Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 12

‫موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس كل الشعب‬ ‫بن لحسن الهواري‬ ‫مطبوعة بيداغوجية حول الفساد وأخالقيات العمل‬

‫المحاضرة األولى ‪ :‬مدخل تعريفي حول الفساد‬

‫تعددت تعريفات الفساد بتعدد معرفيه‪ ،‬ذلك أن للفساد عدة أبعاد اقتصادية‪ ،‬سياسية‪،‬‬

‫اجتمعاية‪ ،‬دينية‪ ،‬أخالقية وفلسفية‪ ،‬فكل يعرفه من زاويته‪ ،‬سنحاول في هذه المحاضرة‬

‫تعريف الفساد لغة واصطالحا مركزين على بعض التعريفات األكثر انتشارا بين المنظمات‬

‫الدولية‪.‬‬

‫أوال ‪-‬الفساد لغة ‪:‬الفساد في معجم اللغة هو في (فسد) ضد (صلح) و (الفساد) لغة البطالن‪:‬‬

‫فيقال فسد الشيء أي بطل و اضمحل‪ ،‬و الفساد في الشريعة اإلسالمية يستمد معانيه من‬

‫القرآن الكريم حيث ذكر في أكثر من خمسين آية كلها تنهي و تحذر منه و بعضها حدد‬

‫صراحة جزاء المفسدين ‪،‬و يأتي التعبير على معان عدة بحسب موقعه فيه فيعني (الجدب أو‬

‫القحط) كما في قوله تعالى‪":‬ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقــهم‬

‫بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" الروم اآلية ‪41‬‬

‫و يقول عمر بن الخطاب رضي هللا عنه في صالح المال واجتناب فساده‪" :‬وإني ال أجد هذا‬

‫المال يصلحه إال خالل ثالث‪ :‬أن يؤخذ بالحق‪ ،‬ويعطى في الحق‪ ،‬ويمنع من الباطل"‬

‫ثانيا ‪ :‬أما الفساد اصطالحا فانه ال يوجد له تعريف محدد بل هناك توجهات مختلفة لتعريفه‬

‫فهناك من يعرفه علــى أنه"خروج عن القانون و النظام(أي عدم االلتزام بهما)و استغالل‬

‫غيابهما من أجل تحقيق مصالح سياسية و اجتماعية و اقتصادية للفرد أو لجماعة معينة"‪،‬‬

‫بينما يعرفه آخرون على أنه ‪":‬هو قيام الموظف العام و بطرق غير سويــة بارتكاب ما يعد‬

‫إهدارا لواجبات و وظيفته ‪ ،‬فهو سلوك يخالف الواجبات الرسمية للمنصب العام تطلعا إلى‬

‫تحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية" ‪ ،‬كما أن البعض يوسع مفهوم الفساد فيعرفه‪ ":‬هو‬
‫‪1‬‬
‫موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس كل الشعب‬ ‫بن لحسن الهواري‬ ‫مطبوعة بيداغوجية حول الفساد وأخالقيات العمل‬

‫كل سلوك يجافي المصلحة العامة" و عرفه آخرون‪":‬هو االنحراف األخالقي لمسئولين في‬

‫اإلدارة و الحكومة"‪ ،‬وقد عرفته" منظمة الشفافية العالمية "التي تأسست سنة ‪ 1993‬بأنه‪:‬‬

‫"سوء استغالل السلطة من أجل تحقيق المكاسب والمنافع الخاصة"‪ ،‬أما "اتفاقية األمم‬

‫المتحدة لمكافحة الفساد" لسنة ‪ ،2003‬فإنها لم تتطرق لتعريف الفساد‪ ،‬لكنها جرمت حاالت‬

‫الفساد التي حددتها في‪:‬‬

‫•رشوة الموظفين العموميين الوطنيين‪.‬‬

‫•رشوة الموظفين العموميين األجانب وموظفي المؤسسات الدولية العمومية‪.‬‬

‫•اختالس الممتلكات أو تبديدها أو تسريبها بشكل آخر من طرف موظف عمومي‪.‬‬

‫•المتاجرة بالنفوذ‪.‬‬

‫•إساءة استغالل الوظائف‪.‬‬

‫•اإلثراء غير المشروع‪.‬‬

‫•الرشوة في القطاع الخاص‪.‬‬

‫•اختالس الممتلكات في القطاع الخاص‪.‬‬

‫•غسل العائدات اإلجرامية‪.‬‬

‫•اإلخفاء‪.‬‬

‫•إعاقة سير العدالة‪.‬‬

‫والفساد عمو ًما ظاهرة مركبة ومعقدة‪ ،‬تشمل االختالالت التي تمس الجانب السياسي‬

‫واالقتصادي واالجتماعي والقيمي األخالقي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس كل الشعب‬ ‫بن لحسن الهواري‬ ‫مطبوعة بيداغوجية حول الفساد وأخالقيات العمل‬

‫أما البنك العالمي فقد اعتمد التعريف التالي ‪":‬هو االستغالل السيئ للوظيفة العامة الرسمية‬

