Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 9

‫َب ْ‬

‫ال َعالَ ِ‬
‫مينَ ﴾‬ ‫َّللا ر ُّ‬
‫ك هُ‬ ‫َاْلَ ْم ُر تَبَا َر َ‬
‫قو ْ‬ ‫﴿ أَ ََل لَ ُه ْال َ‬
‫خ ْل ُ‬

‫م لَ َعله ُك ْ‬
‫م‬ ‫ِن َق ْبل ُِك ْ‬ ‫ذينَ م ْ‬ ‫م وَاله ِ‬ ‫م الهذِي َ‬
‫خلَ َق ُك ْ‬ ‫اع ُب ُدوا َربه ُك ُ‬
‫اس ْ‬ ‫ل ‪ -‬خلق الخلق بقدرته؛ ﴿ يَا أَيُّهَا ال هن ُ‬
‫هللا ‪ -‬ع هز وج ه‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫جمِيعا ثم اس َتوَى إِلى‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫ون ﴾ [البقرة‪ ،]21 :‬وصنَع الكون بحكمته؛ ﴿ ه َو الذِي خلق لكم مَا فِي اْلرْضِ َ‬ ‫تَ هت ُق َ‬
‫شيْ ٍء َ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫س ْب َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫علِيم ﴾‬ ‫سمَاوَاتٍ وَه َو بِك ِ‬ ‫ع َ‬ ‫سواهن َ‬ ‫‪].‬البقرة‪[29 :‬السمَا ِء ف َ‬

‫متِه‬‫مسَ ‪:‬ودبهر اْلمر بعظ َ‬ ‫ه‬


‫الش ْ‬ ‫خ َر‬‫َس ه‬
‫ْش و َ‬ ‫ال َعر ِ‬‫علَى ْ‬ ‫اس َتوَى َ‬ ‫م ْ‬ ‫د تَ َر ْونَهَا ثُ ه‬ ‫م ٍ‬ ‫السمَاوَاتِ بِ َغ ْي ِر َ‬
‫ع َ‬ ‫ه‬ ‫َّللا الهذِي َر َف َ‬
‫ع‬ ‫﴿ هُ‬
‫ون ﴾ [الرعد‪ ]2 :‬وسيهر‬ ‫م تُوقِ ُن َ‬ ‫م بِلِ َقا ِء رَبِ ُك ْ‬ ‫ه‬
‫اْليَاتِ لَ َعل ُك ْ‬ ‫ِل ْ‬ ‫اْل ْم َر ُيفَص ُ‬‫َ‬ ‫مى ُيدَبِ ُر ْ‬ ‫س ًّ‬ ‫َل ُم َ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ْل‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫َج‬ ‫ي‬ ‫ٌّ‬
‫ل‬ ‫م َر ُ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫و ْ‬
‫َال َق‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َح َ‬
‫ون ﴾‬ ‫َسب ُ‬
‫كي ْ‬‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ل‬‫ٌّ‬ ‫ُ‬
‫َك‬ ‫و‬ ‫َار‬‫ه‬ ‫ه‬
‫ن‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫َ‬
‫ََل‬ ‫و‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫د‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َا‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِي‬ ‫غ‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫س‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫الش‬ ‫َ‬
‫َل‬ ‫﴿‬ ‫ته‬ ‫ه‬
‫و‬ ‫بق‬ ‫الدنيا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪].‬يس‪[40 :‬‬

‫ص ُّد عن سبيل‬ ‫ثم بعد ذلك تَجِد من يغيِر شرع هللا‪ ،‬ومَن يعاند منهج هللا‪ ،‬ومن يعارض أوامر هللا‪ ،‬ومن ي ُ‬
‫وكل يوم يغيهر فيه مِن شرْع هللا؛ قال هللا ‪ -‬تعالى‬ ‫ِ‬ ‫َّللا الهذِي ‪ -:‬هللا‪ ،‬إنها مأساة! مأساة اليوم‬ ‫م هُ‬ ‫ن َربه ُك ُ‬‫﴿ إِ ه‬
‫َطلُ ُب ُه َ‬
‫حثِي ًثا‬ ‫ل ال هنهَا َر ي ْ‬ ‫ه‬
‫ْش ُي ْغشِي الل ْي َ‬ ‫علَى ْ‬ ‫م ثُ ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫السمَاوَاتِ و ْ‬ ‫خل َ َ‬
‫ال َعر ِ‬ ‫اس َتوَى َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة أيها ٍ‬ ‫س هت ِ‬
‫َاْلرْضَ فِي ِ‬ ‫ه‬ ‫ق‬ ‫َ‬
‫مينَ ﴾‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ال‬‫ع‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ُّ‬
‫َب‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫َّللا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َا‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ُ‬
‫ر‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َاْل‬
‫و‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫خ‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫َل‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫ٍ ِ ِ ِ‬‫َ‬ ‫أ‬‫ب‬ ‫ت‬‫َا‬
‫ر‬ ‫ه‬
‫خ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫ج‬‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫َالن‬ ‫و‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ْ‬
‫َال‬
‫و‬ ‫سَ‬‫م‬‫ْ‬ ‫ه‬
‫َالش‬ ‫و‬ ‫[‬ ‫‪54‬‬ ‫اْلعراف‪:‬‬ ‫‪].‬‬

‫المشرِكون والعلمانيون‪ :‬له الخلق ولنا ‪:‬فقال الشيوعيون والمادِيون‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اْلمر‪ ،‬وقال‬ ‫الخلق أو‬‫ْ‬ ‫ليس له‬
‫ه‬
‫الشرْع خط أحمر‪ ،‬والدِين أصل اْلمر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪.‬اْل ْمر! أ هما المؤمنون فقالوا‪ :‬ن َعم‪ ،‬له الخلق‪ ،‬وله اْلمر‪،‬‬

‫َ‬
‫والمرسلين‪ ،‬وأراد هللا ‪-‬‬ ‫يحب قِبْلة أجداده السابقين من اْلنبياء‬ ‫ُّ‬ ‫محمد ‪ -‬صلهى هللا عليه وسلهم ‪ -‬كان‬
‫المرسل‪ ،‬والرسول المؤ هدب‪ ،‬لم‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫لكن النبِ ه‬
‫ي‬ ‫القدس بعد الهجرة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ص ْوب‬
‫ههم َ‬ ‫ع هز وج ه‬
‫ل ‪ -‬أن يحوِل وجو َ‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫يشأ أن يقترح حتى مجرد اقتراح‪ ،‬أو أن يَدعو حتى مجرد دعاء لتحويل القبلة‪ ،‬وإنما كان يقلِب وجهَه‬ ‫َ‬
‫مو فريد‪ ،‬وتواضع رفيع‪ ،‬مع ربِه وخالقه ورازقه‬ ‫وس ُ‬ ‫‪.‬في السماء‪ ،‬في أ َدبٍ جَم‪ُ ،‬‬

‫يغير شرع هللا؟ كل ه‬


‫أمر هللا؟ كله! هل يب َتدِع في دِين هللا؟ كل ه ثم كل! حاش هلل !هل ِ‬ ‫هل يَتحايل على ْ‬
‫ضعية وقرارات أرضيهة‪،‬‬
‫كل صباح؟! قوانين و ْ‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫هللا‬ ‫ْع‬
‫ر‬ ‫ش‬ ‫رون‬‫يغي‬
‫ِ‬ ‫الذين‬ ‫ُ‬
‫بال‬ ‫فما‬ ‫هللا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول‬ ‫ْ‬
‫أن يفعل ذلك‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫عادات اجتماعية وسلوكيات فرْدية وجَماعية‪ ،‬أعراض تنتَهك وحقوق تغتَصب وحرِيات تمتَهن‪ ،‬بل دماء‬
‫باسم قوانين وقرارات‪ ،‬وعادات وسلوكيات ما أنزل هللا بها من سلطان‬ ‫ْ‬ ‫كب وأرواح تز َ‬
‫هق ‪-‬‬ ‫!تُس َ‬

‫أعظم ح ُرم ًة؟‬ ‫ُّ‬


‫((أي يوم ْ‬ ‫حر فقال‪:‬‬ ‫قال جابر ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ :-‬خطَبَنا ‪ -‬صلهى هللا عليه وسلهم ‪ -‬يوم ال هن ْ‬
‫د أعظم حرمة؟ قالوا‪ :‬بلَ ُدنا‬ ‫ُّ‬
‫أعظم حرْمة؟ قالوا‪ :‬شهرنا‪ ،‬قال‪ :‬أي بلَ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫شهر‬‫ْ‬ ‫فقالوا‪ :‬يو ُمنا هذا‪ ،‬قال‪ :‬فأي‬
‫شهركم هذا‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫فإن دماءَكم وأموالكم عليكم حرام‪ ،‬كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا‪ ،‬في‬ ‫ه‬ ‫هذا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪.‬هل بلغت؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬اللهم اشهد))؛ صحيح‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬
‫ل دِينه فاقتلوه))؛ صحيح‪ ،‬البخاري‬ ‫‪.‬وقال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪(( :-‬مَن ب هد َ‬

‫ة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا‪ ،‬وكان‬ ‫المسلِمون ي هتجِهون في صلتهم إلى بيت المقدس س هت َ‬ ‫ْ‬ ‫كان‬
‫مكة‪ ،‬إلى الكعبة‪ ،‬إلى البيت‬ ‫ح هول القبلة إلى ه‬ ‫سه أن تُ َ‬ ‫نف َ‬ ‫فقط يحدِث ْ‬ ‫ْ‬ ‫النبي ‪ -‬صلهى هللا عليه وسلهم ‪-‬‬
‫َت قدَماه‪ ،‬ومِن سمائه استقبل وحي‬ ‫الحرام‪ ،‬إلى المكان الذي بلَغ فيه مَراتع الصِبا‪ ،‬وعلى أرضه درج ْ‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫وكعبة اْل همة‪ ،‬كان النبي يقلِب وجهه في السماء؛ تأدبا مع ربِه‪ ،‬وما‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫هللا‪ ،‬إلى ر َْمز اْل همة‪ ،‬وكرامة اْل همة‪،‬‬
‫ل أن يتأ هدب المخلوق مع خالقه في طلبَاته وفي رغباته! في حركاته وفي سكناته! في يسره‬ ‫أجم َ‬ ‫ْ‬
‫السمَا ِء !وعسره! في غناه وفقره! في صحته وسقمه! في قوته وضعفه‬ ‫ه‬ ‫ك فِي‬ ‫ه َ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َق ْد نَرَى تَ َقلُّبَ و ْ‬
‫َج‬
‫ن‬ ‫ش ْ‬
‫ط َر ُه وَإِ ه‬ ‫م َ‬ ‫ه ُك ْ‬ ‫جو َ‬‫م َفوَلُّوا ُو ُ‬‫ث مَا ُك ْن ُت ْ‬ ‫ح ْي ُ‬ ‫م َو َ‬ ‫حرَا ِ‬ ‫د ْ‬
‫ال َ‬ ‫َسجِ ِ‬ ‫ط َر ْالم ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ك َ‬‫َج َه َ‬‫َل و ْ‬‫ها َفو ِ‬‫ضا َ‬‫ك قِبْلَ ًة تَ ْر َ‬‫َفلَ ُنوَلِيَ هن َ‬
‫ُ‬ ‫ع ه‬
‫ما ي َْعمَل َ‬ ‫م َومَا ه ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫ون أنه ُه الحَق م ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ذينَ أوتُوا الكِتَابَ لَي َْعلَ ُ‬ ‫ه‬
‫ون ﴾‬ ‫ِل َ‬ ‫َّللا بِ َغاف ٍ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِن رَبِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫‪].‬البقرة‪[144 :‬ال ِ‬

