Professional Documents
Culture Documents
محاضرة رقم 4
محاضرة رقم 4
مقدمة:
إن تعريف األحزاب السياسية البد من أن يبدأ كباقي الظواهر السياسية بالتأصيل النظري ،كمحدد
لسماته األولية واليت تتحدد يف ثالث مسات:
ـ أن احلزب ه88 8 8و ج88 8 8زء من ك88 8 8ل ،حيث أن كلم88 8 8ة ح88 8 8زب حبكم اللف88 8 8ظ نفس88 8 8ه ترتب88 8 8ط مبفه88 8 8وم اجلزء
« .» Partولكن ب88الرغم من أن احلزب ميث88ل فق88ط ج88زءا من ك88ل إال أن ه88ذا اجلزء جيب أن يس88لك
منهجا غري جزئي ،ويتصرف كجزء ذي ارتباط بالكل.
ـ أن األح88زاب ليس88ت هي الكت88ل أو األجنح88ة ،مبع88ىن أن88ه م88ا مل يكن احلزب خمتلف88ا عن الكتل88ة أو اجلن88اح
فهو ليس حزبا .فاألحزاب إمنا تطورت عن الكتل أو األجنح88ة ال88يت إرتبطت باإلنتخاب88ات واملمارس88ات
الربملانية ولكنها أضحت شيئا خمتلفا عنها.
ـ أن األح88زاب هي قن88وات للتعب88ري ،مبع88ىن أن األح88زاب هي أدوات أو هيئ88ات تق88وم ب88التعبري عن مط88الب
()1
إجتماعية حمددة
المطلب األول :ماهية األحزاب السياسية:
أوال :تعريف الحزب السياسي:
إن مجي88ع التع88اريف ال88يت تن88اولت األح88زاب السياس88ية متح88ورت ح88ول إظه88ار اإليديولوجي88ة احلزبي88ة
من جه8ة ،والق8وة التنظيمي8ة من جه8ة أخ8رى .من هن8ا ك8انت الص8عوبة يف إعط8اء تعري8ف موح8د ج8امع.
ف 88احلزب السياس 88ي يعرف 88ه األس 88تاذ "جيوف@@اني س@@ارتوري" « » Giovani Sartoriأن 88ه" مجاع 88ة
سياس 88 8ية تتق 88 8دم لإلنتخاب 88 8ات ،وتك 88 8ون ق 88 8ادرة على أن تق 88 8دم من خالل تل 88 8ك اإلنتخاب 88 8ات مرش 88 8حني
3
)( - Maurice Duverger , Les partis politiques, Paris : Colin, 1976,p. 240.
()ـ امساعيل الغ 88زال ،الق @@انون الدس @@توري والنظم السياس @@ية ،ط ،1ب 88ريوت :املؤسس 88ة اجلامعي 88ة للدراس 88ات والنش 88ر والتوزي 88ع، 4
،1982ص.204
)(5ـ أسامة الغزايل حرب ،المرجع السابق الذكر ،ص.19
2
أم 88ا يف الفك 88ر املاركس 88ي فيع 88رف احلزب بأن 88ه "تنظيم يوح 88د املمثلني األك 88ثر نش 88اط بطبق 88ة معين 88ة،
ويعرب عن مصاحلها ويقودها يف الصراع الطبقي" (.)6
ويع88رف احلزب الش8يوعي بأن8ه " طليع88ة الطبقـات الكادح8ة ال8يت تس8عى إىل تص88فية اإلس8تغالل بش8ىت
أشكـاله وصوره هبدف الوصول إىل حكم
ديكتاتورية الربوليتاريا "(.)7
فمفه 88وم احلزب عن 88د الفك 88ر الش 88يوعي واالش 88رتاكي ه 88و ح 88زب طبقي حيث يتم الرتك 88يز في 88ه على
التك88 8وين االجتم88 8اعي للح88 8زب ،واالرتباط88 8ات االقتص88 8ادية ألعض88 8ائه واملراتب ال88 8يت حيتلوهنا يف الس88 8لم
االجتم88اعي .ف88احلزب يف الفك88ر املاركس88ي ه88و ج88زء من طبق88ة معين88ة ،ب88ل وقس88م متق88دم أو طليعي يف
الطبقة ،وأن احلزب الثوري أو العمايل يرتكز على طبقة العمال وميثل قاعدهتا.
