوليو‪/‬تموز ‪ ،2013‬محطة فارقة في عالقات أنقرة مع هذه األطراف التي أيدت النظام‬
‫الجديد في مصر عكس األخيرة‪ .‬وبسبب هذا االفتراق‪ ،‬ورغم أنه لم يحصل تعارض كبير في‬
‫المصالح الجوهرية للطرفين‪ ،‬إال أنهما بقيا على طرفي نقيض في مجمل قضايا المنطقة وفي حالة‬
‫مواجهة غير معلنة على مدى السنوات الماضية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المبحث االول‬
‫اتهمت تركيا اإلمارات بتمويل المحاولة االنقالبية الفاشلة صيف ‪ 2016‬وبعض المحطات‬
‫الداخلية(‪ ، )2‬واتهمها المحور المقابل لها بالتدخل في شؤون الدول العربية وتبني سياسة توسعية في‬
‫المنطقة‪ .‬لكن بدايات عام ‪ 2021‬شهدت مرحلة جديدة بين الجانبين وصلت مع نهاياته إلى مرحلة‬
‫التهدئة والحوار وتوقيع اتفاقيات التعاون التجاري واالقتصادي‪.‬‬
‫يعُّد التقارب التركي مع دول الخليج جزًء ا من مسار أكبر يتعلق بتحول مهم في السياسة الخارجية‬
‫التركية‪ ،‬وأسبابه تتنوع بين ما هو عام متعلق بإعادة تركيا النظر في عالقاتها عموًم ا وما هو‬
‫خاص ومرتبط بدول الخليج على وجه التحديد‪.‬‬
‫كانت تركيا قد رفعت شعار "زيادة عدد األصدقاء وتقليل عدد الخصوم"‪ ،‬عام ‪ ،2016‬مع استقالة‬
‫أحمد داود أوغلو من رئاسة حزب العدالة والتنمية الحاكم والحكومة وخالفة بن علي يلدرم له في‬
‫كليهما‪ ،‬لكن تطوًرا جوهرًّيا لم يطرأ حينها على عالقات تركيا الخارجية‪ .‬في العام نفسه‪ ،‬أعادت‬
‫دولة اإلمارات العربية سفيرها ألنقرة‪ ،‬ووَّقعت األخيرة مع دولة االحتالل اتفاًقا لتطبيع العالقات‬
‫بعد حادثة سفينة "مافي مرمرة"‪ ، ،‬لكن الظروف اإلقليمية وحَّد ة االستقطاب في المنطقة لم تتيحا‬
‫ما هو أكثر‪.‬‬
‫تدفع عدة عوامل داخلية وخارجية أنقرة نحو تدوير زوايا خالفها مع عدد من القوى اإلقليمية‬
‫وفتح قنوات الحوار معها‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫األول‪ :‬انخرطت تركيا في األعوام القليلة الماضية في عدة قضايا ونزاعات في المنطقة بأشكال‬
‫مباشرة وغير مباشرة‪ ،‬من سوريا للعراق ومن ليبيا لجنوب القوقاز‪ .‬عام ‪ ،2020‬حققت تركيا‬
‫بعض االختراقات لصالح حلفائها السيما في ليبيا وجنوب القوقاز‪ ،‬لكن ذلك استنزفها أيًضا وزاد‬
‫من الضغوط السياسية واالقتصادية عليها‪ ،‬ولذلك فقد سعت مع بداية العام ‪ 2021‬للتهدئة ومحاولة‬
‫استثمار تلك اإلنجازات سياسًّيا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬يقترب موعد االنتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا‪ ،‬المحددة في يونيو‪/‬حزيران‬
‫‪ ،2023‬في ظل استقطاب غير مسبوق وأوضاع اقتصادية ضاغطة تجعلها استحقاًقا صعًبا على‬
‫أردوغان والعدالة والتنمية‪ ،‬ولذلك يسعى األخير إلى تهدئة ملفات السياسة الخارجية وحل أزماتها‬
‫(‪)3‬‬
‫لتخفيف تلك الضغوط‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬يواجه االقتصاد التركي مؤخًر ا تحديات حقيقية ألسباب عدة داخلية وخارجية‪ ،‬زاد منها‬
‫قرار الرئيس التركي تخفيض سعر الفائدة ما أَّثر سلًبا على سعر صرف الليرة ونسبة التضخم‬
‫وبعض المؤشرات االقتصادية األخرى‪ ،‬وترك آثاًر ا مباشرة على المواطن التركي‪ .‬استغلت‬
‫المعارضة التركية هذه الظروف وتراجع شعبية العدالة والتنمية للمطالبة بانتخابات مبكرة‪ ،‬بينما‬

‫‪2‬‬
‫المبحث االول‬
‫يعِّو ل الحزب الحاكم على تحسين األوضاع االقتصادية عبر رفع مستوى التعاون االقتصادي‬
‫والتجاري مع الخارج قبل موعد االنتخابات‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬يتقدم ملف شرق المتوسط أولويات السياسة الخارجية التركية مؤخًر ا؛ حيث تواجه أنقرة‬
‫محوًرا إقليمًّيا مكوًنا من اليونان‪ ،‬وقبرص اليونانية‪ ،‬ومصر‪ ،‬ودولة االحتالل‪ ،‬ومدعوًم ا من‬
‫اإلمارات وفرنسا (من خارج حوض شرق المتوسط)‪ ،‬بينما ال شركاء ألنقرة إال الحكومة الليبية‬
‫التي أبرمت معها اتفاقين لترسيم الحدود البحرية وللتعاون األمني والعسكري والتي تعاني‬
‫أوضاًعا غير مستقرة‪ .‬ولذا‪ ،‬تسعى تركيا لكسر العزلة المفروضة عليها في شرق المتوسط‬
‫وخلخلة التحالف المواجه لها والبحث عن شركاء في شرق المتوسط‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أتت كل هذه الظروف الداخلية والخارجية في ظل تغير اإلدارة األميركية وفوز بايدن‬
‫في االنتخابات الرئاسية األميركية‪ ،‬بما يشمل عالقات متوترة مع أنقرة وتهديدات لها وعقوبات‬
‫عليها‪ ،‬وتراجع اهتمام واشنطن بالمنطقة‪ ،‬ورغبتها بتوافق حلفائها وشركائها اإلقليميين وتعاونهم‪،‬‬
‫وتوجهها إلبرام اتفاق جديد مع إيران‪ .‬هذا العامل‪ ،‬الذي يبدو األهم وكمظلة وتتويج لباقي‬
‫العوامل‪ ،‬دفع بتركيا وغيرها من القوى اإلقليمية لمراجعة بعض السياسات واالصطفافات وإعادة‬
‫النظر في عالقاتها البينية‪.‬‬
‫بدافع من هذه األسباب وغيرها‪ ،‬بدت أنقرة مصِّم مة على تحسين عالقاتها مع عدد من األطراف‬
‫اإلقليمية‪ ،‬بما في ذلك أرمينيا التي بدأت معها حواًر ا واستأنفت الرحالت الجوية بعد انقطاع‪،‬‬
‫ومصر التي عقدت معها عدة جوالت من الحوار على مستوى وزارة الخارجية‪ ،‬ودولة االحتالل‬
‫اإلسرائيلي التي أكد أردوغان رغبة بالده في تطوير العالقات معها وأعلن عن زيارة مرتقبة‬
‫لرئيسها إلى أنقرة في مارس‪/‬آذار القادم ‪ ،)4(2022‬إضافة لدول الخليج وتحديًدا اإلمارات‬
‫والسعودية والبحرين‪.‬‬

‫التقارب مع الخليج‬
‫إضافة لما سبق من أسباب‪ ،‬دفعت مختلف القوى اإلقليمية لمسارات التهدئة والحوار‪ ،‬ثمة دوافع‬
‫لتقارب تركيا مع دول الخليج ترتبط مباشرة بالعالقات بين الجانبين‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫أواًل ‪ :‬تراجع أسباب االستقطاب‪ :‬فقد كانت الثورات العربية وتحديًدا االنقالب في مصر‪ ،‬عام‬
‫‪ ،2013‬محطة أساسية للخالف بين الجانبين‪ ،‬ثم أتت أزمة حصار قطر التي وقفت فيها تركيا إلى‬

‫‪3‬‬
‫المبحث االول‬
‫جانب األخيرة لتعمق االستقطاب أكثر‪ .‬بعد ثماني سنوات من االنقالب في مصر لم يعد النظام في‬
‫األخير يستشعر خطًرا من المعارضة وخصوًص ا اإلسالميين الذين يتهم أنقرة بدعمهم بعد أن‬
‫استتب األمر له داخلًّيا وخارجًّيا‪ ،‬كما أن األزمة الخليجية انتهت على األقل رسمًّيا في قمة العال‬
‫في ‪.2021‬‬
‫ثانًيا‪ :‬العامل اإليراني‪ :‬تشكل احتمالية توقيع الواليات المتحدة مع إيران اتفاًقا جديًدا بخصوص‬
‫برنامجها النووي‪ ،‬مع ما سيفيده ذلك لألخيرة‪ ،‬هاجًسا مشترًك ا لتركيا ودول الخليج‪ ،‬التي ينظر‬
‫بعضها إليران بعين الخصومة والخطر بينما تنظر لها تركيا بعين التنافس‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬المحور المقابل‪ :‬شَّك لت كل من السعودية واإلمارات والبحرين إضافة لمصر محوًرا‬
‫مواجًها لتركيا ومناكًفا لها في عدة قضايا إقليمية من سوريا للعراق لشرق المتوسط‪ُ .‬ذ ِكَر ْت أنقرة‬
‫بشكل مباشر في قرارات الجامعة العربية التي تقف خلفها بشكل رئيسي كل من مصر‬
‫والسعودية‪ ،‬وشاركت اإلمارات في بيانات منِّددة بأعمال التنقيب التركية في شرق المتوسط رغم‬
‫أنها ليست من دول حوضه‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن تهدئة الخالفات مع هذه الدول من شأنها تخفيف الضغوط‬
‫(‪)5‬‬
‫على أنقرة‪.‬‬
‫رابًع ا‪ :‬االستثمارات الخليجية‪ :‬تراَج َع حجم التبادل التجاري بين تركيا والسعودية على وجه‬
‫التحديد بسبب األزمة الخليجية ثم قضية اإلعالمي جمال خاشقجي في ظل ظروف صعبة‬
‫لالقتصاد التركي‪ ،‬وطبقت الرياض حظًر ا غير معلن على استيراد البضائع التركية (تظهر آثاره‬
‫بوضوح في الجدول أدناه)‪ .‬ومع تراجع احتياطي المصرف المركزي من العمالت األجنبية‬
‫وحاجة تركيا الملَّح ة لها ولالستثمارات واألموال الساخنة التي تملكها دول الخليج‪ ،‬يمكن فهم‬
‫مسارعتها للتصالح معها‪.‬‬

‫جدول (‪ )1‬يظهر حجم التبادل التجاري بين تركيا والسعودية خالل السنوات الفائتة‬
‫حجم التبادل (مليار دوالر)‬ ‫الواردات (مليار دوالر)‬ ‫الصادرات (مليار دوالر)‬ ‫السنة‬
‫‪5.24‬‬ ‫‪1.98‬‬ ‫‪3.26‬‬ ‫‪2013‬‬
‫‪5.55‬‬ ‫‪2.42‬‬ ‫‪3.13‬‬ ‫‪2014‬‬
‫‪5.72‬‬ ‫‪2.14‬‬ ‫‪3.58‬‬ ‫‪2015‬‬
‫‪5.09‬‬ ‫‪1.83‬‬ ‫‪3.26‬‬ ‫‪2016‬‬

‫‪4‬‬
‫المبحث االول‬
‫‪5.04‬‬ ‫‪2.21‬‬ ‫‪2.83‬‬ ‫‪2017‬‬
‫‪5.27‬‬ ‫‪2.51‬‬ ‫‪2.76‬‬ ‫‪2018‬‬
‫‪5.29‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3.29‬‬ ‫‪2019‬‬
‫‪3.6‬‬ ‫‪1.71‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪2020‬‬
‫‪3.71‬‬ ‫‪3.45‬‬ ‫‪0.265‬‬ ‫‪2021‬‬

‫المصدر‪ :‬بيانات من هيئة اإلحصاء التركية‬

‫خامًس ا‪ :‬مشروع الممر البري‪ :‬اتفقت تركيا مع اإلمارات على ممر بري لنقل البضائع بينهما‬
‫باستخدام الموانئ اإليرانية‪ ،‬وهو ما من شأنه تقليل مدة الشحن إلى ثلث المسار البحري الحالي‬
‫وتقليل كلفة النقل وتنشيط التجارة بين البلدين‪ ،‬السيما في ظل تأثر سالسل التوريد بظروف‬
‫(‪)6‬‬
‫جائحة كورونا‪.‬‬
‫في أغسطس‪/‬آب ‪ ،2021‬زار مستشار األمن الوطني اإلماراتي‪ ،‬طحنون بن زايد‪ ،‬تركيا والتقى‬
‫الرئيس أردوغان وقالت مصادر البلدين‪ :‬إنهما ناقشا "سبل التعاون التجاري واالقتصادي‬
‫والفرص االستثمارية" بينهما‪ .‬كما جمعت عدة اتصاالت هاتفية بين الرئيس التركي وولي عهد‬
‫أبوظبي‪ ،‬محمد بن زايد‪ ،‬وكذلك بين وزيَر ْي خارجية البلدين‪ .‬وفي نوفمبر‪/‬تشرين الثاني من‬
‫العام نفسه‪ ،‬بحث وزيرا خارجية البحرين وتركيا‪ ،‬عبد اللطيف الزياني ومولود تشاوش أوغلو‪،‬‬
‫في أنقرة "سبل تعزيز التعاون بين البلدين في عدة مجاالت"‪ ،‬كما التقى نائب الرئيس التركي‪،‬‬
‫فؤاد أقطاي‪ ،‬مع وزير التجارة السعودي‪ ،‬ماجد بن عبدهللا القصبي‪ ،‬في إسطنبول وتباحثا في‬
‫العالقات التجارية بين الجانبين‪.‬‬

‫هذا الزخم المتزامن للقاءات التركية‪-‬الخليجية ُتِّو َج في الـ ‪ 24‬من نوفمبر‪/‬تشرين الثاني الفائت‬
‫بزيارة محمد بن زايد ألنقرة ألول مرة منذ عشر سنوات‪ ،‬واستقباله بحفاوة رسمية بالغة وتوقيع‬
‫البلدين عدة اتفاقات ومذكرات تفاهم في مجاالت التجارة والطاقة والبيئة واالستثمار‪ ،‬إضافة‬
‫لتأسيس اإلمارات صندوًقا بقيمة ‪ 10‬مليارات دوالر أميركي لالستثمار في تركيا‪ .‬رَّد أردوغان‬
‫بزيارة في فبراير‪/‬شباط الجاري‪ ،‬تخَّللها توقيع ‪ 13‬اتفاقية بين البلدين وتوقيعهما على بيان مشترك‬
‫بشأن "بدء مفاوضات اتفاقية الشراكة االقتصادية الشاملة بينهما"‪.‬‬
‫المطلب االول‪ :‬األهمية االستراتيجية للخليج العربي‬
‫اوال‪ :‬العامل الجغرافي واهميته االستراتيجية‬

‫‪5‬‬
‫المبحث االول‬
‫تستطع دول الخلج العري من موقعها الجغرافي أن تحقق الريادة والعلو‪ ،‬فهو بين القارات الثالث‬
‫آسيا وأفريقيا وأوروبا‪ ،‬ويشكل أهمية كيرة بل إن اإلستراتيجية االقتصادية إلى جانب الموقع‬
‫الجغرافي قد رسخت تلك األهمية وجعلتها أكثر شده وحساسية؛ وكما هو معروف أن دول الخليج‬
‫العربي تتحكم في مضيق باب السالم (هرمز) جنوب الخليج‪ ،‬وحتى منطقة الفاو جنوب العراق؛‬
‫وعند النظر من زاوية القوى الجيوسياسية البرية المعتمدة عل خط الحزام المحط يعد أن منطقة‬
‫الخليج العربي تشكل مركز الحزام المحيط بأوروبا وآسيا‪ ،‬وتشتمل على المقدرات الرئيسية‬
‫لمختلف أنواع التدخالت الموجهة محو أورآسيا(‪ )7‬؛ وعندما نتناول الخليج العربي من زاوية‬
‫الجيوسياسية الحربية بحد أنه يقع في بؤرة االستراتيجيات التي تنتهجها القوى ذات المحور‬
‫البحري تجاه القارات الثالث آسيا وإفريقيا وأوروبا‪ ،‬وقد أصح بالنسية لالستراتيجيات ذات الثقل‬
‫البحري‪ ،‬كما بات بمثاية قاعدة عسكرية لتحقيق الهيمنة اإلستراتيجية الموجهة نحو القارات‬
‫الثالث آسيا وإفريقيا وأورويا وبحارها ‪ ،‬ومتلك أهم المعابر المائية مثل معبر مضيق هرمز‬
‫ومضيق بات عدن ‪ ،‬وتحتل دول الخلج المكان المميز في قلب العالم القديم وعلى البحار‬
‫والمضايق األكثر اهمية في العالم‪ ،‬وعلى طرق مرور الطاقة ولكن المشكلة تاتي من أن الحدود‬
‫االتية داخل الشرق األوسط تشبه جدار مخلخل المفكك اللبنات‪ ،‬وتدرك القوى الدولية أن تحريك‬
‫أية لبنة من لبنات ذلك الجدار المخلخل يعني انهياره‪ ،‬وهي بطبيعة الحال ال ترغب في البقاء‬
‫تحت حطام جدار متهدم‪ ،‬ولتحقيق هذا الهدف تعمل تحريك لبناته المختلفة في آن واحد‪ ،‬وهو ما‬
‫يستوع تنوع ألعابها الدبلوماسية‪ ،‬إذ يتحتم على هذه القوى المداومة على إعادة تقييم أوضاعها‬
‫بالنسبة للقوى األخرى داخل وسط مرن‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العامل التاريخي واهميته االستراتيجية‬


