Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 11

‫ورش الحماية االجتماعية‪ :‬هل يتغلب‬

‫المغرب على التحديات المطروحة؟‬

‫تمهيد‬
‫خّلفت سياسات التقويم الهيكلي التي تبنتها الحكومات المغربية خالل عقد الثمانينيات من القرن‬
‫الماضي هشاشًة بنيويًة بين صفوف أوسع شرائح المجتمع المغربي‪ .‬وما زالت مخّلفات هذه‬
‫السياسات‪ ،‬وآثارها السلبية على الناس‪ ،‬تترك عددًا كبيرًا من المغاربة على الهامش‪ ،‬من دون تعليم‬
‫جيد وال تغطية وخدمات صحية جيدة‪ ،‬وال سكن الئق وال عمل كريم‪ .‬بقي تعاطي الدولة مع‬
‫المعضلة االجتماعية خالل العقود الماضية متأرجحًا بين سياسات انتقائية تبتغي تصحيح التفاوتات‬
‫االجتماعية والمجالية‪ ،‬الناجمة عن سوء توزيع الثروات والخدمات‪ ،‬وبين سياسات استدراكية‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫للتخفيف من اآلثار السلبية لبرنامج التقويم الهيكلي الذي َعمل على تقليص االستثمار الحكومي في‬
‫القطاعات االجتماعية‪ ،‬مثل الصحة والتعليم‪ .‬إذ برزت جليًا ضرورة القطع مع سياسات التخلي التي‬
‫َم َّك نت ربما من التحّك م نسبيًا في التوازنات الماكرو‪-‬اقتصادية‪ ،‬إّال أنها أثرت سلبًا على التماسك‬
‫‪2‬‬
‫االجتماعي وشبكات الحماية االجتماعية للسكان‪.‬‬
‫وحاولت الحكومات المتعاقبة الحقًا إيجاد حلول لهذه المعضالت‪ ،‬التي كّلفت المغرب وما زالت‪،‬‬
‫ثمنًا باهظًا جعلته يحتل المراتب األخيرة ضمن مؤشر التنمية البشرية (فاحتل المرتبة ‪ ،123‬ضمن‬
‫هذا المؤشر في رسم عام ‪ .)2022‬كان على هذه الحكومات التفكير في برامج ذات بعد اقتصادي‬
‫‪3‬‬

‫واجتماعي تكون قادرة على الخروج بالمغرب من آثار سياسات التقويم الهيكلي القاسية‪ ،‬وتحويل‬
‫االقتصاد المغربي من اقتصاد تابع يعتمد أساسًا على تصدير المواد الزراعية والمواد األولية فقط‪،‬‬
‫إلى اقتصاٍد منتج لصناعات ذات قيمة مضافة عالية‪ ،‬قادرة على إدماج جيوش العاطلين عن العمل‬
‫ضمن دائرة اإلنتاج االقتصادي‪ ،‬وبالتالي تمّتعهم بحقوقهم في الحماية االجتماعية الكاملة‪ .‬إّال أن هذه‬
‫الحكومات لجأت إلى حلوٍل ترقيعية مرتجلة‪ ،‬غلب عليها البعد اإلسعافي واإلحساني‪ ،‬من دون أن‬
‫تساهم في انتشال الفئات الهّش ة والفقيرة من دوائر اإلقصاء والتهميش‪ .‬فكّل البرامج التي ُوِض عت في‬
‫هذا السياق لم تخرج عن الخلفية النيوليبرالية لهذه الحكومات التي أولت األهمية كثيرًا القتصاد‬
‫السوق‪ ،‬وللتوازنات المالية والماكرو‪-‬اقتصادية‪ ،‬على حساب فقر وبؤس فئات واسعة من المجتمع‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬جاءت برامج المساعدات االجتماعية لذّر الرماد في العيون وتكريس الفوارق بين المغاربة‪،‬‬
‫في ظل غياب سياسات اجتماعية واقتصادية تروم العدالة االجتماعية والتوزيع العادل للثروات‪ .‬هذه‬
‫البرامج كانت محّط انتقادات وتقييم سلبي من كل أطراف الدولة‪ ،‬بما فيهم الملك الذي أقّر بأن هذه‬
‫البرامج يطبعها التشتت بين القطاعات الوزارية وضعف التناسق في ما بينها وعدم القدرة على‬
‫استهداف الفئات التي تستحقها‪ ،‬وعلى االستجابة بفعالية لحاجات المواطنين الذين ال يكادون يلمسون‬
‫‪4‬‬
‫أثرها‪.‬‬
‫ثم عّم قت جائحة كوفيد‪ 19-‬الهشاشة االقتصادية واالجتماعية لغالبية فئات المجتمع المغربي‪،‬‬
‫وفضحت بشكٍل واضح محدودية هذه البرامج وضعفها في صيانة كرامتهم‪ ،‬في ظّل غياب منظومة‬
‫فّعالة ومنصفة للحماية االجتماعية‪ ،‬ما عّج ل في اقتناع الملك والطبقة السياسية بضرورة التسريع في‬
‫مراجعة أسس هذه المنظومة‪ ،‬والعمل على تعميم الحماية االجتماعية على جميع المغاربة قبل حلول‬
‫‪.‬عام ‪2025‬‬

‫من جهٍة أخرى‪ ،‬تزامن انتشار الجائحة مع تقييم المغرب ومراجعته لنموذجه التنموي‪ ،‬الذي أخفق‬
‫في إدماج كّل المغاربة في دينامية التنمية‪ ،‬التي ما تزال تستهدف التوازنات المالية على حساب‬
‫التوازنات االجتماعية والبشرية‪ .‬وبدأ بذلك التفكير في نموذج تنموي جديد يقطع مع السيرورة‪ ،‬التي‬
‫آلت إلى االختالالت البنيوية التي ُش خّص ت في بالدنا على مستوى التربية والتكوين والصحة‬
‫والسكن والتشغيل والخدمات العمومية والحماية االجتماعية‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ورش تعميم الحماية االجتماعية في المغرب‪ :‬بين الوعي‬


‫بعجز المنظومة الحالية وتنفيذ االلتزامات الدولية للدولة‬
‫في مناسبتين متقاربتين‪ ،‬أعلن الملك محمد السادس عن فشل النموذج التنموي في المغرب الذي كان‬
‫‪6‬‬

‫من نتائجه إقصاء فئات عريضة من المغاربة عن االستفادة من خيرات التنمية االقتصادية‪ ،‬مع ما‬
‫يرتبط بذلك من ضعٍف وهشاشٍة في منظومة الحماية االجتماعية وتغطيتها للمواطنين‪ .‬وتقاطع‬
‫والتقى هذا اإلعالن مع ما كانت ترافع من أجله النقابات العمالية والمنظمات الحقوقية‪ ،‬وهو‬
‫ضرورة إرساء عدالة اجتماعية ترتكز على مبدأ التضامن والتوزيع العادل للثروات‪ .‬فذكر رئيس‬
‫الدولة في خطابه أمام البرلمان‪ ،‬عجز منظومة الحماية االجتماعية في المغرب وحجم الخصاص‬
‫‪7‬‬

