Professional Documents
Culture Documents
نجوى عوض - النسخة المقبولة للرسالة - مكتب الدراسات العليا
نجوى عوض - النسخة المقبولة للرسالة - مكتب الدراسات العليا
نجوى عوض - النسخة المقبولة للرسالة - مكتب الدراسات العليا
كلية القانون
ّ
إعداد
كلية القانون
ّ
القانون العام
يونيو2019م1441/ه
نحن أعضاء اللجنة المذكورة أدناه ،وافقنا على قبول رسالة الطالب المذكور اسمه أعاله .وحسب
معلومات اللجنة فإن هذه الرسالة تتوافق مع متطلبات جامعة قطر ،ونحن نوافق على أن تكون
االسم :الدكتور إسالم شيحا ،أستاذ القانون العام المساعد بكلية القانون جامعة قطر.
مناقش
مناقش
مناقش
تمت الموافقة:
ّ
كلية القانون
الدكتور محمد بن عبد العزيز الخليفي ،عميد ّ
ب
الم َّ
لخص ُ
نجوى رمضان إبراهيم عوض ،ماجستير في القانون العام:
.2019 /9
يعد التحقيق اإلداري وبحق -وما ينبثق عنه من ضمانات مرتبطة -من أهم ضمانات المساءلة
التأديبية ،التي تسبق اتخاذ الجزاء التأديبي تجاه الموظف العام ،وقد تناولت هذه الرسالة موضوع
التحقيق اإلداري كضمانة لتوقيع العقوبة التأديبية في القانون القطري من خالل دراسة وصفية
تحليلية لماهية التحقيق اإلداري (مفهومه وأهميته ،وعناصره ،وأساسه القانوني) ثم تناولنا في
الفصل األول ،إجراءات التحقيق اإلداري ومباشرته من حيث ،السلطة المختصة باإلحالة إلى
التحقيق وأسباب اإلحالة ،واإلجراءات االحتياطية تجاه الموظف المحال للتحقيق ،فضال عن السلطة
بينما تناولنا في الفصل الثاني ضمانات الموظف في التحقيق اإلداري ،سواء الضمانات
الشكلية للتحقيق اإلداري الطابع الحضوري إلجراءات التحقيق ،كتابة التحقيق ،الدرجة الوظيفية
للمحقق) والضمانات الموضوعية (المواجهة ،وحق الدفاع ،وحياد المحقق) بشكل تفصيلي ،وبيان
األثار المترتبة على إهدارها ،وايضاح موقف القضاء اإلداري ،والسوابق القضائية الثابتة في هذا
الشأن ،فضالً عن رأي الفقه واتجاه الباحثة في كل ما سبق ،وقد توصلت الباحثة إلى جملة من
ت
شكر وتقدير
كثير طيباً مباركاً فيه ،ملء السماوات وملء األرض ،وملء ما شئت من
اللهم لك الحمد حمداً اً
أتوجه بالشكر إلى المشرف الرئيسي على هذا البحث أستاذي الفاضل األستاذ الدكتور :محمد
فوزي نويجي ،الذي له الفضل -بعد هللا تعالى -على البحث والباحث منذ كان الموضوع عنواناً
وفكرة إلى أن صار رسال ًة وبحثاً .فله مني الشكر كله والتقدير والعرفان.
وأتوجه بالشكر الجزيل إلى جميع أساتذتي الفضالء في كلية القانون جامعة قطر ،الذين لم يألوا
وأتقدم بشكري الجزيل في هذا اليوم إلى أساتذتي الموقرين في لجنة المناقشة رئاسة وأعضاء لتفضلهم
كما أشكر جميع األخوة القائمين على مكتبة كلية القانون ،كما أشكر كل من ساعدني وأعانني على
إنجاز هذا البحث ،وان لم يسعف المقام لذكرهم ،فهم أهل للفضل والخير والشكر.
ث
اإلهداء (اختياري)
ج
فهرس المحتويات
اإلهداء ....................................................................................ج
مقدمة 1......................................................................................
المطلب الثاني :السلطة المختصة باإلحالة إلى التحقيق اإلداري 20 ...........................
الفرع األول :السلطة المختصة باإلحالة إلى التحقيق اإلداري في حالة النقل أو اإلعارة23......
الفرع الثاني :السلطة المختصة باإلحالة إلى التحقيق اإلداري في حالة الندب 29.............
الفرع الثالث :مدى إمكانية الطعن في قرار اإلحالة إلى التحقيق 30..........................
ح
المطلب الثالث :أسباب اإلحالة إلى التحقيق 31 ..............................................
الفرع الثاني :ضوابط الوقف االحتياطي عن العمل في القانون القطري 51 ..................
الفرع الثالث :اآلثار المترتبة على الوقف االحتياطي عن العمل 61 ...........................
خ
المطلب الثاني :كتابة التحقيق 100 .........................................................
الفرع الثاني :االستثناء من قاعدة التحقيق المكتوب (التحقيق الشفوي) 106 ....................
المراجع 151................................................................................
د
مقدمة:
التحقيق في ذاته ليس غاية ،بل هو مجرد إجراء تمهيدي ووسيلة إلظهار الحقيقة ،ويطلق على
مجموعة اإلجراءات التي تستهدف تحديد المخالفات التأديبية والمسؤولين عنها ،ويجرى التحقيق
عادة بعد اكتشاف المخالفة وذلك بسؤال الموظف فيما هو منسوب إليه بمناسبة مقارفته لذنب
إداري ،ويتم ذلك كتاب ًة أو شفاه ًة ،بحسب األحوال ،بواسطة الجهة المختصة التي ناط بها المشرع
إجراؤه ،بعد أن يصدر األمر به من الرئيس المختص ،وتتبع في شأنه كافة اإلجراءات والضمانات
القانونية ،وذلك بقصد الكشف عن الحقيقة ،مع تحقيق الضمان وتوفير االطمئنان للعامل موضوع
المساءلة اإلدارية ،حتى يأخذ لألمر عدته ويتأهب للدفاع عن نفسه ويد أر ما هو موجه إليه .
ويمثل اقتراف الموظف العام المخالفة التأديبية ورصدها من قبل الجهات اإلدارية الباعث
األول لتحريك العملية التأديبية عامة ،والتحقيق اإلداري خاصة تجاهه ،ويجب أن يكون للتحقيق
اإلداري كل مقومات التحقيق القانوني الصحيح ،من حيث وجوب استدعاء الموظف ،وسؤاله
ومواجهته بما هو منسوب إليه ،وتمكينه من الدفاع عن نفسه ،وكافة مقتضيات هذا الحق ،فضالً
عن ضرورة كتابة التحقيق كأصل عام ،وضمانات التحقيق الشفهي ،والوقف المقرر لمصلحة
التحقيق ،إلى غير ذلك من الضمانات القانونية ،فإذا خال التحقيق اإلداري من هذه المقومات ،فال
يمكن وصفه بأنه تحقيق بالمعنى القانوني ،ويترتب عليه البطالن بالضرورة.
وترجع أهمية التحقيق اإلداري في أنه أداة قانونية للوصول إلى الحقيقة ،فهو يهدف إلى جمع
أدلة اإلثبات ،وذلك لكشف حقيقة العالقة بين الموظف المخالف والمخالفات المنسوبة إليه.
1
ففي مجال التأديب ،ال يجوز إقامة اإلدانة على مجرد الشك ،وانما البد أن تقوم على أساس الجزم
اليقيني ،أي أن توقيع الجزاء التأديبي ال يقوم على الظن واالحتمال ،بل البد أن يقوم على اليقين
المستمد من ذات الواقعة ،وهذا مما ال شك فيه ما يكشف عنه التحقيق اإلداري.
وتجدر اإلشارة في هذا الصدد إلى أنه قد يترتب على التحقيق اإلداري نتائج خطيرة تجاه الموظف،
حتى دون أن يلحق به عقوبات تأديبية ،فيكفي ما يتعرض له من إجراءات وضغوط نفسية وأدبية
-تنعكس بالسلب على أدائه الوظيفي -أثناء مباشرة التحقيق ،و تعرضه للتجريح ،وأضرار قد
تمس كرامته ،وذلك نتيجة شبهة أو نكاية أو كيد ،وشعوره بالدونية في نظر البعض من زمالئه
حتى ولو انتهى بالحفظ ،لذا ترى الباحثة أال تبدأ إجراءات التحقيق مع الموظف ،إال إذا كانت
هناك خطورة حقيقية من السلوك الذي ترى جهة اإلدارة أنه يشكل مخالفة تأديبية ،واحتمال معقول
الرتكاب المخالفة المنسوبة إليه ،وهذا يستتبع بالضرورة أن تقوم الجهة اإلدارية بوزن سلوكيات
لقد أعطى المشرع القطري سلطة توقيع الجزاءات التأديبية للجهات اإلدارية وخولها تقرير العقوبات
على الموظف الذي يشكل سلوكه أو فعله خروجاً على مقتضيات الوظيفة العامة ،أو إخالالً
بمبدأ حسن سير المرافق العامة بشكل منتظم بما يحقق المصلحة العامة ،وفي ذات الوقت أرسى
مجموعة من الضمانات منها ما هو سابق أو معاصر أو الحق على المساءلة التأديبية ،واتخاذ
الجزاء التأديبي ،والتي يأتي في مقدمتها ضرورة التحقيق اإلداري على النحو القانوني السليم وما
ينبثق عنه من ضمانات مرتبطة ،وذلك بما يبعث الطمأنينة لدى الموظف من حسن تصرف جهة
2
اإلدارة معه ،وعدم انحرافها عن جادة الحق والصواب تحقيقاً للعدالة التي ينشدها الجميع ،ويحقق
للقضاء اإلداري سلطته في مباشرة رقابة الجهات اإلدارية في هذا الصدد ورقابة المشروعية عامة.
األمر الذي يفرض علينا التعرض لضمانة التحقيق اإلداري ماهيته ،واجراءاته ،وضوابط صحته،
واألثار المترتبة عليه ،وما يرتبط به من ضمانات بشكل تفصيلي ،وبيان األثار المترتبة على
إهدارها ،وايضاح موقف القضاء اإلداري ،والسوابق القضائية الثابتة في هذا الشأن ،فضالً عن رأي
الفقه واتجاه الباحثة في كل ما سبق ،وتحديد النتائج وابراز التوصيات التي يمكن توجيهها للمشرع
مشكلة الدراسة:
تنطلق مشكلة الدراسة من طبيعة المساءلة التأديبية ذاتها باعتبارها ذا طابع عملي ملموس يخص
كافة الموظفين العموميين دون استثناء ،حيث تعد ضمانات المساءلة التأديبية وال سيما التحقيق
اإلداري أداة ُي قاوم بها الموظف شطط اإلدارة وتعسفها في إصدار ق ارراتها التأديبية وتوقيع الجزاء،
ولقد نص المشرع القطري في قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة 2016والئحته
التنفيذية على أهم هذه الضمانات ،ولم يتعرض باحث قانوني إلى تسليط الضوء على نصوص
هذا القانون أو الالئحة في هذا المجال ،بما يعكس أهمية هذه الضمانات بوجه عام ،والتحقيق
اإلداري بوجه خاص ،باعتباره أهم وأخطر هذه الضمانات على اإلطالق ،لما يتفرع عنه من
ضمانات فرعية وثيقة الصلة بجوهر التحقيق اإلداري ذاته سواء كانت ضمانات شكلية أو
موضوعية ،وما يتعلق بهما من إشكاليات عملية تفتقد إلى رأي المشرع .
وتشكل دراسة التحقيق اإلداري كأهم الضمانات التأديبية مجاالً خصباً للبحث والتنقيب في
القانون القطري ،إال أن مشكلة البحث تكمن وبحق في ندرة الكتابات والمؤلفات القطرية واألحكام
3
القضائية في دولة قطر ،إذ لم يتناول الموضوع إال أقالم محدودة جداً ،وكمجرد تعليقات فقط ال
ترتقي بأي حال إلى مستوى دراسة أكاديمية يعول عليها ،وذلك بعكس التجربة المصرية الرائدة،
حيث تبين كثرة وغ ازرة األبحاث والمؤلفات المصرية و األحكام القضائية في هذا الصدد على عكس
دولة قطر ،ولعل مرد ذلك يرجع للفترة الزمنية الطويلة التي قطعها القضاء اإلداري المصري نحو
تكريس مبادئ وأسس التأديب اإلداري عامة وليس فقط ما ينصب على التحقيق اإلداري ،وتلك
تجربة جديرة باالحترام عادت نتائجها باإلفادة على كافة األقطار العربية دون استثناء.
منهج الدراسة:
تقوم فرضية هذه الدراسة ومنهجها على المنهج الوصفي التحليلي المتعمق في قانون الموارد البشرية
المدنية القطري رقم ( )15لسنة 2016والئحته التنفيذية ،فضالً عن وأراء الفقه ،وأحكام القضاء
اإلداري ذات الصلة وال سيما الدوائر اإلدارية في قطر ،رغم قلة أحكامها في هذا الشأن ،مع إبداء
خطة الدراسة:
بناء على ما تقدم يمكننا تقسيم هذه الدراسة إلى فصلين أساسيين ،على أن يسبقهما مبحث تمهيدي
مقدمة :
4
الفصل الثاني :ضمانات الموظف في التحقيق اإلداري .
الخاتمة:
المراجع:
الفهرس:
5
مبحث تمهيدي
نتعرض من خالل هذا المبحث التمهيدي لمفهوم التحقيق اإلداري لغ ًة واصطالحاً لدى الفقه
والقضاء ،وبيان األهمية األساسية للتحقيق اإلداري في كشف الحقيقة قبل اتخاذ أو توقيع عقوبة
تأديبية على الموظف المخالف ،فضالً عن عناصر ومقومات التحقيق اإلداري ،وأساسه القانوني،
وذلك في مطلبين رئيسيين ،مفهوم التحقيق اإلداري وأهميته (مطلب أول) ،عناصر التحقيق
المطلب األول
الفرع األول
بداية تجدر اإلشارة في هذا المقام إلى ضرورة التعرض لبيان مفهوم التحقيق اإلداري لغ ًة
أ-التحقيق في اللغة:
()1
أحق األمر
تيقن وتأكد ،وحقيقة الشيء أصله ومنتهاه ،و ّ التحقيق في اللغة مأخوذ من كلمة حّقق
أحقه على
وصيره حقاً ال يشك فيه ،ويقال :حق األمر حقاً صح وثبت وصدق ،ويقالُ :
ّ أي أوجبه
جبران مسعود ،معجم الرائد (لغوي عصري) ،ط ، 2دار العلم للماليين ،بيروت ، 1967 ،ص .370 ()1
6
ِ ()2
أكده " ويقال :كالم محّقق أي محكم منظم،
عليه أي ثبت وحققه أي " ّ الحق أي غلبه وأثبته
والمعنى القريب للتحقيق في اللغة لما يستخدم حالياً هو التيقن من حقيقة األمر وثبوته بعد الشك.
ب-التحقيق في االصطالح:
()3
لم يتعرض قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة 2016أو الئحته التنفيذية
إلى وضع تعريف للتحقيق اإلداري ،بل اهتما بالنص على الضمانات التي يجب االلتزام بها في
هذه المرحلة الهامة من مراحل المساءلة التأديبية ،واكتفيا بإبراز المقومات األساسية للتحقيق ،وكذلك
العناصر التي يقوم عليها التحقيق ،وكيفية قيامه ،والتدليل على أهميته إلقرار المساءلة التأديبية
للموظف العام.
لذا تصدى الفقه والقضاء لتعريف التحقيق اإلداري ،حيث ظهرت محاوالت عديدة لتعريفه ،فعرفه
()4
بأنه إجراء شكلي يتخذ بعد وقوع المخالفة ،بقصد الكشف عن فاعلها ،أو التثبت بعض الفقه
من صحة إسنادها إلى فاعل معين ،فالهدف منه الوصول إلى الحقيقة واماطة اللثام عنها.
كما عرفه رأي بأنه " مجموعة من اإلجراءات التأديبية التي تتخذ وفقاً للشكل الذي تطلبه
القانون بمعرفة السلطة المختصة قانوناً ،وتهدف إلى البحث والتنقيب عن األدلة التي تفيد في كشف
الحقيقة وجمعها من أجل تحديد الواقعة المبلغ عنها ،واثبات حقيقتها ،وبيان ما إذا كانت تشكل
مخالفة تأديبية ،ومعرفة مرتكبها واقامة دليل على اتهامه أو سالمة موقفه " (.)5
المعجم الوسيط ،مجمع اللغة العربية ،الجزء األول ،دار المعارف ،مصر1400 ،ه ،ص.194 ()2
نشر هذا القانون بالجريدة الرسمية العدد ،13تاريخ النشر 2016/11/23 ،الموافق 1438/02/23هجري ،وصدر ()3
قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ( ) ٣٢لسنة ٢٠١٦بإصدار الالئحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية المدنية القطري .
د /عبد الفتاح عبد الحليم عبد البر ،الضمانات التأديبية في الوظيفة العامة ،رسالة دكتوراه ،بدون دار نشر ،حقوق ()4
7
()6
بأنه "وسيلة الستبيان الحقيقة ،في نسبة االتهام إلى المحال للتحقيق أو وعرفه رأي آخر
نفيه عنه ،وذلك من خالل مجموعة من اإلجراءات والضمانات التي أوجبها القانون واستقرت عليها
أحكام القضاء ،وهو أمر حتمي سابق على توقيع الجزاء ،الذي يبطل إذا وقع بدون تحقيق ،أو
بناء على تحقيق يفتقد مقوماته األساسية ،وان كان التحقيق الجنائي المستوفي األركان يكفي سنداً
لتوقيع العقوبة التأديبية ،إذا كانت الواقعة تشكل مخالفة تأديبية " .
وقد عرف القضاء اإلداري المصري التحقيق اإلداري بأنه "استجواب يتضمن أسئلة محددة
موجهة إلى العامل ،تفيد نسبة اتهام محدد إليه في عبارات صريحة ونظرية ،تمكنه من إبداء
دفاعه ،والرد على ما وجه إليه من اتهامات ،ويكون من شأنها إحاطته علماً بكل جوانب المخالفة
وفي حكم آخر أوضحت المحكمة اإلدارية العليا المصرية " أن التحقيق بصفة عامة يعني ،الفحص
والبحث والتقصي الموضوعي والمحايد والنزيه الستبانة وجه الحقيقة واستجالئها فيما يتعلق بصحة
(.)8
حدوث وقائع محددة ونسبتها إلى أشخاص محددين ،وذلك لوجه الحقيقة والصدق والعدالة "
د /عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،الموسوعة اإلدارية الشاملة في إلغاء القرار اإلداري وتأديب الموظف العام ،الجزء ()6
قررتها المحكمة اإلدارية العليا لعام 1989م ،ص ،976وكذلك حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم
( )1912لسنة 53ق ،جلسة 2009/6/27م .
8
وفي ذات الصدد قضت محكمة التمييز القطرية بأن التحقيق اإلداري مناطه ،تحري الحقيقة
الموجه للمخالِف مع تمتعه بضمانات أساسية لبث الطمأنينة فـي نفسه وتأمين عدالة
َّ فـي االتهام
الجزاء التأديبي(.)9
ومن خالل عرض تعاريف التحقيق سابقة الذكر يتضح أنها جميعاً تدور حول هدف محدد،
أال وهو كشف حقيقة معينة تتجسد في مدى صحة المخالفة التأديبية المنسوبة للموظف وثبوت
الواقعة في حقه ،أو نفيها عنه ،وذلك من خالل استجواب يتضمن أسئلة محددة موجهة إلى
الموظف ،وبحث أدلة االتهام وأوجه دفاع الموظف بشأنها ،بموضوعية وحيادية.
وفي ضوء ما سبق من تعريفات ،ترى الباحثة أن التحقيق يعتبر أهم الضمانات الجوهرية
التي تحمي الموظف من جور السلطة اإلدارية وتعسفها تجاه موظفيها .وترى الباحثة أن التحقيق
اإلداري :هو إجراء جوهري أوجبه المشرع بغية البحث والتقصي الموضوعي النزيه بشأن وقائع
معينة ،من خالل تمكين الموظف من الوقوف على أسباب المخالفة التأديبية المنسوبة إليه ،واتاحة
الفرصة له للدفاع عن نفسه ،وتوفير الضمانات القانونية لسالمة توقيع الجزاء ،إن ثبت ارتكابه
حكم محكمة التمييز القطرية ،تمييز مدني ،الطعن رقم ( ) 151لسنة ، 2013جلسة .2013 /11/ 19 ()9
9
الفرع الثاني
إن األهمية األساسية للتحقيق اإلداري تكمن في أنه يعد وسيلة لكشف الحقيقة ،والوقوف على صحة
الوقائع المنسوبة إلى الموظف ،قبل اتخاذ أو توقيع عقوبة تأديبية .وللتحقيق أهمية في الوقوف على
ماهية األفعال التي صدرت عن الموظف العام ،والتعرف على ظروفها ،والتأكد من حقيقة وقوعها،
(.)10
لتوقيع الجزاء المناسب على مرتكبها ،على أساس من اليقين والجزم ال الشك وال الظن
كما تبرز أهمية التحقيق اإلداري للموظف في جوانب مختلفة أهمها ،أن الموظف بحكم طبيعة
عمله قد يكون هدفاً للكيد والنكاية من جمهور المواطنين ،أو من الموظفين أصالً ،مما يحتم
األمر أن تترك له الفرصة الكافية إلثبات براءته ،ودرء ما وجه إليه من تهم ،بما يملكه من أدلة،
إذ إن التحقيق يهيئ فرصة كافية بما يستغرقه من إجراءات ؛ ألن يجمع الموظف شتات هذه األدلة،
ومن ثم ممارسة حقه في الدفاع( ،)11حيث يتمكن المتهم من تقديم أوجه دفاعه لتفنيد ما ينسب إليه
من مخالفات( . )12كما تكمن أهمية التحقيق للموظف كذلك حتى إن كانت النتيجة سلبية ،أي في
حالة فرض الجزاء عليه ،فعقوبة التوبيخ ليست كعقوبة العزل حتماً من حيث األثر المترتب على
كل منها ،إذ إن التحقيق يؤدي إلى كشف الحقيقة كاملة ،وصوالً إلى الموازنة الدقيقة بين المخالفة
التي يرتكبها الموظف والعقوبة التي يستحقها عن تلك المخالفة؛ ألن الترابط بين العقوبة والمخالفة
د /سامي الطوخي ،االتجاهات العالمية في التحقيقات اإلدارية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ، 2014 ،ص .33 ()10
د /عمرو فؤاد أحمد بركات ،السلطة التأديبية ،دراسة مقارنة ،مكتبة النهضة العربية ،القاهرة 1979 ،م ،ص 288 ()11
وما بعدها.
( )12د /فؤاد محمد موسى عبد الكريم ،أصول التحقيق اإلداري وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية ،دار النهضة العربية،
القاهرة 2010 ،م ،ص 12وما بعدها ،وكذلك انظر د /أحمد محمد حسن السليطي ،التحقيق مع الموظف العام في دولة
قطر ،دراسة مقارنة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ، 1998 ،ص .60
10
غير قائم في نطاق التأديب مثلما هو عليه الحال في القانون الجنائي( .)13ومن جهة أخرى يالحظ
أن التحقيق اإلداري يحقق نوعاً من الردع العام والردع الخاص على حد سواء؛ ألن مجرد اإلحالة
إلى التحقيق تجعل كل من تسول له نفسه ارتكاب مخالفة وظيفية معينة أن يفكر جيداً قبل ارتكابها.
يضاف إلى ما سبق ،فإن لجوء اإلدارة إلى إجراء التحقيق مع الموظف يعني أن اإلدارة
كفلت حق الموظف في أن يقاضي بشكل يجعله في منأى عن الظلم والتعسف ،فالتحقيق يجعل
اإلدارة تتصرف وفق معلومات صحيحة ودقيقة ،ويمكنها من الوقوف على مواطن الضعف والخلل
لمعالجتها وتالفيها مستقبالً ،أما القول بعكس ذلك ،فإنه يؤدي إلى فرض جزاءات تفتقر إلى الدقة
وقد تجانب العدالة ،مما يؤدي إلى عدم إنصاف الموظف وشعوره بالظلم الذي يقلل حتماً من أدائه
بالشكل الذي يكون عليه في حال شعوره باألمن والطمأنينة إلى حقوقه ،حتى وان كان مرتكب
لمخالفة تستوجب عقابه ،وهو ما ينعكس على سير المرافق العامة بانتظام واطراد .
وترى الباحثة أنه من األهمية بمكان اإلشارة إلى دور التحقيق وأهميته في اقتراح العقوبة المالئمة
في ضوء ما تسفر عنه نتائج التحقيق ،والتوصية بها ورفعها لمتخذ القرار.
د /ماهر عبد الهادي ،الشرعية اإلجرائية في التأديب ،الطبعة الثانية ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،1986 ،ص ()13
.25
11
المطلب الثاني
تتعدد عناصر ومقومات التحقيق اإلداري لتشمل في الواقع وجود مخالفة تأديبية معينة منسوبة إلى
الموظف ،يعقبها وجود قرار بإحالة الموظف إلى التحقيق اإلداري ،على أن تتولى مباشرته سلطة
قانونية مختصة بذلك ،مع إتاحة كافة الضمانات القانونية التي كفلها المشرع للموظف المحال إلى
الفرع األول
ترى الباحثة أنه يمكن إجمال عناصر التحقيق اإلداري األساسية فيما يلي:
أوالً :وجود مخالفة أو مخالفات معينة ،منسوبة إلى الموظف تشكل إخالالً بواجبات الوظيفة أو
محظوراتها طبقا للقوانين التي تحكم الوظيفة العامة والتي تم النص عليها في قانون الموارد
حيث ال تقوم المسؤولية التأديبية إال عندما يرتكب الموظف مخالفة تأديبية ،بإتيانه فعال أو
امتناعه عن القيام بعمل بالمخالفة ألحكام القانون ،فكل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها
في القانون ،أو يخرج على مقتضى واجبات الوظيفة يعاقب تأديبياً ،فالمخالفة التأديبية قوامها أفعال
تصدر عن الموظف تنطوي على المساس بالنزاهة والشرف ،وزعزعة للثقة واالحترام المفترض في
الوظيفة العامة ،وخروجاً عن واجباتها ونواهيها .وفي هذا الصدد ذهبت المحكمة اإلدارية العليا
12
()14
" من الضمانات الجوهرية التي حرص المصرية لوضع إطار هام للتحقيق حيث قضت بأن
المشرع على مراعاتها في التحقيق اإلداري إيقاف العامل على حقيقة التهمة المسندة إليه و إحاطته
علماً بمختلف األدلة التي تشير إلى ارتكابه المخالفة حتى يستطيع أن يدلي بأوجه دفاعه" .
وترى الباحثة في هذا الصدد أنه ينبغي أن تكون المخالفة التأديبية الموجهة إلى الموظف العام
واقعية ومحددة وواضحة ،وليست ظنية أو مفترضة ،على أن يسبق ذلك ضرورة وزن المخالفة
وتقديرها من قبل جهة اإلدارة ،مع ضرورة أن يشكل الفعل المنسوب إلى الموظف مخالفة تأديبية
يستحق معها إحالته للتحقيق اإلداري ،وللسلطة التقديرية في هذا الصدد دو اًر جوهرياً ال يخلو -
في اعتقادي -بأي حال عن خضوعه لمبدأ المشروعية ورقابة القضاء اإلداري.
ثانياً :وجود قرار بإحالة الموظف إلى التحقيق اإلداري صاد اًر عن جهة منحها القانون سلطة
اإلحالة ،على أن يجري التحقيق في الوقائع المنسوبة للموظف العام بواسطة الجهة المختصة
قانوناً بإجرائه ،فيلزم العتبار إجراءات التحقيق سليمة وصحيحة أن يعهد بإجرائه لسلطة أناطها
القانون بذلك وفي الشكل الذي حدده القانون .وبعبارة أخرى :يجب أن يكون قرار اإلحالة صاد اًر
عن جهة مختصة ،خولها القانون سلطة اإلحالة إلى التحقيق في الوقائع المنسوبة للموظف العام.
ثالثاً :وجود سلطة قانونية مختصة بمباشرة التحقيق مع الموظف ،إذ يلزم العتبار إجراءات
التحقيق سليمة وصحيحة أن يعهد بإجرائه لسلطة أناطها القانون بذلك ،والقانون القطري أسند تلك
المهمة للشؤون القانونية لجهة اإلدارة التابع لها الموظف ،وذلك بمقتضى نص المادة ( )83من
قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة 2016حيث نصت في فقرتها األولى على
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 2635لسنة 44ق ،جلسة . 2000/11/26 ()14
13
أنه " تتولى الشؤون القانونية أو أحد القانونيين بالجهة الحكومية التحقيق في المخالفات المنسوبة
إلى أي من موظفي الجهة وذلك بموافقة الرئيس أو الرئيس التنفيذي " .
والواضح من المادة سالفة الذكر أن المشرع القطري تطلب في القانون الحالي أن تتولى الشؤون
القانونية أو أحد القانونيين بالجهة الحكومية التحقيق في المخالفات المنسوبة إلى موظفي هذه
الجهة ،كما إنه لم يستلزم حتى تتولى الشؤون القانونية مباشرة التحقيق اإلداري في المخالفات
المنسوبة إلى الموظفين العموميين ،ضرورة أن يطلب الرئيس المباشر للموظف إحالته للتحقيق من
قبل السلطة الرئاسية ،وانما يكفي موافقة الرئيس أو الرئيس التنفيذي المتضمن اإلحالة للتحقيق.
رابعاً :إتاحة كافة الضمانات القانونية التي كفلها المشرع للموظف المحال إلى التحقيق قبل توقيع
الجزاء عليه سواء الضمانات الشكلية أو الموضوعية ،حيث ألزم المشرع جهة اإلدارة وكذلك الجهة
القضائية التي يمكن أن يحال إليها الموظف العام في حال ارتكب ذنباً تأديبياً إجراء تحقيق مع
الموظف مرتكب الذنب اإلداري رغبة من المشرع والقضاء في توفير الضمانات التي تكفل حماية
وفي هذا الشأن قضت محكمة التمييز القطرية " بأن المقرر أنه ال يكون التحقيق مستكمل
األركان صحيحاً من حيث محله وغايته ،إال إذا تناول الواقعة محل االتهام بالتحقيق الذي يحدد
عناصرها بوضوح ويقين من حيث األفعال والزمان والمكان واألشخاص وأدلة الثبوت " (. )15
حكم محكمة التمييز القطرية ،تمييز مدني ،الطعن رقم ( ) 113لسنة ، 2013جلسة .2013 /6/ 18 ()15
14
كما قضت المحكمة اإلدارية العليا المصرية بأنه " حيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة
أنه ينبغي إقامة الدعوى التأديبية بناء على تحقيق صحيح ومستكمل األركان حيث تتوافر فيه
الضمانات واألسس الجوهرية المقررة لمواجهة المتهم باالتهام المحدد في المكان والزمان.)16(.....
وبذلك يمكن القول إنه :لما كان التحقيق اإلداري يمثل أهم الضمانات األساسية أو الجوهرية التي
تحمي الموظف من تعسف الرؤساء ،وفرض رقابة عليهم تضمن عدم انحرافهم عن جادة الصواب
في الوصول إلى حقيقة األمر ،وليس وسيلة لالنتقام واإليذاء من قبل الرؤساء اإلداريين تجاه
موظفيهم ،فإنه بمجرد توافر عناصر التحقيق سالفة الذكر والتي تعد وبحق مقومات جوهرية لصحة
التحقيق اإلداري إذا تحققت ،ومن ثم يصبح التحقيق صحيحاً ،وذلك على فرض توافر الضمانات
الفرع الثاني
يعد النص القانوني الوارد في المادة ( )84من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ()15
لسنة 2016األساس القانوني للتحقيق اإلداري وال سيما في المجال التأديبي والتي نصت على أنه
" ال يجوز توقيع أي جزاء تأديبي على الموظف إال بعد التحقيق معه كتاب ًة وسماع أقواله وتحقيق
أوجه دفاعه ،وذلك على النحو الذي تبينه الالئحة التنفيذية لهذا القانون ويجب أن يكون القرار
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 3207لسنة ،48جلسة .2005/1/15 ()16
15
وقد أسند القانون القطري تلك المهمة للشؤون القانونية للجهة اإلدارية أو أحد القانونيين بها،
وذلك بمقتضى نص المادة ( )83من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة
2016حيث نصت في فقرتها األولى على أنه " تتولى الشؤون القانونية ،أو أحد القانونيين ،بالجهة
الحكومية التحقيق في المخالفات المنسوبة إلى أي من موظفي الجهة وذلك بموافقة الرئيس أو
الرئيس التنفيذي" .والواضح من المادة سالفة الذكر أن المشرع القطري استلزم حتى تتولى الشؤون
القانونية مباشرة التحقيق اإلداري في المخالفات المنسوبة إلى الموظفين العموميين ،ضرورة أن
يقرر الرئيس (الوزير) أو الرئيس التنفيذي (وكيل الو ازرة) اإلحالة للتحقيق .كما نصت المادة ()39
من الدستور القطري على أن " المتهم بريء حتى تثبت إدانته أمام القضاء في محاكمة توفر له
فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع" .ومما ال شك فيه أن التحقيق اإلداري كضمانه
لتوقيع العقوبة التأديبية في القانون القطري يستغرقه بالضرورة ممارسة الموظف المتهم لحق الدفاع.
16
الفصل األول
تمهيد وتقسيم:
المشرع القطري في قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة 2016والئحته التنفيذية،
وتطلب ضرورة مباشراتها واتخاذها وفقاً لشكلية وضوابط معينة من قبل ذوي اختصاص محدد
قانوناً ،وتهدف جميعها إلى البحث والتنقيب عن األدلة التي تفيد في كشف الحقيقة ومالبسات
الواقعة بموضوعية وحيادية ،وبيان ما إذا كانت تشكل بالفعل مخالفة تأديبية أم ال ،فضالً عن
وتعد اإلحالة إلى التحقيق وبحق من الشكليات الجوهرية التي تطلبها المشرع القطري ،
باعتبار أنها تمثل أول هذه اإلجراءات كضمانة للموظف المخالف ،حتى ال يفاجأ بدون مقدمات
أنه بصدد تحقيق دون أي استعداد له ،واإلحالة إلى التحقيق تكون بموجب قرار إداري يصدر من
صاحب االختصاص في الجهة اإلدارية وفقاً لما نص عليه المشرع ،األمر الذي يتطلب بيان مفهوم
اإلحالة إلى التحقيق اإلداري ،والسلطة المختصة باإلحالة ،ومدى إمكانية الطعن في قرار اإلحالة
إلى التحقيق ،وما هي األسباب التي تدعوا إليها ،فضالً عن ضرورة التعرض لوقف الموظف
احتياطياً عن العمل ،وأثار ذلك الوقف باعتباره من أهم اإلجراءات االحتياطية تجاه الموظف
المحال للتحقيق ،كإبعاده عن العمل ،وأثره بالنسبة للراتب أو الترقية أو االستقالة هذا من جانب.
ومن جانب أخر ،التعرض إلجراءات مباشرة التحقيق اإلداري في حد ذاته تجاه الموظف .وبناء
على ما تقدم ،يمكننا تناول هذا الفصل من خالل مبحثين أساسيين ،إجراءات التحقيق اإلداري
(مبحث أول) ،ومباشرة التحقيق تجاه الموظف (مبحث ثان) وذلك على النحو التالي:
17
المبحث األول
تمهيد:
المقصود بإجراءات التحقيق اإلداري ،تلك التي تباشرها الجهة اإلدارية فيما يتعلق بالتحقيق بداية
من السلطة صاحبة االختصاص باإلحالة إلى التحقيق اإلداري ،وما يعقبها من أي إجراء يتخذ
من الجهة اإلدارية ،بحثاً عن الحقيقة ،كاإلجراءات االحتياطية تجاه الموظف المحال للتحقيق ،
ويمكننا تناول هذا المبحث من خالل أربعة مطالب رئيسية ،ماهية اإلحالة إلى التحقيق اإلداري
(مطلب أول) ،السلطة المختصة باإلحالة إلى التحقيق اإلداري (مطلب ثان) ،أسباب اإلحالة إلى
التحقيق (مطلب ثالث) ،ثم اإلجراءات االحتياطية تجاه الموظف المحال للتحقيق (مطلب رابع)،
المطلب األول
تعد اإلحالة إلى التحقيق أول مراحل التأديب؛ لذلك فإن تحديد السلطة المختصة بإحالة الموظف
إلى التحقيق على نحو واضح وصريح يمثل ضمانة هامة للموظف المحال إلى التحقيق(.)17
وقد عرف بعض الفقه اإلحالة إلى التحقيق بأنها ،وسيلة إجرائية يقصد بها البدء في إجراءات
اللواء /محمد ماجد ياقوت ،أصول التحقيق اإلداري في المخالفات التأديبية ،دراسة مقارنة ،ط ، 3دار الجامعة ()17
اإلداري مع الموظف المنسوب إليه المخالفة أو الجريمة التأديبية ،بهدف الكشف عن الحقيقة
والتثبت من صحة إسناد الواقعة إليه أو تبرئته منها .ويتعين اتخاذ جانب الحرص في اإلحالة إلى
التحقيق حتى ال يكون التحقيق قائماً على شبهة أو مبنياً على كيد أو نكاية( ،)19كما ينبغي في
نفس الوقت عدم اإلهمال والتهاون في اإلحالة إلى التحقيق ،إذ إن ذلك يؤدي إلى التسيب وسوء
اإلدارة( ،)20ولذلك فإنه يتعين وضع السلطة في اتخاذ قرار اإلحالة إلى التحقيق في يد مستوى
قيادي مناسب ،حتى يمكنه وزن تلك األمور واتخاذ القرار المالئم بشأنها.
