Professional Documents
Culture Documents
النظرية العامة للقانون المدني 2021 UGTE
النظرية العامة للقانون المدني 2021 UGTE
قانون مدني
نذير بن عمو
تنبيه :هذا الدرس موضوع حماية التشريع الجاري به العمل المتعلق بالملكية األدبية والفنية ،كل
استنساخ دون موافقة المؤلف يعرض صاحبه للتتبعات القانونية.
قائمة المختصرات
د :دستور الجمهورية التونسية 2014
ع :عدد
ص :.صفحة.
م ت :المجلة التجارية.
م ج :المجلة الجزائية.
2
أهم المراجع المشار إليها في هذا الدرس
تونس، المركز القومي البيداغوجي، مدخل لدراسة القانون: محمد الشرفي و علي المزغني
) الشرفي والمزغني: (مشار إليه ب1993
طبعة، النظرية العامة للحق، النظرية العامة للقانون، قانون مدني:محمد كمال شرف الدين
) شرف الدين: (مشار إليه ب،2020 ، مجمع األطرش،ثالثة
3
مقدمة عامة
-1اللغة واالصطالح
كلمة "قانون" قد تكون من الفارسية وقد تكون من اليونانية 1وتعني المقياس أي الوسيلة التي
تستعمل للتقدير ،يمثلها رمز الميزان (ويرمز به أيضا إلى العدل) تمسكه آلهة العدالة
Thémisمعصوبة العينين (المساواة بين المتخاصمين) لتزن به حجج األطراف :بالعدل.
في اللغة العربية يقال أيضا الشريعة أو السنة ويقصد بهما المنهج أو الطريقة .بمعنى المنهج
المرسوم ليكون واجب االتباع ويترتب عن مخالفته جزاء محدد.
تعريف أولي :القانون هو مجموع القواعد التي تنظم الحياة في المجتمع – ويقال أيضا قواعد
سلوكية ،تنظم السلوك – والمجتمع المقصود هو كل مجتمع مهما كان صغي ار (في لعبة كرة
القدم) أو كبي ار (الدولة) ،ويؤكد هذا فكرة ارتباط القانون بفكرة المجتمع يعبر عنه في اتجاهين
"ال يوجد قانون إال إذا وجد مجتمع" و "ال مجتمع دون قانون" .
ال يقصد به األنظمة التلقائية ،ما يمكن أن يسمى بقوانين الطبيعة ،المقصود هو األنظمة التي
يقررها البشر نقول يضعها فهي موضوعة أو وضعية ويكون القانون وضعيا.
الحاجة إلى معرفة القانون تفرضها العالقات البشرية سواء أكانت اجتماعية (زواج،
طالق )...أو اقتصادية (شغل ،بيع وشراء ممارسة التجارة ،سفر :نقل) أو ترفيهية (رياضة
إقامة بنزل غذاء بمطعم) وما يترتب عن العيش في مجتمع واستعمال الفضاءات العامة ووسائل
Kanôn 1
4
النقل واالتصال وحوادث طرقات وما تفضي إليه كل هذه العالقات من خصومات ويكون من
الضروري العلم بكيفية ممارستها ونتائجها .ويظهر من كل ذلك أن:
-القانون وسيلة تنظيم (االختيار بين الفوضى والنظام ،لعبة كرة القدم مثاال)
-القانون وسيلة توقع (السيطرة على الزمن ،اإلعداد لألفضل :التنمية التشغيل ،االستثمار
) ....
-القانون وسيلة لفض النزاعات (ال يكون قانون الغاب ،ال يمكن للشخص أن يقتص لنفسه
بنفسه).
هناك أنظمة أخرى تنظم السلوك .ال يختص القانون بتنظيم العالقات االجتماعية بل
هناك أنظمة أخرى سبقته أو هي مزامنة أو منافسة له مثل الدين واألخالق .لكن القانون يمكنه
أن يستوعب الدين أو األخالق (القاعدة الدينية أو األخالقية إذا تبناها القانون تصبح من
قواعده) كما يمكنه أن يتجاهلها وخاصة يمكنه أن يعارضها (الكذب غير أخالقي /غير ديني،
لكن القانون ال يجازي كل مظاهر الكذب ،العقد الذي يستعمل فيه التغرير يكون قابال لإلبطال
'تغرير مذموم' لكن التاجر الذي يمدح سلعته بما ليس فيها ال يترتب عن كذبه شيء 'تغرير
محمود').
-4القانون والحق
الحق (جمع حقوق) هو المصلحة المشروعة التي يقرها المشرع (القانون الوضعي) للفرد
ويوفر وسائل حمايتها ،فالمنظومة القانونية هي التي تنشئ الحقوق وال وجود لحقوق دونها،
فيكون قولنا "كلية الحقوق" مجرد تقليد مأخوذ عن تداخل المفهومين الفرنسيين droitsللتعبير
5
عن الحقوق الفردية و Droitبالحرف الالتيني الكبير Dالذي يعبر عن المنظومة القانونية،
فاستعمال حقوق في اللغة العربية للتعبير عن القانون ال يؤدي المعنى المقصود.
-5القانون والواقع
هذه تفرقة أساسية بين مفهومين على عالقة وثيقة ببعضهما البعض ،تطور الواقع يكون
بحسب حاجيات المجموعة فالواقع سابق في وجوده وتطوره والقانون باعتباره وسيلة لتأطير
الواقع يكون دوما في وضع متابعة ومحاولة اإلحاطة المستمرة بالظواهر الواقعية( .الزواج واقع
اجتماعي قبل أن تتدخل التشريعات لتجعل منه مؤسسة قانونية).
القانون علم يعتمد التعريف والتصنيف والتجميع المقارنة بهدف التنظيم كما أن القانون
معروف بكونه علم تأويل تبعا لما يقتضيه تطبيقه من استجالء معاني قواعده.
القانون ليس من العلوم الصحيحة ولكنه علم صحيح اصطالحيا أي أن كل مصطلح ال
يقتضي إال المعنى الذي خصص له وال يجوز استعمال مصطلح مكان آخر (مفهوم الشيء
يطلق على الجماد وال يطلق على األشخاص).
ولهذه المسألة ارتباط وثيق بلغة القانون هي لغة خاصة تعتمد مصطلحات وتراكيب ال توجد
في علوم أخرى وحتى لو وجدت فليس لها نفس المعاني.
اللغة القانونية واللغة العربية واللغات األخرى .اللغة العربية هي اللغة الرسمية لكن هناك
ضرورة عملية وعلمية في االستعانة بلغات أخرى بهدف متابعة تطور الظاهرة القانونية في
أنظمة أخرى لالستفادة منها في تطوير القانون في بالدنا.
حاجة القانون إلى العلوم األخرى (العلوم االقتصادية واالجتماعية وعلم النفس )...وكذلك
العلوم التابعة للقانون مثل علم تاريخ القانون الذي يمكن من التعرف على تطور المفاهيم
6
والمؤسسات القانونية ويساعد في فهمها وتطويرها والقانون المقارن المتعلق بدراسة األنظمة
القانونية المعمول بها حول العالم بما يمكن من استعمالها في تنقيح القانون وتطوير المفاهيم
الفنية وفي تأويل القانون ،وكذلك علم اجتماع القانون الذي يهتم بدراسة الظاهرة القانونية
والقضائية لالستفادة من نتائجها في تطوير المنظومة القانونية.
القانون وسيلة من وسائل الدولة تحقق بها أهدافها المختلفة في األمن في العدل في
التنمية .لضمان األمان واالستقرار واعتبا ار إلى أن الدولة هي التي تسن القوانين يكون عليها
فرض احترامها ولكن كذلك وبالضرورة عليها هي نفسها بمختلف مؤسساتها احترام قوانينها.
(ال يمكن الحديث عن دولة القانون إذا كانت الدولة ذاتها ال تحترم القوانين التي تسنها).
الهدف األسمى للقانون هو تحقيق العدل فالعدل ينتج عن تطبيق القانون تطبيقا صارما
بما تتحقق به المساواة (دون النظر إلى الظروف الخاصة بكل فرد) .أما اإلنصاف (ونقول
أيضا العدالة) فهو مفهوم ولئن استعمل مصاحبا للعدل فهو مختلف عنه بل هما مفهومان
متعارضان .فاإلنصاف مجعول حتى تؤخذ باالعتبار الحاالت الخاصة ويعرف أنه عدل
الحاالت الخاصة ويقتضي اللجوء إليه أن توضع قواعد القانون جانبا .مثال :الفصل 242م ا
ع يقرر أن العقد القانوني يقوم مقام القانون بين الطرفين بمعنى أنه ملزم لهما .إذا أخل أحدهما
بما التزم به فالجزاء فسخ العقد مع التعويض ،لكن الفصل 243م ا ع يقر أيضا أنه يجب
الوفاء بالعقد الزم بحسب ما يقتضيه القانون أو العرف أو اإلنصاف .فاعتماد اإلنصاف يمكن
من أن يؤخذ باالعتبار الوضع الخاص بالمتعاقد على األقل في مقدار التعويض الذي سيحكم
به عليه.
7
-9يرتبط مفهوم العدالة بفكرة القوانين الجائرة وقد طرح منذ القدم سؤال هل أن القانون واجب
االحترام حتى ولو كان جائرا؟ موقف سقراط :احترام القانون واجب حتى ولو كان جائ ار .
ونقيض ذلك الموقف هو ما عبرت عنه Antigoneفي مسرح Sophocleمن رفض
الخضوع لحكم القانون بسبب جوره.
هو أيضا ما تعبر عنه الشعوب عند اإلحساس بالظلم تجاه ما تفرزه القوانين من
أوضاع انعدام المساواة فتكون الثورة ضد المنظومة بما فيها المنظومة القانونية فتسعى إلى
تغيير القوانين بما يالئم أفكارها وأهدافها وكما حدث في بالدنا إثر ثورة 2010 /12/17و
2011/01/14كان من أكبر النتائج تعليق العمل بدستور 1959وسن دستور جديد يترتب
عنه تدريجيا تغيير كامل في المنظومة القانونية.
-10القانون والالقانون
1
فكرة الالقانون هي من تصور الفقه األلماني وتبناها الفقيه الفرنسي جان كاربونيي
وتعني أن القانون ال يغطي كل مناطق العالقات االجتماعية (وليس المقصود منها أوضاع
الفوضى) ويقصد بها أن القانون ليس الحل لكل اإلشكاالت (ليست كل الخالفات العائلية
محكومة بالقانون وحتى في ذلك اإلطار فليست كل النزاعات معروضة بالضرورة على
القضاء).
النظرية العامة :النظرية (بوجه عام) هي البناء الفكري المجرد القائم على مالحظة
الظواهر قصد فهمها وتفسيرها وتبويبها بهدف صياغة المناهج الرامية إلى اإلحاطة بها لتنظيمها
سعيا إلى توقع آثارها واالستعداد لها.
1
Jean CARBONNIER, L'hypothèse du non-droit, Archives de philosophie du droit, Sirey,
Paris, 1963.
8
النظرية العامة للقانون ّ
تعرف بأنها فهم الظاهرة القانونية من خالل دراسة سبب وجودها
وأهدافها ومفاهيمها األساسية وتطبيقها ووسائلها ومناهجها هي إذن تعنى بدراسة المنظومة
1
القانونية من حيث أسباب وجودها وطرق عملها.
*النظرية العامة للقانون تهتم بالظاهرة القانونية بالبحث في األنظمة القانونية ومالحظة
والتحقق من عناصرها الثابتة وتفاعالتها مع بعضها البعض الستخالص المفاهيم والتقنيات
وأهم التصورات الفكرية فيها بينما تهتم فلسفة القانون بما ينبغي أن يكون عليه القانون وال بما
هو عليه فعال.
فلسفة القانون ليست من القانون كما هو األمر بالنسبة إلى علم اجتماع القانون .فتهتم
فلسفة القانون بالتساؤل حول وجود قانون دائم وكوني .هذا التساؤل مندرج في ماورائيات
القانون وتتلخص األفكار حول مدرستين :2االتجاه الوضعي واالتجاه المثالي.
واالتجاه الوضعي وينقسم إلى مدرستين المدرسة الوضعية القانونية (أو الدولية) :ال
اهتمام وال تركيز إال على القانون الذي تضعه الدولة ويعبر عن إرادتها ومطابق لها وال يمكنها
أن تخالفه والمدرسة الوضعية االجتماعية التي تعتبر أن القانون نتاج الظواهر االجتماعية
ويتطور بحسب حاجات المجتمع.
أما االتجاه المثالي فتعبر عنه مدرسة القانون الطبيعي :هناك عدالة أعلى وأرقى من
وتؤثر هذه المدارس القوانين الوضعية يلجأ إليها اإلنسان لمواجهة ظلم القوانين الوضعية.
بمقادير متفاوتة في مختلف األنظمة القانونية وسنالحظ ذلك من خالل دراسة النظام القانوني
9
وتأثر بالمدرسة الوضعية الدولية وخاصة في تبني الترتيب الهرمي للقواعد القانونية للفقيه
النمساوي هانس كلسن.
في تعريف أولي القانون المدني هو مجموع القواعد التي تنظم عالقات األفراد الخاصة
فيما بينهم سواء تلك التي تقوم على االتفاقات اإلرادية (العقود) أو ما ينتج من وقائع تترتب
1
عنها مسؤوليتهم.
تبرير مجال الدرس في القانون المدني رغم أنه من فروع القانون الخاص هو أن مواد
القانون المدني هي األكثر اكتماال واستق ار ار ومنه تستلهم مواد أخرى مختلف الحلول والمؤسسات
كالعقد في مادة القانون التجاري أو التجارة الدولية والقانون اإلداري والمسؤولية في مواد أخرى
كالقانون اإلداري.
المخطط :الجزء األول :مفهوم القانون -الجزء الثاني مصادر القانون .
راجع شرف الدين ،فقرة 1إلى 3والصفحات 34وما بعدها أسفله. 1
10
الجزء األول :مفهوم القانون
2
لمفهوم القانون معان مختلفة فنقول القانون ونقول نظام قانوني 1أو منظومة قانونية
وكل ذلك يقدم القانون على أنه هيكل أو بناء فكري يقوم على ترابط مؤسسات (دولة ،قضاء،
إدارة ).... ،تنظمها مبادئ عامة وقواعد تفصيلية تهدف إلى ضبط العالقات باختالف أنواعها
(خاصة وعامة) بين األفراد ببعضهم البعض واألفراد والمجموعات بالمؤسسات من أجل تحقيق
األمان العام واستشراف المشترك .فالقانون هو ذلك الهيكل العام المعبر عنه بالمنظومة القانونية
(الباب الثاني) الذي تتلخص أهم مميزاته في مظهره األبرز وهو القاعدة القانونية (الباب األول).
القاعدة القانونية قاعدة عامة (مبحث أول) مجردة (مبحث ثان) مستمرة (مبحث ثالث)
وهي قاعدة ملزمة (مبحث رابع).
أ-تتمثل عمومية القاعدة القانونية 3في اعتمادها على الوضعيات بقطع النظر عن
األشخاص .فالعمومية تتمثل إذن في قابلية شمولها أي انطباقها على عدد غير محدود من
األشخاص الذين يكونون في نفس الوضعية فال يهم حينئذ الشخص بقدر ما تهم الوضعية
Système juridique2
شرف الدين فقرة .9 3
11
القانونية المعنية 1فإذا صدر قانون يتعلق بكيفية التعويض عن حوادث الطرقات سيكون ذلك
القانون عاما بمعنى أنه في كل مرة يحدث ضرر مترتب عن حادث طريق ويكون موجبا
للتعويض (الوضعية المقصودة هي ضرر ترتب عن حادث طريق) إال وانطبق ذلك القانون
بقطع النظر عن المتضرر.
ب-عمومية القاعدة ال تتأثر بأنها تصاغ أحيانا كاستثناء من مبدأ .فهناك القواعد المقررة
لمبدأ وأخرى تقرر استثناء للمبدأ ولكن ذلك ال يغير من طبيعتها (أي القاعدة المتضمنة استثناء)
كقاعدة عامة . 2فعندما ينص الفصل 3م ا ع أن "كل شخص أهل لاللتزام " فهو يقرر مبدأ
األهلية أي أهلية الشخص لاللتزام أي إلبرام التصرفات القانونية .وعندما يضيف "ما لم يصرح
القانون بخالفه" فهو يقرر أن هذا المبدأ يمكن أن تدخل عليه استثناءات وأنه ال بد أن تحدد
تلك االستثناءات بنص القانون .من ذلك ما قرره الفصل 5م ا ع الذي حدد األشخاص الذين
ليس لهم أهلية التعاقد إال بواسطة ومنهم الصغير الذي لم يبلغ من العمر ثالث عشرة سنة
كاملة .فهذا االستثناء هو قاعدة قانونية تتميز بالعمومية أي أنها تشمل كل الوضعيات التي
يكون فيها سن الشخص أقل من ثالثة عشر عاما فيكونون كلهم إذا ما أرادوا التعاقد فاقدين
ألهلية األداء 3أي ال يمكنهم التعاقد إال بواسطة من له النظر عليهم.
ج -كذلك ال يهم عدد األشخاص الذين قد تنطبق عليهم القاعدة فيمكن أن يكونوا مئات
أو آالفا (كما هو الحال في حوادث الطرقات) وقد ال تنطبق القاعدة إال على شخص واحد.
وتتوفر هذه الوضعية مثال عندما يقرر القانون شروط االنتخاب لمهمة (مثال عمادة الكلية)
فالمترشحون متعددون ،وهوية العميد ال تكون معلومة إال بعد استنفاذ المراحل االنتخابية المقررة
12
بالنصوص القانونية وعند التصريح بالنتائج سيكون هناك شخص واحد هو الذي سيتولى
المهمة .فالقاعدة عامة حتى ولو أن تطبيقها ال يفرز إال شخصا واحدا.
د -وعمومية القاعدة بهذا المعنى تمكن من تمييزها عن الوضعيات المترتبة عن الق اررات
اإلدارية التي تتعلق بأفراد وتسمى الق اررات الفردية (تسمية وال أو معتمد أو مدير ،ترخيص -
رخصة الوالية في عمليات التفويت في عقارات لفائدة أجانب) وتبقى ق اررات فردية حتى ولو
شملت مجموعة من األشخاص (القائمات المتعلقة بالعفو الرئاسي أو القائمات الصادرة بمنح
الجنسية التونسية أو بالتعيين في رتبة أستاذ للتعليم العالي) فالقرار يتعلق بشخص أو بأشخاص
محددي الهوية وهو ما ال يمكن معه القول بأن األمر يتعلق بقاعدة عامة.
هـ-تتمثل العمومية أيضا في أنها تتعلق بالوضعيات الناشئة على تراب البالد إذ ليس
للمشرع أن يشرع إال في حدود سيادته على تراب البالد فتطبق القاعدة على الوضعيات
الناشئة في تونس .فالقاعدة ليست ذات مجال نفاذ دولي أو عالمي .لكن في إطار مادة أخرى
هي مادة القانون الدولي الخاص وفي إطار ما نسميه قواعد تنازع القوانين في المكان تعالج
اإلشكاالت المتعلقة بنزاعات تشمل عنص ار أجنبيا كأن يتعرض تونسي إلى حادث مرور في
الجزائر أو أن يتزوج تونسي بفرنسية ويعيشان في المغرب ويرغبان في الطالق هناك فهل
يطبق القانون التونسي أو الفرنسي أو المغربي؟ تنظم كل دولة األحكام المتعلقة بهذا النوع من
النزاعات وفي تونس تنظم هذه المسائل مجلة القانون الدولي الخاص.
يعالج بعض الفقهاء خاصية التجريد بالتزامن مع خاصية العمومية . 1ومع أن األمرين
متالزمان إال أن التفرقة بينهما ممكنة .فيتمثل التجريد في أنه ال يتم سن القاعدة القانونية
لفض إشكال أو نزاع محدد بما قد يجعلها متعلقة بواقعة محددة .ومع أنها تنطلق من الوقائع
13
أو تتصور حدوثها فإن صياغتها تتمثل في وضع الشروط التي إذا ما توفرت في واقعة ما
تكون القاعدة منطبقة .نأخذ مثاال من الفصل 99م ا ع الذي ينص أنه "لألجوار القيام على
أصحاب األماكن المضرة بالصحة "...فالقاعدة القانونية ال تهتم باألوضاع الخاصة أو الفردية
فالمشرع ال يتدخل لفض خالف خاص أو لتسوية وضعية فرد معين.
وأبرز دليل على التجريد يظهر بالمقارنة بين القاعدة القانونية والحكم القضائي.
فالحكم القضائي يصدر بفض نزاع محدد بذاته (حكم بأداء غرامة من أجل الطرد التعسفي)
ويصدر تجاه أشخاص معينين (ضد المؤجر ولصالح األجير) نتيجة ذلك أن نص الحكم ال
يكون قابال للتعميم على نزاعات أخرى حتى ولو كانت متشابهة (نزاع شغلي طرد تعسفي لعشرة
عمال ستصدر بين المشغل وكل واحد من العملة أحكام على عدد العملة القائمين بالدعوى وال
ّ
تنطبق إال على حالة بذاتها (حكم لصالح أ ،حكم آخر لصالح ب ...حتى ولو تشابهت
الحاالت)( .ال يجب الخلط مع ما سيقال الحقا حول االلتزام بفقه القضاء).
ال يوجد في قانوننا الوضعي نص صريح يمنع على المحاكم أن تصدر أحكاما عامة
وترتيبية في النزاعات المعروضة عليهم (خالفا للقانون الفرنسي المجلة المدنية الفصل .) 5
لكن طبيعة الوظيفة القضائية المتمثلة في فض النزاعات بتطبيق القانون ومبدأ فصل السلط
من جهة والقواعد المتعلقة بشكل األحكام وخاصة الفصل 123م م م ت (أسماء وصفات
الخصوم ،ملخص مقاالتهم ،األسانيد الواقعية والقانونية ،المصاريف ) من جهة أخرى تجعل
من كل حكم وضعية انفرادية غير قابلة ألن تشمل مجموعات من القضايا يصدر فيها حكم
عام بما ينجر عنه أن العمل بخالف ذلك يؤدي إلى تجاوز للسلطة (بمعنى أن القاضي يتحول
إلى مشرع عندما تصبح أحكامه قابلة النطباق خارج النزاع المعروض عليه).
14
المبحث الثالث :القاعدة القانونية مستمرة
تتميز القاعدة القانونية بكونها مستمرة في الزمن أو بعبارة أخرى دائمة 1فتكون سارية
المفعول إلى أن يصدر قانون بنسخها صراحة أو ضمنا طبق ما قرره الفصل 542م ا ع.
لكن هذه الديمومة ال تعني األ زلية فتغيير األوضاع والظروف االقتصادية واالجتماعية يجعل
المشرع مطالبا بتنقيح القوانين لتعديل أحكامها (تغيير سن الرشد من عشرين عاما إلى ثمانية
عش عاما) أو لتغييرها (مجلة التشجيع على االستثمار استبدلت بقانون االستثمار) أو حتى
إلغائها دون تعويض (إلغاء العمل باألحباس).
هكذا ،تحقق الخصائص المميزة للقاعدة القانونية غايتين أساسيتين ،تتمثل األولى في
إمكانية التوقع وتتمثل الثانية في األمان القانوني .فاعتبا ار إلى أن القانون أداة سيطرة على
المستقبل تمكن القاعدة القانونية األفراد والمجموعات من العلم المسبق بنتائج أفعالهم ومآل
تصرفاتهم واالستعداد لها .فيعلم الشخص مثال أنه إذا ارتكب خطأ متعمدا فإنه يكون مسؤوال
عن الضرر الحاصل للغير (الفصل 82م ا ع ) وكذلك يعلم أنه إذا أبرم عقد كراء مع مالك
منزل لمدة معينة فإن تلك العالقة ستستمر إلى نهاية تلك المدة.
صيغ اإللزام (فقرة أولى) درجات اإللزام (فقرة ثانية) تحقيق اإللزام (فقرة ثالثة).
الصيغ هي األشكال التي يتم التعبير بها عن إلزامية القاعدة القانونية وهي إما وجوب
(أ) أو نهي (ب) أو إباحة (ج).
15
أ-الوجوب
بمعنى تحميل المقصودين بالقاعدة القانونية بضرورة االستجابة لما يقتضيه المشرع ويستعمل
فيه صيغة المضارع باستعمال فعل وجب (الفصل 63م اع "المعقود عليه يجب أن يكون معينا
ولو بالنوع)"...
أو صيغة األمر "من تسبب في ضرر غيره عمدا منه واختيا ار "فعليه جبر الضرر" (الفصل
82م ا ع).
أو ترتيب النتيجة كما لو كانت حاصلة "من تسبب في ضرر غيره خطأ "فهو مسؤول" (الفصل
83م ا ع).
ب -النهي
وهو في معنى المنع فما يقرره المشرع يقضي بأن ال يمكن للشخص أن يقوم بشيء
(ال يجوز للمفلس أن يتبرع ،الفصل 552م ا ع ) فإنه يمنعه عن إتيان شيء ما وتكون
الصيغ مختلفة مثل ترتيب جزاء عن مخالفة النهي (الفصل 64م ا ع ) يبطل العقد إذا كان
على شيء غير ممكن.
ج-اإلباحة
اإلباحة هي خالف المنع وخالف الوجوب فاألمر متروك إلرادة المعني باألمر أي أن
المشرع يترك له تقدير ما إذا قرر ممارسة حق أو حرية فيرتب عن تلك الممارسة نتيجة أو
عدم الممارسة فيكون قد اختار ّأال ينتفع بذلك الحق .فإذا دفع الشخص ماال لسبب مستقبل
فإن المشرع يترك له تخييرا ،الفصل 77م ا ع "يجوز استرداد ما دفع لسبب مستقبل" .كما أن
المشرع ينظم الزواج وال يجعله إلزاميا ،وينظم تعاطي التجارة ويترك الحرية في ممارستها وقد
يخضع أنواعا من األنشطة إلى تراخيص) لكنها حتى في هذه الحالة (اإلباحة) تتضمن القاعدة
16
أم ار لآلخرين باحترام ما حرية أو أرادة الفرد فيما اختاره فال أحد يجبرك (بالقانون) على الزواج
(إن اخترت أال تتزوج).
لكن ترك التخيير ال يعني نزع سلطة القانون فعندما يختار الشخص الزواج فإنه يصبح
بالضرورة خاضعا لنظامه القانوني فيتحمل نتائجه من حيث الواجبات (اإلنفاق ،المساكنة)...
وعندما يقرر ممارسة التجارة فإنه يخضع إلى الواجبات المحمولة على التجار.
ليست لكل القواعد نفس القوة اإللزامية والتفرقة هنا تكون بين القواعد اآلمرة (أ) والقواعد
المكملة (ب).
أ-القواعد اآلمرة
ونقول أيضا القواعد المتعلقة بالنظام العام هي القواعد التي ال يمكن لألطراف االتفاق
على مخالفتها .وهذا هو الشأن بالنسبة إلى قواعد القانون الجزائي.
واألمر كذلك في إطار القانون المدني فال يمكن مثال االتفاق على عدم التعويض عن
األضرار المرتكبة عمدا إذ ينص الفصل 82م ا ع صراحة على أنه "ال عمل بكل شرط
يخالف ذلك" .كما أن المشرع يحمل محرر العقود المتعلقة باألصل التجاري المسؤولية عن
مخالفة أحكام الفصل 189مكرر من المجلة التجارية (أسماء األطراف ،موانع التحرير،
البيانات المتعلقة بالرهون) وقرر أن كل شرط يخالف ذلك ال عمل عليه (الفقرة 4من الفصل
189مكرر م ت ) كذلك ال يمكن االتفاق على عدم إبرام عقد زواج أو على أن يكون عقد
الزواج بكتب بخط اليد ويكون الزواج باطال ويترتب عنه عقوبات جزائية.
17
ب-القواعد المكملة
يحلل الفقهاء الطبيعة الملزمة للقاعدة القانونية بالرجوع إلى مفهوم الجزاء الذي تختلف
صوره (أ) لكن القاعدة ملزمة ال فقط ألنها مصحوبة بجزاء يعاقب عن مخالفتها بل بسبب ما
يصحب الجزاء من تدخل الدولة لفرض تحقيقه (ب) .
أ-الجزاء
القاعدة القانونية ليست القاعدة السلوكية الوحيدة التي تقوم على الجزاء ،فالقاعدة
األخالقية مصحوبة هي كذلك بجزاء .فالكذب والخيانة فعالن مخالفان لألخالق والجزاء هو
الشعور بالذنب وعقاب الضمير ومخالفة القاعدة الدينية جزاؤها أخروي (النار).
كذلك تتجه اإلشارة إلى ظهور ما يسمى بمدونات السلوك التي تهتم بتنظيم التعامل
بين أفراد المجوعة المهنية الواحدة (صحفيين مثال) لتحديد ضوابط ممارسة المهنة فيما بينهم
وهي ال تعتبر من القواعد القانونية بالمفهوم الفني لعدم صدروها عن سلطة مؤهلة لسن القواعد
وهي عبارة عن مبادئ أو توصيات .كما أن الجزاء فيها ال يكون جزاء قانونيا بل بما قد ينال
المخالف من ردود فعل من أهل المهنة أو الضغط عليه للكف عن الممارسات المخالفة.
والجزاء القانوني يكون متعدد األوجه ،ويتجه التمييز بين القانون الجزائي والقانون المدني.
18
فمخالفة القانون الجزائي تم ّكن من تسليط عقوبات تكون عقوبات أصلية كاإلعدام والسجن
بقية العمر والسجن والخطية وعقوبات تكميلية كمنع اإلقامة ومصادرة المكاسب والحرمان من
ممارسة بعض الحقوق كحق االقتراع (الفصل 5من المجلة الجزائية).
أما مخالفة القانون المدني فإنها تفتح المجال أمام أنواع مختلفة من الجزاءات .فإذا تعلق
األمر بمخالفة قواعد المسؤولية الناشئة عن الجنح وشبهها (الوقائع القانونية) يكون "الجزاء"
التعويض عن الضرر .أما في ميدان التصرفات القانونية كالعقود فيمكن أن يكون الجزاء
البطالن إذا تعلق األمر بمخالفة قواعد تكوين العقد ويكون الفسخ والتعويض إذا تعلق األمر
بعدم الوفاء بااللتزامات التعاقدية.
