Professional Documents
Culture Documents
المقاربة بالمنظورات الستة
المقاربة بالمنظورات الستة
المقاربة بالمنظورات الستة
كــيــف نــقــرأ؟*
في مقاربة المؤلـفات بالمنظورات السـتـة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
M.P.Schmitt, A. Viala : Comment lire, Troisième partie, in : Savoir – Lire, Les éditions Didier, Paris, 1982,
p143 – 196.
1
مـقـدمــة
ينال
يد أن َ
ـخـًا :ير ُ
القول ،ف ّ
ُ صح
ـنصب له ،إذا َّ
نص ما ميثاقـًا على القارئ ،فهو َي ُ
ـعرض ٌّ
عندما َي ُ
االستفهام
ُ ـشعر باألهمية واللذة عندما نتبنَّـى نظرًة نقدي ًةُ :ي ُ
ـعتبر لكن من الممكن كذلك أن َن َ
واتساقاته الصوتية ،وسياقاته وتناصاته التي نكتشفها عند القراءة ،وربما خصائصه في المحاكاة
الساخرة أو في التقليد) هي بال منازع لذةٌ .فالقراءة النقدية ال ترمي إلى " قتل " لذة القراءة ،بل إنها
يكون َ
أكثر حيوي ًة. ال تقوم إال بشحذها؛ وهي ال ترمي إلى قمع اإلحساس ،بل إنها تساعد على أن َ
• القراءةُ المتعددة
تنظر إلى ّ ٍ
نص ما من " زوايا ٍ ٍ ال يمكن لقر ٍ
نظر " تكون متعددة ،ويعني ذلك أن َ
َ نقدية إال أن اءة
ـكثر من زوايا النظر إلى النص .وفي الواقع ،فإن عالم ًة ٍ ٍ
ات مختلفة .إنها تُ ُ
عديدة ،وأن تالحظه من منظور ٍ
ٍ
تحليل ٍ
خصية ما أن تكون موضوع احدة يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة :يمكن ألفعال ش
نصي ًة و ً
ٍ
قدر ما يمكن أن تكون موضو َ
ع تعبير عن نفسية ما) َ
ًا سيكولوجي(ينظر القارئ إلى هذه األفعال باعتبارها
2
ٍ
تحليل سوسيولوجي(وعلى سبيل التمثيلَّ ،
فإن لهذه األفعال عالقة بالوضع االجتماعي للشخصية)؛ ومن
األمر
َ الحال َّ
أن تفحـص هذه األفعال من خالل عالقات القوة التي تؤسس دينامية النص ،الخ .و ُ
الممكن ّ
دائما بالشخصية الواحدة نفسها .ذلك ألن أنظم ًة عديد ًة من الحقائق تتقاطع داخل نسيج النص .وهي:
يتعلق ً
تنظيم ما للنص؛
ٌ ـ
وتكون هذه األنظمة من الحقائق حاضرًة في أنواع النصوص كلها ،أو من المحتمل أن تكون كذلك،
حتى هناك حيث ال نتوقع حضورها إال قليال .وسيكون من الخطأ التفكير في أن هذه األنظمة ال تهم إال
النصوص األدبية :تحتوي كتابةٌ على الجدران ،أو مطبوع مدرسي أو بحث ،أو مذكرة أو خطاب سياسي
أيضا.
على هذه األنظمة من الحقائق ً
خاللها .سيكون هناك من المناهج المتماسكة في القراءة بمقدار ما سيكون هناك من منظور ٍ
ات تأخذ على
كل النصوص.
عاتقها أنظمة الحقائق المذكورة أعاله .ولذلك نقترح المناهج الستة اآلتية ،الثابتة بالنسبة إلى ّ
3
• المنظورات الستة:
في كل قر ٍ
اءة:
يمارسه ٍ
بخطاب) ،وهناك الفعل الذي يريد هذا النص أن الحجاج الذي يبلوره إذا كان األمر يتعلق
بمحكي ،و
َ ُ ّ
على قارئه.
ـؤس ُـسـه السيكولوجيا (علم النفس) المعطيات الوجدانية ،واألخالقية ،والفكرية في
المنظور الذي تُ ّ
ُ كشف
ـ َي ُ
داخل
َ ـدم ًـجا
ثقافيا ُم َ
شيئا ًوضعـه باعتباره ً
ُ والتاريخية :الوقائع والقيم التي يذكرها أو يتمثلها ،ولكن هناك كذلك
مجتمع ما.
ٍ التاريخ وداخل
خاص ٍة داخل ّ ٍ
نص تشغيل اللغة بطريقة ّ
ُ ونقد َر كيف يكون
نستوعب ّ
َ األسلوب ،ويعني ذلك أن
َ َّف
ـتعـر ُ
ـ َن َ
ما.
4
مفاهيم حددناها في الجزأين األول
َ وبالطبعَّ ،
فإن اللعبة العامة لمناهج القراءة هاته تتأسس على استخدام
مكانا ،بهذا
احتل ً
َّ مبرًار إال إذا
وجودهُ َّ
ُ يكون
كل مفهومٍ ،مهما كانت أهميته ،لن َ
والثاني .وزد على ذلك أن َّ
يستنزف ٍّ
خاص ،ال يمكنه أن منظور ما ،ولو كان بانسجا ٍم
ًا نسجل أن ومن ٍ
جهة أخرى ،ينبغي لنا أن
َ َ
النقاب عن
َ يكشف
ُ التقابل بين المنظورات الستّة هو الذي
َ التقاطع أو
َ النص كـلّـها؛ ذلك أن
وحده دالالت ّ
استخالص
َ منهج " للقراءة .وال يمكنه أن يز ُع َـم َّ
أن بإمكانه ٌ الدالالت الكلية .فهذا األخير ،إ ًذا ،هو نفسه" ،
الحد األقصى
يعمل على إدراك الكثير من معناه ،وإدراك ّ
َ معنى النص وإغالقه؛ لكنه على األقل يمكنه أن
ضع القارئ وكفاياته في القراءة .وفي الوقت ذاته ،فهو يسمح بإعادة تقويم العناصر
يسمح به َو ُ
ُ الذي
ـستحضـرة أثناء قراءة النص ( وهو ما تقوم به كل قراءة عادية وإن كانت ال تُدرك ذلك).
َ الم
ُ
ال يمكننا أن نق أرَ " على الوجه األكمل "؛ ومع ذلك ،يمكننا أن نـَقدم أفضل قر ٍ
اءة. َ ُ َّ
نقط هامشية:
) ، Faire / Lire(Didier, 1979وخاصة الجزء األول من الكتاب. ونحيل بهذا الخصوص على:
تبعا لخصائص كل ّ ٍ
نص. وهي تتغيَّ ُـر ً
ـعتبر هذه
خطرا :أن تُ َ
ً سيشكل
ّ كل المناهج .وكان هذا ما
نطبق على كل واحد َّ
نصـًا أو نصين ،وأن ّ
نعالج إال ّ
َ وبالعكس ،قد كان من الممكن أن ال
إطار إلزاميّـًا.ولنسجل ،إ ًذا ،أن األمثلة المذكورة تتحدد قيمتها في كونها أمثلة
نجز باعتباره ًا
نماذج؛ وبالمثل ،كان الخوف من أن يُـق أر " تقابل " ُم َ
َ األمثلة
5
أخيرا، ٍ
ملحق .و ً 4ـ تطرح مناهج القراءة بالطبع أسئل ًة تطبيقي ًة :تُـعالج األسئلة الفورية على الهامش؛ واألسئلة األخرى ،ذات الطابع العام ،مطروحة في
فرديـًا أو بالمجموعات ،وأن تنتظم بتدرجات مختلفة .ونحيل بهذا الخصوص على.Faire / Lire:
يمكن لهذه األشغال أن تمارس ّ
6
الـفـصـل األول
ـع الفعل:
تـتـب ُ
أ ـ ُّ
من المناسب أن نبدأ دراسة الفعل بجرد الوقائع أو الحجج :التلخيص .le synopsisويعمل هذا األخير
ـنج َـز
ويمكن أن ُي َ
ُ وتمفصـالتها الرئيسة.
ُ األكثر أهمي ًة منها
َ مستخرجا
ً على تسجيل تلك الوقائع أو الحجج
بطريقتينَّ :
ملخص ( un résuméوهو ضرور ّي ً
دائما ) وفي بعض الحاالت " مادة حكائيةٌ "fableأو "
ــ يُـحدد لنفسه حدًّا أقصى من الطول ،هذا األخير الذي يتغير تبعًا لجنس النص وطوله. 2
ــ وخاصة " نواة " الحدث وانحال ُل العقدة(انظر ص )64 3
7
نص ٍ ٍ5
يكشف ،عند مقابلته
ُ جديد خلق ّ ٍ
التلخيص هو إعادةُ كتابة ،هو ُ
ُ وليست المسألة تقنية خالصة:
ٍ
لعنصر هيمنتُـه ظاهرةٌ هو ألن العادة جرت بأن تكون عبارة عن أبيات شعرية) ،لكن الوقائع تنتظم فيها ً
تبعا
وصالت
ٌ أخيرا ،هناك نصوص ال يمكن تلخيصها ،إما ألنها قصيرةٌ جدًّا( بعض القصائد،
العنصر السردي .و ً
8
ــ ال تعيدوا نق َل جمل النص وفقرات ه :الكلمات الضرورية فقط؛ والباقي هو من إنجاز المكلف بالتلخيص. 5
ــ من هنا أهمية أن يكون الملخص مكتوبا بالكامل ،ال أن يكون مجرد نقطٍ على الطريقة التيليغرافية( يمكن لهذه النقط أن 6
الطبعة المستعملة.
