Professional Documents
Culture Documents
3
3
من دالئل فضل القرآن الكرمي تع ّدد أمسائه وصفاته ،وتلك األمساء والصفات دالة على
للمتأمل فيها دالئل فضل القرآن العظيم ،وعظم يتبّي ٍ
معان جليلة وآاثر عظيمة مباركة ّ
ّ
.شأنه
متضمنة لصفات هلا آاثرها اليت ال تتخلف عنها ،فليست أعالماً
فأما أمساؤه فهي أمساء ّ
ّ
اجملرد ،وإمنا هي أعالم ذات أوصاف مقصودة ،ودالئل بيّنة
.حمضة موضوعة للتعريف ّ
علي حكيم،وأما صفات القرآن فكثرية جليلة جامعة ملعان عظيمة؛ فوصفه هللا أبنه ٌّ
وجميد وكرمي ،وعزيز وعظيم ،ومبارك وقيم ،وأنه ِذ ْك ٌر وذكرى ،وهدى وبشرى ،وتذكرة
وموعظة ،وبصائر ورمحة ،ونور وبيان ،وشفاء وفرقان إىل غري ذلك من صفاته اجلليلة
.العظيمة
معرفاً كما قال هللا
والفرق بّي االسم والصفة :أن االسم يصح أن يطلق مفرداً ّ
تبارك الذي ّنزل الفرقان { ،:وقال }إن هذا القرآن يهدي لليت هي أقوم{ :تعاىل
إن الذين كفروا { :وقال }احلمد هلل الذي أنزل على عبده الكتاب{ ،:وقال}على عبده
}.ابلذكر ملا جاءهم وإنه لكتاب عزيز
مبجردها على
تدل الصفة ّ
وأما الصفات فهي الزمة للموصوف الظاهر أو املق ّدر؛ فال ّ
:املوصوف إال أن يكون مذكوراً ظاهراً أو معروفاً مق ّدراً
؛ فإذا أفردت الصفة عن }والقرآن اجمليد{} ،إنه لقرآن كرمي{ :فالظاهر كقوله تعاىل -
.املوصوف؛ فقلت" :الكرمي" و"اجمليد" انصرف املعىن إىل ما هو أقرب إىل الذهن
على القول أبن }هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقّي{ :واملق ّدر حنو قوله تعاىل -
.مرجع اسم اإلشارة إىل القرآن وهو أحد القولّي يف هذه اآلية
ومن الفروق بّي االسم والصفة أن الصفة غري املختصة حتتاج إىل تعريف لتتضح داللتها
.على املوصوف خبالف األمساء اليت جعلت أعالماً على املراد
يدل على أ ّن }فآمنوا ابهلل ورسوله والنور الذي أنزلنا{ :فقوله تعاىل
وصف النور مبا ّ
املراد به القرآن ،ولو أفرد لفظ "النور" وعزل عن هذا السياق إىل سياق آخر النصرف
.املعىن إىل ما هو أقرب إىل الذهن
توسع بعض العلماء يف تعداد أمساء القرآن؛ فع ّدوا صفاته من أمسائه ،واشت ّقوا له
وقد ّ
.أمساء من بعض ما أخرب هللا به عنه ،وهو خطأ ّبّي
وقد صنف يف ذلك احلرايل جزءا وأهنى أساميه إىل نيف وتسعّي وقال ( :قال الزركشي
القاضي أبو املعايل عزيزي بن عبد امللك رمحه هللا اعلم أن هللا تعاىل مسى القرآن خبمسة
).ومخسّي امساً
وزعم الفريوزآابدي أن للقرآن مائة اسم وع ّد نيّفا وتسعّي امسا منها ،ويف كثري منها
يصح؛ حىت ع ّد يف أمسائه :النجوم والنعمة والثقيل واملثبّت واملرتَّل والتفسري
.تكلّف ال ّ
يفرقون بّي األمساء والصفات واألخبار
.وأكابر العلماء ّ
وأتمل دالئلها العظيمة ،وآاثرها املباركة يفتحوالتفكر يف معاين أمساء القرآن وصفاتهّ ،
للمؤمن أبواابً من اليقّي النافع الذي جيد أثره يف قلبه ونفسه ،ويعرفه بفضله وعُلُ ِو قَ ْد ِرهِ
ّ ّ
.و ِعظَِم شأنه ،ويرغّبه يف تالوته وتدبّره واتّباع هداه
َ
فمن أمسائه القرآن ،وهو أصل أمسائه وأشهرها ،ومسّي قرآانً ألنّه الكتاب الذي ّاّتذ
.للقراءة الكثرية اليت ال يبلغها كتاب غريه
ذلك { :وأما تسميته ابلكتاب؛ فألنّه مكتوب ،أي جمموع يف صحف ،قال هللا تعاىل
هللا ال إله إال هو احلي القيوم ّ .نزل عليك الكتاب { ،:وقال تعاىل}الكتاب ال ريب فيه
}.حم والكتاب املبّي{ ،:وقال}ابحلق
.والالم يف هذه املواضع للعهد الذهين الذي جيعل القرآن أوىل به مما سواه عند اإلطالق
كل ما أنزله هللا من الكتب ،فيكون التعريف فيه ويطلق لفظ "الكتاب" أحياان على ّ
ََّن { :للجنس املخصوص؛ كما قال هللا تعاىل ت َِّ
اَّلل أ َّ ادلُو َن ِيف آَي ِ أََمل تَر إِ َىل الَّ ِذين ُجي ِ
َ َ َ ْ َ
ف يَ ْعلَ ُمو َن (70 اب َوِمبَا أ َْر َسلْنَا بِ ِه ُر ُسلَنَا فَ َس ْو َْكتَ ِصرفُو َن ( )69الَّ ِذين َك َّذبوا ِابل ِ
َ ُ })يُ ْ َ
اب ُكلِّ ِه { :وقال تعاىل ْكتَ ِ وهنُم وَال ُُِيبخونَ ُكم وتُ ْؤِمنُو َن ِابل ِ }..هاأَنْ تُم أ َ ِ ِ
َْ ُوالء ُحتبخ َ ْ َ َ ْ
خاصة؛ كما يف قول هللا تعاىل آم َن أ َْه ُل { :ويطلق أحياان على التوراة واإلجنيل ّ َول َْو َ
آمنُوا ِمبَا نَ َّزلْنَا مص ِّدقًا لِما { :وقوله }ال ِ ْكتاب ِ ِ ِ
ريا َهلُ ْم ْكتَ ِ
اب لَ َكا َن َخ ْ ً ُ َ َ ين أُوتُوا ال َ َ ََيأَيخ َها الَّذ َ
}.م َع ُك ْم
َ
.وله إطالقات أخرى حبسب السياق
والكتاب "فِعال" مبعىن "مفعول" أي "مكتوب"؛ واشتقاقه من اجلمع والضم على قول
.كثري من العلماء
وضمها؛ كما مسّيت الكتيبة كتيبة
قال بعضهم :إن الكتاب مسّي كتاابً جلمعه األحرف ّ
.لضمها اجلنود املقاتلّي
ّ
.وهذا يف تسمية جنس الكتب بذلك
وأما تسمية القرآن ابلكتاب؛ فاألظهر أنه مسّي بذلك للداللة على مجعه ما ُُيتاج فيه إىل
ّ
بيان اهلدى يف مجيع شؤون العباد؛ فجمع األحكام واحلكمة واآلداب والبصائر واملواعظ
.واهلدى وما تقوم به مصاحل دينهم ودنياهم
يدل على هذا املعىن أ ّن هللا تعاىل وصفه ابلكتاب املبّي ،وحذف متعلّق البيان إلفادة
ومما ّ
.العموم
وأما تسميته ابلفرقان؛ فألنّه فرقان بّي احل ّق والباطل؛ وبّي سبيل املؤمنّي وسبل
.الفاسقّي من الكفار واملنافقّي
وال ُف ْرقَان مصدر مف ّخم للداللة على بلوغ الغاية يف التفريق وبيان ال َف ْرق ،وأوجه التفريق
متنوعة
.القرآين كثرية ّ
وأصل "الفرقان" عندان :الفرق بّي الشيئّي والفصل بينهما: ( .قال ابن جرير الطربي
املفرقة
وقد يكون ذلك بقضاء ،واستنقاذ ،وإظهار حجة ،ونصر وغري ذلك من املعاين ّ
بّي احملق واملبطل؛ فقد تبّي بذلك أن القرآن مسي "فرقاان" ،لفصله -حبججه وأدلته
وحدود فرائضه وسائر معاين حكمه -بّي احملق واملبطل .وفرقانه بينهما :بنصره احملق،
.ا.ه )وّتذيله املبطل ،حكما وقضاء
وأما تسميته ابلذكر وذي الذكر؛ فقد وردت يف مواضع من القرآن منها قول هللا
لتبّي للناس ما ّنزل إليهم ولعلهم يتفكرون{ :تعاىل
إان { ،:وقوله }وأنزلنا إليك الذكر ّ