أما األحزاب السياس8ية يف اخلربة اإلس8المية ،ف8إن ك8ان طرحه8ا خيتل8ف عن املفه8وم الغ8ريب (اللي8ربايل
واملاركس88 8 8ي) ،إال أهنا ك88 8 8انت موج88 8 8ودة من خالل الف88 8 8رق واألح88 8 8زاب اإلسالميـة.إذ ع88 8 8رف اجملتم 88 8ع
اإلس88المي املعارض88ة والتعددي88ة السياس88ية املنظم88ة من88ذ معرك88ة ص88فني ،فنش88أت تي88ارات ك88ربى تق88وم ك88ل
منه 88ا على رؤي 88ة للديـن و الت 88اريخ ودور اإلنس 88ان واملوق 88ف من الس 88لطة والث 88ورة ،وك 88ان أمهه 88ا اخلوارج
والش88يعة واملعتزل88ة ال88يت ك88ان هلا ب88رامج ومش88روعات للحكم تش88رتك يف مناهجه88ا اإلجتماعي88ة ومط88الب
جمتمعاهتا ومستوياهتا املعرفية(.)8
وخالصة الق8ول ،تتف8ق ه8ذه التع8اريف املتباين8ة بأحقي8ة احلزب يف احلري8ة السياس8ية من أج8ل الوص8ول
إىل السلطة.
() ـ س 88ليم الزغ 88يب ،األح@@زاب السياس@@ية والبرلم@@ان في التجرب@@ة األردني@@ة ،يف :املرش 88د إىل احلزب السياس 88ي ،األردن :مرك 88ز 6
3
واألح 88زاب السياس 88ية هبذا املع 88ىن ،متث 88ل التي 88ارات الفكري 88ة والسياس 88ية املوج 88ودة يف اجملتم 88ع ،وال 88يت
تتن88افس على ف88رض براجمه88ا ،ع88رب إقن88اع الن88اخبني ال88ذين ميثل88ون فئ88ات عريض88ة من الش88عب ،وهي ب88ذلك
تق 88وم بوظيف 88ة يف غاي 88ة من األمهي 88ة ،وهي وظيف 88ة ترش 88يد اإلختالف بني التي 88ارات الفكري 88ة والسياس 88ية
والديني 88ة داخ 88ل اجملتم 88ع ،ألن التن 88افس االنتخ 88ايب ه 88و احملدد الوحي 88د لف 88رض الربن 88امج االنتخ 88ايب ،وليس
احملدد هو الصراع والتناحر القبلي ةاإلثين واملذهيب.
ل88ذلك جند األح88زاب السياس88ية ق88د حض88رت ك88ركن أساس88ي ض88من النظري88ة السياس88ية احلديث88ة ،فال
ميكن تص88ور دول8ة دميقراطي8ة من دون أح8زاب ومن دون تن8افس انتخ8ايب ومن دون ت8داول س8لمي على
السلطة ،وحىت يف األنظمة امللكية ،أص88بحت األح8زاب السياس8ية تق88وم ب8دور أساس8ي يف بل8ورة املفه88وم
احلديث للسياسة ،والذي يربط ممارسة السلطة باإلرادة الشعبية.
وق88د ارتب88ط املفه88وم احلديث لألح88زاب السياس88ية تارخيي88ا باملرجعي88ة الليربالي88ة احلداثي88ة ال88يت جنحت يف
إح88داث قطيع88ة م88ع املفه88وم الق88دمي للس88لطة باعتباره88ا إهلي88ة مطلق88ة ،ويف املقاب88ل أسس88ت مفه88وم ح88ديث
يعترب السلطة شأنا بشريا خالصا ،ميارسها الشعب عرب ممثليه الذين ينتخبهم من بني مرشحيه ،تق88دمهم
األحزاب السياسية كممثلني لرباجمها االنتخابية.
