Professional Documents
Culture Documents
9
9
ال َعالَ ِ
مينَ ﴾ َّللا ر ُّ
ك هُ َاْلَ ْم ُر تَبَا َر َ
قو ْ ﴿ أَ ََل لَ ُه ْال َ
خ ْل ُ
م لَ َعله ُك ْ
م ِن َق ْبل ُِك ْ ذينَ م ْ م وَاله ِ م الهذِي َ
خلَ َق ُك ْ اع ُب ُدوا َربه ُك ُ
اس ْ ل -خلق الخلق بقدرته؛ ﴿ يَا أَيُّهَا ال هن ُ
هللا -ع هز وج ه
َ ْ
جمِيعا ثم اس َتوَى إِلى ه ُ ً َ ْ ْ ُ َ َ َ َ ه ُ
ون ﴾ [البقرة ،]21 :وصنَع الكون بحكمته؛ ﴿ ه َو الذِي خلق لكم مَا فِي اْلرْضِ َ تَ هت ُق َ
شيْ ٍء َ ل َ ُ ُ س ْب َ ه ُ ه َ ه
علِيم ﴾ سمَاوَاتٍ وَه َو بِك ِ ع َ سواهن َ ].البقرة[29 :السمَا ِء ف َ
ص ُّد عن سبيل ثم بعد ذلك تَجِد من يغيِر شرع هللا ،ومَن يعاند منهج هللا ،ومن يعارض أوامر هللا ،ومن ي ُ
وكل يوم يغيهر فيه مِن شرْع هللا؛ قال هللا -تعالى ِ َّللا الهذِي -:هللا ،إنها مأساة! مأساة اليوم م هُ ن َربه ُك ُ﴿ إِ ه
َطلُ ُب ُه َ
حثِي ًثا ل ال هنهَا َر ي ْ ه
ْش ُي ْغشِي الل ْي َ علَى ْ م ثُ ه َ َ السمَاوَاتِ و ْ خل َ َ
ال َعر ِ اس َتوَى َ م ْ ة أيها ٍ س هت ِ
َاْلرْضَ فِي ِ ه ق َ
مينَ ﴾ ِ َ العَ ْ
ال ُّ
َب ر ُ ه
َّللا َ
ك ر
َ َا بَ ت ُ
ر ْ
م َ ْ
َاْل
و ُ
ق ْ
ل َ
خ ْ
ال ُ
ه َ ل َ
َل َ أ ه ر ْ
م
ٍ ِ ِ َِ أب تَا
ر ه
خ َ
س ُ
م َ
م و جُ ُّ
َالن و ر
َ َ
م َ
ق ْ
َال
و سَمْ ه
َالش و [ 54 اْلعراف: ].
المشرِكون والعلمانيون :له الخلق ولنا :فقال الشيوعيون والمادِيون ْ ْ
اْلمر ،وقال الخلق أوْ ليس له
ه
الشرْع خط أحمر ،والدِين أصل اْلمر َ ْ َ
.اْل ْمر! أ هما المؤمنون فقالوا :ن َعم ،له الخلق ،وله اْلمر،
َ
والمرسلين ،وأراد هللا - يحب قِبْلة أجداده السابقين من اْلنبياء ُّ محمد -صلهى هللا عليه وسلهم -كان
المرسل ،والرسول المؤ هدب ،لم
َ ه
لكن النبِ ه
ي القدس بعد الهجرة، ْ ص ْوب
ههم َ ع هز وج ه
ل -أن يحوِل وجو َ
ْ ه ه ْ ه ه
يشأ أن يقترح حتى مجرد اقتراح ،أو أن يَدعو حتى مجرد دعاء لتحويل القبلة ،وإنما كان يقلِب وجهَه َ
مو فريد ،وتواضع رفيع ،مع ربِه وخالقه ورازقه وس ُ .في السماء ،في أ َدبٍ جَمُ ،
ة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا ،وكان المسلِمون ي هتجِهون في صلتهم إلى بيت المقدس س هت َ ْ كان
مكة ،إلى الكعبة ،إلى البيت ح هول القبلة إلى ه سه أن تُ َ نف َ فقط يحدِث ْ ْ النبي -صلهى هللا عليه وسلهم -
َت قدَماه ،ومِن سمائه استقبل وحي الحرام ،إلى المكان الذي بلَغ فيه مَراتع الصِبا ،وعلى أرضه درج ْ
ً ُّ
وكعبة اْل همة ،كان النبي يقلِب وجهه في السماء؛ تأدبا مع ربِه ،وما
ْ ْ هللا ،إلى ر َْمز اْل همة ،وكرامة اْل همة،
ل أن يتأ هدب المخلوق مع خالقه في طلبَاته وفي رغباته! في حركاته وفي سكناته! في يسره أجم َ ْ
السمَا ِء !وعسره! في غناه وفقره! في صحته وسقمه! في قوته وضعفه ه ك فِي ه َ ِ ﴿ َق ْد نَرَى تَ َقلُّبَ و ْ
َج
ن ش ْ
ط َر ُه وَإِ ه م َ ه ُك ْ جو َم َفوَلُّوا ُو ُث مَا ُك ْن ُت ْ ح ْي ُ م َو َ حرَا ِ د ْ
ال َ َسجِ ِ ط َر ْالم ْ ش ْ ك ََج َه ََل و ْها َفو ِضا َك قِبْلَ ًة تَ ْر ََفلَ ُنوَلِيَ هن َ
ُ ع ه
ما ي َْعمَل َ م َومَا ه ُ ُّ ْ
ون أنه ُه الحَق م ْ َ ْ ُ
ذينَ أوتُوا الكِتَابَ لَي َْعلَ ُ ه
ون ﴾ ِل َ َّللا بِ َغاف ٍ ه ْ ِن رَبِ ِ م َ ].البقرة[144 :ال ِ
ْلن الدِين َل يتغيهر ،والشرع َل يتب هدل ،وهو لكن هل يَقترح؟ َل ،هل يَطلب؟ َل؛ ه ْ غب، كان النبي يحب وي ْر َ
ً ه ُّ
رسول هللا ومصطفاه ،وحبيبه وخليله ،فل يحب أب ًدا أن يَطلب منه تغييرًا في الشرع أو تبديل في الدِين، ُ
ِن من المرض ،كان المرض لك هنه كان يرغب أن يتح هول قِبَل الكعبة م ْثلَما كان أيُّوب -عليه السلم -يئ ُّ
ُّ َ
متأدبًا مع ربهَ ،ل يقترح عليه حتى مجرد الشِفاء؛ ﴿ وَأيوبَ إِ ْذ نَادَى َربه ُه ِ ل يوم ،لك هنه كان حا ك ه ْ
يذبَحه ذ ْب ً
أعلم ،والعبد عندما الضر وأنت يا ربِ به ْ ُّ مسنِيه مينَ ﴾ [اْلنبياء]83 : ح ِ َم ال هرا ِ ت أَ ْرح ُالض ُّر وَأَ ْن َ
ُّ ي
َ ن
ِ ه
َس م ِي أَن
يلبي طلباته ويحقِق رغباته ،هكذا اْلنبياء، فإن هللا يَهديه إلى مبتغاهِ ، ه يرجع إلى ربه يناديه ويخشاه،
همه ويحفَظون الدِين ويَحملون َ ْ ْ