وترى الباحثة أنه ومع الرغم من هذا التدبير األخير فيما يتعلق بأن يعهد بسلطة اتخاذ قرار
اإلحالة إلى التحقيق لمستوى قيادي مناسب يزن األمور بموضوعية وتجرد وحيادية ،وليس مجرد
قلم يصدق أو يوقع على أي طلب مقدم إليه من رئيس تجاه مرؤوسه يطلب فيه إحالته إلى التحقيق
اإلداري ،باعتبار وجود مخالفة للقوانين واللوائح والق اررات والنظم المعمول بها ،دون بيان واف
بماهية هذه الواقعة وتحديدها ،ومن ثم ،فعليه أن يباشر عمله بفاعلية منتجة ،والتحقق المبدئي
ولو ظاهرياً من الواقعة محل المخالفة ،استنادا إلى السلطة التقديرية المخولة إليه في هذا الشأن.
فكثي اًر ما تكون الواقعة أو المخالفة قليلة األهمية ،هينة األثر ،وال سيما إذا لم يترتب عليها ضر اً
ار
سواء بمصلحة العمل أو الغير ،ومع ذلك يصدر قرار اإلحالة للتحقيق ،في الوقت الذي كان أجدر
فيه على جهة اإلدارة العدول ،فليس بخاف أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
د /سليمان محمد الطماوي ،القضاء اإلداري ،قضاء التأديب ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،1987 ،ص 599وما ()19
بعدها.
د /ماهر عبد الهادي ،الشرعية اإلجرائية في التأديب ،مرجع سابق ،ص . 240 ()20
19
كما أن الحقيقة أنه بمجرد علم الموظف بقرار اإلحالة إلى التحقيق حتى وان كان على يقين
من براءته ،أن يحدث ذلك اضطرابا نفسياً لدى الموظف وخلل في أدائه لواجباته الوظيفية على
النحو المعهود لديه بكفاه ودقة وأمانه ،بل قد يؤدي ذلك إلى شعور الموظف بالدونية ونظرة الشك
من قبل زمالئه إليه ،باعتباره فاقد للثقة المفترضة فيه تجاه الوظيفة التي يشغلها.
المطلب الثاني
لم يسلك المشرع القطري في تحديد الجهة المختصة باإلحالة للتحقيق مسلكاً واضحاً وصريحاً ،إذا
ارتكب الموظف أياً من المخالفات اإلدارية المعاقب عليها بإحدى العقوبات المشار إليها في المواد
،من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة، 2016 ()21
()102،93 ،89 ،85
حيث أكتفي المشرع لمباشرة التحقيق فعلياً مع الموظف موافقة الرئيس أو الرئيس التنفيذي ،دون
التعرض الصريح للسلطة التي تملك قرار اإلحالة في ذاته ،وليس األثر المترتب على هذا القرار،
()21
تشمل هذه المواد العقوبات التي توقع على الموظف العام وهي موزعة حسب درجته الوظيفية
والتي يملكها الرئيس التنفيذي وفقاً للمادة ( )85والهيئة التأديبية وفقاً للمادة ( ،)89والمجلس الدائم
للتأديب وفقاً للمادة ( ، )93وحالة التحقيق بعد انتهاء الخدمة – ماعدا حالة الوفاة -وفقاً للمادة
( )103من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة 2016م.
20
ويتضح ذلك من خالل نص الفقرة األولى من المادة ( )83من القانون سالف الذكر التي
تنص على أنه" تتولى الشؤون القانونية ،أو أحد القانونيين ،بالجهة الحكومية التحقيق في المخالفات
والمستفاد من النص المتقدم ،وما تعتقد الباحثة بصحته على أي حال ،أن قرار اإلحالة إلى
األول :أن يرفع الرئيس المباشر للموظف مذكره يقترح فيها إحالته للتحقيق ،والغالب أنه "يطلب"
اإلحالة للتحقيق وليس "اقتراحها" ،على الرغم من اختالف المعنى المقصود من كل كلمة.
الثاني :أن يوافق الرئيس (الوزير) ،أو الرئيس التنفيذي (وكيل الو ازرة) على مقترح اإلحالة للتحقيق.
والحقيقة أن قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة ، 2016أو حتى الئحته التنفيذية
لم يبينا اإلجراءات المتبعة من قبل الرئيس المباشر للموظف في هذا الشأن ،أو حتى درجته
الوظيفة ،هل يكفي أن يكون بدرجة رئيس قسم أم مدير إدارة ،أم مساعد وكيل و ازرة؟ والى من
ترفع هذه المذكرة ،هل إلى الرئيس؟ أو الرئيس التنفيذي على حسب الدرجة الوظيفية للموظف
المنسوب إليه المخالفة؟ أم ترفع للرئيس األعلى من الرئيس المباشر وبدوره يرفعها هذا األخير إلى
وازاء خلو القانون والئحته من تنظيم لهذا األمر ،تقترح الباحثة أن يأتي االقتراح باإلحالة إلى
التحقيق وبنص صريح من مدير اإلدارة التي يتبعها الموظف المنسوب إليه المخالفة بعد التصديق
عليها من مساعد وكيل الو ازرة كضمانة للموظف على أن الواقعة تشكل في الغالب مخالفة تأديبية،
ثم اعتمادها بالموافقة من الرئيس(الوزير) ،أو الرئيس التنفيذي (وكيل الو ازرة) على حسب الحال.
21
وايذاء نص المادة ( )83سابق اإلشارة إليه ،يكون باطالً إصدار أمر اإلحالة بالمخالفة لما نص
عليه من غير الوزير ووكيل الو ازرة ،ومثال ذلك أن يصدر أمر إحالة ممن لم ينص عليهم هذا
لذا ترى الباحثة أنه يجب أال يترك أمر السلطة المختصة باإلحالة إلى التحقيق فرطاً يمارسها
كل من القيادات اإلدارية األدنى من الوزير ووكيل الو ازرة ،ومن ثم فإنه ال يجوز لغير من أنيط بهم
اختصاص اإلحالة للتحقيق مباشرة هذا اإلجراء .وكذلك تعتقد الباحثة أن يمتد البطالن إذا صدر
أمر اإلحالة للتحقيق من سلطة أدنى ،كأن يصدر أمر اإلحالة للتحقيق من الوكيل بالنسبة للوظائف
أما إذا حدث العكس وصدر أمر اإلحالة للتحقيق من الوزير لشاغلي الوظائف غير العليا في حالة
ال يسلم من الناحية القانونية من كل نقد ،إذ إن ارتفاع المركز الوظيفي للوزير ال يسوغ الجور على
أن هذا النقد في غير محله؛ ألن الوزير له سلطة أصيلة في عقاب ()23
وهناك من يرى
الموظفين الذين يملك وكيل الو ازرة إحالتهم إلى التحقيق الذي هو مجرد إجراء تمهيدي لممارسة
سلطة التأديب .وترى الباحثة في هذا الصدد تأييد الرأي القائل بأن ارتفاع المركز الوظيفي للوزير
ال يسوغ الجور على اختصاص محدد بصريح النص إلى من دونه مرتبة ،ليس فقط لهذا السبب،
د /عبد الفتاح حسن ،التأديب في الوظيفة العامة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ، 1964 ،ص .147 ()22
د /سليمان محمد الطماوي ،القضاء اإلداري ،قضاء التأديب ،مرجع سابق ،ص . 466 ()23
22
وانما فضالً عن ذلك إنه إذا ما أجيز للوزير ذلك فأنه قد يكون جمع في أن واحد بين سلطة االتهام
والتأديب وفي ذلك إهدار لضمانة جوهرية للموظف تمليها قواعد العدالة والمبادئ القانونية العامة.
فضالً عن أن اإلحالة التي تتم من الوزير تهدر قواعد االختصاص ،وتصبح بمثابة العدم والنصوص
وضعت لكي تعمل ال لتهمل ،كما أن تعدد جهات اإلحالة فيه تقليل ألهمية ضمانة مهمة وهي
وذلك على الرغم من أن الوضع في القانون القطري أن المشرع لم يقيد قرار اإلحالة الصادر
من الوزير أو وكيل الو ازرة بطائفة معينة من الموظفين مصنفة حسب درجاتهم ،وان كان األولى
أن يتم ذلك لتحديد نطاق سلطة كل من الوزير والرئيس التنفيذي فيما يتعلق بأمر اإلحالة.
ويثار التساؤل عن السلطة المختصة باإلحالة إلى التحقيق اإلداري في حالة النقل والندب واإلعارة؟
الفرع األول
يعرف بعض الفقه المصري ()25النقل بأنه ،قرار يتم بإفصاح اإلدارة عن إرادتها بما لها من سلطة
بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين ،وهي الوالية الوظيفية للعامل في دائرة
األستاذ /أحمد محمود أحمد الربيعي ،التحقيق اإلداري في الوظيفة العامة ،دراسة مقارنة ،دار الكتب القانونية ، ()24
شاغرة ،غالباً ما تكون من نفس النوع والدرجة في إدارة أخرى ،سواء كانت هذه األخيرة في ذات
الجهة التي يعمل بها الموظف (النقل الداخلي) أو جهة أخرى (النقل الخارجي).
وقد عرفته المحكمة اإلدارية العليا المصرية بأنه "إفصاح عن إرادة اإلدارة الملزمة بقصد إحداث
أثر قانوني معين هو انتهاء واليته الوظيفية في دائرة الجهة أو في الوظيفة المنقول منها ،واسناد
اختصاصات الوظيفة العامة إليه في دائرة الجهة الوظيفية المنقول إليها " (.)26
ويستفاد من نص المادة ( ) 51من قانون الموارد البشرية المدنية القطري على جواز النقل من
والحكمة من النقل هي إتاحة المجال لإلدارة حتى تصرف أمورها لمواجهة احتياطات العمل في
مختلف الدوائر والوحدات التابعة لها ،وحتى تستطيع معالجة أو سد النقص في األيدي العاملة،
واالستفادة من خبرة الموظفين عن طريق نقلهم إلى الجهات التي تحتاج إلى خبرة ،وسلطة اإلدارة
في النقل هي سلطة مشروعة ال غبار عليها ،وهي أداة من األدوات المقررة لإلدارة لتحقيق متطلبات
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 511لسنة 3ق عليا ،قاعدة رقم ،83جلسة 1958/2/15م. ()26
المادة ( ) 51من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة ، 2016والتي جري نصها على أنه" مع ()27
مراعاة أحكام دليل وصف وتصنيف وترتيب الوظائف العامة ،يجوز نقل الموظف من جهة حكومية إلى أخرى تحقيقاً للمصلحة
العامة ،بشرط موافقة الرئيسين المختصين ،ويكون النقل من وظيفة إلى أخرى داخل الجهة الحكومية بقرار من الرئيس".
24
العمل( .)28وتجدر اإلشارة إنه طبقاً للقانون القطري ال يجوز نقل الموظف إال على وظيفة شاغرة
ويتنوع النقل أنواعاً متعددة ،إما أن يكون بناء على طلب العامل ،أو بناء على تقدير جهة
اإلدارة ،واما أن يكون لتحقيق مصلحة العمل ،أو لتوقيع عقوبة تأديبية على الموظف ،أو إما أن
يكون النقل مكاني أو نوعي ،والنقل المكاني إما أن يكون داخلياً أو خارجياً .
أما اإلعارة فقد عرفها بعض الفقه المصري بأنها ،استغناء للصالح العام من إحدى وحدات الجهاز
اإلداري للدولة من أحد الموظفين تلبية لطلب إحدى الجهات العامة أو الخاصة في الداخل أو
الخارج(.)30
والندب إذا كان ال يقع إال إلى جهة حكومية أخرى ،فإن اإلعارة قد تكون لجهة حكومية أو خاصة.
وقد وضعت المادة ( )56من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة 2016ضوابط
اإلعارة ،حيث يشترط موافقة الموظف نفسه ،فضالً عن قرار إداري باإلعارة من الرئيس ،وأن تكون
د /نعيم عطية ،موانع الترقية ،مجلة إدارة قضايا الحكومة ،الدور الثالث ،السنة ، 15سنة 1971م ،القاهرة ،ص ()28
. 662
المادة ( )52من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة ،2016والتي نصت على أنه " ال يجوز نقل ()29
الموظف إال على وظيفة شاغرة بذات درجته وتتوافر فيه شروط شغلها ،وال يترتب على النقل المساس بالحقوق التي يتمتع
بها الموظف وقت نقله ،عدا ما كان مرتبطاً بطبيعة العمل ".
د /محمد أنس جعفر ،الوظيفة العامة ،دار النهضة العربية ،القاهرة 2007م ،ص .203 ()30
المادة ( ) 56من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة ،2016التي تنص على أنه " يجوز بقرار من ()31
الرئيس إعارة الموظف ،بعد موافقته ،إلى أي من الجهات الحكومية األخرى أو الشركات التي تساهم فيها الدولة ،أو
المؤسسات الرياضية والمؤسسات الخاصة ذات النفع العام ،والجمعيات وما في حكمها ،أو الشركات التي تطرح أسهمها
لالكتتاب العام ،وذلك لمدة سنة قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة ،وبحد أقصى ست سنوات.
ويجوز إعارة الموظف من الشركات والمؤسسات والجمعيات المشار إليها في الفقرة السابقة إلى الجهات الحكومية بشرط
حصول الجهة الحكومية على موافقة رئيس مجلس الوزراء على اإلعارة".
25
وتنفيذاً ألحكام المادة ( )59من القانون سالف الذكر ،وضعت الالئحة التنفيذية لهذا القانون
القواعد واألحكام التفصيلية للنقل أو الندب أو اإلعارة ،وال داعي للحديث عنها لخروجها عن نطاق
البحث .وال يثير النقل الداخلي ثمة أي إشكالية ،وذلك بطبيعة الحال مرده إلى عدم تغيير النظام
التأديبي داخل الجهة الواحدة ،ولكن تثار المشكلة في حالة النقل الخارجي ،وهنا يجب التفرقة بين
فرضين:
الفرض األول :وحدة النظام التأديبي بين الجهة المنقول أو المعار منها والجهة المنقول أو
المعار إليها:
لم يتطرق المشرع القطري لبحث هذا األمر وتنظيمه ،سواء في القانون أو حتى الالئحة التنفيذية،
وفي هذا الصدد ترى الباحثة أنه وبحكم اللزوم العقلي والمنطقي يجب في هذه الحالة أن تكون
الجهة المختصة باإلحالة إلى التحقيق هي تلك الجهة التي وقعت فيها المخالفة التأديبية ،فإذا كانت
المخالفة التي ارتكبت وقعت قبل النقل أو اإلعارة يظل االختصاص باإلحالة إلى التحقيق للجهة
المنقول أو المعار منها ،أما إذا ارتكب الموظف المخالفة بعد تنفيذ قرار النقل فيكون االختصاص
ويرى رأي في الفقه أنه إذا كانت المخالفة التأديبية التي ارتكبها الموظف المنقول تتعلق بتنفيذ قرار
النقل بحيث امتنع العامل عن تنفيذ قرار النقل أو اإلعارة ،فإن االختصاص ينعقد في هذه الحالة
للجهة المنقول إليها وليس للجهة المنقول منها؛ ألن والية هذه الجهة األخيرة قد انتهت في اإلشراف
والرقابة عليه؛ وألن العامل يعتبر تابعاً للجهة المنقول إليها بحكم نقله إليها(.)32
د /شريف يوسف خاطر ،الوظيفة العامة ،دراسة مقارنة ،دار الفكر والقانون ،المنصورة ،2011 ،ص .61 ()32
26
وترى الباحثة أنه برغم وجاهة هذا الرأي إال أننا ال نسلم بصحته وذلك ألن تنفيذ قرار النقل يتطلب
األولى :إجراء الموظف المنقول إلخالء طرفه مالياً وادارياً لدى الجهة المنقول منها ،فإذا لم يقم
بهذا اإلجراء يكون مقص اًر في تنفيذ قرار النقل ،طالما كان السبب يرجع إليه شخصياً ،كتعنته مثالً
مما يستوجب مآخذته تأديبياً وذلك بإحالته للتحقيق اإلداري من ذات الجهة واليها.
الثانية :انتهاء الموظف المنقول من إجراء إخالء طرفه مالياً وادارياً لدى الجهة المنقول منها ،وعدم
انتقاله فعلياً للجهة المنقول إليها لمباشرة مهام وواجبات وظيفته ،دون أن يبدي أعذا اًر أو مبررات،
أو كانت أعذاره ومبرراته غير مقبولة ،فهنا يستوجب مآخذته تأديبياً ،وذلك بإحالته للتحقيق اإلداري
وفي هذا الصدد قضت المحكمة اإلدارية العليا المصرية بأن " يقع ناج اًز أثر النقل سواء أكان
مكانياً أو نوعياً بصدور القرار القاضي به وابالغه إلى صاحب الشأن ما لم يكن مرجأ تنفيذه
فيتراخى هذا األثر إلى التاريخ المعين للتنفيذ ،ومتى تحقق األثر الناجز أو حلول األجل المحدد
انقطعت تبعية الموظف للجهة اإلدارية المنقول منها وزالت اختصاصات الوظيفة التي كان متولياً
عملها ،وانتقلت تبعيته إلى الجهة اإلدارية وتولد له مركز قانوني في الوظيفة الجديدة ،ووجب
عليه تنفيذ األمر الصادر بنقله إذا لم يكن في أجازه مرضية أو اعتيادية عند صدور هذا األمر ،
فإذا تخلف الموظف عن تنفيذ النقل في مواعيده أو امتنع عن ذلك فإنه بذلك يرتكب مخالفة إدارية
ال في حق الجهة اإلدارية التي نقل منها والتي ال يمكن أن تعود صلته بها إال بإلغاء قرار نقله ،
27
بل في حق الجهة الجديدة التي أصبح يدين لها بالتبعية بحكم نقله إليها ،ولو قعد عن تنفيذ هذا
()33
. النقل فهي الجهة التي تملك محاسبته على هذا الفعل السلبي "
الفرض الثاني :اختالف النظام التأديبي بين الجهة المنقول أو المعار منها عن النظام التأديبي
في هذه الحالة فإن الجهة المختصة باإلحالة إلى التحقيق هي الجهة التي نقل أو أعير إليها
وفي هذا الصدد قضت المحكمة اإلدارية العليا المصرية بأن" توقيع الجزاء التأديبي في
النصاب المقرر للسلطة الرئاسية يدخل في اختصاص الجهة اإلدارية التي وقعت فيها المخالفة
والتي كان العامل يتبعها وقت ارتكابها ،وال يغير من هذه القاعدة نقل العامل إلى جهة أخرى بعد
ذلك ،يستثنى من ذلك أن يكون العامل قد نقل إلى جهة يختلف نظام التأديب فيها عنه في الجهة
()34
. المنقول منها فينعقد االختصاص في هذه الحالة األخيرة للجهة المنقول إليها "
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 511لسنة 3ق عليا ،قاعدة رقم ، 83جلسة 1958/2/15م. ()33
المستشار د /محمد ماهر أبو العينين ،قضاء التأديب في الوظيفة العامة ،الكتاب األول ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،
، 2017ص . 41
( )34حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( )319لسنة 37ق ،جلسة 1991/12/28م ،المستشار الدكتور/
محمد ماهر أبو العينين ،قضاء التأديب في الوظيفة العامة والدفوع التأديبية ،مرجع سابق ،ص . 501
28
الفرع الثاني
يقصد بالندب تكليف الموظف بالقيام بمهام وواجبات وظيفة أخرى في نفس مستوى وظيفته ،أو في
وهذا ما قررته المادة ( )53من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة 2016
م بنصها على أنه " يجوز بقرار من الرئيس ندب الموظف للقيام مؤقتاً بأعباء وظيفية أخرى في
الجهة الحكومية التي يعمل بها من ذات درجة وظيفته أو من درجة تعلوها مباشرة " ويظل الموظف
محتفظاً بوظيفته األصلية ويتقاضى راتبه منها وعالواته وترقياته ...الخ .حيث نصت المادة سالفة
الذكر على أنه " ويجوز أن يكون الندب باإلضافة إلى عمله األصلي "
والندب عادة يكون لفترة محدودة ،حددتها المادة السابقة بنصها على أنه " ويكون الندب لمده
ال تجاوز سنة قابلة للتجديد لمده أو مدد أخرى مماثلة ،وبحد أقصى ثالث سنوات وال يستحق
الموظف بدل عن هذا الندب " .وقد قرر المشرع القطري في المادة ( )68من الالئحة التنفيذية
لقانون الموارد البشرية المدنية الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم ( )32لسنة " 2016يكون الموظف
المنتدب خاضعاً إدارياً للجهة المنتدب إليها ،من حيث اإلشراف والتوجيه والتأديب ،فيما يتعلق
ومعنى ذلك أنه إذا كانت المخالفة التأديبية تتصل بمقتضيات الوظيفة األساسية وواجباتها غير
المتعلقة بالندب – بمفهوم المخالفة – فإنها تخضع لجهة عمل الموظف األصلية المنتدب منها.
29
الفرع الثالث
يذهب بعض الفقه ( )35إلى أن قرار اإلحالة إلى التحقيق يعد ق ار اًر إدارياً ،ومن ثم يمكن الطعن عليه
استقالالً عن القرار الصادر من السلطة التأديبية ،وكانت حجته في ذلك أن اإلحالة إلى التحقيق
اء تمهيدياً ،إال أن من شأنها إحداث أثر قانوني هو وضع الموظف في مركز
وان كانت تعد إجر ً
قانوني ينسحب عليه ما يرتبه القانون على هذه اإلحالة من آثار ،فقرار اإلحالة إلى التحقيق يتولد
عنه وبذاته آثار قانونية منها (وضع الموظف في مركز قانوني ال يسمح له باالستقالة حكماً
ذكرها المترتبة على هذا القرار ،فإن اإلحالة إلى التحقيق قد ال تستند أحياناً على وقائع مؤكدة ،
بل على مجرد شكاوى مجهلة قد تمس سمعة الموظف ،ولن يمحو ما مس سمعة الموظف صدور
قرار بحفظ التحقيق أو صدور حكم بإلغائه ؛ ألن كل ما قيل ومس سمعته قد انتشر بين زمالئه ،
بينما قرار الحفظ أو اإللغاء يصدر بعد فترة طويلة من صدور قرار اإلحالة ،وهو ما يحتم نظر
وترى الباحثة أنه وعلى الرغم من وجاهة الرأي المتقدم الذي يرى أن قرار اإلحالة إلى التحقيق
يعد ق ار اًر إدارياً ومن ثم يمكن الطعن عليه استقالالً عن القرار الصادر من السلطة التأديبية ،إال
د /عصمت عبد هللا الشيخ ،اإلحالة إلى التحقيق في النظام التأديبي الوظيفي ،مرجع سابق ،ص . 133 ()35
د /أماني زين بدر فراج ،النظام القانوني لتأديب الموظف العام في بعض الدول العربية واألوربية ،دراسة مقارنة ،دار ()36
الفكر والقانون ،المنصورة 2010 ،م ،ص ، 610وكذلك يشاطر هذا الرأي د/سعد الشتيوي ،التحقيق اإلداري في نطاق
الوظيفة العامة ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية ، 2013 ،ص . 33
30
أن هذا الرأي ال يمكن التعويل عليه ؛ ألن القرار اإلداري يجب أن يتصف بالنهائية حتى يمكن
الطعن عليه ،وقرار اإلحالة إلى التحقيق لم يصل إلى هذه الدرجة بعد ،بل مجرد ق ار اًر تمهيدياً ،
والقول بأنه يؤدي إلى وضع الموظف في مرك اًز قانونياً ال يسمح له باالستقالة حكماً وامكانية وقفه
عن العمل ،يمكن الرد عليه بأن هذه األثار مؤقتة بطبيعتها ومصيرها مرتبط بنتيجة التصرف في
التحقيق ومألها إلى الزوال في حالة ثبوت براءة الموظف ،فهذه المراكز غير مستقرة في حقيقتها،
المطلب الثالث
يعد النظام التأديبي األداة التشريعية لحماية كيان الوظيفة العامة والمحافظة عليها ،ومنع ما من
شأنه اإلخالل بكرامتها أو العبث بها ،بغية إصالح وتقويم السلوك اإلداري لدى الموظف العام الذي
ينحرف عن جادة الصواب ،وذلك من خالل توقيع الجزاء التأديبي للردع الخاص الداخلي لدى
الموظف ،فباإلضافة إلى منع الموظف من العودة إلى ارتكاب الخطأ التأديبي مرة أخرى ،وتحقيق
الردع العام لباقي الموظفين ومن ثم بث الطمأنينة في الوظيفة العامة من خالل إقامة العدالة
الوظيفية.
والجدير بالذكر أن أسباب اإلحالة للتحقيق ال تخضع لمبدأ ،ال عقوبة وال جريمة إال بنص ،وانما
تخضع لمبدأ المشروعية ،الذي يترك لجهة اإلدارة تحديد األفعال التي تعتبر أخطاء تأديبية في
إطار ما تفرضه طبيعة المرفق العام ،وضرورة سيره بانتظام واطراد دائمين.
31
وكقاعدة عامة يعد اختيار العقوبة من قبيل السلطة التقديرية تمارسها اإلدارة في حدود الضوابط
والواجبات المفروضة على الموظفين عديدة ومتنوعة ،وهي ال تقتصر في الواقع على ما تتضمنه
قوانين التوظف المختلفة منها ،إذ ال يعدو ذلك أن يكون مجرد توجيه عام يستهدي به في تحديد
فاألصل العام – في هذا الشأن – يقوم على رسم خط عريض لواجبات الموظفين العامة،
يستهدى به كل من الموظف وسلطة التأديب وجهة القضاء التي تتولى التعقيب على الق اررات
()38
. واألحكام التأديبية عند مباشرة اختصاصاتها
لذا فإن النصوص القانونية الواردة في المادتين ( )80( ،)79من قانون الموارد البشرية المدنية
القطري رقم ( ) 15لسنة 2016والتي تشكل الواجبات الوظيفية واألعمال المحظورة كأساس
للمساء لة التأديبية أوردها المشرع على سبيل المثال ال الحصر ،حيث ال يمكن لها بأي حال من
األحوال أن تعالج جميع صور اإلخالل بالواجبات الوظيفية ،لذا تركت لجهة اإلدارة سلطة تقديرية
وفي ضوء ما تقدم يمكننا تناول هذا المطلب في فرعين أساسيين ،الخروج عن الواجبات
الوظيفية (فرع أول) ،واالتيان بأعمال محظورة (فرع ثان) ،وذلك على النحو التالي:
د /فهمي عزت ،سلطة التأديب بين اإلدارة والقضاء ،دراسة مقارنة ،علم الكتب ،القاهرة ،1980 ،ص . 74 ()37
د /سليمان محمد الطماوي ،القضاء اإلداري ،قضاء التأديب ،مرجع سابق ،ص .121 ()38
32
الفرع األول
سبقت اإلشارة إلى أن الواجبات المفروضة على الموظفين عديدة ومتنوعة ،وهي ال تقتصر في
الواقع على ما تتضمنه نص المادة ( )79من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15
أوالً :االلتزام بأحكام القوانين واللوائح والق اررات والنظم المعمول بها والعمل على تطبيقها:
يتعين على الموظف العام أن يلتزم بكافة القوانين والق اررات واللوائح والنظم المعمول بها في الدولة،
حيث إن كل نشاط الموظف محكوم بالقوانين ،وأي عمل مخالف للقانون يعتبر غير مشروع و
باطل ،وال يشفع في حال اخالل الموظف العام بالقوانين االدعاء بعدم معرفته بالقانون أو عدم
اطالعه على ما يصدر من ق اررات أو لوائح تنظم سير العمل داخل جهة عمله ،حيث ال يجوز له
الدفع بجهله بالقانون ،فالمبدأ العام هو عدم جواز االعتذار بالجهل بالقانون ،إذ إن عدم المعرفة
القانونية ال تعد من االعذار التي تعدم المسؤولية التأديبية -إذ هي ذريعة كل من يخل بواجبات
وظيفته -ولو أخذ بها على هذا النحو ألضحي األمر فوضى ال ضابط له ،فالموظف العام ليس
فقط مسؤول عن االلتزام بالقوانين ،ولكنه مسؤول عن تطبيقها والعمل بها على أكمل وجه.
ثانياً :واجب القيام بالعمل المنوط به بنفسه بدقة وأمانة ،وانجازه في المواعيد المناسبة طبقاً
يعد هذا الواجب وبحق جوهر االلتزامات الوظيفية للموظف العام ،يجب أن يباشره وينفذه بنفسه ،
تحقيقاً لمبدأ شخصية االختصاص الوظيفي ،وهذا يقتضي أن يقوم الموظف بتأدية العمل المنوط
به بنفسه ،فال يجوز له أن ينيب أو يفوض غيره فيه ،إال إذا كان النظام يسمح بأن يعهد ببعض
33
االختصاصات المخولة له إلى أحد مرؤوسيه عن طريق التفويض طبقاً للقانون وفي حدود ما يسمح
()39
،ومن هذا المنطلق فإن تنفيذ العمل العام واجب والتزام شخصي ،ويستند به النص القانوني
. هذا الواجب إلى مبدأ عام يجمع عليه الفقه اإلداري هو مبدأ شخصية االختصاص
()40
وهذا الواجب يفرض على الموظف أيضاً أن يؤدي عمله بإخالص وأمانة ( ،)41كواجب يتصل
في الواقع بالضمير واألخالق واإلحساس بالمسؤولية قبل اتصاله بإلتزام قانوني مفروض عليه،
ومن ثم على الموظف أن يتجرد عن االنحراف وراء األهواء والمصالح الشخصية والعائلية ،وأن
يكون أميناً مع رؤسائه ،وزمالئه ،وفي كافة تعامالته مع الجمهور ،وأن يبذل – عند مباشرته
الختصاصاته – عناية الرجل الحريص الواعي ،وأال يكتفي ببذل عناية الرجل العادي إذ يتطلب
منه ضرورة مراعاة القواعد اإلدارية والفنية وتوجيهات الرؤساء ومقتضيات الوظيفة والمواعيد المحددة
إلنجاز .
ثالثاً :االلتزام بمواعيد العمل الرسمية وتخصيص أوقات العمل ألداء واجبات وظيفته.
يجب على الموظف م ارعاة أوقات الدوام الرسمي لتأدية واجبات وظيفته ،وهذا العنصر يعني أنه
يتعين على الموظف أن يكون متواجداً في أوقات العمل المحددة ،وتخصيص هذه األوقات ألداء
واجباته الوظيفية ،فال يكفي أن يوجد الموظف في مقر وظيفته أثناء أوقات العمل الرسمية دون
أن يؤدي عمالً ما ،كما أنه ال يكفي أن يقوم بقدر يسير من العمل ،وانما يجب أن يقوم بإنجاز
العمل المنوط به إنجازه ،واال اعتبر مقص اًر في واجبات وظيفته األصلية(.)42
د /سليمان محمد الطماوي ،القضاء اإلداري ،قضاء التأديب ،مرجع سابق ،ص . 151 ()39
د /سليمان محمد الطماوي ،القضاء اإلداري ،قضاء التأديب ،مرجع سابق ،ص . 150 ()40
انظر في ذات المعنى ،راجع المستشار الدكتور /سمير عبدهللا سعد ،الجرائم الجنائية والتأديبية للموظف العام ،منشأة ()41
34
لذا يترتب على تأخر الموظف عن الحضور عند بدء الدوام الرسمي ،أو ترك العمل أثناء ذلك ،
أو التغيب عنه ،أو االنصراف قبل انتهاء الوقت المحدد للعمل ،دون إذن من رئيسه مخالفة لهذا
الواجب الوظيفي ،مما يتوجب والحال كذلك مجازاته تأديبياً عن إخالله بهذا الواجب.
ويجوز لمدير الوحدة اإلدارية منح الموظف إذن بالتأخير في الحضور عن مواعيد العمل
الرسمية أو الخروج أثناءها أو االنصراف المبكر بما ال يجاوز اإلذن في المرة الواحدة ساعتين ،
وبحد أقصى سبع ساعات في الشهر ،فإذا زادت مدة اإلذن عن الحد األقصى المشار إليه يكون
()43
. منح اإلذن في هذه الحالة بموافقة كتابية من الرئيس أو الرئيس التنفيذي
رابعاً :واجب المحافظة على كرامة الوظيفة وحسن سمعتها والظهور بالمظهر الالئق بها:
على الموظف أن يحافظ وفي جميع األوقات على شرف الوظيفة وحسن سمعتها ،والمقصود بهذا
الواجب أن يسلك الموظف سلوكاً قويماً ليس فقط في نطاق حياته الوظيفية ،وما يتصل بواجبات
العمل ،بل يمتد هذا الواجب إلى المحافظة على سمعته الحسنة التي هي جزء من شخصيته سواء
عليه فإن المشرع والقضاء اإلداري لم يقصر مسؤولية الموظف على ما يرتكبه من أعمال
في مباشرته لوظيفته الرسمية وتأدية واجباته الوظيفية ،بل تجاوز ذلك إلى مسؤولية الموظف عما
يصدر منه خارج هذا النطاق ،وبوصفه فرداً حتى ولو كان خارج البالد ،فالموظف مطالب في
كل وقت بالحرص على اعتبار الوظيفة التي ينتمي إليها حتى ولو كان بعيداً عن نطاق أعمالها ،
إذ ال يجوز أن يصدر منه ما يمكن أن يعتبر مناقضاً للثقة الواجبة فيه واالحترام المطلوب منه ،
انظر نص المادة ( )79من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة ، 2016البند الثالث . ()43
35
والذي هو عدته في التمكين لسلطة اإلدارة وبث هيبتها في النفوس( ،)44فإذا افتقد الموظف هذا
الشرط في أي وقت جاز لجهة اإلدارة إنهاء خدمته لفقده شرط من شروط البقاء في الوظيفة العامة.
ويقتضي االلتزام بهذا الواجب الوظيفي ابتعاد الموظف وعلى الدوام عن كل ما من شأنه
المساس بكرامة الوظيفة وهيبتها وشرفها وأمانتها ،مثل قيام الموظف بإدارة منزل للعب القمار،
واعطاء شيك من الموظف ألحد دائنيه ومن ثم إخطار البنك بعدم صرف الشيك الذي حرره،
وافراطه في االستدانة من اآلخرين خاصة إذا استعمل صفته كموظف في الحصول على هذه
األموال.
ولهذا فقد ذهبت المحكمة اإلدارية العليا المصرية إلى أن " األفعال المكونة للذنب اإلداري
ليست محددة حص اًر أو نوعاً ومردها بوجه عام اإلخالل بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها
ولو كان الفعل الذي ارتكبه الموظف خارج أعمال الوظيفة ما دام هذا العمل يكون في ذاته سلوكاً
وعلى أية حال يمكن القول – كقاعدة عامة – أن من المسائل األساسية للحفاظ على اعتبار
وكرامة الوظيفة ،أن يتجنب الموظف مواطن الشبهات والريب ،لما لذلك من أثر في أن يتوافر
لديه قدر من الهيبة والوقار اللذان يمكناه من أداء وظائفه بما يحقق المصلحة العامة .
انظر حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الصادر بجلسة 1961/5/20م ،المنشور في مجموعة أحكامها ،السنة ()44
بعدها .
المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 2549لسنة 6ق ،جلسة . 1992/12/1 ()45
36
خامساً :واجب التعاون مع رؤسائه وزمالئه في العمل:
على الموظف أن يتصرف بأدب وكياسة في صالته برؤسائه ومرؤوسيه وزمالئه ،وفي تعامله مع
الجمهور الذي يتعامل معه ،والتزام قواعد األدب واألخالق في تعامله معهم ،سواء في مخاطبتهم
كتابة ،أو شفاهه ،أو في سائر تصرفاته األخرى معهم وفق التقاليد والقيم والعادات االجتماعية
السائدة في المجتمع العام ،حيث إن المجتمع الوظيفي ليس بمعزل عن هذا المجتمع ،بل إنه
جزء من كل ،ومن ثم فإن هذا الواجب يفرض على الموظف التزامه بالواجبات األدبية تجاه رؤسائه
ويفرض هذا االلتزام على الموظف مراعاة حدود االحترام في تصرفاته وتعامله مع زمالئه في
العمل ،إذ يجب عليه أن يختار أسلوب مهذب في مخاطبتهم ،ومن مظاهر هذا االلتزام إظهاره
لروح التعاون مع زمالئه إلنجاز األعمال المنوطة بهم ،خاصة تلك األعمال التي يتطلب إنجازها
عمالً جماعياً يسهم فيه عدد من الموظفين ،ومن األمثلة على إخالل الموظف بهذا الواجب كثرة
وترى الباحثة أن هذا الواجب يمتد ليشمل عدم إسداء النصح أو اإلرشاد للجدد من الموظفين
الزمالء ،فسكوت الموظف عن اإلفصاح بمعلومات جوهرية للزمالء في نطاق المحافظة على سير
سادساً :واجب القيام بأي أعباء وظيفية يكلف بها ولو في غير مواعيد العمل الرسمية ،متى
ليس معنى تحديد ساعات العمل الرسمي ،أنه ال يجوز تكليف الموظف بالعمل في أوقات
أخرى غير تلك الساعات إذا تطلبت المصلحة العامة ذلك ،إذ األصل أن يكرس الموظف كامل
وقته ألداء واجبات وظيفته ،أي أن ينقطع لها سواء في الوقت الرسمي أو في غير الوقت المعين
37
لها .وتفريعاً على ذلك ،تستطيع اإلدارة أن تكلف العامل بمباشرة بعض االختصاصات المتعلقة
بوظيفته في غير أوقات العمل الرسمي ،وليس له االمتناع عن ذلك واال وجبت مساءلته تأديبياً.
