الفكر السياسي اليساري بين الماركسية الغربية ومدرسة فرانكفورت

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 18

‫كلية الحقوق والعلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بقلعة السراغنة‬

‫مسلك القانون العام‬

‫املادة‪ :‬تاريخ الفكر السياس ي املعاصر‬

‫الفصل‪ :‬السادس‬

‫الفكر السياسي اليساري‬


‫بين الماركسية الغربية ومدرسة فرانكفورت‬

‫إعداد الطلبة‪:‬‬
‫إشراف‪:‬‬ ‫اللة فتيحة اإلدريسي كبيدى‬
‫الدكتور صديق الحطاب‬ ‫عبد المجيد فوزي‬
‫رشيد النويتي‬
‫رشيد بوعودة‬
‫صالح الدين اعبيدة‬

‫الجامعي‪2024 / 2023 :‬‬


‫‪0‬‬ ‫املوسم‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫االشتراكية‪ ،‬كالليبرالية‪ ،‬تيارات ومشارب متعددة لينينية‪ ،‬تروتسكية‪ ،‬ستالينية‪ ،‬ماوية ‪ ...‬إلخ)‪ ،‬غير أن لها‪،‬‬
‫تصور هذه التيارات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫على تعددها‪ ،‬أصل تفرعت منه جميعها هو كارل ماركس‪ .‬الصراع الطبقي الزمة وحدت‬
‫حديثها ومعاصرها‪ ،‬لالجتماع السياسي وإبدال نظام االستغالل (الليبرالي) بآخر "عادل" (اشتراكي) مشروع أجمع‬
‫عليه االشتراكيون وإن تفرقوا في صيغ التنزيل‪ .‬فتصور ماركس لبنية المجتمع يقوم على تمفصل‪ ،‬بين مستويين‪:‬‬
‫البنية التحتية أو القاعدة االقتصادية‪ ،‬وتعكسها قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج‪ ،‬والبنية الفوقية وهي من مكونين‪:‬‬
‫المكون الحقوقي‪-‬السياسي (القانون والدولة)‪ ،‬واإليديولوجيا (المعتقدات السياسية‪ ،‬الدينية‪ ،‬األخالقية‪ .)...‬وقد كان‬
‫مدار تفكير خلف ماركس حول الجدلية القائمة بين هاتين البنيتين‪ ،‬في سياق الصراع على السلطة بين مكونات‬
‫شدد على حتمية التاريخ ونفى اإلرادة والفاعلية عن الفرد والمجتمع‪ ،‬كما خرج‬
‫المجتمع‪ .‬لقد خرج من عباءته من ّ‬
‫منها من نسب قانون التاريخ الماركسي وق أر أطروحات ماركس في حدودها‪ .‬هكذا تأرجح فكر اتباع ماركس بين‬
‫حتميين اقتصادويين قطعوا األمل في إدراك ديمقراطية من طريق مجتمع مدني ملحق في نظرهم بالرأسمالية‪ ،‬وبين‬
‫ثوريين إرادويين آمنوا بقدرة المجتمع على بناء وعي عام يفضي إلى سيادة الشعب على نفسه واالنعتاق من دوائر‬
‫االستغالل‪.‬‬
‫وفي هذا العرض سوف نتطرق لنشأة الماركسية الغربية وتطورها واتجاهاتها الفكرية (المبحث األول)‪،‬‬
‫والسياق التاريخي لنشأة مدرسة فرانكفورت وأهم روادها وأسسها الجوهرية ومنطلقاتها (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث الول‪ :‬الماركسية الغربية‪ :‬نشأتها وتطورها واتجاهاتها الفكرية‪:‬‬


‫المطلب ال ول‪ :‬نشأة الماركسية الغربية وتطورها‪:‬‬
‫ظرين‬
‫هناك نسخ مختلفة من الماركسية برزت بعد وفاة ماركس وأنجلز‪ .‬ففي حين اتخذ الجيل األول من المن ّ‬
‫والناشطين الماركسيين منحى التركيز على االقتصاد والسياسة‪ ،‬فإن أجياالً الحقة من الماركسيين الغربيين ظهرت‬
‫في أوربا بعد الثورة الروسية وعملت على تطوير نظريات ماركسية‪ :‬عن الثقافة‪ ،‬الدولة‪ ،‬المؤسسات االجتماعية‪،‬‬
‫علم النفس‪ ،‬وموضوعات أخرى لم يتم التعامل معها بطريقة منهجية من قبل جيل الماركسية األول‪ .‬في محاولة من‬
‫هذه األجيال لتحديث النظرية الماركسية لكي تفسر التطورات الحاصلة في الزمن المعاصر‪.‬‬
‫عدد كبير من المنظرين الماركسيين في القرن العشرين يضم جورج لوكاش‪ ،‬كارل كورش‪ ،‬أنطونيو غرامشي‪،‬‬
‫آرنست بلوخ‪ ،‬والتر بنجامين‪ ،‬وجان بول سارتر‪ ،‬هربرت ماركيوز‪ ،‬لوي ألتوسير‪ ،‬بوالنتزاس‪ ،‬بورديو‪ ،‬فرديريك‬

‫‪1‬‬
‫جيمسون‪ ،‬استخدموا النظرية الماركسية لتحليل األشكال الثقافية واالقتصادية والسياسية واالجتماعية القديمة والراهنة‬
‫في إطار عالقتها باإلنتاج‪ ،‬وفي تداخلها مع االقتصاد والتاريخ‪ ،‬وأثرها ووظائفها داخل الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫استخدم مصطلح الماركسية الغربية للمرة األولى من قبل الشيوعيين السوفييت لالنتقاص من العودة إلى‬
‫تبنيه من قبل العالمان لوكاش‬
‫أنواع محددة من الماركسية الهيغلية والنقدية في أوربا الغربية‪ .‬لكنه سرعان ما تم ّ‬
‫وكورش وذلك باعتبارها أي أكثر استقاللية وذات بعد نقدي وعلمي‪.‬‬
‫فسر بيري أندرسن ‪ ،)Perry Anderson( 1976‬وهو مؤرخ ماركسي بريطاني ومؤسس مجلة ‪New Left‬‬ ‫لقد ّ‬
‫‪ Review‬الشهيرة‪ ،‬التحول من التحليل االقتصادي والسياسي إلى النظرية الثقافية كأحد أعراض هزيمة الماركسية‬
‫الغربية بعد سحق الحركات الثورية األوربية في عشرينيات القرن الماضي وصعود الفاشية‪ .‬بيد أن من ّ‬
‫ظرين من أمثال‬
‫لوكاتش‪ ،‬بلوخ وبنجامين وأدورنو‪ ،‬ونظ ار الهتمامهم العميق والملتزم بالظواهر االجتماعية والثقافية‪ ،‬فقد جلبوا تلك‬
‫االهتمامات إلى الماركسية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الماركسية الغر بية واتجاهاتها الفكرية ‪ -‬لوكاش نموذجا ‪:-‬‬
‫يعتبر جورج لوكاتش المؤسس الحقيقي لما يسمي بالماركسية الغربية‪ ،‬حيث تميزت أفكاره من حيث المنهج‬
‫والممارسة عن الماركسية السوفيتية السائدة‪ ،‬وتعتبر كتاباته في األدب والفن والمسرح بجانب أفكاره عن االنتاج‬
‫الثقافي والطبقات االجتماعية أهم المصادر التي اطلع عليها رواد المدرسة اإلنسانية من ثم تأثر بها الفكر األوروبي‪.‬‬
‫ظهرت أعمال لوكاتش إلى النور في فترة حياته لتؤثر بشكل واضح في بلورة منهجية متماسكة في مواجهة منظري‬
‫الرأسمالية ومفكريها‪.‬‬
‫ولد الفيلسوف جورج لوكاتش في بودابست‪ ،‬عاصمة المجر عام ‪ ،1885‬واشتغل بالسياسة بجانب دراسته‬
‫للحقوق في بودابست وبرلين‪ ،‬حيث حصل على الدكتوراه ثم أسس مع بعض زمالئه من الطالب مجموعة (تاليا)‬
‫المسرحية‪ ،‬حيث بدأ في تلك الفترة اهتمامه بالفن واألدب والموسيقي‪ ،‬ثم أصبح عضواً في حلقة غاليلو األدبية‬
‫والفكرية‪ ،‬نشر مقاالته في الصحف المجرية الشهيرة آنذاك «غرب» و«القرن العرسين»‪.‬‬
‫أصدر كتابه األول بعنوان «الروح واألشكال» الذي ظهرت فيه نظرته الفلسفية والجمالية من خالل دراسات‬
‫تناول فيها مجموعة من األدباء والشعراء والفنانين‪ .‬انتقل للعيش في هايدلبرغ بين عامي ‪ ،1917 -1912‬وفي عام‬
‫‪ 1915‬التحق بالخدمة العسكرية غير المسلحة «خدمة ثابتة»‪ ،‬ولكن أعفي منها عام ‪ ،1916‬ومنذ عام ‪1917‬‬
‫ساهم في نشاطات كل من حلقة األحد والمدرسة المستقلة للعلوم الفكرية‪ .‬قد زادت الحرب العالمية األولى من كرهه‬
‫للرأسمالية‪ ،‬فوجد طريق الخالص في الثورة‪ ،‬إذ انتسب إلى الحزب الشيوعي المجري وصار مسؤوالً سياسياً في‬

