The Principle of Separation of Authorities in The Constitutional Systems

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 8

‫**‬

‫مبدأ الفصل بني السلطات يف النظم الدستورية‬


‫‪The principle of separation of authorities‬‬
‫‪in the constitutional systems‬‬

‫وتقسيم‪:‬‬ ‫متهيد‬
‫استأثرت العالقة بني السلطات العامة يف الدولة ابهتمامات الفقه السياسي والدستوري منذ القدم نظرا ملا‬
‫هلذه العالقة من آاثر بعيدة املدى على مستقبل احلرية واجملتمع‪ ،‬وهبذا ظهرت نظرية الفصل بني السلطات‪ ،‬واليت‬
‫تدعو إىل كفالة قدر مناسب من االستقالل لكل سلطة من السلطات الثالث‪ ،‬وذلك حىت تتمكن من مباشرة‬
‫االختصاصات املمنوحة هلا بعيدا عن الوصاية اليت ميكن أن تقع عليها من ابقي السلطتني مبا يف ذلك من تعويق هلا‬
‫وإفقادها لكياهنا وصالحياهتا(‪ .)1‬ويف هذا املبحث سنتناول التطورات التارخيية ملبدأ الفصل بني السلطات‪ ،‬وتوضيح‬
‫مربراته وأهدافه‪ ،‬ومن مث سنتناول ابلتطبيق مبدأ فصل السلطات يف كل من النظام الرائسي والنظام الربملاين‪ ،‬وآلية‬
‫تطبيق مبدأ الفصل يف الواقع الفلسطيين‪.‬‬
‫وعلى هدى ما تقدم سيقسم الباحث هذا املبحث على النحو التايل‪:‬‬
‫املطلب األول ‪ -‬ماهية مبدأ الفصل بني السلطات‪.‬‬
‫املطلب الثاين ‪ -‬النظام الرائسي‪.‬‬
‫املطلب الثالث ‪ -‬النظام الربملاين‪.‬‬
‫الفلسطيين‪.‬‬ ‫املطلب الرابع ‪ -‬النظام السياسي‬

‫يعرب عن وجهة نظر من أع ردها وال متثل وجهة نظر االحتاد الربملاين العريب وال األمانة العامة لالحتاد‪.‬‬
‫إن ما ورد يف هذه الدراسة ر‬
‫*‬

‫* الباحث أسامة فرج أبو إمساعيل‪ ،‬الرقابة املتبادلة بني السلطتني التشريعية والتنفيذية وفقاً للقانون األساسي الفلسطيين (دراسة حتليلية مقارنة)‪ .‬ص‬
‫ص ‪.27 – 19‬‬
‫‪ 1‬أ‪ .‬حاحة عبد العايل‪ ،‬أ‪ .‬يعيش متام آمال‪ ،‬حبث بعنوان "تطبيقات مبدأ الفصل بني السلطات يف ظل دستور ‪ ،"1996‬منشور مبجلة االجتهاد القضائي‪،‬‬
‫العدد الرابع‪ ،‬جامعة حممد خيضر بسكر‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ص‪.254‬‬
‫‪1‬‬
‫ماهية مبدأ الفصل بني السلطات‬
‫‪The nature of the separation of powers principle‬‬

‫تعترب العالقة بني السلطات هي معيار متييز نظام احلكم املتبع عن غريه من أنظمة احلكم األخرى‪ ،‬وهي‬
‫عالقة تقوم على التعاون والتوازن فيما بينهما‪ ،‬وارتبطت مببدأ الفصل بني السلطات‪ .‬ونظرا ألمهية هذا املبدأ‪ ،‬فإننا‬
‫سنتناول التأصيل النظري ملبدأ الفصل بني السلطات ضمن األفرع التالية‪:‬‬

