Professional Documents
Culture Documents
Akhlak
Akhlak
Akhlak
املحاضرة األولى
تعريف علم األخالق
تخضع التعريفات – غالبا -ملفهومين،أحدهما لغوي،واآلخر اصطالحي،فاملعنى اللغوي يعنى
ببيان املراد من ظاهر اللفظ عند علماء اللغة فقط،أما املعنى االصطالحي فيعنى ببيان ما تواضع
عليه أرباب العلم موضوع التعريف،من تحديد لهذا العلم تحديدا يجمع كل مسائله،بحيث ال
يتخلف منها ش يء،وال يدخل فيه ما ليس منه من سائر املسائل.
التعريف اللغوي لعلم األخالق
أما في اللغة،فاملعنى اللغوي لكلمة األخالق هي أنها جمع خلق،ومن معانيه في اللغة:الطبع
َْ
والسجية والعادة،فقد جاءت كلمة الخلق في أساس البالغة بمعنى التقدير ،واستعملت في القرآن
ُُ ْ
الخل َقة ،ويقال:رجل له خلق َ
مجازا بمعنى اإليجاد بتقدير وحكمة ،يقال :رجل مختلق أي :حسن ِ
َ َّ
حسن وخليقة ،وهي ما خلق عليه من طبيعته.وتخلق بكذا وهو خليق لكذا كأنما خلق وطبع
َْ
عليه،ويقال :امرأة خليقة أي :ذات خلق وجسم.
إذن خالصة معنـى الخلق في األساس :هو الخلق بحسن التقدير والحكمة ،ويشمل الخلق
على هيئة جميلة ،ومن هنا استعمل للسلوك على نهج مستقيم جميل.
ُُ
وجاءت كلمة الخلق في القاموس املحيط بمعنى السجية والطبع واملروءة والدين،والخلقة بمعنى
َْ
الفطرة ،والخلق بمعنى التقدير.
ُُ ُُ ُْ ُ
وفي لسان العرب الخلق :الطبيعة وجمعها أخالق ،والخلق والخلق :السجية،وقال الخلق
هو الدين والطبع والسجية ،وحقيقته أنه وصف لصورة اإلنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها
ومعانيها املختصة بها ،بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها ولهما أوصاف حسنة
وقبيحة.
1
قال ابن فارس":الخاء والالم والقاف أصالن :أحدهما تقدير الش يء،واآلخر مالسة الش يء ...ومن
ذلك الخلق ،وهي السجية ،ألن صاحبه قد قدر عليه .وفالن خليق بكذا ،وأخلق به ،أي ما أخلقه،
أي هو ممن يقدر فيه ذلك .والخالق:النصيب ; ألنه قد قدر لكل أحد نصيبه.
ومن الباب رجل مختلق :تام الخلق .والخلق :خلق الكذب،وهو اختالقه واختراعه وتقديره في
النفس .قال هللا تعالى{ :وتخلقون إفكا} [العنكبوت.]17:وأما األصل الثاني فصخرة خلقاء ،أي
مقاييس اللغة ( ،)214/2مادة (خ ل ق)ابن فارس .المحقق :عبد السالم محمد هارون الناشر :دار الفكر عام النشر1399 :هـ 1979 -م .عدد األجزاء6 : ملساء" .
َّ َ ْ
خص الخلق بالهيئات واألشكال وقال الراغب األصفهاني":الخلق والخلق في األصل واحد ...لكن
ُ َّ ُ ُ
والصور املدركة بالبصر ،وخص الخلق بالقوى والسجايا املدركة بالبصيرة" .انظر :الذريعة إلى مكارم األخالق
من هذا العرض اللغوي لألخالق من املعاجم التي ذكرناها والتي لم نذكرها يمكننا تلخيص ثالثة
معان بارزة،تكاد تجمع هذه املعاجم عليها،األول والثاني يتوجه كل منهما لجهة والثالث يجمع بين
ٍ
الجهتين .
ُُ
األول:الخلق يدل على الصفات الطبيعية في خلقة اإلنسان الفطرية على هيئة مستقيمة متناسقة.
والثاني:تدل األخالق أيضا على الصفات التي اكتسبت وأصبحت كأنها خلقت مع طبيعته.
ًّ
ظاهريا. ًّ
سلوكيا ًّ
باطنيا وجانبا ًّ
نفسيا والثالث :أن لألخالق جانبين :جانبا
التعريف اإلصطالحي
قال أبو عثمان الجاحظ" :إن الخلق هو حال النفس ،بها يفعل اإلنسان أفعاله بال روية وال
اختيار ،والخلق قد يكون في بعض الناس غريزة وطبعا ،وفي بعضهم ال يكون إال بالرياضة واالجتهاد
ُّ
،كالسخاء قد يوجد في كثير من الناس من غير رياضة وال تعلم ،وكالشجاعة والحلم والعفة والعدل
وغير ذلك من األخالق املحمودة .تهذيب األخالق (ص.)12
هيئة في النفس راسخة، وحول نفس املعنى يدور الغزالي في تعريفه فقال األخالق" :عبارة عن ٍ
َّ
عنها تصدر األفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية .إحياء علوم الدين ( .)53/3وانظر :التعريفات للجرجاني (ص.)104
2
تسهيل النظر وتعجيل الظفر (ص.)5 وقال املاوردي" :هي غرائز كامنة تظهر باالختيار ،وتقهر باالضطرار"
وهكذا فهناك تعريفات كثيرة قد اصطلح عليها،ولعل أشهرها وهو املتداول بين املؤلفين هو
ُُ
تعريف الجرجاني :الشريف علي بن محمد ،حيث قال":الخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر
عنها األفعال بسهولة ُوي ْس ٍر من غير حاجة إلى فكر ور ّوية ،فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها
ُُ
األفعال الجميلة عقال وشرعا بسهولة،سميت الهيئة خلقا حسنا ،وإن كان الصادر منها األفعال
صدر منهالقبيحة ،سميت الهيئة التي هي املصدر ُخ ُلقا سيئا .وإنما قلنا :إنه هيئة راسخة؛ ألن َمن َي ْ
ْ ْ
بحالة عارضة ،ال يقال خلقه السخاء ،ما لم َيث ُب ْت ذلك في نفسه.وكذلك من ٍ َبذل املال على الندور
ُ ُُ بجهد أو ّ ّ َ
روية ال يقال :خلقه الحلم.وليس الخلق عبارة عن الفعل؛ تكلف السكوت عند الغضب ٍ
ُ فرب شخص خلقه السخاء ،وال َي ْبذل :إما ْ
لفقد املال ،أو ملانع .وربما يكون خلقه البخل ،وهو َيبذل
ي.101 :
التعريفات ،للجرجان ّ لباعث أو رياء".
ٍ
ّ
الباطنية ّ
والسجايا ّ
املعنوية ولذا يمكن القول ّإن:األخالق هي مجموعة الكماالت
لإلنسان،واألخالق أحيانا ُتطلق على العمل ّ
والسلوك ،الذي ينشأ من امللكات النفسانية لإلنسان
ّ
السلوكية. أيضا،فاألولى األخالق الصفاتية والثانية
جية أيضا،حيث يصدر أحيانا من اإلنسان فعل كما يمكن تعريف األخالق من آثارها الخار ّ
يتكرر ذلك العمل منه(:مثل البخل وعدم مساعدة اآلخرين) ،يكون دليال على اعتباطي ولكن عندما ّ
ُ ّأن ذلك الفعل ّ
يمد جذوره في أعماق روح ذلك اإلنسان ،تلك الجذور تسمى بالخلق واألخالق.
ّ ُ َ
اق":إن الخلق هو تلك وفي ذلك يقول "ابن ِمسك َويه"،في كتاب "تهذيب األخالق وتطهير األعر
ّ ّ ّ
الحالة النفسانية التي تدعو اإلنسان،ألفعال ال تحتاج إلى تفكر وتدبر" .تهذيب األخالق ،ص .51
تعريف األستاذ الدكتور /محمد عبد هللا دراز":الخلق هو قوة راسخة في اإلرادة تنزع بها إلى
دراسات اختيار ما هو خير (إن كان الخلق حميدا)أو إلى اختيار ما هو شر وجور(إن كان الخلق ذميما).
إسالمية في العالقات الدولية د /محمد عبد هللا دراز .178
3
والسلوكيات الحسنةوعليه فيمكن تقسيم األخالق قسمين:امللكات التي تنبع منها األعمال ّ
"الفضائل"،واخرى تكون مصدرا لألعمال والسلوكيات ُّ
السيئة وتسمى الرذائل. وتسمى
والصفاتبحث فيه عن املَلكات ّ علم ُي َ ّ
بأنهٌ : ومن هنا كانت التعريفات التي تعرف علم األخالق
علم ُي َ
ٌ ُ
هذه الصفاتِ اكتساب سس أ عن فيه ث بح : ىخرأ الحسنة والسيئة وآثارها وجذورها،وبعبارة
الصفات ّ
وطرق محاربة ّ ُ
السيئة ،وآثارها على الفرد واملجتمع . الحسنة،
هذه الصفات أحيانا ّ ُ
فعلم األخالق مما سبق يطلق على األعمال واألفعال النابعة من ِ
ّ ّ ّ
والحدة دائما،يقال عنه بأنه ذو أخالق "األخالق" فمثال الشخص الذي يعيش في حالة من الغضب
الشخص الفالني يتحلى بأخالق ّ ن ّ ّ ّ
طيبة،ِ رديئة،وبالعكس عندما يكون الشخص كريما ،فيقولو إن
ّ
وفي الحقيقة أن هذين االثنين هما ِعلة ومعلول لآلخر ،بحيث ،يطلق اسم أحداهما على اآلخر.
وأما مفهوم األخالق لدى الفالسفة الغربيين فتابع في مقوماته لالتجاهات التي يدين بها
هؤالء الفالسفة ،فكل يعرف األخالق ويحدد معناها وخصائصها وفقا لالتجاه الفلسفي الذي
يعتنقه ،ونحن نعلم أن هناك اتجاهات فلسفية متعددة ومختلفة حول األخالق،مثل:
االتجاه االجتماعي واملثالي والتجريبي والواقعي والعقلي والحدس ي والنفعي ،وما إلى ذلك ،وال
أريد تفصيل القول في اتجاه كل فلسفة في األخالق،والتعريفات املختلفة لكل اتجاه ،فهذا موضعه
دراسة أخرى بمشيئة هللا عن األخالق الفلسفية ،ال األخالق اإلسالمية موضوع هذا الكتاب .
ومن التعريفات اللغوية واالصطالحية لعلم األخالق،يمكن القول إن مفهوم علم األخالق
اإلسالمية ،ليس كسائر العلوم اإلسالمية،فعلم األخالق اإلسالمية ليس جزءا من نظام اإلسالم
العام ،بل إن األخالق هي جوهر اإلسالم ولبه وروحه السارية في جميع جوانبه ،فالنظام اإلسالمي
بجوانبه املختلفة وأقسامه املتكاملة عموما مبني على فلسفته الخلقية أساسا،فهي الروح السارية
في قلب أركان اإلسالم املختلفة عقيدته وشريعته عباداته وأعماله.
وال أدل ذلك من قول الرسول صلى هللا عليه وسلم":إنما بعثت ألتمم مكارم األخالق"
مسند أحمد
بن حنبل ج 2ص ،.381فقد قصر الرسول أهداف رسالته في هذا الحديث الشريف على األخالق ،وأنه جاء
4
ليتم البناء األخالقي الذي بدأت الرساالت السابقة به،وفيه إشارة إلى أن مكانة األخالق واحدة في
كل الديانات السماوية.
كما قال صلى هللا عليه وسلم في حديث آخر":مثلي ومثل األنبياء كمثل رجل بنى دارا فأتمها
وأكملها إال موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون :لوال موضع اللبنة،فأنا
صحيح مسلم بشرح النووي جـ 15ص 52باب ذكر كون النبي خاتم األنبياء. موضع اللبنة جئت فختمت األنبياء".
إذن فهدف الرساالت اإللهية كلها هدف أخالقي أيضا؛ ألنها تستهدف إرشاد اإلنسان إلى
طريق الخير وإبعاده عن الشر في الدنيا وسوء العاقبة في اآلخرة،فمن تخبط في الدنيا بسوء أخالقه
فسوء مصيره معلوم في الدنيا قبل اآلخرة وهذا هو موضوع األخالق كما بينا سابقا.
قال الحافظ العراقي في هامش األحياء جـ 3ص 50أخرجه المروزي في مسنده في كتاب تعظيم ولهذا قال الرسول":الدين حسن الخلق"
مرسال ..انظر علم األخالق ألرسطو جـ 1ص ، .131وكانت عائشة تفهم هذا املعنى من الدين
ا قدر الصالة من رواية أبي العالء بن الشخير
صحيح مسلم تحقيق عبد الباقي جـ 1ص اإلسالمي،ولهذا فهي عندما سئلت عن أخالق النبي قالت":كان خلقه القرآن".
،513-512كتاب صالة المسافرين.
وقد أجاد املاوردى حين نظر إلى الصورة األخالقية التي يرسمها اإلسالم ويطالبنا بالتحقق
بها فقال":فى الخلق العظيم ثالثة أوجه:أحدها:أدب القرآن،والثاني:دين اإلسالم،والثالث:الطبع
ُُ
الكريم وهو الظاهر .قال:وحقيقته الخلق ما يأخذ به اإلنسان نفسه من اآلداب ،سمى بذلك ألنه
ْ
كالخلقه فيه" .تفسير الماوردى ( النكت والعيون ) أبو الحسن البصري الماوردى (61/6ـ،)62دار الكتب العلمية .
يصير ِ
فإذا كانت األخالق هي اإلسالم،وهي التطبيق العملي له الذي مثله رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم،فإن علم األخالق ال بد له من تمييز يميزه عن سائر العلوم بحيث يسهل على من أراد أن
يتحلى بهذا العلم وبسلوكه أن يجد مرشدا يهديه في حياته،ومن هنا يمكن القول:علم األخالق
اإلسالمية هو علم الخير والشر والحسن والقبح،القائم على القرآن والسنة وهدي الصحابة
والسلف وفهم عباقرة األمة،والدليل على ذلك كثير في القرآن والسنة؛ إذ جاءت كثير من اآليات
واألحاديث تبين أين الخير والشر وأين الحسن والقبح؟.وتعرفها أحيانا باملعروف وأخرى باملنكر
والنفع والضر .بتكامل الجانب النظري مع الجانب العملي منه .