ــ مهيمن على المستوى الداللي ،وقد ال يكون كذلك على المستوى التداولي أو الرمزي. 8
8
• الحكاية والئحة الحجج:
ٍ
ملخص يقوم على إعادة إنشاء النظام الكرونولوجي لألحداث ،عندما محكي ما من 10
ـ تتألف حكاي ُة
ٍّ
السرد هذا النظام :فهي ،11إ ًذا ،تعيد بناء مجرى األحداث ،عندما يبدأ السرد بطريقة غير مباشرة،
ُ ال يتَّ ُ
ـبع
األمر في الملخص.
ُ هو
تبعا لطبيعتها ،13وروابطها في التضميـن ،وغائيتها .فالئحة الحجج ،إ ًذا ،هي ما يعادل
ـف ًـصـنَّ ُ
معلومات) .وتُ َ
من الضروري مقارنة الحكاية أو الئحة الحجج ،كلما ظهرت فائدتهما ،بالملخص؛ ألن هذه المقارنة
ٍ
نتتب َع مجرى أحداثهاٌ ،
أمر قد تكشف االختيارات الجمالية للنص .فأن نعرف نهاية رواية ما ،حتى قبل أن ّ
ال يخلو من أهمية :في الرواية البوليسية الكالسيكية ،يبدأ السرد غالبا بجر ٍ
يمة ،وبعد ذلك يأتي التحقيق
ليكتشف المصادر والدوافع والمجرم ،وهو في ذلك يعيد بناء تسلسل الوقائع التي أدت إلى وقوع الجريمة؛
َ
وهكذا ،يكفي أن نعيد بناء النظام الكرونولوجي لكي ينكشف اللغز فيختفي عنصر التشويق .وبالمثل ،قد ال
إال في النهاية.
ــ ال ينبغي لنا أن نميّزها عن الجنس األدبي الذي يسمى :الحكاية( حكاية الحيوان ذات األبعاد التربوية واألخالقية) .la fable 10
ــ يمكنها أن تُـبرزَ روابطَ التسلسل المنطقي وروابط االستنتاج التي يُـخفيها النص األصلي. 11
ــ على خالف الملخص( الصالح لكل أنماط النصوص والذي يكون مكتوبا دائما) ،وعلى خالف الحكاية( التي ال ته ّم إال 12
المحكيات ،ولكنها تكون مكتوبة دائما) ،فإن األصح أن الئحة الحجج عبارة عن الئحة أو جدول .واإلحالة على األسطر
أو الصفحات مفيدٌ هنا.
ــ بالنسبة إلى جرد أنماط الحجج ،نحيل على ص 84إلى ص .88 13
9
ب ــ الحبكة والتدرج:
المخاطب .وهذا ما يسمح بتشكيل الحبكة ( بالنسبة إلى محكي ما) أو بـتدرج االستدالل ( بالنسبة إلى
ّ
خطاب ما ).
نقوم أوال بوضع الخطاطة األساس للفعل ،بمالحظة العالقات األساس بين األطراف الفاعلة،14
والوضعيات 15وخصائصها .ثم نقوم باستخراج النواة المركزية لمنطق الفعل ،والمبادئ التي تُ َـنـظمه .16فاألمر،
إ ًذا ،لم يعد يتعلق ،كما هو األمر في الملخص ،بمالحظة تتابع الوقائع أو الحجج ،بل بروابط السببية
كل واحد
ممكنا ،وبإمكان ّ
ً انطال ًقا من الخطاطة األساس نفسها ،يكون ٌ
عدد ال حصر له من النصوص
طابع ما من المعطيات األساس.ومن المالئم ،إ ًذا ،إظهار االختيارات المعمولة انطالقا من
ٍ أن يركز على
هذا التصميم األساس ،وإظهار الشفرات الجمالية أو األخالقية التي تستند إليها تلك االختيارات.
تدرج االستدالل.
إلى الخطاب ،فالمناسب هو ّ
ــ ويعني ذلك أن نجيب عن هذه األسئلةَ :مـن فَـعَـل؟ ماذا؟ لـ َمـن؟ لماذا؟ أين؟ متى؟ يمكن لمكانُ الفعل ومدتُه أن يكونا 14
حاسمين.
ــ يمكن لوضعية االنطالق أن تكون مختلفة بحسب ما إذا كنّا نالحظ النظام الكرونولوجي أو منطق الوقائع أو نظام 15
السرد.
ي أو
ــ يمكن أن نستعيد هنا كلمة ،argumentوهي المصطلح الذي كان يعني قديما تلك التصميمات المقدمة قبل محك ّ
16
مسرحية؛ وهو شيء أقرب من برنامج الموسيقى أو الباليه بــ " برنامج ".
ــ تجيب عن األسئلة " :من يفعل ماذا وكيف؟ ". 17
10
فعل التواصل هو اآلخر إلى خطاطة أساس معينة.
ويستجيب ُ
ُ
وغالبا ما يكون سهال إنشاء أهداف فعل التواصل ،انطالًقا من مشيرات النص نفسه.19
ً
ج ـ الرهانات:
هان المحتوى ور َ
هان دائما ر َ الفعل محددةٌ بـرهاناته .ولنتذكر َّ
أن هناك ً ُ الطريقة التي ينتظم بها
الفعل" ،فهو غاي ُة 20الفعل :إنه الموضوع الذي يجري حوله صراع األطراف
ُ ـنج ُـز
فالرهان هو " ما من أجله ُي َ
الفاعلة أو هو العالقة التي ينشئها المتكلم مع المخاطب .ويمكن أن يكون َّ
معق ًـدا.21
هان منذ البداية ،22في العنوان ،كما هو األمر في فيلم Nos héros réussiront :
ذكـر الر ُ
أحيانا قد ُي َ
ً
? ( – ils à retrouver leur ami mystérieusement disparu en Afriqueهل سينجح أبطالنا في
ــ البد من تجنُّب ك ّل صيغة تتأسس على قصدية مفترضة للمؤلّف. 19
ــ فصياغته ،إ ًذ ،تكون بالطبع في صورةٍ استفهامية .ويمكن أحيانًا أن يختلط معناه بمعنى وظيفة " الموضوع " ،كما 20
تسلسله.
11
أبعاد ُه:
دالالت الفعل و ُ
ُ دـ
وهكذا ،يسمح استخراج الرهان بإجراء تقيي ٍم لـدالالت الفعل وأبعاده .ويتحقق هذا التقييم بإجراء ٍ
تقابل بين ُ ُ
داخل محتويات النص ضعيًفا :هناك قصائد وصفية خالصة ،أو قصائد
َ الفعل
ُ في بعض األحيان ،يكون
مكان آخر ،قد يلعب الفعل الدور ـ الرئيس .وهكذا ،يسمح إجراء ٍ
تقابل اقع شعر ّي؛ وفي ٍ
صد ُر إال عن و ٍ
ال تَ ُ
ُ ُ ُ
بين مستويي الرهانات بتقدير ما هي الداللة التي يمنحها النص لفعله الداخلي.
وإذا ربطنا الفعل بالشفرات والمعايير المتعلقة بزمن إنتاج النص ،يكون بمقدورنا ُ
تقييم األبعاد.
فال يمكن ،إ ًذ ،إدراك رهانات النص من دون تحليل شفرات إنتاجه وتلقيه .23وفي هذا الصدد ،من
خطاب
ٌ الضروري تحليل طبيعة الفعل( حكاي ُة كائنات حيوانية أو إنسانية ،حقيقية أو متخيلة ،محادث ُة حرَّة أو
إنه انطال ًقا من هذا المجموع ومن هذه الشفرات الخاصة يكون بإمكان القارئ أن يلتزم بهذه الدالالت أو
صوت
ـص ّوت أو ال ُي ّ
ميثاق القراءة واألفكار التي يرُاد " تمريرها " :أن ُي َ
َ يرفض
َ يقبل أو
ال يلتزم بها ،أن َ
حب أو ال
اإلشهار أن يبيعه إيَّاه ،أن ُي َّ
ُ على المترشح صاحب الخطاب ،أن يشتر َي أو ال يشتري ما يريد
ــ هذا ما يمكن فحصه بالعودة إلى ما يتعلق في هذا الكتاب بالسوسيولوجيا واألسلوب. 23
12
الــفــصــل الــثــانــي
جرد القوى:
أـ ُ
إن دراس َة القوى الفاعلة تهتم بمجموع الكيانات التي تقود دينامي َة النص ،وبعالقاتها ،على مستوى
العالقة بالقارئ كما على مستوى المحتويات .فهي تعالج النص من منظور عالقات القوى ُ
الم َولّدة لألفعال.
ٍ ٍ
األول
ُ أي نوٍع ،ولعالقاتها أن تكون من أنظمة مختلفةُ :
هدف الدراسة يمكن للقوى الفاعلة أن تكون من ّ
هو تحديد هذه العالقات وتلك القوى .فالبد ،إ ًذا ،أن نأخذ بعين االعتبار القوى الظاهرة في النص ،لكن
عتبر هي
أيضا .وعند تحليل عالقاتها ،البد من استخراج التمظهرات الضرورية التي تُ َ
24
وقواه المضمرة ً
التمفصالت الكبرى للنص .وبهذا العمل ،تحدد الدراسة ما يتناوله النص باعتباره ّ
مهمـًا وفعاال داخل الوقائع
هدف ٍ
ثان ،وهو األكثر أهمية :هذه الذي يتمثلها ،والسلطات التي يمنحها لكل قوة من هذه القوى .وهنا يكمن ٌ
دائما بالنسبة إلى القراءة السريعة ،ويكون تأثيرها على القارئ أكثر فعالية.
مع ذلك ال تكون واضح ًة ً
من السهر على االنطالق باألساس من معطيات النص الدقيقة والقابلة للفحص والمراجعة.
13
تتم دراس ُة القوى الفاعلة أوال بإنشاء ٍ
جرد ما لهذه القوى .وال أهمية لمثل هذا الجرد إال إذا كان شامال
َّ
ومنظـماً ما أمكن ذلك.
