Professional Documents
Culture Documents
الدولة
الدولة
إن تحقق اإلنساني في اإلنسان على نحو كوني ،يفرض تجاوز الوجود اإلنساني
مستوى الوجود المرتبط بضمان الحاجات الضرورية ،ال))تي تض))من ش))روط حف))ظ
البق))اء .فتج))اوز مس))توى الوج))ود الط))بيعي نح))و االرتق))اء إلى مس))توى الوج))ود
اإلنساني يستلزم قيام مجتمع إنساني تكون للقيم في إطاره داللة ومعنى .غير أنن))ا
سواء نظرنا إلى ضرورة االجتماع اإلنس))اني في عالق))ة بمب))دأ التع))اون والتقس))يم
االجتماعي للعمل ،أو في مستوى التأسيس لوجود ثقافي يرتب))ط ب))القيم والمع))نى،
نالح))ظ أن اس))تمرار ه))ذا االجتم))اع وتماس))كه وثبات))ه يض))ل غ))ير ممكن))ا ،بس))بب
اختالف وتعارض مصالح األفراد وطباعهم وقيمهم.
يشتر ط تثبيت الوجود االجتم))اعي تنظيم الش))أن الع))ام ،ويحيلن))ا مفه))وم الش))أن
العام إلى احد أبع))اد الوج))ود اإلنس))اني األساس))ية المتمثل))ة في وج))وده السياس))ي.
يتحدد هذا الوجود السياسي بمقتضى تنظيم الشأن العام ،أي المجال الذي تتق))اطع
فيه مصالح األفراد تكامال وتناقضا .فبقدر ما يجعلنا وجودنا االجتماعي متع))اونين
متآلفين ،باعتبار ارتباط مصلحتنا الخاصة باآلخرين ،فان مصلحتنا الخاصة تكون
دائما كذلك مقيدة بمصلحة اآلخرين.
يستلزم تجاوز مجمل هذه العوائق التي تح))ول دون ثب))ات االجتم))اع بم))ا يحق))ق
الغاي))ة من))ه ،ت))وفر س))لطة تك))ون ق))ادرة على تنظيم الش))أن الع))ام ،والتوفي))ق بين
المصالح المتقابلة بين األفراد بما يض))من اس))تقرار المجتم))ع وتماس))كه .تتح))دد "
الس))لطة بم))ا هي البني))ة األساس))ية للسياس))ي" (ب))ول ريك))ور) .إذ أن الس))لطة
السياسية هي المقتضى الذي يضمن تنظيم الشأن الع))ام .تق))وم الس))لطة السياس))ية
على أساس اقتران وجودها بالقوة ،فهذا االقتران هو الذي يوفر للسلطة إمكان))ات
الفعل والتأثير القائمة على أدوات المراقبة والعقاب .دون توفر مث)ل ه))ذه الس)لطة
ال))تي تك))ون ق))ادرة على كبح جمي))ع مظ))اهر العن))ف ومعاقب))ة ك))ل من يتع))دى على
مقتضيات الوجود االجتم))اعي يتح))ول ه))ذا الوج))ود إلى فوض))ى مطلق))ة .على ه))ذا
األساس يمكن تعريف الدولة من جهتين :من جهة توفره))ا على ثالث))ة أرك))ان هي
اإلقليم ،والشعب ،والس))لطة السياس))ية (مؤسس))ات الدول))ة وأجهزته))ا من حكوم))ة
وشرطة وقضاء وجيش )...ومن جهة تمتعها بالسيادة بمعنى توفرها على س))لطة
وقدرة مطلقة ال تقبل القسمة وال المشاركة وال التجزئة بم))ا يجع))ل من ممارس))تها
للسلطة ممكنا.
/1الدولة والسيادة:
السيادة تتح))دد إذا باعتباره))ا الخاص))ية المم))يزة لك))ل س))لطة سياس))ية ،وهي م))ا
يض))في المش))روعية على ه))ذه الس))لطة بحيث تك))ون س))لطة الدول))ة هي تجس))يد
لسياستها .هذا الربط بين سلطة الدولة ومفهوم السيادة ه))و م))ا يجع))ل من س))لطة
الدولة س))لطة علي))ا ومطلق))ة .أن تتمت))ع الدول))ة بالس))يادة ف))إن ذل))ك يع))ني أن ه))ذه
السيادة هي منبع السلطات األخرى ،على هذا األساس يكون للدولة الحق المطل))ق
في تشريع القوانين وإنفاذها دون أن تكون ،في ذلك ،محتاج))ة للرج))وع إلى مب))دأ
غير ذاتها ،وال إلى مشروعية غ)ير مش)روعيتها الخاص)ة .يحي)ل مفه)وم الس)يادة
بذلك على معاني الهيمنة والسلطة والتحكم التي يتقّو م بها وجود الدولة في إط))ار
حدود و مجال سلطتها الواقعي والقانوني.