‫ْلن الدِين َل يتغيهر‪ ،‬والشرع َل يتب هدل‪ ،‬وهو‬ ‫لكن هل يَقترح؟ َل‪ ،‬هل يَطلب؟ َل؛ ه‬ ‫ْ‬ ‫غب‪،‬‬ ‫كان النبي يحب وي ْر َ‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ُّ‬
‫رسول هللا ومصطفاه‪ ،‬وحبيبه وخليله‪ ،‬فل يحب أب ًدا أن يَطلب منه تغييرًا في الشرع أو تبديل في الدِين‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ِن من المرض‪ ،‬كان المرض‬ ‫لك هنه كان يرغب أن يتح هول قِبَل الكعبة م ْثلَما كان أيُّوب ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬يئ ُّ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫متأدبًا مع ربه‪َ ،‬ل يقترح عليه حتى مجرد الشِفاء؛ ﴿ وَأيوبَ إِ ْذ نَادَى َربه ُه‬ ‫ِ‬ ‫ل يوم‪ ،‬لك هنه كان‬ ‫حا ك ه‬ ‫ْ‬
‫يذبَحه ذ ْب ً‬
‫أعلم‪ ،‬والعبد عندما‬ ‫الضر وأنت يا ربِ به ْ‬ ‫ُّ‬ ‫مسنِي‬‫ه‬ ‫مينَ ﴾ [اْلنبياء‪]83 :‬‬ ‫ح ِ‬ ‫َم ال هرا ِ‬ ‫ت أَ ْرح ُ‬‫الض ُّر وَأَ ْن َ‬
‫ُّ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫َس‬ ‫م‬ ‫ِي‬ ‫أَن‬
‫يلبي طلباته ويحقِق رغباته‪ ،‬هكذا اْلنبياء‪،‬‬ ‫فإن هللا يَهديه إلى مبتغاه‪ِ ،‬‬ ‫ه‬ ‫يرجع إلى ربه يناديه ويخشاه‪،‬‬
‫همه‬ ‫ويحفَظون الدِين ويَحملون َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫صالحون المصلِحون‪ ،‬الذين يبلِغون دَعوة هللا‪،‬‬‫ْ‬ ‫وكذا سال ُِكو َدرْب اْلنبياء‪ ،‬ال ه‬
‫حسِيبًا ﴾‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫َّللا َوكفَى بِ ِ‬
‫اَّلل َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش ْون أ َ‬
‫ح ًدا إَِل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ش ْونَه وََل يَخ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫َّللا َويَخ َ‬ ‫ساَلتِ‬ ‫َ‬ ‫ون رِ َ‬ ‫ذينَ ُيبَل ُِغ َ‬ ‫المسلمين‪ ﴿ ،‬اله ِ‬
‫‪].‬اْلحزاب‪[39 :‬‬
‫تغيير الدِين وتبديل الشرع‪ ،‬والتحايل على أوامر هللا‪ ،‬فأذا َقهم هللا ص ُن َ‬
‫وف العذاب في‬ ‫لكن أقوا ًما اقترحوا ْ‬
‫ه‬
‫نبيكم‬
‫ِ‬ ‫من‬ ‫أنتم‬ ‫كيف‬ ‫محمد‬ ‫ة‬ ‫ه‬
‫م‬ ‫أ‬ ‫يا‬ ‫موا‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫تع‬ ‫لكي‬ ‫اْلخرة؛‬ ‫في‬ ‫عقاب‬ ‫من‬ ‫َنتظرهم‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫على‬ ‫ً‬
‫ة‬ ‫علو‬ ‫الدنيا‪،‬‬
‫!ومن شرْعة ربِكم‪ ،‬ومن عظَمة دينكم؟‬

‫تعدوا الخطَّ األحمر‪ ،‬وتَحايلوا على الدِّين‬ ‫َّ‬ ‫‪:‬أقوام‬


‫‪ -:‬حواريو عيسي ‪ -‬عليه السالم‬ ‫ُّ‬
‫ادع لنا ربك ينزل علينا مائدة من السماء‪ ،‬نراها بأعيننا‪ ،‬ونتلَ هقاها " ‪ -:‬قالوا لعِيسي ‪ -‬عليه السلم‬
‫ما ِء ﴾ "بأيدينا‬ ‫ه‬
‫الس َ‬ ‫علَ ْينَا مَائِ َد ًة ِمنَ‬ ‫ل َ‬ ‫ك أَ ْن ُين َِز َ‬ ‫ِيع رَبُّ َ‬
‫َس َتط ُ‬ ‫لي ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِيسى ا ْبنَ َم ْريَ َ‬ ‫ون يَا ع َ‬ ‫َاريُّ َ‬‫حو ِ‬ ‫ل ْ‬
‫ال َ‬ ‫‪ ﴿ ،‬إِ ْذ َقا َ‬
‫عظَهم قائلً‬ ‫م ُم ْؤ ِم ِنينَ ﴾ [المائدة‪ ،]112 :‬لكنهم َقالُوا ‪[:‬المائدة‪ ]112 :‬لك هنه و َ‬ ‫َّللا إِ ْن ُك ْن ُت ْ‬ ‫يد ‪ ﴿:‬اته ُقوا َه‬ ‫﴿ نُ ِر ُ‬
‫دينَ ﴾ [المائدة‪ ،]113 :‬فدعا‬ ‫ه ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صدَق َتنَا َونكون عليهَا ِمنَ الشا ِ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م أن قد َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مئِن قلوبنَا َونعل َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل ِمنهَا َوتط َ‬ ‫ْ‬ ‫أَ ْن نَ ْأك َ‬
‫ُ‬
‫علَ ْينَا مَائِ َد ًة ِمنَ ‪:‬عيسي ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬ربهه في أدب عظيم‬ ‫ل َ‬ ‫م َربهنَا أَ ْنزِ ْ‬ ‫م الله ُه ه‬ ‫ن َم ْريَ َ‬ ‫ِيسى ا ْب ُ‬ ‫لع َ‬ ‫﴿ َقا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك وَا ْر ُزقنَا وَأ ْن َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫السمَا ِء تَكون لنَا عِي ًدا ِْل هولِنَا وَآخ ِِرنَا وَآيَة ِم ْن َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫م﴾‬ ‫عل ْيك ْ‬ ‫َّللا إِنِي ُمن َِزلهَا َ‬
‫ل ُ‬ ‫ازقِينَ * قا َ‬ ‫خ ْي ُر ُال هر ِ‬ ‫ت َ‬
‫مينَ ﴾‬ ‫ذ ُب ُه أَ َ‬
‫ح ًدا ِمنَ ْال َعالَ ِ‬ ‫ع َذابًا ََل أُ َ‬
‫ع ِ‬ ‫ذ ُب ُه َ‬‫ع ِ‬‫م َف ِإنِي أ َ‬ ‫َن ي َْك ُف ْر ب َْع ُد ِم ْن ُك ْ‬ ‫بشرْط ﴿ َفم ْ‬ ‫[المائدة‪ ]115 - 114 :‬لكن َ‬
‫وسمِيت‬ ‫وحيًا على رسوله ‪ -‬صلهى هللا عليه وسلهم ‪ُ -‬‬ ‫ل هللا ‪ -‬تبارك وتعالى ‪ -‬سور ًة ْ‬ ‫[المائدة‪ ]115 :‬أن َز َ‬
‫‪.‬بسورة المائدة‬

‫إن عيسى ‪:‬قال بعض المفسِرين‬ ‫موها سألوا ‪ -‬ه‬‫ما أتَ ُّ‬
‫عليه السلم ‪ -‬أ َم َر الحواريِين بصيام ثلثين يو ًما‪ ،‬فل ه‬
‫ه‬
‫ِن بذلك قلو ُبهم أن هللا ‪-‬‬ ‫ل مائدة من السماء عليهم؛ لِيَأكلوا منها وتطمئ ه‬ ‫عِيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬إنزا َ‬
‫ولكن عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬ ‫ه‬ ‫يفطِرون عليها يوم فِطرهم‪،‬‬ ‫تعالى ‪ -‬قد َق ِبل صيامَهم وتكون لهم عي ًدا ْ‬
‫أن يسأل لهم ذلك‬ ‫بش ْكرها‪ ،‬فأبَ ْوا عليه إَل ه ْ‬
‫عظَهم في ذلك وخاف عليهم أَل ه يقوموا ُ‬ ‫‪.‬و َ‬

‫أن ُيجابوا إلى ما طَلَبوا‪ ،‬فاستجاب‬


‫حوا عليه أخذ يتض هرع إلى هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬في الدعاء والسؤال ْ‬ ‫فلما ألَ ُّ‬
‫هللا ‪ -‬ع هز وجل ‪ -‬دعاءه‪ ،‬فأنزل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬المائد َة من السماء والناس يَنظرون إليها تَنحدر بين غمامتين‪،‬‬
‫ه‬
‫رحم ًة َل نقم ًة‪،‬‬ ‫ت منهم يسأل عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ْ -‬‬
‫أن يَجعلها ْ‬ ‫ت تدنو قليلً َقليلً‪ ،‬وكلهما دنَ ْ‬ ‫وجعلَ ْ‬
‫ه‬
‫َل تَ ْدنو حتى استق هرت بين يدي عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وهي مغطاة‬ ‫وأن يجعلها سل ًما وبَرَكة‪ ،‬فلم تز ْ‬ ‫ْ‬
‫‪.‬بمنديل‬

‫عليه السلم ‪ -‬يكشف عنها وهو يقول‪" :‬بسم هللا خير الرازقين" فإذا عليها من الطعام ‪ -‬فقام عيسى‬
‫ل ور همان وثمار‪ ،‬ولها رائحة عظيمة‬ ‫خ ٌّ‬
‫‪ -‬كما ُذكِر‪ -‬سبعة من الحِيتان وسبْعة أرغفة‪ ،‬وقيل‪" :‬كان عليها َ‬
‫جدا‪ ،‬ثم أ َمرَهم عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬باْلَ ْكل منها‪ ،‬أمر ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬الفقراء والمحتاجين‬ ‫ًّ‬
‫ْ‬
‫ضى وأصحاب العاهات ‪ -‬وكانوا قريبًا من اْللف وثلثمائة ‪ -‬أن يأكلوا من هذه المائدة‪ ،‬فأكلوا منها‪،‬‬ ‫والم ْر َ‬
‫كل من به عاهة أو آفة أو مرض م ْزمِن‪ ،‬واستغنى الفقراء وصاروا أغنياءَ‪ ،‬فندم ال هناس الهذين لم‬ ‫ُّ‬ ‫فبَرَأ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫يأكلوا منها لما رأوا من إصلح حال أولئك الذين أكلوا‪ ،‬ثم صَعدَت المائدة وهم يَنظرون إليها حتى توارت‬
‫‪.‬عن أعينهم‬

‫خ ُرهم كما يأكل أ هولُهم‪ ،‬حتى‬


‫ل يوم م هر ًة‪ ،‬فيأكل الناس منها‪ ،‬فيأكل آ ِ‬ ‫وقيل‪ :‬ه‬
‫إن هذه المائدة كانت ت ْنزل ك ه‬
‫سبعة آَلف شخص‬ ‫ُ‬ ‫‪.‬قيل‪ :‬إنهه كان يأكل منها ك ه‬
‫ل يوم‬

‫فشق ذلك على كثير من الناس‪ ،‬وتكلهم‬ ‫ه‬ ‫ثم أمر هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬أن يَقصرها على الفقراء دون اْلغنياء‪،‬‬
‫ُمناف ُِقوهم في ذلك‪ ،‬ف ُرفِعت و ُمسخ الذين تكلهموا في ذلك من المنافقين خنازير؛ استجابة من هللا‬
‫ً‬
‫مسِخوا إلى خنازير‬ ‫لكن ما آمن إَل ه قليل‪ ،‬أ هما الذين ه‬
‫كذبوا به ونافقوا فيه ف ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫‪.‬للمق َترَح المشروط‪،‬‬

‫َّ‬
‫السبْت‬ ‫‪:‬أصحاب‬
‫َسكنون في قرية ساحليهة على ما يَبدو‪ ،‬اختلف المفسِرون في ْ‬
‫اسمها‪ ،‬ودار‬ ‫جماعة من اليهود‪ ،‬كانوا ي ْ‬
‫َ‬
‫‪.‬حولها جدَل كثير‬
‫صة ْلَ ْ‬
‫خذ العبرة منها والعظة‬ ‫‪.‬أ هما القرآن الكريم‪ ،‬فل يَذكر اَلسم‪ ،‬ويكتفي بِ َعرض الق ه‬

‫كان اليهود َل يَعملون يوم السبت‪ ،‬وإنما يت َف هرغون فيه لِ َعبادة هللا‪ ،‬فقد فرَضَ هللا عليهم عدم اَل ْنشغال‬
‫أن يخصِص لهم يو ًما للراحة والعبادة‪َ ،‬ل عمَل‬ ‫الدنيا يوم السبت بعد أن طَلبوا منه ‪ -‬سبحانه ‪ْ -‬‬ ‫بأ ُمور ُّ‬
‫سوَى الت َق ُّرب إلى هللا بأنواع العبادة المختلفة‬
‫‪.‬فيه ِ‬

