Professional Documents
Culture Documents
28
28
مقدمة3......................................................................................................................:
خاتمة11......................................................................................................................
2
:مقدمة
الكتاب الذي بين أيدينا هو عبارة عن تحقيق قام به فولفهارتهاينريشسلكتاب "علم الجدل في علم
الجدل" لنجم الدين الطوفي الحنبلي ،و هو يعتبر من الكتب القليلة التي طبعت في ميدان الجدل ،و تكمن
أهميتهالكبرى في كونه يهدف إلى استئناف البحث في مقاالت الدين و علومه على أساس الق88رآن ،حيث أن
القسم الرئيسي من هذا الكت88اب و ه88و الب88اب الخ88امس يش88تمل على إثب88ات جمي88ع المن88اظرات الموج88ودة في
القرآن و شرحها بالمصطلحات الجدلية ،و معنى ذلك -على ما يظهر -هو االس88تدالل من المث88ال الق88رآني
على جواز الجدل و تحليله.
بخصوص هذا العرض فهو يشمل م8ا ج8اء في الب8اب الث8اني و الب8اب الث8الث من ه8ذا الكت8اب .و
عليهسنقتصر على التطرق آلداب و أركان الجدل ،حيث تم تخصيص المحور األول للتعريف بالج88دل ،في
حين أن المحور الثاني تم تخصيصه للح88ديث عن آداب الج88دل و أخ88يرا خِّص ص المح88ور الث88الث لع88رض
أركان الجدل.
يمكن اشتقاق الجْد ل بسكون الدال و هو الشُّد /و اإلحكام يقال جدلت الحبل أجدله جدال كتص88ريف
فتلته أفتله فتال إذا فتلته فتال شديدا محكما ،و منه جارية مجدولة الخلق أي محكمة البني88ة و األج88دل الص88قر
الشتداد خلقته و قوته في نفسه ،و ال شك أن في الجدل معنى الش88د و اإلحك88ام ألن كال من الخص88مين يش88تد
على خصمه و يضايقه بالحجة التي اجتهد في إحكامها.
و يمكن اشتقاقه من الجدال88ة – بفتح الجيم – و هي األرض ،ك88أن ك88ل واح88د من المتج88ادلين يقص88د
غلبة صاحبه و صرعه في مقام النطق كما يجّد ل الف88ارس قرن88ه أي يرمي88ه بالجدال88ة ،يق88ال طعن88ه فجّد ل88ه و
انجدل هو إذا سقط.
و يمكن اش88تقاقه من الج88دال –بفتح الجيم – من غ88ير ح88اء و ه88و البلح إذا اخض88ر و اس88تدار قب88ل
اشتداده بلغة أهل نجد ،كأن كل واحد من المتجادلين يقصد االس88تعالء و االرتف88اع على ص88احبه في الحج88ة
حتى يكون منه موضع الجدال و هو البلح من النخلة.
3
و يمكن اشتقاقه من الِم جَدل و هو القصر و جمعه مجادل ألن كل واحد من المتجادلين يتحصن من
صاحبه بالحجة تحصن صاحب القصر به.
و يمكن اشتقاقه من الجدول و هو النهر الصغير لتفتل الماء فيه ،فكأن كل واح8د منهم8ا يقص8د فت8ل
صاحبه عن رأيه فتل الماء في النهر.
و يمكن اشتقاقه من األجدل و هو الصقر ،كأن كل واحد منهما يسطو بالحجة على ص88احبه س88طوة
األجدل على الطير و يشتد عليه اشتداده عليها.
و كخالصة لكل ما سبق ،يمكننا القول بأنه و كأن مادة (ج د ل) ترجع في جميع تصاريفها إلى
معنى القوة و االمتناع و الشد و اإلحكام ،فيكون الجدل مشتقا من هذا المعنى الجامع الكلي و من كل
واحد من جزئياته باعتبار ما يشتركان فيه من ذلك المعنى.
قال الجوهري :يقال جادله أي خاصمه مجادلة .و جداال و االسم الجدل و هو شدة الخصومة.