أن يكون شامال معناه أن يقوم بإحصاء القوى الفاعلة كّلها؛ لكنه ال يحتفظ إال بتلك التي تمارس فعال
الممنوحة لكل قوة ،من أجل تقييم قدرتها على أن تكون فاعل ًة. 25
االعتبار الصفات
وفي هذا الجرد ،البد من أن نأخذ كذلك بعين االعتبار القوى الفاعلة التي تتدخل في فعل التواصل
نفسه.
مستويـي قائمة الجرد( مستوى المحتوى ومستوى الفعل الخطابي). والبد من إنشاء ٍ
تقابل بين
َ
محدودا من
ً عددا وإذا كانت عناصر الواقع وتفاعالتها الممكنة النهائية ،فإن كل ّ ٍ
نص ال يختار منها إال ً
ات النصية:
ط الرؤية ـ التمظهر ُ
ب ـ أنما ُ
ــ تُ َ
عرف الصفات من خالل مؤشرات الصفات والمواهب والوضع االعتباري ،والسلطة ،الخ(.والبد أن نأخذ بعين 25
والبد من البحث عن تلك التي تالئم النص المقروء ،ال أن نُـطَـبّـقَ " شبكة " قارة.
14
بعـرض أنماط الرؤية والتمظهرات النصية للقوى الفاعلة .فبواسطة
ـستكمـل كذلك َ
أال ينبغي للجرد أن ُي َ
ـنشيء وجهات النظر التي من خاللها يتم تقديم القوى الفاعلة .ويسمح هذا التحليل
ُ تحليل أنماط الرؤيةُ ،27ن
ٍ
معلومات حول الطريقة التي ُيَق ّد ُم بها القوة الفاعلة وصفاتها الدقيقة .وبالمثل ،فالتمظهرات النصية تَُق ّدم
يقود إلى فحص وضع القوى الفاعلة وديناميتها داخل النص. َّ
إن أخ َذ هذه العناصر بعين االعتبار ُ
كل واحدةّ داخل التش ّكـالت التي تعرفها عالقاتها .وال ـ وضع القوى الفاعلة هو الوظيفة التي تَ ُـؤ ُ
ول إلى ّ
تكفي المشيرات الكمية للتمظهرات النصية الستخراج هذه األوضاع .لكنها يمكن أن تساعد على ذلك ،عند
نقطة االنطالق .والقوى الفاعلة التي تبدو ،من خالل أهمية تمظهراتها النصية ،أنها رئيسة ،هي التي سنحاول
ــ إن أنماط الرؤية هي التي تض ُع في الغالب الصفات التي يسندها النص للقوى الفاعلة. 27
15
ٍ
سلسلة من انقطاعات التوازنات أن تعمل على فإن القوى ال تقيم عالقة ثابتة ونهائية :29بإمكان
وبالطبعّ ،
تغيير توزيع الوظائف .30وتش ّكـل هذه التغييرات ديـنـامـيـة القوى داخل النص .وتمكن مالحظتها من خالل
ٍ
عديدة ،منها : وتأتي هذه اآلثار في أنو ٍاع
أن المقارنة المنهجية بين الوضعيات ـ المفاتيح تعمل على إبراز القوى التي تسعى إلى فرض نفسها،
• ّ
والقوى التي تتراجع .واألكثر من ذلك ،يمكن لهذه التراتبية أن تعارض التصريحات الظاهرة للنص
والكشف عن مضمراته اإليديولوجية( التي قد تخفى ،في بعض الحاالت ،حتى على المؤلّـف نفسه).
كل القوى
• أنه من خالل تشكالت الوظائف تنطلق قوةٌ فاعل ٌة مركزيـ ٌة ،مكانتها ونشاطها يؤثران على ّ
األخرى ،واختفاؤها يؤدي إلى اإللغاء المباشر للعبة القوى .وهذه القوة قد ال تكون بالضرورة رئيسة ،أي
ــ بإمكان ك ّل قوة أن تؤدي وظائف عديدة ،وهو ما له داللةٌ دائ ًما :يكون التشكل توازنًا أو انقطاعًا ،بحسب ما إذا كانت 29
ــ بالبقاء على مستوى الوضعيات ــ المفاتيح ،من دون تي ٍه وسط العديد من األحداث الجزئية للمتواليات الصغرى. 31
ــ راجع التمفصالت األساسية التي تتعلق بدراسة الحدث وبدراسة البنية. 32
16
مهمـًا من النص .لكن من الضروري كشفها من أجل فهم الداللة الرمزية
دائما جزًءا ّ
أنها قد ال تشغل ً
مع قرائه ...بيد أن عالقات القوى مع القارئ يمكن أن تُ َـع ّـرض ميثاق القراءة للخطر.
من خالل تحليل حقل الوقائع التي يضمها العرض ،والتراتبيات التي تجري فيه ،واآلثار المستخدمة من
أجل دعم كل و ٍ
احدة من القوى الفاعلة ،يقوم القارئ باستثمار النص بقراءته الخاصة .وبهذا ،قد يخرج عن
الميثاق ،لكنه يكشف من خالل ذلك الديناميات العميقة ،ويكتسب المعرفة الحقيقية.
17
الـفــصــل الــثــالــث
ف الـُبــعــد الـنـفـســي
َكــشــ ُ
كل ٍ
مكان من بالمعنى الواسع لهذه العبارة .وهذه المعطيات النفسية حاضرةٌ ،على األقل مثلما هو شائع ،في ّ
النص :رّبـما ألن إنتاجه وتلقيه ليسا إال نشاطين ذهنيين انفعاليين .ويقيم تواصُلـه عالق ًة بين شخصين على
األقل( وإذن ،بين نفسيتين) ،ومن أجل ممارسة التأثير على القارئ ،البد من استدعاء ذاكرته ،وإحساسه،
وعقله ،ومتخيَّـله.33
شعر غنائي ،الخ ،).أو كانت تستهدف اإلقناع( خطابات ) ،أو رسم شخصيات ،أو إثارة ٍ
لذة ،...أو سواء
ٍ
معطيات تستخدم ٍ
رسمية أن ٍ
لرسالة علمي أو أي محتوى من هذا النوع :يمكن لمطبوٍع
َ ٍّ ظهرت كأن ليس لها ّ
نفسية من أجل توجيه ردود أفعال القارئ .فهذا الحضور الكلّـي للعناصر السيكولوجية هو ما يمنح أهمية
أيضا: ٍ
لهذه المقاربة ،وهو الذي يخلق صعوبات ً
امتالك اآلخر للمقوالت السيكولوجية المطابقة للتي يمتلكها هو ،وإال فإن ميثاق القراءة نفسه
َ منهما
ــ من هنا الصعوبة األولى ،المتعلقة بالردود االنفعالية التي تثيرها القراءة األولى .والبد من االحتفاظ بآثارها من أجل 33
18
• للمضمر أهمية خاصة في هذا المجال ،وتكون المعطيات السيكولوجية مضمرة في الغالب أكثر مما
جماعيـًا )؛
ّ فرديـًا أو
نفسيـًا ُيـع ّـبـر عن نفسه( ّ
الوعيا ّ
ً
ٍ
بمكانة بارزٍة في نقد األدب وتدريسه ،ويجد تحليل النصوص نفسه في هذا المجال • ال تزال النفسية تحتفظ
قيم ًة لمقاصد المؤلّـ ف ،ودقته في التحليل ،وطابع الشخصيات؛ وبالعكس ،فالبعض اآلخر يسير على
خطى المحللين النفسانيين ،ويركز على متابعة نشوء الالوعي داخل النص في مختلف أشكاله.
فإن دراسة النفسي ة هي ،على األخص ،احتمالية .لكنها ضرورية من أجل:
وهكذاّ ،
ـسـلمات النص و أبعاده ،ومحتوى وجهات النظر التي تتدخل فيه ،وبالتالي بعض مظاهر
• شرح ُم َ
إيديولوجيته األساس35؛
• تقويم دور ( أدوار ) النفسية داخل تواصل النص .وبهذا الخصوص ،سنحرص على معالجة المرجعيات
هدف و ٍ
احد هو إضاءته.36 والسياقات انطال ًقا من النص ،ومن أجل ٍ
أهميته ومالءمته.
أ ـ الحقل الوجداني:
ــ بل إنه غالبًا ما نستخدم نظا ًما من دون معرفته حقيقةً على أنه كذلك .من الضروري أن نحدد ،ما أمكن ذلك ،ما هي 34
ت سابقة.
التحليالت والتحليالت السوسيولوجية في صفحا ٍ
ي في هذه المالحظة .وعند الحاجة ،تمكن االستعانة بوثائق حول معارف
كأساس نص ّ
ٍ ــ تصلح عالمات ألن ننطلق منها 36
19
يشخــصها. يغطي كل ّ ٍ
نص حقال وجدانيــا ما :فهو يمنح شحنة وجدانية لعناصر الواقع التي ّ
• المتخاطبان شخصان حقيقيان :المؤّلـف ،وخطاباته على األخص ،والمستقبـلون .وقد تكون بعض
العناصر البيوغرافية ضرورية من أجل فهم النص ،بإضاءة وضعية التلفظ ،وظروف الكتابة ودوافعها.
السيكولوجية ألف ًة .ويحاول التحليل أن يحدد الشخصيات ( وهو ما يفرض وضع رسم شخصي(بورتريه)
الكائنات الورقية " كأنها كائنات حقيقية .وزد على ذلك ،أن الشخصيات كلها ال تتعلق بالضرورة بالتحليل
معرض للرسوم الشخصية ( للبورتريهات)؛ بل ينبغي لنا أن نأخذ بعين االعتبار ما
ٍ ــ ال ينبغي لنا االقتصار على وضع الئحةٍ ،وال على وضع 37
يقوله المؤلف بخصوصها ،وما يقال عنها ضمنيًا كذلك .والبد من أخذ تمظهراتها النصية بعين االعتبار أيضًا.
