المقاربة بالمنظورات الستة

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 49

‫تأليف‪ :‬ميشال‪.‬ب‪ .

‬شميت وأالن فـياال‬

‫ترجمة‪ :‬حـسـن الـمـودن‬

‫كــيــف نــقــرأ؟*‬
‫في مقاربة المؤلـفات بالمنظورات السـتـة‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫* هذا عنوان الجزء الثالث من كتاب شميت وفياال‪:‬‬

‫‪M.P.Schmitt, A. Viala : Comment lire, Troisième partie, in : Savoir – Lire, Les éditions Didier, Paris, 1982,‬‬
‫‪p143 – 196.‬‬

‫‪1‬‬
‫مـقـدمــة‬

‫• القراءة النقدية ولذ ُة القراءة‬

‫ينال‬
‫يد أن َ‬
‫ـخـًا‪ :‬ير ُ‬
‫القول‪ ،‬ف ّ‬
‫ُ‬ ‫صح‬
‫ـنصب له‪ ،‬إذا َّ‬
‫نص ما ميثاقـًا على القارئ‪ ،‬فهو َي ُ‬
‫ـعرض ٌّ‬
‫عندما َي ُ‬

‫كل األحوال على انتباهه(انظر‪ :‬ص ‪ .)37‬ويمكن‬


‫يحصل في ّ‬
‫َ‬ ‫يفيده‪ ،‬أو أن ُيـقنعه‪ ،‬وأن‬
‫إعجابه‪ ،‬أن َ‬
‫للقارئ أن يستسلم ٍ‬
‫بلذة للعبة اإلغراء هاته‪ ،‬من أجل أن يتعلّـ َـم‪ ،‬أو من أجل أن يحلُ َـم‪ ،‬أو من أجل‬ ‫َ‬

‫تحص َـل اللذةُ حتى في فعل االستسالم للخدعة‪.‬‬


‫ـفكر؛ ومن الممكن أن ُ‬
‫أن ُي َ‬

‫االستفهام‬
‫ُ‬ ‫ـشعر باألهمية واللذة عندما نتبنَّـى نظرًة نقدي ًة‪ُ :‬ي ُ‬
‫ـعتبر‬ ‫لكن من الممكن كذلك أن َن َ‬

‫نوعا من اإلشباع؛ والمشاركة في لُـعبة النص(بواسطة مالحظة بالغته‪ ،‬واختياراته في الكتابة‪،‬‬


‫الفهم ً‬
‫و ُ‬

‫واتساقاته الصوتية‪ ،‬وسياقاته وتناصاته التي نكتشفها عند القراءة‪ ،‬وربما خصائصه في المحاكاة‬

‫الساخرة أو في التقليد) هي بال منازع لذةٌ‪ .‬فالقراءة النقدية ال ترمي إلى " قتل " لذة القراءة‪ ،‬بل إنها‬

‫يكون َ‬
‫أكثر حيوي ًة‪.‬‬ ‫ال تقوم إال بشحذها؛ وهي ال ترمي إلى قمع اإلحساس‪ ،‬بل إنها تساعد على أن َ‬

‫فكيف نق أر‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬بطريقة نقدية؟‪.‬‬

‫• القراءةُ المتعددة‬

‫تنظر إلى ّ ٍ‬
‫نص ما من " زوايا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ال يمكن لقر ٍ‬
‫نظر "‬ ‫تكون متعددة‪ ،‬ويعني ذلك أن َ‬
‫َ‬ ‫نقدية إال أن‬ ‫اءة‬

‫ـكثر من زوايا النظر إلى النص‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فإن عالم ًة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ات مختلفة‪ .‬إنها تُ ُ‬
‫عديدة‪ ،‬وأن تالحظه من منظور ٍ‬

‫ٍ‬
‫تحليل‬ ‫ٍ‬
‫خصية ما أن تكون موضوع‬ ‫احدة يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة‪ :‬يمكن ألفعال ش‬
‫نصي ًة و ً‬
‫ٍ‬
‫قدر ما يمكن أن تكون موضو َ‬
‫ع‬ ‫تعبير عن نفسية ما) َ‬
‫ًا‬ ‫سيكولوجي(ينظر القارئ إلى هذه األفعال باعتبارها‬

‫‪2‬‬
‫ٍ‬
‫تحليل سوسيولوجي(وعلى سبيل التمثيل‪َّ ،‬‬
‫فإن لهذه األفعال عالقة بالوضع االجتماعي للشخصية)؛ ومن‬

‫األمر‬
‫َ‬ ‫الحال َّ‬
‫أن‬ ‫تفحـص هذه األفعال من خالل عالقات القوة التي تؤسس دينامية النص‪ ،‬الخ‪ .‬و ُ‬
‫الممكن ّ‬

‫دائما بالشخصية الواحدة نفسها‪ .‬ذلك ألن أنظم ًة عديد ًة من الحقائق تتقاطع داخل نسيج النص‪ .‬وهي‪:‬‬
‫يتعلق ً‬

‫ـ واقعة لغوية‪ ،‬واستخدام ٍ‬


‫لسان ما؛‬

‫تنظيم ما للنص؛‬
‫ٌ‬ ‫ـ‬

‫ـ معطيات وجدانية‪ ،‬فكرية‪ ،‬شعورية؛‬

‫ـ معطيات اجتماعية وتاريخية؛‬

‫فعل يقوم بروايته؛‬


‫فعل يستهدف النص ممارستَـه على قارئه و ‪ /‬أو ٌ‬
‫ـ ٌ‬

‫ـ عالقات القوى‪ ،‬داخل النص نفسه‪ ،‬وبين النص والقارئ‪.‬‬

‫وتكون هذه األنظمة من الحقائق حاضرًة في أنواع النصوص كلها‪ ،‬أو من المحتمل أن تكون كذلك‪،‬‬

‫حتى هناك حيث ال نتوقع حضورها إال قليال‪ .‬وسيكون من الخطأ التفكير في أن هذه األنظمة ال تهم إال‬

‫النصوص األدبية‪ :‬تحتوي كتابةٌ على الجدران‪ ،‬أو مطبوع مدرسي أو بحث‪ ،‬أو مذكرة أو خطاب سياسي‬

‫أيضا‪.‬‬
‫على هذه األنظمة من الحقائق ً‬

‫كل المنظورات التي ينبغي لنا أن نالحظه من‬ ‫إن قراءة ّ ٍ‬


‫نص بطريقة نقدية هي إ ًذا األخ ُذ بعين االعتبار َّ‬

‫خاللها‪ .‬سيكون هناك من المناهج المتماسكة في القراءة بمقدار ما سيكون هناك من منظور ٍ‬
‫ات تأخذ على‬

‫كل النصوص‪.‬‬
‫عاتقها أنظمة الحقائق المذكورة أعاله‪ .‬ولذلك نقترح المناهج الستة اآلتية‪ ،‬الثابتة بالنسبة إلى ّ‬

‫‪3‬‬
‫• المنظورات الستة‪:‬‬

‫في كل قر ٍ‬
‫اءة‪:‬‬

‫الوقائع التي يرويها إذا كان األمر يتعلق‬


‫ُ‬ ‫يتضمـنه النص(‬
‫ّ‬ ‫الفعل الذي‬
‫ُ‬ ‫الفعل داخل النص‪ :‬هناك‬
‫َ‬ ‫نتتب ُـع‬
‫ـ ّ‬

‫يمارسه‬ ‫ٍ‬
‫بخطاب)‪ ،‬وهناك الفعل الذي يريد هذا النص أن‬ ‫الحجاج الذي يبلوره إذا كان األمر يتعلق‬
‫بمحكي‪ ،‬و‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫على قارئه‪.‬‬

‫ـ ُنـَق ّـوُم القوى الفاعلة من أجل مالحظة وتحليل العناصر التي تُ ُ‬


‫ـضمر دينامية النص‪.‬‬

‫ـؤس ُـسـه السيكولوجيا (علم النفس) المعطيات الوجدانية‪ ،‬واألخالقية‪ ،‬والفكرية في‬
‫المنظور الذي تُ ّ‬
‫ُ‬ ‫كشف‬
‫ـ َي ُ‬

‫النص‪ ،‬ويوضح العالقة القائمة بين هذا األخير والقارئ‪.‬‬

‫ـسه السوسيولوجيا (علم االجتماع ) عالقات النص بالحقائق االجتماعية‬


‫تؤس ُ‬
‫المنظور الذي ّ‬
‫ُ‬ ‫ـ ُيـحلّ ُل‬

‫داخل‬
‫َ‬ ‫ـدم ًـجا‬
‫ثقافيا ُم َ‬
‫شيئا ً‬‫وضعـه باعتباره ً‬
‫ُ‬ ‫والتاريخية‪ :‬الوقائع والقيم التي يذكرها أو يتمثلها‪ ،‬ولكن هناك كذلك‬

‫مجتمع ما‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫التاريخ وداخل‬

‫صيغ تنظيم النص‪.‬‬


‫َ‬ ‫تؤسـسه البني ُة‬
‫المنظور الذي ّ‬
‫ُ‬ ‫ـ يستخرُج‬

‫خاص ٍة داخل ّ ٍ‬
‫نص‬ ‫تشغيل اللغة بطريقة ّ‬
‫ُ‬ ‫ونقد َر كيف يكون‬
‫نستوعب ّ‬
‫َ‬ ‫األسلوب‪ ،‬ويعني ذلك أن‬
‫َ‬ ‫َّف‬
‫ـتعـر ُ‬
‫ـ َن َ‬

‫ما‪.‬‬

‫نظام ترتيب المصطلحات إلى أي‬


‫ُ‬ ‫يشير‬
‫ُ‬ ‫طا جدًّا‪ ،‬وال‬
‫االصطالحي بسي ً‬ ‫القاموس‬
‫ُ‬ ‫تعمدنا أن يكون‬
‫وقد ّ‬
‫ّ‬
‫تراتبي ٍة قبلي ٍة يلزم تطبيقها على المنظورات المختلفة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مفاهيم حددناها في الجزأين األول‬
‫َ‬ ‫وبالطبع‪َّ ،‬‬
‫فإن اللعبة العامة لمناهج القراءة هاته تتأسس على استخدام‬

‫مكانا‪ ،‬بهذا‬
‫احتل ً‬
‫َّ‬ ‫مبرًار إال إذا‬
‫وجودهُ َّ‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫كل مفهومٍ‪ ،‬مهما كانت أهميته‪ ،‬لن َ‬
‫والثاني‪ .‬وزد على ذلك أن َّ‬

‫الشكل‪ ،‬داخل ممارس ٍة شاملة‪.‬‬

‫يستنزف‬ ‫ٍّ‬
‫خاص‪ ،‬ال يمكنه أن‬ ‫منظور ما‪ ،‬ولو كان بانسجا ٍم‬
‫ًا‬ ‫نسجل أن‬ ‫ومن ٍ‬
‫جهة أخرى‪ ،‬ينبغي لنا أن‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫النقاب عن‬
‫َ‬ ‫يكشف‬
‫ُ‬ ‫التقابل بين المنظورات الستّة هو الذي‬
‫َ‬ ‫التقاطع أو‬
‫َ‬ ‫النص كـلّـها؛ ذلك أن‬
‫وحده دالالت ّ‬

‫استخالص‬
‫َ‬ ‫منهج " للقراءة‪ .‬وال يمكنه أن يز ُع َـم َّ‬
‫أن بإمكانه‬ ‫ٌ‬ ‫الدالالت الكلية‪ .‬فهذا األخير‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬هو نفسه‪" ،‬‬

‫الحد األقصى‬
‫يعمل على إدراك الكثير من معناه‪ ،‬وإدراك ّ‬
‫َ‬ ‫معنى النص وإغالقه؛ لكنه على األقل يمكنه أن‬

‫ضع القارئ وكفاياته في القراءة‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬فهو يسمح بإعادة تقويم العناصر‬
‫يسمح به َو ُ‬
‫ُ‬ ‫الذي‬

‫ـستحضـرة أثناء قراءة النص ( وهو ما تقوم به كل قراءة عادية وإن كانت ال تُدرك ذلك)‪.‬‬
‫َ‬ ‫الم‬
‫ُ‬

‫ال يمكننا أن نق أرَ " على الوجه األكمل "؛ ومع ذلك‪ ،‬يمكننا أن نـَقدم أفضل قر ٍ‬
‫اءة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬

‫نقط هامشية‪:‬‬

‫كل قارئ انطال ًقا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫‪ 1‬ـ ال تتحدد هذه المنظورات أو هذه المصطلحات بطريقة اعتباطية‪ ،‬أو بطريقة نظرية خالصة ‪ :‬إنها تناسب ما يمكن أن يالحظه ّ‬

‫مدة طويلة؛‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫وممارسات استغرقت ً‬ ‫ومالحظات‬ ‫وتجارب‪،‬‬
‫َ‬ ‫أبحاث‪،‬‬ ‫بناء على‬
‫من ممارساته الخاصة‪ ،‬ونقترح هذه الصنافة وهذا القاموس االصطالحي ً‬

‫)‪ ، Faire / Lire(Didier, 1979‬وخاصة الجزء األول من الكتاب‪.‬‬ ‫ونحيل بهذا الخصوص على‪:‬‬

‫مجموعات من المالحظات والتأمالت المنظمة‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫ميكانيكية‪ ،‬بل إنها‬ ‫أسئلة نطبُقـها على النصوص بطر ٍ‬
‫يقة‬ ‫ٍ‬ ‫‪ 2‬ـ ليست المناهج التي سنعرضها بطاقات‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬

‫تبعا لخصائص كل ّ ٍ‬
‫نص‪.‬‬ ‫وهي تتغيَّ ُـر ً‬

‫تبعا لكل هذه المنظورات‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫ك ً‬ ‫ـدر َ‬
‫لنصوص مختلفة أن تُ َ‬ ‫نبيـن كيف يمكن‬
‫‪ 3‬ـ في عرض هذه المناهج‪ ،‬اخترنا أن ُندرَج أمثلةً متنوعةً‪ ،‬من أجل أن ّ‬

‫ـعتبر هذه‬
‫خطرا‪ :‬أن تُ َ‬
‫ً‬ ‫سيشكل‬
‫ّ‬ ‫كل المناهج‪ .‬وكان هذا ما‬
‫نطبق على كل واحد َّ‬
‫نصـًا أو نصين‪ ،‬وأن ّ‬
‫نعالج إال ّ‬
‫َ‬ ‫وبالعكس‪ ،‬قد كان من الممكن أن ال‬

‫إطار إلزاميّـًا‪.‬ولنسجل‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬أن األمثلة المذكورة تتحدد قيمتها في كونها أمثلة‬
‫نجز باعتباره ًا‬
‫نماذج؛ وبالمثل‪ ،‬كان الخوف من أن يُـق أر " تقابل " ُم َ‬
‫َ‬ ‫األمثلة‬

‫المنجزة‪ ،‬نحيل على الجزء الثاني من‪:‬‬ ‫ٍ‬


‫حاالت من التقابالت‬ ‫ات " ٍ‬
‫تامة للنصوص المذكورة)‪ .‬وبالنسبة إلى‬ ‫فحسب(وال وجود في هذه الصفحات لـ " تفسير ٍ‬
‫َ‬

‫‪. Faire / Lire.‬‬

‫‪5‬‬
‫أخيرا‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ملحق‪ .‬و ً‬ ‫‪ 4‬ـ تطرح مناهج القراءة بالطبع أسئل ًة تطبيقي ًة‪ :‬تُـعالج األسئلة الفورية على الهامش؛ واألسئلة األخرى‪ ،‬ذات الطابع العام‪ ،‬مطروحة في‬

‫فرديـًا أو بالمجموعات‪ ،‬وأن تنتظم بتدرجات مختلفة‪ .‬ونحيل بهذا الخصوص على‪.Faire / Lire:‬‬
‫يمكن لهذه األشغال أن تمارس ّ‬

‫‪6‬‬
‫الـفـصـل األول‬

‫َتـ َـتــ ُّـبـــ ُع الـفـعــل‬

‫ف ُلـحم َة النص‪ ،‬وفي األثر الذي يسعى هذا‬


‫ظ ُـر دراس ُة الفعل في سلسلة الوقائع أو الحجج التي تُـؤلّ ُ‬
‫تَـن ُ‬

‫األخير إلى إحداثه في القارئ‪.‬‬

‫ـع الفعل‪:‬‬
‫تـتـب ُ‬
‫أ ـ ُّ‬

‫من المناسب أن نبدأ دراسة الفعل بجرد الوقائع أو الحجج‪ :‬التلخيص ‪ .le synopsis‬ويعمل هذا األخير‬

‫ـنج َـز‬
‫ويمكن أن ُي َ‬
‫ُ‬ ‫وتمفصـالتها الرئيسة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫األكثر أهمي ًة منها‬
‫َ‬ ‫مستخرجا‬
‫ً‬ ‫على تسجيل تلك الوقائع أو الحجج‬

‫بطريقتين‪َّ :‬‬
‫ملخص‪ ( un résumé‬وهو ضرور ّي ً‬
‫دائما ) وفي بعض الحاالت " مادة حكائيةٌ ‪ "fable‬أو "‬

‫ـج ٍـج‪." argumentaire‬‬


‫الئحة ُح َ‬

‫‪ .‬فهو َيـخضع‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬للنص‪ .2‬ومع‬ ‫‪1‬‬


‫المـلخـص المحتويات بالترتيب الذي جاءت به في النص‬
‫ـسجـ ُل ُ‬
‫• ُي ّ‬

‫يمنحه من االهتمام للوقائع أو الحجج األساس ولتمفصالتها‬


‫ذلك‪ ،‬فاألمر ال يتعلق بطريقة عمياء‪ :‬إن ما ُ‬

‫أكبر من ذلك الذي يمنحه لألحداث الثانوية أو‬ ‫ٍ‬


‫الكبرى(ولو جاء ذكرها في النص بطريقة مختزلة) ُ‬
‫ٍ‬
‫خطاب ما؛ ومع‬ ‫لالستطرادات‪ .‬وهكذا‪ ،‬تكون األسبقية للتحوالت‪ 3‬في محكي ما‪ ،‬وللحجج ـ المفاتيح في‬
‫ّ‬
‫ذلك‪ ،‬فالملخص الكامل ينبغي له أن يذكر العناصر الثانوية‪.4‬‬

‫ــ ال داعي إلى أن تتقدمه صي ٌغ تقديمية أو إحاالت على ال ُمـؤلّف‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ يُـحدد لنفسه حدًّا أقصى من الطول‪ ،‬هذا األخير الذي يتغير تبعًا لجنس النص وطوله‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ وخاصة " نواة " الحدث وانحال ُل العقدة(انظر ص ‪)64‬‬ ‫‪3‬‬

‫ق أو حكم قيم ٍة في الملخص‪ :‬إنهما يُفسدان مبدأَ التلخيص نفسه‪.‬‬


‫ــ تجنّبوا ك ّل تعلي ٍ‬ ‫‪4‬‬

‫‪7‬‬
‫نص ٍ‬ ‫ٍ‪5‬‬
‫يكشف‪ ،‬عند مقابلته‬
‫ُ‬ ‫جديد‬ ‫خلق ّ ٍ‬
‫التلخيص هو إعادةُ كتابة ‪ ،‬هو ُ‬
‫ُ‬ ‫وليست المسألة تقنية خالصة‪:‬‬

‫يس التي تُـحدد معناه‪.‬‬


‫باألول‪ ،‬التضار َ‬

‫مكتوب ضرور ٌّي من أجل استخر ٍ‬


‫اج‬ ‫ٌ‬ ‫أحيانا‪ ،‬قد يحصل تلخيص نص قصير بالتذكر؛ َّ‬
‫لكن االلتز َام بما هو‬ ‫ً‬