إذا كانت السيادة تعني داخل حدود الدولة الس))لطة المطلق))ة والعلي))ا ،المحتك))رة
لحق سن القوانين المنظمة لعالقة األفراد فيم))ا بينهم ،والس))هر على ف))رض هيب))ة
واحترام هذه القوانين ،فهي تفيد في إطار العالقة بين الدول استقاللية الدولة عن
كل سلطة خارجية ،أي عن سلطة أي دول))ة أخ))رى .وب))ذلك فان))ه ال يمكن الح))ديث
عن دول))ة دون توفره))ا عن س))يادة تام))ة ومطلق))ة بم))ا يجعله))ا ق))ادرة على بس))ط
سلطتها وممارسة هذه السلطة في استقاللية تام))ة عن ت))أثير أو مراقب))ة أي دول))ة
أخرى .يحيل مفه))وم الس))يادة في ه))ذا الس))ياق على مب))دأ س))يادة األم))ة واس))تقالل
إرادتها في مقابل سيادة بقية الدول األخرى.
إن هذا التحديد األولي لمفهوم الس))يادة من خالل ربط))ه باحتك))ار الس))لطة داخ))ل
حدود الدولة ،على أساس انفرادها بمشروعية تشريع القوانين وإنفاذها من جهة
،واستقاللها عن كل تأثير أو ت)دخل خ))ارجي من جه))ة ثاني)ة ،أص)بح الي)وم ،وفي
ضل مظاهر العولمة االقتص))ادية والسياس))ية خاص))ة يواج))ه تح))ديات حقيقي))ة م))ع
تشكل وتنامي ما أصبح يعرف بالقانون الدولي خاصة .إن سلطة الدولة وان ب))دت
ال مح))دودة انطالق))ا من مب))دأ الس))يادة إال أن االتفاق))ات الدولي))ة ال))تي نش))أ عنه))ا
القانون الدولي والمؤسسات الدولية الحقوقية جعلت من مفهوم الس))يادة الوطني))ة
موضوع للمساءلة وإعادة التأسيس.
/2السيادة ومأزق العنف:
* السيادة والحاجة للعنف:
يرتبط مفهوم السيادة ،في حضارتنا المعاص))رة ،بالدول))ة تحدي))دا ،إذ ال يمكن أن
نربط أي وجود اجتماعي سياسيي بمبدأ السيادة ،غير الحديث عن سيادة الدول))ة.
تكون الدولة بهذا المعنى هي الجهة ،وبغض النظ))ر عم))ا إذا م))ا ك))انت تتح))دد في
شخص ،أو في مؤسسة ،أو في مجموع))ة مؤسس))ات منفص))لة ومس))تقلة ،ولكنه))ا
في نفس الوقت متكاملة ،في احتكار فعاليتين رئيستين؛ تشريع القوانين المنظم))ة
للشأن العام من جهة ،وإنفاذ هذه القوانين ،من خالل آلي))ات المراقب))ة والعق))اب ،
من جهة ثانية.
ترتبط الدول)ة ،إذن بممارس)ة العن)ف ولكن العن)ف ال)ذي تمارس)ه الدول)ة يض)ل
عنفا شرعيا ال من جهة غاياته المتمثل))ة في ض))رورته لتنظيم الش))أن الع))ام وإنم))ا
من جهة اعتباره ش))رعيا ب))المعنى الق))انوني .إن عن))ف ال))دول ة ه))و العن))ف ال))ذي
يبرره القانون ويفرضه .فالدولة هي الجهة التي تحتكر الحق في ممارس))ة العن))ف
الشرعي حسب عبارة ماكس فيبر .هذا الربط بين الدول))ة والعن))ف يجعله))ا ليس))ت
غير تعبير عن عالقات الهيمنة السائدة داخل المجتمع.
يمثل العنف ،كممارسة مبررة ومشروعة ،الوجه اآلخ))ر للس))يادة ال))تي تؤس))س
لوجود الدولة ،وما يجعل من ممارستها للس))لطة أم))را واقعي))ا .حين نرب))ط الدول))ة
بالعنف فان المسالة ال تتعلق بشكل الدولة ،باعتبار نظامه)ا السياس)ي إذا م)ا ك)ان
مستبدا أو ديمقراطي)ا ،وإنم)ا بالدول))ة ب)إطالق وبغض النظ))ر عن ه))ذه الفروق)ات.
والعنف ذاته يمكن أن يتجلى ضمن وسائط متعددة سواء كان عنف))ا مادي))ا مباش))را
يقوم على إلحاق األذى المادي والمعنوي ،أم كان عنف))ا رمزي))ا يق))وم على توجي))ه
ال))رأي الع))ام على أس))اس المغالط))ة وال))تزييف وال))وهم .ولع))ل الس))مة الب))ارزة
لممارسة العنف اليوم تتمثل في شيوع آليات العنف الرمزي القائمة على التضليل
من خالل ال))دور الم))ؤثر ال))ذي أص))بحت تلعب))ه الي))وم وس))ائل اإلعالم بأص))نافها
المتعددة حتى صار هذا الشكل من أشكال العنف الق))ائم على التض)ليل بمثاب)ة العلم
القائم بذاته.