‫خلقه‪ ،‬وحان موع ُ‬


‫ِد اَلختبار واَلبتلء‪ ،‬اختبار لِمَدى صبْرهم واتِباعهم لشرع هللا‪،‬‬ ‫س هنة هللا في ْ‬
‫وجرت ُ‬
‫نفوسهم فيه على ترْك الجشع والطمع‪ ،‬والصمود‬ ‫ُ‬ ‫وابتلء يَخرجون بعده أقوى عز ًما‪ ،‬وأش هد إرادة‪ ،‬تتربهى‬
‫ه ْيهات هيهات‪ُ ،‬‬
‫فهم اليهود‬ ‫ْ‬
‫لكن َ‬ ‫ْ‬
‫المغ ِريات‪،‬‬ ‫!أمام‬
‫الس ْبتِ ‪:‬قال ‪ -‬تعالى ‪ -‬في سورة اْلعراف‬ ‫ه‬ ‫ون فِي‬ ‫َح ِر إِ ْذ ي َْع ُد َ‬ ‫ض َر َة ْ‬
‫الب ْ‬ ‫ت حَا ِ‬ ‫ة الهتِي َكانَ ْ‬ ‫ال َق ْر َي ِ‬‫ن ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬ ‫َاسأَ ْل ُه ْ‬
‫﴿و ْ‬
‫ون‬‫س ُق َ‬ ‫م بِمَا َكانُوا ي َْف ُ‬
‫وه ْ‬ ‫ُ‬
‫ك نَبْل ُ‬‫م َك َذلِ َ‬‫ِيه ْ‬ ‫ت‬‫أ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫َل‬ ‫َ‬
‫ون‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ب‬ ‫َس‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫َل‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ْ‬
‫و‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫ا‬ ‫ً‬
‫ع‬ ‫ه‬
‫ر‬ ‫ش‬‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ِه‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫و‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ن‬‫َا‬‫ت‬ ‫ِي‬
‫ح‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ِيه‬ ‫ت‬‫أ‬‫وَإ ْذ *إ ْذ تَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م وَلَ َعله ُه ْ‬
‫م‬ ‫شدِي ًدا َقالُوا م َْع ِ‬
‫ذ َر ًة إِلَى رَبِ ُك ْ‬ ‫ع َذابًا َ‬ ‫م َ‬ ‫ذ ُب ُه ْ‬ ‫م أَ ْو ُم َع ِ‬ ‫َّللا ُم ْهل ُِك ُه ْ‬ ‫ون َق ْو ًما ه ُ‬ ‫م تَعِظُ َ‬ ‫م لِ َ‬ ‫ت أُ همة ِم ْن ُه ْ‬ ‫َقالَ ْ‬
‫موا بِ َع َذابٍ بَئِيسٍ بِمَا *يَ هت ُق َ‬
‫ون‬ ‫ذينَ ظَلَ ُ‬ ‫خ ْذنَا اله ِ‬ ‫السو ِء وَأَ َ‬ ‫ُّ‬ ‫ن‬‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذينَ يَ ْن َه ْو َ‬ ‫ج ْينَا اله ِ‬ ‫ه أَ ْن َ‬ ‫سوا مَا ُذكِ ُروا بِ ِ‬ ‫ما نَ ُ‬ ‫َفلَ ه‬
‫س ُقونَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سئِينَ ﴾ *كانوا ي َْف ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫م كونوا قِ َر َدة َ‬
‫خا ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ع ْنه قلنَا ل ُه ْ‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ن مَا ن ُهوا َ‬‫ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ع َت ْوا َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪].‬اْلعراف‪[166 - 163 :‬فلما َ‬

‫للساحل‪ ،‬وتترَاءى ْلهل القرية‪ ،‬بحيث‬ ‫ه‬ ‫ل الحيتان تَأتي يوم السبت‬ ‫ل‪ْ -‬‬
‫بأن ج َع َ‬ ‫لقد ابتلهم هللا ‪ -‬ع هز وج ه‬
‫حيَل ‪ -‬على‬ ‫َسهل ص ْيدها‪ ،‬ثم تَبتعد بقيهة أيهام اْلسبوع‪ ،‬فا ْنهارت عزائم فرْقة من القوم‪ ،‬واحتالوا ال ِ‬ ‫ي ْ‬
‫ُ‬
‫والحفَر‪،‬‬ ‫صطادوا السمك مباشرة‪ ،‬وإنهما أقاموا الحواجز‬‫شيمة اليهود ‪ -‬وبدَؤوا بالصيد يوم السبت‪ ،‬لم يَ ْ‬
‫دمَت الحيتان حاطوها يوم السبت‪ ،‬ثم اصطادوها يوم اْلحد‪ ،‬كان هذا اَلحتيال بمثابة ص ْيد‪ ،‬وهو‬ ‫فإذا ق ِ‬
‫‪.‬مح هرم عليهم‬

‫أهل القرية لثلث فرق‪ ،‬فرْقة عاصية‪ ،‬تَصطاد بالحيلة‪ ،‬وفرْقة َل تَعصي هللا‪ ،‬وتقف موق ًفا إيجابيًّا‬
‫فانقسم ْ‬
‫مما يَحدث‪ ،‬فت َْأمر بالمعروف وتنهى عن المكر‪ ،‬وتحذِر المخالِفين من غضب هللا‪ ،‬وفرقة ثالثة سلبيهة‪َ ،‬ل‬
‫‪.‬تَعصي هللا‪ ،‬لك هنها َل تَنهى عن المنكر‬

‫كر وتقول لهم‬ ‫صحِكم لهؤَلء ‪:‬وكانت الفرقة الثالثة تتَجادل مع الف هرقة الناهية عن الم ْن َ‬ ‫ما فائدة نُ ْ‬
‫ْ‬
‫لن يتوقفوا عن احتيالهم‪ ،‬وسيصيبهم مِن هللا عذاب أليم بسبب أفعالهم‪ ،‬فل فائدة من‬ ‫ه‬ ‫ال ُعصَاة؟ إنههم ْ‬
‫ضوا ميثاقه‬ ‫أم ِره‪ ،‬ون َق ُ‬ ‫﴿ َو َر َف ْعنَا ‪:‬تَحذيرهم بعدما كتب هللا عليهم الهلك؛ َل ْنتهاكهم حرماته‪ْ ،‬‬
‫واعتدوا على ْ‬
‫م مِي َث ً‬
‫اقا‬ ‫خ ْذنَا ِم ْن ُه ْ‬ ‫الس ْبتِ َوأَ َ‬
‫ه‬ ‫ج ًدا و َُق ْلنَا لَ ُه ْ‬
‫م ََل تَ ْع ُدوا فِي‬ ‫س ه‬ ‫خلُوا ْ‬
‫البَابَ ُ‬ ‫م ا ْد ُ‬ ‫م الطُّو َر بِمِي َثاق ِِه ْ‬
‫م و َُق ْلنَا لَ ُه ُ‬ ‫َف ْو َق ُه ُ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫‪].‬النساء‪[154 :‬غلِيظا ﴾‬

‫اهون عن المنكر يجيبون‬ ‫يعرِف واجباته‪ ،‬كان ال هن ُ‬‫إنهنا نقوم بواجبنا في اْلمر ‪:‬وبصرامة الم ْؤمِن الذي ْ‬
‫جة يوم القيامة‪ ،‬وربهما تُفِيد هذه‬ ‫ون علينا ح ه‬ ‫ُ‬
‫بالمعروف وإنكار المنكر؛ لِ ُنرضِي هللا ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وَل تك َ‬
‫رشدِهم‪ ،‬ويتركون عصيانهم‬ ‫‪.‬الكلمات‪ ،‬فيَ ُعودون إلى ْ‬

‫أمر هللا‪ ،‬وح ه‬


‫ل بالعصاة‬ ‫د كلمات المؤمنين نف ًعا معهم‪ ،‬جاء ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫محتالون‪ ،‬ولم تُ ْ‬
‫بعدما استكبر ال ُعصاة ال ُ‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ه‬
‫‪.‬العذاب‪ ،‬لقد عذب هللا العصاة وأنجَى اْلمِرين بالمعروف والناهين عن المنكر‬

‫ُّ‬
‫النص القرآني عنها‪ ،‬يقول‬ ‫ص هللا‪ ،‬لك هنها لم تَ ْنه عن المنكر‪ ،‬فقد س َ‬
‫ك َ‬
‫ت‬ ‫أ هما الفرقة الثالثة‪ ،‬التي لم ْ‬
‫تع ِ‬
‫خذ بالعذاب ‪ -‬إ ْذ إنهها قعدت عن اإلنكار‬
‫سيد قطب ‪ -‬رحمه هللا ‪" :-‬ربهما تَ ْهوي ًنا لشأنِها ‪ -‬وإن كانت لم ت ْؤ َ‬‫ِ‬
‫ِق العذاب"؛ في ظلل‬ ‫فاستحقت اإلهمال‪ ،‬وإن لم تستح ه‬ ‫ه‬ ‫َت عند حدود اإلنكار السل ِبي‪،‬‬ ‫اإليجابي‪ ،‬ووقف ْ‬
‫‪.‬القرآن‬

‫إلمعانِهم في المعصية‪،‬‬ ‫خهم هللا‪ ،‬وح هولَهم إلى قردة عقابًا لهم؛ ْ‬ ‫مس َ‬‫َ‬ ‫لقد كان العذاب شدي ًدا‪ ،‬لقد‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الس ْبتِ َفقلنَا‬
‫ه‬ ‫م فِي‬ ‫ُ‬ ‫م اله ِ‬
‫ذينَ ْ‬
‫اع َت َد ْوا ِم ْنك ْ‬ ‫عل ِْم ُت ُ‬‫وتحا ُيلِهم على شرْع هللا‪ ،‬وتحديهم لقانون السماء؛ ﴿ وَلَ َق ْد َ‬
‫سئِينَ‬ ‫م ُكونُوا قِ َر َد ًة َ‬
‫خا ِ‬ ‫م هت ِقينَ ﴾ *لَ ُه ْ‬ ‫خ ْل َفهَا َو َم ْوعِظَ ًة ل ِْل ُ‬ ‫ك ً‬
‫اَل لِمَا بَ ْينَ يَ َد ْيهَا َومَا َ‬ ‫ج َع ْلنَا َ‬
‫ها نَ َ‬ ‫البقرة‪َ [ - 65 :‬ف َ‬
‫‪66].‬‬

‫جبوا‬‫المع َتدِين أحد‪ ،‬فت َع ه‬


‫ْ‬ ‫ذات يوم في مجالسهم‪ ،‬ولم يَخرج من‬‫َ‬ ‫صبحوا‬ ‫وتَحكي بعض الرِوايات ه‬
‫أن الناهين أ ْ‬
‫َ‬
‫صبحوا قِرَدة‪ ،‬فع َرفت ال ِقرَدة أنسابَها من اإل ْنس‪ ،‬ولم‬
‫وذهبوا لِيَنظروا ما اْلمر‪ ،‬فوَجدوا المعتدين وقد أ ْ‬
‫فتشم ثيابَه وتبكي‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫ج َعلت القردة تأتي نسيبها من اإلنس‪،‬‬ ‫ُ‬
‫اإلنس أنسابَهم من القردة; ف َ‬ ‫تَعرف‬
‫‪.‬ألَم نَ ْنهكم؟! فتقول برأسها‪ :‬ن َعم‬

‫وهذا جزاء الذين يَتحايلون على شرع هللا‪ ،‬إنههم ملعونُون إلى يوم الدِين؛ قال ‪ -‬تعالى ‪ -‬في سورة‬
‫ها ‪:‬النساء‬ ‫ها َف َن ُر هد َ‬‫جو ً‬ ‫مسَ ُو ُ‬ ‫ْل أَ ْن نَ ْ‬
‫ط ِ‬ ‫ِن َقب ِ‬
‫مم ْ‬ ‫ذينَ أُوتُوا ْ‬
‫الكِتَابَ آ ِم ُنوا بِمَا نَ هز ْلنَا ُمصَد ًِقا لِمَا َم َع ُك ْ‬ ‫﴿ يَا أَيُّهَا اله ِ‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫َّللا م َْف ُعوَل ﴾‬
‫ان أ ْم ُر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫صحَابَ الس ْبتِ َوك َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م كمَا ل َعنا أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ها أ ْو نَل َعن َُه ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫على أ ْدبَارِ َ‬‫‪].‬النساء‪َ [47 :‬‬

‫ُّ‬
‫‪:‬تعنت بني إسرائيل مع أنبياء هللا وأوامر هللا‬
‫ُ‬
‫عين‬ ‫ْ‬
‫بشكل َل ْ‬
‫تخطِئه‬ ‫أن نفوسهم كانت ملتوي ًة‬ ‫كث موسى في قومه يَدعوهم إلى هللا‪ ،‬ويَبدو ه‬
‫م َ‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الملحظة‪ ،‬ويَبدو عنادهم فيما يعرَف بقصة البقرة؛ فإن الموضوع لم يكن يَقتضي كل هذه المفاوضات‬
‫ل هذا التعنت‬ ‫‪.‬بينهم وبين موسى‪ ،‬كما أنهه لم يكن يَستوجب ك ه‬
‫صل قصة البقرة ه‬
‫أن قتيلً ثريًّا ُوجِد يو ًما في بني إسرائيل‪ ،‬واخ َتصَم أهله ولم يَعرفوا قاتِلَه‪ ،‬وحين‬ ‫وأ ْ‬
‫أعيَاهم اْلمر لَجَؤوا إلى موسى؛ ليلجأ إلى ربِه‪ ،‬ولَجأ موسى إلى ربِه‪ ،‬فأ َمرَه أن يأمر قومه أن يذبحوا‬
‫ْ‬
‫‪.‬بقرة‬