‫‪2‬‬
‫الجيش األحمر‪ .‬خالل فترة ما يسمى الجمهورية النيابية أو جمهورية المجالس في المجر‪ .‬وبعد سقوط الجمهورية‬
‫سافر إلى فيينا ومارس من هناك عمله السياسي كعضو لجنة مركزية في الحزب الشيوعي المجري‪.‬‬

‫في عام ‪ 1926‬أشرف على معهد ماركس ‪ -‬أنجلز‪ -‬لينين ثم عاد إلى وطنه عام ‪ ،1945‬فأصبح نائباً‬
‫في المجلس البلدي‪ ،‬لكنه استقال من منصبه ليصبح أستاذاً في الجامعة ثم عضواً فخرياً ألكاديمية العلوم المجرية‪.‬‬
‫وفي تلك اآلونة دار في المجر ما يسمى جدل لوكاتش الذي تركزت مناقشاته حول نظرة جورج لوكاتش حول‬
‫الديمقراطية‪ .‬وفي عام ‪ 1956‬عين وزي اًر للفنون الشعبية‪ .‬كما اعتقله السوفييت بعد شيوع أفكاره النقدية ورؤيته‬
‫المجددة للماركسية‪ ،‬ونفي إلى رومانيا‪ ،‬ثم عاد إلى الوطن فلم يسمح له بنشر أعماله إال في الصحف الغربية‪.‬‬
‫‪ -‬الوحدة الشاملة والتشيؤ‪:‬‬
‫كان غرض لوكاتش األساسي في مجمل كتاباته هو إعادة تأسيس وتطوير القاعدة الفلسفية للتوجه السياسي‬
‫اللينيني‪ ،‬فقد صاحب رفضه لرؤية الماركسية األرثوذكسية للفن‪ ،‬مراجعة لدور األحزاب العمالية في صياغة وعي‬
‫طبقاتها‪ ،‬باعتبار التعبيرات الفنية في جملتها نتاج للقاعدة االقتصادية فقط‪ ،‬أي أن الفن ما هو سوى نتاج الوضع‬
‫االقتصادي‪ ،‬فبينما كان يدافع لوكاتش عن استقاللية االنتاج الثقافي كانت النتيجة التي توصل إليها في أبحاثه هو‬
‫أن في ظل الرأسمالية‪ ،‬يتحول االنتاج الثقافي إلى الصناعي لترسيخ دعائم الرأسمالية‪ ،‬مما زاد من تمسكه بالدفع‬
‫نحو مزيد من االستقاللية للعمل الفني عندما عمل وزيرا‪.‬‬
‫لم تكن فكرة البنية التحتية والفوقية هي الفكرة األهم في الماركسية حسب لوكاتش‪ ،‬بل كان لفكرة عالقة‬
‫الجزء بالكل‪ ،‬أي عالقة األجزاء بالوحدة الشاملة عالقة جدلية‪ ،‬حيث تعطي التصورات التي يحملها الناس منظور‬
‫جزئيا للعالم‪ ،‬وكل منظور جزئي يعطي صور محددة ومن جانب واحد‪ ،‬ولكن الكل يحتوي على كافة التصورات‬
‫المحدودة عنه‪ ،‬ولذلك فهو أسمى من أي منظور جزئي نظر إليه منفصال عن غيره‪ ،‬وتتجاوز الجزئية فقط من خالل‬
‫النفي لألفكار الثقافية وإعادة بنائها وتوجيهها صوب تكوين الصورة العامة للوحدة للشاملة‪ ،‬وهي فكرة هيجلية بامتياز‪.‬‬
‫وتسمى عملية ربط الجزء بالكل عملية "التوسط" وهي عملية خالقة لصوغ الوحدة‪ .‬فعلى المستوي التحليلي يمثل‬
‫الوجود االجتماعي "الكل" وهو وحدة شاملة حيوية في تغير وتطور مستمر‪ ،‬وال بد أن ينظر لكافة األحداث والوقائع‬
‫االجتماعية في إطار صلتها بماضي وحاضر ومستقبل الكل االجتماعي الذي يشكل أجزاءه‪.‬‬
‫إن منهج الوحدة الشاملة الذي يطلق عليه حسب ماركسية لوكاتش متجذر في الوضع الطبقي للطبقة‬
‫العاملة‪ ،‬حيث يمكن من بني منهج الوحدة الشاملة وال يمكن انجاز الوحدة الشاملة إال من خالل العمال حيث أن‬
‫األوضاع األخرى تطرح علينا رؤى محدودة وجزئية‪ ،‬ولذلك ال يجب أن تكون الماركسية ال باعتبارها وصفا علميا‬
‫محايدا وموضوعيا للعالم فقط‪ ،‬بل كتعبير عن الوعي الفعلي للطبقة العاملة‪ .‬ومع ذلك فهي ال تتطابق مع الوعي‬

