Professional Documents
Culture Documents
الإطار التاريخي و القانوني للمنظومة الصحية بالمغرب
الإطار التاريخي و القانوني للمنظومة الصحية بالمغرب
مقدمة
تفيد مختلف األدبيات والدراسات أن الصحة حق يجب أن يتمتع به كافة األفراد داخل
مجتمعاتهم ،وهو أحد الحقوق األساسية التي تم تكريسها مبوجب قواعد القانون الدويل ،حيث تم
إبرام العديد من االتفاقيات واملعاهدات الدولية واإلقليمية التي أوجدت مجموعة من الضامنات
لحامية هذا الحق ،كاإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان لسنة 1948يف املادة ،17725و العهد الدويل
الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية 1966يف املادة ، 17812فضال عن مجموعة من
االتفاقيات الفئوية األخرى.
كام اهتمت منظمة الصحة العاملية بالحق يف الصحة باعتبارها الجهة املوكول لها مهمة الحفاظ
عىل الصحة العاملية والرقي مبستوياتها ،وهو ما يتجسد جليا من خالل دستورها الذي ينص يف
ديباجته عىل جملة من املضامني واملقومات التي تعتربها املنظمة مبادئ أساسية الشتغالها ،وتوفرها
" - 177لكل شخص حق يف مستوى معيشة يكفى لضامن الصحة والرفاهة " املادة 25من اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان اعتمد
ونرش عىل املأل مبوجب قرار الجمعية العامة لألمم املتحدة الؤرخ يف 10ديسمرب .1948
178املادة " 12تقر األطراف يف هذا العهد بحق كل إنسان يف التمتع بأعىل مستوى م ن الصحة الجسمية والعقلية ميكن
بلوغه.
2.تشمل التدابري التي يتعني عىل الدول األطراف يف هذا العهد اتخاذها لتأمني املامرسة الكاملة لهذا الحق ،تلك التدابري
الالزمة من أجل:
(أ ) العمل عيل خفض معدل مويت املواليد ومعدل وفيات الرضع وتأمني منو الطفل منوا صحيا،
(ب) تحسني جمي ع جوانب الصحة البيئية والصناعية،
(ت) الوقاية من األمراض الوبائية واملتوطنة واملهنية واألمراض األخرى وعالجها ومكافحتها،
(ث) تهيئة ظروف من شأنها تأمني الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع يف حالة املرض
95
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
يعترب شيئا أساسيا لتحقيق صحة عاملية ترقى ملستوى تطلعات األفراد والحكومات واملنتظم الدويل،
عىل حد سواء.179
وتشكل الرفاهية والصحة الجيدة أحد أهم العنارص التي اعتمدتها أهداف التنمية لخطة التنمية
املستدامة لسنة 2030والتي تشكل محط إجامع دويل ،باعتبار أن ضامن حياة صحية وتعزيز العيش
الكريم يف جميع األعامر أمر أسايس لتحقيق التنمية املستدامة .كام أكدت منظمة األمم املتحدة عىل
أهمية الصحة يف املنظومة الدولية من خالل اإلشارة إليها يف عنارص شعارها" السالم والكرامة
واملساواة عىل كوكب ينعم بالصحة".
وقد برزت هذه األهمية يف الوضع الذي عايشته مختلف دول العامل خالل تجربة استثنائية ،يف
خضم ما أفرزته التطورات املستجدة التي متخضت عن فريوس كورونا ( كوفيد ) 19وتداعياته
االقتصادية واالجتامعية ،وعىل األجندة السياسية واألولويات الداخلية والخارجية للدول ،اليشء الذي
دفع هذه ا ألخرية إىل اتخاذ جملة من التدابري غري العادية التي تلت إعالن منظمة الصحة العاملية
فريوس كورونا عىل أنه جائحة عاملية.180
أما عىل املستوى الوطني ،وعىل غرار باقي الدول لقد كشفت جائح كورونا عن الهشاشة التي
يعاين منها القطاع الصحي ،بحيث أن تداعيات فريوس كورونا نبهت كافة مكونات املجتمع إىل
رضورة إيالء عناية واهتامم أكرث للقطاع الصحي بغية إرساء دعائم نظام صحي قوي ،وذلك يف سبل
االرتقاء به سواء عىل املستوى الترشيعي أو عىل املستوى التنظيم والحكامة أو عىل مستوى العرض
الصحي والبحث العلمي املتخصص يف املجال الصحي ،فضال عام يتعلق بالجانب املايل والتقني
والبرشي لجعله قادر عىل تلبية الحاجيات الوقائية والعالجية للمواطنات واملواطنني ،يف الظروف
العادية أو عند األزمات واألوبئة والكوارث وهو اليشء الذي ما فتئ ينبه إليه صاحب الجاللة امللك
محمد السادس يف خطاباته السامية.
- 179دستور منظمة الصحة العاملية ،أقره مؤمتر الصحة الدويل املنعقد بنيويورك من 19يونيو اىل 22يوليو . 1946ص.1
- 180اململكة املغربية مجلس النواب " ،مجموعة العمل املوضوعاتية املكلفة باملنظومة الصحية " الرئيس السيد الحبيب املاليك
الوالية الترشيعية العارشة .2021/2016ص 9 :
96
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
و من هنا ارتأينا أنه ال ميكن استيعاب قضايا اإلصالحات الكربى التي تطال القطاع الصحي
ومالمئة الحلول املطروحة مع املتطلبات الفعلية للمجتمع دون الرجوع إىل املايض و معرفة املوروث
التاريخي للمنظومة الصحية باملغرب ،والتحول الذي طرأ عليها منذ ما قبل الحامية وصوال إىل الوضع
الراهن.
وعليه نتساءل ما مدى تطور املنظومة الصحية باملغرب؟و ماهي اهم املراحل التي مرت منها
؟و ما هي أسس اإلطار القانوين والترشيعي الذي يحكمها ؟ و لإلجابة عىل هذه التساؤالت سنقسم
موضوع البحث إىل مبحثني ،نخصص األول منه إللقاء نظرة عن التطور التاريخي للمنظومة الصحية
باملغرب ،أما الثاين فسوف نتطرق فيه للمرجعيات التي إستمد منها املرشع األسس لصياغة منظومته
القانونية للقطاع الصحي .
- 181محمد أنفلوس ،مقال تحت عنوان " بعض معامل سياسة التعمري عىل ضوء الحالة الطبية و الصحية للمغرب يف عهد
الحامية " منشور مبجلة ليكسوس الرقمية عدد 2020 36ص1
97
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
إن اهتامم اململكة املغربية مبنظومته الصحية يعود تأصيله التاريخي للدولة املوحدية حيث تم
تأسيس ُ
أول " بيامرستان "يف اململكة ،مبدينة مراكش ،يف القرن السادس الهجري املوافق للقرن
الثاين عرش امليالدي وكان ذلك إبان حكم الخليفة املوحدي يعقوب املنصور 182فجاء وصف بيامرستان
يف كتاب " املعجب يف تلخيص أخبار املغرب " لكاتبه «عبد الواحد املراكيش» كالتايل :
(وبنى املنصور بيامرستانا ما أظن يف الدنيا مثله ،وذلك أنه تخري ساحة فسيحة ،بأعدل موضع يف
البلد ،وأمر البنائني بإتقانه عىل أحسن الوجوه ،فأتقنوا فيهمن النقوش البديعة ،والزخاريف املحكمة ....