‫أفضل آلثار المعنى المتصلة بأشكال النص األصلي‪ . 6‬وبالنسبة إلى ّ ٍ‬


‫نص طويل‪ ،‬من األفضل االحتفاظ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫أبيات شعرية‪ ،‬صفحات‪ ،‬فقرات‪ ،‬الخ‪ : 7).‬إذا كان‬ ‫ٍ‬
‫بإحاالت على‬ ‫بأكبر ٍ‬
‫أثر المتدادات النص األصلي(‬

‫ـصال في النص‪ ،‬فإن ذلك يمكن أن يكون من أجل إعطاء‬


‫قليل األهمية بالنسبة إلى تسلسل الوقائع ُمـَف َّ‬
‫مقطع ُ‬

‫دون عند الحاجة المظاهر التي يتَّخذها‬ ‫ات ضرور ٍ‬


‫ية‪ ،‬أو من أجل إنشاء ٍ‬ ‫تفسير ٍ‬
‫تأثير من التشويق‪ .‬وبالمثل‪ُ ،‬نـ ّ‬
‫القول( سرد‪ ،‬حوار‪ ،‬وصف‪ ،‬محكي َّ‬
‫مؤطر‪ ،‬الخ‪ .).‬فالملخص يسمح بتحديد العنصر الغالب‪ ،‬السردي أو‬
‫ّ‬ ‫ُ‬

‫جميعا‪ .‬فالحكاية عند " الفونتين " تتقدم في شكل شعري(ربما‬


‫ً‬ ‫الخطابي أو الشعري‪ ،‬أو أن الغلبة للتركيب بينها‬

‫ٍ‬
‫لعنصر هيمنتُـه ظاهرةٌ هو‬ ‫ألن العادة جرت بأن تكون عبارة عن أبيات شعرية)‪ ،‬لكن الوقائع تنتظم فيها ً‬
‫تبعا‬

‫وصالت‬
‫ٌ‬ ‫أخيرا‪ ،‬هناك نصوص ال يمكن تلخيصها‪ ،‬إما ألنها قصيرةٌ جدًّا( بعض القصائد‪،‬‬
‫العنصر السردي ‪ .‬و ً‬
‫‪8‬‬

‫إشهارية) أو مجرَّدة من نظا ٍم ٍ‬


‫ثابت لمجرى األشياء( بعض القصائد الحديثة)‪.9‬‬

‫ــ ال تعيدوا نق َل جمل النص وفقرات ه‪ :‬الكلمات الضرورية فقط؛ والباقي هو من إنجاز المكلف بالتلخيص‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ من هنا أهمية أن يكون الملخص مكتوبا بالكامل‪ ،‬ال أن يكون مجرد نقطٍ على الطريقة التيليغرافية( يمكن لهذه النقط أن‬ ‫‪6‬‬

‫تكون مفيدة في المرحلة االعدادية لهذا العمل)‪.‬‬


‫ــ األولى تدوين أرقام ا لصفحات أو أرقام األبيات‪ ،‬بطريقة تسمح بالرجوع إلى األصل بطريق ٍة سهلة‪ .‬والبد من تحديد‬ ‫‪7‬‬

‫الطبعة المستعملة‪.‬‬
‫ــ مهيمن على المستوى الداللي‪ ،‬وقد ال يكون كذلك على المستوى التداولي أو الرمزي‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫ــ وال وجود لملخص يتـصف بالكمال ‪...‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪8‬‬
‫• الحكاية والئحة الحجج‪:‬‬

‫ٍ‬
‫ملخص يقوم على إعادة إنشاء النظام الكرونولوجي لألحداث‪ ،‬عندما‬ ‫محكي ما من‬ ‫‪10‬‬
‫ـ تتألف حكاي ُة‬
‫ٍّ‬
‫السرد هذا النظام‪ :‬فهي‪ ،11‬إ ًذا‪ ،‬تعيد بناء مجرى األحداث‪ ،‬عندما يبدأ السرد بطريقة غير مباشرة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ال يتَّ ُ‬
‫ـبع‬

‫ير الحكاية ال يتَّـبع نظا َم النص كما‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫أو عندما يتضمن حذوفات‪ ،‬أو استرجاعات‪ ،‬أو استباقات‪ ،‬الخ‪ .‬فتحر ُ‬

‫األمر في الملخص‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هو‬

‫جرد‪ 12‬للحجج(أفكار‪ ،‬آراء‪ ،‬وقائع‪ ،‬قضايا‪،‬‬


‫ـ الئحة الحجج هي‪ ،‬بالنسبة إلى الخطابات من كل األنواع‪ٌ ،‬‬

‫تبعا لطبيعتها‪ ،13‬وروابطها في التضميـن‪ ،‬وغائيتها‪ .‬فالئحة الحجج‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬هي ما يعادل‬
‫ـف ً‬‫ـصـنَّ ُ‬
‫معلومات)‪ .‬وتُ َ‬

‫خطابات " الحكاية " بالنسبة إلى المحكيات‪.‬‬

‫من الضروري مقارنة الحكاية أو الئحة الحجج‪ ،‬كلما ظهرت فائدتهما‪ ،‬بالملخص؛ ألن هذه المقارنة‬

‫ٍ‬
‫نتتب َع مجرى أحداثها‪ٌ ،‬‬
‫أمر قد‬ ‫تكشف االختيارات الجمالية للنص‪ .‬فأن نعرف نهاية رواية ما‪ ،‬حتى قبل أن ّ‬
‫ال يخلو من أهمية‪ :‬في الرواية البوليسية الكالسيكية‪ ،‬يبدأ السرد غالبا بجر ٍ‬
‫يمة‪ ،‬وبعد ذلك يأتي التحقيق‬

‫ليكتشف المصادر والدوافع والمجرم‪ ،‬وهو في ذلك يعيد بناء تسلسل الوقائع التي أدت إلى وقوع الجريمة؛‬
‫َ‬

‫وهكذا‪ ،‬يكفي أن نعيد بناء النظام الكرونولوجي لكي ينكشف اللغز فيختفي عنصر التشويق‪ .‬وبالمثل‪ ،‬قد ال‬

‫حججا فال يكشف غايته‬


‫ً‬ ‫يتلو‬
‫احدة ما يريد بيانه بعد ذلك‪ ،‬أو أن َ‬
‫خطاب ما دفع ًة و ً‬
‫ٌ‬ ‫يخلو من أهمية أن يعلن‬

‫إال في النهاية‪.‬‬

‫ــ ال ينبغي لنا أن نميّزها عن الجنس األدبي الذي يسمى‪ :‬الحكاية( حكاية الحيوان ذات األبعاد التربوية واألخالقية) ‪.la fable‬‬ ‫‪10‬‬

‫ــ يمكنها أن تُـبرزَ روابطَ التسلسل المنطقي وروابط االستنتاج التي يُـخفيها النص األصلي‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫ــ على خالف الملخص( الصالح لكل أنماط النصوص والذي يكون مكتوبا دائما)‪ ،‬وعلى خالف الحكاية( التي ال ته ّم إال‬ ‫‪12‬‬

‫المحكيات‪ ،‬ولكنها تكون مكتوبة دائما)‪ ،‬فإن األصح أن الئحة الحجج عبارة عن الئحة أو جدول‪ .‬واإلحالة على األسطر‬
‫أو الصفحات مفيدٌ هنا‪.‬‬
‫ــ بالنسبة إلى جرد أنماط الحجج‪ ،‬نحيل على ص ‪ 84‬إلى ص ‪.88‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪9‬‬
‫ب ــ الحبكة والتدرج‪:‬‬

‫الفعل داخل النص وكيف يؤثّر المتكلم في‬


‫َ‬ ‫من خالل هذه المقارنات‪ ،‬يمكن أن نتبيَّـن المبادئ التي تقود‬

‫المخاطب‪ .‬وهذا ما يسمح بتشكيل الحبكة ( بالنسبة إلى محكي ما) أو بـتدرج االستدالل ( بالنسبة إلى‬
‫ّ‬
‫خطاب ما )‪.‬‬

‫نقوم أوال بوضع الخطاطة األساس للفعل‪ ،‬بمالحظة العالقات األساس بين األطراف الفاعلة‪،14‬‬

‫والوضعيات‪ 15‬وخصائصها‪ .‬ثم نقوم باستخراج النواة المركزية لمنطق الفعل‪ ،‬والمبادئ التي تُ َـنـظمه‪ .16‬فاألمر‪،‬‬

‫إ ًذا‪ ،‬لم يعد يتعلق‪ ،‬كما هو األمر في الملخص‪ ،‬بمالحظة تتابع الوقائع أو الحجج‪ ،‬بل بروابط السببية‬

‫واالستنتاج القائمة بينها‪ ،‬وتسلسالتها المنطقية‪.‬‬

‫كل واحد‬
‫ممكنا‪ ،‬وبإمكان ّ‬
‫ً‬ ‫انطال ًقا من الخطاطة األساس نفسها‪ ،‬يكون ٌ‬
‫عدد ال حصر له من النصوص‬

‫طابع ما من المعطيات األساس‪.‬ومن المالئم‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬إظهار االختيارات المعمولة انطالقا من‬
‫ٍ‬ ‫أن يركز على‬

‫هذا التصميم األساس‪ ،‬وإظهار الشفرات الجمالية أو األخالقية التي تستند إليها تلك االختيارات‪.‬‬

‫كل هذه الممكنات‪ .‬وبالنسبة‬


‫تسلسل االختيارات بين ّ‬
‫‪18‬‬
‫ُ‬ ‫الحبكة‪ 17‬هي التي تكشف الطريقة التي يجري بها‬

‫تدرج االستدالل‪.‬‬
‫إلى الخطاب‪ ،‬فالمناسب هو ّ‬

‫ــ ويعني ذلك أن نجيب عن هذه األسئلة‪َ :‬مـن فَـعَـل؟ ماذا؟ لـ َمـن؟ لماذا؟ أين؟ متى؟ يمكن لمكانُ الفعل ومدتُه أن يكونا‬ ‫‪14‬‬

‫حاسمين‪.‬‬
‫ــ يمكن لوضعية االنطالق أن تكون مختلفة بحسب ما إذا كنّا نالحظ النظام الكرونولوجي أو منطق الوقائع أو نظام‬ ‫‪15‬‬

‫السرد‪.‬‬
‫ي أو‬
‫ــ يمكن أن نستعيد هنا كلمة ‪ ،argument‬وهي المصطلح الذي كان يعني قديما تلك التصميمات المقدمة قبل محك ّ‬
‫‪16‬‬

‫مسرحية؛ وهو شيء أقرب من برنامج الموسيقى أو الباليه بــ " برنامج "‪.‬‬
‫ــ تجيب عن األسئلة‪ " :‬من يفعل ماذا وكيف؟ "‪.‬‬ ‫‪17‬‬

‫كيف ؟" هذا التسلسل‪.‬‬


‫َ‬ ‫تستكشف "‬
‫ُ‬ ‫ــ المقابلة ضرورية مع دراسة القوى الفاعلة‪ ،‬فهي‬ ‫‪18‬‬

‫‪10‬‬
‫فعل التواصل هو اآلخر إلى خطاطة أساس معينة‪.‬‬
‫ويستجيب ُ‬
‫ُ‬

‫وغالبا ما يكون سهال إنشاء أهداف فعل التواصل‪ ،‬انطالًقا من مشيرات النص نفسه‪.19‬‬
‫ً‬

‫ج ـ الرهانات‪:‬‬

‫هان المحتوى ور َ‬
‫هان‬ ‫دائما ر َ‬ ‫الفعل محددةٌ بـرهاناته‪ .‬ولنتذكر َّ‬
‫أن هناك ً‬ ‫ُ‬ ‫الطريقة التي ينتظم بها‬

‫طـب)‪ .‬وتقوم وضعية االنطالق باستحضار قوى‬


‫الخطاب(األثر الذي يسعى النص إلى إحداثه في المخا َ‬

‫القول بأكمله‪.‬‬ ‫يوجه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫َ‬ ‫معينة‪ ،‬أو بوضع معطيات مسألة ما‪ :‬وتتبلور األشياء في عالقة بالسؤال ـ المفتاح الذي ّ‬

‫الفعل"‪ ،‬فهو غاي ُة‪ 20‬الفعل‪ :‬إنه الموضوع الذي يجري حوله صراع األطراف‬
‫ُ‬ ‫ـنج ُـز‬
‫فالرهان هو " ما من أجله ُي َ‬
‫الفاعلة أو هو العالقة التي ينشئها المتكلم مع المخاطب‪ .‬ويمكن أن يكون َّ‬
‫معق ًـدا‪.21‬‬

‫هان منذ البداية‪ ،22‬في العنوان‪ ،‬كما هو األمر في فيلم ‪Nos héros réussiront :‬‬
‫ذكـر الر ُ‬
‫أحيانا قد ُي َ‬
‫ً‬

‫? ‪( – ils à retrouver leur ami mystérieusement disparu en Afrique‬هل سينجح أبطالنا في‬

‫شيوعا هي تلك التي‬ ‫لكن الحال َة األكثر‬ ‫ٍ‬


‫ظروف غامضة بإفريقيا؟)‪َّ .‬‬ ‫العثور على صديقهم الذي اختفى في‬
‫ً‬

‫يتأسس من خالل اكتشاف النص‪.‬‬


‫ُ‬ ‫هان أثناء القراءة‪ ،‬فهو‬
‫ينكشف فيها الر ُ‬

‫عناصر معنى النص‬


‫ُ‬ ‫االختيار‪ ،‬وطبيع َة الرهان‪ ،‬وطريق َة التعبير عنه‪ ،‬هي‪ ،‬إ ًذا‪،‬‬
‫َ‬ ‫الموقع‪ ،‬و‬
‫َ‬ ‫وهكذا‪َّ ،‬‬
‫فإن‬

‫التي تأتي في المقام األول‪.‬‬

‫ــ البد من تجنُّب ك ّل صيغة تتأسس على قصدية مفترضة للمؤلّف‪.‬‬ ‫‪19‬‬

‫ــ فصياغته‪ ،‬إ ًذ‪ ،‬تكون بالطبع في صورةٍ استفهامية‪ .‬ويمكن أحيانًا أن يختلط معناه بمعنى وظيفة " الموضوع "‪ ،‬كما‬ ‫‪20‬‬

‫يُدركها دارسو القوى الفاعلة‪ .‬والبد من تفحّص األمر‪.‬‬


‫ت عديدةً تكون حاضرةً‪ ،‬والبد إ ًذا من‬
‫ــ والصعوبة واردة‪ :‬عندما يتض ّمن النص أفعاال جزئية عديدة‪ ،‬فإن رهانا ٍ‬ ‫‪21‬‬

‫استخراج الرهان الذي ينتظم حوله القو ُل بأكمله‪.‬‬


‫ــ وفي هذه الحالة‪ ،‬يمكن لنظام عناصر هذه القراءة أن يكون مختلفًا‪ :‬يأتي التلخيص بعد الرهان‪ ،‬باعتباره ً‬
‫نظرا في صيغ‬ ‫‪22‬‬

‫تسلسله‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫أبعاد ُه‪:‬‬
‫دالالت الفعل و ُ‬
‫ُ‬ ‫دـ‬

‫وهكذا‪ ،‬يسمح استخراج الرهان بإجراء تقيي ٍم لـدالالت الفعل وأبعاده‪ .‬ويتحقق هذا التقييم بإجراء ٍ‬
‫تقابل بين‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫تمت خالل مختلف محطات القراءة‪ ،‬وخاصة على مستويي الرهانات‪.‬‬


‫المالحظات التي ّ‬

‫داخل محتويات النص ضعيًفا‪ :‬هناك قصائد وصفية خالصة‪ ،‬أو قصائد‬
‫َ‬ ‫الفعل‬
‫ُ‬ ‫في بعض األحيان‪ ،‬يكون‬

‫مكان آخر‪ ،‬قد يلعب الفعل الدور ـ الرئيس‪ .‬وهكذا‪ ،‬يسمح إجراء ٍ‬
‫تقابل‬ ‫اقع شعر ّي؛ وفي ٍ‬
‫صد ُر إال عن و ٍ‬
‫ال تَ ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫بين مستويي الرهانات بتقدير ما هي الداللة التي يمنحها النص لفعله الداخلي‪.‬‬

‫وإذا ربطنا الفعل بالشفرات والمعايير المتعلقة بزمن إنتاج النص‪ ،‬يكون بمقدورنا ُ‬
‫تقييم األبعاد‪.‬‬

‫فال يمكن‪ ،‬إ ًذ‪ ،‬إدراك رهانات النص من دون تحليل شفرات إنتاجه وتلقيه‪ .23‬وفي هذا الصدد‪ ،‬من‬

‫خطاب‬
‫ٌ‬ ‫الضروري تحليل طبيعة الفعل( حكاي ُة كائنات حيوانية أو إنسانية‪ ،‬حقيقية أو متخيلة‪ ،‬محادث ُة حرَّة أو‬

‫جمود أو تقدم‪ ،‬الخ)‪.‬‬ ‫فشل أو نجاح‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫في ٍ‬


‫ٌ‬ ‫وتحليل اتجاهه( نهاية متشائمة أو متفائلة‪ٌ ،‬‬
‫ُ‬ ‫محدد‪ ،‬الخ)‪،‬‬ ‫شكل‬

‫إنه انطال ًقا من هذا المجموع ومن هذه الشفرات الخاصة يكون بإمكان القارئ أن يلتزم بهذه الدالالت أو‬

‫صوت‬
‫ـص ّوت أو ال ُي ّ‬
‫ميثاق القراءة واألفكار التي يرُاد " تمريرها " ‪ :‬أن ُي َ‬
‫َ‬ ‫يرفض‬
‫َ‬ ‫يقبل أو‬
‫ال يلتزم بها ‪ ،‬أن َ‬

‫حب أو ال‬
‫اإلشهار أن يبيعه إيَّاه‪ ،‬أن ُي َّ‬
‫ُ‬ ‫على المترشح صاحب الخطاب‪ ،‬أن يشتر َي أو ال يشتري ما يريد‬

‫وتأثيره‪.‬‬ ‫مارس عليه النص فعَلـه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫َ‬ ‫يرفض أن ُي َ‬
‫َ‬ ‫يقبل أو‬
‫األدبي الذي يقرأه‪ .‬وفي كلمة واحدة‪ ،‬أن َ‬
‫ّ‬
‫النص‬
‫حب َّ‬‫ُي ّ‬

‫ــ هذا ما يمكن فحصه بالعودة إلى ما يتعلق في هذا الكتاب بالسوسيولوجيا واألسلوب‪.‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪12‬‬
‫الــفــصــل الــثــانــي‬

‫تـقـويــ ُم الــقــوى الــفــاعــلــة‬

‫جرد القوى‪:‬‬
‫أـ ُ‬

‫إن دراس َة القوى الفاعلة تهتم بمجموع الكيانات التي تقود دينامي َة النص‪ ،‬وبعالقاتها‪ ،‬على مستوى‬

‫العالقة بالقارئ كما على مستوى المحتويات‪ .‬فهي تعالج النص من منظور عالقات القوى ُ‬
‫الم َولّدة لألفعال‪.‬‬

‫قات القوى؛‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫حكاية ما‪ ،‬أو في حوار فكر ّي‪ ،‬أو في بو ٍح غرامي‪ ،‬في‬
‫تشتغل إال عال ُ‬
‫ُ‬ ‫عديدة ال‬ ‫موضوعات‬
‫ّ‬
‫ففي‬