وق 88د حض 88رت األح 88زاب السياس 88ية يف الفق 88ه املعاص 88ر ،باعتباره 88ا تنظيم 88ات دائم 88ة على املس 88تويني
القومي واحمللي ،تسعى للحصول على مساندة شعبية هبدف الوصول إىل السلطة وممارس88تها ،من أج88ل
تنفيذ سياسة حمددة(.)9
ومن خالل هذا التعريف ،ميكن الرتكيز على ثالثة مقومات أساسية للحزب السياسي:
1ـ ممارس @@ة الس @@لطة :تعت88 8رب الرغب88 8ة يف الوص88 8ول إىل احلكم وممارس88 8ة الس88 8لطة أهم مقوم88 8ات احلزب
السياسي ،وه8ذا م8ا مييزه عن مجاع8ات الض8غط ،Groupes de pressionف8إذا ك8انت وظ8ائف
هذه األخرية تتوقف عند التأثري على ممارسي السلطة والضغط عليهم لتحقيق مصاحل فئوية خاص88ة هبا،
ف88إن احلزب السياس88ي يس88عى للوص88ول إىل الس88لطة لتط88بيق برناجمه اإلنتخ88ايب ،ال88ذي مكن88ه من األغلبي88ة
الربملاني 88ة ،ه 88ذه األغلبي 88ة تفق 88د مش 88روعيتها إذا مل تتح 88ول إىل حكوم 88ة مس 88تقلة ،متتل 88ك س 88لطة تش 88ريعية
وتنفيذية متكنها من تطبيق برناجمها االنتخايب ،مع اخلضوع إىل الرقاب8ة الش8عبية .ف8احلزب السياس8ي هبذا
املع 88ىن يفق 88د مس 88وغ وج 88وده كم 88ا يفق 88د قيمت 88ه السياس 88ية ،إذا مل تت 88وفر ل 88ه الش 88روط املالئم 88ة ملمارس 88ة
السلطة ـ تشريعيا وتنفيذيا ـ باعتباره ممثال لإلرادة الشعبية اليت قادته يف االنتخابات إىل ممارسة احلكم.
()ـ سعاد الشرقاوي ،األحزاب السياسية (أهميتها ،نشأتها ،نش@اطها) ،الق88اهرة :مرك88ز البح88وث الربملاني88ة ،ج88وان ،2005ص 9
.13
4
2ـ الحص@@ول على المس@@اندة الش@@عبية :يس88تند احلزب السياس88ي أساس88ا على متثي88ل اإلرادة الش88عبية ،إذ
يعمل على بلورة اإلرادة الشعبية عرب االنتخابات ،على ش8ك ق8رارات سياس8ية بع8د وص8وله إىل احلكم.
وه88 8و ب 88ذلك ميارس س 88لطة ش 88رعية باعتب 88اره حاص88 8ال على املس 88اندة الش 88عبية ،ال 88يت جتس 88دها ص 88ناديق
االق 88رتاع .وهبذا املع 88ىن ف 88إن أي س 88لطة سياس 88ية تفق 88د ش 88رعيتها إذا مل حتص 88ل على املس 88اندة الش 88عبية،
وتصبح بذلك مغتصبة للحكم ،وجيب على الشعب إخضاعها لإلرادة الشعبية.
3ـ تنفي@@ذ سياس@@ة مح@@ددة :ترتب 88ط ه 88ذه السياس 88ة بالض 88رورة بالربن 88امج االنتخ 88ايب ال 88ذي يقدم 88ه احلزب
لناخبي88 8ه ،ويل88 8تزم بتطبيق88 8ه إذا جنح يف االنتخاب88 8ات ووص88 8ل إىل احلكم ،وح88 8ىت يس88 8تطيع احلزب تط88 8بيق
برناجمه االنتخ8ايب بع8د حص8وله على األغلبي8ة الربملاني8ة ،ال ب8د أن تت8وفر ل8ه الش8روط السياس8ية الض8رورية
املرتبط8ة مبمارس8ة جمم8وع الس8لطات (التش8ريعية ،التنفيذي8ة) ال8يت ختوهلا ل8ه الش8رعية الش8عبية ال8يت ميتلكه88ا
عرب االنتخابات(. )10
ه88ذه املقوم88ات هي أس88اس النظري88ة السياس88ية احلديث88ة للح88زب السياس88ي ،كم88ا ظه88ر خالل النص88ف
الث88اين من الق88رن التاس88ع عش88ر ،وتط88ور خالل الق88رن العش88رين ،ويع88د اآلن من أهم رك88ائز الدميقراطي88ة.
ففي األنظم88ة اجلمهوري88ة ال ميكن مثال تص88ور النظ88ام السياس88ي الفرنس88ي خ88ارج إط88ار احلزبني (اإلحتاد
من أج 88ل حرك 88ة ش 88عبية اليمي 88ين ،واحلزب اإلش 88رتاكي اليس 88اري) ،وح 88ىت يف األنظم 88ة امللكي 88ة ،ال ميكن
تص8ور النظ8ام السياس8ي الربيط8اين مثال خ8ارج إط8ار احلزبني (العم8ال واحملافظون) ،كم8ا ال ميكن تص8ور
النظام السياسي اإلسباين خارج إطار احلزبني (االشرتاكي والشعيب).