صالحون المصلِحون ،الذين يبلِغون دَعوة هللا،ْ وكذا سال ُِكو َدرْب اْلنبياء ،ال ه
حسِيبًا ﴾ ه َ
َّللا َوكفَى بِ ِ
اَّلل َ َ ه ه َ َ
ش ْون أ َ
ح ًدا إَِل ْ َ ُ
ش ْونَه وََل يَخ َ ْ ِ ه
َّللا َويَخ َ ساَلتِ َ ون رِ َ ذينَ ُيبَل ُِغ َ المسلمين ﴿ ،اله ِ
].اْلحزاب[39 :
تغيير الدِين وتبديل الشرع ،والتحايل على أوامر هللا ،فأذا َقهم هللا ص ُن َ
وف العذاب في لكن أقوا ًما اقترحوا ْ
ه
نبيكم
ِ من أنتم كيف محمد ة ه
م أ يا مواَ ل ْ
تع لكي اْلخرة؛ في عقاب من َنتظرهم ي ما على ً
ة علو الدنيا،
!ومن شرْعة ربِكم ،ومن عظَمة دينكم؟
إن عيسى :قال بعض المفسِرين موها سألوا -هما أتَ ُّ
عليه السلم -أ َم َر الحواريِين بصيام ثلثين يو ًما ،فل ه
ه
ِن بذلك قلو ُبهم أن هللا - ل مائدة من السماء عليهم؛ لِيَأكلوا منها وتطمئ ه عِيسى -عليه السلم -إنزا َ
ولكن عيسى -عليه السلم - ه يفطِرون عليها يوم فِطرهم، تعالى -قد َق ِبل صيامَهم وتكون لهم عي ًدا ْ
أن يسأل لهم ذلك بش ْكرها ،فأبَ ْوا عليه إَل ه ْ
عظَهم في ذلك وخاف عليهم أَل ه يقوموا ُ .و َ
عليه السلم -يكشف عنها وهو يقول" :بسم هللا خير الرازقين" فإذا عليها من الطعام -فقام عيسى
ل ور همان وثمار ،ولها رائحة عظيمة خ ٌّ
-كما ُذكِر -سبعة من الحِيتان وسبْعة أرغفة ،وقيل" :كان عليها َ
جدا ،ثم أ َمرَهم عيسى -عليه السلم -باْلَ ْكل منها ،أمر -عليه السلم -الفقراء والمحتاجين ًّ
ْ
ضى وأصحاب العاهات -وكانوا قريبًا من اْللف وثلثمائة -أن يأكلوا من هذه المائدة ،فأكلوا منها، والم ْر َ
كل من به عاهة أو آفة أو مرض م ْزمِن ،واستغنى الفقراء وصاروا أغنياءَ ،فندم ال هناس الهذين لم ُّ فبَرَأ
َ ْ َ ه َ
يأكلوا منها لما رأوا من إصلح حال أولئك الذين أكلوا ،ثم صَعدَت المائدة وهم يَنظرون إليها حتى توارت
.عن أعينهم
فشق ذلك على كثير من الناس ،وتكلهم ه ثم أمر هللا -تعالى -أن يَقصرها على الفقراء دون اْلغنياء،
ُمناف ُِقوهم في ذلك ،ف ُرفِعت و ُمسخ الذين تكلهموا في ذلك من المنافقين خنازير؛ استجابة من هللا
ً
مسِخوا إلى خنازير لكن ما آمن إَل ه قليل ،أ هما الذين ه
كذبوا به ونافقوا فيه ف ُ ْ ْ
.للمق َترَح المشروط،
َّ
السبْت :أصحاب
َسكنون في قرية ساحليهة على ما يَبدو ،اختلف المفسِرون في ْ
اسمها ،ودار جماعة من اليهود ،كانوا ي ْ
َ
.حولها جدَل كثير
صة ْلَ ْ
خذ العبرة منها والعظة .أ هما القرآن الكريم ،فل يَذكر اَلسم ،ويكتفي بِ َعرض الق ه
كان اليهود َل يَعملون يوم السبت ،وإنما يت َف هرغون فيه لِ َعبادة هللا ،فقد فرَضَ هللا عليهم عدم اَل ْنشغال
أن يخصِص لهم يو ًما للراحة والعبادةَ ،ل عمَل الدنيا يوم السبت بعد أن طَلبوا منه -سبحانه ْ - بأ ُمور ُّ
سوَى الت َق ُّرب إلى هللا بأنواع العبادة المختلفة
.فيه ِ
للساحل ،وتترَاءى ْلهل القرية ،بحيث ه ل الحيتان تَأتي يوم السبت لْ -
بأن ج َع َ لقد ابتلهم هللا -ع هز وج ه
حيَل -على َسهل ص ْيدها ،ثم تَبتعد بقيهة أيهام اْلسبوع ،فا ْنهارت عزائم فرْقة من القوم ،واحتالوا ال ِ ي ْ
ُ
والحفَر، صطادوا السمك مباشرة ،وإنهما أقاموا الحواجزشيمة اليهود -وبدَؤوا بالصيد يوم السبت ،لم يَ ْ
دمَت الحيتان حاطوها يوم السبت ،ثم اصطادوها يوم اْلحد ،كان هذا اَلحتيال بمثابة ص ْيد ،وهو فإذا ق ِ
.مح هرم عليهم
أهل القرية لثلث فرق ،فرْقة عاصية ،تَصطاد بالحيلة ،وفرْقة َل تَعصي هللا ،وتقف موق ًفا إيجابيًّا
فانقسم ْ
مما يَحدث ،فت َْأمر بالمعروف وتنهى عن المكر ،وتحذِر المخالِفين من غضب هللا ،وفرقة ثالثة سلبيهةَ ،ل
.تَعصي هللا ،لك هنها َل تَنهى عن المنكر
كر وتقول لهم صحِكم لهؤَلء :وكانت الفرقة الثالثة تتَجادل مع الف هرقة الناهية عن الم ْن َ ما فائدة نُ ْ
ْ
لن يتوقفوا عن احتيالهم ،وسيصيبهم مِن هللا عذاب أليم بسبب أفعالهم ،فل فائدة من ه ال ُعصَاة؟ إنههم ْ
ضوا ميثاقه أم ِره ،ون َق ُ ﴿ َو َر َف ْعنَا :تَحذيرهم بعدما كتب هللا عليهم الهلك؛ َل ْنتهاكهم حرماتهْ ،
واعتدوا على ْ
م مِي َث ً
اقا خ ْذنَا ِم ْن ُه ْ الس ْبتِ َوأَ َ
ه ج ًدا و َُق ْلنَا لَ ُه ْ
م ََل تَ ْع ُدوا فِي س ه خلُوا ْ