وفي هذا الصدد قرر المشرع القطري في نص المادة ( )32من الالئحة التنفيذية لقانون الموارد
البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة 2016أن يستحق الموظف تعويضاً عن ساعات العمل
حدد معيار حساب هذا التعويض على أساس أن ساعة العمل اإلضافية تساوي ساعة وربعاً في
ويكون الحد األقصى لساعات العمل اإلضافية ثالث ساعات في أيام العمل العادية ،وثماني
ساعات في أيام العطالت الرسمية واألسبوعية .كما قرر المشرع في نص المادة ( )33من الالئحة
التنفيذية بأن يمنح الموظف إجازة عوضاً عن ساعات العمل اإلضافية بمعدل يوم عن كل ()7
ساعات عمل ،وبحد أقصى خمسة عشر يوماً في السنة ،وعلى الموظف القيام بتلك اإلجازة خالل
السنة المستحقة عنها أو ترحيلها للسنة التالية فقط ،إال أن المشرع القطري منع صرف أي بدل
سابعاً :المحافظة على أموال الجهة الحكومية الثابتة والمنقولة ،وحسن استخدام األدوات الالزمة
ألداء الوظيفة:
الجدير بالذكر أن واجب الموظف في المحافظة على األموال العامة وصيانتها ،يعد من الواجبات
المهمة التي تتطلب منه أن يكون أميناً عليها ،وال يقتصر هذا الواجب على مجرد عدم سرقة أو
38
فقدان األموال والمعدات ،بل يمتد إلى كيفية استعمالها ،وعدم تعريضها للتلف نتيجة اإلهمال أو
()46
. سوء الصيانة
وعلى أية حال ،فإن المشرع أوجب على الموظف العام المحافظة على األموال العامة وصيانتها
أياً كانت هذه األموال ،وهذا الواجب يجد سنده – حتى في حالة عدم وجود نص – من االلتزام
بتنفيذ هذا العمل بطريقة تتفق وحسن النية ،وبالتالي فإن الموظف الذي يهمل في المحافظة على
هذه األموال – يصبح مسؤوالً عن تعويض ما يتلفه منها أو يتسبب في فقده أو ضياعه ،كما أنه
يتعرض للمساءلة التأديبية عن كل تصرف فيه إخالل بهذا الواجب ،وقد ال تقف المسؤولية عند
الحدود المتقدمة ،ذلك أن بعض النظم القانونية ضمنت تشريعاتها الجزائية ،وخاصة قانون
العقوبات نصوصاً تقيم مسؤولية الموظف عن الخطأ الجسيم الذي من شأنه أن يلحق ضر اًر جسيماً
بأموال الجهة التي ينتمي إليها ،وأوجبت إيقاع عقوبات على مثل هذا السلوك ،وحكمة ذلك أن
مثل هذا اإلهمال في استخدام األموال العامة ،قد يعطل االنتفاع بها.
لذا يتعين على الموظف أن يحافظ على هذه األموال محافظة الشخص الحريص ،وهو واجب
تفرضه طبيعة هذه األموال باعتبارها أمواالً عامة ،ومن ثم فإن الحكم على سلوكه في هذه المسائل،
إنما ينبني على أساس ما يبذله من عناية في أداء العمل والمحافظة على األموال العامة.
وتجدر اإلشارة هنا إلى اعتماد معيار الشخص المعتاد قد يوقع اإلدارة في اضطراب ينشأ عن عدم
حرص الموظف حرصاً كافياً على هذه األموال ،األمر الذي يؤدي إلى تعطيل سير المرافق العامة،
د /سليمان محمد الطماوي ،القضاء اإلداري ،قضاء التأديب ،مرجع سابق ،ص . 183 ()46
39
ويخل بأحد المبادئ األساسية التي تقوم عليها ،وهي ضرورة سيرها بانتظام واطراد وتقديمها للخدمة
ثامناً :استعمال وسائل الوقاية المخصصة للعمل وااللتزام بإرشادات السالمة ،للمحافظة على
يفترض في الموظف العام الحرص والعناية والحيطة والحذر أثناء أداء وظيفته ،حتى ال يعرض
نفسه أو غيره من الموظفين إلى أي مكروه أو خطر أثناء أداء أعمالهم ولو كان ذلك عن طريق
اإلهمال .فاإلهمال صفة مرفوضة بالموظف العام وتدل على عدم صالحيته ،حتى ولو كان كفأ
في أداء مهام الوظيفة ،ومن ثم وجب عليه اإللتزام بإرشادات السالمة ،للمحافظة على حياته
الفرع الثاني
تتمثل األعمال المحظور على الموظف إتيانها ،في النواهي التي تقررها تشريعات الوظيفة العامة
،والتي تتمحور حول امتناع الموظف عن القيام بها ،واال كان مرتكباً لخطأ تأديبي يستوجب
المساءلة التأديبية عنه ،ويمكن أن نشير إلى أهمها طبقاً لما حددته المادة ( )80من قانون الموارد
: ()48
البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة 2016فيما يلي
د /عبد الغني بسيوني عبد هللا ،القانون اإلداري ،دراسة مقارنة ألسس ومبادئ القانون اإلداري ،الطبعة األولى ، ()47
40
أوالً :حظر استغالل النفوذ والتأثير على مرؤوسيه ،أو تحريضهم على مخالفة أحكام القوانين
تحقيق أهداف المرفق العام ،باعتبار أن الموظف العام هو أداة هذا المرفق ،لذا فقد منحه المشرع
سلطات وظيفية تمكنه من تحقيق مهام وأعباء وظيفته ،وأوجب عليه بالمقابل ممارسة هذه
الصالحيات للغرض الذي شرعت من أجله دونما انحراف أو استغالل لنفوذ هذه الوظيفة .
-2إتيان أي فعل أو االمتناع عن فعل عن عمد أو إهمال ،يتعارض مع مقتضيات وواجبات أو مسؤوليات وظيفته ،أو يترتب
عليه ضياع أي حق للدولة أو إحدى الجهات الحكومية.
-3إفشاء أي معلومات يطلع عليها بحكم وظيفته إذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب تعليمات تقضي بذلك ،دون إذن كتابي
من الرئيس ،ويظل هذا االلتزام قائماً بعد ترك الخدمة.
-4االحتفاظ لنفسه بأصل أو صورة من أي ورقة أو وثيقة رسمية أو نزعها من الملفات المخصصة لحفظها ،ولو كانت
خاصة بعمل كلف به.
-5التوقيع على عرائض أو رسائل من شأنها النيل من سمعة الدولة أو االنتماء إلى أي منظمة أو هيئة أو جماعة محظورة.
-6أداء عمل للغير بمقابل أو بغير مقابل ولو في غير أوقات العمل الرسمية دون إذن كتابي مسبق من الرئيس التنفيذي.
ومع ذلك ،يجوز للموظف أن يتولى براتب أو مكافأة أعمال القوامة أو الوصاية أو الوكالة عن الغائبين إذا كانت تربطه
بالمحجور عليه أو القاصر أو الغائب صلة قربى أو نسب حتى الدرجة الرابعة ،وأن يتولى النظارة على الوقف إذا كان مستحقاً
فيه أو مشروطاً له بالنظارة من الواقف ،وكذلك أعمال الحراسة على األموال التي يكون شريكاً أو ذا مصلحة فيها أو تكون
مملوكة لمن تربطه به صلة قربى أو نسب حتى الدرجة الرابعة .وفي جميع األحوال المتقدمة ،يجب على الموظف أن يخطر
الجهة التي يعمل بها بذلك ،ويحفظ اإلخطار في ملف خدمته.
-7الجمع بين أكثر من وظيفة بالجهات الحكومية ،دون أخذ موافقة من رئيس مجلس الوزراء.
-8مزاولة أي أعمال أو تجارة تتعارض مع واجباته كموظف بالجهة الحكومية أو مع مصلحة الجهة الحكومية أو يكون من
شأنها أن تنشئ للموظف مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في أي عقود أو أعمال أو مناقصات تتصل بنشاط الجهة الحكومية
أو تكون الجهة الحكومية طرفاً فيها.
-9استغالل نفوذه والتأثير على مرؤوسيه ،أو تحريضهم على مخالفة أحكام القوانين واللوائح والق اررات والنظم المعمول بها.
-10قبول الهدايا أو الهبات أو اإلكراميات أو المنح أو المبالغ النقدية أو غيرها ،بنفسه أو بواسطة الغير ،من أي شخص،
مقابل أو بسبب عمل يتعلق بوظيفته ،لتحقيق مصلحة للغير.
41
ويقوم هذا الواجب على فكرة مؤداها ،التزام الموظف العام بعدم استغالل نفوذه أو سلطاته الوظيفية
في غير ما تفرضه المصلحة العامة ،بحسبان أن تزويد الموظف بهذه السلطات شرع من أجل
ويعد من قبيل استغالل نفوذ الوظيفة العامة لتحقيق نفع شخصي ،قبول الموظف العام للهدايا
أو المكافآت أو العموالت بمناسبة قيامه بعمله ؛ ألن في ذلك تهاوناً بواجبات الوظيفة وتعرضها
لهيبتها وكرامتها ،مما يستدعي ابتعاد الموظف عن مواطن الشبهات ،واالمتناع عن قبول كل ما
يعرض عليه بمناسبة الوظيفة ،كما أنه يعد من قبيل استغالل النفوذ ،استعمال الموظف لصفته
في االقتراض من المصارف مبالغ من المال مستغالً في ذلك مركزه الوظيفي ،فهذا السلوك يشكل
()49
.ومن أهم مظاهر استغالل النفوذ واساءة استعمال السلطة الوظيفية، في حقيقته رشوة مقنعة
التصرفات التي تصدر عن الموظف العام بقصد اإلضرار بالغير ألحقاد شخصية ،وتحايل الموظف
ثانياً :حظر إفشاء أي معلومات يطلع عليها بحكم وظيفته إذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب
تعليمات تقضي بذلك ،دون إذن كتابي من الرئيس ،ويظل هذا االلتزام قائماً بعد ترك الخدمة.
من األعمال المحظور على الموظف العام القيام بها إفشاء األسرار التي يطلع عليها بحكم وظيفته
أو اإلدالء بها ،ذلك أن الموظف العام – وبحكم وظيفته – يمكن له أن يطلع على كثير من
األسرار الخاصة بالدولة ،منها ما يتعلق بخطط سياسية أو مالية أو عسكرية أو فنية أو غير ذلك،
( )49المستشار الدكتور /مغاوري محمد شاهين ،القرار التأديبي (ضماناته ورقابته) ،الطبعة األولى ،مكتبة األنجلو المصرية،
القاهرة ، 1986 ،ص 202وما بعدها .
42
ومنها ما يتعلق بعموم المتعاملين مع اإلدارة ،وتقوم المخالفة سواء كان إفشاء األسرار قد تم شفاه ًة
أو كتاب ًة ،ما لم يكن اإلفشاء بناء على إذن رسمي.
والواضح أن المشرع القطري قد ّبين هذا الحظر بنص المادة ( )80من قانون الموارد البشرية
المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة 2016متى تكون المعلومات سرية ومن ثم يمتنع على الموظف
الحالة األولى :إذا كانت بطبيعتها سرية ،أي مما ال يود الفرد أن يطلع عليها أحد ،كاألمور
المتصلة بحياته الخاصة ،أو التي يجري العرف والتقاليد على اعتبارها كذلك .
الحالة الثانية :إذا صدرت تعليمات رئاسية باعتبار أمور معينة من األسرار التي ال يجوز لغير
وترتيباً على ذلك ،يحظر على الموظفين الذين يباشرون أعماالً تتيح لهم فرصة االطالع على
أسرار الناس أو معرفة خفاياهم ،اإلفشاء بمثل هذه األسرار أو تلك الخفايا ،كما يحظر عليهم
أيضاً إفشاء المعلومات التي صدرت في شأنها تعليمات تقضي بضرورة االحتفاظ بسريتها ،إذ
يجب عليهم – في كافة هذه األحوال – االحتفاظ بها وكتمانها بعيداً عن سمع وبصر اآلخرين واال
تعرضوا للمساءلة التأديبية أو الجنائية أو االثنتين معاً ،باإلضافة إلى المسؤولية المدنية إذا كان
وأخي اًر تجدر اإلشارة إلى أن واجب عدم إفشاء األسرار يرتفع أو ينتفي نتيجة أسباب عديدة
منها( )50بأن يفقد الموضوع السري سريته بأن يصبح معلوماً ،أو أن يصرح للموظف بأمر اإلفصاح
المستشار الدكتور /محمد جودت الملط ،المسؤولية التأديبية للموظف العام ،رسالة دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة ()50
تدريب موظف معين على أعمال وظيفة تنطوي على أسرار غير مجاز كشفها .
وبطبيعة الحال ،فإنه في غير هذه الحاالت يبقى االلتزام بالمحافظة على أسرار الوظيفة
واجب يؤدي اإلخالل به إلى ارتكاب الموظف خطأً تأديبياً يستوجب توقيع الجزاء التأديبي عليه
ثالثاً :حظر الجمع بين أكثر من وظيفة بالجهات الحكومية ،دون أخذ موافقة من رئيس مجلس
الوزراء.
ال يجوز الجمع بين وظيفتين بالجهاز اإلداري للدولة لما في ذلك من تعارض مع التزام الموظف
بالتفرغ التام ألداء مهام وظيفته األصلية ،فإذا كان هذا هو الحال بالنسبة للوظائف العامة ،فإنه
يكون من باب أولى عدم جواز الجمع بين الوظيفة العامة وأي عمل في القطاع الخاص ،وعليه
فإن الجمع بين أكثر من وظيفة يعد خطأ تأديبي يستوجب المساءلة عنه ،ذلك أن مثل هذا الجمع
من شأنه اإلضرار بأعمال كلتا الوظيفتين لعدم قدرته على القيام باألعمال والمهام المطلوبة منه
ويالحظ أن هذا الحظر في القانون مقصور فقط على الجمع بين وظيفتين في الجهاز اإلداري
للدولة ،بينما يستطيع الموظف أن يعمل لحسابه الخاص كممارسة األعمال التجارية في غير أوقات
العمل الرسمية ،شريطة عدم التعارض مع واجباته كموظف بالجهة الحكومية أو مع مصلحة الجهة
د /على جمعة محارب ،التأديب اإلداري في الوظيفة العامة ،دراسة مقارنة في النظام العراقي والمصري والفرنسي واالنجليزي،
بدون دار نشر ،كلية الحقوق جامعة عين شمس ،القاهرة ،1986 ،ص .157
المستشار /مغاوري محمد شاهين ،المساءلة التأديبية ،علم الكتب ،القاهرة ، 1974 ،ص .173 ()51
44
الحكومية أو يكون من شأنها أن تنشئ للموظف مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في أي عقود أو
أعمال أو مناقصات تتصل بنشاط الجهة الحكومية أو تكون الجهة الحكومية طرفاً فيها(.)52
وترى الباحثة وبحق ضرورة حظر الجمع بين الوظيفة العامة وأي عمل آخر لحسابهم الخاص
أو العمل لدى الغير في غير ساعات العمل الرسمية ،لما في ذلك الحظر من منفعة تعود على
حماية الوظيفة العامة ومجابهة البطالة بتوفير فرص عمل للباحثين عنه.
حيث يخشى أن يهمل الموظف أداء أعمال وظيفته بسبب كثرة األعباء عليه لقيامه بعملين في
وقت واحد ،عمله في وظيفته العامة ،وعمله الخاص ،فضالً عن هذا الحظر يؤدي إلى التقليل
من البطالة في المجتمع ،فالموظف الذي يشغل وظيفة ما مهما كانت متواضعة فهي تشكل مصدر
رزق له ،واذا سمح له بممارسة عمالً آخر فإنه يحرم غيره من فرصة عمل قد تسد رمقه(.)53
رابعاً :حظر أداء عمل للغير بمقابل أو بغير مقابل ولو في غير أوقات العمل الرسمية دون إذن
ال يجوز للموظف العام أداء أعمال للغير بمقابل أو بغير مقابل إال بإذن كتابي مسبق من الرئيس
التنفيذي(.)54
ومع ذلك ،يجوز للموظف أن يتولى براتب أو مكافأة أعمال القوامة أو الوصاية أو الوكالة
عن الغائبين إذا كانت تربطه بالمحجور عليه أو القاصر أو الغائب صلة قربى أو نسب حتى
الدرجة الرابعة ،وأن يتولى النظارة على الوقف إذا كان مستحقاً فيه أو مشروطاً له بالنظارة من
انظر نص المادة ( )80من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة ، 2016البند الثامن. ()52
المستشار /مغاوري محمد شاهين ،المساءلة التأديبية ،مرجع سابق ،ص . 175 ()53
في ذات المعنى ،راجع مستشار دكتور ،سمير عبدهللا سعد ،الجرائم الجنائية والتأديبية للموظف العام ،مرجع سابق ، ()54
مملوكة لمن تربطه به صلة قربى أو نسب حتى الدرجة الرابعة ،وفي جميع األحوال المتقدمة ،يجب
على الموظف أن يخطر الجهة التي يعمل بها بذلك ،ويحفظ اإلخطار في ملف خدمته(.)55
خامساً :حظر قبول الهدايا أو الهبات أو اإلكراميات أو المنح أو المبالغ النقدية أو غيرها ،بنفسه
أو بواسطة الغير ،من أي شخص ،مقابل أو بسبب عمل يتعلق بوظيفته ،لتحقيق مصلحة للغير،
وواضح أن مخالفة هذا الحظر يعرض الموظف للمساءلة الجنائية فضالً عن المساءلة التأديبية.
سادساً :االحتفاظ لنفسه بأصل أو صورة من أي ورقة أو وثيقة رسمية أو نزعها من الملفات
سابعاً :التوقيع على عرائض أو رسائل من شأنها النيل من سمعة الدولة أو االنتماء إلى أي
منظمة أو هيئة أو جماعة محظورة ،ومن ثم يمتنع الموظف عن مساندة أي اتجاه يمس بوحدة
إقليم الدولة من خالل وسائل اإلعالم المختلفة ،أو تأييد أية جماعة تبدى العداء لنظام الدولة لما
لمثل هذا التأييد من دور في إهدار واجب الوالء تجاه الدولة .
المطلب الرابع
يعد الوقف االحتياطي أخطر اإلجراءات التي تمس حقوق الموظف المحال للتحقيق ،وهذا اإلجراء
ال يمكن لجهة اإلدارة اللجوء إليه إال إذا توافرت شروط معينة ،حددها قانون الموارد البشرية
القطري رقم ( )15لسنة 2016حصرياً ،وعلى الرغم من أن الوقف االحتياطي مرتبط بالتحقيق
البند السادس من نص المادة ( )80من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة . 2016 ()55
46
اإلداري وجوداً وعدماً ،ويخضع من حيث األصل العام لتقدير جهة اإلدارة ،والتي تملك وحدها أن
تقدر مدى مالئمة إصدار قرار الوقف االحتياطي ،إال أن سلطتها في هذا الشأن ليست مطلقة بل
يرد عليها عدة ضوابط أو قيود يجب مراعاتها ،وما يرتبه من آثار خطيرة تجاه الموظف يأتي
في مقدمتها إبعاد الموظف عن وظيفته مؤقتاً ،ومدى أثره على استحقاق الراتب ،ثم أثره بالنسبة
وبناء على ما تقدم ،يمكننا تقسيم هذا المطلب إلى ثالثة فروع رئيسية ،ماهية الوقف االحتياطي
عن العمل (فرع أول) ،ضوابط الوقف االحتياطي في القانون القطري (فرع ثان) األثار المترتبة
الفرع األول
لم يرد في تشريعات الوظيفة العامة المتعاقبة في قطر تعريفاً محدداً للوقف االحتياطي عن
العمل( ،)56بما فيها قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة ، 2016كما خلت
تشريعات الوظيفة العامة عموماً من تعريفة ،ولهذا أخذ الفقه والقضاء على عاتقهما مسؤولية
تعريف الوقف االحتياطي عن العمل وتحديد ماهيته ،وذلك في ضوء تحليل طبيعته وآثاره .
تستخدم بعض قوانين الوظيفة العامة في الدول العربية مصطلح الوقف االحتياطي مثل قانون الخدمة المدنية في مصر ()56
لعام ، 2016وقانون الموارد البشرية لدولة اإلمارات العربية المتحدة ،والقانون العماني والكويتي والقطري ،بينما يستخدم
المشرع السعودي مصطلح" كف اليد".
47
وقد عرفه بعض الفقه ( " )57بأنه إجراء احتياطي مؤقت ،تلجأ إليه اإلدارة بقصد إبعاد الموظف
عن المرفق ،عندما يتعرض التخاذ إجراءات تأديبية أو جنائية ،فيمتنع عليه ممارسة أعمال وظيفته
()58
بأنه " إجراء قانوني قصد به تنحية العامل بصفة مؤقتة عن مدة الوقف " .وعرفه بعض الفقه
أعمال وظيفته ،إما لصالح تحقيق يجرى سواء كان التحقيق إدارياً أو جنائياً ،واما تصوناً للوظيفة
ويتضح لدى الباحثة من عرض هذه التعاريف أن الوقف االحتياطي عن العمل ال يترتب بقوة
القانون ،حيث إنه ليس جزاء تأديبي ،وانما تتخذه السلطة التأديبية المختصة إذا رأت مقتضى لذلك
ينعكس على مصلحة التحقيق باإليجاب ، ،كإجراء يترتب عليه إقصاء الموظف عن أعمال وظيفته
بشكل مؤقت.
فالوقف عن العمل وسيلة وليس غاية ،وال يمكن فصل أحدهما عن اآلخر ،فالوقف يوطئ السبيل
(.)59
إلى التحقيق مع الموظف الموقوف في جو خال من تأثيره ونفوذه
كما تعرض القضاء لمفهوم الوقف االحتياطي ،حيث عرفته المحكمة اإلدارية العليا المصرية
بأنه (إجراء وقائي يجوز اتخاذه إذا اقتضى الحال إقصاء العامل عن وظيفته بمناسبة تحقيق معه،
أو ألن في اتهامه ما يدعو إلى االحتياط بالنسبة للعمل الموكول إليه بتجريده منه وكف يده
عنه)( .)60كما تعرضت محكمة التمييز القطرية في أحكامها للوقف عن العمل ،حيث قضت بأنه
د /عبد الفتاح عبد الحليم عبد البر ،الضمانات التأديبية في الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص . 143 ()57
د /عمرو فؤاد بركات ،السلطة التأديبية ( دراسة مقارنة ) ،مرجع سابق ،ص . 279 ()58
د /سليمان محمد الطماوي ،القضاء اإلداري ،قضاء التأديب ،مرجع سابق ،ص . 330 ()59
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ، )361لسنة ( )36ق ،جلسة .1986/4/29 ()60
48
" إبعاد العامل عن عمله حتى يتحدد مصير االتهام الموجه إليه ،فإذا ثبتت براءته من التهمة
والجدير بالذكر في هذا الصدد أن الوقف االحتياطي عن العمل بمفهومه السابق يختلف عن
الوقف بقوة القانون ،حيث إن األخير يقع بمجرد تحقق سببه وهو حبس الموظف احتياطياً ،أو
تنفيذاً لحكم قضائي ،ودون حاجة إلى قرار إداري ،وبالتالي ال يدخل في إطار اإلجراءات التأديبية
التي تباشرها جهة اإلدارة ،وانما يتم بسبب االستحالة المادية لمباشرة مهام الوظيفة ،بينما يكون
سبب الوقف االحتياطي دائماً مصلحة التحقيق ،ومن جهة أخرى ،يالحظ أن مدة الوقف بقوة
القانون مرتبطة بمدة الحبس أو مدة تنفيذ الحكم الجنائي وجوداً وعدماً ،خالفاً لمدة الوقف االحتياطي
فقد نص عليها المشرع والتي تختلف حسب الجهة التي تتخذ هذا اإلجراء.
تعريف الباحثة يمكن تعريف الوقف االحتياطي عن العمل بأنه أحد إجراءات التحقيق الوقائية التي
تهدف إلى غل يد الموظف عن مباشرة أعباء ومهام وظيفته لمدة مؤقتة ،وذلك بمناسبة ما يجرى
معه من تحقيق ،بغية نقاء التحقيق من أي مؤثرات قد تعوقه ،ورغبة في كشف حقيقة االتهام
المنسوب إليه.
ولعل المبرر الرئيسي من وراء اتخاذ قرار الوقف االحتياطي عن العمل يكمن في أن بقاء
الموظف على رأس عمله من شأنه أن يعرقل حسن سير التحقيق ،وذلك بإخفاء أدلة اإلدانة أو
العمل حتى تنكشف الحقيقة في شأنه إما بثبوت مسؤوليته أو بظهور براءته وذلك بوقفه عن العمل.
حكم محكمة التمييز القطرية ،تمييز مدني ،الطعن رقم ( ) 396لسنة ، 2017جلسة 2017 ، /12/ 26وكذلك ()61
49
ثانياً :الطبيعة القانونية للوقف االحتياطي عن العمل :
سبقت اإلشارة إلى أن الوقف عن العمل احتياطياً ليس عقوبة بذاته ،وانما هو إجراء إداري احتياطي
ينتهي بعد أجل طال أم قصر ،إما بعودة الموظف لعمله بريئاً أو مجازى بغير عقوبة الفصل من
الوظيفة .والمتتبع ألحكام القوانين المنظمة للوقف االحتياطي عن العمل في النظم الوظيفية المختلفة
في الدول العربية يظهر له بجالء ذلك ،فهو إجراء تحفظي مؤقت ،ينتهي حتماً بعد أجل طال أم
قصر ،إما بعودة الموظف إلى عملة إذا ثبتت براءته ،أو معاقبته ،فهو ال ينهي العالقة الوظيفية،
بل يسقط واليتها عنه مؤقتاً ،وقد شرع لمواجهة حاالت محددة على سبيل الحصر .
فالوقف االحتياطي عن العمل يتسم بطبيعة وقتية بحيث ال تنتهي العالقة الوظيفية للموظف،
وانما يظل خاضعاً لواجباته الوظيفية المفروضة عليه ،وأي خطأ يرتكبه خالفاً للواجبات التي عليه
التقيد بها خارج الوظيفة يكون مدعاة لمساءلته تأديبياً عنها ،فهو ال يتحلل إال من الواجبات المرتبطة
بأداء الوظيفة(.)62
وترى الباحثة أن قرار الوقف االحتياطي عن العمل يعد وبحق ق ار اًر إدارياً حيث يصدر من السلطة
المنوط بها إصداره ،وبإرادتها المنفردة الملزمة ،بقصد إحداث أثر قانوني يتمثل فى إبعاد الموظف
.
عن عمله وما يترتب على ذلك من نتائج
وفي هذا الصدد قضت المحكمة اإلدارية العليا المصرية بأن " قرار الوقف االحتياطي الصادر
من السلطة الرئاسية التي أوالها المشرع هذا االختصاص ،هو قرار إداري نهائي لسلطة تأديبية
د /عبد الفتاح حسن ،التأديب في الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص ، 164و ص . 165 ()62
المستشار /جالل أحمد األدغم ،التأديب في ضوء قضاء محكمتي النقض – اإلدارية العليا ،الطبعة الثانية ،المكتب
50
(،)63
وذلك؛ ألنه إفصاح من جانب الجهة اإلدارية المختصة عن إرادة ملزمة بما لها من سلطة
تأديبية بمقتضى القانون ،بقصد إحداث أثر قانوني معين ال يحدث إال بهذه األوضاع.
الفرع الثاني
نص المشرع في المادة ( ) 86من قانون إدارة الموارد البشرية المدنية القطري على أنه " للرئيس
التنفيذي أن يوقف الموظف المحال إلى التحقيق عن العمل إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك ،مع
استمرار صرف راتبه اإلجمالي ." ......ووفقاً للنص المتقدم ،نجد أن الوقف االحتياطي للموظف
المتهم يعد من أهم اإلجراءات االحتياطية للتأديب ،وأكثرها شيوعاً في التشريعات المنظمة لشؤون
الوظيفة العامة ،وذلك انتظا اًر لما سيسفر عنه التحقيق مع الموظف المتهم.
وقد قرر المشرع القطري مجموعة من الضوابط التي يجب توافرها لوقف الموظف احتياطياً
عن العمل ،والتي تعد بمثابة ضمانات تكفل استعمال اإلدارة لهذا اإلجراء دون جور أو تعسف في
سلطتها ،حتى ال يتحول الوقف االحتياطي للموظف إلى أسلوب للقهر اإلداري يمارس ضده ،ومن
الضابط األول :أن يكون الوقف عن العمل بمناسبة تحقيق إداري مع الموظف:
تجدر اإلشارة بداية إلى أنه يشترط للوقف االحتياطي عن العمل ،أن يكون الموظف خاضعاً
لتحقيق إداري في مخالفة محددة منسوبة إليه ،ترى الجهة اإلدارية ضرورة غل يده عن مباشرة
( )63انظر حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،جلسة 1962/4/7م ،المنشور في مجموعة السنة السابعة ،العدد الثاني،
ص . 570
51
أعباء وظيفته ،وذلك لمصلحة التحقيق ،ومن ثم فإن إيقاف الموظف عن عمله بغير اتهام
()64
وبحق إلى أنه ال يكفي وجود تحقيق مفتوح لوقف العامل احتياطياً، وقد ذهب بعض الفقه
وانما يتعين أن يكون هذا التحقيق جدياً ،بمعنى أن يتم فتحه بناء على بالغ جدي يتضمن واقعة
أو وقائع محددة ،تشكل خطأ تأديبياً ،وأن يتخذ قرار فتح التحقيق من السلطة المختصة ،ويشترط
لصحة قرار الوقف االحتياطي عن العمل ،أن يكون مستنداً إلى تحقيق صحيح من الناحية
القانونية ،ومن ثم فإذا أصدرت الجهة اإلدارية القائمة بالتحقيق ،استناداً إلى تحقيق باطل لكونه
مشوباً بعيب عدم االختصاص مثالً أو لفقده إحدى الضمانات الشكلية أو الموضوعية ،ق ار اًر بوقف
العامل المحال للتحقيق عن عمله فإن قرار الوقف يكون بدوره باطالً(.)65
وفي هذا الصدد ترى الباحثة عدم إمكانية صدور قرار من قبل الرئيس التنفيذي بإحالة الموظف
إلى التحقيق مع وقفه عن العمل سواء صدر في صلب قرار اإلحالة أو بقرار الحق عليه ،طالما
لم يكن قد شرع فعلياً في التحقيق وبعبارة أخرى إذا لم يكن هناك تحقيق مفتوح قد بدء فيه بعد فال
الهدف من وراء الوقف االحتياطي كما هو واضح من خالل نص المادة ( )86من قانون الموارد
البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة 2016يكمن في" إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك "،
والقول بغير ذلك هو تجاوز لصريح نص قانوني ال غموض فيه وال لبس.
د /عبد الفتاح حسن ،التأديب في الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص .158 ()64
د /عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،الموسوعة اإلدارية الشاملة في إلغاء القرار اإلداري وتأديب الموظف العام ،مرجع ()65
بل يجب أن تقتضي مصلحة التحقيق ذلك؛ ألن علة الوقف االحتياطي هي إبعاد الموظف عن
عمله أثناء التحقيق ليجري في جو خال من مؤثراته وبعيداً عن سلطاته حتى يسهل التوصل إلى
الحقيقة في أمر االتهام .وتقتضي مصلحة التحقيق الوقف االحتياطي في حالة ما إذا كان الموظف
الخاضع للتحقيق يتمتع بسلطة أو نفوذ ويخشى تبعاً لذلك ،في حالة استم ارره في العمل أن يؤثر
على سير التحقيق عن طريق إرهاب الموظفين اآلخرين الذين قد يستشهد بهم أو يحقق معهم ،أو
عن طريق إخفاء الوثائق والمستندات الدالة على االتهام ،أو توجيه التحقيق وجهة مضللة ،فيتمكن
بذلك من اإلفالت من العقاب ،ففي مثل هذه الحالة تدعو مصلحة التحقيق إلى إقصائه مؤقتاً عن
(.)66
الوظيفة حتى يتم التحقيق بعيداً عن أي مؤثرات
وعلى ذلك إذا لم يكن التحقيق يقتضي وقف الموظف أو انتفت دواعيه رغم وجود تحقيق
أصبح الوقف االحتياطي غير مبرر ،فعلة الوقف إذاً تكمن في مصلحة التحقيق ،فهذه المصلحة
هي ال تي تبرر في الواقع للسلطات التأديبية المختصة اتخاذ هذا اإلجراء ،حقيقة أن تقدير هذه
المصلحة أمر متروك لتلك السلطات ،حيث تتمتع في هذا الشأن بحرية واسعة في التقدير ،إال
أنه مما تجدر اإلشارة إليه أن هذه الحرية ليست مطلقة تباشرها كيفما تشاء ،ولكنها مقيدة في
خضوعها بعدم إساءة استعمالها ،من ثم فإنه يتحتم على السلطات المختصة أن تتأكد بداءة وقبل
أن تتخذ قرارها في هذا الشأن من أن مصلحة التحقيق تستلزم حقيقة وفعالً الوقف عن العمل ،أي
()67
. تتأكد من أن هذه المصلحة حقيقية وجدية وليست مصلحة وهمية أو مصطنعة
د /محمود أبو السعود حبيب ،قضاء التأديب ،دار اإليمان ،القاهرة ، 2004 ،ص .226 ()66
د /رمضان محمد بطيخ ،المسؤولية التأديبية لعمال الحكومة والقطاع العام وقطاع األعمال ،دار النهضة العربية ، ()67
تحقيق يجرى معه أو محاالً إليه ،استنادا ألسباب تجعل من المصلحة وقفه عن العمل؟
ويرى بعض الفقه ( )68أنه ال يلزم للوقف االحتياطي أن يكون ذلك لمصلحة التحقيق بالمعنى الضيق
وانما يجوز الوقف أيضاً إذا اقتضت مصلحة الوظيفة العامة ذاتها اتخاذ مثل هذا اإلجراء .كما
يذهب رأي أخر من الفقه ( )69إلى أنه ال يجوز التوسع في علة الوقف االحتياطي لتقرير جواز
الوقف للمصلحة العامة ،أو مصلحة الوظيفة التي يتقلدها الموظف الموقوف ،بل يجب التقيد بفكرة
وترى الباحثة أن عبارة ( مصلحة التحقيق ) يجب تفسيرها وقصرها على مصلحة التحقيق
كمبرر وحيد للوقف حسبما تقضي به النصوص ؛ ألن األحكام التأديبية شأنها شأن األحكام الجزائية
ال تقبل القياس أو التوسع فيها ،فضالً عن أن الخروج على ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إهدار
العلة التشريعية من تقرير ذلك اإلجراء االستثنائي في مرحلة لم تثبت بعد إدانة الموظف المنسوب
إليه المخالفة ،األمر الذي يتعارض وقرينة األصل في اإلنسان البراءة ،كما أن التفسير الواسع
لهذه العبارة من شأنه أن يؤدي إلى إلغاء الضمانات المقررة للموظف في مواجهة ذلك اإلجراء
الخطير ،بل إنه يتعارض وقصد المشرع من تنظيمه لهذا اإلجراء ،إذ إنه لو كان يقصد أن يجيز
الوقف لغير مصلحة التحقيق لما أعوزه النص على ذلك صراحة ،فضالً عن أن إطالق يد الجهة
اإلدارية في اتخاذ هذا اإلجراء ،دون قيد أو شرط بحجة حماية الوظيفة ،أو المصلحة العامة من
شأن ذلك أن يؤدي إلى عدم ضبط حالة االستقرار في المجتمع الوظيفي ،األمر الذي ينعكس سلباً
د /سليمان محمد الطماوي ،القضاء اإلداري ،قضاء التأديب ،مرجع سابق ،ص . 372 ()68
د /ماهر عبد الهادي ،الشرعية اإلجرائية في التأديب ،مرجع سابق ،ص 32و ص . 321 ()69
54
على حسن سير العمل في المرافق العامة ،حيث إن للوقف عن العمل خطورة تستدعي عدم
التوسع في تفسير النص ،خاصة إذا كان النص واضحاً وصريحاً .
وقد قضت المحكمة اإلدارية العليا المصرية في هذا الشأن بأنه ( ..ال يوجد في نصوص
القانون ما يسوغ لجهة اإلدارة اتخاذ هذا اإلجراء لغرض آخر ... ،وانما يجب على اإلدارة أن تلتزم
الوسيلة التي نص عليها القانون والغرض الذي شرعت من أجله ،وما دام المشرع قد أجاز الوقف
االحتياطي في أحوال معينة محددة على سبيل الحصر ،فال يجوز لجهة اإلدارة أن تلجأ إلى هذه
الوسيلة في غير ما شرعت له ،واال كان ذلك خروجاً على حدود التنظيم الذي رسمه المشرع ،
واهدار للحكمة التي استهدفتها من تخصيص لكل حالة اإلجراء الذي يناسبها . )70() ..
ومن ثم ترى الباحثة أن وقف الموظف احتياطياً عن العمل غير جائز إال إذا كان هناك تحقيق
إداري سواء وجد قرار بإحالة الموظف للتحقيق وكان التحقيق قد بدء فيه ويجرى مع الموظف،
طالما اقتضت مصلحة ذلك التحقيق هذا اإليقاف .ومن ثم فإذا صدر قرار الوقف بعد انتهاء
التحقيق اإلداري فإن هذا القرار والحال كذلك يكون فاقداً للسبب الذي قام عليه مشوباً بالبطالن.
خولت المادة ( )86من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة 2016الرئيس
التنفيذي سلطة إصدار قرار وقف الموظف المحال إلى التحقيق عن العمل إذا اقتضت مصلحة
التحقيق ذلك.
ومن ثم ترى الباحثة بطالن قرار الوقف إذا كان صاد اًر من وكيل الو ازرة المساعد أو من أحد
مديري اإلدارات.
انظر حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( )1957لسنة 34ق ،جلسة 1991/5/25م. ()70
55
والمالحظ أن المشرع القطري لم يتعرض لمسألة التظلم من قرار الوقف عن العمل الصادر
من الرئيس التنفيذي (وكيل الو ازرة) على عكس الحال بالنسبة لذات القرار إذا ما صدر من قبل
اللجنة التأديبية الوارد النص عليها في المادة ( )90من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم
( )15لسنة - 2016على نحو ما سنرى في هذا الشأن – من ثم نرى ضرورة تطبيق القواعد العامة
(.)71
الواردة في قانون المنازعات اإلدارية القطري رقم ( )7لسنة 2007
وال يمنع في نظر الباحثة من إمكانية الطعن في قرار الوقف استناداً إلى أن قانون المنازعات
اإلدارية القطري سالف الذكر ،لم يتضمن النص صراحة على ذلك ،حيث نصت الفقرة الثانية من
المادة ( )3من ذات القانون على أنه " تختص الدائرة اإلدارية ،دون غيرها ،بنظر المنازعات
اإلدارية التالية...الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بإلغاء الق اررات اإلدارية النهائية الصادرة بترقية
الموظفين من الدرجة األولى فما دونها وما يعادلها أو إنهاء خدمتهم ،والق اررات التأديبية الصادرة
بشأنهم" ،وذلك ألن القضاء اإلداري لم يقف مكتوف األيدي إيزاء الطعن أمامه على ق اررات تقييم
أداء الموظفين رغم عدم النص على إمكانية الطعن عليها من قبل المشرع ،ومن ثم بالقياس يمكن
كما تعتقد الباحثة بأنه من الجائز االستناد إلى نص المادة( )3باعتبار احتمال أن يكون قرار الوقف
( )71حيث نصت المادة ( )6على " أن ميعاد رفع دعوى اإللغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار اإلداري المطعون فيه في
الجريدة الرسمية ،أو في النشرات التي تصدرها الجهات اإلدارية ،أو إعالن صاحب الشأن به ،أو ثبوت علمه به علماً يقينياً.
وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الجهة اإلدارية ،ويجب أن يبت في التظلم خالل ستين يوماً من تاريخ تقديمه ،واذا
صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسبباً .ويعتبر فوات ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة،
بمثابة رفضه ،ويحسب ميعاد رفع الدعوى من تاريخ الرفض الصريح أو الضمني بحسب األحوال ".
56
ومن جانب أخر خولت المادة ( )90من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم( )15لسنة
" 2016اللجنة التأديبية" سلطة النظر في إيقاف الموظفين المحالين للمساءلة أمامها من شاغلي
وظائف الدرجات الثانية فما دونها ،وتوقيع الجزاء المناسب عليهم ،وتمديد إيقافهم سواء كان اإليقاف
صاد اًر بقرار منها أم بقرار من الرئيس التنفيذي .علماً بأنه ال يكون انعقاد اللجنة صحيحاً إال
وتجدر اإلشارة إلى أن هذه اللجنة تُشكل بقرار من الوزير ،في كل جهة حكومية ،وتتكون من
رئيس وعضوين ال تقل درجة أي منهم عن الدرجة الثانية ،ويكون أحد العضوين ممثالً عن الوحدة
اإلدارية المختصة بالموارد البشرية بالجهة الحكومية واآلخر ممثالً عن الوحدة اإلدارية المختصة
بالشؤون القانونية .واذا كانت السلطة اإلدارية – في األحوال السابقة – تملك حق وقف العامل
مؤقتاً عن أعمال وظيفته ،لمصلحة ما يجري معه من تحقيقات ،فإن لها أيضاً أن تعدل عن قرار
وقف العامل ،وأن تعيده إلى عمله قبل انتهاء التحقيق الذي تم الوقف بسببه ،وهو ما قد يحدث
ولكن هل يجوز التظلم من قرار اللجنة التأديبية الصادر بالوقف عن العمل أو بمده؟
أجابت على ذلك المادة ( )91حيث يستفاد منها أنه يجوز للموظف أن يتظلم من قرار اللجنة
التأديبية الصادر بالوقف أو بمده إلى الوزير خالل ثالثين يوماً من تاريخ إخطاره بهذا القرار ،على
أن يبت الوزير في التظلم في مدة ال تجاوز ستين يوماً من تاريخ تقديمه ،ويعتبر مضي هذه المدة
دون البت في التظلم رفضاً ضمنياً له ،وتختص الدائرة اإلدارية بالمحكمة االبتدائية بنظر الطعن
د /عبد الفتاح حسن ،التأديب في الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص .158 ()72
57
كما خولت المادة ( )93المجلس الدائم للتأديب من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم
( )15لسنة 2016إيقاف الموظفين المحالين للمساءلة أمامه من شاغلي وظائف الدرجات من
وكيل و ازرة مساعد إلى األولى وتمديد إيقافهم ،سواء كان اإليقاف صاد اًر بقرار من الرئيس
نظ اًر لخطورة هذا اإلجراء واآلثار المترتبة عليه بالنسبة للموظف المحال للمساءلة التأديبية ،فقد
أحاطه المشرع التأديبي القطري بقيد جوهري يجب على الجهة اإلدارية مراعاته عند مباشرتها لهذا
اإلجراء ،يكمن في ضرورة تأقيت مدة الوقف االحتياطي بفترة زمنية محددة .حيث إنه إذا طالت
مدته فإنه يتحول إلى نوع من العزل من الوظيفة ،أو العقوبة المقنعة ،مع أنه يرد على موظف
الجدير بالذكر أن المجلس الدائم للتأديب يشكل برئاسة وزير التنمية اإلدارية والعمل والشؤون االجتماعية ،ووكيل و ازرته ()73
نائباً له ،وعضوية كل من :قاض بمحكمة االستئناف ،يختاره رئيس المجلس األعلى للقضاء ،وممثل عن ديوان المحاسبة،
ال تقل وظيفته عن مدير إدارة ،يختاره رئيس ديوان المحاسبة ،وممثل عن و ازرة العدل ال تقل وظيفته عن مدير إدارة ،يختاره
وزير العدل.
وال يكون انعقاد المجلس صحيحاً إال بحضور الرئيس أو نائب الرئيس واألعضاء ،ويصدر المجلس ق ارراته بأغلبية اآلراء وعند
التساوي يرجح الجانب الذي منه الرئيس .انظر في ذلك نص المادة ( )92من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم (
) 15لسنة .2016
د /ماهر عبد الهادي ،الشرعية اإلجرائية في التأديب ،مرجع سابق ،ص . 320 ()74
58
لذا نصت الفقرة الثانية من المادة( )86في قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15
لسنة 2016على أنه" ...وال يجوز أن تزيد مدة اإليقاف على ثالثين يوماً إال بقرار من الهيئة
التأديبية".
ومن هذا النص يتضح أن المشرع قد حدد لجهة اإلدارة حداً أقصى لوقف الموظف عن العمل
احتياطياً ،وذلك بثالثين يوماً إذا تحقق سببه ،بحيث ال يجوز لها تجاوز هذا الحد .وعليه فإن هذا
القيد على السلطة اإلدارية يعد بحق ضمانة للموظف محل المساءلة التأديبية ،في مواجهة السلطة
التقديرية التي تتمتع بها جهة اإلدارة في هذا اإلجراء ،بشرط أال تتجاوز الحد الذي وضعه الشارع
لها .وعلى الرغم من صراحة النص في أن مد فترة الوقف لمدة تزيد عن ثالثين يوماً البد وأن يتم
بموافقة الهيئة التأديبية المختصة ،إال أن التساؤل المثار هل يحتم القول ببطالن وقف الموظف
ألي فترة تزيد عن ذلك دون الحصول على موافقة الهيئة المذكورة؟
ترى الباحثة أن هذه المدة ليست مجرد مدة تنظيمية ،بل إجراء جوهري يترتب على تجاوزها
البطالن حتى ولو لم يقرر المشرع هذا الجزاء ،حيث إنه يجب تفسير النصوص لصالح الموظف
باعتباره الطرف الضعيف ،طبقاً لمبدأ أن الشك يفسر لمصلحة المتهم ،وبالتالي فإن زيادة فترة
الوقف عن ثالثين يوماً ال يمكن تصحيحها بإقرار الهيئة التأديبية لهذا الوضع عند عرض األمر
وبناء على ذلك ،فإن ما يصدر من ق اررات من الجهات اإلدارية عن مدد تربو على ثالثين
ً عليها.
يوماً ال يصححها إقرار الهيئة التأديبية لهذا الوضع عند عرض األمر على هذه األخيرة بعد ذلك،
( )75انظر في ذلك نص المادة ( )90من قانون الموارد البشرية القطري والتي جرى نصها على ما يلي " :تُشكل بقرار من
الرئيس ،في كل جهة حكومية ،لجنة تُسمى "اللجنة التأديبية" من رئيس وعضوين ال تقل درجة أي منهم عن الدرجة الثانية،
59
وعلى الرغم من أن المشرع القطري لم يقيد الهيئة التأديبية ،سواء تمثلت في اللجنة التأديبية في
نص المادة( )90أو المجلس الدائم للتأديب في نص المادة( )93بمدة معينة للوقف ،إال أننا نرى
ضرورة تحديد حد أقصى لهذه المدة حتى ال تتحول في حقيقتها إلى جزاء تأديبي مقنع تحت ستار
التحقيق اإلداري ،ونقترح بأال تتجاوز هذه المدة ثالثة أشهر اتساقاً مع نص المادة ( )89والذي
يقرر الجزاءات التأديبية التي يجوز للهيئة التأديبية توقيعها على الموظف بالنسبة لشاغلي وظائف
الدرجات من الثانية فما دونها الوقف عن العمل ،مع خصم نصف الراتب اإلجمالي لمدة ال تزيد
على ثالثة أشهر ،وبالنسبة لشاغلي وظائف الدرجات من وكيل و ازرة مساعد إلى األولى أو ما
يعادلها من الراتب الوقف عن العمل مع خصم نصف الراتب اإلجمالي لمدة ال تزيد على ثالثة
أشهر.
وتملك اإلدارة أن تعدل عن قرار وقف الموظف احتياطياً وتعيده إلى عمله قبل انتهاء التحقيق
(،)76
ومن ثم فإن جهة اإلدارة تملك تعديل قرار الوقف االحتياطي سواء كان الذي تم الوقف بسببه
ال عن اإلدارة ،واآلخر ممثالً عن الوحدة اإلدارية المختصة بالشؤون القانونية ،وتختص اللجنة بما
ويكون أحد العضوين ممث ً
يلي - :تأديب شاغلي وظائف الدرجات الثانية فما دونها ،وتوقيع الجزاء المناسب عليهم.
وكذلك النظر في إيقاف الموظفين المحالين للمساءلة أمامها ،وتمديد إيقافهم سواء كان اإليقاف صاد اًر بقرار منها أم بقرار
وال يكون انعقاد اللجنة صحيحاً إال بحضور رئيس اللجنة واألعضاء .وتصدر اللجنة ق ارراتها بأغلبية اآلراء " ،وكذلك يراجع
نص المادة ( )93من قانون الموارد البشرية القطري والتي جرى نصها على ما يلي " يختص المجلس الدائم للتأديب بما
يلي :تأديب شاغلي وظائف الدرجات من وكيل و ازرة مساعد إلى األولى ،وتوقيع الجزاء المناسب عليهم وكذلك النظر في
إيقاف الموظفين المحالين للمساءلة أمامه ،وتمديد إيقافهم ،سواء كان اإليقاف صاد اًر بقرار من الرئيس التنفيذي أم بقرار من
المجلس".
انظر األستاذ /مغاوري محمد شاهين ،المساءلة التأديبية ،مرجع سابق ،ص . 296 ()76
60
بزيادة مدته – إلى الحد األقصى -أو بإنقاص تلك المدة طالما كان هذا التعديل في حدود المدة
المسموح بها قانوناً ،وال يؤثر على صحة قرار الوقف الصادر من جهة اإلدارة عدم تحديد مدة
الوقف؛ ألنها تستطيع أن تتدارك هذا األمر بإصدار قرار الحق يحدد المدة ،أما إذا لم تصدر مثل
الفرع الثالث
يترتب على وقف الموظف عن العمل احتياطياً في القانون القطري بعض اآلثار التي تمس مركزه
الوظيفي ،وامتيازاته المادية والمعنوية ،كإبعاده عن العمل ،والراتب ،والترقية ،وطلب االستقالة،
من المقرر أن الوقف االحتياطي هو إسقاط والية الوظيفة عن الموظف مؤقتاً ،حيث ال يباشر
الموظف الموقوف أي عمل من أعمال وظيفته ،وال يتولى في تلك الفترة أي سلطة أو اختصاص،
وذلك لتحقيق الحكمة التي يبتغيها المشرع من إجراء الوقف ،وصوالً إلى الحقيقة في الخطأ التأديبي
محل المساءلة التأديبية ،وبذلك يختلف الوقف عن العمل عن األسباب األخرى النقطاع الموظف
عن عمله كالمرض واإلجازة ،ففي هذه الحاالت تستمر والية الموظف قانوناً على وظيفته ،وال
61
تنقطع صلته بالعمل ،ويستطيع خاللها القيام بالواجبات الوظيفية التي تدخل في اختصاصه،
واذا مارس الموظف الموقوف عمالً من أعمال الوظيفة ،فإن هذا العمل يعتبر منعدماً لصدوره
من شخص ال والية له أصالً بالقيام به ،وذلك ما لم تصحح هذه األعمال نظرية الموظف الفعلي
إذا ما توافرت شروطها ،ولكن إذا لم تتوافر شروط هذه النظرية ،فإن األعمال الصادرة عن الموظف
الموقوف تبقى منعدمة ،ولو صدر بعد ذلك حكم بإلغاء قرار الوقف ؛ ألن األصل في التصرفات
. اإلدارية أن تقدر صحتها في تاريخ صدورها دون النظر إلى االعتبارات الالحقة
()78
وترى الباحثة أنه ال يترتب على الوقف االحتياطي عن العمل أن يتحلل الموظف من واجباته
الوظيفية خارج نطاق الوظيفة ،إذ يظل خاضعاً لها باعتبار أن العالقة الوظيفية قائمة ولم تنفصم
بعد ،وبذلك يمتنع عليه أن يؤدي عمالً للغير بمكافأة ،أو بدون مكافأة أو مزاولة األعمال التجارية
بما يتعارض أو يتضارب في المصالح بين أنشطته الخاصة ومصالح الجهة الحكومية ومشروعاتها،
أو أن يكون من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في مصلحة له أو ألحد أقاربه حتى
الدرجة الرابعة ،أو أن يسلك سلوكاً ال يتفق وكرامة الوظيفة ،وغير ذلك من الواجبات األخرى .
يعتبر الراتب هو المقابل المادي الذي يحصل عليه الموظف مقابل العمل الذي يؤديه ،ومن ثم فهو
عنصر أساسي من عناصر نظام الوظيفة العامة ووسيلة تسمح للموظف بالمحافظة على مستوى
.
اجتماعي يتناسب مع مكانته الوظيفية
انظر اإلستاذ /مغاوري محمد شاهين ،القرار التأديبي ( ضماناته ورقابته ) ،مرجع سابق ،ص .459 ()77
د /ماهر عبد الهادي ،الشرعية اإلجرائية في التأديب ،مرجع سابق ،ص 327وما بعدها. ()78
62
والجدير بالذكر طبقاً لما نصت عليه المادة ( )87من قانون الموارد البشرية المدنية القطري أن
المشرع القطري لم يتطرق إلى أثر الوقف االحتياطي على الراتب( .)79والمستفاد ضمناً من النص
سالف الذكر ،هو إقرار المشرع القطري لصرف كامل الراتب اإلجمالي للموظف الموقوف عن
عمله ،وذلك تأسيساً على أن الراتب في الغالب األعم بالنسبة للموظف يمثل المصدر الوحيد لدخله،
إال أن الباحثة ترى أنه كان من األفضل أن يوازن المشرع القطري في الوقف االحتياطي بين
اعتبارين مهمين في هذا الشأن ،مراعاة ظروف الموظف الموقوف في فترة لم يثبت الخطأ التأديبي
في حقه بعد ،ومقتضيات العدالة التي تقضي بأن األجر مقابل العمل ،والموظف لم يؤد أي عمل
الترقية أمر بالغ األهمية في حياة الموظف العام ،فهي كما يراها بعض الفقه ( )80أن يشغل الموظف
وظيفة في مستوى تنظيمي أعلى من وظيفته الحالية من حيث اتساع السلطة وازدياد المسؤولية،
وذلك بعد استيفائه الشتراطات شغل الوظيفة المراد الترقية إليها بما يقترن بذلك من التمتع بمزايا
مادية ومعنوية أفضل .غير أن هناك موانع من الترقية ،وهي أسباب تقوم بالموظف وتحول دون
حيث نصت المادة ( )87من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة "2016كل موظف ُيحبس ()79
احتياطياً ،أو تنفيذاً ألمر أو حكم قضائيُ ،يوقف بقوة القانون عن عمله مدة حبسه ،ويتم صرف راتبه اإلجمالي في الحالة
األولى ،ويوقف صرف نصف راتبه األساسي في الحالة الثانية مع احتفاظه بالعالوة االجتماعية".
د /إيهاب حسني عوض ،ضوابط الترقية وموانعها في القانون القطري ،مجلة مركز الدراسات القانونية والقضائية ، ()80
و ازرة العدل بدولة قطر ،العدد الثاني ،قطر 2016 ،ص. 426
63
ترقيته بالرغم من توافر شروطها فيه ،وهذه ال تتقرر إال بالنص الصريح عليها ،ومن بين هذه
ويترتب على وقف الموظف عن العمل حرمانه من الترقية خالل مدة الوقف ،فالترقية تحمل
في طياتها معنى التكريم ،والثقة في الموظف المرقى وال يتفق مع هذا المعنى إحالة الموظف إلى
المحاكمة الجنائية أو التأديبية ،أو وقفه عن العمل ؛ ألن هذه األوضاع الثالثة تلقى بظالل من
الموظف عن الترقية ،مع مواجهة احتمال براءته مما نسب إليه ،فالمنع من الترقية ليس بعقوبة
تأديبية ،ولكنه إجراء وقائي مؤقت يتقرر مصيره في ضوء ما تسفر عنه محاكمة الموظف جنائياً
أو تأديبياً(.)82
ويتضح من هذا نص المادة ( )100سالفة الذكر أن المنع من ترقية الموظف الموقوف عن
العمل أو المحال إلى المحاكمة التأديبية الجنائية هو حظر مؤقت يدور مع الوقف وجوداً وعدماً،
إليه الوقف ،فإذا انتهى بسبب حفظ التحقيق ،فإن الموظف يسترد حقه في الترقية من التاريخ الذي
حلت فيه وكأنه لم يوقف عن العمل ،وكذا الحال إذا انتهى الوقف بمجازاة الموظف بإحدى الجزاءات
التأديبية البسيطة مثل جزاء اإلنذار أو الخصم من الراتب ال يجاوز ثمانية أيام ،وجب عند ترقيته
()83
. احتساب أقدميته في الدرجة المرقي إليها من تاريخ استحقاقه للترقية
إذ نصت المادة ( )100من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة "2016ال يجوز ترقية الموظف ()81
المحال إلى المساءلة التأديبية أو المحاكمة الجنائية أو الموقوف عن العمل طوال مدة اإلحالة أو الوقف".
د /سليمان محمد الطماوي ،القضاء اإلداري ،قضاء التأديب ،مرجع سابق ،ص . 344 ()82
انظر الفقرة الثانية من المادة ( )100من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة 2016م . ()83
64
أما إذا وقع عليه جزاء الخصم الذي يجاوز ثمانية أيام إلى خمسة عشر يوماً ،فال يجوز
النظر في ترقيته إال بعد انقضاء ثالثة أشهر ،وستة أشهر في حالة الخصم من الراتب مدة تزيد
()84
.حيث إنه ال تجوز ترقية العامل الموقوف عن العمل طيلة مدة الوقف على خمسة عشر يوماً
والى أن يزول سبب هذا الوقف ،ومعنى ذلك أن هناك ارتباط بين عدم الترقية وبين سريان مدة
الوقف االحتياطي ،ولهذا إذا رجعت السلطة المختصة في قرارها خالل األشهر الثالثة المقررة
للوقف أو رفضت المحكمة التأديبية مد فترة الوقف ،ولم يكن الموظف قد أحيل إلى المحاكمة
(.)85
التأديبية ،فإنه يسترد صالحيته للترقية لزوال سبب المنع
وقد قضت المحكمة اإلدارية العليا المصرية عن أسباب عدم ترقية الموظف المحال إلى
المحاكمة التأديبية أو الموقوف عن العمل في مدة اإلحالة أو الوقف في إحدى أحكامها " بأن ما
نص عليه القانون من عدم ترقية الموظف المحال إلى المحاكمة التأديبية أو الموقوف عن العمل
في مدة اإلحالة أو الوقف ،إنما يقرر أصالً من األصول التي يتضمنها حسن سير اإلدارة وتنظيمه
على نحو يوفق بين مصلحة الموظف حتى يفصل فيما نسب إليه مما استوجب محاكمته تأديبياً ،
فال يجوز ترقيته خالل ذلك وال يكون الموظف بصالح وقتئذ للترقية ،فالترقية في هذه الحالة تظل
معلقة على شرط أن تثبت عدم إدانته في تلك المحاكمة "(. )86
انظر البند رقم 1،2من المادة ( )101من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة 2016م . ()84
د /رمضان محمد بطيخ ،المسؤولية التأديبية لعمال الحكومة والقطاع العام وقطاع األعمال فقهاً وقضاء ،مرجع سابق، ()85
ص . 236
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 1398لسنة 6قضائية عليا ،جلسة 1963/6/29م ،مجموعة ()86
نصت المادة ( )109من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة 2016في فقرتها
األخيرة على أنه " إذا أحيل الموظف إلى المساءلة التأديبية ،فال تقبل استقالته إال بعد صدور قرار
وبحكم المنطق العقلي السليم ،فإن االستقالة ال تقبل في حالة كون الموظف محاالً إلى
المساءلة التأديبية ،سواء بموجب تحقيق إداري يجري معه من قبل الشؤون القانونية أو الهيئة
الموظف طوق نجاة وأداة للفرار رغم ارتكابه المخالفة التأديبية ،وبما ال يمكن معه توقيع الجزاء
عليه.
66
المبحث الثاني
تمهيد:
تختلف التشريعات الوظيفية فيما بينها في تحديد الجهة المختصة بالتحقيق مع العامل فيما هو
منسوب إليه من تهم سواء أكانت مالية أو إدارية أو مسلكية ،فبعض التشريعات تأخذ بازدواج سلطة
التحقيق ،فإلى جانب الجهة اإلدارية تمارسه أيضاً جهة قضائية أو إدارية مستقلة ،في حين تأخذ
بعض التشريعات بوحدة سلطة التحقيق أي مباشرته بواسطة اإلدارة منفردة( .)87فقد يصل الوضع
في بعض الدول إلى مشاركة السلطة القضائية في مباشرة هذا االختصاص ،فتكون بذلك سلطة
تأديبية ولكنها ليست إدارية بل قضائية ،وذلك تغليباً للطابع القضائي في محاكمة الموظف العام
()88
. تأديبياً
وقد تناول المشرع القطري في القانون رقم ( )15لسنة 2016السلطة المختصة بمباشرة التحقيق
اإلداري مبيناً كيفية التصرف فيه بشكل تفصيلي ،حيث عهد المشرع بسلطة التحقيق إلى كل من
الجهة اإلدارية ،سواء عن طريق مباشرته من قبل إدارة الشؤون القانونية ،أو اللجنة التأديبية أو
د /سعد نواف العنزي ،الضمانات اإلجرائية في التأديب ،دراسة مقارنة ،رسالة دكتوراه ،جامعة القاهرة ،بدون دار ()87
اإلداري (مطلب أول) ،سلطات المحقق اإلداري (مطلب ثان) ،التصرف في التحقيق( ،مطلب
المطلب األول
األصل في الحق في تأديب الموظف العام يعود إلى الجهة اإلدارية التي يتبعها في حالة ارتكابه
مخالفة تأديبية ،وذلك ألن التأديب يعتبر أحد عناصر السلطة الرئاسية التي يباشرها الرئيس اإلداري.
حيث يتم االعتراف بسلطة التأديب كاملة للرئيس اإلداري وخاصة على المستوى القيادي األعلى،
على أساس أن هذا الرئيس هو المسؤول األول عن تحقيق أهداف الجهاز اإلداري ،ومباشرة
االختصاصات المعهودة إليه بمعاونة موظف من المرؤوسين له ،وبالتالي يكون منطقياً أن يتولى
الرئيس اإلداري الرقابة على أعمال وتصرفات هؤالء الموظفين ،والكشف عن أخطائهم والتصرف
حيالها ،باعتباره األكثر قرباً من الظروف بالعمل اإلداري ،وما ينجم خالله من أخطاء أو
مخالفات ،وما يتناسب مع هذه األخطاء والمخالفات من عقوبات واجراءات تأديبية ،فقد يرى أن
المصلحة العامة قد تقتضي في ظروف معينة التجاوز عن المخالفة رغم ثبوت وقوعها في حق
د /حمدي عطية مصطفى عامر ،أحكام الموظف العام في النظام القانوني الوضعي واإلسالمي ،مرجع سابق ،ص ()89
. 500
68
ويالحظ في هذا الشأن أن بعض التشريعات تفضل توزيع السلطات التأديبية ما بين جهة
اإلدارة أو لجان إدارية أحياناً يضمنها المشرع بعنصر قضائي ،معتمدة في ذلك على أكثر من
معيار كمستوى الموظف العام المخالف مثالً ،أو مدى ما تتمتع به كل سلطة من حرية في اختيار
العقوبات التأديبية والتي يجوز لها أن تختار من بينها ما يتناسب مع المخالفة التأديبية .هذا وقد
قرر المشرع القطري في الفقرة األولى من نص المادة ( ) 83من قانون الموارد البشرية المدنية
القطري رقم ( )15لسنة " 2016أن تتولى الشؤون القانونية ،أو أحد القانونيين بالجهة الحكومية
وبناء على ذلك ،يعد حق الجهة اإلدارية في إجراء التحقيق مع موظفيها حق أصيل ،وتختص
ً
الجهة الرئاسية التي يتبعها العامل بالتحقيق معه ،وهي الجهة ذات االختصاص األصيل في هذا
الشأن واألقدر على إجراء التحقيق باعتبار أن التحقيق هو امتداد للسلطة الرئاسية(.)90
غير أنه يعيب هذا االتجاه ،شعور الموظف بأن الرئيس اإلداري عندما يمارس سلطته الرئاسية
وما تتضمنه من سلطة تأديبية في ذات الوقت فإنه يجمع بين صفتي الخصم والحكم ،مما يؤثر
ووفقاً لنص المادة ( ،)83سالفة الذكر تقوم الجهة اإلدارية بالتحقيق مع موظفيها بإحدى
طريقتين:
األولى :إدارة متخصصة تلحق بالجهة الرئاسية يطلق عليها إدارة الشؤون القانونية.
د /محمد جودت الملط ،المسؤولية التأديبية ،مرجع سابق ،ص . 183 ()90
69
الثانية :أن يعهد به إلى أحد القانونيين ،بذات الجهة الحكومية عن طريق التكليف للتحقيق في
فالقاعدة إ ًذا أن تتولى الشؤون القانونية بالجهة الحكومية التحقيق في المخالفات المنسوبة إلى أي
من موظفيها ،باعتبارها صاحبة االختصاص األصيل في مباشرة هذا اإلجراء ،ومن ثم يعد باطالً
قيام أحد موظفي الجهة الحكومية ،كمديري اإلدارات ،أو الوكالء المساعدين بمباشرة التحقيق
الثانية :إذا كانوا من القانونيين بالجهة الحكومية ،لكن لم يصدر لهم تكليف من الرئيس أو الوكيل
بمباشرة التحقيق ،كأن يكون بناء على طلب أو بإيعاز من مدير الشؤون القانونية.
وعليه فإذا صدر تكليف من الرئيس أو الوكيل بمباشرة التحقيق ألحد القانونيين بالجهة الحكومية،
بمناسبة التحقيق في المخالفات المنسوبة إلى أي من موظفي هذه الجهة ،كان التحقيق صحيحاً،
استثناء من مباشرة الشؤون القانونية للتحقيق في المخالفات المنسوبة إلى أي من موظفيها،
ً ويعد ذلك
ولعل السبب في ذلك قد يكون مرده عدم وجود محققين في إدارة الشؤون القانونية على درجة أعلى
أو مساوية لدرجة المحقق معه ،أو قيامهم بإجازتهم الدورية أو ندبهم أو إعارتهم أو نقلهم لعمل
خارجي ،وقت حدوث الواقعة محل التحقيق ،أو استشعار محقق الشؤون القانونية الحرج
وتنحيه...الخ .
المطلب الثاني
إذا باشرت الجهة اإلدارية التحقيق فإن للمحقق اإلداري االطالع على األوراق وسماع الشهود دون
حلف يمين ،وله اتخاذ كافة اإلجراءات الداخلية الالزمة إلظهار الحقيقة ،دون أن يكون لطريقة
سير التحقيق أسلوباً معيناً يلتزمه ،إذ إن المشرع لم يرسم طريقاً خاصاً له ،أو يرتب ثمة بطالن
70
فيما يسلكه المحقق من إجراءات ،غاية األمر ،أنه يستلهم في ذلك األصول العامة في التحقيق
وضوابطه ،بحيث تتوافر له كل مقومات التحقيق القانوني الصحيح ،وهو أمر تقتضيه العدالة
على المحقق فور انتهاء التحقيق إعداد مذكرة تتضمن بياناً وافياً بموضوع الواقعة أو المخالفة محل
التحقيق ،ومناقشة الوقائع واألدلة والقوانين المطروحة ،مع بيان مدى صحة الواقعة ،ومدى نسبتها
على عامل معين ،وما تنطوي عليه من خروج على مقتضى الواجب في أعمال الوظيفة ،ويخلص
في النهاية إلى تحديد الوصف القانوني للواقعة أو الوقائع موضوع التحقيق مع تحديد مواد اإلسناد
بالنسبة إلى كل مخالفة على حدة ،والظروف المشددة أو المخففة للواقعة أو الوقائع محل التحقيق.
مع بيان بالرأي الذي ينتهي إليه من حيث اقتراح تقرير المسؤولية أو الحفظ أو اإلحالة إلى الهيئة
(.)92
التأديبية أو النيابة العامة
حيث تحتم الالئحة التنفيذية على المحقق بعد انتهائه من التحقيق أن يعد مذكرة بالرأي فيما
هو منسوب إلى الموظف ويعرضها مع محاضر التحقيق وأدلة اإلثبات أو النفي على الرئيس
التنفيذي للتصرف في التحقيق .وبعبارة أخرى ،يجب على المحقق فور االنتهاء من التحقيق ،إعداد
د /مغاوري محمد شاهين ،المساءلة التأديبية ،مرجع سابق ،ص . 267 ()91
( )92لواء د /محمد ماجد ياقوت ،شرح القانون التأديبي للوظيفة العامة ،دار الجامعة الجديدة ،مصر ، 2004 ،ص 914
وما بعدها.
71
مذكرة تتضمن بياناً وافياً بموضوع المخالفة التأديبية المنسوبة إلى الموظف ،ومناقشة الوقائع
واألدلة الواردة بشأنها ،وبيان صحة كل واقعة ومدى نسبتها للموظف ،وموقف القانون منها ،وما
وبالتالي يخلص في النهاية إلى تحديد الوصف القانوني للواقعة أو الوقائع موضوع التحقيق
باعتباره رجل قانون ،تلك الصفة التي يفتقدها الرئيس التنفيذي إن لم يكن قانونياً ،فضالً عن تحديد
المواد القانونية محل المخالفة ،وبيان الظروف المشددة أو المخففة للواقعة أو الوقائع محل التحقيق
.وبالتالي يخلص في النهاية إلى تحديد الوصف القانوني للواقعة أو الوقائع موضوع التحقيق مع
تحديد المواد القانونية محل المخالفة ،وبيان الظروف المشددة أو المخففة للواقعة أو الوقائع محل
التحقيق .
وأخي اًر يدلي المحقق برأيه الذي ينتهي إليه من حيث تقرير المسؤولية ،ومن ثم اقتراح توقيع العقوبة
المناسبة ،أو اقتراح حفظ التحقيق لألسباب التي يحددها ،أو اقتراح اإلحالة للهيئة التأديبية أو النيابة
العامة(.)93
.2سلطة المحقق في إدخال موظف غير الوارد في قرار اإلحالة للتحقيق معه:
يتناول التحقيق ما يعرض خالله من وقائع تنطوي على مخالفات أو خروج على مقتضى الواجب
حتى ولو لم تتصل بالواقعة األصلية ،فإذا تبين للمحقق أن لموظف آخر عالقة بموضوع التحقيق-
وهذا أمر طبيعي كثي اًر ما يحدث -تعين على المحقق رفع األمر للرئيس التنفيذي الذي يأمر
باستدعاء الموظف للتحقيق معه ،وان كنت أرى أنه من األفضل أن تعطي هذه السلطة للمحقق
القائم بالتحقيق يباشرها بنفسه ،وذلك لسرعة تحقق الغاية من هذا اإلجراء ومثوله أمام التحقيق حتى
د /سعد الشتيوي ،التحقيق اإلداري في نطاق الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص 64وما بعدها. ()93
72
تتكشف الحقيقة ،وال تكون لديه فرصة لطمس أدلة االتهام ضده ،أو العبث بها أو تأثيره فيمن
إذا تبين من خالل التحقيق وجود شبهة ارتكاب جريمة جنائية ،ال يملك المحقق إحالة الموظف
المتهم إلى النيابة العامة ،بل يتعين عليه عرض األمر على الرئيس التنفيذي إلبالغ النيابة العامة
أو استكمال التحقيق( .)94وال يترتب على إبالغ النيابة العامة اإلخالل بحق الجهة الحكومية في
يملك المحقق سلطة استدعاء الشهود ،سواء كانوا شهود نفي أو إثبات ،يرى وفقاً لسلطته التقديرية
أن سماع شهادتهم وأقوالهم قد يفيد التحقيق وكشف الحقيقة ،وقد رتب المشرع القطري جزاء المساءلة
التأديبية ( ،)95على كل موظف يستدعى لسماع شهادته في التحقيق ويمتنع عن الحضور أو عن
اإلدالء بما لديه من معلومات دون عذر مقبول .ويجب على المحقق سماع الشهود وتقديم أدلة
اإلثبات األخرى في مواجهة الموظف المحال للتحقيق ،ما لم ير المحقق أن مصلحة التحقيق
انظر نص المادة ( )95من الالئحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة . 2016 ()94
انظر نص المادة ( )96من الالئحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة . 2016 ()95
انظر نص المادة ( )97من الالئحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة . 2016 ()96
73
المطلب الثالث
التصرف في التحقيق
بعد االنتهاء من التحقيق يعد المحقق مذكرة بالرأي فيما هو منسوب إلى الموظف ،ويعرضها مع
محاضر التحقيق وأدلة اإلثبات أو النفي على الرئيس التنفيذي للتصرف في التحقيق(.)97
ويعتبر التصرف في التحقيق المرحلة الثانية بعد مباشرة التحقيق مع الموظف العام ،فإذا انتهت
واألدلة وأقوال الشهود وغيرها ،سواء أكان ذلك بثبوت المخالفة واسنادها إلى الموظف المتهم أم
ببراءة هذا األخير مما نسب إليه – فإن المرحلة التي تلي ذلك هي إصدار أمر بالتصرف في
التحقيق(.)98
والجدير بالذكر وطبقاً للمستفاد من نص المادة ( )85من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم
( )15لسنة 2016على أنه " يجوز للرئيس التنفيذي بعد االطالع على التحقيق ،وبما له من
سلطة تقديرية ،أن يأمر بحفظ التحقيق أو إحالة الموظف المحقق معه إلى الهيئة التأديبية المختصة
لمساءلته ،أو االكتفاء بتوقيع جزاء من الجزاءات المدرجة في ذات المادة على الموظف
المخالف"( .)99فالتصرف في التحقيق الذي تتواله الجهة اإلدارية ينتهي إلى اتخاذ أحد المواقف
انظر نص المادة ( )98من الالئحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة .2016 ()97
د /محمود عاطف البنا ،مبادئ القانون اإلداري ،دار الفكر العربي ،جامعة القاهرة ،القاهرة 2012 ،م ،ص .221 ()98
وقد جرى نص المادة ( ) 85على أنه " للرئيس التنفيذي بعد االطالع على التحقيق ،أن يأمر بحفظ التحقيق أو إحالة ()99
الموظف المحقق معه إلى الهيئة التأديبية المختصة لمساءلته ،أو االكتفاء بتوقيع جزاء على الموظف وفقاً لما يلي:
-1بالنسبة لشاغلي وظائف الدرجات من الثانية فما دونها:
أ -اإلنذار.
74
التالية ،إما حفظ التحقيق ،أو توقيع العقوبة التأديبية للمخالف ،أو إحالة األوراق إلى الهيئة التأديبية،
وأخي اًر إحالة الموضوع إلى النيابة العامة .ونرى أنه من األفضل أن نخصص لكل فرض مما سبق
الفرع األول
حفظ التحقيق
أناط المشرع للرئيس التنفيذي بعد االطالع على التحقيق ،وبما له من سلطة تقديرية ،أن يأمر
()100
يميز في هذا الشأن ،بين نوعين من حفظ التحقيق هما ،الحفظ بحفظ التحقيق ،إال أن الفقه
ب -الخصم من الراتب لمدة ال تجاوز خمسة وأربعين يوماً في السنة ،على أال تزيد مدته في المرة الواحدة على خمسة عشر
يوماً.
-2بالنسبة لشاغلي وظائف الدرجات من وكيل و ازرة مساعد إلى األولى أو ما يعادلها من الراتب:
ج -الخصم من الراتب لمدة ال تجاوز عشرين يوماً في السنة ،على أال تزيد مدته في المرة ب -اللوم. أ -التنبيه.
وللموظف أن يتظلم من القرار الصادر بتوقيع الجزاء التأديبي إلى الرئيس خالل ثالثين يوماً من تاريخ إخطاره به ،ويبت
الرئيس في التظلم في مدة ال تجاوز ستين يوماً من تاريخ تقديمه ،ويعتبر مضي هذه المدة دون البت في التظلم رفضاً ضمنياً
له.
انظر د /سليمان الطماوي ،القضاء اإلداري ،قضاء التأديب ،مرجع سابق ،ص . 497د /ماجد راغب الحلو ، ()100
الدعاوى اإلدارية ،منشأة المعارف ،القاهرة2004 ،م ،ص .343د/أحمد بدر سالمة ،التحقيق اإلداري والمحاكمة
التأديبية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ، 2004 ،ص . 200
75
أوالً :الحفظ المؤقت:
هذا النوع من الحفظ ال يحوز حجية ،وبالتالي فهو ال يمنع من إعادة فتح التحقيق في المخالفة من
جديد طالما أن الواقعة لم تسقط بمضي المدة ،حيث يسقط الحق في المساءلة التأديبية كأصل عام
بمضي ثالث سنوات من تاريخ وقوع المخالفة ( ،)101والحفظ المؤقت يرجع إلى أحد سببين هما:
أ-عدم معرفة الفاعل :بمعنى أن التحقيق واألدلة لم تكشف عن الفاعل الحقيقي ،وذلك لشيوع التهمة
بين أكثر من موظف دون إمكان نسبة فعل إيجابي أو سلبي محدد إلى أي منهم ،فذلك يوجب
حفظ التحقيق حفظاً مؤقتاً ويجد ذلك أساسه في احترام مبدأ شخصية العقوبة التأديبية.