‫إشهار يوازن بين الرغبات والحاجيات الحقيقية‪ ،‬مرافع ٌة تُـوازن بين‬


‫ٌ‬ ‫نفسه حتى داخل الفعل التواصلي‪:‬‬
‫األمر ُ‬
‫و ُ‬
‫ّ‬
‫عادة‪.‬‬ ‫أدلة البراءة وأدلة االتهام‪ ،‬روايةٌ تُـوازن بين صورة الواقع التي تقترحها والصور التي يقبلها َّ‬
‫القراء ً‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫األول‬
‫ُ‬ ‫أي نوٍع‪ ،‬ولعالقاتها أن تكون من أنظمة مختلفة‪ُ :‬‬
‫هدف الدراسة‬ ‫يمكن للقوى الفاعلة أن تكون من ّ‬

‫هو تحديد هذه العالقات وتلك القوى‪ .‬فالبد‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬أن نأخذ بعين االعتبار القوى الظاهرة في النص‪ ،‬لكن‬

‫عتبر هي‬
‫أيضا‪ .‬وعند تحليل عالقاتها ‪ ،‬البد من استخراج التمظهرات الضرورية التي تُ َ‬
‫‪24‬‬
‫وقواه المضمرة ً‬

‫التمفصالت الكبرى للنص‪ .‬وبهذا العمل‪ ،‬تحدد الدراسة ما يتناوله النص باعتباره ّ‬
‫مهمـًا وفعاال داخل الوقائع‬

‫هدف ٍ‬
‫ثان‪ ،‬وهو األكثر أهمية‪ :‬هذه‬ ‫الذي يتمثلها‪ ،‬والسلطات التي يمنحها لكل قوة من هذه القوى‪ .‬وهنا يكمن ٌ‬

‫تبعات ايديولوجية وجمالية‪ .‬وهي‬


‫ٌ‬ ‫التراتبيات التي ُيجريها النص ويسعى إلى فرضها على القارئ لها بالطبع‬

‫دائما بالنسبة إلى القراءة السريعة‪ ،‬ويكون تأثيرها على القارئ أكثر فعالية‪.‬‬
‫مع ذلك ال تكون واضح ًة ً‬

‫ت للعالقات) نوعًا من التجريد‪ .‬البد‬


‫ــ بالطبع‪ ،‬يفرض مجموع هذه اإلجراءات( تحديد العناصر المضمرة وبناء تمظهرا ٍ‬ ‫‪24‬‬

‫من السهر على االنطالق باألساس من معطيات النص الدقيقة والقابلة للفحص والمراجعة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫تتم دراس ُة القوى الفاعلة أوال بإنشاء ٍ‬
‫جرد ما لهذه القوى‪ .‬وال أهمية لمثل هذا الجرد إال إذا كان شامال‬

‫َّ‬
‫ومنظـماً ما أمكن ذلك‪.‬‬

‫أن يكون شامال معناه أن يقوم بإحصاء القوى الفاعلة كّلها؛ لكنه ال يحتفظ إال بتلك التي تمارس فعال‬

‫ألي عنصر أن يصير كذلك‪.‬‬


‫قوة فاعلة‪ ،‬ويمكن ّ‬
‫ـعتبـر ُمـسبقا ً‬
‫حقيقياً داخل النص‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فال عنصر ُي َ‬
‫ومن الممكن أن ال تحظى شخصية ما بأي نصيب من أي ٍ‬
‫فعل‪ .‬ومن الضروري‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬أن نأخذ بعين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الممنوحة لكل قوة‪ ،‬من أجل تقييم قدرتها على أن تكون فاعل ًة‪.‬‬ ‫‪25‬‬
‫االعتبار الصفات‬

‫ٍ‬ ‫أن يكون من ّ‬


‫عالقة بهذه الطبيعة(‬ ‫الجرد طبيع َة القوى الفاعلة ً‬
‫أيضا‪ ،‬وأن يرتّ َـبـها في‬ ‫ُ‬ ‫ظ ًـما معناه أن يذكر‬

‫الجمادات‪ ،‬الشخصيات‪ ،‬المؤسسات‪ ،‬الحيوانات‪ ،‬األفكار‪ ،‬المشاعر‪ ،‬األعمال‪ ،‬الخ‪.26).‬‬

‫وفي هذا الجرد‪ ،‬البد من أن نأخذ كذلك بعين االعتبار القوى الفاعلة التي تتدخل في فعل التواصل‬

‫نفسه‪.‬‬

‫مستويـي قائمة الجرد( مستوى المحتوى ومستوى الفعل الخطابي)‪.‬‬ ‫والبد من إنشاء ٍ‬
‫تقابل بين‬
‫َ‬

‫نص ما‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬فإن قائم َة ٍ‬


‫جرد ما ليست عملية ميكانيكية‪ :‬إنها تحدد المجال الواقعي الذي يحتضنه ٌّ‬

‫محدودا من‬
‫ً‬ ‫عددا‬ ‫وإذا كانت عناصر الواقع وتفاعالتها الممكنة النهائية‪ ،‬فإن كل ّ ٍ‬
‫نص ال يختار منها إال ً‬

‫أجل إدراجها في ديناميته الخاصة‪.‬‬

‫ات النصية‪:‬‬
‫ط الرؤية ـ التمظهر ُ‬
‫ب ـ أنما ُ‬

‫ــ تُ َ‬
‫عرف الصفات من خالل مؤشرات الصفات والمواهب والوضع االعتباري‪ ،‬والسلطة‪ ،‬الخ‪(.‬والبد أن نأخذ بعين‬ ‫‪25‬‬

‫االعتبار كذلك تدخالت المؤلف أو السارد بخصوص القوى الفاعلة)‪.‬‬


‫ــ نحيل على األنواع الخاصة بالمحكي في ص ‪ ،73‬والخاصة بالخطاب في ص ‪ .79‬وهذه األنواع ليست نهائية‪،‬‬ ‫‪26‬‬

‫والبد من البحث عن تلك التي تالئم النص المقروء‪ ،‬ال أن نُـطَـبّـقَ " شبكة " قارة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫بعـرض أنماط الرؤية والتمظهرات النصية للقوى الفاعلة‪ .‬فبواسطة‬
‫ـستكمـل كذلك َ‬
‫أال ينبغي للجرد أن ُي َ‬

‫ـنشيء وجهات النظر التي من خاللها يتم تقديم القوى الفاعلة‪ .‬ويسمح هذا التحليل‬
‫ُ‬ ‫تحليل أنماط الرؤية‪ُ ،27‬ن‬

‫مصدر هذه المعلومات‪.‬‬


‫َ‬ ‫المـَق ّدمة حول هذه القوى‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار‬
‫بتقييم صحة المعلومات ُ‬

‫خد َم من أجل إنشاء أثر التوقعات حول طبيعة‬ ‫ٍ‬


‫مكان آخر‪ ،‬يمكن لتغيرات وجهات النظر أن تُستَ َ‬ ‫وفي‬

‫ٍ‬
‫معلومات حول الطريقة التي ُيَق ّد ُم بها‬ ‫القوة الفاعلة وصفاتها الدقيقة‪ .‬وبالمثل‪ ،‬فالتمظهرات النصية تَُق ّدم‬

‫تسمح بتحديد طبيعتها‪.‬‬


‫َ‬ ‫النص القوى الفاعلة‪ ،‬ويمكنها أن‬

‫ص ما‪ :‬للمكان الذي‬ ‫ٍ‬


‫معلومات عن التراتبيات الحقيقية التي ُيـَق ّدمها ن ٌّ‬ ‫قدم‬
‫أخيرا‪ ،‬فإن التمظهرات النصية تُ ّ‬
‫و ً‬

‫مختلف القوى الفاعلة ولحجم النص ُ‬


‫الم َـكرَّس لها دالل ٌة في هذا الصدد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ـظه ُـر فيه‬
‫تَ َ‬

‫وضع القوى وديناميتها‪:‬‬


‫ُ‬ ‫جـ‬

‫يقود إلى فحص وضع القوى الفاعلة وديناميتها داخل النص‪.‬‬ ‫َّ‬
‫إن أخ َذ هذه العناصر بعين االعتبار ُ‬

‫كل واحدةّ داخل التش ّكـالت التي تعرفها عالقاتها‪ .‬وال‬ ‫ـ وضع القوى الفاعلة هو الوظيفة التي تَ ُـؤ ُ‬
‫ول إلى ّ‬

‫تكفي المشيرات الكمية للتمظهرات النصية الستخراج هذه األوضاع ‪ .‬لكنها يمكن أن تساعد على ذلك‪ ،‬عند‬

‫نقطة االنطالق‪ .‬والقوى الفاعلة التي تبدو‪ ،‬من خالل أهمية تمظهراتها النصية‪ ،‬أنها رئيسة‪ ،‬هي التي سنحاول‬

‫أن هذه األخيرة تتوزع إلى‪:‬‬


‫حصرها أوال من أجل أن ُنـقيم من خاللها تشكالت الوظائف العاملية‪ .‬ولنتذكر ّ‬
‫‪28‬‬

‫مرسل ‪ /‬مرسل إليه‪ ،‬ذات ‪ /‬موضوع‪ ،‬مساعدين ‪ /‬معارضين‪.‬‬

‫ــ إن أنماط الرؤية هي التي تض ُع في الغالب الصفات التي يسندها النص للقوى الفاعلة‪.‬‬ ‫‪27‬‬

‫ــ تمكن العودة إلى التعريفات في الفصول السابقة من الكتاب‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫‪15‬‬
‫ٍ‬
‫سلسلة من انقطاعات التوازنات أن تعمل على‬ ‫فإن القوى ال تقيم عالقة ثابتة ونهائية‪ :29‬بإمكان‬
‫وبالطبع‪ّ ،‬‬

‫تغيير توزيع الوظائف‪ .30‬وتش ّكـل هذه التغييرات ديـنـامـيـة القوى داخل النص‪ .‬وتمكن مالحظتها من خالل‬

‫طبعا الوضعية االبتدائية والوضعية النهائية‪ ،‬لكن هناك الوضعيات المتوسطة‬


‫الوضعيات ـ المفاتيح ‪ :‬هناك ً‬
‫‪31‬‬

‫أيضا ‪ ،‬التي تناسب التغييرات التي تحصل في عالقات القوى‪.32‬‬


‫الضرورية ً‬

‫آثار لعبة القوى‪:‬‬


‫دـ ُ‬

‫من دينامية القوى الفاعلة تنطلق ُ‬


‫آثار عالقاتها‪.‬‬

‫ٍ‬
‫عديدة‪ ،‬منها ‪:‬‬ ‫وتأتي هذه اآلثار في أنو ٍاع‬

‫تغيرات التوازنات هي التي تخلق اإليقاع العام للنص ( من دون‬


‫تفاعا في ّ‬
‫أن الوتيرة األكثر أو األقل ار ً‬
‫• ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عالقة ضرورية باإليقاع األسلوبي)‪ ،‬الذي يقترح على القارئ ً‬
‫نوعا من اللذة المحددة‪ ،‬وسهول ًة تتسع أو‬

‫تضيق في تذكــر الوضعيات األساس؛‬

‫أن المقارنة المنهجية بين الوضعيات ـ المفاتيح تعمل على إبراز القوى التي تسعى إلى فرض نفسها‪،‬‬
‫• ّ‬

‫والقوى التي تتراجع‪ .‬واألكثر من ذلك‪ ،‬يمكن لهذه التراتبية أن تعارض التصريحات الظاهرة للنص‬

‫والكشف عن مضمراته اإليديولوجية( التي قد تخفى‪ ،‬في بعض الحاالت‪ ،‬حتى على المؤلّـف نفسه)‪.‬‬

‫كل القوى‬
‫• أنه من خالل تشكالت الوظائف تنطلق قوةٌ فاعل ٌة مركزيـ ٌة‪ ،‬مكانتها ونشاطها يؤثران على ّ‬

‫األخرى‪ ،‬واختفاؤها يؤدي إلى اإللغاء المباشر للعبة القوى‪ .‬وهذه القوة قد ال تكون بالضرورة رئيسة‪ ،‬أي‬

‫ــ بإمكان ك ّل قوة أن تؤدي وظائف عديدة‪ ،‬وهو ما له داللةٌ دائ ًما‪ :‬يكون التشكل توازنًا أو انقطاعًا‪ ،‬بحسب ما إذا كانت‬ ‫‪29‬‬

‫هذه القوى تتداخل أو تتعارض‪.‬‬


‫ــ وهذا ما يمكن أن يفرض تشييد ما يكفي من الخطاطات المطابقة‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫ــ بالبقاء على مستوى الوضعيات ــ المفاتيح‪ ،‬من دون تي ٍه وسط العديد من األحداث الجزئية للمتواليات الصغرى‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫ــ راجع التمفصالت األساسية التي تتعلق بدراسة الحدث وبدراسة البنية‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪16‬‬
‫مهمـًا من النص‪ .‬لكن من الضروري كشفها من أجل فهم الداللة الرمزية‬
‫دائما جزًءا ّ‬
‫أنها قد ال تشغل ً‬

‫التي يتّـخذها النص‪.‬‬

‫نص عالق َة قوى‬


‫كل ّ ٍ‬
‫• أنه من خالل المستويين االثنين( مستوى المحتويات ومستوى التواصل)‪ ،‬يخلق ّ‬

‫مع قرائه‪ ...‬بيد أن عالقات القوى مع القارئ يمكن أن تُ َـع ّـرض ميثاق القراءة للخطر‪.‬‬

‫من خالل تحليل حقل الوقائع التي يضمها العرض‪ ،‬والتراتبيات التي تجري فيه‪ ،‬واآلثار المستخدمة من‬

‫أجل دعم كل و ٍ‬
‫احدة من القوى الفاعلة‪ ،‬يقوم القارئ باستثمار النص بقراءته الخاصة‪ .‬وبهذا‪ ،‬قد يخرج عن‬

‫الميثاق‪ ،‬لكنه يكشف من خالل ذلك الديناميات العميقة‪ ،‬ويكتسب المعرفة الحقيقية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الـفــصــل الــثــالــث‬

‫ف الـُبــعــد الـنـفـســي‬
‫َكــشــ ُ‬

‫تهم بالطبع ما يتعلق في ّ ٍ‬


‫نص ما بالوجدان( بمكوناته‬ ‫اسع‪ :‬إنها ّ‬
‫معنى و ٍ‬
‫ـدرك النفسية هنا من خالل ً‬
‫تُ َ‬

‫كل المعطيات الذهنية‪ ،‬واألخالقية‪ ،‬بل والفلسفية‪،‬‬


‫الغريزية‪ ،‬واالنفعالية‪ ،‬والشعورية ‪ ،)...‬لكنها تهم كذلك َّ‬

‫كل ٍ‬
‫مكان من‬ ‫بالمعنى الواسع لهذه العبارة‪ .‬وهذه المعطيات النفسية حاضرةٌ‪ ،‬على األقل مثلما هو شائع‪ ،‬في ّ‬

‫النص‪ :‬رّبـما ألن إنتاجه وتلقيه ليسا إال نشاطين ذهنيين انفعاليين‪ .‬ويقيم تواصُلـه عالق ًة بين شخصين على‬

‫األقل( وإذن‪ ،‬بين نفسيتين)‪ ،‬ومن أجل ممارسة التأثير على القارئ‪ ،‬البد من استدعاء ذاكرته‪ ،‬وإحساسه‪،‬‬

‫وعقله‪ ،‬ومتخيَّـله‪.33‬‬

‫خالصا( رسائل الحب‪،‬‬


‫ً‬ ‫وجدانيـًا‬
‫ّ‬ ‫وهكذا ‪ ،‬فالنصوص كلها تقبل مثل هذه المقاربة‪ ،‬سواء كان موضوعها‬

‫شعر غنائي‪ ،‬الخ‪ ،).‬أو كانت تستهدف اإلقناع( خطابات )‪ ،‬أو رسم شخصيات‪ ،‬أو إثارة ٍ‬
‫لذة ‪ ،...‬أو سواء‬

‫ٍ‬
‫معطيات‬ ‫تستخدم‬ ‫ٍ‬
‫رسمية أن‬ ‫ٍ‬
‫لرسالة‬ ‫علمي أو‬ ‫أي محتوى من هذا النوع‪ :‬يمكن لمطبوٍع‬
‫َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ظهرت كأن ليس لها ّ‬

‫نفسية من أجل توجيه ردود أفعال القارئ‪ .‬فهذا الحضور الكلّـي للعناصر السيكولوجية هو ما يمنح أهمية‬

‫أيضا‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫لهذه المقاربة‪ ،‬وهو الذي يخلق صعوبات ً‬

‫اصل إشكالي ـا‪ :‬من المفروض في المؤلّـف والقارئ أن يفترض كل و ٍ‬


‫احد‬ ‫• في هذا اإلطار‪ ،‬يكون كل تو ٍ‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬

‫امتالك اآلخر للمقوالت السيكولوجية المطابقة للتي يمتلكها هو‪ ،‬وإال فإن ميثاق القراءة نفسه‬
‫َ‬ ‫منهما‬

‫سجين نفسيته الخاصة؛‬ ‫اسع‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫وبشكل و ٍ‬ ‫كل و ٍ‬
‫احد منهما يبقى في الوقت نفسه‪،‬‬ ‫سيصبح مستحيال؛ لكن َّ‬
‫َ‬

‫ــ من هنا الصعوبة األولى‪ ،‬المتعلقة بالردود االنفعالية التي تثيرها القراءة األولى‪ .‬والبد من االحتفاظ بآثارها من أجل‬ ‫‪33‬‬

‫مقارنتها بعد ذلك بالحكم النقدي النهائي‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫• للمضمر أهمية خاصة في هذا المجال‪ ،‬وتكون المعطيات السيكولوجية مضمرة في الغالب أكثر مما‬

‫أن هناك في النص‬ ‫تكون أو بقدر ما تكون ظاهرًة؛ وهذا ما يقودنا ً‬


‫أيضا إلى أن نأخذ بعين االعتبار ّ‬

‫جماعيـًا )؛‬
‫ّ‬ ‫فرديـًا أو‬
‫نفسيـًا ُيـع ّـبـر عن نفسه( ّ‬
‫الوعيا ّ‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫بمكانة بارزٍة في نقد األدب وتدريسه‪ ،‬ويجد تحليل النصوص نفسه في هذا المجال‬ ‫• ال تزال النفسية تحتفظ‬

‫دائما‪ ،‬وقد تتعارض في ما بينها‪ . 34‬فالبعض يعطي‬ ‫ٍ‬


‫في مواجهة عدد من أنظمة التأويل‪ ،‬ليست واضحة ً‬

‫قيم ًة لمقاصد المؤلّـ ف‪ ،‬ودقته في التحليل‪ ،‬وطابع الشخصيات؛ وبالعكس‪ ،‬فالبعض اآلخر يسير على‬

‫خطى المحللين النفسانيين‪ ،‬ويركز على متابعة نشوء الالوعي داخل النص في مختلف أشكاله‪.‬‬

‫فإن دراسة النفسي ة هي‪ ،‬على األخص‪ ،‬احتمالية‪ .‬لكنها ضرورية من أجل‪:‬‬
‫وهكذا‪ّ ،‬‬

‫ـسـلمات النص و أبعاده‪ ،‬ومحتوى وجهات النظر التي تتدخل فيه‪ ،‬وبالتالي بعض مظاهر‬
‫• شرح ُم َ‬

‫إيديولوجيته األساس‪35‬؛‬

‫• تقويم دور ( أدوار ) النفسية داخل تواصل النص‪ .‬وبهذا الخصوص‪ ،‬سنحرص على معالجة المرجعيات‬