البَابَ ُ م ا ْد ُ م الطُّو َر بِمِي َثاق ِِه ْ
م و َُق ْلنَا لَ ُه ُ َف ْو َق ُه ُ
ً َ
].النساء[154 :غلِيظا ﴾
اهون عن المنكر يجيبون يعرِف واجباته ،كان ال هن ُإنهنا نقوم بواجبنا في اْلمر :وبصرامة الم ْؤمِن الذي ْ
جة يوم القيامة ،وربهما تُفِيد هذه ون علينا ح ه ُ
بالمعروف وإنكار المنكر؛ لِ ُنرضِي هللا -سبحانه -وَل تك َ
رشدِهم ،ويتركون عصيانهم .الكلمات ،فيَ ُعودون إلى ْ
ُّ
النص القرآني عنها ،يقول ص هللا ،لك هنها لم تَ ْنه عن المنكر ،فقد س َ
ك َ
ت أ هما الفرقة الثالثة ،التي لم ْ
تع ِ
خذ بالعذاب -إ ْذ إنهها قعدت عن اإلنكار
سيد قطب -رحمه هللا " :-ربهما تَ ْهوي ًنا لشأنِها -وإن كانت لم ت ْؤ َِ
ِق العذاب"؛ في ظلل فاستحقت اإلهمال ،وإن لم تستح ه ه َت عند حدود اإلنكار السل ِبي، اإليجابي ،ووقف ْ
.القرآن
إلمعانِهم في المعصية، خهم هللا ،وح هولَهم إلى قردة عقابًا لهم؛ ْ مس ََ لقد كان العذاب شدي ًدا ،لقد
ْ ُ
الس ْبتِ َفقلنَا
ه م فِي ُ م اله ِ
ذينَ ْ
اع َت َد ْوا ِم ْنك ْ عل ِْم ُت ُوتحا ُيلِهم على شرْع هللا ،وتحديهم لقانون السماء؛ ﴿ وَلَ َق ْد َ
سئِينَ م ُكونُوا قِ َر َد ًة َ
خا ِ م هت ِقينَ ﴾ *لَ ُه ْ خ ْل َفهَا َو َم ْوعِظَ ًة ل ِْل ُ ك ً
اَل لِمَا بَ ْينَ يَ َد ْيهَا َومَا َ ج َع ْلنَا َ
ها نَ َ البقرةَ [ - 65 :ف َ
66].
وهذا جزاء الذين يَتحايلون على شرع هللا ،إنههم ملعونُون إلى يوم الدِين؛ قال -تعالى -في سورة
ها :النساء ها َف َن ُر هد َجو ً مسَ ُو ُ ْل أَ ْن نَ ْ
ط ِ ِن َقب ِ
مم ْ ذينَ أُوتُوا ْ
الكِتَابَ آ ِم ُنوا بِمَا نَ هز ْلنَا ُمصَد ًِقا لِمَا َم َع ُك ْ ﴿ يَا أَيُّهَا اله ِ
ً ه
َّللا م َْف ُعوَل ﴾
ان أ ْم ُر ِ َ َ ه
صحَابَ الس ْبتِ َوك َ َ ه َ َ
م كمَا ل َعنا أ ْ ْ َ
ها أ ْو نَل َعن َُه ْ َ َ
على أ ْدبَارِ َ].النساءَ [47 :
ُّ
:تعنت بني إسرائيل مع أنبياء هللا وأوامر هللا
ُ
عين ْ
بشكل َل ْ
تخطِئه أن نفوسهم كانت ملتوي ًة كث موسى في قومه يَدعوهم إلى هللا ،ويَبدو ه
م َ
ه ه ْ ُ ُ
الملحظة ،ويَبدو عنادهم فيما يعرَف بقصة البقرة؛ فإن الموضوع لم يكن يَقتضي كل هذه المفاوضات
ل هذا التعنت .بينهم وبين موسى ،كما أنهه لم يكن يَستوجب ك ه
صل قصة البقرة ه
أن قتيلً ثريًّا ُوجِد يو ًما في بني إسرائيل ،واخ َتصَم أهله ولم يَعرفوا قاتِلَه ،وحين وأ ْ
أعيَاهم اْلمر لَجَؤوا إلى موسى؛ ليلجأ إلى ربِه ،ولَجأ موسى إلى ربِه ،فأ َمرَه أن يأمر قومه أن يذبحوا
ْ
.بقرة
اَّلل أَ ْن أَ ُك َ
ون ِمنَ ل أَ ُعو ُذ بِ ه ِ
ه ُز ًوا َقا َ َحوا بَ َق َر ًة َقالُوا أَتَ هتخ ُ
ِذنَا ُ َّللا ي َْأ ُم ُر ُك ْ
م أَ ْن تَ ْذب ُ ن هَ ه إِ هوسى لِ َق ْو ِم ِ ﴿ وَإِ ْذ َقا َ
ل ُم َ
ه
ل بقرة تُصَادفهم ،غي َر أنهم بدَؤوا القوم أ هو َ
ُ هلِينَ ﴾ [البقرة ،]67 :وكان المفروض هنا أن يَذبح الجَا ِ ْ
ضتَهم باللجاجة والتعنت؛ اتههموا موسى بأنه يَسخر منهم وي هتخِذهم ه ُز ًوا ،واستعاذ موسى باهلل ُّ ه مفاو َ
ل القضية ي َْكمن في ذبح بقرة أن ح ه وأفهَمهم ه ويسخ َر منهمْ ، ْ َكون من الجاهلين .أن ي َ
م وغ ًدا وبع َد غد ،مج هرد التعامل معهم عنَت ،تَستوي في ذلك ه
لكن بني إسرائيل هم بَ ُنو إسرائيل اليو َ
ه ُ ْ ه ه ُ
اْلمو ُر الدنيوية المعتادة ،وشؤون العقيدة المهمةَ ،ل بد أن يعاني مَن يتصدى ْلمر من أمور بنيُّ
ٌّ
جاد فيما إسرائيل ،وهكذا يعاني موسى من إيذائهم له واتهامه بالسخرية منهم ،ثم ينبئهم أنهه
.يحدِثهم به
وسط ،ليست ح هدد البقرة -أكث َر مِن ذي َقبْل -بأنهها بقرة َ ويدعو موسى ربهه ،فيزداد ال هتشديد عليهم ،وتُ َ
ل إِنه ُه ي َُق ُ
ول إِنههَا ي َقا َ ه َن لَنَا مَا ِ ع لَنَا َربه َ
ك ُيب َِي ْ بقر ًة مس هنة ،وليست بقرة فتيهة ،بقرة متوسِطة؛ ﴿ َقالُوا ا ْد ُ
ون ﴾ اف َعلُوا مَا تُ ْؤ َم ُر َ
ك َف ْعوَان بَ ْينَ َذلِ َ ارض و َََل بِ ْكر َ ].البقرة[68 :بَ َقرَة ََل َف ِ
أن المفاوضات لم تزَل مستم هرة ،ومراوغة بني إسرائيل لمأن ينتهي اْلمر ،غي َر ه إلى هنا كان ينبغي ْ
ه
ما هو لون البقرة؟ لماذا يَدعو موسى ربه ليسأله عن لون :تزل هي التي تَحكم مائدة المفاوضات
وحق نبيِه الكريم! ،هذا البقرة؟