ثم إن املنصور هيأ لهذا املستشفى ،من األفرشة الرفيعة ،والثياب النفيسة ،من الصوف والكتان والحرير
لتزيد يف راحة املريض ،وأجرى عليه من بيت املال ثالثني دينارا يوميا ،برسم الطعام ،وما ينفق عليه
وكان به قسم للصيدلة
لعمل الدواء من األرشبة وغريها أما املرىض الذين يعالجون فيه فكانوا من مختلف الطبقات ،ال
يدفعون أجورا عىل الدواء والتطبيب ،بل إن الدولة تقدم للفقراء منهم ماال يتعيشون منه إىل حني
نقاهتهم ،واسرتجاعهم لقوة العمل والكسب.
وكان الخليفة املنصور يتفقد نزالء املستشفى ،ويزورهم كل جمعة بعد أداء الصالة ،فيواسيهم ،
ويسأل عن أحوالهم ،ويتبسط معهم يف الكالم ،مام يؤثر إيجابا عىل أحوالهم الصحية والنفسية).
كام قال املؤرخ الفرنيس ""Milletيف كتابه " املوحدون" (:إن هذا املستشفى تخجل منه حتى
اليوم مستشفيات باريس ) .183
ففي الوقت الذي بلغت فيه الدراسات الطبية هذا املستوى من البحث واإلبداع ،وتحسنت فيه
الحالة الصحية ،وتقدمت فيه الرعاية الطبية ،كانت أوربا تجهل الكثري من هذا العلم (نظرية وتطبيقا)،
- 182عبد الواحد املراكيش " املعجب يف تلخيص أخبار املغرب " ،املحرر خليل عمران املنصور ،دار النرش دار الكتب العاملية طبعة
2005ص .204.241
- 183حسن جالب " ،إزدهار العلوم يف عرص املوحدين " تم ذكره مبقال منشور مبوقع وزارة االوقاف و الشؤون االسالمية ،عن
مجلة دعوة الحق جاء يف وصفها أنها مجلة شهرية تعنى بالدراسات اإلسالمية و بشؤون الثقافة و الفكر أسست سنة ،1957
العدد 318ذو القعدة .1996 / 1416
98
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
بل إن الكنيسة حرصت التداوي يف زيارة الكنائس ،واالستشفاء بذخائر القديسني ،وبالتعاويذ التي
كانت يبيعها رجال الدين.
وقد تحدث مؤرخوهم عن ذلك ،وخاصة منهم (ولرت) يف كتابه «مخترص التاريخ ».184
إضافة إىل ذلك فقد نظم املوحدون حرفة الطب و وضعوا أنظمة خاصة لتقنني مامرسة الطب
حفاظا عىل صحة الناس عامة ،وإبعادا للمشعوذين واملدجلني واملدعني للطب ،وملراقبة عمل األطباء
أوكل املوحدون لهم رئيس يراقبهم وينظم أعاملهم ،ويأذن لهم باملامرسة ،ويتقبل شكاوى العامة يسمى
«املزوار» ،يعينه الخليفة من بني أمهرهم وأكرثهم تجربة ،وأكرمهم أخالقا ،ويرتب له أجر .
ومن بني طرق التنظيم الطبي بهذا العرص نجد أن املوحدون قد أنشأوا نظاما خاصا غري مسبوق
عىل نحو ما ذكر ابن أيب زرع يف القرطاس يف املناطق التي أصابها الطاعون ” فكان الرجل ال يخرج
من منزله حتى يكتب اسمه ونسبه وموضعه يف براءة ويجعلها يف جيبه فإن مات حمل إىل موضعه
وأهله ،وال تخفى أهمية هذا النظام يف حرص العدوى وتحديد موضعها.185
غري أن هذا الوضع مل يستمر ومل يشمل مختلف ربوع اململكة ،حيث سجل قبيل الحامية أن
الوضع الصحي للمغرب كان كارتيا نظرا ملجموعة من العوامل .وهو ما دفع املستعمر ،بغض النظر عن
دوافعه األخرى ،إىل إدخال مقومات الطب الحديث إىل املجال الصحي املغريب ،لنكون بذلك أمام
اإلرهاصات األوىل للمنظومة الصحية باملغرب .وبعد االستقالل ومع تعاقب الحكومات تنوعت
املقاربات املعتمدة من قبلها ،لكن الهدف املتوخى منه كان واحدا ،وهو تأسيس وترسيخ منظومة
صحية تستجيب للحاجيات املتزايدة للمواطنني ،وهو ما عملت عليه هذه الحكومات بعد االستقالل.
عرف مجال الصحة يف املغرب قبيل الحامية فرتة حرجة ترجع إىل مجموعة من العوامل
االقتصادية واالجتامعية ،حيث تسببت املجاعات املتتالية يف انتشار األوبئة ،وقد تفاقمت هذه
- 184حسن جالب " ،إزدهار العلوم يف عرص املوحدين " مرجع سابق.
- 185ورد يف " تقرير مجموعة العمل املوضوعاتية املكلفة باملنطومة الصحية " الرئيس السيد الحبيب املاليك ،الوالية الترشيعية
العارشة ،دورة أبريل 2021مرجع سابق ص.12 :
99
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
الوضعية من خالل حقيقة أن مفاهيم النظافة األساسية مل تكن معتمدة يف املدن وال يف القرى .
عالوة عىل ذلك كان عدد األطباء املتوفرين قليال ومتثلوا يف الغالب يف األجانب الذين عملوا كأطباء
قنصليني ومتركزوا باألساس عىل ساحل املحيط األطليس العتبارات أمنية.
باإلضافة إىل ذلك ،كانت املاريستانات يف ذلك الوقت يف حالة متقدمة من اإلهامل ،ومل تكن
تعالج املرىض بشكل صحيح.
وهكذا ،كان الوضع الصحي والطبي يف املغرب يف بداية القرن العرشين كارت ًيا ،حيث كانت
أهم املساعدات التي طلبها املغرب من الدول األوروبية تتمثل يف تزويده باألطباء ،وقد كانت فرنسا
تتصدر هذه الدول األوروبية عرب تقديم التسهيالت ألطباء فرنسيني وإسبان تشجعهم من خاللها عىل
إنشاء عياداتهم الخاصة يف الدار البيضاء ،ويف هذه الفرتة نفسها كانت مدينة طنجة و فاس قد عرفتا
بداية استقرار أطباء أجانب فتحوا عياداتهم الستقبال مرىض أغلبهم من األجانب.
