Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 134

‫مسلك القانون العام ــ إجازة التميز ‪ -‬األسدس ‪5‬‬

‫مادة ‪ :‬المسؤولية اإلدارية‬


‫األستاذ عمر لغليمي‬
‫السنة الجامعية ‪2023-2022‬‬

‫المسؤولية اإلدارية‬
‫‪1‬‬
‫املحاور األساسية‬
‫✓املحور األول ‪ :‬املسئولية اإلدارية ‪ :‬التعريف والخصائص والتطور التاريخي‬
‫(الورقة أألولى)‬
‫✓املحور الثاني ‪ :‬أساس املسئولية اإلدارية في املغرب (الورقة الثانية)‬
‫✓املحور الثالث ‪ :‬أسس املسئولية اإلدارية (الورقة الثالثة)‬
‫• املسئولية القائمة على الخطأ‬
‫• املسئولية بدون خطأ‬
‫▪ القائمة على املخاطر‬
‫▪ القائمة على مبدأ املساواة أمام التكاليف العامة‬
‫▪ القائمة على مبدأ التضامن الوطني‬

‫‪2‬‬
‫الورقة األولى ‪:‬‬
‫المسئولية اإلدارية ‪ :‬التعريف – الخصائص والتط ور‬
‫التاريخي‬

‫أوال ‪ :‬تعريف المسئولية اإلدارية‬

‫‪3‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف المسئولية اإلدارية‬

‫• املسؤولية اإلدارية من املفاهيم القانونية التي يصعب وضع تعريف دقيق ومحدد لها‪ .‬وهذا ما‬
‫يفسر خلو الكتابات ومؤلفات القانون اإلداري من تعريف جامع ومانع لهذا النوع من املسئولية‪.‬‬
‫• وتزداد صعوبة العثور على مثل هذا التعريف الدقيق والشامل واملانع ملفهوم املسئولية اإلدارية‬
‫حينما نرى اختالفات على مستوى عناوين تلك الكتابات واملؤلفات والتي تختلف من مؤلف إلى‬
‫آخر‪ .‬فهناك من يوظف مصطلح "مسئولية اإلدارة ‪la responsabilité de‬‬
‫‪Michel ROUSSET et George GARAGAN, « Droit administratif ،"l’Administration‬‬
‫‪marocain », thèmes actuels, REMALD, n° 99-2017.‬‬

‫• ومنهم من يتحدث عن "مسئولية السلطة العامة ‪la responsabilité de la puissance‬‬


‫‪George TEISSIER, « la responsabilité de la puissance publique », Paul (،"publique‬‬
‫‪)DUPONT éditeur, 1906.‬‬

‫‪4‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف المسئولية اإلدارية‬

‫وآخرون من يستخدم عبارة املسئولية العمومية‪George DUPUIS, Marie-،"la responsabilité publique‬‬ ‫•‬
‫‪José GUEDON et Patrice CHRETIEN, « Droit administratif », 10ème éd, Dalloz, 1992, 2007.‬‬

‫• ومن املؤكد أن هذا االختالف على مستوى العناوين الخاصة بمناقشة موضوع املسئولية اإلدارية يخلق نوعا من‬
‫االلتباس والغموض لدرجة الخلط بين مختلف هذه املفاهيم‪ ،‬فضال عن الصعوبات التي تثيرها على مستوى تحديد‬
‫تعريف دقيق لها‪.‬‬

‫• وقبل التطرق إلى بعض التعريفات التي ملفهوم املسؤولية اإلدارية‪ ،‬نود أوال التمييز بين مختلف هذه العناوين‬
‫الخاصة بمسؤولية الدولة أو اإلدارة‪ .‬ماذا يقصد بمسؤولية اإلدارة؟ وهل نفس مدلول مسؤولية السلطة العامة؟‬
‫وما الذي يميز مفهوم " املسئولية اإلدارية " عن هذه املفاهيم؟‬

‫• إن مصطلح مسؤولية اإلدارة ‪ ،la responsabilité de l’administration‬وكما ترى ذلك ‪ Hafida BELRHALI‬في‬
‫مؤلفها حول املسئولية اإلدارية‪ ،‬يشير إلى املسؤولية املترتبة عن فعل اإلدارة ‪acte d’administrer‬فقط؛ وبالتالي‪،‬‬
‫فإن إثارة هذه املسؤولية تكون أمام كل من القاض ي اإلداري والقاض ي العادي‪ .‬ومن ثم تخرج من دائرة هذه املسؤولية‬
‫املسئولية الناجمة عن العمل التشريعي أو القضائي‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف المسئولية اإلدارية‬

‫• إن عبارة املسئولية اإلدارية تتميز كذلك عن مسؤولية السلطة العامة ‪la responsabilité‬‬
‫‪ de la puissance publique‬والتي تندرج ضمنها‪ ،‬باإلضافة إلى مسؤولية اإلدارة أي املسئولية‬
‫الناجمة عن فعل اإلدارة‪ ،‬املسؤولية عن العمل التشريعي والقضائي‪.‬‬
‫• لكن حينما نتكلم عن مفهوم املسؤولية اإلدارية ‪ la responsabilité administrative‬فتخص‬
‫باألساس مسؤولية األشخاص االعتبارية العامة باإلضافة إلى مسؤولية كل شخص خاص يتولى‬
‫مهمة تسيير مرفق عمومي ويتوفر على امتيازات السلطة العامة طبقا ألحكام القانون اإلداري‬
‫وتحت مراقبة القاض ي اإلداري‪.‬‬
‫• ولهذا فإن املسؤولية اإلدارية تعرف بأنها ‪ " :‬التزام يقع على عاتق األشخاص االعتبارية أو‬
‫األشخاص الخاصة الذين يتولون مهمة تسيير مرفق عام ويتوفرون على امتيازات السلطة‬
‫العامة‪ ،‬بتعويض األضرار الذين يتسببون فيها إلى الغير‪ ،‬وفقا ألحكام القانون اإلداري وتحت‬
‫مراقبة القاض ي اإلداري" ( ‪Hafida Belrhali, responsabilité administrative, éd LGDJ‬‬
‫‪.)Lexteso, 2017‬‬
‫‪6‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف المسئولية اإلدارية‬

‫بالنسبة ‪ Michel PAILLET‬فقد عرف املسؤولية اإلدارية انطالقا من معنيين ‪ :‬املعنى‬


‫اإليجابي للمسؤولية اإلدارية حيث يقصد بها (املسؤولية اإلدارية) ذلك االلتزام الذي يقع على عاتق‬
‫اإلدارة بتعويض الضرر الذي تعرض له الضحية ماليا (‪ ،)pécuniairement‬وذلك في إطار ما‬
‫‪.)la réparation par équivalent‬‬ ‫يسمى تقليديا بـ ـ (التعويض املعادل‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬حينما تتسبب اإلدارة‪ ،‬أثناء ممارسة نشاطها في ضرر ألحد األشخاص‪ ،‬فهي ملزمة‬
‫بدفع مقابل نقدي يعادل حجم الضرر الذي لحق به‪ .‬وهذا املقابل النقدي يأخذ شكل ما يسمى ب‬
‫" التعويضات عن الضرر ‪."des dommages-intérêts‬‬
‫وهناك من جهة أخرى املعنى السلبي ‪ :‬ويقوم على أساس عدم الخلط بين مسؤولية اإلدارة وباقي‬
‫األنواع األخرى للمسؤولية والتي تخضع لها اإلدارة‪ .‬ويتعلق األمر بكل من املسؤولية الجنائية‬
‫واملسؤولية التأديبية وأيضا املسؤولية السياسية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف المسئولية اإلدارية‬

‫فاملسؤولية الجنائية تفترض توقيع عقوبات جنائية‪ ،‬وهذا ما ال تتوخاه املسؤولية اإلدارية؛ ألن‬
‫من خصوصيات املسؤولية اإلدارية أنها مسؤولية مدنية تصحيحية تقوم على أساس التعويض‬
‫املادي وليست مسؤولية زجرية (عقابية)‪.‬‬
‫أما املسؤولية التأديبية تخص السير الداخلي لإلدارة حيث تفترض وقوع ما يسمى بالخطأ‬
‫التأديبي‪( la faute disciplinaire‬إخالل املوظف بواجباته املهنية(مما يستوجب توقيع‬
‫عقوبات تأديبية من قبل السلطة الرئاسية‪ .‬بينما املسؤولية اإلدارية فتتعلق بعالقة اإلدارة‬
‫بمحيطها الخارجي (مع املرتفقين مثال)‪ ،‬كما أن إثارتها تتم حتى ولو في غياب ارتكاب الخطأ‬
‫(املسؤولية على أساس املخاطر مثال)‪.‬‬
‫فيما يتعلق باملسؤولية السياسية‪ ،‬فاختالفها عن املسؤولية اإلدارية يتمثل في كونها ال يترتب‬
‫عنها تعويض مادي كما هو الحال بالنسبة للمسؤولية اإلدارية‪ ،‬وإنما تتجلى تبعاتها على مستوى‬
‫الوظائف السياسية واإلدارية ‪.les fonctions politico-administratives‬‬

‫‪8‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مسؤولية إدارية أم مسؤولية مدنية؟‬

‫• إن تعبير املسئولية اإلدارية هو أدق من حيث املعنى من مفهوم املسئولية املدنية‪ .‬صحيح أن كال‬
‫املسئوليتين ترميان إلى تحقيق نفس الهدف ‪ :‬الحصول على تعويض مادي جراء ضرر تسبب فيه‬
‫أحد األشخاص‪ .‬لكنهما يختلفان من حيث أن لكل نوع من هاتين املسئوليتين خصائصها املميزة‬
‫لها‪ .‬فما هي إذن الخصائص املميزة للمسئولية اإلدارية عن املسئولية املدنية التي ينظمها‬
‫القانون املدني (القانون الخاص)‪.‬‬
‫• الخاصية األولى ‪ :‬املسئولية اإلدارية ذات منشأ قضائي‪ .‬وهذه الخاصية تنطبق على التجربة‬
‫الفرنسية في مجال املسئولية اإلدارية‪ ،‬حيث أن هذه األخيرة لم تظهر ‪،‬كمبدأ عام‪ ،‬إال مع‬
‫اجتهادات القاض ي اإلداري الفرنس ي‪ .‬فمعظم الكتابات الفقهية في مجال القانون اإلداري ترجع‬
‫ميالد املسئولية اإلدارية‪ ،‬كمبدأ عام‪ ،‬إلى قرار بالنكو الشهير الصادر عن محكمة التنازع بتاريخ‬
‫‪ 8‬فبراير ‪ 1873‬في قضية الفتاة أنييس بالنكو ‪.Agnès Blanco‬‬

‫‪9‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مسؤولية إدارية أم مسؤولية مدنية؟‬

‫• بخالف املسئولية املدنية فقد نظمتها أحكام املواد من ‪ 1240‬إلى ‪1252‬من القانون املدني‬
‫الفرنس ي‪ .‬بالنسبة للمغرب‪ ،‬األمر مختلف‪ ،‬حيث تستند املسئولية اإلدارية إلى نص تشريعي؛‬
‫يتعلق األمر بقانون االلتزامات والعقود وال سيما الفصلين ‪ 79‬و ‪.80‬‬
‫• الخاصية الثانية ‪ :‬املسئولية اإلدارية تتعلق بأشخاص اعتبارية للقانون العام ‪ :‬وهذه الخاصية‬
‫تجعلها أيضا متميزة عن املسئولية املدنية طاملا أن هذه األخيرة تنظمها أحكام القانون الخاص؛‬
‫ألنها تتعلق فقط بالعالقات بين األفراد‪ .‬وهذه الخاصية بالذات هي التي حدت بالفقه إلى‬
‫استخدام مصطلح " املسئولية اإلدارية أو املسئولية العمومية" عوضا عن مصطلح " املسئولية‬
‫املدنية"‪.‬‬
‫• صحيح أن املسئولية اإلدارية هنا ينبغي فهمها بمعناها الواسع أي مسئولية األشخاص االعتبارية‬
‫للقانون العام باإلضافة إلى مسئولية األشخاص الخاصة بشرط أن تتولى هذه األخيرة مسئولية‬
‫تدبير مرفق عام وأن تتمتع بامتيازات السلطة العامة ( ‪CE, 13 oct 1978, Association‬‬
‫‪départementale pour l’aménagement des structures agricoles du Rhône, Rec.‬‬
‫‪.)CE, p 168‬‬
‫‪10‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مسؤولية إدارية أم مسؤولية مدنية؟‬

‫• ومادامت املسئولية اإلدارية تتعلق باألشخاص االعتبارية للقانون العامة (السلطات العامة)‪ ،‬إضافة إلى‬
‫الخواص بالشروط املذكورة أعاله‪ ،‬فإنها تخضع ألحكام القانون اإلداري و االختصاص فيها يعود إلى‬
‫القاض ي اإلداري‪.‬‬

‫• الخاصية الثالثة ‪ :‬املسئولية اإلدارية ليست عامة ول مطلقة‬


‫• تعتبر هذه الخاصية أهم ميزة تنفرد بها املسئولية اإلدارية مقارنة باملسئولية املدنية‪ .‬فاملسئولية املدنية‬
‫تقوم على املبدأ القاض ي بأن كل خطأ تسبب في ضرر يترتب عنه تعويض الضحية كما تنص على ذلك‬
‫صراحة املادة ‪ 1240‬من القانون املدني الفرنس ي والتي جاء فيها ‪Tout fait quelconque de " :‬‬
‫‪l'homme, qui cause à autrui un dommage, oblige celui par la faute‬‬
‫‪."duquel il est arrivé à le réparer.‬‬
‫• مثل هذه الخاصية تغيب حينما نتكلم عن املسئولية اإلدارية‪ .‬فهذه األخيرة‪ ،‬وعلى عكس املسئولية‬
‫املدنية‪ ،‬ليست عامة مما يعني أن ليس كل خطأ ترتكبه اإلدارة يترتب عنه دفع تعويض للضحية‪ .‬غياب‬
‫عنصر العمومية هذا في إطار املسئولية اإلدارية يتيح للقاض ي اإلداري معالجة الحاالت املعروضة عليه‬
‫حالة بحالة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مسؤولية إدارية أم مسؤولية مدنية؟‬

‫• ثم إن املسئولية اإلدارية ليست مطلقة‪ ،‬وبالتالي فهي ال تخضع لنفس املنطق الذي يحكم‬
‫املسئولية املدنية؛ إلن القاض ي اإلداري‪ ،‬في إطار املسئولية اإلدارية يقوم بتعديل ‪ moduler‬تلك‬
‫املسئولية بحسب حدة وجسامة األخطاء املرتكبة من طرف اإلدارة (أهو خطأ بسيط أم‬
‫جسيم‪ ،‬خطأ شخص ي أم مرفقي؟)‪ ،‬طبيعة املرفق املرتكب للخطأ‪ ،‬الظروف التي يشتغل فيها‬
‫املرفق العام (ظروف الزمان واملكان)‪.‬‬

‫• إن من خصوصيات املسئولية اإلدارية أنها ال تطبق بشكل موحد على كافة املرافق العامة‪،‬‬
‫وإنما تختلف أحكامها بتعدد املرافق العامة واختالف وطبيعتها‪.‬‬

‫• إن هاتين الخاصيتين تجد أساسهما في قرار بالنكو الصادر عن محكمة التنازع حيث جاء فيه‬
‫بأن املسئولية التيي يمكن أن تقع على عاتق اإلدارة ينبغي أال تكون عامة وال مطلقة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مسؤولية إدارية أم مسؤولية مدنية؟‬

‫• فاملسئولية اإلدارية في منطق قرار بالنكو يجب أال تكون عامة وال مطلقة‪ ،‬وإنما لها قواعدها الخاصة بها‬
‫والتي ينبغي أن تراعي حاجيات كل مرفق على حدة وضرورة التوفيق بين متطلبات املرفق وحماية حقوق‬
‫املواطنين‪ .‬وهذا ما يفسر تمييز القاض ي اإلداري بين أصناف متعددة من األخطاء ‪ :‬أخطاء بسيطة ‪fautes‬‬
‫‪ ،simples‬أخطاء جسيمة ‪ ،fautes lourdes‬أخطاء ذات خطورة استثنائية ‪fautes d’une‬‬
‫‪ exceptionnelle gravité‬أو على درجة معينة من الخطورة‪ ،‬أخطاء واضحة ‪.fautes caractérisées‬‬

‫• من جهة أخرى‪ ،‬ليست كل األخطاء التي ترتكب أثناء ممارسة الوظيفة تثير مسئولية املرفق العام‪ ،‬ولهذا‬
‫نجد القاض ي اإلداري يميز بين االخطأ املرفقي الذي تتحمل اإلدارة مسئولية التعويض عن األضرار‬
‫املترتبة عنه‪ ،‬والخطأ الشخص ي الذي تقع مسئولية التعويض عنه على عاتق املوظف وليس على عاتق‬
‫اإلدارة‪.‬‬

‫• إن اتصاف املسئولية اإلدارية بكونها ليست عامة وليست مطلقة إنما الغاية من ورائه تكريس استقاللية‬
‫نظام املسئولية اإلدارية بإخضاعها لقواعد متميزة عن القانون املدني؛ قواعد تقوم على املبدأ القاض ي‬
‫بأنه ليس كل خطأ تسبب فيه شخص ما لشخص آخر يترتب عنه تعويض الضحية عن الضرر الذي‬
‫أصابها‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مسؤولية إدارية أم مسؤولية مدنية؟‬

‫• ولهذا السبب‪ ،‬كان القاض ي اإلداري‪ ،‬في بعض الحاالت‪ ،‬ال يقبل بإثارة مسئولية اإلدارة إال في حالة‬
‫ارتكابها ألخطاء جسيمة مراعاة لطبيعتها‪ ،‬وظروف اشتغالها‪ ،‬والصعوبات التي تعترضها أثناء ممارسة‬
‫مهامها‪ .‬بل إنه‪ ،‬حتى على مستوى إثبات الخطأ‪ ،‬نجد أن القاض ي اإلداري‪ ،‬بالنسبة لبعض الحاالت‬
‫(الصيانة غير العادية للمنشآت مثال)‪ ،‬ابتدع ما يسمى ب "الخطأ املفترض ‪présomption de la‬‬
‫‪ "faute‬حيث عبء إثبات الخطأ يقع على اإلدارة ال املواطن وذلك حماية لحقوقه‪ ،‬وأخذا بعين‬
‫االعتبار الصعوبات التي قد تعترض هذا األخير في إثبات الخطأ املرتكب من طرف اإلدارة‪.‬‬

‫• فالقاض ي اإلداري في إطار املسئولية اإلدارية يأخذ بعين االعتبار من جهة مصالح املرافق العامة‬
‫(متطلبات املصلحة العامة‪ ،‬حماية املال العام‪ ،‬حماية العاملين باملرافق العامة لخصوصية املهام التي‬
‫يقومون بها‪ ،‬الصعوبات التي تواجهها املرافق العامة) ومن جهة أخرى حماية حقوق األفراد في حالة‬
‫إصابتهم بضرر جراء األعمال اإلدارية‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مسؤولية إدارية أم مسؤولية مدنية؟‬

‫• أضف إلى ذلك أن النشاط الذي تقوم به اإلدارة ال يخضع دائما ملراقبة القاض ي اإلداري وال‬
‫تطبق بشأنه أحكام القانون اإلداري؛ وبالتالي‪ ،‬فإن إثارة مسئولية اإلدارة عن األضرار الناجمة‬
‫عن تلك النشاطات تندرج ضمن اختصاص القاض ي العادي وتطبق عليها أحكام القانون‬
‫املدني‪ .‬واألمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها ‪:‬‬
‫• املسئولية عن أعمال املرافق العامة ذات الطابع التجاري والصناعي باستثناء األضرار الناجمة‬
‫عن األشغال العمومية والتي تصيب الغير‪.‬‬
‫• املسئولية عن األضرار الناجمة عن أعمال الخواص في حالة تدبير مرفق عام ذي طابع إداري‬
‫باستثناء القرارات اإلدارية املطبوعة بامتيازات السلطة العامة حيث االختصاص بشأنها يعود إلى‬
‫القاض ي اإلداري وليس إلى القاض ي العادي‪.‬‬
‫• املسئولية عن أعمال األشخاص االعتبارية العامة املتعلقة بتدبير امللك الخاص‪..‬‬
‫• املسئولية عن األخطاء الشخصية للعاملين في اإلدارة (املرافق العامة)‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التطور التاريخي للمسئولية اإلدارية‬

‫• في هذه الورقة سنعرج على بعض األنظمة القانونية املقارنة لنظام‬


‫املسئولية اإلدارية (فرنسا‪ ،‬بريطانيا‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية)‬
‫(أوال)‪،‬‬
‫• ولكن قبل ذلك‪ ،‬سنضرب في أعماق التاريخ لنتعرف‪ ،‬بإيجاز‪ ،‬على‬
‫واقع املسئولية اإلدارية في بعض الحضارات القديمة (مثل‬
‫الحضارتين اليونانية والرومانية) قبل أن نتطرق إلى واقع املسئولية‬
‫اإلدارية في اإلسالم (ثانيا)‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫أ ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في الحضا رتين اليونانية والرومانية‬

‫• إن إثارة مسؤولية الدولة (اإلدارة) في الحضارتين اليونانية والرومانية كانت تصطدم مع قضية‬
‫السيادة ‪ .la souveraineté‬فقد كانت هذه األخيرة خاصية مميزة لها‪ ،‬ال سيما في ظل‬
‫عدم االعتراف لألفراد بحقوق اتجاه السلطة الحاكمة‪ ،‬مما كان يجعل من مسألة الحصول‬
‫على تعويضات عن األضرار التي تصيبهم شبه مستحيلة‪.‬‬
‫• ففي اليونان قديما‪ ،‬وبخاصة في أثينا وإسبارطا‪ ،‬كان الحاكم يملك مطلق الحرية في التصرف‬
‫في أموال األفراد‪ ،‬ومن ثم لم يكن مسئوال عن األضرار املترتبة عن أعماله ؛ فمسئوليته هي‬
‫أمام اإلله الذي يعتبر املصدر الوحيد لسلطته‪.‬‬
‫• في الحضارة الرومانية‪ ،‬لم يختلف األمر عما كان عليه في ظل الحضارة اليونانية‪ .‬فبالرغم من‬
‫االعتراف للمواطن الروماني بحقه في امللكية أو ما يعرف ب ـ" ‪ ، "la propriété quiritaire‬والذي‬
‫كان يترتب عليه تعويض في حالة قيام موظفي الدولة باملس به‪ ،‬فإن هذا االعتراف لم يكن‬

‫‪17‬‬
‫أ ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في الحضا رتين اليونانية والرومانية‬

‫اعتراف نظري ‪،‬ال سيما وأن املواطنين لم يكونوا يملكون فعليا االحتجاج به في‬
‫مواجهة الدولة‪ .‬والسبب في ذلك‪ ،‬أن الدولة لم تكن وقتئذ تعتبر شخصا معنويا‬
‫متميزا عن شخص الحاكم (االمبراطور)‪ ،‬بمعنى أنه لم يكن هناك فصل بين الذمة‬
‫املالية للدولة و مالية االمبراطور‪ ،‬مما كان يحول دون مطالبة املواطن الروماني‬
‫بالحصول على تعويضات في حالة نزع ملكيته‪.‬‬
‫• من جهة أخرى‪ ،‬تميز الحكم الروماني بتجميع السلط في يد الحاكم وبخاصة‬
‫السلطتين اإلدارية والقضائية‪ ،‬وبالتالي لم يكن لهذه األخيرة سلطة على السلطة‬
‫اإلدارية‪ .‬وهذا ما أشار إليه ‪ Mommsen‬بقوله بأن ‪ " :‬الفكرة الكبرى والعميقة بجعل‬
‫جهاز تابع للدولة والقضاء املدني فوق باقي األجهزة األخرى للدولة على مستوى‬
‫الدعاوى التي تخص الثروة العامة غريبة عن الدستورالروماني"‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ب ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في بعض األنظمة القانونية‬
‫املقا رنة‬

‫في فرنسا‬

‫• كان تجسيد الدولة للسيادة يقف حائال أمام عدم إمكانية مقاضاتها عن األضرار التي تسببها‬
‫لألفراد‪ .‬ولهذا‪ ،‬لم يكن هناك من سبيل أمامهم سوى مقاضاة املوظف بصفة شخصية‬
‫للحصول على التعويض من ماله الخاص‪ .‬غير أن املتضرر‪ ،‬غالبا ما كان يفاجأ بإعسار‬
‫املوظف‪.‬‬
‫• باإلضافة إلى أن املشرع غالبا ما كان يتدخل لحماية املوظف من خالل عدم السماح لألفراد‬
‫بمقاضاة موظفي اإلدارة إال بعد الحصول على إذن سابق‪ .‬وهكذا كانت تنص املادة ‪ 75‬من‬
‫دستور السنة الثامنة في فرنسا والتي ألغيت سنة ‪" : 1870‬ال يمكن مقاضاة موظفي الحكومة‬
‫عما يتعلق بشؤون وظائفهم إال بمقتض ى قرار من مجلس الدولة‪ .‬وفي هذه الحالة تكون‬
‫مقاضاتهم أمام املحاكم العادية"‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ب ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في بعض األنظمة القانونية املقا رنة‬