‫من أجل تحقيق المصلحة الخاصة" و يندرج تحت االستغالل السيئ ما يلي‪ :‬العموالت‪-‬‬

‫الرشاوى‪ -‬تحويل األموال‪ -‬الوساطة و المحسوبية في تقلد الوظائف العامة‪ -‬التهرب‬

‫الضريبي‪-‬تضخيم الفواتير‪ -‬الغش الجمركي‪-‬إفشاء أسرار العقود و الصفقات‪....‬‬

‫و قد اختارت "اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة ‪ "2003‬أال تعرف الفساد تعريفا‬

‫فلسفيا أو وصفيا ‪ ،‬بل انصرفت إلى تعريفه من خالل الحاالت التي يترجم فيها الفساد إلى‬

‫ممارسات فعلية على أرض الواقع و من ثمة تجريمها و هي‪ :‬الرشوة بجميع وجوهها في‬

‫القطاعين العام و الخاص‪ -‬االختالس‪ -‬المتاجرة بالنفود و إساءة استغالل الوظيفة‪ -‬تبيض‬

‫األموال و الثراء غير المشروع‪.‬‬

‫نص المشرع الجزائري في المادة ‪ 2‬من القانون رقم ‪ 01-06‬المؤرخ في ‪2006/02/20‬‬

‫متعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته عل المقصود من مفهوم الفساد" الفساد‪ :‬كل الجرائم‬

‫المنصوص عليها في الباب الرابع من هذا القانون" و هذه الجرائم هي‪:‬‬

‫‪ -‬رشوة الموظفين العموميين ‪-‬االمتيازات غير المبررة في مجال الصفقات‬

‫العمومية‬

‫‪ -‬اختالس الممتلكات من قبل موظف عمومي‬

‫‪ -‬استغالل النفوذ‬

‫‪ -‬إساءة استغالل الوظيفة‪....‬‬

‫الفساد واالفساد وداللته في القرآن‪:1‬‬

‫للمزيد من التفصيل في مفهوم الفساد واالفساد في ضوء الكتاب والسنة في موقع شبكة األلوية‪ ،‬مقال للدكتور طه فارس متاح على الرابط ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪3‬‬
‫موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس كل الشعب‬ ‫بن لحسن الهواري‬ ‫مطبوعة بيداغوجية حول الفساد وأخالقيات العمل‬

‫المتتبع أللفاظ الكتاب والسنة يجد أن لفظي الفساد واإلفساد استعمال للداللة على المعنى العام‬

‫لهما‪ ،‬كما استعمال للداللة على جانب من معناهما‪ ،‬وفيما يأتي بيان ذلك‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬الكفر باهلل سبحانه تعالى‪:‬‬

‫َّللاُ ِب ِه أَ ْن‬
‫طعُونَ َما أَ َم َر َّ‬ ‫من ذلك قوله تعالى ‪ ﴿:‬الَّذِينَ َي ْنقُضُونَ َع ْهدَ َّ ِ‬
‫َّللا ِم ْن َب ْع ِد ِميثَا ِق ِه َو َي ْق َ‬

‫ض أُولَئِكَ هُ ُم ْالخَا ِس ُرونَ ﴾ [البقرة‪] ٢٧ :‬فإفسادهم في األرض‪:‬‬


‫ص َل َويُ ْف ِسدُونَ فِي ْاأل َ ْر ِ‬
‫يُو َ‬

‫باستدعائهم إلى الكفر‪ ،‬والترغيب فيه‪ ،‬وحمل الناس عليه‪ ،‬وتعويقهم وصدّهم للنَّاس عن‬

‫الوصل التي بها نظام العالم وصالحه‬ ‫ِّ‬


‫بالحق‪ ،‬وقطع ُ‬ ‫اإليمان‪ ،‬واالستهزاء‬

‫ومن ذلك قوله تعالى ‪َ ﴿:‬و ِم ْن ُه ْم َم ْن يُؤْ ِم ُن ِب ِه َو ِم ْن ُه ْم َم ْن َال يُؤْ ِم ُن ِب ِه َو َربُّكَ أَ ْع َل ُم‬

‫ِب ْال ُم ْف ِسدِينَ ﴾ [يونس‪] ٤٠ :‬أي‪ :‬من هؤالء الذين بُعثتَ إليهم يا محمد من يؤمن بهذا القرآن‪،‬‬

‫ويتَّبِعُك وينتفع بما أُرسلت به‪َ ﴿ ،‬و ِم ْن ُه ْم َم ْن ال يُؤْ ِمنُ بِ ِه ﴾ بل يموت على ذلك ويبعث عليه‪،‬‬

‫المصرين على كفرهم‪ ،‬ولفظ اآلية يشمل جميع أهل‬


‫ِّ‬ ‫﴿ َو َربُّكَ أَ ْعلَ ُم بِ ْال ُم ْف ِسدِينَ ﴾ أي‪ :‬المكذِّبين‬

‫الكفر‬

‫ط َم ًعا ِإ َّن َر ْح َمةَ َّ ِ‬


‫َّللا‬ ‫عوهُ َخ ْوفًا َو َ‬
‫ص َال ِح َها َوا ْد ُ‬ ‫ومنه قوله تعالى ‪َ ﴿:‬و َال ت ُ ْف ِسدُوا فِي ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض َب ْعدَ إِ ْ‬