أما رسم الج88دل في االص88طالح فقي88ل :ه88و ق88انون ص88ناعي يع88رف أح88وال المب88احث من الخط88أ و
الصواب على وجه يدفع عن نفس الناظر و المناظرالشك و االرتياب.
و هنا تجدر اإلشارة إلى أن الجدل ال يقتصر على رد الخصم إلى رأي خصمه المناظر له ،بل إن88ه
رد الخصم عن رأيه إلى غيره بالحجة ألن الخصم قد يناظر عن مذهب غيره إعان88ة ل88ذلك الغ88ير ك88الحنبلي
ينصر مذهب بعض الطوائف الثالثة و قد يكون مقصوده إفساد مذهب الخصم ال تص88حيح مذهب88ه ه88و ،فال
جرم يرجح أي مذهب كان و يقابل به مذهب خصمه و به يحصل المقصود.
و حكى اإلمام عن الغزالي أنه قال :الجدل منازعة بين متفاوضين لتحقيق الح88ق و إبط88ال الباط88ل.
قال :الجدل ملكة صناعية يتمكن بها ص88احبها من ت88ركيب الحج88ة من مق88دمات مش88هورة أو مس88لمة إلنت88اج
نتيجة ظنية.
و هو ما ينبغي للخصمين أن يس88تعماله في مناظرتهم88ا و من88ه م88ا يش88تركان في88ه جميع88ا و من88ه م88ا
يختص بكل واحد منهما.
أما األول و هو ما يشتركان فيه فيلزم ك88ل واح88د منهم88ا قصُ88د إظه88ار الح88ق في مناظرت88ه ال قص88د
إظهار فضيلته ،و أن ال يبالي قامت الحجة له أو عليه ،كما نقل الشافعي رضي هللا عنه أنه قال :ما ناظرت
4
أحدا فباليت مع من كانت الحجة إن كانت معه اتبعته .و ليلن كل منهما لخص88مه الكالم و ال يغل88ظ علي88ه ،و
ليتلق ما يصدر عنه بقبول و لطف و تحسين ،مثل أن يقول :ما ذكرته حس88ن مّتج88ه ،لكن ي88رد علي88ه ك88ذا أو
يعارضه كذا .و ليتناوبا الكالم مناوب8ة ال مناهب8ة بحيث ينص8ت المع8ترض للمس8تدل ح8تى يف8رغ و تقري8ره
للدليل ثم المستدل للمعترض حتى يقرر اعتراضه ،و ال يقطع أحد منهما على اآلخر كالم88ه في إثبات88ه و إن
فهم مقصوده من بعضه .و بعض الناس يفعل ه88ذا تنبيه88ا للحاض88رين على فطنت88ه و ذكائ88ه و ليس في ذل88ك
فض88يلة ،إذ المع88اني بعض88ها مرتب88ط ببعض و بعض88ها دلي88ل على بعض و ليس /ذل88ك علم غيب أو زج88را
صادقا أو استخراج ضمير حتى يفتخر به.
و ليقبل كل واحد منهما من /صاحبه الحجة فإنه أنبل لقدره و أعون على إدراك
الحق و سلوك سبيل الصدق .قال الشافعي رضي هللا عنه :م88ا ن88اظرت أح88دا فقب88ل م88ني الحج88ة إال
عظم في عيني ،و ال ردها علي إال سقط في عيني.
و ليلزم كل واح8د منهم8ا مقالت8ه و ال ينكره8ا خ8وف االنقط8اع ف8إن االنقط8اع خ8ير من المك8ابرة و
الكذب.
و ال يناظر أحدهما اآلخر في علم ال يفهمه أو ه88و في88ه ض88عيف إذ المتع88رض ل88ذلك مهين لنفس88ه و
الداعي إليه مع علمه بقصور خصمه جائر عليه ،و قد اجتمع موسى بالخضر فسلم كل منهما لآلخر حاله و
اعترف له بما خصه هللا عز و جل به من علم.