5
وهذا التكامل النظري والعملي يهدف لتنظيم الحياة من الناحية العملية من أجل الحياة
الخيرة مع الغير أيا كان هذا الغير إنسانا كان أم حيوانا أو غير حيوان من حيث ما ينبغي أن يكون
عليه هذا السلوك كسلوك إنساني تجاه الغير ،وذلك بناء على مكانته في الكون ومسئولياته التي
يجب أن ينهض بها ،وبناء على ما وضع له خالقه من أهداف في هذه الحياة،فاألخالق اإلسالمية
شملت اإلنسان والحيوان والجماد.
موضوع علم األخالق
موضوع األخالق:سلوك اإلنسان وأفعاله الصادرة عنه بإرادة مباشرة وما يصدر عن
اإلنسان بدون إرادة منه ال شأن لعلم األخالق به،أو ما يصدر عن اإلنسان بالواسطة ،ومرادنا
بالواسطة هنا أن علم األخالق يدين املخطئ إذا قصر وأهمل االحتياط والتحفظ،طبعا مع قدرته
عليه حيث ال تقصير مع العجز،وعلى هذا فجميع األعمال اإلنسانية التي تصدر من
اإلنسان،وليست على هذا النهج،وليست داخلة في علم األخالق .كالتنفس ونبض القلب وأعمال
الدورة الدموية وغير ذلك من األعمال اآللية التي تصدر عن اإلنسان في جميع أحواله .
إذا كانت الغاية من علم النحو صون اللسان عن الخطأ في املقال،ومن علم املنطق صون
الفكر عن الخطأ في األحكام،فإن الغاية من علم األخالق صون اإلنسان عن الخطأ في سلوكه
بحيث يكون مستقيما في قصده وفعله وغرضه بعيدا عن الهوى والتقليد األعمى ،وبكلمة فإن
الغاية من كل علم ما عدا علم األخالق أن نبتعد عن الخطأ في مسائله وقضاياه.
أما الغاية من علم األخالق فهي:أن يوجد مجتمع يسود فيه العدل واألمن والتعاون على
صيانة الحياة من املفاسد واملظالم،ومن كل ما يشقيها ويرهقها،والسير بها إلى األكمل
واألفضل،نحو بناء دولة العلم واإليمان،تسودها األخالق الحسان،أمال في الفوز بجنة الرضوان.
ومعنى هذا أن علم األخالق يتوخى إصالح الفرد والجماعة بمالزمة الصراط املستقيم في
6
السلوك،ومنه إلصالح الدولة فاألمة العربية فاألمة اإلسالمية فالعالم بأسره،وهكذا تتحقق
أستاذية العالم .
ّ
أهمية األخالق
أهمية عظمى في حياة اإلنسان ٌ
سواء بالنسبة له،أو بالنسبة للمجتمع إن لألخالق الفاضلة ّ
الذي يعيش فيه،أهمية تفوق الحاجة إلى الطعام والشراب ،ذلك أنه بهذه األخالق يعيش حياته
َ
عديم السعيدة في الدنيا،ويصير إلى حياة أسعد في اآلخرة .وإن اإلنسان بدون مكارم األخالق يصبح
الخير والفائدة َ
كثير ّ
الشر والضرر .
ٌ
وملحاسن األخالق في اإلسالم مكانة فريدة لم يصل إلها دين من األديان،أو منهج من
املناهج،وقد بلغ بها اإلسالم من املكانة أن قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :إن ِمن خياركم
أحسنكم أخالقا" أخرجه البخاري في صحيحه :كتاب المناقب ،باب صفة النبي صلى هللا عليه وسلم،برقم .3366ومسلم ،في الفضائل ،برقم ..682321وقال أيضا:
أحسنكم أخالقا" أخرجه البخاري ،في فضائل الصحابة ،باب مناقب عبد هللا بن مسعود ،رضي هللا عنه رقم. .3549وقال أيضا: َ أحبكم ّ
إلي ّ
"إن من ّ
ِ ِ
ّ
شق تمرة ،فإن لم تجد،فبكلمة طيبة" صحيح البخاري :كتاب الزكاة ،باب الصدقة قبل الرد .برقم ،1347و،1351
"اتقوا النار ولو ب ِ ّ َ ْ َ ّ
ِ ِ
ومواضع أُخر .وأخرجه مسلم ،في كتاب الزكاة ،برقم.681016-66؟؟.فاألخالق في اإلسالم هي معيار التفاضل بين الناس،كما أنها
حجاب من النار.
ونظرا لهذه األهمية،ونظرا لطبيعة األخالق،فإن الكتابة فيها تبقى متجددة على الرغم مما
ّ ٌ ُ
بتشعب الحياة،متجدد بتجددها،فإن الحاجة إلى متشعب كتب فيها؛فطاملا أن موضوع األخالق
الكتابة في هذا املوضوع تبقى متشعبة متجددة أيضا،رغم وجود عدد من الدراسات السابقة،إال
أن هذه الدراسات السابقة قد تفاوتت تفاوتا كبيرا،األمر الذي جعلني أختار درة ثمينة من بين الدرر
التي كتبها اإلمام محمد عبد هللا دراز،وهي"كلمات في مبادئ علم األخالق"ألقوم بالتقديم لها
،ومراجعة أصلها،فلم أجد ضمن الكتب املقررة التي يدرسها طالب كلية أصول الدين ما يقترب ولو
من بعيد بهذه الرسالة الدرازية،سوى العناوين فقط،وهي التي كان يقوم فضيلته بشرحها على
طالب كلية أصول الدين في الخمسينيات.
7
شمولية األخالق اإلسالمية
إن األخالق في اإلسالم لم تدع جانبا من جوانب الحياة اإلنسانية:روحية أو جسمية ،دينية
أو دنيوية،عقلية أو عاطفية،فردية أو اجتماعية،إال رسمت له املنهج األمثل للسلوك الرفيع،فما
فرقه الناس في مجال األخالق،باسم الدين وباسم الفلسفة ،وباسم العرف أو املجتمع،قد ضمه
القانون األخالقي في اإلسالم في تناسق وتكامل وزاد عليه .
-1إن من أخالق اإلسالم ما يتعلق بالفرد في كافة نواحيه:
ُُ ُ َ ُ َ ُ ُ
أ-جسما له ضروراته وحاجاته .بمثل قوله تعالى{َ :يا َب ِني آ َد َم خذوا ِزين َتك ْم ِع ْن َد ك ِ ّل َم ْس ِج ٍد َوكلوا
ُْ َ َ ُ ُ ْ
َواش َرُبوا َوال ت ْس ِرفوا ِإ َّن ُه ال ُي ِح ُّب امل ْس ِر ِف َين (})31األعراف .وقول الرسول – صلى هللا عليه وسلم-
":إن لبدنك عليك حقا" .متفق عليه
َّ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ ْ َ
اآل َي ُ ُ ْ ُُ َ َ
ات ض وما تغ ِني ِ راألو ات
ِ اوم الس يفب-وعقال له مواهبه وآفاقه.يقول القرآن {:ق ِل انظروا م ِ
ا اذ
ّلِل َم ْث َنى َو ُف َر َادى ُثمَّ ُ ْ َّ َ َ ُ ُ ْ َ َ ْ َ ُ ُ َّ
َ َ ُّ ُ َ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ َ
والنذ ُر عن قو ٍم ال يؤ ِمنون (})101يونس{.قل ِإنما أ ِعظكم ِبو ِاحد ٍة أن تقوموا ِ ِ
َ َ َ َّ ُ َ َ ُ ْ ْ َّ ْ ُ َ َّ َ ٌ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ
اب ش ِد ٍيد (})46سبأ. تتفكروا ما ِبص ِاح ِبكم ِمن ِجن ٍة ِإن هو ِإال ن ِذير لكم بين يدي عذ ٍ
اب َم ْن َد َّس َاها ج-ونفسا لها مشاعرها ودوافعها وأشواقها{َ :ق ْد َأ ْف َل َح َم ْن َز َّك َاها (َ )9و َق ْد َخ َ
(})10الشمس.
-2ومن أخالق اإلسالم ما يتعلق باألسرة:
َ َ َْ َ َ ُ ُ َّ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ ُ ُ َ
وه َّن ف َع َس ى أ ْن تك َر ُهوا ش ْيئا َو َي ْج َع َل وف ف ِإن ك ِرهتم اشروهن ِباملعر ِ أ -كالعالقة بين الزوجين {:وع ِ
َ َ َّ ُ
َّللا ِف ِيه خ ْيرا ك ِثيرا (})19النساء.
َ َ ُ ص ْي َنا ْاإل ْن َس َ
ان ِب َو ِال َد ْي ِه ِإ ْح َسانا}األحقاف َ {.15وال ت ْق ُتلوا ِ
ب-كالعالقة بين األبوين واألرحامَ {":و َو َّ
َ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ َّ ُ ْ َّ َ ْ َ ُ ْ َ َ ْ َ
ان ِخطئا ك ِبيرا (} )31اإلسراء أوالدكم خشية ِإمال ٍق نحن نرزقهم و ِإياكم ِإن قتلهم ك
8
ْ َّ َّ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ ْ
اإل ْح َس ِان َو ِإ َيت ِاء ِذي ال ُق ْرَبى َو َي ْن َهى َع ِن
ج-وكالعالقة بين األقارب واألرحامِ {:إن َّللا يأمر ِبالعد ِل و ِ
ْ َ ْ َ ْال َف ْح َشاء َو ْاملُ ْن َكر َو ْال َب ْغي َيع ُظ ُك ْم َل َع َّل ُك ْم َت َذ َّك ُر َ
ون(})90النحلَ {.وآ ِت ذا ال ُق ْرَبى َح َّق ُه َو ِامل ْس ِك َين ِ ِ ِ ِ
َ ُ ّ َ َو ْاب َن َّ
الس ِب ِيل َوال ت َب ِذ ْر ت ْب ِذيرا(})26اإلسراء.
-3ومن أخالق اإلسالم ما يتعلق باملجتمع:
ُ ّ َ ْ ُ َ َ َ ُّ َ َّ َ َ َ َ ُ ُ
ين آ َم ُنوا ال ت ْدخلوا ُب ُيوتا غ ْي َر ُب ُيو ِتك ْم َح َّتى ت ْس َتأ ِن ُسوا َوت َس ِل ُموا أ -في آدابه ومجامالته،مثل {:يا أيها ال ِذ
َ ُ َ َ َ ْ َ َ ُ ْ َ ْ ٌ َ ُ ْ َ َ َّ ُ ْ َ َ َّ
على أه ِلها ذ ِلكم خير لكم لعلكم تذكرون (})27النور.
َ ُ َ
اس َي ْس َت ْوفون (َ )2و ِإذا ين إ َذا ْاك َت ُالوا َع َلى َّ
الن ومعامالته{:و ْي ٌل ل ْل ُم َط ّفف َين (َّ )1الذ َ
َ ب-وفي اقتصاده
ِ ِ ِ ِ ِِ
َ َ َ َ ْ َ َ ُّ َ َّ َ َ وه ْم ُي ْخس ُر َ وه ْم َأ ْو َو َزُن َُك ُال ُ
ين آ َم ُنوا ِإذا ت َد َاين ُت ْم ِب َد ْي ٍن ِإلى أ َج ٍل ُم َس ًّمى ون (})3املطففين {.يا أيها ال ِذ ِ
َّللا}البقرة .282 وه َو ْل َي ْك ُت ْب َب ْي َن ُك ْم َكات ٌب ب ْال َع ْدل َ َوال َي ْأ َب َكات ٌب َأ ْن َي ْك ُت َب َك َما َع َّل َم ُه َّ ُ
َف ْاك ُت ُب ُ
ِ ِ ِ ِ
َّ َّ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ ْ ُ َ ُّ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َّ َ
اس أ ْن ات ِإلى أه ِلها و ِإذا حكمتم بين الن ِ ج -وفي سياسته وحكمهِ {:إن َّللا يأمركم أن تؤدوا األمان ِ
ان َس ِميعا َب ِصيرا ( })58النساء. َّللا نع َّما َيع ُظ ُك ْم به إ َّن َّ َ
َّللا َك َ ْ َ ْ َّ َّ َ َ ْ ُ
ِ ِِ تحك ُموا ِبالعد ِل ِإن ِ ِ ِ
-4ومن أخالق اإلسالم،ما يتعلق بغير العقالء من الحيوان والطير،كما في الحديث ":اتقوا هللا في
البهائم املعجمة،فاركبوها صالحة،وكلوها صالحة،وفي الحديث اآلخر":في كل كبد رطبة حية" رواه
البخاري.
-5ومن أخالق اإلسالم ما يتعلق بالكون الكبير .
من حيث أنه مجال التأمل واالعتبار والنظر والتفكر واالستدالل وحكمته كما قال
ُ َْ
األ ْل َباب (َّ )190الذ َ الن َهار َ َآل َ َّ
الل ْيل َو َّ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َْ َّ
ين ِ ِ ي ول
ِ أل
ِ ات
ٍ ي ِ ِ فِ ال ت
ِ اخو ض
ِ راألو ات
ِ اوم الس ق تعالى{:إن ِفي خ ِ
ل ِ
َّ َ َ َ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ َ ْ
ض ربنا ما خلقت هذا ات واألر ِ يذكرون َّللا ِقياما وقعودا وعلى جن ِوب ِهم ويتفكرون ِفي خل ِق السماو ِ
اب َّ
الن ِار (})191آلعمران. َباطال ُس ْب َح َان َك َفق َنا َع َذ َ
ِ ِ
ومن حيث أنه مجال لالنتفاع واالستمتاع بما أودع هللا فيه من خيرات وما بث فيه من قوى
مسخرة ملنفعة اإلنسان،وما أسبغ فيه من نعم،تستوجب الشكر لواهبها واملنعم بها،كما قال تعالى{:
9
ْ َْ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ ُ َ َأ َل ْم َت َر ْوا َأ َّن َّ َ
َّللا َس َّخ َر َل ُك ْم َما في َّ
اط َنة َو ِم َن ََ
ض وأسبغ عليك ْم ِنع َمه ظ ِاه َرة وب ِ ِ راأل يف ِ امات َو َ
ِ
الس َم َ
او ِ
ُ ُ ُ َ َّ َ َ َ ْ
الناس َم ْن ُي َجاد ُل في ََّّللا ب َغ ْير علم َوال ُهدى َوال كتاب ُمنير (})20لقمانَ {.يا أ ُّي َها الذ َ
َ َّ
ين آ َمنوا كلوا ِم ْن ِ ِ ٍ ٍِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ
َ ّ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ُ ُ َّ ْ ُ ْ ُ ْ َّ ُ َ ْ ُ ُ نَ
ّلِل ِإن كنتم ِإياه تعبدو (})172البقرة. ات ما رزقناكم واشكروا ِ ِ ط ِيب ِ
-6وقبل ذلك كله وفوق ذلك كله ما يتعلق بحق الخالق العظيم الذي منه كل النعم وله كل الحمد{:
َّ َ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ
اك ن ْس َت ِع ُين ()4 الرحيم (َ )2مالك َي ْوم ّ
الد ِين (ِ )3إياك نعبد و ِإي ّلِل َر ّب ْال َع َ ِامل َين (َّ )1
الر ْح َمن َّ ْ َ ْ ُ َّ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ الحمد ِ ِ
ِ
يم (})5الفاتحة . اط ْاملُ ْس َتق َ ْ َ َّ َ
الصر
ِ اه ِدنا ِ
فهو وحده الحقيق بأن يحمد الحمد كله،وأن ترجى رحمته الواسعة.وأن يخش ى عقابه
العادل يوم الجزاء.وهو وحده الذي يستحق أن يعبد ويستعان وأن تطلب منه الهداية إلى الصراط
املستقيم.