‫‪3‬‬
‫الفعلي للطبقة العاملة كما هو قائم في زمان ومكان معينين‪ ،‬فالطبقة العاملة في مجتمع ما قد تحمل وعيا زائفا نظ ار‬
‫لسوء فهم وضعيتهم ومطامحهم‪ ،‬وهذا الوعي يوجه حزبا لدى قادته فهم واعي للوضع الحقيقي الذي تعيشه الطبقة‬
‫حتى يتسنى للوصول إلى الوعي الناضج‪ .‬وبالضرورة تقود الطبقة العاملة طليعة من المثقفين من ذوي المعرفة‬
‫العلمية‪.‬‬
‫لقد انشغلت أعمال لوكاتش األولى بالفن واألدب ولكن مناقشاته في كتابة التاريخ والوعي الطبقي نظرت‬
‫إل ى الثقافة بمعناها الواسع‪ ،‬فليست الروايات والمسرحيات مستمدة من الوضع الطبقي فحسب بل من سبل العيش‬
‫كذلك‪ ،‬ومن هذا المنطلق بدأ في بلورة مفهوم التشيؤ فقام بإعادة فهم أعمال ماركس األولى حول مفهوم االغتراب‬
‫وهو مفهوم له أصوله في تحليل ماركس لمسألة "عبودية السلع" فأضاف لوكاتش مزيدا من فكر هيجل لعمل ماركس‬
‫الناضج‪ .‬جادل ماركس بأن السمات الشخصية للناس في المجتمع الرأسمالي غير متصلة بأدوارهم في عملية‬
‫اإلنتاج‪ ،‬حيث يعامل العمال ككم من قوى العمل التي تباع وتشتري وتخضع لعمليات ترشيد وتخصيص وتوزيع‬
‫المهام‪ ،‬حتى تكون العالقات بين الناس تبدو عالقات ذات ثمن تربط السلع بالمال‪ ،‬ويضيع معناها وطابعها اإلنساني‬
‫وتتشيأ‪ ،‬فترى كاألشياء‪.‬‬
‫يؤمن لوكاتش بأن الفكر البرجوازي مقتصر بالضرورة على هذه المظاهر المتشيئة‪ ،‬فهو يعتني بالظواهر‬
‫المنفصلة والمشابهة باألشياء كما يتضح في الفكر االقتصادي الكالسيكي للبرجوازية‪ ،‬بينما الفكر البروليتاري حسب‬
‫لوكاش هو المؤهل لتجاوز التشيؤ بقيادة المفكرين‪ ،‬فحين يفهم العمال كيف أصبحوا سلعة وكيف ينهض تحررهم‬
‫على تجاوز الظروف اإلنتاجية البرجوازية حينئذ يصلون لمعرفة ذاتية ترشدهم في ممارستهم الثورية‪.‬‬
‫تعتبر محاوالت لوكاتش مزيدا من إدماج البعد الهيجلي على الرؤية الماركسية‪ ،‬فقد استند لوكاتش في ذلك‬
‫على أعمال ماركس في الفترة ما بين ‪ ،1845-1844‬مما أثار حفيظة الماركسيين السوفييت‪ .‬فكانت أعمال لوكاتش‬
‫أهم المصادر األساسية لدراسة مدرسة فرانكفورت حول صناعة الثقافة والتشيؤ والنظرة األحادية للواقع‪.‬‬
‫‪ -‬الرواية كملحمة برجوازية‪:‬‬
‫اعتبر لوكاتش الرواية األوروبية ملحمة بورجوازية عملت على عكس المجتمع األوروبي وفق تصوراتها‬
‫األيديولوجية‪ ،‬حيث قام لوكاتش بتفريعات في نظرية الرواية على ما جاء به هيغل‪ ،‬مستندا إلى النظرية المادية في‬
‫التحليل االجتماعي للطبقات عند ماركس ليخرج من كل ذلك بأطروحته المشهورة بأن الرواية ليست إال ملحمة‬
‫البرجوازية التي ظهرت على مسرح التاريخ في أعقاب النهضة الوروبية‪ ،‬وبالتحديد بعد الثورة الصناعية التي‬
‫جعلت منها الطبقة السائدة في المجتمعات األوروبية وانطالقا من تحليله في القرن التاسع عشر‪ ،‬قدم لوكاتش تصنيفا‬
‫للرواية األوروبية‪ ،‬موزع إلى ثالث أنواع قدمها تلميذه غولدمان كالتالي‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ /1‬رواية "المثالية المجردة"‪ ،‬تتميز بنشاط البطل بوعيه الضيق للغاية قياسا إلى تعقد العالم‪.‬‬
‫‪ /2‬الرواية النفسية التي تنزع إلى تحليل الحياة الباطنية‪ ،‬وتتميز بسلبية البطل وبوعيه الواسع إلى الحد الذي ال‬
‫يرضيه معه ما بمقدور عالم العرف أن يقدمه إليه‪.‬‬
‫‪ /3‬الرواية التربوية المنتهية بانحصار ذاتي ال يشكل ال قبوال لعالم العرف وال تخليا عن سلم القيم الضمني رغم أنه‬
‫تنازل عن البحث اإلشكالي‪ ،‬هذا االنحصار الذاتي يمكن تخصيصه " بالنضج الفحولي " لبطل الرواية‪.‬‬
‫أضاف لوكاتش تصنيفا الحقا جديدا وذلك عام ‪ 1920‬من خالل رواية تولستوي التي تنزع نحو الملحمية‬
‫وهذه اإلمكانيات المفتوحة أمام الرواية جعلته يعود لنفس الموضوع بعد فترة كبيرة من الزمن عن كتابة مؤلفه "نظرية‬
‫الرواية"‪ ،‬وفي عام ‪ 1934‬حين كان مقيما في موسكو‪ ،‬ألف دراسة جديدة أثارت جدال عنوانها‪" :‬تقرير حول الرواية"‪.‬‬
‫إن األفكار التي قدمها لوكاتش في كتابه "نظرية الرواية" وكذا في كتابه اآلخر"التاريخ والوعي الطبقي"‬
‫سيأتي عالم االجتماع لوسيان غولدمان ويبني عليها مشروعه حول سوسيولوجية الرواية ومنهجيته النقدية "البنيوية‬
‫التكوينية"‪.‬‬
‫‪ -‬تحطيم العقل‪:‬‬
‫يعد كتاب «تحطيم العقل» ذروة مؤلفات لوكاتش وقد صدر في جزأين كبيرين‪ ،‬كان األول حول بدايات‬ ‫ّ‬
‫الالعقالنية الحديثة من ِشلنغ إلى نيتشه‪ ،‬والثاني حول الالعقالنية الحديثة من دلتاي إلى توينبي‪ .‬تتراكب موضوعات‬
‫الكتاب ضمن خط السيرورة التاريخية من الردة اإلقطاعية أو نصف اإلقطاعية والرومانسية ضد الثورة الفرنسية إلى‬
‫الفاشية أي من النضال ضد الجدل المثالي وفكرة التقدم البرجوازية إلى النضال ضد الماركسية والثورة البروليتارية‪.‬‬
‫‪ -‬الماركسية في مواجهة الوجودية‪:‬‬
‫دخل لوكاتش في مواجهة مع الفلسفة الوجودية كإطار كلي عام‪ ،‬وحاور جان بول سارتر فيلسوف الوجودية‬
‫الفرنسية حول نقده للماركسية من الداخل‪ .‬فقد جادل حول انعدام جوهر الوجودية التي تصل في منهجيتها دائما‬
‫بالنفي حيث أن اإلنسان وفقا للوجودية هو وجودة بينما ال تحدد الوجودية ما هو الوجود‪ .‬يرى لوكاتش أن الوجودية‬
‫كاستمرار للفينومونولجيا ليست سوى تعبير عن حالة الفردية النيتشية التي تعكس أزمة اإلمبريالية‪ .‬ومن ناحيته فهو‬
‫يرى اإلنسان ليس سوى نتاج الظروف الموضوعية مع امكانيته إلعادة خلق نفسه من خالل الوعي الحقيقي بالذات‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=424370‬‬

‫‪5‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت‬
‫المطلب الول‪ :‬السياق التاريخي لنشأة مدرسة فرانكفورت وأهم روادها‪:‬‬
‫تشكل مدرسة فرانكفورت انعطافا فكريا هاما في مسيرة الفكر األوربي الحديث‪ ،‬كان لهذه المدرسة األثر‬
‫الكبير والفاعل في صياغة "نظرية نقدية" تتعامل مع السوسيولوجية والفلسفة والسياسة والثقافة كأبعاد متداخلة‬
‫ومتشابكة في عملية تكوين ودراسة النظريات االجتماعية‪ ،‬واألفاق المعرفية والحضارية التي رافقت التطورات‬
‫والتحوالت التي شهدها المجمع األوربي في ميادين االقتصاد والسياسة‪ ،‬إضافة إلى بروز "النظام الرأسمالي" كعامل‬
‫حاسم في ترك أثاره في الفلسفة وعلم االجتماع‪ .‬فأين تأسست مدرسة فرانكفورت؟ ومتى كان هذا التأسيس؟ وما هي‬
‫الخلفية الفكرية لهذه المدرسة؟ وما هي أسسها الجوهرية؟‬
‫أوال‪ :‬نشأة مدرسة فرانكفورت‪:‬‬
‫حصلت مدرسة فرانكفورت على طابعها المؤسسي عبر تأسيس (معهد البحوث االجتماعية) في عشرينات‬
‫القرن الماضي‪ ،‬حيث وضعت الحلقة الدراسية األولى للعمل الماركسي سنة ‪ 1922‬لبنات التفكير في أسباب أزمة‬
‫الفكر الماركسي وإخفاق ثورة ‪ 1918‬في ألمانيا‪ .‬جمعت ثلة من المفكرين أبرزهم رجل األعمال" فليكس فايل"‬
‫واالقتصادي فريديريك بلوك والمفكر الماركسي جورج لوكاش‪ ،‬حيث كانت معهم اإلرهاصات التي دفعت بعض‬
‫المشاركين في تلك الحلقات للتفكير جديا في تأسيس "معهد األبحاث االجتماعية"‪.‬‬
‫تأسس معهد األبحاث االجتماعية رسميا في ‪ 3‬فبراير ‪ 1923‬بجامعة غوته بمدينة فرانكفورت بألمانيا‪.2‬‬
‫توخى المعهد في البداية احتضان األبحاث النظرية االشتراكية التي أقفلت الجامعة األلمانية األبواب في وجهها‪،‬‬
‫كان يضم جملة من المثقفين الذين لم يتبنوا أطروحات والذين يحدوهم العزم لبلورة فحص عميق "ألسس النظرية‬
‫النقدية"‪.3‬‬
‫تولى اإلشراف على المعهد في البداية أستاذ القانون والعلوم السياسية في جامعة فيينا كارل غرونبر‪ ،‬وفي‬
‫عام ‪ 1931‬تم تنصيب يوركهايمر رئيسا للمعهد وتعيين تيودور أدورنوا أستاذا مساعدا له‪ ،‬وبتعاون يوركهايمر‬
‫وادورنوا لمع اسم النظرية النقدية بحيث لم يعد االهتمام منصب فقط على نقد االقتصاد السياسي كأداة تحليل للمجتمع‬
‫الرأسمالي كما كانت ترى الماركسية‪ .‬بل اعتمدت مقاربة تركيبية تقوم على ربط الفلسفة بالعلوم االجتماعية‬
‫واإلنسانية‪.4‬‬