و إن أفحم أحدهما فليسكت اآلخر و ال يضحك منه فيزيده خجال إذ في انقطاع88ه ُغ ني88ة عن تخجيل88ه
كما قال القائل:
و ال يورد أحدهما على اآلخر شبهة يعلم أنها ال ت88رد علي88ه أو ال تلزم88ه ألن الزم88ان أقص88ر من أن
يضيع في األغلوطات و التغليطات و في تحقيق الحق ما يستغرق الوقت.
و ليجتنبا في مناظرتهما األلفاظ العامية السخيفة كقوله في المن88ع "ال" و يطوله88ا أو في قلب ال88دليل
أو فساد الوضع "ذا عليك" كما يستعمله بعض أخشان الزم88ان ،أو يجعالن بحثهم88ا مث88ل لغ88و اليمين فيق88ول
هذا" :ال و هللا" و هذا" :بلى و هللا" و ليق88ل ع88وض "ذا علي88ك" :ه88ذا ال88دليل ينعكس أو ينقلب أو ه88و فاس88د
الوضع و هو الذي يقتضي خالف ما استدل به عليه ،و عوض "ال المطولة" :لم قلت ،أو :ال نسلم.
5
و إن عَر ض أحدهما بصاحبه من جهة /البالدة أو قلة العلم و نحوه مم88ا يص88عب على العلم88اء،
كقوله في أثناء المناظرة :هذا شيء إنما يفهمه الفض88الء و ي88درك معن88اه األذكي88اء ،أو :ه88ذا نق88ل يعرف88ه من
وقف على المقاالت و اطلع على الكتب المطوالت و أشباه ذلك ،فليرض نفس88ه على مس88امحته و اإلغض88اء
عنه حتى إن أمكنه أن يوهمه أنه لم يفهم ذلك عنه أو لم يلق له باال فليفعل فهو أصون لهما جميعا و أح88رى
أن ال يكون بينهما شر كما قال القائل:
و ال شك أنه بإغضائه عن صاحبه يحمل عنه خطر شر عساه يق88ع بينهم88ا .ف88إن لم تجب88ه نفس88ه إلى
التغاضي بالكلية فليتسامح له المرتين أو الثالث ،ثم ليعاتبه و ليعضه عتابا و ليعضه وعضا مث88ل أن يق88ول:
اتق هللا و ال تعرض بي و صن نفسك عن سماع الجواب.
و ليجتنبا الكالم في المناظرة في كل وقت ُيمنع فيه الحاكم من الحكم لمظنة المخاطرة.
أما المختصة فينبغي للمستدل أن يشرع في تقرير الحجة عقيب الدعوى من غ8ير فص88ل ،مثال أن
يقول :بيع الفضولي موقوفا على اإلجازة صحيح ،ألنه تصرف خال عن مفس88دة .و ك88ل تص88رف خ88ال عن
مفسدة فهو صحيح ،و يقرر مقدمات الدليل بما ينبغي .و إن ذكر ال88دعوى ثم أنظ88ر الس88ائل أن يق88ول ل88ه :لم
قلت ،فال بأس و الخطب في هذا يسير ،فليتبع فيه اصطالح البلد أو قرائن األحوال ،إذ ق88د ت8دل قرين8ة ح8ال
السائل على استدعائه الدليل بغير سؤال عنه ،إذ تصديه لالعتراض استدعاء للدليل.