‫االجتماعي وسبل تحقيق العدالة االجتماعية والمجالية التي كانت‪ ،‬بحسب كلمته‪ ،‬من أهم األسباب‬
‫التي دفعت إلى الدعوة لتجديـد النموذج التنموي‪ ،‬كما دعا الحكومة وجميع الفاعلين المعنيين إلى‬
‫القيام بإعادة هيكلة شاملة وعميقة للبرامج والسياسات الوطنية في مجال الدعم والحماية االجتماعية‪،‬‬
‫‪.‬وإلى اعتماد مقاربة تشاركية والتعجيل في تنفيذ هذه البرامج‬
‫وبعد دعوة الملك‪ ،‬بدأ التحضير النطالق ورش مراجعة منظومة الحماية االجتماعية لتوسيع وتعميم‬
‫الحماية على جميع المغاربة وفي أسرع فترٍة زمنيٍة عبر ُرزنامة حّد دها الملك‪ ،‬تنتهي بحلول ‪.2025‬‬
‫إذ اسُتحِد ث بمقتضى مرسوم لجنة وزارية يرأسها رئيس الحكومة‪ ،‬لقيادة إصالح منظومة الحماية‬
‫‪8‬‬

‫‪.‬االجتماعية‪ ،‬تضم في عضويتها ست سلطات حكومية ذات صلة بورش الحماية االجتماعية‬
‫ومن ضمن سياقات تنفيذ "ورش" توسيع وتقوية الحماية االجتماعية في المغرب‪ ،‬يمكن أن نذكر‬
‫كذلك ما أقّر ه الدستور المغربي ‪ ،2011‬الذي كّر س في فصله الـ‪ 31‬الحق في الحماية االجتماعية‬
‫والتغطية الصحية‪ ،‬وتنفيذ الدولة المغربية التزاماتها الدولية في مجال الحماية االجتماعية‪ ،‬خصوصًا‬
‫العهد الدولي المتعلق بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬االتفاقية رقم ‪ 102‬بشأن المعايير‬
‫الدنيا للتضامن االجتماعي الصادرة عن منظمة العمل الدولية‪ ،‬والتوصية رقم ‪ 202‬بشأن‬
‫األرضيات الوطنية للحماية االجتماعية الصادرة عن المنظمة‪ ،‬وخطة األمم المتحدة لتحقيق أهداف‬
‫التنمية المستدامة في أفق عام ‪ ،2030‬التي جعلت من الحماية االجتماعية واحدة من بين أهم غاياتها‬
‫األساسية‪ ،‬وضّم نتها صراحًة في الهدف األول‪ .‬إذ تشّك ل الرفاهية والصحة الجيدة أحد أهم العناصر‬
‫التي اعتمدتها أهداف التنمية المستدامة‪ ،‬على اعتبار أن ضمان حياة صحية وتعزيز العيش الكريم‬
‫لجميع الفئات العمرية أمر أساسي لتحقيق التنمية المستدامة‪ .‬كما أكدت منظمة األمم المتحدة أهمية‬
‫الصحة في المنظومة الدولية‪ ،‬من خالل اإلشارة إليها في عناصر شعارها‪" :‬السالم والكرامة‬
‫‪".‬والمساواة على كوكب ينعم بالصحة‬

‫منظومة حماية اجتماعية معطوبة تترك ماليين الناس‬


‫على الهامش‬
‫أجمعت التقارير الُم نجزة من مختلف المؤسسات الرسمية الوطنية والدولية في تقييمها لمنظومة‬
‫الحماية االجتماعية الحالية في المغرب على أنها تعاني من تعّد د وكثرة البرامج الحكومية المّتِخ ذة‬
‫لشكل المساعدة االجتماعية‪ ،‬وتشتتها وضعف الحوكمة وغياب التنسيق في ما بينها‪ ،‬وانحصار‬
‫فعاليتها ومحدودية أثرها على توفير الضمان االجتماعي وفق المعايير الدولية‪ .‬يضاف إلى ذلك‬
‫‪9‬‬

‫اإلنفاق الكبير من المال العام على هذه البرامج من دون تحقيق النتائج المرجوة‪ .‬بينما أحصت‬
‫منظمة األمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"‪ ،‬في دراسة َم سحية نشرتها عام ‪ 2018، 140‬برنامجًا‬
‫‪10‬‬

‫اجتماعيًا يشرف عليه ‪ 50‬متدخًال مؤسساتيًا في المغرب‪ .‬ووصل البنك اإلفريقي للتنمية إلى‬
‫الخالصة نفسها ضمن تقريٍر له عام ‪ 2016.‬إذ تفاقمت تأثيرات هذا التشرذم مع ضعف التنسيق‬
‫‪11‬‬

‫‪.‬بين الفاعلين في مجال الحماية االجتماعية‪ ،‬وضعف الشفافية في ما يتعلق باختصاصاتهم‬

‫بنيوية الهشاشة في منظومة الحماية االجتماعية‬


‫الحالية‪ :‬حالة الصحة والتقاعد‬
‫وضع التغطية الصحية ‪1.‬‬
‫للوقوف على حجم هشاشة البرامج الكثيرة والمتعددة للحماية االجتماعية في المغرب‪ ،‬ومحدودية‬
‫أثرها على توفير التغطية الصحية الكافية وضمان الكرامة لعموم المغاربة‪ ،‬يكفي أن نذكر أن العدد‬
‫الحالي للسكان الذين يستفيدون من تغطية صحية ال يتعدى ‪ 11,17‬مليون مستفيد من نظام التأمين‬
‫اإلجباري األساسي عن المرض‪ ،‬من مجموع سكان المغرب البالغ عددهم ‪ 38‬مليون نسمة‪.‬‬
‫المستفيدون إذًا هم أجراء القطاعين العام والخاص‪ .‬وإذا أضفنا إلى هذا العدد ‪ 11‬مليون مستفيد من‬
‫نظام المساعدة الطبية‪ ،‬الذي وضعته الدولة للفقراء والمعوزين الذين ال يعملون أو دخلهم قاّر!‪،‬‬
‫ويتوجهون عادًة إلى المستشفيات العامة التي ال توفر لهم غالبًا الحد األدنى من العالجات‪ ،‬ال يتعدى‬
‫مجموع المشمولين بالتغطية الصحية األساسية ‪ %60‬من مجموع السكان‪ .‬وال يزال المغرب في‬
‫انتظار تعميم التأمين اإلجباري عن المرض على الفئة المتبقية‪ ،‬ما كان ُيفَترض أن يتّم قبل نهاية عام‬
‫‪ ،2022‬ويشمل ‪ 1‬مليون مستفيد إضافي‪ ،‬هم المهنيون المستقلون‪ ،‬الذين لم يكونوا يستفيدون من أي‬
‫‪.‬تغطية صحية‬

