Professional Documents
Culture Documents
LBB Lthny - LFSL L WL
LBB Lthny - LFSL L WL
LBB Lthny - LFSL L WL
مقدمة:
يتكون هذا الباب من فصلين .يدرس الفصل األول منهما سياسة األمن القومي وهيكل صنع القرار في
قضايا األمن القومي في الواليات المتحدة األمريكية ،حيث يبدأ بدراسة التجربة األمريكية في مجال
المواءمة بين قرارات األمن القومي والديموقراطية في أوقات األزمات من خالل استعراض موجز
لألزمات التي شهدتها الواليات المتحدة خالل العصر الحديث ومدى التزام اإلدارات األمريكية بالمعايير
الديموقراطية خالل تعاملها مع تلك األزمات أو ابتعادها عن تلك المعايير ،ثم يستعرض أهم المؤسسات
ذات الصلة بقرارات األمن القومي األمريكي ،حيث يتناول دراسة كل من الرئيس ومكتبه التنفيذي،
وإ دراك الرئاسة لقضايا األمن القومي ،كما يشمل الفصل األول دراسة بيروقراطية صنع قرارات األمن
القومي أي وزارات الخارجية والدفاع واألمن الداخلي ،ويتم أيضًا دراسة دور الكونجرس في هذا
المجال ،وأخيرًا يتم دراسة دور األجهزة األمنية ذات الصلة بقضايا األمن القومي وعلى رأسها وكالة
االستخبارات المركزية األمريكية CIAومكتب التحقيقات الفيدرالي FBIوالعالقة بين تلك األجهزة
وأوجه القصور التي أدت إلى عدم التمكن من إحباط هجمات 11سبتمبر قبل حدوثها ،كضعف التنسيق
بين تلك األجهزة ،والتنافس فيما بينها ،كما يتعرض هذا الباب إلى محاوالت إصالح تلك العيوب في
أعقاب أحداث 11سبتمبر.
أما الفصل الثاني في هذا الباب ،فيدرس أسلوب الممارسة الفعلية لعملية صنع سياسة األمن القومي في
الواليات المتحدة ،وتقويم عالقات القوى فيما بين األجهزة المسئولة عن قضايا األمن القومي ،والتعاون أو
التنافس فيما بين تلك األجهزة خاصة على مستوى القيادات قبل أحداث 11سبتمبر وبعدها.
الفصل األول
سياسة األمن القومي وهيكل صنع
القرار في قضايا األمن القومي في
الواليات المتحدة األمريكية
114
المبحث األول :التجربة األمريكية في مجال المواءمة بين قرارات األمن
القومي والديموقراطية
المبحث الثاني :سياسة األمن القومي في الواليات المتحدة األمريكية
المتحدة األمريكية
مقدمة:
يشمل هذا الفصل ثالثة مباحث .المبحث األول بعنوان" :التجربة األمريكية في مجال المواءمة بين
قرارات األمن القومي والديموقراطية في أوقات األزمات" .ويتضمن هذا المبحث دراسة للتجربة
األمريكية في مجال التعامل مع مشكلة التعارض بين سياسة األمن القومي والديموقراطية في أوقات
األزمات ،وذلك خالل فترات مختلفة في التاريخ األمريكي ،وحتى ما قبل أحداث 11سبتمبر ،2001
وذلك لتحديد مدى نجاح الواليات المتحدة في تحقيق المواءمة بين اعتبارات األمن القومي
والديموقراطية ،وتأثير تلك القرارات على المجتمع األمريكي ،وتحديد ما إذا كانت سياسة األمن القومي
األمريكية في أعقاب أحداث 11سبتمبر تمثل امتدادًا لسياسة األمن القومي األمريكية في فترات سابقة ،أم
أنها تمثل تحوًال في مسار تلك السياسة بفعل عوامل جديدة ربما لم تكن موجودة من قبل مثل انفراد
الواليات المتحدة على قمة هيكل النظام الدولي ،وسعي التيارات اليمينية ذات النزعة اإلمبراطورية
واالنفرادية وذات التأثير على إدارتي جورج دبليو بوش إلى استغالل أحداث 11سبتمبر لتكريس الهيمنة
األمريكية.
أما المبحث الثاني فهو بعنوان "سياسة األمن القومي في الواليات المتحدة األمريكية" ،ويتم في هذا
المبحث تعريف سياسة األمن القومي األمريكي وتوضيح أهم أهدافها ،والنقاط التي يجب أخذها في
االعتبار عند دراسة المصالح القومية باعتبار أن حماية تلك المصالح من أهم األهداف التي تسعى سياسة
األمن القومي إلى تحقيقها ،ودراسة تأثيرات كل من البيئة الدولية والبيئة المحلية على خيارات سياسات
115
األمن القومي ،وتحديد األبعاد األساسية الدبلوماسية واالقتصادية والعسكرية لسياسة األمن القومي في
الواليات المتحدة األمريكية.
أما المبحث الثالث ،فهو بعنوان" :هيكل صنع القرار في مجال األمن القومي في الواليات المتحدة"،
ويتم فيه تناول األجهزة الرئيسية المسئولة عن صنع القرارات ذات الصلة باألمن القومي في الواليات
المتحدة األمريكية.
أما المبحث الرابع ،فهو بعنوان" :إعادة تعريف مفهوم وإ ستراتيجية األمن القومي األمريكي في أعقاب
أحداث 11سبتمبر ،"2001ويتم فيه دراسة ما حدث من تغيير في كل من مفهوم وسياسة األمن القومي
األمريكي في الفترة التي أعقبت أحداث 11سبتمبر ،باإلضافة إلى دراسة األهداف اإلستراتيجية الجديدة
لألمن القومي.
المبحث األول :التجربة األمريكية في مجال المواءمة بين قرارات األمن القومي والديموقراطية في أوقات
األزمات.
أوضحت التجربة األمريكية أن من الصعب إيجاد توافق بين حكم القانون والسلطات االستثنائية التي
تمنحها السلطة التنفيذية لنفسها في أوقات األزمات ،فغالبًا ما تكون النتائج براجماتية (نفعية) ومسيسة إلى
حد كبير ،فمن المفترض أن تخضع قرارات الرئيس االستثنائية إلى مراجعة وربما إلى رفض من جانب
السلطتين التشريعية والقضائية .ومع مرور الوقت خضعت السلطات االستثنائية للرئيس إلى مراجعة
تشريعية وقضائية وفي غالب األمر كانت عملية المراجعة تؤدي إلى أن يقوم الكونجرس بدعم اإلجراءات
1
الرئاسية ،وأن تساند المحكمة العليا هذا العمل ،خاصة عندما يكون هناك اتفاق بين الرئيس والكونجرس.
وقد تم إعطاء الضرورات العسكرية أولوية مقارنة بحقوق الواليات وحقوق األفراد ،وتضاءلت نسبة
الموافقة الشعبية على منح سلطات استثنائية للرؤساء بمرور الوقت عبر التاريخ األمريكي ،وتم الرجوع
عن اإلجراءات التي قام الرؤساء باتخاذها في أوقات الحروب عندما تمت استعادة السالم.
أوًال :خلفية تاريخية للخبرة األمريكية في مجال المواءمة بين األمن القومي والديموقراطية:
شهدت فترة الحرب األهلية في الواليات المتحدة قيام الرئيس لينكولن ،في مجهود منه للحفاظ على
االتحاد ،بالدمج بين سلطاته الرئاسية المدنية وبين منصب رئيس أركان القوات المسلحة ،وهو الموقف الذي
أطلق البعض عليه "ديكتاتورية دستورية" .كما قام الرئيس بتجنيد أربعين ألفًا من المتطوعين بالجيش
1
David R. Segal, "National Security and Democracy in the United States", Armed
Forces and Society, op., cit, PP. 376- 377.
116
األمريكي بدون تفويض قانوني .كما قام بإنفاق أكثر من مليوني دوالر من الخزانة الفيدرالية بدون أن
يكون مخوًال باإلنفاق منها.
وباإلضافة إلى ما سبق ،فقد أوقف لينكولن الضمانة الدستورية المتعلقة باألمر بالمثول ،والتي تمنع
االعتقال أو الحجز التعسفي للمدنيين الذين ُيشتبه في قيامهم بأعمال غير وطنية .وعلى الرغم من أن
الدستور يبيح إيقاف تلك الضمانة الدستورية في األوقات التي تتضمن تهديدًا لألمن العام ،إال أنه لم يشر إلى
الجهة المخولة بذلك اإليقاف .وعندما حكمت المحكمة الفيدرالية في بالتيمور في ماري الند بأن إيقاف تلك
الضمانة هو عمل غير دستوري ،قام الرئيس لينكولن بتحدي هذا الحكم ،وذلك في رسالة بعث بها إلى
2
الكونجرس ،ولم تحل المحكمة العليا حتى اآلن مسألة تحديد الجهة المخولة بذلك اإليقاف.
أمر لينكولن أيضًا بأن يتم النظر في قضايا الخيانة التي يرتكبها مدنيون في المحاكم واللجان العسكرية
وليس في المحاكم المدنية ،ولم تقم المحكمة العليا بإبطال هذا القرار حتى انتهت الحرب.
وفي الحرب العالمية األولى قام الرئيس ويلسون ،مثلما فعل الرئيس لينكولن من قبل ،بادعاء سلطات
استثنائية .ولم يعتمد ويلسون فقط على سلطته كرئيس ألركان حرب القوات المسلحة .ولكن قام الكونجرس
بتفويضه بالعديد من االمتيازات التي كانت مقتصرة على السلطة التشريعية .وبذلك فقد شهد النظام
القضائي األمريكي أثناء الحرب العالمية األولى معضلة كيفية إيجاد توازن بين الحقوق الفردية
والضرورات العسكرية في القضايا التي تم النظر فيها وفقًا لقانون التجسس الصادر عام ،1917وقانون
التحريض على العصيان الصادر عام .1918
وضعت هذه القوانين التي صدرت أثناء الحرب العالمية األولى قيودًا على حرية الحديث والصحافة،
وقامت بتصنيف أنواع معينة من التصريحات واألعمال على أنها غير قانونية ،وتحرض على الفتنة
والعصيان .وفي سلسلة من القضايا التي تم النظر فيها أمام المحكمة العليا في نهاية الحرب ،حكمت
المحكمة العليا في تلك القضايا جميعها بأن الضرورة العسكرية مثلت مبررًا لنقص الحرية الفردية .وبالمثل
لم تستجب المحكمة العليا للدعاوى التي ُر فعت ضد التجنيد اإلجباري في الحرب العالمية األولى ،والتي
اعتبرت أن الكونجرس قد تخطى حق الواليات فيما يتعلق بعملية التجنيد ،حيث اعتبرت المحكمة أن من
3
األمور الضرورية دعم الجيش وزيادة عدد أفراده كضرورة من ضرورات الحرب.
وفي الحرب العالمية الثانية هدد الرئيس روزفلت بزيادة سلطاته االستثنائية ،حيث أعلن أنه إذا لم
يتصرف الكونجرس بالطرق التي اعتبرها ضرورية من أجل حماية األمن القومي ،فإنه سيقوم بالتصرف
بشكل انفرادي .وقد أصدر روزفلت ،باعتباره رئيسًا ألركان حرب القوات المسلحة ،األمر التنفيذي رقم
9066بتاريخ 2فبراير ،1942والذي فّو ض وزير الحرب ومن يختاره لتحديد مناطق عسكرية يمكن أن
يتم إجالء بعض أو كل األشخاص منها ،وذلك لمنع أعمال التخريب والتجسس .ووفقًا لهذا األمر التنفيذي،
2
Ibid.
3
)C. Herman Pritchett, The American Constitution, 2nd ed. (New York: Knopf, 1947
p.64.
117
تم إجالء كل األشخاص ممن لهم أصول يابانية ،ومن بين هؤالء سبعون ألف مواطن أمريكي من الواليات
الواقعة على ساحل المحيط الهادي وأجزاء من أريزونا ،وتم احتجازهم في مراكز سكنية بعيدة.
وقد وجد الكونجرس صعوبة في سن قانون للتصديق على األمر التنفيذي رقم 9066والتفويض بمد
فترة العمل به عقب شهر من إصداره ،مما تسبب في رفع العديد من الدعاوى حول دستورية هذا القرار.
وفي يونيو 1943نظرت المحكمة العليا في قضية مواطن أمريكي من أصل ياباني ُيدعى هيراباياشي كان
يعمل أستاذًا بجامعة شيكاغو ،وتمت إدانته في محكمة فيدرالية بتهمة رفض تسجيل اسمه في قائمة
األشخاص الذين سيتم إجالؤهم ،وبتهمة انتهاك قانون حظر التجول الذي ُفرض على كل األشخاص ذوي
األصول اليابانية .وقد أصدرت المحكمة العليا حكمها فيما يتعلق بحظر التجول فقط ،والذي اعتبرته قانونيًا
وأيدت قرار اإلدانة .ولم يتم النظر في دستورية أوامر اإلجالء واالعتقال حتى ديسمبر ،1944وذلك
عندما نظرت في قضية مواطن أمريكي آخر من أصل ياباني ُيدعى كورماتسو ،حيث وافقت المحكمة على
إجالء األشخاص ذوي األصول اليابانية ،إال أنها أكدت في قضية تخص مواطنًا آخر ُيدعى إيكسبارتي
إيندو على أن المواطن األمريكي من أصل ياباني ممن يثبت إخالصه للوطن ال ينبغي اعتقاله واحتجازه في
4
مراكز سكنية بعيدة ،وإ نما ينبغي أن يتم إطالق سراحه.
وفي زمن الحرب الكورية بدا أن السلطة القضائية تضع درجة أعلى من القيود على السلطات االستثنائية
للتنفيذيين في أوقات الطوارئ ،فعندما حاول الرئيس ترومان التحكم في إدارة مصانع الحديد والصلب،
حكمت المحكمة العليا بأن ترومان ال يمتلك سلطة طوارئ ليقوم بمثل هذا العمل الذي ينبغي الحصول على
تفويض مسبق من الكونجرس من أجل القيام به .وشهدت فترة الحرب الباردة بين الواليات المتحدة
واالتحاد السوفييتي حاالت متعددة لفرض قيود على الحقوق والحريات الفردية بدعوى ضرورات األمن
القومي.
إن من أهم األسباب التقليدية للتصادم بين حكم القانون وممارسة السلطة التنفيذية االستثنائية هو التزام
األشخاص العسكريين بالقتال ،فالحروب هي أحداث دولية تتطور بشكل مستقل عن اإلرادة التشريعية،
ويحدث ذلك بشكل متسارع يفوق قدرة التشريعيين على التعامل معه واالستجابة لتحدياته .وعلى سبيل
المثال فإن الحرب البحرية التي اندلعت بين الواليات المتحدة وفرنسا خالل الفترة 1798إلى 1800لم يتم
اإلعالن عنها .وكان قرار الكونجرس في أعقاب الهجوم المفاجئ على ميناء بيرل هاربور مجرد اعتراف
أكثر من كونه إعالن حرب .كما أن التزام القوات األمريكية بالدخول في الحرب الكورية كان رد فعل
تقديري من جانب الرئيس األمريكي على طلب من مجلس األمن باألمم المتحدة .كما شبه الرئيس جونسون
قرار خليج تونكين الصادر من الكونجرس بأنه بمثابة إعالن حرب من قبل الكونجرس.
4
Edward S.Corwin, Total War and the Constitution (New York: Mc Graw-Hill,
1968), P.372.
118
يعكس كل ما سبق الخالفات التي يمكن أن توجد بين النصوص القانونية والخبرة التاريخية ،حيث
انعكست طبيعة رد الفعل الذي يتسم به العمل التشريعي في الحروب الحديثة في قانون سلطات الحروب،
وهو محاولة تأسيس سيطرة قانونية على العمليات العسكرية في غياب إعالن الحرب .ويطلب القانون من
الرئيس أن يخبر الكونجرس بكل األعمال الحربية التي يتم تفويضه بها ،ويمنع استمرار تلك العمليات لمدة
تزيد على 60يومًا من بدئها ،إذا لم يمنحه الكونجرس فترة أطول.
5
Alexander Hamilton, James Madison, and John Jay, The Federalist Papers ( New
York: New American Library, 1961), p.322.
119
وقد تسببت سياسة االحتواء في النهاية في تورط عسكري أمريكي في كوريا وفي فيتنام .فقد ذكر جون
اف كيندي أن الواليات المتحدة في حاجة إلى تأسيس جيش كبير يكون قادرًا على شن حربين كبيرتين
باإلضافة إلى حرب صغيرة في توقيت متزامن.