‫الفرع األول ‪ -‬نشأة مبدأ الفصل بني السلطات‪.‬‬


‫السلطات‪.‬‬ ‫الفرع الثاين ‪ -‬مربرات وأهداف مبدأ الفصل بني‬

‫الفرع األول‬
‫نشأة مبدأ الفصل بني السلطات‬
‫مبدأ الفصل بني السلطات ظهر نتيجة ظروف اترخيية تعاقب فيها حكام صاحلون وطاحلون حكموا البالد‬
‫على مر التاريخ‪ ،‬وكان معظمهم يسيئون استخدام السلطة‪ ،‬فكان احلاكم أو امللك أو اإلمرباطور ‪ -‬بغض النظر عن‬
‫تسميته ‪ -‬هو املسؤول عن صنع القرار والقائم على تنفيذه واملشرع والقاضي‪ .‬ومن هنا جاءت فكرة فصل السلطات‬
‫بني هيئات متعددة مستقلة بعضها عن البعض هبدف حتقيق التوازن مما يتيح هلذه اهليئات مراقبة بعضها البعض‪،‬‬
‫وتدارك أي حماولة لالنفراد ابلسلطة أو بسوء استغالل هذه السلطة من قبل فرد أو هيئة‪ ،‬بغية منع الظلم واالستبداد‪،‬‬
‫وصون احلقوق وكفالة احلرايت(‪.)1‬‬
‫أولً ‪ -‬مبدأ الفصل بني السلطات يف الفكر السياسي القدمي‪:‬‬
‫ومن خالل التطور التارخيي ملبدأ الفصل بني السلطات‪ ،‬فإن مضمونه وفلسفته السياسية ترجع جذورها األوىل‬
‫إىل فرتة ما قبل امليالد‪ ،‬وعلى وجه التحديد لعصر الفلسفة اإلغريقية‪ ،‬اليت تتضح من خالل حتليالت‪ ،‬وتصورات‬
‫فالسفتها الذين اندوا عملية بتطبيق هذا املبدأ‪.‬‬

‫‪ 1‬أ‪ .‬حممود أبو صوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬


‫‪2‬‬
‫أ‪ -‬أفالطون (‪ 347 - 427‬ق‪.‬م‪:)1().‬‬
‫رأی أفالطون ‪ -‬منذ العهد القدمي ‪ -‬ضرورة فصل وظائف الدولة‪ ،‬وفصل اهليئات اليت متارسها عن بعضها‪،‬‬
‫على أن تتعاون كلها على الوصول إىل اهلدف الرئيس الدولة‪ ،‬وهو حتقيق النفع العام للشعب‪ ،‬ويف سبيل عدم‬
‫احنراف هيئات احلكم عن اختصاصاهتا وأهدافها‪ ،‬تتقرر هلا يف مواجهة بعضها وسائل للرقابة‪ ،‬يراد هبا منع االحنراف‪،‬‬
‫ووقف كل هيئة عند حدود اختصاصها احملدد هلا(‪.)2‬‬
‫وذهب أفالطون يف كتابه "القوانني" إىل تفضيل نظام حكومة خمتلطة جيمع بني مبدأ احلكمة والسلطة السائد‬
‫يف حكومة األرستقراطية ومبدأ احلرية الذي يسود يف احلكومة الدميقراطية‪ .‬ومن الضماانت اليت رآها أفالطون‬
‫لتحقيق ذلك توزيع وظائف الدولة‪ ،‬وأعماهلا بني هيئات متعددة مع إقامة التوازن والتعاون فيما بينها ملنع استبداد‬
‫إحداها ابحلكم وما يستتبعه من اضطراابت وثورات(‪.)3‬‬
‫ب ‪ -‬أرسطو (‪ 322 - 384‬ق‪.‬م‪:).‬‬
‫ميكن القول أبن املفكر اإلغريقي القدمي الشهري "أرسطو" (‪322 - 384‬ق‪.‬م‪ ).‬كان أول من اكتشف أن‬
‫احلكومة ‪ -‬أي حكومة ‪ -‬إمنا متارس ثالثة اختصاصات متميزة‪ .‬حيث قال إن أهم وظائف احلكومة هي(‪:)4‬‬
‫‪ - 1‬وضع القواعد (التشريعات) املنظمة للجماعة (التشريع)‪.‬‬
‫‪ - 2‬تنفيذ تلك القواعد (التنفيذ)‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفصل يف اخلصومات اخلاصة واجلرائم (القضاء)‪.‬‬
‫والواقع أن دعوة "أرسطو" مل تكن دعوة إىل الفصل بني السلطات‪ ،‬بل كانت دعوة إىل تقسيم وظائف الدولة‬
‫حسب طبيعتها القانونية‪ ،‬غري أنه جيب أال يغرب عن البال أن الفصل بني السلطات ال ميكن أن يتحقق ما مل يكن‬
‫هناك تقسيم لوظائف الدولة‪ ،‬ومن مث فإن دعوة أرسطو ‪ -‬وإن مل تتضمن الدعوة إىل مبدأ الفصل بني السلطات ‪-‬‬
‫إال أهنا مهدت السبيل له‪ ،‬وابلتايل فإهنا تكون قد أسهمت يف نشأته وتكوينه(‪.)5‬‬

