Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 11

‫تمهيد‪ :‬في ضرورة الدولة‪:‬‬

‫إن تحقق اإلنساني في اإلنسان على نحو كوني‪ ،‬يفرض تجاوز الوجود اإلنساني‬
‫مستوى الوجود المرتبط بضمان الحاجات الضرورية‪ ،‬ال))تي تض))من ش))روط حف))ظ‬
‫البق))اء‪ .‬فتج))اوز مس))توى الوج))ود الط))بيعي نح))و االرتق))اء إلى مس))توى الوج))ود‬
‫اإلنساني يستلزم قيام مجتمع إنساني تكون للقيم في إطاره داللة ومعنى‪ .‬غير أنن))ا‬
‫سواء نظرنا إلى ضرورة االجتماع اإلنس))اني في عالق))ة بمب))دأ التع))اون والتقس))يم‬
‫االجتماعي للعمل‪ ،‬أو في مستوى التأسيس لوجود ثقافي يرتب))ط ب))القيم والمع))نى‪،‬‬
‫نالح))ظ أن اس))تمرار ه))ذا االجتم))اع وتماس))كه وثبات))ه يض))ل غ))ير ممكن))ا‪ ،‬بس))بب‬
‫اختالف وتعارض مصالح األفراد وطباعهم وقيمهم‪.‬‬
‫يشتر ط تثبيت الوجود االجتم))اعي تنظيم الش))أن الع))ام‪ ،‬ويحيلن))ا مفه))وم الش))أن‬
‫العام إلى احد أبع))اد الوج))ود اإلنس))اني األساس))ية المتمثل))ة في وج))وده السياس))ي‪.‬‬
‫يتحدد هذا الوجود السياسي بمقتضى تنظيم الشأن العام‪ ،‬أي المجال الذي تتق))اطع‬
‫فيه مصالح األفراد تكامال وتناقضا‪ .‬فبقدر ما يجعلنا وجودنا االجتماعي متع))اونين‬
‫متآلفين‪ ،‬باعتبار ارتباط مصلحتنا الخاصة باآلخرين‪ ،‬فان مصلحتنا الخاصة تكون‬
‫دائما كذلك مقيدة بمصلحة اآلخرين‪.‬‬
‫يستلزم تجاوز مجمل هذه العوائق التي تح))ول دون ثب))ات االجتم))اع بم))ا يحق))ق‬
‫الغاي))ة من))ه‪ ،‬ت))وفر س))لطة تك))ون ق))ادرة على تنظيم الش))أن الع))ام‪ ،‬والتوفي))ق بين‬
‫المصالح المتقابلة بين األفراد بما يض))من اس))تقرار المجتم))ع وتماس))كه‪ .‬تتح))دد "‬
‫الس))لطة بم))ا هي البني))ة األساس))ية للسياس))ي" (ب))ول ريك))ور)‪ .‬إذ أن الس))لطة‬
‫السياسية هي المقتضى الذي يضمن تنظيم الشأن الع))ام‪ .‬تق))وم الس))لطة السياس))ية‬
‫على أساس اقتران وجودها بالقوة‪ ،‬فهذا االقتران هو الذي يوفر للسلطة إمكان))ات‬
‫الفعل والتأثير القائمة على أدوات المراقبة والعقاب‪ .‬دون توفر مث)ل ه))ذه الس)لطة‬
‫ال))تي تك))ون ق))ادرة على كبح جمي))ع مظ))اهر العن))ف ومعاقب))ة ك))ل من يتع))دى على‬
‫مقتضيات الوجود االجتم))اعي يتح))ول ه))ذا الوج))ود إلى فوض))ى مطلق))ة‪ .‬على ه))ذا‬
‫األساس يمكن تعريف الدولة من جهتين‪ :‬من جهة توفره))ا على ثالث))ة أرك))ان هي‬
‫اإلقليم‪ ،‬والشعب‪ ،‬والس))لطة السياس))ية (مؤسس))ات الدول))ة وأجهزته))ا من حكوم))ة‬
‫وشرطة وقضاء وجيش‪ )...‬ومن جهة تمتعها بالسيادة بمعنى توفرها على س))لطة‬
‫وقدرة مطلقة ال تقبل القسمة وال المشاركة وال التجزئة بم))ا يجع))ل من ممارس))تها‬
‫للسلطة ممكنا‪.‬‬
‫‪ /1‬الدولة والسيادة‪:‬‬
‫السيادة تتح))دد إذا باعتباره))ا الخاص))ية المم))يزة لك))ل س))لطة سياس))ية‪ ،‬وهي م))ا‬
‫يض))في المش))روعية على ه))ذه الس))لطة بحيث تك))ون س))لطة الدول))ة هي تجس))يد‬
‫لسياستها‪ .‬هذا الربط بين سلطة الدولة ومفهوم السيادة ه))و م))ا يجع))ل من س))لطة‬
‫الدولة س))لطة علي))ا ومطلق))ة‪ .‬أن تتمت))ع الدول))ة بالس))يادة ف))إن ذل))ك يع))ني أن ه))ذه‬
‫السيادة هي منبع السلطات األخرى‪ ،‬على هذا األساس يكون للدولة الحق المطل))ق‬
‫في تشريع القوانين وإنفاذها دون أن تكون‪ ،‬في ذلك‪ ،‬محتاج))ة للرج))وع إلى مب))دأ‬
‫غير ذاتها‪ ،‬وال إلى مشروعية غ)ير مش)روعيتها الخاص)ة‪ .‬يحي)ل مفه)وم الس)يادة‬
‫بذلك على معاني الهيمنة والسلطة والتحكم التي يتقّو م بها وجود الدولة في إط))ار‬
‫حدود و مجال سلطتها الواقعي والقانوني‪.‬‬
‫إذا كانت السيادة تعني داخل حدود الدولة الس))لطة المطلق))ة والعلي))ا‪ ،‬المحتك))رة‬
‫لحق سن القوانين المنظمة لعالقة األفراد فيم))ا بينهم‪ ،‬والس))هر على ف))رض هيب))ة‬