وس88واء يف األنظم88ة السياس88ية اجلمهوري88ة أو امللكي88ة ،ف88إن األح88زاب السياس88ية باعتباره88ا مؤسس88ات
دميقراطي88ة ،متارس الس88لطة وتطب88ق براجمه88ا السياس88ية وحتص88ل على ال88دعم الش88عيب انتخابي88ا ،وباعتباره88ا
املمث 88ل الوحي 88د لإلرادة الش 88غبية ،فهي متتل 88ك مجي 88ع الس 88لطات تش 88ريعيا وتنفي 88ذيا ،ب 88ل وحتض 88ر كس 88لطة
مس88تقلة ب88ذاهتا ،إذ أن هن88اك آراء يف ال88دول الغربي88ة الليربالي88ة تق88رتح أن تص88بح هيئ88ة الن88اخبني س88لطة إىل
ج 88 8انب س 88 8لطات ال 88 8دول الثالث املعروف 88 8ة ،ويس 88 8مي "م 88 8وريس هوري 88 8و" هيئ 88 8ة الن 88 8اخبني ب "س 88 8لطة
االقرتاع".
()ـ إدريس جنداري " ،التجربة احلزبية يف املغرب غموض التصور وإعاق88ة املمارس88ة " ،وجه@ة نظ@ر ،الع88دد ،51الس88نة السادس88ة 10
5
كل منها .فمجموع كل هذه العالقات بني األحزاب يك8ون نظام8ا من العالق8ات الثابت8ة نس8بيا .ونتيج8ة
الختالف ه88ذه العالق88ات بني األح88زاب من دول88ة إىل أخ88رى ق88د يك88ون النظ88ام احلزيب الس88ائد يف الدول88ة
ه8و نظ8ام تع8دد األح8زاب ،أو نظ8ام احلزبني ،أو نظ8ام احلزب الواح8د .ومن املتف8ق علي8ه أن8ه ال ميكن فهم
طريق88ة س88ري أي نظ88ام سياس88ي لدول88ة م88ا إال إذا عرفن88ا النظ88ام احلزيب الق88ائم ،وعالق88ات األح88زاب بعض88ها
بعض ،وكيفية امتزاج النظام احلزيب بالنظام السياسي للدولة ككل.
ويتم يف الع88ادة تص88نيف الفقه88اء واملختص88ني يف علم السياس88ة النظم احلزبي88ة حس88ب معي88ارين ،أوهلم88ا
ع88 8دد األح88 8زاب حيث يتم على أساس88 8ه التمي88 8يز بني نظ88 8ام احلزب الواح88 8د واحلزبني زتع88 8دد األح 88زاب،
وثانيهم88ا درج88ة املنافس88ة السياس88ية وت88داول الس88لطة حيث تص88نف إىل نظم حزبي88ة غ88ري تنافس88ية وتش88مل
نظام احلزب الواحد ،ونظم حزبية تنافسية وتتضمن نظامي احلزبني وتعدد األحزاب ،ونظم حزبي8ة ش8به
تنافسية وهي نظم التعددية احلزبية املقيدة يف الدول النامية.
6
تتب88ىن أغلب ال88دول الغربي88ة نظ88ام تع88دد األح88زاب ب88درجات متفاوت88ة وذل88ك باس88تثناء بعض ال88دول
األجنلوسكس88ونية ،ك88إجنلرتا والوالي88ات املتح88دة وكن88دا ونيوزين88دا واسس88رتاليا ،ال88يت تتب88ىن نظ88ام احلزبني،
كم88ا توج88د يف دول أخ88رى كالياب88ان واهلن88د وباكس88تان وتركي88ا وال88دميقراطيات اجلدي88دة يف دول ش88رق
أوربا وبعض الدول االفريقية جنوب الصحراء.
ويتص88ف ه88ذا النظ88ام باتس88اع نط88اق األح88زاب املش88اركة يف املنافس88ة على الس88لطة ،ويتمكن احلزب
الفائز باألغلبية الربملانية الالزمة يف تشكيل احلكومة مبف8رده ،أو ق8د تك8وين إئتالف حك8ومي بني ح8زبني
أو أك88ثر يف حال88ة ع88دم ني88ل أي ح88زب ه88ذه األغلبي88ة .ويع88د ه88ذا النظ88ام دعام88ة للدميقراطي88ة ألن88ه يض88من
انتقال السلطة وتداوهلا سلميا عرب االنتخابات ،وانتشار السلطة واملشاركة والرقابة (.)12
أـ تع 88دد األح 88زاب الت 88ام :Le multipartisme Intégralيقص 88د بتع 88دد األح 88زاب الت 88ام أو
الكام88ل ال8ذي يوج88د في88ه ع88دد كب88ري من األح88زاب الص88غرية ال88يت ال حتاول التكت88ل أو التجم88ع ،إذ حياول
كل حزب أن يتمسك مبوقفه ال8ذي يع8رب ب8ه عن مص8احل فئ8ة حمدودة ،دون أن يهتم مبحاول8ة التوفي8ق بني
مصاحل هذه الفئـة ومصاحل
الفئات األخرى.