‫‪12‬‬
‫الشكل ‪ : 1‬الجدولة الزمنية لتعميم التغطية الصحية‬
‫ولعّل أبرز مظاهر هشاشة المنظومة الصحية في المغرب‪ ،‬كون األسر المغربية تتحمل العبء‬
‫الثقيل لنفقات العالجات الصحية‪ .‬إذ تساهم بما يزيد على نسبة ‪ %50‬في تمويل المنظومة الصحية‪،‬‬
‫وهي نسبة كبيرة جدًا إذا ُقورنت بنسبة ‪ 18%‬في بلدان منظمة التعاون والتنمية االقتصادية‪.‬‬
‫ويضاف إلى ذلك التفاوت غير العادل ‪ -‬بين الطبقات االجتماعية وبين المناطق الجغرافية للبلد ‪ -‬في‬
‫الوصول إلى الخدمات الصحية بشكٍل منصف وجودة عالية‪ .‬إذ يصعب على سكان المدن واألرياف‬
‫البعيدة عن المدن الكبرى الحصول على العالجات الضرورية من دون الذهاب إلى هذه المدن حيث‬
‫تتمركز المستشفيات الرئيسية‪ ،‬خصوصًا التابعة للقطاع الخاص‪ ،‬الذي نما وتطور بشكل سريع‬
‫خالل العقد األخير‪ .‬فأصبح القطاع العام غير قادر على مواجهة الطلب المتزايد للسكان‪ ،‬خصوصًا‬
‫ذوي المداخيل المحدودة وسكان األرياف‪ ،‬الذين ال يحصلون على تغطية صحية كفيلة بتوفير‬
‫العالجات األساسية والضرورية‪ .‬إذ بدأ عدد األطباء العاملين في القطاع الخاص في المغرب يفوق‬
‫عدد العاملين في القطاع العام (‪ 13.625‬طبيبًا‪/‬ة في القطاع الخاص مقابل ‪ 12.454‬طبيبًا‪/‬ة في‬
‫القطاع العام)‪ .‬ويبقى معّد ل تغطية األطباء لعدد السكان في المغرب من أضعف المعدالت في بلدان‬
‫شمال إفريقيا‪ ،‬فيبلغ ‪ 7,1‬طبيب‪/‬ة لكل ‪ 10.000‬نسمة‪ ،‬مقابل ‪ 12‬طبيبًا‪/‬ة في كل من الجزائر‬
‫‪.‬وتونس‪ ،‬على سبيل المثال‬

‫ويعاني نظام المساعدة الطبية الذي ُو ضع عام ‪ 2005‬لفائدة ذوي الدخل المحدود من عدة اختالالت‪،‬‬
‫ألنه تأّسس على فرضيات أصبحت متجاَو زة‪ ،‬خصوصًا في ما يتعلق بانتقاء المستفيدين‪ ،‬فالفئة‬
‫الهّش ة التي كانت ُم ستهدفة تجاوزت العدد المرتقب بنسبة الضعف‪ ،‬لتنتقل من ‪ 8,5‬ماليين إلى ‪16,4‬‬
‫مليونًا‪ .‬ما يعني أن نسبة الفقر والهشاشة بين صفوف المغاربة اّتسعت بشكٍل متسارع خالل السنوات‬
‫العشر الماضية‪ ،‬وشهد تمويل هذا النظام عدة مشاكل من جهة عدم ضمان استمرارية الموارد‪،‬‬
‫وتضارب االختصاصات في التدبير المالي بين وزارة الصحة والوكالة الوطنية للتأمين الصحي‪.‬‬
‫كما أن تقسيم المستفيدين من هذا النظام حسب الفقر والهشاشة‪ ،‬لم يعد موضوعًا مهمًا‪ ،‬بسبب ارتفاع‬
‫نسبة الفقر إلى أكثر من ‪ ،82%‬ما جعل‪ ،‬حسب دراسة إكتوارية ُأنِج زت عام ‪ ،2013‬المعدل‬
‫السنوي للتكاليف ينتقل من ‪ 343‬درهمًا إلى ‪ 650‬درهمًا‪ ،‬بارتفاٍع بلغ ‪ %90‬مقابل زيادة طفيفة في‬
‫الموارد‪ ،‬التي ظلت غير متكافئة مقارنة مع النفقات‪ ،‬ما أحدث عجزًا كبيرًا لدى المستشفيات‬
‫والمراكز االستشفائية الجامعية‪ ،‬وجعلها غير قادرة على أداء مهامها العالجية‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫أّم ا في ما يتعلق بنظام التأمين اإلجباري األساسي عن المرض‪ ،‬فيعاني بدوره من عدة اختالالت‬
‫أبرزها تعدد الهيئات المدّبرة لهذا النظام (الصندوق الوطني للضمان االجتماعي أو الصندوق‬
‫الوطني لمنظمات االحتياط االجتماعي‪ ،‬التعاضديات‪ ،‬وشركات التأمين الخاصة)‪ .‬واألدهى من ذلك‪،‬‬
‫تعدد األنظمة حتى داخل الهيئة نفسها أو الصندوق المدّبر‪ ،‬مع عدم التنسيق في ما بين هذه األنظمة‪،‬‬
‫سواء تعّلق األمر بسّلة العالجات أو نسبة االشتراك أو االسترداد‪ .‬ويعاني هذا النظام أيضًا من غالء‬
‫األدوية مقارنًة مع بلدان الجوار‪ ،‬أو حتى مع بعض البلدان الغنية كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا‪ .‬ونتيجًة‬
‫لهذا الغالء‪ ،‬تحّم ل الصندوق الوطني لمنظمات االحتياط االجتماعي وحده ما يفوق ‪ 292‬مليون‬
‫درهم خالل عام ‪ .2019‬إذ تشكل األدوية العبء األكبر لهذا النظام‪ ،‬فتمثل من ‪ %34‬إلى ‪ %40‬من‬
‫نفقات صناديق التأمين الصحي‪ ،‬بينما انتقلت ميزانيتها من ‪ 522‬مليون درهم إلى ‪ 2,5‬ملياري درهم‬
‫للمستشفيات‪ .‬وال تساعد اللوبيات المتحّك مة بصناعة وتسويق األدوية في تسهيل وصول الدواء‬
‫الجنيس منخفض الثمن إلى السوق الوطنية‪ ،‬فال تتجاوز نسبة تداوله الـ‪ .%30‬مقابل ذلك‪ ،‬تتوسع‬
‫الئحة األدوية المبتكرة ومرتفعة الثمن‪ ،‬المعّو ض عنها على الرغم من وجود أدوية أقّل ثمنًا وبفعالية‬
‫مماثلة (في شكل األدوية الجنيسة)‪ ،‬ما يهدد التوازنات المالية للصناديق المدّبرة للتأمين الصحي‪.‬‬
‫وتفاقم الوضع خصوصًا بالنسبة إلى أدوية األمراض المزمنة المكلفة التي يعاني منها من ‪ %6‬إلى‬
‫‪ %11‬من المؤّم نين‪ ،‬وتكّلف نصف نفقات التأمين الصحي‪ ،‬إذ انتقل عدد األدوية المعوض عنها من‬
‫‪ 1001‬دواء عام ‪ 2006‬إلى ‪ 4430‬دواء عام ‪ .2018‬وينعكس كّل ذلك على النسبة المئوية التي‬
‫يتحملها المؤَّم ن‪ ،‬التي تبقى مرتفعة جدًا‪ ،‬فتراوح بين ‪ 31.3%‬بالنسبة خدمات القطاع العام‪ ،‬و‬
‫‪ %39,9‬بالنسبة إلى خدمات القطاع الخاص عام ‪ ،2016‬ما يجعل أثر هذا النظام محدودًا على‬
‫حماية المؤّم نين ومساعدتهم على مواجهة الظروف المادية الصعبة خالل فترة عالجهم‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫ونّبهت "الشبكة المغربية للدفاع عن الحّق في الصّحة والحّق في الحياة " الحكومة المغربية إلى‬
‫‪15‬‬