‫في فرنسا‬

‫• لقد كانت الدولة‪ ،‬في فرنسا‪ ،‬هي امللك وامللك هو الدولة‪ .‬فكل من الدولة وامللك كان يشكالن‬
‫شخصية معنوية واحدة‪ .‬هذه الوضعية عبر عنها ‪ Bossuet‬بقوله ‪ ":‬الدولة كلها في شخص‬
‫األمير‪ .‬فيه تتجسد القدرة املطلقة و فيه تتجسد كل إرادة الشعب"‪ .‬ولقد كان للفكرة‬
‫الدينية دور أساس ي في ترسيخ هذا املعتقد القاض ي بقدسية امللك وعدم خضوعه للمساءلة‬
‫واملحاسبة‪.‬‬
‫• ولذلك كان امللك يعد امتدادا وظال إلرادة هللا فوق األرض‪ .‬وبالتالي‪" ،‬ال يسيئ صنعا امللك"‪.‬‬
‫األمر الذي جعل امللك يتوفر على سلطة مطلقة في جميع املجاالت‪ ،‬لدرجة أنه يعتبر فوق‬
‫الدولة‪ ،‬حيث كان لويس الرابع عشر يقول ‪" :‬أنا الدولة والدولة أنا"‪ .‬وكان يقول كذلك ‪" :‬إن‬
‫سلطة امللوك مستمدة من تفويض الخالق‪ ،‬فاهلل مصدرها وليس الشعب‪ ،‬وهم مسئولون‬
‫أمام هللا وحده وعن كيفية استخدامها"‪ .‬ومن بعده لويس الخامس عشر ‪" :‬إننا لم نتلق‬
‫التاج إال من هللا‪ ،‬فسلطة سن القوانين من اختصاصنا وحدنا وال يشاركنا فيها أحد وال نخضع‬
‫فيها ألحد"‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫ب ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في بعض األنظمة القانونية املقا رنة‬

‫• فهذا التفويض اإللهي كان‪ ،‬بالنسبة للحكام ‪،‬بمثابة الغطاء الذي يحتمون به من املساءلة واملحاسبة‬
‫من طرف الشعب‪ ،‬ومبررا لحكمهم املطلق‪ .‬يقول محمد يوسف موس ى تعبيرا عن هذا الوضع ‪" :‬كان من‬
‫الطبيعي أن يعيش رئيس الدولة التي تعيش تحت هذا النظام‪ ،‬وأن يكون لغيره ومن معه من النبالء‬
‫ورجال الدين من المتيازات ما ليس ألحد من طبقات األمة املختلفة" ‪.‬‬
‫• بل إن ‪( Lebret‬أحد من رجال الدين) سيكون أكثر وضوحا في التعبير عن هذا الوضع بقوله ‪" :‬‬
‫حكامنا ل يتلقون التاج (الصولجان) إل من هللا‪ ،‬وليسوا ملزمين بالخضوع ألية قوة أرضية"‪.‬‬
‫• فاعتبار امللك صاحب السيادة املطلقة والتامة على الجميع‪ ،‬اكان يحرم ألفراد من التمتع بالحقوق‬
‫املنوطة فقط بهذه السيادة الكاملة واملطلقة؛ فامللك هو صاحب السيادة الكاملة في مملكته‪ .‬وبالتالي‪،‬‬
‫فهؤالء األفراد ال يملكون أي حقوق تجاهه مما يعني استحالة مساءلته عن األضرار الناجمة عن أعمال‬
‫موظفيه الذين يحظون بثقته واملختارين من طرفه‪.‬‬
‫• عدم توفر األفراد على حقوق في مواجهة امللك عبر عنها إدوار الفريير ‪ Edouard Laferrière‬بقوله ‪" :‬إن‬
‫من خصوصيات إرادة امللك (السيادة) أنها ملزمة للجميع وبدون تعويض"‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ب ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في بعض األنظمة القانونية املقا رنة‬

‫❖فرنسا والتحول التدريجي نحو املسؤولية اإلدارية‬


‫لقد لعبت عوامل كثيرة دورا حاسما في انتقال فرنسا من عهد الالمسئولية اإلدارية إلى‬
‫عهد املسؤولية اإلدارية‪.‬‬
‫• العوامل السياسية‪ ،‬واملتمثلة في تحول نظام الحكم من ملكية مطلقة إلى نظام‬
‫جمهوري ديمقراطي أكثر تقبال لفكرة خضوع كل من الحكام واملحكومين للقانون‪،‬‬
‫سيما أن الخواص ضغطوا بقوة من أجل الحصول على التعويض عن ما لحقهم من‬
‫أضرار ناتجة عن تصرفات اإلدارة‪.‬‬
‫• العوامل الفقهية‪ ،‬وتتجلى في الدور البارز الذي اضطلع به الفقه اإلداري الفرنس ي في‬
‫مهاجمة مبدأ عدم املسؤولية واملطالبة بضرورة خضوع الدولة لقواعد املسؤولية‪.‬‬
‫• العوامل القضائية‪ ،‬تمثلت في دور القضاء اإلداري الفرنس ي في تقرير مبدأ مسؤولية‬
‫الدولة ولكن بشكل تدريجي‪ .‬أوال‪ ،‬من خالل التمييز بين أعمال السلطة العامة‬
‫وأعمال التسيير وقد رتب على هذا التمييز مسؤولية الدولة عن األعمال الثانية‬
‫(أعمال التسيير)‪ ،‬وعدم مسؤوليتها عن النوع الثاني من األعمال (أعمال السلطة)‪ ،‬إال‬
‫إذا وجد نص قانوني ينص على تعويض األضرار الناتجة عن أعمال السلطة‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫ب ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في بع ض األنظمة القانونية املقا رن ة‬

‫ثانيا من خالل قرار بالنكو الصادر عن محكمة التنازع بتاريخ ‪ 8‬فبراير ‪ 1873‬والذي‬
‫أسس الستقاللية وخصوصية املسئولية اإلدارية‪ .‬فالتحول من المسئولية اإلدارة إلى‬
‫املسئولية اإلدارية كان مشروطا‪ ،‬حسب قرار بالنكو بضرورة أال تكون هذه املسئولية عامة‬
‫وال مطلقة‪ .‬فهذا القرار تضمن مسألتين اثنتين ‪ :‬تكريس استقاللية قانون املسئولية‬
‫اإلدارية التي ينبغي أال تخضع إلى لقواعد القانون الخاص‪ .‬ثم‪ ،‬من جهة ثانية‪ ،‬تقييد نطاق‬
‫هذه املسئولية باإلشارة إال أنها "ليست مطلقة وليست عامة"‪.‬‬
‫ثالثا من خالل القرار الصادر عن مجلس الدولة الفرنس ي في قضية ‪Tomas‬‬
‫‪Grecco‬بتاريخ ‪ 10‬فبراير ‪ 1905‬حيث قبل بإثارة مسئولية الدولة عن الخطأ املرفقي‬
‫الصادر عن مرق الشرطة‪ ،‬ليضع بذلك حدا للتمييز بين أعمال السلطة التي لم تكن‬
‫وأعمال التسيير التي كانت ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ب ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في بعض األنظمة القانونية املقا رن ة‬

‫املسؤولية اإلدارية في األنظمة األنجلوسكسونية‬

‫• إن انعدام املسؤولية اإلدارية لم يكن فقط خاصية مميزة لفرنسا‪ ،‬وإنما يعتبر كذلك‬
‫من الخصوصيات التاريخية لألنظمة اإلدارية األنجلوسكسونية سواء تعلق األمر‬
‫بالقانون اإلنجليزي أو القانون األمريكي‪.‬‬
‫• في إنجلترا كان املبدأ العام السائد هو عدم مسؤولية الدولة عن األضرار التي تتسبب‬
‫فيها لألفراد‪ .‬هذا املبدأ يجد سنده في عاملين أساسيين ‪:‬‬
‫• العامل األول يتمثل في تلك القاعدة الدستورية القديمة التي تقول ‪ :‬امللك ال يخطئ‬
‫‪ the king can do no wrong‬ولقد ترتب عن هذا املبدأ خلط بين كل من‬
‫الدولة والتاج البريطاني‪ .‬وبما أن التاج ال يخطئ فإن الدولة هي األخرى ال تخطئ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ب ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في بع ض األنظمة القانونية املقا رنة‬

‫• إن عدم مسؤولية التاج البريطاني تستمد جذورها من النظريات الثيوقراطية ‪les théories‬‬
‫‪ théocratiques‬والتي تبرر سلطة امللوك بأنها مستمدة من هللا بطريق مباشر أو غير مباشر‪.‬‬
‫ومن ثم فإن إرادة الحكام تعلو على إرادة املحكومين وال يملك الشعب محاسبتهم أو‬
‫مساءلتهم عما ارتكبوه من أخطاء أو تقصير أو إهمال‪.‬‬
‫• أما العامل الثاني فيقوم على طبيعة العالقة بين الدولة واملوظف ‪ :‬عالقة تعاقدية أو عالقة‬
‫وكالة‪ .‬ومن هذا املنطلق‪ ،‬فاملوظف كوكيل عن الدولة في أداء مهامه ال يمكن أن يسأل عن‬
‫األعمال التي يقوم بها في ظل هذه الوكالة حتى وإن تسببت هذه األعمال في أضرار لألفراد ()‪.‬‬
‫أما إذا تصرف املوظف خارج هذه الوكالة وترتبت أضرار عن هذا التصرف فإنه يسأل‬
‫شخصيا عن هذه األضرار‪.‬‬
‫• إن ثبوت الخطأ في حق املوظف يترتب عنه التزام هذا األخير بتعويض الضرر الذي تسبب‬
‫فيه من ماله الخاص‪ ،‬غير أنه من الناحية الواقعية "جرى العرف أن تتحمل الدولة هذا‬
‫التعويض ال من باب االلتزام القانوني وإنما فقط من باب الشفقة والرحمة"‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ب ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في بع ض األنظمة القانونية املقا رنة‬

‫• النظام األمريكي في مجال املسؤولية اإلدارية يقوم على نفس املبدأ الذي تقوم عليه هذه املسؤولية‬
‫في النظام اإلنجليزي ‪":‬التاج ال يخطئ"‪.‬‬
‫• ولهذا الوضع تفسير تاريخي يتمثل في كون الواليات املتحدة األمريكية كانت خاضعة للتاج البريطاني‪.‬‬
‫وسيستمر الوضع على هذا الحال حتى بعد استقالل الواليات املتحدة األمريكية عن بريطانيا‪،‬‬
‫وكذلك حتى بعد تبنيها للنظام الجمهوري الذي يختلف عن النظام امللكي السائد في بريطانيا‪.‬‬
‫• صحيح أن كال من النظام الفرنس ي والنظام األنجلوسكسوني عرف تطورا في اتجاه االعتراف‬
‫باملسؤولية اإلدارية‪ .‬ففي فرنسا أقر حكم بالنكو الصادر عن محكمة التنازع بتاريخ ‪ 8‬فبراير ‪1873‬‬
‫بمسؤولية اإلدارة عن األضرار التي تتسبب فيها للغير‪.‬‬
‫• النظام األنجلوسكسوني هو اآلخر سيقر بمبدأ مسؤولية اإلدارة عن أفعالها الضارة سنة ‪ 1947‬في‬
‫انجلترا وسنة ‪ 1946‬في الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬وكما نالحظ‪ ،‬فالقاسم املشترك بين فرنسا‬
‫وانجلترا والواليات املتحدة األمريكية هو حداثة نشأة املسؤولية اإلدارية‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ج ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في اإلسالم‬

‫• مالحظات جد هامة ‪:‬‬


‫• املالحظة األولى ‪ :‬إذا كانت املسؤولية اإلدارية لم تجد لها مكانا سواء في األنظمة التي‬
‫سبقته أو حتى في األنظمة الحديثة إلى عهد قريب‪ ،‬فإنها في ظل النظام اإلسالمي احتلت‬
‫مركزا هاما باعتبارها جوهر نظام الحكم في اإلسالم‪ .‬ففي النظام اإلسالمي‪ ،‬هناك تالزم‬
‫وثيق بين السلطة واملسؤولية‪ .‬فحيث توجد السلطة توجد املسؤولية‪ ،‬وبالتالي ال مجال‬
‫للحديث عن الحاكم اإلله أو الحاكم ظل هللا في األرض أو الحاكم الذي يسمو على‬
‫الشعب‪.‬‬
‫• املالحظة الثانية ‪ :‬إن اإلسالم كان له قدم السبق في تقرير مسؤولية الدولة أو اإلدارة عن‬
‫أفعالها الضارة‪ .‬وفي هذا ضمانة قوية للحقوق والحريات‪ .‬هكذا‪ ،‬فالتشريع اإلسالمي‬
‫يحفل بعدد من النصوص واألحكام التي توجب على اإلدارة تعويض األفراد عن األضرار‬
‫التي تتسبب فيها‪ .‬وتستوي في ذلك كل من املسؤولية القائمة على الخطأ أو املسؤولية‬
‫القائمة على أساس املخاطر‪ .‬هذه األحكام وتلك النصوص إما تجد مصدرها في نصوص‬
‫القرآن أو في السنة النبوية الشريفة أو فيما يسمى باملبادئ الفقهية العامة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ج ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في اإلسالم‬

‫• التشريع اإلسالمي وتعدد مصادراملسئولية اإلدارية‬


‫✓النصوص القرآنية ‪:‬‬
‫" ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إال أن يصدقوا" (سورة‬ ‫•‬
‫النساء اآلية ‪)91‬‬
‫كما تجد المسؤولية اإلدارية سندها في اآلية الكريمة ‪" :‬إن هللا يأمركم أن تؤدوا األمانات‬ ‫•‬
‫إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل‪ ،‬إن هللا نعما يعظكم به إن هللا كان‬
‫سميعا بصيرا" (اآلية ‪ / 58‬سورة النساء‪.).‬‬
‫فالحكم والمسؤولية في اإلسالم ليس أبهة ووجاهة ووسيلة للتسلط والتجبر على العباد‪ ،‬إنما‬ ‫•‬
‫هما بالدرجة األولى أمانة‪ .‬والبد لمن يتقلد مسؤولية الحكم من تأديتها على الوجه األكمل‬
‫وعدم خيانتها‪.‬‬
‫وقد حذر هللا عز وجل من ذلك حيث قال ‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ال تخونوا هللا والرسول‬ ‫•‬
‫وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون" ( اآلية ‪ /27‬سورة األنفال)‪.‬‬
‫فخيانة المسؤولية هي أوال وأخيرا خيانة هلل والرسول صلى هللا عيه وسلم‪ .‬وأكيد أن من‬ ‫•‬
‫يتوالها سيسأل عنها ‪" :‬لتسألن عما كنتم تعملون" (اآلية ‪ /93‬سورة النحل)‬
‫‪28‬‬
‫ج ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في اإلسالم‬

‫إن التمعن في مجموع هذه اآليات سيالحظ ما يلي ‪:‬‬


‫• قد ال يفهم من هذه اآليات بأن األمر يتعلق باملسؤولية اإلدارية بمفهومها الحديث‪ ،‬حيث‬
‫أن هذه اآليات لم تستعمل مصطلحات من قبيل املسؤولية املرفقية أو املصلحية أو‬
‫املسؤولية الشخصية‪...‬إلخ‪ .‬ولكن هل هذا يعني أن املسؤولية اإلدارية غير مشمولة بهذه‬
‫اآليات ؟‬
‫• إن عدم تخصيص اإلدارة ومؤسسات الدولة في ظل هذه اآليات منبثق من فلسفة‬
‫اإلسالم في مجال املسؤولية ‪ :‬مسئولية شاملة‪ ،‬دون التمييز بين الحاكم واملحكوم‪ ،‬حيث‬
‫ال نجد قواعد مسؤولية خاصة بالحاكم وأخرى باملحكوم ؛ فكالهما يخضع لنفس قواعد‬
‫املسؤولية‪.‬‬
‫• باإلضافة إلى أن منطق اإلسالم قائم على أساس أن هذه القواعد صالحة لكل زمان‬
‫ومكان‪ .‬لذلك غاب عنها التخصيص وجاءت عامة‪ ،‬ألن العبرة‪ ،‬في علم أصول الفقه‪،‬‬
‫بعموم اللفظ ال بخصوص السبب‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ج ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في اإلسالم‬

‫األحاديث النبوية الشريفة ‪:‬‬


‫تحفل السنة النبوية الشريفة بأحاديث كثيرة تعتبر بمثابة األساس الذي تستند عليه المسؤولية‬
‫اإلدارية في اإلسالم‪.‬‬
‫هناك الحديث الجامع المانع الذي يقول فيه الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬ال ضرر وال‬ ‫•‬
‫ضرار" ‪.‬‬
‫وكذلك الحديث الذي يوجب على المرافق الطبية تعويض األضرار التي تلحقها باألفراد ‪" :‬من‬ ‫•‬
‫تطبب وال يعلم منه طب فهو ضامن"‪ ،‬دون التمييز في ذلك بين الطبيب الذي يعمل في المرفق‬
‫العام أو الطبيب الخاص‪.‬‬
‫هناك أحاديث أخرى توجب على من تسبب في الضرر تعويضه‪ .‬كالحديث الذي يقول فيه‬ ‫•‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم "الزعيم غارم"‪ ،‬بمعنى "ضامن"‪ .‬والزعيم هو الضامن‪ ،‬والغارم‬
‫معناه الذي يؤدي شيئا لزمه‪.‬‬
‫وقد بلغ من حرص الرسول صلى هللا عليه وسلم على المسؤولية أنها كانت على رأس األمور‬ ‫•‬
‫الجوهرية التي ركز عليها حتى وهو في حجة الوداع حيث قال‪" :‬إن دماءكم وأموالكم عليكم‬
‫حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا"‪ .‬وأعاد التأكيد على ذلك في حديث آخر‬
‫حيث قال ‪" :‬كل المسلم على المسلم حرام‪ ،‬دمه وماله وعرضه"‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ج ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في اإلسالم‬

‫‪:‬‬ ‫مالحظة جد هامة‬


‫إن هذه األحاديث الشريفة‪ ،‬إن غاب عنها هي األخرى التخصيص في جانب املسؤولية‬
‫اإلدارية‪ ،‬فألنها تتماش ى مع املبدأ القرآني العام القائم على أساس عدم التمييز بين‬
‫الحكام واملحكومين على مستوى الخضوع للمسؤولية‪ .‬باإلضافة إلى أنها تعتبر قواعد‬
‫صالحة لكل زمان ومكان‪ ،‬مما يفسر ورودها على وجه التعميم‪ .‬كما أنها تدخل في إطار‬
‫النظرة الشمولية لإلسالم في مجال املسؤولية‪.‬‬
‫• املبادئ الفقهية ‪:‬‬
‫ال تنحصر مصادر املسئولية اإلدارية فقط في النصوص القرآنية واألحاديث النبوية‬
‫الشريفة وإنما تشمل أيضا املبادئ الفقهية‪ .‬واألمثلة على ذلك كثيرة لعل أهمها املبادئ‬
‫الفقهية التالية ‪:‬‬
‫" الضرر يزال" ‪:‬فهذا املبدأ يجد أساسه في الحديث النبوي الشريف "ال ضرر وال ضرار"‪.‬‬
‫وهي تعتبر األساس في منع الفعل الضار والحيلولة دون وقوعه‪ .‬كما تتضمن ترتيب‬
‫النتائج الناجمة عنه‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫ج ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في اإلسالم‬

‫واملتمثلة في التعويض املالي والعقوبة‪ .‬كما أن نص هذه القاعدة يوحي بمنع وقوع‬
‫الضرر مطلقا‪ .‬كما أنه يشمل أيضا دفع الضرر قبل وقوعه‪ ،‬بكل طرق الوقاية‬
‫املمكنة‪ ،‬كما يشمل أيضا رفعه بعد وقوعه بما يمكن من التدابير التي تزيل آثاره‬
‫وتمنع تكراره‬
‫• املبدأ الثاني ‪" :‬من أتلف شيئا فعليه إصالحه"‪ ،‬فإن اإلتالف هو إلحاق ضرر‬
‫بالغير سواء في ماله أو نفسه‪ .‬واإلتالف موجب لتعويض الضرر الناش ئ عنه‪.‬‬
‫واإلتالف قد يكون جزئيا كبتر أحد األعضاء‪ ،‬كما قد يكون كليا كقتل إنسان‪.‬‬
‫وهذا املبدأ يجد سنده في الحديث النبوي "طعام بطعام وإناء بإناء"‪ .‬فمقتض ى‬
‫هذا املبدأ‪ ،‬أن من أتلف شيئا لغيره فإن عليه تعويضه حتى ولو ارتكب خطأ‪،‬‬
‫مثلما يحصل في قتل الخطأ ففيه الدية ولو كان خطأ‪ ،‬وكذلك اإلنسان إذا‬
‫أفسد شيئا لغيره ولو كان مخطئا فإنه يضمنه‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ج ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في اإلسالم‬

‫املسئولية اإلدارية في اإلسالم وتطبيقاتها العملية‬

‫❖مسئولية الدولة عن الخطأ املرفقي (مسئولية مرفق الجيش وحادثة خالد بن الوليد‬
‫(ض))‪.‬‬
‫• تتلخص وقائع هذه الحادثة في أن خالد بن الوليد قتل أفرادا من بني جذيمة‪ ،‬ظنا منه أنه يخادعونه‪ ،‬ولم‬
‫يسلموا‪ .‬فلما بلغ ذلك رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حزه ذلك وقال "اللهم إني أبرؤ إليك مما صنع خالد"‪.‬‬
‫فقام بتكليف علي بن أبي طالب كرم هللا وجهه بتعويض كل قتيل من بني جذيمة‪ ،‬بتقديم الدية إليهم وعوضهم‬
‫عما افتقدوه من متاع من أموال البيت"‬
‫• أهم املبادئ والدروس املستخلصة ‪ :‬أوال ‪ :‬بالرغم من أن خالد بن الوليد هو "سيف هللا املسلول" في اإلسالم‪،‬‬
‫فإن هذا لم يعفه من الخضوع للمسؤولية واملحاسبة‪ ،‬علما أنه كان ذا مكانة مهمة سواء شرفا أو خبرة‬
‫عسكرية‪ .‬ثانيا ‪ :‬عدم رض ى الرسول صلى هللا عليه وسلم عن فعل خالد بن الوليد قائال ‪" :‬اللهم إني أبرؤ إليك‬
‫مما صنع خالد"‪ .‬فسياق الواقعة يستبعد كل خطأ شخص ي لخالد بن الوليد‪ ،‬حيث أن األمر يتعلق بظنه أنه‬
‫خداع من أفراد بني جذيمة‪ .‬وبالتالي لو غاب هذا الظن لقامت املسؤولية الشخصية‪ .‬هذا الخطأ املرفقي‬
‫استوجب تعويضا كليا وليس جزئيا شمل جميع املتضررين‪ ،‬ولكن من خزينة الدولة‪ .‬وهذا هو قضاء التعويض‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫ج ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في اإلسالم‬

‫املسئولية اإلدارية في اإلسالم وتطبيقاتها العملية‬


‫❖مسئولية الدولة عن مرفق القضاء (و اقعة أبي موس ى األشعري مع الرجل شارب‬
‫الخمر)‬
‫• تتلخص وقائع هذه القضية في أن أبا موس ى األشعري حكم على أحد األفراد شرب الخمر‬
‫بعقوبة الجلد كحد‪ ،‬لكنه أضاف إلى هذه العقوبة الشرعية عقوبة أخرى تمثلت في منعه من‬
‫حضور مجالس الناس‪ .‬فشكاه إلى عمر بن الخطاب رض ي هللا عنه‪ ،‬فحكم له بتعويضه عن‬
‫الضرر الذي أصابه من جراء منعه من مجالسة الناس‪.‬‬
‫• يستخلص من هذه الواقعة ثالثة عناصر أساسة ‪ :‬أوال‪ ،‬ليس هناك ما يسمى بحجية الش يء‬
‫املقض ي به أمام حقوق األفراد طاملا أن حقوق األفراد متضررة‪ .‬ثانيا‪ ،‬تقرير مسئولية‬
‫القاض ي عن األضرار التي قد يلحقها باملتقاضين أو باألفراد‪ .‬ثالثا‪ ،‬الضرر ليس دائما ماديا‪،‬‬
‫ألن هذه الواقعة اعترفت بوجود ضرر معنوي‪ ،‬علما أن القضاء اإلداري كان يرفض ولفترة‬
‫طويلة التعويض عن األضرار املعنوية بناء على القاعدة التي تقول أن "الدموع ال تعويض‬
‫عنها" ‪Les larmes ne se monnayent pas‬‬
‫‪34‬‬
‫ج ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في اإلسالم‬