‫اَّلل أَ ْن أَ ُك َ‬
‫ون ِمنَ‬ ‫ل أَ ُعو ُذ بِ ه ِ‬
‫ه ُز ًوا َقا َ‬ ‫َحوا بَ َق َر ًة َقالُوا أَتَ هتخ ُ‬
‫ِذنَا ُ‬ ‫َّللا ي َْأ ُم ُر ُك ْ‬
‫م أَ ْن تَ ْذب ُ‬ ‫ن هَ‬ ‫ه إِ ه‬‫وسى لِ َق ْو ِم ِ‬ ‫﴿ وَإِ ْذ َقا َ‬
‫ل ُم َ‬
‫ه‬
‫ل بقرة تُصَادفهم‪ ،‬غي َر أنهم بدَؤوا‬ ‫القوم أ هو َ‬
‫ُ‬ ‫هلِينَ ﴾ [البقرة‪ ،]67 :‬وكان المفروض هنا أن يَذبح‬ ‫الجَا ِ‬ ‫ْ‬
‫ضتَهم باللجاجة والتعنت؛ اتههموا موسى بأنه يَسخر منهم وي هتخِذهم ه ُز ًوا‪ ،‬واستعاذ موسى باهلل‬ ‫ُّ‬ ‫ه‬ ‫مفاو َ‬
‫ل القضية ي َْكمن في ذبح بقرة‬ ‫أن ح ه‬ ‫وأفهَمهم ه‬ ‫ويسخ َر منهم‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫َكون من الجاهلين‬ ‫‪.‬أن ي َ‬

‫المعتاد بين الناس‪ ،‬ليست هناك علقة‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬


‫بالمألوف في الحياة‪ ،‬أو‬ ‫ه‬
‫إن اْلمر هنا ْ‬
‫أمر معجزة‪َ ،‬ل علقة لها‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫بين ذ ْبح البقرة ومعرفة القاتل في الجريمة الغامضة التي وق َعت‪ ،‬لكن متَى كانت اْلسباب المنطقية‬
‫ه‬
‫السائد في حياتهم‪ ،‬وليس‬ ‫ة هي القانون‬ ‫هي التي تَحكم حيا َة بني إسرائيل؟ ه‬
‫إن المعجزاتِ الخارق َ‬
‫‪.‬استمرا ُرها في حادث البقرة ْ‬
‫أمرًا يوحِي بالعجب أو يثير الدهشة‬

‫م وغ ًدا وبع َد غد‪ ،‬مج هرد التعامل معهم عنَت‪ ،‬تَستوي في ذلك‬ ‫ه‬
‫لكن بني إسرائيل هم بَ ُنو إسرائيل اليو َ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫اْلمو ُر الدنيوية المعتادة‪ ،‬وشؤون العقيدة المهمة‪َ ،‬ل بد أن يعاني مَن يتصدى ْلمر من أمور بني‬‫ُّ‬
‫ٌّ‬
‫جاد فيما‬ ‫إسرائيل‪ ،‬وهكذا يعاني موسى من إيذائهم له واتهامه بالسخرية منهم‪ ،‬ثم ينبئهم أنهه‬
‫‪.‬يحدِثهم به‬

‫المراوغة لبني إسرائيل إلى الظُّهور‪ ،‬تَعود اللهجاجة والعناد‬


‫ِ‬ ‫أمرَه أن يذبحوا بقرة‪ ،‬وتَ ُعود الطبيعة‬
‫ويعاود ْ‬
‫هدنا من هذا الج ْنس من الحيوان؟ أو أنهها ْ‬
‫خلق تفرده‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واَللتِواء‪ ،‬فيتساءلون‪ :‬أهي بقرة عادية كما ع ِ‬ ‫ْ‬
‫ه‬ ‫ْ‬
‫‪.‬بِمَزية‪ ،‬فليدع موسى ربه؛ ليبيِن ما هي‬‫ه‬

‫وسط‪ ،‬ليست‬ ‫ح هدد البقرة ‪ -‬أكث َر مِن ذي َقبْل ‪ -‬بأنهها بقرة َ‬ ‫ويدعو موسى ربهه‪ ،‬فيزداد ال هتشديد عليهم‪ ،‬وتُ َ‬
‫ل إِنه ُه ي َُق ُ‬
‫ول إِنههَا‬ ‫ي َقا َ‬ ‫ه َ‬‫ن لَنَا مَا ِ‬ ‫ع لَنَا َربه َ‬
‫ك ُيب َِي ْ‬ ‫بقر ًة مس هنة‪ ،‬وليست بقرة فتيهة‪ ،‬بقرة متوسِطة؛ ﴿ َقالُوا ا ْد ُ‬
‫ون ﴾‬ ‫اف َعلُوا مَا تُ ْؤ َم ُر َ‬
‫ك َف ْ‬‫عوَان بَ ْينَ َذلِ َ‬ ‫ارض و َََل بِ ْكر َ‬ ‫‪].‬البقرة‪[68 :‬بَ َقرَة ََل َف ِ‬

‫أن المفاوضات لم تزَل مستم هرة‪ ،‬ومراوغة بني إسرائيل لم‬‫أن ينتهي اْلمر‪ ،‬غي َر ه‬ ‫إلى هنا كان ينبغي ْ‬
‫ه‬
‫ما هو لون البقرة؟ لماذا يَدعو موسى ربه ليسأله عن لون ‪:‬تزل هي التي تَحكم مائدة المفاوضات‬
‫وحق نبيِه الكريم‪! ،‬هذا البقرة؟‬
‫ِ‬ ‫َل ُيرَاعون مقتضيات اْلدب والوقار الل ه ِزمَين في حق هللا ‪ -‬تعالى ‪-‬‬
‫أن يخجلوا من تكليف موسى بهذا اَلتِصال المتكرر حول موضوع بَسيط َل يستحِقُّ‬ ‫وكيف أنههم ينبغي ْ‬
‫ِ‬
‫!كل هذه اللهجاجة والمراوَغة؟‬

‫تس ُّر‬
‫ويسأل موسى ربهه‪ ،‬ثم يحدِثهم عن لون البقرة المطلوبة‪ ،‬فيقول‪ :‬إنها بقرة صفراء‪ ،‬فاقِع لونُها ُ‬
‫س ُّر ال هناظِرِينَ ﴾ ‪:‬الناظرين‬
‫ول إِنههَا بَ َقرَة ص َْفرَا ُء َفاقِع لَ ْونُهَا تَ ُ‬
‫ل إِنه ُه ي َُق ُ‬
‫ن لَنَا مَا لَ ْونُهَا َقا َ‬ ‫﴿ َقالُوا ا ْد ُ‬
‫ع لَنَا َربه َ‬
‫ك ُيبَيِ ْ‬
‫‪].‬البقرة‪[69 :‬‬

‫ضوح اْلمر‪ ،‬فقد عادوا إلى اللهجاجة والمراوغة‪ ،‬فش هدد هللا‬ ‫حدِدت البقرة بأنهها صفراء‪ ،‬ورغم ُو ُ‬
‫وهكذا ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عليهم كما شددوا على نبيِه وآذوه‪ ،‬عادوا يسألون موسى أن يدعو هللا؛ ليبيِن ما هي‪ ،‬فإن البقر‬ ‫ه‬
‫ِس ْقي‪ ،‬سلِمَت من العيوب‪ ،‬صفراء‬ ‫تشابه عليهم‪ ،‬وح هدثهم موسى عن بقرة ليست ُم َع هدة لِ َ‬
‫حرْث وَل ل َ‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫شيَة فيها‪ ،‬بمعنى‪ :‬خالصة الص ْفرة‬‫‪َ.‬ل ِ‬

‫َدوها عند‬ ‫َحثهم عن بقرة بهذه الصفات الخاصة‪ ،‬أخيرًا وج ُ‬ ‫ا ْنتهت بهم اللهجاجة إلى ال هتشديد‪ ،‬وبدَؤوا ب ْ‬
‫علَ ْينَا‬‫ه َ‬ ‫شابَ َ‬ ‫ن ْ‬
‫البَ َق َر تَ َ‬ ‫ي إِ ه‬‫ه َ‬ ‫ن لَنَا مَا ِ‬ ‫ك ُيب َِي ْ‬ ‫ع لَنَا َربه َ‬ ‫فاش َترَوها وذبَحوها‪ ،‬وما كادوا يفعلون؛ ﴿ َقالُوا ا ْد ُ‬
‫ْ‬ ‫يتيم‬
‫م ْهت َُدونَ‬ ‫شا َء ُه‬
‫َّللا لَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫سلمَة َل *وَإِنا إِن َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫حرْث م َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ل إِنه يَقول إِنهَا بَقرَة َل ذلول تثِير اْلرْضَ وََل تسقِي ال َ‬ ‫ه‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ها َومَا كادوا يَف َعلون ﴾‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت بِالحَقِ فذبَحو َ‬ ‫ْ‬ ‫جئ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫شيَة فِيهَا قالوا اْلن ِ‬ ‫َ‬ ‫‪].‬البقرة‪ِ [71 - 70 :‬‬

‫ضرَب به القتيل‪ ،‬فنهض من َم ْوته‪ ،‬سألَه موسى‬ ‫وأمسك موسى جز ًءا من البقرة ‪ -‬وقيل‪ :‬لسانها ‪ -‬و َ‬
‫عن قاتِلِه‪ ،‬فح هدثهم عنه ‪ -‬وقيل‪ :‬أشار إلى القاتل فقط من غير أن يتح هدث ‪ -‬ثم عاد إلى الموت؛ ﴿ وَإِ ْذ‬
‫م ْوتَى‬ ‫َّللا ْال َ‬
‫ح ِيي ه ُ‬ ‫ك ُي ْ‬ ‫ضهَا َك َذلِ َ‬ ‫ون * َف ُق ْلنَا ا ْ‬
‫ض ِر ُبو ُه بِب َْع ِ‬ ‫م َ‬ ‫خ ِرج مَا ُك ْن ُت ْ‬
‫م تَ ْك ُت ُ‬ ‫سا َفا هدار َْأتُ ْ‬
‫م فِيهَا و ه ُ‬
‫ََّللا ُم ْ‬ ‫َقت َْل ُت ْ‬
‫م نَ ْف ً‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه لعلكم تعقِلون ﴾‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪].‬البقرة‪َ [73 - 72 :‬ويرِيكم آيَاتِ ِ‬

‫اسم القاتل‪ ،‬انكشف‬ ‫وشاهد بنو إسرائيل معجِ َز َة ْ‬


‫إحياء الموتى أمَام أعينهم‪ ،‬اس َتمَعوا بآذانِهم إلى ْ‬
‫‪.‬غموض القضيهة التي حيه َر ْتهم ز َم ًنا طال بسبب لَجاجتهم وت َع ُّنتهم‬
‫ل السياق القرآني يورد ذلك عن طريق تكرارهم لكلمة‬ ‫نبيهم وربِهم‪ ،‬ولع ه‬ ‫وهنا يَظهر سو ُء أ َدبِ القوم مع ِ‬
‫"ربهك" التي يخاطبون بها موسى‪ ،‬وكان اْلَولى بهم أن يقولوا لموسى ُّ‬
‫تأدبًا ‪ -‬لو كان َل ب هد أن يقولوا ‪:-‬‬
‫صرون ربوبيهة هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬على موسى‪،‬‬ ‫ع لَنَا َربهكَ"‪ ،‬فكأنههم ْ‬
‫يق ُ‬ ‫ادع لنا ربهنا‪ ،‬أ هما ْ‬
‫أن يقولوا له‪" :‬ا ْد ُ‬
‫ه‬
‫‪.‬ويخرِجون أنفسهم من شرَف العبودية هلل‬ ‫ُ‬