}.حنن نزلنا الذكر وإان له حلافظون
شك من ذكري{ :ونسبه إليه نسبة تشريف وتعظيم فقال
}.بل هم يف ّ
}.ص .والقرآن ذي الذكر{ :ومسّاه بذي الذكر يف قوله تعاىل
:وللذكر هنا معنيان
.مبعىن التذكري :أحدمها
.مبعىن املذكور :واآلخر
فالداللة عليه ظاهرة يف مواضع كثرية من القرآن الكرمي؛ بل هو من :فأما املعىن األول
طه .ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى .إال { :أعظم مقاصد إنزاله كما قال هللا تعاىل
}كال إنّه تذكرة{ :وقال }تذكرة ملن خيشى
جل وعال،
فسمي ابلذكر على هذا املعىن لكثرة تذكريه وحسنه؛ فهو يذ ّكر العبد بربّه ّ
ّ
ويذ ّكره بسبيل سعادته وفوزه برضوان ربّه تعاىل وعظيم فضله وثوابه ،ويذ ّكره مبا جيب
عليه أن يتجنّبه ليتّقي سخطه وعقابه؛ ويذ ّكره مبا ينفعه يف دينه دنياه وآخرته من أنواع
واملتنوعة واحملكمة
ّ .الذكرى الكثرية
ذلك نتلوه { :وقد وصف هللا تذكريه ابإلحكام والداللة على احلكمة؛ كما قال هللا تعاىل
حكيم َمن اتّبعه هداه إىل الصراط }عليك من اآلَيت والذكر احلكيم ٌ ؛ فهو ِذ ْك ٌر
ش ْرهُ { :املستقيم؛ كما قال هللا تعاىل ب فَ بَ ِّ الر ْمحَ َن ِابلْغَْي ِ إِ َّمنَا تُ ْن ِذ ُر َم ِن اتَّبَ َع ال ِّذ ْك َر َو َخ ِش َي َّ
ٍِ
َج ٍر َك ِر ٍمي (11 })ِمبَغْف َرة َوأ ْ
ومن أعرض عنه فقد خسر وغُنب ،إذ فاته الفضل العظيم والثواب الكرمي ،وابء ابخلسران
والذل واهلوان ،والعذاب األليم واخلزي العظيم؛ كما ّبّي هللا ذلك بقوله { :واحلرمانّ ،
ول َسبِ ًيال (ََ )27ي َويْ لَ َىت ل َْي تَِينالر ُس ِ
ت َم َع َّ ول ََيل َْي تَ ِين َّاّتَ ْذ ُض الظَّ ِاملُ َعلَى يَ َديْ ِه يَ ُق َُويَ ْو َم يَ َع خ
الش ْيطَا ُن لِ ِْْلنْس ِ
ان ضلَِّين َع ِن ال ِّذ ْك ِر بَ ْع َد إِ ْذ َجاءَِين َوَكا َن َّ َّت ْذ فَُال ًان َخلِ ًيال ( )28لََق ْد أَ َ َمل أ َِّ
َ ْ
وال (29
}) َخ ُذ ً
ش ُرهُ يَ ْو َم ال ِْقيَ َام ِة أَ ْع َمى { :وقال تعاىل ض َع ْن ِذ ْك ِري فَِإ َّن لَهُ َم ِعي َشةً َ
ض ْن ًكا َوَْحن ُ َوَم ْن أَ ْع َر َ
ال َك َذلِ َ ب ِمل ح َشرتَِين أَ ْعمى وقَ ْد ُك ْن ُ ِ
آَيتُنَا
ك َك أَتَ ْت َ ريا ( )125قَ َ
ت بَص ً َ َ ال َر ِّ َ َ ْ ( )124قَ َ
ك الْيَ ْو َم تُ ْن َسى (126 })فَ نَ ِسيتَ َها َوَك َذلِ َ
الذكر مبعىن املذكور أي الذي له الذكر احلسن ،والشرف الرفيع ،واملكانة :واملعىن الثاين
.العالية
}.والقرآن ذي الذكر{ ،:وقال تعاىل}وإنّه لذكر لك ولقومك{ :قال هللا تعاىل
.قال ابن عباس وسعيد بن جبري وغريمها :ذي َّ
الش َرف
تشرفهم به ورفعتهم
ومن آاثر هذا املعىن أن القرآن يرفع أصحابه وجيعل هلم ذكراً؛ فإ ّن ّ
.به أثر من آاثر شرفه هو ورفعته
:فصل
وأما صفات القرآن اليت وصفه هللا هبا يف كتابه العظيم فهي صفات جليلة بديعة جامعة
التأمل أيقن بعظمة هذا القرآن ،وعظمة صفاته وآاثره يف ٍ
أتملها ح ّق ّ
ملعان عظيمة من ّ
.الدنيا واآلخرة
ليستدل املوفّق اللبيب مبا
ّ وسأوجز احلديث يف بيان معانيها وسعة دالئلها وجاللة آاثرها
ث يف تقصريه وقصوره عن بلوغ ما يستح ّقه ويعذر املتح ّد َ
َ ذُكِ َر على عظمة ما مل يُذكر،
وعلو قدرها ولطائف
هذا القرآن العظيم من حسن التعريف بصفاته وبيان عظم شأهنا ّ
.إشاراهتا
:فأقول ومن هللا أستم ّد العون والتوفيق والتسديد
علي فقد ورد يف قول هللا تعاىل اب لَ َديْنَا ل ََعلِ ٌّي { :أما وصفه أبنه ٌّ وإِنَّهُ ِيف أُِم ال ِ
ْكتَ ِ ّ َ
يم علو قدره ومنزلته ،وعلو صفاته ،وتنزهه عن الباطل ِ
}حك ٌ َ وهذا الوصف يشمل َّ
واالختالف والتناقض والضعف وسائر ما ال يليق بكالم هللا تعاىل من أوصاف النقص،
َوإِنَّهُ ِيف { :وهذا الوصف له ما يقتضيه كما قال ابن كثري رمحه هللا يف تفسري قوله تعاىل
يم ِ ِ ب َّّي شرفَه يف املأل األعلى ،ليش ِرفَه ِ
ويعظّمه ويطيعه ،:قال}أُِم ال ِ
ْكتَ ِ
اب لَ َديْ نَا ل ََعل ٌّي َحك ٌ ّ َ َ ّ ََ
).أهل األرض
ُ
وأما وصفه أبنه كرمي؛ فوصف له دالئله الباهرة ومعانيه اخلفية والظاهرة فهو كرمي على هللا
،كرمي على املؤمنّي ،كرمي يف لفظه ،كرمي يف معانيهُ ،م َك َّرم عن كل سوء ،مك ِّرٌم ألصحابه،
.كثري اخلري والربكة ،كرمي ملا جيري بسببه من اخلري العظيم الذي ال يَ ْق ُد ُر قَ ْد َره إال هللا
لكل معىن شواهده اللغوية
وتفصيل وصفه ابلكرم يرجع إىل مخسة معان يف لسان العرب؛ ّ
:الصحيحة
كرم احلُ ْسن ،ومن ذلك قول هللا تعاىل
فأنبتنا فيها من كل زوج { :املعىن األولَ :
وقل هلما { ،:وقوله}وقلن حاشا هلل ما هذا بشراً إن هذا إال ملك كرمي{ :وقوله }كرمي
}.قوال كرميا
.والقرآن كرمي ابلغ احلسن يف ألفاظه ومعانيه
علي ،أي ذو قَ ْدر ومكانة :واملعىن الثاين َك َرم ال َق ْد ِر ّ
وعلو املنزلة ،فتقول :فالن كرمي ّ
.عالية عندي
ومن احملمول على إرادة معىن رفعة ال َق ْدر -وإن كان على سبيل الته ّكم -قوله
}.ذق إنك أنت العزيز الكرمي{ :تعاىل
:قال جمنون ليلى
من املزن ما تُروى به وتسيم ..سقى بلدا أمست سليمى حتلّه
علي كرمي ..وإن مل أكن من ساكنيه فإنه ُيل به شخص ّ ّ
واملقصود أن القرآن كرميُ ال َق ْد ِر عند هللا تعاىل ،وعند املؤمنّي ،وبيان دالئل َك َرِم قَ ْد ِرهِ لو
.أفاض املتح ّدث فيه الستدعى ذلك منه ِس ْفراً كبرياً
َكرم العطاء ،وهو أشهر معانيه ،حىت غلب على أفهام كثري من الناس :واملعىن الثالث
.فظنوه حمصوراً فيه ،وليس األمر كذلك
والقرآن كرمي هبذا املعىن لكثرة ما يصيب اتليه من اخلري والربكة بسببه ،وكثرة ثواب تالوته
.وحسن آاثرها
كل سوء ،وهو فرع عن كرم ال َق ْدر ،وأصله أن بناء فعيل َيِت :واملعىن الرابع
امل َك َّرم عن ّ
املكرم
.يف اللغة أحياان على معىن املفعول؛ فيأِت الكرمي مبعىن َّ
ِّ
املكرم لغريه ،وهو من آاثر كرم العطاء وكرم احلسن وكرم الق ْدر ،وأصله :واملعىن اخلامس
.أن بناء فعيل َيِت يف اللغة أحياانً على معىن الفاعل؛ فيأِت الكرمي مبعىن ِّ
املكرم