()ـ حسن نافعة وآخرون ،المرجع السابق الذكر ،ص .330 12
7
2ـ نظام احلزبني السياسيني :bipartisme Les systémes du
يف هذا النظام يتنافس على السلطة ويتداوهلا حزب8ان كب8ريان ،ومن أش8هر مناذج8ه ،الوالي8ات املتح8دة
األمريكية (احلزبان الدميقراطي واجلمهوري) ،وبريطانيا (حزبا العم8ال واحملافظني) .ويف كال النم8وذجني
توجد أيضا أحزاب أخرى ولكنها ضعيفة ،مما جيعل املنافسة على السطة قاصرة على احلزبني الكبريين.
ويف هذا اإلطار جيب أن منيز بني شكلني من نظام احلزبني :فهناك نظام احلزبني اجلامد والذي يق88وم
على تنظيم تص 88 8ويت أعض 88 8اء احلزب يف الربملان ،حبيث يل 88 8زمهم بالتص 88 8ويت على حنو معني يف املس88 8ائل
اهلامة ،كما أن هناك نظام احلزبني املرن الذي يرتك حرية التصويت ألعضائه.
وتعترب بريطاني8ا منوذج8ا لنظ8ام احلزبني اجلام8د ،إذ يتعني على الن8واب الربملانيني أعض8اء احلزب اتب8اع
تعليم 88ات احلزب عن 88د التص 88ويت داخ 88ل الربملان وإال وق 88ع عليهم عقوب 88ة الع 88زل .وي 88ؤدي ه 88ذا التنظيم
اجلامد إىل توفري الثبات واالستقرار والسيطرة للحكوم88ة ،إذ يك88ون رئيس احلكوم88ة متأك88دا من إخالص
ووالء األغلبية اليت تسانده.
وعلى العكس فإن الواليات املتحدة تعترب منوذجا لنظ88ام احلزبني املرن ،فال يف88رض ألي من احلزبني
نظاما على نواب احلزب فكل عضو من أعضاء الك8وجنرس ل8ه حري8ة التص8ويت دون أن يسنش8ري حزب8ه.
ونتيج 88ة ل 88ذلك ميكن أن ي 88ؤدي ه 88ذا النظ 88ام املرن إىل ع 88دم اس 88تقرار الس 88لطة التنفيذي 88ة إذا مل يكن هن 88اك
فصل عضوي بني السلطات يوفر االستقرار للحكومة .ولعل هذا ه88و الس88بب يف أن نظ88ام احلزبني املرن
يف الوالي88ات املتح88دة ال ي88ؤثر على اس88تقرار احلكوم88ة ،ألن النظ88ام الرئاس88ي األم88ريكي ق88ائم على الفص88ل
العضوي بني السلطات.
8
حيتلها داخل الربملان .فاحلزب املسيطر العادي ال يتعدى ما حيصل عليه نسبة %40من األص88وات ال8يت
مت اإلدالء هبا ،إال يف حاالت نادرة إستثنائية .ه8ذا اإلس8تثناء يع8د القاع8دة العام8ة بالنس8بة للح8زب ش8ديد
الس88يطرة ال88ذي حيص88ل على األغلبي88ة املطلق88ة من األص88وات ،كم88ا يف88وز ب88أكثر من نص88ف ع88دد مقاع88د
الربملان.
9
على اإلطالق يف اجملال السياس 88 8 8 8ي .ف 88 8 8 8احلزب على ح 88 8 8 8د تعب 88 8 8 8ري األس 88 8 8 8تاذ " جوزي @ @ @@ف البالومب @ @ @@ارا"
« » Joseph Lapalombaraرمز للتحديث السياسي ،مثلما
متثل السدود واملصانع رموزا للتحديث اإلقتصادي (.)14
ولق88د أس88هب األس88تاذ " دافيد أبدر" « » David Apterيف وص88ف ال88دور التنم88وي ال88ذي
تق88 8وم ب88 8ه األح88 8زاب ،فهي أك88 8ثر من أي أداة أخ88 8رى تك88 8ون ذات ت88 8أثري مباش88 8ر على اجملتمع88 8ات لكوهنا
تس8تخدم يف أنش8طتها كاف8ة الوس8ائط التحديثي8ة املتاح8ة ،مث8ل املدارس ومنش8آت األعم8ال ،واملش8روعات
التجاري88 8ة...،ف88 8األحزاب على ح88 8د تعب88 8ري األس88 8تاذ" دافي@ @@د أب@ @@در" تلعب دور املنظم لتك88 8وين األفك88 8ار
اجلدي 88دة ،وإنش 88اء ش 88بكة إتص 88الية هلذه األفك 88ار ولرب 88ط اجلم 88اهري م 88ع القي 88ادات بطريق 88ة متكن من حتقي 88ق
القوة السياسية ،وتعبئتها وتوجيهها(.)15
وعلي88ه ،ف88إن مواجه88ة أدبي88ات التنمي88ة السياس88ية للظ88اهرة احلزبي88ة متت من خالل األعم88ال ال88يت ترب88ط
بني أزمات التنمي8ة من ناحي8ة ،و األح8زاب يف ال8دول املتخلف8ة من ناحي8ة أخ8رى ح8ول حمورين أساس8يني
مها:
أوهلما :أثر أزمات التنمية يف نشأة وتطوير وتشكيل األحزاب.