‫‪2‬‬
‫‪-PAUL LARANT ASSOUN : L’ECOLE DE FRANCFORT -;- 2 EDITION : 1990. PARIS : P 5‬‬
‫‪ - 3‬حسن مصدق‪ :‬يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪ :2005‬ص‪27‬‬
‫‪ - 4‬حسن مصدق‪ :‬مرجع سابق‪ :‬ص ‪28‬‬

‫‪6‬‬
‫بعد سيطرة النازية في ألمانيا وصعود هتلر إلى الحكم عام ‪ 1933‬اضطر يوركهايمر وزمالءه للهروب إلى‬
‫سويس ار وفرنسا وبريطانيا ومن ثم إلى الواليات المتحدة األمريكية‪ .‬وفي الوقت الذي صدرت فيه األوامر بإغالق‬
‫المعهد ومصادرة مكتبته القيمة‪ ،‬أسس يوركهايمر وزمالؤه فروعا أخرى للمعهد في كل من باريس ولندن ثم في‬
‫جامعة كولومبيا‪ .‬غير أن الوضع السياسي في أمريكيا جعلهم يتجنبون استخدام المفاهيم الراديكالية بسبب فقدانهم‬
‫الثقة في الطبقة العاملة في أوروبا وأمريكا‪ .‬تطورت النظرية النقدية في المنفى إلى فلسفة للتاريخ والمجتمع‪ ،‬مثلما‬
‫كان ذلك في عصر التنوير‪ ،5‬في هذه الفترة قدم الرواد األوائل أهم أعمالهم إذ أصدر هوركهايمر عددا من الكتب‬
‫من قبيل "السلطة والعائلة" و"كسوف العقل"‪.‬‬
‫في سنة ‪ 1950‬وبعد الحرب العالمية الثانية وسقوط النازية في ألمانيا عاد بعض الرواد إلى فرانكفورت في‬
‫مقدمتهم يوركهايمر وذلك من أجل إكمال العمل الذي سبق الهروب من ألمانيا‪ ،‬لتنطلق المرحلة الثانية في تاريخ‬
‫المدرسة والتي يعتبر أهم ممثليها يورغن هابرماس (‪ )1929‬والذي اعتبر الوريث الشرعي لتركة مدرسة فرانكفورت‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أهم روادها‪:‬‬

‫تمثلت مدرسة فرانكفورت باتجاهات فلسفية واجتماعية مختلفة يمكننا ايجازها بما يلي‪:6‬‬

‫‪1‬ـ اتجاه يوركهايمر وأدورنو الذي مثل المنهج النقدي الجدلي الذي يهدف إلى توحيد النظرية بالممارسة العملية‬
‫وتقديم نظرية نقدية للمجتمع تستطيع الوقوف أمام فكرة التسلط والعنف وتسعى إلى جعل الفكر النقدي ليبراليا وغير‬
‫ليبرالي في الوقت ذاته‪ ،‬وأن ال تخجل من الصراع االجتماعي الواقعي وأن ال تبخل عن أية مهادنة‪ ،‬مع أية سلطة‪،‬‬
‫ما دامت تهدف إلى االستقاللية وإلى تحقيق سلطة االنسان على حياته الذاتية‪ ،‬مثلما هي على الطبيعة‪.‬‬

‫‪2‬ـ اتجاه هربرت ماركيوز (‪ ،)1984-1898‬الذي تمثل في رفض المجتمع القمعي القائم والثورة عليه من خالل‬
‫تأكيده على الدور الحاسم والثوري للعقل في حياة االنسان وعدم النظر إلى المجتمع من رؤية ذات بعد واحد‪.‬‬

‫‪3‬ـ االتجاه النفسي ـ التحليلي الذي يمثل آراء إريك فروم والفرويديين الجدد‪ ،‬وهو اتجاه يقوم على مقدمات ماركسية‬
‫في التحليل النفسي‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪-PAUL LARANT ASSOUN : op. Cit : P 7‬‬
‫‪6‬‬
‫‪-‬‬
‫‪https://www.marefa.org/%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9_%D9%81%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%83%D9‬‬
‫‪%81%D9%88%D8%B1%D8%AA#cite_note-Haidari-2‬‬

‫‪7‬‬
‫‪4‬ـ اتجاه يورگن هابرماس )‪ (1929‬وهو اتجاه فلسفي انثروبولوجي يؤكد على دراسة الرأسمالية المتأخرة كمجتمع‬
‫صناعي عقالني ذي إيديولوجية تكنوقراطية‪ ،‬كما صاغها في نظريته "السلوك التواصلي"‪.‬‬

‫اتخذت النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت في مسارها الطويل اتجاهات مختلفة‪ ،‬بسبب الخلفيات االجتماعية‬
‫لروادها من جهة واهتماماتهم المختلفة التي ارتبطت بأفكار عصر التنوير‪ ،‬من مثالية كانت وهيجل إلى تأويلية ماكس‬
‫ڤيبر وفينومينولوجية‪ .‬ومع ذلك فإن هناك ما يجمع بين روادها‪ ،‬مع اختالف اتجاهاتهم‪ ،‬وهو نقدهم للمجتمع الصناعي‬
‫الشمولي وما يفرزه من تناقضات‪ ،‬وخاصة في ثقافة البرجوازية‪.7‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أسسها الجوهرية ومنطلقاتها الفكرية‪:‬‬

‫يمثل فكر مدرسة فرانكفورت مجاال لتقاطع العديد من المباحث العلمية والفلسفية مثل علم االجتماع‬
‫واألنتروبولوجيا والفلسفة السياسية‪ .‬والمتفحص للخطاب النقدي المعاصر يلمس األهمية التي أصبح يحظى بها‬
‫البحث في الدراسات الفلسفية والسوسيولوجية‪.‬‬

‫إن ميالد مدرسة فرانكفورت لم يكن وليد الصدفة‪ ،‬بل جاء كاستجابة للتعقيدات التي يعرفها العالم المعاصر‪،‬‬
‫فرغم انقضاء قرابة القرن على تأسيس مدرسة فرانكفورت‪ ،‬فإنها التزال تمثل نموذجا فلسفيا قاد ار على استيعاب‬
‫إشكالية الثقافة والسياسة في المجتمع المعاصر‪ ،‬وقد رسخت مدرسة فرانكفورت دعائمها في الفلسفة المعاصرة من‬
‫خالل أمرين هما إنشاء نظرية نقدية جديدة لإلنسان والعالم من ناحية‪ ،‬وإرساء منهج تحليلي قادر على استيعاب‬
‫المشكالت والصعوبات االجتماعية‪ ،‬فمن أجل وضع نظرية نقدية للمجتمع تستطيع استيعاب المشكالت والصعوبات‬
‫االجتماعية‪ ،‬قام رواد المدرسة بإعادة قراءة تاريخ الفكر الغربي‪ ،‬انطالقا من العودة إلى كانط وتحيين فلسفته‪،‬‬
‫والمرور إلى هيجل والوقوف على منطقه الجدلي‪ ،‬وصوال إلى ماركس وراديكاليته‪ ،‬وماكس فيبر وعقالنيته‪ ،‬ومحاولة‬
‫إعادة قراءة فكر كل منهما والعمل على استيعاب أفكارهم في نظرية جامعة لكل هذه األفكار‪ ،‬والتي أطلقوا عليها‬
‫اسم النظرية النقدية التي جاءت كتجاوز للنظريات التقليدية‪.8‬‬

‫أوال‪ :‬السس الفكرية الجوهرية لفكر مدرسة فرانكفورت‬

‫ال يمكن فهم النظرية النقدية اال من خالل اإلحاطة باألسس الجوهرية لفكر مدرسة فرانكفورت‪ ،‬فما يميز‬
‫هذه المدرسة عن باقي المدارس األخرى هو عدم اقتصارها على المرجعية الفلسفية أو السوسيولوجية فقط‪ ،‬فقد‬
‫تشربت هذه المدرسة من ينابيع العلوم اإلنسانية‪ ،‬من الفلسفة "كانط‪ ،‬هيجل‪ "...‬وعلم االجتماع "كارل ماركس وماكس‬