‫هدف و ٍ‬
‫احد هو إضاءته‪.36‬‬ ‫والسياقات انطال ًقا من النص‪ ،‬ومن أجل ٍ‬

‫نطبقه‪ ،‬فال بد أن نحرص على تقديمه كما هو وتبرير‬


‫وعالوة على ذلك‪ ،‬فكيفما كان نظام التأويل الذي ّ‬

‫أهميته ومالءمته‪.‬‬

‫أ ـ الحقل الوجداني‪:‬‬

‫ــ بل إنه غالبًا ما نستخدم نظا ًما من دون معرفته حقيقةً على أنه كذلك‪ .‬من الضروري أن نحدد‪ ،‬ما أمكن ذلك‪ ،‬ما هي‬ ‫‪34‬‬

‫ي تحليل نفسي؟)‪ .‬وفي الحاالت كلها‪ ،‬ال‬


‫ي علم نفس؟ تحليل نفسي‪ ،‬أ ّ‬
‫النظرية التي نؤسس عليها تحليالتنا( علم نفس‪ ،‬أ ّ‬
‫ينبغي لك أن تأخذ معرفتك‪ ،‬الجزئية في الغالب‪ ،‬على أنها يقينٌ مطلق‪.‬‬
‫ت سابقة‪ ،‬ومن الضروري إجراء مقابلة بين هذه‬
‫ــ هناك علم النفس االجتماعي أيضًا‪ .‬نحيل على مفهوم الدور في صفحا ٍ‬ ‫‪35‬‬

‫ت سابقة‪.‬‬
‫التحليالت والتحليالت السوسيولوجية في صفحا ٍ‬
‫ي في هذه المالحظة‪ .‬وعند الحاجة‪ ،‬تمكن االستعانة بوثائق حول معارف‬
‫كأساس نص ّ‬
‫ٍ‬ ‫ــ تصلح عالمات ألن ننطلق منها‬ ‫‪36‬‬

‫وأفكار مؤلف النص‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫يشخــصها‪.‬‬ ‫يغطي كل ّ ٍ‬
‫نص حقال وجدانيــا ما‪ :‬فهو يمنح شحنة وجدانية لعناصر الواقع التي ّ‬

‫المتخاطبـين( المؤلّـف والقارئ ) في ّ‬


‫كل الحاالت؛ من الشخصيات‪ ،‬في‬ ‫َ‬ ‫ويتألف هذا الحقل الوجداني من‪:‬‬
‫ّ‬
‫أشخاصا أو شخصيات أو أشياء‬
‫ً‬ ‫تهم‬
‫كل أنواع العالقات الوجدانية المستخدمة‪ ،‬وهي قد ّ‬
‫أغلب األحيان؛ من ّ‬

‫أو وقائع أو أفكار‪ ،‬الخ‪.‬‬

‫• المتخاطبان شخصان حقيقيان‪ :‬المؤّلـف‪ ،‬وخطاباته على األخص‪ ،‬والمستقبـلون‪ .‬وقد تكون بعض‬

‫العناصر البيوغرافية ضرورية من أجل فهم النص‪ ،‬بإضاءة وضعية التلفظ‪ ،‬وظروف الكتابة ودوافعها‪.‬‬

‫كبير من النصوص ال تفرض هذه المعرفة التاريخية المفصلة بالمتخاطبين من‬


‫عددا ًا‬ ‫ومع ذلك‪َّ ،‬‬
‫فإن ً‬

‫أجل أن تكون قابلة لإلدراك‪.‬‬

‫تبعا للعادات الثقافية‪ ،‬أكثر العناصر‬


‫( الشخصيات الرئيسة‪ " ،‬األبطال ") هي‪ً ،‬‬
‫‪37‬‬
‫الشخصيات‬ ‫•‬

‫السيكولوجية ألف ًة‪ .‬ويحاول التحليل أن يحدد الشخصيات ( وهو ما يفرض وضع رسم شخصي(بورتريه)‬

‫عادة‪ .)...( .‬ومع ذلك‪،‬‬


‫) من خالل أفعالها‪ ،‬وسلوكاتها‪ ،‬وعاداتها‪ ،‬وأقوالها وأوصافها التي يقدمها النص ً‬
‫ٍ‬
‫كلمات ومن ور ٍق‪ ...‬والمعطيات التي يتأسس عليها التحليل ال ينبغي‬ ‫كائنا من‬
‫فالشخصية ليست إال ً‬

‫يقدم هذه "‬


‫لها أن تتجاوز اإلطار النصي‪ ،‬خوًفا من السقوط في أحد أفخاخ اإليهام الواقعي الذي ّ‬

‫الكائنات الورقية " كأنها كائنات حقيقية‪ .‬وزد على ذلك‪ ،‬أن الشخصيات كلها ال تتعلق بالضرورة بالتحليل‬

‫السيكولوجي‪ :‬وبهذا الخصوص‪ ،‬يمكن لبعض الشخصيات أن تكون بهز ٍ‬


‫الة قصوى‪ .‬وفضال عن ذلك‪،‬‬

‫قد تكون لها وظائف داخل النص ال تتعلق بالدراسة السيكولوجية‪.‬‬

‫معرض للرسوم الشخصية ( للبورتريهات)؛ بل ينبغي لنا أن نأخذ بعين االعتبار ما‬
‫ٍ‬ ‫ــ ال ينبغي لنا االقتصار على وضع الئحةٍ‪ ،‬وال على وضع‬ ‫‪37‬‬

‫يقوله المؤلف بخصوصها‪ ،‬وما يقال عنها ضمنيًا كذلك‪ .‬والبد من أخذ تمظهراتها النصية بعين االعتبار أيضًا‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫يها) للشخصيات‪ ،‬ينبغي لنا أن نأخذ بعين االعتبار تطورها على‬
‫وعندما ننشئ رسمـًا شخصيا (بورتر ً‬

‫أيضا‪ ،‬واعتبارها من خالل جودة نوعها‪ ،‬من خالل نمطيتها أو أصالة إبداعها‪.‬‬
‫طول الصفحات ً‬

‫ومن خالل مجموع هذه المالحظات‪ ،‬يمكننا أن نحدد المكانة الموضوعة للشخصية‪ .‬وفي بعض‬

‫حركاتها‪،‬‬ ‫الحاالت‪ ،‬يمكن للشخصية أن تكون غاية في حد ذاتها‪ :‬هكذا‪ ،‬قد يفضل النص تحليل أفعالها‪،‬‬

‫اإلقناع أو‬ ‫ٍ‬


‫مجهود يرمي إلى‬ ‫ٍ‬
‫حاالت أخرى‪ ،‬ليست الشخصية إال وسيل ًة في خدمة‬ ‫أحاسيسها؛ وفي‬

‫اإلخبار‪.‬‬

‫مجموع العالقات التي تدخل في هذا الصنف وتنشأ بين الشخصيات أو بين‬ ‫‪38‬‬
‫• تهم العالقات الوجدانية‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أي ٍ‬
‫كيان كيفما كان‪.‬‬ ‫المتخاطبين‪ ،‬أو تنشأ كذلك بين هذه وتلك وبين شيء ما‪ ،‬واقعة ما‪ ،‬فكرٍة ما‪ ،‬أو ّ‬

‫ٍ‬
‫ظاهر‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫وفي هذه المرحلة األولى من التحليل‪ ،‬يمكن أن نقتصر على ما يسجله النص متعلًقا‬

‫ان ما ‪ ...‬يمكن أن تكون لعناصر‬ ‫ٍ‬


‫شيء ما أو حيو ٍ‬ ‫تتم شخصنة‬
‫بالمجال السيكولوجي‪ .‬من الممكن أن ّ‬

‫جدا وظيفة وقيمة سيكولوجيتان‪.‬‬


‫مختلفة ً‬

‫ب ـ الموضوعات النفسية‪:‬‬

‫وبالمجال نفسه‪ ،‬تتعلق الموضوعات النفسية‪ ،‬ويمكن للحوافز والموضوعات أن تكون ظاهرًة أو مضمرًة؛‬

‫وتمكن مالحظتها من خالل جرد التشاكالت‪.‬‬

‫ــ في الحاالت المناسبة‪ ،‬يمكن رسمها في خطاطة‪ .‬ولكن ال وجود لنماذج بهذا الصدد‪ .‬وزد على ذلك أن خطاطة ملتبسة‬ ‫‪38‬‬

‫باحتراس‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يمكن أن تعقد بدل أن توضح‪ .‬فال استعمال للخطاطة‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬إال‬

‫‪21‬‬
‫• الحوافز والموضوعات الوجدانية الظاهرة‪ :39‬ويمكنها أن تكون مواضيع من النوع النفسي الذي يعالجه‬

‫ٍ‬
‫عصر ما أن‬ ‫ٍ‬
‫بوسط ما أو‬ ‫النص‪ ...‬ويمكن للمواقف القيمية العامة أو للموضوعات الثقافية الخاصة‬

‫تنتمي إلى السجل النفسي‪.‬‬

‫نمي َـز الحوافز‬


‫• الحوافز والموضوعات الوجدانية المضمرة ‪ :‬من خالل تحليل تشاكالت النص‪ ،‬يمكن أن ّ‬
‫‪40‬‬

‫عامـًا‪.‬‬
‫تلوينا وجدانيا ّ‬
‫وتقدم ً‬
‫والموضوعات الوجدانية التي تتجاوز إطار المتخاطبين والشخصيات‪ّ ،‬‬

‫تقدمها دراسةُ المتخاطبين‪ ،‬والشخصيات‪،‬‬


‫تحليل الحوافز والموضوعات بالمشيرات التي ّ‬
‫ُ‬ ‫ويـتّـصل‬

‫ٍ‬
‫معطيات من النوع النفسي‪ .41‬وبهذا‪ ،‬تظهر الغايات‬ ‫والعالقات الوجدانية‪ ،‬من أجل أن نستخرج من النص‬

‫التي ينسبها النص إلى عناصره السيكولوجية‪.‬‬

‫‪ ،‬كما تتصور ذلك األنظمة التأويلية التي تستند إلى‬ ‫‪42‬‬


‫ويمكن لهذه الغايات أن تكون متعلقة بـالالوعي‬

‫التحليل النفسي‪.‬‬

‫د ـ ميثولوجيات‪ ،‬الموقف من الوجود‪:‬‬

‫‪ .‬قد تتعلق ميثولوجية ما ( أي مجموع المحكيات‬ ‫‪43‬‬


‫بعض الموضوعات ميثولوجيات‬
‫ـعتبـر ُ‬
‫في الواقع‪ ،‬تُ َ‬

‫يبلور أسطورًة‬ ‫نصـًا ما أو مؤلَّـفـًا ما بإمكانه أن‬ ‫األسطورية في ٍ‬


‫يستخدم أو َ‬
‫َ‬ ‫لكن ّ‬
‫الجماعي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ثقافة ما ) بالمجال‬

‫أحيانا ميثولوجي ًة شخصي ًة كاملة‪.‬‬


‫ً‬ ‫يشيـد‬
‫خاص ًة به‪ ،‬بل قد ّ‬
‫ّ‬

‫ــ البد من إنشاء جردٍ للحقول المعجمية الضرورية‪ ،‬والمقارنة بينها بطريق ٍة تسمح بمالحظة ما يركّـز عليه النص‪.‬‬ ‫‪39‬‬

‫ــ هنا تؤخذ لعبة اإليحاءات بعين االعتبار‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫ــ وبهذا‪ ،‬نحصل على جردٍ‪ ،‬لكن البد أن يكون منظـ ًما بحيث يسمح بإظهار دينامية العالقات الوجدانية‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫نظام " سيكولوجي ما دقيقًا‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫ــ وهنا‪ ،‬باألخصّ ‪ ،‬ينبغي أن يكون اختيار "‬ ‫‪42‬‬

‫ــ التوثيق في هذا المجال صعب‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪22‬‬
‫ومن خالل مجموع العناصر التي تنتمي إلى النظام النفسي‪ ،‬ومن خالل طرائق استخدامها‪ ،‬يمكن أن‬

‫يهم في هذا الصدد أن تكون‬


‫التي ُيـع ّـبـر عنها النص‪ :‬وال ّ‬
‫‪44‬‬
‫نمي َـز المواقف أمام الوجود( أو رؤى العالم)‬
‫ّ‬

‫التمييز‬ ‫دائما‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫ُ‬ ‫عن إرادة وقصد‪ ،‬وال أن نعرف ما هي حدود مقاصد المؤلّـف‪ .‬وقس على ذلك‪ ،‬فليس ممكنـًا ً‬
‫ٍ‬
‫بعقلية ما ‪.45‬‬ ‫ٍ‬
‫بعصر ما أو‬ ‫فردي خالص وما هو متعلق‬ ‫بين ما هو‬
‫ّ‬

‫ج ـ دالالت النص وأبعاده النفسية‪:‬‬

‫دالالت وأبعادا نفسية‪...‬‬


‫ٍ‬ ‫اقف حاضرةٌ وأنها تضفي على النص‬
‫أن هذه المو َ‬
‫أساسا أن نالحظ ّ‬
‫ً‬ ‫يبقى‬

‫أيضا بما أنها ستكشف‬ ‫وتنحصر هذه الدالالت النفسية في الجانب الرمزي من النص‪ ،‬لكنها ّ‬
‫تهم تداوليته ً‬

‫طريقة إدراك جوانب النص األخرى وطريقة تلقيها من طرف القارئ‪ .‬ففي حالة النصوص النفعية‪َّ ،‬‬
‫فإن‬

‫فإن نوع اللذة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫نصوص ذات غائية جمالية‪ّ ،‬‬ ‫فعاليتها المباشرة هي التي توضع على المحك؛ وبالنسبة إلى‬

‫المقترح من طرف‬ ‫يقرر؛ وفي هذه الحالة أو تلك‪ ،‬فال فعالية إال من خالل ٍ‬
‫قبول بالميثاق‬
‫َ‬ ‫المقدَّم هو الذي ّ‬

‫ساذج‬ ‫النص‪ .‬فإذا كان هذا الميثاق مقبوال بالكامل‪ ،‬فإن ما يـنتُج عن ذلك هو ظاهرة التماهي‪ :‬هو ٍ‬
‫تماه‬
‫ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ‬

‫نضجا‪ ،‬كلّـما سعى القارئ إلى أن يتَّـخذ‬


‫ً‬ ‫ومستلب‪ ،‬ما دام القارئ ال ُيدرك الميثاق في حقيقته؛ ويكون َ‬
‫أكثر‬ ‫ٌ‬

‫وجوديا‪ ،‬هناك حيث يقترن الوجدان بالقيم األخالقية والفلسفية‪ ...‬وتشتغل‬ ‫درك رؤي َة ًً للعالم‪ ،‬موقًفا‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫مسافة ُلي َ‬

‫األبعاد النفسية لنص ما في اللحظة التي تُواجه فيها شفراته‪ ،‬الظاهرة والمضمرة‪ ،‬شفرات القارئ‪ ،‬سواء كانت‬

‫واعية أو الواعية‪.‬‬

‫كبير منها‪ ،‬الذي يحدد موقف فردٍ ما أو جماع ٍة ما‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫ــ نسمي " رؤية العالم " مجموع الصور والقيم‪ ،‬الالواعية في جزءٍ‬ ‫‪44‬‬

‫ــ وهنا البد من المقابلة بين التحليل النفسي والتحليل السوسيولوجي‪.‬‬ ‫‪45‬‬

‫‪23‬‬
‫الــفــصــل الــرابــع‬

‫تـحـلـيـ ُل الـبـعـد االجـتـمـاعـي‬

‫إن المقاربة السوسيولوجية ّ ٍ‬


‫لنص ما‪ ،‬التي تُـدمج الوقائع االجتماعية والوقائع التاريخية‪ ،‬تطرح ثالث‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫صعوبات‪:‬‬

‫• تعود األولى إلى ثنائية الروابط بين النص والمجتمع‪ :‬هناك شيء اجتماعي داخل النص‪ ،‬وفي الوقت‬
‫ّ‬
‫مبدءا‬
‫ذاته‪ُ ،‬يـعتَ َـبـر النص نفسه جزًءا ال يتج أز من الحياة االجتماعية والثقافية‪ .‬وتفرض هذه الصعوبة ً‬

‫من مبادئ هذه الطريقة في القراءة‪ :‬المقابلة باستمر ٍار ما أمكن ذلك بين ما يقوله النص عن مرجعياته‬

‫وسياقاته التاريخية واالجتماعية وبين المعارف التي وضعها علم التاريخ وعلم االجتماع بخصوص هذه‬

‫المرجعيات والسياقات‪.46‬‬

‫ألن اللغة نفسها‬ ‫ٍ‬


‫شيء في النص أن يكون‬
‫صادر عن المجال التاريخي واالجتماعي‪ .‬رّبـما ّ‬
‫ًا‬ ‫لكل‬
‫• يمكن ّ‬

‫التي يستخدمها تطابق حال ًة ما في المجتمع‪ .‬وبهذا‪ ،‬سيكون أحد أهداف الدراسة األساس هو تحديد‬

‫يقدمها عن العالم االجتماعي‪ .‬ومن‬


‫الحقل السوسيوتاريخي الخالص للنص‪ ،‬أي مجموع التمثّـالت التي ّ‬

‫دون ذلك‪ ،‬ستبقى الروابط بين النص والمجتمع منتثرًة تصعب دراستها كما هي‪.‬‬

‫األشياء كلّـها ُمـش َـبـع ًة‬


‫ُ‬ ‫فإن طبيعة األشياء نفسها في هذه الدراسة تطرح صعوب ًة‪ :‬تكون‬
‫أخيرا‪ّ ،‬‬
‫• و ً‬

‫القراء( ولو‬
‫درك إال من خالل إيديولوجية ّ‬
‫يادة على ذلك‪ ،‬فهي ال تُ َ‬
‫ـضمـرات)؛ وز ً‬
‫بالم َ‬
‫باإليديولوجية(وإذن‪ُ ،‬‬

‫ــ ومن هنا الحاجة إلى الوثائق‪.‬‬ ‫‪46‬‬

‫‪24‬‬
‫ٍ‬
‫نقدية)‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬من الممكن مقاربة هذه المضمرات انطال ًقا‬ ‫ٍ‬
‫أنظمة‬ ‫كان إنشاء هذه اإليديولوجية في‬

‫مالحظات ٍ‬
‫دقيقة حول النص‪ ،‬وذلك بتقويم التشوهات التي ُيـلحقها النص بالواقع وتحديد أسباب ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫من‬

‫النص التاريخية‪.‬‬
‫إلقاء الضوء على دالالت ّ‬
‫ممكنا ُ‬
‫ً‬ ‫يجعل‬
‫ُ‬ ‫فإن ذلك هو ما‬
‫ّ‬

‫أ ـ الحقل السوسيوتاريخي‪:‬‬

‫جرد محتوياته الظاهرة في هذا المجال‪ .47‬وهي‬


‫تحليل الحقل السوسيوتاريخي للنص هو ُ‬
‫ُ‬ ‫أول ما يتطلّـبه‬
‫ُ‬

‫تبعا للنصوص‪.‬‬
‫محتويات مختلفة جدًّا ً‬

‫كل األحداث أو الظواهر التي تؤثر في الجماعات أو في‬


‫وقائع اجتماعية ّ‬
‫َ‬ ‫• في المقام األول‪ ،‬نعتبر‬

‫األفراد الذين يمثّـلون الجماعات‪...‬يمكن لهذه األحداث والظواهر أن تكون حقيقية‪ ،‬لكنها تكون تخييلي ًة‬

‫أيضا‪ .‬يمكنها أن تكون خلفي ًة للقول أو للفعل؛ أو بالعكس‪ ،‬أن تكون هي نفسها الموضوع؛ أو أكثر من‬
‫ً‬

‫دور الظروف الحاسمة‪ .‬وفي الحاالت جميعها‪ ،‬البد من الحرص على تحليل وجهة (‬
‫تلعب َ‬
‫ذلك‪ ،‬أن َ‬