عرفت بداية فرتة الحامية يف 30مارس 1912تطورا يف املقاربة الصحية لفرنسا ومتثلت هذه
املقاربة يف تشجيع األطباء الفرنسيني عىل مامرسة املهنة يف املغرب ،186وكان هدفها األساس هو توفري
الخدمات الصحية للمواطنني الفرنسيني الذين اختاروا اإلقامة باملغرب ،وتشجيعهم عموما عىل
االستقرار واالستثامر أيضا ،وباملوازاة مع ذلك قامت سلطات الحامية بإنشاء بنية تحتية توفر الرعاية
الالزمة للمجتمع األورويب وتحافظ عىل" رأس املال البرشي " املغريب ،كخزان للعاملة الصناعية
والزراعية تحت سيطرة املستوطنني وجنود الجيش الفرنيس يف حال نشوب رصاع مسلح .وميكن
تقسيم مرحلة الحامية فيام يتعلق بالصحة والطب مرحلتني :
- 186الفينة نبيلة ،السياسة الصحية باملغرب زمن الحامية وبعد االستقالل ،مساهمة يف فهم املنظومة الصحية الحايل ،أطروحة
لنيل شهادة الدكتوراه يف التاريخ ،تحت إرشاف األستاذين :عبد الرحامن املودن ولطفي بوشنتوف ،نوقشت بكلية اآلداب والعلوم
اإلنسانية-جامعة محمد الخامس بالرباط ،بتاريخ 14يوليوز .2021
100
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
ذات بعدين ؛ تأمني نظام صحي موجه باألساس إىل رعاية الجالية الفرنسية ،وامتدت هذه االستفادة
للمواطنني املغاربة أيضا.
وقد تم إحداث مجموعة من املسشتفيات واملراكز الطبية خالل الفرتة املمتدة بني سنتي 1912و
. 1930كانت هده الفرتة مهمة جدا يف تاريخ الطب الحديث يف املغرب ،حيث تم خالل هذه الفرتة
تعرف املغاربة عىل التطور الذي عرفته أوروبا يف القطاع الصحي يف تلك الحقبة من الزمن وبالتايل
كانت هذه املرحلة مرحلة إرساء أول معامل الطب الحديث يف املغرب .غري أنه مع بدء الحرب العاملية
الثانية مر القطاع الصحي مام ميكن تسميته بفرتة" الفراغ "والتي تقع بني ( .) 1945 – 1939
مل يؤثر النقص يف املوارد ووسائل العيش عىل املنتجات الغذائية فقط ولكن أثر أيضً ا عىل
األدوية ،وعىل العاملني يف املجال الطبي؛ كام أدى أيضا إىل إغالق كامل للمستشفيات واملرافق
العالجية.
ويلخص التقرير الذي قدم سنة 1948بخصوص الصحة يف املغرب من طرف أساتذة جامعيني
فرنسيني باحثني يف مجال الصحة ،جاؤوا إلجراء دراسة ترمي إىل وضع تصور أويل لقطاع الصحة يف
املغرب يف ظل الحامية الفرنسية. 187
- 187ورد يف " تقرير مجموعة العمل املوضوعاتية املكلفة باملنطومة الصحية " الرئيس السيد الحبيب املاليك ،الوالية الترشيعية
العارشة ،دورة أبريل 2021مرجع سابق ص.13 :
101
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
استغرقت هذه الدراسة ،ستة أشهر وشملت مختلف مناطق املغرب الذي كانت به إدارات
فرنسية ،ونقطة قوتها أنها تجاوزت الطبقات أو العينات التي كانت تستفيد من خدمات اإلدارة الفرنسية
يف مجال الصحة ،لتصل إىل تشخيص وضعية الطبقات الشعبية واملهمشة ،داخل محيط املدن التي
كانت يف الحقيقة خاضعة إداريا وأمنيا لنفوذ إدارة الدولة الحامية.
وكانت ثالثة أمراض تثري قلق الجهات الصحية خالل هذه الفرتة وهي السل والرتاخوما
والزهري فلم يكن عدد األرسة باملستشفيات املقامة باملغرب يتجاوز بضع مئات خالل بداية فرتة
الحامية ،والتي كانت يف معظمها موجهة لذوي األمراض العقلية ،غري أن تطورا ملحوظا سجله
املؤرخون عام 1955حيث بلغ عدد األرسة 14000رسيرا .كام بلغ عدد االستشارات الطبية السنوية
للمغاربة حوايل 3ماليني يف عام 1925
يف حني تجاوز هذا العدد 19مليون عام 1955مام يفرس بناء وعي جديد يف عالقة املواطن
بالتطبيب والرعاية الصحية .مبقابل هذه النقلة النوعية يف البنى التحتية ،ارتفع عدد األطباء من 222
طبيب فقط يف عام 1930اىل 1050طبيب يف عام 1955ينضاف إىل الجهود املذكورة حركية واسعة يف
بناء عدد كبري من املستشفيات
من جهة أخرى ،فإن النظافة املدرسية والسجل الصحي والسالمة املهنية والصحة بدأت يف
مهام يف النظافة فضال عن حامالت التطعيم و التعليم
ً الظهور .وكان تقريب مياه الرشب عامال
الصحي .هذا الجهد الصحي شجع الزيادة يف سكان املغرب من خالل انخفاض معدل الوفيات العام،
والذي انخفض من 32إىل 19يف األلف وبالتايل تضاعف عدد سكان املغرب الذي كان مستق ًرا لعدة
قرون.188
- 188ورد يف " تقرير مجموعة العمل املوضوعاتية املكلفة باملنطومة الصحية " الرئيس السيد الحبيب املاليك ،الوالية الترشيعية
العارشة ،دورة أبريل 2021مرجع سابق ص.14 :
102
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
غري أن الثغرة الكبرية التي عاىن منها املغرب آنذاك يف مجال الصحة كانت هي الغياب الفعيل لتدريب
الكوادر الطبية واملساعدين الطبيني املغاربة وهو ما سرتكز عليه البالد بعد االستقالل من خالل
مجهودات مغربة اإلدارة.
تم وضع" املنظومة الوطنية للصحة "وإعاملها سنة 1959حيث أعلن املؤمتر الوطني األول
للصحة ،الذي انعقد يف 18من شهر أبريل من نفس السنة تحت الرئاسة الفعلية للمغفور له محمد
الخامس ،عن مجموعة من األهداف التي انطلق من خاللها ما سمي فيام بعد ب" املنظومة الوطنية
للصحة "وهي :
وكان من أهم نتائج هذا الخطاب بأن متت بلورة هذه األهداف يف إطار خمس مخططات
تنموية منحت فيها األولوية الكربى لتنظيم عرض العالجات ومحاربة األوبئة ،وكانت أهم مبادئ هذه
املرحلة أن الصحة من اختصاص الدولة وأن وزارة الصحة العمومية يجب أن تؤمن برامج توفري
العالجات للمواطنني وتنفيذها ،كام أنه يف هذه الفرتة تم وضع أوىل لبنات املنظومة الوطنية للصحة
مبا يف ذلك البنيات التحتية األساسية ،ومغربة املوارد البرشية ،ومحاربة األوبئة املنترشة آنذاك.