وفي أعقاب التجربة الفيتنامية قام ريتشارد نيكسون بتخفيض عدد الحروب التي يمكن للجيش األمريكي
شنها في توقيت متزامن إلى حرب كبيرة وحرب صغيرة فيما ُس مي بإستراتيجية الحرب ونصف الحرب في
عام .1969
ولم يقم رونالد ريجان الذي كان يتحكم في بناء عسكري ضخم وال جورج بوش األب الذي قام بعملية
تخفيض لإلنفاق العسكري -وهي العملية التي عجلت بها ضغوط الميزانية وانهيار حلف وارسو -بتحديد
عدد الحروب التي كانا ينويان أن يستعدا لها .أما في عهد كلينتون فقد قامت وزارة الدفاع بدراسة إمكانية
شن حربين كبيرتين وحرب صغيرة في توقيت متزامن.
إن سلطة المبادأة في نطاق األمن القومي وتركز نطاق الخبرة في مجال األمن القومي في الفرع التنفيذي
للحكومة ،باإلضافة إلى المسألة الخالفية المتعلقة بأن الرئيس له سلطة مطلقة في مجال السياسة الخارجية
(وهو األمر الذي له تأثير على سياسة األمن القومي) أدت إلى إثارة تساؤالت حول إمكانية مساءلة السلطة
التنفيذية عما تتخذه من قرارات في مجال األمن القومي ،خاصة عندما يتم صنع السياسات بواسطة
مسئولين معينين وليسوا منتخبين ،ممن يمكن في بعض الحاالت أن يتصرفوا بدون إحاطة الرئيس بما
6
يفعلون ،وهذا ما حدث في قضية تهريب األسلحة األمريكية إليران ،والتي ُع رفت بفضيحة إيران كونترا.
وعلى الرغم من قيام السلطة التنفيذية بأخذ زمام المبادرة فيما يتعلق بقضايا األمن القومي ،فقد وجد
الرؤساء األمريكيون أنهم يحتاجون عمليًا إلى نصيحة الهيئة التشريعية ورضائها .وفي حالة الحرب
الفيتنامية كان الكونجرس يريد في البداية أن يتبع الرئيس ،على اعتبار أنه في موقف يمكنه ،كما ذكر بعض
أعضاء الكونجرس ،من معرفة أشياء ال يعرفونها .ولكن عندما انقلب الرأي العام ضد الحرب وأكد الشعب
األمريكي على ضرورة فرض إرادته في العملية السياسية فيما يخص تلك القضية ،فإن الكونجرس قاوم
سيطرة السلطة التنفيذية ،وبدأ في لعب دور أكثر فعالية انتهى باالنسحاب األمريكي.
حاول الكونجرس في بعض المرات تقييد المبادرات الرئاسية ،وهو األمر الذي حدث عند دعم متمردي
الكونترا في نيكاراجوا ،وفي أحيان أخرى سعى إلى مد تلك المبادرات ،وهو ما اتضح من تقديم الدعم
بصورة متزايدة للمجاهدين في أفغانستان .وفي حرب الخليج في عام ،1991تذكر الرئيس
جورج بوش األب الخطأ الذي ارتكبه ليندون جونسون الذي لم يحاول الحصول على دعم الكونجرس في
قضية خليج تونكين ،وسعى للحصول على موافقة الكونجرس على قرار األمم المتحدة باستخدام القوة
المسلحة ضد العراق .وقد وافق الكونجرس على قرار مجلس األمن ،إال أنه أعلن تفضيله الواضح للتوصل
إلى حل سلمي ألزمة الخليج ،وبمجرد اندالع الحرب ،قام الكونجرس بتأييد الرئيس بوش األب.
6
David R. Segal, National Security and Democracy in the United States, op.,cit, p.381.
120
ومن الواضح أنه بمرور الوقت ،بدأ الفرعان التشريعي والتنفيذي يشتركان في عملية صنع القرار،
وأصبحت اإلجراءات االنفرادية من جانب السلطة التنفيذية التي تتجنب التشاور مع الكونجرس في عملية
صنع القرار تتعرض لتحد بالشكل الذي أدي في النهاية إلى تأثيرات سلبية عليها وعلى اإلدارة ذاتها ،وذلك
على العكس من السياسات التي تم اتخاذها عقب مفاوضات مبكرة وحلول وسط بين السلطتين التشريعية
والتنفيذية.
ثالثًا :تأثير قرارات األمن القومي على المجتمع األمريكي:
وجدت الواليات المتحدة حتى الحرب العالمية الثانية أن من األفضل أن تبقى في عزلتها الجغرافية،
فتجنبت تشكيل قوات عسكرية ضخمة في أوقات السالم ،وغالبًا ما كانت تقوم بتسريح قواتها المسلحة في
األوقات التي ليست فيها حروب ،وكان تأثير القرارات ذات الصلة باألمن القومي على المجتمع األمريكي
في أوقات السالم ضعيفًا .وقد تغير هذا الوضع تمامًا عقب اندالع الحرب العالمية الثانية ،بسبب حالة
التعبئة للقوات المسلحة والصناعات العسكرية ،واستخدام األسلحة النووية في الحرب ،وقيام الواليات
المتحدة بدور القوة العظمى في النظام العالمي ثنائي القطبية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية .وقد
أصبح الجيش ،باعتباره المؤسسة األساسية المسئولة عن األمن القومي ،أحد أهم المؤسسات ذات التأثير في
المجتمع ،وذلك بسبب ضخامة عدد أفراده ،باإلضافة إلى المؤسسات االجتماعية العديدة األخرى التي
تتداخل معه.
إن حالة التعبئة التي واكبت الحرب العالمية الثانية جعلت العديد من الشباب الذكور األصحاء منخرطين
في الخدمة العسكرية ،مما تطلب االستعانة باإلناث في القوى العاملة في المجال الصناعي ،وذلك لتشغيل
القاعدة الصناعية التي تم التوسع فيها وذلك لدعم المجهود الحربي .وعندما انتهت الحرب تم تشجيع النساء
على ترك سوق العمل واستعادة أدوارهن التقليدية كزوجات وأمهات .وعلى الرغم من عودة النساء إلى
منازلهن ،فإن سوق العمل لم يستطع استيعاب ماليين الشباب من الذكور الذين تم تسريحهم من الخدمة
العسكرية ،فتم إصدار قانون جديد ُأطلق عليه جي آي GIيوفر دعمًا ماليًا لماليين المتطوعين السابقين في
الحرب الستكمال تعليمهم الجامعي ،وهو ما أدى إلى رفع مستوى التنمية البشرية والتوسع في إنشاء
مؤسسات للتعليم العالي.
وخالل الفترة ما بين 1940وحتى 1967تم وفقًا لهذا القانون مساعدة المتطوعين في كل من الحرب
العالمية الثانية والحرب الكورية والحرب الباردة والحرب الفيتنامية ،والذين تجاوز عددهم 24مليون
7
متطوعًا ،وذلك إلكمال تعليمهم في أعقاب انتهاء كل من تلك الحروب.
قام الجيش خالل عقد األربعينيات والحرب الكورية بدور قيادي في عملية التكامل العرقي للمجتمع
األمريكي .فقد كانت معظم المؤسسات المدنية األمريكية خالل عقد األربعينيات مقسمة عرقيًا إما بشكل
7
Jere Cohen, David R. Segal, and Lloyd V.Temme, "The Educational Cost of Military
Service in the 1960s", Journal of Political and Military Sociology, 14, (Fall 1986):
303-319.
121
رسمي أو غير رسمي .وقد بدأت القوات البحرية في دمج الجنود بدءًا من عام 1946م ،على الرغم من
أنها كانت تخصص نسبة لتمثيل السود األمريكيين على أية سفينة .وعلى الرغم من بقاء بعض الوحدات
مقسمة عرقيًا ،إال أنها قامت بدمج عمليات التدريب األساسية للجنود.
كان موضوع العرق قضية سياسية مهمة في االنتخابات الرئاسية عام ،1948حيث وضع الحزبان
الرئيسيان الجمهوري والديموقراطي عدم التفرقة بسبب النوع بندًا رئيسيًا في الحمالت االنتخابية .ففي
يوليو ،1948وقبل ثالثة أشهر من االنتخابات ،أصدر الرئيس ترومان األمر التنفيذي رقم ،9981والذي
أعلن سياسة "المساواة في المعاملة وفي الفرصة في الجيش" .وعلى الرغم من أن هذا القرار لم ينه عملية
التقسيم العرقي في الجيش ،إال أنه عبر عن نية الرئيس باعتباره القائد األعلى للقوات المسلحة في إنهاء هذا
العزل .وعندما اندلعت الحرب الكورية ،لم يكن قد تم دمج قواعد التدريب في الجيش وال الوحدات القتالية
8
فيه ،إال أن عملية التعبئة التي صاحبت الحرب أدت إلى دمج كليهما.
أظهرت األبحاث التي أجراها الجيش حول عملية الدمج أن تلك العملية قد أدت إلى زيادة الفعالية القتالية.
وقد استمر الجيش خالل عقدي الخمسينيات والستينيات في قيادة المؤسسات المدنية في عملية التكامل
العرقي ،وأصبحت الخدمة العسكرية وسيلة للحراك االجتماعي للشباب المنتمين إلى أقليات عرقية
بالواليات المتحدة ،سواء عن طريق الخدمة العسكرية اإللزامية ،أم عن طريق التطوع .وفي فترة الحرب
الباردة ،وبسبب إدراك وجود تهديد شيوعي في أوروبا ،استمرت الخدمة العسكرية اإللزامية ،واستمر
التركيز على اإلنتاج العسكري .وقد ُو جهت انتقادات لإلنفاق العسكري ،حيث ذكر البعض أن االهتمام
9
المبالغ فيه باألمن القومي يأتي على حساب الرخاء االجتماعي.
استغلت اإلدارة األمريكية الحرب الباردة كمبرر إلبقاء ماليين المواطنين األمريكيين من العسكريين
وغير العسكريين في العمل بشكل مباشر تحت إشراف المؤسسات العسكرية ،وذلك للحفاظ على العدد
الكبير من القواعد العسكرية التي أصبحت مصدرًا اقتصاديًا أساسيًا للمجتمعات المدنية المجاورة ،ولتحويل
باليين الدوالرات للصناعات العسكرية ،ودعم مئات اآلالف من الوظائف في القطاع الخاص.
وقد تأثر هذا الدور المهم الذي تؤديه المؤسسة العسكرية عقب انتهاء الحرب الباردة بسبب ما لحقها من
تخفيض في الميزانية وعدد األفراد بفعل ضغوط الميزانية وخفض التوترات في أوروبا ،إال أنه ُيحسب
للجيش األمريكي أنه قاد ثورة المواطنة ،وُيقصد بها مد حقوق المواطنة إلى الجماعات التي كانت ُم ستبعدة
في السابق من خالل عملية التكامل واالندماج العرقي .وقد جر الجيش خلفه المؤسسات األمريكية األخرى
لقبول مبدأ المساواة بين جميع األعراق .كما ُس مح للنساء باالشتراك في العمليات القتالية.
8
David R. Segal, Recruiting for Uncle Sam: Citizenship and Military Manpower
Policy (Lawrence: University Press of Kansas, 1989), pp 108-109.
9
Leo Bogart, ed., Social Research and the Desegregation of the U.S Army (Chicago:
Markham, 1969).
122
رابعًا :األسلحة النووية والعملية الديموقراطية:
تتطلب كل الخطوط والعمليات العسكرية درجة ما من السرية وتقييد مشاركة الجماهير في عملية صنع
القرار .وكلما كانت درجة الدمار الناتج عن استخدام األسلحة أكبر كلما زادت درجة السرية المتعلقة
باستخدام تلك األسلحة .وكلما زادت درجة تعقيد التكنولوجيا العسكرية المستخدمة ،كلما زادت درجة
االعتماد على الخبراء الفنيين وإ بعاد الجماهير العادية عن المشاركة في المناقشات المتعلقة باستخدام تلك
األسلحة.
إن غياب الخبرة وحاجة الحكومة للسرية ُيعدان سببين رئيسيين يؤديان إلى ندرة المعلومات المتعلقة
باألسلحة النووية لدى الجماهير األمريكية .وعلى الرغم من أن استطالعات الرأي أظهرت أن األمريكيين
نظروا إلى احتمال حدوث حرب نووية على أنه أمر ممكن مقارنة بالشعوب األخرى ،كما أيدوا الرد
النووي على التهديدات غير النووية وذلك بغرض إنهاء حرب بشكل سريع ،إال أن موضوع الحروب
النووية لم يكن محل اهتمام كبير للشعب األمريكي .وسواء أكان السبب في ذلك هو أن األمور األخرى
أكثر إلحاحًا ،أم ألن اإلدراك منخفض والمعلومات نادرة ،فإن النتيجة هي أن النفقات الكبيرة على األسلحة
النووية وخطط استخدام تلك األسلحة ُو ضعت في ظل غياب مناقشات عامة واسعة النطاق ومظاهرات
10
احتجاجية محدودة وفي أوقات متباعدة.
خامسًا :األمن القومي ووسائل اإلعالم:
تتعارض السرية التي تعد مكونًا مهمًا لألمن القومي بوضوح مع المبدأ الديموقراطي المتمثل في ضرورة
إحاطة الجماهير علمًا بالسياسات العامة والضمانات الدستورية لحرية الصحافة في الواليات المتحدة .وقد
شهدت العقود األخيرة سلسلة من عمليات إعادة التكييف ،حيث حاولت كل من الصحافة والجيش األمريكي
التعامل مع بعضهما البعض ،ومع التكنولوجيات المتغيرة في كل من المجالين.
وفي مجال االختيار بين المسئولية عن إخبار الجماهير ،ومسئولية حماية المعلومات األساسية ،والتي
تتضمن قبول درجة من الرقابة على وسائل اإلعالم ،خاصة الصحافة ،كان البديل الثاني هو المفضل أثناء
الحرب الكورية .أما بالنسبة لحرب فيتنام فقد كانت أول حرب متلفزة ،حيث أصبح بإمكان األمريكيين منذ
ذلك الوقت أن يشاهدوا العمليات التي تمت في يوم ما في نشرة األخبار المسائية في اليوم ذاته ،مما أدى إلى
نقل الفزع من الحرب إلى داخل بيوت األمريكيين ،وتسبب ذلك في تزايد التوتر بين الجيش ووسائل
اإلعالم .وقامت إدارة كيندي بفرض قيود على حصول الصحفيين على معلومات.
ازدادت مقاومة اإلعالم األمريكي للرقابة والقمع منذ ذلك الوقت11.ومّثل إصدار دورية "أوراق
البنتاجون" التي أيدتها المحكمة العليا دورًا جديدًا مغايرًا لإلعالم في مجال األمن القومي .وُنظر إلى
David R. Segal, National Security and Democracy in the United States, op., cit, pp.
10
387-388.
11
The Pentagon Papers (New York: Bantam, 1971).
123
اإلعالم على أنه كان وراء قرار جونسون بعدم الترشح لمرة أخرى وإ لى أنه السبب أيضًا في خسارة حرب
فيتنام .كما تسبب التوتر بين الجيش ووسائل اإلعالم في أن يتم استبعاد الصحافة من تغطية عملية غزو
جرينادا عام .1983
سادسًا :األمن القومي والعالقات المدنية العسكرية:
انعكست االقترابات التحليلية لعملية التوازن بين مفهومي األمن القومي والديموقراطية في طبيعة
المناظرات االجتماعية حول طبيعة المهنية العسكرية والعالقات المدنية العسكرية في الواليات المتحدة.
وقد رأى البعض أن الجيش ينبغي أن يكون محايدًا سياسيًا ويخضع للسيطرة المدنية من خالل ميكانيزمات
تنظيم رسمية.
وقد الحظ هنتنجتون أن من الصعب التوصل إلى توازن بين متطلبات األمن العسكري وقيم الليبرالية
األمريكية ،واعتبر هنتنجتون أن التصادم بين األمرين البد أن يؤدي إلى إضعاف التهديد األمني أو إلى
إضعاف الليبرالية .واقترح هنتنجتون أن يتم إنقاذ المؤسسات المدنية من خالل قبول المعايير المحافظة
12
للجيش.