‫يب ِمنَ ْال ُم ْح ِسنِينَ ﴾ [األعراف‪ ]٨٥ :‬أي ‪:‬بالكفر والظلم‪) ،‬بعد إصالحها( بإقامة الشرائع‬
‫قَ ِر ٌ‬

‫وظهور العدل‪ ،‬فلفظ الفساد هنا يع ُّم دقيق الفساد وجليله‪ ،‬إال أن قوله تعالى ‪ِ ﴿:‬إ ْن ُك ْنت ُ ْم‬

‫ُمؤْ ِمنِينَ ﴾ يرشح أن يكون أبرز جانب من جوانب فسادهم هو الكفر باهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬النِّفَاق‪:‬‬

‫‪https://www.alukah.net/sharia/0/104256/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-‬‬
‫‪%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D9%8A-‬‬
‫‪%D8%B6%D9%88%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-‬‬
‫‪%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9/‬‬

‫‪4‬‬
‫موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس كل الشعب‬ ‫بن لحسن الهواري‬ ‫مطبوعة بيداغوجية حول الفساد وأخالقيات العمل‬

‫ص ِل ُحونَ *أَ َال‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى ‪َ ﴿:‬وإِذَا قِي َل لَ ُه ْم َال ت ُ ْف ِسدُوا فِي ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض قَالُوا ِإنَّ َما نَ ْحنُ ُم ْ‬

‫ِإنَّ ُه ْم هُ ُم ْال ُم ْف ِسد ُونَ َو َل ِك ْن َال يَ ْشعُ ُرونَ ﴾ [البقرة‪] ١٢ - ١١ :‬فاآليتان وردتا في سياق ذكر‬

‫ض﴾‬ ‫وأن من صفاتهم وأخالقهم إذا قال لهم أهل اإليمان ‪ ﴿:‬ال ت ُ ْف ِسدُوا فِي ْ‬
‫األر ِ‬ ‫المنافقين‪َّ ،‬‬

‫بالمعاصي والتعويق عن اإليمان‪ ،‬وإغراء أهل الكفر والطغيان على أهل اإلسالم واإليمان‪،‬‬

‫وتهييج الحروب والفتن‪ ،‬وإظهار الهرج والمرج والمحن‪ ،‬وإفشاء أسرار المسلمين إلى‬

‫أعدائهم الكافرين‪ ﴿ ،‬قَالُوا ﴾ في جوابهم الفاسد ‪ِ ﴿:‬إنَّ َما ن َْحنُ ُم ْ‬


‫ص ِل ُحونَ ﴾ في ذلك‪ ،‬فال تص ُّح‬

‫مخاطبتنا بذلك‪ ،‬فإن من شأننا اإلصالح واإلرشاد‪ ،‬وحالنا خالص من شوائب الفساد‪ ،‬فردّ هللا‬

‫عليهم ما ادَّعوه من االنتظام في سلك المصلحين بأبلغ ردّ‪ ،‬من وجوه االستئناف الذي في‬

‫الجملة‪ ،‬واالستفتاح بالتنبيه‪ ،‬والتأكيد بإن وضمير الفعل‪ ،‬وتعريف الخبر‪ ،‬والتعبير بنفي‬

‫الشعور‪ ،‬إذ لو شعروا أدنى شعور لتحقَّقوا أنهم مفسدون‬

‫ثالثاً‪ :‬المعاصي‪:‬‬

‫ط َمعًا ِإ َّن َر ْح َمةَ‬


‫عوهُ خ َْوفًا َو َ‬
‫ص َال ِح َها َوا ْد ُ‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى ‪َ ﴿:‬و َال ت ُ ْف ِسدُوا فِي ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض بَ ْعدَ إِ ْ‬

‫يب ِمنَ ْال ُم ْح ِسنِينَ ﴾ [األعراف‪ ]٥٦ :‬أي ‪:‬ال تفسدوا في األرض بالمعاصي الموجبة‬
‫َّللا قَ ِر ٌ‬
‫َّ ِ‬

‫لفساد العالم بالقحط والفتن‪ ،‬بعد إصالحها بالخصب واألمان‪ ،‬بما يح ِقّق منافع الخلق ومصالح‬

‫المكلَّفين‪ ،‬فالنهي هنا عا ّم يشمل ك َّل فساد ق َّل أو َكثُر‪ ،‬ومن أنواعه‪ :‬إفساد النفوس واألنساب‬

‫واألموال والعقول واألديان‬

‫ويُؤخذ من اآلية‪ :‬أن إقامة الشرائع وظهور الدِّين من عالمة إصالح األرض وبهجتها‬

‫وخصبها وعافيتها‪ ،‬وترك الشرائع وظهور المعاصي من عالمة فساد األرض وخرابها‬

‫‪5‬‬
‫موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس كل الشعب‬ ‫بن لحسن الهواري‬ ‫مطبوعة بيداغوجية حول الفساد وأخالقيات العمل‬