فأسس املغرب بناء عىل هذا الخطاب أوىل كلياته الطبية) كلية الطب بالرياط سنة ) 1959
ومدارسه املهنية للتكوين يف مجاالت التمريض مع صياغة االسرتاتيجيات األوىل للتغطية الصحية
(املجموعات الصحية املتنقلة ،مصلحة الوقاية القروية ،مصلحة الوقاية الحرضية ،ومصالح البنيات
الصحية املتنقلة اإلقليمية(.
103
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
ويف هذا اإلطار أيضا منح الظهري الرشيف املتعلق بنظام الجامعات لسنة 1959مسؤولية تكاليف
العالج للجامعات املحلية يف الفصل 11منه .حيث ظهر جليا أن مقاربة الدولة يف هذه الفرتة كانت
هي أن الصحة من مسؤوليتها باعتبار الوضعية االقتصادية واالجتامعية للسكان وتفيش األمراض
واألوبئة بشكل ال يتسنى معه للمواطنني تحمل نفقاته أنداك.
تسجيل النواة األوىل للترشيع يف املجال الصحي 189من خالل صدور الظهري الرشيف رقم
1.59.220بشأن هيئة األطباء ،وبسبب ما سمي بحادثة الزيوت املسمومة صدر ظهري رشيف رقم
1.59.380يف الزجر عن الجرائم املاسة بصحة األمة .هذا إضافة ملجموعة من النصوص التي قامت
الدولة بإصدارها من أجل تنظيم املجال الصحي باملغرب املستقل حديثا .
إذ تم مبوجب املادة 69من الظهري الرشيف مبثابة قانون متعلق بالتنظيم الجامعي لسنة 1976
إلغاء ظهري 1959املتعلق بامليثاق الجامعي ،الذي حرص ،مبوجب الفصل1 1منه ،مسؤولية الجامعات
املحلية يف املجال الصحي يف" الوقاية من األمراض العقلية وعالجها" ،ضمن مجموعة من
االختصاصات املتعلقة بالسلطات املحلية .فكان املجال الصحي مرتبطا بحامية املواطنني من
اإلشكاالت البيئية والحفاظ عىل النظافة والسالمة الوقائية من انتشار األمراض عرب منع أسبابها ،كام
احتفظت الجامعات املحلية باختصاص الوقاية من األمراض العقلية وعالجها .لرتتكز املنظومة
الصحية يف هذه الفرتة عىل مبدأ أسايس يتمثل يف أن الدولة هي املسؤولة عىل القطاع الصحي يف
الشق املتعلق بالوقاية الصحية وهنا جاءت أهم املحطات لتشكل نقلة نوعية يف املنظومة الصحية
شكلت سنوات الثامنينيات والتسعينيات مرحلة توسيع العالجات األولية وتطوير وإعامل الربامج
الصحية بناء عىل انخراط املغرب يف التوجه العاملي املتمثل يف إعالن املؤمتر الدويل للرعاية الصحية
األولية وانطالقا من ، 1990أضحت الحاجة إىل إصالح بنيوي يفرض نفسه بإلحاح ،االشيئ الذي
متت ترجمته أساسا باتخاذ اإلجراءات الرامية إلعادة تنظيم وزارة الصحة سنة 1994
- 189تقرير موضوعايت " :األمن الصحي كمدخل لتعزيز مقومات السيادة الوطنية " يوليوز ،2022ص37 :
104
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
وقد اعترب هذا ا إلعالن أنه ليس من املقبول سياسيا واجتامعيا واقتصاديا اختالل ميزان العدالة
الصحية بني الناس ،وباألخص بني الدول املتطورة والنامية .كام أن التنمية االقتصادية واالجتامعية
مهمة لتحقيق الصحة للجميع ،فإن تعزيز الصحة رضوري أيضا لصيانة التنمية االقتصادية
واالجتامعية .وميلك الناس حق املشاركة الفردية والجامعية يف تخطيط وتنفيذ برامج الرعاية
الصحية ،وتقع عىل الحكومات مسؤولية رعاية صحة شعوبها عرب إجراءات صحية واجتامعية كافية
لتحقيق هذا الهدف.
وال يقترص الحق يف الصحة عىل الرعاية الصحية املناسبة فقط حسب ما ورد يف اإلعالن ،بل
ميتد أيضا ليشمل ما يعرف مبحددات الحالة الصحية ،مثل توافر مياه الرشب النظيفة ،والغذاء
الكايف،ميتد أيضا ليشمل ما يعرف مبحددات الحالة الصحية ،مثل توافر مياه الرشب النظيفة،
والغذاء الكايف ،واملسكن املالئم ،واملعلومات الصحية الرضورية ،وغريها من العوامل التي تؤثر سلبا أو
إيجابا يف الحالة الصحية العامة
كل هذه التوصيات أطلقت دينامية جديدة لتطوير املنظومة الصحية الوطنية مام ساعد عىل
إطالق أوراش إصالح التغطية الصحية األساسية وإصالح املستشفيات .حيث إنه وبالرجوع ملخططات
التنمية االقتصادية واالجتامعية ( ) 1985-1981و ( ) 1992-1882برزت مجموعة من اإلجراءات الخاصة
بهذه املرحلة:
4 - 190املؤمتر الدويل للرعاية الصحية األولية) أملا آتا -االتحاد السوفيايت سبتمرب ( 1978الوثيقة رقم EB63/21 .بتاريخ 19
دجنرب 1978
105
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
✓ تدعيم البنيات التحتية االستشفائية عرب بناء أو توسيع مستشفيات جهوية أو إقليمية ومحلية،
و إنشاء مراكز إستشفائية جامعية يف الرباط و الدارالبيضاء.
✓ تنفيد مجموعة من الربامج بخصوص البنيات التحتية املتنقلة من خالل إنشاء مراكز صحية
حرضية وقروية وتوفري مرافق إلواء الطواقم الطبية.
هذه املجهودات مل تكن كافية لتغطية الحاجيات املتزايدة للمجتمع حيث كانت القدرة
االستيعابية لهذه املستشفيات غري كافية نظرا لضعف املوارد املرصودة للقطاع ،خاصة مع تداعيات
سياسة التقويم الهيكيل و انخفاض ميزانية الصحة إىل أقل من %2.3من امليزانية العامة بعد أن كانت
يف الستينات %7لذا توجهت الحكومة نحو الطب الوقايئ الذي اعتربته ،إىل جانب سياسة مائية
وغذائية مناسبة مع الرتكيز عىل تطعيم املواطنني والسهر عىل صحة األم والطفل ،الحل الذي
سيمكن الدولة من تغطية النقص الحاصل بسبب ضعف املوارد الالزمة للطب العالجي.