ب -عدم كفاية األدلة :اإلدانة التأديبية شأنها في ذلك شأن اإلدانة الجنائية ال تقوم على الشك
والتخمين ،وانما تقوم على الجزم واليقين ،ومن ثم فإذا خلت التحقيقات من أدلة كافية ترجح إدانة
الموظف ،أصدرت السلطة المختصة أم اًر بالحفظ لعدم كفاية أدلة إثبات بصحة الواقعة أو إسنادها
إلى عامل معين ،ويجب أن يصدر األمر في هذه الحالة بعد تمحيص أدلة الثبوت فيها عن بصر
()102
وبناء على ذلك ،إذا ثبت لجهة التحقيق أن األدلة التي أتيح لها الحصول عليها ال
ً . وبصيرة
تكفي إلدانة المحال للتحقيق ،فليس لها أن تطلب إدانته حيث تقصر األدلة عن تقرير تلك اإلدانة
وال يكون أمامها والحال كذلك سوى الحفظ المؤقت للتحقيق ،فإذا زالت هذه األسباب بأن أمكن
مثالً التعرف على شخصية الفاعل أو المساهم في ارتكاب المخالفة التأديبية ،أو إذا ظهرت أدلة
جديدة تفيد في التحقيق كتوافر شهود أو مستندات أو أوراق ،ولم تكن هذه األدلة معروفة للمحقق
انظر نص المادة ( ) 104من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة.2016 ()101
انظر في ذات المعنى د/أحمد بدر سالمة ،التحقيق اإلداري والمحاكمة التأديبية ،مرجع سابق ،ص . 200
اللواء /محمد ماجد ياقوت ،شرح القانون التأديبي للوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص . 896 ()102
76
قبل إصدار قرار الحفظ ،أو أن هذه األدلة كانت موجودة قبل صدور قرار الحفظ المؤقت ،ولكنها
لم تعرض على المحقق الذي أوصي بالقرار أو لم يكن ممكناً عرضها عليه ،فإنه في هذه الحاالت
وهو على عكس الحفظ المؤقت يتمتع بحجية دائمة تمنع من إثارة التحقيق مرة أخرى عن ذات
المخالفة التأديبية ،حيث ال يمكن بعد صدور القرار بالحفظ القطعي إعادة التحقيق مرة أخرى عن
ذات الواقعة أو الجريمة التأديبية ،ويكون الحفظ القطعي ألسباب عديدة هي(:)103
بأن يثبت من خالل التحقيق ونتائجه أن الواقعة المنسوبة إلى الموظف ال تشكل مخالفة تأديبية،
أي أن الواقعة ال تشكل – رغم ثبوت ارتكابها – مخالفة لواجبات الوظيفة العامة ومقتضياتها أو
خروجاً عن العرف ،حيث ال جزاء إال على فعل مؤثم إدارياً ،إعماالً لمبدأ شرعية الجزاء التأديبي.
بأن كشف التحقيق عدم صحة اقتراف الموظف الوقائع موضوع التحقيق وهو كثير ما يحدث
بالنسبة للشكاوى الكيدية ،والقصد منها زعزعة الثقة في الموظف العام .وبعبارة أخرى :إذا كشف
التحقيق عن عدم اقتراف الموظف للوقائع موضوع التحقيق ،وأن الواقعة محل التحقيق قد حدثت
(.)104
فعالً ولكن ال يمكن نسبتها إلى الموظف المتهم لكونها عن فعل المبلغ للشكوى أو غيره
د /سليمان الطماوي ،القضاء اإلٌداري ،قضاء التأديب ،مرجع سابق ،ص . 498 ()103
وفي ذات المعنى ،اللواء د /محمد ماجد ياقوت ،شرح القانون التأديبي للوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص . 899
د /ماهر عبد الهادي ،الشريعة اإلجرائية في التأديب ،مرجع سابق ،ص . 253 ()104
77
جـ -الحفظ لعدم األهمية :
قد يكون الموظف مخالفاً بالفعل الرتكاب واقعة معينة ولكن هذه المخالفة بسيطة هينة األثر ،وال
()105
تستحق الذكر وال يجوز أن يوقع عليها جزاء وأن التغاضي عنها أولى .ويشير بعض من الفقه
إلى أن الحفظ لعدم األهمية يعد المجال الخصب إلساءة استعمال الجهة اإلدارية لسلطتها التقديرية
في حفظ التحقيق والتأديب ،إذ إن الجهة اإلدارية تستطيع حفظ التحقيق رغم صحة الوقائع المسند
إلى الموظف ارتكابها ،بل وصحة تكييفها القانوني وكونها تمثل جريمة تأديبية.
إذا تبين أن ما نسب إلى الموظف سبق أن تناولته من قبل جهة ذات والية في التحقيق وانتهت
بشأنه إلى قرار أو حكم فيكون لذلك حجيته على األمر موضوع التحقيق ،حيث يؤدي هذا الفصل
في موضوع المخالفة إلى استنفاد الوالية التأديبية بالنسبة للمخالفة موضوع التحقيق بحيث ال يجوز
مساءلة المخالفة عنها ثانية ،والجدير بالذكر أن سابقة الفصل في موضوع المخالفة كموجب لحفظ
التحقيق فيها حفظاً قطعياً يجد أساسه في احترام مبدأ حجية الشيء المقضي به.
ه -الحفظ المتناع مسؤولية الموظف لعاهة عقلية أو لفقد حرية االختيار:
نصت المادة ( )54من قانون العقوبات القطري رقم ( )11لسنة )106( 2004على أنه "ال يسأل
جنائياً من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد اإلدراك أو اإلرادة لجنون أو عاهة في العقل ،أو غيبوبة
ناشئة عن عقاقير أو مواد مخدرة أو مسكرة أيا كان نوعها ،أعطيت له قس ًار عنه ،أو تناولها بغير
علم منه ،أو ألي سبب آخر يقرر العلم أنه ُيفقد اإلدراك أو اإلرادة." .....
د /ماهر عبد الهادي ،الشرعية اإلجرائية في التأديب ،مرجع سابق ،ص . 367 ()105
نشر هذا القانون بالجريدة الرسمية السابع ،تاريخ النشر 2004/5/30الموافق 1425/04/11هجري . ()106
78
فالمسؤولية ترفع عن الموظف إذا كان فاقداً للشعور وقت ارتكاب الفعل ،إما لجنون ،أو
لغيبوبة نتيجة تناوله مخدر أو مسكر قه اًر عنه ،أو على غير علم منه( ،)107ولذا يتم حفظ التحقيق
حفظاً قطعياً .فإذا ثبت للسلطة المختصة بعد الرجوع إلى أهل الخبرة أن الموظف المتهم قد ارتكب
المخالفة تحت تأثير مرض نفسي أو عقلي ،وأن هذا المرض يؤدي إلى فقد الشخص للشعور
واإلدراك ،فال يكون عنده اإلرادة الحرة القادرة على التمييز ،فإن ذلك يعد سبباً المتناع المسؤولية.
وفي هذا الصدد ذهبت المحكمة اإلدارية العليا المصرية إلى أنه " عدم مسؤولية العامل إذا ارتكب
مخالفة تأديبية أثناء نوبة من نوبات مرضه النفسي ،الذي يعالج منه وهو حالة انفصام " بارنوى "
يجعله يحلل األشياء تحليالً خاطئاً ويفسرها أحياناً تفسي اًر خاطئاً نظ اًر لنوبات قلق شديدة تضطرب
معها قوة اإلدراك والتحليل الصحيح لألمور فتختلط معه األفكار ويصبح وكأنه غير متحكم ،وسلوكه
غير منتظم"(.)108
كما قضت ذات المحكمة في حكم أخر بأنه " بأن الجزاء التأديبي يكون عن إتيان الموظف
لفعل إرادي إيجابي أو سلبي مؤثم تأديبياً فإرادة ارتكاب الفعل هي شرط العقاب عليه ،فإذا امتنعت
اإلرادة انتفت المسؤولية ،وما ذلك إال تطبيق للقواعد العامة في تقرير المسؤولية كانت جنائية أو
كما يستفاد كذلك من نص المادة ( )55من قانون العقوبات القطري رقم ( )11لسنة 2004
رفع المسؤولية الجنائية في حالتين ،األولى :إذا كان وقت ارتكاب الفعل فاقداً حرية االختيار ،لسبب
ال دخل إلرادته فيه ،والثانية :إذا ارتكب فعالً دفعته إلى ارتكابه ضرورة وقاية نفسه أو غيره من
د /عبد الفتاح حسن ،التأديب في الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص . 85 ()107
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 587لسنة 23قضائية عليا ،جلسة 1981/2/28م. ()108
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( )587لسنة 23قضائية ،جلسة .1981/2/28 ()109
79
خطر جسيم على وشك الوقوع يصيب النفس أو المال ،إذا لم يكن إلرادته دخل في حلوله ،وذلك
األول :أال يكون في استطاعة مرتكب الفعل دفع الخطر بوسيلة أخرى.
والثاني :أن يكون الفعل الذي ارتكبه بالقدر الضروري لدفع الخطر ومتناسباً معه.
من خالل نص المادة ( )82من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة 2016
يتضح أن الموظف قد يرتكب المخالفة التأديبية تنفيذاً ألمر صادر إليه من رئيسه وتمسكه بمبدأ
الطاعة للرؤساء ،والموظف ال يعفى من المساءلة إال إذا أثبت أن ارتكابه للمخالفة كان تنفيذاً ألمر
كتابي صادر إليه من رئيسه رغم قيامه بتنبيهه كتابة لها ،وبالتالي إذا ترتب على تنفيذ األوامر
الرئاسية في مثل هذه الحاالت وقوع مخالفة تأديبية فيجب حفظ التحقيقات بشأنها لتوافر مانع من
تسقط الدعوى التأديبية بالنسبة للعامل الموجود بالخدمة بمضي ثالث سنوات من تاريخ ارتكاب
المخالفة ،وذلك مستفاد من نص المادة ( )104من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم
( ) 15لسنة 2016حيث نصت في فقرتها األولى على أنه "يسقط الحق في المساءلة التأديبية
ويعتمد مبدأ سقوط الدعوى التأديبية بالتقادم على مبررات قوية أهمها ،حث اإلدارة على سرعة
اتخاذ اإلجراءات التأديبية ،وعدم جعل العقاب عن المخالفة سالح يسلطه الرئيس اإلداري على
رقابهم الموظفين في أي وقت ،كما أن مضي ثالث سنوات على ارتكاب الموظف للمخالفة التأديبية
80
يجعل من الصعوبة إثباتها .إال أن الجدير بالذكر في هذا الصدد أن ميعاد السقوط يعد من النظام
العام ،ومن ثم فإن السلطة المختصة بالتحقيق تأمر بالحفظ القطعي لتقادم الدعوى التأديبية بمضي
مع مالحظة أن المدة تنقطع باتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق أو إحالة الموظف إلى
المساءلة التأديبية ،وفي هذه الحالة تسري المدة من جديد من تاريخ آخر إجراء اتخذ في المخالفة.
كما أنه إذا كون الفعل جريمة جنائية ،فال يسقط الحق في المساءلة التأديبية إال بسقوط الدعوى
األصل أن الموظف إذا ترك الخدمة فقد الصفة الوظيفية وزالت عنه التبعية اإلدارية وبذلك تنتهي
المساءلة التأديبية ،فترك الخدمة يعني انفصام العالقة الوظيفية ،األمر الذي يؤدي إلى تحرر
أقر المشرع القطري مساءلة الموظف تأديبياً بعد تركه الخدمة في حالتين:
الحالة األولى :إذا ارتكب الموظف مخالفة إدارية ثم ترك الخدمة فإذا كان بدأ التحقيق في تلك
المخالفة قبل ترك الموظف الخدمة ،فيجب على الجهة اإلدارية االستمرار في التحقيق رغم أن
81
وذلك مستفاد صراحة من نص المادة ( )103الفقرة األولى ( ،)110من قانون الموارد البشرية المدنية
القطري رقم ( )15لسنة .2016وتجدر اإلشارة إلى أنه إذا أحيل الموظف إلى المساءلة التأديبية،
فال تقبل استقالته إال بعد صدور قرار في المساءلة بغير جزاء الفصل(.)111
الحالة الثانية :إذا كانت المخالفة المرتكبة مخالفة مالية ترتب عليها ضياع حق مالي للدولة ،
شريطة أن يتم التحقيق خالل خمس سنوات من وقت انتهاء الخدمة ،وذلك مستفاد صراحة من
نص المادة ( )103الفقرة الثانية ،من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة
،)112( 2016وتكون المخالفة المرتكبة مخالفة مالية إذا كان من شأنها إخالل بقاعدة مالية ،سواء
وفاة الموظف تعد من أقوى األسباب التي تؤدي إلى حفظ التحقيق قطعياً ،سواء أكان قد بدئ فيه
أم ال ،بل إن هذا السبب يمنع المحاكمة التأديبية واالستمرار فيها ،وذلك مستفاد صراحة من نص
المادة ( )103سابقة الذكر حيث تمنع الوفاة من مساءلته تأديبياً ولو كان قد ُبدء في اتخاذ إجراءات
( )110حيث نصت على أنه " ال يمنع انتهاء خدمة الموظف ألي سبب من األسباب ،عدا الوفاة ،من مساءلته تأديبياً إذا كان
قد ُبدء في اتخاذ إجراءات التحقيق معه قبل انتهاء خدمته".
انظر نص المادة ( )109من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة . 2016 ()111
حيث نصت على أنه " ويجوز في المخالفات التي يترتب عليها ضياع حق من حقوق الخزانة العامة مساءلة الموظف ()112
تأديبياً ولو لم يكن قد ُبدء في التحقيق معه قبل انتهاء خدمته ،وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ انتهائها".
82
الفرع الثاني
إذا تبين للجهة اإلدارية بعد االطالع على أوراق التحقيق ثبوت المخالفة تقوم الجهة اإلدارية في
حدود اختصاصها بتوقيع العقوبة التأديبية المخولة لها قانوناً ،وهو ما قرره القانون القطري بموجب
نص المادة ( )85بأن يكون االختصاص للرئيس التنفيذي بعد االطالع على التحقيق ،بتوقيع جزاء
بالنسبة لشاغلي وظائف الدرجات من الثانية فما دونها ،يملك الرئيس التنفيذي سلطة توقيع جزائي
اإلنذار ،والخصم من الراتب لمدة ال تجاوز خمسة وأربعين يوماً في السنة ،على أال تزيد مدته في
أما بالنسبة لشاغلي وظائف الدرجات من وكيل و ازرة مساعد إلى األولى أو ما يعادلها من الراتب
أ -التنبيه.
ب -اللوم.
ج -الخصم من الراتب لمدة ال تجاوز عشرين يوماً في السنة ،على أال تزيد مدته في المرة الواحدة
وللموظف أياً كانت درجته الوظيفية أن يتظلم من القرار الصادر بتوقيع الجزاء التأديبي إلى الرئيس
خالل ثالثين يوماً من تاريخ إخطاره به ،فالمدة مدة سقوط بالنسبة لحق الموظف في التظلم ،فإذا
أنقضت تحصن القرار ،ويبت الرئيس في التظلم في مدة ال تجاوز ستين يوماً من تاريخ تقديمه،
83
ويعتبر مضي هذه المدة دون البت في التظلم ق ار اًر إدارياً ضمنياً برفضه ،مما يجيز للموظف
الفرع الثالث
إذا ترائى لجهة اإلدارة أن الجزاء الذي يملكه الرئيس التنفيذي غير مجد في ردع المخالف ،وأن
المخالفة المرتكبة من الجسامة بحيث تربو على هذا الجزاء ،يجوز لها في هذه الحالة إحالة الموظف
إلى الهيئة التأديبية ،وهنا يجب عليها إرسال ملف المخالفات المنسوبة للموظف وما تم من تحقيقات
بشأنها إلى رئيس تلك الهيئة ،الذي يجب عليه دعوتها إلى االنعقاد في ميعاد ال يجاوز سبعة أيام
()113
. من تاريخ اإلحالة
وقد قسم المشرع القطري الجزاءات التي يجوز للهيئة التأديبية أن توقيعها على الموظف حسب
درجته الوظيفية بموجب نص المادة ( )89من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم
-1اإلنذار.
-2الخصم من الراتب لمدة ال تجاوز خمسة وأربعين يوماً في السنة بحيث ال تزيد مدته في المرة
انظر نص المادة ( )88من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة . 2016 ()113
84
-4الوقف عن العمل مع خصم نصف الراتب اإلجمالي لمدة ال تزيد على ثالثة أشهر.
-6خفض الدرجة إلى الدرجة األدنى مباشرة واحتفاظ الموظف براتبه الذي كان يتقاضاه عند
ثانياً :بالنسبة لشاغلي وظائف الدرجات من وكيل وزارة مساعد إلى األولى أو ما يعادلها من
الراتب:
-1التنبيه.
-2اللوم.
-3الخصم من الراتب لمدة ال تجاوز خمسة وأربعين يوماً في السنة بحيث ال تزيد مدته في المرة
-5الوقف عن العمل مع خصم نصف الراتب اإلجمالي لمدة ال تزيد على ثالثة أشهر.
-6خفض الدرجة إلى الدرجة األدنى مباشرة واحتفاظ الموظف براتبه الذي كان يتقاضاه عند
وتجدر اإلشارة إلى أن الهيئة التأديبية يتحدد اختصاصها تبعاً لدرجة الموظف وقت إحالته للمساءلة،
للمساءلة ،وكانوا خاضعين حسب درجاتهم ألكثر من هيئة تأديبية ،انعقد االختصاص للهيئة
المختصة بمساءلة أعالهم درجة .وذلك مع مراعاة ضمانة جوهرية تتمثل في ضرورة إخطار
الموظف بصورة من قرار اإلحالة وبتاريخ الجلسة المحددة لمساءلته ،وذلك قبل انعقادها بخمسة
عشر يوماً على األقل ،حتى يتمكن من تحضير أوجه دفاعه ودفوعه المختلفة وال يفاجأ
بالتحقيق(.)115
وترى الباحثة أن عدم مراعاة هذا اإلجراء يترتب عليه البطالن ،نظ اًر لإلخالل بضمانة أقرها المشرع
حماية للموظف المحال للتحقيق أمام الهيئة التأديبية .إال أن األمر الغريب أن المشرع لم ينص
على تلك الضمانة في حالة اإلحالة للتحقيق من قبل الشؤون القانونية ،رغم أن الدافع أو الحكمة
ويسلم اإلخطار إلى الموظف شخصياً بمقر عمله ،واذا تعذر تسليمه اإلخطار يتم إخطاره
ُ
بكتاب مسجل على عنوانه الثابت بملف خدمته أو إخطاره بإحدى الوسائل اإللكترونية الحديثة.
بنفسها أو أن تعهد بذلك إلى أحد أعضائها .ويكون لمن يستوفي التحقيق أن يستجوب الموظف
انظر نص المادة ( )94من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة . 2016 ()114
انظر نص المادة ( )95من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة . 2016 ()115
86
ويطلع على جميع األوراق التي يرى من مصلحة التحقيق االطالع عليها ولو كانت سرية ،وأن
يسمع الشهود من موظفين وغيرهم .واذا تخلف الموظف الشاهد عن الحضور لإلدالء بالشهادة أمام
الهيئة التأديبية بعد تأجيل اإلجراءات واخطاره بالجلسة المحددة مرة أخرى ،أو إذا حضر وامتنع
عن أداء الشهادة دون عذر مقبول أو أداها زو اًر ،يكون للهيئة التأديبية ،بعد إجراء التحقيق معه،
-1التنبيه أو اللوم أو الخصم من الراتب مدة ال تزيد على خمسة عشر يوماً ،بالنسبة لشاغلي
-2اإلنذار أو الخصم من الراتب مدة ال تزيد على خمسة عشر يوماً ،بالنسبة لشاغلي وظائف
وللموظف المخالف أن يحضر جميع إجراءات التحقيق وجلسات المساءلة ،إال إذا اقتضت مصلحة
التحقيق أو المساءلة إجراءها في غيبته .ومع ذلك يحق له االطالع على ما تم من تحقيقات وعلى
وتجدر اإلشارة إلى أن جلسات الهيئة التأديبية تكون سرية ،وتصدر الهيئة قرارها بعد سماع
دفاع الموظف ،ويكون الموظف آخر من يتكلم ،ويحضر الموظف بشخصه أمام الهيئة التأديبية،
وله أن يطلب استدعاء الشهود لسماع أقوالهم ،وأن يقدم دفاعه كتابة أو أن يستعين بمن يشاء
للحضور نيابة عنه وتقديم دفاعه ،وللهيئة دائماً الحق في طلب حضور الموظف بنفسه(.)117
انظر نص المادة ( )96من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة . 2016 ()116
انظر نص المادة ( )97من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة . 2016 ()117
87
ولكن هل يجوز للهيئة التأديبية مساءلة الموظف غيابياً وتوقيع الجزاء المناسب عليه؟
أجابت على ذلك المادة( )98باإليجاب في حالة إذا تخلف الموظف عن حضور جلسات المساءلة
مع مالحظة أن ق اررات الهيئة التأديبية يجب أن تكون مسببة وموقعة من الرئيس واألعضاء ،حتى
الطعن من عدمه ،فضالً عن أهمية التسبيب بالنسبة للقضاء اإلداري في فحص القرار ورقابة
مشروعيته.
ويجب أن يخطر الموظف بصورة من القرار خالل مدة ال تجاوز سبعة أيام من تاريخ صدوره،
وتعتقد الباحثة أن هذا اإلخطار مجرد إجراء تنظيمي ال يترتب على مخالفته البطالن؛ ألن مدد
التظلم والطعن لن تبدأ إال من تاريخ إعالنه بالقرار أو علمه اليقيني به.
ويكون تسليم اإلخطار إلى الموظف شخصياً بمقر عمله ،واذا تعذر تسليمه اإلخطار يتم إخطاره
بكتاب مسجل على عنوانه الثابت بملف خدمته أو بإحدى الوسائل اإللكترونية الحديثة(.)118
وتجدر اإلشارة إلى أنه إذا كانت اإلحالة إلى اللجنة التأديبية ،وجب أن تُشكل بقرار من الرئيس
باعتباره صاحب االختصاص األصيل في هذا الشأن ،من ثالثة أعضاء رئيس للجنة التأديبية،
وعضوين ال تقل درجة أي منهم عن الدرجة الثانية ،ويكون أحد العضوين ممثالً عن اإلدارة،
واآلخر ممثالً عن الوحدة اإلدارية المختصة بالشؤون القانونية ،مع مالحظة أن انعقاد اللجنة ال
يكون صحيحاً إال بحضور رئيس اللجنة واألعضاء ،على أن تصدر اللجنة ق ارراتها بأغلبية اآلراء.
انظر نص المادة ( )99من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة . 2016 ()118
88
وتختص اللجنة بما يلي(:)119
-1تأديب شاغلي وظائف الدرجات الثانية فما دونها ،وتوقيع الجزاء المناسب عليهم.
-2النظر في إيقاف الموظفين المحالين للمساءلة أمامها ،وتمديد إيقافهم سواء كان اإليقاف صاد اًر
وللموظف أن يتظلم من قرار اللجنة التأديبية إلى الرئيس خالل ثالثين يوماً من تاريخ إخطاره بهذا
القرار ،ويبت الرئيس في التظلم في مدة ال تجاوز ستين يوماً من تاريخ تقديمه ،ويعتبر مضي هذه
على أن تكون الدائرة اإلدارية بالمحكمة االبتدائية صاحبة االختصاص بنظر الطعن على القرار
الصادر من الرئيس في التظلم ،لبحث مدى مشروعيته .أما إذا كانت اإلحالة إلى المجلس الدائم
للتأديب ،فيجب أن يشكل-وفقاً لنص المادة( )96من القانون-برئاسة وزير التنمية اإلدارية والعمل
-2ممثل عن ديوان المحاسبة ،ال تقل وظيفته عن مدير إدارة ،يختاره رئيس ديوان المحاسبة.
-3ممثل عن و ازرة العدل ال تقل وظيفته عن مدير إدارة ،يختاره وزير العدل.
وال يكون انعقاد المجلس صحيحاً إال بحضور الرئيس أو نائب الرئيس واألعضاء.
ويصدر المجلس ق ارراته بأغلبية اآلراء وعند التساوي يرجح الجانب الذي منه الرئيس.
انظر نص المادة ( )90من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة . 2016 ()119
انظر نص المادة ( )91من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة . 2016 ()120
89
وترى الباحثة أنه رغم تضمين المشرع اللجنة عضوية قاض بمحكمة االستئناف ،يختاره رئيس
المجلس األعلى للقضاء ،فإن ذلك ال يضفي على ق ارراتها أي صبغة قضائية ،بل تظل كافة ق ارراتها
مجرد ق اررات إدارية يجوز التظلم منها والطعن عليها .إال أن ما يدعو للدهشة أن المشرع لم ينص
على حق الموظف في التظلم من قرار المجلس الدائم للتأديب ،ويكاد يكون متعمداً في هذا الشأن.
وكأن األمر يوحي على هذا النحو إلى إنه يعطي ق اررات هذا المجلس صفة الق اررات القضائية ،
على الرغم من صراحة نص المادة ( )8من القانون رقم ( )7لسنة 2007بشأن الفصل في
المنازعات اإلدارية ،والتي تجيز إمكانية الطعن باإللغاء والتعويض عن ق اررات مجالس التأديب
كما أنه لم ينص كذلك على أن تكون الدائرة اإلدارية بالمحكمة االبتدائية صاحبة االختصاص
بنظر الطعن على القرار الصادر من المجلس الدائم للتأديب ،لبحث مدى مشروعيته ،مثلما فعل
بالنسبة للجنة التأديبية ،األمر الذي قد يدعو لالعتقاد أن قرار المجلس الدائم للتأديب بمثابة حكم
أول درجة ،وأن الطعن عليه يكون أمام الدائرة اإلدارية بالمحكمة االستئنافية.
-1تأديب شاغلي وظائف الدرجات من وكيل و ازرة مساعد إلى األولى ،وتوقيع الجزاء المناسب
عليهم.
-2النظر في إيقاف الموظفين المحالين للمساءلة أمامه ،وتمديد إيقافهم ،سواء كان اإليقاف صاد اًر
انظر نص المادة ( )93الفقرة الثانية من الالئحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية المدنية القطري ،رقم ( ) 15لسنة ()121
.2016
90
الفرع الرابع
إذا تبين من خالل التحقيق وجود شبهة ارتكاب جريمة جنائية ،تعين على المحقق عرض األمر
على الرئيس التنفيذي إلبالغ النيابة العامة أو استكمال التحقيق( .)122وترى الباحثة :أنه كان من
األولى بعد عرض األمر على الرئيس التنفيذي ضرورة إبالغ النيابة العامة طالما أن الفعل يعتريه
شبهة ارتكاب جريمة جنائية كالتزوير أو الرشوة أو االختالس ،أو غيرها مما يعد مخالفة لقانون
العقوبات ،فعلى الرغم من استقالل الجريمتين الجنائية والتأديبية ،إال أنه من األفضل أن يعهد
للنيابة العامة بماشرة التحقيق بوصفها األمينة على الدعوى العمومية ،وليست لجهة التحقيق اإلداري
سلطة تقدير في هذا الشأن تتيح لها إحالة أو عدم إحالة الموظف إلى النيابة العامة في تلك الحالة.
وتجدر اإلشارة إلى أن إبالغ النيابة العامة بالجرائم الجنائية ال يعد ق ار اًر إدارياً مما يجوز الطعن
فيه أمام القضاء اإلداري ،بمعنى أن هذا البالغ ال ينشئ مرك اًز قانونياً للموظف المبلغ عنه ،كما
أن البالغ إذا تم خالفاً للقانون فإن النيابة العامة لها أن تطرحه وال تعتد به(.)123
واذا كانت اعتبارات المالءمة والحيطة تفرض على السلطة اإلدارية التأديبية االنتظار إلى حين
االنتهاء من التحقيق الجنائي ،إال أنه ال يوجد إلزام قانوني عليها في هذا الصدد ،حيث يمكنها
التصرف في المسؤولية التأديبية دون انتظار لما تسفر عنه المسؤولية الجنائية ،وذلك إعماالً لمبدأ
انظر نص المادة ( )95الفقرة الثانية من الالئحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية المدنية القطري ،رقم ( )15لسنة ()122
.2016
د /عبد الفتاح حسن ،التأديب في الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص 153وما بعدها. ()123
91
الفصل الثاني
تمهيد وتقسيم:
أوجب المشرع القطري أن يسبق العقوبة التأديبية ،ضرورة إجراء تحقيق إداري مع الموظف
المخالف؛ منعاً ألي تعسف في الجزاء من قبل الجهة المختصة بالتأديب ،وعليه فقد كفل المشرع
القطري للموظف العام الضمانات المتعلقة باإلجراءات التأديبية أثناء التحقيق معه ،بما يضمن
سالمة التحقيق ومشروعيته .لذلك فقد لزم بيان الضمانات الواجب توافرها عند إجراء التحقيق مع
الموظف المتهم بالمخالفة التأديبية في التشريع القطري ،والتي تناولته نصوص المواد رقم،)83( ،
( ،)86( ،)84من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة 2016م ،وكذلك نص
حيث نصت المادة نصت المادة ( )83من قانون الموارد البشرية المدنية القطري على أنه " ويثبت التحقيق في محضر ()124
يرقم بأرقام متسلسلة ،يذكر به تاريخ ومكان وساعة افتتاح المحضر وساعة إتمامه واسم المحقق وكاتب التحقيق ،وتذيل كل
ورقة من أوراق التحقيق بتوقيعهما .ويجب إخطار الموظف بميعاد الحضور للتحقيق معه ،فإذا رفض استالم اإلخطار يجري
التحقيق في غيابة وفقاً لإلجراءات المنصوص عليها في هذا القانون .وفي جميع األحوال ،يجب أال تقل الدرجة الوظيفية
كما نصت المادة ( )84من ذات القانون في فقرتها األولى على أنه " ال يجوز توقيع أي جزاء تأديبي على الموظف إال بعد
التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق أوجه دفاعه ،ويجب أن يكون القرار الصادر بتوقيع الجزاء مسبباً ".
كما نصت المادة ( )86من ذات القانون على أنه " للرئيس التنفيذي أن يوقف الموظف المحال إلى التحقيق عن العمل إذا
اقتضت مصلحة التحقيق ذلك ،مع استمرار صرف راتبه اإلجمالي .وال يجوز أن تزيد مدة اإليقاف عن ثالثين يوماً إال بقرار
من الهيئة التأديبية " .كما نصت المادة ( )97من الالئحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية المدنية القطري على أنه " يجب
سماع الشهود وتقديم أدلة اإلثبات األخرى في مواجهة الموظف المحال للتحقيق."...
92
والمستفاد من مضمون النصوص المتقدمة أن المشرع القطري حدد الضوابط التي يتعين االلتزام
بها أثناء التحقيق والتي يترتب على مخالفتها بطالنه ،ويمكننا تقسيم هذه الضوابط أو الضمانات
كما دأب الفقه على تسميتها إلى نوعين رئيسيين :ضمانات شكلية (مبحث أول) ،وضمانات
93
المبحث األول
تتمثل الضمانات الشكلية في التحقيق اإلداري طبقاً لقانون الموارد البشرية القطري رقم( )15لسنة
2016والئحته التنفيذية ،في ضرورة إخطار الموظف بميعاد الحضور للتحقيق معه ،وأن يتم
ويمكننا تناول هذا المبحث في ثالثة مطالب رئيسية ،الطابع الحضوري إلجراءات التحقيق (مطلب
أول) ،كتابة التحقيق (استيفاء الشكل الكتابي ،التحقيق الشفوي)( ،مطلب ثان) الدرجة الوظيفية
المطلب األول
يجب أن تتوافر للتحقيق اإلداري كل مقوماته وضماناته ،ومنها الطابع الحضوري إلجراءات
التحقيق ،من حيث وجوب استدعاء المخالف للتحقيق معه ،وبشكل صحيح قانوناً ،فالتحقيق الذي
يتم دون إستدعاء يرتب البطالن ،ومع ذلك إذا تغيب الموظف المخالف بعد أستدعائه للتحقيق ولم
94
الفرع األول
االستدعاء للتحقيق
استدعاء المتهم لحضور التحقيق فيما نسب إليه ارتكابه من مخالفات ،هو إجراء أولي في مباشرة
سلطة التحقيق لعملها ،ويقصد به دعوة المحال للتحقيق للمثول أمام الجهة المنوط بها مباشرته،
وهذا اإلجراء تفرضه نصوص قوانين العاملين المتعاقبة والتي اشترطت كأصل عام أن يتم التحقيق
(.)125
اإلداري كتابة
واستدعاء المتهم لحضور التحقيق هو إجراء شكلي واجب االتباع ،بحيث يؤدي إجراء التحقيق
دون استيفاءه إلى بطالن هذا التحقيق ،حيث شابه إخالل خطير بحق الدفاع لصدور قرار الجزاء
دون أن يمكن المتهم من ممارسة هذا الحق .وقد تطلب المشرع القطري ضرورة إخطار الموظف
بميعاد الحضور للتحقيق معه ،حيث نصت المادة( ) 94من الالئحة التنفيذية من القانون رقم
( ) 15لسنة 2016م بإصدار قانون الموارد البشرية المدنية القطري على أنه " يجب اخطار
الموظف بميعاد الحضور للتحقيق معه ،وذلك بموجب اخطار كتابي يسلم اليه شخصياً بمقر عمله،
واذا تعذر تسليمه االخطار ،يتم اخطاره بكتاب مسجل على عنوانه الثابت بملف خدمته أو اخطاره
وفي ذلك قضت محكمة التمييز القطرية بأنه" المقرر أنه يجب أن تتوافر للتحقيق كل مقوماته
القانونية وكفاالته وضماناته من حيث وجوب استدعاء المخالف للتحقيق معه وسؤاله ومواجهته
كتابياً بما هو منسوب إليه بوجه رسمي واحاطته علماً بالتصرفات اآلثمة وبمختلف األدلة التي
د /عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،الموسوعة اإلدارية الشاملة في إلغاء القرار اإلداري وتأديب الموظف االعام ،مرجع ()125
للقيام بها ،فالقاعدة هي وجوب استدعاء المخالف للتحقيق معه ومواجهته كتابياً بوجه رسمي حسبما
سلف القول ،واالستثناء أن يكون هناك محضر مدون به مضمون االستجواب والمواجهة وتحقيق
دفاع المخالف ،فـيجب أن يكون التحقيق مفصالً وكامالً وغير مخل بسبب اإليجاز(. )126
وتكمن الحكمة من وجوب اإلخطار في أن يتصل علم الموظف بضرورة مثوله لدى جهات التحقيق
في موعد معين ،فضالً عن إتاحة الفرصة أمامه لتحضير أوجه دفاعه ودفوعه المختلفة الالزمة
لدرء االتهام عن نفسه .لكن أهم ما يالحظ على نص المادة ( )94سالفة الذكر ،أنها لم تنص على
مدة سقوط ينبغي إخطار الموظف المحال للتحقيق من ِقبل الشؤون القانونية قبلها ،وكان من
األفضل أن ينص المشرع على ذلك تحقيقاً لهذه الضمانة الجوهرية .وذلك على غرار ما نصت
عليه المادة ( )95من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة 2016من إنه "
يخطر الموظف بصورة من قرار اإلحالة وبتاريخ الجلسة المحددة لمساءلته ،وذلك قبل انعقادها
ويسلم اإلخطار إلى الموظف شخصياً بمقر عمله ،واذا تعذر تسليمه اإلخطار يتم إخطاره
ُ
بكتاب مسجل على عنوانه الثابت بملف خدمته ،أو إخطاره بإحدى الوسائل اإللكترونية الحديثة".
فالمالحظ أن إخطار الموظف بصورة من قرار اإلحالة ،وبتاريخ الجلسة المحددة لمساءلته ،قبل
انعقادها بخمسة عشر يوماً على األقل ،مقرر فقط لإلحالة للتحقيق أمام الهيئة التأديبية رغم أن
حكم محكمة التمييز القطرية ،تمييز مدني ،الطعن رقم ( ) 151لسنة ، 2013جلسة . 2013 /11/ 19 ()126
96
الحكمة واحدة ،سواء كانت اإلحالة للتحقيق أمام الشؤون القانونية أو الهيئة التأديبية ،وهي إتاحة
الوقت الكافي أمام الموظف المحال للتحقيق إلعداد أوجه دفاعه ودفوعه .