‫َّللاُ بِ ِه أَ ْن‬
‫طعُونَ َما أَ َم َر َّ‬ ‫ومنه قوله تعالى ‪َ ﴿:‬والَّذِينَ يَ ْنقُضُونَ َع ْهدَ َّ ِ‬
‫َّللا ِم ْن بَ ْع ِد ِميثَاقِ ِه َويَ ْق َ‬

‫ض أُولَئِكَ لَ ُه ُم اللَّ ْعنَةُ َولَ ُه ْم ُ‬


‫سو ُء الدَّ ِار ﴾ [الرعد‪] ٢٥ :‬وإفسادهم في‬ ‫ص َل َويُ ْف ِسدُونَ فِي ْاأل َ ْر ِ‬
‫يُو َ‬

‫األرض‪ :‬عملهم بمعاصي هللا‪ ،‬وتهييج الفتن‪.‬‬

‫علُوا ِفي ْاأل َ ْر ِ‬


‫ض َو َال فَ َ‬
‫سادًا‬ ‫َّار ْاآلَ ِخ َرة ُ ن َْج َعلُ َها ِل َّلذِينَ َال يُ ِريدُونَ ُ‬
‫ومنه قوله تعالى ‪ِ ﴿:‬ت ْلكَ الد ُ‬

‫َو ْالعَاقِبَةُ ِل ْل ُمتَّقِينَ ﴾ [القصص‪] ٨٣ :‬أي‪ :‬عمالً بالمعاصي‪ ،‬أو ُ‬


‫ظلما ً على النَّاس‪ ،‬أو أخذاً للمال‬

‫بغير ّ ٍّ‬
‫حق‪ ،‬ولم يعلق هللا الوعد بترك العلو والفساد‪ ،‬ولكن بترك إرادتهما وميل القلب إليهما‪،‬‬

‫وهو أبلغ في النَّهي عن الفساد والردع عنه‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬خراب العالم وفساد نظامه‪:‬‬

‫َّللا َربّ ِ ا ْل َع ْر ِش َع َّما‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى ‪ ﴿:‬لَ ْو َكانَ ِفي ِه َما آَ ِل َهةٌ ِإ َّال َّ‬
‫َّللاُ لَفَ َ‬
‫سدَتَا فَ ُ‬
‫س ْب َحانَ َّ ِ‬

‫صفُونَ ﴾ [األنبياء‪] ٢٢ :‬أي‪ :‬لو تعدَّدت اآللهة لكان بينهما التنازع والتغالب‪ ،‬م َّما يؤدي إلى‬
‫يَ ِ‬

‫فساد نظام العالم‪ ،‬وفساد السماء واألرض‪ :‬هو خرابهما وهالك من فيهما‪ ،‬وذلك بسبب وقوع‬

‫ويذهب ك ُّل إله بما خلق‪،‬‬


‫ُ‬ ‫ضهم على بعض‪،‬‬
‫التنازع باالختالف الواقع بين الشركاء‪ ،‬فيبغي بع ُ‬

‫أن اإللهين لو فُرضا فوقع بينهما االختالف في تحريك جرم‬


‫واقتضاب القول في هذا‪َّ :‬‬

‫وتسكينه‪ ،‬ف ُمحال أن تتم اإلرادتان‪ ،‬كما هو ُمحا ٌل أن ال تتم جمي ًعا‪ ،‬وإذا ت َّمت إحدى اإلرادتين‬

‫ً‬
‫عاجزا‪ ،‬وهذا ليس بإله‪ ،‬وجواز االختالف عليهما بمنزلة وقوعه منهما‬ ‫كان صاحب األخرى‬

‫سدُوهَا َو َجعَلُوا أَ ِع َّزة َ أَ ْه ِل َها أَذِلَّةً َو َكذَلِكَ‬


‫ت ِإ َّن ْال ُملُوكَ ِإذَا دَ َخلُوا قَ ْريَةً أَ ْف َ‬
‫ومنه قوله تعالى ‪ ﴿:‬قَالَ ْ‬

‫يَ ْف َعلُونَ ﴾ [النمل‪] ٣٤ :‬أي‪ :‬إن الملوك إذا دخلوا قرية ع ْن َوة بالقهر خ ََّربوها وأذلُّوا أعزتها‬

‫وأهانوهم غاية الهوان‪ ،‬إ َّما بالقتل أو باألسر‬

‫خامساً‪ :‬المنكر‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس كل الشعب‬ ‫بن لحسن الهواري‬ ‫مطبوعة بيداغوجية حول الفساد وأخالقيات العمل‬

‫ون ِم ْن قَ ْب ِل ُك ْم أ ُولُو بَ ِقيَّ ٍّة يَ ْن َه ْونَ َع ِن ا ْلفَ َ‬


‫سا ِد فِي‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى ‪ ﴿:‬فَلَ ْو َال َكانَ ِمنَ ْالقُ ُر ِ‬

