Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 15

‫محاضرة رقم ‪4‬‬

‫موجهة لطلبة السنة األولى‬


‫مقياس‪ :‬مدخل إلى علم السياسة‬
‫موضوع المحاضرة‪:‬‬
‫األحزاب السياسية ودورها في عملية التنمية السياسية‬

‫أ‪.‬د‪ .‬طاشمة بومدين‬


‫أستاذ التعليم العالي‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫قسم العلوم السياسية‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫إن تعريف األحزاب السياسية البد من أن يبدأ كباقي الظواهر السياسية بالتأصيل النظري‪ ،‬كمحدد‬
‫لسماته األولية واليت تتحدد يف ثالث مسات‪:‬‬
‫ـ أن احلزب ه‪88 8 8‬و ج‪88 8 8‬زء من ك‪88 8 8‬ل‪ ،‬حيث أن كلم‪88 8 8‬ة ح‪88 8 8‬زب حبكم اللف‪88 8 8‬ظ نفس‪88 8 8‬ه ترتب‪88 8 8‬ط مبفه‪88 8 8‬وم اجلزء‬
‫« ‪ .» Part‬ولكن ب‪88‬الرغم من أن احلزب ميث‪88‬ل فق‪88‬ط ج‪88‬زءا من ك‪88‬ل إال أن ه‪88‬ذا اجلزء جيب أن يس‪88‬لك‬
‫منهجا غري جزئي‪ ،‬ويتصرف كجزء ذي ارتباط بالكل‪.‬‬
‫ـ أن األح‪88‬زاب ليس‪88‬ت هي الكت‪88‬ل أو األجنح‪88‬ة‪ ،‬مبع‪88‬ىن أن‪88‬ه م‪88‬ا مل يكن احلزب خمتلف‪88‬ا عن الكتل‪88‬ة أو اجلن‪88‬اح‬
‫فهو ليس حزبا‪ .‬فاألحزاب إمنا تطورت عن الكتل أو األجنح‪88‬ة ال‪88‬يت إرتبطت باإلنتخاب‪88‬ات واملمارس‪88‬ات‬
‫الربملانية ولكنها أضحت شيئا خمتلفا عنها‪.‬‬
‫ـ أن األح‪88‬زاب هي قن‪88‬وات للتعب‪88‬ري‪ ،‬مبع‪88‬ىن أن األح‪88‬زاب هي أدوات أو هيئ‪88‬ات تق‪88‬وم ب‪88‬التعبري عن مط‪88‬الب‬
‫(‪)1‬‬
‫إجتماعية حمددة‬
‫المطلب األول‪ :‬ماهية األحزاب السياسية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف الحزب السياسي‪:‬‬
‫إن مجي‪88‬ع التع‪88‬اريف ال‪88‬يت تن‪88‬اولت األح‪88‬زاب السياس‪88‬ية متح‪88‬ورت ح‪88‬ول إظه‪88‬ار اإليديولوجي‪88‬ة احلزبي‪88‬ة‬
‫من جه‪8‬ة‪ ،‬والق‪8‬وة التنظيمي‪8‬ة من جه‪8‬ة أخ‪8‬رى‪ .‬من هن‪8‬ا ك‪8‬انت الص‪8‬عوبة يف إعط‪8‬اء تعري‪8‬ف موح‪8‬د ج‪8‬امع‪.‬‬
‫ف ‪88‬احلزب السياس ‪88‬ي يعرف ‪88‬ه األس ‪88‬تاذ "جيوف@@اني س@@ارتوري" « ‪ » Giovani Sartori‬أن ‪88‬ه" مجاع ‪88‬ة‬
‫سياس ‪88 8‬ية تتق ‪88 8‬دم لإلنتخاب ‪88 8‬ات‪ ،‬وتك ‪88 8‬ون ق ‪88 8‬ادرة على أن تق ‪88 8‬دم من خالل تل ‪88 8‬ك اإلنتخاب ‪88 8‬ات مرش ‪88 8‬حني‬

‫‪ )(1‬ـ أسامة الغزايل حرب‪ ،‬المرجع السابق الذكر ‪ ،‬ص‪.18‬‬


‫‪1‬‬
‫للمناصب العامة"(‪ .)2‬أما األستاذ املتخص‪88‬ص "م‪88‬وريس دوفرجي‪88‬ه" « ‪» Maurice Duverger‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فيعرف احلزب أو أحزاب اجلماهري الشعبية بأهنا "تكتل املواطنني املتحدين حول ذات النظام"‬
‫يف حني ي‪88‬رى األس‪88‬تاذ"ب@@ول م@@ارابوتو" « ‪ » Paul Marabuto‬أن األح‪88‬زاب هي مجعي‪88‬ات‬
‫ه‪88‬دفها العم‪88‬ل السياس‪88‬ي‪ .‬ويق‪88‬رتب من ه‪88‬ذا التعري‪88‬ف التص‪88‬ور ال‪88‬ذي يب‪88‬دو أك‪88‬ثر دق‪88‬ة ومشوال ال‪88‬ذي قدم‪88‬ه‬
‫األس ‪88‬تاذ " قوق @@ال" « ‪ » Gogvel‬أن احلزب ه ‪88‬و جتم ‪88‬ع منتظم هدف ‪88‬ه املش ‪88‬اركة يف احلي ‪88‬اة السياس ‪88‬ية‬
‫بقصد اإلستيالء كليا أو جزئيا على السلطة حىت يتمكن من حتقيق أفكار ومصاحل أعضائه)‪.(4‬‬
‫أم‪88‬ا األس‪88‬تاذ "جوزي@@ف البالومب@@ارا" « ‪ ،» Joseph Lapalombara‬واألس‪88‬تاذ "م@@يرون‬
‫وينر" ‪ Weiner » «Myron‬فقد حددا عناصر مفهوم احلزب يف أربع نقاط أساسية‪:‬‬
‫ـ استمرارية التنظيم سواء من حيث الربنامج الزمين املتوقع له‪ ،‬أو سواء من حيث استمرار قيادته‪.‬‬
‫ـ امت ‪88‬داد التنظيم إىل املس ‪88‬توى احمللي‪ ،‬م ‪88‬ع وج ‪88‬ود اتص ‪88‬االت منتظم ‪88‬ة داخلي ‪88‬ة و بني الوح ‪88‬دات القومي ‪88‬ة و‬
‫احمللية‪.‬‬
‫ـ ت‪88‬وافر الرغب‪88‬ة ل‪88‬دى الق‪88‬ادة على ك‪88‬ل املس‪88‬تويني احمللي و الق‪88‬ومي للقي‪88‬ام بعملي‪88‬ة ص‪88‬نع الق‪88‬رار‪ ،‬وليس جمرد‬
‫التذكري على مستوى السلطة‪.‬‬
‫ـ اهتمام التنظيم بتجميع األنصار للحصول على التأييد الشعيب (‪.)5‬‬
‫وعلى ال‪88‬رغم من أن أغلب دارس‪88‬ي األح‪88‬زاب السياس‪88‬ية‪ ،‬ق‪88‬دموا تعريف‪88‬اهتم للح‪88‬زب السياس‪88‬ي ف‪88‬إن‬
‫البعض مل يهتم مبس ‪88 8‬ألة التعري ‪88 8‬ف بش ‪88 8‬كل مباش ‪88 8‬ر‪ ،‬ابت ‪88 8‬داء من كت ‪88 8‬اب األس ‪88 8‬تاذ الفرنس ‪88 8‬ي " م@ @@وريس‬
‫ديفرجي@@ه" «‪ » Maurice Duverger‬األح‪88‬زاب السياس‪88‬ية ال‪88‬ذي ص‪88‬در س‪88‬نة ‪ ،1951‬ال جند‬
‫في‪88 8 8‬ه تعريف‪88 8 8 8‬ا واض‪88 8 8 8‬حا للح‪88 8 8‬زب السياس‪88 8 8‬ي‪ .‬وك‪88 8 8‬ذلك األس‪88 8 8‬تاذ اإليط‪88 8 8‬ايل "جيوف@ @ @@اني س@ @ @@ارتوري"‬
‫« ‪ » Giovani Sartori‬يف مؤلف ‪88‬ه ال ‪88‬ذي ص ‪88‬در ‪ 1976‬بعن ‪88‬وان األح ‪88‬زاب والنظم احلزبي ‪88‬ة‪ ،‬مث‬
‫اس‪88 8‬تدرك املوق‪88 8‬ف نتيج‪88 8‬ة دخ‪88 8‬ول الدراس‪88 8‬ات احلزبي‪88 8‬ة ض‪88 8‬من عدي‪88 8‬د من اجملاالت السياس‪88 8‬ية‪ ،‬وظه‪88 8‬ور‬
‫األح ‪88‬زاب ب ‪88‬دول الع ‪88‬امل الث ‪88‬الث ليطل ‪88‬ق مص ‪88‬طلح "الظ ‪88‬اهرة احلزبي ‪88‬ة" للدالل ‪88‬ة على ك ‪88‬ل األح ‪88‬زاب أو أي‬
‫كي‪88‬ان ش‪88‬به ح‪88‬زيب يق‪88‬وم مبه‪88‬ام األح‪88‬زاب السياس‪88‬ية‪ ،‬ف‪88‬األحزاب هي كت‪88‬ل وأج‪88‬زاء وهيئ‪88‬ة للتمثي‪88‬ل الش‪88‬عيب‬
‫تقوم بالتعبري عن مطالب اجتماعية حمددة‪.‬‬