وقبل فترة طويلة من انهيار حلف وارسو الذي قلل من التهديد األمني الذي تواجهه الواليات المتحدة،
اقترح جانويتز Janowitzنموذجًا بديًال يتمثل في الربط بين الجيش والمؤسسات االجتماعية األخرى
وبالتالي زوال الحد الفاصل بين ما هو عسكري وبين ما هو سياسي .إن هذا النموذج الذي قدمه جانويتز لم
يترك الشئون العسكرية إلى المهنيين العسكريين الذين كانوا معزولين عن االتجاهات االجتماعية الليبرالية،
13
بل دعا إلى درجة حساسية سياسية واجتماعية متزايدة من جانب الضباط المهنيين.
يتم في هذا المبحث تعريف سياسة األمن القومي وتوضيح أهم أبعادها وعناصرها الرئيسية ،باإلضافة
إلى توضيح الهياكل والعمليات التي يتم خاللها صنع قرارات األمن القومي.
أوًال :سياسة األمن القومي:
12
Samuel P.Huntington, The Soldier and the State ( New York: Vintage, 1964), p.456.
13
Morris Janowitz, The Professional Soldier (Glencoe: Free Press, 1960).
124
وصف فرانك تاجر وفرانك سيمور سياسة األمن القومي بأنها "ذلك الجزء من السياسة الحكومية الذي
يهدف إلى إيجاد الظروف السياسية القومية والدولية المالئمة لحماية القيم والمصالح القومية الحيوية
وتعزيزها في مواجهة الخصوم الحاليين والمحتملين" 14.وهذا التعريف يمكن أن يساعد على تحديد النقاط
التي يجب أن تتضمنها دراسة األمن القومي .كما أنه يوضح بعض العناصر األساسية التي يجب أن تتم
دراستها من أجل فهم سياسة األمن القومي وتقييمها ،وذلك من خالل وضع هذه العناصر في إطار مفاهيمي
ينظم العالقة بين المتغيرات .وتتمثل أهم تلك العوامل فيما يلي:
-1القيم والمصالح القومية األمريكية:
تهدف "سياسة األمن القومي" إلى حماية القيم الوطنية وتعزيزها .وتبدو تلك القيم غامضة ومجردة
بطبيعتها ،إال أنها مهمة لتحديد سياسة األمن القومي ،ألن القيم تشكل الجوهر األساسي لدولة ما ،وتحدد
الصفة األساسية التي يتصف بها مجتمع ما.
إن القيمة الوطنية األساسية هي البقاء .وبدون البقاء ال يمكن لدولة أن تحقق أيًا من القيم األخرى،
ويتضمن البقاء حماية السكان والتكامل اإلقليمي والسيادة .والبقاء المادي ال يكفي في حد ذاته ،فالبد
للمجتمع أن يحافظ على قيمه األخرى من أجل اإلبقاء على السمات المميزة له .وعلى سبيل المثال فإن من
أمثلة القيم الموجودة في الواليات المتحدة العدالة والحرية والحفاظ على مجتمع ديموقراطي .وهذه القيم
باإلضافة إلى قيم أخرى مثل الرخاء والمكانة االجتماعية وحماية إيديولوجية األمة تحدد السمات المميزة
للمجتمع ،وتقدم األساس لتطور سياسة األمن القومي.
وعلى الرغم من أن سياسة األمن القومي ُيعتقد منطقيًا أنها مأخوذة من هيكل قيمي ُمَعّر ف بدقة ،فإن هناك
صراعات ال يمكن تجنبها تحدث بين القيم .وقد وصف صمويل هنتنجتون تلك المشكلة بوضوح حينما قال:
(إن النقطة األساسية فيما يتعلق بالسياسة العسكرية هي عالقات توازن القوى فيما بينها وبين األهداف
الوطنية .فاألخيرة تتصارع وغالبًا ما يتم التوصل إلى تسويات .وعلى سبيل المثال فإن الحفاظ على
حريات األفراد قد يتصارع مع الرغبة في تأكيد األمن العام في مواجهة الحمالت اإلرهابية ،أو أن حماية
15
الدول الديموقراطية األخرى يمكن أن يفاقم من التهديد للبقاء المادي للواليات المتحدة).
كما أنه من الصعوبة أن ُتحدد على سبيل الدقة األهمية النسبية لقيم معينة ،وبالتالي يصعب التحديد الدقيق
لكيفية تأثير تلك القيم على السياسات التي تتبناها دولة ما .وعندما ال يكون واضحًا أن السياسات تدعم قيمة
Frank N, Trager and Frank L.Simone, "An Introduction to the Study of National
14
Security" in Frank Tager and Phillip S.Krorenberg (ed.), National Security and
American Society: Theory, Process and Policy (Lawrence: University of Kansas
Press, 1973), p.36.
Samuel Huntington, The Common Defense (New York: Colombia University Press, 15
.1961), p.2
125
معينة ،فإن ذلك يرجع إلى وجود قيم متصارعة تم أخذها في االعتبار .وال يقتصر األمر على وجود
تصارع بين القيم التي تتبناها دولة ما ،فقد يحدث تصارع بين الهيكل القيمي لكل من الدولة والحكومة.
ولذلك يبدو من المهم أن يتم تحديد القيم التي ينبغي حمايتها .إن تلك القيم بمثابة انعكاس لإلرادة الجماعية
للناس ,وبالتالي رؤية الدولة القومية كعامل موحد .وتؤكد الطبيعة الجماعية لديموقراطية ما أنه ليست لدى
كل الجماعات في الدولة أولويات متماثلة .وهذه التعددية تتسبب في هيكل قيمي لدولة ديموقراطية يتم
تحديده من خالل المنافسة والتسويات التي يتم التوصل إليها بين الجماعات.
أما فيما يتعلق بالدول السلطوية ،فقد يكون هناك انفصال بين القيم التي تعتنقها الجماهير ،ومعتقدات القادة
الذين يحددون ما يتم اتباعه من سياسات .وفي هذه الحالة تقوم المجموعة الحاكمة بتحديد القيم الوطنية.
ونتيجة لذلك فإن بقاء نظام معين ُينظر إليه على أنه هدف أكثر أهمية من بقاء المجتمع ككل .وعلى سبيل
المثال فقد بدا أن هتلر يرغب في التضحية بالمجتمع األلماني من أجل اإلبقاء على النظام النازي.
وعلى الرغم من أن حماية القيم الوطنية ُتعد هدفًا لسياسة األمن القومي ،فالبد من ترجمة تلك القيم إلى
شئ أقل تجريدًا ويرتبط بمواقف معينة حتى يمكن اعتباره أساسًا التباع سياسة معينة .ومن خالل الربط بين
القيم والبيئتين المحلية والدولية يمكن لصانعي السياسة أن يعرفوا مصالح معينة كأهداف محددة يمكن أن
تطمح السياسة إلى تحقيقها.
يمكن أن يتم وصف المصالح على أنها الظروف التي تحاول األمة تحقيقها أو الحفاظ عليها في كل من
البيئتين الدولية والمحلية .وبالتالي فإن المصالح تقدم رابطًا ما بين القيم والسياسات .وهناك مثال ُيظهر
العالقة ما بين القيم والمصالح من خالل السياسة األمريكية تجاه منطقة الخليج العربي خالل أزماته الثالثة.
فال شك أن التدفق الحر للنفط من منطقة الخليج العربي يمثل مصلحة حيوية للواليات المتحدة .وتتمثل تلك
المصلحة في الحفاظ على قيمة أساسية هي الرخاء .فبدون النفط تتعرض الواليات المتحدة إلى حالة من
الضعف االقتصادي ،وإ ذا ضعف االقتصاد األمريكي فإن حالة الرخاء التي يعيشها المواطنون األمريكيون
ستتراجع ،ومن هنا يبدو واضحًا كيف يمكن أن تكون المصالح نابعة من القيم الوطنية.
16
وتشير األدبيات األمريكية إلى ثالث نقاط مهمة يجب أخذها في االعتبار عند دراسة المصالح القومية:
17
أ -المصالح القومية ليست مهمة في حد ذاتها ،ولكنها تكون مهمة فقط إذا ساهمت في تحقيق القيم القومية.
ويجب على صانعي السياسة والمحللين أن ينتبهوا إلى ضرورة تجنب التركيز على المصالح على أنها
أهداف نهائية في حد ذاتها بدًال من اعتبارها أهدافًا وسيطة ،حتى ال يتسبب ذلك في صياغة سياسات ال
تساهم في تحقيق القيم الوطنية ،وقد تؤدي إلى نتائج عكسية.
ب -المصالح مثل القيم يمكن أن تتصارع مع بعضها البعض ويجب أن يتم التوفيق بينها من خالل تحديد
األولويات والقيام بتسويات مقبولة.
16
Daniel J.Kaufman& Jeffrey S.Mctrick& Thomas J.Leney, U.S. National Security A
Framework for Analysis, op., cit, p.7.
17
Ibid.
126
ج -غالبًا ما يتم تبرير السياسة على أنها حماية للمصالح الحيوية ،وهي تلك المصالح المرتبطة بالقيم األكثر
أهمية .وعلى الرغم من أن البعض يعّر ف المصالح الحيوية على أنها تلك المصالح التي يمكن استخدام
القوة العسكرية من أجل حمايتها ،فإن هذا التعريف يمكن أن يأخذ اتجاهًا عكسيًا ،وهو أن من األكثر مالءمة
أن يتم النظر إلى استخدام القوة العسكرية كشئ مبرر فقط عندما يتم ذلك من أجل حماية المصالح الحيوية.
وألن المصالح القومية يتم تعريفها على أنها نتاج التفاعل بين القيم وكل من البيئتين الدولية والمحلية ،فإن
الخطوة التالية في تحليل سياسة األمن القومي هي فحص العناصر البيئية المحلية والدولية التي تتحد مع
المصالح القومية لتشكل السياسة القومية.
وعلى الرغم من أن هذه العوامل البيئية المحلية والدولية ال تحدد الكيفية التي من خاللها تختار دولة ما
سياستها أو العوامل التي تحفزها على اتباع سياسة معينة من خالل تقليل المزايا الخاصة ببعض خيارات
السياسة في مقابل الدفاع عن خيارات أخرى ،إال أن الرابطة بين البيئتين المحلية والدولية هي اآلن أقوى
مما كانت عليه في الماضي ،ألن السياسة المحلية أصبحت تخضع لتأثيرات دولية بدرجة أكبر .وعلى
سبيل المثال ،فإن قرار زيادة أسعار الفائدة قي الواليات المتحدة يؤثر على الرفاهة االقتصادية لدول غرب
أوروبا من خالل نقل استثمار رأس المال من أسواقها .كما أن قرارًا بتقليل اإلنفاق الدفاعي األمريكي من
أجل ضبط الموازنة يؤثر على األمن األوروبي والثقة األوروبية في منظمة حلف شمال األطلنطي (الناتو).
ومن أبرز األمثلة على أن البيئة الدولية أصبح لها خالل العقود األخيرة تأثير أكبر مما كان عليه الحال
في الماضي على المصالح الداخلية الحيوية قرار منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) حظر تصدير النفط
إلى الدول المؤيدة إلسرائيل ،وما تسبب فيه من تأثير سلبي على االقتصاديات الغربية .وكانت النتيجة
الواضحة لهذا الربط بين البيئتين المحلية والدولية هي زيادة القلق بشأن أحداث تحدث على بعد آالف
األميال عن الواليات المتحدة.
-2البيئة الدولية:
يمكن التعرف على عدد من التأثيرات المهمة على سياسة األمن القومي من خالل دراسة البيئة الدولية.
18
ويقسم بعض الباحثين تلك التأثيرات إلى نوعين أساسيين:
النوع األول :خاص بدولة معينة ،أي التأثير على العالقات بين الواليات المتحدة والدول األخرى بشكل
انفرادي.
النوع الثاني :نظامي ،ويؤثر على مجتمع الدول بأكمله.
تتأثر العالقات بين الدول بكل من الجغرافيا واإليديولوجيا ،فالدول تميل إلى توجيه قدر أكبر من االهتمام
بالدول المجاورة أو القريبة من الموارد الحيوية أو خطوط االتصال .وُتعد سياسة األمن القومي إلى حد
كبير رد فعل على التهديدات المدركة في البيئة الدولية ،ومستوى التهديد تحدده مقدرات الخصوم المحتملين
ونواياهم .وألن من الصعب تحديد النوايا بدقة ،باإلضافة إلى إمكانية حدوث تغيير في تلك النوايا بسرعة،
18
Ibid, pp.8-11.
127
فإن صانعي السياسة مجبرون على التركيز على المقدرات ،وهي على الرغم من سهولة مالحظتها ،فإن
عدم الثقة الناتج من عدم القدرة على تحديد المستوى الحقيقي و الدقيق لتلك المقدرات يمكن أن يؤثر سلبًا
على سياسة األمن القومي ،حيث يمكن أن يقود إلى افتراض البديل األسوأ بسبب التكاليف المحتملة الناتجة
عن خطأ في الحسابات .وعلى الرغم من أن تهديد األمن القومي لدولة ما يتأثر بقدرات ونوايا الخصوم
المحتملين ،فإن إدراك التهديد يتسبب في استنتاجات سياسية .وُيحدد هذا اإلدراك من خالل قيمة المعلومات
التي جمعتها أجهزة االستخبارات الوطنية عن الدول األخرى ،وبالتالي ُيعد عنصرًا مهمًا في تحديد
السياسة ،وتتحدد درجة الدقة التي يمكن من خاللها تحديد التهديد من خالل مدى اقتراب المفاهيم ،باإلضافة
إلى تحديد أفضل ردود فعل ممكنة.
إن كثيرًا من المواقف السياسية منبعها عدم االتفاق بشأن تحديد نوايا الخصوم .وإ ذا كانت الواليات
المتحدة تدرك أن دولة ما هي عدوانية بطبيعتها ،فإنها تعتبر ذلك مبررًا للتعامل مع أية زيادة يمكن أن
تحدث في القدرات العسكرية لتلك الدولة أو لألعمال التي تزيد قوتها العسكرية .والبد من إقناع الخصوم
بأن الواليات المتحدة قادرة وراغبة في شن حرب بسبب صراعات المصالح ،فالصراعات تصبح اختبارات
للعزيمة ،والتنازالت التي ُتقدم قد يتم إدراكها على أنها ضعف يمكن أن يشجع على حدوث عدوان مستقبلي.
وعلى الرغم من أن إظهار اإلرادة يمكن أن يكون عنصرًا فعاًال في ردع خصم ما عن القيام بعدوان ،فقد
تكون له آثار عكسية إذا قامت الدولة األخرى بتصرف سريع مضاد بدافع من عدم األمان .وإ ذا كان الهدف
األساسي لسياسة األمن القومي هو مواجهة التهديدات العسكرية ،فليست كل التهديدات تأخذ هذا الشكل ،فقد
يتم تهديد األمن من خالل القيام بأعمال اقتصادية مثل منع االقتراب من الموارد الطبيعية الحيوية ،كما أن
التحديات اإليديولوجية من معتدين محتملين يمكن أن يتم إدراكها كتهديدات للنفوذ المستمر للواليات المتحدة
حول العالم ،وقد تتسبب في تشكيل سياسات لمواجهة مثل تلك التحديات .ويمكن أن يتحقق الردع من مجرد
امتالك القدرات التي يمكن استخدامها لمعاقبة معتدي من خالل الهجوم على أرضه وسكانه وممتلكاته.
19
إن العناصر الباقية في البيئة الدولية التي تؤثر على سياسة األمن القومي يمكن أن ُتعتبر نظامية وذلك
ألن لها تأثيرًا أكثر عمومية .ففي ظل غياب حكومة عالمية ،فإن الدول تعيش في حالة من الفوضوية،
ودرجة الفوضوية تحددها العالقات االقتصادية والسياسية والتاريخية والثقافية بين الدول .وُتعد كل دولة
هي الضامن الوحيد ألمنها القومي .وفي بيئة فوضوية تكون الدول حرة في السعي لتحقيق أهدافها طالما أن
مصالحها وقدراتها تسمح بذلك .ويتوقف نجاحها في تحقيق أهدافها على قوة الدول األخرى.
إن الجهود التي ُبذلت من أجل فرض النظام في البيئة الدولية من خالل تأسيس منظمات دولية مثل األمم
المتحدة لم تحقق النجاح .ونتيجة لكون سيادة الدول هي التي تحدد حرية العمل الوطنية ،فإن الدول تتجنب
االعتماد الكامل على األمن الجماعي أو المنظمات الدولية ألن مثل هذا االعتماد يتطلب االستغناء عن قدر
19
Glenn Snyder, Deterrence and Defense: Toward a Theory of National Security,
(Princeton, Princeton University Press, 1961), p.9.