‫املسئولية اإلدارية في اإلسالم وتطبيقاتها العملية‬

‫❖ مسؤولة عن تعويض األضرارالناجمة عن األخطاء الطبية (مرفق الصحة)‪.‬‬


‫وكمثال على هذه الحالة‪ ،‬الواقعة املعروفة بقطع ذكر الصبي‪ .‬فقد روي أن رجال كان يختن‬
‫الصبيان‪ ،‬فقطع من ذكر الصبي فضمنه عمر رض ي هللا عنه‪.‬‬
‫فإذا كانت هذه الواقعة مرتبطة بالخطأ الطبي‪ ،‬فالبد من التأكيد على أن الخطأ الطبي في‬
‫األنظمة الوضعية ال يقوم إال في حالة الخطأ الجسيم آخذا بعين االعتبار طبيعة املرفق‬
‫العام‪ .‬وهذه الواقعة تشير إلى أنها تتضمن فعال خطأ جسيما ‪ :‬القطع من ذكر الصبي‪ .‬وهذا‬
‫خطأ فادح وجسيم‪ ،‬ألنه كان يشكل خطأ استثنائيا في املمارسات الطبية آنذاك‪ .‬إن هذه‬
‫املسؤولية اعتبرت مسؤولية شخصية ألن "الطبيب" هو الذي يتحمل مسؤولية التعويض‬
‫(ملحوظة ‪ :‬ليس هناك ما يشير في الواقعة أهو طبيب عام أم خاص)‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ج ‪ :‬املسئولية اإلدا رية في اإلسالم‬

‫املسئولية اإلدارية في اإلسالم وتطبيقاتها العملية‬

‫من تطبيقات املسئولية اإلدارية على أساس املخاطر ما أقره عمر بن الخطاب (ض)‬ ‫•‬
‫بخصوص مسؤولية اإلدارة املرتبطة باألشغال العمومية‪ .‬وقد قال في هذا الصدد ‪" :‬لو أن بغلة‬
‫عثرت في العراق لسألني هللا عنها لم تصلح لها الطريق يا عمر"‪.‬‬
‫ففي مقولة عمر (ض) داللة واضحة على مسؤولية الدولة عن مخاطر األشغال العمومية‬ ‫•‬
‫حتى وإن كانت األضرار املترتبة عنها بسيطة حيث الفعل الذي استعمله عمر جد بسيط على‬
‫مستوى الضرر ‪" :‬عثرت"‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فالضرر املترتب عن "العثور" جد بسيط باملقارنة مع الضرر‬
‫املترتب عن "املوت" أو "الجروح" أو "الهالك"‪ ،‬إلخ‪.‬‬
‫وقد يعتقد البعض أن هذا املبدأ قد وضعه عمر بن الخطاب من أجل حماية الحيوانات‬ ‫•‬
‫فقط‪ .‬صحيح أن سياق الواقعة يتعلق ببغلة ولكن هذا ال يعني أن املسؤولية على أساس املخاطر‬
‫مرتبطة فقط بالحيوانات‪ ،‬ألن ظروف النازلة تفيد أن األمر يتعلق بحماية كل مستعمل لهذه الطريق‬
‫أكان إنسانا أم حيوانا‪ .‬لذلك بدأ عمر بن الخطاب قوله بـ " لو" الشرطية إشارة إلى خطورة املسألة‪.‬‬
‫فإذا كان سيسأل عن الحيوان فما بالك باإلنسان‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫الورقة الثانية ‪:‬‬
‫أساس المسئولية اإلدارية بالمغرب‬

‫‪37‬‬
‫أوال ‪ :‬جدل فقهي كبير حول أساس المسئولية‬
‫اإلدارية‬

‫• لعل من بين النقاشات القوية التي أثارتها املسؤولية اإلدارية في املغرب‪ ،‬سواء في أوساط الفقه‬
‫اإلداري أو القضاء اإلداري‪ ،‬مسألة تحديد األساس الذي تقوم عليه هذه األخيرة ‪ :‬أتقوم على الخطأ‬
‫أم على املخاطر؟ هذا الجدل الفقهي ما كان ليثار لوال وجود مجموعة من العوامل التي كانت وراء‬
‫تساؤل الفقه اإلداري حول األساس الذي ينبغي أن تقام عليه املسؤولية اإلدارية باملغرب‪.‬‬
‫• من هذه العوامل ما يتعلق بغموض النص القانوني املنظم للمسؤولية اإلدارية وصيغته‬
‫املقتضبة‪ ،.‬حيث أنه لم يكن حاسما في تحديد األساس الذي تقوم عليه املسؤولية اإلدارية‪ .‬ومنها ما‬
‫يعزى إلى ورود النصوص القانونية املنظمة للمسؤولية اإلدارية في قانون وجد أصال من أجل‬
‫تنظيم العالقات بين الخواص ‪ :‬قانون اللتزامات والعقود؛ مما جعل الفقه اإلداري يتساءل ليس‬
‫فقط عن األساس الذي تقوم عليه املسؤولية اإلدارية‪ ،‬وإنما‪ ،‬قبل ذلك‪ ،‬التساؤل حول ما إذا كانت‬
‫هذه املسؤولية تخضع لنفس القواعد القانونية التي تحكم العالقات بين الخواص‪.‬‬
‫• بطبيعة الحال‪ ،‬ألن املقام ال يتسع الستحضار مختلف هذه الجوانب املتعلقة بإشكاالت املسؤولية‬
‫اإلدارية‪ ،‬فإننا سنقصر حديثنا فقط على عرض موقف كل من الفقه والقضاء اإلداريين بخصوص‬
‫أساس املسؤولية اإلدارية باملغرب ‪ :‬أتقوم على فكرة املخاطر (مسئولية موضوعية) أم على فكرة‬
‫الخطأ؟‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫أ ‪ -‬الفقه اإلداري وتضا رب آ ر ائه بخصوص تحديد األساس‬
‫املسئولية اإلدا رية‬

‫• باالطالع على الكتابات التي تناولت مجال املسئولية اإلدارية‪ ،‬نجدها تميز بين موقفين للفقه اإلداري في‬
‫تحديده لألساس الذي تقوم عليه املسئولية اإلدارية في املغرب‪ .‬هناك من جهة التيار املمثل للتأويل‬
‫الكالسيكي ملضمون الفصل ‪( ،79‬أ) ثم التأويل الحديث للفصل املذكور (ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬التأويل الكالسيكي ملقتضيات الفصل ‪ 79‬من ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ :‬أساس املسئولية اإلدارية‬
‫املخاطروليس الخطأ‪.‬‬
‫• بحسب هذا التيار الفقهي‪ ،‬فإن املسؤولية املنصوص عليها في الفصل ‪ 79‬من قانون االلتزامات والعقود هي‬
‫مسؤولية موضوعية وبدون خطأ‪ .‬فاألستاذ ‪De Laubadère‬يبرر هذا املوقف بغياب عبارة " بدون وجه حق"‬
‫التي وردت في مرسوم باي تونس بتاريخ ‪ 27‬نونبر ‪ ،1888‬مما يعتبر مبررا كافيا لتأكيد هذا الطرح‪.‬‬
‫• وقد سايره في هذا االتجاه كل من ‪ Rivière‬و ‪ Busquet‬واللذين يريان بأن املسئولية املشار إليها في‬
‫الفصل ‪ 79‬من قانون االلتزامات والعقود هي مسئولية موضوعية قائمة على فكرة املخاطر‪ .‬وعمدتهم في‬
‫ذلك‪ :‬أول‪ :‬الطريقة التي حرر بها الفصالن ‪ 79‬و ‪ 80‬من قانون االلتزامات والعقود والتي توحي بمدى تأثر‬
‫املشرع املغربي باملشرع الفرنس ي الذي بنى حوادث الشغل على أساس فكرة املخاطر وليس على أساس خطأ‬
‫املشغل‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫أ ‪ -‬ا لفق ه ا إلد اري وتض ا رب آ ر ا ئ ه ب خص وص ت ح د ي د ا ألس اس‬
‫امل س ؤ و ل ي ة ا إلدا ري ة ‪:‬‬

‫• ثانيا ‪ :‬النص على أن اإلدارة مسؤولة عن التعويض عن األضرار الناجمة مباشرة عن تسيير‬
‫مرافقها‪ .‬ثالثا‪ ،‬اختالف على مستوى الصياغة بين نص الفصل ‪ 79‬من قانون االلتزامات والعقود‬
‫والفصل املقابل له والوارد في مرسوم باي تونس والذي يجعل مسؤولية الدولة و بلدياتها قائمة على‬
‫أي فعل ارتكب بدون وجه حق وتسبب في ضرر للغير‪.‬‬

‫• نفس الطرح سيؤكده ‪ P. Ducroux‬بقوله بأن ‪ " :‬الفصل ‪ 79‬من ق‪.‬ل‪.‬ع مستلهم من نفس الفكرة‬
‫الواردة في القانون الفرنس ي لسنة ‪ 1898‬املتعلق بحوادث الشغل والتي تقوم على فكرة املخاطر‬
‫املهنية لألجير والتي ترتكز ليس على فكرة الخطأ‪ ،‬وإنما على العبء الذي تتحمله املؤسسة‪ .‬هذا‬
‫باإلضافة إلى استفادة املشرع املغربي مما وصلت إليه اجتهادات مجلس الدولة الفرنس ي"‪P. ( .‬‬
‫‪.)Ducroux, la responsabilité des municipalités au Maroc, Penant 1932, p 3‬‬

‫• الخالصة بالنسبة لهذا التيار الفقهي أن املسؤولية اإلدارية باملغرب مسؤولية موضوعية تقوم‬
‫على فكرة املخاطر ‪،‬وبالتالي‪ ،‬على مستوى نظام املسؤولية تعتبرهي املبدأ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫ب ‪ -‬التأويل الحديث ملدلول الفصل ‪ : 79‬وضع نظام‬
‫عام للمسؤولية اإلدا رية‬

‫• لقد كان للمقال الذي حرره األستاذ ‪De Laubadere‬حول أساس املسؤولية اإلدارية باملغرب دورا حاسما في‬
‫تغيير بوصلة الفقه اإلداري نحو تأويل حديث ملدلول الفصل ‪ 79‬املشار إليه أعاله‪ .‬ففي هذا املقال الذي حمل‬
‫عنوان " أساس املسؤولية اإلدارية باملغرب ‪ :‬خطأ أم مخاطر؟" أشار إلى ان املشرع املغربي‪ ،‬من خالل الفصل‬
‫‪ ،79‬لم تكن نيته تنصرف إلى تقنين املسؤولية بدون خطأ كمرتكز أساس ي إلثارة مسؤولية اإلدارة باملغرب‪ ،‬بقدر‬
‫ما كانت نيته تنصرف إلى وضع نظام عام ملسؤولية األشخاص العامة مع ترك الحرية للقاض ي في الختيار‬
‫بين فكرتي املخاطروالخطأ‪.‬‬

‫• إن املسؤولية اإلدارية عموما‪ ،‬لم تكن بحسب مدلول الفصل ‪ 79‬من ق‪,‬ل‪,‬ع موضوع تأكيد أو تصريح‪ ،‬وإنما‬
‫موضوع سكت عنه املشرع املغربي‪ .‬ولذلك‪ ،‬فهو يحتمل تأولين اثنين ‪ :‬التأويل األول‪ ،‬وهو املعتمد من قبل‬
‫الفقهاء والشراح األولين‪ ،‬حيث أن فكرة املخاطر هي أساس نظام املسؤولية اإلدارية بشكل عام‪ ،‬وبالنتيجة‬
‫استبعاد فكرة الخطأ كأساس تقليدي مما يجعل عنصر الضرر أساس التعويض عن األعمال واألنشطة‬
‫اإلدارية"‪.‬‬

‫• لقد كان ذ‪ De Laubadère .‬من معارض ي فكرة إقامة املسؤولية اإلدارية على فكرة املخاطر؛ ألن من شأن ذلك‬
‫إثقال كاهل امليزانية العامة للدولة‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫ب ‪ -‬التأويل الحديث ملدلول الفصل ‪ : 79‬وضع نظام عام‬
‫للمسؤولية اإلدا رية‬

‫• لإلشارة‪ ،‬فقد لقي تأويل ‪ De Laubadère‬صدى لدى الفقه اإلداري كما هو الشأن بالنسبة‬
‫ل ‪ J. PRAT‬الذي رأى في التأويل الذي تقدم به ‪ " : De Laubadère‬تأويال منطقيا ومبنيا‬
‫على حس سليم‪ ،‬كما أنه تأويل مستمد من مجموعة من العوامل املستمدة من السياق‬
‫التاريخي‪ ،‬إضافة إلى أنه جاء منسجما مع الرأي الراجح في الفقه والقضاء اإلداريين"‪.‬‬

‫• حسب ‪ J. PRAT‬دائما‪ ،‬إن مدلول الفصل ‪ 79‬إن كان يمنح انطباعا بأن املسؤولية اإلدارية‬
‫باملغرب مسؤولية موضوعية‪ ،‬فإنه ال يمكن أن يكون عمليا بالنظر إلى األعباء املالية التي‬
‫يمكن أن تثقل كاهل ميزانية الدولة نتيجة للسير العادي ملرافقها‪.‬‬

‫• من جهته‪ ،‬لم يكن ذ‪ Michel Rousset .‬من املتحمسين لفكرة املسؤولية اإلدارية‬
‫املوضوعية (بدون خطأ)‪ ،‬ألنها ستؤدي إلى تنمية عدم اإلحساس باملسؤولية لدى موظفي‬
‫املرافق العامة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ثانيا ‪ :‬موقف القضاء اإلداري املغربي‬

‫• لم يتبن القضاء اإلداري املغربي موقفا حاسما فيما يخص تحديد األساس الذي تقوم عليه املسؤولية‬
‫اإلدارية ‪ :‬أ هو الخطأ أم املخاطر‪ .‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬كما أشار إلى ذلك ذ‪ Michel Rousset .‬تميز‬
‫موقف القاض ي اإلداري املغربي في بداية األمر بنوع من التردد‪ .‬وعلى هذا األساس يمكن التمييز بين ثالث‬
‫مراحل أساسية مر بها موقف القاض ي اإلداري في تحديده لألساس الذي تقوم عليه املسؤولية اإلدارية‬
‫باملغرب‪.‬‬

‫• املرحلة األولى ‪ :‬مرحلة ما قبل إحداث املجلس األعلى‬


‫✓خضوع مسئولية اإلدارة لقواعد املسئولية املدنية‪.‬‬
‫• لقد تميزت مرحلة ما قبل إحداث املجلس األعلى‪ ،‬بخلط بين املسؤولية اإلدارية واملسؤولية املدنية‪ ،‬حيث‬
‫طبقت على مسؤولية اإلدارة قواعد القانون الخاص‪ .‬ولعل خير مثال على ذلك القرار الصادر عن محكمة‬
‫االستئناف بالرباط بتاريخ ‪ 1922‬الذي اعتبرت فيه املسؤولية الناجمة عن أعمال الفروسية تسري عليها‬
‫مقتضيات الفصول (‪ 1382‬و ‪ 1383‬و ‪ )1384‬من القانون املدني الفرنس ي التي يقابلها الفصالن ‪ 77‬و‪ 78‬من‬
‫قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ثانيا ‪ :‬موقف القضاء اإلداري املغربي‬

‫• وكذلك الحكم الصادر عن املحكمة اإلدارية بالدار البيضاء بتاريخ ‪ 28‬يناير ‪ 1952‬حينما طبقت مقتضيات‬
‫الفصل ‪ 88‬من قانون االلتزامات والعقود على الضرر الناجم عن حراسة الدولة والبلديات‪.‬‬
‫• من جهة أخرى‪ ،‬صرحت محمة االستئناف بالرباط في قرارها الصادر بتاريخ ‪ 8‬دجنبر ‪ 1938‬في قضية‬
‫‪Marie‬بأن املشرع كرس مسئولية بدون خطأ بخصوص كل قرار يحدث ضررا للغير‪ .‬وهو التأويل الذي‬
‫لقي معارضة شديدة من قبل ‪ André De Laubadère‬الذي أكد بأن الفصل ‪ 79‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود ال ينص على شروط وتنظيم املسئولية اإلدارية وإنما اكتفى فقط بالنص عليها كمبدأ عام‪.‬‬
‫اعتماد القضاء اإلداري املغربي للتأويل الحديث للفصل ‪ 79‬من قانون اللتزامات والعقود‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫• لم ينحصر تأثير املقال الذي نشره ذ‪ De Laubadère .‬بخصوص أساس املسؤولية اإلدارية باملغرب في‬
‫مواقف الفقه اإلداري‪ ،‬وإنما امتد تأثيره ليشمل أيضا اجتهادات القضاء اإلداري املغربي‪ .‬ففي حكمها الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 9‬دجنبر ‪ 1947‬في قضية ‪ Lanepaban‬أكدت املحكمة اإلدارية بالرباط بأن الفصل ‪ 79‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود ل ينص على املسؤولية اإلدارية املوضوعية كمبدأ عام‪ ،‬وإنما فقط يشير إلى وجود‪ ،‬إلى‬
‫جانب مسؤولية الخواص‪ ،‬مسؤولية للجماعات العمومية من دون أن يحدد فيما إذا كان أساس هذه‬
‫املسؤولية يقوم على فكرة الخطأ أو املخاطر‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ثانيا ‪ :‬موقف القضاء اإلداري املغربي‬

‫• وفي قرار آخر لها صدر بتاريخ ‪ 13‬مارس ‪ ،1952‬أكدت نفس املحكمة بأن أساس املسؤولية‬
‫اإلدارية ينبغي عدم البحث عنه ضمن مقتضيات الفصل ‪ 79‬الذي كان يهدف فقط إلى اإلشارة‬
‫إلى وجود مسؤولية للجماعات العمومية ‪ ،‬وأن عدم إيراد عبارة " بدون وجه حق" التي تضمنتها‬
‫املادة ‪ 8‬من املرسوم التونس ي ‪ 1888‬والذي يعتبر الفصل ‪ 79‬تكرارا له‪ ،‬لم يكن يقصد من ورائه‬
‫املشرع إقامة مسؤولية إدارية موضوعية قائمة على املخاطر‪ .‬وإنما ترك املشرع‪ ،‬مثله في ذلك‬
‫مثل املشرع الفرنس ي‪ ،‬الحرية للقاض ي اإلداري في إيجاد األساس الذي يقيم عليه مسؤولية‬
‫اإلدارة"‪.‬‬

‫‪ -‬املرحلة الثانية ‪ :‬بعد إحداث املجلس األعلى‪.‬‬


‫• لقد أحيى املجلس األعلى الجدل الفقهي من جديد بخصوص أساس املسؤولية اإلدارية باملغرب‬
‫حينما صرح رئيسه األول (املرحوم با حنيني) في معرض تعليقه على قرار أرملة عبود بمناسبة‬
‫افتتاح السنة القضائية ‪ ، 1969-1968‬بأن الفصل ‪ 79‬من قانون االلتزامات والعقود جاء‬
‫‪45‬‬
‫ثانيا ‪ :‬موقف القضاء اإلداري املغربي‬

‫ليؤسس ملسؤولية موضوعية قائمة على فكرة املخاطر‪ ،‬متأثرا في ذلك باجتهادات مجلس‬
‫الدولة الفرنس ي ال سيما في قضية "‪"Cames‬‬
‫‪ -‬املرحلة الثالثة ‪ :‬بعد إحداث املحاكم اإلدارية‬
‫• وقد استمر هذا التأثير حتى بعد إحداث املحاكم اإلدارية بموجب القانون رقم ‪.41.90‬‬
‫فحسب ذ‪ ،Michel ROUSSET .‬حافظ هذا القانون على األمور على ما هي عليه‪ ،‬اللهم ما‬
‫جاءت به املادة الثامنة من القانون أعاله‪ ،‬والتي اكتفت بتحويل اختصاص البت في دعاوى‬
‫التعويض عن األضرار الناجمة عن أعمال ونشاطات األشخاص العامة من القضاء العادي‬
‫إلى القضاء اإلداري‪ .‬كما تميزت هذه املرحلة بتوسع كبير للقضاء اإلداري املغربي في مجال‬
‫املسؤولية اإلدارية املوضوعية من خالل تأسيسها على فكرة املخاطر (التعويض عن‬
‫األضرار الناجمة عن املرفق العام الطبي‪ ،‬األضرار الناجمة عن انفجار األلغام‪ ،‬األضرار‬
‫الناجمة عن حوادث القطارات‪.)...‬‬
‫‪46‬‬
‫الورقة الثالثة ‪:‬‬
‫أسس المسئولية اإلدارية‬

‫‪ -‬األسس الكالسيكية (الخطأ – املخاطر– املساواة أمام‬


‫التكاليف العامة)‬
‫‪ -‬األسس الحديثة (مبدأ التضامن الوطني)‬

‫‪47‬‬
‫األسس الكالسيكية للمسئولية‬
‫اإلدارية‬

‫‪48‬‬
‫الورقة الثالثة ‪:‬‬
‫أسس المسئولية اإلدارية‬

‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على‬


‫الخطأ‬

‫‪49‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬

‫• تعتبر املسئولية القائمة على الخطأ الوجه األول لنظام املسئولية اإلدارية‪ .‬وتكمن‬
‫خصوصية هذه املسئولية في أن املتضرر مطالب بإثبات خطأ اإلدارة كشرط أساس ي‬
‫لترتيب مسئولية هذه األخيرة‪ ،‬باإلضافة إلى إثبات شرطي الضرر والعالقة السببية‪.‬‬
‫والستنادها على عنصر الخطأ‪ ،‬فقد اعتبرها الفقه اإلداري الشريعة العامة في نظام‬
‫املسئولية اإلدارية ‪.responsabilité de droit commun‬‬
‫• من جهة أخرى‪ ،‬تخضع املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ لنظام قانوني مغاير تماما‬
‫للنظام القانوني املتعلق باملسئولية املدنية‪ .‬وعلى حد تعبير ‪ Paul benoit‬فإن ‪ " :‬ما يميز‬
‫املسئولية اإلدارية عن املسئولية املدنية‪ ،‬أننا لسنا دائما في حاجة إلى إثبات خطأ املوظف‬
‫أو ال‪ ،‬أو خطأ موظف محدد‪ ،‬بل يكفي أن يكون املرفق قد أساء الخدمة"‪ .‬ولذلك‪،‬‬
‫فالخطأ في القانون اإلداري باعتباره خطأ مرفقيا له استقالليته بالنسبة للخطأ في القانون‬
‫املدني ويخضع إذن لنظام قانوني مغاير ‪" .‬محمد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬القضاء اإلداري‪،‬‬
‫الكتاب الثاني‪ ،‬قضاء التعويض وأصول اإلجراءات‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬لبنان‪ ،2005 ،‬ص‬
‫‪."237‬‬
‫‪50‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬

‫• صحيح أن املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‪ ،‬في املغرب‪ ،‬تحكمها قواعد قانونية مستمدة‬
‫من قانون االلتزامات والعقود الصادر بتاريخ ‪ 12‬غشت ‪ ، 1913‬من خالل املادة ‪ 79‬التي تنص ‪:‬‬
‫"الدولة والبلديات مسئولة عن األضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن األخطاء‬
‫املصلحية ملستخدميها"‪ .‬واملادة ‪ 80‬التي جاء فيها ‪" :‬مستخدمو الدولة والبلديات مسئولون‬
‫شخصيا عن األضرار الناجمة عن تدليسهم أو عن األخطاء الجسيمة الو اقعة منهم في أداء‬
‫وظائفهم؛ ول تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه األضرار إل عند إعسار املوظفين‬
‫املسئولين عنها"‪.‬‬
‫• باإلضافة إلى املادة الثامنة من القانون رقم ‪ 41.90‬املحدث للمحاكم اإلدارية والتي ترتب مسئولية‬
‫الدولة عن األضرار التي تتسبب فيها نشاطات أشخاص القانون العام‪ ،‬لكن ذلك ال ينفي خاصية‬
‫تميز نظامها القانوني عن النظام القانوني للمسئولية املدنية في القانون الخاص‪.‬‬
‫• في فرنسا‪ ،‬استقاللية املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ كرسها القاض ي اإلداري من خالل‬
‫‪51‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬

‫قراره الشهير "بالنكو" الصادر عن محكمة التنازع (‪ 8‬فبراير ‪ ،)1873‬والتي أشارت فيه وبكل صراحة‬
‫إلى عدم إمكانية إخضاع مسئولية اإلدارة لقواعد قانونية وضعت خصيصا لتنظيم العالقات بين‬
‫األفراد‪.‬‬
‫• إن مقاربة القاض ي اإلداري للخطأ في إطار املسئولية اإلدارية‪ ،‬تختلف تماما عما هو عليه في إطار‬
‫املسؤولية املدنية والتي يحكمها القانون الخاص‪ .‬الخطأ املرتكب من طرف اإلدارة املستوجب‬
‫لترتيب مسؤوليتها املدنية‪ ،‬ينبغي‪ ،‬في مفهوم القاض ي اإلداري الفرنس ي‪ ،‬أن يكون متماشيا مع‬
‫خصوصيات املسؤولية اإلدارية التي أشار إليها في قرار بالنكو‪ :‬بمعنى مسئولية ليست عامة‬
‫وليست مطلقة‪.‬‬
‫• وعلى هذا األساس يتم التمييز في إطار املسئولية اإلدارية بين أصناف متعددة من األخطاء‬
‫ستناولها اتباعا على الشكل التالي ‪:‬‬
‫✓ التمييز بين الخطأ الشخص ي والخطأ املرفقي‬
‫✓ التمييز بين الخطأ البسيط والخطأ الجسيم‬
‫✓ الخطأ املفترض ‪La présomption de faute‬‬

