‫أبطال الهجرة العربية الجدد بال عودة‪ ،‬ورّبما بال هوّية ‪ ،‬تقودهم أحالمهم نحو الحتف‬

‫المشؤوم بركوبهم قوارب الموت‪ ،‬تاركين الوطن واألهل و الّصحب‪ .‬فهل سيعيد شبابنا الّت فكير‬
‫في ظاهرة الهجرة السرّية بعد االستماع لهذه القّصة؟‬

‫على ظهر سفينة صغيرة ‪ ،‬يحسبها راكبوها قاربهم للّن جاة وجسرهم من الجحيم إلى‬
‫النعيم‪ ،‬جلس أحد الرّك اب في ركن َق ِص ّي وكتب وصّيته األخيرة‪ ،‬ظّن ا منه أّنهم لن ينجوا ولن‬
‫يصلوا لبّر شطوط أوروبا كما كانوا يتمّنون ‪ .‬كانت أمواج البحر عالية ‪ ،‬و هّبت عاصفة‬
‫قوّية ‪ ،‬لم يسع الرّك اب مقاومتها ‪ ،‬فطفت أجسادهم الهزيلة من طول السباحة ومغالبة الموج‪.‬‬

‫وجد طاقم انتشال الغرقى رسالة ذلك الّش اب ‪ ،‬وقد أذاب ملح البحر مالمحه بينما ظّلت كلماته‬
‫منقوشة على ورقة ُمْه َت ِر َئ ٍة تحكي قّصته وقّصة آالف المهاجرين العرب‪ .‬فكتب يقول‪" :‬أنا‬
‫آسف يا أمي ألّن الّسفينة غرقت بنا ولم أستطع الوصول إلى هناك‪ ،‬كما لن أتمكن من إرسال‬
‫المبالغ التي استدنتها لكي أدفع أجر الرحلة‪.‬‬
‫ال تحزني يا أّمي إن لم يجدوا جّث تي‪ ،‬فماذا ستفيدك اآلن إّال تكاليف نقٍل وشحٍن ودفٍن وعزاٍء ‪.‬‬

‫أنا آسف يا أمي ألّن الحرب حّلت‪ ،‬وكان ال بّد لي أن أسافر كغيري من البشر‪ ،‬مع العلم أّن‬
‫أحالمي لم تكن كبيرة كاآلخرين‪ ،‬كما تعلمين كل أحالمي كانت بحجم علبة دواء للقولون لك‪،‬‬
‫وثمن تصليح أسنانك‪.‬‬

‫أنا آسف يا منزلي الجميل ألنني لن أعّلق معطفي خلف الباب‪ .‬أنا آسف أّيها الغواصون‬
‫والباحثون عن المفقودين‪ ،‬فأنا ال أعرف اسم البحر اّلذي غرقت فيه‪.‬و لو كنت أدري لفّك رت‬
‫في قول الّش اعر مانع سعيد الُعتيبة‪:‬‬
‫و أمنح للّريح أّيام عمري‬ ‫لماذا أســّلم للبحـــر أمـــــري‬

‫تــروح بلؤم و تغدو بغدر‬ ‫وهـــل للـــبحار ســـوى العاصفات‬