وبهذا،يتجلى شمول األخالق اإلسالمية،من حيث موضوعها ومحتواها،ولكن الشمول في
مكتبة وهبة ص .107 ، 106بتصرف لخصائص العامة لإلسالم األخالق يبدو كذلك إذا نظرنا إلى فلسفتها ومصدر اإللزام بها.
يسير ط 1981 2م .
10
املحاضرة الثانية :اإللزام بين اإلسالم والفلسفة
ً
أوال :اإللزام في اللغة :
لزم ومضارعه يلزم واسم الفاعل الزم ،واسم املفعول اإللزام :مصدر للفعل َ
ً ً ً
ملزوم وملزم .ولزم الش يء يلزمه لزما ولزوما ...ولزاما ،والتزمه :ألزمه إياه فالتزمه .قال
ً ً ً َ ُ ُ َ
ما لكم1 هللا تعالى {:ف َس ْوف َيكون ِل َزاما } أي الزما -أي عذابا الز
ومن خالل التعريف اللغوي لإللزام يتضح أنه يوجد :
ملزم للش يء :وهو جهة ومصدر اإللزام وهو اسم الفاعل الزم 2.ـ ( ملزوم بالش يء 1ـ َ
وملزم به ) وهو الواقع عليه اإللزام واملأمور بتنفيذه ـ وهو اسم املفعول من الفعل َ
لزم.
3ـ النتيجة الحتمية السم الفاعل واسم املفعول وهي األوامر املراد تحقيقها.
ً
ثانيا :تعريف اإللزام في الشرع
-1اإللزام .هو أن تحكم علي اإلنسان بحكم ما فإما واجب أو غير واجب2
- 1راجع في ذلك أ -لسان العرب ابن منظور دار صادر ج 12ص 542مادة ( لزم )
ّ
ب -كتاب العين الخليل بن أحمد الفراهيدى دار الهالل ج 7ص 372ج -املفردات في غريب القران /الراغب
األصفهانى ص 453املكتبة التو فيقيه القاهرة
- 2األحكام في أصول األحكام ابن حزم األندلس ي .ج 1صـ 56سنة 1978تحقيق /محمد احمد عبد العزيز
- 3املفردات في غريب القرآن /الراغب األصفهاني صـ 453املكتبة التوفيقية القاهرة
1
ً
والشر،فما كان فعله أو عدم فعله ممكنا من الناحية املادية ثم وجب حكمه من الناحية
ً
الخلقية كان إلزاميا .
ً
رابعا :مفهوم اإللزام عند كانت :
ً
إذا كان اإللزام مطلقا كاألمر املطلق الذي تكلم عليه ( كانت ) كان له بحرية
االختيار عالقة وثيقة ,ألنه ال معني لألمر املطلق إذا كان سلوك اإلنسان نتيجة لطبيعته,
ً
فاإللزام إذا قانون الحرية وال معني لإللزام إال إذا أوجب اإلنسان علي نفسه فعل الش يء
أو عدم فعله من ذاته وبملء حريته.
ً
خامسا :تعريف اإللزام عند دوركايم يعتبر اإللزام عند دوركايم صورة من صور
القسر االجتماعي ويمكن الجمع بين مفهوم اإللزام وبين الحتمية االجتماعية 4
والخالصة :
تعريفات اإللزام تخلص إلى أنه ( إلزام املكلف بتصديق ما قرره هللا من الحق
وتنفيذ ما شرعة من األحكام .واألخذ بما وص ي به من مكارم األخالق والعزوف عما نهي
عنه من مساوئها " أو هو كل تكليف صادر من هللا عز وجل إلي اإلنسان للعمل به وتطبيق
ما شرعه من أحكام وما أوص ي به من فضائل لينال به السعادة في العاجل واآلجل ,وكل
إلزام التزم به اإلنسان من قبل نفسه في طاعة ربه واجتناب مناهيه ".
- 4موسوعة الالند الفلسفية املجلد الثاني ط 1سنة 1996صـ 898منشورات عويدات بيروت -تعريب خليل
أحمد خليل -2،املعجم الفلسفي تأليف جميل صليبا .دار الكتاب اللبناني صـ ،121صـ 122ط 1سنة 1971
بيروت -3،املعجم الفلسفي .مجمع اللغة العربية -لقاهرة صـ 20
2
َ ً َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َّ َ ْ ُ َ َّ َّ َ ُ ْ
َّللا َوال نش ِر َك ِب ِه ش ْيئا قال هللا تعالى ..... { :تعالوا ِإلى ك ِلم ٍة سو ٍاء بيننا وبينكم أال نعبد ِإال
َّ َ َ َّ َ َ ْ ُ َ َ ْ ً َ َ ً ْ ُ
َّللا }....سورة آل عمران آية . 64واآلية السابقة وال يت ِخذ بعضنا بعضا أ ْربابا ِمن دو ِن ِ
يفهم منها نفى األلوهية عن غير هللا تعالى فال يستحق األلوهية أحد سواه.
وكذلك نهت اآلية القرآنية عن اتخاذ األرباب من دون هللا تعالى كما وصف
َّ
سبحانه وتعالى ـ املحللين واملحرمين من غير هللا تعالى بالكفر،فقال تعالىِ { :إ َّن َما الن ِس ُيء
َ
اط ُئوا ِع َّدة َما َح َّر َم َّ َ َ َ ُ َ ُ َ ً َ ُ َ َ ُ َ ً َ َ ٌَ ُْْ ُ َ
ِزيادة ِفي الكف ِر يضل ِب ِه ال ِذين كف ُروا ي ِحلونه عاما ويح ّ ِر ُمونه عاما ِل ُيو ِ
ين }سورة التوبة وء َأ ْع َماله ْم َو َّ ُ
َّللا ال َي ْهدي ْال َق ْو َم ْال َكافر َ ُ سُ مْ هُ َ َ َّ َ َّ ُ ُ ّ َ َ
ل
َّ ُ َ
َّللا ف ُي ِحلوا ما حرم َّللا زِين
ِ َِ ِ ِِ
َ َ ُ ُل َّ َ ْ ُ َ َ
ين أش َركوا ل ْو ش َاء آية ،37كما وصفهم هللا تعالى -بالشرك -فقال تعالى {:سيقو ال ِذ
َ َُ َّ ُ َ ْ ْ
َّللا َما أش َرك َنا َوال َآباؤنا َوال َح َّر ْم َنا ِم ْن ش ْي ٍء } سورة األنعام آية رقم ،148وقال تعالى { :
َُ َ َ َ
َّللا َما َع َب ْدنا ِم ْن ُدو ِن ِه ِم ْن ش ْي ٍء ن ْح ُن َوال َآباؤنا َوال َح َّر ْم َنا ِم ْن ين َأ ْش َر ُكوا َل ْو َش َاء َّ ُ
ال َّالذ ََ ق
ََ
و
ِ
َ
ُدو ِن ِه ِم ْن ش ْي ٍء } سورة النحل آية رقم .35
فال خالف بين علماء املسلمين في أن مصدر األحكام الشريعة لجميع أعمال
املكلفين هو هللا سبحانه وتعالى فهو الذي خلق اإلنسان ووضع النظام األخالقي وهو
َ َْ َ ْ َ ْ
الذي يعلم الظاهر والباطن والسر والعلن { ِإ َّن ُه َي ْعل ُم ال َج ْه َر ِم َن ال َق ْو ِل َو َي ْعل ُم َما تك ُت ُمون}
"األنبياء 110:
إذا فمصدر اإللزام في اإلسالم هو بارئ الخلق وفاطرهم ومدبر أمورهم والقائم
علي شئونهم ،ولقد تقرر فيما سبق أن مصدر اإللزام الوحيد في اإلسالم ،هو هللا وحده
ـ وال شريك له في حق التشريع وإلزام العباد ،اللهم إال إذا كان هذا اإللزام بموجب هللا
تعالى .
3
ً
أوال :السنة عند الفقهاء.
هي (ما واظب عليها النبي -صلى هللا عليه وسلم -ولم يدل دليل من الكتاب والسنة على
وجوبه.
ً
ثانيا :عند املحدثين (:هي كل ما يضاف إلي النبي -صلى هللا عليه وسلم -من قول أو فعل
أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية.
ً
ثالثا :عند علماء األصول :هي املصدر الثاني للتشريع وهو لفظ يقابل الكتاب واإلجماع
والقياس.
-2حجية السنة النبوية وبالتالي كونها مصدرا لإللزام .
السنة النبوية :أصل من أصول التشريع اإلسالمي وحجة علي جميع املسلمين فلقد اتفق
العلماء على اعتبار السنة املحمدية املطهرة ثانية املصادر في امليدان التشريعي ،ولقد
نص القرآن الكريم والسنة النبوية املطهرة علي حجية السنة علي صاحبها أفضل الصالة
وأتم التسليم ـ ونشير إلي ذلك بش يء من التفصيل :ـ
أ ـ نصوص القرآن الكريم الدالة علي حجية السنة النبوية املطهرة :
فاملتأمل في آيات القرآن العزيز يجد أن هللا ـ سبحانه وتعالى يأمرنا باتباع الرسول -صلى
ّ ً
هللا عليه وسلم -اتباعا ال تشوبه معصية اتباع املطيع املسلم ,بل ويجعله أساس حب
َ َّ َ َ َّ ُ ُ ْ ْ ُ ُ َّ ُ ْ َ ُ ُ ُ ُ ُ ُ
َّللا َو َيغ ِف ْر لك ْم ذ ُن َوبك ْم هللا تعالى .قال تعالى {:ق ْل ِإ ْن ك ْن ُت ْم ت ِحبون َّللا فات ِبعو ِني يح ِببكم
يم } سورة آل عمران من آية رقم 35 َّللا َغ ُف ٌ
ور َر ِح ٌ َو َّ ُ
ولقد حذر القرآن الكريم من مخالفة أمر النبي -صلى هللا عليه وسلم -ـ صغر
ذلك أم كبرـ فإن فيه الهالك والضياع وجلب الفتن علي النفس البشرية ،فقال تعالى {:
َ ْ َ ُ ُ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُ ْ َ ُ َ َ ْ ُ ْ َ ْ ً َ ْ َ ْ َ ُ َّ ُ َّ َ َ َّ ُ َ ُ
ين َيت َسللون ِم ْنك ْم ال تجعلوا دعاء الرسو ِل بينكم كدع ِاء بع ِضكم بعضا قد يعلم َّللا ال ِذ
َ
اب أ ِل ٌ ين ُي َخ ِال ُفو َن َع ْن َأ ْمر ِه َأ ْن ُت ِص َيب ُه ْم ِف ْت َن ٌة َأ ْو ُي ِص َيب ُه ْم َع َذ ٌ
اذا َف ْل َي ْح َذر َّالذ َ
َ ً
يم } سورة ِ ِ ِ ِلو
النور جزء من اآلية رقم ( ،63وأمر رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -هو سبيله ومنهجه
وسنته وطريقته وشريعته كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول هللا -صلى هللا
ً
عليه وسلم -أنه قال { :من عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو رد }
وجعل هللا تعالى طاعة الرسول هي عالمة اإليمان باهلل عز وجل ,وينتفي اإليمان بعدم
َ َ
التسليم له واإلذعان لحكمه والخضوع ألمره فقال هللا تعالى {:فال َو َرِّب َك ال ُي ْؤ ِم ُنون َح َّتى
4
ً ّ َ َْ ُ ْ َ َ ً
جا م َّما َق َ َ َ ََْ ُ َ ُ ُ َ ّ َ
ض ْي َت َو ُي َس ِل ُموا ت ْس ِليما } يح ِك ُموك ِف َيما شج َر بين ُه ْم ث َّم ال ي ِجدوا ِفي أنف ِس ِهم حر ِ
سورة النساء اآلية رقم 65
َ ُ َ ْ ُ َ يعوا َّ َ َ وقال تعالى َ {:يا َأي َها َّالذ َ
الر ُسو َل َوأ ِولي األ ْم ِر ِم ْنك ْم ف ِإ ْن
يعوا ََّّللا َوأط ُ
ِ
ين َآم ُنوا أط ُ
ِ ِ
َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ ُ َ َّ َ َّ ُ ل ْ ُ ْ ُ ْ ُ ْ ُ َن َّ
اَّلل َو ْال َي ْوم ْاآلخر َذل َك َخي ٌرْ
ِ ِ ِ ِ َّللا والرسو ِ ِإن كنتم تؤ ِمنو ِب ِ تنازعتم ِفي ش ي ٍء فردوه ِإلى ِ
ََ ْ َ ُ َْ ً
وأحسن تأ ِويال } النساء أية رقم 59
ويفاد من اآلية السابقة نفي اإليمان عمن ال يتحاكم إلي هللا وإلى الرسول -صلى
هللا عليه وسلم -فأفادت بأن سنة النبي -صلى هللا عليه وسلم -أمرنا القرآن باتباعها
ً
باعتبارها مصدرا من مصادر التشريع الرباني فلقد أمر هللا بطاعة هللا وطاعة رسوله
وذلك بمعني طاعة الشريعة فإن هللا هو منزل الشريعة ورسوله مبلغها والحاكم بها في
حضرته سبحانه وتعالى،فالحكمة التي امتن هللا تعالى علي رسوله هي السنة النبوية
املطهرة.