128
من السيادة .وعلى الرغم من أن الجهود التي تبذلها منظمات دولية مثل األمم المتحدة لم يكن لها سوى تأثير
محدود على تطور السياسة األمنية ،فإن العالقات الدولية األخرى مثل التحالفات تلعب دورًا رئيسيًا.
إن التحالفات مهمة لفهم سياسة األمن القومي ،حيث يمكن من خاللها للدول أن تضاعف من قوتها،
وتحاول أن تقترح بعض النظام على البيئة الدولية .فالتحالفات يتم تشكيلها وفقًا للمصالح المتبادلة ،حتى وإ ن
لم تكن دائمًا متطابقة ،فمن خالل الوعد بتجميع الموارد في مواجهة تهديد مشترك ،فإن شركاء التحالف
يأملون في الحصول على نفوذ أو تحقيق المصالح التي ال يستطيعون تحقيقها بشكل انفرادي.
وألن البعد السياسي في البيئة الدولية يتحدد من خالل المنافسة والتعاون ،فكذلك البعد االقتصادي للبيئة
الدولية الذي تحدده المنافسة على الموارد المحدودة وتبادل السلع والخدمات بين الدول .وتعتمد الواليات
المتحدة في تحقيق رخائها االقتصادي على ما يتم استيراده من الدول األخرى من موارد ،باإلضافة إلى
عملها على إيجاد أسواق خارجية لما تنتجه من سلع وخدمات .وقد أدت هذه العوامل إلى أن الواليات
المتحدة أصبحت لديها مصالح في مختلف أنحاء العالم ،مثل االقتراب من النفط وحرية التنقل في البحار.
وهناك مخاوف أخرى مثل تضاءل الموارد غير المتجددة في ظل الطلب الممتد ،والتدهور البيئي،
والزيادات السكانية ،مما قد يكون له تأثير على سياسة األمن القومي .وُيعد التصدي لتلك المخاوف في
طبيعته مسألة غير عسكرية ولكنه في الواقع يتطلب التنافس على الموارد ،وذلك من خالل سياسات ُص ممت
لمواجهة التهديدات العسكرية.
إن التغييرات في البيئتين الدولية والمحلية يمكن أن تحدث بفعل التكنولوجيا ,والتي تشكل قدرات األمن
القومي لدولة ما ،وكذلك قدرات الخصوم المحتملين .إن التطور األكثر أهمية يتمثل في اختراع األسلحة
النووية التي جعلت بقاء الواليات المتحدة في خطر للمرة األولى .وقد جعلت اإلمكانية التدميرية الهائلة
لألسلحة النووية تكلفة شن حرب نووية باهظة إلى الحد الذي أصبح فيه الردع هدفًا أساسيًا لسياسة األمن
القومي.
-3البيئة المحلية:
توجد عوامل محلية تؤثر على خيارات سياسة األمن القومي .فمن أجل فهم أسباب تبني سياسة ما ،من
المهم فهم الطريقة التي ترى بها دولة ما العالم ،والظروف االقتصادية التي تفرض قيودًا على النفقات
20
الدفاعية ،والقيود السياسية التي تشكل المصالح وتؤثر على السياسة.
وتتفاعل البيئة المحلية مع قيم المجتمع وتشكل المصالح القومية .ويمكن أن ُينظر إلى البيئة المحلية من
خالل أبعاد ثالثة واسعة :اجتماعية واقتصادية وسياسية .وداخل هذه األبعاد توجد متغيرات محلية تؤثر
على تشكيل سياسة األمن القومي .وهذه المتغيرات تؤثر بصفة أساسية على توزيع الموارد (الموارد
البشرية ،األموال ،المواد الخام ،ودرجة التأييد العام للسياسات األمنية).
20
Ibid, p.11-14
129
إن األبعاد االجتماعية للبيئة المحلية لها أصولها في الخبرة التاريخية للدولة ،ودرجة الوحدة الوطنية،
والجغرافيا ،والسكان .ويعد اتجاه الرأي العام بشأن قضايا األمن القومي والرغبة في استخدام القوة
العسكرية تعبيرًا عن تلك العوامل االجتماعية ,ويتأثر الرأي العام بعوامل ثقافية ووسائل جماهيرية
والفاعلين المهمين في البيئة المحلية .كما أن جماعات المصالح ُتعد قوة سياسية أخرى في البيئة المحلية
ذات تأثير على سياسة األمن القومي.
وُتعد العوامل االقتصادية في البيئة المحلية من العناصر المهمة في قرارات توزيع الموارد الضرورية
لتنفيذ سياسة األمن القومي .وتحدد درجة التصنيع وقوة االقتصاد حجم الموارد التي يمكن استخدامها في
البرامج .ويمكن أن يكون للنفقات الدفاعية تأثير على االقتصاد األمريكي ،وذلك من خالل تأثيرها على
التضخم والعمالة وأنماط اإلنفاق .فالمستويات الكبيرة من اإلنفاق والممتدة لفترة زمنية طويلة يمكن أن
تكون لها تأثيرات خطيرة على النمو االقتصادي ،ويؤدي إلى تراجع جهود حماية المصالح والقيم األخرى,
فعند نقطة ما يمكن أن تتجاوز تكلفة تحقيق األمن القومي الفوائد المدركة ،خاصة عندما يكون من الصعب
تحديد الفوائد.
يتكون البعد السياسي للبيئة المحلية من عناصر ُتقدم األساس للهيكل والعملية التي من خاللها يتم صنع
سياسة األمن القومي ،حيث إن نمط النظام السياسي والتوجه اإليديولوجي للمجتمع يحددان إلى حد كبير
كيفية تنظيم الحكومة ،والتي تؤثر بدورها على الكيفية التي ُتصنع بها قرارات األمن القومي.
إن الطبيعة الديموقراطية والتعددية للنظام السياسي األمريكي ،والتي ترمز إليها المنافسة بين الجماعات
على النفوذ والالمركزية السياسية كما تم تأسيسها من خالل التقسيم الدستوري للقوى بين الفرعين التشريعي
والتنفيذي هما اللتان تضعان األطر لعملية اتخاذ القرار.
ثانيًا :أبعاد سياسة األمن القومي:
يصف دافيد إيستون السياسة بأنها "نتاج النظام السياسي لبلد ما" 21.فالنظام السياسي ينتج مجموعة كبيرة
متنوعة من السياسات التي يمكن تصنيفها إلى سياسات محلية أو سياسات خارجية وذلك وفقًا للبيئة التي يتم
التفاعل معها ،وبالتالي فإن سياسة األمن القومي تخضع لتأثير كل من البيئتين المحلية والدولية وكنتيجة
لذلك فإنها تشمل تلك العناصر في كل من البيئة المحلية والسياسة الخارجية التي تؤثر على أمن دولة
واحدة .وتتضمن سياسة األمن القومي نطاقًا واسعًا من التفاعالت السياسية ،والتي تتراوح ما بين التعاون
والعنف.
تنبع المصالح من التفاعل بين القيم القومية والبيئتين المحلية والدولية ،ولذلك يوجد تداخل واضح بين
السياسات المحلية والخارجية ،كما يوضح الشكل التالي:
الشكل رقم ()1
130
تداخل السياسة
وعلى سبيل المثال ،فإن السياسات التجارية للواليات المتحدة األمريكية تؤثر على عالقاتها بالدول
األخرى ،كما أن لها تأثيرًا كبيرًا على ازدهار الصناعات المحلية .وفي الوقت ذاته ،فإن التغييرات في
اإلنتاج المحلي تؤثر على الرفاهية االقتصادية للواليات المتحدة وعلى عالقاتها بالدول األخرى.
تحدد كل من أهمية المصلحة ،ودرجة التهديد ،وقدرات الدولة نمط السياسة الذي سيتم اتباعه .وتوجد
ثالثة أبعاد لسياسة األمن القومي :دبلوماسية واقتصادية وعسكرية ،وبيانها كالتالي:
-1السياسة الدبلوماسية:
تختص السياسة الدبلوماسية بالتعامل مع العالقات السياسية بين الدول ،حيث ُتعد الدبلوماسية وسيلة
أساسية في تطوير العالقات بين الدول والحفاظ عليها ،وهي الميكانيزم الذي تم استخدامه كثيرًا للتفاعالت
الدولية ،وُتعد عنصرًا مهمًا في االتصاالت.
إن الهدف األساسي للسياسة الدبلوماسية هو الحفاظ على قوة التحالفات والتأكد من أنها تساهم في تحقيق
المصالح القومية .فحتى القوى العظمى مثل الواليات المتحدة األمريكية ال تمتلك الموارد التي تمكنها من
تحقيق مصالح أمنها القومي بمفردها ،والتحالفات الدولية القوية مهمة لردع العدوان ،حيث يمكنها أن تقلل
22
من الفوضوية الدولية من خالل أنشطة شركاء التحالف.
-2السياسة االقتصادية:
العناصر األساسية للسياسة االقتصادية التي تركز على البيئة الدولية هي المساعدات األجنبية والعقوبات
االقتصادية وعمليات نقل السالح والتكنولوجيا النووية وغير النووية .وهناك أيضًا سياسات اقتصادية تؤثر
23
على البيئة المحلية مثل حماية الصناعات األساسية ومخزون الموارد اإلستراتيجية.
-3السياسة العسكرية:
تكون السياسة الدبلوماسية واالقتصادية في العديد من الحاالت كافية لمواجهة التهديدات التي يتعرض لها
األمن .وينبغي أن تكون الدولة مستعدة لتشغيل قواتها المسلحة ،إما إلجبار الخصوم إذا فشلت جهودها في
إقناعهم ،أو للدفاع عن نفسها ضد استخدام القوة من جانب دول أخرى .والهدف من استخدام القوة العسكرية
أو التهديد باستخدامها هو توفير مناخ مالئم للحلول السياسية ،ولذلك فإن استخدام القوة العسكرية يجب أن
يهدف إلى تحقيق كل من األهداف السياسية والعسكرية (فالحرب هي امتداد للسياسة).
Daniel J.Kaufman & Jeffrey S.Mctrick & Thomas J.Leney, U.S. National Security
22
131
وهناك مكونان أساسيان للسياسة العسكرية ،هما:
24
Samuel Huntington, The Common Defense (New York: Columbia University Press,
1961), p.2.
25
Ibid.
132
-2العمليات:
تتكون العمليات من سلسلة من األفعال وردود األفعال داخل الهيكل المؤسسي ،والتي تتحد لتشكل
السياسة .ويمكن تحديد المراحل التي تتم في هذه العملية فيما يلي :تعريف القضية ،التخطيط ،اتخاذ
القرار ،التنفيذ ،والتقييم .إن إنجاز هذه المهام بكفاءة يتأثر بشكل مباشر بالهيكل المؤسسي .وألن كل
سياسة لها عمليتها الخاصة ،فإن نظام األمن القومي هو تجميع لتلك العمليات داخل إطار الهيكل
26
المؤسسي.
ويؤثر نمط القرار على العملية .فبسبب الوقت المحدود المتاح ،فإن قرارات األزمة يتم صنعها بواسطة
هيكل وعمليات مختلفة عن تلك التي يتم استخدامها في القرارات الروتينية .ويمكن تصنيف القرارات إلى
27
نوعين أساسيين وهما:
أ -القرارات اإلستراتيجية:
القرارات اإلستراتيجية موجهة للبيئة الدولية ،وتخضع لتأثير السلطة التنفيذية ،ومن بينها اتخاذ قرار
استخدام القوات المسلحة.
ب -القرارات الهيكلية:
القرارات الهيكلية موجهة للبيئة السياسية المحلية ،خاصة ما يتعلق بالبعد االقتصادي ،وهي تخضع
لنفوذ الكونجرس وعدد من الفاعلين خارج نطاق الحكومة ،مثل جماعات المصالح.
وال ينبغي أن يقتصر االهتمام على دراسة مؤسسات صنع سياسة األمن القومي وإ دارتها ومدى فعالية
هذه المؤسسات فحسب ،وإ نما ينبغي االهتمام بدراسة العالقة بين تلك المؤسسات والشخصيات التي تشغل
مراكزها القيادية ،وتحليل عالقة التفاعل بين صانعي السياسة الخارجية وبيئة النظام الداخلية والخارجية،
وذلك ألن استجابة صانعي سياسة األمن القومي قد ال تعكس بالضرورة حقائق الموقف الموضوعية وإ نما
قد تعكس إدراك هؤالء للموقف ،بمعنى أن صانعي السياسة يتصرفون وفقًا إلدراكهم للواقع وليس
استجابة للواقع نفسه رغم أن إدراكهم هذا قد يكون مشوهًا أو غير كامل.
28
وإ دراك صانعي السياسة للبيئة يتأثر بعدد من العوامل أهمها:
-1عوامل تنبع من الخصائص االجتماعية والصفات المزاجية ونظام المعتقدات لدى صانعي السياسة.
ويشمل نظام المعتقدات عددًا من التصورات المترابطة عن البيئتين الداخلية والخارجية .ويلعب نظام
المعتقدات دورًا مهمًا في العملية اإلدراكية ،فهو يقوم في هذا الصدد بمهمتين:
أ -مهمة مباشرة هي تحديد األهداف وتنظيم األولويات.
26
Daniel J.Kaufman & Jeffrey S.Mctrick & Thomas J.Leney, U.S. National Security
A Framework for Analysis, op., cit., pp. 14-15.
27
Ibid, p.16.
28هالة أبو بكر سعودي ،السياسة األمريكية تجاه الصراع العربي اإلسرائيلي ،مرجع سابق ،ص .140
133
ب -مهمة غير مباشرة هي تنظيم اإلدراكات ،فهو يمثل مجموعة المرشحات التي يتم من خاللها استقبال
معلومات عن البيئة المادية واالجتماعية المحيطة ،ويقوم بعملية تصفية واختيار وإ عادة تنظيم .وينبع ذلك
من ميل الشخص ألن يستوعب المدركات المماثلة للمدركات المعتادة لديه ،أو أن يشوه تلك المدركات
ليقلل من التصادم بينها وبين توقعاته السابقة.
-2عوامل تنبع من طبيعة المناصب التي يحتلها صانعو السياسة في أجهزة صنع السياسة والقيم
والمعتقدات السائدة في تلك األجهزة أو ما ُيعرف "بتوقعات الدور" التي تؤثر في شغل مناصب معينة.
خالصة ما سبق أنه من أجل فهم العملية السياسية ،من المهم معرفة الفاعلين وكيفية مشاركتهم .ويمكن
تقسيم الفاعلين إلى نوعين أساسيين :منظمات وأفراد .والبد لصانعي القرار أن يعتمدوا على
البيروقراطيات بدرجة كبيرة إلمدادهم بالمعلومات وتحديد القضايا واقتراح الخيارات والبدائل وتحليلها.
وبينما تلعب البيروقراطيات دورًا مهمًا في عملية صنع القرار ،فإن تلك العملية يصنعها في النهاية أفراد.
وتحدد وظيفة الفرد أهميته في عملية صنع القرار ،وغالبًا ما يعبر األفراد عن رؤى المؤسسة التي ينتمون
إليها.
يتم التأثير على قرارات السياسة أيضًا بواسطة قيم صانعي القرار .فصانعو القرار يمكن أن يفضلوا
سياسة ما بسبب الفوائد التي تعود من وراء اتباع تلك السياسة على حزب سياسي معين ،أو التأثير النابع
من جماعة مصلحة .كما أن اإليديولوجية واألهداف الشخصية مثل زيادة احترام الشخص ونفوذه يمكن
أن يكون لها تأثير مهم على التفضيالت.
المبحث الثالث :هيكل صنع القرار في مجال األمن القومي في الواليات المتحدة األمريكية
كانت هناك عدة اقترابات نظرية لدراسة المصادر ذات التأثير على صنع القرار في مجال األمن
القومي ،من بينها النموذج الذي وضعه والكوت وهولتز ،والذي حدد ثالثة مصادر ذات تأثير على صنع
134
القرار ،وهي :البيئة السياسية الداخلية ،والديناميكيات التنظيمية ودور الهيئة االستشارية ،ودور
الرئيس.29
وقد طور نيومان هذا النموذج من خالل تقسيم البيئة السياسية إلى محتوى سياسي محلي ودولي ،مما
يسمح لهذا النموذج بأن يتضمن كل التأثيرات التي تتم على عملية صنع القرار من جانب السياسات
30
الحكومية واإلدارة الرئاسية والمؤسسات األخرى.