‫‪ - 7‬ابراهيم الحيدري (‪" .)24-08-2000‬مدرسة فرانكفورت‪ ..‬تأسيس نظرية نقدية للمجتمع"‪ .‬جريدة الشرق األوسط‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪- http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=424370‬‬

‫‪8‬‬
‫فيبر وأوغست كونت‪ "....‬وعلم النفس"فرويد وجان بياجي ‪ "...‬والعلوم اللغوية "اوستين‪ ،"...‬لكن لخصوصية الموضوع‬
‫لن نتكلم إال عن األسس الفلسفية "األلمانية بالخصوص" والسوسيولوجية‪.‬‬

‫أ ‪ -‬السس الفلسفية‪:‬‬

‫يبدو أن مدرسة فرانكفورت أو ما يعرف بالنظرية النقدية اتخذت من النقد أساسا لها‪ ،‬والنقد هو تقليد ألماني‬
‫قديم وقد تبدى جليا خاصة مع كانط ومن بعده هيجل وأتباعه الشباب من بعده‪ ،‬ليصل إلى مدرسة فرانكفورت‪ ،‬حيث‬
‫تكونت انطالقا من نقد مفكرين ونصوص فلسفية أخرى ألنه بدون استلهام للماضي ومحاورة الحاضر ال يمكن اتخاذ‬
‫أية مسافة نقدية كيفما كانت داللتها ومقاصدها‪ ،‬ويرجع العديد من المهتمين بالنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت أن‬
‫النقد الكانطي يعتبر مرجعا أساسيا اعتمد عليه أصحاب النظرية النقدية وخاصة في كتبه الرئيسية الثالثة‪ ،‬نقد العقل‬
‫الخالص (‪ )1781‬ونقد العقل العملي(‪ )1788‬وكتاب نقد ملكة الحكم (‪.)1790‬‬

‫حاول بعض مفكري النظرية النقدية نحت منحى توفيقيا بين الفلسفة الكانطية والمادية الجدلية (السيما في‬
‫بعديهما المتعالي كما يقول ماركيوز)‪ .9‬وانطالقا من القيمة التي أسستها كانط في التاريخ الحديث للفلسفة الكالسيكية‬
‫األلمانية‪ ،‬يسعى فالسفة فرانكفورت إلى تقديم النظرية النقدية التي يجتهدون في بنائها وتوضيحها كوريث شرعي‬
‫للعقالنية الكالسيكية منذ‪.‬‬

‫إذا كان هناك اختالف بين الباحثين حول ما إذا كانت فلسفة كانط تمثل إحدى الخلفيات الفلسفية لمدرسة‬
‫فرانكفورت‪ ،‬فهناك إجماع على أن فلسفة هيجل تمثل مرجعا أساسيا لها وقد تبين ذلك بوضوح في كتابات هربرت‬
‫ماركيوز خاصة في كتابه العقل والثورة‪ .‬فإذا كان كانط قد أقام فلسفته النقدية لتمييز المعرفة العلمية الصحيحة عن‬
‫المعرفة الميتافيزيقية التي تؤدي إلى وقوع العقل في التناقض‪ ،‬فإن هيجل جعل من التناقض جوه ار لفلسفته ومنهجه‬
‫الجدلي‪.10‬‬

‫قام هيجل من خالل منطقه الجدلي‪ ،‬بإدخال العقل في الوعي وفي الطبيعة ثم تجلى في التاريخ‪ ،‬وأصبح‬
‫هو جوهر التاريخ ومحركه‪ ،‬بل أصبحت العملية المعرفية نفسها تنمو في مراحل متعددة‪ ،‬كما قام هيجل بمهاجمة‬
‫المعرفة العقلية الخالصة التي فصلت الفكر عن الوجود‪ ،‬كما هاجم الفلسفة التجريبية الخالصة التي أغفلت السمات‬
‫العقلية للواقع‪.‬‬

‫‪ - 9‬محمد نور الدين أفاية‪ :‬الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة نموذج هابرماس‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الطبعة الثانية المغرب ‪ :1998‬ص ‪22‬‬
‫‪ - 10‬هربرت ماركيوز ‪ :‬العقل والثورة هيغل ونشأة النظرية االجتماعية‪ ،‬ترجمة فؤاد زكرياء‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر‪ :1970 ،‬ص‪248‬‬

‫‪9‬‬
‫ُيعتبر هيجل حسب منظري مدرسة فرانكفورت هو رائد الفلسفة االجتماعية نظ ار ألنه خلص الفلسفة من‬
‫القيود الشخصية المفردة‪ ،‬حين ألقى بالوعي في تجربة جماعية وكونية تخوضها الروح منذ اللحظة األولى التي‬
‫انفصلت فيها عن الطبيعة‪ ،‬وتظهر هذه التجربة في الدين والفن والسياسة وتجد في الفلسفة تعبيراتها المفهومية‪.‬‬

‫انقسمت المدرسة الهيجلية بعد وفاته إلى جناح يميني وجناح يساري‪ ،‬وقد تمسك الجناح اليميني باالتجاه‬
‫المحافظ في مذهب هيجل ووسعه‪ ،‬أما الجناح اليساري فقد طور االتجاهات النقدية عند هيجل بادئا هذا التطوير‬
‫بتفسير تاريخي للدين‪ ،‬وقد دخلت هذه الجماعة األخيرة في نزاع اجتماعي وسياسي متزايد الحدة مع عهد عودة‬
‫الملكية‪ ،‬وانتهى أمرها إما إلى االشتراكية والفوضوية الكاملة وإما إلى الليبرالية التي تحمل طابع البرجوازية‬
‫َ‬
‫‪11‬‬
‫المصغرة ‪.‬‬

‫تعارضت معايير هيجل النقدية وجدله بوجه خاص‪ ،‬مع الواقع االجتماعي السائد‪ ،‬ولهذا السبب كان من‬
‫الممكن أن يسمى مذهبه بحق فلسفة سلبية‪ ،‬وهو االسم الذي أطلقه خصومه المعاصرون له‪ ،‬وقد ظهرت في العقد‬
‫التالي بعد وفاة هيجل فلسفة إيجابية‪/‬وضعية ترمي إلى إزالة تأثير اتجاهاته الهدامة‪ ،‬وأخذت هذه الفلسفة على عاتقها‬
‫أن تخضع العقل لسلطة الواقع‪ ،‬وأن الصراع الذي حدث بعد ذلك بين الفلسفة السلبية والوضعية‪ ،‬ليقدم مفاتيح متعددة‬
‫تساعد على فهم نشأة النظرية االجتماعية الحديثة في أوروبا‪.12‬‬

‫ب ‪ -‬السس السوسيولوجية‪:‬‬

‫‪ -‬التأثير الماركسي‪ :‬من المعروف أن منظري مدرسة فرانكفورت تأثروا بالماركسية حتى اعتبر البعض أن هذه‬
‫المدرسة ليست إال فرعا من فروع الماركسية‪ ،‬لكن أصحاب النظرية النقدية وإن تبنوا الماركسية كمبدأ أو كمنهج‬
‫فإنهم لم يلتزموا بها كليا ولم يتشبثوا بمقوالتها المتمركزة حول نقد النظام االقتصادي والرأسمالي وحول األيديولوجيا‬
‫بصفة عامة‪ ،‬بل تركزت ماركسيتهم على نقد االغتراب واألسباب الكامنة و ارءه في المجتمعات الصناعية القائمة‬
‫على الكليانية والمعقولية التقنية والبيروقراطية التي ادعت التقدمية وتباهت بالهيمنة على الطبيعة وعلى اإلنسان في‬
‫العالم الشيوعي والرأسمالي‪.‬‬

‫لم يكن المصدر األساسي لهذا النقد هو النظرية النقدية برمتها وال االرتباط بالطبقة العاملة بقدر ما كان‬
‫التأثر بماركس الشاب خاصة في كتاباته األولى وتحديدا في مخطوطات ‪ ،1844‬فقد وجدوا في أرائه تأكيدا الغتراب‬
‫لعية" ـ‬
‫الس ّ‬
‫"وثنيتها ّ‬
‫اإلنسان وعرفوا أن نقدهم لها ال ينبغي أن يقتصر على اإلصالح االقتصادي والسياسي وعلى ّ‬
‫وعقالنيتها المزعومة التي تقف حجر عثرة أمام كل حياة إنسانية أصيلة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حسب تعبير المفكر الماركسي لوكاش ـ‬
‫وهذا ما حاول القيام به كل من أدورنوا ويوركهايمر في كتابهما المشترك "جدل العقل"‪ .‬انطلق هابرماس من فكرة أن‬