يتخ))ذ ه))ذا العن))ف ا لمنظم ال))ذي تمارس))ه الدول))ة وجهين متم))ايزين ولكنهم))ا
متكاملين .فالدولة الحديثة في ممارستها لسلطتها وتثبيت هذه السلطة تستند على
منظومتين من األجهزة كم))ا بين ذل))ك "ألتوس))ير" منظوم))ة الجه))از القمعي وهي
تتش))كل من جمل))ة مؤسس))ات الدول))ة القانوني))ة والمتمثل))ة في الحكوم))ة واإلدارة
وجهاز الشرطة والقضاء وهي كلها أدوات تعتمدها الدولة لتكريس ذاته))ا كس))لطة
تحتك))ر ممارس))ة العن))ف وتقم))ع ك))ل من يح))اول مش))اركتها في التف))رد في ه))ذه
الخاصية ،أو عدم االعتراف بسيادتها وحتى محاولة الخروج عن هذه السيادة.
غير أن الدولة الحديثة خاصة تعتمد منظوم))ة ثاني))ة من المؤسس))ات واألجه))زة
التي تمارس نوعا مغايرا من العنف هو العنف الرم))زي .إن آلي))ات العق))اب وح))تى
المراقبة المباشرة ال يمكن لها أن تضمن استمرار سلطة الدولة واحترام س))يادتها
م))ا لم تعم))د إلى تش))كيل أو إع))ادة تش))كيل وعي األف))راد على النح))و ال))ذي يجعلهم
يقبلون بسلطة الدولة على أساس كونها تتوفر على السيادة .يتعلق األمر في ه))ذا
المس))توى بمفه))وم االي))دولوجيا كم))ا ص))اغته "الفلس))فة الماركس))ية" .تتمث))ل
االي))))دولوجيا في مجم))))وع األفك))))ار والمعتق))))دات والمف))))اهيم ال))))تي تس))))عى
الدولة(باعتبارها ممثلة لمصالح طبقة اجتماعية محددة) لجعلها تبدو في األذه))ان
بمثابة حقائق مقبولة ال يمكن التشكيك فيه))ا أو الخ))روج عنه))ا .تعتم))د الدول))ة في
تشكيلها لهذا الوعي الزائف على مجموعة من األجهزة التي ق))د ال تب))دو مرتبط))ة
ضرورة بالدولة ذاتها كالمؤسسة الدينية والمدرسة ووس))ائل اإلعالم والمنظم))ات
واألحزاب ....على هذا األساس تتحدد االيدولوجيا باعتبارها أقسى أش))كال العن))ف
نظرا لقدرتها الفائقة على المغالطة حين تتحول المراقبة إلى مراقبة ذاتية.
ليس العن)ف بالوس)يلة أو األداة الوحي)دة ال)تي ت)ؤمن من خالله)ا الدول)ة س)يادتها
وتتيح لها إمكان ممارسة سلطتها غير أن العنف مع ذلك يبقى وسيلتها الخاصة.
بق))در م))ا يض))ل اعتم))اد العن))ف م))بررا باعتب))اره أح))د الش))روط الرئيس))ية ال))تي
بمقتض))اها يمكن ض))مان أقص))ى م))ا يمكن من مس))تلزمات العيش المش))ترك ،ف))إن
ارتب))اط الممارس))ة السياس))ية ب))العنف يض))عنا في مواجه))ة جمل))ة من االحراج))ات.
فممارسة العنف في ضل مطلب تثبيت وتكريس سيادة الدول))ة وأحقيته))ا ب))االنفراد
بممارسة السلطة السياسية يمثل قطعا خطرا وتهدي))دا لمص))ير األف))راد الخاض))عين
لها ،ذلك أن العنف ه))و عن))ف موج))ه بداي))ة ض))دهم ،وبغض النظ))ر عن مبررات))ه.
وحتى في حالة القب)ول برب)ط س)يادة الدول)ة بأحقيته)ا باس)تعمال العن)ف باعتب)اره
عنف شرعيا فان السؤال عن حجم وم)دى العن)ف المس)موح ب)ه يض)ل قائم)ا على
نحو جدي.
حتما ،إن كل عنف يمكن أن بصدر عن األفراد بم))ا يه))دد العيش المش))ترك ،من
الواجب مجابهته بعنف مضاد لردعه ،غير أن الس))ؤال عن حجم العن))ف المناس))ب
في مقابل هذا العنف األول يضل سؤاال وجيها .إن مجموعة من المشجعين لفريق
كرة قدم حين يبادرون للعنف كتعب)ير عن ع)دم رض)اهم على ق)رارات حكم مب)اراة
هو فعل وان كان ال يهدد بجد العيش المش))ترك فان))ه يض))ل فعال غ))ير مقب))ول يجب
مواجهته ،إال انه في هذه الحالة يس)توجب األم)ر أن نتس)اءل ه)ل يجب إن نواج)ه
هذا العنف بعنف مماثل في الدرجة؟ أم بكمية أكثر أو اقل؟
يحيلنا هذا التساؤل إلى إحراج حقيقي يتعلق ال بش))رعية العن))ف وض))رورته ،إذ
أن مبدأ السيادة ذاته يفترضه ،وإنما إلى التساؤل عن حدوده وم))داه .ذل))ك أن ك))ل
تعسف في استعمال القوة والعنف حتى وان كان في إطار قانوني بما يضفي علي))ه
ش))رعية ،يجع))ل من الس))يادة ذات ط))ابع إطالقي يربطه))ا باالس))تبداد ،فينفي عن
ممارسة السلطة المرتبطة بها كل مشروعية بافتقادها لمعيار الحق.