‫ل سخرية السياق منهم لمج هرد إيراده لِ َقولهم‬ ‫اْلن " ‪:‬ا ْنظر إلى اْليات كيف ُتوحِي بهذا كلِه‪ ،‬ثم تأ هم ْ‬
‫ت بالحَق‬ ‫ل ‪ -‬أرهقوا نبيههم بسؤاله عن "ج ْئ َ‬ ‫بعد أن أرهقوا نبيههم ذهابًا وجيئة بينهم وبين هللا ‪ -‬ع هز وج ه‬
‫المميزة‪ ،‬بعد ت َع ُّنتِهم وتشديد هللا عليهم‪ ،‬يقولون لنبيهم حين‬ ‫ِ‬ ‫صفة البقرة ولونِها وسنِها وعلماتها‬
‫جاءهم بما يَ ْندر وجو ُده‪ ،‬ويَندر العثور عليه في البقر عاد ًة؛ ولهذا الت َع ُّنت أمام أوامر السماء‪ ،‬ولهذا العناد‬
‫السماء‪ ،‬ش هددوا على أ ْنفسِهم فش هدد هللا عليهم‪ ،‬ثم‬ ‫ه‬ ‫لِ ُرسل السماء‪ ،‬ولهذا ال هتحايل على شريعة‬
‫حجَا َر ِة أ ْوَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي كال ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫د ذل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ست قلو ُبك ْ‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫ت قلوبهم فأصبحت كالحجارة أو أش هد قسوة‪ ﴿ ،‬ثم ق َ‬ ‫قس ْ‬‫َ‬
‫ه َ‬‫كف ِ‬ ‫ِن بَع ِ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ج ِم ْن ُه المَا ُء وَإِن ِم ْنهَا لمَا‬ ‫َخ ُر ُ‬ ‫َ‬
‫ق في ْ‬ ‫ه‬
‫َشق ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ج ُر ِم ْن ُه اْل ْنهَا ُر وَإِن ِم ْنهَا لمَا ي ه‬ ‫َ‬
‫حجَا َر ِة لمَا يَ َت َف ه‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ً‬ ‫ش ُّد ق ْ‬
‫س َوة وَإِن ِمنَ ال ِ‬ ‫َ‬ ‫أَ َ‬
‫ُ‬
‫ما تَ ْعمَل َ‬ ‫ع ه‬ ‫َّللا َومَا ه ُ‬‫ة هِ‬ ‫ُ‬
‫ون ﴾‬ ‫َّللا بِ َغاف ٍ‬
‫ِل َ‬ ‫شيَ ِ‬‫خ ْ‬ ‫ِن َ‬ ‫‪].‬البقرة‪[74 :‬ي َْه ِبط م ْ‬

‫ه‬
‫الحق من أول "اْلن ج ْئ َ‬
‫ت بالحَق" ‪:‬ساعتَها قالوا له‬ ‫‪ ،‬كأنهه كان ي َْلعب َقبْلها معهم! ولم يكن ما جاء هو‬
‫ون ﴾ ‪:‬كلمة ْلخر كلمة! ثم انظر إلى ظِلل السِياق وما تَشِي به مِن ظلمهم‬ ‫ها َومَا َكا ُدوا ي َْف َعلُ َ‬ ‫﴿ َف َذب ُ‬
‫َحو َ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫!‪ ،‬أَل توحِي لك ظلل اْليات بتعنتِهم وتسويفهم و ُممَاراتهم ولجَاجتهم في الحقِ؟]البقرة‪[71 :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫هذه الله ْوحة القرآنية ال هرائعة تَشِي بموقف بَنِي إسرائيل على موائد المفاوضات منذ ال ِقدَم‪ ،‬وهي هي‬
‫ه‬
‫لكن القوم َل‬ ‫ْلي أمر من اْلمور؛ سواء أمور الدِين أم الدنيا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫صورتُهم على ِ‬
‫كل مائدة يتفاوضون فوقها‬
‫ه‬
‫‪.‬يدرِكون ذلك‪ ،‬إَل مَن رحم ربِي وعصَم‬ ‫ْ‬

‫‪ -:‬قبيلة ثمود الذين هم قوم صالح ‪ -‬عليه السالم‬


‫أردت لنا ْ‬
‫أن نؤمن برسالتك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫خ ِرج لنا من هذا الصخر ناقة؛ ْ‬
‫إن‬ ‫جاؤوا يو ًما إلى صالح يقولون‪ :‬ادع ربهك ْ‬
‫أن ُي ْ‬
‫ة ُوجِدت على‬
‫ل ما تكون‪ ،‬وكأعجز ما تكون‪ ،‬وأفضل ناق ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫ْ‬
‫كأف‬ ‫قال‪ :‬كيف؟! فدَعا ربه‪ ،‬فجا َء ْتهم الناقة‬
‫أكلِها وفي شربها‪ ،‬وفي لَ ِبنها وفي حياتها وفي طبيعة خلقها‬ ‫طح اْلرض‪ ،‬في ْ‬ ‫‪.‬س ْ‬
‫َ‬

‫خذوه؟ كله!‬
‫ما الذي حدث؟ هل آمَنوا؟ كله! هل نَ هفذوا الوعد الذي قطَعوه؟ كله! هل أ هدوا العهد الذي أ َ‬
‫ْ‬
‫بشكل مخ َتلِف مع ثمود‬ ‫صة العذاب‬ ‫‪.‬ماذا حدث؟ جاء قوم ثَمود بعد قوم عاد‪ ،‬وتك هررت ق ه‬

‫حا" إليهم‪ ،‬وقال صالح لقومه ‪ -‬كما‬ ‫كانت ثمو ُد قبيل ًة تَعبد اْلصنام هي اْلخرى‪ ،‬فأرسل هللا سيدنا "صال ً‬
‫م ِمنَ ‪ -:‬حَكى القرآن‬‫شأَ ُك ْ‬ ‫ه َو أَ ْن َ‬ ‫غ ْي ُر ُه ُ‬‫ه َ‬‫ِن إِلَ ٍ‬‫مم ْ‬‫َّللا مَا لَ ُك ْ‬
‫اع ُب ُدوا ه َ‬
‫م ْ‬‫ل يَا َق ْو ِ‬‫حا َقا َ‬ ‫خ ُ‬
‫اه ْ‬
‫م صَالِ ً‬ ‫مو َد أَ َ‬
‫﴿ وَإِلَى ثَ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ه إِن رَبِي قرِيب مجِيب ﴾‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪].‬هود‪[61 :‬اْلرْضِ وَاستَعمرَكم فِيهَا فاستَغ ِفروه ثم توبوا إِلي ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫كل نبي‪َ ،‬ل تتب هدل وَل تتغيهر‪،‬‬ ‫نفس الكلمة التي يقولها ُّ‬ ‫غ ْي ُر ُه ﴾ [هود‪ْ ]61 :‬‬ ‫ه َ‬ ‫ِن إِلَ ٍ‬ ‫َّللا مَا لَ ُك ْ‬
‫مم ْ‬ ‫اع ُب ُدوا ه َ‬
‫﴿ ْ‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫أن الحق َل يتب هدل وَل يتغيهر‪ ،‬فوجِئ الكبار من قوم صالح بما يقوله‪ ،‬إنه ي هتهم آلهتَهم بأنها بل قيمة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كما ه‬
‫ت دعوته ه هز ًة كبيرة في المجتمع‪ ،‬وكان‬ ‫وحدَه‪ ،‬وأح َدثَ ْ‬ ‫وهو يَنهاهم عن عبادتها ويَأمرهم بعبادة هللا ْ‬
‫بالحكمة وال هنقاء والخير‪ ،‬كان قومه يحترمونه قبل أن ُيوحِي هللا إليه ويرسِله بال هدعوة إليهم‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫معروفا‬ ‫صالِح‬
‫ك ‪:‬وقال قوم صالح له‬ ‫ش ٍ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل هذا أتنهَانا أن نعب َد مَا يَعبد آبَاؤنا وَإِننَا لفِي َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ًّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫﴿ يَا صَالِح قد كنت فِينَا َمرْجوا قب َ‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما تَ ْد ُعونَا إِلَ ْي ِ‬
‫ه ُمرِيبٍ ﴾‬ ‫‪].‬هود‪ِ [62 :‬م ه‬

‫َحت‪ ،‬لقد كان لنا رجاء‬‫ل وجهة نظر الكافرين من قوم صالح‪ ،‬إنههم يَدخلون عليه من باب شخصي ب ْ‬ ‫تأ هم ْ‬
‫ُ‬
‫رجاؤنا فيك‪ ،‬إنهه َل يتبع منطق‬ ‫وعقلك وص ِْدقك وحسن تدبيرك‪ ،‬ثم خاب‬‫ْ‬ ‫مرج ًّوا فينا لِعِلمك‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كنت‬ ‫فيك‪،‬‬
‫﴿ أَتَ ْنهَانَا أَ ْن نَ ْع ُب َد مَا ي َْع ُب ُد آب ُ‬
‫َاؤنَا ﴾؟! يا للكارثة! كل شيء يا صالح إَل هذا‪ ،‬ما ك هنا نتوقع !اْلباء واْلجداد‬
‫‪.‬منك أن تَعِيب آلهتنا التي َوجَدنا آباءنا عاكفين عليها‬

‫أخوهم‬‫وهكذا يَعجب القوم مما يدعوهم إليه‪ ،‬ويَستنكرون ما هو واجِب وحَق‪ ،‬ويدهشون أن يَدعوهم ُ‬
‫وحدَه‪ ،‬لِمَاذا؟ ما كان ذلك كلُّه إَل ه ه‬
‫ْلن آباءهم كانوا يعبدون هذه اْللهة‪ ،‬ورغم‬ ‫صالح إلى عبادة هللا ْ‬
‫ُّ‬
‫أن قومه لن يصدِقوه‪ ،‬كانوا يشكون في‬ ‫حا ه‬
‫نصَاعة دعوة صالح ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬فقد بدَا واض ً‬
‫دعوته‪ ،‬واعتقدوا أنه مسحور‪ ،‬وطالبوه بمعجزة تُ ْث ِبت أنه رسول من هللا إليهم‪ ،‬وشاءت إرادة هللا أن‬
‫‪.‬تَستجيب لطلبهم‬

‫وكان قوم ثمود يَ ْنحتون من الجبال بيوتًا عظيمة‪ ،‬كانوا يَستخدمون ال ه‬


‫ص ْ‬
‫خر في البناء‪ ،‬وكانوا أقويا َء قد‬
‫فسكنوا اْلرض التي استعمروها‪ ،‬قال صالح‬ ‫َ‬ ‫كل شيء‪ ،‬جاؤوا بع َد قوم عاد‬‫فتَح هللا عليهم ِر ْزقهم من ِ‬
‫ْض ه ِ‬
‫َّللا و َََل ‪:‬لقومه حين طالَ ُبوه بمعجزة ليصدِقوه‬ ‫َ‬
‫ل فِي أر ِ‬ ‫ها تَ ْأ ُك ْ‬ ‫َّللا لَ ُك ْ‬
‫م آيَ ًة َف َذ ُرو َ‬ ‫ذ ِه نَا َق ُة ه ِ‬ ‫﴿ َويَا َق ْو ِ‬
‫م َ‬
‫ه ِ‬
‫ْ‬
‫المعجِزة‬ ‫ع َذاب َق ِريب ﴾ [هود‪ ،]64 :‬واْلية هي‬ ‫م َ‬‫خ َذ ُك ْ‬ ‫ْ‬
‫سو ٍء َفيَأ ُ‬ ‫ها بِ ُ‬ ‫َسو َ‬ ‫‪.‬تَم ُّ‬

‫انشقت يو ًما وخرجت منها الناقة‪ُ ،‬ولِدت من غير‬ ‫ه‬ ‫صخر ًة بالجبل‬ ‫ْ‬ ‫إن الناقة كانت معجزة؛ ه‬
‫ْلن‬ ‫ويقال‪ :‬ه‬
‫الطهريق المعروف للوَلدة‪ ،‬ويقال‪ :‬إنها كانت معجزة؛ ْلنها كانت تَشرب المياه الموجودة في اْلبار في‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫م فل تَقترب بقيهة الحيوانات من المياه في هذا اليوم‪ ،‬وقيل‪ :‬إنهها كانت معجزة؛ ْلنها كانت تُد ُِّر لب ًنا‬ ‫يو ٍ‬
‫يَكفي لشرب ال هناس جمي ًعا في هذا اليوم الذي تَشرب فيه الماء فل يَبقى شيء للناس‪ ،‬معجزات‬
‫الن ُفوس المريضة‪ ،‬والقلوب ال هتالفة‪ ،‬والعقول الم ْنح َِرفة قلهما تؤثِر فيها‬ ‫لكن ُّ‬ ‫ه‬ ‫تَ ْدعو إلى اَل ْنقياد والتسليم‪،‬‬
‫م هت ِقينَ ﴾ [البقرة‪ ،]2 :‬فقط ه ًدى للم هتقين‪ ،‬أ هما غيرهم‬ ‫ه ًدى ل ِْل ُ‬
‫ه ُ‬
‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫بَ‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َل‬ ‫ُ‬
‫َاب‬ ‫ك ْال ِ‬
‫كت‬ ‫هذه المعجزات؛ ﴿ َذلِ َ‬
‫َن‬ ‫َ‬
‫!فل هادي لهم من شرود‪ ،‬وَل عاصم لهم من ضلل‪ ،‬وَل حاجز لهم من تد ٍ‬ ‫ُ‬