على أن العبرة بالجزاء ليست دائما في حصوله إذ قد ال يحصل أصال طالما أن احترام
القاعدة يكون طوعيا (احترام إشارات المرور طوعا ،التنفيذ الطوعي للعقد) ولكن العبرة في توقع
حدوثه أي إمكانية حصوله أو ما يمكن التعبير عنه بالتهديد بالجزاء (احترام إشارة المرور قد
يعبر عن حس مدني وقد ال يكون إال خوفا من شرطي المرور ،وأداء معينات الكراء قد يبرر
بنفس السلوك (الحس المدني) وقد يكون توقيا من حكم استعجالي بالخروج إن لم يدفع).
إن ما يميز الجزاء في القاعدة القانونية هو تدخل سلطة الدولة لفرضه بوسائل
اإلكراه العمومي .فالقول بأن من تسبب في ضرر غيره عمدا يجب عليه التعويض أو أن العقد
القانوني ملزم للطرفين وأن مخالفته توجب الفسخ يقتضيان تدخل الدولة لتمكين صاحب الحق
من استيفاء حقه عن طريق التقاضي ويدعم هذا ما جاء بالمبدأ العام أنه "ليس للشخص أن
يقتص لنفسه بنفسه والمعبر عنه في الفصل 555م ا ع "التعدي على الشخص ال يكون وجها
له في اإلضرار بغيره".
19
وتنظم مجلة المرافعات المدنية والتجارية إجراءات التقاضي كما تضبط طرق تنفيذ
األحكام المد نية بما يمكن تخويل السلطة التنفيذية تقديم المساعدة الالزمة لتنفيذ األحكام الصادرة
في المادة المدنية ويوجب في هذا المعنى الفصل 253منها أن يقع التنصيص بكل نسخة
تنفيذية من األحكام على الصيغة التنفيذية كما يلي " :إن رئيس الجمهورية التونسية يأمر
ويأذن سائر العدول المنفذين بأن ينفذوا هذا القرار أو الحكم إن طلب منهم ذلك والوكالء
العامون ووكالء الجمهورية بأن يساعدوا عل ذلك وسائر آمري وضباط القوة العامة باإلعانة
على تحقيق تنفيذه عندما يطلب منه ذلك بصفة قانونية" .فيضع القانون لفائدة الصادر الحكم
لصالحه وسائل القوة العامة لتنفيذ حكمه.
يعود الفضل في تحديد مكونات أو عناصر القاعدة القانونية إلى الفقه األلماني قبل أن
يتبناه الفقه البلجيكي والفرنسي 1وقد استقر القول على أن القاعدة القانونية تتكون من مفترض
وحل.
(أو فرض) ّ
، STAMMLER , DuكتابيLe pouvoir de contrôle de la Cour de cassation, CPU 2021 , :فقرة 1
209والمراجع
20
قانوني سواء كان الضرر حسيا أو معنويا "....فهذا مفترض أي إحاطة من المشرع بالوضعية
التي يتولى فيها شخص ما التسبب في ضرر شخص آخر (غيره) عمدا أي بوجه القصد
واختيا ار (أي بإرادة حرة ،دون أن يكون مكرها على ذلك أو في حالة من انعدام التمييز سكر
غير اختاري) بال وجه قانوني أي في غياب أي أساس قانوني يخول له إلحاق الضرر (المكلف
بتنفيذ قرار هدم صادر عن سلطة مختصة) يضاف إلى ذلك أن يكون الضرر ناتجا مباشرة
عن الفعل العمدي أو ما يسمى بالعالقة السببية (إذا ثبت أن ذلك الفعل هو الموجب للضرر
مباشرة).
الحل هو النتيجة التي يرتبها المشرع عن تحقق المفترض هو النتيجة القانونية التي
تترتب عن تحقق شروط مفترض القاعدة .فاعتمادا على نفس المثال المأخوذ من الفصل 82
م ا ع تكون نتيجة تحقق شروط الفرض أنه على المعتدي "جبر الضرر الناتج عن فعله"
ومعنى ذلك أنه سيكون ملزما بالتعويض للمتضرر عن الضرر الذي ألحقه به.
القاعدة في النص القانوني (الفقرة األولى) القاعدة خارج النص القانوني (الفقرة الثانية).
عموما توجد القاعدة في النص القانوني وبالتحديد في فصل من فصول قانون أو مجلة
واألمثلة متعددة ومنها الفصل 82م ا ع سابق الذكر والفصل 190من المجلة التجارية "كل
تصرف في األصل التجاري بالبيع ...يجب إثباته كتابة (مفترض) وإال كان باطال (حل)".
لكن النص القا نوني قد ال يتضمن القاعدة القانونية بعنصريها فالقاعدة القانونية ال تطابق
بالضرورة فصال من فصول القانون ،من ذلك الوضعية المتعلقة ببيع المريض في مرض موته
تجد مفترضها في الفصل 565م ا ع بينما يقرر الحل أي الجزاء بالفصل 355م ا ع وذلك
باستعمال تقنية اإلحالة.
21
كما يمكن أن يحتوي النص القانوني أكثر من فرض لينص على حل واحد للفرضيتين
مفترض مثال :الفصل 101م ا ع "الحكم الصادر عن محكمة جزائية بترك سبيل المتهم
(فرض) ال يؤثر في مسألة تعويض الخسارة الناشئة من الفعل الذي قامت به التهمة (حل).
نفس الفصل ينص على فرضيتين أخريين -1 :وفاة المتهم -2 ،صدور عفو عام لكنه ال
يكرر الحل بل يحيل عليه فيكون النص قد تعرض إلى ثالث فرضيات وحل واحد.
وقد يتضمن النص أكثر من قاعدة أي بفرضين وحلين والمثال متوفر في الفصل 102
م ا ع فيقرر أن مرتكب الجنحة وهو في وضع سكر اختياري يكون مسؤوال عن الضرر الذي
ألحقه بالغير (قاعدة 1بمفرض وحل) ويقرر أنه ال مسؤولية على من كان سكره اضط ارريا
لكن بشرط اإلثبات أي إثبات أن السكر كان غير اختياري (قاعدة 2بفرض وحل مختلفين).
وأخي ار قد ال يتضمن النص القانوني النص القانوني حال ،والمثال األبرز على ذلك
بعض قواعد القانون العمومية (الفصول 532إلى 563م ا ع ) .فالفصل 551م ا ع يقرر
أنه ال يجوز لشخص أن يمنح لغيره أكثر مما له من الحقوق ،فالصياغة العادية كانت تقتضي
أنه إذا منح شخص أكثر مما له من الحقوق يكون تصرفه كذا (الجزاء ،بطالن مثال) وكذلك
الفصل 556م ا ع الذي جاء فيه أن األصل ارتكاب أخف الضررين .وقد يمكن استنتاج
فرض وهو أنه إذا مثل ضرران ال بد من ارتكاب أحدهما فارتكاب أخفهما يكون أولى ولكن ال
جزاء على مخالفة هذا الحل.
ال تنحصر القواعد القانونية في النصوص التشريعية بل قد تكون ذات أصل عرفي أو
قضائي (وهو ما نتعرض إليه عند دراسة مصادر القانون) .على سبيل المثال وفي غياب
تنظيم تشريعي ضمن األحكام العامة للوعد بالتعاقد عموما والوعد بالبيع بوجه خاص استقر
22
فقه القضاء على إقرار مبدأ صحة الوعد البيع وأنه ليس عقدا ناقال للملكية ، 1فهده القاعدة
القانونية من أصل قضائي تحتوي على فرض "إذا تواعد طرفان على البيع والشراء" ويكون
الحل كما يلي "فإن اتفاقهما ال تنتقل به ملكية الموعود به إلى الموعود له".
لهذه المنظومة مقومات (الفصل األول) تضمن تماسكها وتطورها (الفصل الثاني).
تمثل القواعد القانونية المظاهر الخارجية األبرز للمنظومة القانونية ،فهي ولئن كانت
من مكوناتها إال أنها ليست الوحيدة كما أن المنظومة ليست مجموعا ماديا من قواعد متناثرة
1قرار تعقيبي مدني ،الدوائر المجتمعة عدد 12082مؤرخ في 30جانفي ،1976مجموعة قرارات الدوائر المجتمعة ،1992-1991،مركز
الدراسات والبحوث القانونية والقضائية ،طبعة 2ن تونس / 2006ص 417
23
ال جامع بينها فهي ترتيب ،بناء متكامل يقوم على مقومات أصلية (مبحث أول) ومقومات
هيكلية هي المؤسسات القضائية (مبحث ثان).
تتكون المقومات األصلية للمنظومة القانونية -إلى جانب القواعد على نحو ما سبق
التعرض إليه – تتكون من األصناف والمفاهيم (فقرة أولى) والمبادئ (فقرة ثانية) والمؤسسات
(فقرة ثالثة) وتتفرع إلى فروع واختصاصات (فقرة رابعة).
إن القانون كمنظومة ال يتكون وال يتطور وال تكون له الديمومة إال باالعتماد على جملة
من التقنيات األساسية هي بمثابة األدوات المتماسكة والمتناسقة وهي في نفس الوقت أدوات
المعرفة به أو ما يمكن أن يسمى بأدوات علم القانون وهي من جهة أولى المفاهيم القانونية
(أ) ومن جهة ثانية األصناف القانونية (ب).
أ-المفاهيم القانونية
المفاهيم القانونية هي التعبيرات أو التمثالت الذهنية العامة التي تستعملها اللغة القانونية
لتسمية وتأطير الظواهر الواقعية وهي في اآلن ذاته العناصر المكونة للغة القانون أو الخطاب
القانوني .وتستمد هذه المفاهيم في الغالب من اللغة العادية لتتخذ عند استعمالها في القانون
مضامين دقيقة تعبر عن وضع دون غيره .من ذلك مفاهيم العقد والخطأ والضرر وحادث
الطريق والتاجر والشركة والبطالن والمسؤولية وغيرها .فنقول "عقد" أو "عقدة" لتمثيل الربط
المادي في اللغة العادية لتستعمل كمفهوم قانوني يقصد به العالقة القائمة على توفر إرادة
طرفي العالقة التي تربط (تعقد) بين طرفين لترتب التزاما ذا موضوع محدد :التزام بعمل أو
بامتناع أو بإحالة حق عيني.
24
والمفاهيم هي العناصر الالزمة لصياغة القاعدة القانونية سواء في مفترضها أو في
حلها .فعندما ينص الفصل 83م ا ع أنه "من تسبب في مضرة غيره خطأ ...فهو مسؤول "
فهو يستعمل في المفترض ثالثة مفاهيم قانونية هي المضرة أو الضرر والخطأ والعالقة السببية
(تسبب) واستعمل في الحل مفهوما آخر وهو المسؤولية (فهو مسؤول).
وتستعمل المفاهيم القانونية عموما في تمازج وتناسق مع تركيبات وأحرف من اللغة العادية
(من ،في ،فهو )...للتكون القاعدة كفكرة معقولة ومفهومة أي مستجيبة لمقومات أسلوب
التخاطب ممن تصدر عنه (المشرع) والمتلقي (عموم أفراد المجتمع والمختصون وغيرهم ممن
تهمهم أو قد تهمهم القاعدة ،األجنبي الذي يرغب في االستقرار في تونس).
المفهوم يقع اإلعالن عنه أو استعماله دون تعريفه وأحيانا مع التعريف .والتعريف هو
تحديد معنى العبارة المستعملة وبيان الخصائص أو العناصر المكونة للمفهوم بهدف تمييزه
عن غيره من المفاهيم وخاصة تلك التي يمكن أن تتشابه ويقع الخلط بينها.
في زمن سابق للتسعينات من القرن الماضي كان المشرع قليل اللجوء إلى تعريف
المفاهيم بما كانت معه األمثلة نادرة ،ومن ذلك تعريف الخطأ بالفصل 83م ا ع "والخطأ هو
ترك ما وجب فعله أو فعل ما وجب تركه بغير قصد الضرر" أو الدفاع الشرعي بالفصل 104
فقرة " 2والدفاع الشرعي هو حالة من التجأ إلى دفع صولة صائل أراد التعدي على النفس أو
المال".
منذ التسعينات من القرن الماضي أصبح التعريف الميزة الظاهرة للقوانين التي تخصص
في فصل من فصولها األولى للمفاهيم التي تتناولها الفصول األولى للقانون وكثي ار ما ترفق
بأنها تخص القانون المذكور ،واألمثلة عديدة ومنها القانون عدد 117لسنة 1992المؤرخ في
المزود
7ديسمبر 1992المتعلق بحماية المستهلك الذي جاء في فصله الثاني تعريف للمنتوج و ّ
والمعلن والمستهلك...
25
فالتعريف الدقيق يمكن من بلوغ هدف وضوح القواعد وضمان أمان واستقرار العالقات
القانونية .كما أن من شأن التعريف أن يوجه القاضي خاصة عندما يتعلق األمر بمفاهيم فنية
تستعمل في إطار اختصاصات علمية قد ال يكون فيها لرجل القانون الوسائل الالزمة لبلوغ
معناها الدقيق أو حتى باختصاصات قانونية لم تتطور المعارف في شأنها بصورة تمكن من
الوقوف على معناها األصلي.
من ذلك أن المشرع تولى بمقتضى قانون 13جوان 2000إدراج مفهوم جديد بمجلة
االلتزامات والعقود وهو "الوثيقة االلكترونية" التي أسند لها الفصل 453م ا ع نفس القيمة في
اإلثبات للكتب بخط اليد وعرفها بكونها "الوثيقة المتكونة من مجموعة أحرف وأرقام أو أي
إشارات رقمية أخرى بما في ذلك المتبادلة عبر وسائل االتصال تكون ذات محتوى يمكن فهمه
ومحفوظة على حامل الكتروني يؤمن قراءتها والرجوع إليها عند الحاجة" .فلو ترك المشرع هذا
المفهوم دون تعريف فإنه لم يكن من المستحيل االجتهاد في استنباط تعريف له من الفقه أو
فقه القضاء لكن ذلك كان سيتوجب وقتا ومجهودا.
وللتعريف التشريعي للمفاهيم مزية أخرى تتمثل في تفادي التضارب في التأويل بين
مختلف المحاكم حول نفس المفهوم القانوني ولو أن من يرى أن مثل هذا المنهج من شأنه أن
يحد من دور القاضي في االجتهاد والمساهمة في تطوير القانون.
لكن لجوء المشرع إلى التعريف ال يعني استنفاذ الحاجة إلى مفاهيم جديدة واستنفاذ تعريفها
فميزة الواقع أنه يغالب القانون ويتنج وضعيات جديدة تفرض استجابة المنظومة القانونية لها
واالعتراف بها لتصبح مفاهيم يتوالها القاضي بالتعريف إذا لم يسبق للمشرع تعريفها والمثل
في ذلك عقد اإليجار المالي الذي لم يكن منظما في القانون التونسي ولكن الممارسة (التطبيق)
أقرته لما عملت به في غياب كل تأطير قانوني ولم يقع وضع نظامه القانوني إال في 1994
وتولى المشرع تعريفه بمقتضى الفصل األول من القانون عدد 89لسنة 1994المؤرخ في
26جويلية 1994بأنه "عملية إيجار تجهيزات أو معدات أو عقارات مقتناة أو منجرة لغرض
26
اإليجار من قبل المؤجر الذي يبقى مالكا لها ،معدة لالستعمال في األنشطة المهنية أو التجارية
أو الصناعية أو الفالحية أو الصيد البحري أو في الخدمات".
لكن ال بد من اإلقرار بوجود مفاهيم قانونية ال تخضع لتعريف ثابت ،والمقصود بذلك
ما يسمى بالمفاهيم القانونية المرنة التي تقابلها المفاهيم القانونية الجامدة .فالمفهوم الجامد
هو الذي ال حاجة لالجتهاد في تعريفه مثل الرشيد على معنى الفصل 7م ا ع والذي يعرفه
المشرع بأنه كل من بلغ سن الثمانية عشر سنة كاملة من ذكر أو أنثى.
أما المفاهيم المرنة (أو المفاهيم ذات المضمون المتحول )1المسماة أيضا بالمعايير
القانونية 2فهي متروكة قصدا دون تعريف ال الستحالة ذلك بل ألن التعريف يفقدها الكثير
من جدواها .من ذلك مفهوم التأكد كشرط لتعهد القاضي االستعجالي (الفصل 201م م م ت
) واألمانة (حسن النية) في الوفاء بالعقود (الفصل 243م ا ع ) والضرر الفادح الموجب
للمساءلة عن التعسف في استعمال الحق (الفصل 103م ا ع ) .والهدف من وضع تلك
المعايير يتمثل في أن تكون بين يدي القاضي وسائل لتقدير الوضعيات الواقعية بحسب ما
يفرزه تطور المجتمع وتحول األزمان.
التنظيم أو النظام يقوم على فكرة التبويب والترتيب لغاية محددة هي التصنيف واألصناف
هي المجموعات التي تربط بينها نفس الخاصيات وتحكمها نفس المبادئ والقواعد.
فال يتعلق األمر بدارسة ظاهرة في حد ذاتها 3
فالتصنيف يعتبر من صميم كل تنظيم قانوني
بل بتقريب الظواهر بعضها إلى بعض لتخصيص المتماثل منها بأحكام تميزها عن غيرها
27
المختلف عنها وتخصيصها بقواعد مختلفة عن غيرها .والمثال صنف "الوقائع القانونية" وصنف
"التصرفات القانونية".
فاألول أي صنف الوقائع القانونية ينتج عن مجموع العالقات التي تنشأ دون تدخل
لإلرادة في آثارها التي يرتبها القانون وهي الجنحة على معنى الفصل 82م ا ع وشبه الجنحة
على معنى الفصل 83م ا ع .أما صنف التصرفات القانونية فهو تلك العالقات التي تنشأ
عن تصريحات باإلرادة أو التقاء إرادتين فأكثر (العقد ،التصريح بإرادة منفردة) .واالختالف بين
الصنفين يؤدي إلى اختالف في النظام المنطبق من حيث اإلثبات ومن حيث سقوط الدعوى
بمرور الزمان (على سبيل المثال).
وفي قانون األموال (الذي تنظمه مجلة الحقوق العينية) توجد تصنيفات أساسية مثل
صنف المنقول وصنف العقار وتختلف القواعد فيما يتعلق باكتساب ملكيتها ومرجع النظر عند
النزاع حولها أو التنفيذ عليها.
والجدوى من األصناف تتمثل في كونها وسائل تنظيم وترتيب ضرورية للمفاهيم بقصد
تحقيق غاية التوقع التي يرمي القانون إلى ضمانها .والجدوى من التصنيف أيضا إعداد األطر
العامة للتنظيم القانوني للظاهرة المعنية من أجل إدراجها في أصنافها وتلك هي عملية التكييف
أو الوصف القانوني أي العملية الذهنية التي يقوم بها المتعامل بالقانون (القاضي والدارس
والمحامي واإلدارة )...والتي ترمي إلى إدراج واقعة أو تصرف أو إجراء ما في صنف من
األصناف بهدف تطبيق قواعد ذلك الصنف عليه أو بعبارة أخرى إخضاعه إلى نظامه
القانوني .فعقد البيع (صنف من أصناف العقود) يندرج في التصرفات القانونية (والتصرفات
القانونية هي الصنف األكبر الذي يجمع العقود والتصريحات بإرادة منفردة) وهو أي عقد البيع
من التصرفات الناقلة للملكية بعوض .وهذه األخيرة تمثل صنفا فرعيا في صنف التصرفات
الناقلة للملكية إلى جانب صنف فرعي آخر هو التصرفات المجانية (الهبة مثال).
28
الفقرة الثانية :المبادئ القانونية
المبادئ في تعريف عام هي األفكار األساسية أو التوجيهات العامة التي تهيمن على
المنظومة أيا ما كان نوعها والتي تتفرع عنها قواعد تفصيلية مختلفة ومتعددة موجودة فعال أو
قابلة لالستنباط الحقا.
وال تختلف المبادئ القانونية عن هذا التعريف إال من حيث الميدان أو الموضوع أي
القانون ،فالمبادئ القانونية هي األفكار التوجيهية التي تهيمن على المنظومة القانونية وتتفرع
عن تلك المبادئ وترتبط بها قواعد قانونية تفصيلية مختلفة إما لتأكيدها أو لتكون استثناء
لها .وقد درج في الفقه استعمال تسمية المبادئ القانونية العامة أو المبادئ العامة للقانون
تأكيدا على طابعها العام وتميي از لها عن القواعد القانونية المتفرعة عنها (القواعد التفصيلية).
وقد تكون هذه المبادئ إما موضوع تكريس تشريعي ،فتكون مبادئ عامة تشريعية أي
أن المشرع هو الذي يخصص لها أحكاما ضمن مجلة أو قانون كما هو الشأن فيما يسميه
المشرع قواعد القانون العمومية المقررة بالفصول 532وما بعده م ا ع ومنها "من أمكنه األكثر
أمكنه األقل" (الفصل 550م ا ع) أو األصل في األمور الصحة والمطابقة للقانون حتى يثبت
خالفه" (الفصل 559م ا ع).
لكن التكريس التشريعي للمبادئ نادر .ويتفق الفقهاء على أن معظم المبادئ موجودة
بالقوة في النظام القانوني يستخرجها الفقه وفقه القضاء عن طريق االستدالل من خالل ما
يوجد من مختلف القواعد التفصيلية المقررة .فانطالقا من الفصل 103م ا ع حول المسؤولية
عن التعسف في استعمال الحق ومن فصول أخرى في ميادين مختلفة مثل مجلة الشغل (الطرد
29
التعسفي) أو مجلة المرافعات المدنية والتجارية (االستئناف التعسفي) يالحظ الباحث أن تلك
الحاالت تمكن من القول بوجود مبدأ منع التعسف في استعمال الحقوق.
ونوصف هذه المبادئ عامة أيضا بسبب قابلية استعمالها في مختلف فروع القانون
(القانون المدني أو القانون التجاري أو قانون المرافعات) لكن توجد مبادئ تهم فروعا دون
غيرها (يمكن أن نسميها مبادئ عامة فرعية) دون أن يفقدها ذلك عموميتها (بالمعنى الذي
أشرنا إليه والمتعلق بقابلية تفرع قواعد تفصيلية عنها) والمثال على ذلك مبدأ شرعية الجرائم
والعقوبات في المادة الجزائية ومبدأ المواجهة بين الخصوم أو مبدأ ضمان حقوق الدفاع في
مادة المرافعات المدنية والتجارية ومبدأ األمانة (حسن النية) في القانون المدني ومبدأ حرية
اإلثبات في القانون التجاري.
ويمكن الحديث عن مبادئ أساسية (بما تكون به األخرى غير أساسية) والمقصود بها
حد السواء في التوطئة أو في
تلك التي يقررها الدستور فهي مبادئ دستورية وتوجد على ّ
فصول الدستور كمبادئ حقوق اإلنسان ،ومبدأ مدنية الدولة ،ومبدأ الفصل بين السلطات ،ومبدأ
علوية القانون (الفصل 2د) ومبدأ حياد اإلدارة (فصل 15د) ومبدأ المساواة (فصل 15د)
ومبدأ التناسب (فصل 49د) ومبدأ استم اررية المرفق العام (فصل 15د) ومبدأ الشرعية ومبدأ
شخصية العقوبة (فصل 28د).
إن أهم وظيفة للمبادئ القانونية هي ضمان تناسق المنظومة القانونية وتطويرها بكيفية
تجعلها مستجيبة لحاجات وتطلعات المجتمع الذي تحكمه .1ومع أن من الفقهاء من يصنف
1في نفس المعنى BERGEL §85يمكن هنا التعريج على التوجهات العامة أو فكرة القيم (روبيي) (الحرية ،العدالة،
المساواة ،التنمية هي الغايات العامة التي يسعى كل تنظيم قانوني إلى االلتزام بها وتحقيقها لتضمن استم ارره وقابليته للتأقلم
مع تطورات المجتمع.
30
المبادئ إلى توجيهية وتصحيحية إال أن كل المبادئ في جوهرها تقوم بوظيفة التوجيه ،توجيه
المشرع والقاضي والفقيه كل في مجاله بهدف تحقيق غايات القانون فتكون بمثابة البوصلة
التي ترسم االتجاه الذي يجب اتباعه .من ذلك أن مبدأ المساواة الذي هو من المبادئ األساسية
بحكم مصدره الدستوري يكون ملزما للمشرع وللقاضي ولمختلف السلطات فال يمكن للقانون أن
يخالف ذلك ال مبدأ فتعتبره المحكمة الدستورية (الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين
اآلن) مخالفا للدستور .والقرار اإلداري الذي يخالف ذلك المبدأ يكون قابال لإللغاء في إطار
دعوى تجاوز السلطة.
كذلك واعتبا ار إلى أن التشريع يتطور بما يستوجب ذلك من إصدار قوانين جديدة فإن
تناسق المنظومة القانونية يوجب احترام مبدأ عدم رجعية القوانين وتحديد األحكام المنطبقة على
األوضاع االنتقالية وهو مبدأ يحقق في نفس الوقت استقرار األوضاع التي نشأت في ظل
القانون القديم.
وكذلك يكتشف القاضي وجود ما يسمى بالثغرات أو الفراغات في القانون ويكون مطلوبا
منه تالفي الوضع باستنباط الحل المالئم ويكون ذلك باللجوء إلى وسائل مختلفة منها االعتماد
على المبادئ العامة للقانون إما باستعمال ما أقره المشرع أو باستنباط مبادئ أخرى مبثوثة في
الفكر العام للمنظومة .فتكون المبادئ وسيلة الستكمال الفراغات القانونية.
من ناحية أخرى يقتضي تسيير المجموعة تنظيما محكما لمختلف السلطات بما تتبين
معه أهمية مبدا الفصل بين السلطات ويستوجب تأطير العالقات االجتماعية اعتماد المبادئ
التنظيمية (وهي في نفس الوقت توجيهية) وهي التي تهتم عموما بأن يتم اللجوء في فض
النزاعات إلى القضاء بما تظهر به أهمية المبدأ القائل بأنه "ال يجوز للشخص أن يقتص لنفسه
بنفسه" ،كما أن األمان االجتماعي ال يتحقق بقضاء غير مستقل فتظهر أهمية مبدأ استقالل
القضاء وأهمية مبدأ المحاكمة العادلة.
31
ولتحقيق مختلف الحاجات االقتصادية وضمان استقرار المعامالت كان ال بد من إقرار
مبدأ القوة الملزمة للعقد ومبدأ األمانة المعتبر من المبادئ التصحيحية مثل المبدأ الذي مقتضاه
أن "الغش يبطل التصرفات" فتظهر قيمة األخالق في كال المبدأين للقول بأن العالقات (حتى
ولو كانت ذات طابع اقتصادي) تقوم أيضا على مراعاة القيم األخالقية.
يستعمل القانون مفهوم المؤسسة في معان مختلفة تعبر عن وضعيات متعددة فنتحدث
عن مؤسسة عمومية ،ومؤسسات خاصة ومؤسسة اقتصادية ومؤسسة خيرية لكن المعنى
المقصود أوسع من هذه األمثلة .ويتفق الفقهاء على نوعين من المؤسسات :المؤسسات الوظيفية
أو اآللية )1( 1والمؤسسات الهياكل أو الهيكلية.)2( 2
-1المؤسسة الوظيفية (أو اآللية) وهي كل بناء قانوني متكامل يمثل مجموعة قواعد قانونية
دائمة موجهة لتأطير نوع معين من أنواع الوضعيات القانونية المحددة .3ويعرفها روبيي
بأنها "المجوعة العضوية التي تتضمن تنظيم معطى واقعي ودائم من الحياة االجتماعية والتي
تتكون من تشابك قواعد قانونية موجهة نحو هدف مشترك" 4والمثال على ذلك مؤسسة العائلة
ومؤسسة المسؤولية المدنية ومؤسسة الملكية.
وتختلف المؤسسة بهذا المعنى عن القاعدة القانونية في أن األخيرة تكون عنص ار
من عناصر المؤسسة وفي خدمتها وأن المؤسسة تتميز بوحدة غايتها التي تساهم القاعدة في
تحقيقها .والمؤسسة في هذا المعنى أيضا تتكون من مؤسسات فرعية تشترك في الهدف العام.
32
والمثال في مؤسسة العائلة مؤسسة الزواج التي تمثل اإلطار القانوني لبناء العائلة ومؤسسة
النسب التي تؤسس إلى العالقات العائلية القائمة على الرابطة الدموية ومؤسسة النفقة التي
تسعى إلى ضمان الموارد المالية ألفراد العائلة وتحديد المدين بواجب اإلنفاق.
-2المؤسسة الهيكلية (في التصور ودون أن يكون هناك بالضرورة تمثل مادي لها) تشير
إلى الهياكل التي تكون لها عموما الشخصية المعنوية .فالدولة مؤسسة ولعلها من أبرز األمثلة
على المفهوم .فهي ذات معنوية (اعتبارية) ذات سيادة تشمل كامل ترابها تمارس سلطاتها على
مجموعة بشرية (الشعب) وتحتكر وسائل القوة المنظمة (الجيش األمن) وتسيرها هيئات
(حكومة) وتخضع في تسييرها إلى نظام قانوني .وهي بدورها تستوجب وجود وتداخل وتفاعل
مؤسسات أخرى كالقضاء واإلدارة واألمن والجيش والمؤسسات الدستورية مثل مجلس نواب
الشعب أو المحكمة الدستورية (في نفس الوقت مؤسسة قضائية).
وهناك أيضا مؤسسات هيكلية غير عمومية وهي خاضعة إلى القانون الخاص وتكون
مرتبطة في أهدافها بتحقيق غايات النظام االقتصادي (شركات ،تجار فرديون ،حرفيون )....
أو االجتماعي (نقابات ،جمعيات .)....
وال يخفى أن هذه التفرقة ال تعني الفصل بين الصنفين فكالهما في خدمة اآلخر ،فال
غنى للمؤسسة الهيكلية عن المؤسسة الوظيفية وقد يتداخل المفهومان في نفس الصنف .فعندما
نتحدث عن الشركة التجارية نرى أنها في نفس الوقت مؤسسة وظيفية تقوم على جملة من
القواعد القانونية الرامية إلى توفير اإلطار القانوني لممارسة النشاط االقتصادي وهي في نفس
الوقت مؤسسة هيكلية (الشركة التجارية مثال) تهدف إلى تحقيق األرباح قصد تقاسمها بين
الشركاء.
وسواء كانت المؤسسة هيكلية أو وظيفية فإنها تقوم على فكرة وحدة الهدف إذ ال عبرة
للمؤسسة دون الهدف الذي يبرر وجودها.