‫يتم تقديم هذه األحداث والظواهر‪...‬وبالمثل‪ ،‬من الضروري أن نقابل‬


‫وجهات ) النظر التي من خاللها ّ‬

‫يخيا‪ .‬والبد من أن نأخذ بعين‬


‫بين الطريقة التي عولجت بها الوقائع داخل النص وبين ما نعرفه عنها تار ً‬

‫المتحيزة‬
‫ّ‬ ‫االعتبار وجهة النص وغايتَـه‪ ،‬من أجل تقويم مكانتهما وطريقة تقديمهما( الجزئية أو الشاملة‪،‬‬

‫أو الموضوعية ما أمكن ذلك)‪.‬‬

‫المـؤّلـف للحقل السوسيوتاريخي‪ .‬ومن الممكن أن تكون مرتبط ًة‬


‫• الفئات االجتماعية هي العنصر الثاني ُ‬
‫ٍ‬
‫بطريقة مباشرة باألحداث والظواهر الجماعية‪ ..‬لكن بإمكانها أن تتدخل بطريقة غير مباشرٍة ً‬
‫أيضا‪ :‬في‬

‫تخييلي‪ ،‬قد يكون ذلك لمجرد تحديد بورتريه الشخصية باإلحالة على الوسط الذي تنتمي إليه‪.‬‬ ‫محكي‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬

‫ــ استعمل بيانات الحقول المعجمية‪ ،‬وال تجعل منها مجرد جداول‪ ،‬بل صنّفها ورتّبها بطريفة تراتبية من أجل استخراج‬ ‫‪47‬‬

‫عناصر القوة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫صعبا‪ ،‬في النص كما في الواقع‪ .48‬إنها عديدةٌ ومختلف ٌة‪ ،‬تنطلق من‬
‫ً‬ ‫تحليل الفئات االجتماعية‬
‫ُ‬ ‫ويكون‬

‫المجموعات المتجانسة( أندية‪ ،‬عصابات ‪ )...‬لتنتهي إلى البنيات الكبرى في المجتمع( الفئات المهنية‬

‫مرور بالجماعات الفكرية أو المصلحية( أحزاب‪ ،‬تيارات فكرية ‪.)...‬‬


‫االجتماعية‪ ،‬الطبقات االجتماعية) ًا‬

‫معجم‬
‫ُ‬ ‫يخيـًا‪ ،‬كما تعرفه طرائق إدراكها وتحليلها‪ ...‬سيكون‬
‫تطور تار ّ‬
‫ًا‬ ‫وتعرف هذه الفئات االجتماعية‬

‫تجنـب إسقاط‬
‫تأويلي‪ ،‬لكن من أجل ّ‬ ‫ٍ‬
‫لخيار‬ ‫خاضعا بالضرورة‬
‫ً‬ ‫الوصف‬
‫ُ‬ ‫االصطالحات الذي يستخدمه‬
‫ّ‬
‫األحكام المسبقة‪ ،‬البد للتحليل من أن يعتني أوال بالطريقة التي ُي َـع ّـيـن بها النص الفئات االجتماعية‪.‬‬

‫والبد له من أن يولي عناي ًة كبيرًة بأحوال اللغة والمعارف التي توّفر له وسائل تعريفها وإدراكها‪ ...‬تبقى‬

‫أن الطريقة التي تتموضع بها الشخصيات وأطراف التواصل داخل الفئات االجتماعية‪،‬‬
‫اإلشارة إلى ّ‬

‫وطريقة إدراكها وحكمها وتمثلها للعالقات ( اإلضافية أو الصراعية)‪ ،‬طريقتان ضروريتان من أجل كشف‬

‫نفسيتها االجتماعية ورؤيتها للمجتمع‪.‬‬

‫المستخد َمـة داخل النص‪:‬‬


‫َ‬ ‫نفحص الــقيم وأنظمة الفكر‬
‫َ‬ ‫• وهذا ما يفرض أن‬

‫• من خالل عبارة قيم‪ ،‬يكون المقصود هو جميع معايير الحكم األخالقية أو السياسية التي يصفها النص‬

‫أو يستخدمها بطر ٍ‬


‫يقة ظاهرٍة أو مضمرٍة‪ .‬وبجرد قائمتها المعجمية‪ ،‬وتدوين اإليحاءات التي تشير إليها‪،‬‬

‫ٍ ‪49‬‬ ‫نكون أمام مقار ٍ‬


‫وغالبا ما تُقدَّم من خالل‬
‫ً‬ ‫دائما‪.‬‬ ‫للنص‪َّ .‬‬
‫لكن هذه القيم ليست ظاهرًة ً‬ ‫بة أكسيولوجية‬

‫اسع جدًّا‪ ،‬من خالل‬ ‫ٍ‬


‫فردية‪ ،‬أو من خالل أدو ٍار يـؤديها بعض األفراد‪ ،‬أو بمعنى و ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جماعية أو‬ ‫ٍ‬
‫سلوكات‬

‫المواقف‪ ...‬القيم والمواقف هي في الغالب أشياء ملتبسة ال تتحدد بدقة‪ ،‬لكنها مع ذلك تكون قابلة‬

‫كائن اجتماعي‪ ،‬ويفرض‪ ،‬بصفته تلك‪ ،‬بصم ًة من شفرات‬


‫يادة على ذلك‪ ،‬فمؤلّـف النص ٌ‬
‫للمالحظة‪ .‬وز ً‬
‫ّ‬

‫صةً وأن األنظمة السياسية والفلسفية تختار مفهومات مختلفة‪ .‬ولذلك البد من الحرص على االنطالق من الفئات التي‬
‫ــ خا ّ‬ ‫‪48‬‬

‫يستخدمها النص نفسه‪ ،‬عندما تكون ظاهرةً فيه‪.‬‬


‫ــ أي مجموع شفرات القيم‪.‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪26‬‬
‫الخاصة‪ :‬البد‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬من مالحظة تدخالته جميعها‪ ،‬واألحكام أو الدالالت اإليحائية التي يوظفها‬
‫ّ‬ ‫قـ َيـمـه‬

‫النص‪.‬‬

‫• ترتبط القيم ب ـأنظمة الفكر‪ ،‬التي بإمكانها التدخل بطريقتين‪:‬‬

‫ٍ‬
‫نصوص " ذات أطروحة "(يعني تلك التي تجعل غايتها الدفاع‬ ‫• باعتبارها موضوع القول‪ ،‬وخاص ًة في‬

‫عن أفكار أو مواقف أو معارضتها)‪ ،‬بحيث تكون أنظمة الفكر في قلب القول‪ ،‬سواء بطر ٍ‬
‫يقة مباشرٍة في‬

‫ٍ‬
‫تخييل ما؛‬ ‫حو ٍار فكري‪ ،‬أو بطر ٍ‬
‫يقة غير مباشرٍة من خالل لعبة‬ ‫ّ‬

‫باعتبارها وسيل ًة ( مضمرًة في الغالب ) إلدراك الواقع وتأويله؛ ويمكن أن يتعلق األمر بالنظام الفكري‬ ‫•‬

‫يتبنـاه المؤّلـف‪ ،‬أو بمختلف أنظمة الفكر التي تتقابل داخل النص نفسه‪ ...‬وعندما يكون من‬
‫الذي ّ‬

‫الضروري تمييز أنظمة الفكر التي ال تعلن عن نفسها بوضوح‪ ،‬البد من االنطالق من مجموع المؤشرات‬

‫نظام فكر ّي ما " طريق ًة في النظر‬


‫التي توفرها التحليالت السابقة‪ :‬تمثّـالت المجتمع والعالم‪ ،‬القيم‪ .‬ويش ّكل ٌ‬

‫غالبا ما يكون من الصعب تحديدها‪ ،‬عندما ال تكون واعية بذاتها‪ .‬لكن‬


‫نظر إيديولوجية ‪ً .‬‬
‫‪50‬‬
‫"‪ ،‬وجهة ٍ‬

‫إلقاء الضوء عليها يسمح بتحديد أحد أشكال النظر األكثر أهمية في النص‪ .‬ويسمح كذلك بوضع النص‬

‫داخل تاريخ األفكار والعقليات‪ ،‬وتقويم مطابقته ٍ‬


‫لتيار فكر ّي ما أو طريقة اختالفه عنه‪ ،‬أي أنه يسمح‬

‫ٍ‬
‫اضحة ظاهرٍة ‪ ...‬ويمكن أن‬ ‫ٍ‬
‫معطيات و‬ ‫بوضعه داخل التاريخ‪ .‬ويمكن أن يتحقق هذا األمر انطال ًقا من‬

‫ٍ‬
‫يكون هذا األمر بمعطيات من النوع ُ‬
‫المـض َـمـر‪...‬‬

‫ب ـ النص داخل المجتمع والتاريخ‪:‬‬

‫داخل المجتمع والتاريخ‪.‬‬ ‫النص‬ ‫ـشغـُلـها‬ ‫ٍ‬


‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫تأخذ هذه العناصر داللتها العامة في عالقة بالمكانة التي َي َ‬

‫صعبا‪ :‬وهذا ما يفرض بالفعل أن تكون لنا معرفة دقيقة‬


‫ً‬ ‫وغالبا ما يكون تحديد موقع النص بهذا الشكل ًا‬
‫أمر‬ ‫ً‬

‫ـ استند إلى تقنيات وجهات النظر المستخدمة في النص‪ .‬وقابل ذلك بالجانب السيكولوجي‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫‪27‬‬
‫غالبا ما تبقى ناقص ًة في هذا‬ ‫النص و بـاالستقبال الذي َيـتـَل َّـقـاه‪ .‬والحال ّ‬
‫أن المعلومات ً‬ ‫ّ‬ ‫وكافية ب ـ َتـ َك ُّـون‬

‫قابل للقراءة( ما عدا في بعض‬ ‫ٍ‬


‫شيء غير ٍ‬ ‫تحول النص إلى‬ ‫الموضوع‪ .‬ومع ذلك‪َّ ،‬‬
‫فإن مثل هذه الثغرات ال ّ‬

‫دائما بمعنى ما من المنظور السوسيو‬


‫الحاالت الخاصة‪ ،‬من مثل الرسائل الشخصية الخاصة)‪ ،‬وهو يحتفظ ً‬

‫غالبا دراسته‬
‫تكونه واستقباله ُي َـك ّـمـ ُـل ويضيء ً‬ ‫تاريخي‪ ،‬وربَّـما من خالل محتوياته نفسها‪َّ .‬‬
‫لكن معرف َة ّ‬

‫الداخلية‪.51‬‬

‫إن تكو َن النص يتعلق أوال بتاريخ وشروط تصوره‪ ،‬وتحريره‪ ،‬ونشره‪ .‬وتن ُ‬
‫ظر هذه الدراسة في طرائق‬ ‫• َّ‬

‫ممكنا‪ ،‬وفي المصادر والمناصات التي‬


‫ً‬ ‫اشتغال الكاتب الناسخ‪ ،‬وفي التنقيحات المتتالية إن كان ذلك‬

‫ط التواصل الذي يقصده( إخبار‪ ،‬وعظ‪ ،‬جدل‪،‬‬


‫نعرف نم َ‬ ‫ينتمي إليها‪ .‬وبالمثل‪ ،‬ال يخلو من ٍ‬
‫فائدة أن‬
‫َ‬

‫تسلية‪ ،‬الخ‪ ،).‬وأن نت عرف " الجنس " الذي ينتمي إليه‪ ،‬وأن نراقب ما إذا كانت قراءتنا للنص تنتمي‬

‫أفضل‪،‬‬ ‫دائما إلى هذا اإلطار نفسه‪ .‬وفضال عن ذلك‪ ،‬يمكن لدراسة التكون أن تسمح بأن نـدرك بطر ٍ‬
‫يقة‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫اجتماعية‬ ‫اهر‬
‫من خالل الوقائع التاريخية المؤكدة‪ ،‬ما هي الروابط التي يمكن أن يقيمها النص مع ظو َ‬

‫بعضا من مالمحها القابلة للمالحظة‪ ،‬وينبغي لنا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫وتيارات فكرية معاصرة أو سابقة‪ :‬فهو مع ذلك يحمل ً‬

‫أن نحرص ال على أن نراكم المعلومات في هذا الموضوع‪ ،‬بل على تحديد المعلومات المالئمة باالنطالق‬

‫من هذه القرائن ال نصية‪ .‬وبهذا يمكن أن نحدد موقع النص داخل حقل زمانه األدبي والثقافي‪.‬‬

‫• يسمح االستقبال الذي يلقاه النص عند صدوره بالحكم على المعنى الذي كان يحمله في زمانه‪ ،‬البعيد‬

‫أو القريب‪ ،‬وعلى الدالالت التي اعترف بها معاصروه‪ ،‬وقبلوها واستحسنوها أو رفضوها‪ .‬ويكشف‬

‫االستقبال دوَر األجناس واألشكال التي ينتمي إليها النص‪ ،‬ومطابقتها آلفاق انتظار الجمهور أو‬
‫ُ‬

‫المستقبـ ل‪ .‬كما يسمح بإدراك الصراعات بين التيارات الفكرية المختلفة وكيف ينخرط فيها النص‪ .‬وزد‬

‫ي حا ٍل‪ ،‬استخرج بعناية قرائن التلفظ والمحتويات الزمانية للنص‪.‬‬ ‫ــ فالتوثيق‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬ضرور ّ‬
‫ي جدًّا‪ .‬وعلى أ ّ‬ ‫‪51‬‬

‫‪28‬‬
‫ٍ‬
‫معلومات عن المجتمع الذي يحتل فيه النص مكا ًنا ما‪ ،‬وعن‬ ‫ـقدم‬
‫ط االستقبال وآثاره تُ ّ‬
‫أن شرو َ‬
‫على ذلك ّ‬

‫ثقافته‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بنصوص‬ ‫أيضا‪ ،‬عندما يتعلق األمر‬
‫أن نحدد موقع النص داخل التاريخ معناه أن نالحظ مصيره ً‬

‫حيـ ًة‬
‫كل النصوص التي ال نزال نقرأها تبقى َّ‬
‫طرح هو مسألة بقائه ‪ّ :‬‬
‫‪52‬‬
‫تنتمي إلى الماضي‪ .‬وأول ما ُي َ‬

‫ٍ‬
‫نسيان‪،‬‬ ‫ات‬
‫تتناوب فتر ُ‬ ‫ٍّ‬
‫مستقر‪ :‬يمكن أن‬ ‫غير‬ ‫ٍ‬
‫بشكل من األشكال‪ .‬لكن يمكن أن يكون هذا‬
‫َ‬ ‫البقاء َ‬
‫ُ‬

‫نجاح( إعادة نشره‪ ،‬إعادة توزيعه)‪ .‬وزد على ذلك أن القراءات التي أُنجزت‬ ‫ولحظات‬ ‫ٍ‬
‫اختفاء‪،‬‬ ‫ات‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وفتر ُ‬
‫ٍ‬
‫مختلفة بإمكانها أن تُ َح ّوله عن غايته وداللته األصلية‪ .‬فالمحيط الثقافي‪ ،‬عندما‬ ‫ٍ‬
‫لحظات‬ ‫حوله في‬

‫ٍ‬
‫دالالت جديدة؛ ومن الممكن أن تعرف‬ ‫لنص‬ ‫يَقوم‪ ،‬فإنه قد يثير تفسير ٍ‬
‫ات خاطئة ُمـبتَ َـك َـرة تمنح ا َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬

‫ظـرين‪.‬‬ ‫قر ٍاء غير ُمـن َ‬


‫ـت ًَـ َ‬ ‫المستهدف يكون التحول إلى َّ‬
‫َ‬ ‫فبدل المستقبـل‬
‫تداوليته تحويال‪َ ،‬‬

‫المهم أن نحدد‪ ،‬ما أمكن ذلك‪ ،‬صورة النص وطريقة استعماله في مختلف العصور‪ ،53‬والتأويالت‬
‫ّ‬ ‫من‬

‫التي خضع لها في النقد‪ ،‬أو ربَّـما في المطبوعات المدرسية‪ ،‬أو في إخراج ٍ‬
‫جديد بالنسبة إلى نصوص‬

‫نفهم هذا البقاء بالمعنى الذي يمتد إلى الزمن الحاضر‪.‬‬


‫المسرح‪ .‬وينبغي لنا أن َ‬

‫وموازاةً مع ذلك‪ ،‬البد من النظر في مستقبل النص وزمنه الالحق ‪.la postérité du texte‬‬

‫ويعني ذلك النظر في المكانة التي اتَّـخذها النص داخل التناصات‪ :‬ما إذا كان موضو َ‬
‫ع إعادات‬

‫تأثير على إنتاج‬


‫مارس ًا‬ ‫كتابة‪ ،‬وما إذا جرت محاكاته بطر ٍ‬
‫يقة مباشرٍة أو غير مباشرة‪ ،‬وما إذا‬
‫َ‬

‫النصوص أو على أشياء أخرى للتواصل منذ صدوره األول‪.54‬‬

‫كثيرا( عدد وأنماط طبعات النشر‪ ،‬التحيينات ‪.)...‬‬


‫ً‬ ‫ــ يتعلق األمر في المقام األول بتقويم هل هو مقرو ٌء قليال أو‬ ‫‪52‬‬

‫ــ يتعلق األمر‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬بمعرفة َمـن يقرأه ولماذا‪ ،‬وأخذ آفاق انتظار الجماهير بعين االعتبار‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫ــ ولنستحضر ترجماته‪ ،‬وتحييناته‪ ،‬واالقتباس منه‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫‪29‬‬
‫ج ـ الدالالت السوسيوتاريخية‪:‬‬

‫ط هو اآلخر في الحياة‬
‫النص‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬هو الذي يقترح صورًة ما عن المجتمع والتاريخ مع أنه منخر ٌ‬
‫إن َّ‬‫َّ‬

‫بعض الدالالت السوسيوتاريخية‪ .‬وهي تتعلق في الوقت ذاته‬


‫االجتماعية وحركة التاريخ‪ُ ،‬يـَق ّد ُم لقارئه َ‬

‫أيضا‪ .55‬وهكذا‪ ،‬يمكن النظر إلى‬


‫قرائه ومواقفهم ً‬
‫كل األنواع وبتاريخه‪ ،‬لكنها تتعلق بانتظارت َّ‬
‫بمحتوياته من ّ‬

‫النص باعتباره‪:‬‬

‫ٍ‬
‫معلومات عن مالمح اإليديولوجية أو‬ ‫وقائع اجتماعية وسياسية‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫معلومات عن‬ ‫• وثيق ًة تاريخي ًة‪ ،‬تُـق ّـدم‬
‫َ‬

‫العقلية‪..‬‬

‫ٍ‬
‫عصر ما‪...‬‬ ‫ف ما‪ ،‬أو ٍ‬
‫وسط ما‪ ،‬أو‬ ‫• أنه يرمز إلى القيم والمواقف الثقافية‪ ،‬عند مؤّلـ ٍ‬

‫ٍ‬
‫اصطالحات‪ 56‬يمكن أن يقبلها القارئ في الوقت الراهن‪ ،‬بشروطه الثقافية الخاصة؛‬ ‫• أنه يستخدم شفر ٍ‬
‫ات و‬

‫فالنص ُي َوّفر لعب ًة أو ميثا ًقا قد يحتفظ بمعنى ما عند القارئ وقد ال يحتفظ‪..‬‬

‫ــ ومن هنا أهمية المواقف التي يؤكدها النص‪ ،‬لكن من هنا كذلك أهمية المواقف التي كان هو نفسه موضوعها‪.‬‬ ‫‪55‬‬

‫ــ خذ بعين االعتبار تطور األجناس‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪30‬‬
‫الـفـصـل الـخـامــس‬