20
يها) للشخصيات ،ينبغي لنا أن نأخذ بعين االعتبار تطورها على
وعندما ننشئ رسمـًا شخصيا (بورتر ً
أيضا ،واعتبارها من خالل جودة نوعها ،من خالل نمطيتها أو أصالة إبداعها.
طول الصفحات ً
ومن خالل مجموع هذه المالحظات ،يمكننا أن نحدد المكانة الموضوعة للشخصية .وفي بعض
حركاتها، الحاالت ،يمكن للشخصية أن تكون غاية في حد ذاتها :هكذا ،قد يفضل النص تحليل أفعالها،
اإلخبار.
مجموع العالقات التي تدخل في هذا الصنف وتنشأ بين الشخصيات أو بين 38
• تهم العالقات الوجدانية
ٍ ٍ
أي ٍ
كيان كيفما كان. المتخاطبين ،أو تنشأ كذلك بين هذه وتلك وبين شيء ما ،واقعة ما ،فكرٍة ما ،أو ّ
ٍ
ظاهر ٍ
بشكل وفي هذه المرحلة األولى من التحليل ،يمكن أن نقتصر على ما يسجله النص متعلًقا
ب ـ الموضوعات النفسية:
وبالمجال نفسه ،تتعلق الموضوعات النفسية ،ويمكن للحوافز والموضوعات أن تكون ظاهرًة أو مضمرًة؛
ــ في الحاالت المناسبة ،يمكن رسمها في خطاطة .ولكن ال وجود لنماذج بهذا الصدد .وزد على ذلك أن خطاطة ملتبسة 38
باحتراس.
ٍ يمكن أن تعقد بدل أن توضح .فال استعمال للخطاطة ،إ ًذا ،إال
21
• الحوافز والموضوعات الوجدانية الظاهرة :39ويمكنها أن تكون مواضيع من النوع النفسي الذي يعالجه
ٍ
عصر ما أن ٍ
بوسط ما أو النص ...ويمكن للمواقف القيمية العامة أو للموضوعات الثقافية الخاصة
عامـًا.
تلوينا وجدانيا ّ
وتقدم ً
والموضوعات الوجدانية التي تتجاوز إطار المتخاطبين والشخصياتّ ،
ٍ
معطيات من النوع النفسي .41وبهذا ،تظهر الغايات والعالقات الوجدانية ،من أجل أن نستخرج من النص
التحليل النفسي.
ــ البد من إنشاء جردٍ للحقول المعجمية الضرورية ،والمقارنة بينها بطريق ٍة تسمح بمالحظة ما يركّـز عليه النص. 39
ــ وبهذا ،نحصل على جردٍ ،لكن البد أن يكون منظـ ًما بحيث يسمح بإظهار دينامية العالقات الوجدانية. 41
22
ومن خالل مجموع العناصر التي تنتمي إلى النظام النفسي ،ومن خالل طرائق استخدامها ،يمكن أن
أيضا بما أنها ستكشف وتنحصر هذه الدالالت النفسية في الجانب الرمزي من النص ،لكنها ّ
تهم تداوليته ً
طريقة إدراك جوانب النص األخرى وطريقة تلقيها من طرف القارئ .ففي حالة النصوص النفعيةَّ ،
فإن
المقترح من طرف يقرر؛ وفي هذه الحالة أو تلك ،فال فعالية إال من خالل ٍ
قبول بالميثاق
َ المقدَّم هو الذي ّ
ساذج النص .فإذا كان هذا الميثاق مقبوال بالكامل ،فإن ما يـنتُج عن ذلك هو ظاهرة التماهي :هو ٍ
تماه
ٌ َ ُ ّ
وجوديا ،هناك حيث يقترن الوجدان بالقيم األخالقية والفلسفية ...وتشتغل درك رؤي َة ًً للعالم ،موقًفا ٍ
ً مسافة ُلي َ
األبعاد النفسية لنص ما في اللحظة التي تُواجه فيها شفراته ،الظاهرة والمضمرة ،شفرات القارئ ،سواء كانت
واعية أو الواعية.
ــ وهنا البد من المقابلة بين التحليل النفسي والتحليل السوسيولوجي. 45
23
الــفــصــل الــرابــع
• تعود األولى إلى ثنائية الروابط بين النص والمجتمع :هناك شيء اجتماعي داخل النص ،وفي الوقت
ّ
مبدءا
ذاتهُ ،يـعتَ َـبـر النص نفسه جزًءا ال يتج أز من الحياة االجتماعية والثقافية .وتفرض هذه الصعوبة ً
من مبادئ هذه الطريقة في القراءة :المقابلة باستمر ٍار ما أمكن ذلك بين ما يقوله النص عن مرجعياته
وسياقاته التاريخية واالجتماعية وبين المعارف التي وضعها علم التاريخ وعلم االجتماع بخصوص هذه
المرجعيات والسياقات.46
التي يستخدمها تطابق حال ًة ما في المجتمع .وبهذا ،سيكون أحد أهداف الدراسة األساس هو تحديد
دون ذلك ،ستبقى الروابط بين النص والمجتمع منتثرًة تصعب دراستها كما هي.
القراء( ولو
درك إال من خالل إيديولوجية ّ
يادة على ذلك ،فهي ال تُ َ
ـضمـرات)؛ وز ً
بالم َ
باإليديولوجية(وإذنُ ،
24
ٍ
نقدية) .ومع ذلك ،من الممكن مقاربة هذه المضمرات انطال ًقا ٍ
أنظمة كان إنشاء هذه اإليديولوجية في
مالحظات ٍ
دقيقة حول النص ،وذلك بتقويم التشوهات التي ُيـلحقها النص بالواقع وتحديد أسباب ذلك. ٍ من
النص التاريخية.
إلقاء الضوء على دالالت ّ
ممكنا ُ
ً يجعل
ُ فإن ذلك هو ما
ّ
أ ـ الحقل السوسيوتاريخي:
تبعا للنصوص.
محتويات مختلفة جدًّا ً
األفراد الذين يمثّـلون الجماعات...يمكن لهذه األحداث والظواهر أن تكون حقيقية ،لكنها تكون تخييلي ًة
أيضا .يمكنها أن تكون خلفي ًة للقول أو للفعل؛ أو بالعكس ،أن تكون هي نفسها الموضوع؛ أو أكثر من
ً
دور الظروف الحاسمة .وفي الحاالت جميعها ،البد من الحرص على تحليل وجهة (
تلعب َ
ذلك ،أن َ
المتحيزة
ّ االعتبار وجهة النص وغايتَـه ،من أجل تقويم مكانتهما وطريقة تقديمهما( الجزئية أو الشاملة،
تخييلي ،قد يكون ذلك لمجرد تحديد بورتريه الشخصية باإلحالة على الوسط الذي تنتمي إليه. محكي
ٍّ ٍّ
ــ استعمل بيانات الحقول المعجمية ،وال تجعل منها مجرد جداول ،بل صنّفها ورتّبها بطريفة تراتبية من أجل استخراج 47
عناصر القوة.
25
صعبا ،في النص كما في الواقع .48إنها عديدةٌ ومختلف ٌة ،تنطلق من
ً تحليل الفئات االجتماعية
ُ ويكون
المجموعات المتجانسة( أندية ،عصابات )...لتنتهي إلى البنيات الكبرى في المجتمع( الفئات المهنية
معجم
ُ يخيـًا ،كما تعرفه طرائق إدراكها وتحليلها ...سيكون
تطور تار ّ
ًا وتعرف هذه الفئات االجتماعية
تجنـب إسقاط
تأويلي ،لكن من أجل ّ ٍ
لخيار خاضعا بالضرورة
ً الوصف
ُ االصطالحات الذي يستخدمه
ّ
األحكام المسبقة ،البد للتحليل من أن يعتني أوال بالطريقة التي ُي َـع ّـيـن بها النص الفئات االجتماعية.
والبد له من أن يولي عناي ًة كبيرًة بأحوال اللغة والمعارف التي توّفر له وسائل تعريفها وإدراكها ...تبقى
أن الطريقة التي تتموضع بها الشخصيات وأطراف التواصل داخل الفئات االجتماعية،
اإلشارة إلى ّ
وطريقة إدراكها وحكمها وتمثلها للعالقات ( اإلضافية أو الصراعية) ،طريقتان ضروريتان من أجل كشف
• من خالل عبارة قيم ،يكون المقصود هو جميع معايير الحكم األخالقية أو السياسية التي يصفها النص
المواقف ...القيم والمواقف هي في الغالب أشياء ملتبسة ال تتحدد بدقة ،لكنها مع ذلك تكون قابلة
صةً وأن األنظمة السياسية والفلسفية تختار مفهومات مختلفة .ولذلك البد من الحرص على االنطالق من الفئات التي
ــ خا ّ 48
26
الخاصة :البد ،إ ًذا ،من مالحظة تدخالته جميعها ،واألحكام أو الدالالت اإليحائية التي يوظفها
ّ قـ َيـمـه
النص.
ٍ
نصوص " ذات أطروحة "(يعني تلك التي تجعل غايتها الدفاع • باعتبارها موضوع القول ،وخاص ًة في
عن أفكار أو مواقف أو معارضتها) ،بحيث تكون أنظمة الفكر في قلب القول ،سواء بطر ٍ
يقة مباشرٍة في
ٍ
تخييل ما؛ حو ٍار فكري ،أو بطر ٍ
يقة غير مباشرٍة من خالل لعبة ّ
باعتبارها وسيل ًة ( مضمرًة في الغالب ) إلدراك الواقع وتأويله؛ ويمكن أن يتعلق األمر بالنظام الفكري •
يتبنـاه المؤّلـف ،أو بمختلف أنظمة الفكر التي تتقابل داخل النص نفسه ...وعندما يكون من
الذي ّ
الضروري تمييز أنظمة الفكر التي ال تعلن عن نفسها بوضوح ،البد من االنطالق من مجموع المؤشرات
إلقاء الضوء عليها يسمح بتحديد أحد أشكال النظر األكثر أهمية في النص .ويسمح كذلك بوضع النص
ٍ
اضحة ظاهرٍة ...ويمكن أن ٍ
معطيات و بوضعه داخل التاريخ .ويمكن أن يتحقق هذا األمر انطال ًقا من
ٍ
يكون هذا األمر بمعطيات من النوع ُ
المـض َـمـر...