‫() ـ صادق األسود‪ ،‬المرجع السابق الذكر‪ ،‬ص‪.467‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪)( - Maurice Duverger , Les partis politiques, Paris : Colin, 1976,p. 240.‬‬
‫()ـ امساعيل الغ ‪88‬زال‪ ،‬الق @@انون الدس @@توري والنظم السياس @@ية‪ ،‬ط‪ ،1‬ب ‪88‬ريوت‪ :‬املؤسس ‪88‬ة اجلامعي ‪88‬ة للدراس ‪88‬ات والنش ‪88‬ر والتوزي ‪88‬ع‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ،1982‬ص‪.204‬‬
‫‪ )(5‬ـ أسامة الغزايل حرب‪ ،‬المرجع السابق الذكر‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪2‬‬
‫أم ‪88‬ا يف الفك ‪88‬ر املاركس ‪88‬ي فيع ‪88‬رف احلزب بأن ‪88‬ه "تنظيم يوح ‪88‬د املمثلني األك ‪88‬ثر نش ‪88‬اط بطبق ‪88‬ة معين ‪88‬ة‪،‬‬
‫ويعرب عن مصاحلها ويقودها يف الصراع الطبقي" (‪.)6‬‬
‫ويع‪88‬رف احلزب الش‪8‬يوعي بأن‪8‬ه " طليع‪88‬ة الطبقـات الكادح‪8‬ة ال‪8‬يت تس‪8‬عى إىل تص‪88‬فية اإلس‪8‬تغالل بش‪8‬ىت‬
‫أشكـاله وصوره هبدف الوصول إىل حكم‬
‫ديكتاتورية الربوليتاريا "(‪.)7‬‬
‫فمفه ‪88‬وم احلزب عن ‪88‬د الفك ‪88‬ر الش ‪88‬يوعي واالش ‪88‬رتاكي ه ‪88‬و ح ‪88‬زب طبقي حيث يتم الرتك ‪88‬يز في ‪88‬ه على‬
‫التك‪88 8‬وين االجتم‪88 8‬اعي للح‪88 8‬زب‪ ،‬واالرتباط‪88 8‬ات االقتص‪88 8‬ادية ألعض‪88 8‬ائه واملراتب ال‪88 8‬يت حيتلوهنا يف الس‪88 8‬لم‬
‫االجتم‪88‬اعي‪ .‬ف‪88‬احلزب يف الفك‪88‬ر املاركس‪88‬ي ه‪88‬و ج‪88‬زء من طبق‪88‬ة معين‪88‬ة‪ ،‬ب‪88‬ل وقس‪88‬م متق‪88‬دم أو طليعي يف‬
‫الطبقة‪ ،‬وأن احلزب الثوري أو العمايل يرتكز على طبقة العمال وميثل قاعدهتا‪.‬‬
‫أما األحزاب السياس‪8‬ية يف اخلربة اإلس‪8‬المية‪ ،‬ف‪8‬إن ك‪8‬ان طرحه‪8‬ا خيتل‪8‬ف عن املفه‪8‬وم الغ‪8‬ريب (اللي‪8‬ربايل‬
‫واملاركس‪88 8 8‬ي)‪ ،‬إال أهنا ك‪88 8 8‬انت موج‪88 8 8‬ودة من خالل الف‪88 8 8‬رق واألح‪88 8 8‬زاب اإلسالميـة‪.‬إذ ع‪88 8 8‬رف اجملتم ‪88 8‬ع‬
‫اإلس‪88‬المي املعارض‪88‬ة والتعددي‪88‬ة السياس‪88‬ية املنظم‪88‬ة من‪88‬ذ معرك‪88‬ة ص‪88‬فني‪ ،‬فنش‪88‬أت تي‪88‬ارات ك‪88‬ربى تق‪88‬وم ك‪88‬ل‬
‫منه ‪88‬ا على رؤي ‪88‬ة للديـن و الت ‪88‬اريخ ودور اإلنس ‪88‬ان واملوق ‪88‬ف من الس ‪88‬لطة والث ‪88‬ورة‪ ،‬وك ‪88‬ان أمهه ‪88‬ا اخلوارج‬
‫والش‪88‬يعة واملعتزل‪88‬ة ال‪88‬يت ك‪88‬ان هلا ب‪88‬رامج ومش‪88‬روعات للحكم تش‪88‬رتك يف مناهجه‪88‬ا اإلجتماعي‪88‬ة ومط‪88‬الب‬
‫جمتمعاهتا ومستوياهتا املعرفية(‪.)8‬‬
‫وخالصة الق‪8‬ول‪ ،‬تتف‪8‬ق ه‪8‬ذه التع‪8‬اريف املتباين‪8‬ة بأحقي‪8‬ة احلزب يف احلري‪8‬ة السياس‪8‬ية من أج‪8‬ل الوص‪8‬ول‬
‫إىل السلطة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الظاهرة الحزبية في النظرية السياسية الحديثة‪:‬‬


‫يف النظرية السياسية احلديثة تعترب األحزاب السياسية من أهم مالمح الدميقراطي‪88‬ة‪ ،‬وذل‪88‬ك باعتباره‪88‬ا‬
‫ممثل ‪88‬ة لإلرادة الش ‪88‬عبية‪ ،‬ال ‪88‬يت حتض ‪88‬ر ع ‪88‬رب االنتخاب ‪88‬ات‪ ،‬انتخاب ‪88‬ات داخلي ‪88‬ة من خالل انتخ ‪88‬اب األجه ‪88‬زة‬
‫املس‪88 8‬رية للح‪88 8‬زب وطني‪88 8‬ا وجهوي‪88 8‬ا وإقليمي‪88 8‬ا‪ ،‬وك‪88 8‬ذلك ع‪88 8‬رب املش‪88 8‬اركة يف املؤمترات واختي‪88 8‬ار مرش‪88 8‬حي‬
‫احلزب‪ ،‬وانتخاب ‪88‬ات خارجي ‪88‬ة ع ‪88‬رب تق ‪88‬دمي ب ‪88‬رامج والقي ‪88‬ام حبمالت انتخابي ‪88‬ة خارجي ‪88‬ة ع ‪88‬رب تق ‪88‬دمي ب ‪88‬رامج‬
‫والقيام حبمالت انتخابية إلقناع الناخبني‪ ،‬وذلك للوصول إىل احلكم‪ ،‬وأخريا لتطبيق برناجمها‪.‬‬

‫() ـ س ‪88‬ليم الزغ ‪88‬يب‪ ،‬األح@@زاب السياس@@ية والبرلم@@ان في التجرب@@ة األردني@@ة‪ ،‬يف‪ :‬املرش ‪88‬د إىل احلزب السياس ‪88‬ي‪ ،‬األردن‪ :‬مرك ‪88‬ز‬ ‫‪6‬‬

‫األردن اجلديد للدراسات‪ ،1995 ،‬ص ‪.82‬‬


‫() ـ كام‪88‬ل زه‪88‬ريي‪ ،‬موس‪88‬وعة اهلالل االش‪88‬رتاكية‪ ،‬نقال عن‪ :‬ن‪88‬اجي عب‪88‬د الن‪88‬ور‪ ،‬النظ@@ام السياس@@ي الجزائ@@ري من األحادي@@ة إلى‬ ‫‪7‬‬