‫الوضع الصحي "المقلق" في المغرب‪ ،‬ليس فقط بسبب جائحة كورونا‪ ،‬بل بسبب ضعف التغطية‬
‫الصحية التي لم تتجاوز حتى اليوم ‪ %46‬من السكان‪ ،‬فضًال عن تدني اإلنفاق في مجال الرعاية‬
‫الصحية الذي لم يتجاوز ‪ %45‬طيلة السنوات العشر األخيرة‪ ،‬ونسبة هذا اإلنفاق الضئيلة من الناتج‬
‫الوطني اإلجمالي‪ ،‬وضعف االستثمار في القطاع الصحي‪ .‬وأفادت الشبكة أن ذلك أّد ى إلى ارتفاع‬
‫مستوى إنفاق األسر المغربية من جيوبها في ظل جائحة كوفيد‪" 19-‬لتظل تتحمل األعباء الصحية‬
‫والكلفة اإلجمالية للصحة‪ ،‬فضًال عن ضعف جودة الخدمات الصحية وارتفاع معدل الوفيات داخل‬
‫المستشفيات ومستعجالتها"‪ .‬وأضافت الشبكة في أحد بياناتها األخيرة‪ ،‬في مناسبة اليوم العالمي‬
‫للصحة أن المغرب ُص ِّنف ضمن أسوأ عشرين دولة في التمتع بالرعاية الصحية والرفاه‪ ،‬وفق‬
‫مؤشر " إنديغو ويلنس"‪ ،‬بسبب تدني جودة الخدمات الصحية وعدم رضى المواطنين عن مستوى‬
‫الخدمات الصحية المقدمة بنسبة تفوق ‪ .%80‬وسّج لت الشبكة أن هذا "الواقع المزري" لقطاع‬
‫الصحة يدفع غالبية المواطنين إلى التوجه نحو القطاع الخاص‪ ،‬فضًال عن اقتناء األدوية بأثمان‬
‫مضاعفة مقارنًة مع دوٍل أخرى‪ .‬ولتجاوز هذا الوضع‪ ،‬دعت الشبكة الحكومة المغربية إلى وضع‬
‫العدالة الصحية على رأس أولوياتها‪ ،‬مع ضرورة مراجعة جذرية لمنظومة الصحة وإحداث نقلة‬
‫نوعية في مجال الرعاية الصحية‪ ،‬لتواكب التحّو ل في تعميم التغطية الصحية على جميع المغاربة‪،‬‬
‫‪.‬بمفهوم العدالة الصحية‬
‫من جهتها‪ ،‬لم يُفت على الجمعية المغربية لحقوق اإلنسان‪ ،‬وهي واحدة من أكبر المنظمات الحقوقية‬
‫في المغرب‪ ،‬التنبيه ضمن البيان العام لمؤتمرها الوطني‪ ،‬المنعقد خالل شهر يونيو‪/‬حزيران من عام‬
‫‪ ،2022‬إلى الوضع الصحي المزري في المغرب وتأثيره على تمّتع المغاربة بحقهم في الصحة‪،‬‬
‫الذي تفّسره الجمعية بالنقص في الموارد المالية والبشرية وهشاشة البنى التحتية والنقص في األدوية‬
‫والتجهيزات وسوء التسيير والتدبير‪ ،‬وتخّلي الدولة عن مسؤوليتها األساسية في ضمان الحّق في‬
‫الصحة للجميع‪ .‬ويظهر ذلك في ضعف الميزانية المرصودة والصفقات المشبوهة للحكومة‪،‬‬
‫وعجز )‪ (AMO‬خصوصًا إّبان انتشار وباء كورونا وضعف نظام التأمين اإلجباري عن المرض‬
‫نظام المساعدة الطبية عن المرض للمعوزين "الراميد" عن إعطاء الحلول المنتظرة بعد سنوات من‬
‫تطبيقه‪ ،‬وضعف مراقبة الدولة للمرافق الصحية التابعة للقطاع الخاص؛ ما جعل المواطنات‬
‫والمواطنين عرضة للمضاربات التي تستنزفهم ماديًا‪ ،‬وأدى إلى اإلهمال الشديد للمرضى المصابين‬
‫بأمراض عقلية ونفسية‪ ،‬وإلى ضعف البنيات االستشفائية والنقص الحاد في األطر الطبية المختصة‬
‫‪.‬في هذا المجال‬

‫ولم ينجح نظام التغطية الصحية حتى اآلن في إدماج عدد كبير من طلبة الجامعات‪ ،‬على الرغم من‬
‫إصدار القانون المتعّلق بتعميم التأمين اإلجباري عن المرض لفائدة طلبة الجامعات ومؤسسات‬
‫التكوين المهني‪ .‬ولم يتعّد َ عدد الطلبة المستفيدين من التغطية الصحّية اإلجبارية حتى عام ‪2020‬‬
‫‪16‬‬

‫مجموع ‪ 300‬ألف طالب‪ ،‬من ضمن ‪ 1.170.836‬طالبًا وطالبة‪ ،‬وفق إحصائيات صادرة عن‬
‫الصندوق الوطني لمنظمات االحتياط االجتماعي‪ .‬والسبب وراء ذلك هو ضعف حمالت الدعوة‬
‫والتحفيز بين صفوف الطلبة لحّثهم على االنخراط في نظام التغطية الصحية‪ ،‬وإن كان معظم الطلبة‬
‫يفضلون أن تتم هذه التغطية من دون الحاجة إلى دفع ذلك المبلغ الزهيد لالنخراط (‪ 100‬درهم‪ ،‬أي‬
‫‪.‬نحو ‪ 10‬دوالرات)‬
‫وضع منظومة المعاشات ‪2.‬‬
‫تشـّك ل خدمـات التقاعـد مكّو نـًا رئيسـيًا فـي نظـام الحمايـة االجتماعية‪ .‬فهي أيضًا تجّسـد حقًا إنسـانيًا‬
‫أساسـيًا كّر سـه اإلعالن العالمـي لحقـوق اإلنسان‪ ،‬الـذي تبّنتـه األمم المتحـدة عام ‪ ،1948‬والعهـد‬
‫الدولـي الخـاص بالحقـوق االقتصادية واالجتماعية والثقافيـة (عام ‪ .)1966‬وترتكـز هـذه الخدمـات‬
‫علـى مبـدأ الضـرورة‪ ،‬الـذي ذكـره عام ‪ 2001‬قـرار المؤتمـر الدولـي للعمـل (منظمـة العمـل‬
‫الدوليـة(‪ ،‬عندمـا أكـد أن "جميـع المجتمعـات تواجه اليـوم إشكاًال مفـاده أنـه ال يمكـن ألحـد أن‬
‫يوفـر احتياجاتـه طيلـة مراحـل حياتـه عـن طريـق عملـه الشـخصي‪ .‬فالمـرض والعجـز والبطالـة‬
‫وتعليـم األبناء والشـيخوخة‪ ،‬جميعها أمثلـة لفتـرات تتقلـص فيهـا القـدرة علـى الكسـب‪ ،‬لذلـك ينبغـي‬
‫علـى كّل المجتمعـات إرسـاء نظـام لمسـاعدة األشخاص الذيـن ُيحَر مـون مـن القـدرة علـى‬
‫‪".‬الكسـب‬