‫صفَها هللا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬بقوله‬ ‫َّللا ﴾ [اْلعراف‪ ]73 :‬أضافها ‪:‬كانت هذه الناقة معجزة‪ ،‬و َ‬ ‫﴿ نَا َق ُة ه ِ‬
‫لن َْفسه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بمعنى أنهها ليست ناقة عاديهة‪ ،‬وإنما هي معجزة من هللا‪ ،‬وأ ْ‬
‫صدَر هللا ْ‬
‫أمرَه إلى‬
‫المساس بال هناقة أو إيذائِها أو ق ْتلها‪ ،‬أ َمرَهم أن يتركوها تأكل في أرض هللا‪،‬‬
‫َ‬ ‫أن يَأمر قومَه بعدم‬ ‫صالِح ْ‬
‫وحذرهم أنهم إذا مدوا أيديهم باْلذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب‬ ‫ه‬ ‫َسوها بسوء‪،‬‬‫‪.‬وأَل ه يم ُّ‬

‫دهشة ثمود حين ُولِدت الناقة من صخور الجبل‪ ،‬كانت ناقة مبارَكة‪ ،‬كان لبَ ُنها‬ ‫َت ْ‬ ‫في البداية تعاظم ْ‬
‫ه‬
‫حا أنها ليست مج هرد ناقة عادية‪ ،‬وإنما هي آية من هللا‪،‬‬‫يكفي آَلف الرجال والنِساء واْلطفال‪ ،‬كان واض ً‬
‫وعاشت الناقة بين قوم صالح‪ ،‬آمَن منهم مَن آمن‪ ،‬وبَقِي أغلبهم على العناد والكفر؛ وذلك ه‬
‫ْلن الك هفار‬
‫ْ‬
‫صدقِه واإليمان به‪ ،‬وإنما لتحدِيه وإظهار‬ ‫يطلُبون من ِ‬
‫نبيهم آية‪ ،‬ليس ْلنههم يريدون التأكد من‬ ‫عندما ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫‪.‬عجزِه أمام البشر‪ ،‬لكن هللا كان يَخذلهم بتأييد أنبيائه بمعجزات من عنده‬

‫كان صالِح ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬يحدِث قومه برِ ْفق وحبٍ ‪ -‬أخلق اْلنبياء وسالِكي د ْربِهم من الدعاة‬
‫أخرَج لهم معجزة هي الناقة؛ دليلً على‬ ‫وحدَه‪ ،‬وينبِههم إلى ه‬
‫أن هللا قد ْ‬ ‫‪ -‬وهو يَدعوهم إلى عبادة هللا ْ‬
‫دعوته‪ ،‬وهو يرجو منهم أن يَتركوا الناقة تأكل في أرض هللا‪ ،‬وكل اْلرض أرض هللا‪،‬‬ ‫وبين ًة على ْ‬ ‫صدقه ِ‬
‫ذكرَهم بإنعام هللا عليهم‪ :‬بأنهه‬ ‫سوء؛ خشية وقوع عذاب هللا عليهم‪ ،‬كما ه‬ ‫وهو يحذِرهم أن يمسوها بِ ُ‬
‫حوتة وال هنعيم والرِزق والقوة‪،‬‬ ‫م عليهم بالقصور والجبال الم ْن ُ‬ ‫جعلهم خلفا َء مِن بعد قوم عاد‪ ،‬وأ ْن َع َ‬
‫ل استخفاف وازدراء‬ ‫ه‬
‫لكن قومه تَجاوزوا كلماتِه وترَكوه‪ ،‬واتهجهوا إلى الذين آمنوا بصالح‪ ،‬يَسألونهم سؤا َ‬ ‫‪ :‬ه‬
‫َت بصالح‬ ‫ه‬
‫ه ﴾ [اْلعراف‪]75 :‬؟! قالت الفئة الضعِيفة التي آمن ْ‬ ‫ِن رَبِ ِ‬ ‫حا ُمر َ‬
‫ْسل م ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ون أن صَالِ ً‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫﴿ إِنها ‪ ﴿:‬أتَ ْعل ُ‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ذينَ ْ‬
‫استَكبَ ُروا إِنا بِالذِي‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫خ َذت الذين كفروا الع هزة باإلثم‪َ ﴿ ،‬قا َ‬ ‫ون ﴾ [اْلعراف‪ ،]75 :‬فأ َ‬ ‫ه ُم ْؤ ِم ُن َ‬ ‫ُ‬
‫ل ال ِ‬ ‫ل بِ ِ‬‫س َ‬‫بِمَا أ ْر ِ‬
‫ون ﴾ [اْلعراف‪ ،]76 :‬هكذا باحتقار واستعلء وغضب‬ ‫ه َكافِ ُر َ‬
‫م بِ ِ‬ ‫‪.‬آ َم ْن ُت ْ‬

‫صر وفي‬ ‫كل ع ْ‬


‫يل في ِ‬ ‫سج بِلَ ٍ‬‫وأهلِه! وما أكث َر المؤامرات التي تُ ْن َ‬
‫ْ‬ ‫وما أكث َر الجلسات التي تُ ْع َقد لإلسلم‬
‫إلزاحة الدِين وإ ْذَلل أهله! وما أكث َر القرارات التي تَخرج من مطابخ اْلشرار والفاسدين لِقهر‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫كل مصر؛ ِ‬
‫البلد والعباد‪ ،‬تح هولَت الكراهية عن سيدنا صالح إلى الناقة المباركة‪ ،‬وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها‬
‫‪.‬ض هد الناقة‪َ ،‬ك ِره الكافرون هذه اْلية العظيمة‪ ،‬ودبه ُروا في أنفسهم أمرًا‬

‫وفي إحدى اللهيالي‪ ،‬ا ْن َعقدت جلسة لكبار القوم‪ ،‬أصبح من المألوف ْ‬
‫أن نَرى ه‬
‫أن في قصص اْلنبياء هذه‬
‫دعوته‪ ،‬تأتي من ُر َؤساء القوم؛ فهم مَن يخافون على‬
‫ضاء على النبي أو معجزاته أو ْ‬ ‫ال هتدابي َر للق َ‬
‫ُ‬
‫ح ْول الناس للتوحيد‪ ،‬ومِن خشيتهم إلى خشية هللا ْ‬
‫وحدَه‬ ‫ْ‬
‫‪.‬مصالحهم إن ت َ‬

‫إل ْنهاء دعوة صالح‪ ،‬فأشار عليهم واحد منهم ب َق ْتل‬ ‫خذ رؤساء القوم يتشاورون فيما َيجِب القيام به ِ‬ ‫أ َ‬
‫كل زمان ومكان‪ ،‬ي َْعمدون إلى‬ ‫في‬ ‫َرة‬ ‫ف‬‫ك‬‫َ‬ ‫وال‬ ‫مة‬‫َ‬ ‫ل‬‫نفسِه‪ ،‬وهذا هو سِلح الظه‬ ‫ْ‬ ‫صالح‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫ق‬ ‫ه‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫و‬ ‫الناقة‪،‬‬
‫ِ‬
‫بالحجَج والبراهين؛ ْلنههم ي َْعلمون ه‬
‫أن الحق ي َْعلو وَل ُيعلَى عليه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الق هوة والسِلح بدل الحوار والنِقاش‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ومهما امت هد بهم الزمان سيَظهر الحَق وي ْبطِل كل حججِهم‪ ،‬وهم َل يريدون أن يَصِلوا إلى هذه المرحلة‪،‬‬
‫أن تَ ْقوى شوك ُته‪ ،‬إنههم يخافون على إهدار مصالحهم‪ ،‬فهم يفعلون أ ه‬
‫ي‬ ‫ل ْ‬ ‫وق هرروا القضاء على الحقِ قب َ‬
‫أجل أن تَبْقى مصالحهم‬ ‫!شيء ولو القتل؛ من ْ‬

‫المساس بال هناقة‪ ،‬وه هددَنا بالعذاب القريب‪ ،‬فقال أحدهم سري ًعا قبْل‬
‫َ‬ ‫لكن أحدَهم قال‪ :‬ه‬
‫حذرَنا صالح من‬ ‫ه‬
‫ِسعة‬‫أع ِرف مَن يَجرؤ على ق ْتل الناقة‪ ،‬ووقع اَلختيار على ت ْ‬‫كلم مَن سبَقه على عقول القوم‪ْ :‬‬
‫ُ‬ ‫أن يؤثِر‬
‫‪.‬مِن جبَابِرَة القوم‪ ،‬وكانوا رجاَل ً يَعِيثون الفسا َد في اْلرض‪ ،‬الويل لمن يعترضهم‬

‫‪:‬هؤالء هم أداة الجريمة‬


‫بن‬ ‫ُ‬
‫ابنة المحيا ِ‬ ‫حداهما‪ :‬صدوق‬ ‫اسم إِ ْ‬ ‫امرأتين من ثمود‪ْ ،‬‬ ‫ابن ج َِرير وغيره من علماء المفسِرين‪ :‬ه‬
‫أن ْ‬ ‫ذ َكر ُ‬
‫عم لها‬
‫ٍ‬ ‫ابنَ‬ ‫ت‬‫ع‬‫َ‬ ‫َ‬
‫د‬ ‫ف‬ ‫ففارقته‪،‬‬ ‫م‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫أس‬ ‫ن‬‫م‬‫ه‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫رجل‬ ‫تحت‬ ‫وكانت‬ ‫ومال‪،‬‬ ‫ب‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫حس‬ ‫َ‬
‫ذات‬ ‫وكانت‬ ‫المختار‪،‬‬ ‫بن‬ ‫ُز َ‬
‫هير ِ‬
‫إن هو ع َق َر الناقة‪ ،‬واسم اْلخرى‪ :‬عنيزة‬‫سها ْ‬ ‫ضت عليه ْ‬
‫نف َ‬ ‫بن المحيا ‪ -‬وع َر َ‬
‫بن مهرج ِ‬ ‫‪ُ -‬يقال له‪ :‬مصرع ُ‬
‫د‬ ‫م عثمان‪ ،‬وكانت عجو ًزا كافرة‪ ،‬لها بنات من زوجها ُذ َؤاب بن عمرو‪ ،‬أ َ‬
‫ح ِ‬ ‫وتكنَى أ ه‬‫ْ‬ ‫بن مجلز‪،‬‬ ‫ُ‬
‫بنت غنيم ِ‬
‫إن هو ع َق َر الناقة فلَه أي بناتها شاء‬
‫ضت بناتِها اْلربع على قدار بن سالف؛ ْ‬ ‫ُّ‬
‫‪.‬الرؤساء‪ ،‬فع َر َ‬

‫وس َعوا في قومهم بذلك‪ ،‬فاستجاب لهم سبعة آخرون‪ ،‬فصاروا ْ‬


‫تسعة‪،‬‬ ‫فان ُتدِب هذان الشابهان لِ َع ْقرها‪َ ،‬‬
‫ْ‬ ‫ِح َ‬
‫ون ﴾ ‪ -:‬وهم المَذكورون في قوله ‪ -‬تعالى‬ ‫ْض و َََل ُي ْ‬
‫صل ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِد َ‬
‫ط ُي ْفس ُ‬ ‫ِس َع ُة ر ْ‬
‫ةت ْ‬
‫مدِي َن ِ‬ ‫ان فِي ْ‬
‫ال َ‬ ‫﴿ َو َك َ‬
‫ون فِي اْلر ِ‬ ‫َه ٍ‬
‫‪].‬النمل‪[48 :‬‬

‫ج ِرمون على موعد الجريمة ومكان ال هت ْنفيذ‪ ،‬وفي اللهيلة المح هددة‪ ،‬وبينما كانت ال هناقة المبارَكة‬ ‫م ْ‬‫واتهفق ال ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫سلم‪ ،‬انتهى المجرِمون التِسعة من إعداد أسلحتهم وسيوفهم وسهامهم‪َ ،‬لِرْتكاب الجريمة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫تنام في َ‬
‫ها ﴾ [الشمس‪ ،]12 :‬امتدت اْليدي‬ ‫ث أَ ْ‬
‫ش َقا َ‬ ‫ضت الناقة مفزوعة ﴿ إِ ِذ ا ْنبَ َع َ‬
‫م الرجال على الناقة‪ ،‬فن َه َ‬ ‫ج َ‬
‫ه َ‬
‫‪.‬اْلثِمة القاتلة إليها‪ ،‬وسالت دماؤها‬