ِ َل ُيرَاعون مقتضيات اْلدب والوقار الل ه ِزمَين في حق هللا -تعالى -
أن يخجلوا من تكليف موسى بهذا اَلتِصال المتكرر حول موضوع بَسيط َل يستحِقُّ وكيف أنههم ينبغي ْ
ِ
!كل هذه اللهجاجة والمراوَغة؟
تس ُّر
ويسأل موسى ربهه ،ثم يحدِثهم عن لون البقرة المطلوبة ،فيقول :إنها بقرة صفراء ،فاقِع لونُها ُ
س ُّر ال هناظِرِينَ ﴾ :الناظرين
ول إِنههَا بَ َقرَة ص َْفرَا ُء َفاقِع لَ ْونُهَا تَ ُ
ل إِنه ُه ي َُق ُ
ن لَنَا مَا لَ ْونُهَا َقا َ ﴿ َقالُوا ا ْد ُ
ع لَنَا َربه َ
ك ُيبَيِ ْ
].البقرة[69 :
ضوح اْلمر ،فقد عادوا إلى اللهجاجة والمراوغة ،فش هدد هللا حدِدت البقرة بأنهها صفراء ،ورغم ُو ُ
وهكذا ُ
ُ ْ َ
عليهم كما شددوا على نبيِه وآذوه ،عادوا يسألون موسى أن يدعو هللا؛ ليبيِن ما هي ،فإن البقر ه
ِس ْقي ،سلِمَت من العيوب ،صفراء تشابه عليهم ،وح هدثهم موسى عن بقرة ليست ُم َع هدة لِ َ
حرْث وَل ل َ َ
ُّ
شيَة فيها ،بمعنى :خالصة الص ْفرةَ.ل ِ
َدوها عند َحثهم عن بقرة بهذه الصفات الخاصة ،أخيرًا وج ُ ا ْنتهت بهم اللهجاجة إلى ال هتشديد ،وبدَؤوا ب ْ
علَ ْينَاه َ شابَ َ ن ْ
البَ َق َر تَ َ ي إِ هه َ ن لَنَا مَا ِ ك ُيب َِي ْ ع لَنَا َربه َ فاش َترَوها وذبَحوها ،وما كادوا يفعلون؛ ﴿ َقالُوا ا ْد ُ
ْ يتيم
م ْهت َُدونَ شا َء ُه
َّللا لَ ُ ْ ه َ
سلمَة َل *وَإِنا إِن َ ه ُ
حرْث م َ َ ْ ْ َ َ َ ْ ُ ُ ُ َ َ َ ه ُ ُ ُ
ل إِنه يَقول إِنهَا بَقرَة َل ذلول تثِير اْلرْضَ وََل تسقِي ال َ ه َقا َ
َ ُ ْ ُ
ها َومَا كادوا يَف َعلون ﴾ َ ُ َ َ
ت بِالحَقِ فذبَحو َ ْ جئ َ ْ َ ْ ُ َ
شيَة فِيهَا قالوا اْلن ِ َ ].البقرةِ [71 - 70 :
ضرَب به القتيل ،فنهض من َم ْوته ،سألَه موسى وأمسك موسى جز ًءا من البقرة -وقيل :لسانها -و َ
عن قاتِلِه ،فح هدثهم عنه -وقيل :أشار إلى القاتل فقط من غير أن يتح هدث -ثم عاد إلى الموت؛ ﴿ وَإِ ْذ
م ْوتَى َّللا ْال َ
ح ِيي ه ُ ك ُي ْ ضهَا َك َذلِ َ ون * َف ُق ْلنَا ا ْ
ض ِر ُبو ُه بِب َْع ِ م َ خ ِرج مَا ُك ْن ُت ْ
م تَ ْك ُت ُ سا َفا هدار َْأتُ ْ
م فِيهَا و ه ُ
ََّللا ُم ْ َقت َْل ُت ْ
م نَ ْف ً
َ ُ ْ َ
ه لعلكم تعقِلون ﴾ ْ ُ ه َ َ ْ ُ ُ
].البقرةَ [73 - 72 :ويرِيكم آيَاتِ ِ
ل سخرية السياق منهم لمج هرد إيراده لِ َقولهم اْلن " :ا ْنظر إلى اْليات كيف ُتوحِي بهذا كلِه ،ثم تأ هم ْ
ت بالحَق ل -أرهقوا نبيههم بسؤاله عن "ج ْئ َ بعد أن أرهقوا نبيههم ذهابًا وجيئة بينهم وبين هللا -ع هز وج ه
المميزة ،بعد ت َع ُّنتِهم وتشديد هللا عليهم ،يقولون لنبيهم حين ِ صفة البقرة ولونِها وسنِها وعلماتها
جاءهم بما يَ ْندر وجو ُده ،ويَندر العثور عليه في البقر عاد ًة؛ ولهذا الت َع ُّنت أمام أوامر السماء ،ولهذا العناد
السماء ،ش هددوا على أ ْنفسِهم فش هدد هللا عليهم ،ثم ه لِ ُرسل السماء ،ولهذا ال هتحايل على شريعة
حجَا َر ِة أ ْوَ ْ َ
ي كال ِ َ َ
د ذل ِ َ ْ مم ْ ُ ُ
ست قلو ُبك ُْ ْ َ ه ُ
ت قلوبهم فأصبحت كالحجارة أو أش هد قسوة ﴿ ،ثم ق َ قس َْ
ه َكف ِ ِن بَع ِ
َ ه ْ
ج ِم ْن ُه المَا ُء وَإِن ِم ْنهَا لمَا َخ ُر ُ َ
ق في ْ ه
َشق ُ َ ه َ ْ
ج ُر ِم ْن ُه اْل ْنهَا ُر وَإِن ِم ْنهَا لمَا ي ه َ
حجَا َر ِة لمَا يَ َت َف ه ْ ه ً ش ُّد ق ْ
س َوة وَإِن ِمنَ ال ِ َ أَ َ
ُ
ما تَ ْعمَل َ ع ه َّللا َومَا ه ُة هِ ُ
ون ﴾ َّللا بِ َغاف ٍ
ِل َ شيَ ِخ ْ ِن َ ].البقرة[74 :ي َْه ِبط م ْ
ه
الحق من أول "اْلن ج ْئ َ
ت بالحَق" :ساعتَها قالوا له ،كأنهه كان ي َْلعب َقبْلها معهم! ولم يكن ما جاء هو
ون ﴾ :كلمة ْلخر كلمة! ثم انظر إلى ظِلل السِياق وما تَشِي به مِن ظلمهم ها َومَا َكا ُدوا ي َْف َعلُ َ ﴿ َف َذب ُ
َحو َ
َ ُّ
! ،أَل توحِي لك ظلل اْليات بتعنتِهم وتسويفهم و ُممَاراتهم ولجَاجتهم في الحقِ؟]البقرة[71 : ُ َ
هذه الله ْوحة القرآنية ال هرائعة تَشِي بموقف بَنِي إسرائيل على موائد المفاوضات منذ ال ِقدَم ،وهي هي
ه
لكن القوم َل ْلي أمر من اْلمور؛ سواء أمور الدِين أم الدنيا،
ِ صورتُهم على ِ
كل مائدة يتفاوضون فوقها
ه
.يدرِكون ذلك ،إَل مَن رحم ربِي وعصَم ْ
خذوه؟ كله!