33
والمؤسسات تقوم من جهة أخرى على فكرة االستمرارية أو الدوام فالدولة مثال ال تنشأ
لتضمحل بل هي تنشأ أو توجد لتكون مستمرة لما في ذلك من تحقيق الصالح العام لمواطنيها
ولها هي ف ي حد ذاتها ككائن قانوني من جملة الدول .من أجل ذلك ال تعتبر الوضعيات
المنعزلة التي ال تتسم بصفة االستمرار من قبل المؤسسات والمثال على ذلك ما نسميه بالوقائع
مثل األفعال الضارة التي ينتج عنها بحكم القانون واجب التعويض وذلك لعدم امتداد تأثيرها
في الزمان .أما ا لمسؤولية المدنية باعتبارها جملة القواعد والمبادئ الضامنة للحق في التعويض
عن األضرار فإنها تعتبر من المؤسسات القانونية التي تتكون منها المنظومة القانونية لتحقق
الغاية من تصورها وتعبر عن توجهات المشرع في ضمان استقرار األوضاع في أال يبقى
متضرر في وضع الضرر الذي لحقه دون أن يتحمل المتسبب في ذلك الضرر بأي تبعة عما
تسبب فيه.
كذلك ال يعتبر الحوز مؤسسة ( والحوز هو السيطرة الفعلية لشخص على حق أو شيء،
الفصل 38م ح ع ) وذلك العتباره عمال ماديا (رغم أنه يمكن أن يحدث آثا ار قانونية ،لكنها
آثار ال تحدث إال إذا قررها المشرع طبق شروط محددة ونعني الحوز المكسب للملكية ،
الفصول 45وما بعه م ح ع) .بينما تعتبر الملكية مؤسسة قانونية (راجع الفقرة الموالية).
ب-وظائف المؤسسة
تقدر وظائف المؤسسة بحسب األهداف التي ترمي إلى تحقيقها .فهي شبيهة باآللة
الواحدة التي تستوجب ألداء وظيفتها توفر وتداخل مكونات أخرى ضرورية لتحقيق الغاية من
استعمالها .كل مكون يؤدي وظيفة والكل في خدمة هدف واحد (الحاسوب ،السيارة )...
فالزواج مؤسسة قانونية (ليس األمر مجرد عقد بين امرأة ورجل ،هو عالقة محاطة
بتنظيم دقيق ال تربط وال تحل إال بمقتضى قواعد آمرة) وهو بدوره في خدمة مؤسسة العائلة
(العائلة القائمة على الزواج) وهي مؤسسة تعبر عن توجهات وتصورات عامة هادفة إلى اعتبار
العائلة عنص ار من العناصر التي تحدد بها الدولة توجهات منظومتها القانونية واألفكار والمبادئ
34
التي تسوسها .وكذلك فإن الملكية مؤسسة وهي مجموعة القواعد والمبادئ التي تحدد طرق
اكتساب الملكية والتصرف فيها ودوامها أو زوالها ووظائفها في إطار تصور عام للملكية كأداة
في إطار النظام االقتصادي ،كأن تكون سياسة الدولة موجهة العتبار الملكية الفردية أو
الجماعية ركيزة لتوجهاتها االقتصادية (اقتصاد رأسمالي أو اشتراكي).
وكل مؤسسة في النظام القانوني تكون بالضرورة مترابطة بغيرها بما يفترض التناسق
أو التنسيق بينها ،كل ذلك من أجل تحقيق الهدف المشترك إلى جانب تحقيق األهداف الخاصة.
فالدولة كمؤسسة تهدف إلى تحقيق األمن العام بها فتكون لذلك الغرض كل المؤسسات األخرى
(القضاء ،األمن واإلدارة والسجون) موجهة لتحقيق ذلك الهدف فضال عن تحقيق األهداف
الخاصة كل منها (القضاء يسعى إلى تحقيق األمن ،األمن يسعى إلى فرض النظام .)....
لكل دولة نظام قانوني قائم الذات وبما أن الدول ال تعيش في عزلة عن بعضها البعض
تكون هناك قواعد مختلفة تنظم العالقات بينها وهي االتفاقيات دولية الثنائية أو متعددة األطراف
تهم مختلف الميادين ومنها التي يهم عالقات األفراد (عائلة ،استثمار.)...كما أن العالقات
التي تهم الخواص والتي توجب تطبيق قواعد تهم حالتهم الشخصية أو الميراث قد تستوجب
تفعيل أنظمة قانونية مختلفة وتتكفل كل دولة بمعالجتها في إطار ما يعرف باسم القانون الدولي
الخاص .أما على المستوى الداخلي فالمنظومة القانونية تتفرع بدورها إلى قسمين القانون العام
والقانون خاص (أ) وكالهما يتفرع إلى فروع تجمع مواد مختلفة نركز في شأنها على فروع
القانون الخاص (ب).
يقسم القانون إلى قسمين أساسيين :القانون العام والقانون الخاص (الحظ أن استعمال
عام يوجب عدم الخلط فيما يتعلق بعمومية القاعدة القانونية وأن هذا التقسيم ال يؤثر في شيء
35
على خصائص القاعدة القانونية التي تصاحبها سواء كان ذلك في إطار العالقات العمومية
أو الخاصة).
ويشمل القانون العام القانون الدستوري وهو الذي يهتم بتنظيم وتوزيع وضبط
اختصاصات السلطات العامة والعالقات بينها والحقوق والحريات العامة والهيئات الدستورية
المستقلة (تشريعية وتنفيذية وقضائية) كما يشمل القانون العام القانون اإلداري وهو الذي يعتني
بمختلف اختصاصات اإلدارة وعالقاتها باألفراد وتنفيذ ق ارراتها والطعن فيها والمسؤولية المترتبة
عن أفعال اإلدارة .كما يدرج بالقانون العام قانون المالية العمومية ويهتم بميزانية الدولة والديون
العمومية ويلحق بالقانون العام كذلك القانون الدولي العام وهو يهتم بالعالقات بين الدول في
إطار المعاهدات والمنظمات الدولية (األمم المتحدة) أو اإلقليمية (االتحاد اإلفريقي) والمؤسسات
الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي .)...أما القانون الخاص فيشمل القانون المدني
وقانون اإلجراءات المدنية والقانون التجاري ....
لهذا التقسيم أهمية بيداغوجية لكنه ال يستجيب ألي معيار واضح بما يترتب عنه
تصنيفات اعتباطية .فعلى سبيل المثال يصنف القانون الجزائي وقانون اإلجراءات الجزائية
ويدرسان كمادتين من مواد القانون الخاص والحال أنهما يمثالن أهم مظاهر سلطة الدولة في
تصور وتنفيذ سياساتها الجزائية في ضبط الجرائم والعقوبات وطرق تتبعها وإجراءات المحاكمة
وتنفيذ العقوبة ،ويصنف القانون الجبائي كمادة من مواد القانون العام 1والحال انه يهم الحياة
انظر رأيا مخالفا يعتبر القانون الجبائي من مواد القانون الخاص الشرفي والمزغني ص .329 1
36
اليومية لكل مواطن ومختلف العقود التي يبرمها بصورة ال يكاد ميدان من الحياة االقتصادية
يخلو من تأثيره.
وال بد من القول إن هذه التفرقة تجاوزتها األحداث فضال على أن فهم المنظومة القانونية
يقتضي أال يقع الفصل بين مختلف الفروع فصال جامدا بما يؤدي إلى العلم بفرع وجهل الفروع
األخرى .فعلم القانون علم متعدد االختصاصات المقتضي لضرورة العالقات بينها وتشابكها
وحاجة بعضها إلى البعض اآلخر .فالقول مثال بالتخصص في القانون المدني أو التجاري أو
غيرهما ال يعني االكتفاء بما فيهما من قواعد ومبادئ بل يقتضي أن يكون ذلك التخصص
منفتحا على مختلف الفروع والمواد األخرى .فهذا العلم سيكون بالضرورة ناقصا إذا اقتصر
على القواعد األصلية دون اإلجراءات وإذا اقتصر على القواعد الخاصة بميدان محدد فيه
كميدان العقود أو الشركات دون العلم أو على األقل االحتياط إلى القواعد األخرى المرتبطة به
بالضرورة على غرار القواعد الجبائية فعقد البيع الواقع على العقار مثال ،خاضع للتسجيل
بالقباضة ويكون من الالزم المعرفة باألحكام الجبائية في ذلك الميدان (متى يتم التسجيل ،ما
هي المعاليم ) ...
نستعرض مختلف مواد القانون الخاص ( )1قبل التعرض إلى مركز القانون المدني من
مواد القانون الخاص (.)2
إن أبرز مواد القانون الخاص هو القانون المدني وهو الذي يمكن تعريفه بأنه جملة
القواعد والمبادئ المنظمة للعالقات الخاصة لألفراد أشخاصا طبيعيين أو ذوات معنوية سواء
منها ما تعلق بتبادل المنافع واألموال من بيع أو كراء أو وكالة أو ما تعلق بعالقاتهم االجتماعية
من زواج وطالق وتتفرع هذه المواد إلى فروع تهتم باألموال (الحقوق العينية) األشخاص (الحالة
37
المدنية واألحوال الشخصية) وااللتزامات (العقدية وغير العقدية) والتأمينات (الشخصية
والعينية).
يعود أصل التسمية الموروث الفرنسي الذي كان بدوره قائما على الموروث الروماني.
فالمدني نسبة إلى المدينة أي القواعد التي تنظم العالقات بين نفس مواطني المدينة مقارنة
بالقواعد المنطبقة على األجانب .1وهي تسمية مفروضة بحكم العادة في نظامنا القانوني وهي
ال تحمل نفس المدلول عندما يتعلق بأنظمة ال تنتمي إلى النظام الفرنسي واألنظمة القريبة
فعبارة القانون المدني 2في اإلطار األنقلوسكسوني تقابلها القانون المشترك( 3القائم على نظام
السابقة القضائية) وبقصد بها نظام القانون المكتوب .كما أنها تسمية ال يقرها نظام الفقه
اإلسالمي الذي يقوم على التفرقة بين فقه العبادات وفقه المعامالت والذي ال يقوم على أي
تمييز بين "فقه مدني" و"فقه جزائي" و"فقه تجاري" بل تصنف المسائل بحسب مواضيعها (باب
األقضية باب البيوع ،باب اإلجارة. )...
القانون التجاري وهو فرع آخر من فروع القانون الخاص وهو مجموع القواعد التي
تضبط النشاط التجاري (األعمال التجارية) والفاعلين في الميدان التجاري (التجار والشركات
التجارية) والعالقات بينهم وبين بعضهم البعض وبينهم وبين حرفائهم من غير التجار واألوراق
التجارية (الكنبيالة والسند لألمر) والعقود التجارية والنزاعات التجارية واإلجراءات الجماعية
(إجراءات إنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية والتفليس) وربما تفرعت عنه مواد
38
أخرى مثل قانون العالقات البنكية للحديث عن قانون بنكي ومجال النقل بمختلف أصنافه
(البري والبحري والجوي) للحديث عن قانون النقل.
قانون المرافعات المدنية والتجارية ويسمى كذلك قانون اإلجراءات المدنية أو القانون
العدلي الخاص هو أيضا من مواد القانون الخاص .وهو يضبط تنظيم واختصاص مختلف
المحاكم واإلجراءات السابقة للتنازع والمتبعة أمام المحاكم وطرق الطعن في األحكام كما يضبط
كذلك يلحق بالقانون الخاص القانون الجزائي وقانون اإلجراءات الجزائية .ويتمثل
موضوع القانون الجزائي في ضبط األحكام العامة المتعلقة بالتجريم والعقاب (القانون الجزائي
العام) ومختلف أصناف الجرائم وعقوباتها (القانون الجزائي الخاص) .أما قانون اإلجراءات
الجزائية فموضوعه ضبط المسائل المتعلقة بالدعوى العمومية وتحريكها واالحتفاظ والتحقيق
في الجرائم واختصاص المحاكم وتركيبها وطرق الطعن في أحكامها وتنفيذ العقوبات.
قانون الشغل هو فرع آخر من فروع القانون الخاص يهتم بتنظيم عالقات الشغل الفردية
أو الجماعية أي العالقات القائمة على عقود عمل بين مؤجر وأجير فيما يتعلق بقيامها وانتهائها
وااللتزامات والمترتبة عنها (األجر والعطل وساعات العمل )...والنزاعات التي تنشأ عنها
ويظم كذلك االتفاقيات المشتركة التي تبرم بين المنظمات الممثلة للعملة األعراف.
القانون الدولي الخاص هو الفرع الذي يضع القواعد والمبادئ التي تقررها كل دولة
لتنظيم الع القات الخاصة التي تتضمن عنص ار أجنبيا من ذلك تنظيم الزواج والطالق والنسب
عندما يكون أحد طرفي العالقة أجنبيا وبوجه عام ينظم القانون الدولي الخاص مسائل تنازع
القوانين في الزمان وتنازع اختصاص المحاكم والجنسية ومركز األجانب.
39
-2مركز القانون المدني من القانون الخاص ومختلف مواده
في المفهوم المذكور أعاله يعتبر القانون المدني "األصل العام" بالنسبة إلى مختلف مواد
القانون عموما ومختلف مواد القانون الخاص على وجه التحديد وهو يسمى أيضا بالشريعة
العامة (واألفضل أال نقول في وصف األصل العام أو الشريعة العامة "القانون العام" لسابقية
تخصيصه بالفرع المترتب عن تقسيم القانون إلى عام وخاص).
واألصل العام هو مجمل القواعد والمبادئ التي تكون قابلة لالنطباق إال إذا توفر حكم
خاص .بهذا المعنى يؤدي القانون المدني دور الشريعة العامة التي لها قابلية االنطباق على
كافة الوضعيات ،وكذلك كان األمر حتى تفرعت فروع أخرى عن األصل العام واستقلت عنه
أو نزعت نحو االستقالل (القانون التجاري وقانون الشغل وقانون التأمين).
وتوجب هذه الخاصية أن يقع الوقوف على أهم النتائج المترتبة عنها ،ففكرة األصل
العام بما تعنيه من قابلية االنطباق على كل األوضاع عدا ما خرج عنها بنص خاص تجعل
األصل العام ذا ميدان تدخل احتياطي فالمفروض منهجيا وقانونيا أال يقع العمل بالحل
المترتب عن األصل العام إال في صورة التأكد من انعدام حل خاص أما إذا وجد نص خاص
فإنه يكون ذا أولوية في التطبيق عمال بقاعدة أساسية مضمونها أن الخاص يقدم على العام
أو الخاص يزيح العام .والمثال ما تعلق بسقوط الدعوى بمرور الزمن فالنص العام وهو الفصل
402م ا ع يحدد أجل السقوط بخمسة عشر عاما والنص الخاص وهو الفصل 403م ا ع
يحددها بعام ذي 365يوما إذا كان الطالب من المصحات التي تطالب بمصاريف العالج.
فإذا كان الطالب هذه المصحة فال نطبق النص العام بل النص الخاص.
40
المبحث الثاني :المقومات الهيكلية :المؤسسات القضائية
(التنظيم القضائي)
ليست المنظومة القانونية تصو ار مجردا بل هي أداة تنظيم تحتاج بدورها إلى مؤسسات
مختلفة لتفعيل أحكام القانون أي لجعله فاعال في الواقع فال يهم سن قانون وال يقع تنفيذه
خاصة إذا نشأ عن ذلك التطبيق خالف ففي هذا الوضع ال بد من اللجوء إلى سلطة يقع
االحتكام إليها لفضه بطريقة سلمية عمال بالمبدأ القائل بعدم جواز أن يقتص الشخص لنفسه
بنفسه ،وهو ما يبرر اعتماد المنظومة على السلطة القضائية بجميع مكوناتها من مؤسسات
قضائية أو ما يسمى بالتنظيم القضائي أو المنظومة القضائية (المحاكم باختالفها) التي هي
مكون أساسي من مكونات المنظومة القانونية .والمقصود بالقضائي هو قضاء الدولة أي ما
هو راجع في تنظيمه وتسييره إلى الدولة تميي از له عما يسمى بالقضاء الخاص وهو التحكيم.
والمنظومة القضائية تتفرع بدورها إلى ثالث أنظمة :القضاء العدلي والقضاء اإلداري والقضاء
المالي ويشترك التنظيم القضائي بفروعه في جملة من المبادئ العامة (الفقرة األولى) بينما
يخضع تنظيم القضاء العدلي إلى أحكام خاصة (الفقرة الثانية)
المبادئ المنظمة لالختصاص (فقرة أولى) المبادئ المتعلقة بالضمانات (فقرة ثانية)
أ-االختصاص
االختصاص أو مرجع النظر هو نطاق سلطة محكمة من محاكم الدولة للبت في
النزاعات .ويقع التمييز بين االختصاص أو مرجع النظر الحكمي واالختصاص أو مرجع
41
النظر الترابي ( )1والتمييز بين القضاء الفردي والقضاء المجلسي ( )2واالختصاص المدني
واالختصاص الجزائي ( )3كما ينبغي التمييز بين اختصاص المحاكم العدلية واختصاص
القضاء اإلداري ( )4وبيان ما تمتاز به المحكمة الدستورية (.)5
االختصاص الحكمي هو األهلية التي يقرها القانون لمحكمة من المحاكم للنظر في
نوع معين من الخصومات باالعتماد على طبيعة النزاع (دعوى شخصية ،دعوى عينية ،دعوى
مختلطة كما يعرفها الفصل 20من مجلة المرافعات المدنية والتجارية) ومقدار المال المطلوب.
ففي نزاع يتعلق بالتعويض عن ضرر ناتج عن عدم الوفاء بعقد (دعوى شخصية)
ال يكون المقدار المطلوب معلوما مسبقا وفي هذه الحالة نطبق الفصل 22م م م ت الذي
نص أنه "إذا كانت قيمة الشيء المتنازع فيه ال يمكن تعيينها فالمحكمة االبتدائية يمكنها وحدها
النظر في الدعوى .ويقرر الفصل 40فقرة أولى من المجلة ذاتها أنه "تنظر المحكمة االبتدائية
في جميع الدعاوى عدا ما خرج عنها بنص خاص" .وبهذه الطريقة يحدد هذا الفصل مرجع
النظر الحكمي للمحاكم االبتدائية عموما.
لكن ال توجد محكمة ابتدائية وحيدة ،فهذه المحاكم موزعة على كامل البالد (وعددها 29
) 1ويكون من مصلحة المتقاضي العلم أي منها سيكون مختصا بالنظر في قضيته .وهنا
تظهر فكرة االختصاص أو مرجع النظر الترابي الذي يحدد من بين المحاكم المختصة حكميا
أي محكمة في أي منطقة ترابية يكون لها االختصاص (من بين المحاكم االبتدائية في البالد
أيها تكون مختصة) والمبدأ في هذه الوضعية هو محكمة مقر المطلوب إذ ينص الفصل 30
م م م ت أن المطلوب شخصا كان أو ذاتا معنوية يلزم محاكمته لدى المحكمة التي بدائرتها
مقره األصلي أو مقره المختار"(.المقر األصلي هو الذي يسكن فيه الشخص عادة والمقر
1تونس ،5نابل ،3بنزرت ،2الكاف ،4سوسة ،3المنستير ،2صفاقس ،2قفصة ،2قابس ،2مدنين ،2القصرين ،1سيدي بوزيد .1
42
المختار هو الذي يعينه االتفاق أو القانون لتنفيذ االلتزام ،الفصل 7م م م ت) .وتوجد إلى
جانب المبدأ استثناءات أهمها :
-1اختصاص المحكمة االبتدائية بتونس في القضايا التي تكون الدولة طرفا فيها (الفصل
32م م م ت).
-2في الدعاوى المتعلقة بالتركات :اختصاص المحكمة التي افتتحت بدائرتها التركة
(الفصل 34فقرة أولى م م م ت).
-3اختصاص المحكمة التي يقع العقار بدائرتها :في الدعاوى االستحقاقية والحوزية
والدعاوى الشخصية التي يقع القيام بها بمناسبة األضرار التي تلحق العقار (الفصل 38م م
م ت).
وتظهر أهمية التفرقة أساسا في أن قواعد االختصاص الحكمي تهم النظام تثيرها المحكمة
من تلقاء نفسها ويجوز لألطراف التمسك بها في أي طور من أطوار التقاضي (الفصل 17
م م م ت) وكذلك ألول مرة أمام محكمة التعقيب.
يكون القضاء مجلسيا عندما يتعدد القضاة المنتصبون للحكم في القضايا المعروضة عليهم
ويكون فرديا إذا كان هناك قاض وحيد لذلك الغرض .والمبدأ أن يكون القضاء مجلسيا إذ أن
التركيبة العادية للمحاكم .وهو الشأن بالنسبة إلى المحكمة االبتدائية التي تتكون هيئتها من
رئيس وقاضيين إلى جانب كاتب المحكمة (الفصل 40م م م ت فقرة )3عندما تنظر في
القضايا المدنية وكذلك الشأن بالنسبة إلى محكمة االستئناف التي تتكون من رئيس ومستشارين
إلى جانب كاتب المحكمة (الفصل 41فقرة 2م م م ت ) .ويعتقد أن التركيبة الجماعية أقرب
إلى تحقيق العدل نتيجة لمفاوضة تضمن السرية (الفصل 121م م م ت ،تكون المفاوضة
سرية دون أ يحرر فيها أثر كتابي) تتمخض عنها أغلبية (الفصل 120م م م ت ) .لكن تكاثر
43
القضايا والنقص في اإلطار القضائي أوجب تخصيص نوع من القضايا بقاض فردي يكون
في األغلب من ذوي األقدمية التي تفترض معها الخبرة وهذا هو الشأن في القضايا االستعجالية
أو في محاكم النواحي وقاضي الضمان االجتماعي وقاضي السجالت.
يقتضي التمييز بين القانون المدني والقانون الجزائي أن يكون فصل النزاعات من قبل
هيئات قضائية تتعهد كل منها بالقضايا التابعة للمادة المعنية .فتنظر في القضايا المدنية دوائر
مدنية وفي القضية الجزائية دوائر جناحية ودوائر جنائية .ولكن هذا الفصل في االختصاصات
ال يترتب عنه فصل في الهياكل ،فالدوائر المذكورة تمارس نشاطها في نفس المبنى مهما كانت
المحكمة (ناحية ،ابتدائية ،استئناف ،تعقيب ).
تبنى المشرع نظام تعددية النظم القضائية (عدلي إداري ومالي) وميز باألساس بين النزاعات
العدلية والنزاعات اإلدارية وخص هذه بتنظيم قضائي وهو نظام المحكمة اإلدارية المقرر
بالقانون عدد 40المؤرخ في 01جوان 1972التي تختص بالنظر في جميع النزاعات اإلدارية
عدا ما خرج عنها بنص خاص ومنها دعاوى تجاوز السلطة (الفصل 2من القانون) وكما كان
متوقعا ظهرت حاالت من التنازع بين المحاكم العدلية والمحكمة اإلدارية وهو ما أدى إلى
إحداث مجلس تنازع االختصاص بمقتضى القانون األساسي عدد 38المؤرخ في 3جوان
1996المتعلق بتوزيع االختصاص بين المحاكم العدلية والمحكمة اإلدارية وإحداث مجلس
تنازع االختصاص وعهد إلى األخير البت في مسائل االختصاص المعروضة عليه.
-5القضاء الدستوري
أقر الدستور المحكمة الدستورية واعتبرها ضمن السلطة القضائية (الفصول 118وما بعده
د) ولكن القضاء الدستوري يتميز عن األقضية األخرى بأنه غير مكلف بفض النزاعات بين
44
خصوم بل بتقرير ما إذا كان مشروع القانون مطابقا للدستور أو إثر طعن بعدم الدستورية ما
إذا كان القانون المطعون فيه مطابقا أو مخالفا للدستور.
ليست كل المحاكم متساوية الدرجة فهناك محاكم دنيا ومحاكم أعلى في الترتيب .فالتنظيم
القضائي يخضع لمبدإ التراتبية ضمانا لحقوق المتقاضين في أال يتم فصل نزاعاتهم من قبل
محكمة وحيدة ويكون لهم تبعا لذلك إمكانية الطعن في األحكام الصادرة ضدهم أمام محكمة
أعلى درجة.
وينظم المشرع طرق الطعن في األحكام ويصنفها إلى طريقة طعن عادية وهي االستئناف
وطريقة طعن غير عادية وهي التعقيب وهما طريقتان تعتمدان على التراتبية فمن صدر ضده
حكم ابتدائي الدرجة فذلك الحكم يكون قابال للطعن باالستئناف أمام المحكمة االستئنافية وهي
أعلى درجة في الترتيب من المحكمة التي أصدرت حكم البداية .والحكم االستئنافي وهو حكم
نهائي الدرجة يكون قابال للتعقيب أمام محكمة التعقيب التي هي المحكمة األعلى في هرم
التنظيم القضائي العدلي.
وهناك طرق طعن أخرى ال تخضع إلى التراتبية وهي التماس إعادة النظر ويرفع للمحكمة
التي أصدرت الحكم ألسباب محددة حص ار بالفصل 156م م م ت (وقوع خديعة من الخصم،
ثبوت زور الرسوم التي انبنى عليها الحكم ،الظفر بوثيقة كانت ممنوعة بفعل الخصم) و
اعتراض الغير وهي وسيلة طعن ممنوحة لمن لم يكن طرفا في قضية و صدر حكم أضر
بحقوقه ولم يسبق أن تم استدعاؤه للتداخل في القضية ،واالعتراض يتم أيضا أمام المحكمة
التي أصدرته.
45
الفقرة الثانية-المبادئ المتعلقة بالضمانات
بالنظر إلى ما للقضاء من تأثير على الحقوق والحريات فقد أحاط دستور 2014
القضاء بضمانات متعددة اتخذت شكل مبادئ دستورية ،فقد أقر الحق في التقاضي والدفاع
وأن القانون ييسر اللجوء إلى القضاء وضمن المساواة أمام القضاء ومجانية التقاضي والحق
في محاكمة عادلة (الفصل 108من الدستور) كما أقر مبدأ التقاضي على درجتين (الفصل
108فقرة )3وأكد استقاللية القضاء (الفصل 102د) ومنع التدخل فيه (الفصل )109وكرس
مبدأ حياد القاضي (الفصل )103وأقر مبدأ العلنية كما أقر مبدأ أحداث المحاكم بقوانين ومنع
أحداث المحاكم االستثنائية (الفصل .) 110
-1القضاة
القضاة هم أعضاء المحاكم مهما كانت تركيبتها (مجلسية أو فردية) وال تطلق التسمية
إال على المهنيين منهم الواقع انتدابهم وتعيينهم طبق أحكام الدستور وقانون المجلس األعلى
للقضاء.1
1
قانون أساسي عدد 34لسنة ِ 2016
مؤرخ في 28أفريل 2016يتعلق بالمجلس األعلى للقضاء.
46
وقد يتم اللجوء إلى غير القضاة ليكونوا أعضاء في هيئة قضائية وذلك على غرار
أعضاء الدوائر التجارية حيث ال يكون لهم إال رأي استشاري وال يؤثر غيابهم على تكوين
المحكمة وال على صحة اإلجراءات.
ويسمى القضاة المكونون لهيئة المحكمة بالقضاة الجالسين (أو القضاء الجالس) تميي از
لهم عن أعضاء النيابة العمومية أو القضاة الواقفون (القضاء الواقف).
وأعضاء النيابة العمومية التي يعتبرها الدستور جزءا من القضاء العدلي (الفصل 115
د) هم مثل القضاة الجالسين وينتدبون وتتم تسميهم بنفس الطريقة ولكن التسمية التي تطلق
عليهم تفسر بكونهم يمثلون النيابة العمومية التي تتمثل مهامها في الدفاع عن مصالح المجتمع
ويخول لهم القانون الحق في القيام بكل القضايا كلما كانت هناك مصلحة شرعية تهم النظام
العام (طلب التصريح ببطالن زواج ) (الفصل 251م م م ت فقرة أولى ) كما أن القانون
يوجب على رئيس المحكمة أن يطلع ممثل النيابة العمومية قبل تاريخ الجلسة بثالثة أيام على
األقل على القضايا المتعلقة بالدولة أو الهيئات العمومية واالحتجاج بعدم االختصاص الحكمي
وبعديمي األهلية أو المفقودين وبالتجريح في الحكام أو مؤاخذتهم وبمخالفة القانون الجزائي أو
دعاوى الزور ،ويوجب على ممثل النيابة تقديم مالحظاته كتابيا.
وفي بعض النصوص كما في مجلة الجنسية التونسية يكون وكيل الجمهورية لدى
المحكمة االبتدائية بصفة وجوبية طرفا في القضية التي تتعلق بثبوت الجنسية التونسية أو
نفيها.
واعتبا ار ألن مهامهم تشابه مهام أعضاء الدفاع عن االفراد أي المحامين فإنهم يترافعون
وقوفا .لكن في القضايا المدنية وسواء أمام المحاكم االبتدائية أو محاكم االستئناف ال يكون
حضورهم إجباريا بل هو اختياري (الفصل 251فقرة 2م م م ت ) وأمام محكمة التعقيب
يحضر ممثل النيابة العمومية بحجرة الشورى في إطار الدوائر العادية (الفصل 188م م م
ت ) ويكون وكيل الدولة العام حاض ار عندما تنعقد الدوائر المجتمعة (الفصل 193م م م ت).
47
-2كتبة المحاكم
كتبة المحاكم هم أعضاء هيئة المحكمة (الفصل 40فقرة 3م م م ت بالنسبة إلى
المحاكم االبتدائية ودوائر محكمة التعقيب والفصل 190م م م ت).
وهم موظفون عموميون يمثلون سلكا خاصا راجعا بالنظر إلى و ازرة العدل يستمدون
مشموالتهم من القوانين المنظمة لإلجراءات ويتولون مساعدة القضاء في أداء مهامه طبق ما
1
ينص عليه الفصل األول من األمر عدد 246لسنة 2012المؤرخ في 5ماي 2012
المتعلق بالنظام األساسي الخاص بسلك كتبة المحاكم ،وينظم األمر عدد 420لسنة 2018
المؤرخ في 7ماي 2018كتابات المحاكم من الصنف العدلي (محكمة التعقيب والمحكمة
العقارية وفروعها ومحاكم االستئناف والمحكم االبتدائية وحاكم النواحي).
وهم مكلفون بمهام متعددة أبرزها ما ورد بمجلة المرافعات المدنية والتجارية من تلقي
العرائض ومطالب االستئناف واالعتراض والتعقيب ويمضي كشوف المؤيدات وتوجيه
المراسالت إلى الخبراء وتسليمهم ق اررات تكليفهم ويحضر بالجلسة ويسلم نسخ األحكام التنفيذية
والمجردة.