‫واحترام هذه القوانين‪ ،‬فهي تفيد في إطار العالقة بين الدول استقاللية الدولة عن‬
‫كل سلطة خارجية‪ ،‬أي عن سلطة أي دول))ة أخ))رى‪ .‬وب))ذلك فان))ه ال يمكن الح))ديث‬
‫عن دول))ة دون توفره))ا عن س))يادة تام))ة ومطلق))ة بم))ا يجعله))ا ق))ادرة على بس))ط‬
‫سلطتها وممارسة هذه السلطة في استقاللية تام))ة عن ت))أثير أو مراقب))ة أي دول))ة‬
‫أخرى‪ .‬يحيل مفه))وم الس))يادة في ه))ذا الس))ياق على مب))دأ س))يادة األم))ة واس))تقالل‬
‫إرادتها في مقابل سيادة بقية الدول األخرى‪.‬‬
‫إن هذا التحديد األولي لمفهوم الس))يادة من خالل ربط))ه باحتك))ار الس))لطة داخ))ل‬
‫حدود الدولة‪ ،‬على أساس انفرادها بمشروعية تشريع القوانين وإنفاذها من جهة‬
‫‪ ،‬واستقاللها عن كل تأثير أو ت)دخل خ))ارجي من جه))ة ثاني)ة‪ ،‬أص)بح الي)وم‪ ،‬وفي‬
‫ضل مظاهر العولمة االقتص))ادية والسياس))ية خاص))ة يواج))ه تح))ديات حقيقي))ة م))ع‬
‫تشكل وتنامي ما أصبح يعرف بالقانون الدولي خاصة‪ .‬إن سلطة الدولة وان ب))دت‬
‫ال مح))دودة انطالق))ا من مب))دأ الس))يادة إال أن االتفاق))ات الدولي))ة ال))تي نش))أ عنه))ا‬
‫القانون الدولي والمؤسسات الدولية الحقوقية جعلت من مفهوم الس))يادة الوطني))ة‬
‫موضوع للمساءلة وإعادة التأسيس‪.‬‬
‫‪ /2‬السيادة ومأزق العنف‪:‬‬
‫* السيادة والحاجة للعنف‪:‬‬
‫يرتبط مفهوم السيادة‪ ،‬في حضارتنا المعاص))رة‪ ،‬بالدول))ة تحدي))دا‪ ،‬إذ ال يمكن أن‬
‫نربط أي وجود اجتماعي سياسيي بمبدأ السيادة‪ ،‬غير الحديث عن سيادة الدول))ة‪.‬‬
‫تكون الدولة بهذا المعنى هي الجهة ‪ ،‬وبغض النظ))ر عم))ا إذا م))ا ك))انت تتح))دد في‬
‫شخص‪ ،‬أو في مؤسسة‪ ،‬أو في مجموع))ة مؤسس))ات منفص))لة ومس))تقلة‪ ،‬ولكنه))ا‬
‫في نفس الوقت متكاملة‪ ،‬في احتكار فعاليتين رئيستين؛ تشريع القوانين المنظم))ة‬
‫للشأن العام من جهة‪ ،‬وإنفاذ هذه القوانين ‪ ،‬من خالل آلي))ات المراقب))ة والعق))اب ‪،‬‬
‫من جهة ثانية‪.‬‬
‫ترتبط الدول)ة‪ ،‬إذن بممارس)ة العن)ف ولكن العن)ف ال)ذي تمارس)ه الدول)ة يض)ل‬
‫عنفا شرعيا ال من جهة غاياته المتمثل))ة في ض))رورته لتنظيم الش))أن الع))ام وإنم))ا‬
‫من جهة اعتباره ش))رعيا ب))المعنى الق))انوني‪ .‬إن عن))ف ال))دول ة ه))و العن))ف ال))ذي‬
‫يبرره القانون ويفرضه‪ .‬فالدولة هي الجهة التي تحتكر الحق في ممارس))ة العن))ف‬
‫الشرعي حسب عبارة ماكس فيبر‪ .‬هذا الربط بين الدول))ة والعن))ف يجعله))ا ليس))ت‬
‫غير تعبير عن عالقات الهيمنة السائدة داخل المجتمع‪.‬‬
‫يمثل العنف‪ ،‬كممارسة مبررة ومشروعة‪ ،‬الوجه اآلخ))ر للس))يادة ال))تي تؤس))س‬
‫لوجود الدولة‪ ،‬وما يجعل من ممارستها للس))لطة أم))را واقعي))ا‪ .‬حين نرب))ط الدول))ة‬
‫بالعنف فان المسالة ال تتعلق بشكل الدولة‪ ،‬باعتبار نظامه)ا السياس)ي إذا م)ا ك)ان‬
‫مستبدا أو ديمقراطي)ا‪ ،‬وإنم)ا بالدول))ة ب)إطالق وبغض النظ))ر عن ه))ذه الفروق)ات‪.‬‬
‫والعنف ذاته يمكن أن يتجلى ضمن وسائط متعددة سواء كان عنف))ا مادي))ا مباش))را‬
‫يقوم على إلحاق األذى المادي والمعنوي‪ ،‬أم كان عنف))ا رمزي))ا يق))وم على توجي))ه‬
‫ال))رأي الع))ام على أس))اس المغالط))ة وال))تزييف وال))وهم‪ .‬ولع))ل الس))مة الب))ارزة‬
‫لممارسة العنف اليوم تتمثل في شيوع آليات العنف الرمزي القائمة على التضليل‬
‫من خالل ال))دور الم))ؤثر ال))ذي أص))بحت تلعب))ه الي))وم وس))ائل اإلعالم بأص))نافها‬
‫المتعددة حتى صار هذا الشكل من أشكال العنف الق))ائم على التض)ليل بمثاب)ة العلم‬
‫القائم بذاته‪.‬‬
‫يتخ))ذ ه))ذا العن))ف ا لمنظم ال))ذي تمارس))ه الدول))ة وجهين متم))ايزين ولكنهم))ا‬
‫متكاملين‪ .‬فالدولة الحديثة في ممارستها لسلطتها وتثبيت هذه السلطة تستند على‬