‫‪ - 11‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪26‬‬


‫‪ - 12‬عالء طاهر‪ :‬مدرسة فرانكفورت من هوركهايمر إلى هابرماز‪ ،‬منشورات اإلنماء القومي‪ ،‬بيروت الطبعة األولى بدون تاريخ‪ :‬ص ‪95‬‬

‫‪10‬‬
‫الماركسية تحتوي على قدرة نقدية هائلة لكل ما هو عام وشامل‪ ،‬وقد طرح في نفس الوقت مشروع إعادة "توجيه‬
‫الماركسية"‪ .13‬فإذا كان ماركس قد قلب الجدل الهيجلي على رأسه وجعله يسير على قدميه كما يقال فإن هابرماس‬
‫هو أيضا ـ كما يقال ـ قد قلب الماركسية على رأسها لتسير على قدميها وذلك استنادا على عقالنية ماكس فيبر‪.‬‬

‫رغم المكانة التي تحظى بها الماركسية في مدرسة فرانكفورت‪ ،‬فإنها لم تسلم من نقدهم لها وخاصة الماركسية‬
‫التقليدية والستالينية الدوغمائية‪ ،‬فقد اعتبر رواد المدرسة أن الماركسية لم تعد تواكب التغيرات التي تحدث في العالم‬
‫الرأسمالي‪ ،‬وأن الرهان على الطبقة العاملة في القيام بالثورات أصبح شبه مستحيل في مجتمع استطاع احتواء هذه‬
‫الشريحة الواسعة‪ ،‬ليراهنوا على فئات أخرى من قبيل الطالب واألقليات العرقية كاستراتيجية للتغير‪ ،‬وهذا ما تبين‬
‫في أحداث ‪ 1968‬في فرنسا ورفض الطالب األمريكيين الحرب على الفيتنام‪.‬‬

‫‪ -‬التأثير الفيبري‪ :‬تعتبر كتابات ماكس فيبر حول العقالنية من إحدى المرجعيات األساسية لمدرسة فرانكفورت‪،‬‬
‫وقد ظهرت بوضوح في كتابات ماركيوز وخاصة في كتابه اإلنسان ذو البعد الواحد‪ ،‬وباألخص في حديثه عن‬
‫منطق الهيمنة‪ ،‬وهو المفهوم األساسي الذي أضحى مبدأ جوهريا ممي از لمدرسة فرانكفورت في أوج ازدهارها‪ ،‬وهو‬
‫أن السيطرة على الطبيعة من خالل العلم والتكنولوجيا تنشئ بالضرورة شكال جديدا من التسلط على البشر‪.14‬‬

‫يمكن أن ندرج وجهين رئيسيين للتشابه بين مدرسة فرانكفورت وكتابات فيبر‪:‬‬

‫الوجه الول‪ :‬هو أن العقالنية التقنية أو الترشيد قد تم تصورهما كقوى مجردة تشكل مجتمعا يقع خارج نطاق التحكم‬
‫البشري‪ ،‬حيث أن المنطق الداخلي للنظام الذي خلقه العلم واإلدارة العقالنية يقوم بهذا العمل على نحو ما من وراء‬
‫ظهر األفراد أو الجماعات االجتماعية المعينة وأنه يقوم بهذا العمل أيا كان الشكل الظاهري للمجتمع‪ ،‬أي بصرف‬
‫النظر عما إذا كان المجتمع رأسماليا أو اشتراكيا شموليا أو ديمقراطيا‪ ،‬وبهذا المعنى‪ ،‬يتم إحالل مفهوم "المجتمع‬
‫الصناعي" محل "المجتمع الرأسمالي"‪ .‬فماركيوز قد برهن على مقوالت فيبر بقوله (‪ ...‬ليس تطبيق التكنولوجيا‬
‫فحسب‪ ،‬بل التكنولوجيا نفسها‪ ،‬هي التي تمثل تسلطا على الطبيعة واإلنسان بطريقة منهجية علمية ومحسوبة وماكرة‪،‬‬
‫وأ ن األهداف والمصالح المحددة لهذا التسلط ال يتم دسها على التكنولوجيا فيما بعد ومن الخارج‪ ،‬وإنما هذا يدخل‬
‫في تصميم بناء الجهاز التقني)‪.15‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬يمكن العثور على وجه التشابه في النزعة التشاؤمية الكئيبة التي تنشأ من تفسيرهما للمجتمع الصناعي‬
‫الحديث‪ ،‬فإذا كان فيبر ليبراليا يائسا على حد تعبير توم بوتومورـ فإن مفكري مدرسة فرانكفورت و"ماركيوز‬
‫بالخصوص" يمكن وصفهم بأنهم "راديكاليون يائسون" ـ حسب بوتومور ـ فمنظري فرانكفورت وماكس فير يرون أن‬

‫‪ - 13‬توم بوتومور‪ :‬مدرسة فرانكفورت‪ ،‬ترجمة سعد هجرس‪ ،‬دار أويا‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ليبيا‪ : 1998 ،‬ص ‪78‬‬
‫‪ - 14‬المرجع السابق ‪ :‬ص ‪79‬‬
‫‪ - 15‬المرجع السابق ‪ :‬ص ‪80‬‬

‫‪11‬‬
‫التوسع األكثر أو األقل قسوة للترشيد والعقلنة يعني أن المجتمع سيصبح عرضة للتسلط من جانب عالقات اجتماعية‬
‫ذرائعية محضة‪ ،‬وسيصبح "قفصا حديديا" ودولة "للتحجر اآللي" تختنق فيه اإلبداعية الفردية والقيم الشخصية‪.16‬‬

‫إن تشاؤمية ماركيوز‪ ،‬ويوركهايمر فيما يخص مصير الفرد‪ ،‬هي من نفس تشاؤمية فيبر‪ ،‬فالعقالنية التقنية‪،‬‬
‫أي العقل الذرائعي‪ ،‬هو الذي يسود الحياة االجتماعية وإن بقيت قوى قليلة تعارضها‪ ،‬وهذا ما يخلص إليه ماركيوز‬
‫في كتابه "اإلنسان ذو البعد الواحد"‪.‬‬

‫إذا كان الرواد األوائل لمدرسة فرانكفورت قد اعتمدوا على كتابات ماكس فيبر وكارل ماكس‪ ...‬فإن هابرماس‬
‫كأحد رواد الجيل الثاني من المدرسة لم يكتف بكتابات ماكس وماركس‪ ،‬بل انفتح على كتابات سوسيولوجيين آخرين‬
‫من قبيل هربرت ميد وإيمل دوركهايم‪ .‬حسب هابرماس فإن مفهوم التواصل بوصفه نظرية علمية قد بدأ مع‬
‫السوسيولوجي هربرت ميد في نظريته المرتبطة بالتفاعل الرمزي‪ ،‬إذ دافع هابرماس عن فكرة أن التواصل هو المبدأ‬
‫المؤسس للمجتمع‪ ،‬أما فيما يما يخص دوركهايم فيتجلى فكره بوضوح في كتابات هابرماس حول كيفية دمج الفرد‬
‫في مجتمع طغت فيه القيم الفردانية‪ ،‬ويظهر ذلك في حديث هابرماس عن الفضاء العام وكيفية تحقيق الديمقراطية‪،‬‬
‫ففي كتابه "نظرية الفعل التواصلي" يخصص فصال مطوال للحديث عن دوركهايم وميد‪ ،‬ويقول هابرماس (إن تحول‬
‫البراديغم الذي انتقل من الفعل الغائي إلى الفعل التواصلي بدأ مع ميد ودوركهايم‪ ،‬فماكس فيبر وإميل دوركهايم‬
‫وهربرت ميد‪ ،‬ينتمون إلى جيل المؤسسين للسوسيولوجيا الحديثة)‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مشروع النظرية النقدية ومنطلقاتها الفكرية‪.‬‬