‫التعددية السياسية‪ ،‬اجلزائر‪ :‬مديرية النشر جلامعة قاملة‪،2006 ،‬ص‪.29‬‬


‫()ـ راشد الغنوشي‪ ،‬الحريات في الدولة اإلسالمية‪ ،‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،1982 ،‬ص‪.250‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪3‬‬
‫واألح ‪88‬زاب السياس ‪88‬ية هبذا املع ‪88‬ىن‪ ،‬متث ‪88‬ل التي ‪88‬ارات الفكري ‪88‬ة والسياس ‪88‬ية املوج ‪88‬ودة يف اجملتم ‪88‬ع‪ ،‬وال ‪88‬يت‬
‫تتن‪88‬افس على ف‪88‬رض براجمه‪88‬ا‪ ،‬ع‪88‬رب إقن‪88‬اع الن‪88‬اخبني ال‪88‬ذين ميثل‪88‬ون فئ‪88‬ات عريض‪88‬ة من الش‪88‬عب‪ ،‬وهي ب‪88‬ذلك‬
‫تق ‪88‬وم بوظيف ‪88‬ة يف غاي ‪88‬ة من األمهي ‪88‬ة‪ ،‬وهي وظيف ‪88‬ة ترش ‪88‬يد اإلختالف بني التي ‪88‬ارات الفكري ‪88‬ة والسياس ‪88‬ية‬
‫والديني ‪88‬ة داخ ‪88‬ل اجملتم ‪88‬ع‪ ،‬ألن التن ‪88‬افس االنتخ ‪88‬ايب ه ‪88‬و احملدد الوحي ‪88‬د لف ‪88‬رض الربن ‪88‬امج االنتخ ‪88‬ايب‪ ،‬وليس‬
‫احملدد هو الصراع والتناحر القبلي ةاإلثين واملذهيب‪.‬‬
‫ل‪88‬ذلك جند األح‪88‬زاب السياس‪88‬ية ق‪88‬د حض‪88‬رت ك‪88‬ركن أساس‪88‬ي ض‪88‬من النظري‪88‬ة السياس‪88‬ية احلديث‪88‬ة‪ ،‬فال‬
‫ميكن تص‪88‬ور دول‪8‬ة دميقراطي‪8‬ة من دون أح‪8‬زاب ومن دون تن‪8‬افس انتخ‪8‬ايب ومن دون ت‪8‬داول س‪8‬لمي على‬
‫السلطة‪ ،‬وحىت يف األنظمة امللكية‪ ،‬أص‪88‬بحت األح‪8‬زاب السياس‪8‬ية تق‪88‬وم ب‪8‬دور أساس‪8‬ي يف بل‪8‬ورة املفه‪88‬وم‬
‫احلديث للسياسة‪ ،‬والذي يربط ممارسة السلطة باإلرادة الشعبية‪.‬‬
‫وق‪88‬د ارتب‪88‬ط املفه‪88‬وم احلديث لألح‪88‬زاب السياس‪88‬ية تارخيي‪88‬ا باملرجعي‪88‬ة الليربالي‪88‬ة احلداثي‪88‬ة ال‪88‬يت جنحت يف‬
‫إح‪88‬داث قطيع‪88‬ة م‪88‬ع املفه‪88‬وم الق‪88‬دمي للس‪88‬لطة باعتباره‪88‬ا إهلي‪88‬ة مطلق‪88‬ة‪ ،‬ويف املقاب‪88‬ل أسس‪88‬ت مفه‪88‬وم ح‪88‬ديث‬
‫يعترب السلطة شأنا بشريا خالصا‪ ،‬ميارسها الشعب عرب ممثليه الذين ينتخبهم من بني مرشحيه‪ ،‬تق‪88‬دمهم‬
‫األحزاب السياسية كممثلني لرباجمها االنتخابية‪.‬‬
‫وق ‪88‬د حض ‪88‬رت األح ‪88‬زاب السياس ‪88‬ية يف الفق ‪88‬ه املعاص ‪88‬ر‪ ،‬باعتباره ‪88‬ا تنظيم ‪88‬ات دائم ‪88‬ة على املس ‪88‬تويني‬
‫القومي واحمللي‪ ،‬تسعى للحصول على مساندة شعبية هبدف الوصول إىل السلطة وممارس‪88‬تها‪ ،‬من أج‪88‬ل‬
‫تنفيذ سياسة حمددة(‪.)9‬‬
‫ومن خالل هذا التعريف‪ ،‬ميكن الرتكيز على ثالثة مقومات أساسية للحزب السياسي‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ممارس @@ة الس @@لطة‪ :‬تعت‪88 8‬رب الرغب‪88 8‬ة يف الوص‪88 8‬ول إىل احلكم وممارس‪88 8‬ة الس‪88 8‬لطة أهم مقوم‪88 8‬ات احلزب‬
‫السياسي‪ ،‬وه‪8‬ذا م‪8‬ا مييزه عن مجاع‪8‬ات الض‪8‬غط ‪ ،Groupes de pression‬ف‪8‬إذا ك‪8‬انت وظ‪8‬ائف‬
‫هذه األخرية تتوقف عند التأثري على ممارسي السلطة والضغط عليهم لتحقيق مصاحل فئوية خاص‪88‬ة هبا‪،‬‬
‫ف‪88‬إن احلزب السياس‪88‬ي يس‪88‬عى للوص‪88‬ول إىل الس‪88‬لطة لتط‪88‬بيق برناجمه اإلنتخ‪88‬ايب‪ ،‬ال‪88‬ذي مكن‪88‬ه من األغلبي‪88‬ة‬
‫الربملاني ‪88‬ة‪ ،‬ه ‪88‬ذه األغلبي ‪88‬ة تفق ‪88‬د مش ‪88‬روعيتها إذا مل تتح ‪88‬ول إىل حكوم ‪88‬ة مس ‪88‬تقلة‪ ،‬متتل ‪88‬ك س ‪88‬لطة تش ‪88‬ريعية‬
‫وتنفيذية متكنها من تطبيق برناجمها االنتخايب‪ ،‬مع اخلضوع إىل الرقاب‪8‬ة الش‪8‬عبية‪ .‬ف‪8‬احلزب السياس‪8‬ي هبذا‬
‫املع ‪88‬ىن يفق ‪88‬د مس ‪88‬وغ وج ‪88‬وده كم ‪88‬ا يفق ‪88‬د قيمت ‪88‬ه السياس ‪88‬ية‪ ،‬إذا مل تت ‪88‬وفر ل ‪88‬ه الش ‪88‬روط املالئم ‪88‬ة ملمارس ‪88‬ة‬
‫السلطة ـ تشريعيا وتنفيذيا ـ باعتباره ممثال لإلرادة الشعبية اليت قادته يف االنتخابات إىل ممارسة احلكم‪.‬‬

‫()ـ سعاد الشرقاوي‪ ،‬األحزاب السياسية (أهميتها‪ ،‬نشأتها‪ ،‬نش@اطها)‪ ،‬الق‪88‬اهرة‪ :‬مرك‪88‬ز البح‪88‬وث الربملاني‪88‬ة‪ ،‬ج‪88‬وان ‪ ،2005‬ص‬ ‫‪9‬‬

‫‪.13‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ 2‬ـ الحص@@ول على المس@@اندة الش@@عبية‪ :‬يس‪88‬تند احلزب السياس‪88‬ي أساس‪88‬ا على متثي‪88‬ل اإلرادة الش‪88‬عبية‪ ،‬إذ‬
‫يعمل على بلورة اإلرادة الشعبية عرب االنتخابات‪ ،‬على ش‪8‬ك ق‪8‬رارات سياس‪8‬ية بع‪8‬د وص‪8‬وله إىل احلكم‪.‬‬
‫وه‪88 8‬و ب ‪88‬ذلك ميارس س ‪88‬لطة ش ‪88‬رعية باعتب ‪88‬اره حاص‪88 8‬ال على املس ‪88‬اندة الش ‪88‬عبية‪ ،‬ال ‪88‬يت جتس ‪88‬دها ص ‪88‬ناديق‬
‫االق ‪88‬رتاع‪ .‬وهبذا املع ‪88‬ىن ف ‪88‬إن أي س ‪88‬لطة سياس ‪88‬ية تفق ‪88‬د ش ‪88‬رعيتها إذا مل حتص ‪88‬ل على املس ‪88‬اندة الش ‪88‬عبية‪،‬‬
‫وتصبح بذلك مغتصبة للحكم‪ ،‬وجيب على الشعب إخضاعها لإلرادة الشعبية‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ تنفي@@ذ سياس@@ة مح@@ددة‪ :‬ترتب ‪88‬ط ه ‪88‬ذه السياس ‪88‬ة بالض ‪88‬رورة بالربن ‪88‬امج االنتخ ‪88‬ايب ال ‪88‬ذي يقدم ‪88‬ه احلزب‬
‫لناخبي‪88 8‬ه‪ ،‬ويل‪88 8‬تزم بتطبيق‪88 8‬ه إذا جنح يف االنتخاب‪88 8‬ات ووص‪88 8‬ل إىل احلكم‪ ،‬وح‪88 8‬ىت يس‪88 8‬تطيع احلزب تط‪88 8‬بيق‬
‫برناجمه االنتخ‪8‬ايب بع‪8‬د حص‪8‬وله على األغلبي‪8‬ة الربملاني‪8‬ة‪ ،‬ال ب‪8‬د أن تت‪8‬وفر ل‪8‬ه الش‪8‬روط السياس‪8‬ية الض‪8‬رورية‬
‫املرتبط‪8‬ة مبمارس‪8‬ة جمم‪8‬وع الس‪8‬لطات (التش‪8‬ريعية‪ ،‬التنفيذي‪8‬ة) ال‪8‬يت ختوهلا ل‪8‬ه الش‪8‬رعية الش‪8‬عبية ال‪8‬يت ميتلكه‪88‬ا‬
‫عرب االنتخابات(‪. )10‬‬
‫ه‪88‬ذه املقوم‪88‬ات هي أس‪88‬اس النظري‪88‬ة السياس‪88‬ية احلديث‪88‬ة للح‪88‬زب السياس‪88‬ي‪ ،‬كم‪88‬ا ظه‪88‬ر خالل النص‪88‬ف‬
‫الث‪88‬اين من الق‪88‬رن التاس‪88‬ع عش‪88‬ر‪ ،‬وتط‪88‬ور خالل الق‪88‬رن العش‪88‬رين‪ ،‬ويع‪88‬د اآلن من أهم رك‪88‬ائز الدميقراطي‪88‬ة‪.‬‬
‫ففي األنظم‪88‬ة اجلمهوري‪88‬ة ال ميكن مثال تص‪88‬ور النظ‪88‬ام السياس‪88‬ي الفرنس‪88‬ي خ‪88‬ارج إط‪88‬ار احلزبني (اإلحتاد‬
‫من أج ‪88‬ل حرك ‪88‬ة ش ‪88‬عبية اليمي ‪88‬ين‪ ،‬واحلزب اإلش ‪88‬رتاكي اليس ‪88‬اري)‪ ،‬وح ‪88‬ىت يف األنظم ‪88‬ة امللكي ‪88‬ة‪ ،‬ال ميكن‬
‫تص‪8‬ور النظ‪8‬ام السياس‪8‬ي الربيط‪8‬اين مثال خ‪8‬ارج إط‪8‬ار احلزبني (العم‪8‬ال واحملافظون)‪ ،‬كم‪8‬ا ال ميكن تص‪8‬ور‬
‫النظام السياسي اإلسباين خارج إطار احلزبني (االشرتاكي والشعيب)‪.‬‬
‫وس‪88‬واء يف األنظم‪88‬ة السياس‪88‬ية اجلمهوري‪88‬ة أو امللكي‪88‬ة‪ ،‬ف‪88‬إن األح‪88‬زاب السياس‪88‬ية باعتباره‪88‬ا مؤسس‪88‬ات‬
‫دميقراطي‪88‬ة‪ ،‬متارس الس‪88‬لطة وتطب‪88‬ق براجمه‪88‬ا السياس‪88‬ية وحتص‪88‬ل على ال‪88‬دعم الش‪88‬عيب انتخابي‪88‬ا‪ ،‬وباعتباره‪88‬ا‬
‫املمث ‪88‬ل الوحي ‪88‬د لإلرادة الش ‪88‬غبية‪ ،‬فهي متتل ‪88‬ك مجي ‪88‬ع الس ‪88‬لطات تش ‪88‬ريعيا وتنفي ‪88‬ذيا‪ ،‬ب ‪88‬ل وحتض ‪88‬ر كس ‪88‬لطة‬
‫مس‪88‬تقلة ب‪88‬ذاهتا‪ ،‬إذ أن هن‪88‬اك آراء يف ال‪88‬دول الغربي‪88‬ة الليربالي‪88‬ة تق‪88‬رتح أن تص‪88‬بح هيئ‪88‬ة الن‪88‬اخبني س‪88‬لطة إىل‬
‫ج ‪88 8‬انب س ‪88 8‬لطات ال ‪88 8‬دول الثالث املعروف ‪88 8‬ة‪ ،‬ويس ‪88 8‬مي "م ‪88 8‬وريس هوري ‪88 8‬و" هيئ ‪88 8‬ة الن ‪88 8‬اخبني ب "س ‪88 8‬لطة‬
‫االقرتاع"‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تصنيف النظم الحزبية‪:‬‬