‫منظومتين من األجهزة كم))ا بين ذل))ك "ألتوس))ير" منظوم))ة الجه))از القمعي وهي‬
‫تتش))كل من جمل))ة مؤسس))ات الدول))ة القانوني))ة والمتمثل))ة في الحكوم))ة واإلدارة‬
‫وجهاز الشرطة والقضاء وهي كلها أدوات تعتمدها الدولة لتكريس ذاته))ا كس))لطة‬
‫تحتك))ر ممارس))ة العن))ف وتقم))ع ك))ل من يح))اول مش))اركتها في التف))رد في ه))ذه‬
‫الخاصية‪ ،‬أو عدم االعتراف بسيادتها وحتى محاولة الخروج عن هذه السيادة‪.‬‬
‫غير أن الدولة الحديثة خاصة تعتمد منظوم))ة ثاني))ة من المؤسس))ات واألجه))زة‬
‫التي تمارس نوعا مغايرا من العنف هو العنف الرم))زي‪ .‬إن آلي))ات العق))اب وح))تى‬
‫المراقبة المباشرة ال يمكن لها أن تضمن استمرار سلطة الدولة واحترام س))يادتها‬
‫م))ا لم تعم))د إلى تش))كيل أو إع))ادة تش))كيل وعي األف))راد على النح))و ال))ذي يجعلهم‬
‫يقبلون بسلطة الدولة على أساس كونها تتوفر على السيادة‪ .‬يتعلق األمر في ه))ذا‬
‫المس))توى بمفه))وم االي))دولوجيا كم))ا ص))اغته "الفلس))فة الماركس))ية"‪ .‬تتمث))ل‬
‫االي))))دولوجيا في مجم))))وع األفك))))ار والمعتق))))دات والمف))))اهيم ال))))تي تس))))عى‬
‫الدولة(باعتبارها ممثلة لمصالح طبقة اجتماعية محددة) لجعلها تبدو في األذه))ان‬
‫بمثابة حقائق مقبولة ال يمكن التشكيك فيه))ا أو الخ))روج عنه))ا‪ .‬تعتم))د الدول))ة في‬
‫تشكيلها لهذا الوعي الزائف على مجموعة من األجهزة التي ق))د ال تب))دو مرتبط))ة‬
‫ضرورة بالدولة ذاتها كالمؤسسة الدينية والمدرسة ووس))ائل اإلعالم والمنظم))ات‬
‫واألحزاب‪ ....‬على هذا األساس تتحدد االيدولوجيا باعتبارها أقسى أش))كال العن))ف‬
‫نظرا لقدرتها الفائقة على المغالطة حين تتحول المراقبة إلى مراقبة ذاتية‪.‬‬
‫ليس العن)ف بالوس)يلة أو األداة الوحي)دة ال)تي ت)ؤمن من خالله)ا الدول)ة س)يادتها‬
‫وتتيح لها إمكان ممارسة سلطتها غير أن العنف مع ذلك يبقى وسيلتها الخاصة‪.‬‬
‫بق))در م))ا يض))ل اعتم))اد العن))ف م))بررا باعتب))اره أح))د الش))روط الرئيس))ية ال))تي‬
‫بمقتض))اها يمكن ض))مان أقص))ى م))ا يمكن من مس))تلزمات العيش المش))ترك‪ ،‬ف))إن‬
‫ارتب))اط الممارس))ة السياس))ية ب))العنف يض))عنا في مواجه))ة جمل))ة من االحراج))ات‪.‬‬
‫فممارسة العنف في ضل مطلب تثبيت وتكريس سيادة الدول))ة وأحقيته))ا ب))االنفراد‬
‫بممارسة السلطة السياسية يمثل قطعا خطرا وتهدي))دا لمص))ير األف))راد الخاض))عين‬
‫لها‪ ،‬ذلك أن العنف ه))و عن))ف موج))ه بداي))ة ض))دهم‪ ،‬وبغض النظ))ر عن مبررات))ه‪.‬‬
‫وحتى في حالة القب)ول برب)ط س)يادة الدول)ة بأحقيته)ا باس)تعمال العن)ف باعتب)اره‬
‫عنف شرعيا فان السؤال عن حجم وم)دى العن)ف المس)موح ب)ه يض)ل قائم)ا على‬
‫نحو جدي‪.‬‬
‫حتما‪ ،‬إن كل عنف يمكن أن بصدر عن األفراد بم))ا يه))دد العيش المش))ترك‪ ،‬من‬
‫الواجب مجابهته بعنف مضاد لردعه‪ ،‬غير أن الس))ؤال عن حجم العن))ف المناس))ب‬
‫في مقابل هذا العنف األول يضل سؤاال وجيها‪ .‬إن مجموعة من المشجعين لفريق‬
‫كرة قدم حين يبادرون للعنف كتعب)ير عن ع)دم رض)اهم على ق)رارات حكم مب)اراة‬
‫هو فعل وان كان ال يهدد بجد العيش المش))ترك فان))ه يض))ل فعال غ))ير مقب))ول يجب‬
‫مواجهته‪ ،‬إال انه في هذه الحالة يس)توجب األم)ر أن نتس)اءل ه)ل يجب إن نواج)ه‬
‫هذا العنف بعنف مماثل في الدرجة؟ أم بكمية أكثر أو اقل؟‬
‫يحيلنا هذا التساؤل إلى إحراج حقيقي يتعلق ال بش))رعية العن))ف وض))رورته‪ ،‬إذ‬
‫أن مبدأ السيادة ذاته يفترضه‪ ،‬وإنما إلى التساؤل عن حدوده وم))داه‪ .‬ذل))ك أن ك))ل‬
‫تعسف في استعمال القوة والعنف حتى وان كان في إطار قانوني بما يضفي علي))ه‬
‫ش))رعية‪ ،‬يجع))ل من الس))يادة ذات ط))ابع إطالقي يربطه))ا باالس))تبداد‪ ،‬فينفي عن‬
‫ممارسة السلطة المرتبطة بها كل مشروعية بافتقادها لمعيار الحق‪.‬‬