‫‪:‬المصير المحتوم‬
‫ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟ قالوا‪: :‬علم النبي صالح بما حدث فخرج غاضبًا على قومه‪ ،‬قال لهم‬
‫المرسلِين؟ قال صالح لقومه‬ ‫َ‬ ‫ل‪ :‬إنهك من‬ ‫ائتِنا بالعذاب واستعج ِْله‪ ،‬ألَم ُ‬
‫تق ْ‬ ‫م هت ُعوا فِي دَارِ ُك ْ‬
‫م ‪:‬قتلناها‪َ ،‬ف ْ‬ ‫﴿ تَ َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك وَعد غ ْي ُر مَكذوبٍ ﴾‬ ‫َ‬
‫م ذل ِ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪].‬هود‪[65 :‬ثلثة أيا ٍ‬

‫ت ثلثة‬‫عده هللا بهلكهم بعد ثلثة أيام‪ ،‬وم هر ْ‬ ‫بعدها غادَر صالِح قومه‪ ،‬ت َر َكهم ومضى‪ ،‬انتهى اْلمر و َو َ‬
‫انش هقت‬
‫َ‬ ‫فج ِر اليوم ال هرابع‪:‬‬
‫أيام على الكافرين من قوم صالِح وهم ي َْهزؤون من العذاب ويَنتظرون‪ ،‬وفي ْ‬
‫كل شيء حي‬ ‫ضت الصيحة على الجبال‪ ،‬فهَلَك فيها ُّ‬ ‫‪.‬السماء عن ص ْيحة جبهارة واحدة‪ ،‬ان َق ه‬

‫صعِقوا جمي ًعا صعقة‬ ‫خ ُرها يَجِيء ح هتى كان ك هفار قوم صالح قد ُ‬ ‫كد أ هولَها يَبدأ وآ ِ‬ ‫هي صرخة واحدة‪ ،‬لم يَ َ‬
‫يد ِركوا ما حدث‪،‬‬ ‫َ‬
‫هد ب َع ْينه‪ ،‬هلكوا جمي ًعا قبْل أن ْ‬ ‫واحدة؛ الذي َذبَح بيده‪ ،‬والذي أمَر بلسانه‪ ،‬والذي شا َ‬
‫ها ﴾ [الشمس‪ ،]14 :‬تابع عليهم ربُّهم بالعذاب‪،‬‬ ‫م َف َ‬
‫س هوا َ‬ ‫م رَبُّ ُه ْ‬
‫م بِ َذ ْن ِب ِ‬
‫ه ْ‬ ‫علَ ْي ِ‬
‫ه ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك هذ ُبو ُه َف َع َق ُرو َ‬
‫ها َفد َْم َد َ‬ ‫﴿ َف َ‬
‫أطبَق عليهم فلم ُي ْفلِت منهم أحد‪ ،‬أصبحوا ك َهشِيم المحتظر‪ ،‬لم يَ ُعد لهم أثر‪ ،‬لم يعد لهم جَماد‪ ،‬لم‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫سواها ﴾‬‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫هم ف َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫هم رَبهم بِذنبِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م علي ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يعد لهم إنسان‪ ،‬لم يعد لهم حيوان‪ ،‬لم يعد لهم منزل‪ ﴿ ،‬فدَم َد َ‬ ‫ُ‬
‫َت أيديهم‪ ،‬أ هما الذين آمنوا بسيدنا‬ ‫[الشمس‪ ]14 :‬س هوى بهم اْلرض؛ ذلك بذنبهم وبِمَكرهم‪ ،‬وبما جن ْ‬
‫‪.‬صالح‪ ،‬فكانوا قد غادروا المكان مع نبيِهم ونَجَوا‬

‫‪:‬توابع الزلزال والعقاب‬


‫ون ‪ -:‬وقوله ‪ -‬تعالى‬ ‫ِن ََل تُحِبُّ َ‬
‫م وَلَك ْ‬‫ت لَ ُك ْ‬
‫َح ُ‬
‫ة رَبِي َونَص ْ‬ ‫سالَ َ‬‫م ِر َ‬ ‫م لَ َق ْد أَ ْبلَ ْغ ُت ُك ْ‬ ‫ل يَا َق ْو ِ‬‫م َو َقا َ‬ ‫ع ْن ُه ْ‬‫﴿ َف َتوَلهى َ‬
‫خذ‬‫إخبار عن صالح ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬أنهه خاطَبَ قومه بعد هلكهم‪ ،‬وقد أ َ‬ ‫حينَ ﴾ [اْلعراف‪ْ ]79 :‬‬ ‫ص ِ‬ ‫ال هنا ِ‬
‫ً‬ ‫ه‬
‫سالة رَبِي َونَصَحت لكم ﴾ ‪:‬في الذهاب عن مَحلتِهم إلى غيرها قائل لهم‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م لقد أبلغتكم رِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫﴿ يَا قو ِ‬
‫ِن ََل تُحِبُّ َ‬
‫ون‬ ‫وحرصت على ذلك بقولي وف ِْعلي ونيهتِي‪ ﴿ ،‬وَلَك ْ‬ ‫ُ‬ ‫كنني‪،‬‬ ‫أم َ‬ ‫اجتهدت في هدايتكم بكل ما ْ‬ ‫ُ‬
‫ص ْرتُم إلى ما أنتم فيه من العذاب‬ ‫تقبَل الحق‪ ،‬وَل تريده؛ فلهذا ِ‬ ‫أي‪ :‬لم تكن سجَاياكم ْ‬ ‫حينَ ﴾؛ ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫ال هنا ِ‬
‫اْلليم‪ ،‬المستم ِِر بكم‪ ،‬المتصل إلى اْلبد‪ ،‬وليس لي فيكم حيلة‪ ،‬وَل لي بال هد ْفع عنكم يدَان‪ ،‬والذي‬
‫ولكن هللا يفعل ما يريد‬ ‫ه‬ ‫ي من أداء الرسالة‪ ،‬والنصح لكم‪ ،‬قد فعلته وب َذ ْل ُته لكم‪،‬‬ ‫‪.‬وجب عل ه‬

‫عن ابن عمر قال‪ :‬لما نزَل رسول هللا ‪ -‬صلهى هللا عليه وسلهم ‪ -‬بالناس على تبوك‪ ،‬نزَل بهم الح ْ‬
‫ِج َر عند‬
‫ُ‬
‫الناس من اْلبار التي كانت تَشرب منها ثمود‪ ،‬ف َعجَنوا منها‪ ،‬ونَصبوا القدور‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فاستَقى‬ ‫ْ‬ ‫بيوت ثمود‪،‬‬
‫علَفوا ال َعجِين اإلبل‪ ،‬ثم ا ْرتَحل بهم ح هتى نزَل بهم على البئر التي‬ ‫فأ َمرَهم رسول هللا فأَ ْ‬
‫هرَاقوا القدور‪ ،‬و َ‬
‫كانت تشرب منها الناقة‪ ،‬ونَهاهم أن يَدخلوا على القوم الذين ُعذِبوا‪ ،‬فقال‪(( :‬إني أخشى أن يصيبكم‬
‫ل ما أصابَهم‪ ،‬فل تَدخلوا عليهم))‬ ‫‪.‬م ْث ُ‬

‫عن عبد هللا بن عمر قال‪ :‬قال رسول هللا ‪ -‬صلهى هللا عليه وسلهم ‪ -‬وهو بالح ْ‬
‫ِجر‪َ(( :‬ل تدخلوا على‬
‫ُ‬
‫مثل ما‬ ‫فإن لم تَ ُكونوا باكين فل تَدخلوا عليهم؛ أن ُيصِيبكم‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫المعذبِين‪ ،‬إَل ه أن تكونوا باكِين‪،‬‬
‫ه‬ ‫هؤَلء‬
‫‪".‬الصحيحين" أصابهم))؛ أخرجاه في‬

‫رأسه‪ ،‬وأسرع راحلته‪ ،‬ونَهى عن دخول‬


‫َ‬ ‫الروايات‪ :‬أنهه ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬لما َم هر بمنازلهم‪َ ،‬ق هنع‬
‫وفي بعض ِ‬
‫منازلهم‪ ،‬إَل ه أن تكونوا باكين‪ ،‬وفي رواية‪(( :‬فإن لم تبْكوا فتبَاكوا؛ خشية أن يصيبكم مثل ما أصابهم))‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪.‬صلوات هللا وسلمه عليه‬

‫أن قوم صالح كانت أعما ُرهم‬ ‫غضِب هللا عليهم‪ ،‬وقد ُذكِر ه‬‫خر‪ :‬ما تَ ْدخلون على ق ْوم َ‬‫وقال في حديث آ َ‬
‫مدَر‪ ،‬فت ْ‬
‫َخ ُرب قبْل موت الواحد منهم‪ ،‬ف َنحَتوا لهم بيوتًا في الجبال‬ ‫‪.‬طويلة‪ ،‬فكانوا يَبنون البيوت من ال َ‬
‫ما سألوه آية‪ ،‬فأخرج هللا لهم الناقة من الصخرة‪ ،‬أ َمرَهم بها وبالولد‬‫حا ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬لَ ه‬ ‫و َذ َكروا ه‬
‫أن صال ً‬
‫بسوء‪ ،‬وأخبَرهم أنهم سي َْعقرونها‪ ،‬ويكون سببَ‬ ‫إن هم نالُوها ُ‬
‫بأس هللا ْ‬ ‫وحذرهم ْ‬
‫ه‬ ‫الذي كان في جوفها‪،‬‬
‫‪.‬هلكهم ذلك‬

‫‪:‬التحايل على شرع هللا كان سبب في هالك ثمود بعد الهداية‬
‫ن بِمَا َكانُوا ي َْك ِ‬
‫س ُب َ‬
‫ون ﴾‬ ‫ع َق ُة ْال َع َذابِ ْ‬
‫ال ُهو ِ‬ ‫م صَا ِ‬ ‫ال ُهدَى َفأَ َ‬
‫خ َذ ْت ُه ْ‬ ‫علَى ْ‬ ‫اس َتحَبُّوا ْ‬
‫ال َعمَى َ‬ ‫م َف ْ‬ ‫﴿ وَأَ هما ثَ ُ‬
‫مو ُد َف َه َد ْين ُ‬
‫َاه ْ‬
‫ه‬
‫أخ َذ عزيز مق َتدِر إَل ما َرحِم‬ ‫خذ ْ‬ ‫ل ‪ -‬سي ْؤ َ‬ ‫كل مَن يتحايل على شرْع هللا ‪ -‬ع هز وج ه‬ ‫[فصلت‪ ،]17 :‬وهكذا ُّ‬
‫!ربِي‬

‫الشرْع وعارضوا الدِين‬ ‫ه‬ ‫وما أكث َر الذين أُ ْعطُوا هدايا !ما أكث َر الذين حازوا النياشين ْلنههم تحايلوا على‬
‫رب العالمين! أين هم من هذه اْليات؟! قال ‪ -‬تعالى‬ ‫ك ََل ‪ْ -:‬لنههم قالوا بغير ما أنزل هللا ُّ‬ ‫﴿ َف َل َورَبِ َ‬
‫ما َق َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫سلِي ً‬
‫ما ﴾‬ ‫موا تَ ْ‬‫سلِ ُ‬‫ت َو ُي َ‬‫ض ْي َ‬ ‫جا ِم ه‬ ‫ح َر ً‬‫م َ‬‫ِه ْ‬‫م ََل يَج ُِدوا فِي أ ْن ُفس ِ‬ ‫مث ه‬ ‫ج َر بَ ْين َُه ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ك فِيمَا َ‬ ‫مو َ‬‫ح هتى ُيحَكِ ُ‬ ‫ون َ‬
‫أي‪َ :‬ل يَجوز للمسلمين أن يخرجوا عن شريعة هللا‪ ،‬بل يَجب عليهم أن ُيحَكِموا شرع‬ ‫[النساء‪]65 :‬؛ ْ‬
‫هللا في كل شيء؛ فيما يتعلهق بالعبادات‪ ،‬وفيما يتعلق بالمعاملت‪ ،‬وفيما يتعلهق بالقوانين والدساتير‬
‫وْلن هللا ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يقول‬ ‫ه‬ ‫تعم الجميع‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫‪:‬والقرارات؛ في جَميع الشؤون الدِينية والدنيوية؛ لكونِها‬
‫م ُيوقِ ُنون ﴾ [المائدة‪ ]50 :‬ويقول‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما لِق ْو ٍ‬ ‫ح ْك ً‬ ‫ن ِمنَ ه ِ‬
‫َّللا ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫َن أَ ْ‬ ‫ون َوم ْ‬ ‫ة يَب ُْغ َ‬ ‫هلِيه ِ‬ ‫الجَا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ْك َ‬‫م ‪ ﴿:‬أَ َف ُ‬ ‫َن لَ ْ‬‫﴿ َوم ْ‬
‫ون ﴾‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م الكافِ ُر َ‬ ‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َّللا فأولئِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫م بِمَا أ ْن َز َ‬ ‫َحك ْ‬ ‫ُ‬ ‫م ]المائدة‪[44 :‬ي ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َّللا فأولئِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫م بِمَا أ ْن َز َ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫َحك ْ‬ ‫م ي ْ‬‫َن لَ ْ‬‫﴿ َوم ْ‬
‫م َ‬
‫ون ﴾‬ ‫ون ﴾ ]المائدة‪[45 :‬الظهالِ ُ‬ ‫ِق َ‬ ‫الفَاس ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬‫َّللا َف ُأولَئِ َ‬
‫ل هُ‬ ‫م بِمَا أَ ْن َز َ‬ ‫َح ُك ْ‬ ‫مي ْ‬ ‫َن لَ ْ‬ ‫‪].‬المائدة‪َ ﴿ ،[47 :‬وم ْ‬