يف إطار التوجهات الرئيسية للمخططات الخامسية املوالية ونظرا لتطور طبيعة األمراض
واالحتياجات السكانية ونظرا لتحسن وضعية الحالة الصحية للمواطنني خالل فرتة التسعينيات فقد
كان الرتكيز باألساس عىل األنشطة الوقائية قصد تنمية الثقافة الصحية للمواطنني وتحسني املستوى
الصحي للبالد من خالل العمل عىل مجموعة من املحاور :كمحور الصحة العامة ،ومحور الصحة
اإلنجابية ،ومحور صحة الطفل.
- 191محمد أنفلوس ،مقال تحت عنوان " بعض معامل سياسة التعمري عىل ضوء الحالة الطبية و الصحية للمغرب يف عهد
الحامية " منشور مبجلة ليكسوس الرقمية عدد 2020 36
106
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
غري أن الوضع خالل هذه الفرتة أصبح يتسم مبفارقات ،إذ أن املؤرشات الصحية تربز مدى
نجاعة ضبط الخصوبة واالتساع الكبري لشبكات العالجات وتراجع وفيات الرضع واألطفال من جهة،
ومن جهة أخرى تشهد عىل تواجد فوارق بينة بني األوساط والجهات ،ونقص كبري يف جودة
العالجات ونقص مقلق يف املوارد البرشية.
كل هذا أبرز املجهودات املبذولة يف مجال الصحة وبنجاعة بعض الربامج ،إال أن املعيقات التي
واجهها والتحديات التي وقفت أمامه ساءلت مدى مالمئة منوذج املنظومة الصحية الذي تم إقراره
غداة االستقالل عىل قدرته يف رفع التحديات التي واجهها القطاع الصحي خالل تلك الفرتة وما
تالها.
وخالل السنوات ما بعد 2000تغري املغرب بشكل عميق ،مام ترتب عليه تحول جذري يف املشهد
الذي يعمل ويتفاعل يف إطاره القطاع الصحي ،وجاءت النداءات إىل اإلصالح ،بإيعاز من التغيريات
العميقة ملواصفات الحاجيات يف مجال الصحة ،ومن انتظارات الساكنة حيال املنظومة الصحية،
وكذلك من العجز الظاهر لنموذج املنظومة القامئة.
أفضت هذه التغيريات إىل أن طريقة تنظيم القطاع ،وإن كانت فاعلة يف املرحلة السابقة ،مل
تعد مالمئة أمام التحديات الراهنة واملستقبلية .ودستور 2011الذي نص عىل الحق يف الولوج إىل
العالجات الصحية من بني الحقوق األساسية ،يعترب ترجمة سياسية لرضورة تحديث قطاع الصحة يف
بيئة تتصف بالتحول.
- 192ترأس صاحب الجاللة امللك محمد السادس ،نرصه الله يوم اإلثنني 9نونرب 2222بالقرص املليك بالرباط ،جلسة عمل
خصصت السرتاتيجية التلقيح ضد فريوس كوفيد.19
ترأس صاحب الجاللة امللك محمد السادس ،نرصه الله يوم الثالثاء 41مارس 2222بالقرص املليك بالدار البيضاء ،جلسة عمل
خصصت لتتبع تدبري انتشار وباء فريوس كورونا ببالدنا.
107
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
واالجتامعية والثقافية .كلها مرجعيات أفضت لجعل املنظومة الصحية باملغرب ترسانة قانونية تؤطرها
جملة من القوانني واملراسيم والقرارات التي تفصل جزئيات هذه املنظومة وتفاصيلها ( املطلب الثاين ).
" .....ذلك أن األهمية البالغة التي تكتسيها خدمات الرعاية الصحية األساسية بصفة
عامة ،ويف إطار املنظومة الصحية عىل وجه الخصوص ،نابعة من كونها نهجا يشمل كل
مكونات املجتمع ،ويتمحور حول احتياجات وأولويات األفراد واألرس واملجتمعات ،ويهتم
بصحتهم ،بجوانبها البدنية والنفسية واالجتامعية ،الشاملة واملرتابطة ،إرشادا ووقاية وعالجا،
وإعادة تأهيل .وإذا كان توفري املوارد املالية والبرشية الصحية املالمئة ،رضوريا لتوفري الرعاية
الصحية األولية ،فإن من الواجب التعامل مبنهجية مع املحددات األوسع للصحة ،مبا يف ذلك
العوامل االجتامعية واالقتصادية ،والبيئية والسلوكية .وهو ما يقتيض بلورة وإقرار سياسات
وإجراءات قطاعية وبني-قطاعية ،تأخذ بعني االعتبار هذه العوامل مجتمعة ،يف إطار املسؤولية
املشرتكة بني كافة املتدخلني يف الشأن الصحي ،والتي متيل عليهم جميعا تضافر الجهود،
وترشيد املوار".
" - 193تقرير مجموعة العمل املوضوعاتية املكلفة باملنطومة الصحية ' مرجع سابق ص.35
108
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
كام أكد جاللته يف الرسالة املوجهة للمشاركني يف الدورة الخامسة للمؤمتر اإلسالمي للوزراء
املكلفني بالطفولة عىل رضورة متكني األطفال من حقوقهم ا ألساسية" ...وكام تعلمـــون ،فإن
ضامن حقوق االطفال ميــــر قبل كل شيئ ،عرب متكينهم من حقوقهم ا ألساسيــــة ،يف
الصحة والتعليم والسكن والحامية االجتامعية ،والتي تنص عليها أيضا أهداف التنمية
املستدامة."195
" ...كام يجب تفعيل وتوسيع الحامية االجتامعية والتغطية الصحية ،ومكافحة كل
أشكال الفقر واإلقصاء ،وترسيخ التضامن بني ا ألجيال باتخاذ التدابري الالزمة واملستعجلة
إلنقاذ مستقبل أنظمة التقاعد." '196
"...كام تحظى الجهود املبذولة يف مجال الصحة بالعناية الالزمة التي تجلت يف اعتامد
سياسة ذات بعد وقائ وعالجي ،تهدف إىل تعميم التغطية الصحية لفائدة كل املغاربة ومحاربة
لألوبئة ال سيام ألمراض املعدية كداء السل وفقدان املناعة."197
- 194لرسالة امللكية املوجهة للمشاركني يف املناظرة الوطنية األوىل حول املبادرة الوطنية للتنمية البرشية19/09/2019
- 195الرسالة امللكية السامية ملشاركني يف أشغال الدورة الخامسة للمؤمتر االسالمي للوزراء املكلفني بالطفولة .17/02/2018
. - 196خطاب جاللة امللك محمد السادس إىل األمة مبناسبة الذكرى الخامسة العتالء العرش 22يونيو222
- 197جاللة امللك يوجه رسالة إىل املشاركني يف القمة االفريقية الثانية للشباب الرائد 2005/08/18
109
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
ومن خالل الرسالة امللكية املوجهة للمشاركني يف اليوم العاملي للصحة سنة 2019املنظم من
طرف املنظمة العاملية للصحة بالرباط:
" لقد خطى املغرب خطوات واسعة يف إرساء نظم التغطية الصحية األساسية ،بحيث
دخلت التغطية الصحية اإلجبارية حيز التنفيذ سنة ، 2005كام تم تعميم نظام املساعدة الطبية
أو ما يسمى ب“ الراميد ”سنة . 2012باإلضافة إىل ذلك ،تم اتخاذ مجموعة من اإلجراءات يف
مجال توسيع االستفادة من أنظمة التأمني عن املرض ،لتشمل طلبة التعليم العايل يف
القطاعني العام والتكوين املهني ،واملهاجرين وكذلك أمهات وآباء األشخاص املؤ منني كام
انخرط املغرب ،يف إجراءات التأمني اإلجباري األسايس عن املرض الخاص بفئات املهنيني،
والعامل املستقلني ،واألشخاص غري األجراء ،بهدف تكميل مرشوع التغطية الصحية الشاملة
وتحقيق الولوج العادل للعالجات كام ينص عليه دستور اململكة املغربية".