‫توجد أنواع متعددة من األحزاب وختتلف باختالف طريق‪8‬ة تنظيمه‪8‬ا‪ ،‬كم‪8‬ا توج‪8‬د اختالف‪8‬ات بني‬
‫نظم األح‪88‬زاب من حيث ع ‪88‬ددها‪ ،‬وحجم ك‪88‬ل ح‪88‬زب بالنس‪88‬بة لألح‪88‬زاب األخ‪88‬رى‪ ،‬واس‪88‬رتاتيجية عم‪88‬ل‬

‫()ـ إدريس جنداري‪ " ،‬التجربة احلزبية يف املغرب غموض التصور وإعاق‪88‬ة املمارس‪88‬ة "‪ ،‬وجه@ة نظ@ر‪ ،‬الع‪88‬دد ‪ ،51‬الس‪88‬نة السادس‪88‬ة‬ ‫‪10‬‬

‫عشر‪ ،‬شتاء ‪ ،2012‬ص ‪.28‬‬

‫‪5‬‬
‫كل منها‪ .‬فمجموع كل هذه العالقات بني األحزاب يك‪8‬ون نظام‪8‬ا من العالق‪8‬ات الثابت‪8‬ة نس‪8‬بيا‪ .‬ونتيج‪8‬ة‬
‫الختالف ه‪88‬ذه العالق‪88‬ات بني األح‪88‬زاب من دول‪88‬ة إىل أخ‪88‬رى ق‪88‬د يك‪88‬ون النظ‪88‬ام احلزيب الس‪88‬ائد يف الدول‪88‬ة‬
‫ه‪8‬و نظ‪8‬ام تع‪8‬دد األح‪8‬زاب‪ ،‬أو نظ‪8‬ام احلزبني‪ ،‬أو نظ‪8‬ام احلزب الواح‪8‬د‪ .‬ومن املتف‪8‬ق علي‪8‬ه أن‪8‬ه ال ميكن فهم‬
‫طريق‪88‬ة س‪88‬ري أي نظ‪88‬ام سياس‪88‬ي لدول‪88‬ة م‪88‬ا إال إذا عرفن‪88‬ا النظ‪88‬ام احلزيب الق‪88‬ائم‪ ،‬وعالق‪88‬ات األح‪88‬زاب بعض‪88‬ها‬
‫بعض‪ ،‬وكيفية امتزاج النظام احلزيب بالنظام السياسي للدولة ككل‪.‬‬
‫ويتم يف الع‪88‬ادة تص‪88‬نيف الفقه‪88‬اء واملختص‪88‬ني يف علم السياس‪88‬ة النظم احلزبي‪88‬ة حس‪88‬ب معي‪88‬ارين‪ ،‬أوهلم‪88‬ا‬
‫ع‪88 8‬دد األح‪88 8‬زاب حيث يتم على أساس‪88 8‬ه التمي‪88 8‬يز بني نظ‪88 8‬ام احلزب الواح‪88 8‬د واحلزبني زتع‪88 8‬دد األح ‪88‬زاب‪،‬‬
‫وثانيهم‪88‬ا درج‪88‬ة املنافس‪88‬ة السياس‪88‬ية وت‪88‬داول الس‪88‬لطة حيث تص‪88‬نف إىل نظم حزبي‪88‬ة غ‪88‬ري تنافس‪88‬ية وتش‪88‬مل‬
‫نظام احلزب الواحد‪ ،‬ونظم حزبية تنافسية وتتضمن نظامي احلزبني وتعدد األحزاب‪ ،‬ونظم حزبي‪8‬ة ش‪8‬به‬
‫تنافسية وهي نظم التعددية احلزبية املقيدة يف الدول النامية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬النظم الحزبية التنافسية‪:‬‬


‫إن النظم التنافس‪88‬ية تت‪88‬درج يف درج‪88‬ة التن‪88‬افس املس‪88‬موح هبا لألح‪88‬زاب‪ ،‬ويف م‪88‬دى احلري‪88‬ة املرتوك‪88‬ة‬
‫لتك ‪88‬وين األح ‪88‬زاب‪ ،‬ويف ن ‪88‬وع العالق ‪88‬ات املتبادل ‪88‬ة بني األح ‪88‬زاب املتنافس ‪88‬ة‪ .‬ول ‪8‬ذلك حيس ‪88‬ن القي ‪88‬ام بعملي ‪88‬ة‬
‫تص‪88 8‬نيف داخلي ‪88‬ة بالنس ‪88‬بة للنظم التنافس ‪88‬ية تعتم ‪88‬د على درج ‪88‬ة التن ‪88‬افس املتاح ‪88‬ة لألح ‪88‬زاب‪ .‬وعلى ه ‪88‬ذا‬
‫األس ‪88‬اس ميكن ت ‪88‬رتيب األح ‪88‬زاب التنافس ‪88‬ية يف ش ‪88‬كل منح ‪88‬ىن تن ‪88‬ازيل يت ‪88‬درج في ‪88‬ه التن ‪88‬افس من أعلى إىل‬
‫أسفل‪ ،‬وهذا املنحىن املتدرج يؤدي إىل ترتيب األحزاب التنافسية على النحو التايل‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ نظام تعدد األحزاب‪:‬‬
‫‪ 2‬ـ نظام احلزبني ‪:‬‬
‫‪ 3‬ـ نظام احلزب املسيطر‪:‬‬
‫كم ‪88‬ا ميكن ت ‪88‬دريج األح ‪88‬زاب بش ‪88‬كل أك ‪88‬ثر تفص ‪88‬يال‪ ،‬فك ‪88‬ل ش ‪88‬كل من ه ‪88‬ذه األش ‪88‬كال الثالث ‪88‬ة ميكن‬
‫تقسيمه إىل قسمني‪:‬‬
‫فنظام تعدد األحزاب ينقسم إىل‪ :‬تعدد األحزاب الكامل أو التام‪ ،‬وتعدد األحزاب املعتدل‪.‬‬
‫ونظام احلزبني ينقسم إىل‪ :‬نظام حزبني جامد‪ ،‬ونظام حزبني مرن‪.‬‬
‫ونظ ‪88‬ام احلزب املس ‪88‬يطر ينقس ‪88‬م إىل‪ :‬نظ ‪88‬ام ح ‪88‬زب مس ‪88‬يطر ع ‪88‬ادي‪ ،‬ونظ ‪88‬ام ح ‪88‬زب مس ‪88‬يطر ش ‪88‬ديد‬
‫السيطرة(‪.)11‬‬

‫‪ 1‬ـ نظام تعدد األحزاب ‪:multipartisme Les systémes du‬‬

‫()ـ سعاد الشرقاوي‪ ،‬المرجع السابق الذكر‪ ،‬ص ‪.242‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪6‬‬
‫تتب‪88‬ىن أغلب ال‪88‬دول الغربي‪88‬ة نظ‪88‬ام تع‪88‬دد األح‪88‬زاب ب‪88‬درجات متفاوت‪88‬ة وذل‪88‬ك باس‪88‬تثناء بعض ال‪88‬دول‬
‫األجنلوسكس‪88‬ونية‪ ،‬ك‪88‬إجنلرتا والوالي‪88‬ات املتح‪88‬دة وكن‪88‬دا ونيوزين‪88‬دا واسس‪88‬رتاليا‪ ،‬ال‪88‬يت تتب‪88‬ىن نظ‪88‬ام احلزبني‪،‬‬
‫كم‪88‬ا توج‪88‬د يف دول أخ‪88‬رى كالياب‪88‬ان واهلن‪88‬د وباكس‪88‬تان وتركي‪88‬ا وال‪88‬دميقراطيات اجلدي‪88‬دة يف دول ش‪88‬رق‬
‫أوربا وبعض الدول االفريقية جنوب الصحراء‪.‬‬
‫ويتص‪88‬ف ه‪88‬ذا النظ‪88‬ام باتس‪88‬اع نط‪88‬اق األح‪88‬زاب املش‪88‬اركة يف املنافس‪88‬ة على الس‪88‬لطة‪ ،‬ويتمكن احلزب‬
‫الفائز باألغلبية الربملانية الالزمة يف تشكيل احلكومة مبف‪8‬رده‪ ،‬أو ق‪8‬د تك‪8‬وين إئتالف حك‪8‬ومي بني ح‪8‬زبني‬
‫أو أك‪88‬ثر يف حال‪88‬ة ع‪88‬دم ني‪88‬ل أي ح‪88‬زب ه‪88‬ذه األغلبي‪88‬ة‪ .‬ويع‪88‬د ه‪88‬ذا النظ‪88‬ام دعام‪88‬ة للدميقراطي‪88‬ة ألن‪88‬ه يض‪88‬من‬
‫انتقال السلطة وتداوهلا سلميا عرب االنتخابات‪ ،‬وانتشار السلطة واملشاركة والرقابة (‪.)12‬‬

‫أـ تع ‪88‬دد األح ‪88‬زاب الت ‪88‬ام ‪ :Le multipartisme Intégral‬يقص ‪88‬د بتع ‪88‬دد األح ‪88‬زاب الت ‪88‬ام أو‬
‫الكام‪88‬ل ال‪8‬ذي يوج‪88‬د في‪88‬ه ع‪88‬دد كب‪88‬ري من األح‪88‬زاب الص‪88‬غرية ال‪88‬يت ال حتاول التكت‪88‬ل أو التجم‪88‬ع‪ ،‬إذ حياول‬
‫كل حزب أن يتمسك مبوقفه ال‪8‬ذي يع‪8‬رب ب‪8‬ه عن مص‪8‬احل فئ‪8‬ة حمدودة‪ ،‬دون أن يهتم مبحاول‪8‬ة التوفي‪8‬ق بني‬
‫مصاحل هذه الفئـة ومصاحل‬
‫الفئات األخرى‪.‬‬