‫الص الـبـنـيــة‬
‫اســـتـخــ ُ‬

‫تنظيمه العام‪ .‬فالبحث في وحداته وفي المبادئ العامة التي تنتظمه هو‬ ‫نص ما‬ ‫تستهدف دراس ُة ِ‬
‫بنية ّ ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫موضوع هذه الطريقة في القراءة‪.‬‬

‫وتكون هذه الصيغ من التنظيم دال ًة‪:‬‬

‫ٍ‬
‫سلسالت من العالمات‪ ،‬فهي تركز‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬على الشبكة الداللية للنص؛‬ ‫ٍ‬
‫عالمات أو‬ ‫• ألنها تركز على‬

‫جدا‪ ،‬مطابقته األكثر أو األقل دق ًة لوضعية‬


‫النص شكال‪ ،‬من خالله تتقرر‪ ،‬بشكل واسع ً‬
‫• ألنها تمنح َّ‬

‫تواصلية‪ ،‬ولمعايير محددة‪ ،‬والنتظارات الجمهور‪ ،‬ولقوانين الجنس‪ ،‬الخ؛‬

‫• ألنها تُ َـشـ ّكـل أحد األشكال الضرورية التي من خاللها يجري تَ َـمـث ُـل الوقائع التي يقترحها النص‪ :‬قد يتغير‬

‫ٍ‬
‫بتعديل في النظام الذي من خالله جرى التلفظ بها‪.‬‬ ‫معنى المعلومات نفسها عندما نقوم‬

‫صيغ من التنظيم؛‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تركيب بين عدة‬ ‫مغلق‪ .‬وبنيتُـه العامة هي نتاج‬
‫ٌ‬ ‫شيء‬ ‫كل ّ ٍ‬
‫نص هو‬ ‫ومن هنا‪َّ ،‬‬
‫فإن َّ‬
‫ٌ‬
‫ويمكنها أن تكون ظاهرة أو مضمرة‪ ،‬وهذه من إحدى الصعوبات التي تكتنف هذه الدراسة‪ .‬ومن ٍ‬
‫جهة‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫أخرى‪ ،‬البد من النظر إليها منفصل ًة عند التحليل؛ ولكن بما أنها تُـشـ ّكـل كال( النص )‪ ،‬فالمقابلة بينها‬

‫ٍ‬
‫وصف‪ ،‬بل البد من استخالص مستلزمات هذه الصيغ‬ ‫ضرورية‪ .‬و ال ينبغي للدراسة أن تتحول إلى مجرد‬

‫من التنظيم وديناميتها‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫أ ـ التأليف‪:‬‬

‫التأليف ‪ 57‬هو نمط التنظيم الذي نعاينه بطريقة مباشرة‪ ،‬وهو التقطيع الظاهر الذي يوافق المواثيق والعادات‬

‫المشتركة بين الكاتب والقارئ‪.58‬‬

‫‪59‬‬
‫نجعل تقسيمـًا معيَّـنـًا للمحتويات وبعض التمفصالت‬
‫َ‬ ‫تيسير القراءة‪ ،‬وذلك بأن‬
‫ُ‬ ‫والغاية من هذا التقطيع هو‬

‫َّس هذا التقطيع في المدرسة‪ ،‬من خالل‬


‫وي َدر ُ‬
‫أمر قابال للمعاينة من خالل مظهر النص المادي نفسه‪ُ .‬‬
‫العامة ًا‬

‫فصل بالسبة إلى محطة‬


‫ٌ‬ ‫مبادئ الكتابة واإلنشاء( جملة بالنسبة إلى معلومة معينة‪ ،‬فقرة بالنسبة إلى فكرة‪،‬‬

‫من السرد أو من االستدالل‪ ،‬الخ‪ .).‬وأحيانا‪ ،‬قد تصاحبه‪ ،‬أي التقطيع‪ ،‬عناوين وعناوين فرعية توضح طريقة‬

‫ـص المعلومات األولى التي يتلقاها القارئ من النص‪ :‬للشكل‬


‫العرض‪ .‬ومن خالل هذا الفحص يجري َف ْـح ُ‬

‫المطبعي والمظهر المادي دالالت من الناحية التداولية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فهذه التقطيعات ال تكون ً‬
‫دوما مناسبة‬

‫ٍ‬
‫فصول‬ ‫للوحدات‪ .‬فقد يـحـدث أن يقوم مؤلّـف أو ناشر بتقطيع الحلقة نفسها أو االستدالل نفسه إلى فقر ٍ‬
‫ات أو‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬

‫العرض‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬ال يظهر إال جزئيا من خالل‬ ‫ٍ‬


‫عديدة‪ ،‬بغاية تَـهوية النص وجعله أكثر جاذبية للعين ‪ .‬فتنظيم َ‬
‫‪60‬‬

‫تأليف النص‪.‬‬

‫ـ الئحة مختزلة بأهم أقسام التأليف‪ :‬فقرات‪ ،‬فصول‪ ،‬أقسام‪ ،‬أجزاء‪ُ ،‬كـتُـب‪ ،‬مجلدات‪ ،‬بالنسبة إلى نصوص النثر؛ أبيات بالنسبة إلى‬ ‫‪57‬‬

‫القصائد؛ مشاهد‪ ،‬لوحات‪ ،‬أفعال‪ ،‬بالنسبة إلى المسرح‪.‬‬


‫ـ لنفكر في حالة النصوص التي تُـَق َّـدم في شكل دالئل مرجعية( المعاجم)‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫ـ يمكن استعمال الفهارس وفهارس المواد‪ .‬ولننتبه إلى معنى الكتاب ( المعنى السائد) ومعنى الكتاب باعتباره وحدة صناعية في لغة‬ ‫‪59‬‬

‫الطباعة‪ .‬وبالمثل‪ ،‬فعبارة حجم ‪ volume‬مصطلح تقني طباعي‪.‬‬


‫ّ‬
‫خروج للشخصية‪ ،‬لكن هذا التقطيع ال يجري احترامه دائما‪ :‬وفي الواقع‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫دخول أو‬ ‫وتبعا للتقطيع التقليدي‪ ،‬يتحدد المشهد بكل‬
‫ٍ‬ ‫ـ في المسرح‪ً ،‬‬
‫‪60‬‬

‫فوصول أو مغادرة ممثل ما ال تعني بالضرورة المرور من محطة إلى أخرى من األحداث‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ومن هنا ضرورة معالجة التقسيمات بما يناسب أنماط التنظيم( التي يمكن أن تكون مضمرة) القائمة على‬

‫أساس من معنى النص‪ ،‬ال على أساس ٍ‬


‫لعبة من االصطالحات المطبعية‪ .‬وهذا ما يفرض علينا أن نحدد‬ ‫ٍ‬

‫متواليات النص‪.‬‬

‫ب ـ المتواليات‪:‬‬

‫ـح ّـوله إلى خطاطة‪،61‬‬


‫إن تقطيع النص إلى متواليات َيـتـم دائما داخل القراءة‪ ،‬ولو كانت سريعة‪ .‬وبإمكاننا أن ُن َ‬

‫على الشكل اآلتي‪:‬‬

‫المتوالية الكبرى( النص )‬

‫المتوالية الثانية‬ ‫المتوالية األولى‬

‫متوالية صغرى أولى ‪ /‬متوالية صغرى ثانية‪..‬‬ ‫متوالية أولى صغرى ‪ /‬متوالية صغرى ثانية ‪..‬‬

‫يشكل النص في مجموعه متوالية كبرى‪ ،‬يمكن تقطيعها إلى متواليتين هي نفسها قابلة للتقطيع إلى‬

‫متواليات صغرى‪.‬‬

‫من الممكن أن تكون للمتواليات وظائف مختلفة‪ :‬في حالة المحكيات‪ ،‬يمكن أن تكون أحداثا فجائية أو‬

‫حلقات؛ وفي حالة الخطابات‪ ،‬يمكن أن يتعلق األمر بالحجج ـ المفاتيح‪ ،‬بتقدم أو باستطراد‪ .‬وفي هذه الحالة‬

‫النص حركـتَـه‪،‬‬ ‫أو تلك‪َّ ،‬‬


‫فإن تقسيم هذه المتواليات والوظيفة الخاصة المسنودة إلى كل واحدة منها يمنحان َّ‬

‫ٍ‬
‫خطاطة ما استخرجناه من النص من أجل أن ال يحصل خلط في ترتيب المتواليات‪.‬‬ ‫ـ من المفيد أن ُن َـدّون في شكل‬ ‫‪61‬‬

‫‪33‬‬
‫النصـي "‪ :‬إن الطريقة التي يرتبط بها بعض‬ ‫إيقاعـه العام‪ .‬ومن ٍ‬
‫تنكشف لعب ُة " اإلخراج ّ‬
‫ُ‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬فبهذا‬ ‫َ‬

‫المتواليات مع البعض اآلخر تَـخلق تأثيرات للمعنى تكون مهمة‪ :‬تسلسل بسيط‪ ،‬تضمينات‪ ،‬تعارضات‪،‬‬

‫توازيات‪ ،‬الخ‪.‬‬

‫ج ـ التنظيم الزماني و ‪ /‬أو المنطقي‪:‬‬

‫نادر ما يتزامن مع‬ ‫عناصر داخل التلفظ‪َّ .‬‬


‫لكن هذا الترتيب ًا‬ ‫َ‬ ‫تُـمثـل المتواليات هيكل ًة قائم ًة على تتابع‬

‫ترتيب الملفوظ‪ .‬وبهذا يكون من الضروري فحص التنظيم الزماني بالنسبة إلى المحكي‪ ،‬والتنظيم الزماني‬

‫بالنسبة إلى الخطاب‪ .‬ويمكن لإلثنين أن يكونا مندمجين‪.‬‬

‫ومن أجل دراسة التنظيم الزماني للمحكي‪ ،‬من المالئم أن نقارن بين مدة السرد ومدة الحكاية( أو‬

‫ٍ‬ ‫تمثل في شكل خطاطة‪ .63‬فنضع على خ ٍّ‬


‫ط محورٍّي متواليات ً‬
‫تبعا لترتيبها داخل‬ ‫التخييل)‪ .62‬ومن المفيد بناء ٍ‬

‫تيب األحداث‬
‫ثان تر َ‬ ‫تم تكريسه لها‪64‬؛ ونضع على خ ٍّ‬
‫ط محورٍّي ٍ‬ ‫السرد‪ ،‬مع اإلشارة إلى حجم النص الذي َّ‬

‫داخل الحكاية( أو التخييل)‪ ،‬مع إجراء مقارنات بين مدة كل واحدة والمدة اإلجمالية‪ .65‬وبعد ذلك‪ ،‬نشتغل‬

‫بالظواهر التي تفرض نفسها‪.‬‬

‫وبالنسبة إلى المحكيات التي تقوم بتسريع ترتيب التخييل‪ ،‬فإن المقارنة بين المدتين تكشف ما يسجله‬

‫النص‪ ،‬وما يلخصه أو يسكت عنه‪ .‬وفوق ذلك‪ ،‬فالمقارنة تكشف‪ ،‬انطال ًقا من الترتيب الذي يقدم به النص‬

‫ـ نحيل على صفحات سابقة من الكتاب‪.‬‬ ‫‪62‬‬

‫جردا دقيًقا ما أمكن ذلك للمؤشرات الزمانية( ظروف الزمان‪ ،‬أزمنة األفعال‪.)... ،‬‬
‫ـ من المفيد أن نقدم ً‬
‫‪63‬‬

‫ـ ستظهر بسهولة الدرجة التي تحتلها بالنظر إلى الحجم الكامل‪.‬‬ ‫‪64‬‬

‫أيضا‪.‬‬
‫ـ ال يحدد النص دائما معطيات زمان الحكاية‪ .‬والمعطيات التقريبية أو " البياضات " دالة ً‬
‫‪65‬‬

‫‪34‬‬
‫هاتين المدتين‪ ،‬نوع الروابط القائمة بين وقائع ال يمكنها كرونولوجيا إال أن تتتابع أو تحدث بطريقة متزامنة‪.66‬‬

‫ونقوم بعد ذلك باستخراج ما يبدو أنه الخاصية المهيمنة على التنظيم الزماني‪.‬‬

‫فإن ما يهم‬ ‫ٍ‬


‫تخييل( بعض الخطابات‪ ،‬بعض القصائد)‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫حكاية أو‬ ‫أي‬
‫وفي حالة النصوص التي ال تضم َّ‬

‫ٍ‬
‫عنصر والحصة التي فاز بها داخل‬ ‫هو تنظيمها المنطقي‪ .‬وعندئذ‪ ،‬فالمالئم هو التركيز على موقع كل‬

‫النص‪.‬‬

‫وبالنظر إلى تقطيع المتواليات‪ ،‬فإننا سنحاول أن نعرف إ ًذا نوع الرابط المنطقي( بمعناه الواسع) الموجود‬

‫ٍ‬
‫باستدالل‬ ‫بينها‪ ،‬وأن نستخرج المنطق المهيمن في النص‪ .‬وبهذا‪ ،‬ستتشكل خطاطة‪ :‬إذا كان األمر يتعلق‬

‫بطريقة متو ٍ‬
‫اصلة‪ :‬مش ّكـل ًة بذلك َّ‬
‫ملخـصـًا للنص‪.‬‬ ‫‪67‬‬ ‫ٍ‬
‫كامل‪ ،‬فإن سلسلة الحجج تترتَّـب على المحور المنطقي‬

‫ٍ‬
‫سابقة‬ ‫ٍ‬
‫صفحات‬ ‫العرض‪(.‬نحيل على‬ ‫وإال َّ‬
‫فإن بياضات أو تغييرات في المستويات ستظهر‪ ،‬لتكشف تحوالت َ‬

‫العـرض داخل الخطاب)‪.‬‬


‫بخصوص مختلف أنماط تنظيم َ‬

‫ٍ‬
‫مالحظات تهم االختيارات‬ ‫يدفع إلى‬
‫يسمح تحليل التنظيم الزماني أو المنطقي‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬بوصف النص‪ ،‬لكنه ُ‬

‫التي يجريها هذا األخير في تمثالته للواقع‪.‬‬

‫ٍ‬
‫انتقاءات دالة هي التي تنكشف من خالل مختلف صيغ الحجاج والتنظيم الممكنة‬ ‫وفي ٍ‬
‫مكان آخر‪ ،‬فإن‬

‫داخل الخطاب‪.‬‬

‫د ـ التنظيم الموضوعاتي‪:‬‬

‫ـ نحيل على صفحات سابقة من الكتاب بخصوص االلتباسات الممكنة بين النتيجة والتتابع‪.‬‬ ‫‪66‬‬

‫ـ هذا في الخطاب ما يعادل محور زمن الحكاية داخل المحكي‪.‬‬ ‫‪67‬‬

‫‪35‬‬
‫ـبر مبادئ التنظيم السابقة‪ :‬يتعلق األمر بـالتنظيم‬
‫هناك مبدأ آخر في التنظيم يمكن أن يأتي َع َ‬

‫ويـتـم تحليل هذا األخير انطالقـًا من الموضوعات كما تظهر داخل النص( يعني‬
‫الموضوعاتي للنص ‪َ .‬‬
‫‪68‬‬

‫انطالقـًا من التشاكالت الكبرى)‪ .‬وعلينا‪ ،‬هنا أيضـًا‪ ،‬استخراج الموضوعات ـ المفاتيح في النص‪ ،‬وذلك من‬

‫ٍ‬
‫سلسالت َه َـرمـيَّـة‪ ،‬كما هو األمر بالنسبة إلى‬ ‫أجل تحديد حوافزها( وفي هذه الحالة‪ ،‬يستحسن بناء‬

‫المتواليات)‪ .69‬وتساهم الموضوعات‪ ،‬بظهورها المتكرر‪ ،‬في ضبط إيقاع مدة النص‪ .‬لكنها تعمل باألخص‬

‫على التقريب بين عناصر‪ ،‬في الكرونولوجية أو العرض‪ ،‬تكون بعيدة عن بعضها البعض‪ .‬وبهذا نصل إلى‬

‫السؤال عن الطريقة التي تتوزع بها هذه العناصر داخل النص‪ .‬وهذا ينطبق على كل النصوص‪ ،‬السردية‬

‫طـابية‪ ،‬وله أهمية خاصة في النصوص الشعرية‪ :‬وبالفعل‪ ،‬فإن لعبة اإليقاعات واألجراس هي التي‬
‫أو الخـ َ‬

‫تَـخلق حوافز داللية‪ .70‬وهكذا ‪ ،‬فالتنظيم الموضوعاتي يستطيع أن يقيم روابط مختلفة مع البنيات الزمانية‬

‫والمنطقية( مثال‪ :‬تكامل أو تعارض)‪.71‬‬

‫ٍ‬
‫نصوص حيث الخاصية المهيمنة تكون‬ ‫دور جوهرّيـًا في دراسة‬ ‫َّ‬
‫إن تحليل البنيات الموضوعاتية يؤدي ًا‬

‫مؤس ٍ‬
‫ـسة على‬ ‫ٍ‬
‫مجموعات َّ‬ ‫داخل‬ ‫ٍ‬
‫عالمات‬ ‫اج‬
‫َ‬ ‫خـطابية أو شعرية‪ :‬ذلك أن بإمكان الطريقة التي يتـم بها إدر ُ‬

‫تكشف الدينامية العميقة‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫عالقات أخرى غير نظام التسلسل أن‬
‫َ‬

‫ي ـ مستلزمات صيغ التنظيم‪:‬‬

‫البد من إجراء ٍ‬
‫تقابل بين مختلف هذه التحليالت ( ونتائجها ) من أجل استخراج مستلزمات صيغ التنظيم‪.‬‬

‫ـ في الحالة المناسبة‪ ،‬يمكن أن يكون ترتيب التحليل بين الزماني والموضوعاتي معكوسا‪.‬‬ ‫‪68‬‬

‫ـ بالنسبة إلى جرد الموضوعات‪ ،‬يمكن اللجوء إلى الحقول المعجمية وقائمة التشاكالت‪.‬‬ ‫‪69‬‬

‫ـ ينبغي لنا أن نأخذ بعين االعتبار كل مظاهر النص‪.‬‬ ‫‪70‬‬

‫ـ يمكن اعتبار الـزمان والفضاء موضوعتين من بين موضوعات أخرى؛ وهنا البد من تمييزها عن التنظيم الفضائي ـ الزماني بوصفه‬ ‫‪71‬‬

‫مبدأ بنيويا‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫والبد لهذه المحطة النهائية من هذه الطريقة المنهجية أن تحدد على األخص‪:‬‬

‫المضم َـرة‪ُ :‬أي َـع ّـبـر التأليف عن البنيات الفعلية للنص؟ أم‬
‫َ‬ ‫• العالقة بين البنية الظاهرة( التأليف ) والبنيات‬

‫أنه وسيلة تسمح بإخفائها؟‬

‫• العالقات التي تقوم بين مختلف صيغ التنظيم ونوع البنية المهيمن‪.‬‬

‫خاصـًا‪ :‬تسلسل بسيط‪ ،‬تضمين‪ ،‬تأطير‪ ،‬تناوب‪،‬‬


‫النص شكال ّ‬
‫المقترح الذي يمنح َّ‬
‫َ‬ ‫تم مبدأ الترتيب‬
‫• ومن َّ‬

‫تعارض‪ ،‬تناقض‪ ،‬رصد مرآوي‪ ،‬تقابل‪...‬ويمكن الجمع بين هذه المبادئ التنظيمية‪ .‬ومن الممكن أن‬

‫نؤكد أو ننفي ( وجود) الخاصية المهيمنة الظاهرة( سردية‪ ،‬خـطابية‪ ،‬شعرية)؛ بل ومن الممكن‬