‫يعتبر التاريخ الوسيلة الرئسية واألساسية التي اختص بها عدد كبير من أبناء العالم‪ ،‬وذلك نابع‬
‫بدرجة رئيسية من أهميته الكبيرة في حياة العالم‪ ،‬فالتاريخ هو السجل الكامل لمختلف الوقائع التي‬
‫وقعت منذ أن بدأت الكتاية على وجه األرض إلى يومنا هذ وهو واحد من أهم العلوم التي تدرس‬
‫باستمرار في مختلف مناطق العالم وفيما يلي بعض أبرز النقاط التي تبرز أهمية التاريخ‬
‫وتوضحها بشكل يمكن لإلنسان به معرفة القيمة الحقيقية لهذا العلم الهام‪.‬‬
‫والتراكم التاريخي هو أحد العناصر األساسية الي تحدد الوضع الزماني والكاني لدول الخليج‬
‫العربي‪ ،‬إن دول الخليج العربي يتمتعون بتاريخ إسالمي عريق يبدأ بتأسيس الدولة اإلسالمية‬
‫بالمدينة المنورة والدولة األموية والدولة العباسية‪ ،‬والدولة العثمانية‪ ،‬ثم العصر الحديث‪ ،‬من‬
‫الخصائص األساسية في منطقة الخليج العربي السمات الجيوثقافية النابعة من العمق التاريخي‬

‫‪6‬‬
‫المبحث االول‬
‫الذي يمتلكه‪ ،‬فإن أكبر التطورات الثقافية والدينية والفكرية التي أثرت في تاريخ البشرية تحققت‬
‫على أرض هذه المنطقة كما أسهم قربها من القارات الثالث أن تكون ساحة للمجاهرة والمواجهة‬
‫والمحاسبة الثقافية على المستوى العالمي والمحلي(‪.)8‬‬
‫وركز داود أغلو على التاريخ واعتبره من المعطيات الثابتة‪ ،‬ألن التاريخ يساعد على معرفة ما‬
‫كان من شأن األمم البائدة بشكل عام؛ حيث يفيد هذا األمر في معرفة الطرق التي تقدم بها‬
‫اإلنسان‪ ،‬والذي نتج اساسا عن تقدم العقل البشري وما صاحبه من تقدم في النظريات‪،‬‬
‫والفلسفات‪ ،‬والعلوم‪ ،‬واألفكار المختلفة‪ ،‬إلى أن وصلت كلها إلى ما وصلت إليه اليوم من تطور‬
‫كبيرة‪ ،‬فأفكار اليوم ليست كاألفكار في القرون الوسطى‪.‬‬
‫وتتميز دول الخليج العربي بغناها التاريخي والثقافي‪ ،‬فبسبب موقعها المميز استطاع العرب أن‬
‫يحتكموا بكافة الثقافات‪ ،‬فالناس مرتبطون بشكل أو بآخر بالتاريخ‪ ،‬وإن حاولنا التعمق في‬
‫بعض الحضارات نجد أن التاريخ له أهميه عظيمة في حضارها ومنطلقاها تجاه‬
‫العالم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العامل االقصادي و دوره في القوة الشاملة‪.‬‬
‫تعد منطقة الخليج العربي واحدة من أهم المناطق ذات األبعاد االستراتيجية على مستوى العام من‬
‫ناحية اقتصادية و الجغرافية‪،‬مرتبطا ذلك باالكتشافات النفطية الكبيرة التي عرفتها دول المنطقة‬
‫مما جعل منها محط أنظار العالم وقواه المتنافسة‪ ،‬إال أن تنامي أهميتها اإلستراتيجية خالل العقود‬
‫القليلة المنصرمة‪ ،‬قد ارتبط أيضا بقدرة دول المنطقة الغنية بالنفط على استثمار عائداته وتوظيفها‬
‫في تنمية مرافق هذه الدول ‪ ،‬ومحاولة النهوض سياسيا واقتصاديا واجتماعيا باالعتماد علي‬
‫"الطفرة" الكبيرة في أسعار النفط‪ ،‬وقد أصبحت منطقة الخليج في اآلونة األخيرة إلى واحدة من‬
‫أكبر بؤر العالم أهمية واضطرابا في الوقت ذاته ‪ ،‬وبات من أهم مفرداته وملفاته مسألة تأمين أمن‬
‫منطقة الخليج والحفاظ على تدفق النفط منه إلى العالم‪ ،‬وللداللة على األهمية االقتصادية للنفط‬
‫بالنسبة لدول المنطقة‪ ،‬يمكن مطالعة التقارير االقتصادية الدولية الراصدة لحركة األموال فيها‪،‬‬
‫فقد وصلت عائدات دول مجلس التعاون الخليجي من مبيعات النفط عام ‪ 2003‬م إلى ‪ 350‬مليار‬
‫دوالر‪ ،‬و تتجاوز ‪ 450‬مليار دوالر في عام ‪ 2008‬م بفضل ارتفاع أسعار النفط علميا ‪.‬‬
‫كما وصل الفائض التراكمي في الحساب الجاري بين عامي ‪ 2003‬م و ‪ 2007‬م إلى نحو ‪700‬‬
‫مليار دوالر‪ ،‬واصبح ‪ 900‬مليار دوالر في عام ‪ 2009‬بحسب تقارير صندوق النقد الدولي‪ .‬كما‬
‫بلغ نمو الناتج المحلي اإلجمالي إلى ‪ ،% 7.5‬وتجاوزت الفوائض التجارية ‪250‬مليار دوالر في‬

‫‪7‬‬
‫المبحث االول‬
‫عام ‪ 2005‬م‪ ،‬وحسب تقديرات بعض الخبراء‪ ،‬فإن منطقة الخليج ستراكم فائضا في الميزانية‬
‫مقداره ‪ 3‬تريليون دوالر بين عامي ‪ 2005‬و ‪ 2025‬م‪.‬‬
‫ويرجع هذا النمو االقتصادي غير المسبوق إلى كون دول الخليج العربي تمثل محطة وقود للعالم‬
‫بأسره كما تبرز االحتياطات النفطية في منطقة الخليج العربي لتؤهلها كمركز مهم لتلبية الطلب‬
‫(‪)9‬‬
‫العالمي المتزايد على النفط‪ ،‬ال سيما احتياجات الدول اآلسيوية‪.‬‬
‫إذ تضم منطقة الخليج العربي ثلثي احتياطي النفط المكتشف في العالم‪ ،‬كما ينتج اكثر من ربع‬
‫إجمالي اإلنتاج العالمي من النفط وبخز ن ثلث إجمالي االستهالك العالمي تقريبا ‪ ،‬وتشير تقارير‬
‫وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب العالمي على النفط سيزداد من ‪ 84‬مليون برميل يوميا في عام‬
‫‪ 2005‬م إلى ‪ 116‬مليون برميل يوميا في عام ‪ ،2030‬وستبلغ حصة الخليج العربي من إنتاج‬
‫النفط ما يزيد عن ‪ % 37‬من اإلجمالي العالمي بحلول عام ‪ 2025‬م‪.‬‬
‫وال يمكن بحال التغاضي في هذا السياق عن أهمية (الغاز) في الوقت الراهن‪ ،‬مما يعزز من‬
‫هيمنة الخليج العربي على أسواق الطاقة‪ ،‬فكل من إيران وقطر تملكان اثنين من أكبر ثالثة‬
‫احتياطيات للغاز‪ ،‬تعتبر المنطقة بهذا االمتداد الجغرافي من أغنى المناطق العالمية بالثروات‬
‫الطبيعة‪ ،‬فال يوجد منطقة في العالم أغنى من حيث الثروات من منطقة الخليج العربي‪ ،‬وعلى‬
‫رأس هذه الثروات النفطة التي تنتشر في بقاع عديدة من بقاع الوطن العري وعلى رأسها دول‬
‫الخليج‪ ،‬يبد انه مع انخفاض أسعار النفط من مائة دوالر لسعر البرميل إلى اثنان وأربعون دوالر‬
‫في عام ‪ ،2016‬اهتزت مكانة منطقة الخليج بالنسبة للقوى الدولية‪ ،‬وهذا يعني أن على دول‬
‫الخليج تعزيز بقية أدوات قوتها في نظرية القوة الشاملة وان ال تعتمد فقط على القوة االقتصادية‬
‫البحتة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬االهداف االستراتيجية التركية تجاه الخليج العربي‬
‫يمثل دور تركيا في الخليج العربي في عهد حزب العدالة والتنمية عقبة كبيرة أمام تحقيق األمن‬
‫واالستقرار في الخليج العربي ‪ ،‬حيث تمتلك تركيا األردوغانية أطماع واضحة وأجندة تنافسية مع‬
‫قوى اقليمية أخرى مثل إيران‪ ،‬وتحاول من خاللها استعادة مكانتها وثقلها االستراتيجي المفقود‬
‫منذ طي صفحة الحرب الباردة وفشل مشروع االنضمام لالتحاد األوروبي‪.‬‬
‫ولذا تحاول القوى العربية الفاعلة في الوقت الراهن‪ ،‬مثل المملكة العربية السعودية وجمهورية‬
‫مصر العربية‪ ،‬ودولة االمارات العربية المتحدة‪ ،‬التصدي لألطماع التركية في إطار جهود الدول‬
‫الثالث لصون األمن القومي العربي وحماية مصالح الشعـوب العربيـــــة‪ .‬وفي هــــذا العـــــــــدد‬
‫تسلط “درع الوطن” الضوء على أبعاد ومالمـح وأهــداف تأثيرات الدور التركي‪ ،‬وتوضيـح‬
‫خلفيــات وفــرص تحقــق األحـــالم والتطلعات التركية في الخليج العربي‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫المبحث االول‬
‫كانت اضطرابات عام ‪ 2011‬التي شهدتها العديد من الدول العربية‪ ،‬وما رافقها من فوضى‬
‫وانهيار أسس ودعائم الدولة المركزية في حاالت عدة ضمن مـايسمـى إعالميًا بـ “الربيع‬
‫العربي”‪ ،‬فرصــة مناسـبة للمشــروع التوسعي الذي ظل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان‬
‫يحلم به منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في عام ‪ .2002‬حيث كان‪ ،‬وال يزال‪،‬‬
‫أردوغان يحلم باستعادة نفوذ القوة العثمانية القديمة ذات النفوذ االستعماري االقليمي الكبير‪،‬‬
‫منطلقًا من التدخل في شؤون الدول العربية المجاورة والسعي للعب دور فاعل في إعادة‬
‫(‪)10‬‬
‫“هندسة” الخليج العربي بما يتـوافق مـــع طموحاتــه وأحالمه‪.‬‬
‫لماذا الخليج العربي ؟‬
‫يركز هذا الملف على دراسة أبعاد الدور التركي في الخليج العربي ألسباب عدة أهمها أن هذا‬
‫الدور لم يستهدف المنطقة الشرق أوسطية برمتها بل يالحظ أن هناك نوع من “تسكين” العالقات‬
‫التركية االسرائيلية والحفاظ علىها في مستوى يرتضيه الطرفان في توافق شبه ضمني‪ ،‬وبما‬
‫يحفظ مصالحهما ويتوافق مع قواعد التعاون بل والتحالف االستراتيجي الذي يمثل المظلة‬
‫التاريخية للعالقات رغم بعض االشتباكات االعالمية والسياسية التي تصب إجماًال في سلة‬
‫مصالح كال الطرفين أو أحدهما على األقل‪ ،‬كما يالحظ أن العالقات التركية االيرانية تتسم بتعاون‬
‫أكثر من الطابع التنافسي الذي يشير إليه بعض الباحثين‪ ،‬وهناك توافق ضمني على حدود‬
‫المصالح والنفوذ وحرص متبادل على تفادي أي عوامل قد تؤدي إلى التوتر في العالقات بين‬
‫البلدين‪ ،‬باعتبار أن كال منهما يمثل ظهيرًا استراتيجيًا لآلخر في ملفات عدة؛ فتركيا تعد منفذًا‬
‫حيويًا الفالت إيران من قبضة الحصار والعقوبات األمريكية‪ ،‬وتركيا في المقابل ترى في‬
‫عالقاتها مع إيران ورقة مهمة للحفاظ على مصالحها في العراق المجاور‪ ،‬وأيضًا لضمان‬
‫التنسيق المشترك فيما يخص “هندسة” العالقات االقليمية والسيما دور دول مجلس التعاون‪،‬‬
‫حيث يالحظ االقتراب المتبادل والحذر‪ ،‬فإيران تتواجد عسكريا في سوريا على الحدود التركية‪،‬‬
‫والقوات التركية تتمركز في قاعدة عسكرية بقطر‪ .‬صحيح أن الهدف من هذا االقتراب ليس‬
‫مناكفة احدهما اآلخر‪ ،‬وخصوصًا الوجود التركي في قطر الذي يستهدف الضغط استراتيجيًا على‬
‫السعودية واالمارات‪ ،‬ولكن هذا االقتراب يتطلب من أنقرة وطهران مستوى معين من التعاون‬
‫والتنسيق والتفاهم(‪.)11‬‬
‫وفي ضوء ماسبق‪ ،‬ومعطيات الواقع التي تشير إلى أن التدخالت التركية تركز باألساس على‬
‫الخليج العربي وتستخدم أدوات وتسعى إلى تحقيق أهداف تتعلق بهذه المنطقة على وجه التحديد‪،‬‬
‫فإن التركيز على دراسة الدور التركي في العالم العربي يمتلك أهمية خاصة كي ال تنصرف‬
‫األنظار عن طبيعة هذا الدور الخبيث‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫المبحث االول‬
‫بيئة سياسية مواتية‬
‫ورغم أن تركيا قد تبنت في بداية وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى الحكم سياسة خارجية‬
‫قائمة على استراتيجية “صفر مشاكل” التي صاغها وزير الخارجية األسبق أحمد داود أوغلو‪،‬‬
‫فإن تنامي نفوذ أردوغان في الحزب الحاكم ثم قيامه بتغيير شكل نظام الحكم ذاته وإبعاد حلفائه‬
‫السياسيين المقربين‪ ،‬قد فتح الباب واسعًا أمام االنقالب على هذه االستراتيجية واالعتماد على‬
‫توجه جديد معاكس تمامًا‪ ،‬قائم على صناعة األزمات والتدخل عبر القوة الخشنة في مناطق‬
‫األزمات والصراعات العربية‪ ،‬مستغًال في ذلك تنظيم “اإلخوان المسلمين” االرهابي الذي يرتبط‬
‫مع الحزب الحاكم في تركيا وقادته‪ ،‬والسيما الرئيس أردوغان‪ ،‬بروابط فكرية وأيديولوجية‬
‫وعالقات تنظيمية قوية‪ ،‬حيث وجدت تركيا في أحداث العشرية الثانية من القرن الحادي‬
‫والعشرين في المنطقة العربية فرصة سانحة لتحقيق أطماعها في دول عربية عدة من بينها مصر‬
‫واليمن وتونس وسوريا‪ ،‬من خالل دعم تنظيم “األخوان المسلمين” للوصول إلى الحكم حتى بلغ‬
‫بها الحال للتدخل العسكري المباشر في سوريا وليبيا‪ ،‬فضًال عن خسارة المصالح االستراتيجية‬
‫التركية مع دول عربية مهمة مثل السعودية ومصر واالمارات‪ ،‬بل والسعي الدائم لإلضرار‬
‫بمصالح هذه الدول عبر بناء تحالفات تكتيكية غير واقعية مع نظام الحكم في دولة قطر وحكومة‬
‫السراج في ليبيا وتنظيمات ارهابية متطرفة استطاعت عقد صفقات سرية مشبوهة مع النظام‬
‫التركي لفتح ممرات عبور االرهابيين إلى سوريا وغيرها‪.‬‬
‫وال يقتصر السعي التركي للتدخل في المنطقة العربية على سوريا وليبيا ومحاولة الضغط على‬
‫بعض الدول واالضرار بمصالحها بل يشمل محاوالت مستمرة للتسلل في منطقة القرن االفريقي‪،‬‬
‫حيث تبدي أنقرة اهتمامًا استثنائيًا بدول القارة االفريقية منذ سنوات مضت‪ ،‬حيث استضافت تركيا‬
‫في مدينة اسطنبول عام ‪ ،2008‬قمة أفريقية تركية تحت اسم “التضامن والشراكة لمستقبل‬
‫مشترك”‪ ،‬وكانت القمة األولى من نوعها‪ ،‬وشارك في هذه القمة ممثلون من ‪ 50‬دولة أفريقية‪،‬‬
‫وفي العـام ذاتــه منحـــت “قمــــة االتحــاد األفريقـي” المنعقــدة في أديـــس أبابا وصـــــف‬
‫“حليف استراتيجي” لتركيا‪ ،‬كما قامت بمضاعفة اعداد سفاراتها في افريقيا خالل السنوات القليلة‬
‫الماضية لنحو ثالثة أضعاف العدد في السابق‪ ،‬وتنشط الخطوط الجوية التركية إلى جانب آلية‬
‫الدعم وتعزيز التبادل التجاري‪ .‬صحيح أن العالقات التركية االفريقية لم تعد بنفس الحماس‬
‫السابق منذ تولي فخامة السيد عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر ووضع افريقيا في صدارة اولويات‬
‫السياسة الخارجية المصرية‪ ،‬ولكن أنقرة ال تزال تستخدم عالقاتها مع دول قارة افريقيا في كسب‬
‫نفوذ متزايد داخل المنظمات الدولية واالقليمية‪ ،‬كما توظفها في تحقيق أهداف عسكرية مثلما‬
‫حدث في اقامة قاعدة عسكرية تركية بالصومال‪ ،‬وهي ثاني قاعدة عسكرية للجيش التركي خارج‬