ً
وردت مجموعة من األحاديث النبوية تبين حجية السنة وتجعلها مصدرا من
مصادر اإللزام لدي املسلمين وعنصر من عناصر التشريع اإلسالمي والتي ال تنفك أن
تكون مثل القرآن الكريم الكتاب الخالد ،ومن جملة هذه األحاديث ما يأتي :ـ
1ـ أخرج البخاري :أن النبي -صلى هللا عليه وسلم -قال { :فمن رغب عن سنتي فليس
مني }5
2ـ ما رواه أبو داود في سننه عن املقداد بن معد يكرب أن رسول هللا -صلى هللا عليه
وسلم { : -أال إنني أوتيت الكتاب ومثله معه ,أال يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته
يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حالل فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام
فحرموه ,أال ال يحل لكم الحمار األهلي ,وال كل ذي ناب من السباع ,وال لقطة معاهد إال
أن يستغني عنها صاحبها ،ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه ,فإن لم يقروه فعليه أن
يعقبهم بمثل قراه }6
- 5رواه البخاري في صحيحه برقم ( )5063ومسلم في صحيحه برقم ( . )1401أما حديث عائشة فلفظه :صنع
النبي صلى هللا عليه وسلم شيئا ترخص فيه وتنزه عنه قوم ،فبلغ ذلك النبي صلى هللا عليه وسلم فحمد هللا وأثني
عليه ثم قال" :ما بال أقوام يتنزهون عن الش يء أصنعه؟ فوهللا إني أعلمهم باهلل واشدهم له خشية" .رواه البخاري
برقم ( )7301ومسلم برقم ()2356
،35/4 - 6املوافقات للشاطبي.
5
وبعد عرض اآليات القرآنية الواردة في حجية السنة املطهرة واألحاديث النبوية
التي دلت علي ذلك يتضح لنا بجالء أن السنة النبوية هي أصل من أصول التشريع
اإلسالمي وال ينكر ذلك إال جاحد أو من ليس له أدني معرفة بالشرع اإلسالمي(فثبوت
حجية السنة املطهرة واستقاللها بتشريع األحكام ضرورة دينية،وال يخالف في ذلك إال
من الحظ له في اإلسالم )
ً
املصدر الثالث :اإلجماع مصدرا من مصادر اإللزام
ً
يعد اإلجماع مصدرا من مصادر التشريع اإلسالمي،وبالتالي من مصادر اإللزام .
وهو مصدر منش ئ لألحكام التي ليست لها سند شرعي في الكتاب والسنة ويحسن بنا أن
نتحدث عن تعريفه ،وحجيته ،ثم نتحدث عن أهميته وضرورته .
ً
أوال :تعريف اإلجماع :
عرفه جمهور األصوليين بأنه ( اتفاق املجتهدين من هذه األمة بعد وفاة نبيها .في عصر
من العصور على حكم من األحكام الشرعية معتمدين في ذلك نص من القرآن أو السنة
-أو قياس عليهما 7
ومن خالل التعريف السابق لإلجماع :بأنه ( اتفاق املجتهدين من هذه األمة )فهذا
ً
قيد في التعريف فال بد أن يكون اإلجماع شامال كل املجتهدين وال يكون هناك اعتراض
عليه من أهل االجتهاد في مكان ما ،وهذا استلزام لوجود اإلجماع كمصدر من مصادر
ً
اإللزام له قوة ينش ئ بها حكما من اإلحكام ليس له سند تفصيلي في الكتاب والسنة،ولكن
بعض الفقهاء لم يعتد بهذا القيد املوجود في التعريف السابق
ً
ثانيا :حجية اإلجماع والدليل عليها :
أ ـ من القرآن الكريم :وردت آيات من القرآن الكريم ـ ظنية الداللة ـ تدل علي حجية
إجماع املسلمين .وذلك مثل :قوله تعالى ُ { :ك ْن ُت ْم َخ ْي َر ُأ َّمة ُأ ْخر َج ْت ل َّلناس َت ْأ ُم ُر َ
ون ِ ِ ٍ ِ
- 7انظر في ذلك فلسفة التشريع في اإلسالم /صبحي محمصاني صـ -. 161دار العلم للمالين بيروت ط الثالثة
سنة 1961م وانظر كذلك لك املوسوعة الجنائية في الفقه الجنائي اإلسالمي الجزء الثاني املجلد األول صـ 153
مركز السنهوري دار الشروق .الجريمة في الفقه اإلسالمي /محمد أبو زهرة صـ 170دار الفكر ،فقه الخالفة
وتطورها الجزء األول /د .عبد الرازق أحمد السنهوري العدد الخامس .سلسلة املجلس األعلى للشئون اإلسالمية
صـ . 48
6
ْ َ ْ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َ ُ ْ ُ َ َّ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ ً َ
ان خ ْيرا ل ُه ْم ِم ْن ُه ُم اب لك اَّلل ولو آمن أهل ال ِكت ِ وف وتنهون ع ِن املنك ِر وتؤ ِمنون ِب ِ ِباملعر ِ
َ ُْْ ُ َ ََ ْ َ ُ ْ َ
اس ُقون } سورة آل عمران اآلية رقم 110 املؤ ِمنون وأكث ُره ُم الف ِ
الناس َو َي ُكو َن َّ طا ل َت ُك ُونوا ُش َه َد َاء َع َلى َّ َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ ً َ َ ً
الر ُسو ُل ِ 2ـ وقوله تعالى { :وكذ ِلك جعلناكم أمة وس ِ
الر ُسو َل ِم َّم ْن َي ْن َق ِل ُبيدا َو َما َج َع ْل َنا ْال ِق ْب َل َة َّال ِتي ُك ْن َت َع َل ْي َها إ َّال ِل َن ْع َل َم َم ْن َي َّتب ُع َّ
ََْ ُ ْ َ ً
عليكم ش ِه
ِ ِ
َّللا ل ُيض َيع إ َيم َان ُك ْم إ َّن َّ َ
َّللا َّللا َو َما َك َ
ان َّ ُ ين َه َدى َّ ُ َع َلى َعق َب ْيه َوإ ْن َك َان ْت َل َكب َير ًة إ َّال َع َلى َّالذ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َ ُِ ِ
ٌ
الناس ل َرؤوف َر ِح ٌ َّ
يم } سورة البقرة اآلية رقم .143 ِب ِ
َّ َ َ َ ْ 3ـ وقوله تعالى َ { :و َم ْن ُي َشا ِقق َّ
الر ُسو َل ِم ْن َب ْع ِد َما ت َب َّي َن ل ُه ال ُه َدى َو َيت ِب ْع غ ْي َر َس ِب ِيل ِ
ْ ُ ْ َ ُ َ ّ َ َ َ َّ َ ُ ْ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ ً
املؤ ِم ِنين نوِل ِه ما تولى ونص ِل ِه جهنم وساءت م ِصيرا } سورة النساء اآلية رقم 115فإن في
الدليل ما يوجب إتباع سبيل املؤمنين فإن ثبوت الوعيد فيها علي املخالفة يدل علي
وجوب املتابعة .
ب ـ حجة اإلجماع من السنة النبوية املطهرة :
ً
لقد ذكرنا سابقا اآليات التي تدل حجية اإلجماع وإن كانت هذه الداللة القرآنية
داللة ظنية ,إال أن السنة النبوية قد وردت بها مرويات كثيرة ( وتظاهر الروايات عن -
صلى هللا عليه وسلم -بألفاظ مختلفة مع اتفاق املعني ,كلها تدل علي عصمة هذه األمة
من الخطأ ,إن كانت هذه املرويات ـ النبوية ـ لم تصل إلي درجة التواتر .
إال أن هذه املرويات اشتهرت علي لسان الصحابة والتابعين وسلف األمة وظلت
منقولة ملن بعدهم ,لم يدفعها أحد من أهل النقل فظلت مقبولة من موافقي األمة
ومخالفيها ,ولم تزل األمة تحتج بها في أصول الدين وفروعه ,ويستحيل في مستقر العادة
,توافق األمم من اعصار متكررة علي التسليم بما لم تقم الحجة بصحته ,مع اختالف
الطباع وتفاوت الهمم واملذاهب في الرد والقبول )8
فمن هذه املرويات واألحاديث :قوله صلى هللا عليه وسلم :ـ { -1ال تجتمع أمتي علي
الضاللة }2. 9ـ { ال تجتمع أمتي علي الضاللة لم يكن هللا يجمع أمتي علي ضاللة }.
َ "إن َّ َ
َّ -3
ضاللة" . 10ٍ تجتم َع على ِ أن تي أم َّللا قد َ
أجار َّ
- 8انظر املقاصد العامة للشريعة -يوسف العالم -صـ 66بتصرف بعض الش يء
- 9سنن الدارمى( املقدمة ) باب ما أعطي النبي صلي هللا عليه وسلم -من الفضل 0
- 10أخرجه الضياء في ((األحاديث املختارة)) ( ،)2559وأخرجه ابن ماجه ( ،)3950وعبد بن حميد ()1218
ً
مطوال بنحوه
7
والخالصة :أن اإلجماع ال بد له من سند يقوم عليه ,وذلك بمعني أن القواعد
التي يضعها اإلجماع يجب أن تبني علي سند من مصدر آخر{ فاألساس الذي يقوم عليه
سند اإلجماع هو القرآن الكريم ـ أو السنة النبوية املطهرة ,أو القياس }فاإلجماع الذي
يصدره املجتهدون من هذه األمة هو في ذاته خاضع للمصدرين األولين القرآن الكريم ـ
املصدر األول ـ والسنة النبوية ـ املصدر الثاني ـ أو يعتمد علي قياس هذين األصلين في
مسألة مشابهة .
وأمر أخر يظهر لنا أهمية اإلجماع كمصدر للتشريع اإلسالمي امللزم للمسلمين
،هو أن القرآن الكريم والسنة النبوية املطهرة ال يتسعان للتدليل علي كل مسألة من
مستجدات الحياة ,إذ أن النوازل اليومية واملستجدات الحياتية ال تقف عند حد من
الحدود،فال بد من وجود عنصر مستمر وفياض ,يعطي من خالله مطالب الحياة
اليومية ،مما يستلزم وجود مصدر دائم يدخل عنصر املرونة والتطور في أحكام
الشريعة اإلسالمية وهذا املصدر هو اإلجماع ـ فاإلجماع يمكن أن يعتبر بحق ـ املصدر
املباشر للتشريع بعد الكتاب والسنة ,وهو الذي يمكنه التطوير الدائم مع تقدم
العصور وتغير الظروف ـ رغم تبعيته الظاهرة لهذين املصدرين )
8
وإذا كنت أتحدث عن فكرة اإللزام في الفكر الوضعي إال أنني أردت اإلشارة إلى
وجود بعض النظريات الغربية التي تدعي وجود أخالق بال إلزام ،والنظرة الفلسفية
لإللزام عند الفالسفة تحمل في ثنايا ادعائها دليل بطالنها فهو ( اتجاه يحمل في ثناياه
معني التناقض الواضح .ألن القول بأنه مذهب أو اتجاه ،يوحي بأنه مؤسس علي مبادئ
أو مسلمات يقبلها العقل ،تبني عليه النظريات التي يؤمن بها أصحابها .....فإذا قيل بعد
ذلك ،إن هذا املذهب ليس لديه قاعدة ملزمة تتأسس عليها نظرياته ،كان هذا معني
التناقض واالضطراب بعينه فالقول باملذهبية بال إلزام قول مردود )11
وفي هذا املبحث سأذكر بإجمال مصادر اإللزام لدي النظم الوضعية ،بالنظر
فيما كتبه كبار املفكرين الغربيين .نجد أن مصدر اإللزام لديهم يختلف من مفكر آلخر
فكون ذلك عده اتجاهات يتضح لنا من خاللها مصادر اإللزام لدي هؤالء املفكرين ّ
الغربيين .......ونالحظ أنه يوجد اتجاهين أساسيين في مسألة اإللزام الخلقي .
*االتجاه األول :وهو أصحاب الرأي القائلين بأن مصدر اإللزام سلطة خارج اإلنسان :
فليس اإلنسان هو صاحب املصدرية ،وإنما اإللزام يأتي من سلطة خارجة عنه :ثم
ينقسم هذا االتجاه إلي قسمين
-1القسم األول :وهم القائلون بأن مصدر اإللزام سلطة عليا إلهية
-2القسم الثاني :وهم القائلون بأن مصدر اإللزام هو املجتمع
* االتجاه الثاني :يذهب أصحاب هذا االتجاه إلي أن مصدر اإللزام هو اإلنسان ذاته
،فاإلنسان هو مصدر القيم واألخالق ،ويختلف أصحاب هذا االتجاه فيما بينهم إلي
أقسام ثالثة -:
1ـ القسم األول -:يرى أصحاب هذا الرأي أن مصدر القيم واألخالق هو اللذة واملنفعة
2ـ القسم الثاني -:يرى فريق آخر أن مصدر اإللزام هو العقل
3ـ القسم الثالث -:ويرى أن الضمير هو مصدر اإللزام.12
املطلب األول:عرض املذهب القائل بأن مصدر اإللزام سلطة خارج اإلنسان.
القسم األول :مصدر اإللزام هو الدين
- 13مذهب النقليين هو مذهب بعض الالهوتيين املسيحيين وملخصة أن العقل ال يكشف عن حقيقة االشياء
ً
وإنما يكشف عنها الوعي وااللهام وقد أنكرت الكنيسة سنة 1838م وتوسع فيه أخيرا وأطلق علي النظريات التي
تضع الحقائق النقلية فوق الحقائق العلمية .انظر املعجم الفلسفي .مجمع اللغة العربية .الهئية العامة
للشئون األميرية صـ 180
10
(فالعرف االجتماعي يفرض علي اإلنسان ما يستحسنه من الخير وما يستقبحه من
الشر)14ينهي عن املثول إليه .
ً
* أوال -:أشهر القائلين بهذا الرأي
-1أوجست كونت -2)1857 - 179815إميل دور كايم( -3) 1917 - 1858 ()1ليفي بريل
) 1903 - 1823 (16
ً
ثانيا :نظرة عامة إلي املذهب :
ظهر مذهب القائلين بأن املجتمع هو مصدر اإللزام في القرن التاسع عشر وعرف أنصار
هذا املبدأ في الفكر الغربي بأنصار املذهب الوضعي17
- 14املسؤلية الخلقية والجزاء عليها صـ 36د /أحمد عبد العزيز الحلبي .