‫ب ـ تع‪8‬دد األح‪8‬زاب املعت‪8‬دل‪ :tempéré Le multipartisme‬يع‪8‬ىن ه‪8‬ذا النظ‪8‬ام وج‪8‬ود حتالف‬


‫ثابت ومتج‪8‬انس بني األح‪8‬زاب ي‪8‬ؤدي إىل تك‪8‬وين جبه‪8‬تني كب‪8‬ريتني ك‪8‬ل جبه‪8‬ة تض‪8‬م ع‪8‬ددا من األح‪8‬زاب‬
‫املتقاربة يف االجتاهات السياسية هاتان اجلبهتان تتقدمان للن‪8‬اخب بربن‪8‬اجمني حبيث يس‪8‬هل علي‪8‬ه االختي‪8‬ار‪،‬‬
‫كما تقوم كل جبهة مكونة من عدد من األحزاب بالعمل مع‪88‬ا كوح‪8‬دة واح‪8‬دة داخ‪8‬ل الربملان‪ .‬وي‪8‬ؤدي‬
‫هذا االئتالف والتكتل إىل إدخال تعديل جوهري على نظام تعدد األحزاب إىل حد جيعله شبيها بنظ‪88‬ام‬
‫احلزبني (‪.)13‬‬
‫ويعتم‪88‬د نظ‪88‬ام تع‪88‬دد األح‪88‬زاب املعت‪88‬دل على درج‪88‬ة ص‪88‬البة التح‪88‬الف وعلى كيفي‪88‬ة حتقي‪88‬ق اإلئتالف‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى فإن تع‪8‬دد األح‪8‬زاب املعت‪8‬دل يتوق‪8‬ف على طبيع‪8‬ة األح‪8‬زاب الداخل‪8‬ة يف التح‪8‬الف‪ ،‬وم‪8‬ا إذا‬
‫كانت أحزاب‪8‬ا جام‪8‬دة تف‪8‬رض على الن‪8‬واب املنتمني إليه‪8‬ا التص‪8‬ويت على حنو معني‪ ،‬أم أحزاب‪8‬ا مرن‪8‬ة ت‪8‬رتك‬
‫ألعض‪88‬ائها حري‪88‬ة التص‪88‬ويت‪ .‬ويع‪88‬ين ه‪88‬ذا أن طريق‪88‬ة ودرج‪88‬ة تنظيم األح‪88‬زاب الداخل‪88‬ة يف التح‪88‬الف ت‪88‬ؤثر‬
‫على نظام تعدد األحزاب‪.‬‬

‫()ـ حسن نافعة وآخرون‪ ،‬المرجع السابق الذكر‪ ،‬ص ‪.330‬‬ ‫‪12‬‬

‫() ـ سعاد الشرقاوي‪ ،‬المرجع السابق الذكر‪ ،‬ص ‪.245‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪7‬‬
‫‪2‬ـ نظام احلزبني السياسيني ‪:bipartisme Les systémes du‬‬
‫يف هذا النظام يتنافس على السلطة ويتداوهلا حزب‪8‬ان كب‪8‬ريان‪ ،‬ومن أش‪8‬هر مناذج‪8‬ه‪ ،‬الوالي‪8‬ات املتح‪8‬دة‬
‫األمريكية (احلزبان الدميقراطي واجلمهوري)‪ ،‬وبريطانيا (حزبا العم‪8‬ال واحملافظني)‪ .‬ويف كال النم‪8‬وذجني‬
‫توجد أيضا أحزاب أخرى ولكنها ضعيفة‪ ،‬مما جيعل املنافسة على السطة قاصرة على احلزبني الكبريين‪.‬‬
‫ويف هذا اإلطار جيب أن منيز بني شكلني من نظام احلزبني‪ :‬فهناك نظام احلزبني اجلامد والذي يق‪88‬وم‬
‫على تنظيم تص ‪88 8‬ويت أعض ‪88 8‬اء احلزب يف الربملان‪ ،‬حبيث يل ‪88 8‬زمهم بالتص ‪88 8‬ويت على حنو معني يف املس‪88 8‬ائل‬
‫اهلامة‪ ،‬كما أن هناك نظام احلزبني املرن الذي يرتك حرية التصويت ألعضائه‪.‬‬
‫وتعترب بريطاني‪8‬ا منوذج‪8‬ا لنظ‪8‬ام احلزبني اجلام‪8‬د‪ ،‬إذ يتعني على الن‪8‬واب الربملانيني أعض‪8‬اء احلزب اتب‪8‬اع‬
‫تعليم ‪88‬ات احلزب عن ‪88‬د التص ‪88‬ويت داخ ‪88‬ل الربملان وإال وق ‪88‬ع عليهم عقوب ‪88‬ة الع ‪88‬زل‪ .‬وي ‪88‬ؤدي ه ‪88‬ذا التنظيم‬
‫اجلامد إىل توفري الثبات واالستقرار والسيطرة للحكوم‪88‬ة‪ ،‬إذ يك‪88‬ون رئيس احلكوم‪88‬ة متأك‪88‬دا من إخالص‬
‫ووالء األغلبية اليت تسانده‪.‬‬
‫وعلى العكس فإن الواليات املتحدة تعترب منوذجا لنظ‪88‬ام احلزبني املرن‪ ،‬فال يف‪88‬رض ألي من احلزبني‬
‫نظاما على نواب احلزب فكل عضو من أعضاء الك‪8‬وجنرس ل‪8‬ه حري‪8‬ة التص‪8‬ويت دون أن يسنش‪8‬ري حزب‪8‬ه‪.‬‬
‫ونتيج ‪88‬ة ل ‪88‬ذلك ميكن أن ي ‪88‬ؤدي ه ‪88‬ذا النظ ‪88‬ام املرن إىل ع ‪88‬دم اس ‪88‬تقرار الس ‪88‬لطة التنفيذي ‪88‬ة إذا مل يكن هن ‪88‬اك‬
‫فصل عضوي بني السلطات يوفر االستقرار للحكومة‪ .‬ولعل هذا ه‪88‬و الس‪88‬بب يف أن نظ‪88‬ام احلزبني املرن‬
‫يف الوالي‪88‬ات املتح‪88‬دة ال ي‪88‬ؤثر على اس‪88‬تقرار احلكوم‪88‬ة‪ ،‬ألن النظ‪88‬ام الرئاس‪88‬ي األم‪88‬ريكي ق‪88‬ائم على الفص‪88‬ل‬
‫العضوي بني السلطات‪.‬‬

‫‪3‬ـ نظام احلزب املسيطر ‪:Parti dominant‬‬


‫يف ظ ‪88‬ل نظ ‪88‬ام احلزب املس ‪88‬يطر يك ‪88‬ون داخ ‪88‬ل الدول ‪88‬ة أك ‪88‬ثر من ح ‪88‬زبني‪ ،‬ولكن أح ‪88‬د األح ‪88‬زاب وه ‪88‬و‬
‫احلزب املس‪88‬يطر يس‪88‬تأثر بالس‪88‬لطة نظ‪88‬را لقوت‪88‬ه وحلص‪88‬وله على األغلبي‪88‬ة حتول بني األح‪88‬زاب األخ‪88‬رى وبني‬
‫إمكاني‪88 8 8‬ة وص ‪88 8‬وهلا إىل الس‪88 8 8‬لطة‪ .‬ومن هن‪88 8 8‬ا ميكن التمي‪88 8 8‬يز بني نظ‪88 8 8‬ام احلزب املس‪88 8 8‬يطر الع ‪88 8‬ادي ‪Parti‬‬
‫‪ ،dominant‬ونظام احلزب شديد السيطرة ‪.Parti ulta-dominant‬‬
‫أ ـ احلزب املس ‪88 8‬يطر الع ‪88 8‬ادي‪ :‬يتم ‪88 8‬يز احلزب املس ‪88 8‬يطر بأن ‪88 8‬ه يتمت ‪88 8‬ع مبرك ‪88 8‬ز وحجم كب ‪88 8‬ريين‪ ،‬كم ‪88 8‬ايتمتع‬
‫مبركزمتم‪88‬يز باملقارن‪88‬ة جبمي‪88‬ع األح‪88‬زاب األخ‪88‬رى‪ .‬وحيتف‪88‬ظ احلزب املس‪88‬يطر مبرك‪88‬زه املتف‪88‬وق نتيج‪88‬ة لتع‪88‬دد‬
‫وض ‪88‬عف األح‪88‬زاب املنافس‪88‬ة ل‪88‬ه‪ ،‬وه ‪88‬و ب‪88‬ذلك خيتل‪88‬ف اختالف‪88‬ا جوهري‪88‬ا عن نظ‪88‬ام احلزب الواح‪88‬د‪ ،‬ال‪88‬ذي‬
‫حيتكر احلياة السياسية نتيجة ملنع إنشاء األحزاب السياسية بنص الدستور‪.‬‬
‫ب ـ احلزب شديد السيطرة‪ :‬يكمن اخلالف األساس‪8‬ي بني نظ‪8‬ام احلزب املس‪8‬يطر الع‪8‬ادي ونظ‪8‬ام احلزب‬
‫شديد السيطرة يف حجم احلزب املس‪8‬يطر وع‪8‬دد أص‪8‬وات الن‪8‬اخبني ال‪8‬يت حيص‪8‬ل عليه‪8‬ا ونس‪8‬بة املقاع‪8‬د ال‪8‬يت‬