أما بالنسبة إلى المحكمة اإلدارية فإن كتبتها يخضعون إلى نظام أساسي خاص ضبطه
األمر عدد 2376لسنة 2004المؤرخ في 14أكتوبر ( 2004كما تم تنقيحه باألمر عدد
13لسنة 2015المؤرخ في 2جانفي .)2015
ولكتبة المحكمة اإلدارية مهام مماثلة لمهام كتبة الحكام العدلية من تسجيل العرائض
المتعلقة بالنزاعات اإلدارية واللفات االستشارية وحضور الجلسات القضائية وتدوين أعمالها
وتسجيل األحكام وتسليم نسخ منها (الفصل 25من أمر 14أكتوبر .)2004
48
ب -المحامون ومساعدو القضاء
-1المحامون
قبل دستور 2014كانت صفة مساعدي القضاء تطلق على المحامين عدول التنفيذ
والخبراء ،لكن الفصل األول من المرسوم عدد 79لسنة 2011المؤرخ في 20أوت
2011أتى بتطور هام لما أسند صفة الشركاء في إقامة العدل للمحامين وقد تأكد هذا
التطور بدستور 2014بالفصل 105د الذي قرر أن المحاماة مهنة حرة مستلقة تشارك
في إقامة العدل والدفاع عن الحقوق والحريات.
وتتمثل مهامهم في عالقة بالقضاء في تمثيل موكليهم أمام مختلف المحاكم والهيئات
القضائية والتأديبية والتعديلية وأمام الضابطة العدلية والقيام بمختلف اإلجراءات في حقهم.
ومن أبرز مظاهر أهمية دور المحامين في هذا الشأن هو مبدأ اإلنابة اإلجبارية للمحامين
أمام المحاكم االبتدائية (الفصل 68م م م ت) وتستثنى من ذلك مادة األحوال الشخصية
وهي أيضا وجوبية أمام الدوائر االبتدائية للمحكمة اإلدارية باستثناء دعاوى تجاوز السلطة
(الفصل 35من قانون المحكمة اإلدارية وفي الطعن باالستئناف أمام المحاكم العدلية
(الفصل 130م م م ت) وأمام الدوائر االستئنافية للمحكمة اإلدارية (الفصل 59من قانون
ا لمحكمة اإلدارية) وفي الطعن بالتعقيب أمام محكمة التعقيب (الفصل 182م م م ت )
وأمام الجلسة العامة للمحكمة اإلدارية (الفصل 67من قانون المحكمة اإلدارية).
-2مساعدو القضاء
يتعدد مساعدو القضاء وتختلف مهامهم وتتفاوت أهميتها بحسب الدور الذي يسنده
لهم القانون في عالقة بالقضاء وهم أساسا العدول المنفذون (أ) والخبراء (ب) والمترجمون
المحلفون (ج) وعدول اإلشهاد (د).
49
أ-العدول المنفذون
وهم مأمورون عموميون يمارسون وظائفهم في إطار مهنة حرة ينظمها القانون
األساسي عدد 9لسنة 2018المؤرخ في 30جانفي 2018والمتعلق بتنظيم مهنة العدول
المنفذين.
وهي المذكور القانون 13 من الفصل المهام تلك حدد وقد
تحرير وتبليغ االحتجاجات واإلنذارات واإلعالمات والتنابيه وغيرها من المحاضر التي تقتضيها
يحدد القانون طريقة أخرى
مهنته وـتحرير وتبليغ االستدعاءات لدى الجهات القضائية ما لم ّ
للتبليغ و تنفيذ جميع السندات التنفيذية القضائية واإلدارية وإجراء المعاينات المادية والقيام
باإلجراءات المتعلقة بالبيوعات المرخص فيها من طرف المحاكم أو المخول له إتمامها طبق
التشريع الجاري به العمل أو بمناسبة أعمال التنفيذ.
ب -الخبراء
الخبراء صنف من المهنين المتخصصين في ميادين مختلفة يلجأ إليهم القضاء كلما
بآرئهم في ميادين اختصاصاتهم .
رأى حاجة لالستعانة ا
ال يوجد صنف وحيد من الخبراء وإن كان الصنف األبرز هم الخبراء العدليون الخاضعون
إلى أحكام القانون عدد 61لسنة 1993المؤرخ في 23جوان 1993كما تم تنقيحه بالقانون
عدد 33لسنة 2010المؤرخ في 2جوان 2010وقد حدد اعتبر الفصل األول من ذلك
القانون الخبير العدلي مساعدا للقضاء مهمته إبداء رأيه الفني أو إنجاز أعمـال بتكليف من
المحاكم وتبرز أهمية دورهم في مساعدة المحكمة في الوقوف على المسائل الفنية في ميادين
مختلفة ،كالهندسة المعمارية والطب والخطوط ...
50
من جهة أخرى ينظم القانون عدد 71لسنة 1997المؤرخ في 11نوفمبر 1997صنفا
آخر الخبراء وهم أيضا من مساعدي القضاء وهم المصفون والمؤتمنون العدليون وأمناء الفلسة
والمتصرفون القضائيون.
ج-المترجمون المحلفون
د-عدول اإلشهاد
توجد تفرقة أساسية بين محاكم األصل وتسمى كذلك ألنها تنظر (تحكم) في أصل
النزاع بتطبيق القانون على الوقائع المعروضة عليها وهي متعددة ( )Iومحكمة القانون وهي
محكمة وحيدة في كامل تراب الجمهورية ال يوجد مثلها وهي محكم التعقيب (. )II
-Iمحاكم األصل
مع التذكير أن للمحاكم اختصاصا في المسائل المدنية والمسائل الجزائية نركز بحكم طبيعة
المادة على التنظيم فيما يهم المسائل المدنية (أ) لنستعرض أهم التقنيات القضائية (ب).
51
أ-التنظيم
تصنف محاكم األصل إلى محاكم الدرجة األولى ( )1ومحاكم الدرجة الثانية (.)2
محاكم الدرجة األولى تسمى كذلك بالنظر إلى وصف أحكامها بكونها أحكاما ابتدائية
الدرجة أي أنها تكون قابلة للطعن باالستئناف أمام محاكم أعلى درجة .ومحاكم الدرجة األولى
هي المحاكم االبتدائية وتسمى محاكم االختصاص العام ( )1-1وتوجد إلى جانبها محاكم ذات
االختصاص الخاص (-1ب).
يصف المشرع 1هذه المحاكم أحيانا وكذلك بعض الفقهاء هذه المحاكم بأنها "محاكم
الحق العام" 2وهذه عبارة ترجمة حرفية من اللغة الفرنسية 3ويفضل استعمال عبارة محاكم
االختصاص العام وذلك اعتمادا على أن معيار تدخلها أن تكون مؤهلة للنظر في جميع أنواع
النزاعات عدا ما خرج عنها بنص خاص .وهذا هو المفهوم القانوني للعمومية في االختصاص.
وهذا هو المعنى الذي يعتمده المشرع في الفقرة األولى من الفصل 40م م م ت حيث يقرر
أنه "تنظر المحكمة االبتدائية في جميع الدعاوى عدا ما خرج عنها بنص خاص" .وقد سبق
القول بأن المحاكم االبتدائية موزعة على تراب الجمهورية ويبلغ عددها تسعة وعشرين.
إال أن القول بأن المحكمة من محاكم االختصاص العام ال يعني أنها مؤهلة للنظر في
النزاعات بصفة أصلية بل يقتضي المنهج في تحديد اختصاص المحكمة االبتدائية أن يقع
التثبت أوال ما إذا كان النزاع راجعا بالنظر إلى محكمة غير المحكمة االبتدائية أسند إليها
52
المشرع اختصاصا خاصا بالنظر فيه .فإذا ما تبين أن النزاع ال يندرج في اختصاص محكمة
أخرى وعندها فقط يكون االختصاص راجعا إلى المحكمة االبتدائية.
وال يكون العمل بهذا المنهج في الحاالت التي يسند فيها المشرع اختصاصا إقصائيا
(أو حصريا) للمحكمة االبتدائية في نوع محدد من النزاعات .والمثال على ذلك ما قرره الفصل
48من مجلة الجنسية التونسية في قوله "تختص المحكمة االبتدائية وحدها بالنظر في النزاعات
المتعلقة بالجنسية التونسية" .بمعنى أنه إذ أسند المشرع اختصاصا اقصائيا للمحكمة االبتدائية
كما في المثال السابق ال يتطلب األمر البحث فيما إذا كان االختصاص منعقدا لمحكمة أخرى.
-1-2-1محاكم النواحي
حاكم الناحية قاض فردي يمتاز بوجوب إجراء محاولة صلحية بين الطرفين (الفصل
38مكرر والفصل 44و الفصل 45م م م ت ) قبل المرور إلى الطور الحكمي.
وقد حدد الفصل 39م م م ت كما تم تنقيحه بالقانون عدد 59لسنة 1994المؤرخ
في 23ماي 1994اختصاص قاضي الناحية وقرر في فقرته األولى أنه "ينظر ...ابتدائيا
إلى نهاية سبعة آالف دينار في الدعاوى المدنية الشخصية والدعاوى المتعلقة بالمنقول ومطالب
أداء الديون التجارية".
ويترتب عن ذلك أنه كلما تجاوز مقدار المال المطلوب مبلغ سبعة آالف دينا ار تكون
المحكمة المختصة هي المحكمة االبتدائية.
وينظر في حدود ذلك االختصاص في إصدار األ وامر بالدفع واألذون على العرائض
(الفصل 39فقرة 2م م م ت).
53
كما أضافت الفقرة 3من نفس الفصل اختصاصا إضافيا بأنه يختص بالحكم ابتدائيا
في قضايا النفقات وفي دعاوى الحوز وأسندت له نفس الفقرة اختصاصا استعجاليا محدودا
في مطالب العقل التحفظية عندما يكون المبلغ المطلوب من أجله إجراء العقلة في حدود نظره
وكذلك في مطالب إجراء المعاينات المتأكدة وفي الصعوبات الناشئة عن تنفيذ أحكامه ولو
وقع نقضها استئنافيا وفي مطالب توقيف تنفيذ أحكامه عند االعتراض عليها من قبل الغير
وأخي ار في مطالب التمكين من نسخة تنفيذية أخرى من األحكام الصادرة عنه وطبق الفصل
254م م م ت .
وتسند له قوانين أخرى اختصاصا خاصا بنوع من النزاعات كما هو الشأن في النزاعات
المتعلقة بحوادث الشغل واألمراض المهنية وجبر األضرار الناجمة عنها مهما كان مقدار
الطلب أو موضوع الدعوى (الفصل 76من القانون عدد 28لسنة 1994المؤرخ في 21
فيفري 1994المتعلق بنظام تعويض األضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل واألمراض
المهنية).
قرر الفصل 40م م م ت على نحو ما تم تنقيحه بالقانون عدد 43المؤرخ في 2ماي
1995أنه يمكن بمقتضى أمر إحداث دوائر تجارية بالمحاكم االبتدائية تكون مختصة بالنظر
وعرفت الفقرة 5من الفصل ذاته هذه الدعاوى بأنها الدعاوى المتعلقة
في الدعاوى التجارية ّ
بالنزاعات بين التجار فيما يخص نشاطهم التجاري .وتتميز هذه الدوائر من حيث تركيبتها
بأنها تكون إما خماسية فيضاف إلى الرئيس والقاضيين الذي تتكون منهم المحكمة عادة
54
عضوان من التجار وذلك في النزاعات المتعلقة بتكوين وتسيير الشركات وحلها أو تصفيتها
وبإنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية أو تفليسها وتكون ثالثية في غير ذلك من
النزاعات وتتكون من رئيسها الذي يكون قاضيا ومن عضوين تاجرين.
-2-2-2-1دوائر الشغل
يحدد الفصل 183من مجلة الشغل اختصاص هذه الدوائر وهو الفصل في النزاعات
الفردية المترتبة عن عقود الشغل أو التدريب في النزاعات الخاضعة لمجلة الشغل كما تنظر
في النزاعات الناشئة بين العملة بمناسبة القيام بالشغل .وأقصى نفس الفصل من مرجع نظر
هذه الدوائر الدعاوى الناشئة عن حوادث الشغل واألمراض المهنية (التي يختص بها قاضي
الناحية طبق قانون 21فيفري 1994المذكور أعاله) كما ال تنظر في النزاعات المتعلقة
بالضمان االجتماعي التي يختص بالنظر فيها قاض منفرد بالمحكمة االبتدائية وهو قاضي
1
الضمان االجتماعي
تحدث هذه الدوائر بأمر وتوجد مبدئيا دائرة شغل بمقر كل محكمة ابتدائية وعندما ال
توجد دائرة شغل فإن المحكمة االبتدائية تنظر في النزاعات الشغلية طبق اإلجراءات المقررة
بمجلة الشغل.
-3-2-1المحكمة العقارية
هي محكمة أخرى من محاكم االختصاص الخاص .وتصنف هذه المحكمة ضمن
المحاكم المدنية وتضبط الفصول 331وما بعده من م ح ع مرجع نظرها كما تضبط الفصول
338وما بعده من نفس المجلة اإلجراءات المتبعة لديها ولها اختصاص خاص في مادة
التسجيل العقاري سواء االختياري طبق الفصل 317من م ح ع أم اإلجباري في نطاق المسح
1.يختص بالنظر في النزاعات المتعلقة بتطبيق أنظمة الضمان االجتماعي في القطاعين العام والخاص عدا المتعلقة بحوادث الشغل واألمراض
المهنية ،الفصل األول من قانون عدد 2003- 15المؤرخ في 15فيفري 2003المتعلق بإحداث مؤسسة قاضي الضمان االجتماعي.
55
العقاري على معنى المرسوم عدد 3لسنة 1964المؤرخ في 20فيفري .11964كما أسند
لها القانون عدد 34لسنة 2001المؤرخ في 10أفريل 2001اختصاص النظر في إجراءات
تحيين الرسوم العقارية المجمدة ولها مركز أصلي بتونس العاصمة وفروع داخل الجمهورية.
وتكون أحكامها في مادة التسجيل االختياري نهائية ال تقبل الطعن إال بالتعقيب .أما في مادة
التحيين فإن الطعن باالستئناف في األحكام أصبح ممكنا منذ التنقيح الوارد على قانون 10
أفريل 2001بمقتضى القانون عدد 65لسنة 2009المؤرخ في 14أوت ( .2009يرفع
االستئناف لدى دائرة استئنافية بالمركز األصلي للمحكمة العقارية ،الفصل 29من قانون
.)2001
تمهيد -إن مبدا التقاضي على درجتين الذي كرسه الدستور يجد أفضل تعبير عنه في
طريقة الطعن باالستئناف ،أي أن النزاع الذي تم الحكم فيه من قبل محاكم البداية سيعاد النظر
فيه مرة أخرى وفي حدود ما وقع عليه الطعن من قبل محكمة أعلى درجة مكونة من قضاة
أكبر رتبة وتجربة بما يمكن معه أكبر الحظوظ في ضمان العدل.
وتتأكد هذه الضمانة من خالل أثرين هامين للطعن باالستئناف وهما األثر التعليقي
واألثر االلنتقالي أو الناقل.
-1األثر التعليقي أي أن الحكم االبتدائي يكون غير قابل للتنفيذ مبدئيا (أي أنه قد
توجد استثناءات وهو ما يعبر عنه الفصل 146فقرة أولى م م م ت "استئناف األحكام االبتدائية
1مرسوم عدد 3لسنة 1964مؤرخ في 7شوال 20( 1383فيفري )1964يتعلق بالتسجيل العقاري اإلجباري (الرائد الرسمي عدد 9بتاريخ 21
فيفري 1964صفحة )223مصادق عليه بالقانون عدد 3لسنة 1964المؤرخ في 21أفريل .1964
56
يعطل تنفيذها إال فيما استثناه القانون" والمثال على ذلك أن استئناف األحكام االستعجالية ال
يوقف تنفيذها ،الفصل 209م م م ت) تبعا ألن االستئناف يحله.
أما األثر الثاني لالستئناف فهو -2 :األثر االنتقالي بمعنى أن النزاع سينتقل أي من
حيث الوقائع ومن حيث القانون إلى المحكمة االستئنافية فيما تسلط عليه االستئناف ،الفصل
144م م ت (قد ال يشمل الطعن الحكم بكامله بل بفرع من فروعه) وتصدر المحكمة ق ار ار
نهائيا.
ومحاكم الدرجة الثانية ،هي المحاكم االستئنافية التي نصفها بالعادية ( )1-2وبعض
المحاكم المعهود إليها بنص خاص بالنظر في استئناف أحكام محددة ونصفها بالمحاكم
االستئنافية بوجه خاص (.)2-2
ويمكن أن نسميها أيضا المحاكم االستئنافية ذات االختصاص العام فهي المحاكم المسماة
بمحاكم االستئناف والتي يضبط الفصل 41م م م ت اختصاصها بأنها التي تختص بالنظر
في استئناف األحكام الصادرة عن المحاكم االبتدائية التابعة لدائرتها وفي استئناف األحكام
االستعجالية الصادرة عن رئيس المحكمة االبتدائية واألوامر بالدفع .فالمعيار هو األحكام
الصادرة ابتدائيا عن المحاكم االبتدائية.
توجد ست عشرة محكمة استئناف ( )16على كامل تراب الجمهورية (وهي المرتبة
حسب تواريخ إحداثها -1 :تونس و-2سوسة و-3صفاقس -4 ،1956الكاف -5 ، 1976
المنستير-6 ، 1984قفصة -7 ، 1987قابس ،و -8مدنين -9- 1988نابل و -10
بنزرت -11 ،1999القصرين و -12سيدي بوزيد -13 ، 2013باجة و -14القيروان 2014
-15 ،جندوبة -16 ، 2015سليانة )2017
57
- 2-2المحاكم االستئنافية بوجه خاص
يمكن إطالق تلك التسمية عندما يسند القانون اختصاصا استئنافيا لمحكمة محددة.
وأبرز مثال هو المحاكم االبتدائية على معنى الفقرة 2من الفصل 40م م م ت الذي نص
"وتنظر استئنافيا في األحكام الصادرة ابتدائيا عن قضاة النواحي التابعين لدائرتها أو التي
وصفت غلطا بكونها نهائية".
وكذلك الشأن فيما يتعلق باستئناف أحكام الدوائر الشغلية الذي تنظر فيه المحكمة
االبتدائية طبقا للفصل 221من مجلة الشغل .وقد سبق أن رأينا أن استئناف األحكام الصادرة
في التحيين تتم أمام دائرة من المحكمة العقارية تقع بالمقر المركزي لتلك المحكمة.
ب :التقنيات القضائية
يعهد إلى المحاكم بفصل النزاعات بتطبيق القانون ويقتضي هذا منها الخضوع إلى
قواعد تقوم في جزء كبير منها على المنطق .وكثي ار ما يتم وصف ذلك العمل بتبسيط شديد
للقول بأن الحكم القضائي هو إعمال للمنطق األرسطي الذي ينطلق من الكبرى المتمثلة في
القاعدة القانونية والصغرى التي هي الوقائع والحل والمتمثل في الحكم أو النتيجة .لكن هذا
التقديم ليس إال اختزاال ال يعطي إال صورة سطحية عن عمل القضاء الذي يستوجب استنفاذ
مراحل فنية تتمثل فيما يلي:
-1التعهد بالوقائع:
المبدأ أن المحكمة المدنية ال تتعهد من تلقاء نفسها بالوقائع بل يكون ذلك بمقتضى
طلب ويسمى عريضة (أمام حاكم الناحية أو المحكمة االبتدائية) يذكر فيها هوية الطالب
والمطلوب ومقره والمحكمة المتعهدة وتبسط فيها الوقائع وتقدم في شأنها المؤيدات بما يعني
ضرورة أن يقع إثبات تلك الوقائع واالدعاءات اعتمادا على وسائل اإلثبات المقررة قانونا
واألسانيد القانونية أي األساس القانوني للدعوى.
58
-2تحقيق الوقائع وتقديرها
تحقيق وتقدير الوقائع مرحلتان مترابطتان في عمل قاضي األصل إذ أن تحقيق الوقائع
يفيد معاينة الواقع أو الوقائع وال يتعلق األمر بمعاينة مادية بل لتقرير اعتبارها موجودة فعال
تبعا لوقوع إثباتها من قبل من يقع عليه عبء اإلثبات فال عبرة بوقائع أو ادعاءات إال إذا تم
إثباتها طبق للقواعد المنظمة لكل صنف من األصناف أي بحسب ما تعلق األمر بتصرفات
أو بوقائع قانونية .ففي دعوى تتعلق بالفسخ من أجل عدم الوفاء بعقد يحقق الحاكم في االدعاء
بعدم التنفيذ في األجل ووجود تنبيه على المدين من عدمه أو أن سبب عدم الوفاء كان حالة
قوة قاهرة ويتأكد من ثبوت تلك الحالة ثم يتولى تقدير الوقائع أي تقييمها وبيان أهميتها على
النزاع .فيقدر مثال أن عدم التنفيذ كان بسبب راجع إلى الدائن (مماطلة الدائن أي االمتناع دون
سبب عن قبول الخالص ،الفصل 284م ا ع ) أو أن سبب التأخير كان حالة القوة القاهرة
وإمكانية تأثير ذلك على النزاع.
-2تكييف الوقائع
عملية التكيف عملية ذهنية الحقة لتحقيق الوقائع وتقديرها وتمثل في إدراج الواقعة أو
التصرف في الصنف القانوني المالئم .ففي المثال السابق يتعين القول ما إذا كانت األفعال
الصادرة عن المدين تأخي ار في الوفاء بغير سبب صحيح (الفصل 269م ا ع ) والسبب
الصحيح قد يكون مماطلة الدائن ،فيكون تكييف ما صدر عن الدائن "مماطلة الدائن" أم أن
سبب ذلك هو القوة القاهرة فيكيف الواقعة بأنها قوة قاهرة (الحجر الصحي بسبب كوفيد هل
هو قوة قاهرة ؟ ) .ويتم ذلك بالرجوع إلى القواعد المنظمة لمماطلة المدين (الفصل 268وما
بعده م ا ع ) والقوة القاهرة (الفصالن 282و 283م ا ع ) ومماطلة الدائن (الفصول 284
وما بعده م ا ع ) .ويكون في كل مسألة قد استكمل التأكد من توفر فرض القاعدة القانونية
في عملية تطبيق القانون.
59
-3استنتاج النتائج القانونية
استنتاج النتائج أو ترتيب النتائج القانونية هو استكمال المرحلة الموالية للتحقق من توفر
شروط مفترض القاعدة أي أنه سيطبق الحل ويعني ذلك أن القاضي بعد التحقق والتقدير
والوصف ال بد أن يستنتج نتيجة التكييف القانوني وهي انطباق حل القاعدة أي ليقول إن
المدين كان مماطال (أو أنه لم يكن مماطال).
-4الحكم
هو آخر أعمال المحكمة المتعهدة فيما يتعلق بالقضية المعروضة فيكون برفض الدعوى
أو بعدم سماعها أو بقبولها أي الحكم لفائدة المدعي .وفي المثال السابق يقضي بعدم سماع
الدعوى إذا ثبت أن المدين لم يكن مماطال أو بالفسخ إذا كان مماطال .
ويكون من المفيد التمييز فيما يتعلق بالحكم القضائي بين أسباب الحكم ونص الحكم.
فاألسباب هي ما يتمثل في التبرير الواقعي والقانوني الذي توخته المحكمة والمعبر عنه
بالتعليل الواقعي والقانوني .أما نص الحكم أو منطوقه فهو النتيجة األخيرة التي تصرح بها
المحكمة على نحو ما سبقت اإلشارة إليه (عدم سماع الدعوى ،الحكم لصالحها باألداء أو
باإلبطال أو بالفسخ ...وإذا تعلق األمر باالستئناف أو بالتعقيب القبول أو الرفض شكال ،أو
القبول شكال والرفض أصال ) ....
األحكام أصناف متعددة ووصف الحكم ينطبق على نتيجة منازعة قضائية تتم فيها
مراعاة مبدأ المواجهة فيكون الحكم الصادر عن المحكمة االبتدائية حكما وقد يصدر عن
القاضي نوع آخر من األحكام في ميدان القضاء الوالئي فيكون إذنا(.إذن على عريضة)
60
ويكون ابتدائي الدرجة ويكون تبعا لذلك قابال للطعن فيه باالستئناف وعندما يوصف
بأنه نهائي الدرجة يكون قابال للطعن بالتعقيب.
وعندما يصدر عن محكمة أعلى درجة أو عن محكمة التعقيب يسمى ق ار ار ونقول قرار
استئنافي وقرار تعقيبي ولو أن المشرع والتطبيق يستعمالن للتعبير عن ق اررات محكمة
االستئناف وصف األحكام ويخصص استعمال قرار للق اررات الصادرة عن محكمة التعقيب.
-IIمحكمة التعقيب
محكمة التعقيب أعلى محكمة في الترتيب الهرمي للمحاكم العدلية ومن أجل هذا يسميها
البعض المحكمة العليا ،وهي وحيدة لكامل الجمهورية مقرها بالعاصمة وال يوجد غيرها في
أي مدينة أخرى .تتميز عن محاكم األصل بأنها ليست درجة من درجات التقاضي (ال
أولى وال ثانية وال ثالثة) هي ال تتعهد بالوقائع بل تحكم على األحكام وهي إذن محكمة
القانون ويتبين ذلك من اختصاصها (أ) ومن تنظيمها وسلطاتها (ب).
ينص الفصل 42م م م ت أن محكمة التعقيب تنظر في جميع األحكام النهائية .وبما
أنها محكمة قانون فقد حدد الفصل 175م م م ت الحاالت التي يمكن فيها الطعن بالتعقيب
وتسمى أسباب الطعن وهي -1 :مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله-2 ،إذا
كان الحكم صاد ار فيما يتجاوز اختصاص المحكمة التي أصدرته-3 ،إذا كان هناك إفراط
في السلطة -4 ،إذا لم تراع في اإلجراءات أو في الحكم الصيغ الشكلية التي رتب القانون
على عدم مراعاتها البطالن أو السقوط -5 ،إذا كان هناك أحكام نهائية متناقضة في نصها
وكانت صادرة بين نفس الخصوم وفي ذات الموضوع والسبب-6 ،إذا صدر الحكم بما لم
يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه أو أغفل الحكم االستئنافي بعض الطلبات التي حكم
فيها ابتدائيا أو كان نص الحكم مشتمال على أجزاء متناقضة-7 ،إذا صدر الحكم على
61
فاقد األهلية بدون أن يقع تمثيله في القضية تمثيال صحيحا أو وقع تقصير واضح في
الدفاع عنه وكان ذلك هو السبب األصلي أو الوحيد في صدور الحكم المطعون فيه.
تتلخص هذه األسباب في سبب واحد وهو مخالفة القانون ليتأكد معه أن اختصاص
محكمة التعقيب محدود في المسائل القانونية أي أنها ستحكم على األحكام لتعيد النظر
فيما تم القضاء فيه واقعا وقانونا بل لتتأكد من أن الحكم طبق القانون أو خالفه .وقد طور
اجتهاد محكمة التعقيب أسبابا أخرى هي باألساس التحريف وضعف التعليل.
إن أهم دور تقوم به محكمة التعقيب هو توحيد التأويل القانوني أو ما يعبر عنه
بوصف أعم توحيد فقه القضاء ويسعى تنظيمها والسلطات الممنوحة لها إلى تحقيق هذه
الدور طبق تقنيات مختلفة.
فاألصل هو وحدة المحكمة لكنها منذ بداياتها تتكون من دوائر عادية متخصصة إداريا
وتتوزع على دوائر مدنية ودوائر جزائية ودوائر تجارية ودوائر شغلية ...ويبلغ عددها اآلن
أربعين دائرة .وتتألف كل دائرة من رئيس ومستشارين بمساعدة كاتب وبحضور ممثل النيابة
العمومية.
-1تصدر الدائرة المتعهدة إما ق ار ار بالرفض شكال أو ق ار ار بالرفض أصال أو بالنقض دون
إحالة وفي هذه األحوال يحسم النزاع مبدئيا (مع استثناء أن الرفض شكال يمكن أن يؤدي
إلى طعن بالخطأ البين).
-2أو ق ار ار بالنقض مع اإلحالة (أي إرجاع ملف القضية إلى محكمة األصل لتحكم فيه
مجددا) وتكون اإلحالة إما على محكمة االستئناف التي أصدرت القرار المنقوض مكونة
من هيئة أخرى أو على محكمة استئناف أخرى (واإلحالة مظهر آخر على أن محكمة
62
التعقيب ليست محكمة أصل) .في هذه الصورة ال تكون محكمة اإلحالة ملزمة باتباع رأي
الدائرة التعقيبية التي نقضت الحكم األول وهذا يدل على أن توحيد اآلراء القانونية يتم في
مرحلة أولى بالتحاور واإلقناع بين المحكمة العليا ومحاكم األصل.
ويكون قرار محكمة اإلحالة قابال للطعن بالتعقيب وهذه هي صورة الطعن ثانية وفي
هذه الحالة هناك فرضيتان:
أ-يمكن أن يكون السبب الذي وقع النقض من أجله مختلفا عن السبب الذي يتم الطعن
به ثانية ( .السبب األول يكون ضعف التعليل مثال والسبب الذي وقع من أجله الطعن
خرق القانون) في هذه الحالة وإذا ما قررت النقض يمكن للدائرة أن تبت في األصل إذا
كان الموضوع مهيأ للفصل .وهو وجه آخر للنقض دون إحالة وفي هذا اختصار لإلجراءات
وربح للوقت.
ب-إذا كان الطعن من أجل نفس السبب الذي تم النقض على مقتضاه في المرة األولى
(السبب يكون الخطأ في تأويل نص قانوني معين مثال) فإن القضية تنظر فيها الدوائر
المجتمعة لمحكمة التعقيب .وتتألف الدوائر المجتمعة من الرئيس األول ورؤساء الدوائر
وأقدم مستشار في كل دائرة على أال يقل عدد أعضائها عن الثلثين من كل صنف وتعقد
جلساتها بمحضر وكيل الدولة العام وبمساعدة كاتب المحكمة.
عندما تقرر الدوائر المجتمعة النقض واإلحالة فإن محكمة اإلحالة الثانية تكون ملزمة
باتباع ما قررته الدوائر المجتمعة (الفصل 191فقرة 2م م م ت) فيكون توحيد اآلراء
القانونية بمقتضى السلطة الممنوحة من القانون لتفرض محكمة التعقيب رأيها على حكام
األصل .ويمكنها فرض هذا الرأي دون اللجوء إلى اإلحالة وذلك بالحكم في األصل إذا
كانت القضية مهيأة للفصل.