‫يال ِم َّم ْن أَ ْن َج ْينَا ِم ْن ُه ْم ﴾[ هود‪] ١١٦ :‬أي‪ :‬فهال ُو ِجدَ فيمن كان قبلكم من القرون‬ ‫ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض ِإ َّال قَ ِل ً‬

‫من فيه بقية من العقل والحزم والثبوت والدِّين‪ ،‬ينكرون على أهل الفساد فسادهم‪ِ ﴿ ،‬إالَّ قَ ِليالً ﴾‬

‫أي‪ :‬لكن قليالً ﴿ ِم َّم ْن أَ ْن َج ْينَا ِم ْن ُه ْم ﴾ ن َهوا عن الفساد في األرض‬

‫الح َرابة‪:‬‬
‫سا‪ِّ :‬‬
‫ساد ً‬

‫سولَهُ َويَ ْسعَ ْونَ فِي ْاأل َ ْر ِ‬


‫ض‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى ‪ ﴿:‬إِنَّ َما َجزَ ا ُء الَّذِينَ يُ َح ِ‬
‫اربُونَ َّ‬
‫َّللاَ َو َر ُ‬

‫للحرابة‪ ،‬أي‪ :‬ويسعون بحرابتهم مفسدين‪ ،‬وهي على‬ ‫فَ َ‬


‫سادًا ‪[ ﴾....‬المائدة‪ ]٣٣ :‬وهو بيان ِ‬

‫درجات؛ أدناها‪ :‬إخافة الطريق‪ ،‬ث َّم أخذ األموال‪ ،‬ث َّم قتل األنفس‬

‫سابعاً‪ :‬إثارة الفتن والحروب‪:‬‬

‫َّللاُ َويَ ْسعَ ْونَ فِي ْاأل َ ْر ِ‬


‫ض‬ ‫طفَأَهَا َّ‬
‫ب أَ ْ‬
‫َارا ِل ْل َح ْر ِ‬
‫ومن ذلك قوله تعالى في اليهود ‪ُ ... ﴿:‬كلَّ َما أَ ْوقَدُوا ن ً‬

‫َّللاُ َال يُ ِحبُّ ْال ُم ْف ِسدِينَ ﴾ [المائدة‪ ]٦٤ :‬أي‪ :‬يسعون في األرض مفسدين أو للفساد‪،‬‬ ‫فَ َ‬
‫سادًا َو َّ‬

‫وذلك بإثارة الحروب والفتن‪ ،‬وهتك المحارم واستحاللها‪ ،‬وسفك الدِّماء‪ ،‬والكيد للمسلمين‬

‫وخداعهم‪ ﴿ ،‬وهللا ال يحبُّ المفسدين ﴾ أي‪ :‬ال يرضى فعلهم‪ ،‬فال يجازيهم على إفسادهم َّإال‬

‫شرا وعقوبة‪ ،‬ونفي المحبَّة‪ :‬كناية عن كونه ال يعود عليهم بفضله وإحسانه‪ ،‬وال يثيبهم‪ ،‬وإذا‬

‫لم يثبهم فهو معاقبهم‬

‫ثامناً‪ :‬ال ِّوالية وال ُحكم‪:‬‬

‫ض َوتُقَ ِ ّ‬
‫طعُوا‬ ‫س ْيت ُ ْم ِإ ْن ت َ َولَّ ْيت ُ ْم أَ ْن ت ُ ْف ِسدُوا فِي ْاأل َ ْر ِ‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى ‪ ﴿:‬فَ َه ْل َ‬
‫ع َ‬

‫أمور النَّاس وتأ َّمرتم عليهم‪ ،‬أو‬


‫َ‬ ‫أَ ْر َحا َم ُك ْم ﴾ [محمد‪] ٢٢ :‬أي‪ :‬فهل يتوقع منكم إن توليتم‬

‫‪7‬‬
‫موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس كل الشعب‬ ‫بن لحسن الهواري‬ ‫مطبوعة بيداغوجية حول الفساد وأخالقيات العمل‬

‫تناحرا على الوالية‬


‫ً‬ ‫أعرضتم وتوليتم عن اإلسالم‪َّ ،‬إال الفساد في األرض وتقطيع األرحام‪،‬‬

‫وتجاذبًا لها‪ ،‬أو رجو ًعا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من التغاور ومقاتلة األقارب‬

‫تاس ًعا‪ :‬السحر‪:‬‬

‫ص ِل ُح َع َم َل‬ ‫سيُ ْب ِطلُهُ ِإ َّن َّ َ‬


‫َّللا َال يُ ْ‬ ‫ِح ُر ِإ َّن َّ َ‬
‫َّللا َ‬ ‫سى َما ِجئْت ُ ْم ِب ِه ال ّ‬
‫س ْ‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى ‪ ﴿:‬قَا َل ُمو َ‬