فإن أّخ ر المستدل الدليل عن ذكر الدعوى أو عن قول السائل " :لم قلت" فإن كان التأخير يسيرا لم
يؤثر إذ قد يؤثر المستدل التروي زمنا يسيرا في إعادة النظر في دليله أو نظم عبارته قصدا لبيان معناها و
إيضاح المقصود بها و غير ذلك فال يشاح في ذلك ،و إن طال الفصل طوال خارجا عن العادة بحيث يش88عر
بتعذر الدليل عليه فهل يكون منقطعا؟ هو محل تردد و نظر ،فيحتمل أن يعّد منقطعا لتقصيره عن نصرة ما
تصدى لنصرته كالمحارب يقف في ناحية المي88دان كاف88ا عن الض88رب و الطع88ان م88ع اس88تدعاء األق88ران ،و
6
يحتم8ل أن ال يع8د منقطع8ا كالس8اكت عن ج8واب ال8دعوى في مجلس الحكم ال يجع8ل ن8اكال ح8تى يق8ول ل8ه
الحاكم :إن أجبت و إال جعلتك ناكال و قضيت عليك ،فيقال لهذا كذلك :إن ذكرت دليل دعواك و إال جعلت88ك
منقطعا .و يحتمل أن يفَّص ل فيقال :إن تقدم المناظرة ترٍّو و إرهاص به88ا و ت88أهب له88ا ب88زمن يتس88ع لتقري88ر
ال88دليل عَّ8د منقطع88ا بالس88كوت عن88ه ،و إن وقعت بغت88ة لم يعّ8د منقطع88ا إذ ليس في ق88وة ك88ل واح88د المباده88ة
بالحجة ،كما ليس في قوة كل شاعر ارتجال الشعر بديهة ،و ال يعد بالتروي في نظمه عيّي ًا .و ق88د س88بق أن
نسبة الجدل إلى المطلق األصول نسبة النظم إلى النثر.
و أما المعترض فينبغي أن يشرع في االع88تراض على ال88دليل /عقيب ف88راغ المس88تدل من تقري88ره،
فإن أخره عن ذلك فحكمه نحٌو من حكم تأخير المستدل ذكر الدليل عن الدعوى.
إن ركن الشيء يستعمل تارة في جزئه الداخل في حقيقته ك88الركوع و الس88جود من الص88الة و ت88ارة
يستعمل فيما يوقف تحقق ذلك الشيء عليه و هو أعم من األول.
فأركان الجدل باالعتبار األول هي السؤال و الجواب و االستدالل و االعتراضات ووج88ه التخلص
منها ،كذا زعم بعضهم ،و فيه ت88داخل إذ االس88تدالل ي88دخل في الج88واب و االع88تراض إذا ك88ان بالمعارض88ة
حيث ينقلب المعترض مستدال و المستدل معترضا ،إذ ج88واب المس88تدل و معارض88ة الس88ائل إنم88ا يتق88رران
باالستدالل و االستدالل هناك خارج عنهما.
و أركانه باالعتبار الثاني :الدال و الدليل و المستِد ّل و المستَد ّل عليه و المستَد ّل له.
فالّد ال يطلق باألصالة على هللا عز و جل ألن88ه األص88ل في نص88ب األدل88ة العقلي88ة و الس88معية و م88ا
ترَّك ب منهما ،و يطلق بطريقة الفرعية عليه على الرسول المبين المحق88ق ألدل88ة هللا ع88ز و ج88ل و على ك88ل
من ذكر دليال ليدل به على أمر.
و الدليل هو المعنى المرشد إلى المطلوب و هو فعيل بمع88نى فاع88ل أي دال و فاعليت88ه مج88از إذ
هو بالحقيقة مدلول به ال دال إذ الدال بالحقيقة هو الشارع.
و رسم الدليل اصطالحا بما ُتوِّص ل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري علم88ا أو ظن88ا ،و قي88ل:
ماُتوِّص ل به لذلك إلى علم ،و هو قول من فرق بين الدليل و األمارة – بفتح الهمزة – ما أوصل إلى ظن.
7
و المستدل هو ذاكر الدليل يطلب ب88ه الوص88ول إلى مطلوب88ه ،و ق88د يس88تعمل المس88تدل في ط88الب
الداللة من المتصدي لالستدالل .فإذن يطلق المستدل على كل من الخصمين .و هو من باب االستفعال وهو
طلب الفعل كما يقال :استعطى و استعفى ،إذا طلب العط88اء و العف88و .ف88ذاكر ال88دليل يطلب ب88ه االهت88داء إلى
الحكم أو قطع الخصم ،و المعترض يطلب دليل الحكم من المس88تدل ،و المش88هور الظ88اهر في المس88تدل أن88ه
ذاكر الدليل.