وكالم املفسرين يف معىن وصف القرآن أبنه كرمي يدور حول هذه املعاين ،وكل مجلة من
هذه اجلمل لو أتمل الناظر دالئلها وآاثرها النفتح له من أبواب العلم واإلميان والفضل
.العظيم ما ال يكاد ينقضي منه العجب
ولعل هذا يطلعك على بعض معاين القسم العظيم اجلليل الذي أقسمه هللا تعاىل يف سورة
ِ ْسم ِمبواقِ ِع الن ِ ِ
جل وعال *وإِنَّهُ لََق َس ٌم ل َْو تَ ْعلَ ُمو َن َعظ ٌ
يم * { :الواقعة إذ قال َّ خجوم َ
ُ فَ َال أُق ُ ََ
}إِنَّهُ لَ ُق ْرآ ٌن َك ِرميٌ
فينبغي لكل مؤمن أن يستشعر عظمة هذا ال َق َسم ،وجيتهد يف إدراك نصيبه من هذا
.ال َك َرم
.وأما وصفه أبنه عظيم؛ فيتضمن عظمة قَ ْد ِرهِ َو َعظَ َمةَ صفاته
:فالقرآن عظيم ال َق ْد ِر يف الدنيا واآلخرة
:فأما عظمة قدره يف الدنيا فتتبّي من وجوه كثرية
.أنه كالم هللا تعاىل :منها
.إقسام هللا تعاىل به :ومنها
.كثرة أمسائه وأوصافه الدالة على عظمة قدره :ومنها
حاكم على ما قبله من الكتب ،وانسخ هلا ،ومهيمن عليها :ومنها
.أنه ٌ
.أنه فرقان بّي اهلدى والضاللة ،واحل ّق والباطل :ومنها
.أنه يهدي لليت هي أقوم :ومنها
أنه مصدر األحكام الشرعية اليت هبا قيام مصاحل العباد ،وإليها يتحاكمون يف :ومنها
وحل مشكالهتم ومعضالهتم
.فض منازعاهتم ّ
ّ
تبّي حرمته وجاللة شأنه :ومنها
خصه أبحكام يف الشريعة ّ
.أن هللا ّ
.واألوجه الدالة على بيان عظمة ق ْدره كثرية جداً يتع ّذر حصرها
:وأما عظمة قدره يف اآلخرة فمن دالئلها
يظل صاحبه يف املوقف العظيم -
.أنه ّ
.وأنه شافع مش ّفع وماحل مص ّدق -
ُياج عن صاحبه ويشهد له -
.وأنه ّ
.وأنه يرفع صاحبه درجات كثرية -
.وأنه يث ّقل ميزان أصحابه بكثرة ما جيدون من ثواب تالوته -
:وأما عظمة صفاته فبياهنا من وجهّي
ّ
كل صفة وصف هبا القرآن؛ فهو عظيم يف تلك الصفة؛ فكرمه عظيم: ،الوجه األول
أن ّ
وعلوه عظيم ،ونوره عظيم ،وهداه عظيم ،وشفاؤه عظيم،
وبركته عظيمة ،وجمده عظيمّ ،
كل صفة منها ابلعظمة
وفرقانه عظيم إىل غري ذلك من أمسائه وصفاته اليت اتّصف يف ّ
.فيها
.أن كثرة أمسائه وصفاته العظيمة دليل آخر على عظمته :والوجه الثاين
َّلل الَّ ِذي أَنْ َز َل َعلَى َع ْب ِدهِ { :وأما وصفه أبنّه قيّم؛ فقد ورد يف قول هللا تعاىل ا ْحلم ُد َِِّ
َْ
شر الْم ْؤِمنِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ّي الَّذ َ
ين ْسا َشدي ًدا م ْن لَ ُدنْهُ َويُبَ ّ َ ُ َاب َوَملْ َْجي َع ْل لَهُ ع َو ًجا ( )1قَ يِّ ًما ليُ ْنذ َر َأب ً الْكتَ َ
َج ًرا َح َسنًا (2 ات أ َّ })ي ْعملُو َن َّ ِ
احل ِ
َن َهلُ ْم أ ْ الص َ َ َ
ب قَ يِّ َمةٌ (: {3وقوله تعاىل ِ ول ِمن َِّ
َّرةً ( )2ف َيها ُكتُ ٌ ص ُح ًفا ُمطَه َ اَّلل يَ ْت لُو ُ }) َر ُس ٌ َ
:ولوصفه ابلقيّم ثالثة معان
أنه مستقيم ال عوج فيه ،وال خلل ،وال تناقض ،وال تعارض ،بل يص ّدق بعضه :أحدها
ويبّي بعضه بعضاًَ ،يتلف وال خيتلف ،وال َيتيه الباطل من بّي يديه وال من خلفه،
بعضاًّ ،
.يهدي إىل احل ّق وإىل طريق مستقيم
أي ال اعوجاج فيه ألبتة ،ال من جهة األلفاظ ،وال من جهة ( :قال األمّي الشنقيطي
املعاين ،أخباره كلها صدق ،وأحكامه عدل ،سامل من مجيع العيوب يف ألفاظه ومعانيه،
.ا.ه )وأخباره وأحكامه
أنه قيّم على ما قبله من الكتب ومهيمن عليها ،وشاهد بصدق ما أنزل :واملعىن الثاين
.هللا فيها
أنه القيّم الذي به قَ َوام أمور العباد وقيام مصاحلهم وشرائعهم وأحكام :واملعىن الثالث
.عباداهتم ومعامالهتم ،ويهديهم لليت هي أقوم يف مجيع شؤوهنم
صائُِر ِم ْن َربِّ ُك ْم َو ُه ًدى َوَر ْمحَةٌ لَِق ْوٍم {:وأما وصفه أبنّه بصائر ،فقد ورد يف قوله تعاىل َه َذا بَ َ
َّاس َو ُه ًدى َوَر ْمحَةٌ لَِق ْوٍم يُوقِنُو َن { ،:وقال تعاىل})يُ ْؤِمنُو َن (203 صائُِر لِلن ِ ،وقال } َه َذا بَ َ
ص َر فَلِنَ ْف ِس ِه َوَم ْن َع ِم َي فَ َعلَْي َها َوَما أ ََان { :تعاىل قَ ْد جاء ُكم ب ِ ِ
صائ ُر م ْن َربِّ ُك ْم فَ َم ْن أَبْ َ
ََ ََْ
يظ (104 }) َعلَي ُكم ِحب ِف ٍ
ْ ْ َ
تبّي
ويتفرع على هذه املعرفة ّ والبصائر مجع بصرية ،وهي معرفة حقيقة األمر وعاقبتهّ ،
.الصواب واخلطأ فيما يقع يف ذلك األمر
والبصرية مفتاح اهلداية ،والنجاة من الغواية ،وسبب الثبات على احل ّق ،واجتناب الباطل،
صحة املعرفة
.وأصلها ما ينعقد يف القلب من ّ
وحقيق األمر( :قال اخلليل بن أمحد ِ ِ ِ
اسم لما اعتُق َد يف القلب من ال ّدين َ
).البصريةُ ٌ
ويبّي
فيبصر ابحل ّق ويبيّنهّ ،
يبصر ابحلقائق يف كل ما ُُيتاج إليه؛ ّ
ومسّي القرآن بصائر ألنّه ّ
ويبّي هلم طريق النجاة
حسن عاقبته وجزاء أهله ،وما يعرتضهم من االبتالءات والفنتّ ،
ويبصر بقبح الباطل وشؤمه ،وسوء عاقبة أهله ،وسبب اغرتارهم به،
وأسباب اهلدايةّ ،
.وطرق جناهتم منه قبل فوات األوان
شره وينجو
عدوه املرتبّص به ،ومداخل تسلّطه عليه ،وكيف يتّقي ّ
ويبصر املؤمن بكيد ّ
ّ
من كيده،
ويبصر املؤمنّي أبعدائهم من الكفار واملنافقّي ،وطرقهم يف املكر والكيد والتضليل،
ّ
متسكوا به
شرهم ،وما يتح ّقق هلم به النصر والتمكّي إن ّ
.ويبّي هلم سبيل السالمة من ّ
ّ
.ويبصر املؤمن حبقيقة هذه الدنيا ومقاصد إجيادان فيها ،وما فيها من سنن االبتالء
ّ
.ويبصره أبدواء القلوب وعلل النفوس وأسباب شفائها وطهارهتا وزكاهتا
ّ
.ويبصر أبحكام الدين وشرائعه ،وما تصلح به شؤون العباد يف دينهم ودنياهم
ّ
جل وعال ،وكيف ينال حمبّته ورضوانه ،وكيف يبلغ
يتقرب به إىل ربّه ّ
ويبصر السالك مبا ّ
ّ
كل شأن من شؤونه -مرتبة اإلحسان اليت هي أعلى املراتب ،وجزاؤها أحسن
-يف ّ
كل ما ُيتاجه املؤمن من
عمت ّ
اجلزاء ،إىل غري ذلك من أنواع البصائر املباركة اليت ّ
.البيّنات واهلدى
وبصائر القرآن كالكنوز الكثرية يف البحر العظيم؛ كلما أقبل عليها َمن يعرف قدرها
وتتنوع حىت
وأتملها وقلّب النظر فيها واكتسب منها ما اكتسب وجدها تكثر وتتسع ّ
ّ
يسره
وأتمل ما ّ
كل حبث ّ