‫يحيلنا التحليل الس))ابق إلى مفارق))ة أولى‪ :‬إن ض))مان العيش المش))ترك بم))ا ه))و‬
‫مطلب كل ممارسة سياسية ‪ ،‬وبما ه))و م))برر مب))دأ الس))يادة ذات))ه يف))ترض العن))ف‬
‫وسيلة وأداة‪ ،‬أ فليس من المفارق))ة إذن إن يك))ون ش))رط ض))مان العيش المش))ترك‬
‫بما هو قيمة أخالقي))ة علي))ا تؤس))س للوج))ود اإلنس))اني وتض))في علي))ه بع))دا كوني))ا‬
‫مشروطا باس))تعمال العن))ف واإلرغ))ام؟ أ ال يحيلن))ا الوج))ود السياس))ي لإلنس))ان في‬
‫نهاية األمر إلى مفارقة‪ ،‬حسب صياغة بول ريكور‪ ،‬تتمثل في التقاب))ل بين موق))ف‬
‫اإلنسان المبدئي الرافض للعن))ف أخالقي))ا من جه))ة في حين أن وج))وده السياس))ي‬
‫مقترنا بالعنف؟‬
‫إن هذا المأزق بين تحديد ألفق االجتماع اإلنساني القائم على اس))تهجان العن))ف‬
‫من جهة وربط سيادة الدولة بممارس))ة العن))ف يض))عنا في مواجه))ة م))أزق نظ))ري‬
‫عملي في آن واحد يتعلق بالتساؤل عن مشروعية ربط مبدأ السيادة بالعنف‪.‬‬
‫فبأي مع))نى تمث))ل الس))يادة المطلق))ة والغ))ير مقي))دة‪ ،‬والقائم))ة على اعتم))اد العن))ف‬
‫استبدادا يتنافى ومعيار الحق‪ ،‬وكونية الوجود اإلنساني‪.‬‬
‫* السيادة واالستبداد‪:‬‬
‫تحيلنا داللة مفهوم سيادة الدولة في عالقة بمسالة العنف‪ ،‬حين نتناول السيادة‬
‫بما هي سيادة داخلية‪ ،‬إلى مبدأ السيادة باعتبارها مطلقة وغير مقيدة بحيث تكون‬
‫إرادتها فوق كل إرادة أخ))رى س))واء تعل))ق األم))ر ب))إرادة جه))ة معنوي))ة أو ب))إرادة‬
‫شخص مادي‪ .‬ب)ذلك تك)ون الس)يادة مص)درا لس)لطة مطلق)ة بحيث ال تخض)ع ه)ذه‬
‫السلطة إال لذاتها‪ ،‬وه)و م)ا يفي)د على ص)عيد الممارس)ة العملي)ة أن ه)ذه الس)يادة‬
‫تحتكر على نحو كامل ال يقبل المشاركة التش))ريع للق))وانين المنظم))ة للش))أن الع))ام‬
‫كما إنفاذ هذه القوانين وفرض احترامها‪ .‬وهو ما يعني أن السلطة التي تنبثق عن‬
‫هذه السيادة هي سلطة مطلقة ال تقبل القسمة أو المشاركة‪.‬‬
‫إن هذا الربط بين السيادة والسلطة المطلقة التي ال تقب))ل القس))مة أو المش))اركة‬
‫ينتهي بن))ا إلى مفه))وم االس))تبداد باعتب))اره ش))كل الس))لطة السياس))ية المنبث))ق عن‬
‫سمات السيادة ه))ذه‪ .‬يتعين االس)تبداد هن)ا بم)ا ه))و الحكم ال))ذي يق))وم على التف))رد‬
‫بالسلطة بشكل مطلق وال يقبل مشاركة من أي ط))رف آخ))ر في إدارة الش))أن الع))ام‬
‫على نحو قطعي‪.‬‬
‫ال يرتبط االستبداد بشكل محدد للدولة ولشكل نظام ال حكم فيه)ا‪ ،‬فق)د يتعين في‬
‫ص))ورة ش))خص يك))ون ملك))ا أو أم))يرا أو زعيم))ا‪ ،‬ويمكن أن يتعين في نظ))ام حكم‬
‫ملكي أو جمهوري‪ ،‬ويمكن أن يستند لشخصية الزعيم الملهم أو الح))زب الواح))د‪،‬‬
‫ولكننا في كل الحاالت أمام أشكال وصور متعددة لوجه واحد هو وج))ه االس))تبداد‪.‬‬
‫غالبا ما ال يقدم المستبد نفس))ه على أس))اس كون))ه مس))تبدا وإنم))ا يق))وم بالتش))ريع‬
‫لسلطته المطلقة من خالل مبررات ودعاوي أخالقية تتعلق بتحقيق األمن وخدم))ة‬
‫المصلحة العام)ة وت)وفر المس)تبد على خص)ال اس)تثنائية وتحدي)د أولوي)ات تنظيم‬
‫الشأن العام ترتبط باختيارات تتقابل في إطارها مطالب التنمية واألمن ال))داخلي أو‬
‫الخارجي مع مطالب الحرية‪.‬‬
‫بغض النظر عن تطور أشكال االستبداد‪ ،‬وتنوع مبرراته‪ ،‬فان سمته الجوهري))ة‬
‫تض)ل ذاته))ا إذ تتعل))ق بغي)اب فك)رة المواطن)ة وتحدي)دا من)ع وإقص)اء األف)راد عن‬
‫المش))اركة في إدارة الش))أن الع))ام س))واء تعل))ق األم))ر بتحدي))د االختي))ارات العام))ة‬
‫المنظمة للشأن العام أو التشريع للقوانين المنظمة للعيش المشترك‪.‬‬
‫أم)ا الس)مة الثاني)ة الجوهري)ة المتعلق)ة بك)ل نظ)ام اس)تبدادي فتتعين في غي)اب‬
‫المراقب))ة إذ ال تخض))ع س))لطة المس))تبد ألي ش))كل من أش))كال الم))را قب))ة على‬