وقد تأكدت الرؤية امللكية السديدة بعد ظروف الجائحة وتأثريها عىل املواطنني عرب العامل وهو
الذي رسمه جاللة امللك بإطالق عملية التغطية االجتامعية الشاملة يف خطابه السامي مبناسبة تربعه
عىل عرش أسالفه املنعمني.. " :لذا ،نعترب أن الوقت قد حان ،إلطالق عملية حازمة ،لتعميم
التغطية االجتامعية لجميع املغاربة ،خالل الخمس سنوات املقبلة .وندعو للرشوع يف ذلك
تدريجيا ،ابتداء من يناير ، 2021وفق برنامج عمل مضبوط ،بدءا بتعميم التغطية الصحية ا
إلجبارية " 198وقد جدد جاللته التأكيد عىل هذا الورش االجتامعي الكبري أمام نواب األمة موضحا
املكونات األساسية لهذا املرشوع الوطني الكبري:
"لذلك ،دعونا لتعميم التغطية االجتامعية لجميع املغاربة .وهو مرشوع وطني كبري
✓ تعميم التغطية الصحية ا إلجبارية ،يف أجل أقصاه نهاية 2022
✓ تعميم التعويضات العائلية...
✓ توسيع االنخراط يف نظام التقاعد...؛
✓ تعميم االستفادة من التأمني عىل التعويض عىل فقدان الشغل"199
- 198الخطاب السامي الذي وجهه جاللة امللك إىل األمة مبناسبة عيد العرش املجيد30/07/2020
- 199نص الخطاب السامي الذي وجهه جاللة امللك مبناسبة افتتاح الدورة االوىل من السنة الترشيعية الخامسة من الوالية
الترشيعية العارشة 2020/10/09
110
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
إن الصحة الجيدة تتطلب توفري الظروف السليمة للعيش وهو ما يتوازى وتحقيق التنمية
االقتصادية واالجتامعية وتوفري جميع األساسيات للمواطنات واملواطنني ،ويكاد ال يخلو خطاب مليك
من اإلشارة إىل رضورة خلق تنمية حقيقية تستجيب لالحتياجات امللحة باعتبارها أولويات ال تحتمل
التأجيل.
" ..فإن قضايا الدميقراطية والتنمية وثقل املديونية والصحة والبيئة والهوية الثقافية
وقضايا الرتبية والتعليم وأوضاع املرأة والطفولة وغريها من القضايا امللحة بأولويتها وحساسيتها
مل تعد تتحمل التأجيل أو االنتظار" 200
وقد دعا جاللته إىل اتــــباع اسرتاتيجية تنموية حقيقـــية ملواجهة الفقر وضعف البنيات
األساسية:
"..إن التنمية البرشية تحظى بصدارة انشغاالتنا ،ملواجهة ما يعانيه ما يقرب من نصف
سكان املعمور من فقر مدقع ،ونقص يف التغذية ،وسكن غري الئق ،وتدن الرشوط الصحية،
وضعف الخدمات الطبية ،وتفيش األمية واألمراض الفتاكة .ولن يتأىت لنا ذلك إال من خالل
اسرتاتيجية تنموية حقيقية" 201
ولتحقيق التحديات التنموية أحدث جاللته اللجنة الخاصة بالنمـــوذج التنموي والتي تكتســــي
طابعا استشاريا وترتكز مهامها عىل رسم مالمح منوذج تنموي متجدد وفــــق مقاربة تشاركية وشاملة
...".لذلك ،أعطينا أهمية خاصة لربامج التنمية البرشية ،وللنهوض بالسياسات االجتامعية
والتجاوب مع االنشغاالت امللحة للمغاربة
.وكام قلت يف خطاب السنة املاضية ،فإنه لن يهدأ يل بال ،حتى نعالج املعيقات ،ونجد
الحلول املناسبة للمشاكل التنموية واالجتامعية."202
- 200رسالة موجهة للمشاركني يف منتدى العامل العرب وافريقيا :تحديات الحارض واملستقبل14/10/2003
- 201الخطاب املليك املوجه إىل قمة حركة عدم ا النحياز15/9/2006
- 202رسالة إىل املشاركني يف الدورة السنوية ملنتدى كرانس مونتانا التي تستضيفها مدينة الداخلة16/3/2019
111
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
203
خامسا :االلتزام بتحقيق أهداف األلفية
لقد أكد جاللة امللك أكرث من مرة عىل التزام املغرب بتحقيق األهداف اإلمنائية لأللفية ووضعها
يف قلب السياسات الوطنية " فاألمر يتعلق برفع تحد كبري ... ،من قبل الدول النامية ،التي يجدر
بها وضع ا ألهداف ا إلمنائية لأللفية يف صلب سياساتها الوطنية .وذلكم هو النهج القويم،
الذي سلكه املغرب ،حيث قمنا ،منذ سنة 2005بإطالق املبادرة الوطنية للتنمية البرشية ...قطع
املغرب أشواطا متقدمة ،لبلوغ األهداف االمنائية لأللفية. "204
تضمن دستور اململكة السيام الفصل 31منه 205إقرارا بحق املواطنات واملواطنني يف الحصول
عىل العالج والعناية الصحية ،وعىل الحامية االجتامعية والتغطية الصحية ،ومجموعة من الحقوق
التي تشكل يف مجملها منظومة صحية متكاملة.