وفي كلتا الحالتين حدد المشرع الوسائل التي يتعين أن يتم من خاللها اإلخطار ،حيث تطلب أن
يتم اخطار الموظف عن طريق التسليم الشخصي في مقر عمله ،واذا تعذر ذلك يكون بكتاب
مسجل على عنوان الموظف الثابت بملف خدمته ،أو اخطاره بإحدى الوسائل اإللكترونية الحديثة
كالبريد اإللكتروني ،والفاكس...وغيرها .وال يمنع من ذلك أن يتم اإلخطار بخطاب موصي عليه
بعلم الوصول على محل إقامة الموظف طالما يسلم إليه شخصياً ،حيث تكون الغاية من اإلخطار
وترى الباحثة أن عدم المثول أمام سلطات التحقيق عند االستدعاء ،وبعد إخطاره بموعد
التحقيق ،ال يشكل خروجاً على مقتضى الواجب الوظيفي يستوجب المساءلة التأديبية ،وانما يترتب
عليه تفويت فرصة الدفاع فحسب .أما إذا لم يتم استدعاء الموظف للتحقيق معه ،يترتب عليه
بطالن التحقيق وما يترتب عليه من آثار .والجدير بالذكر إذا تم استدعاء الموظف المحال للتحقيق،
وتوافر لديه مانع قانوني يمنعه من الحضور لإلدالء بأقواله ،كإصابته بالصرع ،أو في غيبوبة
تمنع استجوابه ،أو كان الموظف في مهمة رسمية خارج البالد ،ففي هذه الحالة يجب ضرورة
وقد ذهبت المحكمة اإلدارية العليا المصرية إلى تأكيد ذلك بقولها ( إنه من األصول العامة التي
تستلزمها نظم التأديب ضرورة إجراء التحقيق مع من تجرى محاكمته تأديبياً ،وأن يتوافر لهذا
التحقيق جميع المقومات األساسية وأهمها ضرورة توفير الضمانات التي تكفل اإلحاطة باالتهام
د /محمد إبراهيم الدسوقي ،حماية الموظف العام إدارياً ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،سنة ، 2006ص . 312 ()127
97
والتمكين من الدفاع ،فإرسال المحقق إخطا اًر للكلية التي يعمل بها عضو هيئة التدريس يستدعيه
للحضور لمقابلته بمكتبه دون تحديد سبب االستدعاء أو اإلشارة إلحالة العضو للتحقيق معه يترتب
عليه بطالن اإلخطار النتفاء قرينة علم العضو بوجود تحقيق معه مما يترتب عليه بطالن التحقيق
الفرع الثاني
إذا كان إعالن المتهم للمثول أمام جهة التحقيق يشكل ضمانة لصالحه يؤدي إغفالها إلى بطالن
التحقيق ،وبالتالي بطالن قرار الجزاء المستند إليه ،فإن ذلك يجب أال يقف حجر عثرة يحول دون
مجازاة الموظف المذنب الممتنع عن حضور التحقيق إلبداء دفاعه فيه ،حيث ال يحول موقفه هذا
فالتحقيق الذي يتم بمعرفة الجهة اإلدارية ويترتب عليه توقيع جزاء على العامل مع بطالن
االستدعاء أو عدم وجوده يؤدي إلى إلغاء قرار الجزاء لتخلف شكل جوهري لصحته وهو استدعاء
العامل للتحقيق معه ،وعندها يجوز للجهة اإلدارية بعد استيفاء هذا الشكل إعادة التحقيق مرة أخرى
مع العامل(.)129
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( )315لسنة 28قضائية عليا ،جلسة . 1983/11/22 ()128
المستشار ال دكتور /محمد ماهر أبو العينين ،قضاء التأديب في الوظيفة العامة والدفوع التأديبية ،مرجع سابق ،ص ()129
. 429
98
وفي هذا الصدد تنص الفقرة الثانية من المادة ( )94من الالئحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية
المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة 2016على أنه" واذا رفض الموظف تسلم اإلخطار أو إذا لم
يحضر في الموعد المحدد رغم إخطاره بأي من الوسائل المشار إليها في الفقرة السابقة ،جاز إجراء
التحقيق في غيبته وفقاً لإلجراءات المنصوص عليها في قانون الموارد البشرية المدنية وهذه
الالئحة" .كما نصت المادة ( )98من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم( ) 15لسنة
2016على أنه "يجوز للهيئة التأديبية مساءلة الموظف غيابياً وتوقيع الجزاء المناسب عليه ،إذا
تخلف عن حضور جلسات المساءلة دون عذر مقبول رغم إخطاره بذلك كتاب ًة".
وقد ذهبت المحكمة اإلدارية العليا المصرية في أحد أحكامها إلى أن " سماع أقوال المحال إلى
التحقيق ومواجهته بالمخالفة المسندة إليه تعتبر من الضمانات األساسية التي يجب توافرها في
التحقيق الذي يستند إليه الجزاء التأديبي واال كان التحقيق باطالً ،شريطة أال يمتنع المحال إلى
التحقيق عن اإلدالء بأقواله في التحقيق بغير مبرر صحيح ،وذلك وفقاً لما استقر عليه قضاء هذه
المحكمة ،إال أنه متى كان في إمكان المتهم المحال إلى المحاكمة التأديبية أن يبدي ما يراه من
دفاع أمام المحكمة التأديبية " أو ما في حكمها " فإنه ال يستقيم في هذه الحالة الدفع ببطالن
التحقيق استناداً إلى اإلخالل بحقه في الدفاع عن نفسه ،الذي ترتب عليه عدم سماع أقواله أو
مواجهته بالمخالفة المنسوبة إليه بالتحقيق ،طالما أنه كان في مكنته أن يبدي ما يراه من دفاع
أمام المحكمة التأديبية ،إذ هي مرحلة تستكمل فيها مراحل التحقيق السابقة ،إذ يواجه فيها المتهم
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعنين رقما ( ) 3208 ، 3218لسنة 39قضائية عليا ،جلسة ()130
.1998/9/29
99
المطلب الثاني
كتابة التحقيق
األصل أن يكون التحقيق مكتوباً لعدة اعتبارات ،أهمها أنه الوسيلة المثالية لإلثبات ،وُيمكن
القضاء اإلداري من مراقبة صحة هذا اإلجراء ،إال أن بعض األنظمة القانونية في مجال الوظيفة
العامة ،تقرر إمكانية االستثناء من هذا األصل في نطاق ضيق وبضوابط معينة ،ومنها النظام
القانوني القطري ،ومن ثم نرى ضرورة تقسيم هذا المطلب إلى فرعين أساسيين ،على النحو التالي:
الفرع األول
اشترط المشرع القطري في التحقيق اإلداري الذي يجرى مع الموظف المخالف ضرورة كتابة التحقيق
كإجراء شكلي واجب االتباع ،فهو يعد من القواعد األساسية المتعلقة بالنظام العام لورودها في نص
آمر ،ويترتب على مخالفته البطالن ،حيث نصت الفقرة األولى من نص المادة ( )84من قانون
الموارد البشرية المدنية القطري رقم( ) 15لسنة 2016على أنه " ال يجوز توقيع أي جزاء تأديبي
على الموظف إال بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق أوجه دفاعه ،ويجب أن يكون القرار
ويجوز بالنسبة لتوقيع جزائي اإلنذار والخصم من الراتب مدة ال تتجاوز ثالثة أيام على أحد
شاغلي وظائف الدرجات من الرابعة فما دونها أو ما يعادلها من الراتب أن يكون التحقيق شفاهة،
على أن يثبت مضمونه في القرار الصادر بتوقيع الجزاء ،ويصدر قرار الجزاء في هذه الحالة من
100
ومرجع اشتراط كتابة التحقيق إلى ما تمثله الكتابة من أهمية في اإلثبات ،ولكي ال تضيع معالم
الظروف والمالبسات التي يجرى التحقيق في كنفها عند الرجوع إلى مجرياته من قبل المختصين
بالفصل في التحقيق من خالل النتائج التي تم التوصل إليها ،سواء كانت لصالح العامل أو ضده
دون خوف من أن يمحو النسيان ما تم في التحقيق فضالً عن ضياع األدلة والعبث بها(.)131
وترى الباحثة في هذا الصدد أن الكتابة تعتبر من اإلجراءات الجوهرية التي يترتب على إغفالها
البطالن وبغير حاجة إلى نص يقرر هذا البطالن ،حيث إنه من المقرر طبقاً للقاعدة العامة في
القوانين اإلجرائية أن اإلجراء يعتبر جوهرياً إذا كان الغرض منه المحافظة على مصلحة المتهم أو
أحد الخصوم مما يترتب على إغفاله البطالن ،وهذا أمر منطقي ،ويجسد عدالة التحقيق بما تشمله
وما يؤكد صحة هذ االتجاه ما نصت عليه المادة ( )83من قانون الموارد البشرية المدنية
القطري رقم( ) 15لسنة 2016من أنه" ...ويثبت التحقيق في محضر يرقم بأرقام متسلسلة،
يذكر به تاريخ ومكان وساعة افتتاح المحضر وساعة إتمامه واسم المحقق وكاتب التحقيق ،وتذيل
ومما تجدر اإلشارة إليه في هذا الصدد أن المشرع القطري تطلب ضرورة إثبات التحقيق في
محضر ُمرقم بأرقام متسلسلة ُ ،يذكر فيه تاريخ ومكان وساعة افتتاحه ،واسم المحقق ،وكاتب
التحقيق ،فضالً عن توقيعهما على كل ورقة من أوراق التحقيق ،واثبات ذلك كله ال يتحقق إال
د /مليكه الصروخ ،سلطة التأديب في الوظيفة العامة بين اإلدارة والقضاء ،رسالة دكتوراه ،مطبعة الجبالوي ،جامعة ()131
ذاته.
أنه ال تثريب على المحقق بكتابة محضر التحقيق بنفسه في حالة الضرورة، ()132
ويرى رأي فقهي
وأساس عدم االعتداد بوجود كاتب تحقيق في بعض األحيان كعنصر شكلي الزم لصحة التحقيق،
وال يتصور في هذا التحقيق أن يتم االستعانة بكاتب التحقيق ،ومن هنا فإن تقرير وجوب االستعانة
بكاتب للتحقيق من شأنه تعطيل النصوص التي تعطي للسلطة المختصة حق مجازاة الموظفين
بناء على تحقيق شفوي يجرى معهم ،حيث تختلط في هذه الحالة سلطة االتهام بسلطة توقيع
ً
الجزاء.
إن األصل كقاعدة عامة ضرورة وجود كاتب تحقيق كضمانة قانونية أساسية مستمدة أصالً
من اإلجراءات التي تحمي حق الدفاع المقرر بمقتضى الدستور ألي موظف وفي كافة مجاالت
المسؤولية ،إال أن ذلك ال يمنع جواز تحرير المحقق التحقيق اإلداري بنفسه دون اصطحاب كاتب
تحقيق بشرط أال يخالف ذلك نص القانون ،ويكون أساسه مراعاة لمقتضيات حسن سير وانتظام
المرافق العامة ،ومراعاة االعتبارات الموضوعية الثابتة عن إجراء التحقيق ،وظروف اإلمكانيات
في جهات اإلدارة ،أو مراعاة العتبارات سرية التحقيق لتعلقه بما يمس اإلدارة أو النظام العام ،
أو العتبار ك ارمة الوظيفة التي يشغلها من يجرى معه التحقيق – وبما ال يخل على أي وجه من
المستشار الدكتور /محمد ماهر أبو العينين قضاء التأديب في الوظيفة العامة والدفوع التأديبية ،مرجع سابق ،ص ()132
102
وترى الباحثة أن االستعانة بكاتب للتحقيق يعد أمر وجوبياً وليس جوازياً ،وهذا مستفاد من نص
المادة ( )83السابق ،حيث تطلب المشرع ضرورة أثبات اسم المحقق وكاتب التحقيق ،وتذيل كل
وفي اعتقادي ،كان األمر سيختلف إن لم يضمن المشرع القطري النص السابق – بكاتب
للتحقيق-على غرار بعض المشرعين في الدول العربية ،ومنها جمهورية مصر العربية ،وفي هذه
وحسناً فعل المشرع القطري عندما تطلب كاتب للتحقيق ،إذ ال شك أنه من األفضل ،في كل
األحوال ،أن يستعين المحقق بكاتب للتحقيق ،وذلك حتى يتمكن من توجيه اهتماماته إلى النواحي
الفنية في التحقيق تاركاً مسألة التدوين المادي لغيره من األفراد .كما ترى الباحثة أنه ليس المقصود
بتدوين المحضر بواسطة كاتب التحقيق أن يتم حتماً من جانب الموظف المختص بالفعل بتدوينه،
بل يجوز في اعتقادي ندب أي شخص آخر ،وان كان غير مختص للقيام بتدوين التحقيق.
ويرى بعض الفقه أنه ال يجوز تكليف الموظف المتهم المحقق معه بتدوين المحضر ،وأن هذا
األمر ال يجوز على اإلطالق العتبارات كثيرة ،من أبرزها أن قيام المتهم بكتابة التحقيق قد يشتغله
عن إعداد دفاعه ويتسبب في إرهاقه ،كما أن المتهم يكون في حالة نفسية مضطربة في غالب
أنه إذا طلب الموظف المتهم الذي يتم التحقيق معه أن يقوم ()135
ويرى بعض الفقه (.)134
األمر
د /سعد الشيتوى ،التحقيق اإلداري في نطاق الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص . 63 ()134
د /ماهر عبد الهادي ،الشرعية اإلجرائية في التأديب ،مرجع سابق ،ص . 273 ()135
103
بكتابة التحقيق وقبل المحقق ذلك ،فإن العامل يكون قد أكد أن كتابة التحقيق ال تؤثر في دفاعه
وترى الباحثة عدم االعتداد بالرأي السابق ،حتى ولو أبدى المتهم موافقته على ذلك ،أو ً
بناء
على طلبه شخصياً ،حيث إنه قد يترتب على التحقيق نتائج خطيرة بالنسبة للموظف ،من حيث
المساس بمركزه الوظيفي ،كما أن التحقيق هو مناقشة للمتهم في الوقائع المنسوبة إليه تفصيلياً
ومواجهته بما هو منسوب إليه ،ويتطلب ذلك ضرورة التركيز ،لكي يكون على بينة مما يناقش
ويستجوب فيه ،واتاحة الفرصة لتقديم أوجه دفاعه بشكل إيجابي .ومما تجدر اإلشارة إليه أنه إذا
تمت كتابة التحقيق ،فإن ضياع األوراق ال يعني سقوط الجريمة التأديبية التي أظهرتها التحقيقات،
طالما كان من الممكن إثبات قيام الوقائع محل التحقيق بطرق اإلثبات األخرى.
وفي هذا الصدد ،قضت محكمة التمييز القطرية بأن" ضياع أوراق التحقيق ال يعني مطلقاً سقوط
الذنب اإلداري الذي انبنى على تلك األوراق متى قام الدليل أوالً على وجودها ثم فقدها ،وأما عن
محتواها فـيستدل عليها بأوراق صادرة من أشخاص لهم صلة عمل وثيقة بها(.)136
وفي مستهل عرضها لحيثيات هذا الحكم قضت بأنه" لما كان الواقع فـي الدعوى حسبما يبين من
المستندات المقدمة فـيها أن اللجنة الدائمة للتراخيص – الطاعن الثاني – حررت بتاريخ
2010/12/12محضر ضبط للمطعون ضده بارتكابه المخالفة يحمل توقيعاً منسوباً له ،وبتاريخ
2010/12/26أرسلت إليه كتاباً باستدعائه للتحقيق معه فـي شأن المخالفة المسندة إليه حيث
أجرت معه بتاريخ 2011/1/18تحقيقاً بخط اليد ،وقد أفادت اللجنة كتابياً أن هذا التحقيق قد أفرغ
حكم محكمة التمييز القطرية ،تمييز مدني ،الطعن رقم ( ) 151لسنة ، 2013جلسة .2013 /11/ 19 ()136
104
فـي محضر محرر الكترونياً تم اعتماده من رئيس اللجنة ونائبه ،وأن مسودة التحقيق المكتوب بخط
اليد تم إتالفها ،واذ يبين من محضر التحقيق المحرر الكترونياً والمؤرخ 2012/4/3أنه اشتمل
على مضمون التحقيق الذي أُجرى مع المطعون ضده والمتمثل فـي إحاطته علماً بالمخالفة التي
أتاها ومواجهته باألدلة المؤيدة لها وابداء دفاعه بشأنها على نحو من التفصيل ،فإن التحقيق على
هذا النحو يكون قد استوفى إجراءاته األساسية التي تحقق بها الغاية التي استهدفها المشرع من هذه
اإلجراءات بما يجعله منتجاً ألثره القانوني فـي ترتيب الجزاء اإلداري ،واذ خالف الحكم المطعون
فـيه هذا النظر وخلص فـي أسبابه إلى بطالن هذا التحقيق على قالة إن المحكمة -إزاء عدم وجود
تحقيق مكتوب بخط اليد -ال تطمئن إلى التحقيق المقدم باألوراق لطباعته الكترونياً لعدم استيفائه
لعناصر عدة تقوم عليها سالمة واجراءات وأركان التحقيق اإلداري ،مما يكون معه الجزاء المطعون
فـيه قد صدر بناء على تحقيق باطل مما كان يتعين معه إلغاء الجزاء اإلداري ،إال أنه والتزاماً
بقاعدة أال يضار الطاعن بطعنه فقد انتهى إلى رفض االستئناف ،فإنه يكون معيباً(.)137
وبمناسبة عرض هذا األمر على المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،أجابت بقولها ( :إن ضياع
أوراق التحقيقات ال يعني مطلقاً سقوط الذنب اإلداري الذي انبنى على تلك األوراق ،متى قام
الدليل أوالً على وجودها ثم فقدانها ،وأما عن محتوياتها فيستدل عليها بأوراق أخرى صادرة من
أشخاص لهم صلة عمل وثيقة بها ،إذ إن ضياع أوراق التحقيق ،بل ضياع سند الحق ليس
مضيعاً للحقيقة ذاتها في شتى مجاالتها مدنياً أو جنائياً أو إدارياً ما دام في المقدور الوصول إلى
هذه الحقيقة بطرق اإلثبات األخرى ،ووجود عناصر تكميلية تفيد في مجموعها مع باقي القرائن
حكم محكمة التمييز القطرية ،تمييز مدني ،الطعن رقم ( ) 151لسنة ، 2013جلسة .2013 /11/ 19 ()137
105
والشواهد ودالئل األحوال القائمة في المنازعة على تكوين االقتناع بالنتيجة التي يمكن أن ينتهي
أما في حالة ضياع أوراق التحقيق بعد إجراء التحقيق وقبل صدور الحكم يجوز للجهة اإلدارية
توقيع الجزاء ،ويكون قرارها في هذه الحالة سليماً قائماً على سببه ،وصدر ممن يملك إصداره
قانوناً إذا كانت الواقعة محل التحقيق معترف بها من العامل نفسه ،وتضمنته المذكرة المقدمة من
إدارة التحقيقات واقترحت فيه الجزاء المناسب( .)139أما إذا عجزت اإلدارة عن تقديم الدليل المثبت
للذنب اإلداري لفقد أوراق التحقيق ،مع عدم وجود عناصر تكميلية تعين في مجموعها مع باقي
القرائن والشواهد ودالئل األحوال القائمة في المنازعة على تكوين عقيدة المحكمة ،فإنه يتعين إلغاء
القرار المطعون فيه ؛ألن قرينة الصحة المفترضة في القرار اإلداري ال تنهض وحدها سبباً كافياً
()140
. لتبرير هذا القرار
الفرع الثاني
(التحقيق الشفوي)
ولعله رغبة من المشرع القطري في تسهيل وتبسيط اإلجراءات التأديبية خاصة عندما يكون الجزاء
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 533لسنة 16قضائية عليا ،جلسة 1977/1/26م. ()138
د /عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،الموسوعة اإلدارية الشاملة في إلغاء القرار اإلداري وتأديب الموظف العام ،مرجع ()139
106
بسيط ومحدد ،ومرهون بفئة وظيفية معينة ،حيث نصت الفقرة الثانية من نص المادة ( )84من
قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة 2016على أنه " ويجوز بالنسبة لتوقيع
جزائي اإلنذار والخصم من الراتب مدة ال تتجاوز ثالثة أيام على أحد شاغلي وظائف الدرجات من
الرابعة فما دونها أو ما يعادلها من الراتب أن يكون التحقيق شفاهه ،على أن يثبت مضمونه في
القرار الصادر بتوقيع الجزاء ،ويصدر قرار الجزاء في هذه الحالة من مدير اإلدارة التي يتبعها
والمالحظ من خالل نص المادة( ) 84سالفة الذكر ،أن المشرع قد أجاز التحقيق الشفهي
كاستثناء من القاعدة العامة ،وذلك في الحاالت التي توقع فيها السلطة المختصة جزاء اإلنذار أو
الخصم من المرتب لمدة ال تجاوز ثالثة أيام ،هذا وقد أوجب المشرع ضرورة توافر أربعة شروط
الشرط األول :خاص بنوع الجزاء ،وهو اإلنذار أو الخصم لمدة ال تتجاوز ثالثة أيام.
الشرط الثاني :ذكر مضمون التحقيق الشفهي في القرار الصادر بتوقيع الجزاء.
الشرط الثالث :أن يكون الموظف من شاغلي وظائف الدرجات من الرابعة فما دونها أو ما يعادلها
من الراتب.
الشرط الرابع :أن يصدر قرار الجزاء من مدير اإلدارة التي يتبعها الموظف.
وفي بيان المقصود بإثبات مضمون التحقيق في القرار الصادر بتوقيع الجزاء تقول المحكمة اإلدارية
العليا المصرية في إحدى أحكامها ( ليس المقصود من إثبات مضمون التحقيق الشفهي بالمحضر
الذي يحوى الجزاء ،ضرورة سرد ما دار بالموضوع محل االستجواب بالمحضر تفصيالً ،بسرد
كل الوقائع المنسوبة إلى العامل ،وبيان األحوال التي استخلصت منها ،وذكر ما ورد على ألسنة
الشهود بشأنها ،وترديد دفاع العامل وتقصي كل ما ورد فيه من وقائع وأدلة إثبات أو نفي ،إذ إن
107
كل ذلك من شأنه أن يقلب التحقيق الشفهي إلى تحقيق كتابي ،وهو ما يعطل الحكمة من إجازة
التحقيق الشفهي وهي تسهيل العمل ،وانما المقصود من ذلك إثبات حصول التحقيق واالستجواب
وما أسفر عنه هذا التحقيق في شأن ثبوت المخالفة اإلدارية قبل العامل على وجه يمكن السلطة
القضائية من بسط رقابتها القانونية على صحة قيام الوقائع وصحة تكييفها القانوني(.)141
وقد رتب القضاء البطالن في حالة صدور قرار الجزاء دون أن يثبت فيه مضمون التحقيق الشفهي
وذلك ،ألنه يعتبر قد تخلف إجراء جوهري ،ويترتب على ذلك بطالن الجزاء الصادر ،وللعامل
الدفع بهذا البطالن في أية حالة تكون عليها الدعوى التأديبية ،وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء
وفي هذا المعنى قضت المحكمة اإلدارية العليا المصرية في أحد أحكامها بأنه ( إذا صدر قرار
الجزاء بدون أن يثبت فيه مضمون التحقيق الشفهي الذي أجرى مع العامل في المحضر الذي
يحوي الجزاء ،فإنه يعتبر قد تخلف إجراء جوهري ،ويترتب على ذلك بطالن الجزاء الصادر،
وللعامل الدفع بهذا البطالن في أية حالة تكون عليها الدعوى التأديبية ،وللمحكمة أن تقضي به
()143
– وبحق – إلى انتقاد ذلك االتجاه التشريعي السابق ،تأسيساً وقد اتجه بعض من الفقه
على أن ذلك النص يحمل بين طياته قد اًر كبي اًر من التناقض ،فاألصل أن التحقيق لم ُيشرع إال
ابتغاء التوصل إلى مدى كون الفعل المرتكب يشكل مخالفة تأديبية وفقاً للتكييف القانوني ،ومدى
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 451لسنة 13قضائية عليا ،جلسة 1973/12/29م . ()141
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( )2131بسنة 32قضائية عليا ،جلسة 1987/3/24م. ()142
د /هيثم حليم غازي ،مجالس التأديب ورقابة المحكمة اإلدارية العليا عليها ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية ، ()143
ومتى كان ذلك فإنه يغدو من المنطقي أن يكون تقدير ثبوت نسبة المخالفة للمحال وتقدير الجزاء
المناسب لها يأتي في مرحلة الحقة للتحقيق التأديبي ،وتبعاً لذلك فال يستقيم تقدير العقوبة إال بعد
االنتهاء من التحقيق والوقوف على مقدار الذنب اإلداري ووزنه بميزان القانون وبمراعاة ما واكبه
كما يرى بعض الفقه()144أن التحقيق الكتابي ليس بهذه الدرجة من التعقيد لكي يجيز االستثناء
فيه ،خاصة وأنه أوجب إثبات مضمونه في قرار الجزاء ،وفي معرض التدليل على رأيه أشار إلى
أن التحقيق الشفهي إجراء خطير للغاية ،لما يترتب عليه من شوائب تؤدي إلى المساس بعدالة
المساءلة التأديبية ونزاهتها ،كما قد يترتب عليه إخفاء الحقيقة في تلك اإلجراءات ،وهو ما يشكل
خط اًر حقيقياً على ضمانات الموظفين في تلك المرحلة الهامة .وأضاف أنه بالرغم من االمتيازات
التي ارتآها المشرع بأنه قصر إباحة التحقيق الشفوي بالنسبة لعقوبة اإلنذار أو الخصم مدة ال
تجاوز الثالثة أيام باعتبار أن هاتين العقوبتين من العقوبات البسيطة ،والتي ال تحتاج إلى ضمانات
قوية كالتدوين ،فيبدو أن المشرع قدر أن تدوين إجراءات التحقيق في تلك العقوبات قد يتسبب في
تعطيل العمل اإلداري والتقليل من مرونته وفاعليته ،إال أن هذه االعتبارات ال تصمد أمام المنطق
القانوني السليم ،فتلك العقوبتين وان لم تصال للقدر الكبير من الجسامة ،فإن لهما تأثيرهما
األدبي والمعنوي على الموظف ،كاإلضعاف من تقرير كفايته السنوي ،على اعتبار تأثر ذلك
التقرير بما يوقع على الموظف من عقوبات تودع في ملفة الوظيفي ،وقد يترتب على ذلك تفويت
د /سعد الشيتوي ،التحقيق اإلداري في نطاق الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص 69وما بعدها . ()144
109
الفرصة على الموظف في الترقية ،كما هو حاصل بالنسبة للترقية باالختيار والتي تشترط في
كما أنه يعني من جانب آخر ،الحكم على المحال قبل سماع دفاعه ،وفي ذلك استباق لألحداث
يترتب عليه نتيجة تتعارض مع المنطق القانوني السليم وهي التقدير المسبق للعقوبة التأديبية قبل
إجراء التحقيق ،خاصة وأن تدوين التحقيق التأديبي يعد من األصول العامة في كافة أنواع
التحقيقات(.)145
وفي هذا الصدد ترى الباحثة أن مفهوم اإلجازة الواردة بالنسبة للتحقيق الشفهي تعني أن تقدير
العقوبة جاء سابقاً لقيام التحقيق والوقوف على الحقيقة ،ومصادرة على المطلوب ،واستباق لألحداث
وهي نتيجة غير منطقية على اإلطالق ،إذ يجعل من لزومه عدم خروج الجزاء المزمع توقيعه عن
دائرة اإلنذار أو الخصم من المرتب لمدة ال تجاوز ثالثة أيام واال وقع الجزاء باطالً.
كما أن الرأي السابق يمثل وبحق االتجاه الراجح والصحيح ،استناداً إلى سالمة الحجج التي
لسلطة التأديب حق التغاضي عن ضمانة كتابة التحقيق ،فالتحقيق المكتوب يهدف إلى تمكين
الموظف من تسجيل كل ما يتعلق بموقفه من المخالفات المنسوبة إليه ،حتى يكون تحت تصرف
السلطات المختصة بتوقيع العقاب ،كما يهدف التحقيق الكتابي ضمان عدم ضياع معالم التحقيق
والظروف والمالبسات التي جرى في ظلها بحيث يمكن الرجوع إليها في أي وقت وعلى وجه يمكن
د /هيثم حليم غازي ،مجالس التأديب ورقابة المحكمة اإلدارية العليا عليها ،مرجع سابق ،ص . 224 ()145
د /مليكة الصروخ ،سلطات التأديب في الوظيفة العامة بين اإلدارة والقضاء ،دراسة مقارنة ،مرجع سابق ،1983 ، ()146
ص . 303
110
السلطة القضائية من بسط رقابتها القانونية على صحة قيام الوقائع وصحة تكييفها القانوني وصحة
المطلب الثالث
تطلب المشرع القطري ضرورة أال تقل الدرجة الوظيفية للمحقق عن درجة الموظف ُ
المحال للتحقيق،
حيث نصت المادة( ) 83من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم( ) 15لسنة 2016على
أنه " ...وفي جميع األحوال ،يجب أال تقل الدرجة الوظيفية للمحقق عن درجة الموظف المحال
للتحقيق" .
أن التحقيق الذي يتم مع العامل يعد من أهم عناصر الوصول للحقيقة ،ولذا يفترض فيه عدم
إخضاع العامل المحال للتحقيق إلكراه نفسي أو أدبي وذلك بإجرائه بمعرفة من هم دونه في فئته
فوفقاً لنص المادة ( ) 83قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة ، 2016
تطلب المشرع ضرورة أال تقل الدرجة الوظيفية للمحقق عن درجة الموظف المحال للتحقيق ،وذلك
على سبيل الوجوب كنص أمر ،ومن ثم تعتبر هذه القاعدة من النظام العام ،ويترتب على مخالفة
الحكم الوارد فيها البطالن ،حتى ولو أبدى المحقق معه موافقته على أن يتم التحقيق ممن هم دونه
وبناء على ذلك ،فإن إغفال هذه الضمانة يترتب عليه بطالن التحقيق،
ً في الدرجة الوظيفية.
111
المبحث الثاني
يقصد بضمانات التحقيق اإلداري الموضوعية ،تلك األسس التي يجب أن يقوم عليها موضوع
التحقيق حتى يصبح تحقيقاً قائماً على أركانه الموضوعية ،والتي تضمن للموظف عدم التعرض
مغرضة ،وفي ذات الوقت تكفل من جانب آخر مصلحة اإلدارة في كشف الجريمة ومالحقة
الموظف المخطئ ومعاقبته بما يحقق في آخر األمر حسن العمل في المرافق العامة وسيرها بانتظام
واضطراد ،بحيث إذا انتفت هذه األسس كان قرار الجزاء الصادر بناء على هذا التحقيق ،مخالفاً
وقد حصر المشرع القطري الضمانات الموضوعية فيما يتعلق بالتحقيق اإلداري في ثالث
ضمانات رئيسية ،يأتي في مقدمتها مواجهة الموظف بما هو منسوب إليه ،وتمكينه من الدفاع عن
وسوف نخصص مطلباً مستقالً لكل ضمانة مما سبق نتناول من خاللها ،مواجهة الموظف بما
هو منسوب إليه( ،مطلب أول) ،حق الدفاع (مطلب ثان) ،حياد المحقق اإلداري (مطلب ثالث)،
( )147انظر في هذا المعنى ،المستشار الدكتور /محمد ماهر أبو العينين ،قضاء التأديب في الوظيفة العامة والدفوع التأديبية،
مرجع سابق ،ص .453
112
المطلب األول
يمكننا تناول هذا المطلب من خالل فرعين أساسيين ،ماهية المواجهة (فرع أول) ،وضوابط صحة
الفرع األول
ماهية المواجهة
يعد مبدأ مواجهة الموظف بما هو منسوب إليه من اتهام من المبادئ القانونية العامة ،والتي ال
تحتاج في نظرنا ضرورة للنص عليها ،والتي يترتب على إغفالها قوالً واحداً بطالن التحقيق ،ومن
الموظف المتهم علماً بما نسب إليه من مخالفات باالستناد إلى أدلة أو شواهد تثبت وقوعها ونثبتها
كما تعني عند البعض األخر من الفقهاء ()149بأنها سماع أقوال العامل فيما هو منسوب إليه
من تصرفات تشكل مخالفة تأديبية ،وكذلك مواجهته باألدلة التي تثبت وقوعها منه ،فيجب مواجهته
بكافة المخالفات التي تترتب عليها مسؤوليته التأديبية ،وذلك ليتمكن من الوقوف على عناصر
د /علي محمد العربي وأخرون ،إدارة شؤون الموظفين في الدول الحديثة 1987 ،بدون دار نشر ،بدون بلد النشر، ()148
ص ،171نقالً عن د /عدنان عاجل عبيد ،ضمانات الموظف السابقة لفرض العقوبة التأديبية ،دراسة مقارنة ،المركز
العربي للنشر ،القاهرة ، 2018 ،ص.183
د /مجدي مدحت النهري ،مبادئ القانون اإلداري ،دار النهضة العربية ،القاهرة ، 2001 ،ص . 717 ()149
113
التحقيق وسند االتهام للدفاع عن نفسه فيما هو موجه إليه ،واذا وقع الجزاء على العامل دون سماع
وترى الباحثة أن مواجهة المتهم بما هو منسوب إليه وسماع دفاعه وتحقيقه اًم اًر حتمياً ،ويعد
من األسس الجوهرية لصحة التحقيق اإلداري ،ومفهوم المواجهة إنما تعني إحاطة الموظف بحقيقة
المخالفة المنسوبة إليه وأدلة االتهام ،وذلك حتى يستطيع الدفاع عن نفسه فيما هو منسوب إليه،
حيث نصت المادة ( )97من الالئحة التنفيذية على أنه " يجب سماع الشهود وتقديم أدلة اإلثبات
وقد أكد القضاء اإلداري في أحكامه المتعاقبة على ضرورة ضمانة المواجهة وصحة إجرائها
في التحقيق اإلداري ،ورتب البطالن في حالة انعدامها( .)150وفي هذا الصدد قضت محكمة التمييز
القطرية بأنه" المقرر أن حق الدفاع يتفرع عنه مبادئ عامة فـي أصول التحقيقات ومنها حتمية
مواجهة العامل بما هو منسوب إليه وسماع أقواله وتحقيق دفاعه ،ويعتبر ذلك من األسس الجوهرية
للتحقيق القانوني حيث يجب إحاطة العامل بحقيقة المخالفة المنسوبة إليه وباألدلة التي يقوم عليها
وفي ذلك قضت المحكمة اإلدارية العليا المصرية بأن " سالمة القرار التأديبي تتطلب أن تكون
النتيجة التي ينتهي إليها القرار مستخلصة استخالصاً سائغاً من تحقيق تتوافر له كل المقومات
اللواء محمد ماجد ياقوت ،أصول التحقيق اإلداري في المخالفات التأديبية ،مرجع سابق ،ص. 214 ()150
حكم محكمة التمييز القطرية ،تمييز مدني ،الطعن رقم ( ) 113لسنة ، 2013جلسة .2013 /6/ 18 ()151
114
األساسية للتحقيق القانوني السليم ،أول هذه المقومات ضرورة مواجهة المتهم بصراحة ووضوح
(.)152
بالمآخذ المنسوبة إليه والوقائع المحددة التي تمثل تلك المآخذ "
كما قضت أيضاً بأن " عدم مواجهة المتهم باالتهام المنسوب إليه ،وتمكينه من إبداء دفاعه
من شأنه إهدار أهم ضمانة من ضمانة التحقيق على نحو يعيبه األمر الذي يترتب عليه بطالن
. الجزاء المبني عليه سواء صدر بهذا الجزاء قرار إداري أو حكم تأديبي "
()153
كما ذهبت في حكم آخر لها إلى أن " من ضمانات التحقيق إحاطة العامل بما هو منسوب إليه
وتمكينه من الدفاع عن نفسه قبل توقيع الجزاء عليه ويتطلب ذلك استدعاء العامل وسؤاله وسماع
الشهود إثباتاً ونفياً ،حتى يصدر الجزاء مستنداً على سبب يبرره والتحقيق بهذه الكيفية يعد ضمانة
مهمة تستهدف استظهار مدى مشروعية الجزاء ومالئمته ولذلك ال يكفي مجرد إلقاء األسئلة على
العامل حول وقائع معينة بل ينبغي مواجهته باالتهامات المنسوبة إليه ليكون على بينة منها فيعد
أن أساس مبدأ المواجهة إنما يرتبط بفكرة الجزاء أو بفكرة العقاب منذ ()155
ويرى بعض الفقه
أن استقر القضاء على اعتبار المواجهة من المبادئ العامة التي تطبق في غيبة النصوص ،ويكاد
أن ينعقد اإلجماع على أن نطاق المواجهة هو اإلجراء الذي له طابع العقاب ،بينما يرى البعض
األخر ارتباط مبدأ المواجهة بفكرة سماع الطرف اآلخر ،حيث يرى هذا االتجاه أن تحديد نطاق
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( )23/1134ق ،جلسة ، 1992/1/25الموسوعة اإلدارية ()152
د /عبد الفتاح عبد الحليم عبد البر ،الضمانات التأديبية في الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص . 246 ()155
115
المواجهة باإلجراءات التي لها طابع الجزاء يضيق من نطاق المبدأ ،وأن أساس مبدأ المواجهة
ليس هو النشاط العقابي أو اإلجراء الجزائي وانما هو مبدأ سماع الطرف اآلخر ،وهو الذي يحدد
نطاق المواجهة ،واليه يرجع ما يقرره القاضي من حقوق الدفاع بالنسبة لكل إجراء له صفة
الجزاء(.)156
وبهذا المعنى تختلف المواجهة عن االستجواب ،فاألخير هو إجراء من إجراءات التحقيق ،يقصد
به قيام المحقق – بعد التأكد من شخصية المتهم – بإعالمه على وجه الدقة بكافة االتهامات
المنسوبة إليه واألدلة القائمة ضده ومناقشته فيها تفصيالً وتحقيق أوجه دفاعه من خالل طرح
األسئلة عليه(.)157
وترى الباحثة -وبحق – أنه ال يجوز اعتبار صمت الموظف وامتناعه عن اإلجابة على أسئلة
المحقق اإلداري مخالفة تأديبية يسأل عنها ،بل يكفي إنه فوت على نفسه فرصة الدفاع .ومن ثم
يكون لإلدارة التجاوز عن أوجه دفاعه التي رفض التصريح بها ،وأن تصدر مباشرة قرارها بالجزاء،
ويعتبر هذا القرار سليماً من الناحية القانونية ،إال إذا ثبت أن االمتناع عن إبداء الدفاع أمام محقق
معين كان يقوم على أسباب معقولة ،وعندئذ يكون القرار الصادر بمجازاته معيباً
()158
.