‫‪10‬‬
‫المبحث االول‬
‫أراضيه بعد القاعدة العسكرية في قطر‪ ،‬وهو تمدد مناوىء للنفوذ العربي ويعمل على محاصرة‬
‫هذا النفوذ او على االقل ايجاد معادل موضوعي له(‪.)12‬‬
‫أهداف الدور التركي في الخليج العربي‬
‫دعم أجندة تنظيم اإلخوان المسلمين االرهابي‪ :‬يأتي هذا الهدف في صدارة أولويات السياسة‬
‫الخارجية التركية في الخليج العربي ‪ ،‬حيث يعتقد الرئيس أردوغان أن حلفائه األيديولوجيين‬
‫يمكن أن يكونوا البديل ألنظمة الحكم في دول عربية عدة‪ ،‬ويتجاهل مساحات الرفض الشعبي‬
‫الهائلة للتنظيم وتوجهاته‪ ،‬والتي كان من أبرزها ثورة الثالثين من يونيو عام ‪ 2013‬في مصر‬
‫ضد حكم نظام اإلخوان المسلمين‪ ،‬ولكن أردوغان ال يزال يعتقد في أهمية دور التمسك بهذه‬
‫الورقة التي كان يسعى من خاللها إلى أن تكون تركيا نموذجًا ألنظمة الحكم البديلة‪ ،‬فضًال عن‬
‫قيامها بدور عراب العالقات الغربيــــة مـع هــذه األنظمــة‪ ،‬وهـي أحــــالم لم يعد لها فرص‬
‫التحقق على أرض الواقع‪ ،‬ولكنه ال يزال يتشبث بأذيالها في ظل وجود بقايا حكم التنظيم في‬
‫بعض الدول العربيــة‪ ،‬ورهانه على إحياء ولملمة شتات هذه البقايا كي تتحول إلى قوة دفع جديدة‬
‫يمكنها إحياء دور التنظيم عربيًا‪.‬‬
‫التحول إلى سياسة خارجية هجومية لتعزيز مكانة تركيا ودورها‪ :‬رأى الرئيس أردوغان وحلفائه‬
‫في حزب «العدالة والتنمية» التركي أن مايعرف بـ الربيع العربي» يمثل فرصة ثمينة العادة‬
‫هيكلة توجهات تركيا وهويتها االستراتيجية من خالل السعي لقيادة العالم االسالمي وترسيخ‬
‫دورها االقليمي بما ينطوي علىه ذلك ـ وفقا لهذه الرؤية ـ من مصالح حيوية لتركيا على الصعيد‬
‫االقتصادي والتجاري والسياحي‪ ،‬وحتى على مستوى مبيعات األسلحة‪ ،‬فضًال عن امتالك أوراق‬
‫ضغط جديدة تسهم في حوارها االستراتيجي مع االتحاد األوروبي وروسيا والواليات المتحدة‬
‫واستغالل عالقاتها المفترضة مع أنظمة الحكم العربية ـ كما كان متصورًا قبل انهيار هذه األحالم‬
‫ـ في تحقيق األهداف والمصالح االستراتيجية التركية مع العالم‪ .‬فضًال عن ممارسة سياسة خلط‬
‫األوراق واإلرباك من خالل تحقيق أهداف تخص األمن القومي التركي وتسويقها سياسيًا‬
‫باعتبارها ضمن األهداف المشتركة للعالم في مكافحة االرهاب وغير ذلك‪ ،‬ومن أبرز األمثلة‬
‫الدالة على ذلك السعي للقضاء على األكراد ووأد احالمهم في بناء دولة مستقلة‪ ،‬وكذلك سعي‬
‫أردوغان إلقامة منطقة عازلة على الحدود التركية السورية بزعم مكافحة ومالحقة تنظيمات‬
‫االرهاب والتطرف‪ ،‬وأيضًا استغالل موقعها الجغرافي كمعبر لموجات اللجوء من سوريا إلى‬
‫دول االتحاد األوروبي وكذلك تسلل االرهابيين إلى الداخل السوري‪ ،‬في تحقيق األهداف‬
‫االستراتيجية التركية والسيما مايتعلق بابتزاز دول االتحاد األوروبي والحصول على األموال‬
‫مقابل وقف زحف الالجئين إلى حدود أوروبا(‪.)13‬‬

‫‪11‬‬
‫المبحث االول‬
‫محاولة الضغط على مصر والسعودية والسعي للحد من دورهما االقليمي وتهديد األمن القومي‬
‫العربي‪ :‬منذ انهيار نظام حكم تنظيم اإلخوان المسلمين االرهابي في مصر عام ‪ ،2013‬والدعم‬
‫القوي الذي قدمته المملكة العربية السعودية ودولة االمارات لمصر في تلك الظروف‪ ،‬بما مًك نها‬
‫من تجاوز الصعوبات االقتصادية في أغلبها‪ ،‬تشّك لت لدى أردوغان قناعة بأن السعودية ومصر‬
‫يقفان حجر عثرة في وجه تحقيق أحالمه التوسعية بالمنطقة العربية‪ ،‬ومن ثم فقــد قــام بتطـوير‬
‫استراتيجيـــة السياسيــة لتشمل اسـتهدافهما والعمــــل على ضـــــرب مصالحها‪ ،‬وجاء ذلك من‬
‫خالل محاور وأدوات عدة أولها تقديم دعم تركي عسكري وسياسي للنظام الحاكم في قطر من‬
‫أجل تحريضه على مواصلة سياساته المعادية لبقية دول مجلس التعاون‪ ،‬حيث قامت تركيا باقامة‬
‫قاعدة عسكرية في الدوحة ويتمركز فيها قوات نخبة تركية تحت غطاء اتفاقية أمنية تم توقيعها‬
‫عام ‪ ،2014‬واتفاقية تسمى باتفاق المجلس االستراتيجي القطري التركي‪ ،‬مقابل الحصول على‬
‫مليارات الدوالرات القطرية لدعم االقتصاد التركي المتداعي بسبب ازماتها المتالحقة والتدخالت‬
‫العسكرية المتوالية‪ ،‬التي تسببت في تراجع الصادرات وانهيار العملة التركية‪.‬‬
‫اقامة توازن مع النفوذ االيراني اقليميًا ودوليًا‪ :‬الثابت أن النظام االيراني منذ قيام ثورة الخميني‬
‫عام ‪1979‬يمتلك مشروعًا توسعيًا ذا وجه طائفي يحاول تنفيذ في المنطقة العربية‪ ،‬وراوحت‬
‫الجهود في هذا اإلطار بين مد وجزر حتى جاء الغزو األمريكي للعراق في عام ‪ ،2003‬والذي‬
‫وجدت فيه إيران فرصة تاريخية للتغلغل إلى هذا البلد العربي الكبير من بوابة الطائفية والمذهبية‬
‫وترسيخ نفوذها فيها بالشكل الذي تشير إليها المؤشرات الراهنة‪ .‬ولما كان الوجود االيراني في‬
‫العراق يمثل تهديدًا للمصالح التركية لما بين البلدين من تنافس تاريخي تقليدي وصراعات‬
‫مصالح تشتعل وتخمد بحسب الظروف االقليمية وحسابات المصالح واألولويات السياسية للبلدين‪،‬‬
‫والتوازنات االستراتيجية القائمة بين القوى االقليمية‪ ،‬وفي ظل غياب أي مشروع عربي جماعي‬
‫للتصدي للتهديد اإليراني ولجم االندفاع االيراني في دول المنطقة العربية‪ ،‬سارعت تركيا وقتذاك‬
‫إلى تغيير مقاربتها االستراتيجية وصياغة استراتيجية جديدة قائمة على التدخل الخشن في‬
‫األزمات والصراعات‪.‬‬
‫السعي الدائم لصرف األنظار عن األزمات الداخلية‪ :‬رغم ما راكمته تركيا من نجاحات تنموية‬
‫في بدايات تولي حزب العدالة والتنمية‪ ،‬فإن سياسات أردوغان قد تسببت في شبه عزلة تركية‬
‫اقليمية ودولية انعكست سلبًا على االقتصاد التركي‪ ،‬الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات‬
‫الصادرات والسياحة‪ ،‬فضًال عن تفاقم األزمات الداخلية وتدهور مستوى المعيشة وانهيارات‬
‫متوالية للعملة التركية‪ ،‬التي شهدت سنوات طويلة من االرتفاعات القياسية‪ ،‬وقد ازدادت‬
‫االوضاع الداخلية سوءًا بعد ما عرف بمحاولة االنقالب الفاشلة عام ‪ ،2016‬والتي وفرت‬

‫‪12‬‬
‫المبحث االول‬
‫ألردوغان المبرر والمسوغات لالنقضاض على معارضيه كافة سواء بدعوى االنضمام إلى‬
‫جماعة فتح هللا جولن أو التعاطف معها أو فتح قنوات اتصال مع قادتها‪ ،‬وقام باستعداء شريحة‬
‫سياسية كبيرة‪ ،‬وزج عشرات اآلالف السجون وفصل وتشريد مئات اآلآلف من وظائفهم‪ ،‬وفتح‬
‫الباب امام تعديالت دستورية افضت إلى نظام حكام للرئيس أردوغان فيه الكلمة الفصل‪ .‬وبحسب‬
‫احصاءات‪ ،‬فقد اتخذ الرئيس أردوغان اجراءات عقابية ضد نحو ‪ 160‬ألف شخص فى اعقاب‬
‫محاولة االنقالب الفاشلة‪ ،‬كما فقد نحو ‪ 140‬ألف شخص وظائفهم الحكومية ضمن مايعرف‬
‫بتطهير الدوائر الحكومية من جماعة فتح هللا جولن‪ ،‬فضًال عن اعتقال عشرات اآلآلف من‬
‫العسكريين وضباط الشرطة والقضاة ما أحدث شرخًا في المجتمع التركي يصعب ترميمه سوى‬
‫بعد رحيل أردوغان وطي صفحة هذه السياسات االنتقامية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫التوجه التركي نحو البحر االحمر‬
‫عزز دخول تركيا على خط التنافس حول منطقة البحر األحمر االستراتيجية المخاوف من تغذية‬
‫الصراعات اإلقليمية الدائرة فيها‪ ،‬وتحولها إلى إحدى أكثر البؤر توترا حول العالم‪.‬‬
‫تتشارك عدة دول مياه البحر األحمر‪ ،‬وهي مصر والسودان واليمن والسعودية واألردن‬
‫وإسرائيل وجيبوتي وإريتريا‪ ،‬ويعتبر هذا البحر أحد أهم ممرات المالحة والتجارة العالميتين‬
‫ويشهد عبور ما يقارب ‪ 3.3‬ماليين برميل نفط يوميا‪.‬‬
‫وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن خالل زيارته األخيرة إلى السودان موافقة‬
‫الخرطوم على تسليمه جزيرة "سواكن" المطلة على البحر األحمر‪ ،‬ألجل غير محدد‪ ،‬وذلك من‬
‫أجل "إعادة تأهيلها" في إطار اتفاقيات أمنية واقتصادية‪ ،‬ما أثار ردود فعل غاضبة ال سيما من‬
‫مصر والسعودية‪.‬‬
‫وقال مساعد وزير الداخلية المصري سابقا محمد نور الدين إن لتركيا "أطماعا" كبيرة في‬
‫المنطقة وإنها بخطوتها األخيرة ستؤدي "حتما" إلى قيام استقطابات وتحالفات من شأنها في‬
‫خاتمة المطاف تأجيج الصراع ليس على "المستوى اإلقليمي فحسب بل على "المستوى الدولي"‬
‫أيضا‪.‬‬
‫وأضاف لموقع "الحرة" أن الحكومة السودانية تكون "مخطئة" إن ظنت أنها بمنحها سواكن‬
‫لتركيا‪ ،‬ستضغط على بالده بشأن حاليب‪ ،‬مشددا على أن حاليب مصرية‪.‬‬
‫وقال نور الدين إن مصر ستتخذ "كل اإلجراءات التأمينية الالزمة" في مواجهة التطورات‬
‫األخيرة‪ ،‬محذرا من أن السودان "سيفاجأ برد فعل عنيف جدا" إذا ما نجح في مساعيه لـ"جر‬
‫مصر إلى حرب"‪ ،‬عبر استقدام تركيا ومواقفها "المعادية" إلى جوارها‪.‬‬
‫وقال المحلل االستراتيجي ومدير علوم الشرق األوسط في جامعة تل أبيب إيال زيسير لموقع‬
‫"الحرة" إن الصراع اإلقليمي والدولي في البحر األحمر ليس بجديد وإن وجود تركيا في المنطقة‬
‫ال يمثل "تهديدا حقيقيا" إلسرائيل بقدر المخاوف المتوقعة من "تحرك إيراني أو نزاع مصري‬
‫تركي"‪ ،‬في ظل التعاون التركي مع السودان‪.‬‬
‫يعتبر الخبير األمني السوداني يونس محمود أن المخاوف من الوجود التركي في شرق السودان‬
‫"غير مبررة على اإلطالق" ويتساءل "لماذا لم يثر نفس الجدل عندما أدارت دول غير مشاطئة‬
‫(‪)14‬‬
‫كاإلمارات‪ ،‬عددا من الموانئ على البحر األحمر‪ ،‬كعدن مثال؟"‬

‫‪14‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫أعلنت كل من تركيا والسودان عن توقيع بعض االتفاقيات‪ ،‬االقتصادية منها والعسكرية‪ ،‬وذلك‬
‫خالل زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان‪ ،‬للسودان ‪ 24‬و‪ 25‬و‪ 26‬ديسمبر‪/‬كانون‬
‫األول ‪ ، 2017‬فيما أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو‪ ،‬أنه تم توقيع اتفاقيات‬
‫بخصوص أمن البحر االحمر‪ ،‬مؤكدا أن تركيا ستواصل تقديم كل الدعم للسودان بخصوص أمن‬
‫البحر األحمر‪ ،‬فى الوقت ذاته تنازلت السودان عن جزيرة سواكن الواقعة فى البحر األحمر‬
‫لتركيا كى تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية لم يتم تحديدها‪.‬‬
‫جزيرة "سواكن" قريبة من السواحل المصرية‪ ،‬حيث تبعد نحو ‪ 650‬كيلومترا من حاليب‬
‫وشالتين المصرية‪ ،‬وتضم الجزيرة منطقة أثرية تاريخية تعود للحقبة العثمانية وكانت سابقا ميناء‬
‫السودان الرئيسي‪ ،‬وقد بنيت المدينة القديمة فوق جزيرة مرجانية وتحولت منازلها اآلن إلى آثار‬
‫وأطالل‪.‬‬
‫أمن البحر األحمر ال يتوقف عند السودان فقط‪ ،‬بل يمتد لسبع دول أخرى‪ ،‬مطله عليه باإلضافة‬
‫للسودان وهى‪ :‬اليمن‪ ،‬والسعودية من الجهة الشرقية‪ ،‬واألردن‪ ،‬وفلسطين من الجهة الشمالية‪،‬‬
‫وجيبوتي من الجهة الجنوبية‪ ،‬ومصر من الجهتين الشمالية‪ ،‬والغربية‪ ،‬وإريتيريا من الجهتين‬
‫الجنوبية‪ ،‬والغربية‪.‬‬
‫أهمية البحر األحمر من الناحية األمنية واإلستراتيجية‪ ،‬تكمن في كونه‪ ،‬أحد أهم البحار في العالم‪،‬‬
‫حيث يقع بين قارتي آسيا وأفريقيا؛ ويتصل مع المحيط الهندى من جهة الجنوب من خالل خليج‬
‫عدن‪ ،‬ومضيق باب المندب‪َ ،‬أما من جهة الشمال فيشترك بالحدود مع شبه جزيرة سيناء‪ ،‬وخليج‬
‫السويس‪ ،‬وخليج العقبة‪ ،‬حيث قناة السويس‪ ،‬ويعتبر أحد طرق المالحة األساسية في العالم‪،‬‬
‫ومعبرًا رئيسيًا لتصدير النفط من دول الخليج إلى دول العالم‪ ،‬وتزداد أهميته بوجود قناة السويس‪.‬‬
‫األهمية االستراتيجية للبحر األحمر تنطلق من الجنوب‪ ،‬عند مضيق باب المندب‪ ،‬فهو أحد أهم‬
‫الممرات المائية فى العالم وأكثرها احتضانا للسفن‪ ،‬حيث يربط بين البحر األحمر وخليج عدن‬
‫الذى تمر منه كل عام ‪ 25‬ألف سفينة تمثل ‪ %7‬من المالحة العالمية‪ ،‬وتزيد أهميته بسبب‬
‫ارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز‪ ،‬حيث ظلت أهميته محدودة إلى أن تم افتتاح قناة‬
‫السويس عام ‪ 1869‬وربط البحر األحمر وما يليه بالبحر المتوسط‪ ،‬فتحول إلى واحد من أهم‬
‫ممرات النقل والمعابر على الطريق البحرية بين بلدان أوربية والبحر المتوسط‪ ،‬وعالم المحيط‬
‫الهندي وشرقي إفريقيا‪.‬‬

‫فما انعكاسات الخطوة على صراع النفوذ في البحر األحمر في ظل دخول كل من تركيا وروسيا‬
‫على الخط‪ ،‬األمر الذي يعيد رسم النفوذ في البحر األحمر ويعكس بالضرورة تغييرا في خريطة‬

‫‪15‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫التحالفات اإلقليمية في منطقة البحر األحمر الملتهبة بالصراع في اليمن واألزمة الخليجية‬
‫وحصار دولة قطر‪ ،‬وغير بعيد عن تقاطعات القضية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير‬
‫عند مدخل خليج العقبة شمال البحر األحمر للسعودية‪.‬‬
‫ويبدو أن الرئيس أردوغان يعطي أهمية للتواجد العسكري في البحر األحمر عبر البوابة‬
‫السودانية‪ ،‬وال يخفي عزمه إعادة نفوذ تركيا إلى القارة السمراء كما كانت قبل قرن من الزمان‪،‬‬
‫إذ حظيت جزيرة سواكن السودانية بمكانة مهمة في عهد الدولة العثمانية‪ ،‬وكانت مركزا لبحريتها‬
‫في البحر األحمر‪ ،‬وضم ميناؤها مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر األحمر بين عامي‬
‫‪ 1821‬و‪.1885‬‬
‫وتكمن أهمية جزيرة سواكن تاريخيا في أنها أقدم ميناء سوداني على ساحل البحر األحمر‪،‬‬
‫واختارها السلطان العثماني سليم األول في ‪ 1517‬مقرا لحاكم "مديرية الحبشة العثمانية" التي‬
‫(‪)15‬‬
‫تشمل مدينتي حرقيقو ومصوع في إريتريا الحالية‪.‬‬
‫وبعد سيطرة البريطانيين على السودان سنة ‪ 1899‬قاموا بتدمير أجزاء كبيرة من الجزيرة‪،‬‬
‫خاصة اآلثار العثمانية‪ ،‬واستغنوا عن مينائها وأنشؤوا ميناء بديال في بورتسودان‬
‫وتراقب تركيا ما يجري في منطقة البحر األحمر التي تشهد تنافسا محموما للسيطرة والتوسع‪ ،‬فقد‬
‫سّلمت مصر جزيرتي تيران وصنافير للسعودية‪ ،‬كما تسعى إسرائيل إلقامة مشروع قناة‬
‫إسرائيلية موازية لقناة السويس‪ ،‬فضال عن قناعتها بأن البحر األحمر والسودان يشكالن معبرا‬
‫مهما للتعاون التجاري واألمني مع دول أفريقيا‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬وربما بسبب صعوبة انضمام تركيا لمنظومة االتحاد األوروبي‪ ،‬لجأت أنقرة‬
‫إلى تكثيف انخراطها في المنطقة عموما‪ ،‬ووظفت عالقتها ‪-‬على سبيل المثال بقطر‪ -‬تحقيقا لهذا‬
‫الهدف‪ ،‬ودفعت األزمة الخليجية وحصار قطر نحو تعميق التعاون بين أنقرة والدوحة‪ ،‬حيث عمد‬
‫الطرفان إلى تفعيل التواجد العسكري التركي في قطر‪ .‬ومعلوم أن لدى تركيا قاعدة عسكرية في‬
‫الصومال‪ ،‬وتعكف على تدريب نحو ‪ 11‬ألف جندي صومالي‪.‬‬