63
وسواء تعلق األمر بحكم في األصل من قبل دائرة عادية بعد تعقيب ثان أو من قبل
الدوائر المجتمعة فال يصح القول بأن محكمة التعقيب تتصدى لألصل .بل تحكم في
األصل بناء على ما حققه وقدره حكام األصل من الوقائع ،فهي ال تتحول إلى محكمة
أصل وال تعيد تحقيق وتقدير الوقائع ،فمفهوم القضية المهيأة للفصل يقتضي أن محكمة
التعقيب ال تتولى التحقيق في الوقائع وال تقديرها بل تكتفي بما انتهى إليه حكام األصل في
ذلك الشأن وتكتفي بتطبيق القاعدة القانونية لحسم النزاع.
لكن الدوائر المجتمعة ال تقتصر على توحيد اآلراء القانونية بين الدوائر بل أضاف إليها
المشرع بمقتضى تنقيح 1سبتمبر 1986مهمة أخرى ال عالقة لها بهذه الوظيفة وهي
تصحيح الخطأ البين الذي تقع فيه إحدى الدوائر وقد حدد الفصل 192م م م ت حاالت
الخطأ البين على وجه الحصر وهي -1 :انبناء قرار الرفض شكال على غلط واضح-2 ،
اعتماد القرار على نص قانوني بسق نسخه أو تنقيحه بما صيره غير منطبق-3 ،عندما
يشارك في القرار أحد القضاة ممن سبق له النظر في الموضوع.
القانون كمنظومة بما تحويه من مكونات تتطور من حيث المضمون وتتطور في الزمن
بسبب وظائفها وارتباطها بالواقع فحتى ولو كانت في نفس اإلطار المكاني لدولة معينة فإنها
بتواتر األحداث واألزمان تتغير وتتأقلم مع الواقع والزمن ،وال تشذ المنظومة القانونية التونسية
عن هذه القاعدة فقد شهدت تطو ار زمنيا (المبحث األول) وتطو ار نوعيا (المبحث الثاني).
ليست األهمية في سرد األحداث واستعراض المراحل التاريخية التي تطور القانون
خاللها فهذا موضوع مادة قائمة الذات (تاريخ القانون التونسي) .بل المهم في رأينا الوقوف
على التأثيرات الكبرى التي ميزت مختلف المراحل التاريخية التي مرت بها بالدنا ونقسم ذلك
64
التطور إلى ثالث مراحل ،مرحلة ما قبل الحماية الفرنسية (الفقرة األولى) مرحلة الحماية (الفقرة
الثانية) ومرحلة االستقالل (الفقرة الثالثة).
تواترت الحضارات على بالدنا ولكن لم يبق من آثارها على الصعيد القانوني إال فترتان
هما األهم ،هيمنة القانون الروماني ثم هيمنة الفقه اإلسالمي.
خالل الفترة األولى أي هيمنة القانون الروماني التي انطلقت بعد سقوط قرطاج (146
ق م) واستمرت إلى بداية الفتح اإلسالمي 1يرى البعض أننا ال نجد له أث ار واضحا في نظامنا
القانوني ،2لكن التأمل في مختلف األحكام يمكن من الوقوف على تأثيرات ملموسة سواء في
مادة التأويل (ال تأويل في موضع النص) أو في مادة العقود وقد أكد داود صانتيالنا ذلك
3
عندما أكد أن القانون الروماني هو القاسم المشترك لبلدان المتوسط.
أما هيمنة الفقه اإلسالمي فقد امتدت إلى منتصف القرن التاسع عشر لتكون كلية قبل
أن تبدأ في التراجع انطالقا من انتشار االحتالل الفرنسي .وامتازت تلك الفترة بتأثير المذهب
المالكي مع مزاحمة وأحيانا تغليب المذهب الحنفي (مذهب بايات تونس) .والميزة الغالبة للفقه
اإل سالمي أنه منظومة قانونية ال تعتمد النص المكتوب وتتطور أحكامه بتطور اجتهادات
الفقهاء (قبل أن تتوقف حركة االجتهاد لالكتفاء بالتقليد على امتداد أزمنة).
ومنذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت بوادر تطور باعتماد نصوص
مكتوبة بمقتضى ما يسمى باألوامر العلية (أوامر صادرة عن الباي) في ميادين مختلفة (صفة
البائع والتزامات الخماس والرهون العقارية) يتم نشرها بجريدة رسمية "الرائد التونسي" الذي صدر
ألول مرة بتاريخ 22جويلية 1860قبل أن يصبح الرائد الرسمي التونسي بمقتضى األمر
65
العلي المرخ في 27جانفي . 11883كما أنه وبمناسبة صدور عهد األمان في 10سبتمبر
1857ودستور 26أفريل 1861ظهرت أول حركة للتقنين في تونس (سن القوانين في قالب
مجالت) وكانت أول مجلة المجلة المدنية والجزائية لسنة 1861وكان المنتظر إصدار مجلة
تجارية وكذلك بعث محاكم عصرية .لكن تم تعليق كل ذلك وألغيت المجلة المدنية والتجارية
والرجوع في عهد األمان والدستور المنبثق عنه بسبب ثورة بن 2
بتاريخ 30أفريل 1864
3
غذاهم.
موجة التقنينات طالت الخالفة العثمانية التي أصدرت سنة 1876المجلة العثمانية
وهي تقنين للفقه الحنفي وكان المفروض أنها تطبق على كافة أنحاء الخالفة بما في ذلك
اإليالة التونسية ،غير أنها لم تطبق في تونس ولكن تأثيرها ظهر في أعمال اللجنة المكلفة
بإعداد مجلة مدنية وتجارية التي سينتج عن أعمالها إصدار مجلة االلتزامات والعقود.
بعد تعليق العمل بعهد األمان استمر الوضع كما كان عليه قبل صدور عهد األمان
إلى حين انتصاب الحماية الفرنسية.
من حيث الشكل بقي الباي ماسكا للسلطة التشريعية إذ بقيت التشريعات صادرة في
شكل أوامر علية لكن مع تطور هام يفيد أن السلطة الحقيقية التي تمارس التشريع هو المستعمر
وذلك بدليل وجوب إرفاق تلك األوامر بإمضاء المقيم العام وبدليل أن مضامينها كانت محددة
من قبل السلطة االستعمارية كما أن بعض القوانين الفرنسية أصبحت منطبقة مباشرة في تونس
بموجب األوامر الصادرة عن الباي ،وقد كان األمر كذلك مثال بالنسبة إلى قانون الشركات
66
خفية االسم لسنة 1867وقانون الشركات ذات المسؤولية المحدودة لسنة 1925وقانون
1908المتعلق ببيع األصول التجارية ورهنها وقانون التأمين البري لسنة . 1930
تميزت هذه المرحلة بسعي سلطة الحماية إلى التغيير التدريجي والثابت للنظام القانوني
من نظام قائم على القانون غير المكتوب إلى قانون مكتوب يعتمد المجالت القانونية .وكانت
أول مجلة قد صدرت بتاريخ 1جويلية 1885وهي المجلة العقارية التي أحدثت نظام التسجيل
العقاري وكانت تلك طريقة لالستيالء على أهم وأخصب األراضي وتمكين المعمرين منها.
وفي 6سبتمبر سنة 1896أحدثت لجنة كلفت بتقنين القانون المدني والتجاري وانتهت أعمالها
بإصدار مجلة االلتزامات والعقود في 15ديسمبر 1906وفي 1912صدرت المجلة الجنائية
18مارس 1896ثم كما سعت سلطة الحماية إلى تغيير التنظيم القضائي وصدر أمر
مجلة المرافعات المدنية سنة 1910وانجر عن ذلك الوجود المتزامن ألنظمة قانونية تقابلها
أنظمة قضائية مختلفة :نظام الفقه اإلسالمي المنطبق أساسا على األحوال الشخصية للمسلمين
مع نظام قضائي يتمثل في المحاكم الشرعية (مالكية وحنفية) في مسائل األحوال الشخصية
ونظام العقارات غير المسجلة ،ونظام الشريعة الموسوية ومحاكم األحبار أو مجالس األحبار
وهو يهم اليهود التونسيين في مسائل األحوال الشخصية ،ونظام القانون الفرنسي المطبق من
قبل المحاكم الفرنسية التي تختص بالحكم في القضايا التي يكون أحد أطرافها غير تونسي
ونظام المحكمة المختلطة ونظام القانون التونسي في غير المسائل الشرعية والموسوية وهي
القوانين والمجالت الجديدة التي تطبقها المحاكم العصرية.
الفقرة الثالثة-االستقالل
لم تمكن االتفاقيات التونسية الفرنسية بتاريخ 3جوان 1955التي اعترفت الحكومة
الفرنسية باالستقالل الداخلي لتونس لم تمكنها من استرجاع السيادة على التشريع كما أن
بروتوكول 20مارس 1956أفرز خالفا بين تونس وفرنسا حول استرجاع تونس لسيادتها في
67
الميدان المذكور كما بقيت األنظمة القضائية على حالها .ولم يكن من الممكن بذلك تحقيق
التطور النوعي للمنظومة القانونية.
68
متقاسمة بين مجلس الوزراء والباي بمق تضى أوامر يقرها مجلس الوزراء وتعرض على الباي
للموافقة والختم.
إثر اإلعالن عن الجمهورية وبمقتضى القانون عدد 1لسنة 1957المؤرخ في 29
جويلية 1957تم تجميع السلطتين التنفيذية والتشريعية (مؤقتا) بين يدي رئيس الجمهورية فيتم
1
سن قوانين يتبناها مجلس وزاري مضيق.
ميز مرحلة ما بعد االستقالل هو تأكيد خيار نظام القانون الوضعي
ولعل أهم ما ّ
المكتوب فاالستقالل لم يقطع مع الموروث القانوني من حيث التوجه العام إلقرار الطابع
الوضعي للقانون وخاصة تبني خيار القانون القائم على المصادر المكتوبة ويالحظ ذلك خاصة
من خالل اإلبقاء على أهم مجلتين تم سنهما خالل فترة االحتالل وهما مجلة االلتزامات والعقود
والمجلة الجنائية ومختلف األوامر العلية الصادرة في مواد متنوعة مثل مادة الشركات والتأمين.
في مرحلة الحقة تم الشروع في سن تقنينات جديدة تالئم الوضع الجديد من ذلك المجلة
التجارية ( )1959ومجلة المرافعات المدنية والتجارية ( )1959ومجلة الحقوق العينية (12
فيفري )1965ومجلة الجنسية التونسية ( )1963ومجلة التجارة البحرية ومجلة الشغل
( )1966ومجلة اإلجراءات الجزائية 1968ومجلة االستثمارات 26جوان 1969ومجلة
الطرقات 24ديسمبر .1964
69
الجزء الثاني :مصادر القانون
مفهوم المصدر ،من "صدر" ،وعبارة المصدر تفيد األصل والمصدر في اللغة هو
أصل الكلمة ،وفي اللغة الفرنسية يستعمل المصدر في مفهوم "المنبع" أو "العين" 1وهو المعنى
الذي يستعمله بعض الفقهاء في تونس.2
تستند للمصادر معان مختلفة فالمعنى األول يكمن في فكرة أساس القانون .ولكن هذا
المصطلح يحمل معنى دقيقا يبحث في سبب إلزامية القانون أو القاعدة القانونية .وقد برزت
في هذا الصدد مدارس تقول إن القانون ملزم لتطابقه مع مثل عليا وهي مدرسة القانون
4
الطبيعي 3أو أنها ملزمة ألنها نتاج التطور االجتماعي وهذه هي المدرسة الوضعية التاريخية
أو أنه ملزم ألنه نابع عن إرادة الدولة وهذه هي المدرسة الوضعية الدولية .5ويظهر بذلك أن
البحث في مصدر اإللزامية يجيب عن السؤال "لماذا تكون القاعدة ملزمة؟ " بينما يهتم السؤال
المتعلق بالمصدر بالقول "من أين تأتي القاعدة؟ " وهو سؤال سابق عن البحث في سبب
اإل لزامية وال يجيب عن السؤال المتعلق بالبحث في مأتى أي المرجع الذي تؤخذ منه القاعدة.
أما الفكرة الثانية فهي القائلة بأن المصدر هو كل الظروف المحيطة أي األحداث
المؤثرة في محيط المشرع سواء أكان اجتماعيا أو اقتصاديا أو علميا أو نفسيا 6ويسميها بعض
الفقهاء المصادر الواقعية أو الفعلية .7فيتدخل المشرع مثال لسن قانون يتعلق بتعاطي
المخدرات ليعتبر المتعاطي مجرما ليسلط عليه عقابا أو بالعكس من ذلك ليعتبر المتعاطي
مريضا ليقرر لفائدته وسائل وقاية وعالج .وقد تكون وقائع صادمة مبررة لتدخل تشريعي
70
بسبب األلم الذي يمكن أن تحدثه في الوسط االجتماعي ( إقرار عقوبة اإلعدام على المغتصب
)...لكن هذا ال يجيب عن السؤال من أين تستمد القاعدة وجودها بل عن األسباب أو
المبررات التي دعت المشرع للتدخل.
لذلك فمعنى المصدر ال يتعلق باألساس وال بالمحيط بل بالمأتى ونفرق للغرض بين
المصدر من حيث المضمون والمصدر من حيث الشكل لنميز بناء على ذلك بين المصادر
المادية والمصادر الشكلية.
المصادر المادية :وتسمى أيضا المصادر التاريخية وهي األصول التي يعتمدها
المشرع في سن القوانين وهي التي يستمد منها المشرع الحلول التي يراها أكثر مالءمة للمجتمع
في طور من أطواره من حيث حاجياته االقتصادية ونوعية العالقات االجتماعية الموجودة فيه
وثقافته.
فالفقه اإلسالمي من المصادر المادية للقانون التونسي ولكن أهميته تختلف بحسب
الميادين التي ينظمها المشرع .ففي مادة األحوال الشخصية (المجلة والنصوص األخرى مثل
قانون التبني) كان تأثيره واضحا في مسألة المواريث وغائبا في خصوص التبني وتوفيقيا في
تعدد الزوجات (توفيق بين قراءات مختلفة للنص القرآني من حيث منع تعدد الزوجات) كما
أنه مصدر مادي لمجلة االلتزامات العقود ،وكان تأثيره واضحا في العقود الخاصة (البيع
والكراء والوكالة )...
وكذلك يعتبر القانون الفرنسي ومن خالله القانون الروماني مصد ار ماديا للعديد من
النصوص كما هو الشأن في المادة التجارية أو التأمين أو الشركات التجارية .لذلك ولئن
استعمل الفقهاء عبارة مصادر تاريخية للتدليل على المصادر المادية إال أن ذلك ال ينبغي أن
نفهم منه أن تلك المصادر هي أنظمة مندثرة بل أن المصدر يمكن أن يكون نظاما قانونيا ال
يزال قائم الذات كما هو الشأن بالنسبة إلى القانون الفرنسي أو مصادر القانون األوروبي أو
الشريعة اإلسالمية التي ال تزال معموال بها في بعض الدول كالمملكة العربية السعودية وقد
71
تكون هذه المصادر دولية مثل االتفاقيات التي تسعى إلى توحيد األحكام المنطبقة في ميدان
من الميادين كما هو الشأن التفاقية جينيف المتعلقة بالقانون الموحد حول الكنبيالة والسند ألمر
بتاريخ 7جوان 1 1930التي تم تبني أهم أحكامها وإدراجها في المجلة التجارية (الفصول
269إلى .)345
لكن بقطع النظر عن المصدر المادي ألي نص قانوني فإنه بمجرد اعتماد الحل الذي
يقرره النص يصبح الحل جزءا من القانون الوضعي ويندمج فيه فال يقال بمجرد أن المشرع
استلهم حلوال من نظام قانوني معين أن القانون التونسي يعتبر تابعا لذلك النظام .فال نقول
إن القانون التونسي ليس إال نسخة أو تكريسا للقانون الفرنسي أو الفقه اإلسالمي من مجرد
اعتماد حلول من النظامين المذكورين .كما أنه بغاية تأويل قاعدة قانونية يمكن االعتماد على
مصدرها المادي لكن ذلك -كما سنرى الحقا -ال يكون إال مجرد إمكانية ال إلزامية فيها.
أما المصادر الشكلية فيقصد بها األحكام التي يقع إفراغها في شكل رسمي بمعنى
أنها تتخذ شكل النص الرسمي الصادر عن المؤسسة المؤهلة لسن التشريع وهي إذن من
حيث الشكل مصدر رسمي أي ذلك الذي تكون له قوة القانون من حيث اللزوم والنفاذ فتكون
قانونا أو مجلة أو أم ار أو مرسوما أو ق اررا.
إن التفرقة بين المصدر الشكلي والمصدر المادي ليست محل إجماع في الفقه إذ هناك
من الفقهاء من يعتبر التشريع والعرف فقط هما المصدران الرسميان وما عداهما أي فقه القضاء
والفقه مجرد سلطة 2وهناك من يضيف إليهما فقه القضاء 3ونحن نقسم المصادر إلى مصدر
Convention portant loi uniforme sur les lettres de change et billets à ordre conclue à
1
72
أصلي وهو التشريع (الباب األول) ومصادر تكميلية وهي فقه القضاء والعرف والفقه (الباب
الثاني).
القانون كمنظومة بما يعنيه ذلك من ترتيب مختلف مكوناته وقواعده يستوجب لتناسقه
أن يكون الترتيب قائما على منهج واضح لتحديد العالقات الرابطة بين مختلف القواعد التي
تكونه .وهذا التنظيم يقوم على تحديد مركز ودور كل سلطة من السلطات التي تنبثق عنها ّ
مختلف القواعد .وهذا ما يجعل تنظيم القواعد خاضعا إلى ترتيب هرمي أو نظام تراتبي تكون
فيه القاعدة األدنى مستجيبة ومطابقة للقاعدة األعلى .فالقاعدة األعلى هي الدستور (المبحث
األول) ثم تليه النصوص األخرى وهي المعاهدات (المبحث الثاني) ثم القوانين (المبحث الثالث)
ثم النصوص الصادرة عن السلطة التنفيذية (المبحث الرابع).
73
المبحث األول :الدستور
الدستور هو النص القانوني األعلى قيمة في البالد وتسميه بعض األنظمة القانون
األساسي (الدستور األلماني مثال) أو القانون المؤسس أي أنه المؤسس لكل السلطات
(التشريعية والتنفيذية والقضائية وغير ذلك من الهيئات الدستورية) التي تستمد منه وجودها
وشرعيتها وصالحياتها .وتكمن أهمية الدساتير في كونها تسعى إلى توفير ضمانات أساسية
للمواطنين من خالل تنظيم السلطات والعمومية وإلزامها بالقانون حتى ال يكون هناك مجال
للحكم المطلق والتعسف والجور .وغالبا ما تسن الدساتير إثر تحوالت هامة في مجتمع معين
والمثال على ذلك دستور 1جوان 1959الذي أعقب االستقالل ودستور 26جانفي 2014
الذي أعقب ثورة . 11/14-12/17
ومع أن الدساتير تسن لتكون عامل استقرار بما يجعل مراجعتها خاضعة إلى قواعد
صارمة ،إال أن الواقع يفرز النزعة نحو تغيير أحكامها لغايات متعددة أبرزها رغبة الماسك
بالسلطة في البقاء فيها (الرئاسة مدى الحياة ،تغيير السن القصوى للترشح للمنصب الرئاسي،
التغيير المتعلق بالعدد األقصى للنيابات )...
تبرز علوية الدستور من خالل ضرورة االستجابة كل القواعد األدنى إلى أحكامه .ومع
أن هذا المبدأ يبدو نتيجة لتأثير للنظرية الكلسنية (نسبة إلى الفقيه النمساوي هانس كلسن)1
للترتيب الهرمي للقوانين وال يمكن تبعا لذلك ألي نص أن يخالف الدستور فإنه ليس في رأينا
إال نتيجة لفكرة أن القانون منظومة متناسقة ومرتبة ترتيبا تكون فيه القاعدة األعلى مهيمنة
على القواعد األقل درجة التي تكون بدورها مهيمنة على القواعد األدنى في الترتيب .ولتحقيق
فعالية تلك التراتبية وضمان علوية الدستور يكون من الضروري إقرار نظام مراقبة مطابقة
74
(المحكمة الدستورية لجمهورية ألمانيا االتحادية أو المجلس الدستوري في فرنسا) وهو الحل
الذي أقره دستور 2014من خالل إحداث المحكمة الدستورية.
ال تكون المنظومة القانونية في بلد معين في معزل عن محيطها الدولي وتكون الدولة
والواحدة في حاجة إلى ربط عالقات في ميادين مختلفة تتعلق باالقتصاد واألمن والصحة
والتعليم والجباية وغيرها ،وتبرم لذلك الغرض اتفاقيات ومعاهدات دولية ثنائية أو متعددة
األطراف ويقرر الفصل 67من الدستور أن المعاهدات التجارية وتلك المتعلقة بالتنظيم الدولي
أو بحدود الدولة أو بالتعهدات المالية للدولة (القروض ) أو بحالة األشخاص (طالق ،زواج
)،أو بأحكام ذات صبغة تشريعية تعرض على مجلس النواب للموافقة .وتضيف الفقرة الثانية
من الفصل نفسه أن المعاهدات ال تصبح نافذة المفعول إال بعد المصادقة عليها (من قبل
رئيس الجمهورية طبق الفصل 77من الدستور).
ويقر الفصل 20من الدستور مبدأ هاما يتعلق بمركز المعاهدات الدولية من النظام
القانوني بقوله إن "المعاهدات الموافق عليها من قبل المجلس النيابي والمصادق عليها (من
رئيس الجمهورية) أعلى من القوانين وأدنى من الدستور .فهي إذن في المرتبة التي تلي
الدستور ويجب أن تكون غير مخالفة له وتخضع بذلك المقتضى إلى رقابة المحكمة الدستورية
(الفصل 120مطة .)3وتكون من جهة أخرى مقدمة على القوانين إذا تعارضت معها ألنها
أعلى منها درجة وبما ينتج عنه أن تلك القوانين تكون بالضرورة غير مخالفة لتلك االتفاقيات.
فالمصادقة على اتفاقية األمم المتحدة المتعلقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
المؤرخة في 18ديسمبر (1979المعروفة باختصار سيداو) والتي صادقت عليها الدولة
75
التونسية بالقانون عدد 68لسنة 1985المؤرخ في 12جويلية 1985تقتضي أن القوانين
1
أ-أصناف القوانين
-1القوانين الدستورية هي التي يكون موضوعها تعديل الدستور ويكون حق المبادرة فيها
الرئيس الجمهورية ولثلث أعضاء مجلس نواب الشعب وتعرض من قبل رئيس مجلس نواب
الشعب على المحكمة الدستورية إلبداء الرأي في كونها ال تتعلق بما ال يجوز تعديله حسب ما
هو مقرر .وينظر مجلس نواب الشعب في مبادرة التعديل للموافقة باألغلبية المطلقة على مبدأ
التعديل ويتم التعديل بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب وفي هذه الحالة يمكن لرئيس الجمهورية
Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination Against Women CEDAWتمت 1
مصادقة الجمهورية التونسية على هذه االتفاقية بتحفظ وتم رفع التحفظات في ، 2011راجع األمر عدد 4260لسنة 2011
مؤرخ في 28نوفمبر 2011يتعلق بالمصادقة على سحب بيان وتحفظات صادرة عن حكومة الجمهورية التونسية وملحقة
بالقانون عدد 68لسنة 1985المؤرخ في 12جويلية 1985المتعلق بالمصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال
التمييز ضد المرأة.
76
عرض التعديل على االستفتاء ويتم قبول التعديل بأغلبية المقترعين( .الفصل 143من
الدستور).
-2القوانين االستفتائية هي التي تترتب عن عرض مشاريع قوانين المتعلقة بالموافقة على
المعاهدات أو بالحريات وحقوق اإلنسان أو باألحوال الشخصية والمصادق عليها من قبل
مجلس نواب الشعب والتي يكون لرئيس الجمهورية أن يمارس فيها حق الرد ولكنه وفي أثناء
أجل الرد يقرر عرضها على االستفتاء .ويضبط القانون االنتخابي صيغ إجراء االستفتاء
واإلعالن عن نتائجه .وإذا أفضى االستفتاء إلى قبول المشروع فإن رئيس الجمهورية يختمه
ويأذن بنشره في أجل ال يتجاوز عشرة أيام من اإلعالن عن نتائج االستفتاء (الفصل 82من
الدستور) فاالستفتاء إذن تعبير عن ممارسة الشعب سلطة مباشرة على التشريع.
-3أما القوانين األساسية فتختلف عن القوانين العادية من حيث الميدان واإلجراءات واألغلبية
فيصادق مجلس نواب الشعب على مشروع القانون األساسي باألغلبية المطلقة ألعضائه
( ) 109وبأغلبية أعضائه الحاضرين على مشاريع القوانين العادية على أال تقل هذه األغلبية
عن ثلث أعضاء المجلس (الفصل 64من الدستور) .وال يعرض مشروع القانون األساسي
على مداولة الجلسة العامة لمجلس النواب إال بعد مضي خمسة عشر يوما من إحالته على
اللجنة المختصة وليس من مثيل لهذا اإلجراء إذا تعلق األمر بمشروع قانون عادي.
ميادين القوانين العادية والقوانين األساسية ( )1ميدان القانون وميدان النصوص الترتيبية
()2
77
فالفقرة األولى من الفصل 65د حددت ميدان القانون العادي وهي:
-إ حداث أصناف المؤسسات والمنشآت العمومية واإلجراءات المنظمة للتفويت فيها،
-الجنسية،
-ضبط الجنايات والجنح والعقوبات المنطبقة عليها وكذلك المخالفات المستوجبة لعقوبة سالبة
للحرية،
-العفو العام،
-التصريح بالمكاسب،
-المبادئ األساسية لنظام الملكية والحقوق العينية والتعليم والبحث العلمي والثقافة والصحة
العمومية والبيئة والتهيئة الترابية والعمرانية والطاقة وقانون الشغل والضمان االجتماعي.
أما الفقرة الثانية من الفصل 65د فقد حددت ميدان القوانين األساسية ويشمل ما يلي:
78
-الموافقة على المعاهدات،
-القانون االنتخابي،
األحوال الشخصية،
-السلطة المحلية،
هذا الفصل بين الميدانين مفروض على المشرع فال مجال للتداخل بين الميدانين وكلما كانت
هناك مخالفة إال وكان القانون مخالفا للدستور.
79
-2ميدان القانون وميدان النصوص الترتيبية
نصت الفقرة األخيرة من الفصل 65من الدستور بعد أن استعرضت مجاالت كل من
القانون األساسي والقانون العادي أنه "يدخل في مجال السلطة الترتيبية العامة المواد التي ال
تدخل في مجال القانون".
ويبدو من قراءة أولية أن للقانون مجاال محددا بمعنى أن ما خرج عنه يعود بالضرورة
إلى ميدان السلطة الترتيبية العامة .فإذا تعلق األمر بتنظيم مسألة ال تندرج ضمن القائمتين
المقررتين بالفصل 65من الدستور فإنها تعود بالضرورة إلى ميدان السلطة الترتيبية .ويترتب
عن ذلك أنه ال يمكن للقانون أن يتولى بالتنظيم مسائل راجعة إلى ميدان السلطة الترتيبية
وتنجر عن ذلك مخالفة للدستور .وقد يعتبر هذا األمر امتدادا للتوجه المرسوم بدستور 1959
تبعا لما كرسه من هيمنة رئيس الدولة والسلطة التنفيذية بوجه عام وهو ال يتماشى مع التوجه
العام لدستور 2014الذي كرس نظاما يكون فيه مبدئيا للبرلمان الدور األبرز.
لكن المالحظ أن حكومات 2014إلى 2019لم تتردد في عرض مشاريع قوانين تعود
إلى نطاق السلطة الترتيبية وأن البرلمان لم ينازع في ذلك وتم التصويت عليها وصدرت في
شكل قوانين ولم يتم الطعن في تلك المشاريع بمخالفة الدستور.1
هي نصوص تتخذها السلطة التنفيذية إما في صورة حل مجلس نواب الشعب (أ) أو
بتفويض المجلس النيابي (ب) وهذان اإلمكانيتان مقررتان بالفصل 70من الدستور.
مثاال على ذلك قانون عدد 38لسنة 2018مؤرخ في 19جوان 2018يتعلق بإحداث تعاونية أعوان و ازرة العدل 1
والمؤسسات العمومية الخاضعة إلشرافها من غير القضاة وأسالك قوات األمن الداخلي حيث ال يندرج إحداث التعاونيات في
أي صنف من أصناف القانون طبق الفصل 65من الدستور.
80
أ -وقد نظمت الفقرة األولى من النص المشار إليه الحالة األولى ويكون إصدار المراسيم من
قبل رئيس الجمهورية بالتوافق مع رئيس الحكومة .وتعرض هذه المراسيم على مصادقة مجلس
نواب الشعب في الدورة العادية التالية.
ب -أما اإلمكانية الثانية للجوء إلى المراسيم فقد نظمتها الفقرة الثانية من الفصل 70من
الدستور عندما قررت أنه يمكن لمجلس نواب الشعب بثالثة أخماس أعضائه ( 131صوتا)
أن يفوض بقانون لمدة محدودة ال تتجاوز الشهرين ولغرض معين إلى رئيس الحكومة إصدار
مراسيم تدخل في مجال القانون تعرض حال انقضاء المدة المذكورة على مصادقة المجلس.
ويقتضي ذلك أن كل ما يدخل في مجال القانون يمكن أن يصدر في شكل مرسوم لكن الفصل
70يستثني من ذلك القانون االنتخابي.
وقد شهد هذا النص أول تطبيق بسبب جائحة كورونا .فقد أوجبت تلك الجائحة سن
القانون عدد 19لسنة 2020المؤرخ في 12أفريل 2020المتعلق بالتفويض إلى رئيس
الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد .)19-وتم
على مقتضاه اتخاذ جملة من المراسيم من بينها مرسوم رئيس الحكومة عدد 1لسنة 2020
المؤرخ في 14أفريل 2020المتعلق بالنشرية االلكترونية للرائد الرسمي للجمهورية التونسية
وبتحديد تاريخ نفاذ النصوص القانونية.
ويبرز الطابع المؤقت لهذا النوع من النصوص أن تحولها إلى نصوص دائمة يبقى
رهين المصادقة عليها من قبل مجلس النواب.
81
-1تتخذ النصوص الصادرة في نطاق ممارسة الحكومة للسلطة الترتيبية شكل األوامر وتسمى
أوامر حكومية (الفصل 94فقرة 2من الدستور) .ولهذه النصوص ميدانا تدخل ،ميدان تدخل
أصلي وميدان تدخل تبعي.