‫ممارسته السلطوية تشريعا وإنفاذا باعتبارها سلطة أولى ال سلطة فوقها‪.‬‬
‫إن غياب مفهوم المواطنة وتغ))ييب األف))راد من مج))ال المش))اركة السياس))ية من‬
‫جهة‪ ،‬وغياب جميع أشكال المراقبة عن سلطة المستبد بما يجعل منها سلطة غير‬
‫مقيدة‪ ،‬ينزع عن هذا النمط من السلطة كل مشروعية‪ ،‬نظرا الفتقاد الس))يادة ال))تي‬
‫تتأسس عليها هذه السلطة لمشروعية الحق وتؤسسها على مشروعية القوة‪.‬‬
‫إن نظام حكم استبداديا يخ))تزل الس))يادة في ش))خص الح))اكم أو الح))زب الواح))د‪،‬‬
‫ينتهي تهدي))دا إلمك))ان العيش المش))ترك بتهدي))ده ونقض))ه لرهان))ات مطلب العيش‬
‫المشترك‪ .‬ليس العيش المشترك غاية في حد ذاته‪ ،‬وإنما هو المقتضى الذي يوفر‬
‫شروط ارتقاء الوجود اإلنساني إلى مستوى الوج))ود الك))وني‪ .‬تتمث))ل ش))روط ه))ذا‬
‫االرتق))اء في اح))ترام ايتيق))ا التع))ايش م))ع اآلخ))ر القائم))ة على االع))تراف المتب))ادل‬
‫والتعاون والحوار وفق مقتضيات العقل‪ ،‬غير أن نظام))ا اس))تبداديا حين ي))نزع إلى‬
‫اعتم))اد العن))ف غاي))ة ووس))يلة وقم))ع الحري))ة والح))ق في االختالف واس))ترقاق‬
‫المواط))نين وحجب ص))فة النض))ج والعق))ل عنهم من خالل الحكم بع))دم أهليتهم في‬
‫المشاركة في تسيير الشأن العام إنما هو انحط))اط ب))الوجود البش))ري إلى مس))توى‬
‫الوجود الحيواني القائم على توفير شروط ضمان البقاء المادية ال غ))ير‪ .‬كم))ا دلت‬
‫التجربة التاريخية أن كل نظام مس))تبد يض))خم بش))كل ال نه))ائي من س))يادته مقاب))ل‬
‫شعبه إنما ينتهي إلى كوارث حقيقية ترتبط بمغامرات الحرب والعن))ف ض))د ال))دول‬
‫األخ))رى وم))ا ينتج عن))ه من دم))ار متب))ادل يع))رض الوج))ود اإلنس))اني إلى مخ))اطر‬
‫الفناء المادي والفعلي‪.‬‬
‫إن ربط السيادة بالعنف واالستبداد‪ ،‬وبغض النظر عن ك))ل م))بررات ه))ذا الرب))ط‬
‫يس))توجب إع))ادة النظ))ر في مفه))وم الس))يادة ذاته))ا من جه))ة مراجع))ة ح))دود ه))ذه‬
‫السيادة‪ ،‬من خالل تعيين حدود ذاتية للسيادة تنبع من مقتضياتها وأسس))ها ذاته))ا‪.‬‬
‫في هذا اإلطار تتنزل محاوالت عدد من المفكرين من)ذ ب)دايات العص)ر الح)ديث في‬
‫محاوالتهم إعادة التفكير في حدود والتزامات السيادة‪.‬‬
‫‪ /3‬السيادة والمواطنة‪:‬‬
‫إن جميع أشكال االستبداد تجد أساسها في فهم محدد لداللة السيادة باعتبارها‬
‫مطلقة ال تقبل القسمة وال المشاركة‪ ،‬وبالتالي فان من يمتلك السيادة يمتلك سلطة‬
‫مطلقة‪ ،‬غير مقيدة وغير محدودة‪ .‬سواء تعل))ق األم))ر بش))واهد الت))اريخ‪ ،‬وارتب))اط‬
‫الح))روب والنزاع))ات باألنظم))ة االس))تبدادية‪ ،‬أو ع))ودة على قيم العق))ل اإلنس))اني‬
‫المطلقة والخالدة المتمثلة في الحق والخير فإننا نجد أنفس)نا مج)برين على إع)ادة‬
‫التفك))ير في مفه))وم الس))يادة من جه))ة التض))نن على تعريفه))ا الملتبس ال))ذي‬
‫يتصورها مطلقة ال حد لها‪.‬‬
‫نش))أ الفك))ر السياس))ي الح))ديث على أس))اس مراجع))ة مفه))وم الس))يادة من جه))ة‬
‫تحديدها وتقييدها ذاتيا بمعنى أن تجاوز جمي))ع أش))كال االس))تبداد يس))توجب تقيي))د‬
‫السيادة ذاتها من داخلها من جهة ضبط أسسها بشكل يجعل من الس))لطة المنبثق))ة‬
‫عنها سلطة مقيدة بمقتضيات السيادة ذاتها‪ .‬إن لحظة القط))ع الحقيقي))ة ال))تي أذنت‬
‫بميالد التفك))ير الفلس))في الح))ديث في الدول))ة ارتب))ط بمرجعي))ة فلس))فية وقانوني))ة‬
‫أصطلح على تسميتها بفلسفة "العقد االجتماعي"‪.‬‬
‫تحيلن))ا فلس))فة "العق))د االجتم))اعي" على جمل))ة من الفالس))فة أهمهم‪" :‬ج))ون‬
‫لوك" و"روسو" و"سبينوزا" و"هوبس"‪ .‬رغم أهمية االختالف))ات في مواق))ف‬
‫هؤالء الفالسفة‪ ،‬والى حد التناقض أحيانا‪ ،‬فان ذل))ك ال ينفي تق))اطعهم ح))ول فك))رة‬