يحيلنا التحليل الس))ابق إلى مفارق))ة أولى :إن ض))مان العيش المش))ترك بم))ا ه))و
مطلب كل ممارسة سياسية ،وبما ه))و م))برر مب))دأ الس))يادة ذات))ه يف))ترض العن))ف
وسيلة وأداة ،أ فليس من المفارق))ة إذن إن يك))ون ش))رط ض))مان العيش المش))ترك
بما هو قيمة أخالقي))ة علي))ا تؤس))س للوج))ود اإلنس))اني وتض))في علي))ه بع))دا كوني))ا
مشروطا باس))تعمال العن))ف واإلرغ))ام؟ أ ال يحيلن))ا الوج))ود السياس))ي لإلنس))ان في
نهاية األمر إلى مفارقة ،حسب صياغة بول ريكور ،تتمثل في التقاب))ل بين موق))ف
اإلنسان المبدئي الرافض للعن))ف أخالقي))ا من جه))ة في حين أن وج))وده السياس))ي
مقترنا بالعنف؟
إن هذا المأزق بين تحديد ألفق االجتماع اإلنساني القائم على اس))تهجان العن))ف
من جهة وربط سيادة الدولة بممارس))ة العن))ف يض))عنا في مواجه))ة م))أزق نظ))ري
عملي في آن واحد يتعلق بالتساؤل عن مشروعية ربط مبدأ السيادة بالعنف.
فبأي مع))نى تمث))ل الس))يادة المطلق))ة والغ))ير مقي))دة ،والقائم))ة على اعتم))اد العن))ف
استبدادا يتنافى ومعيار الحق ،وكونية الوجود اإلنساني.
* السيادة واالستبداد:
تحيلنا داللة مفهوم سيادة الدولة في عالقة بمسالة العنف ،حين نتناول السيادة
بما هي سيادة داخلية ،إلى مبدأ السيادة باعتبارها مطلقة وغير مقيدة بحيث تكون
إرادتها فوق كل إرادة أخ))رى س))واء تعل))ق األم))ر ب))إرادة جه))ة معنوي))ة أو ب))إرادة
شخص مادي .ب)ذلك تك)ون الس)يادة مص)درا لس)لطة مطلق)ة بحيث ال تخض)ع ه)ذه
السلطة إال لذاتها ،وه)و م)ا يفي)د على ص)عيد الممارس)ة العملي)ة أن ه)ذه الس)يادة
تحتكر على نحو كامل ال يقبل المشاركة التش))ريع للق))وانين المنظم))ة للش))أن الع))ام
كما إنفاذ هذه القوانين وفرض احترامها .وهو ما يعني أن السلطة التي تنبثق عن
هذه السيادة هي سلطة مطلقة ال تقبل القسمة أو المشاركة.
إن هذا الربط بين السيادة والسلطة المطلقة التي ال تقب))ل القس))مة أو المش))اركة
ينتهي بن))ا إلى مفه))وم االس))تبداد باعتب))اره ش))كل الس))لطة السياس))ية المنبث))ق عن
سمات السيادة ه))ذه .يتعين االس)تبداد هن)ا بم)ا ه))و الحكم ال))ذي يق))وم على التف))رد
بالسلطة بشكل مطلق وال يقبل مشاركة من أي ط))رف آخ))ر في إدارة الش))أن الع))ام
على نحو قطعي.
ال يرتبط االستبداد بشكل محدد للدولة ولشكل نظام ال حكم فيه)ا ،فق)د يتعين في
ص))ورة ش))خص يك))ون ملك))ا أو أم))يرا أو زعيم))ا ،ويمكن أن يتعين في نظ))ام حكم
ملكي أو جمهوري ،ويمكن أن يستند لشخصية الزعيم الملهم أو الح))زب الواح))د،
ولكننا في كل الحاالت أمام أشكال وصور متعددة لوجه واحد هو وج))ه االس))تبداد.
غالبا ما ال يقدم المستبد نفس))ه على أس))اس كون))ه مس))تبدا وإنم))ا يق))وم بالتش))ريع
لسلطته المطلقة من خالل مبررات ودعاوي أخالقية تتعلق بتحقيق األمن وخدم))ة
المصلحة العام)ة وت)وفر المس)تبد على خص)ال اس)تثنائية وتحدي)د أولوي)ات تنظيم
الشأن العام ترتبط باختيارات تتقابل في إطارها مطالب التنمية واألمن ال))داخلي أو
الخارجي مع مطالب الحرية.
بغض النظر عن تطور أشكال االستبداد ،وتنوع مبرراته ،فان سمته الجوهري))ة
تض)ل ذاته))ا إذ تتعل))ق بغي)اب فك)رة المواطن)ة وتحدي)دا من)ع وإقص)اء األف)راد عن
المش))اركة في إدارة الش))أن الع))ام س))واء تعل))ق األم))ر بتحدي))د االختي))ارات العام))ة
المنظمة للشأن العام أو التشريع للقوانين المنظمة للعيش المشترك.