فميدان التدخل األصلي هو المتمثل فيما ال يكون ميدانا لتدخل القانون طبقا للفقرة األخيرة
من الفصل 65من الدستور .أما ميدان التدخل التبعي وهي األوامر التي تصدر تطبيقا
للقوانين وهي األوامر التطبيقية .على سبيل المثال تقرر المطة األولى من الفقرة األولى من
الفصل 65من الدستور ميدان القانون لتدرج فيه إحداث أصناف المؤسسات والمنشآت
العمومية .فالقانون هو الذي يحدث أصناف المؤسسات العمومية فتكون إدارية أو غير إدارية.
لكن إحداث مؤسسة تنتمي إلى صنف من هذين الصنفين يعود إلى السلطة الترتيبية طبقا
للفصلين 94و 92مطة 3من الدستور فتتولى إحداثها بأمر والمثال على ذلك األمر الحكومي
عدد 628لسنة 2018المؤرخ في 26جويلية 2018المتعلق بإحداث مؤسسات عمومية
للشباب ذات صبغة إدارية بمناطق مختلفة من البالد .وفي مثال آخر أحدث القانون عدد 65
لسنة 1993المؤرخ في 5جويلية 1993صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق وتطبيقا لذلك
القانون صدر األمر عدد 1655لسنة 1993المؤرخ في 9أوت 1993لتنظيم إجراءات
تدخل ذلك الصندوق.
-2أما الوزراء فيمارسون السلطة الترتيبية بمقتضى الق اررات الترتيبية والمناشير.
فالق اررات الترتيبية هي التي تتخذ من قبل الوزراء كل في ميدان تدخل و ازرته وتكون وجوبا
حاملة لتأشير رئيس الحكومة طبق الفصل 94فقرة أخيرة من الدستور والمناشير .وهذه الق اررات
تصدر تطبيقا لنصوص أعلى درجة أي القوانين واألوامر .ويمكن أن نذكر مثاال على ذلك قرار
28جويلية 1995الصادر عن وزيري الداخلية والصحة العمومية موضوعه تعميم الشهادة
الطبية السابقة للزواج والتي أقرها القانون عدد 64لسنة 1964المؤرخ في 3نوفمبر 1964
المتعلق بالشهادة الطبية السابقة للزواج.
82
أما المناشير فهي مندرجة في نطاق السلطة الترتيبية وتصدر تطبيقا للنصوص األعلى
درجة .في هذا المعنى نذكر المنشور عدد 21المؤرخ في 24سبتمبر 2020المتعلق بفرض
االلتزام بارتداء الكمامات الواقية بالنسبة إلى المتعاملين مع اإلدارة تطبيقا لقرار وزير الصحة
المؤرخ في 21أوت 2020والمتعلق بإلزامية ارتداء الكمامات الواقية بالفضاءات واألماكن
العمومية.
على أن الدستور لم يتعرض إلى هذا الصنف من النصوص وهو ما يطرح إشكاليات
شرعيتها وطبيعتها القانونية . 1وينبغي التمييز بين المناشير التي تصدر عن الوزراء واإلدارات
عموما والتي لم يتعرض إليها الدستور والمناشير التي ينظم القانون إصدارها من قبل هيئة أو
مؤسسة معينتين.
فالمناشير الصادرة عن الو ازرات ال تعتبر شرعية إال إذا كانت تفسيرية أي تفسر النص
األعلى (مناشير أو ما يسمى بالمذكرات العامة الصادرة عن و ازرة المالية ) 2أما إذا كانت
منشئة لقواعد جديدة فتكون فاقدة لتلك الشرعية لعدم إسناد الدستور سلطة لتلك الهياكل في
إصدار النصوص القانونية.
أما المناشير الصادرة عن الهيئات أو المؤسسات التي يؤهلها القانون لذلك فتكون
متمتعة بالشرعية والقوة اإللزامية .والمثال على ذلك مناشير البنك المركزي .فالقانون عدد 35
لسنة 2016مؤرخ في 25أفريل 2016المتعلق بضبط النظام األساسي للبنك المركزي
التونسي يقر في الفصل 42منه وبكل وضوح لمحافظ البنك المركزي سلطة إصدار مناشير
وتعليمات كتابية في مجال اختصاص البنك المركزي كما يسند لتلك المناشير الصبغة اإللزامية
تجاه األشخاص الموجهة إليهم ويقرر إمكانية الطعن فيها أمام المحكمة اإلدارية ويجوب نشرها
على سبيل المثال المذكرة العامة عدد 19لسنة 2020موضوعها تحليل أحكام الفصل 15من القانون عدد 47لسنة 2
83
على موقع واب البنك المركزي وأوجب نشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية كلما وجهت
للعموم .وكمثال على ذلك منشور البنك المركزي المؤرخ في 5أكتوبر 2020المتعلق بإجراءات
استثنائية لمساندة المهنيين والناشطين في قطاعي السياحة والصناعات التقليدية (التمديد في
تأجيل خالص أقساط القروض).
ال تنشأ القاعدة القانونية من فراغ إذ يتعلق األمر بمالحظة الظواهر االجتماعية ثم
وبهدف تأطير تلك الظواهر يتم بناء القاعدة بأفضل ما يكون وهو ما يستوجب البحث في
موجهات صياغة القاعدة القانونية (مبحث أول) ثم التعرض إلى مراحل تكوينها (مبحث ثان).
هناك إطار عام فكري تتمحور حوله الخيارات الكبرى في سن القواعد ونتحدث هنا عن
السياسة التشريعية (فقرة أولى) لتتدخل بعد ذلك المقدرات الفنية -التقنية القانونية-حتى تتخذ
القاعدة شكلها النهائي (الفقرة الثانية).
"التفرقة بين السياسة والتقنية هي التفرقة بين المضمون والشكل فكلما تعلق األمر
بمحتوى القاعدة وهدفها كان ذلك من نطاق السياسة التشريعية وكلما تعلق األمر بالشكل
1
الخارجي الذي ستقدم فيه القاعدة تعلق ذلك بالتقنية القانونية
السياسة تؤخذ في معنى تصور وتحديد األهداف التي يرمي المشرع إلى تحقيقها انطالقا
من جملة المعطيات المحيطة والمؤثرة في المجتمع مع األخذ باالعتبار لإلمكانيات المتاحة
والتي تسهل تحقيق تلك األهداف.
84
هذه المعطيات مادية أو طبيعية (مناخ البالد ،مخزوناته أو ثرواتها الطبيعية :كثرة أو
ندرة ،عدد السكان وتوزيعهم الجغرافي) وهناك معطيات اقتصادية (اقتصاد فالحي ،صناعي،
الوضع االقتصادي للبالد-حالة سوق الشغل ،وضع البطالة ،والمعطيات المالية ،المالية
العمومية ،موارد الدولة كافية أم لجوء إلى االقتراض) وهناك أيضا معطيات تاريخية وحضارية
وثقافية واجتماعية (الملكية ،الميراث ،العالقات العائلية تأثير العادات ،دور الدين )...وتوجد
كذلك معطيات تتعلق بالتطلعات واألهداف المثلى التي يتوق المجتمع إلى تحقيقها (التقدم وهو
مطمح حتى بالنسبة إلى المجتمعات التي توصف بالمتقدمة) ،التحرر (من مؤثرات اقتصادية
مثاال) ،تحقيق التجمعات اال قتصادية أو السياسية (وحدة المغرب العربي مثال) أو االقتصادية
،...
كل هذا يستوجب اإللمام التام بكل هذه المعطيات وما يتطلبه ذلك من االستئناس
بمختلف العلوم والمواد التي تعتني بهذه الظواهر مثل علم االجتماع وعلم االقتصاد وعلم التاريخ
وغيرها وأن تكون دراسة تلك الظواهر دراسة علمية قائمة على المعاينة واالستنتاج حتى تكون
الحلول المقترحة أقرب إلى الواقع ولتلبية الحاجيات ( .المثال :في مشروع قانون يرمي إلى
عدم تجريم تعاطي المخدرات تم تقرير مرحلة وقائية في مراكز صحية والحال أنه يوجد مركزان
تم غلق أحدهما نالحظ أنه لم تؤخذ في االعتبار المعطيات المتعلقة بتوفير الوسائل الرامية
إلى تحقيق الوقاية).
فالتشريع ليس غاية في حد ذاته بل هو وسيلة لتحقيق أهداف محددة في ميادين مختلفة.
فنتحدث عن سياسة جبائية أو سياسة جزائية أو سياسة عمرانية أو سياسة فالحية .فالسياسة
هنا في مفهوم علم أو فنيات التسيير الجماعي.
فبناء على األهداف الكبرى التي يقع رسمها تكون التشريعات الوسيلة الرامية إلى
تحقيقها .ولعل أبرز األمثلة هي مجلة األحوال الشخصية التي هدفت إلى إحداث تغيير نوعي
في المجتمع من خالل إعادة تصور للعائلة القائمة على منع تعدد الزوجات وحرية المرأة في
85
اختيار زوجها وتجريم الزواج العرفي وفرض الطالق القضائي .في ميدان السياسة االقتصادية
تتجه مختلف الدول إلى توفير مناخات مالئمة الستقطاب االستثمارات واألجنبية منها على
وجه الخصوص فيقع تبني مجلة لالستثمارات أو قوانين يهتم كل منها بميدان (السياحة،
الص ناعة )...فيتم التشجيع على االستثمار في مناطق محددة بإقرار امتيازات للمستثمرين
واستجالب االستثمار األجنبي بعدم التميز بين األجانب والتونسيين .ويشترك في رسم هذه
السياسات الحكومة ورئيس الجمهورية بواسطة مشاريع القوانين التي تعدها مصالحهم ونواب
الشعب بواسطة مقترحات صادرة عن عشرة منهم على األقل وهو ما تبرز معه أهمية التقنية
القانونية أو التشريعية.
التقنية التشريعية (القانونية) هي جملة الوسائل الفنية التي تعطي للقاعدة مظهرها
الخارجي 1فنتحدث هنا عن الصياغة القانونية أو فن صياغة التشريع فكتابة القانون تستوجب
علما وفنا إذ ليس ألي كان أن يكتب نصا قانونيا أو قانونا أو مجلة ....
والحديث عن "صياغة" يحمل معاني دقيقة ،الصائغ مهني وفنان يتدخل على مادة
نفيسة لينتج منها قطعة مصوغ .والتشبيه يحمل وجوب اإللمام بالمعارف المنظمة لميدان التدخل
ومراعاة الحذر والدقة وإحكام العمل بالوسائل واآلليات وبخاصيات المادة موضوع العمل حتى
يكون المنتوج مالئما لقيمة تلك المادة وبالجمالية الطلوبة ومحققا للغاية منه تحقيقا تاما.
وقد تطورت العلوم المتعلقة بالصياغة التشريعية وبرزت مواد واختصاصات موضوعها
فنيات الصياغة التشريعية تدرس بكليات الحقوق وتسمى علم التشريع أو منهجية التشريع.2
فيتطلب األمر إتقانا للغة التي يتوجه بها المشرع إلى المعنيين به وهي اللغة العربية
كلغة رسمية للبالد طبق الفصل األول من الدستور .لكن التقنية التشريعية تستوجب إلى ذلك
Légistique 2
86
إحكام السيطرة على اللغة القانونية التي تتميز بدقتها التي توجب أن يقع استعمال كل مصطلح
أو مفهوم قانوني في مكانه دون إمكان استبداله بغيره الدال على معنى آخر ولو كان بينها
اختالف طفيف .فنفرق بين التصرف القانوني كصنف من األصناف ومكوناته العقد الذي
يستوجب لقيامه التقاء إرادتين أو أكثر والتصريح بإرادة منفردة الذي ال يستوجب إال تعبي ار من
شخص وحيد عن إرادته.
فالمشرع يستعمل الكلمات في جمل يصوغها بأسلوب القانون وكما أسلفنا يمكن أن
تكون الكلمات من اللغة العادية (الشيء ،الماء) ويكون استعمالها في ميادين الحياة اليومية أو
المهنية (الحيوان ،األرض )...أو الصناعية (المصانع ) وقد يكون لها معنى قانوني ال
تشترك فيه مع ميدان آخر (حيثية 'فقرة من حكم' منطوق 'نص الحكم' )..وقد تكون مشتركة
مع ميدان آخر ولكنها تأخذ معنى خاصا إذا استعملها المشرع (العيب ...الغلط ...التغرير
)...
لكن أسلوب المشرع يحتاج إلى تقنيات أخرى من أهمها القرينة واالفتراض.
القرينة التي يضعها المشرع وتسمى القرينة القانونية هي ما يستدل به القانون على
أشياء مجهولة" أي أنه انطالقا من أمر معلوم يستخلص المشرع ثبوت أمر مجهول(1وهناك
نوع آخر وهو القرينة القضائية وتقوم على نفس الفكرة أي استنتاج ثبوت أمر مجهول من أمر
معلوم) .في خالف بين امرأة ورجل يربط بينهما زواج وولد لهما طفل وينازع الزوج في نسبة
المولود إليه .فيقرر المشرع ضمن الفصل 71من م أ ش أنه إذا ولدت الزوجة لتمام ستة
أشهر فأكثر من حين عقد الزواج ....يثبت نسب المولود للزوج" فيضع المشرع هكذا قرينة
أبوة ،يعتبر المولود ابنا للزوج ...فيستنتج من واقعة ثبوت والدة المولود خالل األجل المحدد
ّ
أبوة الزوج للمولود.
1وتكون وظيفة القرينة تحويل عبء اإلثبات إذ أن األصل أن اإلثبات على المدعي وفي صورة ما إذا وضع المشرع قرينة
فإن المدعي يعفى من اإلثبات ويحمل العبء على المدعى عليه.
87
ويبرر أحد الفقهاء اللجوء إلى القرينة بأنه اعتبا ار إلى أن البديهيات نادرة الوجود في
مجال التقاضي وحتى يؤدي القانون دوره ال بد من تحويل المسائل التي يحوم حولها التردد-
هي إذن أمور يحتمل حدوثها -إلى يقين (تحويل المحتمل إلى يقين) باالعتماد على ما يحدث
في إطار السير العادي لألشياء( 1بصفة عادية إذا تزوج رجل وامرأة وولد لهما مولود خالل
الفترة الدنيا للحمل يكون الزوج أب المولود).
ويستعمل المشرع كذلك ما يسمى باالفتراض القانوني .واالفتراض القانوني على خالف
القرينة التي تقوم على وقائع محتملة يقوم على إنكار للواقع بهدف فرض حصول حلول
3
مقصودة وينتج عنها تغير مقصود للواقع 2فيكون الحل متعارضا تماما مع مادية الواقع
والمثال على ذلك مأخوذ من التفرقة بين العقار والمنقول .فالعقار هو "كل شيء ثابت في
مكانه ال يمكن نقله من منه دون تلف (الفصل 3م ح ع ) والمنقول هو خالف ذلك ،أي كل
ما يمكن نقله من مكان إلى آخر .بهذا المعنى تكون اآللة (جرار مثال) والحيوان من المنقوالت.
لكن المشرع يغير من طبيعة تلك المنقوالت فيعتبرها من العقارات عندما تخصص للنشاط
االقتصادي (صناعي أو فالحي) فيعتبرها عقا ار وهي عقار بحكم القانون أو هي عقارات
حكمية (الفصل 10من مجلة الحقوق العينية) .فيقع تغيير طبيعة الشيء من منقول إلى عقار
لينطبق عليه النظام القانوني للعقارات.
والتقنية التشريعية تفترض إفراغ القاعدة أو القواعد في شكلها المالئم أي اإلطار الذي
يجب أن تقدم فيه ويفترض ذلك تحديد طبيعة النص فيكون قانونا (قانون األكرية الفالحية
مثال) أو مجلة (مجلة الشركات التجارية مثال) أو أم ار (األمر المتعلق بتنظيم الصفقات
العمومية مثال) ،كما يقتضي اعتماد أسلوب التقديم المنظم والمقسم إلى كتاب ،ثم عنوان ،ثم
أبواب ثم أقسام وفصول (راجع مثال مجلة االلتزامات والعقود أو المجلة التجارية وغيرهما)
88
والفصول تقسم إلى فقرات فرعية وأرقام (الفصل 5م ا ع ) وأحيانا مطات (الفصل 1075م
ا ع ).
ويميز المشرع عموما القواعد إلى قواعد أصلية وقواعد إجرائية .والقواعد األصلية هي
التي تنظم محتوى الوضعية التي تعالجها (الفصل 105م ا ع ال مسؤولية على المجنون حال
جنونه) أما القواعد اإلجرائية فهي التي تحدد السبيل الذي يجب على من يطالب بحق أن
يتبعه (في االلتزامات غير المحددة بأجل ال يعتبر المدين مماطال إال بإنذاره ،الفصل 269م
ا ع) ويولي مكانة خاصة في كال الحالين إلى اآلجال( .آجال التقادم ،آجال االستئناف ،آجال
تعاقدية )...
في أنظمة قانونية مختلف تخضع إجراءات تكوين النص القانوني إلى أدلة إجراءات
يقرها القانون وتضبط بكل وضوح المراحل التي تتم بها صياغة النصوص على اختالف
أصنافها.
أما في نظامنا القانوني فال وجود لدليل ذي طبيعة تشريعية يضبط إجراءات صياغة
النصوص من المشروع (الصادر عن رئيس الجمهورية أو عن الحكومة) أو المبادرة (الصادرة
عن نواب الشعب) .
في غياب نص مماثل أصدرت الحكومة المنشور عدد 8المؤرخ في 17مارس 2017
1
يتعلق موضوعه بقواعد إعداد مشاريع النصوص القانونية وعرضها واستكمال تهيئتها.
هذا المنشور مرجع هام لمختلف اإلدارات بالهياكل المعنية والتي يعود إليها إعداد
مشاريع النصوص فهو دليل لصياغة النصوص ولكن ليس دليال ذا أصل تشريعي وهو ما
وهو منشور يلغي ويعوض المنشور عدد 10المؤرخ في 28جانفي 1988حول إعداد وعرض مشاريع القوانين والمراسيم 1
واألوامر والق اررات والمنشور عدد 31المؤرخ في 9جوان 1992حول إمضاء وتأشير مشاريع األوامر والق اررات
89
يفقده قوته اإللزامية عندما يتعلق األمر مثال بمصالح رئاسة الجمهورية أو مجلس نواب الشعب
حيث ال شيء يجبرهما على اتباع منهجه .على أنه ال شيء يمنع من االستئناس بأحكامه عند
إعداد مشاريع القوانين.
ويميز هذا المنشور في المنهجية بين مختلف المشاريع أي مشاريع القوانين ومشاريع
الم ارسيم ومشاريع األوامر ومشاريع الق اررات .ونركز هنا على مشاريع القوانين بسبب أن أهم
التوجيهات تتعلق بها مع اختالفات تتعلق بطبيعة النصوص األخرى تتم اإلشارة إليها عند
االقتضاء.
وينقسم المنشور إلى أربعة أبواب يتعلق أولها بالمبادئ العامة إلعداد مشاريع النصوص
القانونية وفيه تذكير بالترتيب الهرمي للنصوص القانوني وواجب احترامه والتوزيع الدستوري
للمواد المتعلقة بالنصوص القانونية (بين السلطة التشريعية والسلطة الترتيبية) واحترام األحكام
الدستورية المتعلقة بالمبادئ العامة والحقوق والحريات.
أما الباب الثاني فمخصص للقواعد الشكلية العامة لصياغة النصوص القانونية على
اختالفها (احترام مجاالت القوانين عادي أساسي ،عناوين مشاريع القوانين ،االطالعات،
االلكتروني الحكومة موقع على العموم واستشارة الوجوبية واالستشارات
،WWW.legislation.tnواستشارة المهن المعنية.
ويخصص الباب الثالث للقواعد الشكلية الخصوصية ومنها العرض على مداولة مجلس
الوزراء وهو إجراء وجوبي قرره الفصل 93فقرة أخيرة من الدستور وإعالم رئيس الجمهورية
والقواعد العامة للصياغة (تقسيم وتبويب المشروع ،صياغة التنقيحات واإلضافات واإللغاء
واألحكام االنتقالية).
وخصص الباب األخير لقواعد عرض مشاريع النصوص وفيه باألساس كيفية توجيه
المشاريع إلى الحكومة وضرورة إرفاقها بشرح األسباب والترجمة إلى الفرنسية واإلنكليزية.
90
يمثل هذا المنشور الحد األدنى كدليل لإلجراءات والموجهات العامة في الصياغة
ويالحظ فيه السعي إلى الدقة ولكن يالحظ فيه في نفس الوقت إحدى أهم النقائص وهو ما
يسمى بعدم التعرض إلى ما يسمى بدراسة المؤثرات .ويتمثل هذا اإلجراء في الدراسة المسبقة
لكل ما يمكن أن يحدث من آثار سواء على النطاق التشريعي أو على األصعدة االجتماعية
واالقتصادية وهو إجراء يرمي إلى تحسين جودة التشريعات وضمان أكبر فاعليتها .
يحال مشروع القانون على مجلس نواب الشعب ويدرجه مكتب المجلس في جدول أعماله
ويحيله على اللجنة المختصة التي تتولى التداول فيه في جلسات علنية ويمكن أن تكون مغلقة
استثنائيا ( الفصل 76من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب) وفي اللجنة يتم النقاش العام
وتجرى االستماعات إلى جهة المبادرة وإلى كل من ترى اللجنة فائدة في االستماع إليه من
خبراء وممثلي المؤسسات والنقابات والجمعيات وتقترح تعديالت من قبل النواب ويتم التصويت
فصال فصال وتعد اللجنة تقري ار (الفصل 78من النظام الداخلي) ويحال ذلك التقرير على
مكتب المجلس الذي يدرجه في جدول أعمال الجلسة العامة .وتنظر األخيرة في مشروع القانون
طبقا إلجراءات الفصل 102وما بعده من النظام الداخلي وتقرر الجلسة إما االنتقال إلى
مناقشة الفصول فصال فصال أو إعادة المشروع إلى اللجنة أو إرجاء النظر فيه في جلسة
الحقة وتعرض مقترحات التعديل من قبل النواب والكتل ويصوت عليها أثناء التصويت فصال
فصال ثم التصويت على المشروع برمته وتتم المصادقة على مشروع القانون باألغلبية المقررة
لكل صنف (قانون أساسي ،قانون عادي).
91
وخالفا لما هو عليه األمر في أنظمة أخرى حيث تكون مجموعات الضغط محل إعالن
رسمي على وجودها1ال يوجد تأطير قانوني لهذه المجموعات في تونس ويكون من المفيد أن
يتم ذلك لضمان الشفافية والنزاهة في المسار التشريعي.
إثر مصادقة مجلس نواب الشعب على مشروع القانون تفتح إمكانية الطعن في
دستوريته أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين في انتظار استكمال إرساء المحكمة
الدستورية ،ثم يحال إلى رئيس الجمهورية الذي يتولى ختمه ويأذن بنشره بالرائد الرسمي
للجمهورية التونسية في اآلجال المقررة بالفصل 81من الدستور .بعد الختم والنشر يدخل
القانون حيز النفاذ.
انطالق دخول النص حيز النفاذ (مبحث أول) ،إلغاء النص -النسخ( -مبحث ثان)
يكون دخول النص القانوني حيز النفاذ رهين إشهاره بالوسيلة التي يحدها القانون (الفقرة
األولى) وفي الزمن الذي يقرره هو أيضا (الفقرة الثانية) بما يترتب عنه آثار (الفقرة الثالثة).
إن نشر القانون الذي جعله المشرع واجبا يقع على رئيس الجمهورية يرمي إلى إعالم
عموم الموجه إليهم بصدوره حتى تكون قرينة العلم بالقانون قائمة على أمر يحمل على الحقيقة.
ولقد كانت وسيلة اإلشهار الجريدة الرسمية ثم الرائد الرسمي طبقا لألمر العلي المؤرخ في 27
جانفي 1883المنقح باألمر المؤرخ في 8سبتمبر 1955والذي ألغي وعوض بالقانون عدد
بالنسبة إلى كندا قانون 2جويلية ، 2008الواليات المتحدة تم التقنين منذ 1946بمقتضى The Federal 1
92
64لسنة 1993المؤرخ في 5جويلية 11993الذي قرر أن نشر القوانين والمراسيم واألوامر
والق اررات بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية باللغة العربية ويتم كذلك نشرها بلغة أخرى وذلك
على سبيل اإلعالم فحسب.
على أن وسيلة اإلشهار المذكورة شهدت تعديال فرضه الوضع المترتب عن انتشار وباء
كورونا المستجد ،فقد صدر القانون عدد 19لسنة 2020المؤرخ في 12أفريل 2020المتعلق
بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات فيروس كورونا -
كوفيد ،19-وبمقتضاه صدر المرسوم عدد 1لسنة 2020المؤرخ في 14أفريل 2020يتعلق
بالنشرية االلكترونية للرائد الرسمي لجمهورية التونسية وبتحديد تاريخ نفاذ النصوص القانونية.
وقد جاء بالفصل األول من المرسوم المشار إليه أنه خالفا ألحكام القانون عدد 64
لسنة 1993المؤرخ في 5جويلية 1993المشار إليه أعاله ،تُنشر القوانين والمراسيم واألوامر
والق اررات والنصوص القانونية األخرى بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية في نشرية إلكترونية
مؤمنة على الموقع اإللكتروني للمطبعة الرسمية للجمهورية التونسية التالي :
""www.iort.gov.tnويكون النفاذ إليها مع السماح بتحميلها دون مقابل.
والمالحظ أن المرسوم أقر إجراء استثنائيا ال يتعلق بتغيير وسيلة النشر في حد ذاتها
بل بحاملها الذي أصبح الكترونيا فتبقى وسيلة النشر هي الرائد الرسمي ولكن الحامل يكون
غير مادي والحال أن الوضع العادي هو الحامل الورقي.
وقد يكون هذا الحل االستثنائي مدخال لحل دائم لكن ال بد من التفكير في تسهيل
اطالع العموم (ولو أن األمر يتعلق بقرينة العلم بالقانون ال بعلم فعلي) كل هذا في انتظار
حول التطور التاريخي للتشريع في هذا المجال راجع شرف الدين ،فقرة 76 1
93
مصادقة مجلس نواب الشعب على هذا المرسوم طبق الفقرة األولى من الفصل 70من
الدستور.
وسواء تعلق األمر بالحامل الورقي للرائد الرسمي أو بالحامل االلكتروني فلغة النشر
هي اللغة العربية وهي اللغة الرسمية للبالد طبق أحكام الفصل األول من الدستور وهو ما قرره
الفصل األول من قانون 5جويلية 1993والمرسوم عدد 1لسنة .2020أما النشر بلغات
أخرى أن النشر بلغات أخرى يكون على سبيل اإلعالم أي أنه ما ينشر بلغة أخرى ال يعتبر
ال نصا رسميا وال ترجمة رسمية واالختالف بين النسختين -في صورة التمسك به-يحسم في
كل األحوال لصالح النسخة الرسمية ،وقد دأبت الممارسة على النشر باللغتين االنكليزية
والفرنسية وقد أكد ذلك المنشور عدد 8المؤرخ في 17مارس 2017سابق الذكر.
أ-الحل المبدئي
يقرر الفصل 2فقرة 2من القانون عدد 26لسنة 1993أنه "تكون النصوص القانونية
والترتيبية نافذة المفعول بعد مضي خمسة أيام على إيداع الرائد الرسمي المدرجة به بمقر والية
تونس العاصمة " وأضافت الفقرة الثانية من نفس الفصل أنه "ال يعتبر في حساب األجل يوم
اإليداع" .وقد تم اعتماد هذا الحل لتوحيد تاريخ انطالق العمل بالنصوص القانونية إذ كان
القانون يفرق بين تاريخ نفاذها بالنسبة إلى تونس العاصمة وتاريخا آخر بالنسبة إلى باقي
واليات الجمهورية.
في إطار اإلجراءات االستثنائية المتخذة لمجابهة فيروس كورونا يقرر الفصل 2من
المرسوم عدد 1لسنة 2020أن النصوص التشريعية والترتيبية تكون نافذة المفعول من
اليوم الموالي لنشرها بالنشرية االلكترونية بالموقع الرسمي للمطبعة الرسمية وإيداعها
94
بالموقع المخصص لذلك التابع لوالية تونس وأضاف أن إيداع النشرية االلكترونية المؤمنة
من الرائد الرسمي بوالية تونس عبر الوسائل االلكترونية .وهكذا فهذا الحل ال يزال يعتمد تاريخا
موحدا ولكنه قلص في األجل (من خمسة أيام إلى يوم) واعتمد في احتسابه اإليداع النشر
بالموقع االلكتروني للمطبعة الرسمية واإليداع بموقع والية تونس وحدد تاريخ نفاذه من اليوم
الموالي للنشر واإليداع (خالفا للحل المقرر بالفصل 2من قانون ، 1993حيث أن يوم اإليداع
ال يعد).
وقد يكون هذا الحل حال نهائيا لو تم تبنيه من قبل مجلس نواب الشعب في إطار
المصادقة على المرسوم طبقا لما قررته الفقرة الثانية من الفصل 70من الدستور.
ب-الحلول االستثنائية
تتمثل الحلول االستثنائية في أربع حاالت هي :اإلذن الصريح بالتنفيذ حاال ( )1و اإلذن
الصريح بتأجيل النفاذ ( )2والتنصيص على نفاذ القانون بأثر رجعي ( )3وإصالح الخطأ (.)4
أشار الفصل 2في فقرته األخيرة من قانون 1993أنه "يمكن أن تتضمن هذه النصوص
إذنا صريحا بتنفيذها حاال" (نفس الحل تبناه الفصل 2فقرة 2من المرسوم عدد 1لسنة
،) 2020أي أنه ال يتم انتظار األجل المحدد لدخول النص حيز النفاذ أي أنه يتم التنفيذ
بمجرد النشر أي دون الخضوع إلى إجراءات اإليداع وما يترتب عنها من انتظار اآلجال .ولعل
أقرب صورة لهذا المثال المرسوم عدد 1لسنة 2020الذي نص في فصله الرابع على أنه
يدخل حيز النفاذ من تاريخ نشره.