‫رئيس))ية مثلت أساس))ا لنش))أة الدول))ة في ص))يغتها وش))كلها المعاص))ر‪ .‬يتجلى ه))ذا‬
‫التقاطع بين هؤالء الفالسفة في مبدأين أساسيين‪:‬‬
‫‪ -‬ربط التفكير في الدول))ة بدراس)ة الطبيع)ة اإلنس)انية وض)عيا‪ ،‬بحيث تك)ون نش)أة‬
‫الدول))ة ناتج))ة عن خصوص)ية الطبيع)ة اإلنس)انية ذاته))ا‪ .‬إن ه))ذه الع)ودة لدراس)ة‬
‫الطبيعة اإلنسانية في تحديد أسس الدولة مثل قطع))ا مطلق))ا م))ع التفك))ير الاله))وتي‬
‫الذي كان يربط التفكير في الدولة بحق))ائق متعالي))ة ومتج))اوزة للوض))ع اإلنس))اني‪.‬‬
‫يف))ترض فالس))فة العق))د االجتم))اعي وج))ودا أول لإلنس))ان تغيب عن))ه ك))ل أش))كال‬
‫السلطة فيكون هذا الوضع "حالة الطبيعة"‪ .‬ترتبط هذه الحالة ب))العنف والص))راع‬
‫الناتج عن غلبة األهواء وتناقض مصالح األف))راد بم))ا يه))دد الحي))اة اإلنس))انية‪ .‬إن‬
‫وضعا مثل هذا يضل وضعا مناقضا لما يقره العقل كما طبيعة اإلنسان ال))تي تجع))ل‬
‫من الحي))اة قيم))ة قص))وى ال يمكن المغ))امرة به))ا بم))ا يف))رض على ه))ؤالء األف))راد‬
‫البحث عن مخرج يجنبهم خطر الموت العنيف‪ .‬يكون اتفاقهم لتج))اوز ه))ذا الخط))ر‬
‫هو إنشاء دولة تكون مهمتها تيسير العيش المشترك‪.‬‬
‫‪ -‬اعتبار الدولة اصطناعا وإنشاء إنس))انيا فهي ق))د نش))أت ب))إرادة وفع))ل اإلنس))ان‪،‬‬
‫ه))ذه اإلرادة ال))تي تجلت في العق))د االجتم))اعي‪ ،‬بم))ا ه))و عق))د إرادي واختي))اري‪.‬‬
‫ف))الوعي بخط))ورة اس))تمرار حال))ة الح))رب ا لمم))يزة لحال))ة الطبيع))ة ي))دفع ه))ؤالء‬
‫األفراد إلى إبرام اتفاق يلتزم خالل))ه ك))ل عض))و على التخلي عن حقوق))ه الطبيعي))ة‬
‫وخاصة حق)ه في حماي)ة مص)الحه بنفس)ه وحق)ه في اس)تعمال العن)ف لل)دفاع عن‬
‫مصالحه لصالح الدولة التي ستنشأ عن هذا العقد بش))رط تخلي ك))ل ف))رد عن نفس‬
‫الحقوق‪ .‬فس))يادة الدول))ة محكوم))ة ب))ذلك ببن))ود العق))د ذات))ه ال))تي تتح))دد في نس))ق‬
‫روسو مثال بحماية الحريات المدنية والحفاظ على المصلحة العامة‪ ،‬ليك))ون م))برر‬
‫طاعة الدولة واالعتراف بشرعية سيادتها هو احترامها اللتزاماتها‪.‬‬
‫إن هذا التأسيس لسيادة الدولة على أساس احترام الحريات وحماي))ة المص))لحة‬
‫العامة يحدث تحوال جوهري)ا في منزل))ة اإلنس)ان داخ))ل الدول))ة الحديث)ة إذ يتح))ول‬
‫الفرد من منزلة الرعية الذي تتحدد عالقته بالحاكم بالخضوع واإللزام إلى منزل))ة‬
‫المواطنة القائمة على المشاركة في الحكم والطاعة للق))انون المبني))ة على أس))اس‬
‫أن المواطن ذاته مصدر القوانين التي تشرع باسمه كأحد أفراد الشعب‪.‬‬
‫ه))ذا االنتق))ال من مفه))وم الرعاي))ا إلى مفه))وم الش))عب يحيلن))ا على نظ))ام الحكم‬
‫الديمقراطي المبني كما أسلفنا على سيادة الشعب‪ .‬تتحق))ق ه))ذه الس))يادة من خالل‬
‫جمل))ة من اآللي))ات تق))وم على اعتب))ار الف))رد مواطن))ا يتمت))ع بجمل))ة من الحق))وق‬
‫األساس))ية أهمه))ا حق))ه في المش))اركة في الحي))اة السياس))ية انطالق))ا من الح))ق في‬
‫الترش))ح للمناص))ب العام))ة والح))ق في اختي))ار ممثلي))ه من خالل االنتخ))اب الح))ر‬
‫والنزيه‪.‬‬
‫‪ /4‬الديمقراطية وحق المقاومة‪:‬‬
‫بقدر ما يمثل النظام الديمقراطي حال لمأزق العنف واالستبداد من خالل تأسيس‬
‫السيادة على مبدأ س))يادة الش))عب فيك))ون الش))عب مص))در الس))يادة من جه))ة كون))ه‬
‫المشرع للقوانين المنظمة للعيش المشترك عبر التمثي))ل الني))ابي ومن جه))ة ك))ون‬
‫الحكومة التي تسهر على تط))بيق وف)رض اح))ترام الق))انون يختاره))ا الش)عب ذات)ه‬
‫وتعبر بذلك عن اإلرادة العامة ف))ان النظ))ام ال))ديمقراطي ال يخل))و ذات))ه من مش))اكل‬
‫عديدة بما يجعل من قيم الحرية والعدل محل سؤال‪.‬‬
‫إن النظام الديمقراطي يفيد سلطة الشعب‪ ،‬سلطة غير مباشرة من خالل ممثلي))ه‬