أم)ا الس)مة الثاني)ة الجوهري)ة المتعلق)ة بك)ل نظ)ام اس)تبدادي فتتعين في غي)اب
المراقب))ة إذ ال تخض))ع س))لطة المس))تبد ألي ش))كل من أش))كال الم))را قب))ة على
ممارسته السلطوية تشريعا وإنفاذا باعتبارها سلطة أولى ال سلطة فوقها.
إن غياب مفهوم المواطنة وتغ))ييب األف))راد من مج))ال المش))اركة السياس))ية من
جهة ،وغياب جميع أشكال المراقبة عن سلطة المستبد بما يجعل منها سلطة غير
مقيدة ،ينزع عن هذا النمط من السلطة كل مشروعية ،نظرا الفتقاد الس))يادة ال))تي
تتأسس عليها هذه السلطة لمشروعية الحق وتؤسسها على مشروعية القوة.
إن نظام حكم استبداديا يخ))تزل الس))يادة في ش))خص الح))اكم أو الح))زب الواح))د،
ينتهي تهدي))دا إلمك))ان العيش المش))ترك بتهدي))ده ونقض))ه لرهان))ات مطلب العيش
المشترك .ليس العيش المشترك غاية في حد ذاته ،وإنما هو المقتضى الذي يوفر
شروط ارتقاء الوجود اإلنساني إلى مستوى الوج))ود الك))وني .تتمث))ل ش))روط ه))ذا
االرتق))اء في اح))ترام ايتيق))ا التع))ايش م))ع اآلخ))ر القائم))ة على االع))تراف المتب))ادل
والتعاون والحوار وفق مقتضيات العقل ،غير أن نظام))ا اس))تبداديا حين ي))نزع إلى
اعتم))اد العن))ف غاي))ة ووس))يلة وقم))ع الحري))ة والح))ق في االختالف واس))ترقاق
المواط))نين وحجب ص))فة النض))ج والعق))ل عنهم من خالل الحكم بع))دم أهليتهم في
المشاركة في تسيير الشأن العام إنما هو انحط))اط ب))الوجود البش))ري إلى مس))توى
الوجود الحيواني القائم على توفير شروط ضمان البقاء المادية ال غ))ير .كم))ا دلت
التجربة التاريخية أن كل نظام مس))تبد يض))خم بش))كل ال نه))ائي من س))يادته مقاب))ل
شعبه إنما ينتهي إلى كوارث حقيقية ترتبط بمغامرات الحرب والعن))ف ض))د ال))دول
األخ))رى وم))ا ينتج عن))ه من دم))ار متب))ادل يع))رض الوج))ود اإلنس))اني إلى مخ))اطر
الفناء المادي والفعلي.
إن ربط السيادة بالعنف واالستبداد ،وبغض النظر عن ك))ل م))بررات ه))ذا الرب))ط
يس))توجب إع))ادة النظ))ر في مفه))وم الس))يادة ذاته))ا من جه))ة مراجع))ة ح))دود ه))ذه
السيادة ،من خالل تعيين حدود ذاتية للسيادة تنبع من مقتضياتها وأسس))ها ذاته))ا.
في هذا اإلطار تتنزل محاوالت عدد من المفكرين من)ذ ب)دايات العص)ر الح)ديث في
محاوالتهم إعادة التفكير في حدود والتزامات السيادة.
/3السيادة والمواطنة:
إن جميع أشكال االستبداد تجد أساسها في فهم محدد لداللة السيادة باعتبارها
مطلقة ال تقبل القسمة وال المشاركة ،وبالتالي فان من يمتلك السيادة يمتلك سلطة
مطلقة ،غير مقيدة وغير محدودة .سواء تعل))ق األم))ر بش))واهد الت))اريخ ،وارتب))اط
الح))روب والنزاع))ات باألنظم))ة االس))تبدادية ،أو ع))ودة على قيم العق))ل اإلنس))اني
المطلقة والخالدة المتمثلة في الحق والخير فإننا نجد أنفس)نا مج)برين على إع)ادة
التفك))ير في مفه))وم الس))يادة من جه))ة التض))نن على تعريفه))ا الملتبس ال))ذي
يتصورها مطلقة ال حد لها.
نش))أ الفك))ر السياس))ي الح))ديث على أس))اس مراجع))ة مفه))وم الس))يادة من جه))ة
تحديدها وتقييدها ذاتيا بمعنى أن تجاوز جمي))ع أش))كال االس))تبداد يس))توجب تقيي))د
السيادة ذاتها من داخلها من جهة ضبط أسسها بشكل يجعل من الس))لطة المنبثق))ة
عنها سلطة مقيدة بمقتضيات السيادة ذاتها .إن لحظة القط))ع الحقيقي))ة ال))تي أذنت
بميالد التفك))ير الفلس))في الح))ديث في الدول))ة ارتب))ط بمرجعي))ة فلس))فية وقانوني))ة
أصطلح على تسميتها بفلسفة "العقد االجتماعي".