‫أدركت القوى االستعمارية األهمية الكبرى للبحر األحمر خالل القرن السادس عشر وما بعده‬
‫وحتى مطلع القرن العشرين‪ ،‬مما أدى تلك القوى إلى تطوير أساطيلها البحرية والعسكرية‬
‫والتجارية واالستيالء على الموانئ والمدن الساحلية السيما ذات األهمية االستراتيجية والزالت‬

‫‪16‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫تلك المنطقة تشهد صراعات وتنافس بغرض السيطرة عليها وعلى مواردها خاصة بعد زيادة‬
‫األهمية للبحر األحمر بعد افتتاح قناة السويس في عام ‪1861‬م واكتشاف البترول في منطقة‬
‫الخليج العربي‪.‬‬
‫تتداخل وتتفاوت أهمية البحر األحمر االستراتيجية بالنسبة للقوى اإلقليمية والدولية ما بين أهميته‬
‫األمنية والعسكرية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬ففي كل لحظة تبرز أي من هذه‬
‫األهميات على السطح بحسب تداعيات التفاعل والتداخل اإلقليمي والدولي في المنطقة‪ ،‬ولكن‬
‫تبقى األهمية االقتصادية واألهمية العسكرية واألمنية هما أكبر الدوافع للتنافس اإلقليمي على‬
‫البحر األحمر والتخوم المجاورة له‪.‬‬
‫في القرن الحالي بدأت العالقة بين االقتصاد العالمي وأمن المالحة البحرية تتطور مع الزيادة في‬
‫التجارة العالمية المنقولة بحرًا‪ ،‬ومن المتوقع أن تتضاعف نقل الحموالت البحرية العالمية خالل‬
‫الفترة ما بين ‪2020 – 2014‬م‪ ،‬بينما يتوقع زيادة عدد منصات النفط والغاز القائمة لتصل لما‬
‫يزيد عن ‪ 600‬منصة بحلول عام ‪2030‬م‪ ،‬وذلك مما زاد من أهمية سالمة وأمن المالحة البحرية‬
‫خاصة في البحر األحمر الذي يربط ثالثة قارات هي آسيا وأفريقيا وأوروبا‪.‬‬

‫المطلب االول‪ :‬اهمية االستراتيجية للبحر االحمر‬


‫يشكل البحر األحمر أهمية اقتصادية حيوية من خالل إسهامه بشكل كبير في دعم اقتصاديات‬
‫الدول المتشاطئة عليه‪ ،‬كما لعب دورًا هامًا في حركة التجارة العالمية وخاصة النفط والغاز‪،‬‬
‫وتزداد هذه األهمية مع ظهور مفهوم االقتصاد األزرق الذي يمكن تعريفه على أنه االستخدام‬
‫المستدام للموارد المائية وحماية البحار والمحيطات والنمو االقتصادي وتحسين سبل المعيشة‬
‫والوظائف وصحة النظام البيئي‪ .‬كما يعد البحر األحمر من الناحية االستراتيجية ممرًا مهمًا ألي‬
‫تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الواليات المتحدة في اتجاه منطقة الخليج العربي‪.‬‬

‫خلفية تاريخية‬
‫نجد أن أهمية البحر األحمر قديمة بدأت بتدخالت القوى السياسية العالمية واألجنبية وأثرها على‬
‫أمن شعوب البحر األحمر منذ عهد الفراعنة واألشوريين والرومان والفرس والبطالمة‪ ،‬وحديثًا‬

‫‪17‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫بدأ بظهور القوة البرتغالية في البحر األحمر التي أحكمت قبضتها على ساحل البحر األحمر عن‬
‫طريق استخدام القوة والقهر‪.‬‬
‫في العام ‪1540‬م استعان ملك الحبشة باألسطول البرتغالي ضد األمراء المسلمين في السواحل‬
‫اإلريترية حيث سيطر ملك البرتغال عمانويل على سواحل البحر األحمر وتولى حماية الحبشة‬
‫من أي اعتداء خارجي‪ ،‬وقد حارب األهالي القوة البرتغالية ورفضوا التعاون معها حتى تم‬
‫طردها بواسطة القوة العثمانية حيث احتل األتراك مصوع عام ‪1557‬م وكل بالد الساحل وعّين‬
‫األتراك الزعماء المحليين حكامًا على بالدهم نيابة عن السلطان العثماني(‪.)16‬‬
‫منذ نهاية القرن التاسع عشر سعت القوى اإلمبريالية الغربية فرنسا‪ ،‬بريطانيا وإيطاليا إلى تثبيت‬
‫أقدامها في المنطقة بعد فتح قناة السويس في ‪1869‬م التي ضاعفت األهمية االستراتيجية للبحر‬
‫األحمر وتضاعفت بالتالي اهتمامات دول الصراع في السيطرة عليه وحرصها على أن تكون‬
‫قريبة من باب المندب‪ ،‬وكانت موانئ البحر األحمر موضوع اهتمامات ونقطة التحول في عملية‬
‫استعمار منطقة البحر األحمر وما حولها‪.‬‬
‫استخدمت بريطانيا قاعدة عدن كنقطة انطالق لتوسعها االستراتيجي الهادف للسيطرة على البحر‬
‫األحمر ومنع أي قوة أخرى من االقتراب منه فاحتلت مصر عام ‪1882‬م‪ ،‬ومن ثم توجهت‬
‫للجنوب الشرقي في نفس العام لتحتل مينائي زلع وبربرة في الصومال وذلك الستخدامها في‬
‫العمليات العسكرية ضد دول المحور ثم احتلت السودان عام ‪1899‬م بحجة أن تلك األراضي‬
‫كانت تحت السيطرة العثمانية وهي ال تدخل ضمن إطار اتفاقية ‪1877‬م‪.‬‬
‫قامت فرنسا بترسيخ أقدامها على ساحل البحر األحمر وخليج عدن وبالقرب من باب المندب من‬
‫خالل معاهدة مع رؤساء قبائل عيسى احتلت بموجبها أوبوك وتاجورا في األعوام ‪– 1884‬‬
‫‪1885‬م وميناء جيبوتي عام ‪1888‬م‪ ،‬واستخدم الفرنسيون أوبوك كقاعدة لعملياتهم العسكرية في‬
‫المنطقة‪.‬‬
‫ركزت إيطاليا اهتماماتها في إيجاد منفذ غربي حيث قامت بتعيين مفوض مدني في عصب‬
‫‪1880‬م بهدف وضع موطئ قدم لوجودها هناك حيث قامت في العام ‪1882‬م بتحويل عصب إلى‬
‫مستعمرة حيث أنزلت قوة عسكرية في ‪22/2/1885‬م وفي نفس العام قامت باحتالل مصوع‪،‬‬
‫وقامت إيطاليا باحتالل الصومال عام ‪1925‬م ووقعت معاهدة مع بريطانيا تحدد مناطق‬
‫الصومالي اإليطالي والبريطاني‪ .‬تراجع الحضور البريطاني والفرنسي بعد الحرب العالمية‬
‫الثانية وتحول البحر األحمر إلى ميدان تناقس أمريكي روسي (سوفييتي)‪.‬‬
‫وألهمية المنطقة للواليات المتحدة األمريكية ولحماية مصالحها ونشاطها العسكري توصلت في‬
‫عام ‪1978‬م إلى اتفاق مع كل من كينيا والصومال للحصول على تسهيالت في الدولتين‪ ،‬فمنذ‬

‫‪18‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫الحرب العالمية الثانية تخوض أمريكا حربًا سرية في منطقة جنوب السويس ضد االحتكارات‬
‫البريطانية المسيطرة في ذلك الوقت‪ ،‬ومن هنا جاءت عالقاتها مع أثيوبيا حيث حصلت على‬
‫قاعدة كاجينو ستيشن في إريتريا قبل استقاللها التي توفر لها منطلقًا استراتيجيًا فيما بعد قناة‬
‫السويس إلى داخل البحر األحمر‪.‬‬
‫مد االتحاد السوفييتي جسور التعاون إلى مصر بعد العام ‪1956‬م لضمان مرتكز استراتيجي‬
‫يستند إلى خصائص مصر الجغرافية ‪ /‬السياسية بإطاللتها على البحر األحمر والبحر األبيض‬
‫المتوسط‪ ،‬أما على صعيد جنوب البحر األحمر فقد ركز السوفييت على كسب صداقة اليمن حيث‬
‫وّقعوا معها معاهدة صداقة في نوفمبر ‪1955‬م‪ ،‬ثم الحقًا اليمن الجنوبي حيث تم تتويج هذه‬
‫العالقات بتوقيع معاهدة صداقة وتعاون بين البلدين ولمدة ربع قرن بتاريخ ‪25/10/1979‬م‪،‬‬
‫وقبلها وّثق السوفييت عالقتهم مع الصومال عام ‪1962‬م حيث قدمت الصومال للسوفييت‬
‫تسهيالت بحرية في ميناء بربرة ومركز اتصاالت عسكري في ديسمبر ‪1972‬م‪ ،‬ثم الحقًا تم‬
‫توقيع اتفاقية صداقة بينهما في يوليو ‪1974‬م‪.‬‬
‫بدأت االستراتيجية اإلسرائيلية حيال البحر األحمر عام ‪1949‬م بعد تأسيس الوجود اإلسرائيلي‬
‫في خليج العقبة وبهدف االتصال مع العالم الخارجي عن طريقه‪ ،‬ولتحقيق ذلك الهدف بدأت‬
‫إسرائيل بتأسيس وجودها على البحر األحمر بغية استخدامه لتحقيق مصالحها العسكرية‬
‫والسياسية واالقتصادية(‪.)17‬‬

‫األهمية االستراتيجية‬
‫تبلغ مساحة البحر األحمر حوالي ‪ 438‬ألف كيلومتر مربع‪ ،‬ويمتد على طول يزيد عن ألفي‬
‫كيلومتر وعرض ثالثمائة كيلومتر‪ ،‬ويحتل موقع جغرافي مميز يربط قارات العالم القديم آسيا‬
‫وأفريقيا وأوروبا والبحر األبيض المتوسط والمحيط الهندي والخليج العربي‪ ،‬وبالتالي يشكل أحد‬
‫أهم الممرات المائية الرئيسية للمالحة والتجارة الدولية‪ ،‬حيث تمر به ما يزيد عن ‪ 16‬ألف سفينة‬
‫تجارية وسياحية وعسكرية سنويًا‪ ،‬ويتم االعتماد عليه في استيراد النفط (‪ % 30‬من إنتاج النفط‬

‫‪19‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫العالمي)‪ ،‬وكذلك المواد الخام ألوروبا والواليات المتحدة والغرب عمومًا‪ ،‬ويتم عبره تصدير‬
‫المنتجات الصناعية إلى آسيا وأفريقيا وأستراليا لذلك أصبح البحر األحمر القطب الذي تتالقى فيه‬
‫مصالح وأهداف مجموعة كبيرة من الدول المحلية واإلقليمية والعالمية ذات القدرات العسكرية‬
‫والسياسية المتنوعة‪ ،‬ونتج عن األهمية االستراتيجية للبحر األحمر اآلتي‪:‬‬
‫أ‪ .‬أصبحت منطقة البحر األحمر تتأثر بالمتغيرات المحلية واإلقليمية والدولية نسبة لترابطها‬
‫واتصالها وألهميتها االستراتيجية والجيبوليتيكة‪ ،‬مثًال الشواهد واألحداث تدل على أنما يحدث في‬
‫الشرق األوسط ينعكس على البحر األحمر لذلك يعتبر كثيرون أن البحر األحمر إقليم فرعي‬
‫للشرق األوسط‪.‬‬
‫ب‪ .‬حماية المصالح والمكتسبات والسيطرة والنفوذ على منطقة البحر األحمر كانت دومًا حاضرة‬
‫في تاريخ البحر األحمر القديم والحديث وإن تغيرت الدواعي والمبررات‪ .‬وهذا التدخل الخارجي‬
‫حرم دوله من فرص االستقرار والنماء والتطور منذ زمن قديم ألنه يخدم مصالح تلك الدول‬
‫ويكرس هيمنتها وريادتها‪.‬‬
‫جـ‪ .‬تأثر مسار وتاريخ البحر األحمر باألحداث الداخلية لدوله والخارجية للفاعلين الدوليين خاصة‬
‫في مسألة النزاعات اإلقليمية‪ ،‬حروبات الحدود‪ ،‬اإلرهاب‪ ،‬القرصنة البحرية‪ ،‬الهجرة غير‬
‫الشرعية‪ ،‬حروب الموارد والتي كانت سببًا جاذبًا لألطراف الخارجية‪ ،‬فكل الشواهد تؤكد على‬
‫أن البحر األحمر أصبح عامًال هامًا يسهم في التطورات العسكرية والسياسية في المنطقة كلها‬
‫والصراعات اإلقليمية تتطور إلى استقطاب دولي‪.‬‬
‫د‪ .‬ال تزال منطقة البحر األحمر تمر بظروف وفترات غاية في الخطورة والحساسية بسبب‬
‫التوترات اإلقليمية واألوضاع غير المستقرة بشكل عام وذلك سيوجد حالة من التعقيد والتوتر‬
‫المستمر وعدم االستقرار بحيث ال يمكن لدولة أن تبقى بمنأى عن التأثر بتلك األوضاع أو التفاعل‬
‫معها أو التعامل مع تداعياتها‪.‬‬
‫هـ‪ .‬تزايد األهمية االستراتيجية للبحر األحمر ستنعكس على زيادة المصالح واألطمـاع‪ ،‬وهــذا‬
‫يترتـب عليه الصـراع بأشكاله المختلفة بين القوى اإلقليمية والدولية وال شك أن األطراف المحلية‬
‫ستدخل في هذه المواجهة‪.‬‬
‫و‪ .‬توفر أسباب عديدة لحدوث أزمات حادة مستقبًال في منطقة البحر األحمر أو تأثره بأزمات في‬
‫مناطق قريبة أو مرتبطة به أيضًا قائمة مفتوحة سواًء بفعل قوى إقليمية أو دولية ونتيجة لتعارض‬
‫األهداف والمصالح وال شك أن ذلك سينعكس على األمن البحري في البحر األحمر والذي يتمثل‬
‫في تهديد تدفق التجارة البحرية والتأثير على البيئة البحرية واألمن الغذائي واألمن اإلقليمي للدول‬
‫المطلة عليه (متشاطئة)‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬االهداف االستراتيجية التركية نحو البحر االحمر‬


‫أضحى البحر األحمر ساحة للتنافس الجيوسياسي‪ ،‬ويعد الُبعد األمني والعسكري من أهم األسباب‬
‫التي دفعت القوى الدولية إلى السعي للحصول على موطئ قدم فيه‪ .‬وتعتبر تركيا من بين الفاعلين‬
‫اإلقليميين الذي برزوا في ساحة الصراع على البحر األحمر في السنوات الماضية‪ ،‬إذ أولت‬
‫حكومة حزب العدالة والتنمية منذ وصولها إلى السلطة عام ‪ 2002‬أهمية خاصة لهذه المنطقة‪،‬‬
‫بحكم أهميتها الجيواستراتيجية المتنامية‪ ،‬وكذلك بحكم أن العديد من الدول المطلة على البحر‬
‫األحمر كانت مستعمراٍت سابقة لإلمبراطورية العثمانية‪ ،‬التي يأمل أردوغان في استعادتها ثقافيًا‬
‫واقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا‪ ،‬من خالل سياسات "العثمانية الجديدة"‪.‬‬
‫وبسبب تلك االعتبارات وغيرها‪ ،‬كانت تركيا من الدول الَّسَّباقة إلى االنخراط والتأثير في‬
‫جيوبوليتيك البحر األحمر‪ .‬وتستفيد تركيا من عالقتها القديمة بالمنطقة‪ ،‬والتي تمتد إلى الحقبة‬
‫العثمانية‪ ،‬لدفع عالقتها مع الدول المطلة على البحر األحمر؛ فقد حصلت على قاعدة عسكرية في‬
‫الصومال‪ ،‬وتتفاوض على أخرى في جيبوتي‪ ،‬كما حاولت الحصول على موطئ قدٍم في‬
‫السودان‪ ،‬وخالل عامي ‪ 2018‬و‪ 2019‬حرصت القوات التركية على ضمان وجود لها في خليج‬
‫عدن وبحر العرب ومحيطه‪ ،‬والمياه اإلقليمية للصومال وسواحله‪ ،‬حيث وافق البرلمان التركي‬
‫رسميًا على تمديد انتشار هذه القوات‪.‬‬
‫ورغم أن قواعد الصراع‪/‬التنافس في منطقة البحر األحمر ال تبدو واضحة المعالم‪ ،‬إال أن‬
‫الحضور التركي هناك يطرح جملة من التحديات والمخاطر بالنسبة للمنظومة اإلقليمية للبحر‬
‫األحمر بصفة خاصة‪ ،‬ولألمن القومي العربي عمومًا‪.‬‬
‫(‪)18‬‬