ثانيهما :هو دور األحزاب السياسية يف حل أزمات التنمية السياسية.
فمن الناحية األوىل ،قّد مت أدبيات التنمية إسهامات تتجاوز األفكار اليت تربط ظهور األحزاب
بالظاهرة الربملانية أو بالنظرة التقليدية يف نشأهتا ،وربطت أدبيات التنمية السياسية بني مفه88وم األزم88ات
و ظهور وتكون األحزاب.
ومن ناحية ثانية ،فإّن اإلسهامات األكثر إنتشارا ألدبيات التنمية السياسية إمّن ا تدور حول دور
األحزاب كإدارات ووسائل للتنمية ،تساهم يف حّل أزمات إدارة التنمية وهذا ما يعرف اآلن بإدارة
األزمات (.)16
ويف هذا اإلطار العام حول الدور التنموي لألحزاب السياسية ،سوف خنّص ص ثالثة عناصر
للحديث عن أدوار حمّد دة لألحزاب يف جماالت التنمية السياسية ،واليت إّتفق عليها الكثري من الـباحثني.
وميكن أن حنّد دها يف أهم املسائل اخلاصة بالتنمية السياسية اليت ميكن أن ترتبط بدور األحزاب
السياسية ،و اليت سنحاول مناقشتها فيما يلي:
14
() –Joseph Lapalombara and Myron Weiner,eds. Political Parties and Political
Development, Princeton University Press, 1966,p6.
15
()– David Apter, The Political of Modernization, Chicago: University of
Chicago press, 1965, p 187.
16
()ـ راجع يف ذلك:
ـ حمسن أمحد اخلضريي ،إدارة األزمات ،القاهرة :مكتبة مدبويل ،ب.ت 236 ،.صفحة.
10
أوال :األحزاب وأزمة الشرعية السياسية:
ُيعّر ف العالمة عبد الرمحان إبن خلدون الشرعية ( )17بقوله" :إعلم أّن البيعة هي العهد على
الطاعة كأن املبايع يعاهد أمريه على أّنه يسلم له النظر يف أمر نفسه و أمور املسلمني ال ينازعه يف
شيء من ذلك و يطيعه فيما يكلفه به من األمر على املنشط و املكره ،و كانوا إذا بايعوا األمري و
عقدوا عهده جعلوا أيديهم يف يده تأكيدا للعهد ،فأشبه ذلك فعل البائع و املشرتي.)18("...
ويذهب األستاذ "ماكس فيبر" « » Max Weberإىل أّن النظام احلاكم يكون ش8رعيا عن8د
احلّد ال88ذي يش88عر مع88ه مواطن88وه أّن ذل88ك النظ88ام ص88احل ويس88تحّق التأيي88د والطاع88ة( ،)19وحتقي88ق الش88رعية
كم 88ا ي 88رى األس 88تاذ " روب@@رت م@@اك إيف@@ر" « » Robert MacIverحينم 88ا تك 88ون إدراك 88ات
النخب8ة لنفس8ها و إدراك اجلم8اهري هلا متط8ابقني ويف إّتس8اق ع88ام م88ع القيم واملص88احل األساس8ية للمجتم8ع،
ومبا حيتفظ للمجتمع متاسكه.
من هذا فقد إقرتح األستاذ " ماكس فيبر" أن الشرعية ميكن أن تستمد من واحد أو أكثر من
مصدر :يعين املعتقدات و العادات واألعراف املتوارثة اليت حتّد د األحقية بالسلطة ،واملصدر الثاين:
الزعامة امللهمة :وهي الوالء والطاعة من احملكومني للزعيم ،وهي اليت جتعله مصدر جذب و احرتام.