- 15أوجست كونت ( فيلسوف فرنس ي تربي علي الدين الكاثوليكي وتعلم في مسقط رأسه انتسب وهو في السادسة
ً
عشرة من عمره إلي كلية العلوم التقنية التقي سنه 1818م (بسان سيمون ) فصار تلميذا له وعمل أمينا لسره -
ً ً ً
وانتقل عنه بعد سته أعوام وعمل مفكرا مستقال -وفي سنه ' 1826عادة إلي التدريس عين سنه 1832م معيدا
ملادة التحليل وامليكانيكا وطال بتأسيس كرس ي تاريخ عام للعلوم الوضعية يشغله هو ،فصل من العمل سنه
1844م .مذهبه :ال يؤمن إال بالوضعية التجريبية وهو مكرس الوضعية الحديثة مع استاذه سان سيمون اختار
ً ً
كونت ملجتمعه دينا انتقائيا يقوم علي عبادة اإلنسان التي يجب تأليهها .واستبدل التصور الخيالي عن هللا
بالتصور الوضعي
- 16فيلسوف فرنس ي من أتباع أوجست كون رئيس لجنة منفذي وصاياه ترأس اللجنة الوضعية وساهم في تحرير
ً
السايسة الوضعية ( ) 1873وفي عام 1878أسس املجلة الغربية وأصبح أستاذا للتاريخ العام للعلوم في الكوليج
دي فرانس عام ( ) 1903انظر موسوعة االعالم الفلسفية جـ 2صـ 337تأليف زوني ايلي ألفا مراجعة د /جورج
نخل دار الكتب العلمية بيروت .
- 17التعريف بالوضعية :هي املذاهب التجريبية التي ال تعترف إال بالواقع املحسوس .فهي ترد املعرفة إلي التجربة
( استخدم املنهج التجريبي املحسوس ) وترجع تسميته هذا املذهب إلي ( أوجست كونت ) وقد مهد لهذا االتجاه
في الفلسفة ديفيد هيوم ( - ) 1776 - 1711أنظر(املدخل إلي الفكر الفلسفي صـ ) 16يوزيف بوخينسكي ترجمة
د /محمود حمدي زقزوق -.دار الفكر العربي سنة 1416هـ 1996 ،م ومن دواعي قيام املنهج الوضعي في الغرب
-ما يأتي 1ـ ( أسلوب التفكير الالهوتي الذي إنتهجته الكنيسة ) فكان تفكيرها ال يتفق مع العقل وال الحقيقة
العلمية .فكانت الوضعية تهدف إلي إزالة الخرافات التي نسجتها الكنسة حول الفكر الديني =.
2ـ إضطهاد الكنيسة لإلسلوب العلمي في التفكير فلقد احتكرت مجال التفكير وحرمت كل تفكير يخالف تقاليد
البابوية وسادت النزعة النصية وتحكيم الكتاب املقدس في مجاالت الحياة كلها 3.ـ التدخل القصري لسلطان
الكنيسة في كل مجاالت الحياة 4ـ التحالف بين النظامين االقطاعي والالهوتي ضد املفكرين الغربيين لهذه
ً
األسباب قام النظام الوضعي في الغرب وكان لهذا النظام أسس قام عليها ... -1 :اعتبر االحساس وحده مصدرا
للمعرفة ... -2اعتبار النموذج الطبيعي سلطة مرجعية للعلوم اإلنسانية ( انظر في ذلك :منهج البحث االجتماعي
11
وقد أسس هذا املذهب ( أوجست كونت ) ( ) 1857 - 1798وصار لهذا املذهب
في الفكر األوربي بخاصة والغربي بعامة تأثير علي مناحي الحياة -العلمية واالجتماعية
والسياسية واالقتصادية واألخالقية والدينية وظهر من بين رجال الفكر
الوضعي(املذهب الوضعي ) مؤسسين ملدرسة العلوم االجتماعية والتي ظهرت في القرن
التاسع عشر ونادت هذه املدرسة بأن مصدر اإللزام للفرد هو املجتمع ،والذين تحدثوا
بأن املجتمع هو سلطة اإللزام ومصدره ليس كل من أيد ونادى بالوضعية ،فوجد في
املذهب الوضعي من ينادي بأن سلطة اإللزام ومصدره هو اإلنسان ذاته .وليست سلطة
خارجة عن اإلنسان ومن هؤالء -:
-1وليم جميس :رائد الحركة البرجماتية -2 -ديفيد هيوم .مؤسس الوضعية في علم
الفلسفة .
أما األول فنادي بأن املنفعة هي مصدر اإللزام والثاني قال بأن العاطفة أو الشعور
باللذة هي مصدر اإللزام18
ً
ثالثا -:أهم ما يحتوي عليه املذهب -:
( -1رفض واجبات وقواعد العقل العلمي الخالص وقبول الواجب الخلقي حين يصدر
عن املجتمع علي اعتبار أن املجتمع هو الكائن األخالقي األعظم الذي تصدر عنه الحياة
األخالقية ) فاملجتمع هو مصدر اإللزام وهو الذي يحق له وحده دون غيره أن يحكم
علي القيمة األخالقية بالخير أو الشر،فاملجتمع مصدر اإللزام عند هذا الفريق.
بين الوضعية واملعيارية محمد محمد إمريان من ص :33ص - ،57الفكر اإلسالمي الحديث وصلته باالستعمار
الغربي /د /محمد البهي ص 266إلي ص 270مكتبة وهبة
- 18راجع معناه في األتي :أ -قضايا معاصرة في ضوء اإلسالم د /حلمي عبد املنعم صابر
ب -ديفيد هيوم /زكي نجيب محمود -.دار املعارف بمصر صـ 14جـ -علم اإلجتماع األخالقي د /حسين عبد
الحميد رشوان .املكتب العلمي للنشر والتوزيع سنه 2000م صـ ،166علم االجتماع األخالقي .د /حسين عبد
الحميد رشوان .املكتب العلمي .صـ .192
12
ً
أوال :القائلون بأن مصدر اإللزام هو اللذة واملنفعة :
1ـ نظرة عامة الي املذهب :
هذا املذهب الذي زعم أن اللذة ( أو املنفعة أو املصلحة ) وهما بمعني واحد هي مصدر
اإللزام باألخالق والقيم ،مذهب له جذوره التاريخية فهو ليس وليد القرن التاسع عشر
ً
أو القرن العشرين ،إنما قبل ذلك بقرون فهو قبل ذلك بعشرين قرن تقريبا ،ال حاجة
لعرضها .
مذهب اللذة في العصر الحديث وأشهر القائلين به -:
ً
أوال :توماس هوبر ومبدأ املنفعة .
ظهر هذا املذهب بضراوة وقوة علي يد الفيلسوف اإلنجليزي ( توماس هوبز )( -1588
1676م )* فأهم ما يحتوي عليه رأي ( هوبز ) في مصدرية اللذة لألخالق :
-1اإليمان الكامل بأن الغريزة "األثرة " هي أقوي الغرائز الفطرية ومن ثم ينبغي أن تكون
ً
أساسا يقوم عليه األخالق .
-2أن العواطف النبيلة الخيرة -يزعم أنها -ترجع إلي صفة األنانية
ً
ثانيا :جرمى بنتام ـ ومذهب املنفعة ( 1748ـ1832م )جاء جرمي بنتام وأحيا بعد توماس
هوبز مذهب النفعية واألثرة التي نادي بها هوبز .ولكن كان لبنتام بصمات علي هذا
املذهب .فلقد نادي كذلك هو األخر باملذهب القائل بأن مصدر اإللزام هو اللذة ...فهو
واحد من هؤالء املفكرين الذين ساهموا في بناء هذا املذهب ( -الذي أبعد البشرية عن
الحق ) -املذهب النفعي التجريبي .
لقد كان للمذهب العقلي القائل بأن العقل هو مصدر اإللزام وصاحب التوجيه جذورقديمة
فلم تكن هذه النظرية وليدة العصرالحديث ففي القديم عند اليونان ( نجد أن العقل هو
أساس األخالق وهو اآلمرالناهي .
وبعد :فهناك من مصادراإللزام :الكتاب والسنة واإلجماع في اإلسالم ،وفي الغرب هناك من
قال :بالدين ،أو باملجتمع ،أو باإلنسان ،أو اللذة واملنفعة ،أو البراجماتية ،أو العقل ...
13
املحاضرة الثالثة :خصائص اإللزام الخلقي في اإلسالم
ورد في الكتاب املقرر ثالث خصائص وهي :إمكانية العمل َ
امللزم به ،واليسر
العملي ،وتحديد الواجبات وتدرجها ،وكل هذه الخصائص إنما هي نتائج لخصيصة
الربانية ،والشمولية ،والجمع بين الثبات واملرونة ،وهذه الثالثة األخيرة سنلقي عليها
بعض الضوء ،مع عرض ملقارنة سريعة على الفلسفة الغربية لنبين الخلل الكائن فيها.
ً
أوال :ربانية املصدر
من أهم خصائص اإللزام في اإلسالم ربانية املصدر ،أي صادر عن هللا تعالى .
فما من أمر ملزم ,واجب األخذ ,إال وأساس مصدره هو هللا رب العاملين -فهو املشرع
الحقيقي سبحانه وتعالى ،فليس من مصدر لإللزام في الشرع اإلسالمي سوي هللا تعالى،
حتى ولو كان املشرع واآلمر الناهي هو النبي -صلى هللا عليه وسلم -أو العقل أو املجتمع
أو الضمير أو السلطان والحاكم كل هؤالء إنما واجب االنصياع إليهم ال لذواتهم و إنما
إليجاب هللا تعالى طاعتهم .
يقول اإلمام الغزالي يرحمه هللا تعالى " :أما استحقاق نفوذ الحكم فليس إال ملن
له الخلق واألمر ,فإنما النافذ حكم املالك علي مملوكه ,وال مالك إال الخالق ,فال حكم
وال أمر إال له ,أما النبي -صلى هللا عليه وسلم -والسيد والسلطان واألب والزوج فإذا
أمروا وأوجبوا لم يجب ش يء بإيجابهم .بل بإيجاب هللا تعالى طاعتهم )،1وبهذا يتضح أن
اإللزام رباني املصدر وإن تعددت فيه الجهة اآلمرة من املصادر التابعة للمصدر
األساس ي الرباني .
ومن ثمرات هذه امليزة التي امتاز بها اإللزام الخلقي في اإلسالم .
أ ـ أن هذا املصدر لإللزام معصوم من التناقض والتحيز والهوى :وهذه مميزات ال
نجدها في مصادر اإللزام التي تحدثت بها النظريات والنظم الوضعية .
ب ـ ومن ناحية أخرى نادت املدرسة العقلية بأن مصدر اإللزام هو العقل وحده :وهو
القادر علي هداية الناس والحاكم الذي ال حاكم قبله وال بعده وال مثله .نادي بذلك
علماء املدرسة العقلية وعلي رأسهم ( كانت) األملاني .
- 3معا رج القدس .أبو حامد الغزالي صـ * 59ويراجع في ذلك .رسالة التوحيد لإلمام محمد
عبده بتحقيق د /محمد عمارة صـ ( 32 ، 31كتاب الهالل ويراجع كذلك :الفكر اإلسالمي
الحديث .محمد البهي صـ . 125 ، 124مكتبة وهبة نفس المعطيات السابقة ،إحياء علوم
الدين ج 3صـ 17أبو حامد الغزالي
- 4الجانب األخالقي في فلسفة وليم جيمس وموقف اإلسالم منه -محمد مجاهد نور الدين صـ
146رسالة ماجستير .جامعة األزهر كلية الدراسات اإلسالمية بنين القاهرة .نقد المذاهب
المعاصرة د /إبراهيم مصطفى إبراهيم الجزء األول صـ121ـ نشر دار الوفاء للطباعة إسكندرية
صـ - 43مكتبة وهبة و الخصائص العامة لإلسالم
3
ً
مخلوق أوجب علي غيره شيئا للموجب عليه أن يقلب عليه اإليجاب إذ ليس أحدهما
أولى من األخر )5
- 5المستصفي .ألبي حامد الغزالي ج 1صـ .100جامع العلوم والحكم بن رجب الحنبلي صـ
464دار اإليمان -المنصورة
- 6صحيح البخاري عن النعمان بن بشير .ك الشركة باب هل يقرع في القسمة ج . 2صـ
749
والحديث برقم ( ) 2493دار الحديث القاهرة
- 7صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه .ك اإليمان .باب كون النهي عن
المنكر من اإليمان ج 1صـ 76دار الحديث
4
ً
لم يجعل اإلسالم املجتمع مصدرا لإللزام فيلغي شخصية الفرد ويغطي عليها.
وإنما احترم إرادة األفراد وحريتهم وفي املقابل احترام شعور الجماعة وجعل إلرادة
ً ً
املجتمع مكانا مقدسا -فال الفرد يطغي علي املجتمع وال املجتمع يلغي شخصية الفرد .
أما ما قال به رجال املدرسة االجتماعية (بأن إرادة اإلنسان الحرة التي يعتز بها
ً ً
ليست إال وهما ,ألن املرء ال يملك لنفسه شيئا وإنما هو مسير بغرائز وقوى )
وبذلك يذهب (دور كايم) إلي الجبرية املطلقة للفرد في إطار املجتمع وإقراره
بعجزه عن تغير املجتمع وضرورة الخضوع له ,وهو ما ترفضه الشريعة اإلسالمية ،فهي
ترفض تحكم اإلنسان في اإلنسان،أو تحكم الفرد في املجتمع أو املجتمع في الفرد .
ً
ثانيا :الشمول -:
( الشمول ) خاصية من أبرز خصائص اإللزام الخلقي في اإلسالم على
الخصوص ،واألوامر اإلسالمية بصفة عامة ،فاألوامر و النواهي الخلقية في اإلسالم إنما
هي أوامر والتزامات لكل أفراد الجماعة املسلمة ،والخطاب موجه لكل فرد بالغ عاقل ,
لكل مسلم توفرت لدية صفات األهلية والتكليف .
وكذلك هذه الشمولية التي نعنيها إنما هي شمولية للزمن،فالتشريع الخلقي منذ
العهد النبوي هو التشريع نفسه إلي اآلن لم يتغير وسيظل ولن يتغير ,فهذه الرسالة
كل -صادرة عن عليم صالحة لكل األجيال الحاضرة واملاضية والقادمة علي السواء في ٍ
خبير -يعلم ما كان وما يكون وما هو كائن إلي يوم القيامة ,ال يؤثر علي علمه مرور الزمن.
ً
وعلي ذلك كان التشريع األخالقي صادرا لكل األفراد والجماعات والبيئات ،صدر هذا
التشريع للغني والفقير ,للرجل واملرأة ,للعالم واألمي للساسة والدهماء ,لكل قطاعات
الناس وأنواع البشر وهذا هو شمول الزمان واألفراد .