‫‪ 1‬راجع يف ذلك كال من‪ :‬د‪ .‬فؤاد العطار‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1973 ،‬ص ‪37‬؛ د‪ .‬حممد كامل ليلة‪ ،‬النظم‬
‫السياسية الدولة واحلكومة"‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ 1971 ،‬ص ‪ 551‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 2‬د‪ .‬حسن مصطفي البحري‪ ،‬الرقابة املتبادلة بني السلطتني التشريعية والتنفيذية كضمان لنفاذ القاعدة الدستورية "دراسة مقارنة"‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية‬
‫احلقوق جامعة عني مشس‪ ،2006 ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ 3‬د‪ .‬حممود عاطف البنا‪ ،‬الوسيط يف النظم السياسية‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1988 ،1‬ص ‪.361‬‬
‫‪ 4‬أ‪.‬د‪ .‬صدقة حيىي فاضل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫‪ 5‬د‪ .‬حسن مصطفى البحري‪ ،‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪3‬‬
‫اثنياً‪ -‬مبدأ الفصل بني السلطات يف الفكر السياسي احلديث‪:‬‬
‫وينسب أصل هذا املبد أ إىل الفلسفة السياسية للقرن الثامن عشر‪ ،‬حيث ظهر يف ذلك الوقت كسالح من‬
‫أسلحة الكفاح ضد احلكومات املطلقة ‪ -‬اليت كانت تعمد إىل تركيز مجيع السلطات بني يديها – وكوسيلة أيضا‬
‫للتخلص من استبداد امللوك وسلطتهم املطلقة(‪.)1‬‬

‫أ‪ -‬أوليفر كرومويل‪:‬‬


‫إن التطور احلديث املبدأ الفصل بني السلطات يرجع يف الواقع إىل املدرسة اإلجنليزية و"التجربة الدميقراطية"‬
‫اإلجنليزية‪ ،‬حيث تطورت امللكية يف إجنلرتا ‪ -‬نتيجة ثورة األساقفة ‪ -‬من امللكية املطلقة إىل ملكية مقيدة تقوم على‬
‫فصل السلطات‪ ،‬ففي القرن السابع عشر صدر يف إجنلرتا دستور کرومويل على أساس مبدأ فصل السلطات‪ ،‬وكان هذا‬
‫أول تطبيق عملي للمبدأ ‪ ،‬فقد أراد أوليفر كرومويل القضاء على االستبداد الذي نشأ عن الربملان الطويل‪ ،‬فعمد إىل‬
‫فصل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية‪ ،‬كما كان حريصا على استقالل القضاء‪ ،‬وعمل كرومويل يف أنظمته‬
‫املختلفة املتوال ية على مراعاة ذلك‪ ،‬على أنه ابنقضاء عهده وعودة امللكية‪ ،‬ألغي الدستور اجلمهوري وعدل عن نظام‬
‫الفصل بني السلطات‪ ،‬فتالشت أعمال هذا الرجل واندثرت حبيث مل يبق هلا أي أثر ال يف إجنلرتا‪ ،‬وال يف البالد‬
‫األجنبية)(‪.)2‬‬
‫ب‪ -‬جون لوك (‪1632‬م ‪1704 -‬م)‪:‬‬
‫وتعود "نظرية" فصل السلطات يف أصوهلا األوىل إىل املفكر اإلنكليزي جون لوك (‪1632‬م ‪1704 -‬م) الذي‬
‫تناوله يف كتابه(‪ ، )3‬ويعترب جون لوك أول من كتب عن نظرية فصل السلطات يف ظل النظام النيايب الذي أتسس يف‬
‫إجنلرتا عقب ثورة (‪1688‬م)‪ ،‬وأتثر "لوك" يف نظريته هذه ابخلالف الذي كان قائما بني امللوك من جانب والربملان‬
‫اإلجنليزي من جانب آخر‪ ،‬فوضع نظريته هبذا الصدد على أساس أن كل نظام صحيح جيب أن حيكمه مبدأ الفصل بني‬
‫السلطات‪ ،‬ووضع لوك آراءه يف كتابه "أطروحتان عن احلكومة"‪ ،‬وذلك يف األطروحة الثانية منه حول احلكومة املدنية‬
‫الذي نشر عام (‪1690‬م)(‪.)4‬‬
‫إال أن النظرية ارتبطت ابسم مونتسكيو (‪1689‬م ‪1755 -‬م) الذي طورها يف كتابه روح الشرائع‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬حسن مصطفى البحري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.36‬‬