‫‪ -1‬نقد النزعة الوضعية الحديثة والتجريبية‪.‬‬

‫وجه الرعيل األول لمدرسة فرانكفورت انتقاداته الحادة إلى النزعة العلمية المفرطة وأنساقها التي تحولت إلى‬
‫أيديولوجيات تستند إلى يقين معرفي ومعتقدات إيمانية فكلها في نظرهم قد غدت أنظمة معرفية مغلقة تعتمد أشكاال‬
‫تنظيمية جد مقننة للحياة االجتماعية‪ ،‬من خالل إسقاط آليات فهم الظواهر الطبيعية على الظواهر االجتماعية‬
‫بمعنى أنها أصبحت أيديولوجيات شمولية تنظم عالقات اإلنسان باإلنسان واإلنسان باألشياء‪ ،‬مما حدا برواد مدرسة‬
‫فرانكفورت إلى رصد تحول العقالنية كأيديولوجيات‪ ،‬ومحاولة الكشف عن مكامن التسلط فيها ومحاربة نزعتها‬
‫الوثوقية‪.17‬‬

‫اعتمادا على إرث النظرية النقدية واستكماال لمشروعها‪ ،‬واستنادا إلى التطورات االقتصادية التي عرفها‬
‫المجتمع الغربي الحديث‪ ،‬وجه "هابرماس" انتقاداته أيضا لكل من النزعتين "الوضعية والتجريبية" انطالقا من كون‬

‫‪ - 16‬محمد األشهب‪ :‬الفلسفة والسياسة عند هابرماس‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب ‪ :2006‬ص‪17‬‬
‫‪ - 17‬حسن مصدق‪ :‬مرجع سابق‪ :‬ص ‪35‬‬

‫‪12‬‬
‫المهمة الفلسفية تقتضي ذلك‪ ،‬لكشف الوهم اإليديولوجي الكامن من وراء النزعتين معا‪ ،‬ألنهما يمثالن وجهين لعملة‬
‫واحدة‪.‬‬

‫إن المعرفة العلمية التي سخرت لفهم الطبيعة والتحكم فيها تم استخدامها أيضا للتحكم في اإلنسان‪ ،‬بمعنى‬
‫أن منطق النظم الذي تصوره اإلنسان للسيطرة على الطبيعة‪ ،‬تم نقله بالكامل للتحكم باألفراد والجماعة‪ ،‬وهذا ما‬
‫يت بادر إلى أذهاننا عند فحص مختلف التنظيمات القانونية واإلدارية‪ ،‬وأشكال الترشيد والضبط والتقنين والعقلنة‬
‫لمختلف جوانب الحياة في العالم المعاصر‪ ،‬فكل هذه اآلليات تعمل وفق نظمها ومنطقها الداخلي وتكرارها إنتاج‬
‫مجتمع طبقا لمقاسات ومواصفات معينة‪ ،‬لكن مدرسة فرانكفورت ترفض أي تناظر أو تماثل تجريبي قد يعقد بين‬
‫الظواهر الطبيعية واالجتماعية‪ ،‬يمكن صياغته في قواعد وقوانين‪ ،‬فقواعد السلوك البشري ال تمت بصلة للقواعد التي‬
‫تتحكم في ظواهر الطبيعة‪.‬‬

‫األمر الذي حدا برواد مدرسة فرانكفورت للوقوف جنبا إلى جنب لمعارضة الوضعية والتجريبية والنزعة‬
‫التقنوعلموية‪ 18‬الجامحة في حدود عواقبهما‪ ،‬ولعل ما يميز هذا النقد العنيف محاولة الكشف عن العقالنية "بوصفها‬
‫آليات للهيمنة والتسلط"‪ ،‬التي بتطويرها العقل التقني تحت ستار العلم من أجل العلم وبدعوى الحياد والموضوعية‬
‫العلمية‪.‬‬

‫يمكن أن نجمل النقد العنيف الذي قام به رواد فرانكفورت في العناصر التالية‪:‬‬

‫‪ -‬ال تحفل النزعة الوضعية الحديثة إال بالتجربة الخالصة والمحضة‪ ،‬ووحده التجريب الذي تقوم به العلوم‬
‫الحقة يستحق لقب "المعرفة" وما عداه يلقى به في قمامة التاريخ‪.‬‬
‫‪ -‬تنظر النزعة الوضعية للحاضر كحدث تم انجازه‪ ،‬وتتنصل كليا من تغييره‪.‬‬
‫‪ -‬تعلن السوسيولوجيا التجريبية أن كل ما يمكن مالحظته ال يعدوا أن يكون في نظرها أشياء‪ ،‬ومحض‬
‫أشياء‪.19‬‬

‫‪ -2‬نقد المجتمع االستهالكي‪:‬‬

‫كان االستهالك في الماضي هو وسيلة لغاية ما‪ ،‬وهي تحقيق سعادة اإلنسان‪ ،‬أما اليوم فقد أصبح االستهالك‬
‫غاية في حد ذاته‪ ،‬فاإلنسان اليوم مفتون بإمكانية شراء المزيد من األشياء الجديدة واألفضل‪ ،‬فقد أصبح فعل الشراء‬

‫‪ - 18‬التقنوعلموية ‪ :‬هي إيمان العلم بنفسه‪ ،‬أي لم يعد باستطاعتنا اعتبار العلم أحد األشكال المعرفية الممكنة‪ ،‬بل علينا على العكس من ذلك اعتبار العلم‬
‫والمعرفة بوصفهما الشيء نفسه‪ .‬إذن ننعت بالعلموية تلك المحاولة لتبرير حصر المعرفة بالعلم‪ ،‬كما أن النظرية العلمـوية تنظر إلى قدرة العـلم على حل جميع‬
‫إشكـاالت العصر المطروحة‪ .‬يورغن هابرماس‪ :‬المعرفة والمصلحة‪ ،‬ترجمة حسن صقر‪ ،‬منشورات الجمل الطبعة األولى كولونيا‪ -‬ألمانيا ‪ :2001‬ص ‪17‬‬
‫‪ - 19‬حسن مصدق‪ :‬مرجع سابق‪ :‬ص ‪36‬‬

‫‪13‬‬
‫واالستهالك هدفا العقالنيا ألنه غاية في ذاته‪ ،‬فشراء أخر موديالت "السيارات‪ ،‬المالبس‪ ،‬اآلالت ‪ "...‬هو هدف‬
‫كل إنسان‪ ،‬وتكون اللذة الحقيقية الستخدام هذه األشياء‪ ،‬ثانوية بالنسبة للحصول عليها‪.‬‬
‫لقد حقق المجتمع الصناعي وفرة في اإلنتاج‪ ،‬ومن أجل تصريف هذه الوفرة يجب أن توازيها وفرة في‬
‫االستهالك‪ ،‬فمن أجل ترسيخ قيم االستهالك‪ ،‬تعمل الشركات الكبرى من خالل آليات اإلشهار على توحيد األذواق‪،‬‬
‫فوفرة اإلنتاج واالستهالك ـ حسب رواد مدرسة فرانكفورت ـ تخدر المجتمع وتجعله يكتسب مناعة ضد أي تغيير‬
‫نوعي‪ .‬يعتقد الفرد في هذا المجتمع أن له قيمة وأنه حر بمجرد كونه يستطيع االختيار بين أنواع المنتجات الصناعية‬
‫لتلبية حاجاته‪( ،‬إنه حر فقط في اختيار أسياده) حسب ماركيوز‪.20‬‬
‫فالرغبة في االستهالك تجعل اإلنسان لديه رغبة مطلقة منفصلة تماما عن حاجاته الحقيقية‪ ،‬فالمجتمع‬
‫الصناعي يعتقد أنه حر في وقت فراغه‪ ،‬فوقت فراغه هو األخر خاضع للمنظومة الرأسمالية‪ ،‬فاإلنسان اليوم يستهلك‬
‫وقت فراغه في مشاهدة المباريات الرياضية واألفالم السينمائية‪ ...‬بطريقة ال تختلف عن استهالكه للسلع فاإلنسان‬
‫يستمتع بمشاهدة ما هو مفروض عليه أن يراه وأن يسمعه‪.‬‬
‫فرواد النظرية النقدية بعدما شاهدوه من انحطاط للقيم الفردية داخل المجتمع المتقدم‪ ،‬ومن انسحاب لحق الفرد‬
‫في االختالف في النظام الشمولي أوال وفي النظام الرأسمالي ثانيا‪ ،‬حاولوا إعمال العقل إلعادة االعتبار للفرد ولتنشيط‬
‫الفكر النقدي (وانطالقا من هذا عملوا على إعادة قراءة النص "الفرويدي" على ضوء تحوالت المجتمع الصناعي‬
‫متسائلين عن دالالت الرغبة والتصعيد الالشعوري وموقع الجنس في آليات اإلغراء الحديثة وعالقتها بالعملية‬
‫اإلنتاجية وعن المعاني الجديدة التي يتخذها الحب)‪.21‬‬
‫‪ -3‬نقد االيديولوجيا‪:‬‬
‫لقد دأب المنظرون األوائل منذ ظهور المجتمع البرجوازي إلى اإلشارة لأليديولوجيا على أنها "الوعي الزائف"‪،‬‬
‫فقد خلص "أدورنوا" إلى أن ظهور مفهوم االيديولوجيا مرتبط بالمجتمع البرجوازي وليس بالمجتمع الصناعي‪ ،‬وتعتبر‬
‫صناعة الثقافة التي ترجع جذورها إلى القرن الثامن عشر مولد لأليديولوجيا‪ ،‬وهي غير منفصلة عن تاريخ المجمع‬
‫البرجوازي‪.22‬‬
‫يعتبر علم االجتماع المعاصر االيديولوجيا كأساس "لسوسيولوجيا المعرفة" أي كوصف للتكوين الثقافي‬
‫وتمثالت فئات المجتمع المختلفة‪ ،‬إضافة إلى عالقتها بالوضع االجتماعي‪ ،‬فعلم اجتماع المعرفة ينظر إلى معنى‬
‫الحياة اإلنسانية من منظور الثقافة أو "القيم" السائدة فيه‪.‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬يرى أدورنوا أن علم االجتماع يجب أن يهتم باأليديولوجيا عن طريق أبحاثه في التواصل‪،‬‬
‫ووضعه إلى جنب المنتجين والمستهلكين لصناعة الثقافة الموضوعة بهدف إنتاج معارف محدودة وعقل محدود‪،‬‬
‫غير أن علم االجتماع إذا أراد أن يصبح ناقدا لاليديولوجيا‪ ،‬يجب عليه أن يحلل وسائط االتصال العامة ويدرس‬