‫ٍ‬
‫باستنباط‬ ‫خطاب‬ ‫خطاب إقرار ّي أو‬ ‫آوي‪ ،‬غير مكتمل‪ ،‬الخ‪.‬؛‬ ‫تخصيصها‪ :‬محكي َس ٍـطـر ّي‪ُ ،‬مـتقـ ّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫طـع‪ ،‬مر ّ‬

‫متواصل‪ ،‬الخ‪.‬؛ قصائد سردية أو قصائد قائمة على األلعاب الصوتية أو التك اررات‪ ،‬الخ‪.‬‬

‫وهكذا‪َّ ،‬‬
‫فإن دراسة البنيات تسمح‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬بتحديد عناصر الواقع التي يسلّـط عليها النص أضواءه أو التي‬

‫سنـدرك التأثيرات الجمالية‬ ‫ٍ‬


‫ُيـخفيها ويمتنع عن إظهارها‪ ،‬وتحدد بدقة العالقات القائمة بين هذه العناصر‪ .‬وبهذا ُ‬

‫الناتجة عن هذه البنيات( بمعناها الحصر ّي‪ :‬تأثيرات األشكال على الذهن واإلحساس) ال بوصفها تزيينات‬

‫أو ترتيبات ثانوية أو مجانية‪ ،‬بل بوصفها الوسائل التي من خاللها‪ ،‬هي نفسها‪ ،‬تكون هذه العالقات الموجودة‬

‫بين مختلف هذه العناصر قابلة لإلدراك عند القارئ‪.‬‬

‫نفسـها على‬
‫تتقرر من خالل تنظيم النص‪ ،‬وتسعى إلى أن تفرض َ‬
‫إنها‪ ،‬في المجموع‪ ،‬رؤيةٌ للواقع َّ‬

‫القارئ‪ :‬بمثل هذه المنهجية في الدراسة‪ ،‬وبإدراك تشكالتها البنيوية‪ ،‬نحمي القارئ من القراءة المضطربة‪،‬‬

‫قادر على أن يتخذ موقفـًا من المضمرات ومن الميثاق الذي‬


‫الخاضعة إلجراءات ال يدركها بوضوح‪ ،‬ونجعله ًا‬

‫يقترحه عليه النص‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫الــفــصــل الــســادس‬

‫ف األســلــوب‬
‫ـــر ُ‬
‫ــع ُّ‬
‫َت َ‬

‫نص ما اللغ َة‪ .‬ويخضع هذا االستخدام‬


‫ترمي دراسة األسلوب إلى النظر في الطريقة التي يستخدم بها ٌّ‬

‫وهدف الدراسة هو تحديد هذه وتلك‪ .‬وبهذا‬ ‫ٍ‬


‫لشبكة من القيود؛ لكنه يعكس مجموعة من االختيارات أيضـًا‪.‬‬
‫ُ‬

‫تعتبر األسلوب " لغة‬


‫َ‬ ‫تنحصر الدراسة في فحص الصور البالغية‪ .72‬وفضال عن ذلك‪ ،‬فهي لن‬
‫َ‬ ‫إ ًذا لن‬

‫بهاء إضافيـًا‪ :‬تحدد الدراسة كـل مصادر التعبير التي يستخدمها النص‪ ،‬فهي‬
‫يينا أو ً‬
‫جميلة " تمنح النص تز ً‬

‫ٍ‬
‫فحص للجزئيات‪،‬‬ ‫األمر يقتضي في الغالب إجراء‬
‫َ‬ ‫كلها دالَّـة‪ .‬وبهذا‪ ،‬يكون موضوع الدراسة واسعـًا‪ .‬وألن‬

‫فإن إحدى الصعوبات تكمن في الربط بين الجزئي والعام‪ ،73‬وخاصة في النصوص الطويلة‪ .‬وتتجلى‬

‫الصعوبة الثانية في التمييز الضرور ّي بين السمات التي تعود إلى القواعد أو التقاليد( معايير لسانية‬

‫وجمالية)‪ ،‬واالختيارات الجديدة المفترضة التي يقدمها النص‪ :‬ويقتضي هذا األمر توثيق حاالت اللسان و‬

‫وغالبا ما تكون غير مكتملة‪ .‬وتتعلق الصعوبة‬


‫ً‬ ‫" قوانين األجناس" التي ال يكون من السهل ً‬
‫دائما النفاذ إليها‬

‫الثالثة بالحمولة اإليديولوجية والعاطفية( إيديولوجية مؤّلـف ما‪ ،‬أو إيديولوجية وسطه االجتماعي أو ثقافته)‬

‫وغالبا ما يكون من الصعب تقييمها‪ .74‬ومن هنا‪ ،‬البد لهذه المنهجية في‬ ‫ٍ‬
‫بعمليات أسلوبية‪،‬‬ ‫التي ترتبط‬
‫ً‬

‫القراءة من االنتباه اليقظ إلى الجزئيات التي تبدو تافهة‪ .‬ويبقى أن األسلوب هو الذي عن طريقه يستميل‬

‫العديد من تأثيرات المعنى‪.‬‬


‫َ‬ ‫النص القارئ‪ ،‬وهو الذي يحدد في نهاية األمر‬

‫ـ الطرائق البالغية حاضرة في كل النصوص‪.‬‬ ‫‪72‬‬

‫ـستحسـن فحص‬ ‫ئي للمقاطع موضوع التحليل‪ .‬وعند االختيار‪ُ ،‬ي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عيـنات"‪ ،‬أي إجراء تحليل جز‬
‫ٍّ‬ ‫ـ وفي هذه الحالة‪ ،‬البد من النظر في " ّ‬
‫‪73‬‬
‫َ‬
‫بداية النص( حيث يتأسس ميثاق القراءة) ونهايته‪ ،‬وجميع المقاطع التي تناسب التحوالت األساس‪ .‬لكن الوجود لقواعد‪ ،‬ومن األفضل‬
‫العيـنات‪.‬‬
‫اإلكثار من ّ‬
‫ـ ومن الصعب تقييم عاطفة القارئ أيضا‪ .‬والبد من المقابلة بين التحليالت السيكولوجية والسوسيولوجية خالل الدراسة‪.‬‬ ‫‪74‬‬

‫‪38‬‬
‫أ ـ معايير وتقاليد‪:‬‬

‫ـخضع لها‪.‬‬ ‫ـف بواسطة معايير وتقاليد البد أن َي‬ ‫إطار من قواعد التعبير‪ ،‬فهو َّ‬ ‫يؤخـذ كل ّ ٍ‬
‫نص في ٍ‬
‫َ‬ ‫مؤل ٌ‬‫َ‬ ‫َ‬

‫قيدا من طرف من يستعمله للتعبير‪ :‬يبدو استعمال اللسان‬


‫ـدرك المعيار اللساني بالضرورة بوصفه ً‬
‫• ال ُي َ‬

‫الحال أنه يفرض طريقة معينة في قول الحقائق‪ .‬وبالنسبة إلى القارئ‪ ،‬فـثـق ُـل هذه‬
‫أمر طبيعيـًا‪ .‬و ُ‬
‫كما هو ًا‬

‫غالبا ما ال يلتفت إلى الظاهرة عندما‬ ‫ٍ‬


‫نصوص قديمة‪ ،‬لكنه ً‬ ‫القيود يبدو واضحـًا عندما يجد نفسه أمام‬

‫ط‬ ‫في ّ ٍ‬
‫نص ما احتيا ٌ‬ ‫‪75‬‬
‫يكون أمام نص بلغة قريبة أو مشابهة للغته‪ .‬وه ّكا‪ ،‬فإن تحديد حالة اللسان‬

‫نحيل عليها باستمر ٍار على‬


‫َ‬ ‫نسمـيها‪ :‬من الضروري أن‬ ‫ضرور ٌّي‪ .‬وال يكفي أن َ‬
‫نع ّـي َـن حالة اللسان وأن ّ‬

‫طول الدراسة من أجل تقييم صحيح لمختلف عمليات التعبير قيد المالحظة( وقبل ذلك‪ ،‬البد من فهم‬

‫صحيح للكلمات والجمل)‪.‬‬

‫• المعيار الجوهر ّي الثاني هو الشعرية التي ينتمي إليها النص‪ .‬فكل نص إال َ‬
‫ويـصدر عن شعرية ‪ :76‬في‬

‫النصوص األدبية التي تنطبق عليها بطريقة تمييزية‪ ،‬ولكنها تنطبق أيضا على البطاقة الشخصية‪ ،‬الرسالة‬

‫حب‪ ،‬الخ‪ ،.‬فلهذه هي األخرى تقاليدها وأشكالها الضرورية‪ ،‬الظاهرة أحيانا‪ ،‬والضمنية في‬
‫الرسمية‪ ،‬رسالة ّ‬

‫قيودا‪ :‬هناك في المرتبة األولى " قوانين " الجنس‪ :‬هناك نمط متداول من الرسالة‬
‫الغالب‪ .‬والشعرية تفرض ً‬

‫الرسمية‪ ،‬إلى حد أنه من الممكن أن نوّفـر منها نماذج‪ ،‬والبد للمأساة الكالسيكية أن تتألف من خمسة‬

‫فصول من البحور الشعرية الطويلة‪ ،‬الخ‪ .‬ولكنها تشترط وجود تقاليد وشفرات تعفي الكاتب من البحث عن‬

‫صيغ جديدة أو صيغ مالئمة بطريقة دقيقة‪ :‬تكون صيغ التأدب في نهاية الرسالة الرسمية‪ ،‬مثال‪ ،‬مقننة ً‬
‫تبعا‬

‫لتراتبية المتخاطبين‪ ،‬وتبقى جامدة مسكوكة كيفما كان محتوى الرسالة‪ .‬وهذه التقاليد هي التي تحدد معايير‬

‫ـ البد من توثيق‪ ،‬ولو في درجته الدنيا‪ ،‬لحاالت اللسان‪.‬‬ ‫‪75‬‬

‫ـ وهنا البد من أخذ " السجالت " بعين االعتبار‪.‬‬ ‫‪76‬‬

‫‪39‬‬
‫المحتمل داخل‬
‫َ‬ ‫ما نعتبره‪ ،‬في عصر ما‪ ،‬شيئـًا جميال أو مقبوال على األقل‪ .‬وهي تحدد على الخصوص‬

‫التعبير‪ :‬فمثال‪ ،‬كان البحر الطويل في المسرح الكالسيكي يـعتبـر‪ ،‬بالتقليد‪ ،‬صورة( مـع َّ‬
‫ـظ َـمـة بالتأكيد) للحوار‬ ‫ً َُ‬ ‫ُ َ‬

‫بين أناس صادقين نزهاء‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن النص ُيـقيم‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬من خالل الطريقة التي يوجد بها داخل شعرية ما‪،‬‬

‫ٍ‬
‫بجمهور ما وبآفاق انتظاره‪ .‬وهنا أيضـًا‪ ،‬البد من أن نحاول القيام بتقييم متواصل ل َـمـا‬ ‫نوعـًا من العالقة‬

‫جديدا‪.‬‬
‫ابتكار ً‬
‫ًا‬ ‫يطابق التقاليد‪ ،‬وما يمكن اعتباره‬

‫• َّ‬
‫إن ميثاق القراءة الذي يقترحه النص على قارئه يتعلق‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬في جزء كبير منه‪ ،‬بالنسبة إلى جانبه‬

‫األسلوبي‪ ،‬بهذه المعايير والتقاليد‪ .‬ذلك أنه من داخل جزئيات التعبير يشير كل ّ ٍ‬
‫نص إلى الكيفية التي يتحدد‬

‫بها بالنظر إلى هذه المعايير والتقاليد‪ ،‬وتبعـًا للغايات التي يستهدفها‪.‬‬

‫ـفرض‬
‫وبتعيين ميثاق القراءة‪ ،‬يتحدد النص معياريـا من تلقاء ذاته‪ :‬فانطال ًقا من التقاليد والمعايير التي تُ َ‬

‫علي النص من الخارج من خالل وضعيته داخل الثقافة‪ ،‬تتحدد القيود والتقاليد التي ستكون من خصائصه‬

‫والبد للقارئ من القبول بها إذا أراد الفهم والتذوق‪ .‬وقد يكون من الضروري أن نقوم بتحليل هذا المعيار‬

‫الخاص بالنص‪ ،‬وأن نحتفظ له‪ ،‬على طول القراءة‪ٍ ،‬‬


‫بأثر في الذاكرة‪.77‬‬

‫ب ـ اختيارات الكتابة‪:‬‬

‫لكن ميثاق القراءة ليس إال برنامجا لالنطالق‪ ،‬شيئا جنينيا في كتابة النص‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬يقوم هذا األخير‪،‬‬

‫على طول عرضه‪ ،‬باستعمال عناصر الكتابة‪ُ ،‬م َـد ّعـمـًا أو ُمـ َـعـ ّـدال معطياتها األولية‪ ،‬من خالل مجموعة من‬

‫التي يستخدمها من أجل تحقيق الغايات( التأثير على القارئ) التي يرمي إليها‪.‬‬ ‫‪78‬‬
‫اختيارات الكتابة‬

‫المدونة بهذا الخصوص تتحدد شيئا‬


‫فهم هذا المعيار ينمو على طول التحليل‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فصياغة المالحظات َّ‬
‫ـ وربما في شكل مكتوب‪ .‬لكن َ‬
‫‪77‬‬

‫فشيئا‪.‬‬
‫ـ وهذه االختيارات متعددة‪ .‬والبد من أن نأخذ بعين االعتبار أن جنسًا ما بإمكانه أن يفرض معجما معينا‪ ،‬أو شكال ثابتا‪ ،‬أو أن يؤثر في‬ ‫‪78‬‬

‫التركيب‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫• أوال‪ ،‬تمكن مالحظة هذه االختيارات داخل المعجم والتركيب ومستويات اللسان‪ .‬وعند فحصها‪ ،‬البد‬

‫من أن نبرز‪:‬‬

‫‪ -‬بالنسبة إلى المعجم‪ ،‬امتداده وتنوعه‪ ،‬وحقوله المعجمية المفضلة‪ ،‬وربما تكرار بعض الكلمات أو بعض‬

‫اإليحاءات؛‬

‫‪ -‬أن مستوى اللسان الذي يستعمله النص‪ ،‬وهو مرتبط مباشرة بالمعجم والتركيب‪ ،‬يشير إلى نوع من العالقة‬

‫بالجمهور‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فإن مستوى اللسان إال إحدى الوسائل الممكنة التي تسمح للمتكلم بأن َّ‬
‫يدل على‬

‫ٍ‬
‫موقف ما؛ فهو إذن عالمة اجتماعية وثقافية‪.79‬‬

‫صنف ٍ‬
‫ثان من اختيارات الكتابة‪ ،‬ويتجلى في طرائق العرض التي يستخدمها النص‪ .‬ونصيبه من‬ ‫ٌ‬ ‫• وهناك‬

‫احترام الصيغ‪ :‬السردية بالمعنى الحصري( التي تقوم على أفعال الحدث)‪ ،‬والوصفية( أفعال وصفية)‪،‬‬

‫واإلق اررية‪ ،‬والتداولية؛ وطريقته في توزيع صيغ االستشهاد( أسلوب مباشر‪ ،‬غير مباشر‪ ،‬غير مباشر‬

‫حر)‪ ،‬يؤثران في مقاربته لمرجعياته وسياقاته‪ ،‬وفي عالقته بالمستقبـل‪.‬‬

‫جردا وأن نقيم تراتبية‪ .‬بل البد من ربط ذلك‬


‫وال يكفي‪ ،‬بخصوص مختلف هذه الصيغ‪ ،‬أن نضع ً‬

‫بمشير ٍ‬
‫ات إلى وجهات النظر‪ ،‬وبتدخالت السارد أو المؤّلف‪ ،‬وبخاصية النص المهيمنة السردية‬

‫أو الخـطابية أو الشعرية‪ ،‬التي يمكن أن تعززها أو تعاكسها‪.‬‬

‫ـ عندما تكون مستويات اللسان المستعملة عديدة‪ ،‬فال يكفي جردها في قائمة‪ :‬البد من أن نفحص متى وكيف ولماذا تتركَّـب‪ .‬والبد أن نقابل‬ ‫‪79‬‬

‫بينها من المنظور السوسيولوجي‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫• ومن الممكن أن يتجلى الصنف الثالث من االختيارات في استعمال الطرائق البالغية‪ .‬وهي تهم باألخص‬

‫يبتكر طرائقه الخاصة‪،‬‬ ‫كل ّ ٍ‬


‫نص أن َ‬ ‫استعمال " الصور "‪ ،‬ونصيب الوظيفة الشعرية للغة‪ .‬لكن بإمكان ّ‬

‫وأن يستخدم بطريقته الخاصة الموارد البالغية‪.80‬‬

‫كل توجهات اللغة داخل‬ ‫وهكذا‪َّ ،‬‬


‫فإن تحليل اختيارات الكتابة ال يستهدف‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬أن نأخذ بعين االعتبار َّ‬

‫النص( وفضال عن ذلك‪ ،‬فهذا موضوع دراسة لسانية)‪ ،‬وال حتى أن نقوم بوصف الطرائق المبتكرة فقط‪.‬‬

‫فالبد للتحليل أ ن يعمل على إبراز ما يخصص النص‪ ،‬وأن يبحث عن دالالت اختيارات الكتابة وغاياتها‪.‬‬

‫ويفترض تركيب هذه المالحظات( بخصوص القيود واالختيارات) أن نقوم بتقييم نصيب النص من‬

‫االبتكار أو نصيبه من احترام المعايير والتقاليد؛ وبعبارٍة و ٍ‬


‫احدة‪ :‬إما أن النص يقوم باستكمال البرنامج‬

‫األولي الذي انطلق منه‪ ،‬وإما أنه يقوم بتعديالت على طول الصفحات‪.81‬‬

‫ج ـ األسلوب ورهانات النص‪:‬‬

‫وهذا ما يسمح بتقييم العالقة بين األسلوب ورهانات الكتابة‪.‬‬

‫• عالقة األسلوب بالمستقـ ِبـل هي أول هذه الرهانات‪ .‬ويتعلق األمر بتحليل الدور الذي يؤديه األسلوب داخل‬

‫ـارس على القارئ‪ .‬أكان منشغال بتزيين القول‪ ،‬أم بمفاجأة‬ ‫ٍ‬
‫الم َـم َ‬
‫النص‪ ،‬في عالقة بالموضوع المعاَلـج وبالتأثير ُ‬

‫القارئ أم باإللحاح على بعض جوانب الملفوظ؟ أم أنه كان جزًءا‪ ،‬أو األصح الـجزء الجوهري في النص(‬

‫وفي هذه الحالة‪ ،‬بإمكان هذا األخير أن يتميَّز بالدور المهيمن الذي يؤدبه الشعر ّي في داخله)؟ وتبعـًا‬

‫ٍ‬
‫مختلفة‪،‬ال داللة األسلوب‬ ‫للجواب الممكن عن مختلف الفرضيات‪ ،‬يكون من الممكن أن نـدرك بطر ٍ‬
‫يقة‬ ‫ُ َ‬

‫ـ نحيل على صفحات سابقة من الكتاب‪.‬‬ ‫‪80‬‬

‫العينات‪ :‬البد من قراءة تنتبه إلى المجموع‪ ،‬والبد من مراجعات‬


‫ـ ال ينبغي لنا‪ ،‬بخصوص النصوص الطويلة‪ ،‬أن ننحصر في بعض ّ‬
‫‪81‬‬

‫ٍ‬
‫صفحات معدودة‪.‬‬ ‫متكررة‪ ،‬حتى عندما ينحصر التحليل في‬

‫‪42‬‬
‫ات اإليقاع‪ ،‬والصور الناتجة عن لعبة الوجوه البالغية ( ربما‬
‫فحسب‪ ،‬بل وداللة النص في مجموعه‪ .‬فتأثير ُ‬