‫‪ 2‬راجع يف ذلك كال من‪ :‬د‪ .‬حيىي اجلمل‪ ،‬األنظمة السياسية املعاصرة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪1977 ،‬م‪ ،‬ص ‪111‬؛ د‪ .‬حسن مصطفى البحري‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ 3‬زهري شكر‪ ،‬الوسيط يف القانون الدستوري‪ ،‬القانون الدستوري واملؤسسات السياسية‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫لبنان‪ ،1994 ،‬ص‪.174‬‬
‫‪ 4‬د‪ .‬حسن مصطفى البحري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪43‬؛ راجع‪ :‬د‪ .‬فؤاد العطار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪4‬‬
‫ج ‪ -‬جان جاك رسو‪:‬‬
‫ذهب إىل ضرورة فصل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية الختالف طبيعة كل منهما‪ ،‬وأن الشعب ميارس‬
‫سيادته عن طريق السلطة التشريعية اليت متثل مجوعه ويقتصر دورها على سن القوانني وال جتتمع بصفة دائمة‪ ،‬يف حني‬
‫متارس السلطة التنفيذية اختصاصاهتا يف تنفيذ القوانني وإدارة املرافق العامة حتت إشراف ورقابة الشعب ابعتبارها مندوبة‬
‫عنه واتبعة وخادمة له‪ ،‬فهو ميلك مراقبتها وإقالتها‪ ،‬وإن كان "روسو" قد ميز السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية فإنه‬
‫قد ساوى بينهما يف اخلضوع للسلطة التشريعية‪ ،‬فالقضاة خيضعون للقوانني اليت تضعها السلطة التشريعية‪ ،‬وجيوز التظلم‬
‫من أحكام القضاة إىل الشعب صاحب السيادة الذي له حق العفو عن احملكوم عليهم‪.‬‬
‫وعلى ذلك يرى أن هناك سلطة واحدة هي السلطة التشريعية‪ ،‬ميارسها املواطنون أبنفسهم‪ ،‬وتتالشى السلطتني‬
‫األخريني إذا اجتمع الشعب يف صورة مجعية عمومية(‪.)1‬‬
‫د‪ -‬مونتسكيو(‪1689( )2‬م ‪1755 -‬م)‪:‬‬
‫ارتبط مبدأ الفصل بني السلطات ابسم "مونتسكيو"؛ ألنه استطاع أن يقدمه بصياغة دقيقة ومبعامل واضحة‬
‫ومضبوطة يف مؤلفه الشهري "روح القوانني" يف الفصل السادس من اجلزء احلادي عشر منه‪ ،‬والذي صدر عام‬
‫(‪1748‬م)(‪.)3‬‬
‫وبدوره قسم فيه السلطات إىل ثالث هيئات‪( :‬السلطة التشريعية ‪ -‬السلطة التنفيذية – السلطة القضائية)‪.‬‬
‫وابختصار فإن كل شيء مهدد ابلضياع عند مونتسكيو إذا ما اجتمعت السلطات الثالث يف قبضة شخص‬
‫واحد أو هيئ ة واحدة‪ ،‬حىت ولو كانت قبضة الشعب ذاته‪ ،‬وعرب مونتسكيو عن ذلك بقوله "إن كل شيء سيضيع إذا‬
‫مارس نفس الشخص أو نفس اهليئة ‪ -‬سواء أكانت مكونة من وجهاء البالد ونبالئها أم من الشعب نفسه ‪ -‬هذه‬