يوقن أبنّه ال ُييط هبا من كثرة أنواعها وبركاهتا ،ووجد يف ّ
.ويبهجه مما ال ينقضي من العجب
البّي
وأما الكافر واملنافق فإنّه رّمبا عرضت له البصرية من القرآن يف الشيء العظيم ّ
وعرفه مثّ أنكره فحرم من بركات بصائر القرآن ،كما حرم الذين من قبل وكانوا
مستبصرين؛ فزاغوا بعدما عرفوا احل ّق ،وحرموا التوفيق لتكذيبهم وإعراضهم ،وصرفوا مبا
التبصر مبا أنزل هللا إليهم ،قال هللا تعاىل
ّي لَ ُك ْم { :افتتنوا به عن ّ ادا َوَمثُ َ
ود َوقَ ْد تَبَ َّ َ َو َع ً
ين (38 ِ
يل َوَكانُوا ُم ْستَ ْبص ِر َ السبِ ِ
ص َّد ُه ْم َع ِن َّ }) ِم ْن َم َساكِنِ ِه ْم َوَزيَّ َن َهلُ ُم َّ
الش ْيطَا ُن أَ ْع َما َهلُ ْم فَ َ
يل إِ ْذ َجاءَ ُه ْم فَ َق َ ِ ِ ت ب يِنَ ٍ ولََق ْد آتَ ْي نَا موسى تِسع ٍ
ال { :وقال تعاىل اسأ َْل بَِين إ ْس َرائ َ ات فَ ْ آَي َ ّ ُ َ َْ َ َ
ت َما أَنْ َز َل َه ُؤَال ِء إَِّال َر خ
ب ال لََق ْد َعلِ ْم َ
ورا ( )101قَ َ وسى َم ْس ُح ً لَهُ فِ ْر َع ْو ُن إِِّين َألَظُن َ
خك ََي ُم َ
ض بصائِر وإِِّين َألَظُن َ ِ }) َّ ِ
ورا (102 خك ََيف ْر َع ْو ُن َمثْ بُ ً الس َم َاوات َو ْاأل َْر ِ َ َ َ َ
ّي (َ )13و َج َح ُدوا ِهبَا { :وقال تعاىل ص َرةً قَالُوا َه َذا ِس ْح ٌر ُمبِ ٌ فَ لَ َّما جاء ْهتُم آَيتُنَا م ْب ِ
ََ ْ َ ُ
ين (14 ِِ ِ
ف َكا َن َعاقبَةُ ال ُْم ْفسد َ س ُه ْم ظُل ًْما َوعُلًُّوا فَانْظُْر َك ْي َاستَ ْي َقنَ تْ َها أَنْ ُف ُ
}) َو ْ
فسرها ابالعتبار وهداية التوفيق،
ولذلك اختلف العلماء يف معىن البصرية؛ فمنهم من ّ
فسرها هبداية الداللة واإلرشاد
.ومنهم من ّ
والصواب أ ّن البصرية جامعة للمعنّي فأصلها من هداية الداللة واإلرشاد فمن آمن هبا
التبصر النافع حىت يورثه اليقّي واإلمامة يف
وتبصر هبا ازداد هداية وتوفيقا ملزيد من ّ
ّ
.الدين
تعرف
ومن أعرض عما تقتضيه بصائر القرآن من العمل واتّباع اهلدى واإلقبال على ّ
بصائر القرآن واالنتفاع هبا استح ّق العقاب على تولّيه وإعراضه أبن ُيرم فهم القرآن
والتبصر به ،ويشغله ما افتنت به من هلو الدنيا وغرور األمنيات ووساوس الشيطان عن
ّ
.االنتفاع ببصائر القرآن وازدَيد العلم هبا
ص َر فَلِنَ ْف ِس ِه { :وقد اجتمع املعنيان يف قول هللا تعاىل قَ ْد جاء ُكم ب ِ ِ
صائ ُر م ْن َربِّ ُك ْم فَ َم ْن أَبْ َ
ََ ََْ
يظ (104 })ومن َع ِمي فَ علَي ها وما أ ََان َعلَي ُكم ِحب ِف ٍ
ْ ْ َ ََ ْ َ َ ْ َ ََ
وتعرفه به ،والعمي هو الذيتدل على اهلدى ّ فاملبصر هو املنتفع ببصائر القرآن اليت ّ
التبصر ببصائر القرآن
.عوقب ابلعمى لتعاميه وش ّدة نفوره عن ّ
قال ابن األعرايب" :البصرية الثبات يف الدين" ،وقيل :البصرية ( :قال ابن القيم رمحه هللا
:العربة ،كما يقال :أليس لك يف كذا بصرية؟ أي :عربة ،قال الشاعر
تبصر
األولّي ...من القرون لنا بصائر والتحقيق أ ّن العربة مثرة البصرية؛ فإذا َّ
يف الذاهبّي ّ
اعترب؛ فمن عدم العربة فكأنَّه ال بصرية له ،وأصل اللفظ من الظهور والبيان؛ فالقرآن
.ا.ه )بصائر :أي أدلة وهدى وبيان يقود إىل احلق ويهدي إىل الرشد
وأما وصفه أبنّه هدى؛ فقد ورد يف مواضع كثرية من القرآن؛ منها قوله تعاىل يف ّأول
ّ
}.أمل .ذلك الكتاب ال ريب فيه .هدى للمتّقّي{سورة البقرة؛
تضمن
وجميء هذه اآلية يف ّأول املصحف بعد الفاحتة اليت فيها سؤال اهلداية تنبيه على ّ
.القرآن للهداية اليت يسأهلا املؤمنون وترغيب يف االهتداء به
ات ِم َن ا ْهلَُدى { :وقال تعاىل َّاس وب يِنَ ٍ ِ ِِ َش ْهر رم َ ِ
ضا َن الَّذي أُنْ ِز َل فيه الْ ُق ْرآ ُن ُه ًدى للن ِ َ َ ّ ُ ََ
}والْ ُفرقَ ِ
ان َ ْ
صلْنَاهُ َعلَى ِعل ٍْم ُه ًدى َوَر ْمحَةً لَِق ْوٍم يُ ْؤِمنُو َن (: { 52وقال اه ْم بِ ِكتَ ٍ
اب فَ َّ }) َولََق ْد ِج ْئ نَ ُ
يل أَ ْكثَ َر الَّ ِذي ُه ْم فِ ِيه َخيْتَلِ ُفو َن (: { 76وقال ِ ِ
ص َعلَى بَِين إ ْس َرائ َ َوإِنَّهُ )إِ َّن َه َذا الْ ُق ْرآ َن يَ ُق خ
}) َهل ًدى ور ْمحةٌ لِل ِ
ّي (77 ْم ْؤمنِ َ
ُ ََ َ ُ
ين َال يُ ْؤِمنُو َن ِيف آ َذاهنِِ ْم َوق ٌْر َو ُه َو َعلَْي ِه ْم { :وقال ِ ِ
آمنُوا ُه ًدى َوش َفاءٌ َوالَّذ َ ين َ
ِِ
قُ ْل ُه َو للَّذ َ
يد (44 ان ب ِع ٍٍ ك ي نَ َ ِ ِ
اد ْو َن م ْن َم َك َ }) َع ًمى أُولَئ َ ُ
شر الْم ْؤِمنِ ِ ِ ِ ِ ِ
ين يَ ْع َملُو َن { :وقال تعاىل ّي الَّذ َإِ َّن َه َذا الْ ُق ْرآ َن يَ ْهدي للَِّيت ه َي أَق َْو ُم َويُبَ ّ ُ ُ َ
ريا (9 َن َهلُ ْم أ ْ ِ احل ِ
ات أ َّ }) َّ ِ
َج ًرا َكب ً الص َ
فهداية القرآن هداية عظيمة يف مشوهلا جلميع شؤون العباد ،ويف كوهنا هتدي لليت هي
كل شأن
.أقوم يف ّ
:وهداية القرآن على مرتبتّي
عامة جلميع الناس؛ تدهلّم على احلق ،وعلى صراط هللا املستقيم؛
املرتبة األوىل :اهلداية ّ
احلجة عليهم ،وما ينذرون به
فيعرفون به ما جيب عليهم وما ُيرم ،ويتبيّنون به ما تقوم به ّ
شرون به إذا اتّبعوا هداه .إذا خالفوا هدى القرآن ،وما يب ّ
َّاس ِاب ْحلَِّق فَ َم ِن ا ْهتَ َدى فَلِنَ ْف ِس ِه َوَم ْن { :كما قال هللا تعاىل اب لِلن ِ إِ َّان أَنْزلْنَا َعلَي َ ِ
ك الْكتَ َ ْ َ
يل (41ت َعلَْي ِه ْم بَِوكِ ٍ ض َّل فَِإ َّمنَا ي ِ
ض خل َعلَْي َها َوَما أَنْ َ َ }.هدى للناس{ :وقال فيه }) َ
يتقربون
اخلاصة للمؤمنّي اليت يوفّقون هبا لفهم مراد هللا تعاىل ،وملا ّ واملرتبة الثانية :اهلداية ّ
.به إليه؛ فيزيدهم هدى إليه
ومن ّاّتذ القرآن دليالً له إىل هللا تعاىل أبصر به السبيل الذي ّ
يقربه إليه ويوجب له حمبته
.ورضوانه وفضله العظيم مبا أوجبه هللا على نفسه من ذلك
}.إن هذه تذكرة فمن شاء ّاّتذ إىل ربّه سبيال{ :كما قال هللا تعاىل
متسك به عُصم من الضاللة
.فمن اهتدى ابلقرآن هداه هللا ،ومن ّ
وعن أيب شريح اخلزاعي ،قال :خرج علينا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم،