‫في السلطتين التشريعية والتنفيذية الذين يختارهم المواطن‪ .‬غير أننا هنا نق))ع في‬
‫مأزق ذا وجهين‪:‬‬
‫‪ -‬فمن جه))ة أولى يف))ترض النظ))ام ال))ديمقراطي ح))ق األغلبي)ة في القي)ادة والحكم‬
‫وهو ما يعني إن كل عملية انتخابية تنتهي ضرورة إلى إقصاء وتهميش ع))دد من‬
‫المواطنين الذين لم يساهموا في اختيار الحاكم وه))و يجع))ل من عالقتهم م))ع ه))ذه‬
‫الس)))لطة المنتخب)))ة قائم)))ة على الخض)))وع إلرادة األغلبي)))ة ومص)))ادرة حقهم في‬
‫المشاركة في السلطة‪ .‬يصبح مثل هذا الوضع خطيرا حين تك))ون ه))ذه األقلي))ة ‪49‬‬
‫في المائة من مجموع المنتخبين فيكون النظ))ام ال))ديمقراطي س))ببا لتغ))ييب نص))ف‬
‫المواطنين تقريبا من المشاركة في السلطة‪.‬‬
‫‪ -‬أما من جهة ثانية فاعتبار أن مشروعية الحاكم تكمن في حص))وله على أغلبي))ة‬
‫األصوات ال يجع))ل من حكم))ه ‪،‬ض))رورة حكم))ا ش))رعيا من جه))ة الح))ق والمع))ايير‬
‫األخالقية إذ إن التاريخ قد أوض))ح لن))ا بش))كل ج))ازم أن األغلبي))ة يمكن تحت ت))أثير‬
‫المغالطات والتزييف والشعور القومي المتط))رف أن تك)ون س)ببا في قي)ان أنظم)ة‬
‫حكم ال أخالقية وال إنسانية تمثل خطرا حقيقيا على األمن والسلم داخليا وخارجيا‪.‬‬
‫إن التأكيد على أهمية وضرورة التمسك بالنظام الديمقراطي كشكل للحكم يحقق‬
‫غايات العيش المشترك ضمن مقتضيات الحق ال يعني مطلقا أن القبول بالخضوع‬
‫لمقتضيات الممارس))ة السياس))ية داخ))ل النظ))ام ال))ديمقراطي يفي))د خنوع))ا وس))لبية‬
‫تجعل المواطن بجميع أشكال التعدي على حقوقه األساسية باسم حكم األغلبي))ة أو‬
‫المصلحة العامة‪ .‬األساس النظري الذي يقوم علي))ه مفه))وم الس))يادة والمتمث))ل في‬
‫نظرية العقد االجتماعي هو ذاته الذي يجعل من مقاومة ورفض الخض))وع لجمي))ع‬
‫إشكال التع)دي على الحق)وق المدني)ة ذات)ه ض)روريا‪ .‬إن العق)د يق)وم على أس)اس‬
‫التزامات متبادلة فكما يك)ون الم)واطن ملزم)ا ب)احترام س)يادة الدول)ة ف)ان الدول)ة‬
‫ذاتها تكون ملزمة باحترام حقوق اإلنسان ل))ذلك ف))ان إخالل الف))رد بالتزامات))ه كم))ا‬
‫يلزم وقوعه تحت طائلة العقاب الق))انوني ف))ان إخالل الدول))ة يجع))ل من الف))رد حال‬
‫من االعتراف بطاعة الدولة ومقاومة سلطتها المتعسفة‪.‬‬
‫تخ))ذ ه))ذه المقاوم))ة أش))كال متع))ددة إذ يمكن أن تك))ون مقاوم))ة س))لمية ترتب))ط‬
‫بالالعنف االيجابي كما تجسد في مقاومة غاندي لالستعمار االنكليزي لبالده‪.‬‬
‫الشكل الث))اني من المقوم))ة وال))ذي يم))يز الممارس))ة السياس))ية المعاص))رة ه))و م))ا‬
‫أصبح يعرف بمقاوم))ة الحش))ود أي حرك))ات االحتج))اج الش))عبي الض))خمة ال))تي ت‬
‫عمد إلى محاصرة المؤسسات العامة وقطع الطرق الرئيسية واالمتناع عن العم))ل‬
‫وسط تغطية إعالمية ك))برى تمن))ع ممارس))ة العن))ف الش))ديد من قب))ل الس))لطة ض))د‬
‫المتظاهرين ‪.‬‬
‫في كل الحاالت يبقى الحق في المقاومة حق مطلق للمواطن في ك))ل حال))ة تخ))ل‬
‫فيها الدولة باستحقاقاتها المتمثلة في ربط السيادة بالشعب‪.‬‬
‫‪ /4‬المواطن العالمي‪:‬‬
‫تكمن أهمي))ة الرب))ط بين الس))يادة وس))لطة الش))عب واعتب))ار أن الش))عب مص))در‬
‫السيادة داخ)ل نظ)ام حكم ديمق)راطي‪ ،‬في تأكي)د أولوي)ة وقداس)ة حق)وق الم)واطن‬
‫باعتباره شريكا فاعال في تنظيم الشأن العام من خالل اإلقرار بجمل))ة من الحق))وق‬
‫األساسية التي ال يمكن مجاوزته))ا ب))أي ح))ال‪ .‬إن الدول))ة الديمقراطي))ة هي الدول))ة‬
‫التي تضمن لمواطنيها جمل)ة من الحق)وق المدني)ة تتن)وع م)ابين حق)وق سياس)ية‬
‫واجتماعية وثقافية تسهم جميعها في ضمان كرام))ة الف))رد اح))ترام شخص))ه بعي))دا‬
‫عن كل أشكال التعسف والوصاية‪.‬‬
‫غير أن ما يجب مالحظته أن جملة هذه الحقوق التي يكتسبها الفرد داخل نظ))ام‬