ووفقًا لما سبق ،فقد حدد نيومان عددًا من العوامل التي اعتبر أنها ذات التأثير األكبر على صنع القرار
في مجال األمن القومي .ومن بين تلك العوامل :البيئة السياسية الدولية والمحلية ،الديناميكيات الداخلية
المؤسسية والبيروقراطية للفرع التنفيذي ،والنمط القيادي للرئيس ،واإلدارة ،واإلستراتيجية السياسية.
وقد اعتبر نيومان أن الطريقة التي تؤثر من خاللها البيئة السياسية الدولية والمحلية على قرارات األمن
القومي تبدو واضحة ،فاألحداث الدولية والتغير في اتجاهات الرأي العام المحلي وضغوط الكونجرس
يمكن أن تخلق جميعها مطالب جديدة تؤثر على عملية صنع القرار لإلدارة األمريكية.
كما تضع الديناميكيات التنظيمية والبيروقراطية وفقًا لنيومان ضغوطًا شبيهة ذات تأثير على عملية
صنع القرار .فمن المعروف أن تلك القوى المؤسسية والبيروقراطية هي الفاعل الرئيسي في عمل السلطة
التنفيذية ،ولكنها يمكنها فقط أن تؤدي إلى حدوث تغيرات في عملية صنع القرار إذا أدت الضغوط
السياسية الدولية أو المحلية إلى التأثير على بعض نواحي التنافس المؤسسي أو البيروقراطي من خالل
تسوية ذلك التنافس أو إعادة تشكيله أو بدئه من جديد.
وفيما يلي نبذة عن مؤسسات صنع القرار في مجال األمن القومي في الواليات المتحدة والسلطات التي
ُيخولها الدستور لكل من تلك المؤسسات:
أوًال :مؤسسة الرئاسة:
ُتعد الرئاسة أهم المؤسسات المشاركة في عملية صنع قرار األمن القومي وإ دارتها ،فللرئيس سلطة
المبادرة واقتراح السياسات وذلك في "رسالة االتحاد" التي ُيقدم فيها توصياته بشأن اإلجراءات التي يراها
ضرورية ومناسبة لتتحول إلى سياسات (م ،)2/1/1كما يخول للرئيس كل السلطات التنفيذية (تطبيق
التشريعات وتنفيذ السياسات) .وفي إطار السياسة العسكرية ينص الدستور على أن الرئيس هو القائد
األعلى للجيش واألسطول األمريكي.
وتتوافر لدى الرئيس مصادر معلومات عن طريق جهاز الرئاسة واإلدارات المعاونة والمخابرات
المركزية ،مما يمكنه من وضع مشروعات السياسات ،وبالتالي تتحقق له سلطة المبادرة.
Charles E.Walcott and Karen M.Hult, Governing the White House (Lawrence:
29
William W.Newmann, Managing National Security Policy The President and the
30
135
وتشمل مؤسسة الرئاسة كًال من :الرئيس األمريكي والمكتب التنفيذي للرئيس.
-1الرئيس األمريكي:
حllدد الدسllتور للllرئيس األمllريكي مجموعllة من السllلطات خاصllة بllه في مجllال األمن القllومي والشllئون
الخارجية ،ومجموعة أخرى مشتركة بينه وبين الكونجرس .وتتمثل السلطات الخاصة بllالرئيس في سllلطة
المبllادرة واقllتراح السياسllات ،باإلضllافة إلى تطllبيق التشllريعات وتنفيllذ السياسllات ،كمllا ينص الدسllتور على
أن ال ll lرئيس ه ll lو القائ ll lد األعلى للجيش واألس ll lطول األم ll lريكي .أم ll lا في إط ll lار الس ll lلطات المش ll lتركة م ll lع
الكونجرس ،فللرئيس السلطة بناء على مشورة مجلس الشيوخ وموافقllة ثلllثي أعضllائه في عقllد المعاهllدات،
كمll lا أنll lه بنll lاء على مشll lورة المجلس وموافقتll lه يعين السll lفراء والقناصll lل وكبll lار ضll lباط القll lوات المسll lلحة
وأعضاء الوكاالت المهمة مثل وكالة الطاقة الذرية والمجلس الفيدرالي لالحتياطي.
أما فيما يتعلق بالتأثير الفعلي للرئيس على عملية صنع القرار فُيعد مسالة أكثر تعقيدًا ،حيث إن دوره
يتحدد وفقًا للنموذج الذي وضعه نيومان من خالل ثالثة عناصر مختلفة وهي :النمط القيادي الرئاسي،
31
وإ ستراتيجية اإلدارة الرئاسية ،واإلستراتيجية الرئاسية.
يوضح كل من تلك العناصر نمطًا مختلفًا من التأثير الرئاسي على عملية صنع قرار األمن القومي.
وتساعد دراسة تأثيرات تلك العناصر على تقديم صورة واضحة لدور الرئيس في عملية صنع القرار.
وُيقصد بالنمط القيادي للرئيس اختيارات الرئيس نفسه بشأن إلى أي مدى يريد الرئيس أن يشارك في
عملية صنع القرار التي تقوم بها اإلدارة األمريكية ومدى قربه من مستشاريه بشكل منفرد وكمجموعة.
أما بالنسبة للنمط اإلداري ،فيشير إلى خطته المفضلة فيما يتعلق بعملية صنع القرار اإلداري ،وما إذا
كان ينبغي لتلك العملية أن تمر من خالل هياكل معينة كلجان مجلس األمن القومي ،أو من خالل تدفق
المعلومات ،باإلضافة إلى األدوار التنظيمية والبيروقراطية للوكاالت والمسئولين الرئيسيين مثل وزير
الخارجية.
وقد تمت إضافة اإلستراتيجية السياسية هنا كعنصر للتأكيد على أن خيارات الرئيس السياسية تعتمد إلى
حد كبير على معتقداته السياسية وأهدافه والفرص المتاحة أمامه في موقف معين ،فالرؤساء هم سياسيون
في المقام األول .وقد يأتي األمن القومي في المرتبة الثالثة أو الرابعة في اهتمامات الرئيس إال إذا حدثت
أزمة تهدد الواليات المتحدة .وفي حاالت متعددة لم تكن سياسة األمن القومي توضع على أجندة الرئيس
على أنها من الموضوعات المهمة.
وتؤثر االهتمامات السياسية للرئيس إلى حد كبير على تغير تلك األولويات وعلى الكيفية التي تحظى
بها قضايا األمن القومي باالهتمام األكبر .وُيعد الرئيس عنصرًا أساسيًا في المناورات التي تشهدها عملية
William W.Newmann, Managing National Security Policy The President and the
31
136
صنع القرارات ذات الصلة باألمن القومي .فعلى الرغم من أن العناصر األخرى يمكن أن تؤدي أيضًا
إلى تغييرات في عملية صنع القرار ،فإن تلك التغييرات يصنعها الرئيس أو كبار مستشاريه .وُتعد هذه
التعديالت في عملية صنع القرار استجابة للتطورات في البيئة السياسية الدولية والمحلية ،و/أو األساليب
التي يتم من خاللها التأثير على الديناميكيات الداخلية المؤسسية والبيروقراطية بفعل البيئة السياسية
32
المتغيرة.
ويتم في الفصول التالية من الرسالة دراسة التغيرات في عملية صنع القرارات ذات الصلة باألمن
القومي في الداخل والخارج في الفترة التي أعقبت أحداث 11سبتمبر 2001في الواليات المتحدة
األمريكية ،مع التركيز على دور الرئيس وكبار مستشاريه في تلك التغيرات ،وذلك في إطار مجهود
لعزل العوامل المسئولة عن أنماط التغيير ،فالمتغيرات التي تحدث في البيئة السياسية الدولية و/أو البيئة
السياسية المحلية تؤدي إلى تغييرات في الديناميكيات المؤسسية واإلدارة الرئاسية واإلستراتيجيات ،مما
يؤدي بدوره إلى تغييرات في هيكل صنع القرار .وكما سبق توضيحه ،فإن استجابة صانعي سياسة األمن
القومي قد ال تعكس بالضرورة حقائق الموقف الموضوعية وإ نما قد تعكس إدراك هؤالء لبيئة النظام
الداخلية والخارجية ،بمعنى أن صانعي السياسة يتصرفون وفقًا إلدراكهم للواقع وليس استجابة للواقع
نفسه رغم أن إدراكهم هذا قد يكون مشوهًا أو غير كامل ،مما قد يتسبب في أخطاء ونتائج غير متوقعة
لتلك السياسات.
يمكن للرئيس أيضًا أن يقرر أنه يحتاج إلى تعديالت في عملية صنع القرار إذا بدأ يدرك القضايا أو
األفراد بطريقة مختلفة .وتلك التعديالت قد ال تتم بفعل حدث معين أو بفعل أية ديناميكيات داخلية ،وإ نما
بفعل الوزن التراكمي لألحداث التي تؤدي إلى تغيير في الرؤى السياسية .وال تتم التغييرات في عملية
صنع القرار بدون وعي ،ولكنها عبارة عن عمليات واعية يقوم بها الرئيس لضبط عملية صنع القرار
بالوسائل التي يشعر أنها سوف تخدمه بشكل أفضل.
137
والفضllاء القllومي ،مجلس التخطيllط للطllوارئ ،ومكتب العلllوم والتكنولوجيllا .ومن بين هيئllات هllذا الجهllاز
التنفيذي ،فإن مكتب البيت الـبيض ومجلس األمن القومي يؤديان دورًا مهمًا في صنع سياسة األمن القllومي
في الواليات المتحدة األمريكية.
-1مكتب البيت األبيض:
يحت llل مكتب ال llبيت األبيض مرك llز الص llدارة في المكتب التنفي llذي لل llرئيس ،ويض llم المكتب س llكرتيري
ال ll lرئيس ومس ll lاعديه اإلداريين والمس ll lاعدين والمستش ll lارين الخصوص ll lيين ل ll lه ،ويق ll lوم المكتب بع ll lدد من
الوظائف منها:
أ -إعالم الرئيس بأنشطة الوزارات والهيئات التنفيذية ومشاكلها.
ب -العمل كرابطة بين الفرع التنفيذي والفرع التشريعي بما يضمن نجاح برامج اإلدارة في الكونجرس.
ج -تقديم النصيحة للرئيس حول المسائل العسكرية واألمن القومي.
د -مراجعة نصائح الخبراء والبيروقراطيين والوزراء ومشورتهم.
ويقllوم مسllاعد الllرئيس لشllئون األمن القllومي بعllدد من الوظllائف المتعلقllة بتنسllيق تllدفق المعلومllات إلى
ال llرئيس في مج llال األمن الق llومي ،وتتب llع العملي llات الحكومي llة لض llمان حس llن التنس llيق وحس llن االس llتجابة
لمطالب الرئيس ،وتوصيل قرارات الرئيس وتعليماته إلى الlوزارات والهيئlات المختلفlة ،فضًlال عن العمlل
كمستشار شخصي للرئيس وتقديم التحليالت الالزمة له في مسائل األمن القومي.
-3مجلس األمن القومي:
شكل قانون األمن القومي األمريكي عام 1947ركيزة مهمة في إعادة صياغة وتنظيم أدوات السياسة
الخارجية والدفاع واالستخبارات في تاريخ النظام السياسي األمريكي الحديث بعد الحرب العالمية الثانية،
وال يزال هذا القانون على الرغم من التعديالت الطفيفة التي طرأت عليه المرجعية القانونية والعملية
لمجمل نشاط الواليات المتحدة في مجال األمن القومي .ووفقًا لهذا القانون ،تم إنشاء مجلس األمن
القومي ،ليكون الهيئة التي تتولى تنسيق التعاون بين اإلدارات والهيئات الحكومية المختلفة فيما يتعلق
باألمن القومي ودراسة مشاكله وتقديم النصح للرئيس في هذه المجاالت في شكل خطط وسياسات ليتخذ
34
قراراته بشأنها.
ويتكون المجلس حسب نظامه األساسي من رئيس الجمهورية ونائب الرئيس ووزيري الخارجية
والدفاع ومدير مكتب التعبئة المدنية والدفاعية ،وقد تمت إضافة مدير وكالة المخابرات المركزية
األمريكية وأعضاء آخرين بحسب رغبة الرئيس مثل وزراء العدل والطاقة والخزانة واألمن الداخلي،
William W.Newmann, Managing National Security Policy The President and the
34
138
ورئيس هيئة األركان الذي حدده القرار بوصفه المستشار العسكري للرئيس ،ومساعد الرئيس لشئون
األمن القومي ،ومستشاره للسياسة الخارجية االقتصادية ،ونائب وزير الخارجية ،ورئيس هيئة موظفي
البيت األبيض ،وسكرتير هيئة البيت األبيض .وتتحدد فاعلية المجلس باإلطار الذي يرسمه الرئيس.
35
ولذلك فقد تم استخدام المجلس وتنظيمه بطريقة مختلفة تبعًا للرؤساء األمريكيين المختلفين.
وفي عام 1949تم إنشاء منصب سكرتير تنفيذي لألمن القومي ،والذي تحول في الخمسينيات من
القرن الماضي إلى مساعد للرئيس لشئون األمن القومي ،وفي السبعينيات من القرن الماضي إلى مستشار
لألمن القومي ،وتحول الطاقم اإلداري لمكتب المستشار من بضعة مساعدين ال يتجاوز عددهم أصابع اليد
الواحدة إلى جسم بيروقراطي متضخم يتجاوز 200شخصًا موزعين على لجان مختلفة ،هي عمليًا بمثابة
حكومات بديلة مصغرة داخل البيت األبيض والمبنى المجاور له الذي ُيطلق عليه اسم المبنى التنفيذي.
واسllتمر تطllور دور مستشllار األمن القllومي ،وبخاصllة مllع قllدوم هllنري كيسllنجر كllوزير خارجيllة في
إدارة الرئيس نيكسون ،ثم برجنسكي في إدارة الرئيس كارتر ،وقد كان نيكسون يشعر بشكوك عميقllة في
وزارة الخارجيlة آنlذاك ،لlذا أراد من كيسlنجر أن يlدير السياسlة الخارجيlة من داخlل الlبيت األبيض بlدون
أي اعتبار لبقية أعضاء وزارة الخارجية.
وعبر السنوات وتغير اإلدارات ،تم إجراء تعديالت على أساليب عمل المجلس ونوعية األشخاص
المشاركين في اجتماعاته .وشكلت شخصية الرئيس ودرجة خبرته في الشئون الخارجية والدفاع وكذلك
أسلوبه في اإلدارة عوامل حاسمة في كيفية استخدام هذه األداة التي ُأنشئت أصًال لمساعدة الرئيس ترومان
الذي كانت تعوزه الخبرة في الشئون الخارجية والدفاع آنذاك في اتخاذ القرارات المصيرية استنادًا إلى
المشورة التي يمكن أن يوفرها له أعضاء بارزون في حكومته .وكان هذا االتجاه يعبر عن رغبة
الكونجرس في الحيلولة دون تكرار أخطاء شهدتها مرحلة الحرب العالمية الثانية.
ثانيًا :وزارة الدفاع:
أدى قانون األمن القومي لعام 1947عمليًا إلى إعادة تنظيم فروع القوات المسلحة ،حيث تم دمج ما كان
ُيسمى وزارة الحرب ووزارة البحرية بمسمى جديد هو وزارة الدفاع ،إضافة إلى تشكيل وزارة لسالح
الطيران ،ووضع كل الفروع تحت إدارة وزير الدفاع ،إضافة لتشكيل هيئة األركان المشتركة ،ولكن تم
اإلبقاء على حد من االستقالل المالي واإلداري لفروع القوات المسلحة ،مع تعيين سكرتير خاص لكل
منها ،إضافة إلى رئيس أركان .وما عدا رئاسة األركان يتولى عادة منصب وزير الدفاع وسكرتارية
الفروع مدنيون.
3535د .هالة أبو بكر سعودي ،السياسة األمريكية تجاه الصراع العربي اإلسرائيلي ،مرجع سابق ،ص ص.151-147
139
ُيعllد وزيllر الllدفاع مسllاعد الllرئيس األساسllي في كllل المسllائل المتعلقllة بالllدفاع واألمن القllومي ،وفي هllذا
36
الصدد يمكن التمييز في داخل الوزارة بين ثالث مجموعات:
أ -وزير الدفاع ،ويتم استشارته في مسائل السياسة العليا.
ب -رؤساء األركان المشتركة ،ويظهر دورهم في المسائل المتعلقة بالمساعدات العسكرية.