ويظهر لنا نوع آخر للشمولية التي امتاز بها اإللزام في التشريع اإلسالمي وهو -:
شمولية اإللزام لالتجاهات اإلنسانية من أمثال -:االتجاه العقلي ..االتجاه الديني أو
الروحي -االتجاه النفس ي ..االتجاه املادي .
أما بالنسبة للمذاهب الوضعية فلم يقدر لها أن تحظى بمثل ما حظيت به
الشريعة اإلسالمية في هذا الشأن ,فشأن كل مذهب من هذه املذاهب أن يهتم بجانب
معين واتجاه محدد فهو إما عقلي أمثال املدرسة العقلية ،مهملين بذلك الروح وأهميتها،
5
وإما مذهب اللذة واملنفعة وإن كانت لديهم مسحة عقلية إال أنها هجرت الروحانية
والدينية واهتمت باملادة وأغرقت نفسها فيها.
ً
ثالثا :الجمع بين الثبات واملرونة :
والشريعة األخالقية اإلسالمية استطاعت بهذه الخاصية أن تحافظ علي
ً
لثان ،وإنما هي ثابتة أبدا وجودها فهي ثابتة ال تتغير وال تتبدل من حين آلخر ومن مجتمع ٍ
وهذا الثبات هو الذي حافظ علي وجود الشريعة دائمة باقية فهي لم تتآكل ملرور الزمن
عليها ،وكذلك في الجهة املقابلة لم تكن جامدة صلبة لم تراع تطورات العصر وآليات
ً
العلم .بل سارت مع التقدم العلمي بالشكل املناسب الذي يجعلها دائما متجددة
متطورة ,إال أنها محافظة علي عنصر األصالة فيها .
( وهذا من روائع اإلعجاز في هذا الدين وآية من آياته عمومه و خلوده ,وصالحيته لكل
زمان ومكان .ونستطيع أن نعدد مجال الثبات ومجال املرونة في شريعة اإلسالم ورسالته
فنقول :إنه الثبات علي األصول والكليات ,واملرونة في الفروع والجزئيات ،الثبات علي
القيم الدينية واألخالقية,واملرونة في الشئون الدنيوية والعلمية )8
6
يم } سورة املائدة اآلية رقم (،38 ور َر ِح ٌ وب َع َل ْيه إ هن ه َ
َّللا َغ ُف ٌ ُ َّللا َي ُ
ت َب ْع ِد ُظ ْلمه َو َأ ْ
ص َل َح َفإ هن ه َ
ِ ِ ِ ِِ
)39
وفي هذا النص التشريعي نجد أن هللا تعالى ذكر القانون وفيه الحكم املرتب علي
الجريمة الخلقية ،وذكر مصدر هذا التشريع -وهو هللا تعالى -ونالحظ أن النص القرآني
موجه إلي الجماعة باعتبار أن املجتمع هو القائم علي تنفيذ شرع هللا ،ثم نجد التشريع
السماوي كذلك يربط الدنيا باآلخرة .وال يقصر الجزاء على أنه دنيوي فحسب ؛ بل هو
دنيوي وأخروي.
ً
ويفتح باب التوبة مخاطبا بذلك قلب اإلنسان العاص ي ليفتح له باب الهداية
والبعد عن املعاص ي ..وليس هذا النص وحده املشتمل علي خاصية الشمول بل
الزان َي ُة َو ه
الزا ِني ه
النصوص القرآنية علي وجه العموم تحمل هذا املعنى ,قال هللا تعالى ِ {:
ُ
َّللا ِإ ْن ك ْن ُت ْم ُت ْؤ ِم ُنو َن
ه ُْ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ َ َْ َ ٌ َ ْ ُ ُ َ
فاج ِلدوا ك هل و ِاح ٍد ِمنهما ِمائة جلد ٍة وال تأخذكم ِب ِهما رأف ِ ِ ِ ِ
ين د يف ة
ُْ َ ٌ َ ْ ْ ْ ه ْ
اَّلل َوال َي ْو ِم اآل ِخ ِر َول َيش َه ْد َعذ َاب ُه َما طا ِئ َفة ِم َن امل ْؤ ِم ِنين } سورة النور آية رقم ()2 ِب ِ
وخاصية الثبات التي تميزت بها الشريعة اإلسالمية تقابلها النسبية األخالقية التي
تحدث بها أكثر املدارس واألفكار الوضعية فجعلت األخالق ليست ثابتة بل متطورة
نسبية تختلف من مكان إلي مكان ومن زمن إلي آخر ومن مجتمع إلي ثان .
فاألخالق ليست ثابتة بل هي متغيرة ولقد نادي بهذا املذهب علماء املدرسة
االجتماعية ( أوجست كونت -دور كايم -ليفي بريل ) وغيرهم ممن تابعوهم وحذوا
حذوهم .فأحلوا مكان املطلق .واعتبروا أنه ال يمكن قيام أخالق مطلقه ثابتة ،والقول
بذلك يعد خرافة.
يقول أوجست كونت " :إن موقف اإلنسان إزاء الظواهر األخالقية البد أن يتغير
من مرحلة إلي أخري ،ومادامت اإلنسانية في تقدم مستمر فإن هذه القوانين البد أن
ً
تتغير أوال ثم ال بد لها أن تساير التطور ،ويكون نصيبها ا لتطور املستمر ,واإلصالح
ً
املطرد وحيث أن وجود الجنس اإلنساني يعتمد إلي درجة كبيرة علي عدد كبير جدا من
الظروف الطبيعية والفلكية والبيولوجية واالجتماعية ,وإذا كانت هذه الظروف تتغير
7
ً
باستمرار أيضا ولتبقي علي وتيرة واحدة ,فال يمكن أن تستغرب ...أن أخالقنا يجب أن
إذا نسبية مع مركزنا ومع تكويننا "9 ً ً
تتغير باستمرار أيضا فهي
وممن ذهبوا إلي القول بالنسبية األخالقية كذلك -أصحاب اللذة -واالتجاه
النفعي ولقد ذكر وليم جيمس أن ( الخير أو الحق كورقة النقد الزائفة تظل صالحة
لالستعمال حتى يثبت زيفها).10
فاألخالق عنده ليست ثابتة بل متغيرة من حال آلخر،ولقد عارضت الشريعة
اإلسالمية هذه اآلراء السابقة بنسبية األخالق .إذ القول بنسبية األخالق وعدم ثباتها
يودي إلي نسف املسألة األخالقية ونشر اإلباحية والخالعة واملجنون وهو ما صار إليه
ً
العالم الغربي حاليا بالفعل .
وكذلك القول بنسبية األخالق يتضمن القول بعدم قبول القوانين الخالدة
السابقة وعدم احترام القدوات املوجودة فينا ،وفي ذلك مخالفة لصريح القرآن الكريم
ين َه َدى ه ُ
َّللا والسنة النبوية املطهرة وعمل األمة اإلسالمية قال تعالى ُ {:أ َولئ َك هالذ َ
ِ ِ
ه ْ ْ َ ْ ُ َ َُ ُ َ َ ً َ
ف ِب ُه َد ُاه ُم اق َت ِد ْه ق ْل ال أ ْسألك ْم َعل ْي ِه أ ْجرا ِإ ْن ُه َو ِإال ِذك َرى ِلل َع ِاملين } سورة األنعام آية رقم
ْ ه ُ ْ ٌَ َ َ َ ٌ َْ َ َ َْ ُ هَ ْ ان َل ُك ْم في َر ُ َ
{:ل َق ْد َك َ
َّللا َوال َي ْو َم اآل ِخ َر َّللا أسوة حسنة ِملن كان يرجو ِ ِ ل و س ِ ،90قال تعالى
ٌ ٌ ُ َ َ َ َُ َ َ َ َ هَ َ ً
َّللا ك ِثيرا } سورة األحزاب آية رقم (،)21وقال تعالى {:ق ْد كان ْت لك ْم أ ْس َوة َح َس َنة ِفي وذكر
ه َ َ ُ
َّللا ك َف ْرنا ِبك ْم ُْ َ َْ ُ َ ْ ُ ه ُ إ ْب َراه َ َ ه َ َ َ ُ ْ َ ُ َ ْ
يم وال ِذين معه ِإذ قالوا ِلقو ِم ِه ْم ِإنا ب َر ُآء ِمنك ْم و ِم هما تع ُبدون ِمن دو ِن ِ ِ ِ
ه َ ْ َُ ه َْ َ َْ َ َ ً
ََ َُ َ َْ َ َ َه ُْ ُ َ ْ ْ ََ َ َ ََ َََْ ُ
اَّلل وحده ِإال قول ِإبر ِاهيم ِأل ِب ِيه وبدا ب ْيننا وبينك ُم العداوة والبغض ُاء أبدا حتى تؤ ِمنوا ِب ِ
َ َْ َ َ هْ َ ََ َ َ َ ْ َ ْ َ هن َ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َ ه
َّللا ِم ْن ش ْي ٍء َرهب َنا َعل ْي َك ت َوكل َنا َو ِإل ْي َك أن ْب َنا َو ِإل ْي َك امل ِص ُير}
ألستغ ِفر لك وما أم ِلك لك ِمن ِ
سورة املمتحنة آية رقم 4
- 9أوجست كونت /د .مصطفي الخشاب مدرس بكلية اآلداب جامعة فؤاد األول مطبعة البيان
العربي مؤلفات ( الجمعية المصرية لعلم االجتماع ) صـ 126
- 10وليم جيمس ( إرادة االعتقاد ) ترجمة د /محمود حسب هللا صـ 101سابق وكذلك وليم
جيمس بقلم /محمود زيدان دار المعارف صـ ،182انظر في ذلك أ -فلسفة أوجست كونت
وليفي بريل -محمود قاسم صـ 302 ، 301مرجع سابق
ب -علم االجتماع األخالقي د /حسين رشوان -صـ 189سابق
جـ -أوجست كونت دروس في الفلسفة الوضعية د /محمود قاسم صـ 5تحت عنوان منهج
الوضعية وأنواعها.
8
هذه هي القدوات في نظر الشارع اإلسالمي ..أما بالنسبة إلي املذاهب الوضعية
النفعية فال قيمة لها .
وإذا كانت املدارس الوضعية والنظم البشرية السابقة تمثل أقص ى اليمين بالنسبة
لخاصية الثبات واملرونة التي تميزت بها الشريعة اإلسالمية في مسألة اإللزام الخلقي في
التشريع الخلقي اإلسالمي إال أننا نجد مدرسة أخرى تمثل أقص ى اليسار .
وهذه املدرسة هي املدرسة الكانتية .التي نادي بها ( كانت األملاني ) وأتباعه من
ً ً
بعده وبذلك خط هذا املفكر خطا جديدا ومنهجا مبتكرا في األخالق العصرية الحديثة
ً ً
.فجعل شرط الفعل األخالقي أن يكون عاما كليا يشمل جميع األفراد ،في الوجود كله،
وال يبيح االستثناءات في هذا النوع األخالقي .
ً
يقول كانت " :اعمل دائما بحيث يكون في استطاعتك أن تجعل من قاعدة فعلك
ً ً
كليا للطبيعة11". قانونا
وهذه القاعدة اعتبرها (كانت) هي القاعدة األساسية لسائر القواعد األخالقية
األخرى .فهي املحل األوحد للسلوك األخالقي .فإن كان في وسع الفرد أن يجعل من
ً ً
القاعدة التي يستند إليها في فعل ما يريده .قانونا عاما ال يتعارض مع الواقع الخارجي
ً
كان مطابقا للواجب( فيكون فعل أخالقي ) .
ً
أما إذا أدى تعميمي للقاعدة إلى ضرب من التناقض كان الفعل حينئذ متعارضا
ً
مع القانون األخالقي .فالقاعدة العامة ال يجوز فيها االستثناء لدى (كانت) .فالقتل مثال
هو محرم ،عمل غير أخالقي ,اتفقت كل الشرائع السماوية والنظم األرضية علي ذلك ...
ولكن ليس من املمكن أن تنكر هذه القاعدة ويكون فيها حاالت استثنائية .
مثال ذلك .ما هو موقف القانون األخالق من دفع الرجل الرجل عن سرقة ماله
أو عن عرضه وشرفه؟ ,أليس هذا من الواجب؟ولو أدي ذلك إلي قتل الباغي املعتدي .
ً ً
أليس ذلك عمال أخالقيا ؟
لقد امتازت الشريعة اإلسالمية بالثبات .ولكن هذا الثبات ال يعني التحجر بل
ثبات مصحوب باملرونة :لقد راعت الشريعة (حين ألزمت املكلفين ) أحوال املكلف
- 12صحيح مسلم ك الحج .باب حجة النبي صلي هللا علية وسلم
10
املسلمين .لكن لم يقدر عليهم إال بالرمي .فقال األوزاعي والليث :ال يجوز رميهم لقوله
ه َ ُ ًَ ُ ْ ْ َْ ُ ُ ه َ ََُ َ َ ُ
ص ُّدوك ْم َع ِن امل ْس ِج ِد ال َح َر ِام َوال َه ْد َي َم ْعكوفا أ ْن َي ْبل َغ َم ِحل ُه َول ْوالتعالى { هم ال ِذين كفروا و
َ ٌ ُ ْ ُ َ َ َ ٌ ُ ْ َ ٌ َ ْ َ َْ ُ ُ ْ َ ْ َ َُ ُ ْ َ ُ َ ُ ْ ُْ ْ َ َ ه ٌ َْ ْ
ِرجال مؤ ِمنون و ِنساء مؤ ِمنات لم تعلموهم أن تطأوهم فت ِصيبكم ِمنهم معرة ِبغي ِر ِعل ٍم
َ ً َ ً ُ ْ َ ه ُ َ ْ َ َ ْ َ َ ُ َ ْ َ َهُ َ َ ه ْ َ ه َ َ
ين ك َف ُروا ِم ْن ُه ْم َعذابا أ ِليما } سورة ِليد ِخل َّللا ِفي رحم ِت ِه من يشاء لو تزيلوا لعذبنا ال ِذ
الفتح جزء من اآلية رقم ( )25
قال الليث " :ترك فتح حصن يقدر علي فتحه أفضل من قتل مسلم بغير حق " .