ما الذي حدث؟ هل آمَنوا؟ كله! هل نَ هفذوا الوعد الذي قطَعوه؟ كله! هل أ هدوا العهد الذي أ َ
ْ
بشكل مخ َتلِف مع ثمود صة العذاب .ماذا حدث؟ جاء قوم ثَمود بعد قوم عاد ،وتك هررت ق ه
حا" إليهم ،وقال صالح لقومه -كما كانت ثمو ُد قبيل ًة تَعبد اْلصنام هي اْلخرى ،فأرسل هللا سيدنا "صال ً
م ِمنَ -:حَكى القرآنشأَ ُك ْ ه َو أَ ْن َ غ ْي ُر ُه ُه َِن إِلَ ٍمم َّْللا مَا لَ ُك ْ
اع ُب ُدوا ه َ
م ْل يَا َق ْو ِحا َقا َ خ ُ
اه ْ
م صَالِ ً مو َد أَ َ
﴿ وَإِلَى ثَ ُ
ُ َ ه
ه إِن رَبِي قرِيب مجِيب ﴾ ْ َ ُ ُ ه ُ ُ ُ ْ ْ َ ْ ُ َ ْ
].هود[61 :اْلرْضِ وَاستَعمرَكم فِيهَا فاستَغ ِفروه ثم توبوا إِلي ِ ْ َ ْ
كل نبيَ ،ل تتب هدل وَل تتغيهر، نفس الكلمة التي يقولها ُّ غ ْي ُر ُه ﴾ [هودْ ]61 : ه َ ِن إِلَ ٍ َّللا مَا لَ ُك ْ
مم ْ اع ُب ُدوا ه َ
﴿ ْ
ه ه
أن الحق َل يتب هدل وَل يتغيهر ،فوجِئ الكبار من قوم صالح بما يقوله ،إنه ي هتهم آلهتَهم بأنها بل قيمة، ُ كما ه
ت دعوته ه هز ًة كبيرة في المجتمع ،وكان وحدَه ،وأح َدثَ ْ وهو يَنهاهم عن عبادتها ويَأمرهم بعبادة هللا ْ
بالحكمة وال هنقاء والخير ،كان قومه يحترمونه قبل أن ُيوحِي هللا إليه ويرسِله بال هدعوة إليهم، ْ ً
معروفا صالِح
ك :وقال قوم صالح له ش ٍ َ ه َ ُ ُ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ
ل هذا أتنهَانا أن نعب َد مَا يَعبد آبَاؤنا وَإِننَا لفِي ََ َ ْ َ ًّ ُ َ ْ ُ ْ
﴿ يَا صَالِح قد كنت فِينَا َمرْجوا قب ََ ُ
ما تَ ْد ُعونَا إِلَ ْي ِ
ه ُمرِيبٍ ﴾ ].هودِ [62 :م ه
َحت ،لقد كان لنا رجاءل وجهة نظر الكافرين من قوم صالح ،إنههم يَدخلون عليه من باب شخصي ب ْ تأ هم ْ
ُ
رجاؤنا فيك ،إنهه َل يتبع منطق وعقلك وص ِْدقك وحسن تدبيرك ،ثم خابْ مرج ًّوا فينا لِعِلمك ُ َ
كنت فيك،
﴿ أَتَ ْنهَانَا أَ ْن نَ ْع ُب َد مَا ي َْع ُب ُد آب ُ
َاؤنَا ﴾؟! يا للكارثة! كل شيء يا صالح إَل هذا ،ما ك هنا نتوقع !اْلباء واْلجداد
.منك أن تَعِيب آلهتنا التي َوجَدنا آباءنا عاكفين عليها
أخوهموهكذا يَعجب القوم مما يدعوهم إليه ،ويَستنكرون ما هو واجِب وحَق ،ويدهشون أن يَدعوهم ُ
وحدَه ،لِمَاذا؟ ما كان ذلك كلُّه إَل ه ه
ْلن آباءهم كانوا يعبدون هذه اْللهة ،ورغم صالح إلى عبادة هللا ْ
ُّ
أن قومه لن يصدِقوه ،كانوا يشكون في حا ه
نصَاعة دعوة صالح -عليه الصلة والسلم -فقد بدَا واض ً
دعوته ،واعتقدوا أنه مسحور ،وطالبوه بمعجزة تُ ْث ِبت أنه رسول من هللا إليهم ،وشاءت إرادة هللا أن
.تَستجيب لطلبهم
انشقت يو ًما وخرجت منها الناقةُ ،ولِدت من غير ه صخر ًة بالجبل ْ إن الناقة كانت معجزة؛ ه
ْلن ويقال :ه
الطهريق المعروف للوَلدة ،ويقال :إنها كانت معجزة؛ ْلنها كانت تَشرب المياه الموجودة في اْلبار في
ه ه
م فل تَقترب بقيهة الحيوانات من المياه في هذا اليوم ،وقيل :إنهها كانت معجزة؛ ْلنها كانت تُد ُِّر لب ًنا يو ٍ
يَكفي لشرب ال هناس جمي ًعا في هذا اليوم الذي تَشرب فيه الماء فل يَبقى شيء للناس ،معجزات
الن ُفوس المريضة ،والقلوب ال هتالفة ،والعقول الم ْنح َِرفة قلهما تؤثِر فيها لكن ُّ ه تَ ْدعو إلى اَل ْنقياد والتسليم،
م هت ِقينَ ﴾ [البقرة ،]2 :فقط ه ًدى للم هتقين ،أ هما غيرهم ه ًدى ل ِْل ُ
ه ُ
ِ ِي ف بَ ْ
ي ر
َ َ
َل ُ
َاب ك ْال ِ
كت هذه المعجزات؛ ﴿ َذلِ َ
َن َ
!فل هادي لهم من شرود ،وَل عاصم لهم من ضلل ،وَل حاجز لهم من تد ٍ ُ
صفَها هللا -سبحانه وتعالى -بقوله َّللا ﴾ [اْلعراف ]73 :أضافها :كانت هذه الناقة معجزة ،و َ ﴿ نَا َق ُة ه ِ
لن َْفسه -سبحانه -بمعنى أنهها ليست ناقة عاديهة ،وإنما هي معجزة من هللا ،وأ ْ
صدَر هللا ْ
أمرَه إلى
المساس بال هناقة أو إيذائِها أو ق ْتلها ،أ َمرَهم أن يتركوها تأكل في أرض هللا،
َ أن يَأمر قومَه بعدم صالِح ْ
وحذرهم أنهم إذا مدوا أيديهم باْلذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب ه َسوها بسوء،.وأَل ه يم ُّ