ـ استند إلى تقنيات وجهات النظر المستخدمة في النص .وقابل ذلك بالجانب السيكولوجي. 50
27
غالبا ما تبقى ناقص ًة في هذا النص و بـاالستقبال الذي َيـتـَل َّـقـاه .والحال ّ
أن المعلومات ً ّ وكافية ب ـ َتـ َك ُّـون
غالبا دراسته
تكونه واستقباله ُي َـك ّـمـ ُـل ويضيء ً تاريخي ،وربَّـما من خالل محتوياته نفسهاَّ .
لكن معرف َة ّ
الداخلية.51
إن تكو َن النص يتعلق أوال بتاريخ وشروط تصوره ،وتحريره ،ونشره .وتن ُ
ظر هذه الدراسة في طرائق • َّ
تسلية ،الخ ،).وأن نت عرف " الجنس " الذي ينتمي إليه ،وأن نراقب ما إذا كانت قراءتنا للنص تنتمي
أفضل، دائما إلى هذا اإلطار نفسه .وفضال عن ذلك ،يمكن لدراسة التكون أن تسمح بأن نـدرك بطر ٍ
يقة
َ ُ َ َ ً
ٍ
اجتماعية اهر
من خالل الوقائع التاريخية المؤكدة ،ما هي الروابط التي يمكن أن يقيمها النص مع ظو َ
أن نحرص ال على أن نراكم المعلومات في هذا الموضوع ،بل على تحديد المعلومات المالئمة باالنطالق
من هذه القرائن ال نصية .وبهذا يمكن أن نحدد موقع النص داخل حقل زمانه األدبي والثقافي.
• يسمح االستقبال الذي يلقاه النص عند صدوره بالحكم على المعنى الذي كان يحمله في زمانه ،البعيد
أو القريب ،وعلى الدالالت التي اعترف بها معاصروه ،وقبلوها واستحسنوها أو رفضوها .ويكشف
االستقبال دوَر األجناس واألشكال التي ينتمي إليها النص ،ومطابقتها آلفاق انتظار الجمهور أو
ُ
المستقبـ ل .كما يسمح بإدراك الصراعات بين التيارات الفكرية المختلفة وكيف ينخرط فيها النص .وزد
ي حا ٍل ،استخرج بعناية قرائن التلفظ والمحتويات الزمانية للنص. ــ فالتوثيق ،إ ًذا ،ضرور ّ
ي جدًّا .وعلى أ ّ 51
28
ٍ
معلومات عن المجتمع الذي يحتل فيه النص مكا ًنا ما ،وعن ـقدم
ط االستقبال وآثاره تُ ّ
أن شرو َ
على ذلك ّ
ثقافته.
ٍ
بنصوص أيضا ،عندما يتعلق األمر
أن نحدد موقع النص داخل التاريخ معناه أن نالحظ مصيره ً
حيـ ًة
كل النصوص التي ال نزال نقرأها تبقى َّ
طرح هو مسألة بقائه ّ :
52
تنتمي إلى الماضي .وأول ما ُي َ
ٍ
نسيان، ات
تتناوب فتر ُ ٍّ
مستقر :يمكن أن غير ٍ
بشكل من األشكال .لكن يمكن أن يكون هذا
َ البقاء َ
ُ
نجاح( إعادة نشره ،إعادة توزيعه) .وزد على ذلك أن القراءات التي أُنجزت ولحظات ٍ
اختفاء، ات
ٍ ُ وفتر ُ
ٍ
مختلفة بإمكانها أن تُ َح ّوله عن غايته وداللته األصلية .فالمحيط الثقافي ،عندما ٍ
لحظات حوله في
ٍ
دالالت جديدة؛ ومن الممكن أن تعرف لنص يَقوم ،فإنه قد يثير تفسير ٍ
ات خاطئة ُمـبتَ َـك َـرة تمنح ا َّ ُ ُّ
المهم أن نحدد ،ما أمكن ذلك ،صورة النص وطريقة استعماله في مختلف العصور ،53والتأويالت
ّ من
التي خضع لها في النقد ،أو ربَّـما في المطبوعات المدرسية ،أو في إخراج ٍ
جديد بالنسبة إلى نصوص
وموازاةً مع ذلك ،البد من النظر في مستقبل النص وزمنه الالحق .la postérité du texte
ويعني ذلك النظر في المكانة التي اتَّـخذها النص داخل التناصات :ما إذا كان موضو َ
ع إعادات
ــ يتعلق األمر ،إ ًذا ،بمعرفة َمـن يقرأه ولماذا ،وأخذ آفاق انتظار الجماهير بعين االعتبار. 53
29
ج ـ الدالالت السوسيوتاريخية:
ط هو اآلخر في الحياة
النص ،إ ًذا ،هو الذي يقترح صورًة ما عن المجتمع والتاريخ مع أنه منخر ٌ
إن ََّّ
النص باعتباره:
ٍ
معلومات عن مالمح اإليديولوجية أو وقائع اجتماعية وسياسية ،أو ٍ
معلومات عن • وثيق ًة تاريخي ًة ،تُـق ّـدم
َ
العقلية..
ٍ
عصر ما... ف ما ،أو ٍ
وسط ما ،أو • أنه يرمز إلى القيم والمواقف الثقافية ،عند مؤّلـ ٍ
ٍ
اصطالحات 56يمكن أن يقبلها القارئ في الوقت الراهن ،بشروطه الثقافية الخاصة؛ • أنه يستخدم شفر ٍ
ات و
فالنص ُي َوّفر لعب ًة أو ميثا ًقا قد يحتفظ بمعنى ما عند القارئ وقد ال يحتفظ..
ــ ومن هنا أهمية المواقف التي يؤكدها النص ،لكن من هنا كذلك أهمية المواقف التي كان هو نفسه موضوعها. 55
30
الـفـصـل الـخـامــس
الص الـبـنـيــة
اســـتـخــ ُ
تنظيمه العام .فالبحث في وحداته وفي المبادئ العامة التي تنتظمه هو نص ما تستهدف دراس ُة ِ
بنية ّ ٍ
َ ُ
ٍ
سلسالت من العالمات ،فهي تركز ،إ ًذا ،على الشبكة الداللية للنص؛ ٍ
عالمات أو • ألنها تركز على
• ألنها تُ َـشـ ّكـل أحد األشكال الضرورية التي من خاللها يجري تَ َـمـث ُـل الوقائع التي يقترحها النص :قد يتغير
ٍ
بتعديل في النظام الذي من خالله جرى التلفظ بها. معنى المعلومات نفسها عندما نقوم
صيغ من التنظيم؛
ٍ ٍ
تركيب بين عدة مغلق .وبنيتُـه العامة هي نتاج
ٌ شيء كل ّ ٍ
نص هو ومن هناَّ ،
فإن َّ
ٌ
ويمكنها أن تكون ظاهرة أو مضمرة ،وهذه من إحدى الصعوبات التي تكتنف هذه الدراسة .ومن ٍ
جهة ً ً
أخرى ،البد من النظر إليها منفصل ًة عند التحليل؛ ولكن بما أنها تُـشـ ّكـل كال( النص ) ،فالمقابلة بينها
ٍ
وصف ،بل البد من استخالص مستلزمات هذه الصيغ ضرورية .و ال ينبغي للدراسة أن تتحول إلى مجرد
31
أ ـ التأليف:
التأليف 57هو نمط التنظيم الذي نعاينه بطريقة مباشرة ،وهو التقطيع الظاهر الذي يوافق المواثيق والعادات
59
نجعل تقسيمـًا معيَّـنـًا للمحتويات وبعض التمفصالت
َ تيسير القراءة ،وذلك بأن
ُ والغاية من هذا التقطيع هو
من السرد أو من االستدالل ،الخ .).وأحيانا ،قد تصاحبه ،أي التقطيع ،عناوين وعناوين فرعية توضح طريقة
المطبعي والمظهر المادي دالالت من الناحية التداولية .ومع ذلك ،فهذه التقطيعات ال تكون ً
دوما مناسبة
ٍ
فصول للوحدات .فقد يـحـدث أن يقوم مؤلّـف أو ناشر بتقطيع الحلقة نفسها أو االستدالل نفسه إلى فقر ٍ
ات أو ٌ ٌ َ َ ُ
تأليف النص.
ـ الئحة مختزلة بأهم أقسام التأليف :فقرات ،فصول ،أقسام ،أجزاءُ ،كـتُـب ،مجلدات ،بالنسبة إلى نصوص النثر؛ أبيات بالنسبة إلى 57
ـ يمكن استعمال الفهارس وفهارس المواد .ولننتبه إلى معنى الكتاب ( المعنى السائد) ومعنى الكتاب باعتباره وحدة صناعية في لغة 59
فوصول أو مغادرة ممثل ما ال تعني بالضرورة المرور من محطة إلى أخرى من األحداث.
32
ومن هنا ضرورة معالجة التقسيمات بما يناسب أنماط التنظيم( التي يمكن أن تكون مضمرة) القائمة على
متواليات النص.
ب ـ المتواليات:
متوالية صغرى أولى /متوالية صغرى ثانية.. متوالية أولى صغرى /متوالية صغرى ثانية ..