هذا هو الحل الذي ورد بالفقرة 2من الفصل 2من القانون عدد 64لسنة 1993
عندما قرر أنه يمكن أن تتضمن هذه النصوص إذنا صريحا بتنفيذها في أجل يتجاوز المهلة
95
المذكورة بالفقرة األولى من هذا النص" (نفس الحل في الفصل 2فقرة 2من مرسوم 2020-1
" ،أو في أجل تحدده") واألمثلة على ذلك كثيرة منها أن الفصل 26من القانون عدد 71
لسنة 2016المؤرخ في 30سبتمبر 2016المتعلق بقانون االستثمار نص على دخول القانون
حيز النفاذ في غرة جانفي ( 2017ثم وقع التمديد إلى غرة أفريل 2017بمقتضى الفصل 1
من القانون عدد 1لسنة 2018المؤرخ في 3جانفي .)2017
يعني األثر الرجعي للقانون سريان مفعوله على األوضاع التي نشأت قبل التاريخ المحدد
لدخوله حيز النفاذ أي قبل نشره وإيداعه على الكيفية المقررة ضمن الحل المبدئي أعاله .والمبدأ
هو عدم رجعية القوانين وهو مبدأ دستوري كرسه الفصل 28من الدستور فيما يتعلق بالمادة
الجزائية .ومع أن المشرع لم ينص على هذا المبدأ صراحة في المواد األخرى فإن السائد هو
نفس المبدأ ،لكن استثناء لذلك المبدأ يلجأ المشرع إلى بسط آثار القانون بأثر رجعي .والمثال
على ذلك القانون عدد 75لسنة 1998مؤرخ في 28أكتوبر 1998يتعلق بإسناد لقب عائلي
لألطفال المهملين أو مجهولي النسب الذي نص في فصله السادس أنه "يكون ألحكام هذا
القانون مفعول رجعي على الوضعيات السابقة لتاريخ نفاذه " كما نص القانون عدد 51المنقح
له والصادر في 7جويلية 2003في فصله الثالث على انطباقه على الوضعيات السابقة
لتاريخ نفاذه.
-4إصالح الخطأ
قد تتضمن النصوص المنشورة أخطاء ويتم اللجوء في هذه الحالت إلى ما يسمى
بتصحيح الخطأ .ويجب التمييز هنا التمييز بين األخطاء المادية التي تتسرب إلى النص دون
تأثير على مضمونه واألخطاء األصلية .فاألخطاء المادية المترتبة عن الرقن والتي تصدر عن
اإلدارة يتم إصالحها دون أن يكون هناك أثر على تاريخ نفاذ القانون .أما األخطاء األصلية
أي تلك التي تسرب إلى النص لتغير محتواه فال يمكن تداركها إال من قبل الجهة التي صدر
96
عنها النص (المشرع أو الحكومة )....فتكون خاضعة من حيث المبدأ إلى قاعدة النفاذ دون
أثر رجعي إال إذا نص القانون التصحيحي على أثر رجعي على نحو ما تقرر طبق الفقرة 2
من الفصل 2من القانون عدد 64لسنة .1993
يترتب عن دخول النص حيز النفاذ أثر هام وهو قرينة العلم بالقانون التي تهم عموم
الموجهة إليهم القاعدة القانونية كما تهم القاضي.
ويواجه هذا المبدأ نقدا شديدا أمام ظاهرة ما يسمى بالتضخم التشريعي بصورة تجعل
حتى المختصين في ميدان القانون غير قادرين على استيعاب مستجداته وتطوراته بفعل الزخم
الذي تشهد النصوص الجديدة في مختلف الميادين (الطرقات ،الجباية . )... ،ويتم الرد على
هذه االنتقادات بفكرتين .تتعلق الفكرة األولى بتطور مسائل المعرفة بالقانون وخاصة الوسائل
االلكترونية وتطور قواعد البيانات التشريعية (موقع المطبعة الرسمية ،موقع الحكومة) .أما
الفكرة الثانية فهي تهم ضرورة تحديد طبيعة هذه القاعدة إذ هناك من يعتبر أنها ليست قرينة
قانونية تقوم على استدالل توفر العلم بالقانون من واقعة نشره بل أن ذلك ليس إال افتراضا
قانونيا ،فالواقع أن الغالبية العظمى يجهلون القانون ولكن المشرع ينكر هذا الواقع ويعتبر خالفا
97
له أن الجميع يعلمون القانون وذلك تحقيقا لالستقرار االجتماعي فال يمكن أن يترك تطبيق
القانون إلرادة األفراد في العلم به أو بالعلم الفعلي به.1
لكن مهما كانت طبيعة هذا المبدأ فهو يشهد استثناء في حاالت يحددها القانون دون
أن يكون الهدف منها تمكين الشخص من التهرب من آثار القانون بل بهدف إبطال تصرف
من التصرفات .فالفصل 44م ا ع يجيز إبطال العقد من أجل غلط المعاقد فيما له من حق،
وهي حالة من حاالت الجهل المباح بالقانون.
كما أن من الفقهاء من يذ ّكر بالتفرقة بين القواعد اآلمرة والقواعد المكملة ،فالعلم بكليهما
مفترض ولكن القول بإمكانية مخالفة المكملة يقتضي العلم بها ولكن أيضا يمكن أن يقوم أيضا
دليال على الجهل الفعلي بها ،2وكمثال على ذلك قد يلجأ المتعاقدان في عقد كراء محل معد
للسكنى على التنصيص على أنه على أحدهما التنبيه على اآلخر بانتهاء الكراء ولكن القاعدة
المكملة الواردة بالفصل 791م ا ع تقتضي أن انتهاء الكراء ينتهي بانتهاء مدته المشروط
دون حاجة إلى تنبيه م أحد الطرفين على اآلخر.
أما بالنسبة إلى القاضي فيعبر عن قرينة علمه بالقانون بمقولة أن "المحكمة تعلم
القانون" بما يترتب عنه أن من يتمسك به من األطراف ال يكون مطالبا بإثباته .3وتستثنى
من ذلك الحالة التي يتعلق فيه األمر بالقانون األجنبي فال يكون محموال على العلم به ولكنه
إذا كان قاد ار على ذلك وفي حد ود إمكانية العلم به يطبقه من تلقاء نفسه ويمكنه مطالبة
األطراف بإثباته في غير تلك الحالة (الفصل 32من مجلة القانون الدولي الخاص) .كما
يستثنى من ذلك القاعدة العرفية حيث أن القاضي ولئن كان محموال على العلم بها إال أنه قد
يتعذر عليه إثباتها فيطالب من ادعى بوجودها بإثباتها.
3راجع القرار التعقيبي المدني عدد 48856بتاريخ 12فيفري ،2018التقرير السنوي 2018ص 400
98
المبحث الثاني :إلغاء النص (النسخ)
إلغاء النص أو نسخه هو إنهاء وجوده ومفعوله بما يتم معه إقصاؤه من المنظومة
القانونية .والمرجع في نظامنا هو ما يقرره الفصل 542م ا ع الذي قرر أنه "ال تنسخ القوانين
إال بقوانين بعدها إذا نصت المتأخرة على ذلك نصا صريحا أو كانت منافية لها أو استوعبت
جميع فصولها" .ويفهم من هذا النص أنه ينظم سلطة النسخ (الفقرة األولى) وأشكال النسخ
(الفقرة الثانية ) ويحسم مسألة النسخ بالنسيان (الفقرة الثالثة)
ال يكون النسخ إال من السلطة التي وضعت النص فقول المشرع "ال تنسخ القوانين إال
بقوانين" يفيد أن من يمكنه النسخ هو من صدر عنه النص فإذا كان المشرع هو الذي سن
النص فهو الذي يمكن أن ينسخه .لكن عمال بالمبدأ القائل إن "من أمكنه األكثر أمكنه األقل"
فإن السلطة األعلى يمكنها أن تنسخ النص الصادر عن السلطة األدنى ،فالقانون يمكن أن
ينسخ أم ار أو ق ار ار لكن العكس ال يكون ممكنا فال يمكن للسلطة األدنى أن تنسخ نصا صاد ار
عن سلطة أعلى (األمر ال ينسخ القانون).
كما أن اإللغاء يشمل القاعدة ذات األصل القضائي فالقضاء هو المؤهل إللغاء القواعد
الصادرة عنه ،ويمكن أيضا الحديث عن إلغاء القاعدة العرفية بتركها ونشأة قاعدة أخرى تحل
محلها ،لكن ال خالف في أن القاعدة القضائية يمكن أن يلغيها المشرع وكذلك الشأن في
القاعدة العرفية العتبار كال المصدرين من المصادر الثانوية للقانون الذي يمتاز عليهما
بعلويته.
99
أ -النسخ الصريح
يكون بتنصيص القانون الجديد على إلغاء القانون الجديد للقانون القديم في الكل أو البعض.
من ذلك أن الفصل 3من القانون عدد 129المؤرخ في 5أكتوبر 1959المتعلق بإصدار
المجلة التجارية نص أنه تلغى النصوص المخالفة لتلك المجلة وخص بالذكر منها نصوصا
ذكرها صراحة (الفصول 405و 888إلى ...953م ا ع ) لكن ورد بنفس النص أن اإللغاء
يشمل "جميع النصوص المخالفة لها" وهي ما يتكون به النسخ الضمني.
ب-النسخ الضمني
وهو خالف النسخ الصريح ويكون باالستنتاج ويكون طبق الفصل 542م ا ع إما بالمنافاة
( )1أو باالستيعاب (.)2
يتحقق عندما يتعارض النص الجديد مع النص القديم أي يناقضه .وتستوجب المنافاة
ال أن يكون النصان متعلقين بنفس الميدان بل أن يكونا من نفس الطبيعة واعتبا ار إلى أن
القوانين تكون عامة (وتسمى أيضا القواعد العامة ،أو األحكام العامة) أو خاصة (القواعد أو
االحكام الخاصة) بحسب الميادين التي تنظمها (راجع أعاله القواعد العامة والقواعد الخاصة)
فإن النسخ الضمني بالتعارض ال يكون ناسخا إال إذا كان إما بين نصين عامين أو بين
نصين خاصين .فاألحكام العامة للبيع كما وردت بمجلة االلتزامات والعقود (الفصول 564
إلى 683م ا ع) ال تنسخ ضمنيا إال بأحكام عامة مثلها وال تنسخ ضمنيا باألحكام الخاصة
الواردة بالقوانين الخاصة كقانون البيع بالتقسيط أو قانون البيع عن بعد .كما أنه ال يترتب عن
تنقيح األحكام العامة مثل أحكام البيع الواردة بالمجلة المذكورة نسخ ضمني لألحكام الخاصة
المشار إليها ،وسواء كانت في صورتها األصلية أو بعد تنقيحها فيطبق في شأنها عند التعارض
مع األحكام العامة المبدأ الذي مقتضاه أن الخاص يزيح العام.
100
كذلك إذا كان هناك نصان خاصان متعاقبان فإنه ال يترتب عن النص األخير في
الزمن نسخ للنص األول إال إذا تعلق بنفس موضوعه فقانون األكرية التجارية (قانون عدد 37
لسنة 1977المؤرخ في 25ماي )1977ال يعتبر ناسخا لقانون عدد المؤرخ في 18فيفري
1976المتعلق بأكرية المحالت المعدة للسكنى الختالف موضوع كل منهما عن اآلخر (راجع
تطبيقا لهذه الوضعية قرار تعقيبي مدني عدد 44384بتاريخ 30أفريل ، 1997النشرية ص
.)133
يعني أن ميدان القانون الجديد يشمل ميدان القانون القديم إما في بعض أحكامه وهو نسخ
ضمني جزئي باالستيعاب أو كامل أحكامه وهو نسخ ضمني كلي باالستيعاب (ينطبق عليه
الفصل 542م ا ع في قولها "استوعبت جميع فصولها").
يطرح في هذا اإلطار التساؤل حول إمكانية إلغاء القوانين أي نسخها بعدم العمل بها
أي بتركها .وللمسألة ارتباط وثيق ولكن دون أي مجال للخلط مع مسألة نعالجها الحقا وهي
مسألة العرف المخالف للقانون.
يطرح هذا الشكال خاصة عندما يوجد نص لم يقع تطبيقه أبدا ويمر عليه ردح من
الزمن بما يجعل الشك قائما حول استمرار نفاذه .وقد ارتبط هذا اإلشكال أيضا بنوعية القوانين
ومدى مالءمتها واستجابتها لحاجيات المجتمع فهجر القوانين ال يتعلق بالقوانين ذات النفع بل
بما ال يحقق ذلك النفع .وقد اختلفت المواقف باختالف النظريات والمدارس بين من يقر بذلك
النسخ ومن ال يقبل به.
101
على أن الحل في قانوننا واضح من صريح الفصل 542م ا ع عندما قرر أن القوانين
ال تنسخ إال بقوانين وهو ما يترتب عنه أن القانون ال ينسخ بعدم تطبيقه حتى ولو طال الزمن
على عدم العمل به فال يوجد في قانوننا الوضعي مجال للنسخ بالنسيان.
ويترتب عن النسخ طرح إشكاليات الوضعيات الجارية حول معرفة أي القانونين القديم
أم الجديد سينطبق عليها وهو ما يعبر عنه بتنازع القوانين في الزمان.
تعريف -يعني التنازع الحاالت التي تكون فيها قاعدتان قانونيتان من نفس الطبيعة
(قانون /قانون/ -أمر/أمر) تتعلقان بنفس الموضوع مؤهلتان لالنطباق على نفس الوضعية
الواقعية ولكن تواردهما في الزمان هو الذي يوجب الحسم في أفضلية تطبيق إحداهما على
األخرى وهو تنازع إيجابي بين قاعدتين أي أن كليهما مؤهل لحكم الوضعية المعروضة ويجب
من أجل ذلك حسم التنازع بالقول بانطباق إحداهما دون األخرى .وينشأ هذا اإلشكال عن تغيير
في النظام القانوني بتغيير القاعدة المنظمة للوضعيات القانونية بسن نص جديد .فأي القواعد
يجب أن تطبق؟ القانون القديم أم القانون الجديد؟
102
النظريات -ظهرت باألساس نظريتان سميت األولى بالتقليدية وسميت الثانية بالنظرية
الحديثة .وقد عرفت األولى أي النظرية التقليدية بنظرية الحقوق المكتسبة وهي تميز بين
الحقوق المكتسبة ومجرد التوقعات .فالقانون الجديد ال يمكنه أن يمس بالحقوق التي اكتسبت
في ظل القانون القديم ولكنه يمكن أن يطال مجرد التوقعات أي الحقوق االحتمالية .أما النظرية
الحديثة فهي نظرية األثر المباشر للقوانين الجديدة .وقد أثرت هذان النظريتان بمقادير مختلفة
في الحلول التشريعية والممارسة القضائية ويمكن أن تتلخص الحلول في ثالث معطيات كبرى:
فالمشرع يتدخل في أحيان كثيرة لضبط األحكام االنتقالية (الفقرة األولى) كما أن من المتفق
عليه فقها وقضاء أن المبدأ هو عدم رجعية القوانين (الفقرة الثانية) في تزامن تناسق مع مبدأ
األثر الفوري للقانون الجديد (الفقرة الثالثة).
ويقال أيضا القانون االنتقالي 1أو النظام االنتقالي وهي جملة القواعد التي يتخذها
المشرع بمناسبة سن القانون الجديد لتنظيم الوضعيات الناشئة في ظل القانون القديم والمستمرة
آثارها في المستقبل ويحدد األحكام المنطبقة عليها تجنبا لإلشكاالت التي قد يثيرها التنازع بين
هذا القانون والقانون الجديد فتخضع تلك الوضعيات لتلك األحكام الخاصة المقررة باألحكام
االنتقالية.
يمكن تفصيل هذه األحكام إلى أحكام أصلية وأحكام إجرائية وأحكام تتعلق بزمن
االنطباق.
فاألحكام األصلية هي التي يتم وضعها لتنظيم األوضاع القانونية خالل المدة االنتقالية،
ومن األمثلة على ذلك أن قانون الحالة المدنية المؤرخ في 1أوت 1957أوجب إثبات الزواج
بحجة رسمية وبما أن تطبيق القانون ال يكون بأثر رجعي أي أنه ال ينطبق على حاالت الزواج
103
الواقعة قبله فقد م ّكن الفصل 3من قانون 4جويلية ،1958م ّكن التونسيين الذين أبرموا
زواجهم قبل 1أوت ( 1957قانون الحالة المدنية) وإلى حد 30جوان 1959أن يثبتوا زواجهم
1
الزوجين.. بشهادة في الزوجية يسلمها ضابط الحالة المدنية بناء على تصريح من
أما الصنف الثاني والذي نسميه أحكاما إجرائية فيتعلق عموما بمصير القضايا التي ال تزال
محل نظر القضاء عند صدور القانون الجديد (ونسميها القضايا الجارية) فالفصل 2من
القانون عدد 129لسن 1959المتعلق بإدراج القانون التجاري (المجلة التجارية) نص أنه"
يجري العمل بأحكام هذه المجلة ويقع تطبيقها بداية من غرة جانفي 1960إال أن النوازل التي
ال تزال جارية في تاريخ غرة جانفي 1960تبقى خاضعة لألحكام القانونية المعمول بها في
تاريخ هذا القانون إلى أن تنفصل بوجه بات"( .راجع تطبيقا لهذا الحل قرار الدوائر المجتمعة
1991/10/29عدد ،7موقع محكمة التعقيب).
أما الصنف الثالث من األحكام االنتقالية فيتعلق بزمن انطباق أحد القانونين أي القديم
أو الجديد خالل الفترة االنتقالية .وكمثال على ذلك قررت الفقرة األولى من الفصل 3من قانون
إصدار مجلة الشركات التجارية المؤرخ في 3نوفمبر 2000أنه على الشركات الموجودة
وبداية من تاريخ جريان تلك المجلة ولمدة عام أن تسوي وضعها وفق أحكام المجلة وقررت
الفقرة الثالثة من نفس الفصل حكما انتقاليا يطبق خالل المدة الممنوحة بالفقرة األولى (المحددة
بعام واحد) للقول بأن الشركات التجارية تبقى خاضعة لألحكام السارية قبل دخول أحكام المجلة
حيز التنفيذ( .وهي صورة من صور الرجعية بحكم القانون).
يترتب عما سبق التذكير به أن البحث في حلول تنازع القوانين في الزمان يقتضي
بالضرورة البحث في القوانين الجديدة عن أحكام انتقالية ،وفي صورة غياب تلك األحكام
1في مثال آخر ضبط الباب العاشر من دستور 2014المعنون أحكام انتقالية الفصل 148وفي النقطة 7الوضعية االنتقالية
لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بأن أوكل للمجلس الوطني التأسيسي سن قانون أساسي يحدث هيئة وقتية لمراقبة دستورية
القوانين في انتظار تركيز المحكمة الدستورية
104
يكون العمل بالحلول المترتبة عن مبدإ عدم الرجعية في تناسق مع مبدأ المفعول المباشر
للقانون الجديد.
يكرس الدستور مبدأ عدم رجعية القوانين في المادة الجزائية بصريح نص الفصل 28عندما
يقرر أن العقوبة ال تكون إال بمقتضى نص قانوني سابق الوضع وهو نفس الحكم الذي قرره
الفصل 13من دستور 1959ومن قبل ذلك سبق للمجلة الجزائية لسنة 2013أن كرست
نفس الحل بالفصل األول منها.
ولهذا المبدأ ارتباط وثيق بالحقوق والحريات ويكون بحكم طبيعته الدستورية ملزما للمشرع
فال يمكنه أن يقرر أن القانون الزجري الجديد يكون ذا أثر رجعي.
لكن الدستور -وكذلك الفصل األول من المجلة الجزائية-ينص على استثناء لهذا المبدأ
عندما يضيف الفصل " 28عدا النص األرفق بالمتهم" .والنص األرفق هو الذي من شأنه أن
يؤدي إلى حكم ألطف من حكم النص القديم من حيث التخفيف من العقاب مثال فالقانون
الجديد الذي يقرر عقوبة أرفق بالمتهم سيقع تطبيقه بأثر رجعي أي أنه ينطبق على وقائع
ارتكبت قبل دخوله حيز التنفيذ ويستفيد منه المتمهم الذي سبق تتبعه على مقتضى النص
القديم.
105
ب-عدم الرجعية في المادة المدنية
ال يوجد مثيل للفصل 28من الدستور في المادة المدنية كما ال يوجد حل تشريعي
مثلما هو الشأن بالنسبة إلى الفصل 2من المجلة المدنية الفرنسية لكن فقه القضاء في تونس
هو الذي كرس هذا المبدأ.
ولعل من أول الق اررات التي أقرت هذا المبدأ بصفة صريحة القرار التعقيبي المدني عدد
5584الصادر بتاريخ 23جويلية ( 1968النشرية ص )72قوال بأن "النصوص القانونية
التي اعتمدها القرار المطعون فيه ال تأثير لها على الحاالت السابقة عنها عمال بمبدإ عدم
رجعية القوانين بدون نص" فيتواصل تطبيق القانون القديم على الوضعيات الناشئة زمن
انطباقه فإذا تعلق األمر مثال بزواج تم إبرامه بغير كتب ثم صدر قانون جديد يجعل الكتب
شرط صحة للزواج فال ينطبق القانون الجديد وال يعتبر الزواج باطال ،وهذا تطبيق لمبدإ عدم
الرجعية.
في غياب أساس دستوري لمبدإ عدم رجعية القوانين في المادة المدنية تترتب نتيجة
هامة وهي أن المشرع غير مقيد بهذا المبدأ ويمكنه مخالفته وهو ما تؤكده استثناءات عدم
الرجعية .من ذلك القوانين الرجعية بطبيعتها وهو الصنف المتمثل في القوانين التفسيرية.
ونالحظ أن القوانين الرجعية بصريح النص ليست إال استثناءات بحكم القانون وال يعود
الحل في شأنها إلى االجتهادات الفقهية أو القضائية ،كما أن رجعية القوانين الزجرية األلطف
ال تهم المادة المدنية وهي من صنف القوانين الرجعية بصريح النص الدستور والمجلة الجزائية.
في تأثير واضح لنظرية روبيي تكون القوانين الجديدة ذات مفعول مباشر اعتمادا على
الفكرة التي مقتضاها أن القانون الجديد هو األفضل مع ما يشمل ذلك من إرادة للقطع مع فكرة
106
أفضلية الحقوق الفردية إذا ال يمكن أن تواجه إرادة المشرع بفكرة قد تحمل تفضيال للحقوق
الفردية على تلك اإلرادة.
ويشمل ميدان هذا المبدأ -وفي غياب الحل التشريعي الصريح – يشمل الوضعيات
القانونية الجارية فيطبق القانون الجديد بأثر مباشر على الوضعيات القانونية الجارية .كما
يطبق على الوضعيات القضائية الجارية (في هذ المعنى قرار الدوائر المجتمعة عدد 37
بتاريخ ، 1991/10/29موقع محكمة التعقيب جاء فيه "حيث أن قوانين المرافعات المعدلة
لالختصاص الحكمي وإن كانت القاعدة فيها أنها تنسحب فور صدورها إال أن ذلك مشروط
بعدم تنصيص القانون المعدل على خالف ذلك" ولكن يستثنى من مبدأ األثر المباشر األعمال
اإلجرائية المجراة طبق القانون في ظل القانون القديم مثل التنبيه ،واالستدعاء للجلسة.
كما يطبق هذا المبدأ على الوضعيات التعاقدية الجارية عندما يكون القانون الجديد
متعلقا بالنظام العام( .راجع تذكي ار بهذا الحل ،الدوائر المجتمعة قرار تعقيبي مدني عدد
2001/14869مؤرخ في ،2003/3/30موقع محكمة التعقيب) .فاألصل في الوضعيات
التعاقدية استمرار مفعول القانون القديم على آثار الوضعيات التعاقدية الجارية (عقد كراء مبرم
في ظل قانون قديم ،يتواصل تطبيق هذا القانون على اآلثار الحالية والمستقبلية لذلك العقد )
1
وهو ما يعبر عنه باستمرار تنفيذ القانون القديم .ونذكر في هذا المعنى ق ار ار لمحكمة التعقيب
نقض حكم محكمة األصل التي طبقت أم ار صاد ار في 2فيفري 1990على عالقة تعاقدية
نشأت في نوفمبر ،1989وقد أكدت محكمة التعقيب أن "مبدأ عدم رجعية القوانين هو من
المبادئ األساسية ألنه يتماشى مع المنطق والعدل وباعتبار أن للخصوم حقا في إعمال القوانين
التي كانت نافذة وقت نشوء العالقة القانونية".
107
ملخصا لما سبق:
-1تطبق وجوبا لفض تنازع القوانين في الزمان األحكام االنتقالية مهما كانت الوضعية
(قانونية ،تعاقدية ،قضائية).
-2في غياب تلك األحكام وفي الوضعيات القانونية والقضائية الجارية يكون المبدأ أن
القانون الجديد ال يكون ذا أثر رجعي ويطبق بأثر مباشر.
-3إذا تعلق األمر بآثار وضعية تعاقدية فتخضع إلى القانون القديم ويستثنى من ذلك
القوانين المتعلقة بالنظام العام فتطبق بأثر مباشر.
التأويل والتفسير -معاجم اللغة تحدد معنى التأويل بالتفسير ،والتأويل والتفسير يهمان
القانون ويهمان العقد أيضا .فالتفسير والتأويل مترادفان وفي بعض قواعد القانون العمومية
(الفصول 532م ا ع وما بعده) ال يستعمل المشرع فيما يخص الوقوف على معنى القانون
إال عبارة التأويل وقد يفهم من األحكام المخصصة لتفسير العقود (الفصل 513وما بعده من
م ا ع ) أن المشرع يخصها بالتفسير .ولكن الفصل 514م ا ع يفند هذا الرأي لما يقرر أنه
"يسوغ تأويل العقود" ...لذلك نتحدث عن تأويل وتفسير ونستعملهما مترادفين.
مفهوم التأويل -القانون وسيلة لتنظيم العالقات ولفض النزاعات وهو إذن مؤهل ألن
يقع العمل به أي تطبيقه ومن أجل ذلك ينبغي الوقوف على معانيه وهذا هو مغزى التأويل
فالتأويل هو استقصاء المعنى الذي ترمي إليه القاعدة وتحديد نطاق انطباقها ويقال إن التأويل
"قلب القاعدة القانونية" (مالوري فقرة )389بمعنى أنه هو الذي يضمن لها الحياة واالستمرار.
وفي الفصل 532م ا ع ما يؤيد أن التفسير هو بحث عن المعاني في قول المشرع "نص
108
القانون ال يحتمل إال لمعنى الذي تقتضيه عباراته "...فالمفسر يبحث من خالل العبارة
المستعملة عن معنى النص الذي يحتوي تلك العبارة.
السلطات المؤهلة للتفسير -أول سلطة هي المشرع نفسه باعتبار أنه هو الذي أنشأ
النص فيكون األولى بإيضاح معانيه ويكون ذلك أحيانا في ذات القانون ....ويكون أيضا
بمقتضى ما يسمى بالقوانين التفسيرية ...لكن هذا يبقى ناد ار وتبعا ألن النص القانوني
يكون مؤهال للتطبيق فإن السلطات المكلفة بذلك هي التي ستتولى التأويل ومن بين تلك
السلطات اإلدارة (إدارة الجباية ) ،والهيئات التعديلية ....لكن الدور األبرز يبقى للقضاء
الذي يعهد إليه بمراقبة التأويالت التي تقوم بها السلطات األخرى .في كل هذا يساعد فقهاء
القانون على عملية التأويل القانوني تبعا لما يعود إليهم من مهام شرح القانون وتدريسه....
لماذا نفسر؟ يكون التفسير ضروريا لتجاوز غموض النص (فقرة أولى) ولسد الفراغ
التشريعي وهي حالة سطوت النص (فقرة ثانية).
يهدف التفسير إلى تجاوز غموض القاعدة إذ ال يمكن تفعيل القاعدة إذا كان معناها
غامضا .هذه القاعدة ذات األصل التشريعي هي قاعدة مكتوبة وللوهلة األولى يرتبط التفسير
أو التأويل بالكتب أو الكتابة أي النص المكتوب والنص المكتوب هو النص التشريعي الوارد
في قانون أو في مجلة .لكن ما هو مكتوب ال ينحصر في النص التشريعي ففقه القضاء أيضا
مكتوب (ولكن دون أن تكون له إلزامية النص التشريعي) 1وهو نص أو نصوص يمكن أن
109
تكون قابلة للتأويل وكذلك القاعدة العرفية وهي في األصل ليست من القواعد المكتوبة (لكن
ير.
يمكن تضمينها بكتب يسمى شهادة عرف) قد تستوجب تفس ا
لكن باعتبار أن الغالب في الواقع أن النص التشريعي هو الذي يدعو إلى التفسير فإن
وظيفة أو غاية التفسير هي استجالء النص الغامض .والغموض هو خالف الوضوح أو هو
اإلبهام أي الذي ال يتيسر البلوغ إلى معناه .ويفهم من ذلك أن النص الواضح ال يحتاج إلى
تفسير ويعبر عن هذا االتجاه ما قرره الفصل 535م ا ع عندما عبر عن النص الواضح
بالنص الصريح في قوله "إذا تعذر الحكم بنص صريح اعتبر القياس "...فال مجال للتأويل في
حالة الوضوح ومع أن هذه القاعدة تهم القانون في مقام أول إال أن المشرع لم ينصص عليها
صراحة ضمن القواعد العمومية بمجلة االلتزامات والعقود خالفا لما هو عليه األمر في تفسير
العقود لما قرر بالفصل 513م ا ع أنه إذا كانت عبارة الكنب صريحة فال عبرة بالداللة".
وقد يبدو النص غامضا من مجرد قراءته لكن الغموض الفعلي ال يبرز إال عند محاولة
تطبيقه على الواقع.
من أبرز األمثلة على ذلك في فقه القضاء القرار الصادر عن محكمة التعقيب في 31
جانفي 1966عدد 3384والمعروف بقرار "حورية" ،وقد تعلق بتأويل الفصل 88م أ ش
الذي نص أن "القتل العمد من موانع اإلرث" .وكان السؤال المطروح هو هل يمكن اعتبار الردة
(التغيير الطوعي للدين ،الخروج من الدين اإلسالمي في هذه الحالة) من موانع الميراث؟ وقد
تعلق األمر بحورية امرأة تونسية تزوجت فرنسيا ثم توفيت والدتها وعند النزاع حول قسمة التركة
طرح السؤال حول ما إذا كان زواج المسلمة بغير المسلم حالة من حاالت الردة بما يكون مانعا
من موانع الميراث؟ (محكمة التعقيب اعتبرته حالة من حاالت موانع الميراث لكن بشرط ثبوت
اعتناق الزوجة لدين زوجها "حيث ال جدال أن تزوج المسلمة بغير المسلم من المعاصي
العظمى كما ال جدال أن الشريعة اإلسالمية تعتبر الزواج باطال من أصله لكن مع ذلك ال تراه
ردة إال إذا ثبت أن الزوجة اعتنقت دين زوجها غير المسلم").