‫وفي حالة المغرب‪ ،‬يعاني نظــام التقاعــد من ضعــف نســبة تغطيتــه للســكان النشــطين‪ :‬فنحو‬
‫‪ %60‬مــن األشخاص النشــطين العاملين ‪ ،‬أي ‪ 2,6‬مليــوني نســمة‪ ،‬غيــر مشــمولين بــأي نظــام‬
‫للتقاعد‪ ،‬سواء للمعاشات أو تعويضات عن نهاية الخدمة‪ ،‬إذ تقتصـر أنظمـة التقاعـد اإلجبارية علـى‬
‫موظفـي وأجـراء القطاعيـن العـام والخـاص‪ ،‬فال يتعّد ى عدد المتقاعدين المصّرح عنهم‬
‫‪ 1.805.224‬شخصًا في رسم عام ‪ 2018،‬في ظل انتظار تطبيق القانـون رقـم ‪ 15.99‬المتعّلق‬
‫‪17‬‬

‫بإحـداث نظـام للمعاشـات لفائـدة المهنّييـن والعّم ـال المسـتقّلين واألشخاص غيـر األجراء الذيـن‬
‫يزاولـون نشـاطًا خاّص ـًا‪ ،‬بحلول عام ‪ ،2025‬كما هو مسّطر في الجدول الزمني لتعميم الحماية‬
‫‪.‬االجتماعية الذي أعدته الحكومة المغربية‬
‫‪18‬‬
‫الشكل ‪ : 2‬الجدولة الزمنية لتعميم الحماية االجتماعية‬

‫وعلى الرغم من حمالت المراقبة التي يقوم بها الصنـدوق الوطنـي للضمـان االجتماعي لعمليات‬
‫التصريــح عن األجراء‪ ،‬التــي مّك نــت مــن رفــع نســبة تغطيــة أجــراء القطــاع الخــاص مــن‬
‫‪ %72‬عام ‪ 2011‬إلـى ‪ %82‬عام ‪ ،2016‬فـإن عـددًا مهّم ـًا مـن النشـطين ما زالوا غيـر مصـرح‬
‫عنهـم لـدى الصنـدوق‪ ،‬أو مصـّر ح عنهـم بشـكٍل ناقـص‪ .‬وما زال الحّق في االستفادة من معاشات‬
‫التقاعد في المغرب موصومًا بالالمساواة والتمييز السلبي ضد النساء‪ .‬فهّن أقـّل اسـتفادة مـن‬
‫التغطيـة في نظـام التقاعـد‪ ،‬بسبب ارتفاع نسبة البطالة بين صفوفهّن ‪ .‬ومن نتائج ذلك أن نسبة‬
‫النسـاء ال تتعدى حاليـًا ‪ %16‬مــن عــدد المتقاعديـن‪ ،‬ويبلــغ متوســط مبلــغ المعـاش الـذي‬
‫يتقاضينـه ‪ 865,1‬درهمـًا‪ ،‬مقابـل ‪ 935,1‬درهمـًا بالنسـبة إلى الذكـور‪ .‬وكما تشـكل النسـاء ‪%97‬‬
‫مـن مجمـوع المسـتفيدين مـن تحويـل معـاش التقاعـد‪ ،‬بمتوسـط معـاش يبلـغ ‪ 839‬درهمـًا‪ ،‬مقابـل‬
‫‪ 894‬درهمـًا للذكـور‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫ومن أهم االختالالت التي تعيق منظومة الحماية االجتماعية‪ ،‬تلك المتعلقة بالحماية من مخاطر‬
‫الشيخوخة في المغرب‪ ،‬كون األنظمة المتعددة والمشتتة أو المجّز أة تساهم في تكريس الفوارق‬
‫وغياب المساواة بين المغاربة بحسب نظام التقاعد الذي ينتسبون إليه‪ .‬فالمعاش الذي يحصل عليه‬
‫األجير في القطاع العام أعلى من معدل المعاشات التي يحصل عليها العاملون في القطاع الخاص‪،‬‬
‫الذي تبلغ نسبة معاشات المتقاعدين فيه ‪ ،%26‬فال تتعدى الـ‪ 1000‬درهم (‪ 100‬دوالر أميركي)‬
‫شهريًا‪ ،‬و‪ %57‬منهم ال تتعدى معاشاتهم ‪ 1500‬درهم (أي ‪ 150‬دوالرًا أميركيًا)‪ ،‬ما يساهم في‬
‫تدنّــي مســتوى معيشــة متقاعــدي القطـاع الخـاص الذين ُيعتبرون من بين الفئات التي تتحمل‬
‫العبء المالي الباهظ للعالجات‪ ،‬واإلنفاق على الصحة‪ ،‬كما تمت اإلشارة إليه أعاله‪ ،‬ما يجعلهم من‬
‫‪.‬الفئات األكثر هشاشة واألكثر فقرًا في المغرب‬
‫تحديات تعميم الحماية االجتماعية في المغرب‬
‫يتم توصيف مشروع تعميم الحماية االجتماعية على جميع المواطنين في المغرب من طرف الفرقاء‬
‫االجتماعيين والسياسيين على أنه أحد أكبر القرارات السياسية واالجتماعية تحت حكم الملك محمد‬
‫السادس‪ ،‬وربما واحد من أهم القرارات منذ استقالل المغرب‪ ،‬كونه‪ ،‬وللمرة األولى‪ ،‬سُينصف فئات‬
‫واسعة من الفقراء والمهددين بالهشاشة‪ ،‬وسيتمتعون بالحد األدنى من الحقوق االجتماعية‪ ،‬وقد‬
‫يساعدهم ذلك على مواجهة شظف العيش وتكاليف الحياة الباهظة‪ .‬كما يعّو لون على أنه قد ينصف‬
‫شريحًة أخرى من المواطنين الذين يزاولون مهنًا منتظمة‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬محرومون من حقهم في‬
‫الحماية االجتماعية كما هو شأن مهٍن أخرى (أطباء‪ ،‬مهندسون‪ ،‬محامون‪ ،‬موّثقون‪ ،‬محاسبون‪.)...‬‬
‫وال يفوت نفس الفرقاء االجتماعيين والسياسيين التعبير عن انشغالهم بالتحديات والصعوبات التي‬
‫‪:‬ستواجه تنزيل هذا المشروع االجتماعي الضخم‪ ،‬ومن بين هذه التحديات‬