و المستدل له – بفتحها أيض88ا – يص88ح إطالق88ه على الس88ائل المع88ترض ألن االس88تدالل إلظه88ار
الحكم له إن كان مسترشدا أو إلفحامه إن كان معاندا ،و يصح إطالقه على علة االس88تدالل ال88تي هي مب88دؤه
كالمنازعة في أصح الرأيين فيقطع النزاع باالستدالل ،أو التي هي غايته كإظهار الحق ليعمل به البط88ال و
يهتدي إليه الضال.
و ثم عبارة أخرى يذكرها غ88ير واح88د من األص88وليين و الج88دليين و هي ق88ولهم :أص88ول الش88رع
أربعة :دال و دليل و مبّين و مستدل ،فالدال هو هللا عز و جل و الدليل هو الق88رآن و الم88بّين الرس88ول علي88ه
السالم لقوله سبحانه و تعالى " :و أنزلنا إليك الذكر لت88بين للن88اس م88ا ن88زل إليهم" و المس88تدل هم أه88ل العلم
الذين أجمع المسلمون على هدايتهم و درايتهم.
و حيث قد ذكرنا أركان الجدل و منها المستدل و االستدالل فلن8ذكر م8ا يتعل8ق ب8ذلك من الفSSرض و
البناء:
معنى الفرض :أن ُيسأل المستدل عاّم ا فيجيب خاّصا مث88ل أن تك88ون المس88ألة ذات ص88ور فيس88أل
السائل عنها سؤاال يقتضي الجواب عن جميع صورها ،فيجيب المستدل عن صورة أو ص88ورتين منه88ا ألن
الفرض هو القطع و التقدير ،و كأن المستدل اقتطع تلك الصورة عن أخواتها فأجاب عنها.
و لذلك أمثلة ،منها أن يقول السائل :ما تقول في البيع الفاسد هل ينعقد أم ال؟ فيق88ول المس88تدل :ال
ينعقد بيع درهم بدرهمين لورود النهي عنه ،فإن بيع الدرهم بدرهمين صورة من صور البيع الفاسد ،إذ من
صورة البيع الفاسد البيع بثمن محرم كالخمر و الميتة و الخنزير ،أو بثمن مجهول أو إلى أجل مجه88ول ،أو
بشرط فاسد أو غير ذلك ،و في أي صورة من هذه الصور أجاب على الخصوص كان فارض88ا .و منه88ا أن
يقول السائل :ما تقول في المرأة ،هل يصح منها مباشرة عقد النكاح أم ال؟ فقال :ال يصح منها االستقالل به
أو يصح فيما إذا وكلت فيه دون غيره ،أو يصح بإذن الولي أو يصح فيما إذا نظر الولي في مص88لحة العق88د
و لم تبق إال مباشرته فكل هذه صور لمباشرة المرأة عقد النكاح ،فأيها خص بالجواب كان فارض88ا .و منه88ا
8
أن يقول السائل :ما تقول في السارق إذا ملك المال المسروق بعد الحكم بالقطع و قبل اس88تيفائه ،ه88ل يس88قط
عنه القطع أم ال؟ فقال إن ملكه بالشراء ال يسقط ،أو :عن ملكه ب88اإلرث أو بالهب88ة أو بالوص88ية يس88قط أو ال
يسقط ،ألن هذه كلها صور للملك ففي أيها فرض الجواب كان فارضا ،و أمثلته كثيرة.