‫ْال ُم ْف ِسدِينَ ﴾ [يونس‪ ]٨١ :‬فسحرهم هو من قبيل عمل المفسدين‪ ،‬وإضافة ﴿ عمل ﴾ إلى‬

‫﴿ المفسدين ﴾ يُؤذِن بأنَّه عمل فاسد‪ ،‬ألنه فعل َم ْن شأنُهم اإلفساد‪ ،‬فيكون نسجا ً على منوالهم‪،‬‬

‫يقويه‬
‫وسيرة على معتادهم‪ ،‬وهللا ال يؤيِّد هذا العمل الفاسد وال يثبته وال ّ ِ‬

‫عاشراً ‪:‬أكل أموال اليتامى ظلما ً‪:‬‬

‫ح ﴾ [البقرة‪] ٢٢٠ :‬أي‪ :‬ال يخفى على هللا‬ ‫َّللاُ َي ْعلَ ُم ْال ُم ْف ِسدَ ِمنَ ْال ُم ْ‬
‫ص ِل ِ‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى ‪َ ﴿:‬و َّ‬

‫من داخلهم بإفساد وإصالح‪ ،‬فيجازي كال على إصالحه وإفساده‪ ،‬وفي اآلية وعد للمصلحين‬

‫ووعيد للمفسدين‬

‫حادي عشر‪ :‬فاحشة قوم لوط‪:‬‬

‫ومن ذلك قوله تعالى ُمخبرا عن نب ِيّه لوط عليه السالم ودعائه على قومه ‪ ﴿:‬قَا َل َربّ ِ ا ْن ُ‬
‫ص ْرنِي‬

‫َعلَى ْالقَ ْو ِم ْال ُم ْف ِسدِينَ ﴾ [العنكبوت‪ ]٣٠ :‬وذلك لـ َّما يئس من استجابتهم‪ ،‬بعد أن أنكر عليهم‬

‫سوء صنيعهم‪ ،‬وما كانوا يفعلونه من قبيح األعمال‪ ،‬في إتيانهم الذُّكران من العَالـَمين‪ ،‬ولم‬
‫ُ‬

‫يسبقهم إلى هذه ال ِف ْعلة أحدٌ من بني آدم قبلهم‪ ،‬مع كفرهم باهلل تعالى‪ ،‬وتكذيبهم لرسوله‪،‬‬

‫وعملهم لل ُمن َكرات‬

‫ثاني عشر‪ :‬ال ُّظلم وال َجور والتَّفريط بالحقوق‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس كل الشعب‬ ‫بن لحسن الهواري‬ ‫مطبوعة بيداغوجية حول الفساد وأخالقيات العمل‬

‫طغ َْوا فِي ْالبِ َال ِد *فَأ َ ْكثَ ُروا فِي َها ْالفَ َ‬
‫سادَ ﴾ [الفجر‪– ١١ :‬‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى ‪ ﴿:‬الَّذِينَ َ‬

‫الظلم والعُدوان‪ ﴿ ،‬فَأ َ ْكثَ ُروا فِي َها‬


‫تمردُوا وعتوا وتجاوزوا القدر في ُّ‬ ‫‪َ ﴿] ١٢‬‬
‫طغ َْوا ﴾ أي‪َّ :‬‬

‫جرىء صاحبه على دحض‬


‫ألن الطغيان يُ ِ ّ‬ ‫ْالفَ َ‬
‫سادَ ﴾ أي‪ :‬الجور واألذى وإضاعة حقوق النَّاس‪َّ ،‬‬

‫حقوق النَّاس‪ ،‬فهو من جهة يكون قدوة ُ‬


‫سوءٍّ ألمثاله و َملئ ِه‪ ،‬فك ُّل واحد منهم يطغى على من‬

‫هو دونه‪ ،‬وذلك فساد عظيم‪َّ ،‬‬


‫ألن به اختال َل الشرائع اإللهيّة والقوانين الوضعية الصالحة‪،‬‬

‫ي عليه من الرعيَّة‪ ،‬فيُضمرون السوء‬ ‫وهو من جهة أخرى‪ :‬يثير الحفائظ والضغائن في الم ْ‬
‫طغ ّ‬
‫َّ‬
‫للطاغين‪ ،‬وتنطوي أنفسهم على كراهيتهم‬

‫الكفار على المؤمنين واستحاللهم لل ُح ُر َمات‪:‬‬


‫ِّ‬ ‫سلُّط‬
‫ثالث عشر‪ :‬تَ َ‬

‫ض ِإ َّال تَ ْف َعلُوهُ تَ ُك ْن ِفتْنَةٌ ِفي ْاأل َ ْر ِ‬


‫ض‬ ‫ض ُه ْم أ َ ْو ِل َيا ُء َب ْع ٍّ‬
‫ومن ذلك قوله تعالى ‪َ ﴿:‬والَّذِينَ َكفَ ُروا َب ْع ُ‬

‫ير ﴾ [األنفال‪] ٧٣ :‬أي‪َّ :‬إال تفعلوا ما أ ُ ِمرتم به من ُمواالة المؤمنين ونصرتهم‪ ،‬أو‬ ‫َوفَ َ‬
‫ساد ٌ َكبِ ٌ‬