‫المعدل المرتفع للبطالة ‪1.‬‬


‫المدخل الرئيسي لتحقيق الدولة االجتماعية الحقيقية يتطلب توفير صّح ة جيدة وتعليمًا جيدًا وسكنًا‬
‫الئقًا‪ ،‬وفي األساس عمل قار يضمن الكرامة والحد األدنى من األجر‪ ،‬لمواجهة عوائد الزمن‪ .‬وال‬
‫شك أن واحدًا من التحديات التي ستواجه منظومة الحماية االجتماعية هو قلة فرص العمل‪ ،‬وما‬
‫توّلده من عدٍد كبيٍر من العاطلين أو شبه العاطلين عن العمل‪ ،‬والعاملين في اقتصاد الظل‪ ،‬والقطاع‬
‫غير المهيكل‪ .‬فلم تتوفر لدى الحكومات المتعاقبة الجدارة الكافية البتكار الحلول لتوفير العمل‬
‫لماليين العاطلين الموجودين على الهامش عبر سنوات طويلة‪ .‬ويكفي أن نذّك ر باألرقام الصادرة‬
‫عن المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية مغربية لإلحصائيات)‪ ،‬أن الشباب الذين تراوح‬
‫أعمارهم بين ‪ 15‬و‪ 24‬عامًا يصل عددهم إلى ‪ 5,9‬ماليين شخص‪ ،‬من بينهم ‪ 15،4%‬نشطون‬
‫عاملون (‪ )905.000‬فقط‪ ،‬و‪ %7,4‬عاطلون عن العمل (‪ ،)000. 439‬في حين أن ‪ %77,2‬منهم‬
‫خارج سوق العمل (‪ .)4.600.000‬ويعد الرقم األخير كبيرًا جدًا‪ ،‬ربما يشّك ل تحديًا واختبارًا‬
‫‪20‬‬

‫لمنظومة الحماية االجتماعية بالنظر إلى أن العاطلين ال يحصلون على دخٍل قاّر يمّك نهم من‬
‫الوصول إلى الخدمات الصحية بالجودة الكافية‪ ،‬التي ستضمن لهم حقهم في الحد األدنى من‬
‫العالجات الطبية‪ ،‬والحصول على حّد أدنى من المدخول واالنخراط في نظام للمعاشات لمواجهة‬
‫‪.‬مخاطر الشيخوخة الحقًا‬
‫االقتصاد غير المنّظم ‪2.‬‬
‫من التحديات التي ستواجه ورش تعميم التغطية االجتماعية‪ ،‬التحدي المرتبط بعدد العاملين في‬
‫االقتصاد غيــر المنظــم (غير المهيكل)‪ ،‬بمعنــاه الواســع‪ ،‬وهو ظاهــرة مســتعصية فــي‬
‫المنظومــة االقتصادية المغربيــةَ ومصـدر قلـق‪ .‬إذ يصـل حجمه بحسـب معطيـات بنـك المغـرب‬
‫عام ‪ 2018‬إلـى نحـو ‪ %30‬مـن الناتـج الداخلـي اإلجمالي‪ .‬وتذهـب تقديـرات المؤسسـات الوطنيـة‬
‫الدوليـة‪ ،‬إلـى أن نسـبة تـراوح بيـن ‪ %60‬و‪ %80‬مـن السـكان النشـطين في المغـرب يـزاولون‬
‫أعماًال تنـدرج ضمـن االقتصاد غيـر المنظّـم‪ ،‬وهو تحٍّد تستحضره مراكز القرار المكَّلفة بتعميـم‬
‫‪21‬‬

‫التغطيـة االجتماعية لتسـريع وصول هـذه الفئـات إلـى نظام الضمان االجتماعي الشامل‪ ،‬وإن كان‬
‫‪.‬ذلك يطرح تحديًا ثانيًا أيضًا يتعلق بنظام االستهداف‬
‫نظام االستهداف ‪3.‬‬
‫إن نظام استهداف العاملين في القطاع غير المهيكل والعاطلين عن العمل والمعوزين والمسنين من‬
‫دون دخل‪ ،‬ضعيف وغير فعال‪ .‬فهناك صعوبة في تحديد وضبط الفئات المؤهلة لالستفادة من نظام‬
‫المساعدة الطبية وبقية برامج منظومة الحماية االجتماعية‪ ،‬خصوصًا مع تنامي القطاع غير‬
‫المهيكل‪ ،‬واعتماد النظام التصريحي لتقدير مستوى الدخل‪ ،‬الذي ينطوي على الكثير من المغالطات‬
‫نتيجة التصريحات المخفضة وغير الدقيقة‪ .‬كما أن اعتماد قواعد معقدة لتحديد األهلية بشكٍل تصعب‬
‫معه دراسة طلبات االستفادة أو تفعيل المراقبة البعدية للنظام والتأخر في تنزيل نظام االستهداف‪،‬‬
‫المكّو ن من سجّلين كما وضعهما القانون ‪ ،‬هما السجل الوطني للسكان (يستهدف األشخاص)‬
‫‪22‬‬

‫والسجل االجتماعي الموحد (يستهدف األسر)‪ ،‬من عامين إلى ثالثة أعوام بعد تعميم التغطية‬
‫الصحية‪ ،‬جميعها أمور تترك عددًا كبيرًا من المعنيين على الهامش إلى أن ُتدرج أسماؤهم ضمن‬
‫قوائم المسجلين الذين سيستفيدون من الحماية االجتماعية‪ .‬وقد يسجل السجل االجتماعي الموحد‬
‫"تحايًال" لتجاوز فكرة الدولة االجتماعية‪ ،‬فيتم حصر الدعم العمومي ضمن تدابير تقنية‬
‫) وبيروقراطية‪ ،‬قد ينجم عنها تضييق عدد المستفيدين من البرامج االجتماعية‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫ديمومة تمويل الحماية االجتماعية ‪4.‬‬


‫بحسب المخطط الذي قدمته الحكومة المغربية‪ ،‬تبلغ الكلفة السنوية لتعميم االستفادة من أنظمة‬
‫‪24‬‬

‫الحماية االجتماعية ‪ 51‬مليار درهم‪ ،‬موزعة بين ‪ 28‬مليار درهم تتأّتى من آلية االشتراك بالنسبة‬
‫إلى األشخاص الذين تتوفر لديهم القدرة على المساهمة‪ ،‬و‪ 23‬مليار درهم يتم تحصيلها في إطار‬
‫تضامني لتغطية األشخاص الذين ال تتوفر لديهم هذه القدرة‪ .‬يعني ذلك أن نحو ‪ %45‬من الوعاء‬
‫‪25‬‬