- 203نبثقت األهداف اإلمنائية لأللفية عن الفصول الثامن إلعالن األمم املتحدة لاللفية واملوقع يف سبتمرب 2000 /وتتألف من
مثانية أهداف و 21غاية و 60مؤرشا لقياس التقدم املحرز يف تحقيق األهداف .املرامي الثامنية التنموية الثامنية لأللفية هي:
الهدف األول :القضاء عىل الفقر املدقع والجوع
الهدف الثان :تحقيق تعميم التعليم
الهدف الثالث :تعزيز املساواة بني الجنسني ومتكني املرأة
الهدف الرابع :تقليل وفيات األطفال
الهدف الخامس :تحسني الصحة النفاسية
الهدف السادس :مكافحة األيدز واملالريا واألمراض األخرى
الهدف السابع :كفالة االستدامة البيئية
الهدف الثامن :إقامة رشاكة عاملية من أجل التنمية
-204نص الخطاب الذي ألقاه جاللة امللك يف قمة أهداف األلفية للتنمية بنيويورك20/9/2010 .
-205نص الفصل 31من الدستور " تعمل الدولة واملؤسسات العمومية والجامعات الرتابية ،عىل تعبئة كل الوسائل املتاحة ،لتيسري
أسباب استفادة امل واطنات واملواطنني ،عىل قدم املساواة ،من الحق يف:العالج والعناية الصحية؛ الحامية االجتامعية والتغطية
الصحية ،والتضامن التعاضدي أو املنظم من لدن الدولة؛ الحصول عىل تعليم عرصي ميرس الولوج وذي جودة؛ التنشئة عىل
التشبث بالهوية املغربية ،والثوابت الوطنية الراسخة؛ التكوين املهني واالستفادة من الرتبية البدنية والفنية؛ السكن الالئق؛ الشغل
والدعم من طرف السلطات العمومية يف البحث عن منصب شغل ،أو يف التشغيل الذايت؛ ولوج الوظائف العمومية حسب
االستحقاق؛ الحصول عىل املاء والعيش يف بيئة سليمة؛ التنمية املستدامة
112
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
وباإلضافة للفصل 31نجد مجموعة من املقتضيات الدستورية التي تقر حقوقا تساير نفس املنحى
كالفصل 20الذي ينص عىل الحق يف الحياة 206والفصل 21الذي ينص عىل الحق يف السالمة
الشخصية لألفراد 207وقد حظي األشخاص ذوي االحتياجات الخاصة بعناية كبرية من خالل نص
الفصل 34رصاحة عىل توجيه السياسات العمومية لرعاية هذه الفئة من املواطنني.208
كل هذه الحقوق مل يسبق أن تضمنتها الدساتري املغربية املتعاقبة منذ االستقالل ،لكن هذا مل
مينع املرشع املغريب من إقرار قوانني تهم املجال الصحي والتغطية الصحية وتنظيم املهن الصحية منذ
1959كام صادق املغرب عىل مجموعة من املعاهدات الدولية التي تعرتف بحق اإلنسان يف الصحة
209
ويف توفري الرشوط الصحية واملسامة رشوط الصحة الدفينة
. -206نص الفصل 20من الدستور الحق يف الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان .ويحمي القانون هذا الحق.
- 207نص الفصل 21من الدستور لكل فرد الحق يف سالمة شخصه وأقربائه ،وحامية ممتلكاته .تضمن السلطات العمومية سالمة
السكان ،وسالمة الرتاب الوطني ،يف إطار احرتام الحريات والحقوق األساسية املكفولة للجميع.
- 208نص الفصل 34من الدستور تقوم السلطات العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة إىل األشخاص والفئات من ذوي
االحتياجات الخاصة.
ولهذا الغرض ،تسهر خصوصا عىل ما ييل :معالجة األوضاع الهشة لفئات من النساء واألمهات ،ولألطفال واألشخاص املسنني
والوقاية منها
عادة تأهيل األشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية ،أو حسية حركية ،أو عقلية ،وإدماجهم يف الحياة االجتامعية واملدنية،
وتيسري متتعهم بالحقوق والحريات املعرتف بها للجميع.
- 209ويقض ي التعليق العام للجنة األمم املتحدة املعنية بالحقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية بأ ن الحق يف الصحة ال
ينطوي عىل توفري خدمات الرعاية الصحية يف الوقت املناسب فحسب ،بل ينطوي أيضا عىل محددات الصحة الدفينة مثل
توفري املياه النقية والصالحة للرشب ووسائل ا إلصحاح املالمئة وإمدادات كافية من األغذية واألطعمة املغذية املأمونة واملساكن
اآلمنة وظروف مهنية وبيئية صحية وتوفري وسائل التثقيف الصحي واملعلومات الصحية املناسبة ،مبا يف ذلك يف مجال الصحة
الجنسية واإلنجابية.
113
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
عرفت منظمة الصحة العاملية" الصحة" بأنها حلة من اكتامل السالمة بدنيا و عقليا واجتامعيا
ال مجرد انعدام املرض أو العجز" فدستور املنظمة يؤكد عىل أن التمتع بأعىل مستوى من الصحة
ميكن بلوغه هو أحد الحقوق األساسية لكل إنسان مبا يضمن الحصول عىل الرعاية التي تضمن توافر
القدر الكايف من املرافق الصحية وتكافؤ الفرص يف االستفادة والولوج للخدمات مبستوى معني من
الجودة.
ويفرض الحق يف الصحة عىل الدول ثالثة أنواع من االلتزامات :أوالها احرتام وعدم التدخل
يف التمتع بالحق يف الصحة ثم الحامية من عرقلة التمتع بهذا الحق ويبقى االلتزام األهم هو اتخاذ
الخطوات اإليجابية إلعامل الحق يف الصحة.
114
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
لكن وانطالقا من منطق التطور ،فإن النصوص القانونية يطالها التقادم إما بفعل التطور
اإلنساين والتكنولوجي الذي يُربز جوانب إضافية يجب التطرق إليها ،أو بفعل تطبيق الترشيع عىل
أرض الواقع مام يُبني الخلل ونقط الضعف التي يجب تغطيتها.
وال بأس هنا من التذكري بأهم النصوص القانونية املؤطرة للمنظومة الصحية
115
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
الخاصني بفئات املهنيني والعمل املستقلني واألشخاص غري األجراء الذين يزاولون نشاطا
خاصا ،فيام يتعلق بالقوابل واملروضني الطبيني؛
✓ مرسوم رقم 2.18.624صادر يف 10جامدى االوىل 17 ( 1440يناير ) 2019بتطبيق أحكام
املادة 17من القانون رقم 98.15املتعلق بنظام التأمني اإلجباري األساس ي عن املرض
الخاص بفئات املهنيني والعامل املستقلني واألشخاص غري األجراء الذين يزاولون نشاطا
خاصا بشأن مجلس إدارة الصندوق الوطني للضامن االجتامعي؛
✓ القانون 99.17مبثابة مدونة التأمينات؛
✓ القانون رقم 116.12املتعلق بنظام التأمني اإلجباري األسايس عن املرض الخاص بالطلبة؛
✓ مرسوم رقم 2.18.513صادر يف 17دي القعدة ( 1439سبتمرب ) 2015بتطبيق بتطبيق القانون
رقم 116.12املتعلق بنظام التأمني اإلجباري االسايس عن املرض الخاص بالطلبة.