يشكل النص في مجموعه متوالية كبرى ،يمكن تقطيعها إلى متواليتين هي نفسها قابلة للتقطيع إلى
متواليات صغرى.
من الممكن أن تكون للمتواليات وظائف مختلفة :في حالة المحكيات ،يمكن أن تكون أحداثا فجائية أو
حلقات؛ وفي حالة الخطابات ،يمكن أن يتعلق األمر بالحجج ـ المفاتيح ،بتقدم أو باستطراد .وفي هذه الحالة
ٍ
خطاطة ما استخرجناه من النص من أجل أن ال يحصل خلط في ترتيب المتواليات. ـ من المفيد أن ُن َـدّون في شكل 61
33
النصـي " :إن الطريقة التي يرتبط بها بعض إيقاعـه العام .ومن ٍ
تنكشف لعب ُة " اإلخراج ّ
ُ جهة أخرى ،فبهذا َ
المتواليات مع البعض اآلخر تَـخلق تأثيرات للمعنى تكون مهمة :تسلسل بسيط ،تضمينات ،تعارضات،
توازيات ،الخ.
ترتيب الملفوظ .وبهذا يكون من الضروري فحص التنظيم الزماني بالنسبة إلى المحكي ،والتنظيم الزماني
ومن أجل دراسة التنظيم الزماني للمحكي ،من المالئم أن نقارن بين مدة السرد ومدة الحكاية( أو
تيب األحداث
ثان تر َ تم تكريسه لها64؛ ونضع على خ ٍّ
ط محورٍّي ٍ السرد ،مع اإلشارة إلى حجم النص الذي َّ
داخل الحكاية( أو التخييل) ،مع إجراء مقارنات بين مدة كل واحدة والمدة اإلجمالية .65وبعد ذلك ،نشتغل
وبالنسبة إلى المحكيات التي تقوم بتسريع ترتيب التخييل ،فإن المقارنة بين المدتين تكشف ما يسجله
النص ،وما يلخصه أو يسكت عنه .وفوق ذلك ،فالمقارنة تكشف ،انطال ًقا من الترتيب الذي يقدم به النص
جردا دقيًقا ما أمكن ذلك للمؤشرات الزمانية( ظروف الزمان ،أزمنة األفعال.)... ،
ـ من المفيد أن نقدم ً
63
ـ ستظهر بسهولة الدرجة التي تحتلها بالنظر إلى الحجم الكامل. 64
أيضا.
ـ ال يحدد النص دائما معطيات زمان الحكاية .والمعطيات التقريبية أو " البياضات " دالة ً
65
34
هاتين المدتين ،نوع الروابط القائمة بين وقائع ال يمكنها كرونولوجيا إال أن تتتابع أو تحدث بطريقة متزامنة.66
ونقوم بعد ذلك باستخراج ما يبدو أنه الخاصية المهيمنة على التنظيم الزماني.
ٍ
عنصر والحصة التي فاز بها داخل هو تنظيمها المنطقي .وعندئذ ،فالمالئم هو التركيز على موقع كل
النص.
وبالنظر إلى تقطيع المتواليات ،فإننا سنحاول أن نعرف إ ًذا نوع الرابط المنطقي( بمعناه الواسع) الموجود
ٍ
باستدالل بينها ،وأن نستخرج المنطق المهيمن في النص .وبهذا ،ستتشكل خطاطة :إذا كان األمر يتعلق
بطريقة متو ٍ
اصلة :مش ّكـل ًة بذلك َّ
ملخـصـًا للنص. 67 ٍ
كامل ،فإن سلسلة الحجج تترتَّـب على المحور المنطقي
ٍ
سابقة ٍ
صفحات العرض(.نحيل على وإال َّ
فإن بياضات أو تغييرات في المستويات ستظهر ،لتكشف تحوالت َ
ٍ
مالحظات تهم االختيارات يدفع إلى
يسمح تحليل التنظيم الزماني أو المنطقي ،إ ًذا ،بوصف النص ،لكنه ُ
ٍ
انتقاءات دالة هي التي تنكشف من خالل مختلف صيغ الحجاج والتنظيم الممكنة وفي ٍ
مكان آخر ،فإن
داخل الخطاب.
د ـ التنظيم الموضوعاتي:
ـ نحيل على صفحات سابقة من الكتاب بخصوص االلتباسات الممكنة بين النتيجة والتتابع. 66
35
ـبر مبادئ التنظيم السابقة :يتعلق األمر بـالتنظيم
هناك مبدأ آخر في التنظيم يمكن أن يأتي َع َ
ويـتـم تحليل هذا األخير انطالقـًا من الموضوعات كما تظهر داخل النص( يعني
الموضوعاتي للنص َ .
68
انطالقـًا من التشاكالت الكبرى) .وعلينا ،هنا أيضـًا ،استخراج الموضوعات ـ المفاتيح في النص ،وذلك من
ٍ
سلسالت َه َـرمـيَّـة ،كما هو األمر بالنسبة إلى أجل تحديد حوافزها( وفي هذه الحالة ،يستحسن بناء
المتواليات) .69وتساهم الموضوعات ،بظهورها المتكرر ،في ضبط إيقاع مدة النص .لكنها تعمل باألخص
على التقريب بين عناصر ،في الكرونولوجية أو العرض ،تكون بعيدة عن بعضها البعض .وبهذا نصل إلى
السؤال عن الطريقة التي تتوزع بها هذه العناصر داخل النص .وهذا ينطبق على كل النصوص ،السردية
طـابية ،وله أهمية خاصة في النصوص الشعرية :وبالفعل ،فإن لعبة اإليقاعات واألجراس هي التي
أو الخـ َ
تَـخلق حوافز داللية .70وهكذا ،فالتنظيم الموضوعاتي يستطيع أن يقيم روابط مختلفة مع البنيات الزمانية
ٍ
نصوص حيث الخاصية المهيمنة تكون دور جوهرّيـًا في دراسة َّ
إن تحليل البنيات الموضوعاتية يؤدي ًا
مؤس ٍ
ـسة على ٍ
مجموعات َّ داخل ٍ
عالمات اج
َ خـطابية أو شعرية :ذلك أن بإمكان الطريقة التي يتـم بها إدر ُ
البد من إجراء ٍ
تقابل بين مختلف هذه التحليالت ( ونتائجها ) من أجل استخراج مستلزمات صيغ التنظيم.
ـ في الحالة المناسبة ،يمكن أن يكون ترتيب التحليل بين الزماني والموضوعاتي معكوسا. 68
ـ بالنسبة إلى جرد الموضوعات ،يمكن اللجوء إلى الحقول المعجمية وقائمة التشاكالت. 69
ـ يمكن اعتبار الـزمان والفضاء موضوعتين من بين موضوعات أخرى؛ وهنا البد من تمييزها عن التنظيم الفضائي ـ الزماني بوصفه 71
مبدأ بنيويا.
36
والبد لهذه المحطة النهائية من هذه الطريقة المنهجية أن تحدد على األخص:
المضم َـرةُ :أي َـع ّـبـر التأليف عن البنيات الفعلية للنص؟ أم
َ • العالقة بين البنية الظاهرة( التأليف ) والبنيات
• العالقات التي تقوم بين مختلف صيغ التنظيم ونوع البنية المهيمن.
تعارض ،تناقض ،رصد مرآوي ،تقابل...ويمكن الجمع بين هذه المبادئ التنظيمية .ومن الممكن أن
نؤكد أو ننفي ( وجود) الخاصية المهيمنة الظاهرة( سردية ،خـطابية ،شعرية)؛ بل ومن الممكن
ٍ
باستنباط خطاب خطاب إقرار ّي أو آوي ،غير مكتمل ،الخ.؛ تخصيصها :محكي َس ٍـطـر ّيُ ،مـتقـ ّ
ٌ ٌ طـع ،مر ّ
متواصل ،الخ.؛ قصائد سردية أو قصائد قائمة على األلعاب الصوتية أو التك اررات ،الخ.
وهكذاَّ ،
فإن دراسة البنيات تسمح ،إ ًذا ،بتحديد عناصر الواقع التي يسلّـط عليها النص أضواءه أو التي
الناتجة عن هذه البنيات( بمعناها الحصر ّي :تأثيرات األشكال على الذهن واإلحساس) ال بوصفها تزيينات
أو ترتيبات ثانوية أو مجانية ،بل بوصفها الوسائل التي من خاللها ،هي نفسها ،تكون هذه العالقات الموجودة
نفسـها على
تتقرر من خالل تنظيم النص ،وتسعى إلى أن تفرض َ
إنها ،في المجموع ،رؤيةٌ للواقع َّ
القارئ :بمثل هذه المنهجية في الدراسة ،وبإدراك تشكالتها البنيوية ،نحمي القارئ من القراءة المضطربة،
37
الــفــصــل الــســادس
ف األســلــوب
ـــر ُ
ــع ُّ
َت َ
بهاء إضافيـًا :تحدد الدراسة كـل مصادر التعبير التي يستخدمها النص ،فهي
يينا أو ً
جميلة " تمنح النص تز ً
ٍ
فحص للجزئيات، األمر يقتضي في الغالب إجراء
َ كلها دالَّـة .وبهذا ،يكون موضوع الدراسة واسعـًا .وألن
فإن إحدى الصعوبات تكمن في الربط بين الجزئي والعام ،73وخاصة في النصوص الطويلة .وتتجلى
الصعوبة الثانية في التمييز الضرور ّي بين السمات التي تعود إلى القواعد أو التقاليد( معايير لسانية
وجمالية) ،واالختيارات الجديدة المفترضة التي يقدمها النص :ويقتضي هذا األمر توثيق حاالت اللسان و
الثالثة بالحمولة اإليديولوجية والعاطفية( إيديولوجية مؤّلـف ما ،أو إيديولوجية وسطه االجتماعي أو ثقافته)
وغالبا ما يكون من الصعب تقييمها .74ومن هنا ،البد لهذه المنهجية في ٍ
بعمليات أسلوبية، التي ترتبط
ً
القراءة من االنتباه اليقظ إلى الجزئيات التي تبدو تافهة .ويبقى أن األسلوب هو الذي عن طريقه يستميل
ـستحسـن فحص ئي للمقاطع موضوع التحليل .وعند االختيارُ ،ي ٍ ٍ
عيـنات" ،أي إجراء تحليل جز
ٍّ ـ وفي هذه الحالة ،البد من النظر في " ّ
73
َ
بداية النص( حيث يتأسس ميثاق القراءة) ونهايته ،وجميع المقاطع التي تناسب التحوالت األساس .لكن الوجود لقواعد ،ومن األفضل
العيـنات.