‫المالي لورش تعميم الحماية االجتماعية سيأتي من مصادر تضامنية‪،‬ستطرح طبيعة هذا التمويل‬
‫تداعيات عديدة حول استدامة اإلطار المالي ألنظمة الحماية االجتماعية‪ ،‬وحول اآلفاق المستقبلية‬
‫لموقع الدولة في تدبير السياسات االجتماعية في انتظار إصالح النظام الضريبي المغربي للوصول‬
‫إلى عدالة ضريبية تساعد على تمويل برامج الحماية االجتماعية وضمان ديمومتها وتعميمها على‬
‫‪.‬الجميع‬
‫وهناك تخوفات من أن تفضي مراجعة أدوار صندوق المقاّص ة المغربي‪ ،‬الذي تعتزم الحكومة‬
‫توجيه مخصصاته التي بلغت خالل شهر شباط‪/‬فبراير ‪ 2022‬نحو ‪ 5‬مليارات درهم مغربي نحو‬
‫آليات مندمجة للحماية االجتماعية‪ ،‬والسجل االجتماعي الموّحد وبشكٍل خاص لتمويل تكاليف‬
‫الصحة‪ .‬ما يعني تخصيص الموارد الناتجة عن الرفع التدريجي لدعم الدولة للمواد الغذائية‬
‫‪26‬‬

‫والطاقة لتمويل تدابير الحماية االجتماعية‪ ،‬وبالتالي المّس بالقدرة الشرائية لبعض الناس في‬
‫المغرب‪ ،‬وال سيما من هم من الطبقة الوسطى‪ .‬فهذه األخيرة مهددة بالهشاشة‪ ،‬ومستثناة إلى حٍد كبير‬
‫من التغطية االجتماعية الكافية‪ ،‬إثر ضعف نظام االستهداف والمشاكل في تركيبة السجالت‬
‫المعتمدة‪ .‬وبالتالي لن تقدر هذه الطبقة على مواجهة غالء أسعار عدد من المواد المدعومة من قبل‬
‫صندوق المقاّص ة من دون أن يكون لها إمكانية االستفادة من أي دعم أو استهداف في الوقت نفسه‪.‬‬
‫ما قد يؤدي إلى تدحرج هذه الطبقة المنسية نحو عتبة الفقر‪ .‬فربما تفضي هذه النظرة التجزيئية إلى‬
‫مسألة تمويل الحماية االجتماعية إلى حماية فئات مقابل إفقار أخرى‪ ،‬وقد تكون مشّجعة لتبرير‬
‫الدولة انسحابها من المجال االجتماعي‪ ،‬وتكريس سياسات التخلي عبر مدخل إصالح صندوق‬
‫المقاصة‪ .‬ولعل هذا ما يفسر دعم البنك الدولي لهذا اإلصالح‪ ،‬إذ التزم بتخصيص ‪ 400‬مليون‬
‫‪27‬‬

‫دوالر لدعم الحكومة في القيام باإلصالحات "المنهجية" لنظام الحماية االجتماعية‪ ،‬عبر وضع‬
‫السجل الوطني للسكان والسجل االجتماعي الموحد‪ ،‬وإرساء الوكالة الوطنية للسجالت‪ ،‬ما يطرح‬
‫‪28‬‬

‫توّج سات حول اآلثار الجانبية لهذا المشروع‪ ،‬في ضوء مصير بعض التجارب التي واكبها البنك‬
‫الدولي في بلداٍن أخرى‪ ،‬باتخاذ تعميم الحماية االجتماعية كمدخل ناعم لتوجيه الميزانية العامة‬
‫لخدمة شروط االستدانة على حساب األولويات االجتماعية كما حصل في المكسيك‪ .‬وهذا ما بدأت‬
‫تظهر بعض تطبيقاته في التجربة المغربية‪ ،‬في ظل ضعف إعمال التدابير المواكبة للحيلولة دون‬
‫إضرار بعض اإلصالحات بالقدرة الشرائية للمواطنين‪ ،‬كما هو الحال مع برنامج "تيسير" الموّجه‬
‫إلى تشجيع التمدرس‪ ،‬الذي ُتغطى ميزانيته من الموارد الناجمة عن رفع الدعم عن المواد الغذائية‬
‫والطاقة‪ ،‬ما يجعله ال يخدم فقط توسيع تغطية الحماية االجتماعية في كل البالد‪ ،‬بل إن نتائجه قد‬
‫تخدم في المقام األول تحقيق توازن الميزانية‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫العدالة المجالية ‪5.‬‬


‫ومن بين التحديات األبرز‪ ،‬أيضًا‪ ،‬التي ستواجه تعميم التغطية الصحية‪ ،‬غياب العدالة المجالية بين‬
‫جهات ومناطق المغرب‪ ،‬بسبب التوزيع غير المتكافئ للمنشآت الطبية‪ ،‬ومعها األطر العاملة على‬
‫التراب الوطني‪ ،‬والغياب شبه التام للمستشفيات في عدد كبير من المناطق النائية والبعيدة عن‬
‫المركز‪ .‬ومن شأن ذلك أن يترك اآلالف من سكان هذه المناطق خارج التغطية الصحية‪ ،‬وقد ال‬
‫يفيدهم في شيء تعميم التغطية الصحية‪ ،‬ما داموا غير قادرين على التنقل بعيدًا للبحث عن هذه‬
‫العالجات‪ .‬ومعظم المستشفيات الكبرى والمصحات الخاصة‪ ،‬ونصف عدد األطباء في المغرب‬
‫متمركزون في المدن الكبرى‪ ،‬ال سيما في محور "الجديدة ‪ -‬الدار البيضاء ‪ -‬الرباط – القنيطرة"‪،‬‬
‫كما أن ثلثي المهنيين الصحيين يتمركزون في أربع جهات من المملكة‪ ،‬في حين يتوزع الثلث الباقي‬
‫‪.‬على ثماني جهات أخرى (يضم المغرب ‪ 12‬جهة‪ ،‬وكل جهة تضم محافظات وأقاليم)‬

‫عجز منظومة الصحة العمومية ‪6.‬‬


‫يحتل المغرب أواخر ترتيب دول شمال إفريقيا في ما يتعلق بعدد األسّر ة المتوفرة في المستشفيات‬
‫العامة‪ ،‬فال تتجاوز نسبته ‪ 11‬سريرًا لكل ‪ 10.000‬نسمة‪ ،‬مقابل ‪19‬سريرًا في الجزائر‪ ،‬و‪ 22‬في‬
‫تونس‪ .‬وتتعّم ق مشاكل المستشفيات العامة في الخصاص الكبير الذي تعانيه في الموارد البشرية‪ ،‬إذ‬
‫سبق لوزير الصحة أن صّر ح بهذا الخصاص (الجد مهول؟) بأن المغرب يحتاج إلى أكثر من‬
‫‪ 97.566‬من العاملين في القطاع الصحي (‪ 32.522‬طبيبًا(ة)‪ ،‬و‪ 65.044‬ممرضًا(ة)‪ ،‬ويعود ذلك‬
‫في الدرجة األولى إلى الظروف المزرية التي تعاني منها غالبية المستشفيات‪ ،‬إذ تفتقر إلى المعدات‬
‫واألجهزة الطبية التي تضمن عالجات بجودة عالية‪ ،‬وبسبب األجور الهزيلة التي يتلقاها العاملون‬
‫في قطاع الصحة العامة‪ ،‬ما يدفع العشرات من األطباء‪ ،‬سواء المتمرسين أو الخريجين الجدد‪ ،‬إلى‬
‫‪.‬اختيار الهجرة إلى الخارج‪ ،‬حيث ظروف العمل أفضل‬