‫الحكم الديمقراطي إنما يستمد ها باعتبارها مواطنا يقر دس))تور البالد ال))تي ينتمي‬
‫إليها مجمل هذه الحق))وق‪ .‬ترتب))ط حق))وق اإلنس))ان إذن بالمواطن))ة كانتم))اء ق))ومي‬
‫لدولة يعينها‪ .‬إن هذا الربط بين حق))وق اإلنس))ان والمواطن))ة في عالقته))ا بالهوي))ة‬
‫القومية يثير جملة من االحراجات األساسية‪.‬‬
‫‪ -‬يتعل)ق اإلح)راج األول بوض)عية األقلي)ات ال)تي ال تحم)ل نفس الهوي)ة الثقافي)ة‬
‫لألغلبية من المواطنين‪ .‬إن مثل هذا الوضعية غالبا ما ينتهي إلى وض))عية إقص))اء‬
‫وتهميش لهذه األقليات باعتب))ار أن ق))انون األغلبي))ة يمنعه))ا من إمك))ان المش))اركة‬
‫الفعلية في إدارة الشأن العام‪.‬‬
‫‪ -‬يتعلق اإلحراج الثاني بوضع المه))اجرين ل))دول غ))ير دولتهم األص))لية‪ .‬إن ه))ذه‬
‫الوضعية غالبا ما تكون مقترنة بتهميش الجاليات المهاجرة وتعرضها للعنص))رية‬
‫باعتبار أن ع))دم حمله))ا لجنس))ية الدول))ة ال))تي تقيم فيه))ا‪ ،‬يحرمه))ا من الكث))ير من‬
‫الحقوق التي يتمتع بها فقط المواطنون ‪.‬‬
‫ه))ذا الرب))ط بين الحق))وق والمواطن))ة وفي ض))ل التح))والت ال))تي يعرفه))ا عالمن))ا‬
‫المعاصر المرتبطة بتنامي ظ))اهرة الهج))رة ألس))باب متع))ددة‪ ،‬وخاص))ة اقتص))ادية‪،‬‬
‫جعل من مراجعة هذا الربط ضروريا‪ .‬تتمثل هذه الم)ر اجع)ة خصوص)ا في تج)اوز‬
‫الربط الضروري بين حقوق اإلنس))ان والمواطن))ة على أس))اس رب))ط ه))ذه الحق))وق‬
‫بحقوق اإلنسان‪ .‬تكمن أهمية هذا الربط في تأسيس هذه الحقوق على وجه مطلق‬
‫وكلي يرب))ط بين الحق))وق واإلنس))ان ليس باعتب))اره مواطن))ا في دول))ة م))ا ولكن‬
‫باعتباره إنسانا بغض النظر عن كل انتماء قومي أو ثقافي‪ .‬بذلك فانه سواء تعلق‬
‫األمر بمواطن أو بأقلية ثقافية أو بمه))اجر ف))ان التمت))ع ب))الحقوق يك))ون الزم))ا من‬
‫االنتساب لإلنسانية ال غير وهو ما نصت عليه مواثي))ق األمم المتح))دة في اإلعالن‬
‫العالمي لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪ /5‬السيادة في ضل العولمة‪:‬‬
‫يفترض القانون الدولي أن كل الدول تتمتع من حيث المب))دأ بالس))يادة على أس))اس‬
‫المساواة الكاملة‪ ،‬وتمتع كل دولة باستقاللها التام‪ ،‬بم))ا يف))رض أن تك))ون العالق))ة‬
‫القائم))ة بين ال))دول قائم))ة على أس))اس اح))ترام ك))ل دول))ة لس))يادة ال))دول األخ))رى‬
‫وامتناعها عن التدخل في شؤونها الخاصة‪ ،‬وهو ما يعبر عنه بمبدأ ع))دم الت))دخل‬
‫في الشؤون الداخلية للدول‪.‬‬
‫إذا ما كان من المفترض في العالقات الدولية أن تقوم على أساس عدم ا لتدخل‬
‫في الشؤون الداخلية فان الق))انون ال))دولي ذات))ه يف))رض على ه))ذه ال))دول االل))تزام‬
‫باالتفاقات الدولية التي تمضيها وتصبح ملزمة لها‪ .‬تصبح ه))ذه االتفاق))ات بمثاب))ة‬
‫القيود التي تح))د من س))يادة ال))دول‪ .‬ان ه))ذه االتفاق))ات أص))بحت في عص))رنا أك))ثر‬
‫حضورا وأكثر تضييقا لسيادة الدولة من جهة بروز منظمات واتفاق))ات تجع))ل من‬
‫سلطة بعض المنظمات أعلى من سلطة الدولة ذاتها ‪ .‬فس))واء تعل))ق األم))ر ب))الحق‬
‫في التدخل ألسباب إنسانية‪ ،‬أو مالحقة مجرمي الحرب ‪ ...‬فان سيادة الدولة تفتقد‬
‫لصفة اإلطالق‪ ،‬وتصبح محدودة بحدود القانون الدولي‪.‬‬
‫بقدر ما يمثل هذا الحد من سيادة الدولة عامال ايجابيا في حماية حقوق اإلنسان‬
‫ومالحقة مجربي الحرب والقائمين بجرائم التع))ذيب أو ض))د اإلنس))انية ف))ان ت))دخل‬
‫العوامل والمصالح السياسية لبعض الدول بحيث تضخم من بعض الحوادث لتهمل‬
‫النظ))ر في وق))ائع وج))رائم ال تق))ارن في خطورته))ا وانتهاكه))ا لك))ل القيم اإلنس))انية‬
‫يجعل من السؤال عن هذا االتجاه المتنامي في التأسيس لمبدأ التدخل في الشؤون‬
‫الداخلية للدول محل سؤال‪.‬‬

You might also like