‫‪52‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ املرفقي والخطأ الشخص ي‪-‬‬

‫الخطأ املرفقي‪la faute de service‬‬


‫❖تعريف الخطأ املرفقي ‪:‬‬
‫▪ إن غياب تعريف شامل ومانع للخطأ املرفقي لم يمنع الفقه اإلداري من تقديم بعض التعريفات‬
‫لهذا املفهوم‪ .‬فمثال ‪ J. Laferrière‬عرف الخطأ املرفقي بأنه ذلك ‪ " :‬الفعل الضار غير‬
‫الشخص ي والذي ل ينم عن نقائص اإلنسان أو أهوائه أو عدم تبصره"‪J. Laferrière, ( .‬‬
‫‪.)Traité de la juridiction administrative, 2ème éd. 1896‬‬
‫▪ أما ‪ George VEDEL‬و ‪ P. DEVOLVE‬في مؤلفهما تحت عنوان " ‪Droit‬‬
‫‪ " administratif‬فقد عرفاه بأنه ‪ " :‬الخطأ الذي ينسب إلى موظف أو عدة موظفين ول‬
‫تكون له صبغة الخطأ الشخص ي املنفصل عن املرفق"‪.‬‬
‫▪ بينما يعرفه ‪ André De Laubadère‬بأنه ‪ " :‬ذلك الخطأ اإلداري الذي يمكن أن يكون‬
‫الخطأ منسوبا إلى موظف معروف بذاته وهو ما يصطلح عليه ب ـ " الخطأ املرفقي‬

‫‪53‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ املرفقي والخطأ الشخص ي‪-‬‬

‫الخطأ املرفقي‪la faute de service‬‬

‫▪ للموظف ‪ ،"faute de service‬كما يمكن أن يكون خطأ مغفال ‪ anonyme‬أو‬


‫جماعيا ‪ collective‬وهو ما يسمى ب ـ "خطأ املرفق العام ‪."faute du service‬‬
‫▪ الخطأ املرفقي إذن‪ ،‬هو كل خطأ ناجم عن إخالل املرفق العام بالواجبات امللقاة على‬
‫عاتقه والذي يؤدي بالنتيجة إلى ترتيب مسئوليته اإلدارية‪ ،‬في حال تبين أن هذا الخطأ كان‬
‫السبب املباشر في حدوث الضرر وغير منفصل عن الوظيفة ‪non détachable de‬‬
‫‪la fonction‬‬
‫▪ لكن هذا الشرط ينتفي حاملا يتبين للقاض ي اإلداري أن الخطأ املرتكب من قبل املوظف ال‬
‫عالقة له بوظيفته‪ .‬وهو ما أكد عليه ‪ P. DUEZ‬حينما أشار إلى أنه " حيث ال يكون‬
‫هناك خطأ‪ ،‬فال مجال إلثارة مسئولية اإلدارة"‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ املرفقي والخطأ الشخص ي‪-‬‬

‫❖صورالخطأ املرفقي ‪:‬‬


‫▪ بالنسبة لصور الخطأ املرفقي‪ ،‬فقد لخصها ‪ P. DUEZ‬في مقولته الشهيرة " ‪le service‬‬
‫‪a mal fonctionné, le service n’a pas fonctionné, le service a‬‬
‫‪Paul Duez, la responsabilité de la ( ."fonctionné tardivement‬‬
‫‪puissance publique, Paris (Dalloz, 1936‬‬
‫أما الفقيه ‪ ، Bonnard‬فالخطأ املرفقي بالنسبة إليه هو الذي يتخذ شكل اشتغال‬ ‫▪‬
‫س يء للمرفق ‪.fonctionnement défectueux du service public‬‬
‫وحسب ‪ ،J. Rivero‬فيرى بأن الخطأ املرفقي يتجسد في " خلل في السير العادي‬
‫للمرفق‪ ،‬يتسبب فيه موظف أو عدد من موظفي اإلدارة ولكن من دون أن ينسب إليهم‬
‫شخصيا"‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ املرفقي والخطأ الشخص ي‪-‬‬
‫الخطأ املرفقي‪la faute de service‬‬

‫❖أمثلة عن الخطأ املرفقي‬


‫▪ التأخر أو التماطل في القيام الواجبات امللقاة على عاتق اإلدارة‪ :‬في هذه الحالة تكون مسئولية اإلدارة ثابتة‬
‫وموجبة للتعويض متى تسبب ذلك التأخر أو التماطل في أضرار‪ .‬وفيي هذا الصدد قضت محكمة االستئناف‬
‫الرباط في حكمها الصادر بتاريخ ‪ 2‬مارس ‪ 1965‬بالتعويض عن الضرر الناجم عن خطأ اإلدارة املرفقي املتمثل‬
‫في التأخر املسجل على مستوى سير عملية نزع املكية العامة من أجل املنفعة العامة‪.‬‬
‫▪ إهمال أو تقصير في تقديم خدمة‪ :‬حسب القضاء اإلداري‪ ،‬فإن إهمال اإلدارة في تقديم خدماتها يرتب عنه‬
‫إثارة مسئوليتها اإلدارية‪ ،‬في حال كلن ذلك اإلهمال السبب املباشر في وقوع الضرر‪ .‬وهذا ما أكدته إدارية‬
‫مكناس في حكمها الصادر بتاريخ ‪ 12‬يناير ‪ 1996‬في قضية الزعيم عبد القادر بخصوص إهمال املجموعة‬
‫الحضرية ملكناس بالتزاماتها تجاه السباحين من واملتمثلة في مراقبة وحمايتهم ضد املخاطر التي قد تلحق بهم‪،‬‬
‫وبالتالي فهي مسئولة عن تعويض األضرار الناجمة عن ذلك‪.‬‬
‫▪ عدم اتخاذ الحتياطات الالزمة ‪ :‬وهو ما أكدته الغرفة اإلدارية في قرارها الصادر بتاريخ ‪ 15‬فبراير ‪2018‬‬
‫من أن ‪ " :‬عدم اتخاذ الجماعة الحضرية والوقاية املدنية لالحتياطات الالزمة فيما يخص دخول الدراجات‬

‫‪56‬‬
‫املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ املرفقي والخطأ الشخص ي‪-‬‬
‫الخطأ املرفقي‪la faute de service‬‬
‫املائية إلى الشاطئ عبر إلزامهم بأداء الوثائق الخاصة واالحتفاظ بها لغاية مغادرته ضمانا لعدم‬
‫ارتكاب أي خطأ‪ ،‬يشكل خطأ موجبا للتعويض عن األضرار التي تصيب املصطافين نتيجة‬
‫اصطدامهم مع هذه الدراجات مما تكون مسئولية اإلدارة مرتكزة على أساس الخطأ املرفقي"‪.‬‬
‫▪ أداء خدمة على نحو س يء ‪ :‬وهذا ما ذهبت إليه املحكمة اإلدارية بوجدة في حكمها الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 15‬مارس ‪ ،1997‬في قضية السيد عبد العزيز النويض ي ضد املكتب الوطني للبريد‬
‫واملواصالت حينما اعتبرت إقدام املكتب املذكور على توقيف استعمال الخط الهاتفي على‬
‫املدعي دون مراعاة الفصل ‪ 72‬من املرسوم عدد ‪ 2.72.297‬إخالال بااللتزامات امللقاة على‬
‫عاتقه واملتمثلة في أداء مرفق التلفون لخدماته على الوجه القانوني السليم‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإن‬
‫عمله يدخل في نطاق أداء املرفق لخدماته على وجه س يء‪.‬‬
‫▪ وهذا العمل يشكل بذلك خطأ مرفقيا يستوجب مسئوليته عن األضرار الالحقة باملدعي من‬
‫جراء هذا الخطأ استنادا ملقتضيات الفصل ‪ 79‬من قانون االلتزامات والعقود"‪.‬‬
‫▪ سوء تنظيم املرفق ‪ :‬هي األخرى من صور األخطاء املرفقية التي يمكن ارتكابها من طرف اإلدارة‬
‫والتي تستوجب تعويض املتضرر‪ .‬وهذا ما أكده مجلس الدولة الفرنس ي في قراره الصادر بتاريخ‬
‫‪ 27‬يناير ‪ 1988‬في قضية ‪.MEN c/ Giroud,AJDA, 352. note J. Moreau‬‬

‫‪57‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ املرفقي والخطأ الشخص ي‪-‬‬

‫الخطأ الشخص ي‪la faute personnelle‬‬

‫• من مظاهر تميز املسئولية اإلدارية عن املسئولية املدنية الخاضعة للقانون املدني التمييز بين‬
‫الخطأ الشخص ي والخطأ املرفقي‪ .‬ويرجع الفضل في هذا التمييز إلى القرار الصادر عن محكمة‬
‫التنازع بتاريخ ‪ 30‬يوليوز ‪ 1873‬في قضية ‪ .Pelletier‬حيث اعتبرت الخطأ الشخص ي بكونه ‪ " :‬ذلك‬
‫الخطأ املنفصل عن الوظيفة والذي يندرج ضمن اختصاص القاض ي العادي‪ ،‬أما الخطأ املرفقي‬
‫فهو الخطأ الذي ال يمكن فصله عن الوظيفة‪ ،‬وبالتالي فهو يندرج ضمن اختصاص القاض ي‬
‫اإلداري"‪.‬‬
‫• بالنسبة للفقه اإلداري‪ ،‬فقد وضع مجموعة من املعايير في تمييزه للخطأ الشخص ي عن الخطأ‬
‫املرفقي‪ .‬فمندوب الحكومة ‪ Laferrière‬اعتبر الخطأ الشخص ي بأنه ‪ " :‬ذلك الخطأ الذي ينم عن‬
‫املوظف اإلنسان بكل ضعفه ونزواته وتهوره‪ ،‬فيما الخطأ املرفقي فيتحقق حينما يكون الفعل‬
‫الضار غير شخص ي وينم عن ذلك املوظف املعرض للخطأ‪ .‬بالنسبة للفقيه ‪ Gaston JEZE‬فيربط‬
‫الخطأ الشخص ي بمعيار الجسامة أي ذلك الخطأ الذي يتجاوز حدا من الجسامة ‪ .‬أما بالنسبة ل ـ‬
‫‪ Maurice HOURIOU‬فالخطأ الشخص ي هو االنفصال عن الوظيفة‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ املرفقي والخطأ الشخص ي‪-‬‬

‫الخطأ الشخص ي‪la faute personnelle‬‬

‫• على مستوى االجتهادات القضائية للقاض ي اإلداري‪ ،‬فإن الخطأ الشخص ي يتخذ صورتين اثنتين ‪ :‬الصورة‬
‫األولى تتمثل في الخطأ املنفصل عن الوظيفة (الذي يرتكب خارج الوظيفة) كإشعال حريق من طرف رجل‬
‫إطفاء وهو خارج نطاق الخدمة ‪CE 13 mai 1991, société d’assurance les Mutuelles Unies.‬‬

‫• الصورة الثانية ‪ :‬الخطأ املرتكب داخل الوظيفة ولكن مقطوع الصلة عنها‪ .‬في هذه الحالة‪ ،‬وحتى يتم تمييزه‬
‫عن الخطأ املرفقي‪ ،‬وضع القضاء اإلداري معيارين اثنين ‪ :‬النية املقصودة لدى الفاعل أو سوء اإلرادة أو‬
‫التدليس ‪ : CE 13 mai 195, Oumar Samba, Lebon 218‬مشاركة أحد الحراس السجناء في ارتكاب أعمال‬
‫سرقة أثناء قيامهم بأعمال شاقة خارج السجن‪.‬‬

‫• املعيار الثاني ‪ :‬جسامة الفعل املرتكب ‪ :‬حتى لوم لم يكن الفعل املرتكب من طرف املوظف مقصودا إال أنه‬
‫يصنف ضمن األخطاء الشخصية حينما يتجاوز الحد العادي لألخطاء املرتكبة أثناء ممارسة الوظيفة ‪TA 9‬‬
‫‪( juillet 1953,. 2 esp. Dalaitre et Dame Bernadas, JCP II 7797., note J. RIVERO.‬لكمة موجهة من‬
‫طرف رجل شرطة إلى ساعي بريد اختفى في منزله أحد املتظاهرين‪ ،‬جبن أحد عمداء الشرطة ‪poltronnerie‬‬
‫‪.)d’un commissaire de police‬‬

‫‪59‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ املرفقي والخطأ الشخص ي‪-‬‬

‫الخطأ الشخص ي‪la faute personnelle‬‬

‫• نفس املوقف سيتخذه القضاء اإلداري املغربي حينما اعتبر بأن املسئولية الشخصية للموظف‬
‫تتحقق حينما يرتكب خطأ جسيما ‪ .‬وهذا ما صرحت به إدارية وجدة حينما قضت في حكمها‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 10‬أبريل ‪ 2007‬بأن ‪ " :‬ارتكاب املوظف ألفعال خطيرة بمناسبة قيامه بوظيفته على‬
‫درجة كبيرة من الجسامة جعلها تكتس ي طابعا جرميا‪ ،‬وتشكل خطأ جسيما ال تختص‬
‫املحكمة اإلدارية بالبت في الطلب الرامي إلى الحكم بالتعويض"‪.‬‬
‫• نفس التوجه كانت قد سلكته الغرفة اإلدارية باملجلس األعلى في قرارها الصادر بتاريخ ‪14‬‬
‫فبراير ‪ 2007‬أكدت فيه بأن ارتكاب طبيب وممرضين لخطأ بلغ من الجسامة حدا ترتب‬
‫عنه إدانتهم جنائيا اليشكل خطأ مرفقيا باملعنى املشار إليه في الفصل ‪ 79‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪ ."...‬وقد سبق للغرفة أن أصدرت قرارا في نفس االتجاه‪ ،‬بتاريخ ‪ 29‬فبراير أثارت فيه‬
‫مسئولية املحافظ عن األضرار الناجمة عن خطئه الجسيم املتمثل في اقتطاعه لجزء كبير من‬
‫عقار موضوع رسم عقاري أصلي إلنشاء رسم عقاري جديد من دون أن يتأكد من أن هذا الرسم ال‬
‫زال يشمل املساحة املشار إليها‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬مدى إمكانية الجمع بين الخطأين الشخص ي واملرفقي‪-‬‬

‫• بداية ال بد من اإلشارة إلى أن فكرة الجمع بين الخطأين املرفقي والشخص ي تعود إلى‬
‫الصعوبة التي صارت تعترض القاض ي اإلداري في تعيين الحدود الفاصلة بين الخطأين‪،‬‬
‫وبالتالي تحديد طبيعة املسئولية التي يتسبب فيها املسئول عن إحداث الضرر‪ ،‬ومن ثم‬
‫وتعيين الجهة املختصة بالنظر فيها‪.‬‬
‫• فالقاض ي اإلداري‪ ،‬حرصا منه على حماية حقوق املتضررين من نشاطات اإلدارة‪ ،‬و‬
‫الحيلولة دون ارتهان هؤالء املتضررين بالحالة املادية للموظف املتسبب في الضرر‪ ،‬اهتدى‬
‫إلى األخذ بفكرة الجمع بين الخطأين املرفقي والشخص ي‪.‬‬
‫• وهنا‪ ،‬ال بد من التمييز بين موقف كل من القاض ي اإلداري الفرنس ي والقاض ي اإلداري‬
‫املغربي‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬مدى إمكانية الجمع بين الخطأين الشخص ي واملرفقي‪-‬‬

‫❖موقف القاض ي اإلداري الفرنس ي‬


‫• في البداية لم يكن القاض ي اإلداري الفرنس ي يأخذ بفكرة الجمع بين الخطأين الشخص ي واملرفقي‪،‬‬
‫وإنما كان يحرص عل الفصل بينهما على اعتبار أن خطأ أحد الطرفين ينفي مسئولية اآلخر‪.‬‬
‫بالنسبة للقاض ي اإلداري الفرنس ي‪ ،‬لم يكن من املنطقي أن يكون كال من املوظف واإلدارة مخطئين‬
‫في نفس الوقت‪ .‬فاألمر يتعلق إما بخطأ مرفقي ينبغي أن تتحمله اإلدارة وإما بخطأ شخص ي يتحمل‬
‫تبعاته املوظف املخطئ‪.‬‬
‫• إن الدولة حينما تتحمل مسئولية األخطاء املرفقية إنما تفعل ذلك باعتبارها مسئولة عن تأمين‬
‫األفراد من املخاطر الناجمة عن نشاط مرافقها العامة‪ .‬وما دام أن الضرر ناجم عن خطأ شخص ي‬
‫ألحد موظفيها‪ ،‬فالعمل الذي قام به ال يعتبر عمال وظيفيا‪ ،‬وال يستند إلى املرفق العام؛ وبالتالي من‬
‫غير املنطقي أن تتحمل الدولة مخاطر ذلك العمل ألن أساس مسئوليتها ضمان حماية األفراد من‬
‫مخاطر مرافقها العامة‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬مدى إمكانية الجمع بين الخطأين الشخص ي واملرفقي‪-‬‬

‫• لكن األخذ بفكرة الفصل بين الخطأين املرفقي والخطأ الشخص ي وعدم إمكانية الجمع بينهما‬
‫ينطوي على مساوئ عديدة بالنسبة للضحية ال سيما في حالة إعسار املوظف املتسبب في الضرر‬
‫حيث يصعب على الضحية مطالبته بالتعويض بناء على الخطأ الشخص ي‪.‬‬
‫• وأخذا منه بعين االعتبار هذه املساوئ سيتراجع القاض ي اإلداري الفرنس ي عن هذا التوجه في‬
‫قضية ‪ Anguets‬بتاريخ ‪ 3‬فبراير ‪ .1911‬تتلخص وقائع هذه القضية في أن السيد ‪ Anguets‬كان‬
‫يهم بالخروج من الباب املخصص ملوظفي مصلحة البريد نظرا إلقفال األبواب املخصصة لخروج‬
‫األفراد قبل الساعة املحددة لذلك (خطأ مرفقي)‪ ،‬لكنه تعرض باعتداء من قبل مستخدمي البريد‬
‫فأصيب بجروح جراء ذلك (خطأ شخص ي)‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬قض ى مجلس الدولة الفرنس ي بتحمل الدولة‬
‫ملسئولية التعويض الكامل عن األضرار التي أصيب بها السيد ‪( Anguets‬السيد ‪ Anguets‬كان مخيرا‬
‫بين إثارة مسئولية مستخدمي مصلحة البريد بناء على الخطأ الشخص ي‪ ،‬وبين إثارة مسئولية اإلدارة‬
‫بناء على الخطأ املرفقي)‬

‫‪63‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬مدى إمكانية الجمع بين املسؤوليات نتيجة الخطأ الواحد‪-‬‬

‫❖أثناء أو بمناسبة ممارسة الوظيفة‬


‫• إن القضية تخص خطأ شخصيا ارتكبه موظف عمومي أثناء ممارسته ملهامه أو‬
‫بمناسبتها‪ .‬فبدال من اللجوء إلى التمييز بين الخطأين الشخص ي واملرفقي وتحديد‪ ،،‬بناء‬
‫على ذلك ‪،‬الجهة املسئولة عن ذلك‪ ،‬عمد القاض ي اإلداري الفرنس ي إلى األخذ بفكرة‬
‫مسئولية اإلدارة عن الخطأ الشخص ي املرتكب أثناء ممارسة الوظيفة أو بمناسبتها‪ .‬وهذا‬
‫ما أجده مجلس الدولة الفرنس ي في قضية السيدة ‪ Lemonnier‬بتاريخ ‪ 26‬يوليوز‬
‫‪.1918‬‬
‫• تتلخص وقائع هذه النازلة في أن السيدة ‪ Lemonnier‬أصيبت بجروح خطيرة على إثر‬
‫رصاصة أطلقت من أحد هواة الرماية بمناسبة أحد األعياد الوطنية التي نظمتها إحدى‬
‫البلديات‪ .‬وقد قض ى لفائدتها مجلس الدولة الفرنس ي بالتعويض بناء على خطأ جسيم‬
‫ارتكبه العمدة لعدم اتخاذه االحتياطات الالزمة‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬مدى إمكانية الجمع بين املسؤوليات نتيجة الخطأ الواحد‪-‬‬

‫• نفس املنحى سار عليه القضاء اإلداري املغربي‪ ،‬حينما أكدت املحكمة اإلدارية بأكادير‬
‫قيام املسئولية اإلدارية للدولة عن الخطأ الشخص ي للطبيب الدي قام باستئصال جزء‬
‫من املرارة دونما تشخيص راديولوجي للحالة الصحية للمريض مما نتج عن ذلك عملية‬
‫استئصال ثانية‪ ،‬وهو ما اعتبرته املحكمة خطأ مرفقيا يرتب مسئولية الدولة عن خطأ‬
‫الطبيب طبقا للمادة ‪.79‬‬
‫• نفس املوقف اتخذته إدارية الدار البيضاء في قرارها الصادر بتاريخ ‪ 9‬نونبر ‪ 2004‬حينما‬
‫أثارت مسئولية موظف السجن عن خطئه الشخص ي املتمثل في ضياع منقوالت الطاعن‬
‫وعدم تضمينها في سجل خاص‪ ،‬وفي نفس الوقت خطأ مرفقيا الرتكابه بمناسبة قيامه‬
‫بوظيفته التي لم تنجز على النحو املطلوب‪ ،‬لتخلص إلى القول بأن الخطأ املرتكب من‬
‫قبل املوظف هو خطأ شخص ي ومرفقي‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬مدى إمكانية الجمع بين املسؤوليات نتيجة الخطأ الواحد‪-‬‬

‫❖الخطأ املرتكب خارج إطار الوظيفة‬


‫▪ موقف القاض ي اإلداري الفرنس ي ‪ :‬لم يقف القاض ي اإلداري عند الخطأ الواحد املرتكب أثناء‬
‫وبمناسبة القيام بالزظيفة‪ ،‬وإنما ذهب أبعد من ذلك حينا قبل بالجمع بين املسئوليات حتى في حالة‬
‫ارتكاب الخطأ خارج نطاق الوظيفة بشرط أن يكون قد ارتكب بأدوات ووسائل اإلدارة‪ .‬وهذا ما أكده‬
‫مجلس الدولة الفرنس ي في العديد من قراراته من ضمنها قراره الصادر بتاريخ ‪ 18‬نونبر ‪ 1948‬في‬
‫قضية ‪ Mimeur‬حينما رتب مسئولية اإلدارة العسكرية عن الخطأ الشخص ي املرتكب من طرف‬
‫أحد سائقيها واملتمثل في تسببه في حادثة سير ‪.‬‬
‫األخطاء الشخصية املرتكبة ‪ :‬استعمال السيارة ألغراض شخصية‪ ،‬مخالفة أوامر الرؤساء‪ ،‬مخالفة‬
‫أصول السياقة‪.‬‬
‫هذه األخطاء الشخصية‪ ،‬بحسب مجلس الدولة الفرنس ي‪ ،‬ل يمكن أن تكون منقطعة الصلة‬
‫باملرفق‪ ،‬وأنها ارتكبت بوسائل وأدوات في ملكية اإلدارة‪ ،‬ولولها ما ارتكبت تلك األخطاء الشخصية‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬مدى إمكانية الجمع بين املسؤوليات نتيجة الخطأ الواحد‪-‬‬
‫❖موقف القاض ي اإلداري املغربي ‪:‬‬
‫• املوقف األولي ‪ :‬رفض الجمع بين املسؤوليات عن الخطأ الواحد (الخطأ الشخص ي) املرتكب‬
‫خارج نطاق الوظيفة ‪ :‬القرار الصادر عن محكمة االستئناف بالرباط بتاريخ ‪ 30‬ماي ‪" : 1959‬‬
‫الدولة ال يمكن أن تعوض املتضرر عن الضرر الناتج عن حادث سير ما دام لم يثبت أن سائق‬
‫السيارة العسكرية املسئول عن الحادث قد خالف أوامر رؤسائه‪ ،‬وأن الخطأ املقترف قد ارتكب‬
‫خارج عمل املرفق العام"‪.‬‬
‫• املوقف الجديد للقاض ي اإلداري املغربي ‪ :‬جواز الجمع بين املسئوليات عن الخطأ الواحد (الخطأ‬
‫الشخص ي) املرتكب خارج نطاق الوظيفة‪.‬‬
‫• حكم املحكمة اإلدارية مراكش بتاريخ ‪ 21‬شتنبر ‪ : 2013‬مسئولية مرفق اإلدارة العامة لألمن عن‬
‫الخطأ الشخص ي املرتكب من قبل رجل أمن واملتمثل في توجيه طلقة نارية باتجاه زوجته‪.‬‬
‫• املحكمة اإلدارية املذكورة عللت حكمها بأن الخطأ وإن كان شخصيا إال أنه ارتكب بوسيلة وضعت‬
‫رهن إشارة رجل األمن (سالح ناري)‪ .‬وقد حظي حكم املحكمة بتأييد من محكمة االستئناف اإلدارية‬
‫ملراكش بموجب قرارها الصادر بتاريخ ‪ 21‬شتنبر ‪.2013‬‬
‫• لكنه تعرض للنقض من قبل الغرفة اإلدارية ملحكمة النقض بموجب قرارها الصادر بتاريخ ‪ 14‬يناير‬
‫‪.2014‬‬