‫األرض ﴾ وذلك باستيالء المشركين‬


‫ِ‬ ‫نصرةِ من استنصر بكم م َّمن لم يهاجر‪ ﴿ ،‬تكن فتنةٌ في‬

‫على المؤمنين‪ ﴿ ،‬وفسادٌ كبير ﴾ وذلك باستحالل المشركين أموا َل المؤمنين وفروجهم‬

‫س ِّرقة‪:‬‬
‫رابع عشر‪ :‬ال َّ‬

‫اَّلل لَقَدْ َع ِل ْمت ُ ْم َما ِج ْئنَا ِلنُ ْف ِسدَ ِفي ْاأل َ ْر ِ‬


‫ض َو َما ُكنَّا‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى ‪ ﴿:‬قَالُوا تَ َّ ِ‬

‫ارقِينَ ﴾ [يوسف‪] ٧٣ :‬فقد أ َّكد إخوة يوسف عليه السالم براءتهم من السرقة بالقَ َ‬
‫سم‪،‬‬ ‫س ِ‬‫َ‬

‫واستشهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم من السرقة لما َع َرفُوا منهم في كرتي مجيئهم‬

‫ومداخلتهم للملك‪ ،‬وقد نَفَوا عن أنفسهم االتّصاف بالسرقة بأبلغ م َّما نَفَوا به اإلفساد عنهم‪،‬‬

‫وذلك بنفي الكون سارقين دون أن يقولوا‪ :‬وما جئنا لنَس ِْرق‬

‫‪9‬‬
‫موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس كل الشعب‬ ‫بن لحسن الهواري‬ ‫مطبوعة بيداغوجية حول الفساد وأخالقيات العمل‬

‫قال الرازي‪ :‬حلفوا على أمرين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنهم ما جاؤوا ألجل الفساد في األرض‪ ،‬ألنَّه ظهر‬

‫من أحوالهم امتناعهم من التَّصرف في أموال الناس بالكليَّة‪ ،‬ال باألكل وال بإرسال الدوابّ في‬

‫مزارع الناس‪ ،‬والثاني‪ :‬أنهم ما كانوا سارقين‪ ،‬وقد حصل لهم فيه شاهد قاطع وهو أنَّهم لما‬

‫وجدوا بضاعتهم في رحالهم حملوها من بالدهم إلى مصر ولم يستحلُّوا أخذها‪ ،‬وال َّ‬
‫سارق ال‬

‫يفعل ذلك البتة‬

‫خامس عشر‪ :‬فساد البيئة‪:‬‬

‫ت أَ ْيدِي ال َّن ِ‬
‫اس ِليُ ِذيقَ ُه ْم بَ ْع َ‬
‫ض‬ ‫سادُ فِي ْالبَ ِ ّر َو ْالبَ ْح ِر ِب َما َك َ‬
‫سبَ ْ‬ ‫ظ َه َر ْالفَ َ‬
‫ومن ذلك قوله تعالى ‪َ ﴿:‬‬

‫البر‪ :‬خرابه‪ ،‬وغور مياهه‪ ،‬وقلَّة نباته‪ ،‬وقلة‬


‫الَّذِي َع ِملُوا لَ َعلَّ ُه ْم َي ْر ِجعُونَ ﴾ [الروم‪ ]٤١ :‬وفساد ّ‬

‫أمطاره‪ ،‬وكثرة السباع العادية والحشرات المؤذية فيه‪ ،‬وكثرة الحرق والغرق‪ ،‬ومحق‬

‫البركات وكثرة المضار‪ ،‬أ َّما فساد البحر‪ :‬فبكثرة الرياح القاصفة‪ ،‬وكثرة الغرق‪ ،‬وقلة‬

‫السالمة‪ ،‬وانقطاع الصيد‪ ،‬وكال الفسادين بشؤم ما كسبت أيدي الناس من المعاصي والذنوب‬

‫سادس عشر‪ :‬فساد نظام العالم‪:‬‬

‫س َم َواتُ َو ْاأل َ ْر ُ‬
‫ض َو َم ْن فِي ِه َّن َب ْل‬ ‫ت ال َّ‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى ‪َ ﴿:‬ولَ ِو اتَّ َب َع ْال َح ُّق أَ ْه َوا َءهُ ْم لَفَ َ‬
‫سد َ ِ‬

‫أَتَ ْينَاهُ ْم ِب ِذ ْك ِر ِه ْم فَ ُه ْم َع ْن ِذ ْك ِر ِه ْم ُم ْع ِرضُونَ ﴾ [المؤمنون‪] ٧١ :‬أي‪ :‬لو عمل الربُّ تعالى بما‬

‫َّ‬
‫الحق الذي هم له‬ ‫يهوى هؤالء المشركون‪ ،‬وأجرى التدبير على مشيئتهم وإرادتهم‪ ،‬وترك‬