ج -الخبراء اإلقليميون.
وفي ج llو التن llافس التقلي llدي بين مواق llف ك llل من ال llبيت األبيض ووزارة الخارجي llة ف llإن وزارة ال llدفاع
تش llترك أحيان ًlا في التن llافس إلى ج llانب ال llبيت األبيض في بعض األحي llان وإ لى ج llانب وزارة الخارجي llة في
أحيان أخرى.
لم يؤد تحلل االتحاد السوفييتي وانهيار حلف وارسو وانتشار الديموقراطية عبر أوروبا الشرقية إلى
حدوث تغيير في الدور األساسي لوزارة الدفاع .فقد استمرت الوزارة في توفير القوات العسكرية
المطلوبة لمنع الحرب وحماية أمن الواليات المتحدة وحلفائها .وقد أثرت نهاية الحرب الباردة على مهام
الوزارة ،حيث تسببت في أن تركز وزارة الدفاع على نطاق من التهديدات األمنية يتخطى القدرات
العسكرية لالتحاد السوفييتي السابق.
وقد حددت المراجعة الدفاعية التي يتم إجراؤها كل أربع سنوات في عام ،1997خالل تولي ويليام
كوهين منصب وزير الدفاع ،خمسة أخطار يجب أن يتصدى لها الجيش األمريكي ،وتتمثل تلك األخطار
37
فيما يلي:
أ -األخطار اإلقليمية ،الهجوم على الدول الصديقة ،الصراع االثني ،الحروب الدينية ،اإلرهاب الذي
ترعاه دول.
ب -أسلحة الدمار الشامل ،وتتضمن األسلحة النووية الروسية واالنتشار العالمي لألسلحة البيولوجية
والكيميائية والنووية.
ج -األخطار عبر القومية ،والتي تتمثل في اإلرهاب وتجارة المخدرات والجريمة المنظمة والهجرة التي
ال يمكن التحكم فيها.
د -الهجمات غير المتماثلة ،اإلرهاب ،حرب المعلومات ،استخدام األسلحة غير التقليدية ،التخريب
البيئي.
هـ -االستعداد لمواجهة السيناريوهات المحتملة غير المتوقعة ،مثل التهديد التكنولوجي الجديد أو سقوط
حكومات صديقة للواليات المتحدة على يد فصائل معادية.
36
William W.Newmann, Managing National Security Policy The President and the
Process , op.,cit, p.73-81.
37
Ibid.
140
وعلى الجانب اآلخر ،فقد قامت وزارة الدفاع بتوسيع مهامها لتتضمن مجموعة من المهام غير القتالية
لمواجهة القضايا التي ظهرت في أعقاب الحرب الباردة ،لمنع تصاعد مشكالت األمن القومي في
المستقبل ،والحفاظ على الدعم الشعبي للوزارة.
ثالثًا :وزارة الخارجية:
تع llد وزارة الخارجي llة بمثاب llة الجه llاز التنفي llذي ال llذي يت llولى تنفي llذ السياس llة الخارجي llة األمريكي llة وإ دارة
عالق ll lات الوالي ll lات المتح ll lدة الخارجي ll lة على المس ll lتوى الدبلوماس ll lي .ويوج ll lد على رأس ال ll lوزارة وزي ll lر
الخارجية ووكيل الوزارة ،غير أنها تضم عددًا كبيرًا من الخبراء المتخصصين ،فضًlال عن جهllاز تخطيllط
السياسة.
استمرت وزارة الخارجية في أعقاب انتهاء الحرب الباردة تؤدي مهمتها التي قامت بها لفترة طويلة،
وهي صياغة السياسة الخارجية وتنفيذ تلك السياسة وتفسيرها .وال يزال هناك اتفاق بين موظفي الوزارة
،خاصة في السفارات األمريكية في الخارج ،على أن هذا الدور يمكن أن يتم إلى حد كبير من خالل
الوظائف الدبلوماسية التقليدية المتمثلة في التمثيل والتفاوض وإ رسال التقارير.
ولكن بدًال من إدارة الدبلوماسية األمريكية تجاه احتواء االتحاد السوفييتي كأولوية مركزية لها ،فقد
بدأت الوكالة في التركيز على نطاق أوسع من تحديات السياسة الخارجية في أعقاب الحرب الباردة ،حيث
أصبحت الوزارة تهتم ببناء الديموقراطية وتشجيع السالم والحفاظ عليه ،وتشجيع النمو االقتصادي
والتنمية المستدامة ،ومواجهة المشكالت العالمية ،وتقديم المساعدات اإلنسانية.
وتوضح التطورات األربعة التي سيلي ذكرها كيفية قيام وزارة الخارجية بإعادة تفسير مهامها بالتركيز
38
على االهتمامات الداخلية غير السياسية:
-1ساعد الدبلوماسيون األجهزة األمنية ،خاصة االستخباراتية ،في الداخل والخارج من خالل إمدادهم
بالمعلومات المتعلقة بانتهاكات حقوق الملكية الفكرية ،والجماعات "اإلرهابية".
-2قامت الوكالة الدولية للتنمية الدولية USAIDوهي منظمة تابعة لوزارة الخارجية وتقوم بإدارة
برامج المساعدات الخارجية بتقديم نصائح للمواطنين في المدن األمريكية حول كيفية تحسين البرامج
التعليمية والتطعيم ضد األمراض والتحكم في النمو السكاني والتنمية االقتصادية.
-3وضعت وزارة الخارجية القضايا االقتصادية في بؤرة أجندتها وواجباتها ،حيث قامت باقتراح
إستراتيجيات حول كيفية التعامل مع المشكالت البيئية الرئيسية في العالم ،وإ لى جانب ذلك قامت بتأسيس
محاور إقليمية بيئية في عدد من السفارات في الخارج ،وذلك من أجل تشجيع التنمية المستدامة وقضايا
الموارد الطبيعية ،وبيع التكنولوجيات البيئية األمريكية.
James M.Scott, ed., After the End Making U.S Foreign Policy in the Post – Cold 38
.War World, op.,cit, pp.59-66
141
-4التطور الرابع واألكثر أهمية في عمل وزارة الخارجية يتمثل في أن االقتصاد حظي باهتمام أكبر،
حيث زاد اهتمام الوزارة بتشجيع التجارة داخل الواليات المتحدة وخارجها .وقد أدت محاوالت وزارة
الخارجية إلى لعب دور "مكتب أمريكي" للشركات التي تريد توسيع تجارتها الدولية إلى قيام الدبلوماسيين
األمريكيين بالدعاية للصادرات األمريكية لدى المسئولين في الخارج ،وتشجيع إجراء تغييرات في
السياسة في الدول التي تتجه إلى اتباع سياسة السوق الحر ،واستشارة الشركات األمريكية بشأن السياسة
الخارجية األمريكية.
رابعًا :وزارة األمن الداخلي:
تم إنشاء وزارة األمن الداخلي في عام ،2002وهي ُتعد بمثابة أول وزارة للداخلية في تاريخ
الواليات المتحدة األمريكية .تجمع الوزارة 22وكالة فيدرالية وحوالي 180ألف موظف ،وذلك في
إطار أكبر عملية إعادة تنظيم للحكومة الفيدرالية األمريكية منذ إنشاء وزارة الدفاع بعد الحرب العالمية
الثانية .تشمل وزارة األمن الداخلي الخدمة السرية وحرس السواحل ومصلحة الجمارك ومصلحة
الهجرة والجنسية وإ دارة أمن النقل ووكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية ووكاالت أخرى لديها مهام تتعلق
39
باألمن.
وقد تولى توم ريدج المقرب من الرئيس جورج دبليو بوش وظيفة وزير األمن الداخلي ،حيث وضعت
على عاتقه المهام المتعلقة بدمج آليات الوكاالت مثل أسلوب العمل والحسابات وشؤون األفراد وأنظمة
المعلومات ،باإلضافة إلى دمج ثقافة هذه الوكاالت أيضًا .وقد وضع ريدج نظامًا أمنيًا يرمز لحجم
التهديدات اإلرهابية باأللوان .وتعرض ريدج النتقادات من المواطنين األمريكيين ،وذلك لرفعه مستوى
التهديد اعتمادًا على معلومات غير واضحة وبث الخوف في نفوس المواطنين بدون داع ،مما أدى إلى
استقالته مع بداية الفترة الثانية للرئيس جورج دبليو بوش.
خامسًًا :الكونجرس:
ال يقllوم الكllونجرس بllدور المبllادأة في إعllداد سياسllة األمن القllومي وصllنع قرارهllا كمllا يفعllل الllرئيس،
وبرغم ذلlك فlإن لlه دورًا واسlعًا في المشlاركة في المراحlل المختلفlة إلعlداد هlذه السياسlة ،وذلlك من خالل
س llلطاته في مج llال التش llريع والمخصص llات المالي llة والق llرارات .ففي مج llال التش llريع يمكن للك llونجرس أن
يستخدم تلك السلطة في حالتين:
-عندما يحتاج تنفيذ سياسة ما إلى إصدار تشريع من الكونجرس ،فإنه يمكنه أن يدخل تعديالته
والتغييرات التي يراها على تلك السياسة.
-كما أن الكونجرس يمكن أن يأخذ المبادرة ويقيد من حرية تصرف الرئيس من خالل التشريع.
http://www.whitehouse.gov/agenda/homeland_security 39
142
أمllا بالنسllبة لسllالح المخصصllات الماليllة ،فllإن الكllونجرس يمكنllه أن يمنllع جزئي ًlا أو كلي ًlا المخصصllات
الضرورية لتنفيذ سياسة معينة ،وهكذا يعوق هذه السياسة أو يجعل تنفيllذها ككllل أمllرًا مسllتحيًال .كمllا يمكن
للكونجرس أن يدخل تعديالت على مشروعات المخصصات المالية سواء بإضافة نفقات أخllرى لم تllذكرها
السلطة التنفيذية أم بتخفيض النفقات المقترحة.
يمكن للكونجرس أيضًا أن يصدر قرارات ُتعlبر عن مجلسlيه أو أحlدهما .وعلى الlرغم من أن مثlل هlذه
القllرارات ال يكllون لهllا أثllر ملllزم ،فإنهllا تعllبر عن تفض llيل الكllونجرس لسياسllات معينllة ،وتشllير إلى نllوع
السياسات التي يمكن أن يوافق عليها الكونجرس عندما يطلب منه أن يمارس دوره عن طريllق التشllريع أو
40
المخصصات المالية.
سادسًا :وكالة االستخبارات األمريكية : CIA
نص قانون األمن القومي األمريكي الصادر عام 1947على تشكيل وكالة المخابرات المركزية
األمريكية "سي آي إيه" ،تطويرًا لمكتب الخدمات اإلستراتيجية ( )OSSالذي كان قائمًا خالل الحرب
العالمية الثانية ،كما تم توصيف أجهزة االستخبارات المختلفة المدنية والعسكرية ،وكانت ميزانية مكتب
الخدمات اإلستراتيجية تحت سيطرة وزير الخارجية ،وتم تحويل معظم ميزانية االستخبارات العسكرية
والمدنية إلى سيطرة وزير الدفاع وإ بقاؤها سرية.
وقد ظلت وكالة االستخبارات األمريكية محور المجموعة االستخباراتية األمريكية في أعقاب انتهاء
الحرب الباردة ،وتضم تلك المجموعة ثالث عشرة منظمة تنفيذية فرعية وفقًا لما حدده قانون األمن
القومي الصادر في عام .1947ووكالة االستخبارات األمريكية هي وكالة مستقلة ُص ممت لجمع
المعلومات المتعلقة باألمن القومي وتحليل تلك المعلومات ونقلها إلى مجلس األمن القومي .ويكون مصدر
المعلومات التي تقدمها وكالة االستخبارات األمريكية لصانعي القرار موظفو الوكالة وبيروقراطيات
أخرى متعددة ،والوكالة مسئولة عن تقييم المعلومات القادمة من المنظمات الفرعية ودمجها .وتقوم
الوكالة بتشغيل األدوات التقنية لجمع المعلومات مثل األقمار الصناعية وطائرات التجسس ،كما تقوم
باستخدام العمالء للحصول على المعلومات بطريقة سرية.
وعلى الرغم من تلك المهام المستمرة ،فقد فقدت وكالة االستخبارات المركزية األمريكية عددًا من
مهامها .وعلى سبيل المثال ،فقد تم في عام 1992إجراء تعديل على قانون األمن القومي الصادر عام
،1947وذلك إلجبار وكالة االستخبارات األمريكية على تقديم ما تجريه من تحليالت إلى الكونجرس،
41
كما كان يحدث مع البيت األبيض.
40
I. Benjamin., Page, Y. Shapiro Robert, W. Gronke Paul, and M. Rosenberg Robert,
“Constituency, Party, and Representation in Congress”, Public Opinion Quarterly, 84,
1984, PP 741-756.
143
وفي واقع األمر ،فإن الجمع السري للمعلومات خارج الواليات المتحدة كان هو الوظيفة التي ميزت
تقليديًا وكالة االستخبارات المركزية األمريكية عن وكاالت االستخبارات األخرى ،وحتى تلك الميزة
فقدتها الوكالة بسبب الجهاز الجديد الذي أنشأته وزارة الدفاع األمريكية "البنتاجون" ،والذي يطلق عليه
) Defense Humint Service (DHSوقد قام هذا الجهاز منذ إنشائه في عام 1996بعد تدعيمه
بعناصر بشرية من وحدات استخباراتية متعددة داخل القوات المسلحة بتجميع معلومات استخباراتية من
الخارج بصورة سرية ،واستخدام أنشطة تجارية كغطاء ألعماله.
قامت وكالة االستخبارات األمريكية كرد فعل على هذا االختراق وللتأكيد على أهميتها في فترة ما بعد
الحرب الباردة بالقيام بأعمال مغطاة أكثر سرية .وتضمنت التطورات المعاصرة طلبات تمويل لدعم
عمليات سرية على نطاق واسع في الخارج ،وأعلنت الوكالة عن رغبتها في اإلبقاء على حقها في تجنيد
صحفيين ورجال دين كجواسيس في ظروف غير عادية أو استخدام هذه المهن للتغطية على عمليات
الوكالة.
فقدت وكالة االستخبارات المركزية األمريكية أيضًا بعض سلطاتها في مجال مكافحة اإلرهاب .وكان
قانون األمن القومي الصادر عام 1947قد أعطى وكالة االستخبارات المركزية األمريكية السيطرة على
مكافحة التجسس الخارجي ،في حين أبقى لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBIمسئولية القبض على العمالء
داخل الواليات المتحدة ،كما سمح لوكالة المخابرات المركزية األمريكية بالقيام بأنشطة استخباراتية
محلية إذا قامت بتنسيق جهودها مع مكتب التحقيقات الفيدرالي .وفي المقابل ُم نح مكتب التحقيقات
الفيدرالي بعض االمتيازات في الخارج .لم يتم هذا التقسيم للعمل بين الوكالة والمكتب على النحو
المطلوب ،فبدًال من المشاركة في العمل والتنسيق بين الوكالتين ،فإنهما دخلتا في عملية تنافس
بيروقراطي شديد بسبب الغيرة والشك واالختالف على األولويات بين الجهازين .وكنتيجة لذلك ،فقد
المت كل منظمة منهما األخرى على حاالت الفشل في التعامل مع األنشطة االستخباراتية الخارجية.
وقد شهد التاريخ األمريكي المعاصر خالفات متكررة بين وكالة االستخبارات األمريكية CIAومكتب
التحقيقات الفيدرالي . FBIفمنذ عام 1948كان هناك ما ال يقل عن اثنتي عشرة مبادرة رئاسية لحل
الخالفات التي نشبت بين الجهازين ،وباء معظمها بالفشل ،لرغبتها في الربط ما بين عمل الجهازين وهو
األمر الصعب الختالف طبيعة عمل كل منهما ،فاالستخبارات تسعى إلى العمل من أجل حماية الموارد
ومنع الجرائم قبل حدوثها ،واألجهزة األمنية األخرى تستخدم الموارد للقبض على المجرمين الذين قاموا
بالفعل بجرائم وتقديمهم لمحاكمة علنية.42
41
James M.Scott, ed., After the End Making U.S Foreign Policy in the Post – Cold
War World, op.,cit, pp.66-67.