و الفرض ضربان فرض في الفتوى كما ذكرنا أمثلته ،و فرض في الدليل مثل أن يفتى عاما ثم
يدل خاصا ،مثل أن يقول :ال ينعقد البيع الفاسد ألن النبي عليه السالم نهى عن بيع درهم بدرهمين ،أو قال:
ليس للمرأة مباشرة عقد النكاح لقوله عليه السالم :أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ،أو
قال :ألنها قاصرة النظر ،فإن الحديث إنما يدل على عدم جواز مباشرتها للعقد بدون إذن وليه88ا .و مفهوم88ه
جوازه بإذنه ،و هو من صور السؤال ،و التعليل بالقصور غير مت88أت فيم88ا إذا نظ88ر ال88ولي ثم باش88رت هي
ألن مفسدة القصور مأمونة حينئذ .أو قال :إذا ملك السارق المال المسروق ال يقطع ألن8ه ملك8ه قه8را فق8وي
على دفع القطع ،فإن هذا إنما يصح فيما إذا ملكه ب88اإلرث دون بقي88ة الص88ور ،و ه88ذا على جه88ة المث88ال .أو
سئل :هل يفسخ النكاح بالعيوب الخمسة؟ فقال :يفسخ بالبرص و الج88ذام ،فه88ذا ف88رض في الفت88وى ،أو ق88ال:
نعم يفسخ بالعيوب الخمسة ألن النبي عليه السالم تزوج امرأة فوجد بكشحها بياضا فقال لها :الحقي بأهلك،
فهذا فرض في الدليل ألنه أفتى عاما و دل خاصا.
و إذا عرف الفرض في الفتوى و الدليل بأمثلته و صوره فقد ذهب األس88تاذ أب88و بك88ر ابن ف88ورك
إلى أنه ال يجوز ،ألن حق الجواب أن يطابق السؤال و حق الدليل أن يطابق المدلول و الخاص من ذل88ك ال
يطابق العام فال يجوز.
و ذهب من عداه من الجدليين إلى خالفه في ذلك و جواز الفرض ألن المسؤول قد ال يجد دليال
إال على بعض صور السؤال ،فيدور األمر بين أن يكلف تعميم الجواب فيما عدا تلك الصورة فيك88ون مفتي88ا
بغير علم و هو حرام .و بين أن يسكت عن الجواب بالكلية فيكون كاتما للعلم في الصورة التي عرف دليلها
و هو حرام أيضا و منع له فائدة يستفيد بها السائل .و م88ا ال ي88درك بكليت88ه ،ال ي88ترك بكليت88ه ،و بعض الش88ر
أه88ون من بعض ،و بين أن يجيب فيم88ا ظه88ر ل88ه دليل88ه دون غ88يره و ذل88ك متض88من لمص88لحة محض88ة ال
تعارضها مفسدة فيكون متعّينا .أما مصلحته فحص88ول الفائ88دة بج88واب الص88ورة ال88تي ع88رف دليله88ا ،و أّك ا
انتفاء المفسدة فألن السائل عن جميع الصور س88ائل عن بعض88ها .ف88الجواب بالنس88بة إلى ذل88ك البعض ال88ذي
عرف دليله مطابق .فقول :حق الجواب أن يكون مطابقا للسؤال ،جوابه :إن عنيت المطابقة بالنسبة إلى كل
صورة على حدتها فهذا حاصل في صورة الفرض ،فقد استوفى الجواب حقه .و إن عنيت المطابقة بالنسبة
إلى مجموع صور السؤال فإن شرطت في ذلك العلم بدليل جميع الصور فمسّ8لم لكن الف88رض ه88ا هن88ا ليس
فيه .و إن لم تشرط ذلك بل أوجبت تعميم الجواب حتى مع عدم العلم بدليل جميع صوره فه88و ممن88وع ألن88ه
إلزام القول بغير علم و هو حرام لقوله عز و جل " :و أن تقولوا على هللا ما ال تعلمون".
9
و أما الفائدة الثانية للفرض فألن المسؤول قد يرد على جوابه العام إشكال ال يندفع فيتخلص من88ه
بالفرض /الخاص ،مثل أن يسأل عن جواز مباشرة المرأة عقد النك88اح فيق88ول :ال يج88وز له88ا االس88تقالل ب88ه
لقصورها ،فإن هذا يتمشى له ،و لو أجاب عاما و علل بالقصور لم يتمش88ن ل88ه في جمي88ع الص88ور ،ألن من
جملة صور السؤال أن ينظر ال88ولي في مص88لحة النك88اح و يق88رر مقدمات88ه ح88تى ال يبقى إال التلف88ظ بص88يغة
اإليجاب فتوجب المرأة .و ها هنا القصور مأمون الغائلة فال يصلح بمجرده أن يكون مانعا فيبطل ب88ه دلي88ل
المستدل ،فِبعدوله إلى نفي خصوص االستقالل تخلص عن هذا اإلشكال.