‫)‪ ،‬والنبرة‪ 82‬العامة للنص‪ ،‬كلها ستكون إما تكرًا‬


‫ار للمحتويات‪ ،‬أو وقائع دالة في حد ذاتها؛ وفي كل األحوال‪،‬‬

‫فإنها ستكون عبارة عن موّل ٍ‬


‫دات من التشاكالت حيث تتحدد الدالالت الجوهرية للنص‪.‬‬

‫نص إال ويأتي محموال‪ ،‬ولو بطريقة‬


‫• لكن البد من النظر في العالقة بين األسلوب والرؤية للعالم‪ .‬فكل ّ‬

‫ٍ‬
‫بشكل واسع‪ ...‬وهي تطابق رؤية للعالم(‬ ‫الواعية‪ ،‬بقي ٍم اجتماعية وعاطفية‪ .83‬وهي التي يستخدمها اإلشهار‬

‫تخييلي‪ ،‬وفي المسرح باألخص‪ ،‬ال ترتسم‬ ‫لمؤّلف ما‪ ،‬أو تيار فكري‪ ،‬أو وسط اجتماعي‪)...‬؛ ففي ّ ٍ‬
‫نص‬
‫ٍّ‬
‫نفسية الشخصيات وأساطيرها( وال شيء يتغير في الجوهر سواء أكانت نمطية أو مبتكرة)‪ 84‬إال من خالل‬

‫أسلوب أقوالها‪.‬‬

‫لكن القارئ بإمكانه أن يراقب هذه الطرائق‪ ،‬وأن يكتشف أو يحلل اإليقاع‪ ،‬والصور‪ ،‬والنبرة‪ ،‬من دون‬

‫أن تستميله؛ أو بالعكس بإمكانه أن ينخرط في لعبتها على طول القراءة‪ .‬فاألسلوب هو إحدى الوسائل‬

‫المفاتيح للتأثير الذي يمارسه النص على مستقبـلـه‪.‬وكلما أدركنا نسيجه إال وساعد ذلك على تذوقه؛ أو أن‬

‫أسلوب وقارٍئ تتحدد أساسا بالنظر إلى أحاسيس‪ ،‬هي‬


‫ٍ‬ ‫مرفوضا‪ .‬لكن العالقة بين‬
‫ً‬ ‫يفسر بالعكس لماذا كان‬

‫في الوقت نفسه سمات فردية ومنتوجات وسط ما أو ثقافة ما‪ .85‬وهنا تتحدد حدود هذه المنهجية( يمكن أن‬

‫نحلل أسلوبا‪ ،‬لكن هذا ال يحدد مع ذلك آثاره على القارئ) بل وامتداداتها الممكنة( أبحاث في رؤى العالم‬

‫أو في الثقافة التي تحمل بصمتها)‪.‬‬

‫ـ وهي دائما صعبة التحديد‪ .‬نحيل على صفحات سابقة من الكتاب‪.‬‬ ‫‪82‬‬

‫‪ 83‬ـ ومن هنا ضرورة التوثيق‪ .‬لكن ال ينبغي لنا أن نتخذ التوثيق كأنه شيء مسلَّ ٌم به مسبقا‪ :‬فالنص هو نفسه يشير إلى موقفه( من خالل الحقول المعجمية‪ ،‬واألالعيب التركيبية‪،‬‬
‫وعالمات التلفظ‪.)...‬‬
‫ـ البد من المقابلة بينها من منظور نفسي واجتماعي‪ .‬والبد أن نأخذ بعين االعتبار أقوال الشخصيات وموقعها داخل الحدث‪ ،‬ودورها بوصفها قوى فاعلة‪.‬‬ ‫‪84‬‬

‫ـ ينبغي لنا‪ ،‬على األخص‪ ،‬أن نتجنب المعاني العكسية الناتجة عن تقدير خاطئ للتقاليد( مثال‪ ،‬أن نعتبر لغة‪ ،‬كانت " متوسطة " في‬ ‫‪85‬‬

‫عصرها‪ " ،‬نبيلة "‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫الــفــصــل الــســابــع‬

‫الـمـقــابــلــة بـيـن الــقــراءات‬

‫أ ـ مبادئ‪:‬‬

‫المستخد َمة داخل ّ ٍ‬


‫نص ما‪.‬‬ ‫َ‬ ‫تعمل مختلف منظورات القراءة المتعددة على إبراز مختلف أنظمة الحقائق‬

‫ٍ‬
‫تأويالت لمجموع النص‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫دالالت‪ ،‬وتجنّ ُـد‬ ‫وتكشف‬ ‫إضاءة للنص‪،‬‬ ‫تقدم‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫فكل واحدة من هذه الطرائق المنهجية ّ‬

‫لكنها ال تقصي بعضها البعض‪ :‬بالعكس‪ ،‬فالنص يش ّكـل كال‪ .‬ومن الضرور ّي إ ًذا أن نجري مقابلة بين‬

‫مختلف طرائق القراءة‪ ،‬وأن نجعلها تمارس االنتقاد بصورة متبادلة‪ .‬وهذا ما يسمح بأن نفحص ما إذا كانت‬

‫اختيار‬
‫ًا‬ ‫نتائجها متوافقة‪ ،‬وأن نباشر في الوقت نفسه‪ ،‬انطالقا من التأويالت التي قدَّمتها كل طريقة منهجية‪،‬‬

‫نقديـًا على النص‪.‬‬


‫شموليـًا وحكمـًا ّ‬
‫ّ‬ ‫تأويليـًا‬
‫ّ‬

‫وهكذا‪ ،‬فالمقابلة محطة حاسمة( فيها تُـتَّـخذ الق اررات)‪ .‬ويختلف محتواها تبعـًا للنصوص وتبعـًا لنتائج‬

‫اختيار تأويليا وحكمـًا معينـًا)‪.‬‬


‫ًا‬ ‫مختلف منظورات القراءة‪ .‬لكنها تكون دائما استرجاعية واستباقية( فهي تباشر‬

‫ب ـ طرائق المقابلة‪:‬‬

‫ٍ‬
‫مكتسب من مكتسبات مختلف منظورات القراءة كيف ينبغي للمنهجية الشاملة أن‬ ‫يفرض كل ّ ٍ‬
‫نص وكل‬ ‫ُ‬

‫تكون في هذه المحطة من الدراسة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فالمسألة ال تتعلق برسم نموذج ـ نمطي؛ بالعكس‪ ،‬من الضروري‬
‫ّ‬
‫أن يبحث كل قارئ( أو مجموعة من القرَّاء) عن طريقة االشتغال األك ثر مناسبة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن بعض‬

‫العمليات المنهجية الجزئية تفرض نفسها في الحاالت كلها( والترتيب المقدَّم هنا ليس إلزاميا)‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫‪َّ -‬‬
‫أن المقابلة تقوم بـمراجعات‪ .‬وهذه األخيرة حاضرة مسبقا في كل منهجية من منهجيات القراءة‪ ،‬وذلك‬

‫عندما تتدخل بعض المفهومات أوالتحليالت في ٍ‬


‫عدد من المنظورات‪ ،‬أو أن يكون المعطى نفسه قد‬

‫الدرس‬
‫النظر و ُ‬
‫ُ‬ ‫جرى إدراكه من زوايا عديدة‪ .‬لكن من الضروري‪ ،‬في هذه المحطة النهائية‪ ،‬أن يعاد فيها‬

‫بطر ٍ‬
‫يقة نسقية‪ ،‬سواء باالنطالق من أوصاف النص‪ ،‬أو سواء باالنطالق من الحجج المقدَّمة من أجل‬

‫تبعا لمختلف المنظورات‪،‬‬


‫دعم فرضيات التأويل‪ .‬فهذه المراجعات تقوم بفحص مالءمة التحليالت المقدَّمة ً‬

‫نقوم مثال‪ :‬التمظهرات العاملية‪ ،‬وملخص الفعل‪ ،‬وبنية المتواليات؛ أو كأن‬


‫والتأكد من انسجامها‪ .‬كأن ّ‬

‫نفحص ما إذا كان األسلوب قد جرى إدراكه من خالل معايير ال تسمح بها المعطيات السوسيو ـ‬

‫تاريخية( خطأ من المنظور التاريخي)‪ .‬وهكذا‪ ،‬فكل النتائج الالمنطقية ستجد نفسها ملغاة؛ ومن ٍ‬
‫جهة‬

‫أخرى‪ ،‬فإن كل األسئلة المتواصلة التي بقيت من دون جواب‪ ،‬ستجد هنا الحلول المناسبة‪.‬‬

‫أمر يفرض نفسه في هذه المحطة أيضـًا‪.‬‬


‫طفة والنتائج المحصلة ٌ‬
‫تلخيص المعلومات المقت َ‬
‫َ‬ ‫‪َّ -‬‬
‫أن‬

‫ـقدر أهمية كل واحدة من النتائج‬ ‫‪َّ -‬‬


‫أن بيانـا نقديـا يتأسس عند المقارنة بين مختلف نتائج " القراءات"‪ُ :‬ي ّ‬

‫بالنسبة إلى النص موضوع القراءة‪ ،‬أي ببيان فعاليتها‪ .‬وبهذا‪ ،‬يمكن أن يقوم بوضع خطاطة تراتبية‬

‫كل ّ ٍ‬
‫نص‪ .‬وهذا البيان‪ ،‬إذا أضفناه إلى التلخيص أعاله‪ُ ،‬يـق ّـدم رؤية شاملة‬ ‫لمنهجيات القراءة بالنسبة إلى ّ‬

‫يهتم بـالتأويالت المقدَّمة من طرف مختلف‬ ‫ألهم السمات التي تُـ َخ ِ‬


‫ـصـص النص‪ .‬لكن البد لهذا البيان أن َّ‬

‫نقدي‪.‬‬
‫ـكم ٍ‬‫يصل إلى صياغة ُح ٍ‬
‫َ‬ ‫الطرائق المنهجية‪ ،‬وأن‬

‫ج ـ مقابلة‪ ،‬تأويالت‪ ،‬أسئلة ‪ -‬مفاتيح‪:‬‬

‫َّ‬
‫إن أهمية " قراءة " ما ال تعود إلى امتدادها فقط‪ ،‬أي إلى العدد المرتفع من عناصر النص التي تُـضيئها‪،‬‬

‫بل إلى مالءمة وحمولة التأويالت التي تتقدم بها‪ .‬فبعض العناصر التي تظهر قليلة األهمية في الظاهر‬

‫‪45‬‬
‫بإمكانها في نهاية األمر أن تكشف عن روابط قادرة على تقديم دالال ٍت جوهرية‪ ،‬وأن تتجاوز أخرى كانت‬

‫اء "‪.‬‬
‫تبدو أكثر " ثر ً‬

‫• تقارب‪ ،‬تباعد‪ ،‬تنافس القراءات‪:‬‬

‫ثالث حاالت للصورة هي الممكنة‪:‬‬

‫تقارب بين القراءات عندما تسير نتائج مختلف الطرائق المنهجية في االتجاه نفسه‪ .‬فمثال‪ ،‬بالنسبة‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬هناك‬

‫بيان بـَفـقر األسلوب وإكثاره من الكليشيهات مع سيكولوجية نمطية وسوسيولوجية‬ ‫إلى ّ ٍ‬


‫نص ما‪ ،‬قد يتزامن ٌ‬

‫تكامل بين مختلف التأويالت‪:‬‬


‫ٍ‬ ‫وحدث متداول‪ ،‬الخ‪ .‬ويمكن لهذا التقارب أن يقوم على أساس‬
‫ٌ‬ ‫مبسطة‪،‬‬
‫َّ‬

‫انطال ًقا من زوايا النظر المختلفة‪ ،‬تصل التأويالت إلى نتائج متطابقة أو متشابهة‪ .‬ومن الممكن أن يقوم‬

‫تأويليـًا تؤيده القراءات األخرى وتدعمه‪ .‬ومن الممكن‬


‫ّ‬ ‫طـًا‬
‫على أساس صياغة تراتبية‪ :‬تفرض قراءة ما خ ّ‬

‫ٍ‬
‫تأويل شامل‬ ‫تركيب‪ ،‬وذلك عندما تتأسس مختلف التأويالت على أساس‬
‫ٍ‬ ‫أن يقوم التقارب على أساس‬

‫في الجانب الرمزي أو التداولي‪.‬‬

‫النص دالالت مختلفة وغير منسجمة‪ .‬مثال‪ ،‬كأن ُي َؤَّول‬


‫العديد من القراءات َّ‬
‫ُ‬ ‫تباعد عندما تمنح‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬وهناك‬

‫عنصر ما تارة على أنه كوميدي‪ ،‬وتارة على أنه تراجيدي‪.‬‬

‫ٍ‬
‫دالالت منسجمة في ما بينها‬ ‫‪ -‬وهناك منافسة عندما تقترح العديد من القراءات‪ ،‬من دون أن تتناقض‪،‬‬

‫أي حجة حاسمة بالفصل‪ ...‬وقد يحدث أن يكون بإمكان هذه التأويالت المتنافسة أن‬
‫بحيث ال تسمح ّ‬

‫تنضاف إلى بعضها البعض من دون أن تؤسس تركيبة‪ ،‬مؤكدة بذلك على الطابع المتعدد ـ الداللة‬

‫للنص موضوع القراءة‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫• مستويات التأويل‪:‬‬

‫بما أننا عملنا أثناء التحليل على أخذ العديد من جوانب الداللة بعين االعتبار‪ ،‬فإن المقابلة بين القراءات‬

‫بإمكانها كذلك أن تقود إلى مالحظة مختلف مستويات التحليل‪ .‬وبهذه الطريقة‪ ،‬فإن ما يستلزمه النص‬

‫يتنوع ويتغير‪ ،‬بحسب تركيزنا على جانبه الداللي‪ ،‬أوبحسب نظرنا في جانبه الرمزي‪ ،‬والرؤية للواقع التي‬

‫ُي َـع ّـبـر عنها‪ ،‬ومكانته داخل الحياة الثقافية في زمنه وفي الوقت الراهن‪ .‬وهكذا‪ ،‬قد تكون موضوعة‬

‫مضم َـرًة؛ ففي الجانب‬


‫َ‬ ‫التضحية اإلنجيلية‪ ،‬كما في حالة إحدى قصص موباسان‪،Boule de Suif :‬‬

‫التداولي للنص حين نشره‪ ،‬قد ال تثير تلك الموضوعة االنتباه‪ ،‬أو قد تبدو ثانوية؛ وبعد قرٍن‪ ،‬سيكون‬

‫بإمكان القارئ المعاصر أن يأخذها على أنها ضرورية في منظور يتأمل تاريخ الرمزيات األدبية‪.‬‬

‫• يحتوي الحكم النقدي جزًءا جوهريا من التقييم الموضوعي للنص‪ .‬لكن اختيار القارئ لهذا التأويل أو ذاك‪،‬‬

‫عندما تكون التأويالت متباعدة أو متنافسة‪ُ ،‬‬


‫يصدر عن آرائه وإحساسه وثقافته‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الحكم النقدي‬

‫ٍ‬
‫موقف من فائدة النص أو لذته أو أهميته‪ .‬وما ينبغي له أن يبقى متواصال‪ ،‬على طول‬ ‫يقود إلى اتخاذ‬

‫العمليات المنهجية وتقابالتها‪ ،‬هو االهتمام بتجنب األحكام المسبقة وردات الفعل االنفعالية؛ ولحظة الحكم‬

‫النقدي‪ ،‬يكون ما بنيناه قد اتخذ له مكانـًا بين الموضوعية واالختيار الشخصي لكل قارئ‪ ،‬وهو بالضرورة‬

‫اختيار ذاتي‪.‬‬

‫في الممارسة‪ ،‬يمكن أن تُـجرى المقابلة حسب الترتيب الموجود أعاله‪ ،‬لكننا عندما ننطلق‪ ،‬مثال‪ ،‬من‬

‫تأويل يظهر أنه يفرض نفسه في مجرى التحليالت؛ وهكذا‪ ،‬يمكن أن تُـجرى المراجعة والتلخيص والبيان‬

‫ٍ‬
‫تحليل منهجي للحجج التي تعمل لصالحه‪ ،‬فنحتفظ بالبعض‬ ‫النقدي انطال ًقا من منطوق هذا التأويل ومن‬

‫ـز‬ ‫ونلغي البعض اآلخر‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬البد لمحطة المقابلة أن تكون مواجهة بين النص نفسه والقارئ َ‬
‫مج َّـه ًا‬

‫‪47‬‬
‫نموذج هذه المنهجية هو مبادرات هذا القارئ‪ ،‬أو‬
‫َ‬ ‫سيـحدد‬
‫بمعارفه وبالعناصر التي اكتسبها من قراءته‪ .‬وما ُ‬

‫متطلبات ذلك القارئ أو مقاوماته‪.‬‬

‫كل‬
‫أيضا أن نقابل بين كل هذا المجموع وأحكام النقد وتحليالته المتعلقة بالنص‪ .‬فبإمكان ّ‬
‫ومن الممكن ً‬

‫غ رأيه حول النص‪ ،‬أن يقارنه بأحكام اآلخرين النقدية‪ .‬وبهذا‪ ،‬ينفتح حوار آخر‪ ،‬فيقوم‬
‫قارئ‪ ،‬بعد أن يصو َ‬

‫القرَّاء( سواء تعلق األمر بنقاد محترفين أو غير محترفين) بالمقابلة بين وجهات نظرهم‪ .‬ولمز ٍيد من التفكير‪،‬‬

‫البد من اختيار هذا النسق النقدي أو رفضه‪ :‬وهذا هو االستعمال الجيد للنقد‪ ،‬انطال ًقا من حكم شخصي‬

‫مؤسس‪.‬‬
‫َّ‬

‫ٍ‬
‫محطة من طرائق القراءة الست‪ ،‬من الضروري‬ ‫وفي هذا العمل الذي يقابل بين القراءات‪ ،‬كما في كل‬

‫أحد أننا‪ ،‬في‬


‫أن ال تغيب عن بالنا األسئل ُة المفاتيح التي ينبغي لنا أن نجيب عنها بدقة حتى ال يدَّعي ٌ‬

‫فعليـًا‪:‬‬
‫الواقع‪ ،‬لم نق أر النص ّ‬

‫يقول أو يكتب؟ متى و‬ ‫ِ‬


‫َم ْـن يتكلم( أو َم ْن يكتب)؟ ل َـم ْـن ( أو من أجل َم ْـن) يتكلم أو يكتب؟ ماذا ُ‬

‫ألي مبادئ توجيهية؟ وباألخص‪ ،‬كيف يتكلم أو‬


‫وتبعا ّ‬ ‫أين ( وضعية التلفظ)؟ بواسطة أية فكرٍة أو ٍ‬
‫أفكار‪ً ،‬‬

‫يكتب( شفاهيا أو كتابة‪ ،‬جنس الخطاب‪ ،‬موسيقاه وسجالته)؟‬

‫أساس التمارين المتعلقة بالقراءة(" تلخيص النص "‪ " ،‬تعليق على النص "‪ " ،‬مقالة‬
‫ُ‬ ‫وهذه المعطيات هي‬

‫شخصي‪.‬‬ ‫نقدي‬
‫وبكل حك ٍم ٍّ‬ ‫أدبية "‪ " ،‬قراءة تفسيرية "‪ ،‬الخ‪).‬‬
‫ٍّ‬ ‫ّ‬

‫‪48‬‬
49

You might also like