‫أشكال ومظاهر الحضور التركي في البحر األحمر‬


‫تتنوع أشكال ومظاهر الحضور التركي في البحر األحمر‪ ،‬بين التمثيل الدبلوماسي والسياسي في‬
‫الدول المطّلة عليه‪ ،‬وبين الوجود العسكري الفعلي في البحر األحمر نفسه‪ ،‬حيث تشارك القوات‬
‫التركية ضمن فرقة العمل المشتركة ‪ ،)CTF-150( 150‬التي تؤطر جهود المجتمع الدولي من‬
‫أجل مكافحة القرصنة وعمليات السطو المسلح التي تستهدف السفن وناقالت النفط قبالة سواحل‬
‫الصومال وفي خليج عدن‪ .‬فضًال عن انتهاج الحكومة التركية استراتيجية طموحة لتوسيع نطاق‬
‫وجودها العسكري بإقامة قواعد عسكرية ثابتة‪ ،‬وعقد تبادالت عسكرية مع عدة دوٍل في المنطقة‪.‬‬
‫كما برز في اآلونة األخيرة اهتماٌم تركي باالستحواذ على الموانئ االستراتيجية في البحر‬
‫األحمر‪ ،‬ما يعكس توجهًا لدى حكومة العدالة والتنمية للتغلغل في جغرافيا هذا الممر والدول‬
‫الُم شاطئة له‪ ،‬وعلى نحٍو يسمح لها بممارسة التأثير االستراتيجي في العديد من تفاعالت اإلقليم‬

‫‪21‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫بهدف ضمان مصالحها‪ .‬ويمكن القول إن أهم مظاهر الحضور التركي في البحر األحمر يتمَّثل‬
‫في ما يأتي‪:‬‬
‫نشر القواعد العسكرية‬ ‫‪)1‬‬
‫حاولت حكومة العدالة والتنمية التركية توسيع نطاق استراتيجيتها المتمثلة في نشر‬
‫قواعد عسكرية متقّد مة في عمق محيطها الملتهب وغير المستقر في الشرق األوسط‪ ،‬حيث نشرت‬
‫أول قاعدة عسكرية تركية في أفريقيا في الصومال‪ ،‬بتكلفة ‪ 50‬مليون دوالر‪ .‬وتبلغ مساحة القاعدة‬
‫الضخمة المقامة في طرف العاصمة الصومالية بالقرب من المطار الرئيس‪ 400 ،‬هكتار‪ ،‬وتضم‬
‫‪ 200‬ضابط وُم دِّر ب تركي‪.‬‬
‫ومع أن الصومال ال يملك حدودًا ساحلية فعلّية مع خليج عدن ومضيق باب المندب االستراتيجي‪،‬‬
‫بحكم أن جمهورية أرض الصومال منفصلة عن الصومال على أرض الواقع‪ ،‬إال أن تركيا ما‬
‫فتئت ُتحاول الدفع نحو تغيير الوضع الجيوسياسي القائم حاليًا‪ ،‬من خالل دعم المساعي الهادفة‬
‫إلى ضم أرض الصومال إلى جمهورية الصومال الفدرالية‪ ،‬األمر الذي يتيح للنظام التركي‬
‫تحقيق مزيد من التأثير في جيوبوليتيك البحر األحمر وخليج عدن‪ ،‬والشرق األفريقي عمومًا‪.‬‬
‫وفي السودان‪ ،‬قام وزير الدفاع التركي‪ ،‬الفريق أول خلوصي آكار بزيارة إلى البالد في مطلع‬
‫نوفمبر ‪ ،2018‬وشملت زيارته جزيرة سواكن الُمِط َّلة على البحر األحمر‪ ،‬والتي منحتها الحكومة‬
‫السودانية السابقة لتركيا بهدف إعادة ترميمها على الطراز العثماني‪ .‬وفي السياق ذاته‪ ،‬أشار‬
‫بعض التحليالت إلى أّن زيارة خلوصي آكار هدفت بحث إقامة قواعد عسكرية للتدريب في‬
‫جزيرة سواكن السودانية‪ .‬وفي أكتوبر من نفس العام‪ ،‬أجازت الحكومة السودانية ما أسمته‬
‫"اتفاقية للتعاون والتدريب العسكري بين السودان وتركيا؛ بهدف تعزيز التعاون في مجال‬
‫التدريب ودعم السالم واالستقرار في البلدين"‪.‬‬
‫ومع أن ثمة تحليالت تؤكد أن المخاوف إزاء إقامة قاعدة عسكرية تركية على البحر األحمر أمٌر‬
‫مبالٌغ فيه؛ ألن الحجم الصغير لجزيرة سواكن‪ ،‬والصعوبات المالية التي تواجهها تركيا حاليًا‬
‫تجعل توجهًا كهذا احتماًال غير مرَّج ح على األمد القريب على األقل‪ .‬لكَّن هذه الجزيرة التاريخية‬
‫في المنظور التركي تعكس عالقات عميقة مع السودان‪ ،‬ما يجعلها تحمل قيمة رمزية في اللعبة‬
‫األوسع بين المتنافسين في منطقة الشرق األوسط‪.‬‬
‫والمؤكد أن استمرار البحث التركي عن إقامة قواعد عسكرية في المنطقة‪ ،‬سيظل يثير حفيظة‬
‫عدة دول فيها‪ ،‬وقد انتقد الرئيس اإلريتري أسياسي أفورقي‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬الوجود العسكري‬
‫التركي المحتمل في سواكن السودانية‪ ،‬إلى جانب الوجود التركي في الصومال‪ُ ،‬م عتبرًا هذه‬

‫‪22‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫التوجهات أمرًا غير مقبول وال يساهم في استقرار المنطقة‪ ،‬باعتبار أن تركيا ُتنِّفذ أجندة اإلخوان‬
‫(‪)19‬‬
‫المسلمين في البحر األحمر‪ ،‬وتسعى لفرض نفوذها في المنطقة‪.‬‬
‫أدوات القوة الناعمة‬ ‫‪)2‬‬
‫إلى جانب استعراض مظاهر القوة الخشنة‪ ،‬وإقامة القواعد العسكرية‪ ،‬حرصت تركيا على‬
‫توظيف ما تمتلكه من أدوات القوة الناعمة ضمن سياستها الخارجية الرامية إلى التوُّسع اإلقليمي‪،‬‬
‫ولعب دوٍر في هذه المنطقة‪ .‬ويتضح التركيز على بعد القوة الناعمة التركية‪ ،‬من خالل استخدام‬
‫أدوات مثل المساعدات اإلنسانية والمنح الدراسية وبناء المستشفيات والمساجد والطرق ومواصلة‬
‫نشر الدراما التركية التي تمّج د الحكم العثماني‪ .‬فضًال عن االستفادة من حالة االضطراب التي‬
‫كانت تعّم بلدًا مثل الصومال‪ ،‬لوضع اليد على إمكانياته؛ وربما هذا ما ُيفِّسر قيام أردوغان بزيارة‬
‫العاصمة الصومالية في عام ‪ 2011‬إثر المجاعة التي ضربت أجزاء واسعة من هذا البلد‪ ،‬وهي‬
‫قضية ال يغفل المسؤولون األتراك عن تكرارها‪.‬‬
‫وتحَّو ل ما بدأ كمبادرة إنسانية بشكل أساسي إلى سياسة أكثر شموًال‪ ،‬حيث زادت أنقرة من أموال‬
‫المساعدات‪ ،‬وأطلقت مشاريع تنموية‪ ،‬وفتحت المدارس‪ ،‬وبدأت بلعب دور بارز في تشكيل أجندة‬
‫بناء الدولة‪ ،‬بما في ذلك فتح ُم نشأة عسكرية كبيرة لتدريب جنود الحكومة الصومالية‪ .‬وتدير‬
‫شركات تركية اليوم مطار وميناء مقديشو‪ ،‬كما تعُّج أسواق العاصمة بالبضائع التركية‪ ،‬إضافة‬
‫إلى قيام شركة الطيران التركية بتشغيل رحالت مباشرة إلى مقديشو‪ ،‬وهي أول شركة طيران‬
‫عالمية رئيسة تقوم بذلك‪.‬‬
‫وقد كَّر ست تركيا نفسها في أذهان الصوماليين‪ ،‬بوصفها الجهة التي "تجّرأت" على االنخراط‬
‫بنشاط في هذه البالد الخطرة‪ .‬وأشاد الصوماليون على نطاق واسع بمقاربة تركيا في بالدهم‪،‬‬
‫والتي جاءت مدعومة بمناشدة أردوغان للتضامن اإلسالمي واإلنساني‪ ،‬ووجود أكثر وضوحًا‬
‫على األرض مقارنًة بالمانحين التقليديين‪ .‬ويأتي مضمون انخراط تركيا وقلة القيود التي ترتبط‬
‫بهذا االنخراط بالنسبة للكثيرين على طرفي نقيض مع االنطباعات حول التدخالت الغربية الفاشلة‬
‫في الماضي‪ .‬وعَّينت أنقرة مبعوثًا خاصًا إلى الصومال عام ‪ - 2018‬وهي المرة األولى من‬
‫نوعها في السياسة الخارجية التركية ‪ -‬وأناطت بهذا المبعوث مسؤولية إحياء جهود إجراء‬
‫مصالحة‪ ،‬وإن كانت غير محتملة على األمد القصير‪ ،‬بين الحكومة االتحادية في الصومال‬
‫ومنطقة "أرض الصومال" االنفصالية‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي تصدر فيه تقارير عن مسؤولين في أنقرة بأنهم أصبحوا ُيقِّدرون قيمة "القوة‬
‫الناعمة" الناتجة عن استثماراتهم في الصومال‪ ،‬إال أن حضور تركيا هناك لم يكن مشروعًا‬
‫استراتيجيًا بعيد األمد في البداية‪ .‬وَش َّك َل الدور البارز التدريجي الذي لعبته هذه االستثمارات‬

‫‪23‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫تجربة مفيدة أكثر من ممارسة القوة المدروسة‪ .‬وَتراَفق هذا مع نقاش داخلي حول كيفية النظر إلى‬
‫(‪)20‬‬
‫وضع تركيا‪ ،‬ليس في الصومال فحسب وإنما في أرجاء القارة األفريقية أيضًا‪.‬‬
‫وُيَم ِّثُل انخراط تركيا في الصومال أكثر نمو جوهري لسياسة أنقرة الطموحة‪" ،‬االنفتاح على‬
‫أفريقيا"‪ ،‬التي ظهرت عام ‪ 2005‬مع "مبادرة عام أفريقيا"‪ ،‬والتي تهدف إلى تعزيز وجود تركيا‬
‫الدبلوماسي والتجاري في أرجاء القارة‪ .‬واشتملت المبادرة على فتح عشرات السفارات الجديدة‪،‬‬
‫وخطوط جديدة لشركة الطيران التركية‪ ،‬وعقد لقاءات قمة منتظمة تركية‪-‬أفريقية‪ .‬وَش ِمَل زخم‬
‫دبلوماسية التركيا الناعمة بعض دول منطقة البحر األحمر األفريقية؛ حيث تنتشر مساجد يديرها‬
‫خطباء ُم دَّربون في تركيا‪ ،‬ومؤخرًا تّم تشييد مسجد عبد الحميد الثاني في جيبوتي‪ ،‬وهو أكبر‬
‫مسجد في جيبوتي من قبل وقف الديانة التركي الذي يتبع رئاسة الشؤون الدينية‪ ،‬وهي هيئة تملك‬
‫نحو ‪ 1000‬فرع داخل تركيا‪ ،‬وُتقِّدم خدمات مختلفة في ‪ 135‬دولة‪ .‬والمسجد ُم صَّم م على طراز‬
‫العمارة الكالسيكية العثمانية‪ ،‬وقد ُش ِّيد على رقعة مساحتها ‪ 10‬آالف متر مربع‪ ،‬وُيطل على‬
‫شواطئ المحيط الهندي بالقرب من القصر الرئاسي في جيبوتي‪.‬‬
‫وكجزٍء من خطط حكومة حزب العدالة والتنمية للتوجه نحو المنطقة ُأطِلَقت منصاٌت إعالمية‬
‫رسمية ناطقة باللغة العربية والصومالية‪ ،‬وجرى دبلجة المسلسالت التركية إلى اللغات الصومالية‬
‫واألمهرية‪ ،‬حيث سعت الحكومة التركية إلى توسيع نطاق التركيز على المسلسالت التاريخية‬
‫بهدف إعادة رسم الصورة الذهنية لشعوب المنطقة عن الحكم العثماني‪.‬‬
‫وتحاول تركيا طرح مخططاتها وعالقتها مع الدول الساحل الجنوبي للبحر األحمر كبديل عن‬
‫عالقتها بالقوى األوروبية‪ ،‬التي تمتلك سجًال استعماريًا في المنطقة‪ .‬ولبرهنة ذلك‪ ،‬تعمل تركيا‬
‫بشكل دؤوب على بناء الطرق والجسور وتقديم المساعدات اإلنسانية والمنح الدراسية للطالب‬
‫األفارقة والعرب على حٍّد سواء‪ ،‬ويدرس حاليًا قرابة ‪ 4500‬طالب أفريقي في إطار برنامج‬
‫حكومي للمنح الدراسية‪ ،‬بمن فيهم طالب قادمون من الصومال والسودان ومصر وجيبوتي‪ .‬ومنذ‬
‫‪ 2011‬حافظت تركيا على حضور دبلوماسي في جميع الدول الواقعة ضمن سواحل البحر‬
‫األحمر‪ ،‬عدا إريتريا‪ .‬وُتسِّير الخطوط الجوية التركية رحالت منتظمة إلى الصومال وإثيوبيا‬
‫وجيبوتي والسودان‪ ،‬وقد فتحت وكالة التعاون والتنسيق التركية مكاتب لها في عواصم تلك‬
‫الدول‪.‬‬
‫وعلى الضفة الشرقية للبحر األحمر‪ُ ،‬تحاِو ل تركيا الدخول على خّط األزمة في اليمن‪ ،‬تحت‬
‫غطاء تقديم المساعدات اإلنسانية واإلغاثية‪ .‬وتقدم أنقرة‪ ،‬عبر هيئات حكومية وغير حكومية‪،‬‬
‫مساعدات إغاثية وإنسانية‪ ،‬تقول إنها "من أجل مساعدة الشعب اليمني جراء ظروف الحرب التي‬
‫يعيشها منذ أكثر من ‪ 5‬أعوام"‪ .‬وُيمكن فهم التوجه التركي لتقديم المساعدات في اليمن بوصفها‬

‫‪24‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫محاولة جديدة الستنساخ التجربة التركية في الصومال‪ ،‬حيث تحولت تركيا من مانح أجنبي‪ ،‬إلى‬
‫دولة ُتسيطر على أهم القطاعات االقتصادية والخدمية في البالد‪ .‬كما ُيمكن فهم هذا التوجه‬
‫باعتباره محاولة للبحث عن موطئ قدم في الساحل الجنوبي لليمن‪ ،‬ما يؤهل لتركيا تأسيس نفوذ‬
‫لها في البحر األحمر وخليج عدن لضمان مصالحها في منطقة تفتقر إلى هياكل إقليمية راسخة‬
‫ُتنِّظم العالقات والتعاون بين البلدان المعنية‪.‬‬
‫فتح أسواق للمنتجات التركية‬ ‫‪)3‬‬
‫يشمل التوجه التركي للتغلغل في منطقة البحر األحمر‪ ،‬تعميق العالقات التجارية واالقتصادية مع‬
‫أكبر عدد ممكن من دولها‪ ،‬وتحديدًا من خالل غزو المنتجات التركية للدول العربية واألفريقية‬
‫المطلة على البحر األحمر‪ .‬كما تشمل هذه االستراتيجية ضّخ االستثمارات المباشرة في القطاعات‬
‫العامة والخاصة لتلك الدول‪ ،‬وكذلك عقد صفقات تجارية إلنشاء مناطق تجارية ُحّر ة‪ .‬ففي‬
‫ديسمبر ‪ ،2016‬على سبيل المثال‪ ،‬وّقعت تركيا اتفاقية مع جيبوتي‪ ،‬البلد الصغير الُمِط ّل على‬
‫ساحل البحر األحمر ومضيق باب المندب‪ ،‬إلنشاء منطقة تجارية ُحّر ة‪ ،‬تبلغ مساحتها ‪ 5‬ماليين‬
‫متر مربع‪" ،‬بهدف وصول منتجاتها إلى القارة اإلفريقية بسهولة وسرعة أكبر‪.‬‬
‫ووفقًا لمعهد اإلحصاء التركي‪ ،‬فقد ارتفع حجم التجارة الثنائية بين تركيا والصومال إلى ‪206‬‬
‫ماليين دوالر في عام ‪ ،2019‬بعد أن كان ‪ 144‬مليون دوالر في عام ‪ .2017‬وحصلت تركيا‬
‫على مكاسب عديدة من تحالفها مع نظام الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير‪ ،‬وتمثل ذلك في‬
‫زيادة وزنها اإلقليمي وامتالكها منصة جديدة في البحر األحمر؛ ففي وقٍت سابٍق تعَّهد الرئيس‬
‫رجب طيب أردوغان خالل زيارته للخرطوم في ‪ 2017‬بزيادة حجم التجارة التركية السودانية‬
‫بمقدار ‪ 10‬مليارات دوالر تقريبًا‪ ،‬واشترى الحق في إعادة تأهيل جزيرة سواكن التي كانت ميناًء‬
‫للدولة العثمانية خالل الفترة من القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر الميالدي‪ ،‬في‬
‫خطوة أثارت مخاوف كل من السعودية ومصر التي تعتقد أن تركيا تقوم ببناء قاعدة عسكرية‬
‫على الساحل الغربي للبحر األحمر بهدف تهديد أمنها ومصالحها‪.‬‬
‫استئجار الموانئ البحرية‬ ‫‪)4‬‬
‫من ضمن استراتيجية حكومة العدالة والتنمية التركية للتغلغل في اقتصاد منطقة البحر األحمر‪،‬‬
‫سعيها للحصول على عقود استئجار للموانئ االستراتيجية‪ ،‬وأحدث خطوة في هذا االتجاه‪ ،‬تطُّلع‬
‫تركيا إلى لعب دوٍر في إدارة ميناء دوراليه الجيبوتي؛ وهو واحٌد من أهم موانئ منطقة القرن‬
‫اإلفريقي‪ ،‬والذي لعب منذ فترة طويلة دورًا رئيسًا في التجارة اإلقليمية‪ ،‬وفقًا التفاقية جديدة بشأن‬
‫التعاون البحري بين حكومتي البلدين‪ .‬وتضع االتفاقية األساس القانوني لمثل هذه االستثمارات‬
‫التركية في جيبوتي‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫وتشمل االتفاقية‪ ،‬التي وقعتها الحكومة الجيبوتية مع نظيرتها التركية‪ ،‬مجاالت مثل إنشاء مشاريع‬
‫مشتركة لتشغيل وإدارة الموانئ‪ ،‬وكذلك النقل البحري الدولي وخدمات المالحة وبناء السفن‬
‫واليخوت وتطبيق التقنيات الحديثة والتدريب‪ ،‬وتمت الموافقة على االتفاقية بين تركيا وجيبوتي‬
‫بشأن التعاون البحري من قبل لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي في نفس اليوم الذي‬
‫شارك فيه وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف ووزير النقل والبنية التحتية محمد محمد‬
‫تورهان في رئاسة اجتماع اللجنة االقتصادية المشتركة في أنقرة‪ ،‬في ‪ 19‬فبراير ‪ .2020‬ووفقًا‬
‫لصحيفة ‪ Milliyet‬اليومية التركية‪ ،‬اتفق الطرفان على تعزيز التجارة الثنائية ومواصلة تطوير‬
‫العالقات في مجال النقل‪ ،‬بما في ذلك قطاعات الطيران والسكك الحديدية والبحرية‪ ،‬وإنشاء‬
‫منطقة اقتصادية ُحَّرة جديدة في جيبوتي‪.‬‬
‫وفي الصومال‪ُ ،‬تدير مجموعة البيرق التركية‪ ،‬المعروفة بعالقاتها الوثيقة مع حزب العدالة‬
‫والتنمية الحاكم (‪ )AKP‬والرئيس أردوغان‪ ،‬ميناء مقديشو في الصومال تماشيًا مع أجندة تركيا‬
‫منذ عام ‪ .2014‬وقد حصلت على امتياز مدته ‪ 20‬عامًا؛ تأخذ بموجبه الشركة ‪ ٪45‬من إجمالي‬
‫إيرادات الميناء‪.‬‬
‫وتتماشى تلك االتفاقيات التركية مع جيبوتي والصومال وإثيوبيا والسودان مع سياسة حزب‬
‫العدالة والتنمية الخارجية‪ ،‬التي تسعى إلى توسيع دور تركيا وحضورها في مجال البحر األحمر‬
‫مع زيادة مكانة تركيا بشكل عام في القارة األفريقية‪ .‬وتسعى تركيا من خالل هذا التوُّسع في‬
‫عقود اإليجار إلى التحكم في الموانئ والمناطق الحاكمة وصوًال إلى ضمان قدرة أوسع على‬
‫التحكم في طرق التجارة العالمية وتأمين قواعد وخطوط المالحة لقواتها‪ ،‬من أجل دعم ومساندة‬
‫أي خطط لتوسيع نطاق العمل العسكري التركي إذا اقتضت الحاجة ذلك مستقبًال‪.‬‬