أما املصدر الثالث للشرعية وهو :العقالنية القانونية :والذي على قواعد حتّد د واجبات وحقوق
منصب احلاكم و مساعديه ،وطريقة انتقال السلطة وتداوهلا وممارستها ،ويوازي ذلك كله قواعد
مقنعة حتّد د واجبات وحقوق احملكومني يف عالقتهم بالسلطة الشرعية.
أّم ا أزمة الشرعية فإهّن ا تعرف بأهّن ا إهنيار يف البناء الدستوري ويف أداء احلكم ينجم عن
اإلختالف حول طبيعة السلطة يف النظامالسياسي( .)20ومن ذلك فإّن أزمة الشرعية ميكن أن تأخذ
شكل تغيري يف هيكل احلكومة ،وتغيري يف املصدر الذي تستمّد منه تلك احلكومة سلطتها النهائية ،أو
تغيري يف املثل اليت تعرب احلكومة عنها.
وتأسيسا على ذلك ،فما هو دور األحزاب السياسية يف حّل مسألة الشرعية ؟
17
() ـ وهي املقابل املصطلحي احلديث ملفهوم البيعة يف الرتاث العريب اإلسالمي.
18
() ـ عبد الرمحن إبن خلدون ،المرجع السابق الذكر ،ص .209
19
()ـ علي الدين هالل و آخرون ،أزمة الديمقراطية في الوطن العربي ،بريوت :مركز دراسات الوحدة العربية ،1987 ،ص
.40
)( 20ـ أسامة الغزايل حرب ،المرجع السابق الذكر ،ص .197
11
إّن األحزاب السياسية تعّد يف اإلحتكام إىل القاعدة الشعبية تربيرا شرعيا هلا ،فهـي دائما أداة هامة
يف توطيد أركان السلطة القومية الشرعية .وهو ما يفّس ر جلوء احلكومات السلطوية غالبا لتنظيم حزب
سياسي وذلك بغية لفّك خيوط أزمة الشرعية.
َو يصوغ األستاذ "دافيد أبتر" Apter » « Davidدور األحزاب السياسية من خالل ثالثة
جوانب ،وهي:
-نشاط األحزاب يف تقدمي شبكة واسعة من العالقات املتداخلة اليت جتمع بني القطاعات اإلجتماعية
املختلفة.
-نشاط األحزاب يف تعظيم شرعية النظام السياسي من خالل حشد التأييد اجلماهريي.
-وأخريا ما تقوم به األحزاب من اإلحلاح من أجل تقدمي أهداف معّينة للحكم تصوغها يف إطار
(.)21
إيديولوجي حمّد د
21 )(
- Apter, Op. Cit, P. 123.
-)1(22علي الدين هالل ،و آخرون ،المرجع السابق الذكر ،ص .523
12
/1ـ التفاوت االجتماعي ـ االقتصادي احلاد وعدم ضمان احلد األدىن للكفاف االقتصادي.
/2ـ اخنفاض درجة الوعي السياسي نتيجة إلنتشار األمية ونقص اخلربة.
/3ـ ضعف املشاركة يف اجملاالت األخرى غري السياسية للحياة االجتماعية.
/4ـ غياب أو على األقل ضعف الطبقات والقوى االجتماعية الوسطى.
/5ـ طغيان العنصر الشخصي على العملية السياسية.
/6ـ ضعف أو غياب التنظيمات السياسية الوسيطة كاألحزاب السياسية ومجاعات املصاحل
(.)23
ويظهر أثر األحزاب السياسية واضحا يف التخفيف من أزمة العزوف عن املشاركة السياسية
من خالل تعميق شعور املواطن باملسؤولية جتاه القضايا واألهداف العامة ،ومن خالل تعبئة اجلماهري
وتوعيتهم حبقوقهم السياسية من انتخاب و مناقشة األحداث العامة ،واإلهتمام بالتطّو رات اليت جتري
على الساحة السياسية.
كما أّننا ال نتجاهل دور األحزاب السياسية ـ دون أن ننسى دور اجلمعيات املختلفة ـ يف القضاء
أو التقليل من مظاهر اإلغرتاب والعزوف السياسي الذي يعرفه األستاذ " أولسن" «» Olson
بأّنه " الفصل أو الغربة بني ذات املرء َو بعض اجلوانب البارزة يف البيئة اإلجتماعية"( .)24وذلك من
خالل التقليص من حالة التناقض القائم بني ذات الفرد و بني مؤسسات النظام السياسيَ ،و خلق
شعور الثقة يف املواطن بأّنه قادر على التأثري يف القرارات احلكومية.