‫‪ 1‬د‪ .‬رأفت دسوقي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪..51‬‬


‫‪ 2‬مونتسكيو‪ :‬فيلسوف سياسي فرنسي‪ ،‬ينحدر من أسرة فرنسية نبيلة‪ ،‬ولد يف قرية قرب بوردو عام ‪1689‬م‪ ،‬وتويف يف ابريس عام ‪1755‬م‪ ،‬تلقى تدريبا‬
‫عمليا يف القانون فكان أن أصبح أحد أفراد األسرة القضائية يف بوردو‪ ،‬ويف سنة ‪1716‬م تويف أحد أقاربه‪ ،‬وكان يشغل وظيفة قضائية كبرية خلفه فيها‬
‫مونتسكيو‪ ،‬وظل فيها ملدة عشر سنوات إىل أن استقال منها ليتفرغ لنشاطه املفضل أال وهو الكتابة‪ .‬وله مؤلفات عديدة‪ ،‬أمهها‪ :‬الرسائل الفارسية‬
‫(‪1721‬م)‪ ،‬ونظرات يف أسباب عظمة الرومان‪ ،‬وسقوطهم (‪1734‬م)‪ ،‬ومؤلفه اخلالد روح القوانني (‪1748‬م) الذي كان حمور شهرته ملا أحدثه من آاثر‬
‫بعيدة املدى يف اجملاالت السياسية والعقلية‪ ،‬فالكتاب كما يوحي عنوانه يذهب إىل ما وراء القانون‪ ،‬حيث يؤكد على روح القوانني أكثر مما يؤكد على النص‬
‫ذاته‪ .‬وعموما ميكن وصف هذا املؤلف ‪ -‬الذي استغرق مونتسكيو حوايل عشرين سنة يف كتابته أبنه "موسوعة قانونية"‪ ،‬ملا حيتويه من مواضيع عديدة‪،‬‬
‫ولفقدان وحدة املوضوع فيه؛ راجع يف ذلك كال من‪ :‬د‪ .‬حسن مصطفى البحري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪47‬؛ د‪ .‬عبد الرمحن خليفة‪ ،‬مقاالت سياسية‪ ،‬دار‬
‫املعرفة اجلامعية‪ ،‬بال اتريخ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 186‬وما بعدها؛ د‪.‬إبراهيم دسوقي أابظة ود‪.‬عبد العزيز الغنام‪ ،‬اتريخ الفكر السياسي‪ ،‬دار النجاح‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1973‬م‪ ،‬ص ‪ 226‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 3‬أ‪ .‬حسينة شرون‪ ،‬أ‪ .‬عبد احلليم بن مشري‪ ،‬مبدأ الفصل بني السلطات بني النظامني الربملاين والرائسي‪ ،‬جامعة حممد خيضر بسكرة ‪ -‬منشور مبجلة‬
‫االجتهاد القضائي ‪ -‬العدد الرابع‪ ،‬ص ‪..190‬‬
‫‪5‬‬
‫السلطات الثالث"‪ .‬ولكي مننع أو نتفادى إساءة استعمال السلطة‪ ،‬فإنه من الضروري ‪ -‬بطبيعة األشياء ‪ -‬أن يكون‬
‫النظام قائما على أساس أن السلطة توقف السلطة‪ .‬ولكن ال يكفي لتحقيق ذلك أن يكون هناك فصل بينهما‪ ،‬أو أن‬
‫يعهد ببعض االختصاصات إىل كل منها تباشره استقالال عن األخرى‪ ،‬وإمنا جيب ابإلضافة إىل ذلك‪ ،‬أن تكون‬
‫عالقتها متكافئة‪ ،‬أي أن يكون لكل سلطة من السلطات الثالث ثقال ووزان‪ ،‬تستطيع بواسطته أو من خالله أن تقاوم‬
‫السلطات األخرى(‪.)1‬‬
‫لكن هذا الفصل بني السلطات الذي دعا إليه مونتسكيو مل يعتمد بنفس الصيغة عند تطبيقه من طرف الدول‬
‫يف األنظمة املعروفة حاليا‪ ،‬حيث أدى هذا االختالف إىل ظهور أنظمة سياسية ثالث هي‪ -1 :‬النظام اجمللسي‪-2 .‬‬
‫النظام الربملاين‪ -3 .‬النظام الرائسي‪ .‬وهذا تبعا لطبيعة الفصل بني هذه اهليئات‪ ،‬فإذا كنا أمام فصل مطلق بني‬
‫السلطات فإننا بصدد النظام الرائسي‪ ،‬وكلما كان هناك فصل مع تعاون كان النظام برملانيا‪ ،‬وإذا كانت اهليمنة للسلطة‬
‫التشريعية‪ ،‬وانبثقت منها هيئة تنفيذية كنا أمام النظام اجمللسي(‪.)2‬‬
‫ولقد سيطر مبدأ فصل السلطات على التاريخ السياسي الربيطاين منذ منتصف القرن السابع عشر وعلى كل‬
‫التاريخ الدستوري للوالايت املتحدة األمريكية منذ (‪1776‬م)‪ ،‬ولفرنسا منذ (‪1789‬م) ومن مث على كل الدول‬
‫الليربالية والدميقراطية‪.‬‬
‫ونستخلص تعريف مبدأ الفصل بني السلطات أبنه توزيع وظائف الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات‬
‫ومؤسسات مستقلة عن بعضها البعض ومتوازنة‪ ،‬حىت ال ترتكز السلطة يف يد واحدة فتسيئ استعماهلا‪ ،‬وتستبد ابحملكومني‬
‫وتقضي على حقوقهم(‪.)3‬‬
‫ذهب معظم فقهاء القانون العام إىل أن املفهوم الصحيح ملبدأ فصل السلطات ‪ -‬كما تصوره مونتسكيو ‪ -‬هو‬
‫الفصل املتوازن بني السلطات العامة الثالث يف الدولة‪ ،‬مع قيام قدر من التعاون فيما بينها‪ ،‬لتنفيذ وظائفها يف توافق‬
‫وانسجام‪ ،‬ووجود رقابة متبادلة بينها لضمان وقوف كل سلطة عند حدودها‪ ،‬دون أن جتاوزها أو تعتدي على سلطة‬
‫أخرى(‪.)4‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬حسن مصطفى البحري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.49‬‬