‫أهداف الحضور التركي في البحر األحمر‬


‫يمكن إجمال أهداف الوجود التركي في البحر األحمر في النقاط اآلتية‪:‬‬
‫توسيع الدور والنفوذ التركي في المنطقة‪ ،‬ووضع اليد على الثروات واإلمكانيات والسيطرة‬ ‫‪‬‬

‫على األسواق‪ ،‬وتشكل سيطرة الشركات التركية على بعض القطاعات الحيوية في الصومال‬
‫مثاًال على ذلك‪.‬‬
‫فرض الهيمنة العسكرية واألمنية‪ ،‬ومراقبة أطراف أخرى في المنطقة والحد من تأثيرها‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫وذلك في إطار المساعي التركية المستمرة لدعم جماعة اإلخوان المسلمين‪ ،‬وإرسال رسالة‬
‫إلى الدول الفاعلة في المنطقة التي تختلف وتتنافس معها في الرؤى والمشاريع مثل مصر‬
‫والسعودية بأهمية دورها ومكانتها‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫فتح األسواق األفريقية أمام المنتجات التركية‪ ،‬وتأمين مصادر الطاقة والمشاريع المستقبلية‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫والبحث عن المواد الخام (النفط والغاز)‪ ،‬ورفع وتيرة المنافسة االقتصادية مع القوى‬
‫األخرى‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫مطلب االول ‪ :‬مستقبل االستراتيجة التركية تجاه الخليج العربي‬
‫يعُد التفاهم التركي – الخليجي له ثقله وتأثيره المباشر على التوازنات في المنطقة كلها بما يلقي‬
‫بظالله على أمن منطقة الخليج فتركيا دولة لها وزنها العسكري واالقتصادي والجيوسياسي‪،‬‬
‫واستطاعت خالل السنوات الماضية أن تحقق صعودًا متناميًا على الصعيدين السياسي‬
‫واالقتصادي‪ ،‬وأصبحت العبًا رئيسيًا في المنطقة وال يمكن إتمام أية ترتيبات إقليمية بمعزل عن‬
‫مشاركتها‪ .‬وتشكل دول مجلس التعاون الخليجي في مجملها ثقًال اقتصاديًا وماليًا بالغ األهمية‪ ،‬وال‬
‫يمكن أن تتم أية ترتيبات إقليمية أمنية أو اقتصادية أو استثمارية دون أن يكون لها فيها النصيب‬
‫األكبر‪ .‬وعليه فإن هذا الحوار االستراتيجي رفيع المستوى إذا واصل تنمية قنواته فهو مؤهل ألن‬
‫يقود تيار االعتدال في المنطقة وسوف يسهم على هذا النحو في تحقيق االستقرار اإلقليمي وزيادة‬
‫معدالت التنمية في منطقة الخليج العربي‪ ،‬فنجاحه وتحقيق أهدافه التنموية سيخفف التوتر في‬
‫المنطقة وسيخلق توازنًا في القوى اإلقليمية في منطقة الخليج‪ ،‬كما أنه سيقدم النموذج العملي‬
‫للتعاون المبني على المصالح المتبادلة‪ ،‬باإلضافة إلى أن نجاحه سيؤدي إلى أن تتجاوز منافعه‬
‫وآثاره اإليجابية الدول االطراف فيه وستمتد هذه المنافع حتى إلى الدول الواقعة في المحيط‬
‫(‪)21‬‬
‫اإلقليمي‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه إذا كان هذا الحوار قد توقفت جوالته في ضوء مستجدات و تطورات‬
‫إقليمية‪ ،‬إال أنه من المالحظ أن أنقرة قد عاودت اللجوء إلى الطابع البرجماتي في سياستها‬
‫الخارجية وقامت بتغليب مصالحها االستراتيجية على أية اعتبارات أيديولوجية‪ ،‬من خالل‬
‫إعالنها دعمها الكامل لعملية ”عاصفة الحزم“ ومساعيها لتحسين عالقاتها مع المملكة العربية‬
‫السعودية‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار كان العديد من المحللين وفي ضوء المعطيات السابقة فمن المرجح أن يتم‬
‫استئناف جوالت الحوار االستراتيجي بين الجانبين خالل المرحلة القادمة وأن يتم توسيع مجاالت‬
‫التعاون بحيث ال تقتصر على المجاالت االقتصادية فحسب‪ ،‬بل تشمل أيضًا القضايا االستراتيجية‬
‫وقضايا األمن اإلقليمي بما في ذلك أمن منطقة الخليج ‪ ،‬ومما ال شك فيه أن استمرار المشاورات‬
‫بين الجانبين بشكل دوري هو أمر ضروري وذلك لتقييم التطورات والمستجدات ذات الصلة‬
‫بأوضاع الدول التي شهدت االنتفاضات الشعبية فيما يسمى ”بثورات الربيع العربي“ و دراسة‬
‫سبل التعاطي مع هذه التطورات‪ ،‬وذلك استنادًا إلى قناعة الجانبين بدخول المنطقة العربية خالل‬
‫هذه المرحلة منعطفًا جديدًا مع تسارع رياح ”الربيع العربي“ وما أحدثته من تغيرات جوهرية‬
‫على بعض األنظمة الحاكمة وما قد تتركه من نتائج تتسع دائرتها بما يصعب معه الجزم بمعرفة‬
‫حدودها وتقدير حجم تداعياتها السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫كما أن تنسيق الجهود التركية – الخليجية إلنشاء آليات إقليمية لمنع النزاعات وتحقيق االستقرار‬
‫اإلقليمي بما في ذلك ما يتعلق بالحد من عمليات تسييس االنقسامات الطائفية السنية – الشيعية في‬
‫منطقة الشرق األوسط ستكون له انعكاساته اإليجابية على أمن منطقة الخليج‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‬
‫فإن بلورة أجندة مشتركة بشأن إخالء منطقة الشرق األوسط من أسلحة الدمار الشامل هي‬
‫إستراتيجية ال تستهدف ايران فحسب بل تستهدف أيضًا إسرائيل‪ ،‬واخيرًا فإن توثيق العالقات‬
‫الثقافية بين الشعوب من ضرورات تجذر العالقات التركية – الخليجية‪ ،‬حيث إن العالقات‬
‫السياسية واالقتصادية قد تتدهور بتغير الحكومات أو المواقف‪ ،‬إال أن العالقات الثقافية ال تتأثر‬
‫بالتطورات والتغيرات السياسية‪.‬‬
‫في ضوء ما تقدم شهدت العالقات التركية الخليجية تحسًنا كبيًر ا منذ بداية األلفية‪ ،‬وتعمق التعاون‬
‫بين الجانبين في مجاالت مختلفة‪ ،‬وساعد النمو االقتصادي المتسارع في تركيا والخليج على أن‬
‫يكون البعد االقتصادي هو األكثر بروًز ا في هذا التعاون‪ ،‬وبدأ حوار استراتيجي بين الجانبين منذ‬
‫عام ‪ ،2008‬ومن ناحية برجماتية كانت تركيا راغبة في تعظيم استفادتها من تنامي ثروات دول‬
‫مجلس التعاون الخليجي‪ ،‬وارتفاع معدل النمو االقتصادي بها‪ ،‬والذي بلغ متوسطه ‪ %5,5‬في‬
‫الفترة من ‪ 2002‬حتى ‪ 2012‬وكانت ذروته نحو ‪ %8,5‬في ‪ ،2011‬وخاصة أن الصعود‬
‫االقتصادي التركي تبنى نفس النهج الشرق آسيوي «التصنيع المتوجه الى التصدير»‪ ،‬وبدت‬
‫تركيا راغبة في االستفادة من أخطاء التجربة الصينية في هذا الصعود والتي غلب عليها االهتمام‬
‫بالكم دون الجودة‪ ،‬ولعبت على عنصر الجودة لتأخذ نصيًبا متزايًدا من السوق االستهالكية‬
‫الخليجية على حساب النصيب الصيني‪ ،‬إن هذه التجارة قد ارتفعت قيمتها إلى ‪ 63,9‬مليار دوالر‬
‫في ‪ 2012‬وبنسبة ‪ %16,4‬من إجمالي تجارة تركيا الخارجية‪ ،‬كما أن الموقف التركي من‬
‫القضية الفلسطينية‪ ،‬وتعزيز تركيا عالقاتها مع الدول والمنظمات اإلسالمية حتى غدت عضًو ا‬
‫مراقًبا في جامعة الدول العربية‪ ..‬هذه الصورة عززت التطور اإليجابي للعالقات الخليجية‬
‫التركية‪ ،‬ونظر الخليج الى تركيا ليس فقط كقوة إقليمية ولكن كحليف محتمل‪ ،‬حيث ان دوًال كثيرة‬
‫في صعودها االقتصادي قد تمكنت من الفصل بين األبعاد األيديولوجية والسياسية من جانب‬
‫ومصالحها االقتصادية من جانب آخر‪ ،‬ونحت األبعاد األيديولوجية والسياسية تماًم ا وجعلت‬
‫المصالح االقتصادية القائمة على تبادل المنافع محور عالقاتها الخارجية‪.‬‬

‫اوال‪ :‬حقائق ومقومات مؤثرة في االستراتيجية التركية تجاه الخليج العربي‬

‫‪29‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫إجماع في صفوف المتابعين على أن العالقات التركية الخليجية كانت دائما تحت رحمة مسار‬
‫وتقدم العالقات التركية ـ العربية وملفات التقارب والتباعد اإلقليمية والدولية التي تتحكم أو تؤثر‬
‫(‪)22‬‬
‫في صعود وهبوط هذه العالقات‪.‬‬
‫ومع وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة في بداية العام ‪2002‬م‪ ،‬أطلق استراتيجية إعادة‬
‫هيكلة السياسة الداخلية والعالقات الخارجية لتركيا‪ ،‬بما في ذلك توسيع رقعة التعاون واالنفتاح‬
‫على دول الخليج وتبني سياسة فاعلة مشتركة لدفع العالقات نحو األفضل والتنسيق لحل المشاكل‬
‫اإلقليمية وعلى رأسها الملف الفلسطيني‪ .‬وقد ترجمت هذه سياسات االنفتاح اقتصاديا وتجاريا‬
‫واستثماريا في الجانبين‪.‬‬
‫في مطلع عام ‪ 2010‬وبعدها قادت التطورات اإلقليمية وتحديدا ما سمي بثورات الربيع‬
‫العربي التي اندلعت في العديد من الدول العربية والمواقف التركية حيالها إلى جانب وصول‬
‫السياسة التركية في التعامل مع الكثير من الملفات السياسية واالقتصادية واألمنية في الداخل‬
‫والخارج إلى طريق شائك ومتعجرف في مسار ومستقبل العالقات التركية ـ الخليجية‪.‬‬
‫تباعد وتقارب المواقف التركية والخليجية حيال هذه القضايا هو الذي كان يحدد مسارها‬
‫وفرص تقدمها أو تراجعها سياسيا واقتصاديا وأمنيا‪ .‬لكن الصعود اإليراني والنفوذ اإلسرائيلي في‬
‫المنطقة وبروز العديد من األزمات التي تحولت إلى تهديد مباشر على أمن دول‬
‫المنطقة وتماسكها وحماية وحدتها السياسية والدستورية والعرقية هي التي فتحت الباب على‬
‫مصراعيه أمام تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي للبحث في فرص التعاون الجديدة التي بدأت‬
‫تتحول إلى خطوات تنسيق استراتيجي بين الجانبين في أكثر من حقل أو مجال‪.‬‬
‫المخاطر والتهديدات اإلقليمية وعلى رأسها التوسع واالنتشار اإليراني األخير بعد التفاهم مع‬
‫الغرب على قوة إيران النووية وما يقال حول أدوار جديدة كلفت طهران القيام بها إقليميا بالوكالة‬
‫عن قوى دولية أخرى كانت أيضا بين األسباب التي دفعت تركيا ودول الخليج إلعادة النظر في‬
‫حسابات مواقفهم وسياساتهم وخياراتهم االستراتيجية والتحول نحو قراءة جديدة لمسار ومستقبل‬
‫عالقاتهم أمام ما تشهده المنطقة من سيناريوهات تستهدف إعادة رسم الخرائط والحدود وتشكيل‬
‫جديد لجغرافيتها‪.‬‬
‫مراقبون كثيرون يرون أن كل هذه المستجدات هي التي استدعت المزيد من التعاون بين‬
‫تركيا من جهة‪ ،‬والمملكة العربية السعودية وقطر تحديدا من جهة ثانية‪ ،‬فشرع هذا‬
‫الثالثي في ترك الكثير من نقاط التباعد والخالف جانبا وتوقيع عشرات من العقود واالتفاقيات‬
‫االقتصادية والسياسية واألمنية المشتركة في األشهر األخيرة ووضع خطط تحرك شمولي باتجاه‬