تحيلن))ا فلس))فة "العق))د االجتم))اعي" على جمل))ة من الفالس))فة أهمهم" :ج))ون
لوك" و"روسو" و"سبينوزا" و"هوبس" .رغم أهمية االختالف))ات في مواق))ف
هؤالء الفالسفة ،والى حد التناقض أحيانا ،فان ذل))ك ال ينفي تق))اطعهم ح))ول فك))رة
رئيس))ية مثلت أساس))ا لنش))أة الدول))ة في ص))يغتها وش))كلها المعاص))ر .يتجلى ه))ذا
التقاطع بين هؤالء الفالسفة في مبدأين أساسيين:
-ربط التفكير في الدول))ة بدراس)ة الطبيع)ة اإلنس)انية وض)عيا ،بحيث تك)ون نش)أة
الدول))ة ناتج))ة عن خصوص)ية الطبيع)ة اإلنس)انية ذاته))ا .إن ه))ذه الع)ودة لدراس)ة
الطبيعة اإلنسانية في تحديد أسس الدولة مثل قطع))ا مطلق))ا م))ع التفك))ير الاله))وتي
الذي كان يربط التفكير في الدولة بحق))ائق متعالي))ة ومتج))اوزة للوض))ع اإلنس))اني.
يف))ترض فالس))فة العق))د االجتم))اعي وج))ودا أول لإلنس))ان تغيب عن))ه ك))ل أش))كال
السلطة فيكون هذا الوضع "حالة الطبيعة" .ترتبط هذه الحالة ب))العنف والص))راع
الناتج عن غلبة األهواء وتناقض مصالح األف))راد بم))ا يه))دد الحي))اة اإلنس))انية .إن
وضعا مثل هذا يضل وضعا مناقضا لما يقره العقل كما طبيعة اإلنسان ال))تي تجع))ل
من الحي))اة قيم))ة قص))وى ال يمكن المغ))امرة به))ا بم))ا يف))رض على ه))ؤالء األف))راد
البحث عن مخرج يجنبهم خطر الموت العنيف .يكون اتفاقهم لتج))اوز ه))ذا الخط))ر
هو إنشاء دولة تكون مهمتها تيسير العيش المشترك.
-اعتبار الدولة اصطناعا وإنشاء إنس))انيا فهي ق))د نش))أت ب))إرادة وفع))ل اإلنس))ان،
ه))ذه اإلرادة ال))تي تجلت في العق))د االجتم))اعي ،بم))ا ه))و عق))د إرادي واختي))اري.
ف))الوعي بخط))ورة اس))تمرار حال))ة الح))رب ا لمم))يزة لحال))ة الطبيع))ة ي))دفع ه))ؤالء
األفراد إلى إبرام اتفاق يلتزم خالل))ه ك))ل عض))و على التخلي عن حقوق))ه الطبيعي))ة
وخاصة حق)ه في حماي)ة مص)الحه بنفس)ه وحق)ه في اس)تعمال العن)ف لل)دفاع عن
مصالحه لصالح الدولة التي ستنشأ عن هذا العقد بش))رط تخلي ك))ل ف))رد عن نفس
الحقوق .فس))يادة الدول))ة محكوم))ة ب))ذلك ببن))ود العق))د ذات))ه ال))تي تتح))دد في نس))ق
روسو مثال بحماية الحريات المدنية والحفاظ على المصلحة العامة ،ليك))ون م))برر
طاعة الدولة واالعتراف بشرعية سيادتها هو احترامها اللتزاماتها.
إن هذا التأسيس لسيادة الدولة على أساس احترام الحريات وحماي))ة المص))لحة
العامة يحدث تحوال جوهري)ا في منزل))ة اإلنس)ان داخ))ل الدول))ة الحديث)ة إذ يتح))ول
الفرد من منزلة الرعية الذي تتحدد عالقته بالحاكم بالخضوع واإللزام إلى منزل))ة
المواطنة القائمة على المشاركة في الحكم والطاعة للق))انون المبني))ة على أس))اس
أن المواطن ذاته مصدر القوانين التي تشرع باسمه كأحد أفراد الشعب.
ه))ذا االنتق))ال من مفه))وم الرعاي))ا إلى مفه))وم الش))عب يحيلن))ا على نظ))ام الحكم
الديمقراطي المبني كما أسلفنا على سيادة الشعب .تتحق))ق ه))ذه الس))يادة من خالل
جمل))ة من اآللي))ات تق))وم على اعتب))ار الف))رد مواطن))ا يتمت))ع بجمل))ة من الحق))وق
األساس))ية أهمه))ا حق))ه في المش))اركة في الحي))اة السياس))ية انطالق))ا من الح))ق في
الترش))ح للمناص))ب العام))ة والح))ق في اختي))ار ممثلي))ه من خالل االنتخ))اب الح))ر
والنزيه.
/4الديمقراطية وحق المقاومة:
بقدر ما يمثل النظام الديمقراطي حال لمأزق العنف واالستبداد من خالل تأسيس
السيادة على مبدأ س))يادة الش))عب فيك))ون الش))عب مص))در الس))يادة من جه))ة كون))ه
المشرع للقوانين المنظمة للعيش المشترك عبر التمثي))ل الني))ابي ومن جه))ة ك))ون
الحكومة التي تسهر على تط))بيق وف)رض اح))ترام الق))انون يختاره))ا الش)عب ذات)ه
وتعبر بذلك عن اإلرادة العامة ف))ان النظ))ام ال))ديمقراطي ال يخل))و ذات))ه من مش))اكل
عديدة بما يجعل من قيم الحرية والعدل محل سؤال.