»أبشروا ،أبشروا ،أليس تشهدون أن ال إله إال هللا وأين رسول هللا؟« :فقال
.قالوا :نعم
فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد هللا ،وطرفه أبيديكم فتمسكوا به ،فإنكم لن « :قال
.رواه ابن أيب شيبة وابن حبان وصححه األلباين »تضلوا ولن هتلكوا بعده أبدا
فسر قول هللا تعاىل صموا ِحبَْب ِل َِّ ِ
ِ
اَّلل َمج ًيعا وال { :والسبب هو احلبل ،وقد ّ َوا ْعتَ ُ
}تفرقوا
.ابالعتصام ابلقرآن ّ
ضر حتضره الشياطّي ،ينادونَ :ي عبد هللا: ( ،قال عبد هللا بن مسعود
إن الصراط ُحمت َ
هلم هذا الطريق! ليصدوا عن سبيل هللا؛ فاعتصموا حببل هللا ،فإن حبل هللا هو كتاب
.رواه ابن جرير ).هللا
.رواه ابن جرير )حبل هللا املتّي الذي أمر أن يُعتصم به :هذا القرآن( :وقال قتادة
وهذا القول أحد األقوال اخلمسة املأثورة عن السلف يف املراد حببل هللا ،وهي أقوال
ففسر ابلقرآن وابلتوحيد وابجلماعة
ويدل بعضها على صدق بعض؛ ّ
تتفق وال ّتتلفّ ،
.وابلسنة وبعهد هللا
ويف صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما أن النيب صلى هللا عليه
حجة الوداع
وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن ( :وسلم قال يف خطبته يف ّ
).اعتصمتم به ،كتاب هللا
متسك ابلقرآن عُصم من الضاللة؛ وهذه من أعظم مثرات هدى القرآن
.فمن ّ
وأما وصفه أبنّه نور؛ فقد ورد يف مواضع من القرآن منها ّ :
ورا ُمبِينًا { :قول هللا تعاىل - ِ
َّاس قَ ْد َجاءَ ُك ْم بُ ْرَها ٌن م ْن َربِّ ُك ْم َوأَنْ َزلْنَا إِل َْي ُك ْم نُ ً
ََيأَيخ َها الن ُ
})(174
ّي ( )15يَ ْه ِدي بِ ِه َّ
اَّللُ َم ِن اتَّبَ َع ِر ْ اب ُمبِ ٌ اَّلل نُ ِ ِ ِ
ض َوانَهُ { :وقوله - ور َوكتَ ٌ قَ ْد َجاءَ ُك ْم م َن َّ ٌ
صر ٍ
اط ُم ْستَ ِق ٍيم ِِ ِِ ِ ِ ِ ِ خ ِ ِ }سبُل َّ ِ
الس َالم َوُخيْ ِر ُج ُه ْم م َن الظلُ َمات إ َىل النخوِر إب ْذنه َويَ ْهدي ِه ْم إ َىل َ ُ َ
اإلميَا ُن { :وقوله - اب َوَال ِْ ِ
ت تَ ْد ِري َما الْكتَ ُ وحا ِم ْن أ َْم ِرَان َما ُك ْن َك ُر ً ك أ َْو َح ْي نَا إِل َْي ََوَك َذلِ َ
صر ٍ
اط ُم ْستَ ِق ٍيم اد َان وإِنَّ َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َكن جعلْنَاهُ نُ ِ ِ ِ ِ
ك لَتَ ْهدي إ َىل َ ورا َهنْدي به َم ْن نَ َشاءُ م ْن عبَ َ ً َول ْ َ َ
})(52
ري (: { 8وقوله - َّلل َوَر ُسولِ ِه َوالنخوِر الَّ ِذي أَنْ َزلْنَا َو َّ
اَّللُ ِمبَا تَ ْع َملُو َن َخبِ ٌ
})فَ ِآمنُوا ِاب َِّ
ك ُه ُم { :وقوله - خور الَّ ِذي أُنْ ِز َل َم َعهُ أُولَئِ َ
ص ُروهُ َواتَّبَ عُوا الن َ
ِ
آمنُوا بِه َو َع َّزُروهُ َونَ َ ين َ
ِ
فَالَّذ َ
}ْ)ال ُْم ْفلِ ُحو َن (157
فهو نور يضيء الطريق للسالكّي؛ ويذهب عنهم ظلمة الشرك والعصيان وآاثرها؛ فمن
استضاء بنور القرآن أضاء له سبيله ،وأبصر احلقائق ،وعرف ما َيِت وما يذر ،وكان على
بيّنة من ربّه؛ حسن املعرفة بصراطه املستقيم ،وبكيد الشيطان الرجيم ،وعلل النفس
.املردية
واهلوام
ّ ومثل العبد يف هذه احلياة الدنيا كمثل السالك يف صحراء مظلمة مليئة ابملخاوف
حمصن؛ وال تُعرف معامل هذا الطريق إال بنور
والسباع ويف تلك الصحراء طريق آمن ّ
ّ
وتعرض للمخاوف ،ومل يضيء لصاحبه حىت يعرفه؛ فمن سار يف الظلمة ّتبّط يف سريه ّ
احملصن ،وسار فيها آمنا ،وكان على
يصل إىل مأمنه ،ومن استضاء ابلنور أبصر الطريق ّ
.حذر من الزيغ عنه إىل مفاوز الظلمات املوحشة
فالقرآن هو النور املبّي الذي يستضاء به ليبّي السبيل للسالكّي ،وخيرجوا من الظلمات
.إىل النور ،ومن سبل الشياطّي املوحشة املضلّة إىل صراط هللا املستقيم
ورا ُمبِينًا { :وقد وصف هللا نور القرآن أبنه نور مبّي كما قال هللا تعاىل
َوأَنْ َزلْنَا إِل َْي ُك ْم نُ ً
})(174
فسر مبعنيّي صحيحّي
:وقد ّ
أنه مبّي مبعىن بَّّي أي ظاهر واضح يعرف أنه هو احلق لنوره الذي مييّزه عن :أحدمها
.غريه ،وهلذا املعىن نظائر كثرية يف القرآن الكرمي ويف كالم العرب
.أنه ُمبّي مبعىن ُم ِّبّي؛ ملا فيه من بيان احلق واهلدى للناس :واملعىن اآلخر
يتبّي به حقائق األمور ،وسنن االبتالء ،وعواقب السالكّي ،وال
واملستنري بنور القرآن ّ
تغره مكائد األعداء ،وظواهر الفنت اخل ّداعة ،وحيل النفس اخلفيّة ،يف حصن حصّي من
ّ
فنت الشبهات والشهوات ملا يرى من قبحها وسوء عاقبتها إذ تب ّدت له بوجهها احلقيقي
ّي َك ْاألَ ْع َمى {املن ّفر؛ يبصر فيها ال كبصر غريه ،ويسمع فيها ال كسمع غريه؛ َمثَل الْ َف ِري َق ْ ِ
ُ
الس ِمي ِع َه ْل يَ ْستَ ِوََي ِن َمثَ ًال أَفَ َال تَ َذ َّك ُرو َن (24 )}.و ْاألَص ِم والْب ِ
ص ِري َو َّ َ َّ َ َ
وهو هبذا البصر املستنري بنور القرآن يف حياة حقيقية؛ قد خرج من أسر الظلمات،
ووجد حقيقة احلياة وطعمها وتبيّنت له غايته اليت يسعى إليها ،وطريقه الذي يوصله إىل
ورا ميَْ ِشي بِ ِه ِيف الن ِ
َّاس َك َم ْن َمثَلُهُ ِيف { .غايته َحيَ ْي نَاهُ َو َج َعلْنَا لَهُ نُ ً
أ ََوَم ْن َكا َن َم ْي تًا فَأ ْ
ِ ِ
ك ُزيِّ َن ل ْل َكاف ِر َ
ين َما َكانُوا يَ ْع َملُو َن (122 ِج ِم ْن َها َك َذلِ َس ِخبَار ٍ خ ِ
})الظلُ َمات ل َْي َ
وهذا النور مالزم لالنفساح وانشراح الصدر؛ ألنه يرى من آفاق السعة ورفع احلرج
وكثرة أبواب الفضل والرمحة واملخارج من املضايق ما يدفع عنه الشعور ابلضيق الناتج
قل نصيبه من االستنارة بنور القرآن
.عن ضعف إبصارها لدى من ّ
وهذا يطلعك على تفاوت الناس يف االستنارة بنور القرآن؛ وأعظمهم نصيباً منه أشرحهم
صدراً وأزكاهم نفساً وأحسنهم بصرية؛ قد انصرفت مهّته إىل إحسان العمل وجتنّب اإلمث؛
.فازداد هداية وانشراحاً واستنارة بنور هللا
وهبُ ْم ِم ْن ِذ ْك ِر { اَّلل ص ْدرهُ لِ ِْْلس َالِم فَ هو َعلَى نُوٍر ِمن ربِ ِه فَويل لِ ْل َق ِ
اسيَ ِة قُلُ ُ ْ َّ َ ْ ٌ َُ ح َُّ َ َ ْ أَفَ َم ْن َش َر َ
ّي (22 ض َال ٍل ُمبِ ٍ ك ِيف َ َِّ )}.