()ـ صالح سامل زرنوقة ،عبد العزيز شادي ،تجدد القيادة في الوطن الع@ربي ،الق88اهرة :مرك88ز الدراس88ات وحبوث ال88دول النامي88ة، 23
،2004ص137ـ .138
( -)2سعد إبراهيم مجعه ،الشباب والمشاركة السياسية ،القاهرة :دار الثقافة للنشر والتوزيع ،1984 ،ص .43 24
13
اجلماعات مع احلفاظ على تطوير الوحدة والتكامل بينها يف إطار هذا التنوع ،مما يضمن متتع النظام
السياسي بقدر كبري من الفاعلية والشرعية.
و مهما يكن ،فإّن األحزاب السياسية من خالل التنشئة السياسية تقوم كأداة إلحداث التغيري
يف االجتاهات والسلوكيات داخل اجملتمع .ويربز دورها جلّيا يف تنظيم اخلدمات اإلجتماعية
ألعضائها و تقدمي هلم فرص العمل ،و توزيع براجمها .كما توضح لألعضاء التاريخ القومي،
ومناقشة برامج التنمية اإلقتصادية اليت تصنعها احلكومة.
1ـ اسرتاتيجية اإلدماج أو ما يسمى "بوتقة الصهر" : Melting Potوتعين جتاهل وعدم اعرتاف
النظام السياسي بوجود انقس8امات داخلي8ة ديني8ة أو عرقي8ة أو قبلي8ة أو لغوي8ة يف اجملتم8ع .وهلذا ال يس8مح
النظ88ام بتع88دد األح88زاب منع88ا لظه88ور أح88زاب قبلي88ة أو عرقي88ة أو على أس88اس اللغ88ة واإلقليم هتدد وح88دة
الدولة وتعرقل عملية بناء األم8ة ،مفض8ال على ذل8ك تب8ين نظ8ام احلزب اجلم8اهريي الواح8د كبوتق8ة ص8هر
لكافة اجلماعات وكأداة لبث وتعميق قيم الوالء واالنتماء القومي يف نفوس مجيع املواطنني.
رغم ذلك ،أثبتت خربة نظ8ام احلزب الواح8د يف دول اجلن8وب بوج8ه خ8اص فش8ل ه8ذا النظ8ام يف أن
يصبح أداة للتكامل القومي .ويعود ذلك إىل عوامل عديدة من بينها:
أـ حتول احلزب إىل أداة يف ي 88د الس 88لطة احلاكم 88ة ،وس 88يطرة املع 88ايري البريوقراطي 88ة علي 88ه ،مما أفق 88ده فاعليت 88ه
كقناة اتصال بني احلاكم واحملكوم وكأداة لربط اجلماهري بالنظام السياسي.
ب ـ حتول احلزب احلاكم يف كث 88 8ري من احلاالت ،خصوص 88 8ا يف ال 88 8دول اإلفريقي 88 8ة إىل جمرد أداة لت 88 8دعيم
مص88احل وأوض88اع القبل8ة املس8يطرة ال8يت تنتمي إليه88ا يف الع88ادة الس8لطة احلاكم8ة أو على األق8ل ترتب8ط
هبا بروابط مصلحية (.)25
2ـ اس 88رتاتيجية الوح 88دة يف إط 88ار التن 88وع :تأخ 88ذ هبا النظم السياس 88ية الدميقراطي 88ة القائم 88ة على التعددي 88ة
واملنافس88ة احلزبي88ة .وتق88وم ه88ذه االس88رتاتيجية على أس88اس االق88رار بوج88ود تن88وع وتع88دد اجتم88اعي وثق88ايف،
( -)1حسن نافعة وآخرون ،المرجع السابق الذكر ،ص .320 25
14
وتوفري م8ا يل8زم من آلي8ات سياس8ية ك8األحزاب السياس8ية ومجاع8ات املص8احل لض8مان مش8اركة اجلماع8ات
املختلفة يف اجملتمع يف العملية السياسية وللتعبري عن مصاحلها يف إطار قيم التسامح والتعايش بني اجلمي88ع
يف جمتمع واحد ذي نظام دميقراطي تعددي .ويف مثل هذه النظم هتتم األحزاب السياس88ية كتل88ك املمثل88ة
يف اهليئ 88ة التش 88ريعية ،بإث 88ارة الرم 88وز القومي 88ة ال 88يت من ش 88أهنا تنمي 88ة مش 88اعر االنتم 88اء الق 88ومي ،وبوض 88ع
سياسات توفق بني املصاحل احمللية واملصاحل القومية من ناحي8ة وبني مص8احل اجلماع8ات املختلف8ة من ناحي8ة
أخرى.
15