Mark Riebling, Wedge From Pearl Harbor to 9/11 How The Secret War and CIA
42
144
كان هذا الصراع المؤسسي سببًا أساسيًا في الكشف عن عمليات تجسس قام بها ضابط استخبارات في
وكالة االستخبارات المركزية األمريكية ُيدعى الدريتش أميز Aldrich Amesوالذي ظل يبيع أسرارًا
لمدة تسع سنوات إلى االتحاد السوفييتي السابق قبل أن يتم إلقاء القبض عليه في عام .1994وعلى الرغم
من أن الجهازين كانا مسئولين عن الفشل في اكتشاف أميز ،فقد صدر قرار رئاسي وتشريع من
الكونجرس في عام 1994يقضي بمنع سلطة مكافحة اإلرهاب عن وكالة االستخبارات المركزية
األمريكية.
تطلبت هذه القرارات أن تقوم وكالة االستخبارات األمريكية بإخبار مكتب التحقيقات الفيدرالي بسرعة
عندما يكون لديها اعتقاد أو معلومات عن أن مصدرًا أجنبيًا غير مفوض قد حصل على معلومات مهمة.
كما أعطى مكتب التحقيقات الفيدرالي الحق في إجراء تحقيقات متعلقة بمكافحة التجسس األجنبي،
ومراقبة السفريات واألرصدة المالية الممنوحة لعمالء وكالة االستخبارات األمريكية المتهمين بالتجسس.
كما تم وضع أشخاص من مكتب التحقيقات الفيدرالي داخل مقار وكالة االستخبارات األمريكية ،حيث
تمكنوا من الحصول على ملفات القضايا والمعلومات الخاصة باألنشطة الخارجية .وقد اتسعت أنشطة
وكالة االستخبارات المركزية األمريكية في فترة ما بعد الحرب الباردة ،حيث كانت أنشطتها في فترة
الحرب الباردة موجهة تجاه االتحاد السوفييتي السابق ،وأصبحت الوزارة عقب ذلك تخصص موارد
وانتباهًا أكبر إلى أنشطة الصين والعديد من الدول "المارقة" مثل إيران والعراق وليبيا وكوريا الشمالية
وسوريا ،والتي يمكن أن تهدد أنشطتها األمن القومي األمريكي.
كما وجهت الوكالة جزءًا من اهتماماتها إلى التصدي لكارتيالت المخدرات في كولومبيا وبيرو،
43
ومراقبة معاهدات الحد من التسلح ،ومنع انتشار األسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية.
يتضح مما سبق تعدد القوى المشاركة في صنع القرارات ذات الصلة باألمن القومي األمريكي ،وتباين
منطلقاتها ووجهات نظرها في كثير من األحيان .ويمكن إرجاع هذه االختالفات في المواقllف إلى عllدد من
االعتبارات لعل أهمها:
أ -االختالف في طبيعllة المسllؤوليات الخاصllة بهllذه األجهllزة ،وكllذلك في أسllاليبها ومناهجهllا المعتllادة في
معالجة القضايا.
ب -غيlllاب مفهlllوم مجلس الlllوزراء في النظlllام األمlllريكي ،والlllذي يمكن أن يس llاعد على تحقي llق نlllوع من
االتفاق والتفاهم حول السياسات بين اإلدارات التنفيذية المختلفة.
ج -ع llدم ق llدرة ال llرئيس األم llريكي على أن يحس llم دائمًl lا الخالف llات األساس llية ال llتي ق llد تنش llأ بين اإلدارات
التنفيذيllة أو مواجهllة أيllة مقاومllة لسياسllاته من جllانب إدارة تنفيذيllة مllا دون المخllاطرة بإثllارة صllراعات مllع
الكونجرس الذي عادة ما يكون على استعداد لالستفادة من الخالفات والصراعات العلنية في داخlل الجهlاز
43
Ibid, pp.69-73.
145
التنفيllذي .ومن أبllرز الخالفllات الllتي شllهدتها فllترة الدراسllة مllا حllدث من خالفllات بين وزارتي الخارجيllة
والدفاع أثناء غزو العراق.
ويقول ويليام بلوم William Blumالكاتب والناقد للسياسة الخارجية األمريكية منذ أواخر الستينيات،
عندما ترك وظيفته بوزارة الخارجية احتجاجًا على السياسة األمريكية في فيتنام في كتابه "قتل األمل"
الذي صدر في مقدمة جديدة بطبعة حديثة" :لقد تم استبدال نظام الجمهورية األمريكي بعد الحرب العالمية
الثانية بدولة األمن القومي التي ال تخضع ألي مساءلة ،حكومة تتجاوز الدستور ،ممعنة في النشاط
السري بعيدًا عن معرفة الشعب األمريكي ،معفاة من رقابة السلطة التشريعية وتتصرف وكأنها فوق
القانون .وبعد إنشاء وزارة األمن الداخلي تكتمل حلقة هذه الدولة التي تنفق نحو 600مليار دوالر على
الدفاع واالستخبارات واألمن سنويًا .وعماد هذه الدولة هو التدخل العسكري في الخارج "انتقائيًا واستباقيًا
أو سريًا" ،وتعزيز اإلجراءات البوليسية الداخلية ومصادرة عدد كبير من الحقوق المكفولة دستوريًا تحت
44
ذريعة حفظ األمن ومحاربة اإلرهاب".
دفعت األوضاع السابق ذكرها أحد الباحثين للقول إن خطورة الوضع الدولي الراهن والتحديات الجسام
التي تواجهها الواليات المتحدة تفترض إعادة النظر في الطريقة التي ُتحكم بها الواليات المتحدة ،بما فيها
طبيعة النظام الرئاسي كما تخيله اآلباء المؤسسون .لقد ثبت بالتجربة أن هناك ثغرات جوهرية يعاني
منها النظام السياسي األمريكي ،تبدأ بطبيعة النظام االنتخابي الذي يتم بموجبه انتخاب الرئيس ،وما جرى
في انتخابات عام 2000وفي انتخابات 2004أدلة على ضرورة معالجة هذا الخلل الخطير ،وال تنتهي
بضرورة تعديل قانون سلطات الحرب ،بما يكفل ،في التطبيق العملي ،إناطة أمر شن الحروب وإ عالنها
بالكونجرس ،كما رغب اآلباء المؤسسون ،وليس الرئيس ،وتقنين الحاالت التي يمكن للرئيس استخدام
القوة العسكرية خارج حدود الواليات المتحدة ،وتقليص الفترة الممنوحة لتصديق الكونجرس من 60
يومًا ،كما هو قائم حاليًا ،إلى عشرة أيام أو عدة أسابيع على األكثر .وعندما تم وضع هذه المهلة كان
العالم يسير على وتيرة بطيئة ،فبإمكان أي رئيس أمريكي أن يتورط عسكريًا في أي مكان في العالم خالل
ساعات أو أيام على األكثر ،ويفرض أمرًا واقعًا على الشعب األمريكي ،وعلى الكونجرس الذي لن يكون
45
أمامه حق الممارسة الدستورية في معالجة األمر قبل الوصول إلى حافة الهاوية – الحرب.
William Blum, Killing Hope: U.S. Military and C.I.A Interventions since World
44
146
ويفرق البعض عند معالجة كيفية وصناعة القرار األمريكي فيما يتعلق باألمن القومي والسياسة
الخارجية عمومًا بين ثالثة أمور مترابطة ومتشابكة لتحديد القوى والمصالح األساسية المحركة ،وتتمثل
في:
46
-1المثلث الحديدي للمصالح (المجمع الصناعي العسكري ،المجمع النفطي والمجمع المالي) ولكل من
األضالع شبكته وتفرعاته.
-2المجمع الفكري الذي يصوغ هذه المصالح وينظر لها لدى قدوم كل إدارة.
-3األداة المتابعة والمنفذة والمروجة لهذه المصالح ،والتي تتقاطع بين الجهاز التنفيذي واإلعالم
واالستشارات.
ويمكن القول إن الخالفات السابق ذكرها بين األجهزة الرئيسية المسئولة عن األمن القومي من أهم
الثغرات التي ساعدت على عدم اكتشاف هجمات 11سبتمبر قبل وقوعها ،وهو ما سيتم دراسته تفصيًال
في المبحث الرابع.
المبحث الرابع :إعادة تعريف مفهوم وإ ستراتيجية األمن القومي األمريكي في أعقاب أحداث 11
سبتمبر 2001
انطلقت إدارة بوش في تصورها حول أولويات األمن القومي في فترة ما بعد أحداث 11سبتمبر من أن
على الواليات المتحدة مسئوليات موحدة باعتبارها القوة األعظم في العالم .وقد قاد هذا التصور إدارة
بوش إلعادة التفكير في معنى األمن القومي األمريكي وذلك في إطار عملية تجاوزت الخالفات التقليدية
بين الفكر المحافظ والفكر التقليدي.
أوًال :الموضوعات الرئيسية لألمن القومي التي تمت إعادة تعريفها:
تضمنت الموضوعات الرئيسية لألمن القومي التي تمت إعادة تعريفها خمسة موضوعات أساسية،
47
وهي:
-1إعادة تعريف جغرافية األمن القومي:
كانت جغرافية األمن القومي في الماضي يتم تعريفها من خالل الحدود مع الدول األجنبية ،حيث كان
على األعداء الخطيرين أن يمتلكوا اإلمكانيات البشرية والمادية التي تساعدهم على تجميع الجيوش
147
والقوات البرية والبحرية ونشرها .أما اليوم فإن حدود األمن القومي يمكن أن تكون في أي مكان في
العالم.
وكانت إدارة كلينتون قد اعتبرت أن الفقر واألمراض المزمنة ،واألخطار البيولوجية والوراثية
واالنحطاط البيئي تشكل تهديدات خطيرة لألمن القومي .وكل من هذه المخاطر ذات أبعاد عالمية.
وبعبارة أخرى ،فإن تهديدات األمن القومي في الحقبة الجديدة تأتي مصادرها من داخل المجتمعات وليس
من الحدود اإلقليمية بينها .ولذلك فإن الصدامات الكبيرة في هذه الحقبة من التاريخ ليست بين الحضارات
وإ نما داخلها.
إن التأثيرات الناجمة عن إعادة التعريف تلك تطال كل مؤسسة أمن قومي رئيسية في اإلدارة
األمريكية ،كما يظهر من التحول الكبير الذي طال الفرع التنفيذي لإلدارة ،مع إنشاء وزارة لألمن
الداخلي ،وإ عادة تنظيم مكتب التحقيقات الفيدرالي بهدف التوسع في نشاطه ،باإلضافة إلى مراجعة ألداء
أجهزة االستخبارات ،وإ نشاء قيادة جديدة موحدة ،وإ عادة هيكلة لوزارة الدفاع ،كما يحدث تغيير في
العالقات األساسية بين األجهزة األمنية على مختلف المستويات ،مما أدى إلى تحطم اإلطار المعرفي
األساسي الذي نشأ عليه نظام األمن القومي في األربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين.
وقد أثرت إعادة التعريف الجغرافية لألمن القومي بعمق على األجندة الكلية للسياسة الخارجية
األمريكية .وسواء كان التعامل يتم مع قضايا اإلرهاب أم مع قضايا الصحة العامة ،فإن تقسيم السياسة
األمنية إلى بعدين محلي وخارجي ينهار .وإ ذا كانت الواليات المتحدة تريد تطوير سياسات األمن القومي
لتصل إلى المجتمعات ،فإن عليها أن تتضمن المبادئ والقيم األساسية.
-2إعادة تعريف الصلة بين المبادئ والقوة:
تطورت الصورة التقليدية للمصالح األمريكية أثناء وفيما بعد الحرب العالمية الثانية بين الواقعية
والمثالية .فالواقعية ُع رفت بتركيزها على حسابات القوة ،في حين ركزت المثالية على المواضيع المتعلقة
بحقوق اإلنسان ومشكلة الفقر العالمية ،والجوانب األخرى ذات الصلة بالرخاء اإلنساني.
وإ ذا كانت هذه الصيغة مالئمة لوصف الفصائل السياسية أو القادة السياسيين على أساس فردي ،فقد
ُنظر إليها في إدارة جورج دبليو بوش على أنها غير مالئمة للواقع الحالي ألنها ال تستطيع التوصل إلى
طبيعة التناقضات الموجودة داخل إدارة أمريكية معينة ،كما أنهما ال تفهم الدمج الجديد بين القوة
والمبادئ ،وهو الدمج الذي أصبح له تأثير على توجيه السياسة الخارجية في إدارة جورج دبليو بوش.
إن مفهوم اإلدارة األمريكية بالعمل على التوصل إلى توازن قوي يعطي األفضلية للحرية ،كما أشارت
إلى ذلك إستراتيجية األمن القومي األمريكيُ ،يخضع حسابات القوة إلى القدرة على دعم المبادئ التي
تؤثر على العالقات بين الدول واألوضاع داخلها .ولذلك أكدت اإلدارة على كل من القوة ،واالستعداد
48
للتمييز بين الجيد والسيئ ،والصواب من الخطأ.
48
Ibid, pp 20-22.
148
-3إعادة تعريف هيكل األمن الدولي:
يوجد سبب آخر للتفكير الجدي بشأن مركزية البعد األخالقي في إعادة تعريف األمن القومي األمريكي
يتمثل في الطريقة التي حاولت من خاللها إدارة بوش أن تحدث تكامًال بين المبادئ العالمية وسياسات
القوى العالمية .فلمدة قرون ،كان هيكل السياسة العالمية يتم تعريفه من خالل التنافس بين القوى الكبرى.
ورأت إدارة بوش أن من الممكن للواليات المتحدة أن تقوم بصياغة أجندات فعالة للتعاون مع كل مركز
أساسي للقوى العالمية مبنية على درجات غير عادية من االتفاق حول المبادئ األساسية في تنظيم
49
المجتمع.
-4إعادة تعريف التعددية:
واجهت السياسة الخارجية للواليات المتحدة معضلة تتمثل في االختيار بين االنفرادية والتعددية ،راعي
البقر المتوحش في مواجهة الدبلوماسي المتعاون .ورأى أنصار إدارة بوش أن كل ما تفعله اإلدارة
األمريكية في العالم يتم بصورة تعددية .ويشمل ذلك سياسات اإلدارة األكثر أهمية ،بما فيها السياسات
ذات الصفة العسكرية ،كما اتضح في الحرب العالمية على اإلرهاب ،والتي تمت إدارتها من خالل شبكة
50
من التعاون الدولي بين الحكومات ،كما اتضح في الحملة العسكرية في أفغانستان.
-5إعادة تعريف تهديدات األمن القومي بأخذ البعد الزمني في االعتبار:
كانت التهديدات في الماضي تظهر ببطء ،وبشكل يمكن رؤيته غالبًا من خالل تكوين الجيوش
وتجهيزها للقتال ،وقيام العدو باستعدادات مماثلة .وكانت التهديدات األكبر تأتي من دول كبيرة قادرة على
تشكيل وتجهيز جيوش كبيرة في العصر الصناعي .وكان يمكن لهذه الدول أن تتعرض لخسائر كبيرة من
جراء الحروب .وتم تطوير مبدأ الردع لمواجهة هذه الدول في العصر ما قبل النووي ،ثم في العصر
النووي.
أما في عالم اليوم ،فإن التهديدات وفقًا لـ زيليكو تظهر في وقت أسرع ،وبدون الحاجة إلى مراكمة عدد
كبير من الرجال والعتاد .ولم يعد مصدر التهديدات يأتي بالضرورة من الدول الكبرى .ومن هنا جاءت
فكرة الهجوم االستباقي إلدارة بوش كمبدأ إستراتيجي عسكري يالءم وفقًا لتصور مسئولي اإلدارة
ظروف القرن الحادي والعشرين .وكان االنتقاد األساسي إلستراتيجية بوش المتعلقة بالضربة الوقائية
يتمثل في أن من األفضل االنتظار حتى تكون التهديدات واضحة على النطاق العالمي حتى يمكن صياغة
اتفاق حولها ،وبالتالي يتم اتخاذ اإلجراءات المناسبة للقضاء عليها.
ويرى المؤيدون أن احتمال حصول عدو على أسلحة دمار شامل قد يحدث بسرعة ،وبالتالي ال يمكن
االنتظار حتى تكون التهديدات ملحة ،وبالتالي ال يكون من الصعب أو من المستحيل تحطيم تلك األسلحة.
49
Ibid, p. 23.
50
Ibid, pp 24-25.