اَّلل أُولَئِ َ
وأما وصفه أبنّه بيان ومبّي؛ فقد ورد يف مواضع كثرية من القرآن الكرمي؛ فقال ّ
َّاس و ُه ًدى ومو ِعظَةٌ لِل ِ ِ
ّي (: {138تعاىلْمتَّق َ
ُ ََْ على القول أبن مرجع اسم }) َه َذا بَيَا ٌن للن ِ َ
.اإلشارة هو القرآن الكرمي ،وهو قول احلسن البصري وقتادة
اب ال ُْمبِ ِ
ّي { :وقال ت ال ِ
ْكتَ ِ آَي ُ يف }والكتاب املبّي{ :يف ثالثة مواضع ،وقال }تِل َ
ْك َ
.موضعّي
.وبيان القرآن أحسن البيان وأعظمه وأجلّه يف ألفاظه ومعانيه وهداَيته
فأما ألفاظه فهي على أفصح لغات العرب وأحسنها ،ال تعقيد فيها وال تكلف وال
تعسر ،له حالوة عند مساعه ،وحالوة
اختالل ،حسن اجلرَين على اللسان بال سآمة وال ّ
عند تالوته ،يقرؤه الكبري والصغري وُيفظه من يشاء منهم لتيسر ألفاظه وحسنها .وقد
حت ّدى هللا به أساطّي فصحاء العرب ،وهم متوافرون على أن َيتوا مبثله أو بسورة من
.مثله فلم يستطيعوا ،ولو اجتمع أهل األرض كلّهم على أن َيتوا مبثله مل يستطيعوا
وقد اعتىن ببديع بيان ألفاظ القرآن مجاعة من العلماء؛ فاستخرجوا من ذلك ما يبهر
.ويدهش من حسن البيان وإحكامه
وأما بيان معانيه؛ فهو حمكم غاية اإلحكام؛ ال َيتيه الباطل من بّي يديه وال من خلفه،
أَفَ َال ي ت َدبَّرو َن الْ ُقرآ َن ولَو َكا َن ِمن ِع ْن ِد غَ ِْري َِّ
اَّلل {وال يتعارض ،وال يتناقض ،وال خيتلف؛ ْ ْ َْ ََ ُ
ريا (82 ِ ِِ ِ
)}.ل ََو َج ُدوا فيه ا ْخت َالفًا َكث ً
وأما بيان هداَيته وداللتها على ما ُيبّه هللا ويرضاه ،وعلى بيان احل ّق ونصرته ،وعلى
كشف الباطل ودحضه؛ وإرشاده إىل صراط هللا املستقيم؛ فأمر ظاهر غاية الظهور؛
احلجة على اإلنس واجلن؛ وأمر نبيّه أن يذ ّكر به ،وينذر ولظهور بيانه للهدى أقام هللا به ّ
شر به؛ فأمره أن يقول يل َه َذا الْ ُق ْرآ ُن ِألُنْ ِذ َرُك ْم بِ ِه َوَم ْن بَلَ َغ{ :به ،ويب ّ }وأ ِ
ُوح َي إِ ََّ َ
}.قُ ْل إِ َّمنَا أُنْ ِذ ُرُك ْم ِابل َْو ْحي { :وقال تعاىل
اف و ِع ِ ِ ِ
يد (: { 45وقال تعاىل })فَ َذ ّك ْر ِابلْ ُق ْرآن َم ْن َخيَ ُ َ
ين َخيَافُو َن أَ ْن ُُْي َش ُروا إِ َىل َرّهبِِ ْم { :وقال ِ ِِ ِ
}.وأَنْذ ْر به الَّذ َ َ
ّي َوتُ ْن ِذ َر بِ ِه قَ ْوًما ل ًُّدا (: { 97وقال ك لِتُ ب ِّ ِ ِ )}.فَِإ َّمنَا ي َّ ِ ِ
ش َر بِه ال ُْمتَّق َ س ْرَانهُ بِل َسان َ َ َ
وأما وصفه أبنه ِذ ْك ٌر وذكرى وتذكرة؛ ففي آَيت كثرية من كتاب هللا تعاىل؛ بل جعل هللا
طه (َ )1ما أَنْ َزلْنَا { :من أعظم مقاصد إنزال القرآن التذكري به؛ كما قال هللا تعاىل
ك الْ ُق ْرآ َن لِتَ ْش َقى ( )2إَِّال تَذْكِ َرةً لِ َم ْن َخيْ َشى (3 }) َعلَْي َ
ّي (: { 48وقال })وإِنَّهُ لَتَذْكِرةٌ لِل ِ
ْمتَّق َ
َ ُ َ
َ )}.ك َّال إِنَّهُ تَذْكِ َرةٌ ( )54فَ َم ْن َشاءَ ذَ َك َرهُ (: { 55وقال
ِ
ّي { :وقال .يف ثالثة مواضع }إِ ْن ُه َو إَِّال ِذ ْك ٌر لل َْعال َِم َ
ار ٌك أَنْ َزلْنَاهُ أَفَأَنْ تُ ْم لَهُ ُم ْن ِك ُرو َن (: { 50وقال ِ
َ )}.و َه َذا ذ ْك ٌر ُمبَ َ
ك فَ َال ي ُكن ِيف ص ْد ِر َك حرج ِم ْنه لِت ْن ِذر بِ ِه وِذ ْكرى لِل ِ ِ
ّي { :وقال ْم ْؤمنِ َ
ََ ٌ ُ ُ َ َ َ ُ َ ْ َ اب أُنْ ِز َل إِل َْي َ
كتَ ٌ
2()}.
ك ل ََر ْمحَةً َوِذ ْك َرى { :وقال اب يُ ْت لَى َعلَْي ِه ْم إِ َّن ِيف ذَلِ َ أَوَمل ي ْك ِف ِهم أ ََّان أَنْزلْنَا َعلَي َ ِ
ك الْكتَ َ ْ َ ََْ ْ
)}.لَِق ْوٍم يُ ْؤِمنُو َن (51
:واآلَيت يف هذا املعىن كثرية ،وتذكري القرآن على درجتّي
ِ ِِ
احلجة؛ كما قال هللا تعاىل :الدرجة األوىل عام تقوم به ّ س { :تذكري ّ َوذَ ّك ْر به أَ ْن تُ ْب َس َل نَ ْف ٌ
يع َوإِ ْن تَ ْع ِد ْل ُك َّل َع ْد ٍل َال يُ ْؤ َخ ْذ ِم ْن َها ِ
اَّلل َوِيلٌّ َوَال َشف ٌ
ون َِّت ل َْيس َهلَا ِمن ُد ِ
ْ }مبَا َك َسبَ ْ َ
ِ
ص ْي ِط ٍر ( )22إَِّال َم ْن تَ َو َّىل { :وقال تعاىل ت َعلَْي ِه ْم ِمبُ َ َس َ فَ َذ ّكِر إِ َّمنَا أَنْ َ ِ
ت ُم َذ ّك ٌر ( )21ل ْ ْ
رب (24 اب ْاألَ ْك ََ }) َوَك َف َر ( )23فَ يُ َع ِّذبُهُ َّ
اَّللُ ال َْع َذ َ
وهذا التذكري من استجاب له هداه هللا به إىل صراطه املستقيم؛ ومن أعرض عنه وزهد
فيه انتقم هللا منه ،وعاقبه ابحلرمان من فقهه واالنتفاع به؛ وتلك أعظم العقوابت يف
ض َع ْن َها إِ َّان ِم َن { :الدنيا؛ كما قال هللا تعاىل ومن أَظْلَم ِممَّن ذُّكِر ِِبَي ِ ِ
ت َربِّه ُمثَّ أَ ْع َر َ ََ ْ ُ ْ َ َ
ّي ُم ْن تَ ِق ُمو َن (22 ِ
})ال ُْم ْج ِرم َ
ض َع ْن َها َونَ ِس َي َما قَ َّد َم ْ ومن أَظْلَم ِممَّن ذُّكِر ِِبَي ِ ِ
ت يَ َداهُ إِ َّان { :وقال تعاىل ت َربِّه فَأَ ْع َر َ ََ ْ ُ ْ َ َ
َج َعلْنَا َعلَى قُلُوهبِِ ْم أَكِنَّةً أَ ْن يَ ْف َق ُهوهُ َوِيف آذَاهنِِ ْم َوق ًْرا َوإِ ْن تَ ْدعُ ُه ْم إِ َىل ا ْهلَُدى فَلَ ْن يَ ْهتَ ُدوا
})إِذًا أَبَ ًدا (57
ين (َ )36وإِ َّهنُ ْم { :وقال تعاىل ض لَهُ َش ْيطَ ًاان فَ ُه َو لَهُ قَ ِر ٌ ش َع ْن ِذ ْك ِر َّ
الر ْمحَ ِن نُ َقيِّ ْ َوَم ْن يَ ْع ُ
يل َوَُْي َسبُو َن أ ََّهنُ ْم ُم ْهتَ ُدو َن (37 السبِ ِ
وهنُ ْم َع ِن َّ ص خد َ)}.لَيَ ُ
ّي (ُ )13مثَّ تَ َولَّ ْوا َع ْنهُ{ :وقال تعاىل ََّن َهلُ ُم ال ِّذ ْك َرى َوقَ ْد َجاءَ ُه ْم َر ُس ٌ
ول ُمبِ ٌ }.أ َّ
وجل
عز ّ احلجة ،وال ينفع إال من استجاب هلل ّ واملقصود أن هذا التذكري العام تقوم به ّ
.واتّبع هداه
خاص ابملؤمنّي؛ كما قال هللا تعاىل :والدرجة الثانية
وذ ّكر { :التذكري النافع؛ وهو تذكري ّ
سيذ ّكر من { :وقال }وما يذ ّكر إال من ينيب{ ،:وقال}فإن الذكرى تنفع املؤمنّي
}خيشى
واخلشية واإلانبة من أعمال اإلميان ،وكلما كان العبد أكمل إمياان كان نصيبه من التذ ّكر
.أعظم وأنفع
.ولذلك كان نصيب أهل اخلشية واإلانبة من ذلك أحسن النصيب
:وتذكري القرآن له أنواع كثرية
جل وعال ،وتعريفه أبمسائه وصفاته املوجبة حملبّته؛ فيحبّه ويعظّمه :فمنها
تذكري العبد بربّه ّ
.ويتقرب إليه
ّ
ويتقرب إليه :ومنها
.تذكريه بفضله ورمحته وعظيم ثوابه يف الدنيا واآلخرة؛ فريجوه ّ