‫‪67‬‬
‫املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫الخطأ املرفقي والخطأ الشخص ي‬

‫الخطأ الشخص ي‬ ‫الخطأ املرفقي‬

‫الخطأ املنفصل عن الوظيفة ألغراض شخصية‬ ‫الخطأ املرتكب أثناء ممارسة الوظيفة (غير‬
‫منفصل عن الوظيفة)‬
‫الخطأ املرتكب أثناء ممارسة الوظيفة ‪:‬‬
‫خطأ جسيم‪ ،‬نوايا سيئة‪ ،‬نزوات وأهواء شخصية‬

‫مسئولية التعويض على عاتق اإلدارة‬


‫مسئولية التعويض على عاتق املوظف‬
‫وليس املوظف‬
‫وليس اإلدارة‬
‫االختصاص للقاض ي اإلداري‬
‫اإلدارة ال تتحمل املسئولية إال في حالة‬
‫إعسار املوظف مع دعوى الرجوع‬
‫االختصاص للقاض ي العادي‬

‫‪68‬‬
‫املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫إمكانية الجمع بين األخطاء واملسئوليات‬

‫وصف نفس الخطأ‬


‫خطأ شخص ي لكن له‬ ‫الجمع بين الخطأين‬
‫املرتكب بأنه خطأ‬
‫عالقة باملرفق‬ ‫املرفقي والشخص ي‬
‫مرفقي وشخص ي‬

‫منفصل عن الوظيفة ‪:‬‬ ‫بمناسبة القيام بالوظيفة‬ ‫‪CE, Anguets 1911‬‬


‫الوسيلة في ملكية املرفق‬
‫‪CE, Lemonnier 1918‬‬

‫النتيجة‬

‫مسئولية التعويض عن األضرار يتحملها اإلدارة أو املوظف‬

‫‪69‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ البسيط والخطأ الجسيم‪-‬‬
‫الخطأ الجسيم ‪la faute lourde‬‬

‫❖الخطأ الجسيم بديال عن ل مسئولية اإلدارة‬


‫• إن القاض ي اإلداري حينما أقام نظاما خاصا ومستقال للمسئولية اإلدارية‪ ،‬إنما راعى في ذلك‪ ،‬من جهة‪،‬‬
‫حماية امتيازات اإلدارة باعتبارها املسئولة عن تحقيق املصلحة‪ ،‬ومن جهة ثانية حماية املال العام‪ .‬لكنه في‬
‫نفس الوقت‪ ،‬أبان عن حرص شديد فيما يتعلق بحماية وصيانة حقوق املتضررين من أخطاء اإلدارة‪ .‬مظاهر‬
‫هذه الحماية تجلت وبشكل واضح من خالل اعتماده ما يسمى ب ـ " الخطأ الجسيم ‪."La faute lourde‬‬
‫• القاض ي اإلداري الفرنس ي‪ ،‬من خالل اعتماده " الخطأ الجسيم" كشرط لترتيب مسئولية اإلدارة عن أفعالها‬
‫الضارة‪ ،‬إنما فعل ذلك تماشيا مع الخصوصيات التي أضفاها على املسؤولية اإلدارية للشخص العمومي‪.‬‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬أنه لم يعتمد القاعدة القانونية املعمول بها في القانون املدني والتي تقوم على أساس أن كل‬
‫خطأ تسبب في ضرر يترتب عنه تعويض الطرف املتضرر‪.‬‬
‫• فالقاض ي اإلداري لم يجعل من كل األخطاء املرتكبة من طرف اإلدارة سببا في إثارة مسئوليتها اإلدارية‪ .‬الخطأ‬
‫الذي ترتكبه اإلدارة ويكون مستوجبا للمسئولية اإلدارية ينبغي أن يتماش ى‪ ،‬في مفهوم القاض ي اإلداري‬
‫الفرنس ي‪ ،‬مع خصوصيات تلك املسئولية‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ البسيط والخطأ الجسيم‪-‬‬

‫الخطأ الجسيم ‪la faute lourde‬‬


‫• إن القاض ي اإلداري لم يضع أبدا مبدأ عاما على مستوى التمييز بين حدة وخطورة الخطأ املرتكب‬
‫من قبل اإلدارة‪ .‬بل نجده يتعامل مع الخطأ املطلوب إثباته‪ ،‬إلثارة مسؤولية اإلدارة‪ ،‬حالة بحالة‪،‬‬
‫وبحسب كل مرفق على حدة‪ ،‬بل وحتى على مستوى املرفق نفسه‪.‬‬
‫• لذلك‪ ،‬نجد القاض ي اإلداري‪ ،‬في تعامله مع أخطاء اإلدارة‪ ،‬يأخذ بعين االعتبار الظروف التي تشتغل‬
‫فيها املرافق العمومية‪ ،‬يتعلق األمر بظروف الزمان واملكان (الحروب‪ ،‬األوبئة‪ ،‬الكوارث الطبيعية‪.)...‬‬
‫• كما يأخذ بعين االعتبار طبيعة األنشطة التي تقوم بها هذه املرافق والتي تنطوي على صعوبات على‬
‫مستوى تنفيذها‪ .‬في مثل هذه الحاالت‪ ،‬اشترط القاض ي اإلداري‪ ،‬لترتيب املسئولية اإلدارية‬
‫للشخص العمومي‪ ،‬ارتكابه لخطأ جسيم ‪.Faute lourde‬‬
‫• مالحظة ال بد من لفت االنتباه إليها هو أن القاض ي اإلداري الفرنس ي استعمل صراحة تعبير " الخطأ‬
‫الجسيم في مختلف القرارات الصادرة عنه‪ ،‬بخالف " الخطأ البسيط" الذي اكتفى فيه باإلشارة‬
‫فقط إلى الخطأ الذي من شأنه إثارة مسؤولية اإلدارة‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ البسيط والخطأ الجسيم‪-‬‬

‫الخطأ الجسيم ‪la faute lourde‬‬


‫• لكن إذا نظرنا إلى الخطأ الجسيم من ناحية املتعاملين مع اإلدارة‪ ،‬نجد أنه يصب في صالح هؤالء‬
‫جميعا؛ ألن القاض ي اإلداري‪ ،‬حينما أقحم " الخطأ الجسيم " في مجال املسئولية اإلدارية‪ ،‬يكون قد‬
‫قلص‪ ،‬في خطوة أولى‪ ،‬وبشكل كبير ‪ ،‬من مجاالت كانت اإلدارة فيها معفاة من أية مسئولية‪ .‬يتعلق‬
‫األمر ب ـ ‪:‬‬
‫✓ مرفق الشرطة ‪ :‬إن هذا املرفق بالرغم من باعتباره مجاال تتجسد فيه وبامتياز مظاهر السلطة‬
‫العامة‪ .‬فإن القاض ي اإلداري الفرنس ي‪ ،‬من خالل قراره الصادر بتاريخ ‪ 1905‬في قضية ‪Thomas‬‬
‫‪ ،Grecco‬كرس مسؤولية هذا املرفق عن األضرار التي يتسبب فيها إلى الغير‪.‬‬
‫• فطبيعة املهام التي يقوم بها هذا املرفق والظروف التي يشتغل فيها‪ ،‬جعلت القاض ي اإلداري يشترط‬
‫ارتكاب خطأ جسيم لقيام مسئوليته عن األضرار التي يتسبب فيها‪ .‬بطبيعة الحال اشتراط الخطأ‬
‫الجسيم بالنسبة ملرفق الشرطة يشمل فقط األنشطة املادية‪ ،‬بحكم أن هذه األخيرة تنطوي على نوع‬
‫من الخطورة في القيام بها (عمليات تفريق املظاهرات‪ ،‬رفض تدخل القوة العمومية من أجل وضع حد‬
‫الحتالل أحد املعامل)‪ ،‬وكذلك األنشطة املتعلقة بعمليات اإلنقاذ ومكافحة الحرائق( ‪CE 16 mars‬‬
‫‪)1956, époux Domenech : Leb. 124, concl. Mosset ; AJDA 1956 II P 26.‬‬

‫‪72‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ البسيط والخطأ الجسيم‪-‬‬
‫الخطأ الجسيم ‪la faute lourde‬‬

‫• بالنسبة للقاض ي اإلداري املغربي‪ ،‬فلم يخرج عن هذا املسار حينما وضع في الحسبان خطورة عمل‬
‫أجهزة الشرطة ليشترط ارتكابها لخطأ جسيم لترتيب مسئوليتها اإلدارية‪ .‬وهذا ما أكدته محكمة‬
‫الستئناف للرباط في قرارها الصادر بتاريخ ‪ 13‬أبريل ‪ 1960‬والذي جاء في حيثياته ‪ " :‬بالنظر إلى‬
‫خطورة عمل الشرطة في املحافظة على النظام العام‪ ،‬فإن اإلدارة ال يمكن أن تسال إال عن‬
‫األخطاء الجسيمة"‪.‬‬
‫• نفس املوقف عبرت عنه ذات املحكمة في قرارها الصادر بتاريخ ‪ 30‬أبريل ‪ 1965‬في قضية‬
‫‪ LEON‬حينما اعتبرت بأن ‪ " :‬الشرطي الذي يقوم بإطالق النار دون إنذار يعتبر مرتكبا لخطأ‬
‫جسيم من شأنه ترتيب املسئولية اإلدارية"‪.‬‬
‫• لكن القاض ي اإلداري املغربي‪ ،‬وإن كان يشترط الخطأ الجسيم حينما يتعلق األمر بمرفق الشرطة‪،‬‬
‫فإنه‪ ،‬في مناسبات أخرى‪ ،‬قض ى بمسئولية هذا املرفق دون اشتراطه للخطأ الجسيم كما هو‬
‫الحال بالنسبة للقرار الصادر عن الغرفة اإلدارية بتاريخ ‪ 8‬يناير ‪ ،2015‬حينما اعتبر امتناع‬
‫أجهزة األمن عن التدخل أو تأخرها في ذلك بشكل غير مبرر أو تدخلها بشكل س يء مبررا لقيام‬
‫مسئوليتها عن األضرار الناجمة عن ذلك"‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ البسيط والخطأ الجسيم‪-‬‬
‫الخطأ الجسيم ‪la faute lourde‬‬
‫• خارج هذه الحاالت التي تهم املحافظة على النظام والعمليات التي تنطوي على صعوبات في تنفيذها‪ ،‬فإن القاض ي‬
‫اإلداري يكتفي بالخطأ البسيط إلثارة مسئولية اإلدارة‪ .‬ولم يكتف القاض ي اإلداري الفرنس ي بذلك‪ ،‬وإنما سيوسع من‬
‫مجال تطبيق الخطأ الجسيم ليشمل أيضا األعمال القانونية والتي تخلق صعوبات في تنفيذها‪CE 20 .‬‬
‫‪octobre 1972, ville de Paris c /Marabout ; Lebon : P 664 ; AJDA 1972, P 582,‬‬
‫‪Chron. Cabanes et Léger.‬‬
‫✓ املر افق الصحية ‪ :‬نفس املنهج سيتبعه القاض ي اإلداري الفرنس ي بخصوص املر افق الصحية والتي‪ ،‬بحكم‬
‫الصعوبات واملخاطر التي تعتري عمل هذا النوع من املرافق‪ ،‬اشترط القاض ي اإلداري الفرنس ي ارتكابها لخطأ جسيم‬
‫إلثارة مسئوليتها اإلدارية‪ ،‬لكن فقط بالنسبة للحاالت املتعلقة بالفحوصات الطبية والعمليات الجراحية ‪CE, 6‬‬
‫‪mai 1988, l’administration générale de l’Assurance Publique à Paris‬‬
‫‪c/consorts Leones, Lebon.186, AJDA 1988, P 555, Concl. Moreau.‬‬
‫• أما فيما يتعلق بالحاالت الخاصة بتنظيم وتسيير املرفق أو الخاصة بالفحوصات االعتيادية‪ ،‬فقد اعتبر القاض ي‬
‫اإلداري ثبوت خطأ بسيط كافيا إلثارة مسئولية املرفق‪ .‬نفس األمر ينطبق على املصالح الضريبية التي ربط فيها‬
‫القاض ي اإلداري إثارة مسئولية هذه املصالح بارتكابها لخطأ جسيم فيما يخص الحاالت التي تنطوي على صعوبات‬
‫خاصة‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ البسيط والخطأ الجسيم‪-‬‬
‫الخطأ الجسيم ‪la faute lourde‬‬
‫• فيما يتعلق بموقف القاض ي اإلداري املغربي‪ ،‬نجده يميز بين نوعين من األخطاء املرتبة بمسئولية مرفق الصحة‬
‫على أساس الخطأ الجسيم ‪ :‬هناك من جهة اإلخالل بالواجبات اإلنسانية والتي لها عالقة بالضمير اإلنساني‬
‫(عدم تقديم مساعدة ملريض في حالة خطر‪ ،‬رفض تقديم العالج‪ ،‬إفشاء سر منهي‪ .)...‬ويمكن أن نذكر في هذا‬
‫الصدد القرار الصادر عن محكمة االستئناف للرباط الصادر بتاريخ ‪ 06‬يونيو ‪ 2018‬والذي أكدت فيه املحكمة‬
‫بأن تأخر الطبيب في تقديم العالج الالزم يعتبر خطأ جسيما ينم عن سوء أداء املرفق الصحي للخدمة املنوطة به‪.‬‬
‫• وهناك من جهة أخرى‪ ،‬األخالل باألصول الفنية للمهنة ‪ :‬كالقيام بعملية العالج دون فحوصات طبية أولية‪ .‬وهذا‬
‫ما وردت اإلشارة إليه من طرف املحكمة اإلدارية بالرباط في حكمها الصادربتاريخ ‪ 13‬نونبر ‪ 2014‬والتي اعتبرت‬
‫فيه عدم قيام الطبيب بإجراء فحوصات طبية أولية قبل عملية العالج يعد إهمال يمكن أن يثير مسئولية‬
‫املرفق الصحي على أساس الخطأ الجسيم‪.‬‬
‫• ننفس املوقف كانت قد تبنته الغرفة اإلدارية باملجلس األعلى في قرارها الصادر بتاريخ ‪ 13‬نونبر ‪ 2010‬حينما‬
‫أكدت بأن الخطأ في العالج يشكل بدوره شكال من أشكال األخطاء الجسيمة للجهاز الطبي الذي يمكن أن يرتب‬
‫مسئولية املرفق العام الصحي على أساس الخطأ الجسيم‪( .‬الخطأ في العالج تمثل في بتر جزء من املرارة قبل‬
‫القيام بعملية تشخيص راديولوجي كما أن العملية لم تكن ضرورية وحتى الحالة الصحية للمريضة لم تكت‬
‫تتطلب ذلك)‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ البسيط والخطأ الجسيم‪-‬‬
‫القضاء اإلداري والتحول من الخطأ الجسيم إلى الخطأ البسيط‬
‫• إن امللفت لالنتباه‪ ،‬أن القاض ي اإلداري الفرنس ي سينحو منحى آخر في اتجاه تكريس مزيد من‬
‫الحماية لضحايا األخطاء اإلدارية‪ ،‬حيث سيقلص من مجاالت الخطأ الجسيم واالكتفاء بالخطأ‬
‫البسيط كسبب لقيام مسئولية اإلدارة‪.‬‬
‫• بالنسبة للمصالح الضريبية مثال‪ ،‬ارتكاب هذه األخيرة لخطأ بسيط على مستوى تنفيذ‬
‫العمليات املتعلقة بربط واستخالص الضريبة يعد‪ ،‬حسب القاض ي اإلداري الفرنس ي‪ ،‬كافيا‬
‫لترتيب مسئوليتها اإلدارية في حالة تسببه في أضرار للمتعاملين مع اإلدارة‪CE, 21 mars 2011, n°.‬‬
‫‪306 225, Krupa ; Lebon, P 109, Concl. Legras, RFDA 2011, P 340.‬‬

‫• نفس األمر ينطبق على املر افق الصحية والتي سيكتفي فيها مجلس الدولة الفرنس ي بالخطأ‬
‫الطبي إلثارة مسئوليتها اإلدارية‪ .‬هذا التخلي عن الفكرة الخطأ الجسيم كسبب لترتيب املسئولية‬
‫اإلدارية في هذه املرافق العامة جعلت البعض يذهب إلى اعتبارها تقترب كثيرا من املسئولية‬
‫املدنية‪CE, ASS. 10 avril 1992, M et Mme V, GAJA, n° 89, AJDA 1992, 355, Concl. Legal..‬‬

‫‪76‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬التمييزبين الخطأ البسيط والخطأ الجسيم‪-‬‬

‫القضاء اإلداري والتحول من الخطأ الجسيم إلى الخطأ البسيط‬


‫• نفس االتجاه سلكه القاض ي اإلداري املغربي حينما هجر الخطأ الجسيم باتجاه الخطأ‬
‫الطبي كشرط لترتيب املسئولية اإلدارية للمرفق الصحي‪ .‬ففي قرارها والصادر بتاريخ ‪6‬‬
‫يوليوز ‪ 2006‬أشارت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط إلى أن ‪ " :‬ما هو مستقر عليه فقها‬
‫وقضاء‪ ،‬ال يشترط لقيام املسئولية الطبية أن يكون الخطأ على درجة كبيرة من الجسامة‪،‬‬
‫بل إن املسئولية الطبية‪ ،‬حسب االتجاه الحديث‪ ،‬تقتض ي قيام الخطأ الواضح الذي‬
‫يستشف من باقي القرائن األخرى للوقوف على الخطأ الطبي إلقرار املسئولية الطبية من‬
‫عدمها"‪.‬‬
‫• وهو نفس ما ذهبت إليه محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش في قرارها الصادر بتاريخ ‪18‬‬
‫نونبر ‪ 2020‬حينما اعتبرت بأن الضرر املطلوب التعويض عنه (تضرر أحد األعضاء إثر‬
‫الجذب املفرط أثناء عملية الوالدة) ضد أحد املراكز االستشفائية ناجم عن خطأ طبي‬
‫متمثل في مخالفة قواعد املهنة الطبية"‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫التخلي عن الشرط الجسيم بالنسبة‬
‫للمر افق التالية ‪:‬‬

‫الشرطة اإلدارية‬ ‫املرفق الصحي (النشاط الطبي)‬

‫مصالح مكافحة الحرائق‬


‫الخطأ الطبي‬
‫‪C.E 29 avril 1998‬‬

‫مصالح اإلنقاذ البحرية‬


‫‪C.E 13 mars 1998 Améon‬‬

‫‪C.E 10 avril 1992‬‬


‫املصالح السجنية‬ ‫‪Époux .V‬‬
‫‪C.E 23 mai 2003 Chabba‬‬

‫‪78‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬الخطأ املفترض ‪- la faute présumée‬‬

‫الخطأ املفترض ‪la faute présumée‬‬

‫• بحكم االمتيازات االستثنائية التي تتمتع بها‪ ،‬اعتمد القاض ي اإلداري ما يسميه الفقه اإلداري‬
‫بالخطأ املفترض‪ ، la faute présumée‬حيث جعل عبء إثبات الخطأ ملقى على عاتق‬
‫اإلدارة وليس املتضرر‪ .‬من حيث املبدأ‪ ،‬إثبات الخطأ يقع على عاتق الطرف املتضرر إلثارة‬
‫مسئولية اإلدارة‪.‬‬
‫• لكن‪ ،‬املتضرر غالبا ما يصطدم بصعوبات وعراقيل إدارية تحول دون تمكنه من ذلك‪،‬‬
‫خصوصا إذا علمنا أن الوثائق املثبتة تكون في غالب األحيان في حوزة اإلدارة‪.‬‬
‫• كما أن هذه الصعوبات تتعلق بطبيعة املرافق العامة نفسها والتي تجعل من الصعب على‬
‫املتضرر إثبات الخطأ املرتكب من قبلها (األشغال العمومية‪ ،‬املرافق الطبية‪ .)...‬وهذا من‬
‫شانه أن يؤدي إلى ضياع حقه في الحصول على تعويضات عن الضرر الذي لحقه‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬الخطأ املفترض ‪- la faute présumée‬‬

‫• صحيح أن املهمة اليوم صارت متيسرة في ظل اإلصالحات التي عرفتها اإلدارة العمومية‪،‬‬
‫حيث صار من حق املواطن‪ ،‬دستوريا‪ ،‬الولوج إلى الوثائق واملعلومات اإلدارية (الفقرة األولى‬
‫من الفصل ‪ 27‬من دستور ‪ " : 2011‬للمواطنين واملواطنات الحق في الحصول على‬
‫املعلومات التي في حوزة اإلدارات العمومية واملؤسسات املنتخبة والهيئات املكلفة بمهام‬
‫املرفق العام")‪.‬‬
‫• وقانونيا‪ ،‬من خالل إلزام اإلدارات العمومية بتعليل قراراتها اإلدارية‪( .‬قانون رقم ‪03.01‬‬
‫الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.02.202‬الصادر بتاريخ ‪ 23‬يوليوز ‪ 2002‬بشأن‬
‫إلزام اإلدارات العمومية والجماعات املحلية واملؤسسات العمومية بتعليل قراراتها اإلدارية‪.‬‬
‫ج‪.‬ر عدد ‪ ،5029‬بتاريخ ‪.)12/08/2002‬‬

‫‪80‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬الخطأ املفترض ‪- la faute présumée‬‬

‫• القاض ي اإلداري املغربي‪ ،‬أخذا منه بعين االعتبار هذه الصعوبات التي قد تحول دون تمكن املتضرر من‬
‫إثبات خطأ اإلدارة‪ ،‬ألزم هذه األخيرة بإثبات عدم ارتكابها للخطأ كشرط للتحلل من مسئوليتها اإلدارية‪.‬‬
‫وهذا ما أكده في العديد من أحكامه وقراراته‪ .‬فعلى سبيل املثال ال الحصر‪ ،‬ما ذهبت إليه الغرفة اإلدارية في‬
‫قرارها الصادر بتاريخ ‪ 7‬ماي ‪ 1960‬في قضية « ‪ "Degoie‬حيث اعتبرت بأنه ‪ " :‬ل يمكن لإلدارة أن‬
‫تتحلل من املسئولية إل إذا أثبتت أن الخطأ يرجع إلى الضحية‪ ،‬أو لظروف الزمان واملكان أو الوسائل‬
‫التي تتوفر عليها‪ ،‬أو أن الحالة املؤدية إلى الضرر لم تكن لتتولد عن عدم قيام اإلدارة بواجبها املتعلق‬
‫بالعناية العادية باملنشأة العامة‪."...‬‬
‫• نفس املوقف تبنته الغرفة اإلدارية في قرارها الصادر بتاريخ ‪ 12‬مارس ‪ 1998‬حينما أعفت الضحية من‬
‫إثبات الخطأ‪ .‬فقد أكدت في قرارها بأن ‪ " :‬التصرف الذي أقدم عليه مركز تحاقن الدم‪ ،‬ليس في حاجة إلى‬
‫إثبات‪ ،‬لكون أوراق امللف ل تدع مجال للشك في ثبوت مسئولية أحد املر افق التابعة للدولة"‪.‬‬
‫• ويمكن أن نشير كذلك إلى التعويض الذي حكمت به املحكمة البتدائية بالدار البيضاء (في حكمها‬
‫الصادر بتاريخ فاتح فبراير ‪ 1983‬في قضية السيد مداح العياش ي ضد الوكالة املستقلة لتوزيع املاء‬
‫والكهرباء)‪ ،‬لفائدة أحد املواطنين جراء الضرر الكبير الذي لحقه جراء سقوط سلك كهربائي عليه بأحد‬
‫أحياء الدارالبيضاء (حي مبروكة)‪ ،‬محملة بذلك املسئولية للوكالة املستقلة لتوزيع املاء والكهرباء‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬الخطأ املفترض ‪- la faute présumée‬‬