‫‪ 2‬أ‪ .‬حسينة شرون‪ ،‬أ‪ .‬عبد احلليم بن مشري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪..190‬‬
‫‪ 3‬وهلذا فإن مبدأ فصل السلطات يف تفسريه السليم‪ ،‬ال يعد مبدأ قانونية ابملعىن الصحيح‪ ،‬وإمنا يعد مبدأ أو قاعدة من قواعد فن السياسة‪ ،‬متليه احلكمة‬
‫السياسية‪ ،‬وذلك لكي تسري مصاحل الدولة سرية حسنة‪ ،‬وحىت نضمن احلرايت الفردية‪ ،‬وحنول دون استبداد احلكام‪ ،‬فإنه من الالزم أال تركز أو جتمع‬
‫السلطات كلها يف يد هيئة واحدة‪ ،‬ولو كانت تلك اهليئة هي الشعب ذاته (وذلك يف الدميقراطية املباشرة)‪ ،‬أو كانت اهليئة النيابية ذاهتا (وذلك يف نظام‬
‫احلكم النيايب)‪ .‬راجع يف ذلك كال من ‪ :‬د‪ .‬حسن مصطفي البحري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،37‬د‪ .‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬السلطات الثالث يف الدساتري‬
‫العربية املعاصرة ويف الفكر السياسي اإلسالمي "دراسة مقارنة"‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬طه‪ ،‬القاهرة‪1996 ،‬م‪ ،‬ص ‪451‬؛ د‪ .‬عبد احلميد متويل‪ ،‬القانون‬
‫الدستوري واألنظمة السياسية مع املقارنة ابملبادئ الدستورية يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1999 ،‬ص‪ 176‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 4‬د‪ .‬عبد الغين بسيوين عبد هللا‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1997 ،‬ص‪.192‬‬
‫‪6‬‬
‫الفرع الثاين‬
‫مربرات وأهداف مبدأ الفصل بني السلطات‬