‫الموارد البشرية ‪7.‬‬


‫تحصل مؤسسات الحماية االجتماعية على ضعف نسبة الموارد البشرية المغربية التي تفضل‬
‫الهجرة إلى الخارج‪ ،‬مقارنًة بقطاع الصحة العامة بحسب وزير التعليم العالي المغربي‪ .‬وصّرح‬
‫األخير بأن عدد األطباء الذين يتخرجون سنويًا في المغرب يصل إلى ‪ 1400‬طبيب‪" ،‬نصفهم‬
‫يهاجر إلى أوروبا"‪ ،‬وكشفت أرقام وصفها كثيرون بالصادمة‪ ،‬تضمنها تقرير حديث للمجلس‬
‫‪30‬‬

‫الوطني لحقوق اإلنسان (مؤسسة وطنية رسمية)‪ ،‬أنه مقابل ‪ 23‬ألف طبيب مغربي يمارسون مهنتهم‬
‫في البالد‪ ،‬يوجد بين عشرة آالف و‪ 14‬ألف منهم يمارسونها في الخارج‪ ،‬خصوصًا في الدول‬
‫األوروبية‪ .‬فواحد من كل ثالثة أطباء مغربيين تقريبًا يمارس مهنته خارج البلد‪ ،‬على الرغم من‬
‫الحاجة الملحة في المغرب إلى كل أطبائه وإلى المزيد منهم‪ .‬لذا‪ ،‬تدق هذه المعطيات واألرقام‬
‫ناقوس الخطر بشأن هجرة األطباء أو الطلبة المتخرجين من كليات الطب والصيدلة في دول‬
‫الغرب‪ ،‬ما يتطلب من الحكومة المغربية تدارك تداعيات هذا النزيف‪ ،‬التي قد تؤثر سلبًا على فعالية‬
‫ونجاعة منظومة التغطية الصحية في شكلها ومضمونها الجديدين‪ ،‬باعتماد قرارات وإجراءات‬
‫‪.‬تهدف إلى تحسين وضع الطبيب المغربي‪ ،‬حتى ال يختار الهجرة إلى الخارج‬
‫تزايد نسبة الشيخوخة ‪8.‬‬
‫من بين التحديات الكبيرة التي يجب معالجتها بالجدية المطلوبة وبالروح التضامنية‪ ،‬التي يجب أن‬
‫تؤطر جميع السياسات العمومية للدولة االجتماعية‪ ،‬التحدي المرتبط بتزايد نسبة الشيخوخة في‬
‫الهرم السكاني المغربي‪ .‬فتوقعت تقارير رسمية ارتفاع أعداد المسنين في المجتمع المغربي في أفق‬
‫عام ‪ ،2050‬إذ تشير التوقعات اإلحصائية للمندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة اإلحصاء الرسمية)‪،‬‬
‫إلى أن عدد األشخاص المسنين سيرتفع من ‪ 4,5‬ماليين حاليًا‪ ،‬إلى ‪ 10‬ماليين نسمة في أفق عام‬
‫‪ .2050‬وبذلك‪ ،‬سيصل الوزن الديموغرافي لألشخاص المسنين إلى ‪ %23,2‬مقابل ‪ %12,2‬عام‬
‫‪ 2022.‬ومن المعلوم أن فترة الشيخوخة ترتبط باألمراض المزمنة‪ ،‬ما يزيد من الطلب على‬ ‫‪31‬‬

‫الرعاية الصحية والمزيد من نفقات التأمين اإلجباري عن المرض‪ ،‬مع ما يصاحب ذلك من تأثير‬
‫سلبي على استدامة أنظمة الحماية االجتماعية‪ ،‬خصوصًا صناديق التقاعد والتغطية الصحية‪ ،‬ما‬
‫سيؤدي بالضرورة إلى تحّم ل األجيال المقبلة ارتفاع العبء المالي ألنظمة التقاعد‪ .‬ومن أهم العقبات‬
‫التي سيواجهها المسنون الفقراء‪ ،‬وذوو الدخل المحدود‪ ،‬أن المعاشات أو المساعدات االجتماعية‬
‫التي سيتسلمونها بعد وضع آليات االستهداف‪ ،‬لن تكفيهم لمواجهة تكاليف الحياة‪ ،‬ال سيما كلفة‬
‫عالجات األمراض المزمنة باهظة الثمن‪ ،‬إذ سيتحملون ما يزيد عن ‪ %50‬أو أكثر من النفقات من‬
‫ميزانياتهم الخاصة‪ ،‬على الرغم من االشتراكات الشهرية التي يدفعونها‪ ،‬ألن االشتراكات‬
‫‪.‬والمعاشات ال ُتَع َّد ل وفقًا لمعّد ل التضخم المالي في البالد‬

‫خالصة‬
‫يعّد تعميم الحماية االجتماعية في المغرب تحوًال نوعيًا في النموذج االجتماعي للنظام السياسي‬
‫القائم‪ .‬قد يكون هذا التعميم ُلبنة مركزية في تأسيس الدولة االجتماعية المبنية على التضامن‬
‫واإلنصاف والعدالة االجتماعية‪ ،‬وربما يساهم نجاح ورش الحماية االجتماعية في إعادة ثقة الناس‬
‫في مؤسسات بلدهم‪ .‬لكن ذلك ال يمنع من التذكير بأن هذه الورش تواجهها أيضًا ومنذ نشأتها‪ ،‬عدة‬
‫تحديات قد تعطل أهدافها وتطلعاتها في األفق المنظور‪ ،‬خصوصًا إذا لم يصاحب عملية تنفيذها عدد‬
‫من االحترازات المرتبطة بنمط الحوكمة المرتقبة لتدبيرها‪ ،‬ومواجهة التحديات التي من شأنها أن‬
‫تحول دون تحقيق أهدافها كما سّطرتها الحكومة المغربية للعموم‪ ،‬وكما تم تشريعها ضمن القانون‬
‫اإلطار رقم ‪ 09.21‬المتعلق بالحماية االجتماعية‪.‬‬
‫‪32‬‬

‫لذلك‪ ،‬وجب على القائمين على منظومة الحماية االجتماعية في المغرب‪ ،‬التفكير بروح وبمقاربة‬
‫تضامنية بين األجيال وبين الطبقات االجتماعية‪ ،‬إلصالح أنظمة التغطية الصحية وأنظمة التقاعد‬
‫وغيرها‪ ،‬كما ديمومة تلك األنظمة حتى ال تنهار اآلمال المعلقة على ورش تعميم الحماية االجتماعية‬
‫من قبل الماليين من المغاربة إلخراجهم من دائرة البؤس والحاجة‪ ،‬وتمكينهم من العيش بكرامة‬
‫‪.‬وثقة في وطنهم‬

You might also like