‫‪30‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫سياسات واقعية عملية تهدف إلى قلب المعادالت والتوازنات التي تسير وتتقدم على حسابه‬
‫وتمس مناطق نفوذه اإلقليمي‪.‬‬
‫لكن األسئلة المطروحة في هذا الصدد هي‪ :‬ما هي أسباب وفرص التقارب التركي ـ الخليجي؟ ما‬
‫هي أهم نتائج التقارب التركي الخليجي وارتداداته اإلقليمية والدولية؟ وهل التقارب الخليجي‬
‫ــ التركي هومؤقت أم ثابت؟ وما الذي يمكن أن تقدمه تركيا لدول الخليج وفرص الرد الخليجي‬
‫على استراتيجية االنفتاح التركية؟‬
‫ثانيا‪ :‬أسباب التقارب التركي الخليجي‬
‫في طليعة العوامل التي أدت إلى تنامي التقارب التركي – الخليجي يأتي الغزو األمريكي للعراق‬
‫عام ‪ 2003‬م‪ ،‬وما نتج عنه من آثار سلبية محلية وإقليمية تمثلت في البعد التفتيتي العرقي‬
‫والمذهبي الموقف التركي من الغزو األمريكي للعراق ورفض البرلمان التركي السماح للقوات‬
‫األمريكية باستخدام األراضي التركية لفتح جبهة شمالية‪ .‬وتطابقت الرؤية الخليجية مع نظيرتها‬
‫التركية بشأن تحقيق االستقرار اإلقليمي والحفاظ على وحدة واستقاللية دول المنطقة ورغبة أنقرة‬
‫في تأمين احتياجاتها النفطية المتزايدة من منطقة الخليج‪ ،‬إلى جانب التحرك التركي نحو جذب‬
‫االستثمارات ورؤوس األموال الخليجية والعمل على فتح أسواق جديدة للصادرات التركية في‬
‫األسواق الخليجية كانت كلها بين العوامل المباشرة التي دفعت القيادات السياسية في الطرفين‬
‫لمراجعة مسار العالقات نحو األفضل واألحسن‪.‬‬
‫لكن األحداث التي شهدتها المنطقة والمرتبطة بتطورات “الربيع العربي” في مطلع عام ‪2010‬م‪،‬‬
‫لعبت دورًا كبيرًا في توسيع الفجوة بين تركيا والحكومات الخليجية حيث ناهضت دول‬
‫الخليج التغيير بهذه الطرق الثورية‪ ،‬ودعت إلى اإلصالح التدريجي‪ ،‬في حين كانت أنقرة من بين‬
‫العواصم التي دعمت دعاوى التغيير الجذري والسريع في المنطقة لتعزيز طموحاتها اإلقليمية‪.‬‬
‫تطورات كثيرة سياسية وأمنية دفعت الحقا باتجاه فتح الباب أمام تهدئة التوتر‪ ،‬فثمة مصالح‬
‫سياسية واقتصادية مشتركة وثمة تهديدات ومخاطر كثيرة تطاردهما وتهدد موقعهما ودورهما‬
‫ومصالحهما في المنطقة‪ .‬صعود الحوثيين في اليمن‪ ،‬وتهديدات إيران العلنية لدول الخليج فضال‬
‫عن تراجع العالقة السياسية بين أنقرة وطهران وأنقرة وموسكو على خلفية األزمة السورية‬
‫والتردد التركي الخليجي حيال مواقف واشنطن في التعامل مع أكثر من أزمة إقليمية مال الخيار‬
‫األميركي فيها إلى الجانب اإليراني بشكل واضح هي في مقدمة األسباب التي أدت إلى هذا‬
‫التقارب التركي ـ الخليجي الجديد‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫اللقاءات األخيرة بين القيادات السياسية التركيةـ السعودية والتركية ـ القطرية كان لها عالقة‬
‫مباشرة في ترجمة خطط الحرب على داعش والتنسيق االستراتيجي بعد قمة الدول العشرين التي‬
‫عقدت في تركيا وسبقها زيارتان استراتيجيتان ألمير قطر والعاهل السعودي ألنقرة‪.‬‬
‫العالقات التركية المتأزمة مع موسكو‪ ،‬عقب إسقاط تركيا مقاتلة "سوخوي ‪ "24‬في أواخر‬
‫نوفمبر ‪ ،2015‬وسياسة روسيا السورية والكردية كان عامال آخر في دفع أنقرة نحو منطقة‬
‫الخليج لترسخ العالقات مع أصدقاء خليجيين كانت أولى نتائجه التحالف اإلسالمي العسكري‪،‬‬
‫الذي شكلته السعودية منتصف ديسمبر المنصرم والهادف لمحاربة اإلرهاب‪ ،‬ويضم ‪ 35‬دولة‬
‫إسالمية من بينها تركيا وضع أسس تشكيل حلف تركي‪ -‬خليجي في مواجهة الحلف الروسي ‪-‬‬
‫اإليراني‪ ،‬الذي تنفس الصعداء مؤخرا‪ ،‬محاوال ممارسة الضغوط على دول الخليج من جهة‪،‬‬
‫وعلى أنقرة من جهة أخرى ‪ .‬رغم أن الطرفين يعرفان وجود عقبة أساسية في طريق حماية هذا‬
‫التوجه الجديد وهي األزمة التركية ـ المصرية التي مضى عليها عامان تقريبا وتفجرت‬
‫بعد إزاحة الرئيس المصري األسبق‪ ،‬محمد مرسي‪ ،‬ووقوف أنقرة إلى جانب اإلخوان المسلمين‬
‫بشكل أغضب القيادات المصرية‪.‬‬
‫في الجانب التركي وحول أسباب التقارب الجديد مع دول الخليج ترى أنقرة أنه‪:‬‬
‫مع وصول حزب العدالة والتنمية التركي إلى السلطة في العام ‪ 2002‬م‪ ،‬بدأت العالقات التركية ـ‬
‫الخليجية تشهد تطوًرا كبيًر ا‪ ،‬ووصلت تلك العالقة إلى الذروة في عام ‪2009‬م‪ ،‬بعد حادثة دافوس‬
‫الشهيرة وموقف تركيا من القضية الفلسطينية تحديًدا‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بمسألة الربيع العربي الذي بدأ نهاية عام ‪2010‬م‪ ،‬فالواضح هو أن غالبية عواصم‬
‫دول الخليج ترى أن تركيا أخذت موقًفا متعجًال تجاه هذا الحراك‪ ،‬عندما اكتشفت بعد عام على‬
‫اندالع هذه الثورات أن المسألة تتجاوز قضايا الديمقراطية وحرية الرأي والمشاركة السياسية‪.‬‬
‫ومع تطورات األحداث نرى اليوم وكما حدث في اليمن‪ ،‬أن المواقف التركية تلتقي مع‬
‫المواقف الخليجية في أكثر من مكان؛ فتركيا كانت مع الدول الخليجية منذ بداية األزمة اليمنية‪،‬‬
‫وكان هناك توافق على االنتقال السلمي للسلطة في اليمن‪ ،‬ودفعت تركيا بهذا االتجاه‬
‫بوضوح‪ ،‬وكذلك األمر فيما يتعلق باألزمة العراقية حيث نرى أن هناك توافقا تركيا خليجيا فيما‬
‫يتعلق بمستقبل العملية السياسية في العراق‪.‬‬
‫واألرجح‪ ،‬على الجانب التركي‪ ،‬أن ثمة عوامل ساعدت على طي المسافة بين أنقرة والخليج‬
‫كشفت عنها الزيارات المتبادلة‪ ،‬وكان آخرها زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان‬
‫للرياض في ‪ 28‬فبراير ‪ 2015‬م‪ ،‬الماضي وزيارته للكويت نهاية أبريل الماضي‪ ،‬وتعهد فيهما‬
‫بتنشيط العالقات االقتصادية وبحماية المصالح األمنية المشتركة للجانبين في المنطقة‪ .‬زيارة‬

‫‪32‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫الرئيس أردوغان األخيرة إلى دول الخليج ال سيما السعودية وقطر ثم زيارة رئيس الوزراء‬
‫التركي أحمد داود أوغلو إلى الرياض في نهاية يناير المنصرم تأتي ضمن تعزيز وزيادة التعاون‬
‫بين الجانبين‪ ،‬خصوصًا في ظل التحالفات الدولية لمحاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا‬
‫والتنسيق في ملف األزمة السورية‪.‬‬
‫قضية المنطقة اآلمنة في شمال سوريا التي تسعى تركيا منذ سنوات لتطبيقها‪ ،‬هي بين المسائل‬
‫التي تعطيها تركيا األولويات في التعاون وال سيما في ظل التدخل الروسي في منطقة شمال‬
‫سوريا الذي أحدث فوضى كبيرة‪ ،‬والسعي لخلق كيان كردي على حدود تركيا‪ ،‬وهو األمر الذي‬
‫ال يمكن لتركيا أن تقبل به‪.‬‬
‫التقارب التركي الخليجي األخير وكما تراه أنقرة يندرج أيضا في إطار رسم مالمح حلف جديد‬
‫لمواجهة الحلف الروسي – اإليراني الذي بدأت تتضح مالمحه في اآلونة األخيرة‪ ،‬خصوصا‬
‫وأن إيران بعد االتفاق النووي بدأت في توجيه الرسائل التصعيدية واالستفزازية نحو تركيا ودول‬
‫(‪)23‬‬
‫الخليج‪.‬‬
‫لكن أنقرة تقبل حقيقة ضرورة تجاوز " العقبة المصرية " وموقع وأهمية هذه األزمة في عرقلة‬
‫عالقاتها مع دول الخليج رغم أنه ال وجود لمؤشرات حتى اآلن توحي بحصول مثل هذا التحول‬
‫أو التغيير في الموقف التركي الذي فتح أبواب التوتر والقطيعة حتى مع بعض عواصم الخليج‪.‬‬
‫التنسيق الروسي ــ اإليراني األخير وكما تراه أنقرة السيما بعدما تبّين الدور الذي أخذه‬
‫حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا‪ ،‬وشروع حزب العمال الكردستاني بعملياته القتالية داخل‬
‫تركيا من جديد‪ .‬تعكس مسألة وجود عالقة بين االتفاق اإليراني الغربي وعودة عمليات حزب‬
‫العمال الكردستاني والتصعيد المتواصل ضد أنقرة‪.‬‬
‫المشهد وكما يبدو من أنقرة هو أن تركيا وهي تسعى لتحسين عالقاتها مع دول الخليج قد حزمت‬
‫أمرها في بعض األمور التي تتعلق بالمنطقة‪ ،‬وستتخذ مواقف أكثر صرامة حيال ملفي حزب‬
‫العمال الكردستاني وحزب االتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا بهدف تعطيل مشروع تفتيت‬
‫سوريا وتركيا الذي تسعى إليه روسيا وإيران في هذه المرحلة وربما سيكون هذا التفاهم التركي‬
‫الخليجي على حماية وحدة وتماسك دول المنطقة العربية واإلسالمية هو حلقة من الرد التركي‬
‫الخليجي على محاوالت المساس بالحدود والبنية والهوية الوطنية لهذه الدول‪.‬‬
‫أما في الجانب الخليجي وحول أسباب االنفتاح الجديد على تركيا فالواضح هو أن‪:‬‬
‫غالبية دول الخليج باتت ترى في تركيا اليوم القوة العسكرية اإلقليمية القادرة على أن تأخذ مكانها‬
‫في خط التصدي للتهديدات واالستفزازات اإليرانية والتعجرف اإلسرائيلي ومشاريع الهيمنة على‬
‫دول المنطقة وضرورة كسب العامل التركي لموازنة توسع التمدد واالنتشار اإليراني في سوريا‬

‫‪33‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫والعراق واليمن ولبنان‪ .‬وأن المساعي الخليجية لالستفادة من الخبرات التركية الكبيرة في مجال‬
‫الصناعات العسكرية الدفاعية المتقدمة‪ ،‬هدفها تنويع مصادر تسليحها من جهة وكسر احتكار‬
‫الدول الغربية لهذا المجال الحساس المتعلق باألمن القومي الخليجي من جهة أخرى‪.‬‬
‫وأن تركيا إلى جانب مصر مع الشراكة الخليجية تمثل المثلث القادر على إيقاف مشاريع التوسع‬
‫اإليراني ومحاوالت إسرائيل ملء الفراغ الحاصل بسبب العديد من األزمات والحروب في‬
‫المنطقة‪ .‬وقبول ما يوصف بالنمط الجديد في بلورة حضور تركي متقدم في الخليج من مدخل‬
‫أوسع هو مدخل التعاون الشرق أوسطي الذي يبقى أمام الطاولة مشروع تزويد دول الخليج بمياه‬
‫تركية‪.‬‬
‫وأن هذا التقارب يأتي في العالقة في الوقت الذي تواجه فيه الدول الخليجية تحديات إقليمية‬
‫أفرزتها ارتدادات الربيع العربي التي أعطت طهران المساحة والفرص التي كانت تبحث‬
‫عنها لتفتيت المنطقة بما يكرس هيمنتها العسكرية والسياسية‪ .‬ووسط قناعة خليجية حول وجود‬
‫فرص تنسيق مشتركة كثيرة إزاء القضايا والنزاعات اإلقليمية‪.‬‬
‫تحرك إيران النووي حقيقة لم يعد بمقدور أحد تجاهلها أو التعتيم عليها وهو أن مضي إيران في‬
‫سياستها النووية لتحقيق هدفها النهائي امتالك السالح النووي‪ ،‬يزيد من قلق ودوافع جيرانها‬
‫اإلقليميين مثل تركيا والسعودية وإسرائيل ومصر للتخطيط والتحرك باتجاه امتالك هذه القوة‪،‬‬
‫لتحقيق التوازن اإلقليمي‪ ،‬كما يزيد من التقارب التركي الخليجي‪ ،‬خصوصا أن قناعة تركية‬
‫تتزايد حول أن أنقرة لم تعد تثق بالترسانة النووية الغربية والتعهدات المقدمة لها في إطار الحلف‬
‫وخارجه ألنها تعرف أن الغرب وواشنطن تحديدا يساوما طهران على ملفات إقليمية على حساب‬
‫دول المنطقة ‪.‬‬

‫جملة من الحقائق ال بد من قبولها خالل الحديث عن التقارب التركي الخليجي في إنه سيحقق‬
‫مجموعة من المكاسب المشتركة لكال الطرفين أهمها‪:‬‬
‫العامل االقتصادي اإليجابي حيث أن ارتفاع مستوى التعاون االقتصادي والتجاري بين أنقرة‬
‫والخليج‪ ،‬سيوفر العديد من الفرص االستثمارية الواعدة بينهما‪ ،‬مع ارتفاع ومضاعفة حجم‬
‫التجارة البينية بين دول الخليج وتركيا‪ ،‬حيث تضاعف حجم التبادل التجاري ليصل إلى نحو ‪25‬‬
‫مليار دوالر عام ‪2013‬م‪ ،‬منها ‪ 15‬مليار دوالر للصادرات التركية وما يقرب من ‪ 10‬مليارات‬
‫دوالرات للجانب الخليجي‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫وفتحت استراتيجيات تنويع مصادر الدخل ومشروعات البنية التحتية في دول مجلس التعاون‬
‫الخليجي العديد من الفرص لتركيا التي تمتلك قوة اقتصادية يمكن أن تتكامل مع االقتصاد‬
‫الخليجي‪ ،‬ولهذا ليس من الغريب أن يصبح االقتصاد هو القوة األساسية المحركة لتشكيل العالقات‬
‫التركية الخليجية؛ حيث تم توقيع عدة اتفاقيات في مجاالت التجارة واالستثمار‪.‬‬
‫في الجانب األمني‪ ،‬طرحت أفكار أمنية منذ منتصف التسعينيات في مسار العالقات التركية‬
‫الخليجية في إمكانية إيجاد محور أمني مشترك بين الطرفين‪ ،‬لكنها ظلت حبرا على ورق إلى‬
‫أن فاز حزب «العدالة والتنمية» في انتخابات تركيا ‪2002‬م‪ ،‬حيث جاء البعد األمني كعامل مهم‬
‫في التقارب بين الطرفين‪ ،‬بعد جهود إيران النووية ومحاولة هيمنتها على العديد من الدول‬
‫العربية‪.‬‬
‫الواضح أيضا هو أن العالقات التركية ‪-‬الخليجية ستتأثر بشكل أو بآخر بالعالقات التركية مع‬
‫حلف األطلسي وبالعالقات الخليجية األميركية حيث ستتوضح حقيقة إذا ما كانت واشنطن‬
‫واألطلسي يرغبان بدعم هذا التقارب التركي الخليجي أم ال على ضوء التفاهم الغربي مع طهران‬
‫في الملف النووي والتصعيد اإليراني األخير ضد دول الخليج الذي رأى فيه البعض تحركا تغطيه‬
‫واشنطن لمنع أي تقارب تركي خليجي يكون على حسابها في المنطقة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬هل التقارب الخليجي التركي مؤقت أم ثابت ؟‪.‬‬
‫من هنا يمكن القول اليوم أن التقارب التركي الخليجي ال يمكن أن يكون ظرفيا مؤقتا أمام مشاريع‬
‫التفتيت والتقسيم في المنطقة وتغيير الحدود والخرائط كما تريد طهران والنظام السوري وروسيا‬
‫وحزب االتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا وبعض القوى العراقية وإسرائيل‪.‬‬
‫يكفي التوقف عند ما قاله وزير خارجية تركيا السابق علي باباجان خالل توقيع عقود التنسيق‬
‫التركي الخليجي عام ‪2008‬م‪« ،‬تركيا تولي أهمية كبيرة ألمن الخليج واستقراره‪ ..‬وهي ستكون‬
‫في طليعة الدول التي قد تتأثر بشكل مباشر من أي تدهور أمني هناك» واستطراده بتحديد أبعاد‬
‫وأهداف هذه االتفاقية لتشكل «آلية للحوار السياسي المنظم وتطوير العالقات االستراتيجية بين‬
‫تركيا ودول الخليج»‪ ،‬هي رسائل علنية واضحة مخاطبها هو إيران بقدر ما هي موجهة إلى‬
‫أميركا وإسرائيل طبعا‪ .‬من هنا ضرورة القول إن مذكرة التفاهم التركية ـ الخليجية هذه قد ال‬
‫تستهدف إيران لكنها رسالة مباشرة موجهة إليها لمراجعة سياساتها اإلقليمية خصوصا في الخليج‬
‫لناحية التمدد والتمسك بالمشروع النووي واألزمة المستمرة معدولة‪.‬‬
‫الخليج يرى في تركيا فرصة صناعية زراعية مائية استثمارية وطريقا نحو أوروبا وفرصة‬
‫لتجاوز أزمة نقص المياه التي بدأت سلبياتها ترتفع في المنطقة بشكل عام وفرصة أسواق جديدة‬
‫تعوضه عن عودة بعض رؤوس األموال الخليجية إلى المنطقة بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر‬