‫أولً‪ -‬منع الستبداد السلطوي وصيانة احلرايت‪:‬‬


‫ما زال ملبدأ الفصل بني السلطات أمهيته اليت كانت منذ والدته‪ ،‬ال حرية بدون فصل السلطات‪ ،‬وبدون تقسيم‬
‫السلطة‪ .‬ففي فصل السلطات تكمن الضمانة الكربى للحرايت العامة واحلقوق الفردية‪ .‬إنه الضمانة للتوازن بني السلطات‬
‫املوكول إليها القيام بوظائف الدولة (التشريع‪ ،‬إدارة‪ ،‬قضاء)‪ ،‬وذلك ملنع متركز السلطة يف يد شخص واحد أو حىت مؤسسة‬
‫واحدة(‪ .)1‬فقد أمجع املفكرون يف خمتلف العصور على أن السلطة املطلقة شأهنا أن تغري إبساءة استعماهلا حىت قيل "إن‬
‫السلطة املطلقة مفسدة مطلقة" وأن "للسلطة نشوة تعبث ابلرؤوس"(‪ .)2‬وإذا كان اجلميع متفقا على أن السلطة ذات طبيعة‬
‫عدوانية جشعة‪ ،‬وأنه يتوجب ابلتايل تقييدها كيال تتجاوز احلدود املقررة هلا‪ ،‬فإن الطريقة املثلى جملاهبة هذا اخلطر تنحصر يف‬
‫توزيع السلطات‪ ،‬حىت توقف كل سلطة عند حدها بواسطة غريها حبيث ال تستطيع واحدة أن تسيء استعمال سلطتها أو‬
‫تستبد ابلسلطة(‪.)3‬‬
‫اثنياً ‪ -‬ضمان مبدأ الشرعية‪:‬‬
‫ذلك أن مبدأ الشرعية يقضي أبن تتسم القواعد التشريعية ابلعمومية والتجريد‪ ،‬فتصدر التشريعات دون نظر إىل‬
‫احلاالت الفردية‪ ،‬بل تطبق القاعدة على كل فرد تتوافر فيه شروط تطبيقها‪ .‬وال يتحقق ذلك إال إذا فصلنا بني املشرع‬
‫واملنفذ‪ .‬أما إذا مل يتم هذا الفصل فإن املنفذ سوف يصدر التشريعات على ضوء ما لديه من اعتبارات عملية‪ ،‬فيفقد التشريع‬
‫حياده‪ ،‬ويصبح جمرد أداة يف يد السلطة التنفيذية‪ .‬وتصدق ذات االعتبارات على حالة اجلمع بني السلطتني‪ :‬السلطة‬
‫التشريعية والسلطة القضائية‪ ،‬وإن كان هذا الفرض األخري اندرا عمال(‪.)4‬‬
‫إذا يعترب مبدأ الفصل بني السلطات من الضماانت املهمة اليت تكفل قيام الدولة القانونية‪ ،‬فهو وسيلة فعالة لكفالة‬
‫احرتام القوانني وتطبيقها تطبيقا عادال وسليما(‪.)5‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬زهري شكر‪ ،‬مرجع سابق‪.174 ،‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬السلطات الثالث يف الدساتري العربية املعاصرة ويف الفكر السياسي اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.452‬‬
‫‪ 3‬د‪ .‬حسن مصطفى البحري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬د‪ .‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬السلطات الثالث يف الدساتري العربية املعاصرة ويف الفكر السياسي اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.452‬‬
‫‪ 5‬انظر يف ذلك كال من‪ :‬د‪ .‬حسن مصطفى البحري‪ ،‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪60‬؛ د‪ .‬إبراهيم عبد العزيز شيحا‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري "حتليل‬
‫النظام الدستوري املصري"‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2000 ،‬ص ‪.399‬‬
‫‪7‬‬
‫اثلثاً ‪ -‬تقسيم العمل وزايدة الفاعلية(‪:)1‬‬