اإلكثار من ّ
ـ ومن الصعب تقييم عاطفة القارئ أيضا .والبد من المقابلة بين التحليالت السيكولوجية والسوسيولوجية خالل الدراسة. 74
38
أ ـ معايير وتقاليد:
ـخضع لها. ـف بواسطة معايير وتقاليد البد أن َي إطار من قواعد التعبير ،فهو َّ يؤخـذ كل ّ ٍ
نص في ٍ
َ مؤل ٌَ َ
الحال أنه يفرض طريقة معينة في قول الحقائق .وبالنسبة إلى القارئ ،فـثـق ُـل هذه
أمر طبيعيـًا .و ُ
كما هو ًا
ط في ّ ٍ
نص ما احتيا ٌ 75
يكون أمام نص بلغة قريبة أو مشابهة للغته .وه ّكا ،فإن تحديد حالة اللسان
طول الدراسة من أجل تقييم صحيح لمختلف عمليات التعبير قيد المالحظة( وقبل ذلك ،البد من فهم
• المعيار الجوهر ّي الثاني هو الشعرية التي ينتمي إليها النص .فكل نص إال َ
ويـصدر عن شعرية :76في
النصوص األدبية التي تنطبق عليها بطريقة تمييزية ،ولكنها تنطبق أيضا على البطاقة الشخصية ،الرسالة
حب ،الخ ،.فلهذه هي األخرى تقاليدها وأشكالها الضرورية ،الظاهرة أحيانا ،والضمنية في
الرسمية ،رسالة ّ
قيودا :هناك في المرتبة األولى " قوانين " الجنس :هناك نمط متداول من الرسالة
الغالب .والشعرية تفرض ً
الرسمية ،إلى حد أنه من الممكن أن نوّفـر منها نماذج ،والبد للمأساة الكالسيكية أن تتألف من خمسة
فصول من البحور الشعرية الطويلة ،الخ .ولكنها تشترط وجود تقاليد وشفرات تعفي الكاتب من البحث عن
صيغ جديدة أو صيغ مالئمة بطريقة دقيقة :تكون صيغ التأدب في نهاية الرسالة الرسمية ،مثال ،مقننة ً
تبعا
لتراتبية المتخاطبين ،وتبقى جامدة مسكوكة كيفما كان محتوى الرسالة .وهذه التقاليد هي التي تحدد معايير
39
المحتمل داخل
َ ما نعتبره ،في عصر ما ،شيئـًا جميال أو مقبوال على األقل .وهي تحدد على الخصوص
التعبير :فمثال ،كان البحر الطويل في المسرح الكالسيكي يـعتبـر ،بالتقليد ،صورة( مـع َّ
ـظ َـمـة بالتأكيد) للحوار ً َُ ُ َ
بين أناس صادقين نزهاء .وهكذا ،فإن النص ُيـقيم ،إ ًذا ،من خالل الطريقة التي يوجد بها داخل شعرية ما،
ٍ
بجمهور ما وبآفاق انتظاره .وهنا أيضـًا ،البد من أن نحاول القيام بتقييم متواصل ل َـمـا نوعـًا من العالقة
جديدا.
ابتكار ً
ًا يطابق التقاليد ،وما يمكن اعتباره
• َّ
إن ميثاق القراءة الذي يقترحه النص على قارئه يتعلق ،إ ًذا ،في جزء كبير منه ،بالنسبة إلى جانبه
األسلوبي ،بهذه المعايير والتقاليد .ذلك أنه من داخل جزئيات التعبير يشير كل ّ ٍ
نص إلى الكيفية التي يتحدد
بها بالنظر إلى هذه المعايير والتقاليد ،وتبعـًا للغايات التي يستهدفها.
ـفرض
وبتعيين ميثاق القراءة ،يتحدد النص معياريـا من تلقاء ذاته :فانطال ًقا من التقاليد والمعايير التي تُ َ
علي النص من الخارج من خالل وضعيته داخل الثقافة ،تتحدد القيود والتقاليد التي ستكون من خصائصه
والبد للقارئ من القبول بها إذا أراد الفهم والتذوق .وقد يكون من الضروري أن نقوم بتحليل هذا المعيار
ب ـ اختيارات الكتابة:
لكن ميثاق القراءة ليس إال برنامجا لالنطالق ،شيئا جنينيا في كتابة النص .وبعد ذلك ،يقوم هذا األخير،
على طول عرضه ،باستعمال عناصر الكتابةُ ،م َـد ّعـمـًا أو ُمـ َـعـ ّـدال معطياتها األولية ،من خالل مجموعة من
التي يستخدمها من أجل تحقيق الغايات( التأثير على القارئ) التي يرمي إليها. 78
اختيارات الكتابة
فشيئا.
ـ وهذه االختيارات متعددة .والبد من أن نأخذ بعين االعتبار أن جنسًا ما بإمكانه أن يفرض معجما معينا ،أو شكال ثابتا ،أو أن يؤثر في 78
التركيب.
40
• أوال ،تمكن مالحظة هذه االختيارات داخل المعجم والتركيب ومستويات اللسان .وعند فحصها ،البد
من أن نبرز:
-بالنسبة إلى المعجم ،امتداده وتنوعه ،وحقوله المعجمية المفضلة ،وربما تكرار بعض الكلمات أو بعض
اإليحاءات؛
-أن مستوى اللسان الذي يستعمله النص ،وهو مرتبط مباشرة بالمعجم والتركيب ،يشير إلى نوع من العالقة
بالجمهور .وفي الواقع ،فإن مستوى اللسان إال إحدى الوسائل الممكنة التي تسمح للمتكلم بأن َّ
يدل على
ٍ
موقف ما؛ فهو إذن عالمة اجتماعية وثقافية.79
صنف ٍ
ثان من اختيارات الكتابة ،ويتجلى في طرائق العرض التي يستخدمها النص .ونصيبه من ٌ • وهناك
احترام الصيغ :السردية بالمعنى الحصري( التي تقوم على أفعال الحدث) ،والوصفية( أفعال وصفية)،
واإلق اررية ،والتداولية؛ وطريقته في توزيع صيغ االستشهاد( أسلوب مباشر ،غير مباشر ،غير مباشر
بمشير ٍ
ات إلى وجهات النظر ،وبتدخالت السارد أو المؤّلف ،وبخاصية النص المهيمنة السردية
ـ عندما تكون مستويات اللسان المستعملة عديدة ،فال يكفي جردها في قائمة :البد من أن نفحص متى وكيف ولماذا تتركَّـب .والبد أن نقابل 79
41
• ومن الممكن أن يتجلى الصنف الثالث من االختيارات في استعمال الطرائق البالغية .وهي تهم باألخص
النص( وفضال عن ذلك ،فهذا موضوع دراسة لسانية) ،وال حتى أن نقوم بوصف الطرائق المبتكرة فقط.
فالبد للتحليل أ ن يعمل على إبراز ما يخصص النص ،وأن يبحث عن دالالت اختيارات الكتابة وغاياتها.
ويفترض تركيب هذه المالحظات( بخصوص القيود واالختيارات) أن نقوم بتقييم نصيب النص من
األولي الذي انطلق منه ،وإما أنه يقوم بتعديالت على طول الصفحات.81
• عالقة األسلوب بالمستقـ ِبـل هي أول هذه الرهانات .ويتعلق األمر بتحليل الدور الذي يؤديه األسلوب داخل
ـارس على القارئ .أكان منشغال بتزيين القول ،أم بمفاجأة ٍ
الم َـم َ
النص ،في عالقة بالموضوع المعاَلـج وبالتأثير ُ
القارئ أم باإللحاح على بعض جوانب الملفوظ؟ أم أنه كان جزًءا ،أو األصح الـجزء الجوهري في النص(
وفي هذه الحالة ،بإمكان هذا األخير أن يتميَّز بالدور المهيمن الذي يؤدبه الشعر ّي في داخله)؟ وتبعـًا
ٍ
مختلفة،ال داللة األسلوب للجواب الممكن عن مختلف الفرضيات ،يكون من الممكن أن نـدرك بطر ٍ
يقة ُ َ
ٍ
صفحات معدودة. متكررة ،حتى عندما ينحصر التحليل في
42
ات اإليقاع ،والصور الناتجة عن لعبة الوجوه البالغية ( ربما
فحسب ،بل وداللة النص في مجموعه .فتأثير ُ
ٍ
بشكل واسع ...وهي تطابق رؤية للعالم( الواعية ،بقي ٍم اجتماعية وعاطفية .83وهي التي يستخدمها اإلشهار
تخييلي ،وفي المسرح باألخص ،ال ترتسم لمؤّلف ما ،أو تيار فكري ،أو وسط اجتماعي)...؛ ففي ّ ٍ
نص
ٍّ
نفسية الشخصيات وأساطيرها( وال شيء يتغير في الجوهر سواء أكانت نمطية أو مبتكرة) 84إال من خالل
أسلوب أقوالها.