‫• ويبدو أن القاض ي اإلداري املغربي‪ ،‬بأخذه بفكرة الخطأ املفترض‪ ،‬سار على نفس خطى نظيره‬
‫الفرنس ي‪ .‬هذا األخير طبق فكرة الخطأ املفترض في ثالثة مجاالت أساسية ‪:‬‬
‫• مجال األشغال العمومية ‪ :‬بالنسبة للقاض ي اإلداري‪ ،‬اإلدارة ال يمكن أن تتحلل من مسئوليتها إال‬
‫إذا أثبتت عدم إخاللها بواجب الصيانة العادية ملنشآتها العامة‪ .‬وهذا ما أشار إليه مجلس الدولة‬
‫الفرنس ي في قراره الصادر بتاريخ ‪ 8‬مارس ‪ 1991‬في قضية ‪SA Union sidérurgique du Nord‬‬
‫والتي ربط فيها إخالء مسئولية ميناء دانكيرك ‪ Dunkerque‬بضرورة إثبات قيامه بواجب‬
‫الصيانة العادية ‪.Entretien normal de l’ouvrage public‬‬
‫• مجال مسئولية املر افق الطبية ‪ :‬اعتمد القاض ي اإلداري فكرة الخطأ املفترض في قصايا عديدة ‪:‬‬
‫التلقيحات اإلجبارية ‪les vaccinations obligatoires (CE, 7 mars 1958, Déjoux, Rec.‬‬
‫)‪ ،CE. P 153‬فحوصات عادية أحدثت أضرارا خطيرة (تلقيح وريدي نجم عنه شلل في أحد‬
‫األعضاء) ‪ ، CE, 23 février 1962, Meier, Rec. CE,. P 122‬العدوى امللتقطة داخل‬
‫املستشفيات (‪ : )CE, 18 nov 1960, Savelli, Rec. CE. P 640‬السيد ‪ Savelli‬دخل املستشفى‬
‫من أجل العالج من داء الحصبة لكنه أصيب بعدوى الجدري ‪.la variole‬‬

‫‪82‬‬
‫أول ‪ :‬املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫‪-‬الخطأ املفترض ‪- la faute présumée‬‬

‫• مجال املر اقبة ‪ :‬اإلدارة‪ ،‬حسب القاض ي اإلداري مسئولة عن األشخاص (مرض ى‪ ،‬تالميذ‪)...‬‬
‫الذين هم تحت إشرافها ومراقبتها‪ .‬إخاللها بهذا الواجب (واجب اإلشراف واملراقبة) يترتب‬
‫عنه إثارة مسئوليتها اإلدارية بناء على فكرة الخطأ املفترض‪ .‬وهذا ما أكده مجلس الدولة‬
‫الفرنس ي في قراره الصادر بتاريخ ‪ 12‬أكتوبر ‪ 1983‬في قضية السيدة ‪ ( Rolland‬تتعلق‬
‫بالواقعة بسيدة مصابة بمرض عقلي قامت باالستحواذ على سكين ثم الذت بالفرار وقامت‬
‫بارتكاب جريمة قتل في حق أحد األشخاص)‪.‬‬
‫• مالحظة جد هامة ‪ :‬أن القاض ي اإلداري‪ ،‬سواء املغربي أو الفرنس ي‪ ،‬في إثارته ملسئولية اإلدارة‬
‫انطالقا من الخطأ املفترض‪ ،‬ال يذكر في حيثيات القرار أو الحكم عبارة " الخطأ املفترض"‪،‬‬
‫وإنما يستعمل تعبير من قبيل ‪ " :‬أن ظروف أو مالبسات النازلة تشير أو توحي ‪révèlent‬‬
‫إلى وجود عيب أو خلل في الصيانة أو في املر اقبة‪."...‬‬

‫‪83‬‬
‫الخطأ املفترض‬ ‫املبدأ ‪ :‬إثبات الخطأ من‬
‫‪La faute Présumée‬‬ ‫طرف الضحية‬

‫عبء اإلثبات يقع‬


‫على اإلدارة‬

‫األضرارالناجمة عن اإلخالل‬ ‫األضرارالناجمة عن‬


‫بواجبات اإلشراف واملر اقبة‬ ‫األضرارالناجمة عن‬ ‫املر افق الطبية ‪:‬‬
‫(تالميذ‪ ،‬مرض ى‪)...‬‬ ‫األشغال واملنشآت‬
‫العمومية‬ ‫التلقيحات اإلجبارية‬
‫فحوصات عادية ترتب عنها‬
‫اإلخالل بواجبات الصيانة‬ ‫أضرار خطيرة‬
‫العادية للمنشآت العمومية‬
‫عدوى داخل املستشفيات‬
‫‪84‬‬
‫أوال ‪ :‬األسس الكالسيكية للمسئولية اإلد ارية‬

‫املسئولية بدون خطأ (املسئولية املوضوعية)‬


‫في إطار هذه املسئولية سنتناول بالتحليل والدراسة كال من ‪:‬‬
‫✓ خصائص املسئولية اإلدارية بدون خطأ (املسئولية املوضوعية)‬
‫✓ أصناف املسئولية اإلدارية بدون خطأ‬
‫▪ املسئولية القائمة على املخاطر‬
‫▪ املسئولية القائمة على املساواة أمام التكاليف العامة‬

‫‪85‬‬
‫أوال ‪ :‬خصائص المسئولية اإلدارية بدون‬
‫خطأ‬

‫• تنفرد املسئولية اإلدارية بدون خطأ بالعديد من الخصوصيات التي تجعلها متميزة عن املسئولية‬
‫اإلدارية القائمة على الخطأ‪ .‬ويمكن إجمال هذه الخصوصيات في النقط التالية ‪:‬‬
‫‪ −‬املسئولية اإلدارية بدون خطأ مسئولية موضوعية‪.‬‬
‫• بخالف املسئولية القائمة على الخطأ‪ ،‬املسئولية بدون خطأ هي مسئولية ينسب فيها الضرر إلى‬
‫شخص عمومي بغض النظر عن وجود خطأ‪ .‬املسئولية في هذه الحالة مسئولية موضوعية‪ ،‬ألنه‬
‫في إطار هذه املسئولية‪ ،‬ال يلتفت إلى وجود الخطأ‪ ،‬وإنما بتجاهله‪ .‬عند إثارة هذا النوع من‬
‫املسئولية‪ ،‬يكتفي الطرف املتضرر بإثبات الضرر والعالقة السببية بين فعل اإلدارة والضرر‪ .‬لكن‬
‫هذا ال يعني أن الخطأ لم يرتكب‪ ،‬وإنما ألن الخطأ ببساطة ليس مطلوبا‪.‬‬
‫• فحينما يصاب شخص ما بطلق ناري لم يكن يستهدفه أثناء عملية مطاردة من طرف رجال‬
‫الشرطة‪ ،‬فبالرغم من وجود خطأ‪ ،‬إال أن املتضرر ليس في حاجة إلثباته‪ ،‬لذلك فمسئولية مرفق‬
‫الشرطة ثابتة ملجرد استعمال سالح ناري‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫أوال ‪ :‬خصائص المسئولية اإلدارية بدون‬
‫خطأ‬

‫‪ −‬املسؤولية اإلدارية بدون خطأ من النظام العام‬


‫• بخالف املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‪ ،‬تعتبر املسئولية اإلدارية بدون خطأ من النظام العام‪،‬‬
‫مما يعني إمكانية إثارتها تلقائيا من قبل القاض ي اإلداري‪ .‬هذه الخاصية أكدها القاض ي اإلداري‬
‫الفرنس ي في قراره الصادر بتاريخ ‪ 82‬مارس ‪ 1919‬في قضية ‪ ،Regnault-Desroziers‬حيث قام‬
‫املدعون بإقامة املسئولية اإلدارية على أساس الخطأ‪ ،‬بينما تدخل مجلس الدولة الفرنس ي تلقائيا‬
‫وحولها باتجاه املسئولية بدون خطأ‪ ،‬اعتمادا على نظرية املخاطر‪.‬‬
‫• نفس األمر سيؤكده املجلس في القرار الذي صدر عنه بتاريخ ‪ 21‬ماي ‪ ،1920‬في قضية انفجار مخزن‬
‫للذخيرة في مخازن املدرعة "‪ "Liberté‬الذي يستعمل من أجل املناورات البحرية‪ .‬ففيما رفع أهل‬
‫الضحية دعواهم في إطار املسئولية القائمة على الخطأ بناء على تقصير البحرية‪ ،‬كان ملجلس الدولة‬
‫الفرنس ي رأي آخر حينما قض ى ألهل الضحية بالتعويض ليس على أساس املسئولية القائمة على‬
‫الخطأ وإنما على أساس املخاطر‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫أوال ‪ :‬خصائص المسئولية اإلدارية بدون‬
‫خطأ‬
‫‪ −‬املسئولية اإلدارية بدون خطأ ذات طابع ثانوي ‪Subsidiaire‬‬
‫• حسب العديد من فقهاء القانون اإلداري‪ ،‬فإن اعتبار املسئولية اإلدارية بدون خطأ ذات طابع ثانوي راجع إلى‬
‫كون املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ تعتبر الشريعة العامة ‪ Droit commun‬في مجال املسئولية‬
‫اإلدارية‪ .‬حسب ‪ R. Chapus‬و ‪ P. Duez‬مسئولية السلطة العامة هي من حيث املبدأ مسئولية‬
‫مستندة إلى الخطأ‪ .‬تفس األمر سيتبناه ‪ P. DONDOUX‬حينما اعتبر بأن ‪ " :‬الشريعة العامة‬
‫للمسئولية هو الخطأ وليس املخاطر"‪ .‬هذا املوقف سيؤكده ‪ F. Moderne‬بقوله بأنه ‪ ":‬ينبغي‬
‫النطالق من هذا العتبار األساس ي بأن الشريعة العامة للمسئولية اإلدارية مستوحاة دائما من فكرة‬
‫الخطأ"‪.‬‬
‫• بالنسبة للقضاء املغربي‪ ،‬فقد سار على نفس خطى القضاء اإلداري الفرنس ي‪ ،‬حيث اعتبر املجلس األعلى في‬
‫قراره الصادر بتاريخ ‪ 3‬يوليوز ‪ 1968‬في قضية أرملة عبود بأن الخطأ هو األساس العادي للمسئولية‬
‫العمومية‪.‬‬
‫• من جهة أخرى‪ ،‬صفة التبعية التي تتميز بها املسئولية بدون خطأ تتجلى أيضا على املستوى الكمي‪ ،‬حيث‬
‫بالرجوع إلى مجموعة ‪ Lebon‬نجد أن املسئولية اإلدارية على أساس الخطأ تشغل أكثر من‬

‫‪88‬‬
‫أوال ‪ :‬خصائص المسئولية اإلدارية بدون‬
‫خطأ‬
‫‪ 3/4‬من حاالت املسئولية اإلدارية‪ ،‬كما أن املسئولية اإلدارية بدون خطأ لم تظهر إال بعد ‪60‬‬
‫سنة من نشر اللوائح العشرينية ‪ 1935‬ـ ‪ ،1954‬أي بعد ‪ 60‬سنة على صدور اجتهاد‬
‫"‪."Cames‬‬
‫• إضافة إلى هذا‪ ،‬فإن الطابع الثانوي للمسؤولية بدون خطأ ال تثار إال في حاالت محددة إما‬
‫قضائيا أو تشريعيا لدرجة أنه ال يوجد نطاق للمسئولية بدون خطأ‪ .‬كما أن الظروف أو‬
‫األسباب املعفية من املسئولية بدون خطأ قليلة جدا باملقارنة مع تلك املتعلقة باملسئولية‬
‫القائمة على الخطأ‪ ،‬حيث تنحصر تلك األسباب في ‪ :‬القوة القاهرة و خطأ الضحية‪.‬‬
‫• إن صفة التبعية التي تتصف بها املسئولية بدون خطأ جعل البعض ينظر إليها كنظام بديل‬
‫في حال عدم إمكانية إعمال املسئولية اإلدارية املستندة على الخطأ‪ ،‬أو مللء الفراغات التي‬
‫تنطوي عليها املسؤولية القائمة على الخطأ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫املسئولية اإلدارية بدون خطأ‬

‫ذات طابع ثانوي‬


‫من النظام العام‬ ‫موضوعية‬
‫أو تكميلي‬

‫▪ االكتفاء فقط بإثبات الضرر‬


‫املسئولية اإلدارية القائمة على الخطأ‬
‫باستطاعة القاض ي اإلداري التدخل‬ ‫والعالقة السببية بينه وبين الفعل‬
‫حسب الفقه اإلداري هي املبدأ‪ ،‬بينما ال‬
‫تلقائيا من أجل تغيير وجهة مسئولية‬ ‫الضار‬
‫تكتس ي املسئولية بدون خطأ سوى‬
‫اإلدارة من الخطأ إلى املخاطر مثال‪.‬‬ ‫▪ ال يعني عدم وجود خطأ وإنما يتم‬
‫طابع ثانوي وتكميلي‬
‫تجاهله‬

‫‪90‬‬
‫أوال ‪ :‬حاالت إثارة المسئولية اإلدارية بدو ن‬
‫خطأ‬

‫أ‪ -‬حاالت املسئولية اإلدارية على أساس‬


‫املخاطر‬

‫✓ األضرارالناجمة عن إصابات العمل‬


‫✓ األضرارالناجمة عن استعمال األشياء الخطيرة‬
‫✓ األضرارالناجمة عن مخاطرالجوارغيرالعادية‬
‫✓ األضرارالناجمة عن األشغال العمومية‬

‫‪91‬‬
‫‪-‬أ‪-‬حاالت املسئولية اإلدارية على أساس املخاطر‬
‫‪ -‬األضرارالناجمة عن إصابات العمل‬

‫❖فئة موظفي اإلدارة و األعوان الدائمين‬


‫• بالنسبة لهذه الفئة‪ ،‬قبل القاض ي اإلداري الفرنس ي بتعويضها عن األضرار الناجمة عن مخاطر الوظائف‬
‫التي يزاولونها‪ ،‬وذلك من خالل القرار الذي أصدره مجلس الدولة الفرنس ي بتاريخ ‪ 21‬يونيو ‪ 1895‬في قضية‬
‫‪ Cames‬والذي ألزم فيه اإلدارة بتعويض أحد مستخدميها عن حادثة شغل أصابته على أساس املخاطر‪.‬‬

‫• فيما يتعلق بموقف القضاء املغربي‪ ،‬فقد تميز موقفه‪ ،‬في بداية األمر‪ ،‬برفض تعويض موظفي اإلدارة‬
‫وأعوانها الدائمين متحججا في ذلك بعدم إمكانية أحكام الفصل ‪ 79‬من قانون االلتزامات والعقود على هذه‬
‫الفئة‪ .‬لكنه سيغير من موقفه من خالل حكم محكمة الدارالبيضاء في قضية ‪Vuillemin‬بتاريخ ‪ 26‬يناير‬
‫‪ .1921‬أهمية هذا الحكم تجلت في كونه كان وراء سن املشرع املغربي لتشريعات تروم حماية موظفيها‬
‫ُ‬
‫وأعوانها الدائمين من مخاطر الوظائف التي يقومون بها‪ .‬بدءا بقانون فاتح غشت ‪ 1958‬الذي أ ِقر بموجبه‬
‫نظام للتأمين واملعاشات لفائدة املوظفين املدنيين والعسكريين‪ ،‬قبل أن يحل محله القانون رقم ‪013.71‬‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 30‬دجنبر ‪ 1971‬املتعلق بنظام الرواتب العسكرية‪ ،‬والقانون رقم ‪ 011.71‬الصادر بتاريخ ‪30‬‬
‫دجنبر ‪ 1971‬الذي أحدث بموجبه نظام لرواتب التقاعد املدنية‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫‪ -‬أ‪ -‬حاالت املسئولية اإلدارية على أساس املخاطر‬
‫‪ -‬األضرارالناجمة عن إصابات العمل‬

‫• إن القضاء اإلداري املغربي يربط إثارة مسئولية اإلدارة عن األضرار التي تصيب موظفيها وأعوانها‬
‫الدائمين بضرورة أن تكون املخاطر التي يتعرضون لها غير معتادة‪ .‬وهذا ما أكدته محكمة‬
‫االستئناف اإلدارية في قرارها الصادر بتاريخ ‪ 08‬أكتوبر ‪ 2020‬في قضية ورثة محمد القادري ضد‬
‫رئيس الحكومة والذي أشارت فيه بأن ‪" :‬إقرار مسئولية اإلدارة على أساس مخاطر املهنة يقتض ي‬
‫إحاطة هذه األخيرة بمخاطر غير معتادة تجعل مزاولها معرضا للخطر بمقتض ى طبيعة عمله‪ ،‬وهو‬
‫ما ينتفي في نازلة الحال"‪.‬‬
‫❖فئة املتعاونين مع اإلدارة (األعوان غيرالدائمين)‪.‬‬
‫• وإذا كان هذا قرار « ‪ "Cames‬فقد أهميته بالنسبة لفئة املوظفين واألعوان الدائمين لإلدارة بعد‬
‫سن املشرع الفرنس ي لقانون التعويض عن حوادث الشغل التي تصيب موظفي ومستخدمي الدولة‬
‫(قانون ‪ ،)1898‬فإن مجال تطبيقه امتد ليشمل أيضا فئة املتعاونين مع اإلدارة والتي تستعين بهم‬
‫في تنفيذ بعض مهام لها عالقة باملرفق العام‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ -‬أ‪ -‬حاالت املسئولية اإلدارية على أساس املخاطر‬
‫‪ -‬األضرارالناجمة عن إصابات العمل‬

‫• لكن استفادة فئة املتعاونين مع اإلدارة غير الدائمين‪ ،‬حسب مجلس الدولة الفرنس ي‪ ،‬تتوقف‬
‫على ضرورة توفر مجموعة من الشروط ‪:‬‬
‫▪ أن تكون مشاركة هذه الفئة في تنفيذ مهام مرفق عام بطلب من اإلدارة ؛‬
‫▪ أن يكون النشاط املعني بهذه املشاركة مرفقا عاما؛‬
‫▪ أن تكون مشاركتهم في مهام املرفق العام فعلية؛‬
‫• مالحظة جد هامة ‪ :‬بالنسبة لفئة املتعاونين مع اإلدارة التلقائيين (بدون طلب من اإلدارة)‪،‬‬
‫فقد أقر القاض ي اإلداري الفرنس ي مسئولية اإلدارة عن األضرار التي تصيبهم بمناسبة قيامهم‬
‫بمهامهم شريطة توفر حالة االستعجال‪ ،‬ال سيما في ظل عدم توفر اإلدارة على الوسائل‬
‫الالزمة للتدخل العاجل‬

‫‪94‬‬
‫‪ -‬أ‪ -‬حاالت املسئولية اإلدارية على أساس املخاطر‬
‫‪ -‬األضرارالناجمة عن إصابات العمل‬

‫• وقد سار القاض ي اإلداري املغربي في نفس اتجاه نظيره الفرنس ي حينما أقر مسئولية‬
‫اإلدارة عن األضرار التي تصيب املتعاونين املسخرين من قبلها أثناء قيامهم باملهام املسندة‬
‫إليهم‪ .‬ولعل خير مثال على ذلك ما قضت به الغرفة اإلدارية للمجلس األعلى في قرارها‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 29‬نونبر ‪ 2006‬في قضية اشعيبات عزوز‪ ،‬حيث اعترفت بمسئولية‬
‫الدولة املغربية (مندوبية التجهيز) على أساس على املخاطر‪ ،‬عن األضرار التي لحقت‬
‫بالسيد اشعيبات أثناء قيامه باملهمة املسخر من أجلها (اعتقاله ملدة تفوق ثالثين سنة‬
‫من قبل البوليساريو)‬

‫‪95‬‬
‫‪ -‬أ‪ -‬حاالت املسئولية اإلدارية على أساس‬
‫املخاطر‬
‫األضرار الناجمة عن استعمال املواد واألشياء الخطيرة‬

‫• في إطار املسئولية املستندة على املخاطر‪ ،‬يقوم القاض ي اإلداري بترتيب مسئولية اإلدارة عن‬
‫استعمال املواد أو األشياء الخطيرة‪ ،‬كلما تسببت هذه املواد واألشياء الخطيرة في أضرار للناس‪،‬‬
‫وبالتالي استحقاقهم للتعويضات املترتبة عن ذلك‪ .‬وهذا ما أكده مجلس الدولة الفرنس ي في قراره‬
‫الشهير ‪ Regnault-Desroziers‬بتاريخ ‪ 28‬مارس ‪ ،1919‬والذي قض ى فيه بتعويض إحدى‬
‫الضحايا عن األضرار البشرية واملادية التي لحقتهم جراء انفجار مخزن للذخيرة‪.‬‬
‫• وقد اقتفى القاض ي اإلداري املغربي نفس خطى نظيره الفرنس ي‪ ،‬حينما أقر مسئولية اإلدارة عن‬
‫األضرار التي تصيب الغير جراء تعرضهم لطلق ناري من سالح خطير تم استعماله من طرف رجل‬
‫الشرطة‪ .‬فقد جاء في قرار صادر عن محكمة الستئناف بالرباط بتاريخ ‪ 20‬نونبر ‪ 1959‬بأنه ‪" :‬‬
‫حيث من القواعد الثابتة في مجال العمليات املتعلقة بالحفاظ على النظام العام من طرف مصالح‬
‫األمن يتم إبعاد املبدأ القائل بأن ال تسأل إال عن خطئها الجسيم ليحل محله افتراض املسئولية‬
‫الذي يجد مصدره في فكرة املخاطر‪ ،‬كما استعملت قوات الشرطة أسلحة وخطيرة وكانت‬
‫الضحية غيرمستهدفة بعملية الشرطة"‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫‪-‬أ‪ -‬حاالت املسئولية اإلدارية على أساس املخاطر‬
‫األضرار الناجمة عن استعمال املناهج أو األساليب‬
‫املتحررة ‪les méthodes libérales‬‬

‫• إن ترتيب مسئولية اإلدارة عن األضرار الناجمة عن نشاطاتها الخطيرة ال تنحصر فقط في استعمال اآلالت‬
‫واألشياء الخطيرة‪ ،‬وإنما تشمل أيضا املناهج املتحررة التي صارت تعتمدها اإلدارة في تعاملها مع بعض الفئات‬
‫املجتمعية‪ .‬وباالطالع على اجتهادات القضاء اإلداري في هذا الصدد‪ ،‬نجد بأن هذه املناهج التحررية تشمل‬
‫املجاالت التالية ‪:‬‬
‫• مؤسسات إعادة تربية األحداث الجانحين ‪ :‬إن حرية الحركة التي بات يتمتع بها األحداث الجانحين والتي‬
‫تستهدف من ورائها هذه املؤسسات إلى إعادة إدماجهم من جديد في املجتمع ال تخلو من مخاطر على الغير‪.‬‬
‫فالقاض ي اإلداري ال يتردد في ترتيب مسئولية تلك املؤسسات على أساس املخاطر في حالة تسبب األحداث‬
‫الجانحين املودعين لديها في أضرار للغير‪ .‬وهذا ما أكده مجلس الدولة الفرنس ي في قراره الشهير الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 3‬فبراير ‪ 1956‬في قضية ‪.Thouzellier‬‬
‫• وتتلخص وقائع هذه القضية في هروب اثنين من األحداث من مؤسسة للتهذيب واإلصالح وقيامهما أعمال‬
‫السطو على أحد املنازل املجاورة لها‪ .‬وقد قض ى مجلس الدولة الفرنس ي بتحميل املؤسسة املذكورة مسئولية‬
‫التعويض عن األضرار الناجمة عن مخاطر الجوار غير العادية‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫حاالت املسئولية اإلدارية على أساس املخاطر‬
‫األضرار الناجمة عن استعمال املناهج أو األساليب‬
‫املتحررة ‪les méthodes libérales‬‬

‫• مؤسسات األمراض العقلية ‪ :‬لقد صارت هذه املؤسسات تتبع أساليب عالجية تقوم على أساس السماح‬
‫لبعض املرض ى العقليين بحرية الحركة والتنقل خارجها على سبيل التجربة‪ .‬لكن هذا النوع من األساليب في‬
‫التعامل مع هذه الفئة من املجتمع‪ ،‬إن كان الهدف من ورائه إعادة إدماجهم تدريجيا في املجتمع‪ ،‬ال يخلو من‬
‫قد يتسببون فيها للغير جراء أفعالهم وتصرفاتهم املتهورة‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬ال يتردد القاض ي اإلداري في تحميل‬
‫هذه املؤسسات مسئولية التعويض عن تلك األضرار‪ .‬كما فعلت ذلك املحكمة اإلدارية لباريس التي قضت في‬
‫حكمها الصادر بتاريخ ‪ 18‬مارس ‪ 1964‬في قضية " ‪ "PAU‬بمسئولية مستشفى عن جريمة سرقة ارتكبها أحد‬
‫املرض ى أثناء فترة خروجه من املستشفى على سبيل التجربة‪.‬‬
‫• املؤسسات السجنية ‪ :‬يتعلق األمر هنا بسجناء في وضعية إعادة اإلدماج والذين يتمتعون بنوع من الحرية‬
‫املراقبة‪ .Liberté contrôlée‬وهذا النوع من األسلوب الجديد املتبع في التعامل مع السجناء يظل هو‬
‫اآلخر محفوفا بمخاطر قد تهدد سالمة وممتلكات الغير‪.‬‬
‫• ولهذا‪ ،‬لم بتوان القاض ي اإلداري في ترتيب مسئولية اإلدارة كلما نجم عن ذلك أضرار تصيب الغير‪ .‬ولعل‬
‫القرار الصادر عن مجلس الدولة الفرنس ي بتاريخ ‪ 2‬دجنبر ‪ 1981‬في قضية ‪gardes des sceaux / c‬‬
‫‪ theys‬خير مثال على ذلك‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫حاالت املسئولية اإلدارية على أساس املخاطر‬
‫األضرار الناجمة عن مخاطرالجوارغيرالعادية‬