ويتقرب إليه خوفا من عقابه :ومنها
.تذكريه بش ّدة عقوبته وبطشه؛ فيخافه وخيشاهّ ،
.احملبة واخلوف والرجاء عليها مدار عبودية القلب :وهذه األركان الثالثة
.تذكري العبد بنعم هللا وآالئه؛ فيذكره ويشكره وُيبّه :ومنها
تذكريه حبقيقة الدنيا والنفس وكيد الشيطان وأعداء الدين؛ فيعرف حقائق ذلك: ،ومنها
.وينجو من فنت عظيمة مضلّة
تذكريه ابملوت وسكرته وابلقيامة وأهواهلا وابحلساب واجلزاء واجلنّة والنار؛ :ومنها
.فيستع ّد للقاء هللا تعاىل ،ويتي ّقن قصر م ّدة بقائه يف هذه الدنيا مهما عُ ّمر فيها
.إىل غري ذلك من األنواع اليت عليها مدار تذكري القرآن
وأما وصفه أبنّه موعظة ،فقد ورد يف آَيت من القرآن الكرمي ،منها قول هللا
ص ُدوِر َو ُه ًدى َوَر ْمحَةٌ { :تعاىل َّاس قَ ْد َجاءَتْ ُك ْم َم ْو ِعظَةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم َو ِش َفاءٌ لِ َما ِيف ال خ
ََيأَيخ َها الن ُ
ري ِممَّا َْجي َمعُو َن (58 اَّلل َوبَِر ْمحَتِ ِه فَبِ َذلِ َ
ك فَلْيَ ْف َر ُحوا ُه َو َخ ٌْ
ض ِل َِّ ّي ( )57قُ ْل بَِف ْ })لِل ِ
ْم ْؤمنِ َ
ُ
َّاس و ُه ًدى ومو ِعظَةٌ لِل ِ ِ
ّي (: { 138وقوله ْمتَّق َ ُ ََْ }) َه َذا بَيَا ٌن للن ِ َ
ين َخلَ ْوا ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم َوَم ْو ِعظَةً { :وقوله ِ ِ ٍ
آَيت ُمبَ يِّنَات َوَمثَ ًال م َن الَّذ َ
ولََق ْد أَنْ َزلْنَا إِل َْي ُكم ٍ
ْ َ َ
ّي (34 )}.لِل ِ
ْمتَّق َ
ُ
يلّي القلب ليزدجر عن السوء فيسلم من عقوبته ومغبّته ،وُيذر
واملوعظة هي التذكري مبا ّ
ويتبّي خطر التفريط فيه فيبادر إليه ليغنم
.فوات اخلري ّ
).املوعظة :تذكرتك اإلنسان مبا يلّي قلبه من ثواب وعقاب( :قال ابن سيده
ومواعظ القرآن أحسن املواعظ وأنفعها ،وأعظمها أثراً؛ فهي مواعظ مبناها على العلم
وعزهم وجناهتم ،وقد قال هللا
التام والرمحة واحلكمة ،وغاَيهتا إرشاد الناس ملا فيه خريهم ّ
ّ
نعما يعظكم به{ :تعاىل
أتمل مواعظ القرآن وجدها دالّة على اخلري }إ ّن هللا ّ
؛ ومن ّ
.والرمحة واإلصالح والنهي عن السوء والفساد واملنكرات
ومهما بلغ حال العبد من السوء وارتكاب املوبقات إذا فعل ما وعظه هللا به يف كتابه،
وصدق يف ذلك؛ ظهر أثر مواعظ القرآن على قلبه ولسانه وجوارحه ،حىت يهتدي إىل
صراط هللا املستقيم وينال فضله العظيم وخيرج مما كان فيه من الظلمات والضالالت
شر الناس منزلةً جلمعهم بّي الكفر واملوبقات ،وقد قال هللا تعاىل يف املنافقّي الذين هم ّ
وعظُو َن بِ ِه لَ َكا َن {والنفاق وارتكاهبم كثرياً من أعمال السوء القبيحة َول َْو أ ََّهنُ ْم فَ َعلُوا َما يُ َ
اهم ِ ِ َخ ْريا َهلم وأَ َش َّد تَثْبِيتا ( )66وإِ ًذا َآلتَي نَ ِ
ص َراطًا يما (َ )67وَهلََديْ نَ ُ ْ اه ْم م ْن لَ ُد َّان أ ْ
َج ًرا َعظ ً ْ ُ َ ً ً ُْ َ
يما (68 ِ
ُ )}.م ْستَق ً
يدل على أ ّن مواعظ القرآن ما حلّت يف قلب إال أمثرت فيه هداية وصالحاً وخرياً وهذا ّ
كل الشأن هو يف اتّعاظ العبد مبواعظه ،وأن اخلسران املبّي هو يف عظيماً ،وأ ّن الشأن ّ
.اإلعراض عنها
ِ
وأما وصفه أبنّه شفاء؛ فقد ورد يف مواضع من القرآن؛ منها قول هللا تعاىل َونُنَ ِّز ُل م َن { ّ :
ِ آن ما هو ِش َفاء ور ْمحةٌ لِل ِ
ارا (82 ّي إَِّال َخ َس ً ّي َوَال يَ ِزي ُد الظَّال ِم َ ْم ْؤمنِ َ
})الْ ُق ْر َ ُ َ ٌ َ َ َ ُ
ِ
ص ُدوِر َو ُه ًدى َوَر ْمحَةٌ { :وقوله َّاس قَ ْد َجاءَتْ ُك ْم َم ْو ِعظَةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم َو ِش َفاءٌ لِ َما ِيف ال خ
ََيأَيخ َها الن ُ
ري ِممَّا َْجي َمعُو َن (58
ك فَلْيَ ْف َر ُحوا ُه َو َخ ٌْاَّلل َوبَِر ْمحَتِ ِه فَبِ َذلِ َ
ض ِل َِّّي ( )57قُ ْل بَِف ْ })لِل ِ
ْم ْؤمنِ َ
ُ
ين َال يُ ْؤِمنُو َن ِيف آ َذاهنِِ ْم َوق ٌْر َو ُه َو َعلَْي ِه ْم { :وقوله ِ ِ
آمنُوا ُه ًدى َوش َفاءٌ َوالَّذ َ ين َ
ِِ
قُ ْل ُه َو للَّذ َ
يد (44 ان ب ِع ٍٍ ك ي نَ َ ِ ِ
اد ْو َن م ْن َم َك َ }) َع ًمى أُولَئ َ ُ
خاصة للمؤمنّي؛ ففيه شفاء لنفوسهم فوصفه هللا أبنّه شفاء؛ وجعل هذا الشفاء منحة ّ
:من عللها وأدوائها اليت مرجعها إىل أمرين
.ظلمها بتع ّديها حدود هللا؛ فيصيبها من مغبّة خمالفتها هلداه ما تشقى به -
ويكملها -
.وجهلها مبا ينفعها ويزّكيها ّ
اإلنْ َسا ُن إِنَّهُ { :واألصل يف وصف اإلنسان أنّه ظلوم جهول؛ كما قال هللا تعاىل
َو َمحَلَ َها ِْ
وال (72
وما َج ُه ً }) َكا َن ظَلُ ً
جير عليها
أي أن هذا من طبعه وعادته؛ فيتع ّدى حدود هللا اتّباعاً هلواه؛ فيظلم نفسه مبا ّ
.من البالء والعلل واألدواء والعناء والشقاء
يضره وال ينفعه؛ ويشقيه وال يشفيه
.وجيهل فينصرف إىل تناول ما ّ
وتتنوع مظاهر الشقاء يف النفس البشرية وتتفاوت حبسب بعدها عن هدى هللا؛ وينشأ
ّ
والشح والبخل،
ّ والشك واحلرية،
ّ والكرب،
ْ فيها من علل اجلهل والظلم ،والعُ ْج ِ
ب
جتر على من اتّصف هبا أو ببعضها
واحلرص واحلسد ،والعشق والتعل ّق ،وغريها من العلل ّ
.ألواانً من الشقاء العظيم والعذاب الوبيل
التصور افتتان بفنت الشبهات؛
ّ التصور واإلرادة؛ فيحصل بفساد
ّ وتلك العلل تفسد
فريى الباطل ح ّقاً ،واحل ّق ابطالً ،واملعروف منكراً ،واملنكر معروفاً؛ ويزداد بذلك عذاب
.حريته وش ّكه وظلمة قلبه
وُيصل بفساد اإلرادة افتتان أبنواع من الشهوات ،وتعلّق القلب هبا حىت جيد من أليم
.عذاهبا وعظيم مصاهبا ما تشقى به حياته ،ويظلم به فؤاده
واللبيب املوفّق إذا أبصر ما أصاب الناس من علل نفوسهم وأدوائها وما أنتجته هلم تلك
يصح به
العلل من عذاب وشقاء أدرك أنّه ال خمرج منها إال بشفاء َيِت من هللا؛ شفاء ّ
ويتبّي فضله ومثرته وحسن عاقبته،
التصور فيعرف احل ّق وحسنه ويبصره بدالئله الظاهرةّ ،
ّ
ويعرف الباطل وقبحه ويبصره بدالئله الظاهرة وإن هويته النفس وطمعت فيه للذة هامجة
ويتبّي خطره وشؤمه وسوء عاقبته
.أو خاطرة عابرةّ ،
وصحة املعرفة إىل
املعريف النافع الذي أصله البصرية ّ
ّ وُيتاج اإلنسان مع هذا العالج