وأكد ذلك اإلمام مالك بن أنس عليه رحمه هللا بقوله " :عندما سئل عن قوم من
املشركين في البحر في مراكبهم وأخذوا أسارى املسلمين ،فأدركهم أهل اإلسالم .فأرادوا
أن يحرقوهم ومراكبهم بالنار ومعهم األسارى في مراكبهم ؟
فقال مالك :ال أرى أن تلقى عليهم النار ونهى عن ذلك واستدل باآلية السابقة وقال إنما
صرف النبي -صلى هللا عليه وسلم -عن أهل مكة ملا كان فيهم من املسلمين .ولو تزيل
الكفار عن املسلمين لعذب الكفار .وهذا تأويله وهللا أعلم )13
2ـ جواز الكذب والترخيص فيه في بعض الحاالت والظروف التي تقتض ى ذلك ،ونجد في
ذلك إشارة صريحة لدي علماء اإلسالم وفي أحاديث النبي -صلى هللا عليه وسلم -وذلك
ً ً
را }14 بقوله {:ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا وينمي خي
- 13المغني البن قدامه المقدسى ج 13كتاب الجهاد فصل ( وإن تترسوا بمسلم ) ص 141دار
هجر للطباعة يتحقق د /عبد هللا عبد المحسن التركي د /عبد الفتاح الحلو ( )3المدونة الكبرى
لإلمام مالك بن أنس رواية اإلمام سحنون ج 3ص 48 , 47دار النصر للطباعة اإلسالمية
بالقاهرة تحقق السيد علي عبد الرحمن الهاشم /طبع علي نفقة الشيخ /زيد بن سلطان
- 14صحيح مسلم ك البر باب تحريم الكذب
11
املحاضرة الرابعة :املسؤولية بين اإلسالم والفلسفة
ً
أوال :تعريف املسئولية في اللغة :
املسئولية أصلها اسم مفعول من سأل ،زيد عليه ياء مشددة وتاء مربوطة
ً ً ً
وتسمى هذه الصيغة مصدرا صناعيا،وهى مأخوذة من الفعل سأل .يسأل ..سؤاال
،واسم الفاعل :سائل من سأل يسأل وسل،واسم املفعول منها مسئول،1وقد وردت مادة
سأل في لغة العرب على عدة معاني منها :ـ
َّ أ ُ َّ َّ
-1سأل بمعنى الطلب .ومنه قوله تعالى {:و َّات ُقوا َّللا الذي تساءلون به واْل أرحام إ َّن َّللا
ً ُ
كان عل أيك أم رقيبا } سورة النساء آية رقم ،1فأصله تتساءلون .ومعناه تطلبون حقوقكم
لسائلين } سورة فصلت آية به ،.ومنه قوله تعالى { وق َّدر فيها أ أقواتها في أ أربعة أ َّيام سو ًاء ل َّ
ٍ
رقم 10
-2سأل بمعني دعاء .تأتي بمعني الدعاء،قال تعالى { سأل سائل } (املعارج :من اآلية)1أي
دعاء داع قال الجوهري أي سأل من عذاب واقع.2
-3ويأتي السؤال بمعنى بيان الحجة واملؤاخذة ومنه قوله تعالى في القرآن الكريم
ُ
وه أم إ َّن ُه أم م أس ُؤولون) قال الزجاج سؤالهم سؤال توبيخ وتقرير إليجاب الحجة (وق ُف ُ
عليهم.
-4ويأتى السؤال بمعنى االستعطاء .وقال بن برى :سألته الش يء .بمعنى استعتيطه
إياه.وسلته أسأله فهو مثل خفته أخافه فهو تخوف.3
أ ـ معنى السؤال في القرآن الكريم :وتدور مادة سأل في القرآن الكريم حول عدة معاني .
ُ أ -1الطلب وعرض الحاجة قال تعالى {:ي أسأ ُل ُه م أن في َّ
السماوات واْل أرض ك َّل ي أو ٍم ُهو في
أ
شأ ٍن } سورة الرحمن آية ( * )29يعنى يطلب من في السماوات واْلرض املغفرة
ُ
-2املخاصمة واملجادلة .لقوله تعالى { :ع َّم يتساءلون } سورة النبأ آية رقم 1أي
يتخاصمون .
المعجم الوسيط .مجمع اللغة العربية .إبراهيم أنيس دار المعارف مصر ولسان العرب بن - 1
منظور ج،11دار صادر صـ . 318ومعجم مقاييس اللغة العربية البن فارس ج 3صـ ،124
انظر النحو الوافي .عباس حسن ج 3صـ 187
- 2لسان العرب .ج . 11ص . 318دار صادر
- 3لسان العرب بن منظور ج 11صـ 319دار صادر مادة السين المهملة
1
أُ َّ ُ
-3املؤاخذة والحساب قال تعالى { فلن أسأل َّن الذين أ أرسل إل أيه أم ولن أسأل َّن امل أرسلين } سورة
اْلعراف آية رقم 6
ُ أ
اسألوا أ أهل الذكر إ أن ك أن ُت أم ال ت أعل ُمون} سورة اْلنبياء -4االسترشاد .كقوله تعالى { :أ ف أ
آية رقم 7
أ
-5السؤال واالستفتاء كقوله تعالى { ي أسألونك عن الخ أمر } سورة البقرة آية رقم 219
أ أ
-6املراجعة في الكالم واالعتراض { فال ت أسألن ما ل أيس لك به علم } سورة هود آية رقم
(4 )46
انظر قاموس القرآن أو إصالح الوجوه والنظائر في القرآن .الحسين محمد الدامغاني .تحقيق -4
عبد العزيز سيد األهل .ط 5سنة 1985دار العلم للمالين بيروت صـ 223صـ 224
2
ما تعينه على القيام بهمة الخالفة في اْلرض وأهم هذه املقومات االستطاعة البشرية -
وهذه أولى املقومات والثانية أن اإلنسان أعطى القدرة على تسخير وتذليل ما في هذا
الكون من صعاب وقدرة املخلوق البشرى في السيطرة عليها) 5ومادام اإلنسان
مستخلف في اْلرض إلنفاذ أحكام ربانية ألزمه هللا تعالى بها ..فالبد من وراء هذا اإللزام
مسئولية وهذه هي العالقة بين الخالفة واملسئولية فالخالفة إلزام واملسئولية نتيجة
لزومية أو حتمية ملوضوع الخالفة في اْلرض .
ً َّ ُ ُ
ف َّ ُ
َّللا ن أفسا إال ُو أسعها لها ما كسب أت وعل أيها ما - 2التكليف :قال هللا تعالى {:ال يكل
أ
اكتسب أت} سورة البقرة آية رقم ،286فاآلية فيها نص على تكليف العباد باْلوامر
واْلعمال التي في وسع املكلف ،وفي مقتض ى إداركه وبنيته 6فالتكليف له شروط ..وهى
اْلصلية والقدرة أو االستطاعة وبناء على هذا التكليف والذي هو عبارة عن (خطاب
بأمر أو نهى )7
بناء على ذلك أو "طلب يتعلق بفعل أمر أو تركه أو تخير بين فعله وتركه ،فالتكليف ً
يشمل اإللزام الذي هو طلب فعل على طريق الحتم .فيترتب على فعل الش يء املكلف به
ً ً
إما اإلثابة إن كان املكلف مطيعا وإما املعاقبة إن املكلف عاصيا ،ويتضح بذلك أن
القرآن الكريم أوضح املسئولية من طريقة التكليف والذي هو أعم من اإللزام .أو
باْلحرى أن اإللزام ضرب من التكليف .فالعالقة بين التكليف واملسئولية عالقة لزومية
.فإذا ثبت التكليف ثبت بالضرورة املسئولية .
- 3اْلمانة :
أ أ أ ضنا أاْلمانة على َّ
السماوات واْل أرض والجبال فأب أين أ أن ي أحملنها قال هللا تعالى { :إ َّنا عر أ
ً ُ ً
ان إ َّن ُه كان ظلوما ج ُهوال } سورة اْلحزاب آية رقم وأ أشف أقن م أنها وحملها أاْل أنس ُ
(،)72فواضح من اآلية القرآنية الكريمة أن اْلمانة والتي حملها اإلنسان إنما هي ش ئ
ورودها بمعنى املحاسبة :قال -صلى هللا عليه وسلم { -لصاحب حائط من
ً
اْلنصار .أطعمنا بصرا ,فجاء بعذق فوضعه فأكل ,فأكل رسول -صلى هللا عليه وسلم
بماء بارد فشرب فقال لتسألن عن هذا يوم القيامة قال فأخذ ُ
عمر -وأصحابه .ثم دعا ً
العذق فضرب به اْلرض ,حتى تناثر اليسر قبل رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -ثم
قال يا رسول هللا إننا ملسؤولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال نعم إال من ثالث خرقة كف
بها عورته أو كسرة سد بها جوعته ,أو حجر يتدخل فيه من الحر أو القر }9
ً
ثانيا :تعريف املسئولية في االصطالح اإلسالمي :
ً
تعريف املسئولية في التشريع الجنائي اإلسالمي.أورد علماء اإلسالم عددا من
ً ً ً
تعريف املسئولية نذكر أهمها ثم نختار تعريفا جامعا مانعا .فمن أهم هذه التعريفات
ما يأتي :
- 8صحيح مسلم عن عبد هللا بن عمر رض هللا عنها .كتاب اإلمارة باب فضيلة األمام العادل
ج 3والحديث برقم1829
الحديث أخرجه األمام أحمد في المسند عن أبى عسيب رضي هللا عنه ج 5صـ 81 -9
4
"-1هي تحمل الشخص نتيجة التزاماته وقراراته واختياراته العملية من الناحية
اإليمانية والسلبية أمام هللا في الدرجة اْلولى ,وأمام املجتمع في الدرجة الثابتة 10
-2ويعرفها فضيلة الدكتور محمد بيصار في إطارها العام بقوله ":حالة للمرء يكون فيها
ً ً
صالحا للمؤاخذة على أعماله ملزما بتبعاتها املختلفة " ثم يعرض فضيلته بعد ذلك
التعريف العام .تعريفات وتقسيمات ْلنواع املسئوليات ,فلقد قسم املسئولية إلي عدة
أنواع :
أ -املسئولية الدينية :وهى التزام املرء بأوامر الدين ونواهيه .وقبول ملا يترتب على
ً
مخالفتها ,بحيث يكون ملتزما بما ينتج عن هذه املخالفة من جزاءات محدودة وعقوبات
مقررة .ثم يذكر فضيلته بعد ذلك املسئولية االجتماعية بقوله:
ب -املسئولية االجتماعية ( :وهى التزام املرء بقوانين املجتمع الذي يعيش فيه وبتقاليده
ونظمه ,سواء كانت وضعية أو أدبية ,وتقبله ملا ينتج عن مخالفته لها من محتويات
شرعها املجتمع للخارجين على نظمه ,أو تقاليده وآدابه ثم يذكر الدكتور بيصار بعد
ً
ذلك تعريفا للمسؤولية اْلخالقية بقوله ( :هي حالة تمنح اإلنسان من القدرة أمام نفسه
ما يعينه على تحمل تبعات أعمالها وآثارها .
ثم يعلق فضيلته على مصدرية املسؤوليات الثالث السابقة بقوله :
" مصدر النوع اْلول من املسئولية هو الدين بما جاء من مبادئ وما سن من أحكام أو
خط من تشريعات وكما أن مصدر النوع الثاني هو املجتمع بما أتفق عليه من نظم وبما
سار فيه من تقاليد وآداب فكذلك مصدر هذا النوع اْلخير من املسئولية وهو املسئولية
اْلخالقية ما أودع في اإلنسان من قوة فطرية تسمى الضمير .الذي يكون له من السلطان
ً
ورقيبا على الفعل 11" ... ً
ما يجعل منه مصدرا للمسئولية
وإننا من خالل التعريف اْلول نلحظ أنه تعريف عام للمسئولية .وأثبت في
التعريف اإللزام والذي يعتبر العنصر السابق للمسؤولية اْلول في املسألة اْلخالقية،
ً
وكذلك نلحظ من خالل التعريف أيضا اإلشارة إلي أنواع املسئولية في اإلسالم من حيث
ً
ثانيا -املسئولية عند الفالسفة :
لقد تحدث عنها كثير من الفالسفة بوجه عام ،فكل فيلسوف أقر بمبدأ اإللزام
-على مصادره املتعددة -أقر بطريقة اللزوم باملسئولية ومن أنكر اإللزام جملة ،أنكر
املسئولية كذلك جملة ،وعلى حسب رأى كل فيلسوف في مصدر اإللزام كان عطاؤه في
ً
موضوع املسئولية ،ومن هنا ندرك أن حديث الفالسفة عن املسئولية لم يكن حديثا
ً
موحدا ،وعلى قدر اختالف الفالسفة وتباين آرائهم حول موضوع الحرية واإلرادة كذلك
كان حديثهم عن املسئولية .
ويمكن أن نلخص سبب اختالف أراء الفالسفة في املسئولية إلي قرب كل فيلسوف أو
بعده من :
- 1اإلقرار بالربانية .كمصدر لإللزام أو بعده عنها .
-2اإلقرار بحرية اإلنسان وقدرته على االختيار أم القول بجبريته .
ونستطيع أن نذكر اتجاهات الفالسفة نحو موضوع املسئولية إلي ثالث اتجاهات .
ً ً
( )1اتجاه من الفالسفة ذهب أصحابه إلي القول بأن اإلنسان مسئول قانونيا واخالقيا
ومن أشهر هؤالء الفالسفة [ .جريمى بنتام .عماوئيل كانت (اْلملاني ) وبكاريا ]
( )2االتجاه الثاني من الفالسفة :وهو الذي أقر باملسئولية الناتجة عن فعل الضرر
الالحق باآلخرين ولكنه ال يعترف باملسئولية اْلخالقية إذ يرى هذا الفريق أن اإلنسان
ً
مجبور وليس حرا ،فهو مسير وليس مخيرا ،وبناء على ذلك فال يسأل أخالقيا 0
6
فهم يعلنون بإحالل فكرة املسئولية القانونية أو االجتماعية محل املسئولية
ً
اْلخالقية ،فيخضعون املجرم رغم كونه مسيرا غير مختار للمسئولية الجنائية على
أساس أن املسئولية القانونية ليست وسيلة لتحقيق العدالة ...إنما هي مجرد وسيلة
ً
لدفاع املجتمع عن نفسه ضد خطر يهدده بوقوع جريمة أخرى .مستقبال من نفس
املجرم أومن غيره12.