لكن القارئ بإمكانه أن يراقب هذه الطرائق ،وأن يكتشف أو يحلل اإليقاع ،والصور ،والنبرة ،من دون
أن تستميله؛ أو بالعكس بإمكانه أن ينخرط في لعبتها على طول القراءة .فاألسلوب هو إحدى الوسائل
المفاتيح للتأثير الذي يمارسه النص على مستقبـلـه.وكلما أدركنا نسيجه إال وساعد ذلك على تذوقه؛ أو أن
في الوقت نفسه سمات فردية ومنتوجات وسط ما أو ثقافة ما .85وهنا تتحدد حدود هذه المنهجية( يمكن أن
نحلل أسلوبا ،لكن هذا ال يحدد مع ذلك آثاره على القارئ) بل وامتداداتها الممكنة( أبحاث في رؤى العالم
ـ وهي دائما صعبة التحديد .نحيل على صفحات سابقة من الكتاب. 82
83ـ ومن هنا ضرورة التوثيق .لكن ال ينبغي لنا أن نتخذ التوثيق كأنه شيء مسلَّ ٌم به مسبقا :فالنص هو نفسه يشير إلى موقفه( من خالل الحقول المعجمية ،واألالعيب التركيبية،
وعالمات التلفظ.)...
ـ البد من المقابلة بينها من منظور نفسي واجتماعي .والبد أن نأخذ بعين االعتبار أقوال الشخصيات وموقعها داخل الحدث ،ودورها بوصفها قوى فاعلة. 84
ـ ينبغي لنا ،على األخص ،أن نتجنب المعاني العكسية الناتجة عن تقدير خاطئ للتقاليد( مثال ،أن نعتبر لغة ،كانت " متوسطة " في 85
43
الــفــصــل الــســابــع
أ ـ مبادئ:
ٍ
تأويالت لمجموع النص. ٍ
دالالت ،وتجنّ ُـد وتكشف إضاءة للنص، تقدم
ُ ً فكل واحدة من هذه الطرائق المنهجية ّ
لكنها ال تقصي بعضها البعض :بالعكس ،فالنص يش ّكـل كال .ومن الضرور ّي إ ًذا أن نجري مقابلة بين
مختلف طرائق القراءة ،وأن نجعلها تمارس االنتقاد بصورة متبادلة .وهذا ما يسمح بأن نفحص ما إذا كانت
اختيار
ًا نتائجها متوافقة ،وأن نباشر في الوقت نفسه ،انطالقا من التأويالت التي قدَّمتها كل طريقة منهجية،
وهكذا ،فالمقابلة محطة حاسمة( فيها تُـتَّـخذ الق اررات) .ويختلف محتواها تبعـًا للنصوص وتبعـًا لنتائج
ب ـ طرائق المقابلة:
ٍ
مكتسب من مكتسبات مختلف منظورات القراءة كيف ينبغي للمنهجية الشاملة أن يفرض كل ّ ٍ
نص وكل ُ
تكون في هذه المحطة من الدراسة .وبالتالي ،فالمسألة ال تتعلق برسم نموذج ـ نمطي؛ بالعكس ،من الضروري
ّ
أن يبحث كل قارئ( أو مجموعة من القرَّاء) عن طريقة االشتغال األك ثر مناسبة .ومع ذلك ،فإن بعض
العمليات المنهجية الجزئية تفرض نفسها في الحاالت كلها( والترتيب المقدَّم هنا ليس إلزاميا) ،منها:
44
َّ -
أن المقابلة تقوم بـمراجعات .وهذه األخيرة حاضرة مسبقا في كل منهجية من منهجيات القراءة ،وذلك
الدرس
النظر و ُ
ُ جرى إدراكه من زوايا عديدة .لكن من الضروري ،في هذه المحطة النهائية ،أن يعاد فيها
بطر ٍ
يقة نسقية ،سواء باالنطالق من أوصاف النص ،أو سواء باالنطالق من الحجج المقدَّمة من أجل
نفحص ما إذا كان األسلوب قد جرى إدراكه من خالل معايير ال تسمح بها المعطيات السوسيو ـ
تاريخية( خطأ من المنظور التاريخي) .وهكذا ،فكل النتائج الالمنطقية ستجد نفسها ملغاة؛ ومن ٍ
جهة
أخرى ،فإن كل األسئلة المتواصلة التي بقيت من دون جواب ،ستجد هنا الحلول المناسبة.
بالنسبة إلى النص موضوع القراءة ،أي ببيان فعاليتها .وبهذا ،يمكن أن يقوم بوضع خطاطة تراتبية
كل ّ ٍ
نص .وهذا البيان ،إذا أضفناه إلى التلخيص أعالهُ ،يـق ّـدم رؤية شاملة لمنهجيات القراءة بالنسبة إلى ّ
نقدي.
ـكم ٍيصل إلى صياغة ُح ٍ
َ الطرائق المنهجية ،وأن
َّ
إن أهمية " قراءة " ما ال تعود إلى امتدادها فقط ،أي إلى العدد المرتفع من عناصر النص التي تُـضيئها،
بل إلى مالءمة وحمولة التأويالت التي تتقدم بها .فبعض العناصر التي تظهر قليلة األهمية في الظاهر
45
بإمكانها في نهاية األمر أن تكشف عن روابط قادرة على تقديم دالال ٍت جوهرية ،وأن تتجاوز أخرى كانت
اء ".
تبدو أكثر " ثر ً
تقارب بين القراءات عندما تسير نتائج مختلف الطرائق المنهجية في االتجاه نفسه .فمثال ،بالنسبة
ٌ -هناك
انطال ًقا من زوايا النظر المختلفة ،تصل التأويالت إلى نتائج متطابقة أو متشابهة .ومن الممكن أن يقوم
ٍ
تأويل شامل تركيب ،وذلك عندما تتأسس مختلف التأويالت على أساس
ٍ أن يقوم التقارب على أساس
ٍ
دالالت منسجمة في ما بينها -وهناك منافسة عندما تقترح العديد من القراءات ،من دون أن تتناقض،
أي حجة حاسمة بالفصل ...وقد يحدث أن يكون بإمكان هذه التأويالت المتنافسة أن
بحيث ال تسمح ّ
تنضاف إلى بعضها البعض من دون أن تؤسس تركيبة ،مؤكدة بذلك على الطابع المتعدد ـ الداللة
46
• مستويات التأويل:
بما أننا عملنا أثناء التحليل على أخذ العديد من جوانب الداللة بعين االعتبار ،فإن المقابلة بين القراءات
بإمكانها كذلك أن تقود إلى مالحظة مختلف مستويات التحليل .وبهذه الطريقة ،فإن ما يستلزمه النص
يتنوع ويتغير ،بحسب تركيزنا على جانبه الداللي ،أوبحسب نظرنا في جانبه الرمزي ،والرؤية للواقع التي
ُي َـع ّـبـر عنها ،ومكانته داخل الحياة الثقافية في زمنه وفي الوقت الراهن .وهكذا ،قد تكون موضوعة
التداولي للنص حين نشره ،قد ال تثير تلك الموضوعة االنتباه ،أو قد تبدو ثانوية؛ وبعد قرٍن ،سيكون
بإمكان القارئ المعاصر أن يأخذها على أنها ضرورية في منظور يتأمل تاريخ الرمزيات األدبية.
• يحتوي الحكم النقدي جزًءا جوهريا من التقييم الموضوعي للنص .لكن اختيار القارئ لهذا التأويل أو ذاك،
ٍ
موقف من فائدة النص أو لذته أو أهميته .وما ينبغي له أن يبقى متواصال ،على طول يقود إلى اتخاذ
العمليات المنهجية وتقابالتها ،هو االهتمام بتجنب األحكام المسبقة وردات الفعل االنفعالية؛ ولحظة الحكم
النقدي ،يكون ما بنيناه قد اتخذ له مكانـًا بين الموضوعية واالختيار الشخصي لكل قارئ ،وهو بالضرورة
اختيار ذاتي.
في الممارسة ،يمكن أن تُـجرى المقابلة حسب الترتيب الموجود أعاله ،لكننا عندما ننطلق ،مثال ،من
تأويل يظهر أنه يفرض نفسه في مجرى التحليالت؛ وهكذا ،يمكن أن تُـجرى المراجعة والتلخيص والبيان
ٍ
تحليل منهجي للحجج التي تعمل لصالحه ،فنحتفظ بالبعض النقدي انطال ًقا من منطوق هذا التأويل ومن
ـز ونلغي البعض اآلخر .وفي النهاية ،البد لمحطة المقابلة أن تكون مواجهة بين النص نفسه والقارئ َ
مج َّـه ًا
47
نموذج هذه المنهجية هو مبادرات هذا القارئ ،أو
َ سيـحدد
بمعارفه وبالعناصر التي اكتسبها من قراءته .وما ُ
كل
أيضا أن نقابل بين كل هذا المجموع وأحكام النقد وتحليالته المتعلقة بالنص .فبإمكان ّ
ومن الممكن ً
غ رأيه حول النص ،أن يقارنه بأحكام اآلخرين النقدية .وبهذا ،ينفتح حوار آخر ،فيقوم
قارئ ،بعد أن يصو َ
القرَّاء( سواء تعلق األمر بنقاد محترفين أو غير محترفين) بالمقابلة بين وجهات نظرهم .ولمز ٍيد من التفكير،
البد من اختيار هذا النسق النقدي أو رفضه :وهذا هو االستعمال الجيد للنقد ،انطال ًقا من حكم شخصي
مؤسس.
َّ
ٍ
محطة من طرائق القراءة الست ،من الضروري وفي هذا العمل الذي يقابل بين القراءات ،كما في كل
فعليـًا:
الواقع ،لم نق أر النص ّ
أساس التمارين المتعلقة بالقراءة(" تلخيص النص " " ،تعليق على النص " " ،مقالة
ُ وهذه المعطيات هي
شخصي. نقدي
وبكل حك ٍم ٍّ أدبية " " ،قراءة تفسيرية " ،الخ).
ٍّ ّ
48
49