عالج سلوكي؛ ليتناول ما يصلح به قلبه ،وتزكو به نفسه ،وينشرح به صدره ،وتستنري به
يضره ويفسد عليه
بصريته ،ويستقيم به على ما ينفعه يف مجيع شؤونه ،ويسلم به مما ّ
.مثرات صالحه ويضعفها
وجل هذا القرآن العظيم شفاءً للمؤمنّي الذين آمنوا به واتّبعوا ما أنزل
عز ّوقد أنزل هللا ّ
.هللا فيه من اهلدى؛ فتح ّقق هلم من الشفاء بقدر ما ح ّققوا من اإلميان واتّباع اهلدى
ومن أبصر ما تق ّدم أدرك عظيم منّة هللا تعاىل هبذا الشفاء العظيم؛ الذي حرم منه من
حرم؛ فشقي يف الدنيا واآلخرة ،وسعد به من عرف قدره وعظّمه فاغتبط به يف الدنيا مع
.ما يرجو من فضل هللا العظيم يف اآلخرة
وقد جعل هللا مع هذا الشفاء العظيم الذي هو املقصود األعظم من الشفاء شفاءً من
نوع آخر؛ فهو رقية انفعة من العلل واألدواء اليت تصيب الروح واجلسد ،فكم ُشفي به
ليتبّي الناس آية من آَيت هللا فيه؛ وأ ّن هللا إذا شاء
من عليل عجز األطبّاء عن عالجه؛ ّ
.أن يشفي عبده فال يعجزه شيء ،وال ير ّد فضله عنه أحد
.وكم أُبطل به من سح ٍر قد ّ
أضر وأنكى
.وكم تعاىف به من معيون وحمسود وممسوس وموسوس
وتفرقه ،وكم
تفرق ،وصلح به حال قوم بعد فساد أمرهم ّ
وكم اجتمع به مشل أسرة بعد ّ
سكنت به من نفوس ،واطمأنّت به من قلوب ،وانشرحت به من صدور ،وصلحت به
.من أحوال
كل ذلك من الدالئل البيّنة على ما جعل هللا فيه من الشفاء املبارك
.و ّ
صائُِر ِم ْن { :وأما وصفه أبنه رمحة؛ فقد ورد يف آَيت كثرية؛ منها قول هللا تعاىل َه َذا بَ َ
}) َربِّ ُك ْم َو ُه ًدى َوَر ْمحَةٌ لَِق ْوٍم يُ ْؤِمنُو َن (203
})وإِنَّه َهل ًدى ور ْمحةٌ لِل ِ
ّي (: { 77وقوله ْم ْؤمنِ ََ ُ ُ ََ َ ُ
يل ُك ِّل َش ْي ٍء َو ُه ًدى { :وقوله يق الَّ ِذي ب ْ َ ِ ِ
ّي يَ َديْه َوتَ ْفص ََ ص ِد َ
َك ْن تَ ْ ما َكا َن ح ِديثًا ي ْف َرتى ول ِ
َ ُ َ َ َ
}) َوَر ْمحَةً لَِق ْوٍم يُ ْؤِمنُو َن (111
ْكتاب تِب ي ًاان لِ ُك ِل َشي ٍء وه ًدى ور ْمحَةً وب ْشرى لِل ِ ونَ َّزلْنَا َعلَي َ ِ
ّي { :وقوله ْم ْسل ِم َ
ّ ْ َ ُ َ َ َُ َ ُ ك ال َ َ ْ َ ْ َ
})(89
ِ آن ما هو ِش َفاء ور ْمحةٌ لِل ِ ِ
ّي إَِّال َخ َس ً
ارا { :وقوله ْم ْؤمنِ َ
ّي َوَال يَ ِزي ُد الظَّال ِم َ ِ
َونُنَ ِّز ُل م َن الْ ُق ْر َ ُ َ ٌ َ َ َ ُ
})(82
.واآلَيت يف هذا املعىن كثرية
يدل به عباده على النجاة من سخطه وعقابه وأليم عذابه،
فهو رمحة من هللا تعاىل؛ ملا ّ
ورمحة هلم ملا يفتح هلم به من أبواب اخلري الكثري ،والفضل العظيم ،والفوز املبّي؛
.برضوانه وثوابه وبركاته
عما فيه ضررهم مما تقبل عليه نفوسهم متبعة أهواءها جلهلها
ورمحة هلم ملا ُيجزهم به ّ
.وضعفها
ورمحة هلم ملا يعصمهم به من الضاللة ،وخيرجهم به من الظلمات إىل النور ،ومن الشقاء
.إىل السعادة
ويصرف هلم فيه من اآلَيت
يبّي هلم من احلقائق ،ويعلّمهم من احلكمةّ ، ورمحة هلم ملا ّ
.املبصرة ،واألمثال املذ ّكِرة
ّ
يعرفهم به من أمسائه احلسىن وصفاته العليا؛ فتفضي إليه القلوب مبحبّتها ورمحة هلم ملا ّ
وتعبّدها له جل وعال أبنواع العبودية اليت حاجة القلب إليها أعظم من حاجة البدن إىل
والتقرب إليه حىت يفيض عليه من
الغذاء؛ فإ ّن يف القلب تعطّشاً ال يرويه إال التعبّد هلل ّ
روى بعد تعطّشه وإهناكه ،ويتّسع فيطمئن بعد قلقه وانزعاجه ،ويَ َ ّ فضله ورمحته وبركاته؛
ويسعد بعد شقائه وعذابه وحتسره ،وير ُشد بعد حريته وضاللهَ ، .بعد ضيقه ّ
ََي أَيخ َها { :فهذه الرمحات اجلليلة اليت جعلها هللا يف القرآن داخلة يف معىن قوله تعاىل
ص ُدوِر وه ًدى ور ْمحةٌ لِل ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ّي ()57ْم ْؤمنِ َ
َّاس قَ ْد َجاءَتْ ُك ْم َم ْوعظَةٌ م ْن َربّ ُك ْم َوش َفاءٌ ل َما ِيف ال خ َ ُ َ َ َ ُ الن ُ
ري ِممَّا َْجي َمعُو َن (58
ك فَ لْيَ ْف َر ُحوا ُه َو َخ ٌْاَّلل َوبَِر ْمحَتِ ِه فَبِ َذلِ َ
ض ِل َِّ
})قُ ْل بَِف ْ
وأما وصفه أبنه بشرى ،ففي مواضع من كتاب هللا تعاىل؛ منها قول هللا تعاىل َونَ َّزلْنَا { ّ :
ْكتاب تِب ي ًاان لِ ُك ِل َشي ٍء وه ًدى ور ْمحَةً وب ْشرى لِل ِ }) َعلَي َ ِ
ّي (89 ْم ْسل ِم َ
ّ ْ َ ُ َ َ َُ َ ُ ك ال َ َ ْ َ ْ
ك ِاب ْحل ِّق لِي ثَبِ َ ِ قُل نَ َّزلَه روح الْ ُق ُد ِ ِ
آمنُوا َو ُه ًدى َوبُ ْش َرى { :وقوله تعاىل ت الَّذ َ
ين َ س م ْن َربِّ َ َ ُ ّ ْ ُُ ُ
})لِل ِ
ّي (102 ْم ْسل ِم َ
ُ
ّي ( )1ه ًدى وب ْشرى لِل ِ آن وكِتَ ٍ
ّي (: { 2وقوله تعاىل ْم ْؤمنِ َ
ُ َُ َ ُ اب ُمبِ ٍ ِ
ت الْ ُق ْر َ آَي ُْك َ })طس تِل َ
و َه َذا كِتَاب مص ِّد ٌق لِس ًاان َعربِيًّا لِي ْن ِذر الَّ ِذين ظَلَموا وب ْشرى لِل ِ
ّي { :وقوله تعاىل ْم ْحسنِ ََ َ ُ َ َ ُ َُ َ ُ ٌ ُ َ َ
})(12
ووصفه أبنّه بشرى مع التنبيه على أن التبشري من مقاصد إنزاله دليل على عظيم أثر
.بشاراته ،وعظيم حاجة النفس البشرية للتبشري مبا تنال به سعادهتا وفالحها
املبشرين به دليل على تفاضل بشاراته؛ فهو بشرى للمسلمّي ،وبشرىوتنويع وصف َّ
للمؤمنّي ،وبشرى للمحسنّي؛ وبّي تلك املراتب من التفاضل العظيم يف البشارات ما ال
ري ِمبَا يَ ْع َملُو َن ({ 163يعلمه إال هللا اَّلل و َّ ِ})هم َدرج ٌ ِ ِ
اَّللُ بَص ٌ ات ع ْن َد َّ َ ُ ْ ََ
وحض
ّ فرتتّب البشارات على العمل وعلى بصر هللا تعاىل به تنبيه على معيار التفاضل،
.على اغتنام أَيم املهلة يف االزدَيد من بشاراته العظيمة
شر به؛ وحرصا على حتقيق ما
وكلما قوي أثر التبشري على القلب ازداد إقباالً على ما بُ ّ
ينال به تلك البشرى ،واحرتازاً مما ُيول بينه وبينها؛ فيثمر له ذلك من أنواع العبودية يف
:القلب ما يثمر
.فتزداد حمبّة هللا يف قلبه لشهود منّته بتلك البشارات 1.
وتيسر سبلها مع الوعد الكرمي من الرمحن الرحيم 2.
.ويزداد الرجاء لعظيم االشتياق هلا ّ
تبوأت مكانتها يف القلب ،وعرف قدرها وفضلها 3.
.ويزداد اخلوف من فواهتا بعد أن ّ
فيجتمع لقلب املؤمن بتلك البشارات من احملبة واخلوف والرجاء ما يكون به صالح
.عبوديته هلل تعاىل ،وإذا صلح القلب صلح اجلسد كله