اللواء الدكتور /محمد ماجد ياقوت ،شرح القانون التأديبي للوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص 993وما بعدها . ()156
د /مغاوري محمد شاهين ،القرار التأديبي وضماناته ورقابته القضائية بين الفاعلية والضمان ،مرجع سابق ،ص ()157
.487
حكم محكمة القضاء اإلداري ،جلسة 1955/4/24سنة 9ص ، 329د /عبد الفتاح حسن ،التأديب في الوظيفة ()158
سبقت اإلشارة أن المواجهة إنما تعني إيقاف الموظف على حقيقة التهم المسندة إليه واحاطته
بمختلف األدلة ال تي تشير إلى ارتكابه المخالفة حتى يستطيع أن يدلي بأوجه دفاعه ،وبغير هذه
أوالً :أن يتم إعالن الموظف باالتهام قبل التحقيق بوقت كاف :
وهذا يعني أن سلطة التحقيق ملزمة بإعالن الموظف بالتهمة قبل إجراءات التحقيق حتى يتمكن
الموظف من إعداد دفاعه وحتى ال يفاجئ بتوجيه االتهام إليه ،ويطلب منه الرد أثناء التحقيق على
مجال التأديب يعني حق المتهم في الرد على ما هو منسوب إليه بالوسائل الممكنة ،ويبطل الجزاء
()161
. الذي يوقع على موظف لم تسمع أقواله أو يحقق دفاعه عن التهمة المنسوبة إليه
تعتبر مواجهة المتهم بالتهمة المنسوبة إليه من أبرز الضمانات ،ويجب أن تكون المواجهة بالتهمة
محددة تحديداً واضحاً دون لبس أو إبهام ،فبدون تلك المواجهة لن يكون هناك تحقيق مكتمل
المستشار الدكتور /محمد ماهر أبو العينين ،قضاء التأديب في الوظيفة العامة والدفوع التأديبية ،مرجع سابق ،ص ()159
. 463
د /صالح أحمد السيد جودة ،الضمانات اإلجرائية لحماية الموظف العام دراسة فقهية وقضائية ،دار النهضة العربية، ()160
117
األركان ومحاط بالضمانات الواجب توافرها ،حيث سيجازى المتهم عن فعل لم يحط به علماً ولم
يواجه باتهام ارتكابه ،وكما هو واضح فإن مثل هذا األمر يتنافى مع أبسط مبادئ العدالة
()162
. واإلنصاف
وينبغي أن تكون التهمة الموجهة للموظف محددة المعالم بشكل واضح ال لبس فيها وال
غموض ،فالتهمة الغامضة من شأنها أن تجلب الشك وعدم االطمئنان ،فمواجهة المتهم في نطاق
التأديب هامة للغاية ،بل وتفوق أهميتها في نطاق القانون الجنائي على اعتبار وضوح التهمة في
المجال الجنائي ،في حين أنها في مجال التأديب قد تثير اللبس والغموض ،نظ اًر لعدم خضوع
الجريمة التأديبية لقاعدة ال جريمة وال عقوبة إال بنص ،وعدم تقنين تلك الجرائم وصعوبة تحديدها،
وعليه ال يكفي في هذا الصدد االكتفاء بمواجهة العامل بتهمة عامة غير محددة تتمثل في اإلهمال
()163
. في واجبات وظيفته
فالمواجهة باالتهام يجب أن تكون محددة وواضحة في نسبة اتهام محدد إلى المتهم يستطيع نفيه
أو الرد على أدلته ،فال يكفي مجرد إلقاء األسئلة على العامل حول وقائع معينة ،بل ينبغي
مواجهته باالتهامات المنسوبة إليه ليكون على بينة منها فيعد دفاعه على أساسها .
وفي حكم لها قضت المحكمة اإلدارية العليا المصرية بأنه ( من حيث إن من بين ضمانات
سالمة التحقيق أن يواجه المتهم بما هو منسوب إليه من وقائع االتهام وباعتبارها تشكل مخالفة
ت أديبية حتى يتمكن من إبداء دفاعه فيما هو منسوب إليه ،وال يغني عن ذلك طلب سماع أقوال
المتهم في موضوع المخالفة دون تنبيهه إلى أن ثمة مخالفة منسوبة إليه في هذا الشأن حتى
د /عمرو فؤاد بركات ،السلطة التأديبية (دراسة مقارنة) ،مرجع سابق ،ص .253 ()162
حكم المحكمة اإلدارية العليا الصادر بجلسة 1990/5/22في الطعن رقم ( ) 1620لسنة 34قضائية عليا . ()163
118
يستطيع أن يستجمع أوجه دفاعه وأدلتها إبدائها عن يقظة وادراك بأنه يواجه المساءلة عن مخالفة
بذاتها محددة العناصر واضحة األبعاد .....ومن حيث إن التحقيق الذي أجرى مع الطاعن قد
تضمن سؤاله عن معلوماته في شأن بعض الوقائع واستمعت إلى أقواله بشأنها بغير أن يعقب ذلك
اتهامه بشيء أو تنبيهه إلى انصراف النية إلى مساءلته كمتهم ولم تحطه بأدلة االتهام الذي يرفرف
عليه وبالتالي لم يأخذ لألمر عدته ولم ينشط للدفاع عن نفسه ودرء ما هو موجه إليه ،وهو ما
يقطع بافتقاد التحقيق الذي جرى مع الطاعن الضمانات األساسية المشار إليها ،مما يترتب عليه
()164
. بطالن ذلك التحقيق وبطالن ما ترتب عليه من جزاء
ثالثاً :أن تتم المواجهة على وجه يستشعر معه الموظف أن اإلدارة بسبيل مؤاخذته:
يلزم حتى تؤدي مواجهة الموظف بالمخالفة التأديبية المنسوبة إليه غايتها أن تتم مواجهته باالتهام
وأدلة الثبوت بأسئلة محددة ،وأن تكون بصورة يستشعر معها الموظف أن اإلدارة بسبيل مؤاخذته
عنها إذا ما ترجحت لديها إدانته ،حتى يكون على بينة من خطورة موقفه ،فينشط للدفاع عن نفسه
بالنسبة لتلك التهمة ( ،)165وليتمكن من اإلدالء بما لديه من إيضاحات وتقديم ما يعن له من بيانات
وقد ذهبت المحكمة اإلدارية العليا المصرية في أحد أحكامها إلى أنه ( بالنسبة للواقعة سماح
المطعون ضدها لشخص من خارج المدرسة باستعمال إحدى الغرف كمخزن لنشاطه في بيع المياه
الغازية للطالبات بحسبانها محور وأساس ما ينسب إليها من مخالفات ،وهذه الواقعة لم تواجه بها
( )164حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعنان رقما ( ) 3672 ، 316لسنة 42قضائية عليا ،جلسة .1998/9/20
د /عبد اللطيف بن شديد الحربي ،ضمانات التأديب في الوظيفة العامة ،دراسة تحليلية تأصيلية فقهية مقارنة ،الدار ()165
وانما جاء السؤال بشأنها بصورة عرضية غير مباشرة ال تحمل أي مدلول لخطورة األمر مما يمكن
القطع معه بأن المطعون ضدها لم تكن تقدر ما لهذه المسألة من خطورة واال كانت أكثر حرصاً
وأشد تأكيداً على محاولة دحضها وبذلك يكون التحقيق بشأن هذه الواقعة قد جاء مبتو اًر ولم يتوافر
له مقومات التحقيق القانوني وشروطه )( . )166ومن ثم يجب أن تتم المواجهة على نحو يستشعر
معه الموظف أن اإلدارة بسبيل محاسبته تأديبياً في حالة إدانته ،حتى يستعد جيداً للدفاع عن نفسه.
وهذا يعني أن مواجهة الموظف ببعض المخالفات دون بعض يصم التحقيق بالقصور ويهدر ضمانة
حق الدفاع ،لذلك كان من الواجب على سلطات التحقيق مواجهة العامل بجميع المخالفات التأديبية
المنسوبة إليه كي يتمكن من إعداد دفاعه ،وتقديم أدلة ب ارءته من كل ما هو منسوب إليه(.)167
وفي هذا الصدد قضت محكمة التمييز القطرية بأن" المقرر أنه ال يكون التحقيق مستكمل األركان
صحيحاً من حيث محله وغايته إال إذا تناول الواقعة محل االتهام بالتحقيق الذي يحدد عناصرها
وعلى ذلك قضت المحكمة اإلدارية العليا المصرية في إحدى أحكامها ( إلى أنه باستقراء أوراق
التحقيق التأديبي الذي صدر بناء عليه هذا القرار يتبين أنه تمثل في أسئلة ألقيت على الطاعن
ولم يشمل من الوقائع الخمس التي قام عليها ذلك التحقيق سوى الواقعة األولى دون الوقائع األربعة
األخرى ،ولم تنطوي على مواجهة الطاعن بهذه الوقائع كاتهامات منسوبة إليه حتى يحاط علماً
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( )1134لسنة 32قضائية عليا ،جلسة .1992/1/25 ()166
د /صالح أحمد السيد جودة ،الضمانات اإلجرائية لحماية الموظف العام ،مرجع سابق ،ص . 50 ()167
حكم محكمة التمييز القطرية ،تمييز مدني ،الطعن رقم ( ) 113لسنة ، 2013جلسة .2013 /6/ 18 ()168
120
بها ويتبين اتهامه فيها ويعمل على دفعه ،ومن ثم فلم تكتمل لهذا التحقيق مقومات التحقيق القانوني
الصحيح وكفاالته وضماناته ،واذا كان األمر كذلك فإن القرار الصادر بمجازاة الطاعن بناء على
وقد ذهبت المحكمة اإلدارية العليا المصرية إلى أنه " يلزم حتماً إجراء تحقيق قانوني صحيح
سواء من حيث اإلجراءات أو المحل والغاية لكي يمكن أن يستند على نتيجته قرار االتهام شامالً
األركان األساسية ،وال يكون التحقيق مستكمل األركان صحيحاً من حيث محله وغايته إال إذا تناول
الواقعة محل االتهام بالتحقيق بحيث والبد أن يحدد عناصرها بوضوح ويقين من حيث األفعال
والزمان والمكان واألشخاص وأدلة الثبوت فإذا ما قصر التحقيق عن استيفاء عنصر أو أكثر من
هذه العناصر على نحو تجهل معه الواقعة وجوداً وعدماً أو أدلة وقوعها أو نسبتها إلى المتهم كان
. ()170
تحقيقاً معيباً ويكون قرار الجزاء المسند إليه معيباً كذلك
المطلب الثاني
حق الدفاع
شرع حق الدفاع من أجل أن يمارس الموظف حقه في درء االتهام الموجه له ،بكافة السبل
المشروعة ،بداية من معرفته وتبصيره بالمخالفات المنسوب إليه ،واتاحة الفرصة للرد عليها سواء
كتابة أو شفاهه ،مع تمكينه من االطالع على ملف التحقيق ،واصطحاب محام ،وغير ذلك من
مقتضيات حق الدفاع ،وذلك في نطاق الحدود المسموح بها لمباشرة هذا الحق.
( )169حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 780لسنة 28قضائية عليا ،جلسة ، 1986/12/27مجموعة
المبادئ القانونية ،سنة ، 32ص . 517
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( )1636لسنة 34قضائية عليا ،جلسة 1989/6/17م ،ص ()170
. 1147
121
ويمكننا تناول هذا المطلب فيما يلي:
الفرع األول
ماهية حق الدفاع
تأتي ضمانة حق الدفاع على رأس كافة الضمانات ،باعتبارها النواة التي تتشكل وتتفرغ عنها
الضمانات األخرى والتي ال يمكن كفالتها دون كفالة حق الدفاع ،وال تستهدف ضمانة الدفاع
تحقيق مصلحة خاصة بالمتهم فقط ،بل يتعدى ذلك إلى تحقيق المصلحة للمجتمع ككل بإظهار
الحقائق وكفالة العدالة منها باعتباره من حقوق اإلنسان الطبيعية والنابعة من روح القانون والعدالة
()171
،ذلك أن الدفاع ال يتعلق بالمتهم فحسب ،بل يتعلق كفلته الدساتير والشرائع المختلفة
بالمشروعية.
فحق الدفاع من الحقوق الدستورية التي يتعين مراعاتها في كافة التحقيقات والمحاكمات ،كما أنه
حق طبيعي معترف به لكل متهم نظ اًر ؛ ألنه يتعلق بالمبادئ األساسية التي تقوم عليها العدالة .
د /سعد الشتيوي ،التحقيق اإلداري في نطاق الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص . 91 ()171
122
ولقد نصت المادة( ) 84من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم( ) 15لسنة 2016في
فقرتها األولى على أنه " ال يجوز توقيع أي جزاء تأديبي على الموظف إال بعد التحقيق معه كتابة
أن أحكام القضاء اإلداري قررت كفالة حق الدفاع ،إال أنها لم تبين ما يعتبر ()172
ويرى رأي
من مقتضيات حق الدفاع ،أو ما يعتبر إخالالً بحق الدفاع ،وأن اإلخالل بحق الدفاع يترتب عليه
وفي هذا الصدد قضت محكمة التمييز القطرية بأنه" حق الدفاع من األسس الجوهرية للتحقيق
اإلداري ،ومؤداه وجوب إحاطة العامل بحقيقة ما هو منسوب إليه واألدلة التي يقوم عليها
االتهام( .)173وبرغم تلك الصعوبات السابقة التي تكتنف حقوق الدفاع من لبس وغموض فقد عرفها
رأي فقهي( ")174بأنها حق المتهم في محاكمة عادلة مؤسسة على إجراءات مشروعة " .
بأن المقصود بحقوق الدفاع " هو تمكين المتهم من درء التهمة عن ()175
وثمة رأي أخر يرى
نفسه في كافة اإلجراءات التأديبية وعلى هذا النحو تتضمن حقوق الدفاع طائفة واسعة من
الضمانات التأديبية المصاحبة لكافة ما يتم اتخاذه من إجراءات في حق الموظف ابتداء من مرحلة
اإلحالة إلى التحقيق االبتدائي وحتى مرحلة المحاكمة وتوقيع الجزاء التأديبي .
اللواء الدكتور /محمد ماجد ياقوت ،شرح القانون التأديبي للوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص 1004وما بعدها. ()172
حكم محكمة التمييز القطرية ،تمييز مدني ،الطعن رقم ( ) 113لسنة ، 2013جلسة .2013 /6/ 18 ()173
د /عبد الفتاح عبد الحليم عبد البر ،الضمانات التأديبية في الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص . 292 ()174
د /سعيد الشتيوي ،التحقيق اإلداري في نطاق الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص . 92 ()175
123
إنه إذا كانت أحكام القضاء وآراء الفقهاء قد توسعت في تحديد معنى حق ()176
ويرى بعض الفقه
الدفاع ليشمل عديد من ضمانات التأديب األخرى ،كمواجهة المتهم علماً بما هو منسوب إليه ،
وكذلك حيدة سلطة التأديب وعدم انحيازها ،فقد كان لذلك ما يبرره في بداية نشأة الضمانات
التأديبية ،إال أنه ال يجوز اآلن الخلط بين حق الدفاع وبقية الضمانات التأديبية األخرى ،حيث
إن نشأة ضمانات التأديب وتطورها جاء نتيجة اجتهادات القضاء ومحاوالت الفقهاء لرد هذه
االجتهادات إلى مبادئ عامة للقانون حيث أحوجهم األمر لذلك ،فكانت فكرة حقوق الدفاع هي
أيسر أساس يمكن رد تأصيل بقية ضمانات التأديب إليه واعتبارها متفرعة عنه مما ساعد على
لذلك طبقاً لهذا الرأي لم يعد هناك ما يبرر هذا الخلط بين حقوق الدفاع وبين بقية الضمانات
التأديبية األخرى ،على اعتبار أن المشرع قد تدخل ونص صراحة على ضمانات تأديبية يتعين
توافرها في أي محاكمة تأديبية ،ولم يردها لحق الدفاع ،بل اعتبرها ضمانات قائمة بذاتها كضمانة
الحيدة ،وضرورة االستجواب والمواجهة هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى يمكن القول بأن ضمانة
حقوق الدفاع تعتبر ضمانة احتياطية وليست مختلطة ببقية الضمانات األخرى ،يمكن الرد إليها
إذا لم يوجد نص ،أما وان وجد النص فال سبيل إلى الرد إليها باعتبار أن بقية الضمانات األخرى
ليست غاية في حد ذاتها ،بل وسيلة بطريقة أو بأخرى لتحقيق ضمانة حق الدفاع .
وقد أفاضت المحكمة الدستورية المصرية في التعبير عن ضمانة الدفاع عندما ذهبت إلى أنه
( قد أضحى مستق اًر كحقيقة مبدئية ال يمكن التفريط فيها مندرجاً في إطار المبادئ األساسية للحرية
د /عبد اللطيف بن شداد الحربي ،ضمانات التأديب في الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص 471وما بعدها . ()176
124
المنظمة واقعاً في نطاق القيم التي غدا اإليمان بها راسخاً في وجدان البشرية وكانت ضمانة الدفاع
بالتالي لم تعد ترفاً يمكن التجاوز عنه فإن التعلق بأهدابها الشكلية دون تعمق لحقائقها الموضوعية
يعتبر إنكا اًر لمضمونها الحق مصادماً لمضمون العدالة ،منافياً لمتطلباتها ...وأن إنكار ضمانة
الدفاع أو تقييدها بما يخرجها عن األغراض المقصودة منها إنما يؤول في أغلب صوره إلى إسقاط
الضمانة التي كفلها الدستور لكل مواطن في مجال االلتجاء إلى قاضيه الطبيعي ،ويعرض حق
اإلنسان في الحياة والحرية الشخصية والكرامة الواجبة لصون آدميته لمخاطر مترامية في أبعادها،
عميقة في آثارها ،وهو ما يعتبر هدماً للعدالة ذاتها بما يحول دون وقوفها سوية على قدميها ،
كما أن ضمانة الدفاع ال تقتصر قيمتها العملية على مرحلة المحاكمة وحدها بل تمتد كذلك مظلتها
وما يتصل بها من أوجه الحماية إلى المرحلة السابقة عليها انطالقاً من أن إنكار ضمانة الدفاع
أو فرض قيود تحد منها يخل بالقواعد المبدئية التي تقوم عليها المحاكمة المنصفة والتي تعكس
نظاماً متكامل المالمح يتوخى صون كرامة اإلنسان وحماية حقوقه األساسية ويحول بضماناته دون
استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها ،كما ينال اإلخالل بضمانة الدفاع من أصل البراءة)(.)177
وال يعتبر إخالالً بحق الدفاع استعانة سلطات التحقيق برأي جهة فنية متخصصة في الكشف عن
الحقيقة ،سواء أكانت هذه الجهة تابعة أم غير تابعة للو ازرة التي أحالت الموظف إلى التحقيق .
هذا ويعتبر العذر القهري – كالمرض الشديد أو فقدان الذاكرة – مانعاً من مباشرة الموظف لحق
الدفاع حيث يتعين معه وقف التحقيق حتى يشفى أو يعود إلى رشده .
حكم المحكمة الدستورية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 6لسنة 13قضائية عليا ،جلسة ، 1992/5/16موسوعة ()177
طبيعي معترف به ؛ ألنه يتعلق بالمبادئ العليا التي تقوم عليها العدالة ،فلن يستقيم ذلك الحق ما
لم تتم مواجهة ذلك المتهم بما أسند إليه من اتهامات ،وبذلك يتحقق عنصر مهم من عناصر
المشروعية في النطاق التأديبي ،ويترتب على إهداره بطالن القرار الصادر بالعقوبة.
الفرع الثاني
تقرير حق الدفاع ليس غاية في حد ذاته ،وانما يشكل ضمانة تمنح للموظف إلتاحة الفرصة أمامه
للرد على التهم المنسوبة إليه ،حيث يتعين – كأصل عام – تمكينه من إبداء دفاعه بالطريقة التي
يراها مناسبة ،وأن يكفل له مبدأ الحرية في إبداء هذا الدفاع ،وأن يسمح له باالستعانة بمحام ،
باإلضافة إلتاحة المجال لسماع أقوال من يتقدم بهم كشهود .مع مراعاة الشروط والقواعد المنصوص
تعني حرية الدفاع تحديد األسلوب الذي يتخذه المتهم في درء اإلتهام عن نفسه ،والحقيقة أن العبرة
ليست بتقرير حق الدفاع وانما بالوسائل التي تكفل فاعلية هذا الحق وعدم تجريده من أسسه
ومقتضياته ،ومن ثم ال يمكن أن يكون الدفاع فعاالً دون أن تتاح الفرصة للموظف المتهم لإلدالء
بأقواله بكل حرية ،فله الحق في اختيار أسلوب دفاعه على الوجه الذي يراه الزماً لتحقيق هذه الغاية
بما يراه مناسباً لدفع التهمة عن نفسه كأن يكون هذا الدفاع شفوياً أو كتابياً ،على النحو الذي يراه
محققاً لصالحه.
126
فإذا كان حق الدفاع مقرر لمصلحة المتهم فإن له اختيار وسيلة التعبير عن هذا الحق ،ولئن كان
األصل أن يبدى المتهم أقواله كتابة إال أن بوسعه إبداؤها شفاهة على أن يتم إثباتها في محضر
وهو ما أشارت إليه المحكمة اإلدارية العليا بقولها ( إن الشكاوى والبالغات والتحريات وان
كانت تصلح سنداً لتوجيه االتهام بالنسبة لمن تشير إليه ،إال أنها ال تصلح سنداً لتوقيع الجزاء
عليه ،ما لم تجر جهة اإلدارة تحقيقاً مع المتهم يواجه فيه بما ُنسب إليه وُيمكن من إبداء أوجه
دفاعه أمام سلطة التحقيق التي يقع عليها عبء تحقيق هذا الدفاع )(. )179
إن إطالع الموظف على ملفه وأوراق الدعوى يعتبر رافداً أساسياً إلحاطته بالتهمة المسندة إليه
()180
إذا تم وبأدلتها توطئة لالستعداد للدفاع عن نفسه وكفالة حق الدفاع ال تتم في رأي البعض
حرمانه من االطالع على ملفه قبل توقيع العقوبة التأديبية ،فحق االطالع على الملف يجعل
الموظف على إحاطة كاملة بجميع األوراق والمستندات التي يتضمنها ملفه الوظيفي نظ اًر ألهميتها
في تحقيق دفاعه ،ونتيجة لذلك ذهبت كثير من التشريعات للسماح للموظف محل المساءلة التأديبية
د /عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،الموسوعة اإلدارية الشاملة في إلغاء القرار اإلداري وتأديب الموظف العام ،مرجع ()178
د /سعد الشيتوي ،التحقيق اإلداري في نطاق الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص . 105 ()180
127
ولقد استقر الفقه والقضاء على أن حق الموظف في االطالع على األوراق وملف الدعوى من
األمور التي تفتضيها مبادئ العدالة لتوفير الضمانات التي تكفل اطمئنان الموظف وسالمة
()181
. التحقيق
وأن إطالع الموظف المتهم اطالعا كامالً على كافة أوراق الملف ،وليس فقط على قرار
االتهام ،أو على التقرير الذي يحل محله ،وهو من األمور المسلم بها في الفقه والقضاء ،فال
يمكن أن يظل أحد مستندات الملف األساسية سرياً وخافياً على صاحب الشأن ولو لم ينص على
ذلك قانوناً(.)182
وترى الباحثة أن حق الموظف في االطالع ،بل والسماح له بأخذ نسخة من األوراق يعد وبحق
من المبادئ القانونية العامة والتي ال تحتاج -حتى -إلى النص عليها ،فهي من الضمانات أو
المبادئ األساسية للتحقيق ،ولو لم تتضمنها قواعد قانونية أو الئحية ،وان كان األفضل أن ينص
على ذلك المشرع صراحة منعاً ألي لبس أو غموض لدى المحققين ،وباألخص المبتدئين منهم.
وفي هذا الصدد قضت محكمة التمييز القطرية بأنه" أصول التحقيق وضوابطه إنما تستلهم فـي
كنف قاعدة أساسية كلية تصدر عنها وتستقي منها الجزئيات والتفاصيل وهي تحقيق الضمان
وتوفـير االطمئنان لكل من يقع تحت المساءلة التأديبية ،ويجب فـي التحقيق أن يستوفـي كل وسائل
ومكنات الدفاع ،ذلك أن اتباع تلك اإلجراءات هو أمر تفتضيه العدالة ،فإذا تحقق ذلك دون إخالل،
المستشار الدكتور /محمد جودت الملط ،المسؤولية التأديبية للموظف العام ،مرجع سابق ،ص 268وما بعدها. ()181
د /عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،الموسوعة اإلدارية الشاملة في إلغاء القرار اإلداري وتأديب الموظف العام ،مرجع ()182
128
ثالثاً :حق االستعانة بمحام أثناء التحقيق:
يعد حق االستعانة بمدافع من أهم ضمانات التحقيق ،فحضور المدافع مع موكله أثناء التحقيق
فيه ضماناً لسالمة اإلجراءات ولعدم استعمال الوسائل الممنوعة أو غير الجائزة مع المتهم ،فضالً
()184
. عن أنه يهدى من روع المتهم ويساعده على االتزان والهدوء في إجاباته
وتقرير ضمانة االستعانة بمحام هدفها الجوهري ،خلق نوع من التوازن بين ما تملكه سلطة
العقاب من وسائل تتخذها حيال المتهم وهي في سبيلها للبحث عن الحقيقة ،وبين حق المتهم في
الدفاع عن نفسه ،حيث قد ال يستطيع المتهم االضطالع بهذا العمل بمفرده ألسباب ربما تكون
شخصية أو موضوعية ،فيكون بوسعه االستعانة بمحام مؤهل للقيام بهذا الدور(.)185
وتبدو أهمية االستعانة بمحام أثناء التحقيق ،في حماية المحقق معه من األسئلة الخادعة والوعود
البراقة التي تهدف إلى خداعة أو اإليقاع به ،على نحو مخالف للقانون ،األمر الذي يقتضي تخويل
المتهم حق االستعانة بمحام .كما أنه من الناحية العملية ،فإن تمكين المتهم من االستعانة بمحام
في التحقيق يساعد في توضيح الحقيقة التي قد تؤدي إلى حفظ التحقيق أو اقتناع سلطة التحقيق
بتوقيع عقوبة خفيفة فال يحال المتهم إلى مجلس التأديب أو المحكمة التأديبية ،وهو ما يحد من
طول إجراءات التأديب ويختصر المدة التي يظل فيها العامل رهن التحقيق والمحاكمة ،وهو ما
األستاذ /مصطفى البرادعي ،المحاماة والعدالة ،بحث منشور بمجلة المحاماة ،س ، 45العدد . 1 ()184
د /عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،الموسوعة اإلدارية الشاملة في إلغاء القرار اإلداري وتأديب الموظف العام ،مرجع ()185
المستشار الدكتور /محمد ماهر أبو العينين ،قضاء التأديب في الوظيفة العامة والدفوع التأديبية ،مرجع سابق ،ص ()186
. 435
129
وترى الباحثة أن االعتراف للموظف المتهم بحق الدفاع يستتبع السماح له باالستعانة بمحام في
مرحلة التحقيق ،إذ يشكل ضمانة لسالمة إجراءات التحقيق ويساعد على هدوء واتزان الموظف
فيما يدلي به من أقوال خاصة عندما يكون التحقيق هو المستوى الوحيد لممارسة حق الدفاع وذلك
عندما توقع السلطة اإلدارية المختصة الجزاء بناء على هذا التحقيق .
وفي هذا الصدد نصت المادة ( ) 97من قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( )15لسنة
2016على أنه "تكون جلسات الهيئة التأديبية سرية .وتصدر الهيئة قرارها بعد سماع دفاع
الموظف ،ويكون الموظف آخر من يتكلم ،ويحضر الموظف بشخصه أمام الهيئة التأديبية.
وله أن يطلب استدعاء الشهود لسماع أقوالهم ،وأن يقدم دفاعه كتابة أو أن يستعين بمن يشاء
للحضور نيابة عنه وتقديم دفاعه ،وللهيئة دائماً الحق في طلب حضور الموظف بنفسه".
إال أن هذا الحق لم ينص عليه المشرع إذا كان التحقيق يجري أمام الشؤون القانونية ،رغم توافر
ولكن يثور التساؤل ما مدى تأثير عدم تمكين المتهم من االستعانة بمحام على حقه في الدفاع
عن نفسه؟
إن حق الدفاع في مجال التأديب يعني حق المتهم في الرد على ما هو منسوب إليه بالوسائل
الممكنة ،ويبطل الجزاء الذي يوقع على موظف لم تسمع أقواله أو يحقق دفاعه عن التهمة المنسوبة
()187
. إليه
د /عبد الفتاح عبد الحليم عبد البر ،الضمانات التأديبية في الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص . 292 ()187
130
الفرع الثالث
أوالً :عدم مسؤولية الموظف عما يدلي به من أقوال غير صحيحة في معرض الدفاع عن نفسه:
يذهب جمهور الفقهاء إلى أن المتهم ال يلتزم بقول الصدق أثناء التحقيق معه ،فله أن يلجأ إلى
الكذب دفاعاً عن نفسه ،وال يعاقب على ذلك ؛ ألن أقواله تعتبر وسيلة دفاع يستخدمها فيما يحقق
مصلحته ،وال التزام عليه في معاونة المحقق وتسهيل أداء مهمته حتى وان تعارض ذلك مع خطته
()188
. في الدفاع عن نفسه
وسي اًر على هذا االتجاه ،يجب عدم التعويل أو ترتيب المسؤولية على المتهم إذا تبين كذبه في
أقواله ،فمن ضمن المبادئ األصولية في النطاق العقابي تمكين المتهم من الدفاع عن نفسه وله
في سبيل ذلك أن يبدى ما يعن له من أقوال وال يطعن على مسلكه إذا ما حاول درء االتهام عن
نفسه ولو بأقوال يثبت عدم صحتها ،إذا أن المتهم يهدف بالدفاع عن نفسه إلى إثبات براءته ال
إدانته ،وال يمكن أن يتخذ من حق الدفاع وسيلة لكيل االتهام ،ألن في ذلك إهدار لضمانة أساسية
أما عن موقف القضاء اإلداري في هذا الشأن فقد عبرت عنه محكمة القضاء اإلداري في أحد
أحكامها بقولها ( أنه ال مسؤولية على العامل عن أقواله غير الصحيحة التي يدلى بها في معرض
د /سعد الشتيوي ،التحقيق اإلداري في نطاق الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص 121وما بعدها . ()188
المستشار الدكتور /محمد ماهر أبو العينين ،الدفوع في نطاق القانون العام ،دار أبو المجد للطباعة ،القاهرة ، ()189
، 2002ص . 818
131
الدفاع عن نفسه ما دامت هذه األقوال من مقتضيات حق الدفاع ،وأنه ال يعتبر من المجاوزة لحق
الدفاع أن ينكر المتهم المخالفات وينسبها إلى غيره ،ما دام ذلك لم يكن بسوء نية)(.)190
ويستفاد من ذلك الحكم أنه ال مسؤولية على المتهم إن هو أدلى في معرض دفاعه عن نفسه
بأقوال غير صحيحة ،بل أن له أن ينكر االتهام عن نفسه وينسبه إلى غيره ،شريطة أن يكون
ذلك من مقتضيات حق الدفاع ،وأن يكون بحسن نية ،والفكرة التي تستند إليها قاعدة إباحة الكذب
للمتهم ،هي أنه ال يجوز بحال تكليفه على غير إرادته ،بأن يذكر أقواالً يمكن استغاللها ضده في
اإلثبات حيث ال يجبر شخص على تقديم دليل ضد نفسه ،أما حسن النية فإنه ينتفي إذا ما قصد
المتهم إلصاق التهمة المنسوبة إليه لغيره ،في حين أنه على يقين من براءته منها .
وقد رسمت المحكمة اإلدارية العليا حدود هذا الكذب ووضعت ضوابط له فأشارت في إحدى
أحكامها إلى أن ( إدالء الموظف بأقوال غير صحيحة يشكل مخالفة تأديبية وأنه ينبغي على
الموظف التزام الصدق في كل ما يصدر عنه من أقوال في مجال الوظيفة العامة ،وال وجه للقياس
على ما يجوز قبوله من أقوال غير صحيحة في مجال الدفاع عن النفس في المجال الجنائي ،
أساس ذلك أن الكذب في المجال اإلداري يشكل مخالفة تأديبية ،وأن سبب القرار المطعون فيه
ليس هو انقطاع الطاعن عن العمل ولكن ادعائه على خالف الحقيقة أنه قدم طلباً باإلجازة وتبين
()191
. من التحقيق كذب هذا االدعاء )
ولئن كان هذا الكذب قد أبيح للموظف كمقتضى لحق الدفاع ،فإنه يحاسب عليه إذا ما تجاوز
به ما يقتضيه حقه في الدفاع عن نفسه ،كما لو اتخذ من كذبه وسيلة لتحدي الرؤساء واحراجهم
حكم محكمة القضاء اإلداري ،جلسة ، 1954/4/14مجموعة السنة الثامنة ،ص . 1227 ()190
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 128لسنة 30قضائية عليا ،جلسة 1988/3/12م . ()191
132
والمساس بهم()192أو قصد به التشهير بالمسؤولية ،حيث إن المتهم في تلك الحاالت يكون قد أخل
القاعدة أن للمتهم حقاً كامالً في أن يسيطر على مكنون نفسه ويحتفظ بأس ارره التي ينطوي عليها
عقله الباطن ،وأن يمنع كذلك خروجها عن نطاق الكتمان وأال يدلى بها ألحد ،ذلك حق من حقوق
وبناء على ذلك ،يمتنع استخدام أية وسيلة القتناص الحقيقة من المتهم رغماً عنه ،ويستوي في
ً
هذا الشأن الوسائل المادية والمعنوية ،طالما كان أثرها قهر مقاومة اإلنسان من أجل االحتفاظ
بخبايا النفس .وعلى الرغم من عدم وجود نص صريح في معظم تشريعات الدول يحرم تحليف
()193
لما المتهم اليمين إال أن هناك إجماع في الفقه والقضاء على تحريم تحليف المتهم اليمين
يؤدي إليه ذلك من وضع المتهم بين خيارين كالهما صعب ،فبعد تحليفه اليمين ،إما أن يقول
الحقيقة التي يمكن أن تستغل ضده في اإلثبات وفي ذلك إهدار لحقه في حرية الدفاع ،بإجباره
على تقديم دليل اإلدانة ضد نفسه ،واما أال يقول الحقيقة ،مخالفاً بذلك عقيدته الدينية األمر الذي
تشوبه قسوة المتهم ،ودفع له للتصرف إما ضد مصلحته أو إتيان ما يتعارض مع عقيدته ،وقاعدة
عدم جواز تحليف المتهم اليمين في المجال التأديبي هي إحدى المبادئ الدستورية المتعلقة بحقوق
( )192حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 1733لسنة 34قضائية عليا ،جلسة 1991/4/6م ،الموسوعة
المستشار الدكتور /محمد ماهر أبو العينين ،قضاء التأديب في الوظيفة العامة والدفوع التأديبية ،مرجع سابق ،ص ()193
. 708
133
اإلنسان في التحقيق والمحاكمة التأديبية ،وبرغم ذلك فإن المشرع لم يتعرض لتحليف المتهم لليمين
األصل أن إعطاء المتهم الفرصة إلبداء أقواله وتحقيق دفاعه والرد على التهم المنسوبة إليه ،يعد
من الضمانات الهامة للموظف لما يوفره من مكنة لدرء التهمة الموجهة إليه ،وبالتالي فإن امتناع
الموظف عن الرد على األسئلة بخصوص التهمة أو التهم المنسوبة إليه والتزامه الصمت من شأنه
إال أن السؤال الذي يثار في هذا الشأن ،هل يعتبر عدم الرد والتزام الصمت واالمتناع
يرى بعض من الفقه بأن حق الدفاع من الحقوق التي كفلها القانون الستظهار وجه الحق في
المخالفة المنسوبة للموظف ،ذلك من خالل إتاحة الفرصة للموظف للرد عليها ،لذلك فإن عدم
استعمال الموظف لهذا الحق ال ينطوي على مخالفة ،إذ إن ترك الحقوق غير معاقب عليه ،على
()194
وعلى هذا يجب أال يسفر صمت المتهم عكس اإلخالل بالواجبات وبالتالي ال يسوغ مجازاته
عن أي دليل إضافي يستعمل ضده ،فإذا كان سؤال المتهم يعني تمكينه من الدفاع عن نفسه أو
اعترافه بما هو منسوب إليه ،فال يجب تكليفه على غير إرادته باإلجابة على ما يوجه إليه من
أسئلة ،فإذا رفض اإلجابة أو التزم الصمت ،فيجب أال يتخذ صمت المتهم على أنه بمثابة اعتراف
ضمني أو أن يتخذ منه قرينة تستعمل ضد المتهم وتساهم في إدانته ،حيث إن بوسع سلطة
األستاذ /محمود صالح ،شرح قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ،الطبعة الثانية ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ، ()194
، 1997ص . 727
134
وبناء عليه ال
ً التأديب أن تحصل على األدلة بوسائلها المتعددة والتي تفوق قدرات األفراد بكثير ،
. يكون سكوت المتهم في ذاته دليالً ضده يمكن إدانته بناء عليه
()195
بل إن بعض الفقه ذهب في هذا الشأن إلى أنه إذا كان امتناع المتهم عن اإلدالء بأقواله أمام
محقق معين مستنداً إلى أسباب معقولة ،فإن الجزاء التي يصدر بناء على هذا التحقيق يكون
ً
معيباً(.)196
وعلى العكس من ذلك يرى بعض الفقه أن إدالء المتهم بأقواله وان كان من مقدمات التحقيق ،إال
أن ذلك في واقع األمر ضمانة للمتهم ،قصد بها عدم مجازاته دون سماع دفاعه ،أما وقد رفض
اإلدالء بتلك األقوال ،فال يسع جهة اإلدارة إال أن تجازيه في حالة ثبوت مسؤوليته ،التي وقف
من دفعها موقفاً سلبياً ،والجزاء في هذه الحالة ال يكون معيباً لمجرد صدوره في ظل صمت المتهم
الذي يكون بمكنته الطعن على قرار الجزاء ،إذا ما شابته مطاعن أخرى ،ليس من بينها اإلخالل
بحقه في الدفاع ،حيث إنه هو الذي تخلى عن االستفادة من هذا الحق طواعية ،وحيث ال يجوز
ويرى بعض الفقه أن الصمت ال يعتبر حقاً ،وال حتى رخصة ،واألمر ال يخرج عن كونه
مجرد عدم توافر إمكانية لدى السلطات تستطيع عن طريقها أن تلزم المتهم على الكالم ،ثم أن
اعتصام المتهم في الصمت في حاالت كثيرة يؤدي إلى خطورة موقفه ،وضياع فرص الدفاع العديدة
د /عبد الفتاح عبد الحليم عبد البر ،الضمانات التأديبية في الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص . 309 ()195
د /عبد الفتاح حسن ،التأديب في الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص ، 95وفي ذات المعنى راجع األستاذ /أحمد ()196
محمد أحمد الربيعي ،التحقيق اإلداري في الوظيفة العامة ،دراسة مقارنة ،مرجع سابق ،ص . 161
د /عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،الموسوعة اإلدارية الشاملة في إلغاء القرار اإلداري وتأديب الموظف العام ،مرجع ()197
()198
. موقف المتهم
إال أن االتجاه السائد والراجح في الفقه يرى عدم اإلخالل بحق المتهم بالصمت ،فطالما كان
حق الصمت من حقوق الدفاع ال يجوز للمحكمة أن تستخلص من هذا الصمت قرينة ضده ،واال
كان في ذلك إطاحة بقرينة البراءة وما تولد منها من حقوق الدفاع ،فللمتهم الحرية الكاملة في عدم
إبداء أقواله ،وله االمتناع متى شاء عن اإلجابة على األسئلة التي توجه إليه ،كما أنه من المتفق
عليه أنه ال يصح في جميع الحاالت أن يؤول صمته على وجه يضر مصلحته ،وأن يستغل بأي
هذا وقد قضت المحكمة اإلدارية العليا بأن المتهم قد فوت على نفسه فرصة الدفاع وعليه فإن
رفض اإلدالء باألقوال أمام الشؤون القانونية ال يمثل بذاته ذنباً إدارياً يستوجب المساءلة
التأديبية(.)200
كما قضت أيضاً بأن " رفض الطاعن عن اإلدالء بأقواله ال يمثل ذنباً إدارياً يستوجب مساءلته
تأديبياً وانما يكون قد فوت فرصة الدفاع عن نفسه ومن ثم تكون المخالفة غير قائمة في حقه(.)201
وبذلك يكون القضاء اإلداري مستق اًر على حق الموظف المتهم في االعتصام بالسكوت أو االمتناع
عن الحضور إلى التحقيق دون أن يعتبر ذلك مخالفة تأديبية بحقه طالما أنه ال يوجد نص في
الئحة الجزاءات يقضي بذلك .....وبذلك فال محل إلجبار المتهم على اإلدالء بأقواله في التحقيق
د /سعد الشتيوي ،التحقيق اإلداري في نطاق الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص . 118 ()198
د /محمد خميس ،اإلخالل بحق المتهم في الدفاع ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ، 2006 ،ص .109 ()199
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 2847لسنة 30قضائية عليا ،جلسة .1985/11/16 ()200
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعنين رقما ( ) 5706 ، 5678لسنة 42قضائية عليا ،جلسة ()201
.1997/5/10
136
مهدداً بالجزاء التأديبي الذي سيوقع عليه في حالة امتناعه أو سكوته ،حيث قضت المحكمة
اإلدارية العليا في إحدى أحكامها ( بأن امتناع المتهم عن الحضور إلى التحقيق أو سكوته عن
إبداء دفاعه في المخالفة المنسوبة إليه في التحقيق ال يشكل بذاته مخالفة إدارية أو ذنباً إدارياً
مستوجباً للمسؤولية التأديبية أو العقاب التأديبي ،وكل ما في األمر أن المتهم في هذه الحالة يكون
قد فوت على نفسه فرصة إبداء أوجه دفاعه في المخالفة المنسوبة إليه في هذا التحقيق وعليه تقع
تبعة ذلك ،ولكن ال محل إلجباره كمتهم على اإلدالء بأقواله في التحقيق مهدداً بالجزاء التأديبي
الذي سيوقع عليه في حالة امتناعه أو سكوته إذ أنه من المقرر وفق األصول العامة للتحقيق أنه
ال يسوغ إكراه متهم على اإلدالء بأقواله في التحقيق بأي وسيلة من وسائل اإلكراه المادي أو
()202
. المعنوي)
المطلب الثالث
لما كان التحقيق اإلداري بصفة عامة يعني الفحص والبحث الموضوعي المحايد والنزيه لكشف
الحقيقة ،إيذاء اتهام معين موجه إلى موظف عام ،فإن استظهار هذه الحقيقة ال يتسنى إال لمن
تجرد من أية ميول شخصية إيزاء من يجرى التحقيق معهم ،بما يضمن عدم التعسف ضدهم أو
الجور على أحد الضمانات المخولة لهم أثناء التحقيق ،وعليه يمكننا تقسيم هذا المطلب في فرعين
أساسيين ،ماهية الحيادية وأهميتها (فرع أول) ،مظاهر الحيادية (فرع ثان) ،وذلك على النحو التالي:
حكم المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 3493لسنة 43قضائية عليا ،جلسة 1998/8/30م ،أشار ()202
إليه د /أحمد الموافي ،نظام مجالس التأديب " طبيعته وضماناته " ،دار النهضة العربية ،طبعة ، 2010ص .93
137
الفرع األول
إذا كان كل من المشرع والقضاء قد سكتا عن تعريفها تعريفاً محدداً ،واكتفا بإيراد األسباب التي
تنتقص منها أو تتعارض معها ،فإنه يمكن القول بأن جوهر حيدة المحقق – كقاعدة عامة – هو
أال تلحق به أي من األسباب أو الشبهات التي تجعل لديه مصلحة خاصة في الميل بسير التحقيق
الذي يجريه عن الحق ،أو تلقى بظالل من الشك حول نزاهته وابتغاؤه وجه العدالة المطلقة.