دهشة ثمود حين ُولِدت الناقة من صخور الجبل ،كانت ناقة مبارَكة ،كان لبَ ُنها َت ْ في البداية تعاظم ْ
ه
حا أنها ليست مج هرد ناقة عادية ،وإنما هي آية من هللا،يكفي آَلف الرجال والنِساء واْلطفال ،كان واض ً
وعاشت الناقة بين قوم صالح ،آمَن منهم مَن آمن ،وبَقِي أغلبهم على العناد والكفر؛ وذلك ه
ْلن الك هفار
ْ
صدقِه واإليمان به ،وإنما لتحدِيه وإظهار يطلُبون من ِ
نبيهم آية ،ليس ْلنههم يريدون التأكد من عندما ْ
ْ ْ
.عجزِه أمام البشر ،لكن هللا كان يَخذلهم بتأييد أنبيائه بمعجزات من عنده
كان صالِح -عليه الصلة والسلم -يحدِث قومه برِ ْفق وحبٍ -أخلق اْلنبياء وسالِكي د ْربِهم من الدعاة
أخرَج لهم معجزة هي الناقة؛ دليلً على وحدَه ،وينبِههم إلى ه
أن هللا قد ْ -وهو يَدعوهم إلى عبادة هللا ْ
دعوته ،وهو يرجو منهم أن يَتركوا الناقة تأكل في أرض هللا ،وكل اْلرض أرض هللا، وبين ًة على ْ صدقه ِ
ذكرَهم بإنعام هللا عليهم :بأنهه سوء؛ خشية وقوع عذاب هللا عليهم ،كما ه وهو يحذِرهم أن يمسوها بِ ُ
حوتة وال هنعيم والرِزق والقوة، م عليهم بالقصور والجبال الم ْن ُ جعلهم خلفا َء مِن بعد قوم عاد ،وأ ْن َع َ
ل استخفاف وازدراء ه
لكن قومه تَجاوزوا كلماتِه وترَكوه ،واتهجهوا إلى الذين آمنوا بصالح ،يَسألونهم سؤا َ :ه
َت بصالح ه
ه ﴾ [اْلعراف]75 :؟! قالت الفئة الضعِيفة التي آمن ْ ِن رَبِ ِ حا ُمر َ
ْسل م ْ ه َ
ون أن صَالِ ً م َ َ َ
﴿ إِنها ﴿:أتَ ْعل ُ
ه ه ْ ذينَ ْ
استَكبَ ُروا إِنا بِالذِي ه ُ
خ َذت الذين كفروا الع هزة باإلثمَ ﴿ ،قا َ ون ﴾ [اْلعراف ،]75 :فأ َ ه ُم ْؤ ِم ُن َ ُ
ل ال ِ ل بِ ِس َبِمَا أ ْر ِ
ون ﴾ [اْلعراف ،]76 :هكذا باحتقار واستعلء وغضب ه َكافِ ُر َ
م بِ ِ .آ َم ْن ُت ْ
وفي إحدى اللهيالي ،ا ْن َعقدت جلسة لكبار القوم ،أصبح من المألوف ْ
أن نَرى ه
أن في قصص اْلنبياء هذه
دعوته ،تأتي من ُر َؤساء القوم؛ فهم مَن يخافون على
ضاء على النبي أو معجزاته أو ْ ال هتدابي َر للق َ
ُ
ح ْول الناس للتوحيد ،ومِن خشيتهم إلى خشية هللا ْ
وحدَه ْ
.مصالحهم إن ت َ
إل ْنهاء دعوة صالح ،فأشار عليهم واحد منهم ب َق ْتل خذ رؤساء القوم يتشاورون فيما َيجِب القيام به ِ أ َ
كل زمان ومكان ،ي َْعمدون إلى في َرة فكَ وال مةَ لنفسِه ،وهذا هو سِلح الظه ْ صالح ل ْ
ت ق ه
م َ ث ِن
م و الناقة،
ِ
بالحجَج والبراهين؛ ْلنههم ي َْعلمون ه
أن الحق ي َْعلو وَل ُيعلَى عليه، ُ الق هوة والسِلح بدل الحوار والنِقاش
ُ ه ُ ُّ
ومهما امت هد بهم الزمان سيَظهر الحَق وي ْبطِل كل حججِهم ،وهم َل يريدون أن يَصِلوا إلى هذه المرحلة،
أن تَ ْقوى شوك ُته ،إنههم يخافون على إهدار مصالحهم ،فهم يفعلون أ ه
ي ل ْ وق هرروا القضاء على الحقِ قب َ
أجل أن تَبْقى مصالحهم !شيء ولو القتل؛ من ْ
المساس بال هناقة ،وه هددَنا بالعذاب القريب ،فقال أحدهم سري ًعا قبْل
َ لكن أحدَهم قال :ه
حذرَنا صالح من ه
ِسعةأع ِرف مَن يَجرؤ على ق ْتل الناقة ،ووقع اَلختيار على ت ْكلم مَن سبَقه على عقول القومْ :
ُ أن يؤثِر
.مِن جبَابِرَة القوم ،وكانوا رجاَل ً يَعِيثون الفسا َد في اْلرض ،الويل لمن يعترضهم
ج ِرمون على موعد الجريمة ومكان ال هت ْنفيذ ،وفي اللهيلة المح هددة ،وبينما كانت ال هناقة المبارَكة م ْواتهفق ال ُ
ْ ْ
سلم ،انتهى المجرِمون التِسعة من إعداد أسلحتهم وسيوفهم وسهامهمَ ،لِرْتكاب الجريمة، ْ تنام في َ
ها ﴾ [الشمس ،]12 :امتدت اْليدي ث أَ ْ
ش َقا َ ضت الناقة مفزوعة ﴿ إِ ِذ ا ْنبَ َع َ
م الرجال على الناقة ،فن َه َ ج َ
ه َ
.اْلثِمة القاتلة إليها ،وسالت دماؤها
:المصير المحتوم
ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟ قالوا: :علم النبي صالح بما حدث فخرج غاضبًا على قومه ،قال لهم
المرسلِين؟ قال صالح لقومه َ ل :إنهك من ائتِنا بالعذاب واستعج ِْله ،ألَم ُ
تق ْ م هت ُعوا فِي دَارِ ُك ْ
م :قتلناهاَ ،ف ْ ﴿ تَ َ