‫ِن َ‬
‫شيْ ٍء‬ ‫هم ْ‬ ‫اختَلَ ْف ُت ْ‬
‫م فِي ِ‬ ‫الشؤون التي يتنازع فيها الناس ويختلفون فيها؛ ﴿ َومَا ْ‬ ‫ُّ‬ ‫فهذه اْليات عا همة لِجَميع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ُه إِلَى ه ِ‬‫ح ْك ُ‬
‫﴿ َف َل ‪َ -:‬ف ُ‬
‫ه أنِيب ﴾ [الشورى‪ ،]10 :‬ولهذا قال ‪ -‬سبحانه‬ ‫ه تَوَكلت وَإِلي ِ‬‫علي ِ‬ ‫َّللا رَبِي َ‬
‫َّللا ذلِكم ُ‬
‫ك ﴾؛ يعني محم ًدا‬ ‫مو َ‬ ‫حتى ُيحَكِ ُ‬ ‫ه‬ ‫ون ﴾ [النساء‪]65 :‬يعني الناس من المسلمين وغيرهم ﴿ َ‬ ‫ك ََل ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫َورَبِ َ‬
‫وتحكِيم س هنتِه بعد‬‫ْ‬ ‫‪ -‬صلهى هللا عليه وسلم ‪ -‬وذلك بتحكيمه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬حال حياته‪،‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫م ﴾ [النساء‪]65 :‬‬ ‫ج َر بَ ْين َُه ْ‬ ‫وفاته‪ ،‬فالتحكيم لسنته هو التحكيم لِمَا أُ ْن ِزل من القرآن والسنة ﴿ فِيمَا َ‬
‫ش َ‬
‫ه‬
‫أن يحكِموا القرآن الكريم‪ ،‬والرسول ‪ -‬صلى هللا عليه‬ ‫أي‪ :‬فيما تنازعوا فيه‪ ،‬هذا هو الواجب عليهم‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫وسلم ‪ -‬في حياته‪ ،‬وبعد وفاته باتِباع سنته التي هي بيان للقرآن الكريم‪ ،‬وتفسير له‪ ،‬ودَللة على‬ ‫ه‬
‫‪.‬معانيه‬

‫ما َق َ‬ ‫َ‬ ‫﴿ ثُ ه‬
‫ما ﴾ [النساء‪ -: ]65 :‬أما قوله ‪ -‬سبحانه‬ ‫سلِي ً‬ ‫سلِ ُ‬
‫موا تَ ْ‬ ‫ت َو ُي َ‬
‫ض ْي َ‬ ‫جا ِم ه‬‫ح َر ً‬
‫م َ‬ ‫م ََل َيج ُِدوا فِي أ ْن ُفس ِ‬
‫ِه ْ‬
‫حكمه ‪ -‬عليه الصلة‬ ‫ضى بِ ُ‬ ‫ِحكمه‪ ،‬وأَل يَبقى في صدروهم حرَج م ه‬
‫ما ق َ‬ ‫ه‬ ‫صدو ُرهم ل ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫تنش ِرح‬ ‫أي‪ :‬يَجِب أن‬ ‫ْ‬
‫سليم له‬ ‫ل ‪ -‬فالواجب ال هت ْ‬ ‫ح ْكمه هو الحق الذي َل َر ْيب فيه‪ ،‬وهو حكم هللا ‪ -‬ع هز وج ه‬ ‫ه‬
‫ْلن ُ‬ ‫والسلم ‪-‬‬
‫حكم هللا‪ ،‬واطمئنانًا‬
‫ضا بِ ُ‬‫ما كاملً؛ ر ً‬
‫َم الحرج‪ ،‬بل عليهم أن يسلِموا لِ َذلك تسلي ً‬ ‫ص ْدر بذلك‪ ،‬وعد ُ‬ ‫وانشراح ال ه‬
‫‪.‬إليه‬

‫عاوى وخصومات‪ ،‬سواء كانت متعلِق ًة‬ ‫هذا هو الواجب على جَميع المسلمين فيما شجَر بينهم من د َ‬
‫أم بغيرها من شؤونهم‬ ‫أم باْلموال‪ ،‬أم باْلَ ْنكحة أم الطلق‪ْ ،‬‬ ‫‪.‬بالعبادات ْ‬
‫عم أنهه يجوز الحكم بغيره‪ ،‬أو‬ ‫خر غير ْ‬
‫حكم هللا‪ ،‬فمَن ز َ‬ ‫وهنا يَنتفي اإليمان باهلل ورسوله إذا ساد حكم آ َ‬
‫ض َعها الرجال‬ ‫قال‪ :‬إنهه يجوز أن يتَحاكم الناس إلى اْلباء أو إلى اْلجداد أو إلى القوانين ال َو ْ‬
‫ضيعة التي و َ‬
‫ه‬
‫‪ -.‬قال العلماء برِدته‬
‫أن‬‫أفضل‪ ،‬أو رأى ه‬ ‫حكِم كان أفضل‪ ،‬أو رأى ه‬
‫أن القانون ْ‬ ‫ولكن لو ُ‬
‫ْ‬ ‫تحكيمه‪،‬‬ ‫فمَن رأى ه‬
‫أن شرْع هللا َل يَجِب ْ‬
‫م هللا ‪ -‬فهو كذلك‬ ‫ْ‬
‫ساوي حك َ‬
‫ِ‬ ‫‪.‬القانون ُي‬

‫‪:‬وهي ثلثة أنواع‬


‫ولكن َل مانع من تحكيم غير الشرع ‪:‬ال هن ْوع اْلول‬
‫ْ‬ ‫‪.‬أن يقول‪ :‬ه‬
‫إن الشرع أفضل‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫‪.‬أن يقول‪ :‬إن الشرع والقانون سواء‪ ،‬وَل فرق ‪:‬الن ْوع الثاني‬
‫كفر ورِ هدة عن ‪:‬النوع الثالث‬‫الشرْع‪ ،‬وهذا أقبح الثلثة‪ ،‬وكلُّها ْ‬
‫ه‬ ‫إن القانون أفضل وأَ ْولَى من‬
‫أن يقول‪ :‬ه‬
‫ْ‬
‫‪.‬اإلسلم‬

‫ِف شرع‬ ‫غيرها ِم ه‬


‫ما يخال ُ‬ ‫ِ‬ ‫أ هما الذي يرَى ه‬
‫أن الواجب تحكيم شرع هللا‪ ،‬وأنهه َل يَجوز تحكيم القوانين وَل‬
‫هللا‪ ،‬ولك هنه قد يَحكم بغير ما أنزل هللا؛ لِ َهوى في نفسه ضد المحكوم عليه‪ ،‬أو لِرِشوة‪ ،‬أو ْلمور سياسية‪،‬‬
‫ه‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫أو ما أشبه ذلك من اْلسباب‪ ،‬وهو ي َْعلم أنه ظالِم ومخطِئ‪ ،‬ومخالِف للشرع ‪ -‬فهذا يكون ناقصَ اإليمان‪،‬‬
‫‪.‬وقد انتفى في حقِه كمال اإليمان الواجب‬
‫السمَا ِء‬ ‫ه‬ ‫اس َتوَى إِلَى‬ ‫م ْ‬ ‫جمِي ًعا ثُ ه‬ ‫ْض َ‬ ‫م مَا فِي ْ َ‬
‫اْلر ِ‬ ‫ق لَ ُك ْ‬
‫خل َ َ‬ ‫ه َو الهذِي َ‬ ‫فإن هللا هو الذي خلق؛ ﴿ ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫وبعد‪،‬‬
‫السمَاوَاتِ‬ ‫ه‬ ‫ك‬‫ََّلل ُم ْل ُ‬
‫علِيم ﴾ [البقرة‪ ،]29 :‬وهو الذي ملك؛ ﴿ و ِ ه ِ‬ ‫شيْ ٍء َ‬ ‫ل َ‬ ‫َه َو بِ ُ‬
‫ك‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫ت‬
‫ٍ‬ ‫َا‬
‫و‬ ‫َا‬ ‫م‬‫س‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ه‬
‫ن‬ ‫اه‬‫ُ‬ ‫و‬‫ه‬ ‫س‬ ‫َف َ‬
‫ِ‬
‫ْض إِ هَل‬ ‫ر‬ ‫اْلَ‬
‫ْ‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ة‬
‫ٍ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫َا‬
‫د‬ ‫ْ‬
‫ِن‬ ‫م‬ ‫َا‬‫م‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫﴿‬ ‫رزق؛‬ ‫الذي‬ ‫وهو‬ ‫]‪،‬‬ ‫‪189‬‬ ‫عمران‪:‬‬ ‫[آل‬ ‫﴾‬ ‫ِير‬
‫د‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ء‬
‫ٍ‬ ‫ش‬
‫ِ يْ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ع‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫ََّللا‬ ‫و‬ ‫ْض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫و ْ‬
‫َاْل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين ﴾‬‫‪].‬هود‪[6 :‬على َّللا رِزقهَا َويَعلم مس َتقرها َومس َتو َدعهَا كل فِي كِتَابٍ مبِ ٍ‬

‫إ ًذا؛ َل ب هد أن ُي َعاد الحكم هلل‪ ،‬وَل ب هد أن يُّعاد اْلمر هلل‪ ،‬بل َل ب هد أن ترجع كل اْلمور هلل حتى تستقيم‬
‫ذب ْ‬
‫َت‬ ‫ك َف َق ْد ُك ِ‬‫ذ ُبو َ‬‫ك ِ‬ ‫الحياة‪ ،‬وتطيب الدنيا‪ ،‬ونصل في اْلخرة إلى سفينة النجاة‪ ،‬حتى وإن كذبوا؛ ﴿ وَإِ ْن ُي َ‬
‫َّلل ﴾ [آل عمران‪:‬‬ ‫اْلَ ْم َر ُكله ُه ِ ه ِ‬
‫ن ْ‬‫ل إِ ه‬ ‫اْلُ ُمو ُر ﴾ [فاطر‪ ،]4 :‬وصدق هللا ﴿ ُق ْ‬ ‫َع ْ‬ ‫ك وَإِلَى ه ِ‬
‫َّللا تُ ْرج ُ‬ ‫ِن َق ْبلِ َ‬
‫سل م ْ‬ ‫ُر ُ‬
‫اْل ُمو ُر ﴾ [آل عمران‪،]109 :‬‬ ‫ُ‬ ‫َع ْ‬ ‫ْض وَإِلَى ه ِ‬
‫َّللا تُ ْرج ُ‬ ‫ر‬‫اْلَ‬
‫ْ‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫َا‬
‫م‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫َا‬
‫و‬ ‫َا‬
‫م‬ ‫ه‬
‫الس‬ ‫ِي‬ ‫ف‬ ‫َا‬
‫م‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫ََّلل‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫﴿‬ ‫هللا‬ ‫وصدق‬ ‫]‪،‬‬ ‫‪154‬‬
‫ِ‬
‫ن َفي َُك ُ‬
‫ون ﴾‬ ‫ول لَ ُه ُك ْ‬ ‫ضى أَ ْمرًا َفإِنهمَا ي َُق ُ‬ ‫‪].‬آل عمران‪[47 :‬سبحانه ﴿ إِ َذا َق َ‬

‫م ا ْر ُزقنا اإلخلص في القول‬ ‫ويذل فيه أهل معصيتك‪ ،‬اللهه ه‬‫ُّ‬ ‫رشد ُي َع ُّز فيه ْ‬
‫أه ُ‬
‫ل طاعتك‪،‬‬ ‫أم َر ْ‬ ‫اللههم ْ‬
‫اهدنا ْ‬
‫ْ‬
‫همِنا وَل مبْلَغ عِلمِنا‬ ‫ُّ‬
‫جعل الدنيا أكبر َ‬ ‫‪.‬والعمل‪ ،‬وَل تَ ْ‬

‫رب العالمين‬ ‫ْ‬


‫والحمد هلل ِ‬ ‫سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪.‬وصل اللهم على‬
‫ِ‬

You might also like