إن النظام الديمقراطي يفيد سلطة الشعب ،سلطة غير مباشرة من خالل ممثلي))ه
في السلطتين التشريعية والتنفيذية الذين يختارهم المواطن .غير أننا هنا نق))ع في
مأزق ذا وجهين:
-فمن جه))ة أولى يف))ترض النظ))ام ال))ديمقراطي ح))ق األغلبي)ة في القي)ادة والحكم
وهو ما يعني إن كل عملية انتخابية تنتهي ضرورة إلى إقصاء وتهميش ع))دد من
المواطنين الذين لم يساهموا في اختيار الحاكم وه))و يجع))ل من عالقتهم م))ع ه))ذه
الس)))لطة المنتخب)))ة قائم)))ة على الخض)))وع إلرادة األغلبي)))ة ومص)))ادرة حقهم في
المشاركة في السلطة .يصبح مثل هذا الوضع خطيرا حين تك))ون ه))ذه األقلي))ة 49
في المائة من مجموع المنتخبين فيكون النظ))ام ال))ديمقراطي س))ببا لتغ))ييب نص))ف
المواطنين تقريبا من المشاركة في السلطة.
-أما من جهة ثانية فاعتبار أن مشروعية الحاكم تكمن في حص))وله على أغلبي))ة
األصوات ال يجع))ل من حكم))ه ،ض))رورة حكم))ا ش))رعيا من جه))ة الح))ق والمع))ايير
األخالقية إذ إن التاريخ قد أوض))ح لن))ا بش))كل ج))ازم أن األغلبي))ة يمكن تحت ت))أثير
المغالطات والتزييف والشعور القومي المتط))رف أن تك)ون س)ببا في قي)ان أنظم)ة
حكم ال أخالقية وال إنسانية تمثل خطرا حقيقيا على األمن والسلم داخليا وخارجيا.
إن التأكيد على أهمية وضرورة التمسك بالنظام الديمقراطي كشكل للحكم يحقق
غايات العيش المشترك ضمن مقتضيات الحق ال يعني مطلقا أن القبول بالخضوع
لمقتضيات الممارس))ة السياس))ية داخ))ل النظ))ام ال))ديمقراطي يفي))د خنوع))ا وس))لبية
تجعل المواطن بجميع أشكال التعدي على حقوقه األساسية باسم حكم األغلبي))ة أو
المصلحة العامة .األساس النظري الذي يقوم علي))ه مفه))وم الس))يادة والمتمث))ل في
نظرية العقد االجتماعي هو ذاته الذي يجعل من مقاومة ورفض الخض))وع لجمي))ع
إشكال التع)دي على الحق)وق المدني)ة ذات)ه ض)روريا .إن العق)د يق)وم على أس)اس
التزامات متبادلة فكما يك)ون الم)واطن ملزم)ا ب)احترام س)يادة الدول)ة ف)ان الدول)ة
ذاتها تكون ملزمة باحترام حقوق اإلنسان ل))ذلك ف))ان إخالل الف))رد بالتزامات))ه كم))ا
يلزم وقوعه تحت طائلة العقاب الق))انوني ف))ان إخالل الدول))ة يجع))ل من الف))رد حال
من االعتراف بطاعة الدولة ومقاومة سلطتها المتعسفة.
تخ))ذ ه))ذه المقاوم))ة أش))كال متع))ددة إذ يمكن أن تك))ون مقاوم))ة س))لمية ترتب))ط
بالالعنف االيجابي كما تجسد في مقاومة غاندي لالستعمار االنكليزي لبالده.
الشكل الث))اني من المقوم))ة وال))ذي يم))يز الممارس))ة السياس))ية المعاص))رة ه))و م))ا
أصبح يعرف بمقاوم))ة الحش))ود أي حرك))ات االحتج))اج الش))عبي الض))خمة ال))تي ت
عمد إلى محاصرة المؤسسات العامة وقطع الطرق الرئيسية واالمتناع عن العم))ل
وسط تغطية إعالمية ك))برى تمن))ع ممارس))ة العن))ف الش))ديد من قب))ل الس))لطة ض))د
المتظاهرين .
في كل الحاالت يبقى الحق في المقاومة حق مطلق للمواطن في ك))ل حال))ة تخ))ل
فيها الدولة باستحقاقاتها المتمثلة في ربط السيادة بالشعب.
/4المواطن العالمي:
تكمن أهمي))ة الرب))ط بين الس))يادة وس))لطة الش))عب واعتب))ار أن الش))عب مص))در
السيادة داخ)ل نظ)ام حكم ديمق)راطي ،في تأكي)د أولوي)ة وقداس)ة حق)وق الم)واطن
باعتباره شريكا فاعال في تنظيم الشأن العام من خالل اإلقرار بجمل))ة من الحق))وق
األساسية التي ال يمكن مجاوزته))ا ب))أي ح))ال .إن الدول))ة الديمقراطي))ة هي الدول))ة
التي تضمن لمواطنيها جمل)ة من الحق)وق المدني)ة تتن)وع م)ابين حق)وق سياس)ية
واجتماعية وثقافية تسهم جميعها في ضمان كرام))ة الف))رد اح))ترام شخص))ه بعي))دا
عن كل أشكال التعسف والوصاية.