ويترتب على عدم توافر تلك الضمانة األساسية في المحقق بطالن ذلك التحقيق وكذلك قرار مجلس
وازاء ما لحياد المحقق التأديبي من أهمية في سير العملية التأديبية انطالقاً من أن ذلك التحقيق
يعكس كافة مالبسات الواقعة المنسوبة إلى المحال ،مفنداً لألدلة القائمة ضده وشهادة الشهود وأوجه
دفاعه وعليه يبنى مجلس التأديب ق ارره ،ومن ثم يكون من مقتضيات حيدة المحقق عدم تدخله
للتأثير على مجريات التحقيق عن طريق صياغة األسئلة على نحو معين يوحى للمحال باألقوال
التي يدلى بها ،وذلك عن طريق إدخال اإلجابة التي ينشدها المحقق في صيغة السؤال الذي
يوجهه إليه ،فال يكون أمام المحال مفر من التسليم بما ورد فيه ولو لم تتجه إرادته األصلية إلى
فضالً عن عدم جواز التأثير على اإلرادة الحرة للمحال إلى التحقيق والذي قد يتخذ صورة
اإلكراه المعنوي كالتهديد بوقفه عن العمل – حتى ولو توافرت شروطه القانونية ، -حيث يكون
د /هيثم حليم غازي ،مجالس التأديب ورقابة المحكمة اإلدارية العليا عليها ،مرجع سابق ،ص . 234 ()203
138
من شأنه إلقاء الرهبة والفزع في نفس المحال األمر الذي ينعكس على إجاباته .كما قد يتخذ ذلك
التأثير صورة اإلغراء بالتدخل من أجل تخفيف العقاب عليه ،أو االكتفاء بالعقاب التأديبي وعدم
إحالة الموضوع للنيابة العامة إذا كان الفعل المنسوب إليه يشكل جريمة جنائية .وال يعد من قبيل
التأثير على إرادة المحال توجيه النصح إليه بأنه قد يكون من األفضل عدم اإلدالء بأقوال كاذبة،
وبوجه عام فإن على المحقق أال يؤثر في إرادة المتهم ،أو أن يتدخل في إجاباته على نحو قد
يدفعه إلى اإلدالء بأقوال لم يكن ليدلي بها لوال ذلك التأثير ،فالقاعدة األصلية في التحقيق – أياً
كان نوعه – هي توجيه األسئلة إلى المتهم مع ترك الحرية له في اإلجابة على النحو الذي يراه
محققاً لمصلحته ،بحيث تكون إرادته الحرة قد اتجهت إلى اإلدالء بتلك األقوال.
واشتراط حيدة المحقق تعد وبحق من مقتضيات العدالة وقواعد اإلنصاف والقانون الطبيعي الواجبة
االحترام في كافة التحقيقات بغض النظر عن السلطة القائمة بها ،فهي ليست قص اًر على التحقيقات
التي تباشرها السلطة الرئاسية ،بل يطبق مبدأ الحيدة بوجه عام سواء قامت بها الجهة اإلدارية أو
(.)205
غيرها
ويمكن القول إن الحيدة في التحقيق يمكن النظر إليها من جانبين األول :جانب موضوعي ،يتعلق
بسلوك المحقق مع المتهم أثناء التحقيق معه فيما هو منسوب إليه ،فهناك محاذير وقيود ال يجب
د /هيثم حليم غازي ،مجالس التأديب ورقابة المحكمة اإلدارية العليا عليها ،المرجع السابق ،ص 235وما بعدها. ()204
انظر في ذات المعنى د /عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،الموسوعة اإلدارية الشاملة في إلغاء القرار اإلداري وتأديب ()205
ويعد التحقيق اإلداري الذي تجريه جهة اإلدارة أكثر احتياجاً لضمانة الحيدة ألسباب ترجع إلى
ضمانات المحققين واستقاللهم ،حيث ال يتمتع المحقق اإلداري بنفس الضمانات التي يتمتع بها
أعضاء النيابة ،حيث يكون المحقق اإلداري تابعاً للرئيس اإلداري الذي يتولى توقيع الجزاء ،كما
أن هذا التحقيق يكون هو المعول عليه في تقدير الذنب اإلداري والجزاء المناسب له ،ويكون
التحقيق اإلداري هو المستوى الوحيد لمساءلة الموظف عندما يكون التأديب رئاسياً(.)207
لذا ثار تساؤل عما إذا كان يعد إخالالً بضمان الحيدة في مجال التأديب أن تتولى السلطة
اإلدارية المختصة بتوقيع الجزاء التحقيق مع الموظف المتهم فيما هو منسوب إليه بحيث يجمع في
()208
. ذات الوقت بين سلطتي االتهام والمحاكمة؟
ذهب جانب من الفقه نرجحه إلى القول بأنه (ال يجوز أن يتولى الرئيس اإلداري بنفسه التحقيق
واالتهام وتوقيع الجزاء ،إذ في هذه الصورة يجمع بين يديه – وبغير شبهة – سلطتي االتهام
واإلدانة ويقع اإلخالل بمبدأ الحيدة ،وهو مبدأ ال يجوز التضحية به في مسائل التأديب)(.)209
د /عبد اللطيف بن شديد الحربي ،ضمانات التأديب في الوظيفة العامة ،دراسة تحليلية تأصيلية فقهية مقارنة ،مرجع ()206
المستشار الدكتور /محمد ماهر أبو العينين ،قضاء التأديب في الوظيفة العامة والدفوع التأديبية ،مرجع سابق ،ص ()207
. 447
د /رمضان محمد بطيخ ،المسؤولية التأديبية لعمال الحكومة والقطاع العام وقطاع األعمال العام ،مرجع سابق ،ص ()208
. 304
د /السيد محمد إبراهيم ،شرح نظام العاملين المدنيين بالدولة ،دار المعارف ،القاهرة ، 1966 ،ص . 527 ()209
140
ومن جانبنا نرى صحة الرأي السابق القائل بأنه ال يجوز للرئيس اإلداري أن يتولى بنفسه االتهام
والتحقيق وتوقيع الجزاء ؛ ألنه بذلك يجمع بين يديه وبغير شبهة سلطتي االتهام واإلدانة ويقع
اإلخالل بمبدأ الحيدة هو الرأي األولى باالتباع ؛ ألنه وان كان ال يوجد مانع قانوني يحول دون
ممارسة الرئيس اإلداري المختص بإجراء التحقيق وتوقيع الجزاء ،إال أن القواعد األصولية المستمدة
من المبادئ العامة للقانون على عكس هذا الرأي ،لذا فال يحتاج إلى نص يقرره.
وفي حكم هام للمحكمة اإلدارية العليا المصرية في شأن وجوب حياد المحقق بذات القدر المطلوب
توافره في القاضي ،وترتب بطالن التحقيق وما يترتب عليه من آثار في حالة عدم توافر تلك
الحيدة ،قضت بأن " استظهار وجه الحقيقة في أمر اتهام موجه إلى إنسان ال يتسنى إال لمن تجرد
من أية ميول شخصية إزاء من يجرى التحقيق معهم ،سواء كانت هذه الميول لجانبهم أو كانت في
مواجهتهم ،إذ إن هذا التجرد هو الذي يحقق الحيدة والنزاهة والموضوعية التي تقود مسار التحقيق
في تجرد غايته الحق والحقيقة والصالح العام ،الذي ال يتحقق إال إذا ثبت لكل من يمثل للتحقيق
من أنه تجرد لوجه الحق والعدل والقانون في حماية ضمير يحكم سلوك المحقق ،بأن يكون موجهاً
في اتجاه استظهار الحقيقة أياً كان موقعها ال ينبغي لها وجهة يرضاها سوى مرضاة هللا ملتزماً
. ()210
تطبيق محايد وموضوعي للقانون "
لذا ترى الباحثة وبناء على ذلك ،تنحي المحقق ،قياساً على الحاالت الوجوبية التي يكون فيها
القاضي غير صالح للحكم في الدعوي ( ،)211ويقصد بالتنحي ،طلب عضو سلطة التحقيق إعفائه
المحكمة اإلدارية العليا المصرية ،الطعن رقم ( ) 3285لسنة 33ق ،جلسة ، 1989/5/13مجموعة مبادئ السنة ()210
القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم في األحوال اآلتية:
141
من مباشرة التحقيق إذ ما أستشعر حرجاً من كون القرار سيكون فيه شبهة تمييز أو أنه سيؤدي
كما نرى أنه في الحاالت التي يكون فيها التنحي جوازياً من األفضل أن يتنحى المحقق حتى ينأى
المحقق اإلداري-وبقوة القانون -أن يتنحى في الحاالت األتية ،والتي ال يثار بصددها أي مجال
ألدنى شك:
-3إذا كان وكيال ألحد الموظفين في أعماله الخاصة أو وصياً عليه أو قيماً أو مظنونة وراثته له.
-3إذا كان وكيال ألحد الخصوم في أعماله الخاصة أو وصياً عليه أو قيماً أو مظنونة وراثته له ،أو كانت له صلة قرابة أو
مصاهرة للدرجة الرابعة بوصي أحد الخصوم أو بالقيم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصمة أو بأحد مديريها
أو أحد الشركاء المتضامنين فيها ،وكان لهذا العضو أو المدير أو الشريك مصلحة شخصية في الدعوى.
-4إذا كان له أو لزوجته ،أو ألحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب ،أو لمن يكون هو وكيال عنه أو وصياً أو قيماً
-5إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى ،أو كتب فيها ،ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء ،أو كان قد
سبق له نظرها قاضيا أو خبي ار أو محكما ،أو كان قد أدى شهادة فيها.
-6إذا كان بينه وبين أحد القضاة الذين يجلسون معه في دائرة واحدة ،أو ممثل أحد الخصوم أو المدافع عنه صلة قرابة أو
كما نص في المـادة ( )99على أنه " يقع باطال عمل القاضي أو قضاؤه في األحوال المتقدمة الذكر ،ولو تم باتفاق الخصوم"
142
كما ترى الباحثة جواز رد المحقق اإلداري ،قياساً على رد القاضي إذا قامت بشأنه إحدى
حاالت الرد الخاصة بالقضاة الواردة في قانون المرافعات القطري ( ،)212وكذلك إذا استشعر الحرج
من نظر التحقيق ألي سبب ،أن يعرض أمر تنحيه على السلطة التي أناطت به مباشرة
التحقيق(.)213
إال أننا نرى أنه من األهمية بمكان أن ينظم المشرع القطري هذه المسألة -الرد والتنحي-في
قانون الموارد البشرية رقم ( ) 15لسنة ، 2016بنصوص واضحة منعاً ألي لبس أو غموض
حيث نص قانون المرافعات المدنية والتجارية القطري رقم ( )13لسنة 1990في المادة ( )100منه على أنه " ()212
-3إذا كان لمطلقته التي له منها ولد أو ألحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب خصومة قائمة أمام القضاء مع أحد
الخصوم في الدعوى أو مع زوجته ،ما لم تكن هذه الخصومة قد أقيمت بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي بقصد رده.
- 4إذا كان أحد الخصوم يعمل عنده ،أو كان هو قد اعتاد مؤاكلة أحد الخصوم أو مساكنته ،أو كان تلقى منه هدية قبيل
- 5إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل.
حيث نص قانون المرافعات المدنية والتجارية القطري رقم ( ) 13لسنة 1990في المادة ( )102منه على أنه" : ()213
يجوز للقاضي في غير أحوال الرد المذكورة ،إذا استشعر الحرج من نظر الدعوى ألي سبب ،أن يعرض أمر تنحيه على
المحكمة في غرفة المشورة أو رئيس المحكمة للنظر في إق ارره على التنحي.
143
الفرع الثاني
مظاهر الحيادية
يتخذ مبدأ الحيدة مجموعة من المظاهر ،يجب أن يلتزم بها المحقق اإلداري أثناء مباشرة
أوالً :يجب على المحقق اإلداري أن يتحرر من وجهة نظر رؤسائه -بخصوص التحقيق الذي
كلف بمباشرته -سواء في إدارة الشؤون القانونية ،أو غيرها ،وال يعول عليها في الرأي ،وانما يجب
ثانياً :يجب على المحقق أن يتنحى إذا قامت بشأنه إحدى حاالت تنحى القضاة وجوبياً ،ومع ذلك
يفضل أن يتنحى كذلك إذا قامت بشأنه إحدى حاالت تنحى القضاة جوازياً ،أو إذا استشعر الحرج
من نظر التحقيق ألي سبب ،حتى ينأى بحياديته عن مظنة الشك والريبة.
ثالثاً :يجب أن يقوم بالتحقيق محقق تتوافر فيه عناصر الكفاءة العلمية والموضوعية المشهود بها
وتبتعد عنه مظاهر التحامل والتحيز ،وأن يتجنب القيام بأي عمل من شأنه التأثير على إرادة
المتهم ،كأن يدفعه إلى قول ما ال يريد أن يقوله ،أو أن يتدخل بأي صورة في إجاباته(.)214
رابعاً :يجب على المحقق أن يتجنب الطرق االحتيالية في سبيل الوصول إلى الحقيقة ،فال يجوز
له أن يعمد إلى خداع المتهم بالكذب عليه أو محاولة اإليقاع به ،لما يترتب على ذلك من تضليل
(.)215
المتهم
انظر في هذا المعنى د /عبد الفتاح عبد الحليم عبد البر ،الضمانات التأديبية في الوظيفة العامة ،مرجع سابق ،ص ()214
. 388
د /صالح أحمد السيد جودة ،الضمانات اإلجرائية لحماية الموظف العام ،دراسة فقهية وقضائية ،مرجع سابق ،ص ()215
. 25
144
خامساً :ال يجوز أن يتعرض المحال للتحقيق ألي ضغط على إرادته أثناء التحقيق ،سواء كان هذا
الضغط مادياً أو معنوياً مما يكون له التأثير عليه وعلى نتيجة التحقيق ،كأن يهدده المحقق بطلب
وقفه عن العمل أو بإغرائه بالتدخل لتخفيف العقاب عنه أو حفظ التحقيق معه(.)216
سادسا :يجب على المحقق أن يتجنب التدخل بأية صورة تؤثر على تلقائية المتهم في اإلجابة على
األسئلة التي توجه إليه ،ومن قبيل ذلك األسئلة اإليحائية التي تحمل في طياتها اإلجابة التي يسعى
المحقق للحصول عليها حيث يفاجأ المتهم بذلك وال يكون أمامه فرصة سوى التسليم بها ،وقد يكون
ذلك على عكس ما قد تقتضيه مصلحته في الدفاع هذه هي أهم العناصر التي يتكون منها عنصر
الحياد.
انظر في هذا المعنى د /عبد اللطيف بن شديد الحربي ،ضمانات التأديب في الوظيفة العامة ،دراسة تحليلية فقهية ()216
145
الخاتمة
أود اإلشارة بداية أنني لست هنا بصدد تلخيص لما ورد في متن هذا البحث من موضوعات وأحكام
تفصيلية ،وأراء فقهية ،إذ يمكن للقارئ الكريم الوقوف عليها عند قراءته لها بإذن هللا تعالى ،وان
جل ما قصدته ،لفت االنتباه إلى جملة من النتائج ،والتوصيات التي أمل أن يضعها المشرع عين
االعتبار.
أوالً :النتائج:
-1التحقيق اإلداري إجراء جوهري ،أوجبه المشرع بغية البحث والتقصي الموضوعي النزيه بشأن
وقائع معينة ،من خالل تمكين الموظف من الوقوف على أسباب المخالفة التأديبية المنسوبة إليه،
واتاحة الفرصة له للدفاع عن نفسه ،وتوفير الضمانات القانونية لسالمة توقيع الجزاء إن ثبت
-2قرار اإلحالة إلى التحقيق من الشكليات الجوهرية ،ويجب أن يكون القرار صاد اًر عن جهة
مختصة خولها القانون سلطة اإلحالة إلى التحقيق في الوقائع المنسوبة للموظف العام.
واإلحالة إلى التحقيق عبارة عن إجراء تمهيدي سابق على مباشرة التحقيق اإلداري مع الموظف
المنسوب إليه المخالفة أو الجريمة التأديبية ،بهدف الكشف عن الحقيقة ،والتثبت من صحة إسناد
الواقعة إليه أو تبرئته منها .باإلضافة إلى أن قرار اإلحالة إلى التحقيق مجرد ق ار اًر تمهيدياً ،ال
يتصف بالنهائية بعد ،ومن ثم ال يعد ق ار اًر إدارياً ،وال يمكن الطعن عليه استقالالً عن القرار
التأديبي.
-3النصوص القانونية الواردة في المادتين ( )80( ،)79من قانون الموارد البشرية المدنية رقم
( )15لسنة 2016بشأن الواجبات الوظيفية واألعمال المحظورة كأساس للمساءلة التأديبية ،أوردها
146
المشرع على سبيل المثال ال الحصر ،لذا يجوز لجهة اإلدارة بما لها من سلطة تقديرية واسعة،
-4أن الوقف االحتياطي عن العمل ال يترتب بقوة القانون ،حيث إنه ليس جزاء تأديبي وانما تتخذه
السلطة التأديبية المختصة إذا رأت مقتضى لذلك ينعكس على مصلحة التحقيق باإليجاب ،كإجراء
يترتب عليه إقصاء الموظف عن أعمال وظيفته بشكل مؤقت .وهو إجراء تحفظي مؤقت ،شرع
لمواجهة حاالت محددة على سبيل الحصر ،وينتهي إما بعودة الموظف إلى عملة إذا ثبتت براءته،
أو معاقبته ،فهو ال ينهي العالقة الوظيفية ،بل يسقط واليتها عنه مؤقتاً .ويعد قرار الوقف عن
العمل ق ار اًر إدارياً؛ ألنه يفصح عن نية جهة اإلدارة ،وبإرادتها الملزمة بما لها من سلطة ،إلى إحداث
أثر قانوني يتمثل في إبعاد الموظف عن عمله مع ما يترتب على هذا اإلبعاد من آثار قانونية،
ومن ثم يجوز للموظف الطعن عليه .ويشترط لصحة الوقف االحتياطي في القانون القطري أن
يكون الوقف بمناسبة ولمصلحة تحقيق إداري مع الموظف على أن يصدر من السلطة المختصة،
وبما ال تزيد مدة اإليقاف على ثالثين يوماً إال بقرار من الهيئة التأديبية.
-5أن المنع من ترقية الموظف الموقوف عن العمل هو حظر مؤقت يدور مع الوقف وجوداً
وعدماً ،بحيث إذا انتهى الوقف لحفظ التحقيق ،فإن الموظف يسترد حقه في الترقية بأثر رجعي من
-6ال يترتب على الوقف االحتياطي عن العمل أن يتحلل الموظف من واجباته الوظيفية خارج
نطاق الوظيفة ،إذ يظل خاضعاً لها ،ويمتنع عليه أن يؤدي عمالً للغير بمكافأة ،أو بدون مكافأة
أو مزاولة األعمال التجارية بما يتعارض أو يتضارب في المصالح بين أنشطته الخاصة ومصالح
الجهة الحكومية ،باعتبار أن العالقة الوظيفية ما زالت قائمة ولم تنفصم بعد.
147
-7تتولى الشؤون القانونية بالجهة الحكومية التحقيق في المخالفات المنسوبة إلى أي من موظفيها،
باعتبارها صاحبة االختصاص األصيل في مباشرة هذا اإلجراء ،ويجوز لغيرها من القانونيين بالجهة
الحكومية ،بمباشرة التحقيق إذا صدر لهم تكليف من الرئيس أو الوكيل بذلك .ويكفي موافقة الرئيس
أو الرئيس التنفيذي المتضمن اإلحالة للتحقيق دون طلب الرئيس المباشر للموظف.
-8للرئيس التنفيذي بعد االطالع على التحقيق ،أن يأمر بحفظ التحقيق مؤقتاً ،إما لعدم معرفة
الفاعل أو لعدم كفاية األدلة ،وهذا النوع من الحفظ ال يحوز حجية ،وبالتالي فهو ال يمنع من إعادة
فتح التحقيق في المخالفة من جديد طالما أن الواقعة لم تسقط بمضي المدة .وله أن يأمر بحفظ
التحقيق حفظاً قطعياً ،إما لعدم المخالفة أو لعدم الصحة أو لعدم األهمية ،أو الحفظ لسبق الفصل
في الموضوع أو المتناع مسؤولية الموظف لعاهة عقلية أو لفقد حرية االختيار ،أو لتقادم المخالفة
التأديبية ،أو لترك الموظف الخدمة أو لوفاة الموظف .والحفظ القطعي يتمتع بحجية دائمة تمنع
-9أقر المشرع القطري مساءلة الموظف تأديبياً بعد تركه الخدمة في حالتين ،وبشروط ،األولى إذا
ارتكب الموظف مخالفة إدارية ثم ترك الخدمة إذا كان قد بدأ التحقيق في تلك المخالفة قبل ترك
الموظف الخدمة ،والثانية إذا كانت المخالفة المرتكبة مخالفة مالية ترتب عليها ضياع حق مالي
للدولة شريطة أن يتم التحقيق خالل خمس سنوات من وقت انتهاء الخدمة.
-10ق اررات اللجنة التأديبية ق اررات إدارية يجوز التظلم منها والطعن عليها باإللغاء.
148
ثانياً :التوصيات:
-1نوصي السلطة المخولة قانوناً في اتخاذ قرار اإلحالة إلى التحقيق ضرورة التأني ووزن األمور
بموضوعية وتجرد وحيادية ،قبل إصدار قرار اإلحالة ،وعلى أال تنحصر مهمتها في مجرد التصديق،
بل يجب أن تعقب وتفحص ولو ظاهرياً من أن الواقعة يعتريها شبهة مخالفة للقوانين واللوائح
والق اررات والنظم المعمول بها ،وذلك استنادا إلى السلطة التقديرية المخولة إليها في هذا الشأن.
-2نوصي المشرع القطري أن يقنن اإلجراءات المتبعة إلصدار قرار اإلحالة إلى التحقيق ،على
بناء على مجرد اقتراح مبدئي إلى التحقيق من مدير اإلدارة التي يتبعها الموظف، ن
أن تكو اإلحالة ً
المنسوب إليه المخالفة بعد التصديق عليها من مساعد وكيل الو ازرة ،كضمانة على أن الواقعة
تشكل في الغالب مخالفة تأديبية ،ثم االعتماد بالموافقة من الرئيس(الوزير) ،أو الرئيس التنفيذي
(وكيل الو ازرة) على حسب الحال ،مع االحتفاظ بسلطة الرئيس ،والرئيس التنفيذي في إصدار قرار
-3نوصي المشرع القطري أن يقنن اإلجراءات واألحكام المنظمة لمسألة التظلم من قرار الوقف
عن العمل الصادر من الرئيس التنفيذي (وكيل الو ازرة) ،مثلما فعل بالنسبة لذات القرار الصادر
عن اللجنة التأديبية الوارد النص عليها في المادة ( )90من قانون الموارد البشرية .
- 4نوصي المشرع القطري أن يقيد الهيئة التأديبية سواء تمثلت في اللجنة التأديبية أو المجلس
الدائم للتأديب ،بمدة معينة للوقف كحد أقصى ،حتى ال تتحول إلى جزاء تأديبي مقنع تحت ستار
-5نوصي المشرع القطري بضرورة النص على إقرار البطالن كجزاء لعدم إخطار الموظف بصورة
من قرار اإلحالة للتحقيق أمام الهيئة التأديبية أو بتاريخ الجلسة المحددة لمساءلته ،وذلك قبل
انعقادها بخمسة عشر يوماً على األقل ،حيث يعد هذا اإلجراء ضمانة أقرها المشرع حماية للموظف
149
المحال للتحقيق أمام الهيئة التأديبية حتى يتمكن من تحضير أوجه دفاعه ودفوعه المختلفة وال
-6نوصي المشرع القطري بضرورة النص على اإلخطار في حالة اإلحالة للتحقيق من أمام
الشؤون القانونية -قياساً على الحالة السابقة -وعلى أن يتضمن اإلخطار صورة من قرار اإلحالة
للتحقيق أمامها ،وبتاريخ الجلسة المحددة لمساءلته ،وذلك قبل انعقادها بخمسة عشر يوماً على
األقل.
-7نوصي المشرع القطري بالعدول عن االستثناء الوراد على قاعدة كتابة التحقيق (التحقيق
الشفوي) ،حيث يالحظ بالنسبة لالستثناء أن تقدير العقوبة جاء سابقاً لقيام التحقيق والوقوف على
الحقيقة ،واستباق لألحداث وهي نتيجة غير منطقية على اإلطالق ،إذ يجعل من لزومه عدم خروج
الجزاء المزمع توقيعه عن دائرة اإلنذار أو الخصم من المرتب لمدة ال تجاوز ثالثة أيام واال وقع
150
المراجع
د /أحمد بدر سالمة ،التحقيق اإلداري والمحاكمة التأديبية ،دار النهضة العربية ،القاهرة . 2004 ،
د /أحمد محمد حسن السليطي ،التحقيق مع الموظف العام في دولة قطر ،دراسة مقارنه ،دار النهضة
األستاذ /أحمد محمود أحمد الربيعي ،التحقيق اإلداري في الوظيفة العامة ،دراسة مقارنة ،دار الكتب القانونية،
د /أحمد الموافي ،نظام مجالس التأديب " طبيعته وضماناته " ،دار النهضة العربية ،القاهرة .2010 ،
د /أماني زين بدر فراج ،النظام القانوني لتأديب الموظف العام في بعض الدول العربية واألوربية ،دراسة
المستشار /جالل أحمد األدغم ،التأديب في ضوء قضاء محكمتي النقض -اإلدارية العليا ،الطبعة الثانية ،
د /حمدي عطية مصطفى عامر ،أحكام الموظف العام في النظام القانوني الوضعي واإلسالمي ،الطبعة
د /رمضان محمد بطيخ ،المسؤولية التأديبية لعمال الحكومة والقطاع العام وقطاع األعمال دار النهضة
د /سامي الطوخي ،االتجاهات العالمية في التحقيقات اإلدارية ،دار النهضة العربية ،القاهرة . 2014 ،
د /سعد الشتيوي ،التحقيق اإلداري في نطاق الوظيفة العامة ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية .2013 ،
د /سليمان محمد الطماوي ،القضاء اإلداري ،قضاء التأديب ،دار الفكر العربي ،القاهرة .1987 ،
151
المستشار الدكتور /سمير عبد هللا سعد ،الجرائم الجنائية والتأديبية للموظف العام ،منشأة المعارف ،
د /شريف أحمد الطباخ ،التعويض اإلداري في ضوء الفقه والقضاء وأحكام المحكمة اإلدارية ،الطبعة األولى،
د /السيد محمد إبراهيم ،شرح نظام العاملين المدنيين بالدولة ،دار المعارف ،القاهرة .1966 ،
د /شريف يوسف خاطر ،الوظيفة العامة ،دراسة مقارنة ،دار الفكر والقانون ،المنصورة ،طبعة.2011
د /صالح أحمد السيد جودة ،الضمانات اإلجرائية لحماية الموظف العام ،دراسة فقهية وقضائية ،دار
د /عبد العزيز عبد المنعم خليفة ،الموسوعة اإلدارية الشاملة في إلغاء القرار اإلداري وتأديب الموظف العام،
د /عبد الفتاح حسن ،التأديب في الوظيفة العامة ،دار النهضة العربية ،القاهرة . 1964 ،
د /عبد الغني بسيوني عبد هللا ،القانون اإلداري ،دراسة مقارنة ألسس ومبادئ القانون اإلداري ،الطبعة
د /علي محمد العربي وأخرون ،إدارة شؤون الموظفين في الدول الحديثة بدون دار نشر ،بدون بلد
النشر. 1987،
د /عزيزة الشريف ،النظام التأديبي وعالقته باألنظمة الجزائية األخرى ،دار النهضة العربية ،القاهرة،
1988م.
د/عصمت عبد هللا الشيخ ،اإلحالة إلى التحقيق في النظام التأديبي الوظيفي ،دار النهضة العربية ،القاهرة،
. 2003
152
د /عمرو فؤاد أحمد بركات ،السلطة التأديبية ،دراسة مقارنه ،مكتبة النهضة العربية ،القاهرة ،
1979م.
د /فؤاد محمد موسى عبد الكريم ،أصول التحقيق اإلداري وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية ،دار
د /فهمي عزت ،سلطة التأديب بين اإلدارة والقضاء ،دراسة مقارنة ،علم الكتب ،القاهرة،1980 ،
د /ماجد راغب الحلو ،الدعاوى اإلدارية ،منشأة المعارف ،القاهرة2004 ،م
د /محمد أنس جعفر ،الوظيفة العامة ،دار النهضة العربية ،القاهرة 2007 ،م .
د /محمد خميس ،اإلخالل بحق المتهم في الدفاع ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية .2006 ،
د /مجدي مدحت النهري ،مبادئ القانون اإلداري ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،عام . 2001
د /ماهر عبد الهادي ،الشرعية اإلجرائية في التأديب ،الطبعة الثانية ،دار الفكر العربي ،القاهرة،1986 ،
اللواء د /محمد ماجد ياقوت ،شرح اإلجراءات التأديبية ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية . 2007 ،
اللواء د /محمد ماجد ياقوت ،أصول التحقيق اإلداري في المخالفات التأديبية ،دراسة مقارنة ،ط ،3دار
لواء د /محمد ماجد ياقوت ،شرح القانون التأديبي للوظيفة العامة ،دار الجامعة الجديدة ،مصر2004 ،م.
المستشار الدكتور /محمد ماهر أبو العينين ،الدفوع في نطاق القانون العام ،دار أبو المجد للطباعة ،القاهرة،
.2002
المستشار الدكتور /محمد ماهر أبو العينين ،قضاء التأديب في الوظيفة العامة والدفوع التأديبية ،الكتاب
د /محمود أبو السعود حبيب ،قضاء التأديب ،دار اإليمان ،القاهرة . 2004 ،
د /محمود عاطف البنا ،مبادئ القانون اإلداري ،دار الفكر العربي ،جامعة القاهرة 2012 ،م .
153
األستاذ /محمود صالح ،شرح قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ،الطبعة الثانية ،منشأة
المستشار الدكتور /مغاوري محمد شاهين ،القرار التأديبي (ضماناته ورقابته) ،الطبعة األولى ،مكتبة األنجلو
المستشار /مغاوري محمد شاهين ،المساءلة التأديبية ،علم الكتب ،القاهرة . 1974 ،
د /محمد إبراهيم الدسوقي ،حماية الموظف العام إدارياً ،دار النهضة العربية ،القاهرة .2006 ،
د /هيثم حليم غازي ،مجالس التأديب ورقابة المحكمة اإلدارية العليا عليها ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية،
2015م.
د /نعيم عطية ،موانع الترقية ،مجلة إدارة قضايا الحكومة ،الدور الثالث ،القاهرة.1971 ،
ثانياً :الرسائل
د /سعد نواف العنزي ،الضمانات اإلجرائية في التأديب ،دراسة مقارنة ،رسالة دكتوراه ،جامعة القاهرة ،بدون
د /عبد اللطيف بن شديد الحربي ،ضمانات التأديب في الوظيفة العامة ،دراسة تحليلية تأصيلية فقهية مقارنة،
د /عبد الفتاح عبد الحليم عبد البر ،الضمانات التأديبية في الوظيفة العامة ،رسالة دكتوراه ،حقوق
د /علي جمعة محارب ،التأديب اإلداري في الوظيفة العامة ،دراسة مقارنة في النظام العراقي والمصري
والفرنسي واالنجليزي ،بدون دار نشر ،كلية الحقوق جامعة عين شمس ،القاهرة 1986 ،م.
د /عدنان عاجل عبيد ،ضمانات الموظف السابقة لفرض العقوبة التأديبية ،دراسة مقارنة ،المركز العربي
د /فهمي عزت ،سلطة التأديب بين اإلدارة والقضاء ،دراسة مقارنة ،علم الكتب ،القاهرة،
.1980
د /مليكة الصروخ ،سلطات التأديب في الوظيفة العامة بين اإلدارة والقضاء ،دراسة مقارنة ،مطبعة الجبالوي،
ثالثاً :المقاالت
د /إيهاب حسني عوض ،ضوابط الترقية وموانعها في القانون القطري ،مجلة مركز الدراسات القانونية
والقضائية ،و ازرة العدل بدولة قطر ،العدد الثاني. 2016 ،
األستاذ /مصطفى البرادعي ،المحاماة والعدالة ،بحث منشور بمجلة المحاماة ،س ، 45العدد.1
رابعاً :التشريعات
قانون الموارد البشرية المدنية القطري رقم ( ) 15لسنة 2016والئحته التنفيذية الصادرة بقرار مجلس
الوزراء رقم ( )٣٢لسنة 2016بإصدار الالئحة التنفيذية لقانون الموارد البشرية المدنية .
قانون الخدمة المدنية في مصر لعام ،2016وقانون الموارد البشرية لدولة اإلمارات العربية المتحدة ،والقانون
155