‫تقسيم وظائف الدولة تبعا ملبدأ الفصل بني السلطات إىل تشريعية وتنفيذية وقضائية‪ ،‬يؤدي إىل ختصص كل سلطة‬
‫من هذه السلطات ابملهام املوكولة إليها األمر الذي يؤدي إىل إجادة كل سلطة لعملها وإتقانه‪ ،‬حيث تعرف كل سلطة‬
‫اختصاصاهتا وصالحياهتا املخولة هلا‪ ،‬وجتنب السلطات إشكاليات التداخل واالصطدام‪ ،‬حيث يلزم الكل حدوده وفق‬
‫الدستور‪.‬‬
‫رابعاً ‪ -‬استقالل السلطات وجعلها متساوية ومتكاملة ومتوازنة‪:‬‬
‫مبعىن وجود نوع من التعاون والرقابة املتبادلة بينها حبيث إذا ما اندفعت إحدى هذه السلطات لالستبداد‪ ،‬وجتاوز‬
‫اختصاصاهتا أمكن لغريها من السلطات أن تردها عند حقوقها(‪ .)2‬إن مبدأ فصل السلطات القائم على وجود سلطات‬
‫ثالثة يف الدولة تتوىل مهام خمتلفة‪ ،‬وتتمتع كل واحدة منها مبباشرة مهامها حبرية أو استقالل عن السلطة األخرى(‪.)3‬‬
‫أخذ فقهاء القانون الدستوري التقليدي بـ"مبدأ الفصل بني السلطات" كمعيار لتصنيف "األنظمة السياسية"‪ ،‬يوجد‬
‫على هذا األساس صنفني من األنظمة السياسية مها‪" :‬األنظمة السياسية" اليت ال أتخذ بـ"مبدأ الفصل بني السلطات"‬
‫و"األنظمة السياسية" اليت أتخذ به‪ .‬تنقسم "األنظمة السياسية" اليت ال أتخذ بـ"مبدأ الفصل بني السلطات" إىل فرعني‪:‬‬
‫الديكتاتورية و"أنظمة حكومة اجلمعية"‪ .‬تنقسم "األنظمة السياسية" اليت أتخذ بـ"مبدأ الفصل بني السلطات"‪ ،‬بدورها‪ ،‬إىل‬
‫فرعني ‪" :‬النظام السياسي الرائسي" الذي يسمى أيضا بـ"النظام الفصل اجلامد بني السلطات"‪ ،‬و"النظام السياسي الربملاين"‬
‫الذي يسمى أيضا بـ"نظام الفصل املرن بني السلطات"(‪.)4‬‬
‫وكانطالقة أولية للتمييز بني النظام الربملاين والرائسي‪ ،‬نشري إىل أن كل من النظامني يعتمدان يف نشأهتما على مبدأ‬
‫أساسي‪ ،‬هو مبدأ الفصل بني السلطات‪ ،‬حيث يعتمد النظام األول على تعاون نسيب بني السلطات (الفصل اهليكلي‬
‫فقط)‪ ،‬أما النظام الثاين فيقوم على فصل جامد بني السلطات(‪.)5‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬د‪ .‬سليمان حممد الطماوي‪ ،‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.452‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬اثمر كامل حممد اخلزرجي‪ ،‬النظم السياسية احلديثة والسياسات العامة‪ ،‬دار جمدالوي للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪ ،2004 ،1‬ص‪.252‬‬
‫‪ 3‬د‪ .‬زهري شكر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.175‬‬
‫‪ 4‬أ‪ .‬ايهو حممد‪ ،‬العالقة بني السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية يف إطار دستور ‪ ، 1996‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية احلقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة مولود‬
‫معمري تيزي وزو‪ ،‬اجلزائر‪ ،2013 ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ 5‬أ‪ .‬حسينة شرون‪ ،‬أ‪ .‬عبد احلليم بن مشري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.190‬‬
‫‪8‬‬

You might also like