‫‪8‬‬
‫حيتلها داخل الربملان‪ .‬فاحلزب املسيطر العادي ال يتعدى ما حيصل عليه نسبة ‪ %40‬من األص‪88‬وات ال‪8‬يت‬
‫مت اإلدالء هبا‪ ،‬إال يف حاالت نادرة إستثنائية‪ .‬ه‪8‬ذا اإلس‪8‬تثناء يع‪8‬د القاع‪8‬دة العام‪8‬ة بالنس‪8‬بة للح‪8‬زب ش‪8‬ديد‬
‫الس‪88‬يطرة ال‪88‬ذي حيص‪88‬ل على األغلبي‪88‬ة املطلق‪88‬ة من األص‪88‬وات‪ ،‬كم‪88‬ا يف‪88‬وز ب‪88‬أكثر من نص‪88‬ف ع‪88‬دد مقاع‪88‬د‬
‫الربملان‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الظم الحزبية غير التنافسية‪:‬‬


‫يتمثل جوهر ه ذه النظم يف انعدام املنافسة السياسية واحتكار حزب واحد للسلطة‪ ،‬وميكن يف هذا‬
‫السياق التمييز بني عدة أنواع هلذه النظم‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫أ ـ نظ‪8‬ام احلزب الواح‪8‬د يف ال‪8‬دول الش‪8‬مولية‪ :‬حيتك‪8‬ر الس‪8‬لطة ح‪8‬زب واح‪8‬د يهيمن على الس‪8‬احة السياس‪8‬ية‬
‫وال يسمح باملعارض‪8‬ة‪ ،‬وينطل‪8‬ق من إيديولوجي‪8‬ة سياس‪8‬ية متكامل‪8‬ة حتدد الغاي‪8‬ات العلي‪8‬ا للمجتم‪8‬ع ووس‪8‬ائل‬
‫وسبل حتقيقها‪ ،‬ويعترب أداة النظام السياسي يف تنشئة اجملتمع وفق مبادئ ه‪88‬ذه اإليديولوجي‪8‬ة‪ ،‬ومن أمثلت‪8‬ه‬
‫نظام احلزب الواحد يف األنظمة الشيوعية والنازية والفاشستية سابقا‪.‬‬
‫ب ـ نظ‪88‬ام احلزب اجلم‪88‬اهريي الواح‪88‬د يف ال‪88‬دول النامي‪88‬ة االفريقي‪88‬ة واآلس‪88‬يوية‪ :‬س‪88‬اد ه‪88‬ذا النظ‪88‬ام يف معظم‬
‫ه ‪88‬ذه ال‪88‬دول يف مرحل‪88‬ة م ‪88‬ا بع ‪88‬د االس‪88‬تقالل لرؤيته ‪88‬ا إي‪88‬اه أفض ‪88‬ل النظم احلزبي‪88‬ة لتحقي‪88‬ق التنمي‪88‬ة والتكام ‪88‬ل‬
‫الق‪88‬ومي‪ .‬ورغم اتف‪88‬اق ه‪88‬ذا النظ‪88‬ام م‪88‬ع النظ‪88‬ام الش‪88‬مويل من حيث اس‪88‬تئثار ح‪88‬زب واح‪88‬د بالس‪88‬لطة وع‪88‬دم‬
‫الس‪8‬ماح باملعارض‪8‬ة‪ ،‬إال أن‪8‬ه على خالف الث‪8‬اين يفتق‪8‬ر إىل إيديولوجي‪8‬ة متكامل‪8‬ة‪ .‬وق‪8‬د حتولت أكثري‪8‬ة ه‪8‬ذه‬
‫ال ‪88‬دول خالل العق ‪88‬ود الثالث ‪88‬ة األخ ‪88‬رية من الق ‪88‬رن العش ‪88‬رين إىل أش ‪88‬كال أخ ‪88‬رى للنظم احلزبي ‪88‬ة و خباص ‪88‬ة‬
‫التعددية احلزبية املقيدة أو النظم احلزبية شبه التنافسية‪ .‬وشهدت دول منها حتوالت متقلبة ومتضاربة يف‬
‫هذا اخلصوص يف مواكبة ثورات زانتفاضات شعبية وانقالبات عسكرية‪.‬‬
‫جـ ـ نظ‪88‬ام احلزب القائ‪88‬د يف إط‪88‬ار جبه‪88‬ة وطني‪88‬ة مكون‪88‬ة من ع‪88‬دة أح‪88‬زاب‪ :‬حيتف‪88‬ظ احلزب القائ‪88‬د يف إط‪88‬ار‬
‫هذه اجلبه‪8‬ة بوض‪8‬ع متم‪8‬يز عن األح‪8‬زاب األخ‪8‬رى من حيث القي‪8‬ادة والتوجي‪8‬ه والتخطي‪8‬ط واحتك‪8‬ار حري‪8‬ة‬
‫العمل والتحرك يف جماالت معينة كاجليش واجلامعات‪ ،‬وال يسمح حبرية العم‪8‬ل السياس‪8‬ي لألح‪8‬زاب غ‪88‬ري‬
‫األعضاء يف اجلبهة‪ ،‬ومثال ذلك نظام اجلبهة الوطنية القومية والتقدمي‪88‬ة بقي‪88‬ادة ح‪88‬زب البعث يف الع‪88‬راق (‬
‫‪1973‬ـ‪ )1978‬ويف سوريا منذ عام ‪.1972‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬وظائف األحزاب السياسية وأزمات التنمية السياسية‪:‬‬


‫تعترب األح‪8‬زاب السياس‪8‬ية أداة إلدارة عملي‪8‬ة التنمي‪8‬ة السياس‪8‬ية م‪8‬ع أدوات أخ‪8‬رى مث‪8‬ل البريوقراطي‪8‬ة أو‬
‫اجليش أو القيادة‪ ،‬بل أحيانا ما ينظر إىل األح‪8‬زاب السياس‪8‬ية باعتباره‪8‬ا من أهم أدوات التنمي‪8‬ة السياس‪8‬ية‬