‫‪35‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫‪2001‬م‪ ،‬وتركيا ترى في الخليج قاعدة االحتياج المتبادل ووسيلة تعزيز موقفها على طريق‬
‫العضوية األوروبية بكل ما يحمل لها من حظوظ تجارية واقتصادية ومالية وإمدادات نفطية‪ .‬من‬
‫هنا تعتبر اتفاقية التفاهم والتعاون هذه نتيجة طبيعية لسنوات طويلة من العمل المتواصل الدؤوب‬
‫على طريق تحسين العالقات‪ .‬ويكفي التوقف مثال عند حجم التبادل التجاري الذي تضاعف ‪4‬‬
‫مرات خالل السنوات السبع األخيرة لنكتشف أبعاد قرار تركيا ودول الخليج في توسيع تعاونهما‬
‫هذا وتحويله إلى تحالف استراتيجي متعدد الجوانب‪.‬‬
‫طرح التعاون التركي الخليجي االستراتيجي ال بد أن يتضمن نقاشا في العمق‬
‫حول التنسيق البنيوي المنظم والشامل في المجاالت السياسية واإلنمائية واألمنية والدفاعية وهو‬
‫تعاون سيكون من الصعب إيقافه عند نقطة معينة إذا ما وجدت القيادات السياسية في‬
‫الجانبين فائدة في المضي بمشروع توسيع رقعة التعاون واالنتشار‪ .‬وأنقرة لن تفرط بهذه السهولة‬
‫بما بنته بصبر وتأن حتى اآلن ولن تسمح بتعريض مشروعها اإلنفتاحي التقاربي على دول‬
‫الخليج هذا الذي يضع أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي في مقدمة استراتيجياته‪.‬‬
‫لكن االنطالقة تحتاج إلى قوة دفع حقيقي تمر عبر إنهاء الخالف التركي المصري وضرورة‬
‫مراجعة تركيا لسياستها تجاه مصر والعكس صحيح ألن التوتر التركي ـ المصري بهذا الشكل‬
‫سيؤثر دائما على خطوات االنفتاح التركي الخليجي طالما أن العديد من العواصم الخليجية ال تريد‬
‫أن تفرط بمصر ودورها وموقعها اإلقليمي في سائر معادالت بناء المنطقة‪.‬‬
‫وال يمكن ألنقرة سوى أن تقبل حقيقة أن الموقف التركي من حكم الرئيس السيسي ينعكس سلبًا‬
‫على عالقات تركيا مع دول الخليج والسيما السعودية واإلمارات‪ ،‬خصوصًا بعد أن تحولت تركيا‬
‫إلى ملجأ للمعارضة المصرية وقيادات اإلخوان ومراكز انطالقته‪ .‬الملف المصري مرشح إلى أن‬
‫يبقى حجر عثرة كبيرة في مسار ومستقبل العالقات الخليجية – التركية مهما جرى الحديث عن‬
‫تقارب تركي خليجي خارج الموقع والدور المصري‪.‬‬
‫التحالف التركي الخليجي قادر على لعب الدور الريادي في تجنيب المنطقة الكثير من‬
‫الويالت بعيدا عن سياسة األخالف واالصطفاف اإلقليمي وهو فرصة تستحق أن تترجم عمليا‬
‫على األرض في ظل تلك التحديات الكثيرة التي تتربص بالمنطقة‪.‬‬
‫مطلب الثاني ‪ :‬مستقبل االستراتيجة التركية نحو البحر االحمر‬
‫المتغيرات الجديدة في البحر األحمر وانعكاساتها على الحضور التركي‬
‫تتأثر منطقة البحر األحمر بالمتغيرات المحلية واإلقليمية والدولية نظرًا لترابطها واتصالها‪،‬‬
‫وتزايد أهميتها االستراتيجية والجيوبوليتيكية‪ .‬وقادت مجموعة من المتغيرات السياسية‬
‫واالقتصادية واألمنية إلى برز نظام جديد في البحر األحمر‪ ،‬وإن كان نظامًا شديد التقُّلب والتغير‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫ويمكن إجمال تلك التغيرات التي رسمت مشهد البحر األحمر الحالي في أربعة تطورات رئيسة‪،‬‬
‫(‪)24‬‬
‫أخذت ُتلقي بظاللها على الوجود التركي في البحر األحمر‪:‬‬
‫‪ -1‬التحوالت السياسية في القرن األفريقي‪:‬‬
‫من شأن تغُّير أنظمة سياسية مَّر ت عليها عقود طويلة في الدولتين الكبيرتين في المنطقة (إثيوبيا‬
‫في خريف ‪ ،2017‬ثم السودان في ربيع ‪ ،)2019‬أن يزيد من احتمالية بروز تحول قد يكون‬
‫تاريخيًا في منطقة القرن األفريقي‪ ،‬وهو اتجاٌه ال يبدو في صالح تركيا‪ .‬فسقوط نظام عمر البشير‬
‫المقَّر ب من حكومة العدالة والتنمية دفع هذه األخيرة إلى محاولة عقد صالت مع السلطة االنتقالية‬
‫الجديدة في السودان بعد أن كانت أحد أبرز الداعمين لنظام الرئيس البشير‪ ،‬ويشكل فقدان تركيا‬
‫لنفوذها في السودان ضربة موجعة لطموحاتها التوُّسعية في المنطقة‪ ،‬وفي شرق القارة األفريقية‬
‫عمومًا‪ ،‬السيما وأن ثمة توجهًا لدى الحكومة االنتقالية في السودان لمراجعة وإعادة تقييم‬
‫مجموعة من االتفاقيات التي ُو ِّقعت إبان نظام البشير مع الجانب التركي (بما فيها اتفاقية جزيرة‬
‫سواكن)‪ ،‬والتي لم َيستِفد منها السودان بنفس درجة استفادة تركيا‪.‬‬
‫وبالنسبة إلثيوبيا‪ ،‬يقود رئيس الوزراء اُإلثيوبي آبي أحمد سياسة معتدلة مع الدول الخارجية‪،‬‬
‫ويظهر أنه يميل إلى المحور اإلماراتي‪-‬السعودي‪ ،‬نظرًا للدور المهم الذي لعبته الدولتين‬
‫األخيرتين في عملية السالم التاريخية التي تحققت بين إريتريا وإثيوبيا في منتصف عام ‪.2018‬‬
‫‪ -2‬حرب اليمن‪ :‬إن استمرار هذه الحرب وعدم الوصول إلى تسوية شاملة ومحاولة األطراف‬
‫المحلية المدعومة من إيران وتركيا َفْر ض أوضاع جديدة على األرض‪ ،‬قد تسَّببا في وصول‬
‫النشاط الخليجي في منطقتي البحر األحمر والقرن األفريقي إلى مستويات غير معهودة‪ .‬وتجَّلى‬
‫ذلك في السباق المحموم على الساحل األفريقي‪ ،‬حيث استقطبت عمليات االستحواذ على الموانئ‬
‫التجارية وبناء القواعد العسكرية اهتمامًا خليجيًا ملحوظًا‪ ،‬وهذا من شأنه أن ُيساِهم في تطويق‬
‫الوجود التركي في المنطقة‪.‬‬
‫‪ -3‬ظهور منتدى البحر األحمر‪:‬‬
‫أصبح ما يعرف منتدى البحر األحمر‪ ،‬موضوع نقاش كبير في العامين ‪ ،2019-2018‬داخل‬
‫المنطقة وخارجها على حد سواء‪ .‬ويشكل إنشاء تجمع‪/‬هيكل إقليمي كهذا تتمكن الدول المعنية في‬
‫إطاره من مناقشة المصالح المتشاطرة وتحديد التهديدات الناشئة ووضع الحلول المشتركة‪ ،‬ردًا‬
‫معقوًال على الوقائع والمتغيرات الجديدة في المنطقة‪ .‬وُيتيح منتدى إقليميًا كهذا معالجة مسائل‬
‫متنوعة مثل التجارة وتطوير البنية التحية واألمن البحري والهجرة المختلطة والتدفقات المالية‬
‫وحماية البيئة وإدارة الصراعات بصورة سلمية‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫والمؤكد أن توُّج ه السعودية إلى تبِّني مبادرة إلنشاء "مجلس الدول العربية واألفريقية المطلة على‬
‫البحر األحمر وخليج عدن" قد أثار هاجسًا وقلقًا لدى الجانب التركي‪ ،‬وسارع مسؤولون أتراك‬
‫إلى إظهار شكوكهم إزاء غايات هذا المجلس وأهدافه‪ .‬فعندما ُس ِئَل مسؤول رفيع المستوى في‬
‫أنقرة عَّم ا إذا كان اهتمام الرياض في العمل على منتدى للبحر األحمر يمثل خطوًة لبلورة تحالف‬
‫أوسع ضد إيران‪ ،‬أجاب على الفور "أو تحالٌف ضدنا؟"‪.‬‬
‫‪ -4‬تكثيف جمهورية أرض الصومال مساعيها لفك االرتباط‪:‬‬
‫في إبان الحرب الباردة‪ ،‬كان االتحاد السوفيتي يحتفظ بقاعدة عسكرية في مدينة بربرة الصومالية‬
‫(صومال يالند حاليًا)‪ ،‬ألهميتها االستراتيجية وقربها من البحر األحمر‪ ،‬وفي خضم سعيها‬
‫للسيطرة على الصومال وتعزيز نفوذها فيه‪ ،‬تعي تركيا أيضًا أهمية مدينة بربرة االستراتيجية‪،‬‬
‫وباتت تحشد قوتها لمنع هذا اإلقليم من االنفصال عن جمهورية الصومال الفدرالية‪ ،‬وعّينت تركيا‬
‫مبعوثًا خاصًا لمحادثات أرض الصومال مع الحكومة الصومالية‪ ،‬هو أولكان بيكر‪ ،‬ما ُيشِّك ل‬
‫سابقًة في السياسة الخارجية التركية‪ ،‬وهي أول دولة في العالم تخطو هذه الخطوة‪ .‬وُيفَّسر هذا‬
‫القرار من منطلق أن المسؤولين األتراك ُيدركون أهمية موقع هذا اإلقليم الذي يمتلك ‪650‬‬
‫كيلومترًا من السواحل على خليج عدن‪ ،‬وفي حال نيله االعتراف الدولي‪ ،‬قد تفقد تركيا جزءًا‬
‫مهمًا من وجودها على البحر األحمر‪.‬‬

‫مستقبل الحضور التركي في البحر األحمر‬


‫من المتوقع أن تستمر تركيا في مساعيها لتوسيع نفوذها في منطقة البحر األحمر والشرق‬
‫األفريقي خالل الفترة المقبلة‪ ،‬وبالنظر إلى المتغيرات التي شهدها البحر األحمر في خالل العامين‬
‫الماضيين‪ ،‬هناك سيناريوهان رئيساِن اثنان ينتظران الحضور التركي في هذه المنطقة مستقبًال‪:‬‬
‫السيناريو األول‪ :‬انحسار الحضور العسكري مقابل تزايد مظاهر القوة الناعمة‬
‫فوفق هذا السيناريو قد يشهد الوجود العسكري التركي في البحر األحمر انحسارًا متدرجًا‪ ،‬وقد‬
‫يعزز ذلك تمُّك ن إقليم أرض الصومال من فك ارتباطه مع الصومال‪ .‬وبفقدان تركيا نظامها‬
‫الحليف في السودان‪ ،‬قد ُتجِبر حكومة العدالة والتنمية إلى التحول إلى دبلوماسية التجارة وأدوات‬
‫القوة الناعمة األخرى‪ .‬وهو سيناريو ُم مِك ن‪ ،‬وتعضده شواهد من قبيل اتجاه تركيا الجديد‬
‫الستئجار ميناء دوراليه الجيبوتي (رغم أن حظوظها في ذلك تبدو قليلة)‪ ،‬واستمرارها في‬
‫استخدام مختلف أدوات القوة الناعمة التي تمتلكها لزيادة رصيدها وحضورها‪ ،‬من قبيل تشييد‬

‫‪38‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫المساجد والمدارس وتقديم المنح الدراسية للطالب األفارقة والعرب‪ ،‬وتقديم المساعدات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬خاصة في ظل الهشاشة االقتصادية التي تتسم بها دول المنطقة‪ ،‬مثل الصومال واليمن‬
‫وجيبوتي‪.‬‬
‫السيناريو الثاني‪ :‬زيادة الوجود العسكري التركي ودخول المنطقة في حالة استقطاب إقليمي‬
‫أكبر‪.‬‬
‫في منحى ُم غاير‪ ،‬قد تعمل تركيا على مضاعفة وجودها العسكري في منطقة البحر األحمر‪،‬‬
‫وُيعِّز ز هذا الخيار االنخراط العسكري التركي الواسع في الشأن الليبي‪ ،‬وتفاقم الصراع على غاز‬
‫البحر المتوسط‪ .‬وفي ظل هذا السيناريو من المتوقع أن تواجه تركيا تحّد ي وجود مجلس البحر‬
‫األحمر‪ ،‬بقيادة المملكة العربية السعودية‪ ،‬وهي مواجهة من المتوقع أن تخسرها تركيا في نهاية‬
‫المطاف بالنظر إلى أن قدرة الرياض على تعبئة بلدان المنطقة وحشدها خلفها تتجاوز القدرة‬
‫التركية على ذلك‪.‬‬

‫خالصة‬
‫ال ُيمِكن َفهم الحضور التركي في البحر األحمر بمنأى عن حالة العسكرة والتنافـس والصـراع‬
‫بيـن الدول الكبرى واإلقليمية بهدف التوُّسع وزيادة النفوذ في المنطقة ورعاية مصالحها‪ ،‬بحيث لم‬
‫يعد هناك مـن دولة مؤثرة خاصة من خارج المنطقة إال ولها شكٌل من أشكال الحضور في البحر‬
‫األحمر أو في الدول الُم طَّلة عليه‪.‬‬
‫ورغم المتغيرات الكبيرة التي شهدها البحر األحمر السيما في العامين األخيرين؛ فإن الوجود‬
‫العسكري التركي ُم رَّش ح لالستمرار‪ ،‬كما يأخذ الحضور التركي الناعم في المنطقة الذي يقوم‬
‫على اإلنتاج السينمائي والتلفزيوني والتعليم الديني وتسويق المنتجات التركية في التزايد‪ ،‬لكن‬
‫الوجود العسكري التركي في البحر األحمر سيظل يطرح سيناريوهات خطيرة؛ ويشكل تهديدًا‬
‫ألمن منظومة البحر األحمر‪ ،‬إن لم يكن لألمن القومي العربي برمته‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫المراجـــع‬

‫‪ -1‬محمد غسان الشبوط ‪،‬العالقات التركية الخليجية بعد عام ‪ ، 2011‬العدد‪. 2016 ، 5237‬‬
‫‪ -2‬سعيد الحاج‪ ،‬محددات السياسة التركية إزاء سوريا‪ ،‬مركز إدراك للدراسات‪ ،‬مارس‪/‬آذار‬
‫‪.2016‬‬
‫‪ - 3‬سعيد الحاج ‪ ،‬التقارب التركي‪-‬الخليجي‪ :‬الدوافع وفرص النجاح واالستمرار‪2022 ،‬‬
‫‪ -4‬األمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي‪ ،‬العمل الثقافي المشترك‪2009 ،‬م‪،‬‬
‫‪Org. https://www.gcc-sg‬‬
‫‪ -5‬سعيد الحاج‪ ،‬قراءة في المشروع اإلقليمي لتركيا‪ ،‬المعهد المصري للدراسات السياسية‬
‫واالستراتيجية‪ 28 ،‬أبريل‪/‬نيسان ‪.2021‬‬
‫‪ -6‬أحمد أغلو‪ ،‬العمق االستراتيجي‪ ،‬موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية " قطر‪،‬الدار العربية‬
‫للعلوم ناشر ون‪."2011 ،‬‬
‫‪ -7‬أردوغان يستعرض أهم إنجازات ‪ 2020‬التركية‪ ،‬وكالة أنباء األناضول‪ 31 ،‬ديسمبر‪/‬كانون‬
‫األول ‪.2020‬‬
‫‪ -8‬سعيد الحاج‪ ،‬ما الذي يمنع التقارب التركي‪-‬السعودي‪ ،‬الجزيرة نت‪ 11 ،‬مايو‪/‬أيار ‪.2021‬‬
‫‪ -9‬جيمس دورتي‪ ،‬روبرت بالتسعراف‪ .،‬النظريات المتضاربة في العالقات الدولية‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫وليد عبد الحي‪ ،‬الكويت‪ ،‬المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى ‪،‬‬
‫‪ -10‬رانيا طاهر‪ .) 2013 ( ،‬الدور اإلقليمي التركي في ظل ثورات الربيع العربي‪ ،‬مجلة الرؤية‬
‫التركية‪.‬‬
‫‪ -11‬علي جالل معوض‪ ،‬االرتباك‪ :‬تحليل أولي للدور التركي ‪ -‬في ظل الثورات العربية‪ ،‬مجلة‬
‫السياسة الدولية‪ ،‬عد ‪ ،185‬يوليو‪،2011‬ص‪.62‬‬
‫‪ -12‬شريف شعبان مبروك‪ ،‬الدور اإلقليمي الجديد تركيا في منطقة الخليح والشرق األوسط‪،‬‬
‫مجلة أراء حول الخليج اإلمارات؛ مركز الخليج اإلمارات " العدد ‪.2009 ، 55‬‬
‫‪ -13‬درع الوطن ‪ ،‬مجلة عسكرية و استراتيجية ‪ ،‬الدور التركي في المنطقة العربية‪ :‬األبعاد‬
‫واألهداف والتأثيرات االستراتيجية ‪. 2020 ،‬‬
‫‪ -14‬عسكرة البحر األحمر‪ ..‬مقدمة لحرب إقليمية جديدة‪ ،‬موقع الحرة ‪2017،‬‬
‫‪https://2u.pw/Kbc66C‬‬

‫‪-15‬حمدي عبد الرحمن‪ ،‬سباق القواعد العسكرية في القرن اإلفريقي الفرص والمخاطر األمنية‬
‫بالنسبة لمصر‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪( 211‬القاهرة‪ :‬يناير ‪ ،)2018‬ص ‪.123‬‬

‫‪41‬‬
‫المراجـــع‬
‫‪ -16‬المركز العربي للبحوث والدراسات‪ ،‬التنافس اإلقليمي والدولي في البحـر األحمـر وأثره‬
‫‪http://www.acrseg.org/41448‬‬ ‫على أمن الدول المتشاطئة‪.2020 ،‬‬
‫‪ -17‬جمال الدين عبد الرحمن رستم‪ ،‬إسرائيل والبحر األحمر‪ ،‬الراصد للبحوث والعلوم‪ ،‬يناير‬
‫‪2012‬م‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -18‬مجلة الشون العربية‪ ،‬االمانة العامة لجامعة الدول العربية‪،‬محددات الدور‪ :‬سياسات تركيا‬
‫في منطقة البحر األحمر في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬العدد ‪. 2018 ، 174‬‬
‫‪ -19‬معهد الشرق االوسط‪ ،‬اتفاقية سواكن بين السودان وتركيا والتعاون في البحر األحمر‪،‬‬
‫‪https://ormer.sakarya.edu.tr/20,3,,283,_.html‬‬ ‫‪2018‬‬
‫‪ -20‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬مستقبل التموضع التركي في القرن اإلفريقي‪ :‬سياق إقليمي‬
‫متغير‪.2021 ،‬‬
‫‪ -21‬محمد غسان الشبوط‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫‪ -22‬مركز الخليج لالبحاث ‪ ،‬مستقبل الشراكة التركية ‪ -‬الخليجية تركيا والخليج‪ :‬خيارات‬
‫االنفتاح االستراتيجي ومتطلباته‪ ،‬العدد ‪.2016 ، 106‬‬
‫‪ -23‬مركز الخليج لالبحاث ‪ ،‬المصدر السابق‪.‬‬
‫‪ -24‬مركز الجزيرة للدراسات ‪ ،‬مستقبل التموضع التركي في القرن اإلفريقي‪ :‬سياق إقليمي‬
‫متغير ‪.2021،‬‬

‫‪42‬‬

You might also like