149
لقد أثارت إدارة بوش جداًال على نطاق عالمي ،ليس فقط حول أهداف القوة األمريكية ،بل حول أهداف
النظام الدولي برمته .ويرى المؤيدون لسياسة إدارة بوش أن اإلدارة لم تعارض ضرورة االعتماد على
المؤسسات الدولية للقيام بعمل جماعي ،ولكنها ضغطت على الدول األخرى ،لكي يحددوا بوضوح ما
يريدونه ،وإ عادة النظر في الكيفية التي يمكن أن تقودهم إلى تحقيق تلك األهداف ،وإ عادة تقييم العادات
القديمة على ضوء الحقائق الجديدة .وأضاف مؤيدو إدارة بوش أن على المعارضين إما أن يقبلوا
التعريفات الجديدة لألمن القومي التي تم عرضها ،أو أن يقدموا بدائل متماسكة ،ويعملوا من خالل حقائق
51
العصر الحالي وليس من خالل حقائق الماضي.
وقد طالب المدافعون عن التعددية بدرجة أكبر من االعتماد على القواعد الدولية وأطر التعاون ،وذلك
انطالقًا من إدراك أن ذلك من األمور الضرورية للتصدي للمشكالت المتنامية ذات األبعاد الدولية
ولتوزيع أعباء القيادة ،وللحصول على شرعية دولية لما تقوم به الواليات المتحدة من إجراءات تحقق
52
األهداف األمريكية.
Ibid, pp.25-27.
51
Stewart Patrick and Shepard Forman, Multilateralism & U.S Foreign Ambivalent
52
150
جاءت إدارة بوش إلى الحكم ولديها رغبة محددة في التخلي عن ميراث الحرب الباردة ،وتنفيذ األفكار
الخاصة بالدفاع الصاروخي .وبدأت اإلدارة الجديدة بوضوح وباستمرار في مراجعة االفتراضات التي
حكمت األمن القومي لعدة عقود .وعقب شهور من توليه منصبه ،قام وولفويتز بزيارة إلى أوروبا ردد
فيها مقولة إن معاهدة الحد من الصواريخ البالستيكية التي تم التوصل إليها في عهد نيكسون لم تعد
صالحة اليوم ،وذلك ألن عالم 2001مختلف بصورة كاملة عن عالم ،1972فقد واجهت الواليات
المتحدة تحديات جديدة نابعة من انتشار الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل .ففي برلين ،تساءل وولفويتز:
"لماذا نحن ال نزال ملتزمين بمفاهيم الحرب الباردة المتعلقة بالردع على الرغم من مرور اثني عشر عامًا
على انهيار حائط برلين" 54.أما كوندوليزا رايس ،فقد ذكرت في حديث لها احتوى على نقد ذاتي لعقلية
الحرب الباردة لديها" :لقد كنت متخصصة في الشئون السوفييتية ،وكنت أدافع بشدة عن الحد من التسلح
55
وكنت مؤمنة بهذا الموضوع".
وقد أدت أحداث 11سبتمبر إلى التسريع من رغبة اإلدارة األمريكية في إعادة النظر في أفكار الحرب
الباردة ،حيث خلقت تلك األحداث مناخًا جديدًا جعل اإلدارة مستعدة إلعادة النظر في المعتقدات األساسية
التي وجهت األمن القومي األمريكي منذ الحرب العالمية الثانية .وقد ذكر مسئول في االستخبارات أنه
كان يعتقد أن أسلوب عمل إدارة جورج دبليو بوش كان مختلفًا عن سابقيه ،و بدا أن فريق السياسة
الخارجية الجديد لديه شعور بعدم الصبر بشكل لم يلحظه أحد سواء في إدارة بوش األولى أم في إدارة
ريجان .وأضاف المسئول" :أنا مندهش ألنه خالل الثالثين عامًا الماضية تعلمت أن األمور تعود إلى
طبيعتها خالل ستة أسابيع أو على األكثر شهرين عقب اندالع األزمة ،ولكن هؤالء الناس ال يتغيرون،
56
فلديهم إصرار واضح على تحقيق أهداف ،وال يريدون أن ترجع األمور إلى ما كانت عليه".
وفي ديسمبر ،2001أخذت اإلدارة األمريكية الخطوة األولى األكبر في التخلي عن القواعد والقيود
التي كانت سائدة في فترة الحرب الباردة عندما أعلن الرئيس بوش أن الواليات المتحدة ستنسحب من
معاهدة الحد من الصواريخ البالستيكية وذلك ألن هذه االتفاقية ُك تبت في زمن مختلف لمواجهة عدو
مختلف.
وقد كانت هناك إشارات مبكرة في إدارة بوش على أن الدفاع الصاروخي مثل وجهًا واحدًا فقط لتغيير
أوسع في اإلستراتيجية .ففي أوائل عام ،2002سلم البنتاجون للكونجرس وثيقة مصنفة ُتدعى "مراجعة
الحالة األمنية" .وفي هذه الوثيقة طلبت اإلدارة األمريكية تطوير أسلحة نووية جديدة أصغر حجمًا،
54
Ibid.
55
Ibid.
56
Ibid.
151
ويمكن استخدامها ليس فقط تجاه القوى النووية الكبرى مثل روسيا والصين ،وإ نما أيضًا ضد العراق
57
وكوريا الشمالية وإ يران وسوريا وليبيا.
كان تحرك إستراتيجية بوش الجديدة يهدف إلى نقل هدف السياسة النووية الجديدة من الدفاع والردع
إلى شن حرب قتالية ،حيث يمكن وفقًا لما جاء في هذا التقرير استخدام أسلحة نووية ضد إمدادات العدو
من األسلحة الكيميائية أو البيولوجية ،حيث يمكن استخدامها ردًا على هجوم من العراق على إسرائيل أو
أي من جيرانه ،أو حدوث هجوم من جانب كوريا الشمالية على كوريا الجنوبية ،أو في حالة حدوث
مواجهة عسكرية حول وضع تايوان.
وقد كانت اإلدارة األمريكية تفكر في الدور الذي يمكن لألسلحة النووية األمريكية أن تلعبه في
الصراعات المستقبلية في العالم الثالث ،حيث اعتبرت أن اإلرهابيين الذين قاموا بهجمات 11سبتمبر لم
يتم ردعهم عن القيام بتلك الهجمات بفعل الترسانة النووية األمريكية ،فالردع ،وهو العنصر األساسي في
اإلستراتيجية العسكرية األمريكية لم يعد مفهومًا مفضًال ،فقد انجذبت اإلدارة نحو إستراتيجيات ركزت
على العمل العسكري الهجومي .وكما قال رامسفيلد فإن "الدفاع ضد اإلرهاب والتهديدات البازغة في
القرن الحادي والعشرين يتطلب نقل الحرب إلى العدو ،وذلك على اعتبار أن أفضل دفاع ،وقد يكون
الدفاع الوحيد ،هو الهجوم الجيد".
58
وقد كان الرمز األساسي في هذه التغييرات المفاهيمية األكبر هو كوندوليزا رايس مستشارة األمن
القومي ،على الرغم من وجود رموز أكبر منها سنًا في دوائر اإلدارة الداخلية ،مثل تشيني وباول
ورامسفيلد ،حيث كان لـ رايس أهمية كبيرة من عدة نواح .فمن بين المسئولين الكبار كانت هي األكثر
قربًا من الرئيس ،وعندما كانت تحدث خالفات بين وزارتي الدفاع والخارجية تتسبب في أن ينصح
رامسفيلد بوش باتباع سياسة معينة ،في الوقت الذي ينصح فيه باول باتباع سياسة مغايرة ،فإن رايس هي
التي كانت تساعد الرئيس على اتباع سياسة ما ،فقد عملت على الحدود المشتركة بين الرئيس ومستشاريه
من جانب ،وفريق السياسة الخارجية من جانب آخر.
وقد جسدت رايس التحول الفكري العميق من إدارة بوش األولى إلى اإلدارة الثانية ،وتم النظر إليها
على أنها وريثة تقاليد السياسة الخارجية لهنري كيسنجر وبرينت سكوكروفت .فعندما كانت رايس أستاذة
للعلوم السياسية في جامعة ستانفورد أثناء إدارة جورج بوش األب ،كانت تؤيد مبدأ الواقعية القائم على
االعتقاد في سياسة خارجية متشددة مبنية على المصالح القومية ودبلوماسية توازن القوى خالل الحملة
الرئاسية لعام .2000كما كانت رايس تدافع خالل الشهور األولى لبوش في السلطة عن رؤية حديثة
معدلة لنفس تلك التقاليد الواقعية .وذهبت رايس إلى أن السياسة الخارجية األمريكية يجب أن تركز على
الدول األكبر واألكثر قوة خاصة الصين وروسيا ،ويجب أن تتجنب التورط في مشروعات بناء الدولة.
57
Ibid.
58
Ibid, p.315.
152
وال يجب أن تستخدم الواليات المتحدة جيشها للعب دور الشرطي في العالم .فهذا التعريف الواسع
59
للمصلحة القومية يمكن أن تكون له آثار عكسية ،ألن اآلخرين سيدعون ألنفسهم السلطة ذاتها.
وقد حرصت رايس على عدم إغضاب المحافظين الذين عارضوا أسلوب كيسنجر الواقعي .وكما فعل
جورج دبليو بوش نفسه ،فقد سعت رايس إلى تجنب أن يتم جرها إلى الخالفات بين فصائل الحزب
الجمهوري والتي تسببت في تدهور شعبية جورج بوش األب ومن قبله جيرالد فورد .وقد دعت رايس
إلى واقعية تخدم المثاليات وهو شعار بدا أنه يهدف إلى حل الخالفات القديمة بين الجمهوريين .وقد
نظرت رايس إلى مهمة فريق اإلدارة األمريكية في أعقاب أحداث 11سبتمبر على أنها مهمة تاريخية
بالمقارنة بحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية .فالواليات المتحدة في رأي رايس ال تحارب اإلرهاب فقط،
وإ نما تؤسس نظامًا عالميًا جديدًا ،مستغلة مرحلة السيولة التي كان النظام الدولي يمر بها منذ انهيار القوة
السوفييتية.
وقد اختلف تعامل اإلدارات األمريكية المتعاقبة مع تلك القضية .وعلى الرغم من أنه ،في النصف
الثاني من عام ،1991بدا من غير الممكن هزيمة الرئيس جورج بوش األب سياسيًا .ففي أعقاب حرب
الخليج الثانية بلغت نسبة الموافقة عليه .%90وعلى الرغم من ذلك فقد حدث تحول في الشهور التالية
بسبب المشكالت التي واجهت االقتصاد األمريكي في تلك الفترة ،والتي جعلت الناخب األمريكي يعتقد أنه
على الرغم من أن بوش أثبت قدرته على أن يكون قائدًا عالميًا فعاًال ،فإنه لم يستطع إثبات أن المشكالت
والقضايا الداخلية ،خاصة االقتصادية منها ،تحظى بنفس القدر من االهتمام لديه ،ومن هنا كانت خسارة
بوش وفوز المرشح بل كلينتون الذي أعطى اهتمامًا أكبر في حملته االنتخابية للقضايا االقتصادية 60.ومن
هنا كان تركيز كلينتون ،خالل فترتي حكمه ،على الداخل األمريكي ،خاصة القضايا االقتصادية،
والتركيز على القوة الناعمة فيما يتعلق بعالقات الواليات المتحدة الخارجية.
أما إدارة جورج دبليو بوش ،فقد سعت إلى استغالل أحداث 11سبتمبر لتكريس التحول في النظام
الدولي من خالل استخدام القوة العسكرية ،وهو ما بدا واضحًا خالل المراحل األخيرة للحرب في
أفغانستان ،ففي نوفمبر ،2001كان هناك تحول في الخطاب العام إلدارة بوش ،حيث أكد مسئولون كبار
على خطورة حصول القاعدة على أسلحة دمار شامل .وقال رامسفيلد في مقابلة تليفزيونية إن االعتقاد
61
بأن أسامة بن الدن لديه أسلحة كيميائية وبيولوجية هو أمر له ما يبرره.
وقد حذر بوش في حديثه أمام الجمعية العامة لألمم المتحدة من أن اإلرهابيين كانوا "يسعون للحصول
على أسلحة دمار شامل ،وهي األدوات التي تمكنهم من تحويل كرههم إلى هولوكست" .وكان ذلك إشارة
59
Condoleezza Rice, "Promoting the National Interest", Foreign Affairs, vol.79
(January/February 2000), pp.45-61.
60
David Halberstan, War in a Time of Peace Bush, Clinton and the Generals (New
York: Simon & Schuster, 2002), pp 9-14.
61
James Mann, Rise of the Vulcans, op., cit, p.317.
153
من اإلدارة إلى أنها متجهة إلى حرب أوسع تسيطر على سياسة إدارة بوش لفترة طويلة بعد
أفغانستان62.وفي 29يناير ،2002أخذ بوش الخطوة الثانية في إعادة توجيه الحرب على اإلرهاب .ففي
خطاب "حالة االتحاد" فاجأ بوش األمريكيين والعالم باالدعاء باتهام ثالث دول هي العراق وإ يران وكوريا
الشمالية أطلق عليها "محور الشر" بالسعي إلى تطوير أسلحة دمار شامل ،واعتبر أن بإمكان الدول أن
63
تعطي هذه األسلحة إلى اإلرهابيين.
حولت اإلدارة األمريكية خالل فترة تقل عن خمسة أشهر االنتباه فيما يتعلق بالحرب على اإلرهاب من
االنتقام من مدبري هجمات 11سبتمبر إلى إيقاف اإلرهابيين عن الحصول على أسلحة دمار شامل ومنع
الدول من إمداد اإلرهابيين بهذه األسلحة ،وتركيز االنتباه على دول محور الشر وبرامجها النووية.
وبالتركيز على أسلحة الدمار الشامل ،اعتبر الرئيس بوش أن هذه األنظمة تمثل خطرًا كبيرًا ومتناميًا.
استعرض الفصل األول من الباب الثاني عددًا من الموضوعات المتعلقة بسياسة األمن القومي وهيكل
صنع القرار في قضايا األمن القومي في الواليات المتحدة األمريكية ،حيث قام باستعراض تفصيلي
للتجربة األمريكية في مجال المواءمة بين قرارات األمن القومي والديموقراطية في أوقات األزمات .كما
قام بدراسة سياسة األمن القومي في الواليات المتحدة األمريكية.
وقد أوضحت التجربة األمريكية أنه على الرغم من الطبيعة الديموقراطية للنظام السياسي األمريكي،
فقد واجه هذا النظام صعوبة بالغة في إيجاد توافق بين حكم القانون والسلطات االستثنائية التي تمنحها
السلطة التنفيذية لنفسها في أوقات األزمات ،كما فعل الرئيس لينكولن في فترة الحرب األهلية ،وكما فعل
الرئيس ويلسون في الحرب العالمية األولى ،والرئيس روزفلت في الحرب العالمية الثانية .ومع مرور
الوقت سعت السلطة القضائية إلى وضع درجة أكبر من القيود على السلطات االستثنائية للتنفيذيين في
أوقات الطوارئ ،وهو ما اتضح من عدم تمكن الرئيس ترومان من الحصول على سلطات طوارئ في
زمن الحرب الكورية.
وقد تطرق الفصل األول تفصيًال للتجربة األمريكية في مجال صنع قرار األمن القومي ،والعالقات
المدنية العسكرية ،وتأثير قرارات األمن القومي على المجتمع األمريكي ،وما أدى إليه التقدم التكنولوجي
واختراع األسلحة النووية من زيادة مشكلة التعارض بين السرية التي ُتعد مكونًا مهمًا لألمن القومي،
وبين المبدأ الديموقراطي المتمثل في ضرورة إحاطة الجماهير علمًا بالسياسات العامة.
كما تطرق الفصل األول إلى دراسة سياسة األمن القومي في الواليات المتحدة ،والعناصر األساسية
التي تساعد على فهم تلك السياسة وشرحها وتقييمها ،كالقيم والمصالح القومية األمريكية ،والبيئتين
62
Ibid.
63
Ibid.
154
الدولية والمحلية ،باإلضافة إلى أبعاد سياسة األمن القومي الدبلوماسية واالقتصادية والعسكرية ،والهياكل
والعمليات المتعلقة بصنع قرار األمن القومي والمؤسسات المسئولة عن صنع قرار األمن القومي في
الواليات المتحدة األمريكية ،والسلطات التي يخولها الدستور لكل من تلك المؤسسات.
كما تم في الفصل األول دراسة ما حدث من إعادة تعريف مفهوم وإ ستراتيجية األمن القومي األمريكي
في أعقاب أحداث 11سبتمبر ،2001واستعراض لألهداف اإلستراتيجية الجديدة األمن القومي.
155