‫‪9‬‬
‫على اإلطالق يف اجملال السياس ‪88 8 8 8‬ي‪ .‬ف ‪88 8 8 8‬احلزب على ح ‪88 8 8 8‬د تعب ‪88 8 8 8‬ري األس ‪88 8 8 8‬تاذ " جوزي @ @ @@ف البالومب @ @ @@ارا"‬
‫« ‪ » Joseph Lapalombara‬رمز للتحديث السياسي‪ ،‬مثلما‬
‫متثل السدود واملصانع رموزا للتحديث اإلقتصادي (‪.)14‬‬
‫ولق‪88‬د أس‪88‬هب األس‪88‬تاذ " دافيد أبدر" « ‪ » David Apter‬يف وص‪88‬ف ال‪88‬دور التنم‪88‬وي ال‪88‬ذي‬
‫تق‪88 8‬وم ب‪88 8‬ه األح‪88 8‬زاب‪ ،‬فهي أك‪88 8‬ثر من أي أداة أخ‪88 8‬رى تك‪88 8‬ون ذات ت‪88 8‬أثري مباش‪88 8‬ر على اجملتمع‪88 8‬ات لكوهنا‬
‫تس‪8‬تخدم يف أنش‪8‬طتها كاف‪8‬ة الوس‪8‬ائط التحديثي‪8‬ة املتاح‪8‬ة‪ ،‬مث‪8‬ل املدارس ومنش‪8‬آت األعم‪8‬ال‪ ،‬واملش‪8‬روعات‬
‫التجاري‪88 8‬ة‪...،‬ف‪88 8‬األحزاب على ح‪88 8‬د تعب‪88 8‬ري األس‪88 8‬تاذ" دافي@ @@د أب@ @@در" تلعب دور املنظم لتك‪88 8‬وين األفك‪88 8‬ار‬
‫اجلدي ‪88‬دة‪ ،‬وإنش ‪88‬اء ش ‪88‬بكة إتص ‪88‬الية هلذه األفك ‪88‬ار ولرب ‪88‬ط اجلم ‪88‬اهري م ‪88‬ع القي ‪88‬ادات بطريق ‪88‬ة متكن من حتقي ‪88‬ق‬
‫القوة السياسية‪ ،‬وتعبئتها وتوجيهها(‪.)15‬‬
‫وعلي‪88‬ه‪ ،‬ف‪88‬إن مواجه‪88‬ة أدبي‪88‬ات التنمي‪88‬ة السياس‪88‬ية للظ‪88‬اهرة احلزبي‪88‬ة متت من خالل األعم‪88‬ال ال‪88‬يت ترب‪88‬ط‬
‫بني أزمات التنمي‪8‬ة من ناحي‪8‬ة‪ ،‬و األح‪8‬زاب يف ال‪8‬دول املتخلف‪8‬ة من ناحي‪8‬ة أخ‪8‬رى ح‪8‬ول حمورين أساس‪8‬يني‬
‫مها‪:‬‬
‫أوهلما‪ :‬أثر أزمات التنمية يف نشأة وتطوير وتشكيل األحزاب‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬هو دور األحزاب السياسية يف حل أزمات التنمية السياسية‪.‬‬
‫فمن الناحية األوىل‪ ،‬قّد مت أدبيات التنمية إسهامات تتجاوز األفكار اليت تربط ظهور األحزاب‬
‫بالظاهرة الربملانية أو بالنظرة التقليدية يف نشأهتا‪ ،‬وربطت أدبيات التنمية السياسية بني مفه‪88‬وم األزم‪88‬ات‬
‫و ظهور وتكون األحزاب‪.‬‬
‫ومن ناحية ثانية‪ ،‬فإّن اإلسهامات األكثر إنتشارا ألدبيات التنمية السياسية إمّن ا تدور حول دور‬
‫األحزاب كإدارات ووسائل للتنمية‪ ،‬تساهم يف حّل أزمات إدارة التنمية وهذا ما يعرف اآلن بإدارة‬
‫األزمات (‪.)16‬‬
‫ويف هذا اإلطار العام حول الدور التنموي لألحزاب السياسية‪ ،‬سوف خنّص ص ثالثة عناصر‬
‫للحديث عن أدوار حمّد دة لألحزاب يف جماالت التنمية السياسية‪ ،‬واليت إّتفق عليها الكثري من الـباحثني‪.‬‬
‫وميكن أن حنّد دها يف أهم املسائل اخلاصة بالتنمية السياسية اليت ميكن أن ترتبط بدور األحزاب‬
‫السياسية‪ ،‬و اليت سنحاول مناقشتها فيما يلي‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫‪() –Joseph Lapalombara and Myron Weiner,eds. Political Parties and Political‬‬
‫‪Development, Princeton University Press, 1966,p6.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪()– David Apter, The Political of Modernization, Chicago: University of‬‬
‫‪Chicago press, 1965, p 187.‬‬
‫‪16‬‬
‫()ـ راجع يف ذلك‪:‬‬
‫ـ حمسن أمحد اخلضريي‪ ،‬إدارة األزمات‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة مدبويل‪ ،‬ب‪.‬ت‪ 236 ،.‬صفحة‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫أوال‪ :‬األحزاب وأزمة الشرعية السياسية‪:‬‬
‫ُيعّر ف العالمة عبد الرمحان إبن خلدون الشرعية (‪ )17‬بقوله‪" :‬إعلم أّن البيعة هي العهد على‬
‫الطاعة كأن املبايع يعاهد أمريه على أّنه يسلم له النظر يف أمر نفسه و أمور املسلمني ال ينازعه يف‬
‫شيء من ذلك و يطيعه فيما يكلفه به من األمر على املنشط و املكره‪ ،‬و كانوا إذا بايعوا األمري و‬
‫عقدوا عهده جعلوا أيديهم يف يده تأكيدا للعهد‪ ،‬فأشبه ذلك فعل البائع و املشرتي‪.)18("...‬‬
‫ويذهب األستاذ "ماكس فيبر" « ‪» Max Weber‬إىل أّن النظام احلاكم يكون ش‪8‬رعيا عن‪8‬د‬
‫احلّد ال‪88‬ذي يش‪88‬عر مع‪88‬ه مواطن‪88‬وه أّن ذل‪88‬ك النظ‪88‬ام ص‪88‬احل ويس‪88‬تحّق التأيي‪88‬د والطاع‪88‬ة(‪ ،)19‬وحتقي‪88‬ق الش‪88‬رعية‬
‫كم ‪88‬ا ي ‪88‬رى األس ‪88‬تاذ " روب@@رت م@@اك إيف@@ر" « ‪ » Robert MacIver‬حينم ‪88‬ا تك ‪88‬ون إدراك ‪88‬ات‬
‫النخب‪8‬ة لنفس‪8‬ها و إدراك اجلم‪8‬اهري هلا متط‪8‬ابقني ويف إّتس‪8‬اق ع‪88‬ام م‪88‬ع القيم واملص‪88‬احل األساس‪8‬ية للمجتم‪8‬ع‪،‬‬
‫ومبا حيتفظ للمجتمع متاسكه‪.‬‬
‫من هذا فقد إقرتح األستاذ " ماكس فيبر" أن الشرعية ميكن أن تستمد من واحد أو أكثر من‬
‫مصدر‪ :‬يعين املعتقدات و العادات واألعراف املتوارثة اليت حتّد د األحقية بالسلطة‪ ،‬واملصدر الثاين‪:‬‬
‫الزعامة امللهمة‪ :‬وهي الوالء والطاعة من احملكومني للزعيم‪ ،‬وهي اليت جتعله مصدر جذب و احرتام‪.‬‬
‫أما املصدر الثالث للشرعية وهو‪ :‬العقالنية القانونية‪ :‬والذي على قواعد حتّد د واجبات وحقوق‬
‫منصب احلاكم و مساعديه‪ ،‬وطريقة انتقال السلطة وتداوهلا وممارستها‪ ،‬ويوازي ذلك كله قواعد‬
‫مقنعة حتّد د واجبات وحقوق احملكومني يف عالقتهم بالسلطة الشرعية‪.‬‬
‫أّم ا أزمة الشرعية فإهّن ا تعرف بأهّن ا إهنيار يف البناء الدستوري ويف أداء احلكم ينجم عن‬
‫اإلختالف حول طبيعة السلطة يف النظامالسياسي(‪ .)20‬ومن ذلك فإّن أزمة الشرعية ميكن أن تأخذ‬
‫شكل تغيري يف هيكل احلكومة‪ ،‬وتغيري يف املصدر الذي تستمّد منه تلك احلكومة سلطتها النهائية‪ ،‬أو‬
‫تغيري يف املثل اليت تعرب احلكومة عنها‪.‬‬
‫وتأسيسا على ذلك‪ ،‬فما هو دور األحزاب السياسية يف حّل مسألة الشرعية ؟‬

‫‪17‬‬
‫() ـ وهي املقابل املصطلحي احلديث ملفهوم البيعة يف الرتاث العريب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫() ـ عبد الرمحن إبن خلدون‪ ،‬المرجع السابق الذكر‪ ،‬ص ‪.209‬‬
‫‪19‬‬
‫()ـ علي الدين هالل و آخرون‪ ،‬أزمة الديمقراطية في الوطن العربي‪ ،‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،1987 ،‬ص‬
‫‪.40‬‬
‫‪ )( 20‬ـ أسامة الغزايل حرب‪ ،‬المرجع السابق الذكر‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫‪11‬‬
‫إّن األحزاب السياسية تعّد يف اإلحتكام إىل القاعدة الشعبية تربيرا شرعيا هلا‪ ،‬فهـي دائما أداة هامة‬
‫يف توطيد أركان السلطة القومية الشرعية‪ .‬وهو ما يفّس ر جلوء احلكومات السلطوية غالبا لتنظيم حزب‬
‫سياسي وذلك بغية لفّك خيوط أزمة الشرعية‪.‬‬
‫َو يصوغ األستاذ "دافيد أبتر" ‪Apter » « David‬دور األحزاب السياسية من خالل ثالثة‬
‫جوانب‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬نشاط األحزاب يف تقدمي شبكة واسعة من العالقات املتداخلة اليت جتمع بني القطاعات اإلجتماعية‬
‫املختلفة‪.‬‬
‫‪ -‬نشاط األحزاب يف تعظيم شرعية النظام السياسي من خالل حشد التأييد اجلماهريي‪.‬‬
‫‪ -‬وأخريا ما تقوم به األحزاب من اإلحلاح من أجل تقدمي أهداف معّينة للحكم تصوغها يف إطار‬
‫(‪.)21‬‬
‫إيديولوجي حمّد د‬

‫ثانيا‪ :‬األحزاب وأزمة المشاركة السياسية‪:‬‬


‫إّن أزمة املشاركة السياسية تنتج عن عدم متّك ن األعداد املتزايدة من املواطنني من اإلسهام يف‬
‫احلياة العامة‪ ،‬مثل املشاركة يف اختاذ القرارات السياسية‪ ،‬أو اختيار املسؤولني احلكوميني‪ ،‬وتربز‬
‫خطورهتا عندما ال تتوافر مؤسسات سياسية ميكن أن تستوعب القوى الراغبة يف تلك املشاركة‪.‬‬
‫ونظرا خلطورة أزمة املشاركة السياسية على عملية التنمية السياسية‪ ،‬ميكن حتديد أبعادها على‬
‫النحو التايل‪:‬‬
‫‪ -‬اإلختالل يف شرائح اجملتمع السياسي‪ :‬حيث يظهر تقلص واضح يف شرائح املشاركني و املهتمني‪ ،‬و‬
‫تضخم ملحوظ يف شرائح غري املهتمني‪.‬‬
‫‪ -‬مشاركة شكلية مومسية‪ ،‬غري فعالة‪ :‬حبيث تظهر ظاهرة املرشح الواحد‪ ،‬واإلنتخابات غري النظيفة‪،‬‬
‫وإختفاء املعارضة الفعالة واجلذرية‪.‬‬
‫‪ -‬مشاركة إجبارية متحكم فيها تأخذ شكل التعبئة بغرض خلق املساندة الشكلية للنظم احلاكمة دون‬
‫أن تعرب عن مشاركة نابعة من اهتمام املواطن مبا جيري حوله يف اجملتمع السياسـي‪ ،‬وقدرته على‬
‫التأثري فيما يتخذ من قرارات(‪.)22‬‬
‫ويرجع أيضا األستاذ "جالل معوض" إخفاق النظم السياسية خاصة يف األنظمة العربية يف‬
‫توسيع قاعدة املشاركة السياسية وحتقيق الدميوقراطية إىل شبكة معقدة من العوامل االجتماعية‪،‬‬
‫االقتصادية والسياسية‪ ،‬ميكن إبراز هذه العوامل على النحو التايل‪:‬‬

‫‪21‬‬ ‫)(‬
‫‪- Apter, Op. Cit, P. 123.‬‬
‫‪ -)1(22‬علي الدين هالل‪ ،‬و آخرون‪ ،‬المرجع السابق الذكر ‪ ،‬ص ‪.523‬‬
‫‪12‬‬
‫‪/1‬ـ التفاوت االجتماعي ـ االقتصادي احلاد وعدم ضمان احلد األدىن للكفاف االقتصادي‪.‬‬
‫‪/2‬ـ اخنفاض درجة الوعي السياسي نتيجة إلنتشار األمية ونقص اخلربة‪.‬‬
‫‪ /3‬ـ ضعف املشاركة يف اجملاالت األخرى غري السياسية للحياة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ /4‬ـ غياب أو على األقل ضعف الطبقات والقوى االجتماعية الوسطى‪.‬‬
‫‪ /5‬ـ طغيان العنصر الشخصي على العملية السياسية‪.‬‬
‫‪ /6‬ـ ضعف أو غياب التنظيمات السياسية الوسيطة كاألحزاب السياسية ومجاعات املصاحل‬
‫(‪.)23‬‬