ُ ْ َ ْ
ك وَعد غ ْي ُر مَكذوبٍ ﴾ َ
م ذل ِ َ ه َ َ َ َ َ
].هود[65 :ثلثة أيا ٍ
ت ثلثةعده هللا بهلكهم بعد ثلثة أيام ،وم هر ْ بعدها غادَر صالِح قومه ،ت َر َكهم ومضى ،انتهى اْلمر و َو َ
انش هقت
َ فج ِر اليوم ال هرابع:
أيام على الكافرين من قوم صالِح وهم ي َْهزؤون من العذاب ويَنتظرون ،وفي ْ
كل شيء حي ضت الصيحة على الجبال ،فهَلَك فيها ُّ .السماء عن ص ْيحة جبهارة واحدة ،ان َق ه
صعِقوا جمي ًعا صعقة خ ُرها يَجِيء ح هتى كان ك هفار قوم صالح قد ُ كد أ هولَها يَبدأ وآ ِ هي صرخة واحدة ،لم يَ َ
يد ِركوا ما حدث، َ
هد ب َع ْينه ،هلكوا جمي ًعا قبْل أن ْ واحدة؛ الذي َذبَح بيده ،والذي أمَر بلسانه ،والذي شا َ
ها ﴾ [الشمس ،]14 :تابع عليهم ربُّهم بالعذاب، م َف َ
س هوا َ م رَبُّ ُه ْ
م بِ َذ ْن ِب ِ
ه ْ علَ ْي ِ
ه ْ م َ ك هذ ُبو ُه َف َع َق ُرو َ
ها َفد َْم َد َ ﴿ َف َ
أطبَق عليهم فلم ُي ْفلِت منهم أحد ،أصبحوا ك َهشِيم المحتظر ،لم يَ ُعد لهم أثر ،لم يعد لهم جَماد ،لم ْ
َ
سواها ﴾ه َ ْ
هم ف َ ْ َ ْ ُ ُّ ْ
هم رَبهم بِذنبِ ِ ْ َ َ
م علي ِ ْ َ ْ
يعد لهم إنسان ،لم يعد لهم حيوان ،لم يعد لهم منزل ﴿ ،فدَم َد َ ُ
َت أيديهم ،أ هما الذين آمنوا بسيدنا [الشمس ]14 :س هوى بهم اْلرض؛ ذلك بذنبهم وبِمَكرهم ،وبما جن ْ
.صالح ،فكانوا قد غادروا المكان مع نبيِهم ونَجَوا
عن ابن عمر قال :لما نزَل رسول هللا -صلهى هللا عليه وسلهم -بالناس على تبوك ،نزَل بهم الح ْ
ِج َر عند
ُ
الناس من اْلبار التي كانت تَشرب منها ثمود ،ف َعجَنوا منها ،ونَصبوا القدور، ُ فاستَقى ْ بيوت ثمود،
علَفوا ال َعجِين اإلبل ،ثم ا ْرتَحل بهم ح هتى نزَل بهم على البئر التي فأ َمرَهم رسول هللا فأَ ْ
هرَاقوا القدور ،و َ
كانت تشرب منها الناقة ،ونَهاهم أن يَدخلوا على القوم الذين ُعذِبوا ،فقال(( :إني أخشى أن يصيبكم
ل ما أصابَهم ،فل تَدخلوا عليهم)) .م ْث ُ
عن عبد هللا بن عمر قال :قال رسول هللا -صلهى هللا عليه وسلهم -وهو بالح ْ
ِجرَ(( :ل تدخلوا على
ُ
مثل ما فإن لم تَ ُكونوا باكين فل تَدخلوا عليهم؛ أن ُيصِيبكم
ْ ْ المعذبِين ،إَل ه أن تكونوا باكِين،
ه هؤَلء
".الصحيحين" أصابهم))؛ أخرجاه في
أن قوم صالح كانت أعما ُرهم غضِب هللا عليهم ،وقد ُذكِر هخر :ما تَ ْدخلون على ق ْوم َوقال في حديث آ َ
مدَر ،فت ْ
َخ ُرب قبْل موت الواحد منهم ،ف َنحَتوا لهم بيوتًا في الجبال .طويلة ،فكانوا يَبنون البيوت من ال َ
ما سألوه آية ،فأخرج هللا لهم الناقة من الصخرة ،أ َمرَهم بها وبالولدحا -عليه السلم -لَ ه و َذ َكروا ه
أن صال ً
بسوء ،وأخبَرهم أنهم سي َْعقرونها ،ويكون سببَ إن هم نالُوها ُ
بأس هللا ْ وحذرهم ْ
ه الذي كان في جوفها،
.هلكهم ذلك
:التحايل على شرع هللا كان سبب في هالك ثمود بعد الهداية
ن بِمَا َكانُوا ي َْك ِ
س ُب َ
ون ﴾ ع َق ُة ْال َع َذابِ ْ
ال ُهو ِ م صَا ِ ال ُهدَى َفأَ َ
خ َذ ْت ُه ْ علَى ْ اس َتحَبُّوا ْ
ال َعمَى َ م َف ْ ﴿ وَأَ هما ثَ ُ
مو ُد َف َه َد ْين ُ
َاه ْ
ه
أخ َذ عزيز مق َتدِر إَل ما َرحِم خذ ْ ل -سي ْؤ َ كل مَن يتحايل على شرْع هللا -ع هز وج ه [فصلت ،]17 :وهكذا ُّ
!ربِي
الشرْع وعارضوا الدِين ه وما أكث َر الذين أُ ْعطُوا هدايا !ما أكث َر الذين حازوا النياشين ْلنههم تحايلوا على
رب العالمين! أين هم من هذه اْليات؟! قال -تعالى ك ََل ْ -:لنههم قالوا بغير ما أنزل هللا ُّ ﴿ َف َل َورَبِ َ
ما َق َ َ ُ ُي ْؤ ِم ُن َ
سلِي ً
ما ﴾ موا تَ ْسلِ ُت َو ُي َض ْي َ جا ِم ه ح َر ًم َِه ْم ََل يَج ُِدوا فِي أ ْن ُفس ِ مث ه ج َر بَ ْين َُه ْ ش َ ك فِيمَا َ مو َح هتى ُيحَكِ ُ ون َ
أيَ :ل يَجوز للمسلمين أن يخرجوا عن شريعة هللا ،بل يَجب عليهم أن ُيحَكِموا شرع [النساء]65 :؛ ْ
هللا في كل شيء؛ فيما يتعلهق بالعبادات ،وفيما يتعلق بالمعاملت ،وفيما يتعلهق بالقوانين والدساتير