ً
وهذا االتجاه السابق ينكر املسئولية اْلخالقية وكذلك أيضا املسئولية اْلخروية
،فليست هناك مسئولية ربانية وإنما أنكر كذلك الدين وما أدى إليه من مسئوليات،
وعرف أنصار هذا االتجاه بأصحاب املدرسة الوضعية ولقد أشرنا لرأيهم عن مصدر ُ
اإللزام 0
-3االتجاه الثالث :وهو اتجاه منبثق عن رأى الوضعيين ومتأثر بآراء أوجست كونت،
وأنصار املدرسة الوضعية ،وأصحاب مدرسة العلوم االجتماعية؛ إال أن هذا الرأي
ً
حيال مسألة املسئولية كان أكثر تحررا من آراء أصحاب االتجاه السابقة .وأصحاب هذا
ً
االتجاه انسلخوا من كل مسئولية ...وجعلوا اإلنسان حرا ؛إال أن هذه الحرية التي نادوا
بها إنما هي حرية مطلقة بغير قيود وال ضوابط .
فأنكروا املسئولية الفردية واملسئولية االجتماعية والقانونية واملسئولية
اْلخروية ،فال واحدة من هذه املسئوليات ثابتة لديهم.
- 12انظر كتاب حق الدولة في العقاب /د مصطفى عبد الفتاح الصيفي -.ط 2طبعة فريده -.
دار النهضة العربية سنة 1985صـ 72 ، 71
7
املحاضرة الخامسة :الجزاء
لقد ألزم الشرع اإلسالمي كل إنسان بنتائج عمله وحاسبه عليها فجعل الثواب
ً
للطائعين والعقاب للمخالفين،ولو لم يفعل ذلك إذا لتساوى العاص ي والطائع ،والظالم
والعادل ،حينئذ يتساوى الخير والشر ،فإذا حدث ذلك :فقد اتسع الرقع على الراقع ،
وانخرم النظام ،وهلك العباد ,واستشرى الفساد ,وضاعت معالم األخالق الفاضلة ,إال
أن ذلك كله لم يكن ليحدث في ظل وجود العنصر املهم لصيانة الحياة بصورة أخالقية
نبيلة وهو الجزاء ،فهو أحد عناصر ثالثة تقوم عليها املسألة األخالقية اإللزام ،
املسئولية ،والجزاء .
تعريف الجزاء
أ ـ تعريف الجزاء في اللغة :الجزاء مصدر ترجع مادته إلي الجيم والزاي والياء (جزى) (
وجزى الش يء جزاء كفي وأغنى والجزاء املكافأة على الش يء ،ذكره صاحب لسان العرب
اء وجازاه مجازاة وجزاء1 وقال ...جزاه به وعليه به وعلية جز ً
ُ َ ُ َ ً ً
قال أبو الهيثم " :الجزاء يكون ثوبا ويكون عقابا قال هللا تعالى {:قالوا ف َما َج َزاؤ ُه
َّ ُ َ َ َ َ ُ َ ُ َ ُ
ِإ ْن ك ْن ُت ْم ك ِاذ ِب َين * قالوا َج َزاؤ ُه َم ْن ُو ِج َد ِفي َر ْح ِل ِه ف ُه َو َج َزاؤ ُه كذ ِل َك ن ْج ِزي الظ ِ ِامل َين}
يوسف،75:قال معناه :فما عقوبته إن بان كذبكم بأنه لم يسرق .أي ما عقوبة السرق
:والجزاء القضاء وجزى هذا األمر أي قض ى )2
تقول تجازى دينه ويدينه تقاضاه .واجتزاه طلب منه الجزاء ...وجزى الش يء يجزى كفي
وعنه قض ى3
ً ً
ومن معاني الجزاء في اللغة :ما فيه الكفاية من املقابلة إن خيرا فخير وإن شرا فشر،4قال
ً َ َ َ ْ ََ
تعالى { :فل ُه َج َز ًاء ال ُح ْس َنى َو َس َن ُقو ُل ل ُه ِم ْن أ ْم ِرنا ُي ْسرا }الكهف " .88:وقال تعالى َ { :و َج َز ُاء
َّ َ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َّ
َّللا ِإ َّن ُه ال ُي ِح ُّب الظ ِ ِامل َين }الشورى،40: س ِيئ ٍة س ِيئة ِمثل َها ف َمن عفا وأصلح فأج ُره على ِ
- 1معجم مقاييس اللغة البن فارس .تحقيق عبد السالم هارون ج 1صـ 455
لسان العرب البن منظور د 1دار المعارف مصر صـ ، 620 ، 619ـ 621 -2
الفضيلة وانظر كذلك المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية بالقاهرة .صـ 122ج 1سنة 1380
سنة 1960م
1
ومن خالل املعاني اللغوية السابقة :نلمح تعدد داللة مفهوم الجزاء في اللغة العربية
ً
.فقد يكون واحدا من املعاني اآلتية :
الجزاء بمعنى القضاء ،والجزاء بمعنى الكفاية والغناء ،واملعاني السابقة متقاربة
املدلول تعنى مقابلة ش ئ لش يء سابق إما على سبيل اإلحسان والثواب ,وإما على سبيل
اإلساءة والعقاب .وعلى ذلك ( فالجزاء أعم من العقوبة حيث يستعمل في الخير والشر
,والعقوبة خاصة باألخذ بالسوء5
معجم مصطلحات واأللفاظ الفقهية د /محمود عبد الرحيم عبد المنعم دار الفضيلة ج 1صـ -5
526
- 6سنن أبي داود من حديث عمران بن حصين ك النذور باب النذر فيما ال يملك ج 3صـ 239
والحديث برقم 3316
2
َ ْ ُّ َ ُ ْ َ ْ َ ْ َْ َ َ
الد ْن َيا َول ُه ْم ِفي اآل ِخ َر ِة َعذاب َع ِظيم } سورة املائدة جزء ض ذ ِل َك ل ُه ْم ِخ ْزي ِفيينفوا ِمن األر ِ
من اآلية رقم 34
َ
َ َ َ ً
اال م َن ََّّللا َو َّ ُ َ ََ
َّللا َع ِزيز َح ِكيم } سورة املائدة جزء ِ وكذلك قوله تعالى { جز ًاء ِب َما كسبا نك ِ
من اآلية رقم 38قال ابن كثير ( آي مجازاة على صنيعها الس ئ في أخذهما أموال الناس
بأيديهم7
[ب]ورد كذلك الجزاء في القرآن الكريم والسنة النبوية بمعنى الكفاية،قال هللا تعالى {
َ َّ َ
َوذ ِل َك َج َز ُاء َم ْن ت َزكى } سورة طه جزء من اآلية رقم 76أي كفاية من طهر نفسه من
دنس الشرك. 8
ولقد ورد لفظ الجزاء في السنة النبوية بمعنى الكفاية فعن الحسين بن على رض ى هللا
عنهما أن رسول هللا صلي هللا عليه وسلم قال ( .يجزي عن الجماعة إذا مروا أن يسلم
أحدهم ,ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم" 9أى يكفي ويغنى
ً ً
[ج] ورد الجزاء بمعنى القضاء قال هللا تعالى ( واتقوا يوما ال تجزى نفس عن نفس شيئا
) سورة البقرة جزء من اآلية رقم 48فمراد قولة تعالى ( ال تجزى نفس ) أى ال تقض ى وال
تؤدى 10نفس .
وفي السنة النبوية ورد هذا املعنى قال صلى هللا عليه وسلم ألبى برزة رض ى هللا
عنه حين أراد ان يضحى بالجذعة فقال ( اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك 11واملعنى
تقض ى عنك وال تقض ي عن أحد بعدك.12
ونستطيع أن نجمل ما يفهم من التعريفات السابقة في التالي :
-1أنها تشتمل على اإلثابة ( املكافأة ) والعقوبة وال يختصر على العقوبة فقط
- 9سنن أبو داود ك األدب باب ما جاء في رد الواحد علي الجماعة والحديث برقم 210وقال
األرناؤوط في جامع األصول ج 6صـ ( 598إسناده حسن )
- 10انظر تفسير وبيان مفردات القرآن للدكتور /محمد حسن الجمصي صـ7
- 11رواه البخاري ك األضاحي باب سنة األضحية
- 12النهاية في غريب الحديث البن األثير ج 1صـ 270
3
-2أن هذه املكافأة بنوعيها قد تكون في الدنيا من هللا عز وجل أومن أحد من الناس ممن
خولهم هللا عز وجل إقامة شرعه وحدوده
-3أن الجزاء من هللا في الدنيا قد يكون بواحد من عدة أشياء .مثل تأنيب الضمير
والشعور بالفرح أو اإلساءة وكذلك ما يصيب اإلنسان من مصائب أو ينزل به من نوازل
ً
وابتالءات .وكذلك أيضا ما يظهره هللا تعالى من مدح وذم على السنة الخلق.
-4أن الجزاء في اإلسالم عام وشامل ,دنيوي وأخروي ,واألخروي إنما يكون املجازى فيه
املحاسب هو هللا سبحانه وتعالى وحده .وهذا تعريف عام للجزاء في اإلسالم .
ً
ثانيا الجزاء عند الفالسفة
أ -الجزاء عند الفالسفة :
-1الجزاء عند الفالسفة القدامى .ذهب فالسفة اليونان أمثال سقراط أفالطون
وأرسطو إلي تقرير جزاء بعد املوت ,وكذلك جزاء وجدانى تحس به النفس البشرية
ً
فأشار أفالطون في آرائه إلي أهمية اعتقاد وقوع جزاء بعد املوت مبنيا أن الحياة األخرى
تظهر النفس العادلة في حلل من البهاء ,وتنير له طريق الحياة .
وقد بلغت ثقته في العدل اإللهي والجزاء األخروى درجة من الجزم جعلتها قانونه في
األخالق ،إذا أنه يرى أنه البد أن يكون مصير النفوس الخيرة أحسن،وأن يكون مصير
النفوس الشريرة أسوأ...
وفي نهاية القول ندرك أن أفالطون كان يؤمن بالجزاء األخروي لكن هذا اإليمان
بالدار اآلخرة كان له شكل خاص ووضع معين ولم يرق إلي ملا أقره اإلسالم منذ بدء
ً
الخليفة في مسألة الدار اآلخرة إال أنه كان ابعد نظرا من غيره فكان يؤمن بالجزاء
الوجداني مع الجزاء األخروي وكذلك كان يعترف بالجزاء االجتماعي كمقوم للمجرم
ومثيب للمحسن
وعند أرسطو :
اعتقد أرسطو أن املكافأة واجبة وأن سبيل بلوغ ثوابها بعد املوت هو عمل الخير وخدمة
ً ً
القرابين ،ولم يكن أرسطو أحسن حظا وال أعمق فكرا من أستاذه أفالطون فقد كانت
العقيدة الوثنية التي يؤمن بها هؤالء الفالسفة -اليونانيون -هي التي حددت ورسمت لهم
طريقهم الفكري...
4
ً
وهكذا نري أن مفهوم الدار اآلخرة واأللوهية عند فالسفة اليونان لم يكن متفقا
ً
تماما مع ما جاء به اإلسالم الحنيف من التوحيد الخالص ونفي الشركاء عن هللا تعالي ,
ً
وكذلك مفهوم الدار اآلخرة مغاير تماما في اإلسالم عنه في عقيدة اليونان
-2الجزاء عند الفالسفة املحدثين :
ً ً
لم تكن نظرة املتأخرين من فالسفة أهدي سبيال وال أقوم طريقا من نظرة إخوانهم
ً
السابقين عليهم ,بل كانت نظرة أسوأ في حق الجانب األخالقي بل كانت نظرتهم هذه سببا
ً
مهما في اختفاء األخالق وضياعها من الساحة السلوكية ،فهي نظرة ال تبحث إال عن
اللذة وما يحققها :ولقد انقسم الفالسفة املحدثين في فكر هم عن الجزاء األخروي إلي
فريقين .
-1الفريق األول:آمن فريق من الفالسفة بفكرة الجزاء األخروى وكان من هؤالء
الفالسفة،على سبيل املثال توما األكوينى ،وكذلك وليم جيمس.
-2الفريق الثانى من الفالسفة املحدثين -فلقد ذهب كثير من الفالسفة املحدثين
واملعاصرين إلي إنكار الجزاء األخروى بوجه عام ,ونظرتهم هذه إنما هي مبنية على عقيدة
ً
اللذة وتحقيق املنفعة العاجلة التي كثيرا ما لهثوا ورائها لتحقيقها ،فنتج عن ذلك عدم
إيمانهم بالدار اآلخرة ،وال بأي أمر غيبي ،ومن هؤالء الفالسفة علي سبيل املثال ( توماس
هوبز ) الفيلسوف ) 1676 - 1588( ،م وكذلك رواد املذهب النفعي أمثال جريمي بنتام
( ) 1832 - 1748وجون استيورت مل ( ) 1873 - 1806وجيمس مل ( ) 1836 - 1773
وكذلك رواد املدرسة الوجودية املتحللة أمثال كارل ماركس الفيلسوف اليهودي
) 1883 - 1818وجان بول سارتر ، 1905وكذلك وليم جيمس الفيلسوف األمريكى
( )1910-1843رائد الفلسفة البرجماتيه .فإن هؤالء وغيرهم من التجربيين علقوا جزاء
الفعل الخلفي على ما يكافئه من منفعة أو مضرة ينالها الفاعل .ومعلوم أن هذا الفكر
ليس وليد العصر الحديث وإنما له جذور تاريخية ،فهو امتداد لفكر أبيهم األكبر أبيقور
ومالحدة اليونان .
ويعود سبب عدم قول هؤالء الفالسفة بجزاء بعد املوت مع نشأتهم في مجتمعات
نصرانية تدين بالجزاء األخروي إلي الجفوة التي حدثت بينهم وبين الكنيسة ،مما حدا
بهم إلي مجانبة الوحى واالستناد على العقل والتجربة.
5
وبهذا العرض املوجز نكون قد أتينا على أراء الفالسفة من قدامي ومحدثين حول رأيهم
في الجزاء األخروي بوجه عام .
وباختصار :أقول مع الدكتور محمد عبد هللا دراز وهو الرائد في هذا امليدان ،وال
َ
يوجد من ك َتب في األخالق إال وهو عالة على الدكتور دراز رحمه هللا تعالى :في رسالته التي
أعدها للدكتوراه :دستور األخالق في القرآن ص :285الجزاء هو رد فعل القانون على
موقف األشخاص الخاضعين لهذا القانون ،وقد رأينا أن القانون األخالقي مطلب ال
يقاوم ألنفسنا ،وفرض صارم لضميرنا الجماعي ،وهو في الوقت نفسه أمر مقدس
لضمير الفرد في أكمل صورة وأقدسها ،فمن هنا كان هذا الشكل املثلث للمسؤولية التي
ً
فرغنا منها في املحاضرات السابقة ،ومن هنا أيضا كان للجزاء ثالثة ميادين :الجزاء
األخالقي ،والجزاء القانوني ،والجزاء اإللهي .
6