‫فيهن; وذلك أنَّهم ال يعرفون عواقب األمور‬


‫ّ‬ ‫كارهون‪ ،‬لفسدت السموات واألرض ومن‬

‫والصحيح من التدبير والفاسد‪ ،‬فلو كانت األمور جارية على مشيئتهم وأهوائهم مع إيثار‬

‫ّ‬
‫فيهن من خلق هللا‪ ،‬ألن ذلك قام‬ ‫تقر السموات واألرض ومن‬ ‫ّ‬
‫الحق‪ ،‬لم ّ‬ ‫أكثرهم الباطل على‬

‫بالحق‬

‫‪10‬‬
‫موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس كل الشعب‬ ‫بن لحسن الهواري‬ ‫مطبوعة بيداغوجية حول الفساد وأخالقيات العمل‬

‫سابع عشر‪ :‬النهي عن عموم الفساد‪:‬‬

‫ط َمعًا ِإ َّن َر ْح َمةَ‬


‫عوهُ َخ ْوفًا َو َ‬
‫ص َال ِح َها َوا ْد ُ‬ ‫من ذلك قوله تعالى ‪َ ﴿:‬و َال ت ُ ْف ِسدُوا فِي ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض بَ ْعدَ إِ ْ‬

‫يب مِنَ ْال ُم ْح ِسنِينَ ﴾ [األعراف‪ّ ] ٥٦ :‬‬


‫فإن الكالم في اآليات السابقة لما أنبأ عن عناية هللا‬ ‫َّللا قَ ِر ٌ‬
‫َّ ِ‬

‫وعرض لهم بمحبّته إياهم دون أعدائهم‬


‫ّ‬ ‫بالمسلمين وتقريبه إيَّاهم‪ ،‬إذ أمرهم بأن يدعوه‪،‬‬

‫ال ُمعتدين‪ ،‬أعقبه بما يحول بينهم وبين اإلدالل على هللا باالسترسال فيما ت ُمليه عليهم شهواتهم‬

‫شهوية والغَضبيّة‪ ،‬فإنّهما تجنيان فساداً في الغالب‪ ،‬فذ َّكرهم بترك اإلفساد‬
‫من ثوران القوتين‪ :‬ال ّ‬

‫نزها ً عن أن يخالطه فساد‪ ،‬فإنّهم إن أفسدوا في األرض أفسدوا مخلوقات‬


‫ليكون صالحهم ُم ّ‬

‫كثيرة‪ ،‬وأفسدوا أنفسهم في ضمن ذلك اإلفساد‬

‫فاآلية نهي عن إيقاع الفساد في األرض وإدخال ماهيته في الوجود‪ ،‬فيتعلق بجميع أنواعه‪:‬‬

‫ص َال ِح َها ﴾ أي‪ :‬بعد‬


‫من إفساد النفوس واألنساب واألموال والعقول واألديان‪ ،‬ومعنى ﴿ بَ ْعدَ إِ ْ‬

‫أن أصلح هللا خلقها على الوجه المالئم لمنافع الخلق ومصالح المكلَّفين‬
‫ْ‬

‫ومنه قوله تعالى ‪ ﴿:‬قَالُوا يَا ذَا ْالقَ ْرنَي ِْن ِإ َّن يَأْ ُجو َج َو َمأْ ُجو َج ُم ْف ِسدُونَ فِي ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض فَ َه ْل ن َْج َع ُل لَكَ‬

‫خ َْر ًجا َعلَى أَ ْن تَ ْج َع َل َب ْينَنَا َو َب ْينَ ُه ْم َ‬


‫سدا ﴾ [الكهف‪ ]٩٤ :‬وإفسادهم في األرض كان عاما‪ ،‬ومن‬

‫صوره‪ :‬القتل‪ ،‬والتَّخريب‪ ،‬وإتالف الزرع‪ ،‬وغير ذلك‬

‫ومنه قوله تعالى ‪َ ﴿:‬و َكانَ فِي ْال َمدِينَ ِة تِ ْسعَةُ َر ْهطٍّ يُ ْف ِسدُونَ فِي ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض َو َال‬

‫أن إفساد هؤالء الرهط من قوم ثمود كان إفسادا ً محضا ً ال‬
‫ص ِل ُحونَ ﴾ [النمل‪ ]٤٨ :‬أي‪َّ :‬‬
‫يُ ْ‬

‫يخالطه شيء من الصالح أصالً‬

‫حوصلة ‪ :‬انطالقا مما سبق فانه يمكن تعريف الفساد بأنه كل نشاط تمارسه‬

‫شخصية مادية أو معنوية عن طريق اساءة استخدام المنصب أو السلطة أو‬

‫‪11‬‬
‫موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس كل الشعب‬ ‫بن لحسن الهواري‬ ‫مطبوعة بيداغوجية حول الفساد وأخالقيات العمل‬

‫العالقات ألغراض غير قانونية تصب في مصلحة خاصة له أو لذويه أو لمقربيه‬

‫بعيدا عن عين الرقابة والسلطة‪.‬‬

‫‪12‬‬

You might also like