‫❑تشمل هذه الحالة بعض املنشآت العامة التي تكتس ي خطورة غير عادية على الساكنة التي‬
‫تتواجد بجوارها‪ .‬كمستودعات الذخيرة‪ ،‬مستودعات للمتفجرات‪ ،‬مصانع ملواد كيماوية‬
‫سامة‪ ،‬مفاعالت نووية‪ ...‬مثل هذه املنشآت تنطوي على مخاطر بالنسبة للساكنة املتواجدة‬
‫بالقرب منها‪ ،‬وبالتالي فإن القاض ي اإلداري يعتبر األضرار التي تتسبب فيها مبررا كافيا إلثارة‬
‫مسئولية قائمة على املخاطر في حق اإلدارة املسئولة عن إدارتها‪ ،‬حتى ولو لم يثبت عيب في‬
‫التصميم أو في الصيانة‪CE, Ass. 6 juillet 1973, Ministre de l’équipement et logement c/ .‬‬
‫‪Dalleau, Lebon. 1973, P 588.‬‬

‫❑نفس الوقف اتخذه القاض ي اإلداري املغربي من خالل حكم املحكمة اإلدارية الصادر بتاريخ‬
‫‪ 29‬دجنبر ‪ ،1943‬والتي قضت بتعويض مالك األراض ي املجاورة للملك الغابوي بسبب األضرار‬
‫غير العادية التي لحقت بأراضيهم جراء اجتياح الخنازير لها وتخريبها‪ .‬وقد بنت املحكمة‬
‫املذكورة ترتيب مسئولية الدولة على أساس خرق مبدأ املساواة أمام التكاليف العامة‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫‪-‬أ‪ -‬حاالت املسئولية اإلدارية على أساس املخاطر‬
‫األضرارالناجمة عن مخاطراألشغال العمومية‬

‫❑يتعلق األمر بأضرار ناجمة عن أشغال جارية على عقارات أو بعمليات تشغيل أو إقامة أو تواجد منشآت عامة‬
‫خطيرة‪ .‬مثل هذه األشغال‪ ،‬التي تنطوي على مخاطر على الساكنة‪ ،‬ترتب مسؤولية اإلدارة عن األضرار التي‬
‫تتسبب فيها‪ .‬وهذا ما أكد ه القضاء اإلداري الفرنس ي في العديد من املناسبات‪.‬‬

‫❑ ويمكن أن نذكر على سبيل املثال ال الحصر قرار مجلس الدولة الفرنس ي الصادر بتاريخ ‪ 8‬نونبر‬
‫‪ 1986‬بخصوص أشغال تمديد بعض املسارات والتي ترتب عنها الحرمان من الولوج إلى املناطق‬
‫املجاورة‪ .‬وقراره كذلك الصادر بتاريخ ‪ 19‬فبراير ‪ 1961‬املتعلق باألشغال الطرقية والتي أدت إلى حرمان بعض‬
‫أصحاب املحالت التجارية من زبائنهم‪.‬‬
‫❑ أما فيما يتعلق باملنشآت الخطيرة‪ ،‬فلم يتردد القاض ي اإلداري الفرنس ي في العديد من قراراته في ترتيب‬
‫مسئولية اإلدارة عن األضرار التي تلحقها بالغير‪ ،‬منها قراره الصادر بتاريخ ‪ 17‬ماي ‪ 1974‬املتعلق باألضرار‬
‫الصحية التي تتسبب بها محطات التطهير ومطارح النفايات‪ ،‬أو النزعاجات التي تتسبب فيها محطات‬
‫القطار أو املطارات قرار مجلس الدولة الفرنس ي الصادربتاريخ ‪ 11‬يوليوز ‪.1960‬‬
‫‪100‬‬
‫‪-‬أ‪ -‬حاالت املسئولية اإلدارية على أساس‬
‫املخاطر‬
‫األضرار الناجمة عن مخاطراألشغال العمومية‬

‫• ولم يتردد القاض ي اإلداري املغربي في االعتراف بمسئولية اإلدارة عن األضرار الناجمة عن‬
‫تنفيذ األشغال العمومية أو بسبب وجود منشآت عامة بشرك أن يكون املتضرر يحمل‬
‫صفة الغير‪ ،‬يمعنى أن يكون أجنبيا عن هذه األشغال واملنشآت‪.‬‬
‫• ويمكن أن نورد كمثال على هذه الحالة ما قضت به الغرفة اإلدارية في قرارها الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 10‬أكتوبر ‪ 2010‬في قضية ورثة التهامي ضد املكتب الشريف للفوسفاط حينما‬
‫أقرت باستحقاق التعويض عن األضرار الناجمة عن النفايات الكيماوية واألدخنة املنبعثة‬
‫من املعامل التابعة للمكتب والتي أصابت املزروعات املجاورة لها‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫حالت املسئولية اإلدارية بدون خطأ القائمة‬
‫على املخاطر‬

‫مرفق عام‬
‫إصابات العمل‬ ‫مشاركة فعلية‬
‫(املتعاونون مع اإلدارة)‬
‫مسخر من اإلدارة‬

‫أشياء خطيرة (الغير)‬


‫مناهج خطيرة (الغير)‬ ‫األضرار الناجمة عن‬ ‫مخاطر الجوار غير‬ ‫مخازن ذخيرة‪ ،‬مواد‬
‫العادية‬ ‫كيماوية‬
‫وضعيات خطيرة‬

‫األشغال العمومية‬
‫(األضرار التي تصيب‬
‫الغير)‬ ‫مالحظة هامة ‪:‬‬
‫األضرار الناجمة عن منشأة عمومية خطيرة وأصابت املرتفق ‪ : l’usager‬مسئولية على أساس املخاطر وليس على أساس‬
‫الخطأ املفترض‬
‫األضرار الناجمة عن عيوب في املنتجات واملعدات الطبية والتي تصيب املرتفق‪ : l’usager‬مسئولية على أساس املخاطر‬
‫‪102‬‬
‫أوال ‪ :‬حاالت إثارة المسئولية اإلدارية بدو ن‬
‫خطأ‬

‫‪ -‬ب‪ -‬حالت إثارة املسئولية اإلدارية على أساس‬


‫مبدأ املساواة أمام التكاليف العامة ‪-‬‬

‫األضرارالناجمة عن تنفيذ نص تشريعي‬

‫األضرارالناجمة عن تنفيذ نص تنظيمي‬

‫األضرارالناجمة عن تنفيذ حكم قضائي‬

‫األضرارالناجمة عن تنفيذ معاهدة دولية‬


‫‪103‬‬
‫‪-‬ب‪ -‬حاالت إثارة المسئولية اإلدارية بدون خطأ استنادا إلى‬
‫مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة‪.‬‬

‫األضرار الناجمة عن تنفيذ نص تشريعي‬

‫❑ في فرنسا‪ ،‬وقبل صدور القرار الشهير » ‪ « la fleurette‬لم تكن الدولة مسئولة عن أعمالها التشريعية‪.‬‬
‫والسبب في ذلك يعود من جهة إلى كون التشريع يعتبر عمال من أعمال السيادة‪ ،‬ومن جهة ثانية‪ ،‬ألنه‬
‫يعتبر القاعدة األسمى (بطبيعة الحال بعد الدستور) التي تتجسد من خاللها املصلحة العامة‪ .‬ثم من‬
‫جهة ثالثة‪ ،‬ألن العمل التشريع عبارة عن قواعد قانونية عامة ومجردة‪ ،‬ولصفة التجريد والعمومية التي‬
‫يتصف بها‪ ،‬تجعله يسري على كافة املواطنين دون تمييز بينهم‪ ،‬احتراما ملبدأ املساواة الجميع أمام‬
‫التكاليف العامة‪.‬‬
‫❑ لكن قد يؤدي تطبيق قانون ما‪ ،‬في بعض الحاالت‪ ،‬إلى خرق املبدأ املذكور أعاله بالرغم من صفة‬
‫العمومية والتجريد التي يتصف بهما‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬إلى إلحاق أضرار بشخص أو فئة من األشخاص‪ .‬اإلشكال‬
‫الذي طرح هنا تمثل في مدى إمكانية رفع املتضررين دعوى املسئولية في مواجهة الدولة جراء األضرار‬
‫الناجمة عن تطبيق نص تشريعي‪ .‬في فرنسا‪ ،‬موقف القاض ي اإلداري كان حاسما في هذا الصدد حينما‬
‫رتب مسئولية الدولة عن أعمالها التشريعية متى توفرت الشروط الالزمة‪ ،‬وبالتالي إلزامها بدفع‬
‫تعويضات عن ذلك‪ .‬ولعل قرار » ‪ « la fleurette‬الصادربتاريخ ‪ 14‬دجنبر ‪1938‬خير مثال على ذلك‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫‪-‬ب‪ -‬حاالت إثارة المسئولية اإلدارية بدون خطأ استنادا إلى‬
‫مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة‪.‬‬

‫األضرار الناجمة عن تنفيذ نص تشريعي‬

‫❑إثارة مسئولية الدولة على أساس تنفيذ نص تشريعي‪ ،‬وكما أشار إلى ذلك القاض ي اإلداري من‬
‫خالل قرار " ‪ "la fleurette‬مشروط بعدم استبعاده للتعويض استبعادا ضمنيا أو صريحا‪ .‬في‬
‫حالة الشك‪ ،‬يلجأ القاض ي اإلداري إلى األعمال التحضرية لبلورة النص التشريعي‪ .‬الشرط الثاني‬
‫أن يكون الضرر خاصا وغير عاد وخطير‪,‬‬
‫األضرار الناجمة عن تنفيذ نص تنظيمي‬

‫❑القرارات التنظيمية مثلها مثل القوانين الصادرة عن البرملان‪ ،‬تتضمن قواعد قانونية عامة‬
‫ومجردة‪ ،‬بمعنى أنها تسري على جميع املخاطبين بها دون استثناء‪.‬‬
‫❑هذه القرارات حتى ولو كانت مشروعة‪ ،‬في حالة ما ترتب عن تطبيقها ضرر خاص وغير عاد ألحد‬
‫األشخاص أو مجموعة محددة من األشخاص‪ ،‬فإن القاض ي اإلداري ال يتردد في إقامة املسئولية‬
‫اإلدارية بدون خطأ في حق الجهة التي أصدرتها‪ ،‬على أساس أنها تمس بمبدأ املساواة أمام‬
‫التكاليف العامة‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫‪ −‬حاالت إثارة المسئولية اإلدارية بدون خطأ استنادا إلى‬
‫مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة‪.‬‬

‫األضرار الناجمة عن تنفيذ نص تنظيمي‬

‫❑وقد أورد كل من ‪ Miche Rousset‬و ‪ Georges Garagnon‬قرارا للمجلس‬


‫األعلى كان قد رفض فيه ترتيب مسئولية شرطة سيارة األجرة إثر قرارها‬
‫الذي صدر بتاريخ ‪ 3‬يونيو ‪ 1933‬يقض ي بسحب رخصة السياقة من أحد‬
‫السائقين‪ .‬وقد علل املجلس موقفه بأن الضرر الذي تعرض له سائق‬
‫السيارة لم يكن مستجمعا لكافة الشروط الضرورية والكافية لترتيب‬
‫مسئولية شرطة سيارات األجرة (الضرر لم يكن غير عاد وعلى قدر من‬
‫الخطورة)‪ .‬ما يفهم من هذا القرار‪ ،‬دائما حسب رأي األستاذين‪ ،‬أن املجلس‬
‫ال يستبعد ترتيب مسئولية اإلدارة املذكورة كلما توفرت الشروط املذكورة ‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫‪ −‬حاالت إثارة المسئولية اإلدارية بدون خطأ استنادا إلى‬
‫مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة‪.‬‬
‫األضرار الناجمة عن عدم تنفيذ حكم‬
‫قضائي‬
‫❑كما هو معلوم فإن األحكام والقرارات القضائية تعتبر حائزة لقوة الش يء املقض ي به‪ ،‬مما يحتم على‬
‫اإلدارة ضرورة اتخاذ كافة اإلجراءات الضرورية من أجل تنفيذها‪ .‬ومن ضمن هذه اإلجراءات توفير‬
‫القوة العمومية لتنفيذ تلك األحكام والقرارات القضائية‪ .‬رفض اإلدارة أو امتناعها عن ذلك‪ ،‬يرتب‬
‫مسئوليتها اإلدارية من دون النظر إلى ارتكاب لخطأ من عدمه‪.‬‬
‫❑وهذا ما أشار إليه مجلس الدولة الفرنس ي في أحد قراراته الصادرة بتاريخ ‪ 30‬نونبر ‪ 1923‬في قضية‬
‫‪ ،Cuitéas‬حيث رتب مسئولية اإلدارة عن األضرار الناجمة عن امتناعها استعمال القوة العمومية‬
‫من أجل تنفيذ حكم قضائي‪.‬‬
‫❑وعلى نفس النهج سار القاض ي اإلداري املغربي‪ ،‬من خالل حكم للمحكمة اإلدارية بالدار البيضاء‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 16‬أبريل ‪ 1951‬والتي رتبت فيه مسئولية رئيس الجهة عن الضرر الخاص الذي لحق‬
‫بمالك عقار يتوفر على حكم قضائي نهائي تسبب في رفض املحتل للعقار إخالقه بدون حق وال سند‬
‫قانوني‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫‪ −‬حاالت إثارة المسئولية اإلدارية بدون خطأ استنادا إلى‬
‫مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة‪.‬‬

‫األضرار الناجمة عن تنفيذ اتفاقية دولية‬

‫❑لم تعد مسئولية الدولة تثار فقط بخصوص أنشطتها التشريعية أو اإلدارية‪ ،‬وإنما صارت أيضا مسئولة عن‬
‫األضرار الناجمة عن نشاطها الدولي عبر االتفاقيات الدولية التي تبرمها‪.‬‬
‫❑في بداية األمر‪ ،‬كان القاض ي اإلداري الفرنس ي يرفض فكرة إثارة مسئولية الدولة عن األضرار الناجمة عن‬
‫االتفاقيات واملعاهدات الدولية تحت مبرر اندراجها ضمن أعمال السيادة‪ .‬لكن موقفه تطور باتجاه قبوله‬
‫بترتيب هذه املسئولية في املجال التعاقدي قبل أن يستقر موقفه على القبول بمبدأ مسئولية الدولة عن‬
‫األضرار الناجمة عن املعاهدات واالتفاقيات الدولية بناء على مبدأ املساواة أمام التكاليف العامة‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل قراره الصادر بتاريخ ‪ 30‬مارس ‪ 1966‬في قضية ‪Compagnie générale d’énergie‬‬
‫‪radio électrique‬‬
‫❑القاض ي اإلداري الفرنس ي‪ ،‬في ترتيبه للمسئولية اإلدارية للدولة عن األضرار الناجمة عن املعاهدات الدولية‬
‫التي تبرمها‪ ،‬قد تبنى نفس املوقف الذي تبناه في قضية ‪ ،La fleurette‬حينما ربط إثارة هذه املسئولية‬
‫بشرطين اثنين ‪ :‬الشرط األول يتثمل في عدم استبعاد التعويض ال من طرف االتفاقية الدولية وال من القانون‬
‫الذي صدق عليها‪ .‬الشرط الثاني هو ال بد أن يترتب عنها ضرر خاص وغير عاد‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫‪ −‬حاالت إثارة المسئولية اإلدارية بدون خطأ استنادا إلى‬
‫مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة‪.‬‬

‫األضرار الناجمة عن تنفيذ عرف دولي‬

‫❑دائما في إطار مسئولية الدولة عن نشاطها الدولي‪ ،‬القاض ي اإلداري سيقبل أيضا بإثارة‬
‫هذه املسئولية عن األفعال الضارة الناجمة عن العرف الدولي‪ .‬وهذا ما سيؤكده مجلس‬
‫الدولة الفرنس ي في قراره الصادر بتاريخ ‪ 14‬أكتوبر ‪ 2011‬في قضية ‪Mme Saleh et‬‬
‫‪ .autres‬وقد قيد إثارة مسئولية الدولة بتوفر نفس الشروط التي اشترطها بخصوص‬
‫األعمال التشريعية أو االتفاقيات الدولية ‪ :‬ضرر غير عاد وخاص وخطير‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫الشرط املتعلق بعدم استبعاد القاعدة العرفية بموجب نص تشريعي‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫حالت إثارة املسئولية اإلدارية بدون خطأ على أساس مبدأ‬
‫املساواة أمام التكاليف العامة‬

‫▪ ضرر خاص وغير عاد وخطير‬


‫▪ النص ضمنا أو صراحة على التعويض‬ ‫األضرار الناجمة عن تنفيذ نص‬
‫▪ في حالة الشك‪ ،‬الرجوع إلى األعمال‬ ‫تشريعي‬
‫التحضيرية‬

‫األضرار الناجمة عن تنفيذ معاهدة‬ ‫الحالت‬ ‫األضرار الناجمة عن تنفيذ نص‬


‫دولية‬ ‫األربع التالية‬ ‫تنظيمي‬

‫▪ ضرر خاص وغير عاد وخطير‬ ‫ضرر خاص وخطير وغير عاد‬
‫▪ التصديق على املعاهدة بقانون‬ ‫قرار إداري مشروع‬
‫▪ إدماج سليم للمعاهدة ضمن املنظومة‬
‫القانونية الداخلية‬ ‫األضرار الناجمة عن تنفيذ عرف دولي‬

‫ضرر خاص وخطير وغير عاد‬


‫عدم استبعاده بموجب نص قانوني‬
‫‪110‬‬
‫‪ −‬األسس الحديثة للمسئولية اإلدارية‬
‫‪-‬‬ ‫‪ −‬مبدأ التضامن الوطني‬

‫❑كما هو الشأن بالنسبة للحاالت املشار إليها سابقا في إطار املسئولية اإلدارية بدون خطأ‪،‬‬
‫قد يلجأ القاض ي اإلداري إلى إثارة مسئولية اإلدارة ليس على أساس املخاطر أو على أساس‬
‫مبدأ املساواة أمام التكاليف العامة‪ ،‬وإنما باالستعانة بما يسمى بمبدأ التضامن الوطني‪.‬‬
‫❑ترتيب القاض ي اإلداري للمسئولية اإلدارية على هذا املبدأ (مبدأ التضامن الوطني) إنما‬
‫يجسد بوضوح حرصه الشديد على حماية حقوق األفراد في حالة إصابتهم بأضرار ناجمة‬
‫ليس عن نشاطات اإلدارة ومختلف املرافق لعامة‪ ،‬وإنما في حالة وقوع هذه األضرار نتيجة‬
‫حوادث ال صلة لإلدارة بها (كوارث طبيعية‪ ،‬أعمال شغب‪ ،‬حوادث لها عالقة باإلرهاب‪.)...‬‬
‫❑فالقاض ي اإلداري‪ ،‬حينما يقبل بتعويض األفراد ضحايا هذه الحوادث‪ ،‬إنما ينطلق من‬
‫فكرة أساسية مفادها التزام الدولة بتأمين مواطنيها واألفراد الذين يعيشون على أراضيها‬
‫من مختلف املخاطر االجتماعية التي قد يتعرضون إليها‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫‪ −‬األسس الحديثة للمسئولية اإلدارية‬
‫‪-‬‬ ‫‪ −‬مبدأ التضامن الوطني‬
‫❑ولئن كان هناك اتفاق فقهي حول هذا املبدأ (مبدأ التزام الدولة بحماية موطنيها من املخاطر االجتماعية)‪ ،‬إال‬
‫أنهم اختلفوا بخصوص أساس هذا االلتزام ‪ :‬أهو التزام اجتماعي أم التزام قانوني؟‬
‫❑الرأي الفقهي القائل باألساس الجتماعي للمسئولية اإلدارية ‪ :‬منطلق هذا االتجاه الفقهي هو أن الدولة‬
‫ملزمة بحماية مواطنيها من املخاطر االجتماعية التي تهدد سالمتهم الجسدية أو ممتلكاتهم‪ .‬فالدولة حينما‬
‫تصدر تشريعات قانونية لحماية فئات معينة من املجتمع (فئات املسنين‪ ،‬ذوي العاهات) من التزامها‬
‫االجتماعي‪ ،‬ملزمة أيضا‪ ،‬على نفس األساس‪ ،‬بتأمين نفس الحماية ونفس الرعاية لباقي الفئات األخرى ضحايا‬
‫املخاطر االجتماعية‪ .‬وبطبيعة الحال‪ .‬إن الدولة حينما تتدخل‪ ،‬عبر تشريعات قانونية لحماية مواطنيها من‬
‫هذه املخاطر االجتماعية إنما تفعل ذلك من باب التضامن الوطني الذي يمليه الضمير والواجب اإلنساني‪.‬‬
‫❑إن قول الفقه باألساس االجتماعي للمسئولية اإلدارية للدولة يترتب عنه مجموعة من النتائج الهامة أبرزها ‪:‬‬
‫❑إن الدولة حينما تتدخل إلصالح الضرر الناجم عن املخاطر االجتماعية إنما تفعل ذلك من باب املساعدة‬
‫االجتماعية وليس حقا ‪ ........‬معنى هذا أن هذه املساعدة االجتماعية لن تصرف إال ملن هم في ظروف معيشية‬
‫غير جيدة؛‬

‫‪112‬‬
‫‪ −‬األسس الحديثة للمسئولية اإلدارية‬
‫‪-‬‬ ‫‪ −‬مبدأ التضامن الوطني‬

‫❑صرف مبلغ املساعدة االجتماعية من قبل الدولة فقط ملن هم في حاجة إليها‪ ،‬مما يعني أن حجم‬
‫ملساعدات االجتماعية يكون في حدود ما تسمح به املوارد املتاحة للدولة‪.‬‬
‫❑كون املبلغ املقدم لضحايا املخاطر االجتماعية يأخذ شكل مساعدة اجتماعية وليس حقا‪ ،‬فإن‬
‫االختصاص في تحديده يخرج عن دائرة القضاء لتختص به لجان إدارية محدثة لهذا الغرض‪.‬‬
‫❑الرأي القائل باألساس القانوني للمسئولية اإلدارية القائمة على مبدأ التضامن الوطني ‪:‬‬
‫حسب هذا االتجاه الفقهي‪ ،‬التزام لدولة بتعويض ضحايا املخاطر االجتماعية انطالقا من مبدأ‬
‫التضامن الوطني هو التزام قانوني وليس من باب االلتزام االجتماعي للدولة‪.‬‬
‫❑هذا االلتزام القانوني يجد مصدره في ذلك العقد الضمني بين الدولة ومواطنيها والذي يلتزم أحد‬
‫طرفيه (املواطنون) بأداء ما بذمته من ضرائب من أجل اإلسهام في تمويل النفقات العامة (لها‬
‫عالقة باملصلحة العامة) في مقابل التزام الدولة بتأمين حماية لحقوقهم وحرياتهم (من ضمن هذه‬
‫الحقوق الحق في الحماية من املخاطر االجتماعية)‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫‪ −‬األسس الحديثة للمسئولية اإلدارية‬
‫‪-‬‬ ‫‪ −‬مبدأ التضامن الوطني‬

‫❑ويترتب عن األخذ بفكرة االلتزام القانوني النتائج التالية ‪:‬‬


‫• ما يحصل عليه املتضرر من املخاطر االجتماعية هو حق ويأخذ شكل تعويض وليس مجرد‬
‫منحة أو مساعدة اجتماعية‪ ،‬مما يعني أنه غير متوقف على حاجة املتضرر من عدمها‪.‬‬
‫• التعويض الذي يحصل عليه املتضرر يغطي كافة األضرار التي أصيب بها سواء الجسدية أو‬
‫املادية بل وحتى املعنوية‪.‬‬
‫• الجهة املختصة بتقدير مبلغ التعويض هي القضاء وليس اللجان اإلدارية؛ ألن األمر يتعلق‬
‫بالتزام قانوني يرتب على الدولة واجب النهوض به تجاه مواطنيها‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫‪ −‬األسس الحديثة للمسئولية اإلدارية‬
‫‪-‬‬ ‫‪ −‬مبدأ التضامن الوطني‬

‫حالت إثارة املسئولية اإلدارية على أساس مبدأ التضامن الوطني‬

‫❑بداية ال بد من اإلشارة إلى أن للقضاء اإلداري املغربي موقفا واضحا وحاسما‬


‫فيما يتعلق بإثارة مسئولية اإلدارة (الدولة) على أساس مبدأ التضامن‬
‫الوطني‪ .‬ولعل سير القاض ي اإلداري في هذا املنحى فيه حماية أقوى لحقوق‬
‫الضحايا املتضررين من مثل هذه األعمال‪ ،‬ال سيما في ظل صعوبة بل‬
‫واستحالة (في بعض األحيان) إثبات الرابطة السببية بين هذه األعمال‬
‫واألضرار الواقعة‪.‬‬
‫❑من جهة أخرى‪ ،‬أن حاالت إثارة مسئولية الدولة على أساس مبدأ التضامن‬
‫الوطني متعددة يمكن إيراد بعضها كالتالي ‪:‬‬