وْلن هللا -سبحانه -يقول ه تعم الجميع، ُّ :والقرارات؛ في جَميع الشؤون الدِينية والدنيوية؛ لكونِها
م ُيوقِ ُنون ﴾ [المائدة ]50 :ويقول َ َ
ما لِق ْو ٍ ح ْك ً ن ِمنَ ه ِ
َّللا ُ س ُ ح َ َن أَ ْ ون َوم ْ ة يَب ُْغ َ هلِيه ِ الجَا ِ م ْ ح ْك َم ﴿:أَ َف ُ َن لَ ْ﴿ َوم ْ
ون ﴾ َ ْ
م الكافِ ُر َ ه ُك ُ َ ُ َ
َّللا فأولئِ َ ُ ه ل َ
م بِمَا أ ْن َز َ َحك ْ ُ م ]المائدة[44 :ي ْ ه ُ ك ُ َ ُ
َّللا فأولئِ َ َ ُ ه َ
م بِمَا أ ْن َز َ
ل ُ
َحك ْ م ي َْن لَ ْ﴿ َوم ْ
م َ
ون ﴾ ون ﴾ ]المائدة[45 :الظهالِ ُ ِق َ الفَاس ُ م ْ ه ُ ك َُّللا َف ُأولَئِ َ
ل هُ م بِمَا أَ ْن َز َ َح ُك ْ مي ْ َن لَ ْ ].المائدةَ ﴿ ،[47 :وم ْ
ِن َ
شيْ ٍء هم ْ اختَلَ ْف ُت ْ
م فِي ِ الشؤون التي يتنازع فيها الناس ويختلفون فيها؛ ﴿ َومَا ْ ُّ فهذه اْليات عا همة لِجَميع
ُ ُ ْ َ ُ ْ ه ْ َ ه ُ ُ َ م ُه إِلَى ه ِح ْك ُ
﴿ َف َل َ -:ف ُ
ه أنِيب ﴾ [الشورى ،]10 :ولهذا قال -سبحانه ه تَوَكلت وَإِلي ِعلي ِ َّللا رَبِي َ
َّللا ذلِكم ُ
ك ﴾؛ يعني محم ًدا مو َ حتى ُيحَكِ ُ ه ون ﴾ [النساء]65 :يعني الناس من المسلمين وغيرهم ﴿ َ ك ََل ُي ْؤ ِم ُن َ
َورَبِ َ
وتحكِيم س هنتِه بعدْ -صلهى هللا عليه وسلم -وذلك بتحكيمه -صلى هللا عليه وسلم -حال حياته،
ه ه ه
م ﴾ [النساء]65 : ج َر بَ ْين َُه ْ وفاته ،فالتحكيم لسنته هو التحكيم لِمَا أُ ْن ِزل من القرآن والسنة ﴿ فِيمَا َ
ش َ
ه
أن يحكِموا القرآن الكريم ،والرسول -صلى هللا عليه أي :فيما تنازعوا فيه ،هذا هو الواجب عليهمْ ، ْ
ه
وسلم -في حياته ،وبعد وفاته باتِباع سنته التي هي بيان للقرآن الكريم ،وتفسير له ،ودَللة على ه
.معانيه
ما َق َ َ ﴿ ثُ ه
ما ﴾ [النساء -: ]65 :أما قوله -سبحانه سلِي ً سلِ ُ
موا تَ ْ ت َو ُي َ
ض ْي َ جا ِم هح َر ً
م َ م ََل َيج ُِدوا فِي أ ْن ُفس ِ
ِه ْ
حكمه -عليه الصلة ضى بِ ُ ِحكمه ،وأَل يَبقى في صدروهم حرَج م ه
ما ق َ ه صدو ُرهم ل ُ ُ َ
تنش ِرح أي :يَجِب أن ْ
سليم له ل -فالواجب ال هت ْ ح ْكمه هو الحق الذي َل َر ْيب فيه ،وهو حكم هللا -ع هز وج ه ه
ْلن ُ والسلم -
حكم هللا ،واطمئنانًا
ضا بِ ُما كاملً؛ ر ً
َم الحرج ،بل عليهم أن يسلِموا لِ َذلك تسلي ً ص ْدر بذلك ،وعد ُ وانشراح ال ه
.إليه
عاوى وخصومات ،سواء كانت متعلِق ًة هذا هو الواجب على جَميع المسلمين فيما شجَر بينهم من د َ
أم بغيرها من شؤونهم أم باْلموال ،أم باْلَ ْنكحة أم الطلقْ ، .بالعبادات ْ
عم أنهه يجوز الحكم بغيره ،أو خر غير ْ
حكم هللا ،فمَن ز َ وهنا يَنتفي اإليمان باهلل ورسوله إذا ساد حكم آ َ
ض َعها الرجال قال :إنهه يجوز أن يتَحاكم الناس إلى اْلباء أو إلى اْلجداد أو إلى القوانين ال َو ْ
ضيعة التي و َ
ه
-.قال العلماء برِدته
أنأفضل ،أو رأى ه حكِم كان أفضل ،أو رأى ه
أن القانون ْ ولكن لو ُ
ْ تحكيمه، فمَن رأى ه
أن شرْع هللا َل يَجِب ْ
م هللا -فهو كذلك ْ
ساوي حك َ
ِ .القانون ُي
إ ًذا؛ َل ب هد أن ُي َعاد الحكم هلل ،وَل ب هد أن يُّعاد اْلمر هلل ،بل َل ب هد أن ترجع كل اْلمور هلل حتى تستقيم
ذب ْ
َت ك َف َق ْد ُك ِذ ُبو َك ِ الحياة ،وتطيب الدنيا ،ونصل في اْلخرة إلى سفينة النجاة ،حتى وإن كذبوا؛ ﴿ وَإِ ْن ُي َ
َّلل ﴾ [آل عمران: اْلَ ْم َر ُكله ُه ِ ه ِ
ن ْل إِ ه اْلُ ُمو ُر ﴾ [فاطر ،]4 :وصدق هللا ﴿ ُق ْ َع ْ ك وَإِلَى ه ِ
َّللا تُ ْرج ُ ِن َق ْبلِ َ
سل م ْ ُر ُ
اْل ُمو ُر ﴾ [آل عمران،]109 : ُ َع ْ ْض وَإِلَى ه ِ
َّللا تُ ْرج ُ راْلَ
ْ ِي ف َا
م َ
و ت
ِ َا
و َا
م ه
الس ِي ف َا
م ِ ه
ََّلل
ِ و ﴿ هللا وصدق ]، 154
ِ
ن َفي َُك ُ
ون ﴾ ول لَ ُه ُك ْ ضى أَ ْمرًا َفإِنهمَا ي َُق ُ ].آل عمران[47 :سبحانه ﴿ إِ َذا َق َ
م ا ْر ُزقنا اإلخلص في القول ويذل فيه أهل معصيتك ،اللهه هُّ رشد ُي َع ُّز فيه ْ
أه ُ
ل طاعتك، أم َر ْ اللههم ْ
اهدنا ْ
ْ
همِنا وَل مبْلَغ عِلمِنا ُّ
جعل الدنيا أكبر َ .والعمل ،وَل تَ ْ