‫ويظهر أثر األحزاب السياسية واضحا يف التخفيف من أزمة العزوف عن املشاركة السياسية‬
‫من خالل تعميق شعور املواطن باملسؤولية جتاه القضايا واألهداف العامة‪ ،‬ومن خالل تعبئة اجلماهري‬
‫وتوعيتهم حبقوقهم السياسية من انتخاب و مناقشة األحداث العامة‪ ،‬واإلهتمام بالتطّو رات اليت جتري‬
‫على الساحة السياسية‪.‬‬
‫كما أّننا ال نتجاهل دور األحزاب السياسية ـ دون أن ننسى دور اجلمعيات املختلفة ـ يف القضاء‬
‫أو التقليل من مظاهر اإلغرتاب والعزوف السياسي الذي يعرفه األستاذ " أولسن" «‪» Olson‬‬
‫بأّنه " الفصل أو الغربة بني ذات املرء َو بعض اجلوانب البارزة يف البيئة اإلجتماعية"(‪ .)24‬وذلك من‬
‫خالل التقليص من حالة التناقض القائم بني ذات الفرد و بني مؤسسات النظام السياسي‪َ ،‬و خلق‬
‫شعور الثقة يف املواطن بأّنه قادر على التأثري يف القرارات احلكومية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬األحزاب وأزمة التنشئة السياسية‪:‬‬


‫تعترب التنشئة السياسية ‪، Political Socialzation‬من أهّم الوظائف اليت تقوم هبا‬
‫األحزاب السياسية‪ ،‬وتربز وظائفها بوضوح أكثر يف اجملتمعات النامية منه يف اجملتمعات املتقّد مة‪.‬‬
‫ويرجع ذلك إىل أّن املراحل األوىل من النمو تركز األحزاب السياسية على تدعيم أعضائها باملعرفة‬
‫السياسية‪ ،‬وبالرؤية الواضحة حىّت ميكنهم املشاركة الفعالة يف مراقبة احلكومة‪ ،‬على حني يف اجملتمعات‬
‫املتقّد مة هناك هيئات أخرى ميكن أن تؤدي هذا الدور‪ .‬كما أن لألحزاب السياسية دور يف دعم‬
‫جتانس الثقافة السياسية السائدة والقائمة على قبول التعدد والتنوع يف اآلراء واملصاحل بني خمتلف‬

‫()ـ صالح سامل زرنوقة‪ ،‬عبد العزيز شادي‪ ،‬تجدد القيادة في الوطن الع@ربي‪ ،‬الق‪88‬اهرة‪ :‬مرك‪88‬ز الدراس‪88‬ات وحبوث ال‪88‬دول النامي‪88‬ة‪،‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪ ،2004‬ص‪137‬ـ ‪.138‬‬
‫(‪ -)2‬سعد إبراهيم مجعه‪ ،‬الشباب والمشاركة السياسية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،1984 ،‬ص ‪.43‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪13‬‬
‫اجلماعات مع احلفاظ على تطوير الوحدة والتكامل بينها يف إطار هذا التنوع‪ ،‬مما يضمن متتع النظام‬
‫السياسي بقدر كبري من الفاعلية والشرعية‪.‬‬
‫و مهما يكن‪ ،‬فإّن األحزاب السياسية من خالل التنشئة السياسية تقوم كأداة إلحداث التغيري‬
‫يف االجتاهات والسلوكيات داخل اجملتمع‪ .‬ويربز دورها جلّيا يف تنظيم اخلدمات اإلجتماعية‬
‫ألعضائها و تقدمي هلم فرص العمل‪ ،‬و توزيع براجمها‪ .‬كما توضح لألعضاء التاريخ القومي‪،‬‬
‫ومناقشة برامج التنمية اإلقتصادية اليت تصنعها احلكومة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬األحزاب و أزمة التكامل القومي‪:‬‬


‫يقصد بالتكامل القمي حتديد اهلوي‪8‬ة وت‪8‬دعيم ال‪8‬والء الق‪8‬ومي مبا يتطلب‪8‬ه ذل‪8‬ك من ض‪8‬رورة االنتق‪8‬ال‬
‫من نط‪88‬اق ال‪88‬والءات الض‪88‬يقة املرتبط‪88‬ة باجلماع‪88‬ات املختلف‪88‬ة ديني‪88‬ا ولغوي‪88‬ا وعرقي‪88‬ا وقبلي‪88‬ا إىل نط‪88‬اق ال‪88‬والء‬
‫الق ‪88 8‬ومي للمجتم ‪88 8‬ع السياس ‪88 8‬ي الكلي‪ .‬ومن متابع ‪88 8‬ة خ ‪88 8‬ربات النظم السياس ‪88 8‬ية احلديث ‪88 8‬ة‪ ،‬يتض ‪88 8‬ح وج ‪88 8‬ود‬
‫اسرتاتيجيتني للتعامل مع أزمة التكامل القومي وتؤدي األحزاب دورا أساسيا يف إطار كل منهما‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ اسرتاتيجية اإلدماج أو ما يسمى "بوتقة الصهر" ‪ : Melting Pot‬وتعين جتاهل وعدم اعرتاف‬
‫النظام السياسي بوجود انقس‪8‬امات داخلي‪8‬ة ديني‪8‬ة أو عرقي‪8‬ة أو قبلي‪8‬ة أو لغوي‪8‬ة يف اجملتم‪8‬ع‪ .‬وهلذا ال يس‪8‬مح‬
‫النظ‪88‬ام بتع‪88‬دد األح‪88‬زاب منع‪88‬ا لظه‪88‬ور أح‪88‬زاب قبلي‪88‬ة أو عرقي‪88‬ة أو على أس‪88‬اس اللغ‪88‬ة واإلقليم هتدد وح‪88‬دة‬
‫الدولة وتعرقل عملية بناء األم‪8‬ة‪ ،‬مفض‪8‬ال على ذل‪8‬ك تب‪8‬ين نظ‪8‬ام احلزب اجلم‪8‬اهريي الواح‪8‬د كبوتق‪8‬ة ص‪8‬هر‬
‫لكافة اجلماعات وكأداة لبث وتعميق قيم الوالء واالنتماء القومي يف نفوس مجيع املواطنني‪.‬‬
‫رغم ذلك‪ ،‬أثبتت خربة نظ‪8‬ام احلزب الواح‪8‬د يف دول اجلن‪8‬وب بوج‪8‬ه خ‪8‬اص فش‪8‬ل ه‪8‬ذا النظ‪8‬ام يف أن‬
‫يصبح أداة للتكامل القومي‪ .‬ويعود ذلك إىل عوامل عديدة من بينها‪:‬‬
‫أـ حتول احلزب إىل أداة يف ي ‪88‬د الس ‪88‬لطة احلاكم ‪88‬ة‪ ،‬وس ‪88‬يطرة املع ‪88‬ايري البريوقراطي ‪88‬ة علي ‪88‬ه‪ ،‬مما أفق ‪88‬ده فاعليت ‪88‬ه‬
‫كقناة اتصال بني احلاكم واحملكوم وكأداة لربط اجلماهري بالنظام السياسي‪.‬‬
‫ب ـ حتول احلزب احلاكم يف كث ‪88 8‬ري من احلاالت‪ ،‬خصوص ‪88 8‬ا يف ال ‪88 8‬دول اإلفريقي ‪88 8‬ة إىل جمرد أداة لت ‪88 8‬دعيم‬
‫مص‪88‬احل وأوض‪88‬اع القبل‪8‬ة املس‪8‬يطرة ال‪8‬يت تنتمي إليه‪88‬ا يف الع‪88‬ادة الس‪8‬لطة احلاكم‪8‬ة أو على األق‪8‬ل ترتب‪8‬ط‬
‫هبا بروابط مصلحية (‪.)25‬‬

‫‪ 2‬ـ اس ‪88‬رتاتيجية الوح ‪88‬دة يف إط ‪88‬ار التن ‪88‬وع‪ :‬تأخ ‪88‬ذ هبا النظم السياس ‪88‬ية الدميقراطي ‪88‬ة القائم ‪88‬ة على التعددي ‪88‬ة‬
‫واملنافس‪88‬ة احلزبي‪88‬ة‪ .‬وتق‪88‬وم ه‪88‬ذه االس‪88‬رتاتيجية على أس‪88‬اس االق‪88‬رار بوج‪88‬ود تن‪88‬وع وتع‪88‬دد اجتم‪88‬اعي وثق‪88‬ايف‪،‬‬

‫(‪ -)1‬حسن نافعة وآخرون‪ ،‬المرجع السابق الذكر‪ ،‬ص ‪.320‬‬ ‫‪25‬‬

‫‪14‬‬
‫وتوفري م‪8‬ا يل‪8‬زم من آلي‪8‬ات سياس‪8‬ية ك‪8‬األحزاب السياس‪8‬ية ومجاع‪8‬ات املص‪8‬احل لض‪8‬مان مش‪8‬اركة اجلماع‪8‬ات‬
‫املختلفة يف اجملتمع يف العملية السياسية وللتعبري عن مصاحلها يف إطار قيم التسامح والتعايش بني اجلمي‪88‬ع‬
‫يف جمتمع واحد ذي نظام دميقراطي تعددي‪ .‬ويف مثل هذه النظم هتتم األحزاب السياس‪88‬ية كتل‪88‬ك املمثل‪88‬ة‬
‫يف اهليئ ‪88‬ة التش ‪88‬ريعية‪ ،‬بإث ‪88‬ارة الرم ‪88‬وز القومي ‪88‬ة ال ‪88‬يت من ش ‪88‬أهنا تنمي ‪88‬ة مش ‪88‬اعر االنتم ‪88‬اء الق ‪88‬ومي‪ ،‬وبوض ‪88‬ع‬
‫سياسات توفق بني املصاحل احمللية واملصاحل القومية من ناحي‪8‬ة وبني مص‪8‬احل اجلماع‪8‬ات املختلف‪8‬ة من ناحي‪8‬ة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫‪15‬‬

You might also like