‫‪115‬‬
‫‪ −‬األسس الحديثة للمسئولية اإلدارية‬
‫‪-‬‬ ‫‪ −‬مبدأ التضامن الوطني‬
‫حالت إثارة املسئولية اإلدارية على أساس مبدأ التضامن الوطني‬
‫• مسئولية الدولة عن األضرارالناجمة عن األعمال اإلرهابية ‪:‬‬
‫القرار الصادر عن الغرفة اإلدارية بتاريخ ‪ 14‬دجنبر ‪ 2005‬في قضية ورثة أنطونيا كويباس ضحية‬
‫الحادث اإلرهابي الدي تعرض له فندق آسني بمراكش‪ .‬حيث أسس مسئولية الدولة املغربية ليس على‬
‫أساس الخطأ املرفقي الجسيم املتمثل في تقصير ها في القيام بواجب حفظ األمن العام كما فعلت ذلك‬
‫املحكمة اإلدارية بالرباط في حكمها االبتدائي الصادر بتاريخ‪ ،‬وإنما على أساس مبدأ التضامن الوطني‪.‬‬
‫وقد جاء في القرار ما يلي ‪ " :‬حيث أن الدولة ل تسأل عن ضمان سالمة أي متضرر فوق أراضيها‬
‫بصورة مطلقة ما لم يثبت في حقها خطأ جسيم‪ ،....‬وأن تسرب سالح ناري من خارج الحدود ل يكفي‬
‫إلضفاء صبغة الخطأ الجسيم على الفعل‪ ،‬وذلك بالنظرإلى ظروف النازلة وإلى طول الحدود ووعورة‬
‫تضاريسها‪ .‬غير أنه استجابة لقواعد العدالة واإلنصاف‪ ،‬وملوجبات اإلنسانية املبنية على التضامن‬
‫الوطني الذي تتكفل دول املعمور بموجبه – وعلى سبيل اإلسعاف واملساعدة في حدود اإلمكان‪-‬‬
‫بصرف تعويضات لكل متضرر‪ ،‬كلما وقع مس خطير بالنظام األمني العام عن طريق اعتداء إرهابي‬
‫ذي طابع وطني‪...‬وهو ما يبررتعويض ذوي الحقوق في هذه النازلة"‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫‪ −‬األسس الحديثة للمسئولية اإلدارية‬
‫‪-‬‬ ‫‪ −‬مبدأ التضامن الوطني‬
‫حالت إثارة املسئولية اإلدارية على أساس مبدأ التضامن الوطني‬
‫• مسئولية الدولة عن أعمال الشغب والعنف الجتماعي الناشئة التجمهور والتجمع‬
‫العموميين‪:‬‬
‫بالرغم من أن حق التجمهر والتجمع العموميين يعدان من الحريات العامة املعترف بهما دستوريا‬
‫للمواطنين‪ ،‬إال أنه قد تنشأ عنهما أعمال شغب وعنف اجتماعي مما يؤدي إلى إلحاق أضرار جسدية أو‬
‫مادية باملواطنين‪ .‬ولهذا‪ ،‬لم يتردد القاض ي اإلداري املغربي في القبول بإثارة مسؤولية الدولة عن تعويض‬
‫الضحايا املتضررين منها ليس على أساس املخاطر وإنما على أساس مبدأ التضامن الوطني‪ .‬واملثال على‬
‫ذلك‪ ،‬القرار الذي صدر عن الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض بتاريخ ‪ 08‬يناير ‪ 2015‬في قضية‬
‫رضا‪.‬ج‪ .‬ضد الدولة املغربية والذي قضت فيه بتعويض املتضرر عن األضرار التي تعرضت له عيادته‬
‫ومحل سكناه (إضرام النار في عيادته وإتالف أثاث املنزل الذي يسكنه) إثر هجوم عصابة إجرامية‬
‫كانت تحتل مخيم أكديم "إزيك"‪ ،.‬مشيرا إلى أن مسئولية الدولة املغربية قائمة بدون خطأ على مبدأ‬
‫التضامن الوطني من دون االلتفات إلى وجود خطأ املرفق األمني من عدمه‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫‪ −‬األسس الحديثة للمسئولية اإلدارية‬
‫‪-‬‬ ‫‪ −‬مبدأ التضامن الوطني‬
‫حالت إثارة املسئولية اإلدارية على أساس مبدأ التضامن الوطني‬

‫• مسئولية الدولة عن الكوارث الطبيعية ‪:‬‬


‫• الحكم الصادر عن املحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 23‬يناير ‪ 2014‬في قضية مليكة الخطيب بن‬
‫عمرو ومن معها ضد وزير الفالحة والذي قضت فيه بترتيب مسئولية املركز الجهوي لالستثمار‬
‫الفالحي عن األضرار التي أصابت األراض ي الفالحية للمدعين بناء على مبدأ التضامن الوطني الذي‬
‫تمليه قواعد العدالة واإلنصاف و املوجبات اإلنسانية‪ .‬وقد جاء في قرارها ما يلي ‪ " :‬وحيث إن‬
‫األمطار الغزيرة والستثنائية املسببة للفيضان ل تشكل قوة قاهرة‪ ،‬و إنما قرينة على ترتيب‬
‫املسئولية لكون وقوعها في فصل الشتاء من األمور املتوقعة وليست قوة قاهرة أو سببا أجنبيا‬
‫لإلعفاء من املسئولية‪...‬وحيث إن املكتب الجهوي لالستثمار الفالحي مسئول بحكم مهامه عن‬
‫تأمين تصريف املياه درءا لخطر عن أراض ي الفالحين ومسئول عن ما أحدثه من أضرار للغير‪،‬‬
‫وهي مسئولية موضوعية مبناها الضرر طبقا لقواعد العدالة واإلنصاف واملوجبات اإلنسانية‬
‫على أساس مبدأ التضامن الوطني‪."...‬‬

‫‪118‬‬
‫الورقة الرابعة‬
‫شروط وحاالت اإلعف اء من المسئولية اإلدارية‬

‫‪119‬‬
‫أوال ‪ :‬شروط وحاالت انتفاء املسئولية اإلدا رية‬

‫إن إثبات مسئولية اإلدارة سواء كانت على أساس الخطأ أو بدون خطأ يترتب عنه تعويض الضحايا‬
‫عن األضرار التي لحقتهم جراء نشاطاتها (القانونية أو املادية)‪.‬‬
‫فالتعويض عن الضرر الناجم عن النشاط الضار لإلدارة يقتض ي من القاض ي اإلداري تحديد‬
‫الجهة املنسوب إليها الضرر‪ ،‬ثم بعد ذلك التحقق من مدى تلبية الضرر املراد التعويض عنه لكافة‬
‫الشروط الالزمة ‪ :‬أن يكون مباشرا‪ ،‬شخصيا‪ ،‬قابال للتقييم‪...‬‬
‫صحيح أننا في هذه الورقة‪ ،‬لن يقتصر حديثنا على تناول الشروط الواجب توفرها للتعويض عن‬
‫الضرر‪ ،‬وإنما‪ ،‬في ثنايا ذلك‪ ،‬سنبرز الحاالت التي تنتفي فيها مسئولية اإلدارة‪ ،‬و من ثم إعفاؤها‬
‫جزئيا أو كليا من هذه املسئولية‪.‬‬
‫مع اإلشارة إال أننا‪ ،‬في حديثنا عن الشروط‪ ،‬لن نتطرق إلى شرط إثبات الخطأ والذي يعتبر خاصا‬
‫باملسئولية الخطئية‪ ،‬وإنما سنكتفي فقط بالشرطين اآلخرين املشتركين بين كل من املسئولية‬
‫القائمة على الخطأ واملسئولية بدون خطأ ‪ :‬العالقة السببية بين الرر والفعل الضار (تحديد الجهة‬
‫املنسوب إليها الضرر ) من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية شرط الضرر‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫شروط وحاالت انتفاء املسئولية اإلدا رية‬

‫❖تحديد الجهة املنسوب إليها الضرر‪: l’imputabilité‬‬


‫• إن مسئولية اإلدارة عن نشاطها الضار ال تقوم إال إذا ثبت للقاض ي اإلداري أن نشاطها‬
‫ذاك هو السبب املباشر في حدوث الضرر‪ .‬فال بد للمتضرر من إثبات وجود عالقة سببية‬
‫بين نشاط اإلدارة الضار والضرر الذي أصابه‪ .‬في حالة انتفاء هذه العالقة السببية تعفى‬
‫اإلدارة من مسئوليتها عن التعويض‪ .‬سواء كليا أو جزئيا ودلك بحسب نسبة مسئوليتها في‬
‫حدوث الضرر‪.‬‬
‫• وهذا يدفعنا إلى الحديث عن الحاالت التي تنتفي فيها مسئولية اإلدارة النعدام رابطة‬
‫السببية بين الفعل الضار والضرر‪ .‬وهذه الحاالت تتلخص في أربعة عوامل‪ ،‬مع مالحظة‬
‫أن هذه العوامل النافية للمسئولية اإلدارية تختلف بحساب نظام املسئولية أي بين‬
‫املسئولية القائمة على الخطأ واملسئولية اإلدارية بدون خطأ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫شروط وحاالت انتفاء املسئولية اإلدا رية‬

‫حالت اإلعفاء من املسئولية اإلدارية‬

‫• القوة القاهرة ‪ : La force majeure‬هي عبارة عن حدث فجائي غير متوقع ومستقل عن‬
‫إرادة الطرفين (اإلدارة والضحية) و يستحيل دفعه من قبيل العواصف ذات قوة استثنائية ‪CE,8‬‬
‫‪ janvier 1959, Min. de l’éducation Nationale c/Spinelli‬أو اإلعصار ذي القوة النادرة ‪CE ,‬‬
‫‪26 juin 1963‬‬

‫• على مستوى االجتهاد القضاء اإلداري املغربي‪ ،‬أكدت الغرفة اإلدارية للمجلس األعلى في قرارها رقم‬
‫‪( 27039‬غير املنشور) بتاريخ ‪ 1‬يونيو‪Sté Assurance “Europe” c/Centre autonome 1973‬‬
‫‪ Khenifra‬في قضية بأن اإلدارة تعفى من مسئوليتها في حالة القوة القاهرة إذا ثبت أنها قامت‬
‫باتخاذ كافة الوسائل التي بحوزتها إلخماد الحريق"‪ .‬القوة القاهرة تثار ضمن الحالت املعفية‬
‫لإلدارة من املسئولية اإلدارية سواء تعلق األمرباملسئولية الخطئية أو غير الخطئية‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫أوال ‪ :‬شروط وحاالت انتفاء املسئولية اإلدا رية‬

‫حالت اإلعفاء من املسئولية اإلدارية‬

‫• الحادث الفجائي ‪ : le cas fortuit‬الحادث الفجائي‪ ،‬مثله مثل القوة القاهرة‪ ،‬هو حدث‬
‫غير متوقع وال يمكن دفعه لكنه يختلف عنها بكونه ناجما عن سبب غير معروف و له عالقة‬
‫بسير اإلدارة (داخل اإلدارة = انفجار آلة مثال)‪ .‬كإشارة‪ ،‬يعود استخدام هذا املصطلح إلى‬
‫موريس هوريو في معرض تعليقه أحد قرارات مجلس الدولة الفرنس ي بتاريخ ‪ 10‬ماي ‪1912‬‬
‫في قضية ‪.Ambrosini‬‬
‫• وقد وظف مجلس الدولة الفرنس ي الحادث الفجائي في قراره الصادر بتاريخ ‪ 25‬يناير ‪1929‬‬
‫في قضية ‪( Compagnie du gaz de Bouvais‬انقطاع سلك كهربائي مجهول املصدر أو‬
‫السبب)‪( .‬هناك من يصنفه ضمن األخطاء املرفقية مجهولة املصدر)‪ .‬الحادث الفجائي ل‬
‫يثارإل في إطاراملسئولية القائمة على الخطأ‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫شروط وحاالت انتفاء املسئولية اإلدا رية‬

‫حالت اإلعفاء من املسئولية اإلدارية‬

‫• خطأ الضحية ‪ : la faute de la victime‬قد تعفى اإلدا ّرة من مسئوليتها اإلدارية كليا أو جزئيا إذا‬
‫ثبت إسهام الضحية في حدوث الضرر الذي أصابه‪ .‬فإذا ثبت للقاض ي اإلداري أن هناك دورا‬
‫للضحية في حدوث الضرر الذي لحقه‪ ،‬يقوم بتوزيع مسئولية التعويض عن الضرر بقدر نسبة‬
‫إسهام كل منهما في الضرر‪ .‬ومن أمثلة خطأ الضحية على مستوى اجتهادات القضاء اإلداري‬
‫الفرنس ي استقرار مربي للنحل بجوار ورش لألشغال العمومية مصدر لألصوات املزعجة ( ‪C.E, 10‬‬
‫‪ ،)déc 1967, Chambellon. Rec. C.E, p 521‬سياقة متهورة على الطريق العام ‪ ،‬خرق صارخ‬
‫لقاعدة قانونية‪ ،‬إبرام عقد من أجل استيراد معدات عسكرية مع علمه بمخاطر الحصول على‬
‫ترخيص ‪C.E, Ass., 29 juin 1962, Société manufacture des machines du Haut-Rhin, Rec.‬‬
‫‪.)...C.E,‬‬
‫• على مستوى الجتهاد القضائي املغربي‪ ،‬فقد صدر عن محكمة االستئناف بالرباط قرار بتاريخ‬
‫‪ 30‬يونيو ‪ 1955‬حملت فيه املسئولية الجزئية للسيد ‪ Gilbert‬لعدم انتباهه مما جعله يسهم‬
‫بشكل أساس ي في حدوث الضرر‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫أوال ‪ :‬شروط وحاالت انتفاء املسئولية اإلدا رية‬

‫حالت اإلعفاء من املسئولية اإلدارية‬

‫• نفس األمر أكدته املحكمة البتدائية ملراكش في حكمها الصادر بتاريخ ‪ 14‬يونيو ‪ 1973‬في‬
‫قضية بلحمرة تهامي والذي حملت من خالله هذا األخير املسئولية بسبب السرعة الفائقة التي‬
‫كان يقود بها والتي لم تكن تتناسب وظروف الزمان واملكان (وجود ضباب كثيف وأمطار)‪.‬لإلشارة‪،‬‬
‫وحسب املجلس األعلى (قرار بتاريخ ‪ 17‬نونير ‪ 1978‬في قضية ورثة بن باجدي ضد حمادي‬
‫القندوس ي والدولة املغربية)‪ ،‬فإن اإلدارة ال تعفى من املسئولية إال إذا كان خطأ الضحية هو‬
‫السبب الوحيد الذي أدى إلى حدوث‪ .‬الضرر كما أن هذه املسئولية توزع بين اإلدارة والضحية‪.‬‬
‫كل بحسب نسبة إسهامه في الضرر‪ .‬وهذا ما كانت أشارت إليه محكمة الستئناف بالرباط في‬
‫قرارها الصادر بتاريخ ‪ 22‬يونيو ‪ 1976‬في قضية محمد علي ضد املكتب الوطني لسكك الحديد‬
‫حينما حملت املسئولية لكل من الضحية (‪ )3/1‬واإلدارة (‪ )3/2‬بسبب خطئهما املتمثل في عدم‬
‫اتخاذ االحتياطات الالزمة‪.‬‬
‫• كما هو الحال بالنسبة للقوة القاهرة‪ ،‬فإن خطأ الضحية من حالت اإلعفاء من املسئولية‬
‫اإلدارية سواء تعلق األمر باملسئولية القائمة على الخطأ أو بدون خطأ‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫شروط وحاالت انتفاء املسئولية اإلدا رية‬
‫حالت إعفاء اإلدارة من املسئولية اإلدارية‬

‫• فعل الغير ‪ :Le fait de tier‬املسئولية في هذه الحالة ال تتحملها ال اإلدارة وال الضحية‪،‬‬
‫وإنما الضرر ينسب إلى جهة ال عالقة لها باإلدارة وإنما إلى الغير‪ .‬وفعل الغير ل يقوم سببا‬
‫لإلعفاء من املسئولية إل بالنسبة للمسئولية القائمة على الخطأ‪ .‬وهذا ما أشار إليه‬
‫املجلس األعلى في قراره بتاريخ ‪ 20‬شتنبر ‪ 1978‬في قضية أميرة بنت محمد ضد بلدية‬
‫مراكش‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫شروط وحاالت انتفاء املسئولية اإلدا رية‬
‫شروط خاصة بالضرر‬

‫• ال يمكن مطالبة اإلدارة بالتعويض إال عن األضرار التي تسببت فيها جراء ممارسة‬
‫نشاطاتها سواء املادية أو القانونية‪ .‬التعويض يدور وجودا وعدما مع الضرر‪ .‬لكن‬
‫هذا الضرر ينبغي أن تتوافر فيه شروط محددة يمكن إجمالها كالتالي ‪:‬‬
‫✓الضرر مباشر ‪le préjudice direct‬‬
‫✓الضرر شخص ي ‪le préjudice personnel‬‬
‫✓الضرر محقق أو فعلي ‪le préjudice certain et réel‬‬
‫✓الضررمادي والقابل للتقييم ‪le préjudice physique et évaluable‬‬
‫✓الضررالخاص وغيرعاد (خاص باملسئولية غير الخطئية)‬
‫‪127‬‬
‫شروط وحاالت انتفاء املسئولية اإلدا رية‬

‫شروط خاصة بالضرر‬

‫• الشرط األول ‪ :‬ينبغي أن يكون الضرر مباشرا ‪ :‬الضرر ال يمكن أن يكون قابال للتعويض‬
‫إال إذا ثبت للقاض ي اإلداري أنه كان ناتجا مباشرة عن نشاط إداري‪ .‬الضرر املباشر هو‬
‫الضرر الذي يمكن نسبه مباشرة إلى الشخص العام‪ .‬وهذا ما أشارت إليه املحكمة اإلدارية‬
‫ألكادير في حكمها بتاريخ ‪ 12‬أكتوبر ‪ 1995‬في قضية اللمطي محمد ضد املكتب الوطني‬
‫للماء الصالح للشرب حينما حملت هذا األخير املسئولية عن انهيار عمارات بسبب تسرب‬
‫في املياه‪ .‬كما اعتبر مجلس الدولة الفرنس ي األضرار املترتبة عن انجراف التربة كان بسبب‬
‫غياب شبكات لصرف مياه األمطار (‪.)C.E, 28 octobre 1977 commune de Flummet‬‬

‫‪128‬‬
‫شروط وحاالت انتفاء املسئولية اإلدا رية‬

‫شروط خاصة بالضرر‬

‫• الشرط الثاني ‪ :‬ينبغي أن يكون الضرر شخصيا ‪ :‬و من الشروط األساسية التي ينبغي‬
‫تلبيتها من أجل الحصول على التعويض‪ .‬حسب القاض ي اإلداري الفرنس ي ال ينحصر‬
‫الضرر الشخص ي في املتضرر ذاته‪ ،‬وإنما يشمل أيضا أقرباءه أو ما يسمى بالفرنسية ‪les‬‬
‫‪ .victimes par ricochet ou réfléchis‬وتخص هذه الحالة وفاة األب باعتباره املعيل‬
‫الوحيد لألسرة‪ ،‬فقدان شخص عزيز‪ .‬لإلشارة‪ ،‬مجلس الدولة الفرنس ي لم يكن يقبل في‬
‫البداية التعويض عن مثل هذه األضرار تطبيقا للمقولة الشهيرة " ‪les larmes ne se‬‬
‫‪ ."monnayent point‬غير أنه سيعدل عن موقفه هذا في قضية ‪ Litisserand‬بموجب‬
‫قراره الصادر بتاريخ ‪ 24‬نونبر ‪.1961‬‬

‫‪129‬‬
‫شروط وحاالت انتفاء املسئولية اإلدا رية‬

‫• ينبغي أن يكون الضرر محقق الوقوع ‪: le préjudice est certain et réel‬‬


‫ولهذا ال يعتبر في حكم الضرر اآلثار املترتبة عن عمل أو حدث من دون أن تكون لها تبعات‬
‫ضارة على الشخص‪ .‬حسب القاض ي اإلداري إنجاز تقرير يتضمن تقييما لسلوكيات‬
‫وتصرفات مدير ال يعتبر محدثا لضرر معنوي اللهم إذا كان فيه مس بسمعة املعني باألمر‬
‫(‪ .)C.E, 10 fév 1993, Ministre de la solidarité nationale c/Wagner‬اشتراط القاض ي‬
‫اإلداري أن يكون الضرر محققا يستبعد إمكانية التعويض عن ضرر محتمل‪ .‬وهذا ما أكده‬
‫مجلس الدولة الفرنس ي في قراره الصادر بتاريخ ‪ 21‬فبراير ‪ 1951‬في قضية ‪Dame Veuve‬‬
‫‪.Lion.‬‬
‫• لكنه في مقابل ذلك قبل بالتعويض عن الضرر املستقبلي إن كان يحقق شرطي اليقين و‬
‫القابلية للتقييم‪ .‬وهذا ما أشارت إليه املحكمة اإلدارية ملدينة باريس في حكمها بتاريخ ‪11‬‬

‫‪130‬‬
‫شروط وحاالت انتفاء املسئولية اإلدا رية‬

‫شروط خاصة بالضرر‬

‫• يوليوز ‪ 1989‬في قضية وزير الداخلية ضد كونسور ‪ ،)consorts Hug( Hug‬حين اعتبرت بأن‬
‫رفض القوة العمومية التدخل من أجل املساعدة على إفراغ أحد املحتلين مللكية أحد‬
‫األشخاص فيه ضرر مستقبلي ويقيني يتمثل في استحالة استخالص واجبات الكراء‬
‫املساوية للقيمة اإليجارية للملكية (توفر صفة اليقين)‪.‬‬
‫• الضرر املستقبلي يخص كذلك الحاالت املتعلقة بتفويت الفرصة مال النجاح في امتحان ما‬
‫أو مباراة ما أو الحرمان من امتياز إداري مثال رخصة استيراد ( ‪C.E, 13 nov 1974,‬‬
‫‪ ،)Ministre de l’économie c/ Société Beccaria‬أو إعفاء ضريبي ( ‪C.E.‬‬
‫‪.)sect., Société les ardoisiers d’Anger, Rec. C.E, p 116‬‬

‫‪131‬‬
‫أوال ‪ :‬شروط وحاالت انتفاء املسئولية اإلدا رية‬

‫شروط خاصة بالضرر‬


‫• ينبغي أن يكون الضرر ماديا قابال للتقييم‪ :‬ومثال ذلك الضرر الذي يمس السالمة الجسدية‬
‫لألفراد‪ ،‬املعاناة الجسدية‪ ،‬إحداث خلل في الحياة املعيشية (تأخر في الدراسة ‪،C.E, 26 juin 1989‬‬
‫والحرمان من اختيارات على مستوى الحياة املهنية لطفل بترت ذراعه (‪.)TAA Paris, 4 mars 1993‬‬
‫• كذلك الضرر الجمالي ‪ :‬مثل إحداث ندوب على الوجه واليدين ( ‪C.E, sect., 23 mars 1962,‬‬
‫‪.)caisse régionale de sécurité sociale et Souillé, Rec., C.E, p 211‬‬
‫• مالحظة هامة ‪ :‬إذا كان الضرر املادي لم يطرح أي إشكال أمام القاض ي اإلداري على مستوى‬
‫التعويض عنه لسهولة تقييمه ماديا‪ ،‬فإن األمر لم يكن كذلك بخصوص الضرر املعنوي الذي‬
‫يصعب تقييمه ماديا‪ .‬لكن مجلس الدولة الفرنس ي قبل بالتعويض عنه من خالل قراره الشهير‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 24‬نونبر ‪ 1961‬في قضية ‪Ministre des travaux publics c/ consorts‬‬
‫‪Letisserand‬حيث قبل فيه بتعويض أب عن حزنه الشديد لفقدان ابنه وحفيده في حادثة سير‬
‫تسببت فيها سيارة تابعة للدولة‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫أوال ‪ :‬شروط وحاالت انتفاء املسئولية اإلدا رية‬

‫شروط خاصة بالضرر‬

‫• من جهتها‪ ،‬قضت املحكمة اإلدارية بمكناس في حكمها بتاريخ ‪ 12‬يناير ‪ 1996‬في قضية‬
‫الزعيم عبد القادر ضد املجموعة الحضرية مكناس بتعويض املدعي على إثر الضرر‬
‫املعنوي الذي أصابه جراء غرق ابنه في مسبح بلدي‪.‬‬
‫• ينبغي كذلك أن يكون الضرر خاصا وغير عاد (شرط خاص باملسئولية على أساس‬
‫مبدأ املساواة أمام التكاليف العامة)‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫صغ‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ح‬
‫" را ى ن لإ اء‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ك‬‫ش‬
‫وا ا عة"‬
‫ب‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ل‬

‫‪134‬‬

You might also like