غير أن ما يجب مالحظته أن جملة هذه الحقوق التي يكتسبها الفرد داخل نظ))ام
الحكم الديمقراطي إنما يستمد ها باعتبارها مواطنا يقر دس))تور البالد ال))تي ينتمي
إليها مجمل هذه الحق))وق .ترتب))ط حق))وق اإلنس))ان إذن بالمواطن))ة كانتم))اء ق))ومي
لدولة يعينها .إن هذا الربط بين حق))وق اإلنس))ان والمواطن))ة في عالقته))ا بالهوي))ة
القومية يثير جملة من االحراجات األساسية.
-يتعل)ق اإلح)راج األول بوض)عية األقلي)ات ال)تي ال تحم)ل نفس الهوي)ة الثقافي)ة
لألغلبية من المواطنين .إن مثل هذا الوضعية غالبا ما ينتهي إلى وض))عية إقص))اء
وتهميش لهذه األقليات باعتب))ار أن ق))انون األغلبي))ة يمنعه))ا من إمك))ان المش))اركة
الفعلية في إدارة الشأن العام.
-يتعلق اإلحراج الثاني بوضع المه))اجرين ل))دول غ))ير دولتهم األص))لية .إن ه))ذه
الوضعية غالبا ما تكون مقترنة بتهميش الجاليات المهاجرة وتعرضها للعنص))رية
باعتبار أن ع))دم حمله))ا لجنس))ية الدول))ة ال))تي تقيم فيه))ا ،يحرمه))ا من الكث))ير من
الحقوق التي يتمتع بها فقط المواطنون .
ه))ذا الرب))ط بين الحق))وق والمواطن))ة وفي ض))ل التح))والت ال))تي يعرفه))ا عالمن))ا
المعاصر المرتبطة بتنامي ظ))اهرة الهج))رة ألس))باب متع))ددة ،وخاص))ة اقتص))ادية،
جعل من مراجعة هذا الربط ضروريا .تتمثل هذه الم)ر اجع)ة خصوص)ا في تج)اوز
الربط الضروري بين حقوق اإلنس))ان والمواطن))ة على أس))اس رب))ط ه))ذه الحق))وق
بحقوق اإلنسان .تكمن أهمية هذا الربط في تأسيس هذه الحقوق على وجه مطلق
وكلي يرب))ط بين الحق))وق واإلنس))ان ليس باعتب))اره مواطن))ا في دول))ة م))ا ولكن
باعتباره إنسانا بغض النظر عن كل انتماء قومي أو ثقافي .بذلك فانه سواء تعلق
األمر بمواطن أو بأقلية ثقافية أو بمه))اجر ف))ان التمت))ع ب))الحقوق يك))ون الزم))ا من
االنتساب لإلنسانية ال غير وهو ما نصت عليه مواثي))ق األمم المتح))دة في اإلعالن
العالمي لحقوق اإلنسان.
/5السيادة في ضل العولمة:
يفترض القانون الدولي أن كل الدول تتمتع من حيث المب))دأ بالس))يادة على أس))اس
المساواة الكاملة ،وتمتع كل دولة باستقاللها التام ،بم))ا يف))رض أن تك))ون العالق))ة
القائم))ة بين ال))دول قائم))ة على أس))اس اح))ترام ك))ل دول))ة لس))يادة ال))دول األخ))رى
وامتناعها عن التدخل في شؤونها الخاصة ،وهو ما يعبر عنه بمبدأ ع))دم الت))دخل
في الشؤون الداخلية للدول.
إذا ما كان من المفترض في العالقات الدولية أن تقوم على أساس عدم ا لتدخل
في الشؤون الداخلية فان الق))انون ال))دولي ذات))ه يف))رض على ه))ذه ال))دول االل))تزام
باالتفاقات الدولية التي تمضيها وتصبح ملزمة لها .تصبح ه))ذه االتفاق))ات بمثاب))ة
القيود التي تح))د من س))يادة ال))دول .ان ه))ذه االتفاق))ات أص))بحت في عص))رنا أك))ثر
حضورا وأكثر تضييقا لسيادة الدولة من جهة بروز منظمات واتفاق))ات تجع))ل من
سلطة بعض المنظمات أعلى من سلطة الدولة ذاتها .فس))واء تعل))ق األم))ر ب))الحق
في التدخل ألسباب إنسانية ،أو مالحقة مجرمي الحرب ...فان سيادة الدولة تفتقد
لصفة اإلطالق ،وتصبح محدودة بحدود القانون الدولي.
بقدر ما يمثل هذا الحد من سيادة الدولة عامال ايجابيا في حماية حقوق اإلنسان
ومالحقة مجربي الحرب والقائمين بجرائم التع))ذيب أو ض))د اإلنس))انية ف))ان ت))دخل
العوامل والمصالح السياسية لبعض الدول بحيث تضخم من بعض الحوادث لتهمل
النظ))ر في وق))ائع وج))رائم ال تق))ارن في خطورته))ا وانتهاكه))ا لك))ل القيم اإلنس))انية
يجعل من السؤال عن هذا االتجاه المتنامي في التأسيس لمبدأ التدخل في الشؤون
الداخلية للدول محل سؤال.