‫‪ - 20‬هربرت ماركيوز‪ :‬اإلنسان ذو البعد الواحد‪ ،‬ترجمة جور طرابيشي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار اآلداب بيروت ‪ :1988‬ص ‪37‬‬
‫‪ - 21‬محمد نور الين أفاية‪ :‬مرجع سابق‪ :‬ص ‪38‬‬
‫‪ - 22‬حسن مصدق‪ :‬مرجع السابق‪ :‬ص ‪50‬‬

‫‪14‬‬
‫"سيناريوهاتها" التي تعرف بثقافة الجماهير‪ ،‬والتي تصب بعناية بالغة في تبرير ما هو موجود والسيطرة المحكمة‬
‫على الذوق والنقد على حد سواء‪.23‬‬
‫وعلى العموم تعلن تلك االيديولوجيا أن ليس هناك ما هو أحسن مما كائن وال داعي للبحث عما ينبغي أن‬
‫يكون‪ ،‬فالواقع ما هو كائن (وهذه الثقافة دعاية ليس إال‪ ،‬وما تنفك أن تتحول رويدا رويدا إلى إرهاب‪ ،‬عندما تعمل‬
‫على إقرار الوضع القائم كأمر ال مناص أو بديل عنه‪.‬‬
‫لم تكن نشأة النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت وليدة الصدفة‪ ،‬بل جاءت نتيجة ظروف العصر والمشاكل‬
‫التي ي تخبط فيها‪ ،‬فمن أجل صياغة نظرية نقدية تساير متطلبات العصر لم يتم الرجوع إلى فكر فيلسوف أو عالم‬
‫اجتماع واحد‪ ،‬ولم يساير رواد النظرية النقدية التقاليد التي كانت موجودة في تلك الفترة باالعتماد على منهج واحد‬
‫أو إتباع طريق مفكر أحادي التوجه‪ ،‬بل قام الرواد األوائل بالمزاوجة بين الكثير من العلوم االجتماعية‪ ،‬واالنطالق‬
‫من مفكرين مختلفين وفي بعض األحيان متعارضين في أطروحاتهم مثل المزاوجة بين فكر ماركس وماكس‪...‬‬
‫إن المتتبع للنظرية النقدية سيجد أنها عرفت مرحلتين أساسيتين‪ ،‬مع جيلين مختلفين في الطرح والتصور في‬
‫الكثير من القضايا‪ ،‬لكن في الجانب المنهجي التحليلي فسنجد أنها تسير في نفس الخط النقدي الذي ُنهج منذ أن‬
‫تأسست كمعهد للبحوث االجتماعية‪ .‬إال أن االختالف الجوهري بين الجيل األول والثاني نجده في التعاطي مع‬
‫الموضوعات المعاصرة خاصة فيما يتعلق باإلشكالية الكبرى المرتبطة بالمجتمع من قبيل االستالب والهيمنة‪ ،‬التي‬
‫هي سمة العصر الحالي‪ ،‬والتي برزت بقوة بعد تزايد التقدم العلمي والتكنولوجي‪.‬‬

‫‪ - 23‬المرجع نفسه‪ :‬ص ‪52‬‬

‫‪15‬‬
‫الفهرس‪:‬‬

‫مقدمة‪1 ........................................................................................................................ :‬‬

‫المبحث الول‪ :‬الماركسية الغربية‪ :‬نشأتها وتطورها واتجاهاتها الفكرية‪1 ........................................... :‬‬

‫المطلب الول‪ :‬نشأة الماركسية الغربية وتطورها‪1 ...................................................................... :‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الماركسية الغر بية واتجاهاتها الفكرية ‪ -‬لوكاش نموذجا ‪2 .................................... :-‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت ‪6 ....................................................................‬‬

‫المطلب الول‪ :‬السياق التاريخي لنشأة مدرسة فرانكفورت وأهم روادها‪6 ........................................... :‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أسسها الجوهرية ومنطلقاتها الفكرية‪8 ................................................................ :‬‬

‫‪16‬‬
‫المراجع المعتمدة‪:‬‬

‫‪ -‬ابراهيم الحيدري (‪" .)24-08-2000‬مدرسة فرانكفورت‪ ..‬تأسيس نظرية نقدية للمجتمع"‪ .‬جريدة الشرق‬
‫األوسط‪.‬‬
‫‪ -‬توم بوتومور‪ :‬مدرسة فرانكفورت‪ ،‬ترجمة سعد هجرس‪ ،‬دار أويا‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ليبيا‪1998 ،‬‬
‫‪ -‬حسن مصدق‪ :‬يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪2005‬‬
‫‪ -‬عالء طاهر‪ :‬مدرسة فرانكفورت من هوركهايمر إلى هابرماز‪ ،‬منشورات اإلنماء القومي‪ ،‬بيروت الطبعة األولى‬
‫بدون تاريخ‬
‫‪ -‬محمد نور الدين أفاية‪ :‬الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة نموذج هابرماس‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية المغرب ‪1998‬‬
‫‪ -‬محمد األشهب‪ :‬الفلسفة والسياسة عند هابرماس‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب ‪2006‬‬
‫‪ -‬يورغن هابرماس‪ :‬المعرفة والمصلحة‪ ،‬ترجمة حسن صقر‪ ،‬منشورات الجمل الطبعة األولى كولونيا‪ -‬ألمانيا‬
‫‪2001‬‬
‫‪ -‬هربرت ماركيوز‪ :‬العقل والثورة هيغل ونشأة النظرية االجتماعية‪ ،‬ترجمة فؤاد زكرياء‪ ،‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للتأليف والنشر‪1970 ،‬‬
‫‪ -‬هربرت ماركيوز‪ :‬اإلنسان ذو البعد الواحد‪ ،‬ترجمة جور طرابيشي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار اآلداب بيروت ‪1988‬‬
‫‪-PAUL LARANT ASSOUN: L’ECOLE DE FRANCFORT; 2 EDITION: 1990. PARIS‬‬
‫‪-‬‬
‫‪https://www.marefa.org/%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9_%D9%81%‬‬
‫‪D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%83%D9%81%D9%88%D8%B1%D8%AA#cite_note‬‬
‫‪-Haidari-2‬‬
‫‪- http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=424370‬‬

‫‪17‬‬

You might also like