و غاية ما يلزم من الفرض أن السائل لم يكمل فائدته بكمال الجواب عما سأل عنه ،لكن هذا مم8ا
ال يصلح أن يكون مانعا للفرض مع ما فيه من فائدتيه العظيمتين المذكورتين ،و ذل88ك ألن س88ؤال الس88ائل و
إن كان واحدا في اللفظ و الصورة فهو متعدد بتعدد الصور في المعنى و الحقيقة ،ف88إذا ك88ان للمس88ألة خمس
صور مثال كان السؤال في تقدير خمسة أسئلة ،و ال يلزم المسؤول أن يجيب عن ك88ل س88ؤال بش88رطه .كم88ا
أن الحاكم إذا اُدعي عنده في مجلس واحد عدة دعاوى بكالم واح88د أو بجم88ل من الكالم لم يلزم88ه الحكم في
كل واحدة منها إال بشروطها.
أما البناء فمعناه أن المسؤول إذا أجاب في صورة الفرض فهل يلزمه أن يبني غيرها من صور
السؤال عليها ،إما بأن يقرر عين دليلها في بقية الصور أو يجمع بين بقية الصور و بينها بمعنى جامع على
قاعدة القياس ،مثل أن يسأل عن فسخ النك8اح ب8العيوب ،فيف8رض الكالم في ال8برص و ي8دل علي8ه بالح8ديث
الم88ذكور ثم يب88ني الفس88خ ببقي88ة العي88وب علي88ه ب88أن يق88ول :عيب مفّ88وت لمقص88ود العاق88د فيثبت ب88ه الفس88خ
كالبرص ،و يقول في المال المسروق إذا ملك البيع أو اإلرثَ :م َلَك ه بعد الحكم بالقطع فلم يسقط ب88ه كم88ا ل88و
ملكه بالهبة ،و يثبت الحكم في األصل بحديث صفوان.
و إذا عرف البناء و مثاله فمن القائلين بالفرض من أوجبه على المسؤول توفية بعموم ما اقتض88اه
السؤال ،أو بعموم ما ألزمه هو من الفتوى فيما إذا ك88ان فرض88ه في ال88دليل .و منهم من لم يوجب88ه ل88وجهين:
أحدهما أنه يضيع فائدتي الفرض المذكورتين ألنا إذا ألزمناه الجواب في بقية صور الس88ؤال م88ع أن88ه ق88د ال
نجد دليال إال في بعضها فقد ألزمناه القول بغير علم أو كلفناه ما ال يطاق و هو الجمع بين الج88واب في تل88ك
الصور و عدمه .الوجه الثاني أن ذلك تناقض ممن أوجب البناء ألن تجويزه للفرض تقري88ر من88ه للمس88ؤول
على االقتصار في الجواب على بعض صور السؤال و إيجاب البناء عليه رجوع عن ذلك التقري88ر .و منهم
10
من فَص ل فقال :إن كان الفرض في بعض صور السؤال كم88ا س88بق في األمثل88ة ،و كم88ا إذا س88ئل عن إزال88ة
النجاسة بما سوى المائعات ففرض الجواب في بعضها كالخل و نحوه ،لم يلزمه البناء.
و إن كان في غير محل السؤال مثل إن سئل :هل يقتل المس88لم بال88ذِم َي ؟ فق88ال :ال يقت88ل بالمعاه88د،
لزمه البناء ،و الفرق أنه في األول أجاب عن محل السؤال في الجملة ،و في الثاني لم يجب عنه أصال فه88و
كما قيل :سألته عن أبيه فقال :خالي شعيب .و نظير هذا من الفرق :المسافر المفطر القاصر للصالة يقضي
الصوم ألنه لم يأت منه بشيء و ال يقضي الصالة ألنه أتى ببعضها و لم يخل بأصلها.
خاتمة
11