✓ القانون 12.64املتعلق بإحداث هيئة مراقبة التأمينات واالحتياط االجتامعي؛
✓ املرسوم بقانون رقم 2.18.781الصادر يف 30محرم 10 ( 1440أكتوبر )2018بإحداث الصندوق
املغريب للتأمني الصحي
116
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
✓ القانون رقم 45.13املتعلق مبزاولة مهن الرتويض والتأهيل وإعادة التأهيل الوظيفي،الصادر
يف 9 .أغسطس 2019
✓ القانون رقم 17.04مبثابة مدونة األدوية والصيدلة ،الصادر يف 22نوفمرب 2006
✓ مرسوم رقم 2.07.1064صادر يف 5رجب 9 ( 1429يوليو )2008يتعلق مبزاولة الصيدلة
وإحداث الصيدليات واملؤسسات الصيدلية وفتحها؛
✓ مرسوم رقم 2.14.607صادر يف 22من ذي القعدة 18 ( 1435سبتمرب )2014بتطبيق القانون
رقم 84.12املتعلق باملستلزمات الطبية؛
✓ الظهري الرشيف مبثابة قانون رقم 1.75453بتاريخ 25ذي الحجة 17 ( 1396دجنرب )1976
يتعلق بإحداث هيئة للصيادلة؛
✓ القانون رقم 47.14املتعلق باملساعدة الطبية عىل اإلنجاب ،الصادر بتنفيذه الظهري الرشيف
رقم 1.19.50بتاريخ 4رجب 11 ( 1440مارس )2019الهادف إىل سد الفراغ القانوين الذي
يطبع مامرسات تقنيات املساعدة الطبية عىل اإلنجاب الذي يتم خارج السياق الطبيعي.
خامتة
بعد إلقاء نظرة عىل التطور التاريخي للمنظومة الصحية باملغرب و تقسيمه إىل مراحل مهمة مر
منها قطاع الصحة بني مرحلة ما قبل الحامية و مرحلة بعد االستقالل وبعد التطرق بشكل موجز
للمرجعيات التي يعتمدها هذا القطاع يف طريقة عمله و صياغة قوانينه.
تبني أن الدولة املغربية تويل هذا القطاع أهمية قصوى وتحاول تجاوز املعيقات عىل مر السنني
غري أنه البد من التأكيد أن جائحة كورونا تعترب نقطة مفصلية يف تاريخ املنظومة الصحية حيث أنه بعد
هذه الجائحة أصبحنا أمام مرحلة ثالثة تهم هذا القطاع ،إذ ميكننا القول رب ضارة نافعة فبسببها تم
تسليط الضوء عىل مجموعة من اإلشكاليات التي يعاين منها قطاع الصحة ببالدنا ،سواء عىل مستوى
النصوص القانونية والتنظيمية ،أو عىل مستوى التأطري الصحي والخدمات الصحية ،أو عىل مستوى
البنيات التحتية والعرض الصحي والبحث العلمي املتخصص يف املجال الصحي ،األمر الذي استدعى
التدخل املبارش من أجل النهوض بهذا القطاع بشكل جدي و القيام بإصالحات جدرية من شأنها
النهوض بالقطاع الصحي ،والعمل عىل تطويره ،والرفع من أدائه ،بحيث يعترب هذا اإلصالح مسؤولية
117
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
مشرتكة بني الدولة والجامعات الرتابية واملؤسسات العمومية من جهة ،والقطاع الخاص واملجتمع املدين
والهيئات املهنية والساكنة من جهة أخرى ،حيث أصبح اإلصالح العميق للمنظومة الصحية الوطنية
رضورة ملحة وأولوية وطنية ضمن أولويات السياسة العامة للدولة الرامية إىل تثمني الرأسامل البرشي،
واالعتناء بصحة املواطنني كرشط أسايس وجوهري لنجاح النمودج التنموي املنشود.
ومن أجل توفري الرشوط الالزمة لهذا اإلصالح ،تم إقرار مراجعة شاملة لحكامة املنظومة الصحية
بكل مكوناتها ،من خالل إعادة االعتبار للموارد البرشية العاملة يف القطاع الصحي ،وتحسني أنظمة
التكوين الصحي بهذا القطاع ،وجلب الكفاءات الطبية العاملة بالخارج ،وإحداث منظومة معلوماتية
صحية وطنية مندمجة ،ونظام االعتامد املؤسسات الصحية ،وإحداث هيئات متخصصة للتدبري والحكامة
هي الهيئة العليا للصحة ،التي ستضطلع مبهام التأطري التقني لورش التأمني اإلجباري األسايس عن
املرض ،واملجموعات الصحية الرتابية التي ستتوىل تنفيذ سياسة الدولة يف مجال الصحة عىل الصعيد
الجهوي ،عالوة عىل إحداث مؤسسة عمومية لألدوية واملنتجات الصحية ،ومؤسسة عمومية أخرى
خاصة بتوفري الدم ومشتقاته.
ومن شأن هذه األهداف املتوخاة أن تشكل إطارا متكامال وفعاال لتحقيق اإلصالح املنشود
للمنظومة الصحية الوطنية ويف هذا الصدد تم إصدار القانون اإلطار رقم 06.22املتعلق باملنظومة الصحية
الوطنية الذي سيكون محور دراسات مقبلة.
118
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
الئحة املراجع
119
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
األستاذين :عبد الرحامن املودن ولطفي بوشنتوف ،نوقشت بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية-
جامعة محمد الخامس بالرباط ،بتاريخ 14يوليوز .2021
مقاالت علمية
▪ حسن جالب ،مقال تحت عنوان " إزدهار العلوم يف عرص املوحدين " منشور مبوقع وزارة االوقاف
و الشؤون االسالمية ،عن مجلة دعوة الحق جاء يف وصفها أنها مجلة شهرية تعنى بالدراسات
اإلسالمية و بشؤون الثقافة و الفكر أسست سنة ،1957العدد 318ذو القعدة .1996 / 1416
▪ محمد أنفلوس ،مقال تحت عنوان " بعض معامل سياسة التعمري عىل ضوء الحالة الطبية و
الصحية للمغرب يف عهد الحامية " منشور مبجلة ليكسوس الرقمية عدد 2020 36
التقارير
▪ تقرير مجموعة العمل املوضوعاتية املكلفة باملنظومة الصحية " الرئيس السيد الحبيب املاليك
الوالية الترشيعية العارشة .2021/2016
▪ تقرير موضوعايت " :األمن الصحي كمدخل لتعزيز مقومات السيادة الوطنية " يوليوز 2022
120
العـدد 17يوليوز ـ شتنرب2023
121