110
فالغموض ترتب في هذه الوضعية من أن الفصل 88م أ ش ذكر حالة وحيدة من
حاالت موانع الميراث وهي القتل العمد ولكنه باستعمال أداة "من" التي تفيد ذكر البعض من
كل (من التبعيضية) جعل النص غامضا حول باقي الموانع ومصادرها ،هل هناك موانع أخرى
وما هي؟ من أين سيقع استنباطها؟ هل نعتمد الفقه اإلسالمي (القتل والرق والزنا واللعان والردة
واختالف الدين).
إن تطور الواقع من جهة وطبيعة التشريع كعمل إنساني ال يبلغ الكمال من جهة أخرى
يجعالن المشرع ،القانون ،غير قادر على اإلحاطة بكل الوضعيات التي تحدث وهو ما ينشأ
معه ما يسمى بالفراغ التشريعي أو سكوت النص .وتبعا ألنه مطلوب من القضاء أن يحسم في
النزاعات وأن القانون يعاقب االمتناع عن الحكم بسبب سكوت أو غموض القانون (الفصل
108من المجلة الجزائية) فإنه يكون من الضروري استنباط الحل عن طريق التأويل.
ولم يترك المشرع القاضي معرضا إلى هذا الوضع دون أن يقدم الحلول ،فقد وفر الفصل
532م ا ع الوسائل التي سيلجأ إليها القاضي في قوله "إذا تعذر الحكم بنص صريح من
القانون اعتبر القياس فإن بقي شك جرى الحكم على مقتضى القواعد العامة للقانون" .فأخذ
هذا النص بعين االعتبار الحاالت التي ال يكون فيها من الممكن وجود الحل التشريعي فم ّكن
القاضي من استعمال القياس ،أي تطبيق حل مقرر لوضعية معينة على وضعية ال يوجد لها
حل للتشابه في العلة .مثال ذلك أن المشرع نظم االستردادات المتبادلة المترتبة عن بطالن
العقد بالفصل 336م ا ع ولكنه لم يقرر حال مماثال عندما يتعلق األمر بفسخ العقد إال أن
الفقه والقضاء يعتمدان الحل المقرر بالفصل 336م ا ع إذا تعلق األمر بالفسخ وفي ذلك
صورة من صور إعمال القياس.
111
لكن المشرع اعتبر أيضا أنه قد ال يوجد ما يقاس عليه فمكن من اللجوء إلى القواعد
العامة للقانون ،أي المبادئ العامة .فاعتمادا على مبدإ الحرية التعاقدية من حيث المضمون
والذي يعني أن األطراف يمكنهم أن يضمنوا اتفاقاتهم كل الشروط التي يتفقون عليها وفي
غياب تنظيم قانوني للشرط التغريمي أقرت محكمة التعقيب وجود وصحة هذا الشرط.
مناهج أو مدارس التفسير تتمثل أساسا في مدرسة الشرح على المتون (أ) والمناهج
المنافسة (ب)
-1األساس
ظهرت هذه المدرسة إثر اعتماد المجلة المدنية الفرنسية لسنة 1804التي اعتبرت في
ذلك الوقت نموذجا للتشريع المثالي الكامل أو ما يعبر عنه بكمال لتشريع .واعتبا ار إلى أن
القانون أحاط بكل شيء فال داعي للبحث في فهمه عن مصادر أخرى .وال عجب في ذلك ما
دامت تلك المجلة قائمة على القطع مع األعراف والعادات التي كانت سائدة قبلها والتي كانت
مختلفة من جهة إلى أخرى كما كانت هادفة إلى القطع مع قضاء المحاكم التي كانت تحكم
112
باإلنصاف .وكان الهدف األكبر توحيد القانون على كامل تراب البالد .فالبحث عن المعنى ال
يكون إال من خالل استنطاق النص بالبحث عن إرادة المشرع من خالل دراسة نصوص
المجلة .وقد دأب أساتذة القانون على تدريس القانون باتباع النسق الذي حررت فيه المجلة وقد
اعتمدوا تسمية "درس القانون الفرنسي طبقا لترتيب المجلة" 1أو "درس مجلة نابوليون" 2أو
حتى أن بعضهم يؤكد أن مبدأه 3
"درس القانون المدني مفس ار طبق ترتيب فصول المجلة"
وإيمانه هو نص القانون قبل كل شيء( 4دومولومب) .وبناء على ذلك فقد اتبعت مدرسة الشرح
على المتون منهجية واضحة أثرت وتؤثر على التقنينات وعلى الممارسة القضائية.
-2المنهجية
يفضي االعتماد على النص تحليله بالرجوع إلى القواعد اللغوية ( )1-2ومقصد المشرع
( )2-2وقواعد المنطق (.)3-2
-1-2فااللتزام بالنص يستوجب الضرورة فهمه طبقا لقواعد اللغة وما يتطلبه ذلك من إتقان
لكل ما يتعلق بالنحو والصرف والبالغة .ويكرس الفصل 535م ا ع هذا التوجه عندما ينص
أن "نص القانون ال يحتمل إال المعنى الذي تقتضيه عبارته بحسب قواعد اللغة".
واللغة المقصودة هي اللغة في معانيها األصلية كما تقتضيها قواعدها وهي اللغة
المستعملة من المشرع وهي في قانوننا اللغة العربية ،ولكن الفصل يضيف "عرف االستعمال"
أي ما يجري عليه العمل بمفردات قد تكون غريبة في معانيها اللغوية األصلية ولكنها تستعمل
بمعنى مختلف في المجتمع ويستعملها المشرع بذلك المعنى بما يوجب في فهمها اعتماد ذلك
المعنى (مثاال على ذلك عبارة "الصابة" في الفصل 1371م ا ع والمقصود به المحصول
الزراعي) ويمكن أن يلحق بعرف االستعمال العبارات ذات األصل األجنبي والتي تم تعريبها
TOULLIER, Cours de droit civil suivant l'ordre du code, Paris 1811. 1
DEMOLOMBE, Cours de code Napoléon, Paris 1845-1882 2
TROPLONG, Droit civil expliqué suivant l'ordre des articles du code 3
DEMOLOMBE,Tome I, préface, p.4 4
113
على غرار "التراكتورات" والمقصود بها الج اررات (قرار مؤرخ في 27ديسمبر 1935يتعلق
ببيع العربات أو التركتورات بثمن مؤجل ،رائد رسمي عدد ، 2صادر في 7جانفي 1936
ص )10أو "الوران الخاني"( 1أمر 10جانفي 1928رائد رسمي 1فيفري 1928ص .)6
وفي فقه القضاء أدلة كثيرة تقوم على التأويل باعتماد قواعد اللغة ،ففي نزاع عرض فيه
السؤال المتعلق بمعرفة ما إذا كانت الجمعية تتمتع بحق البقاء الوجوبي على معنى أحكام
قانون .1976لقد تم إقرار هذا القانون لفائدة المتسوغين لمحالت المعد للسكنى والحرفة أو
اإلدارة العمومية وقد أضاف تنقيح 1مارس 1978أن أحكام هذا القانون تنسحب على المحالت
المماثلة المشغولة على وجه الكراء في تاريخ نشر ذلك القانون .وقد اعتبر أحد الق اررات أن
"عبارة مماثلة تعني لغة االشتراك في خاصية أو صفة أو وظيفة "لينتهي إلى اعتبار أن
الجمعية تتمتع بأحكام ذلك القانون ألنها تشترك مع المحالت المذكورة (السكنى اإلدارة والحرفة)
في انعدام الغاية الربحية . 2
ولكن ودون أن يكون مقر ار بنص فإن فقه القضاء ال يتردد في االعتماد على الصيغة
الفرنسية للفصل .ومثال ذلك قرار الدوائر مجتمعة عدد 39843بتاريخ 32018/10/25حيث
بدا للمحكمة أن العبارة الفرنسية للفصل 402م ا ع (كل دعوى ناشئة عن تعمير الذمة ال
تسمع بعد مضي خمس عشرة سنة )...التي ترجمتها من الفرنسية "االلتزام" هي أقرب للمعنى
من العبارة العربية (تعمير الذمة) 402م ا ع .وتبدو هذه الطريقة مندرجة في منهج البحث
عن إرادة المشرع .لكنها ال تخلو من المجازفة ويكون من الضروري اللجوء إليها بكثير من
الحذر .فهي قد تساعد على تأويل النصوص التي كانت صيغتها األصلية محررة باللغة
الفرنسية أو على األقل مشاريع نصوصها محررة بتلك اللغة .لكن وبمقتضى ما قرره الفصل
األول من قانون 5جويلية ( 1993ونفس الفصل من مرسوم 14أفريل )2020فإن النسخة
Warrant hôtelier 1وهو رهن على األثاث التجاري والمعدات الراجعة لصاحب النزل.
48363 2بتاريخ ، 2018/1/30التقرير السنوي 2018ص 326
3التقرير السنوي 2018ص 221
114
العربية هي الوحيدة الرسمية وأن الترجمة إلى لغات أخرى ال تكون إال على سبيل اإلعالم فإن
االعتماد على تلك الترجمة قد يؤدي إلى اضطراب في المعنى.
-2-2أما التأويل باعتماد مقصد المشرع فيبدو منهجا قائم الذات وهو ما يؤكده الفصل 535
م ا ع "نص القانون ال يحتمل إال المعنى الذي يقتضيه "مراد واضع القانون" .والمرجع في ذلك
يمكن أن يكون في شرح أسباب القانون .وقد رأينا أن مشاريع القوانين ترفق بشرح أسبابها التي
تبرر سن القانون أو تنقيحه والتي يمكن الرجوع إليها للوقوف على مقاصد المشرع ،وكذلك في
األعمال التحضيرية حيث أن مداوالت مجلس نواب الشعب تنشر بالرائد الرسمي وتكون مرجعا
في التأويل (قرار تعقيبي مدني عدد 2017/49035بتاريخ 01أكتوبر 2018موقع محكمة
التعقيب حيث تم الرجوع إلى مداوالت مجلس النواب لتفسير الفصل 115الجديد من مجل
الحقوق العينية).
ولعل من أبرز األعمال التحضيرية المشروع األولي والمشروع التمهيدي لمجلة مدنية
وتجارية تونسية حيث يعود إليها أغلب شراح القانون للوقوف على معاني بعض النصوص.
وكذلك الئحة األحكام الشرعية المعروفة بالئحة الشيخ جعيط لتفسير أحكام مجلة األحوال
الشخصية.1
2
-3-2وتعتمد مدرسة الشرح على المتون قواعد المنطق من ذلك ما يعرف باألقوال المأثورة
والتي تبنى المشرع البعض منها في إطار مجلة االلتزامات والعقود ومنها : 3
أو الحكم
ال تمييز حيث ال يميز القانون وهو ما يعبر عليه المشرع بالفصل 533م ا ع "إذا
كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطالقها" .
1هي أول محاولة لتقنين مادة األحوال الشخصية باالعتماد على المذهبين المالكي والحنفي تم االنتهاء من إعدادها سنة 1948عرفت باسم رئيس
اللجنة التي كلفت بإعداد المشروع وهو الشيخ عبد العزيز جعيط من كبار علماء الزيتونية ،حول الموضوع ،المحوم األستاذ الساسي بن حليمة ،
محاضرات في قانون األحوال الشخصية ،مركز النشر الجامعي ،تونس ، 2011ص 8والهامش.
ADAGES22
Maximes 3
115
االستثناءات تأول تأويال ضيقا ويعبر عنها الفصل 540م ا ع بقوله ما به قيد أو
استثناء من القوانين العمومية أو غيرها ال يتجاوز القدر المحصور مدة وصورة".
ما حكم به القانون لسبب معين جرى العمل به كلما وجد السبب المذكور (الفصل 536
ماع)
والممنوع قانونا لسبب معلوم يصير جائ از بزوال السبب ( 539م ا ع ).
وفي قواعد المنطق تعتمد مدرسة الشرح على المتون القياس وهو ما أقره الفصل 535
م ا ع "إذا تعذر الحكم بنص صريح من القانون اعتبر القياس" وهو ما يعتمد فيه الشارح الحل
المقرر بنص يؤطر وضعية معينة الستنباط حل لوضعية ال ينظمها المشرع بنص.
ويتم اللجوء أيضا إلى االستنتاج بمفهوم المخالفة أو القياس العكسي ،أي أن المفسر
سيلجأ إلى تطبيق العكسي للحل المقرر في وضعية محددة على وضعية لم يرد فيها نص.
وقاعدة "من أمكنه األكثر أمكنه األقل" أو ما يسمى بالقياس باألحرى ( ،الفصل 550
م ا ع ).
إن اللجوء إلى التحليل المنطقي في التفسير يمكن باألساس من التوصل إلى التناسق
الفكري للنص الغامض 1وذلك من خالل موقعه من بين النصوص السابقة والالحقة وفي إطار
موضعه من المجلة أو من القانون (كأن يكون في إطار األحكام العامة -األحكام العامة
لاللتزامات -أو في إطار األحكام الخاصة ،العقود الخاصة مثال) أي من خالل تحديد ما
يسمى بمحيطه القانوني.
116
-3التقييم
تعرضت مدرسة الشرح على المتون وال تزال إلى انتقادات شديدة ولكن منهجها يبقى مع
ذلك محتفظا بجدواه.
إن أول عيوب هذه المدرسة هو أساسها القائم على االعتقاد في كمال التشريع والحال
أن المشرع مهما بلغ من الدقة والسعي في اإلحاطة الكاملة بمختلف الوضعيات يبقى قاص ار
عن توفير الحلول لكل اإلشكاالت .وقد الحظنا أن التطور السريع للواقع يجعل المشرع غير
قادر على مواكبته بالرغم من كثرة التشريعات المؤدية إلى ظاهرة التضخم التشريعي.
كما يعاب على هذه المدرسة المبالغة في البحث عن إرادة المشرع التي قد يمكن
االعتماد عليها عندما يكون النص حديثا لتتحول إلى عائق يمنع إقرار الحلول المالئمة كلما
ابتعد الزمن بالنص فيصبح االعتماد ال على إرادة فعلية بل على إرادة مصطنعة قد ال تكون
إال إرادة المفسر ذاته.
كل ذلك يؤدي إلى عيوب متعددة 1تؤدي أحيانا إلى التضييق في معنى النص بما
يعكس نزعة محافظة مبالغ فيها على نحو ما استقر عليه فقه قضاء محكمة التعقيب لسنوات
طويلة في رفض مراجعة الشروط التغريمية المجحفة أو بتحريف للنص بتبني تأويل مضيق
لنص القانون.
كما أن االلتزام بهذا المنهج يؤدي إلى ما يسمى ركود القانون 2بمعنى أن مفسر القانون
يتسبب في منع تطوير القانون بما يالئم التطورات التي يشهدها الواقع .ومن األمثلة على ذلك
ما تعلق بمسؤولية المتبوع عن فعل تابعه والتي ال يقرها المشرع ضمن أحكام المسؤولية عن
فعل الغير المضمنة بمجلة االلتزامات والعقود (الفصل 93م ا ع ) .وقد عرض الموضوع
117
على فقه القضاء وامتنعت محكمة التعقيب عن إقرار هذا النوع اعتمادا على ما اعتبرت أنه
إرادة المشرع .1
فتأويل القانون بما يمكن من مالءمته لحاجيات الواقع يستوجب بالضرورة فهمه الفهم
الصحيح من خالل قواعد اللغة التي كتب فيها واألطر االجتماعية والسياسية واالقتصادية التي
ظهر فيها النص وعدم االقتصار على مجرد قراءة سريعة أو على مالحظة تشابه الحل المعتمد
مع حلول مقررة في أنظمة أخرى بما يؤدي إلى سوء فهم القاعدة ومنعها من تحقيق أهدافها.
لكن مدرسة الشرح على المتون ال تتميز باالنفراد بل ظهرت مناهج أخرى في تفسير
القانون.
ب-المناهج المنافسة
رائد هذه المدرسة هو الفقيه الفرنسي فراسوا جيني الذي انطلق من نقد مدرسة الشرح
على المتون للقول بأنه ال يمكن للقانون أن يكون مقتصرا على النصوص المكتوبة .لكن دون
أن ينكر أهمية البحث عن إرادة المشرع يعتبر جيني أنه إذا ما مرّ على النصوص ردح من
الزمن فال مناص من التسليم بأن المشرع لم يحط بكل شيء وأنه من العبث البحث عن إرادة
موهومة للمشرع وأنه ال بد من أن يلجأ القاضي إلى دوره الخالق للمرور من التأويل إلى البحث
العلمي الحر.
1قرار تعقيبي جزائي عدد 235بتاريخ 23جانفي ، 1961مجلة القضاء والتشريع لسن 1961ص .1370
118
لكن القول بهذا البحث الحر ال يعني إطالقا االعتباط فهو حر لوجوب التخلص من
االعتقاد بكمال التشريع وهو علمي لوجوب اتباع منهج علمي ال يلتزم فقط بالعلوم االجتماعية
واالقتصادية والسياسية فقط بل وكذلك بمختلف العلوم الطبيعية والطبية 1كلما اكتسب العلم
نتائج ثابتة .وال بد للمفسر أن يلتزم باالنطالق من الواقع االجتماعي والنفسي واالقتصادي
2
واستنباط القاعدة األكثر مالءمة لذلك الواقع.
-2المنهج التاريخي
رائد المنهج التاريخي 3أو ما يسمى بمنهج التأويل االرتقائي 4أو التأويل التحريفي 5هو الفقيه
لما يعتمد على ريمون صاالي وال يكاد يختلف طرحه عن طرح مدرسة البحث العلمي ّ
الحر ّ
6
ومع أن الغالب على فقه قضـاء محكمة التعقيب اعتمادها على مدرسـة الشـرح على المتون
فإن بعض ق ارراتها توحي باعتمادها مدرسـ ــتي البحث العلمي الحر والمنهج التاريخي لما أقرت
أن المحكمة
قرار محكمة االسـتئناف بسـوسـة في اعتماد تحليل الدم كوسـيلة لنفي النسـب قوال " ّ
المطعون في قرارها اعتمدت أن المش ـ ّـرع التونس ــي بالفص ــل 75من مجّلة األحوال الش ــخص ــية
119
قرر أّنـه إذا نفى الزوج حمـل زوجتـه أو الولـد الالزم لـه مثـل صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة الحـال فـإّنـه تقبـل جميع
ّ
ان هذا النص لم يض ـ ــبط بالعد هذه الوس ـ ــائل وترك أمرها لالجتهاد
وس ـ ــائل اإلثبات الش ـ ــرعية و ّ
ولتطور الزمن" وأضــافت أن "موضــوع الشــك في توصــل العلم لنتيجة جازمة صــار ال محل له
ّ
بعد كل هذه التحقيقات العلمية الصـرفة 1".فلم تتمسـك في تعريف وسـائل اإلثبات الشـرعية بما
يوحي به ظاهرها أي اللجوء إلى الشـ ـ ـريعة والفقه اإلس ـ ــالميين بل اعتمدت معنى الش ـ ــرعية في
المطالبة للقانون وهو ما جعلها تقبل بوس ـ ــائل لم تكن معهودة في عص ـ ــور س ـ ــابقة والتي أثبت
العلم نجاعتها.
يظهر مما س ـ ــبق أن فقه القض ـ ــاء ولئن اتجه نحو االعتماد في الغالب على طريقة الش ـ ــرح
على المتون إال أنه ال يجعل منها الطريقة الوحيدة في التفسير.
يتعلق األمر باإلجابة عن السؤال كيف يتم التفسير وهو ما نتعرض إليه من خالل محتوى
أ-محتوى الموجهات
تتمثل الموجهات في جملة ما يحتاجه المفسر لمباشرة عملية التفسير وهي قواعد التفسير
( )1والقواعد العامة للقانون ( )2والتفسير بالرجوع إلى المصادر المادية (.)3
-1قواعد التفسير
المقصود بقواعد التفسير تلك التي أقرها المشرع بالفصول 532إلى 541م ا ع وهي
أيضا كل الموجهات التي لم تكن محل تكريس مباشر بنص من القانون .فالقواعد المقررة
بالفصول المذكورة تكرس مثلما رأينا معظم ما اعتمدته منهجية مدرسة الشرح على المتون
120
كالتأويل باعتماد قواعد اللغة (الفصل 532م ا ع) 1والبحث عن إرادة المشرع (الفصل 535
م ا ع) وأخذ عبارة القانون على إطالقها (الفصل 534م ا ع) واعتماد القياس (الفصل 535
م ا ع) وقاعدة "من أمكنه األكثر أمكنه األقل" (الفصل 550م ا ع).
ولكن قواعد التفسير ال تنحصر فيما أقره المشرع في نطاق الفصول المذكورة .ذلك أن
إحدى أهم القواعد المحددة لميدان التفسير هي قاعدة أقرها المشرع ضمن أحكام تفسير العقود
أي الفصل 513م ا ع الذي اقتضى أنه "إذا كانت عبارة الكتب صريحة فال عبرة بالداللة" .
وهي قاعدة معمول بها في فقه القضاء ولكن دون اعتماد الفصل 513ويعبر عنها بالقول" ال
تفسير في موضع النص" .وكذلك الشأن في التفسير بالمعقول وهي أيضا قاعدة لم تدرج ضمن
قواعد تفسير القانون مع أن المشرع أقرها في تفسير العقود في قول المشرع "إذا لم يعط التفسير
حقيقة أو مجا از معنى معقوال مطابقا للقانون بطل الفصل" (الفصل 531م ا ع) وهو ما يعني
إذا ما طبق المفسر هذا التوجيه فالمطلوب منه أن يفسر النص بما من شأنه أن يؤدي إلى
معنى معقول وهذا ما يؤكد المقولة بأن أعمال العقالء مصانة من العبث وما ال يقبل معه
القول بعبث المشرع أو هذيانه أو غير ذلك من العبارات التي تنال من جدية العمل التشريعي
والتي تفيد بضرورة تظافر جهود القاضي والفقيه لتجاوز حاالت الغموض أو التناقض أو
النقص في التشريع.
نص الفصل 535م ا ع على التفسير بالرجوع إلى القواعد العامة للقانون .وتطرح هذه
القواعد مسألة مفهومها ودورها في عملية التفسير .وقد أثار مفهوم القواعد العامة للقانون جدال
2
فق هيا بين الفقيه محمد الشرفي الذي ال يعتبرها قواعد قانونية ذات صبغة إلزامية وجوبية
لكونها غير موجهة إلى القضاء بل إلى مفسري آيات القرآن ،والفقيه محمد العربي هاشم الذي
1قرار تعقيبي دوائر مجتمعة اعتمد الفصل 532م ا ع اعتبر أن عبارة "مؤسسات تعليم خاص" الواردة بالفصل 2من قانو ن 25ماي 1977
المتعلق بالعالقات بين المالكين والمتسوغين لمحل تجاري يجعل معناها يشمل جميع األفراد دون تخصيص ونتيجة ذلك أنها تطبق على مؤسسات
تعليم سياقة السيارات (تعقيب دوائر مجتمعة مدني عدد 1130بتاريخ 2002/10/31موقع محكمة التعقيب) .
2محمد الشرفي ،مدخل لدراسة القانون دار سيراس للنشر ،1991،ص 255و 256
121
يعتبر أن تلك القواعد مستمدة من القواعد الكّلية الواردة بالفصول من 1إلى 99من مجلة
1
األحكام العدلية والمبادئ العامة للقانون مثل مبدأ حرية التعامل وحرية اإلرادة ومبدأ المساواة.
إن سبب الخالف يكمن في عدم دقة المصطلح المستعمل بمجلة االلتزامات والعقود.
فالقواعد العامة (وكانت قبل قانون " 2005قواعد عمومية") ال تفيد إال تك ار ار أو هي باألحرى
من قبيل االستعمال الثنائي ذلك أن الخاصية األساسية للقاعدة القانونية أنها عامة والقول
بقاعدة عامة ال يضيف شيئا إلى طبيعتها .غير أن ذلك االستعمال يبرر بالرجوع إلى مصادر
المجلة التي هي في ذات الوقت القوانين األوروبية والفقه اإلسالمي .ويالحظ الباحث أن
محرري المجلة اعتمدوا "القواعد الكلية" التي وردت بمجلة األحكام العدلية والتي عرفها الفصل
األول منها تعريفا يطابق التعريف األوروبي للمبادئ القانونية العامة .فتعريف األخيرة هو
مجمل األفكار التوجيهية التي تترتب عنها تطبيقات متعددة دون أن يمنع ذلك من حلول تعد
استثناءات لها وهو نفس ما ورد بالفصل األول من مجلة األحكام العدلية " :قواعد كلية كل
منها ضابط وجامع لمسائل كثيرة ..وبعض هذه القواعد يوجد من مشتمالته بعض المستثنيات
لكن ال تختل كليتها وعمومها" .غير أن غياب استعمال مصطلح المبادئ لدى الفقهاء المسلمين
هو الذي برر استعمال عبارة القواعد عوضا عن المبادئ.
وال خالف في أن القواعد المقررة بالمجلة تتطابق أحيانا مع المبادئ العامة في القوانين الغربية
مثل الفصل 547م ا ع (من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه) أو الفصل
548م ا ع (ما يصدر عن شخص ال يكون حجة له) والفصل 551م ا ع ( ال يجوز لشخص
أن يمنح لغيره أكثر مما لنفسه من الحقوق) وغيرها إلى جانب مبادئ تعود الجتهاد الفقهاء
المسلمين (الفصل 554م ا ع "الخراج بالضمان )"...والفصل 562م ا ع األصل بقاء ما
كان على ما كان" وهي ما يسمى بدليل االستصحاب الذي استنبطه علماء أصول الفقه (راجع
1محمد العربي هاشم ،محاضرات لطلبة السنة األولى ،درس مرقون ص .163
122
في ذلك القرار التعقيبي المدني عدد 30378بتاريخ ،1980/12/30النشرية ج ،2ص
.)329
لكن ال خالف أيضا أن المشرع لم يأت على كل المبادئ الممكنة بل أن ما تواله لم يكن
إال ذك ار لبعضها بدليل عنوان الفرع الثاني الذي وردت فيه (في بعض قواعد عامة تتعلق
القانون) .وهذا دليل على أن المشرع بعد أن أورد بالفصل 535م ا ع القياس كوسيلة للتفسير
لم يجعلها الوسيلة الوحيدة بل أفسح المجال للمفسر في استنباط المبادئ التي لم يتعرض إليها
وذلك باالعتماد االستدالل (الصفحة 29من الجزء األول والمثال المتعلق بمبدأ منع التعسف
في استعمال الحق) .وهو ما يتيح المجال إلى ظهور مبادئ أخرى كمبدأ الحذر ومبدأ التناسب
الذي يمكن استنباطه من أحكام الفصل 48من الدستور (في الحد من الحقوق والحريات
ووضع الضوابط لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية).
فإحالة المشرع إلى القواعد العامة بمعنى المبادئ العامة ال يتوقف عند مجرد عملية
تفسير النص الغامض بل أن المشرع عندما تعرض الى تعذر الحكم بنص صريح إنما عالج
حالة الفراغ التشريعي ،وهذا ما من شأنه أن يؤكد أن تأثير الشرح على المتون لم يكن غالبا بل
هو إقرار صريح بالفراغ وإحالة على تقنية المبادئ إلقرار تفادي حالة الفراغ بإنشاء قواعد جديدة
من خالل تقنية المبادئ العامة للقانون.
فليست هذه المبادئ قواعد في المفهوم التقني للكلمة بمعنى أنها ال تعتمد لتطبق مباشرة
على نزاع لغياب الدقة الفنية فيها بحكم غياب الحل .فالقاعدة القانونية تتميز بدقتها الفنية من
حيث تركيبتها من فرض وحل ،حال أن المبدأ القانوني ال يقوم على حل قابل لالنطباق مباشرة
بما يمكن أن يصدر حكم قضائي على ضوئه .فالفصل 551م ا ع الذي ينص أنه ال يجوز
لشخص أن يمنح لغيره أكثر ما لنفسه من الحقوق ال يمكن أن يطبق ألنه ال حل فيه أي أنه
ال يحتوي على جزاء .كما أن القول بأن مبدأ تحمل التبعة المقرر بالفصل 554م ا ع ال
يمكن أن يطبق بصفة مباشرة على وضعية نزاع معين ولكنه يكون مفيدا في سد الفراغ القانوني
123
المترتب عن عدم تعرض المشرع بالفصل 93م ا ع إلى مسؤولية المتبوع عن فعل تابعه.
ويكون العمل به كالتالي :إذا كان المؤجر ينتفع من مشروعه فإن المنطق يفرض أال يتحمل
الغير األضرار الالحقة به بفعل عملته وتكون تلك هي قاعدة مستمدة من المبدأ المذكور وتكون
صياغتها كالتالي" :إذا ألحق التابع ضر ار بالغير أثناء القيام بعمله (مفترض) فالمتبوع مسؤول
الضرر(حل)" .فتكون قاعدة ذات أصل قضائي قابلة لالنطباق في مختلف الحاالت
ّ عن ذلك
التي يكون فيها الضرر ناتجا عن فعل التابع .وفي مثال آخر كذلك سبق أن الحظنا أن فقه
القضاء وفي غياب تكريس تشريعي في المادة المدنية لمبدأ عدم رجعية القوانين استنتج ذلك
المبدأ من مختلف تطبيقاته ثم أعمل قاعدة عدم رجعية القانون الجديد على عالقة تعاقدية.
يتعلق األمر أساسا بالتأويل بالرجوع إلى الفقه اإلسالمي والقوانين األوروبية وباألساس
القانون الفرنسي من جهة أخرى.
على خالف قوانين بعض الدول العربية األخرى ليس الفقه اإلسالمي في قانوننا الوضعي
1
مصد ار شكليا(رسميا) لتفسير القانون .فالقانون المصري والقوانين التي سارت على منهاجه
يحيل بكل وضوح على "مبادئ الشريعة اإلسالمية" إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه
لتفسير القانون .لكن المحاكم ال تتردد المحاكم في الرجوع إليه لتفسير أحكام القانون الوضعي.
ويمثل ميدان األحوال الشخصية المادة األقرب للعمل بمثل هذا المنهج نظ ار إلى تأثير
الفقه اإلسالمي في القانون الوضعي .إذ كذلك كان األمر عند غياب التعريف القانوني لمفهوم
محدد أو مؤسسة أو لمعالجة وضعية فراغ قانوني .فباالعتماد على المذهب المالكي أقرت
مفهوم الدخول الحكمي لترتب عليه وجوب إنفاق الزوج على الزوجة ، 2وكذلك وفي غياب
1ما يسميه األستاذ محمد كمال شرف الدين العائلة المصرية (فقرة 168و ما بعدها )170أي المجالت المدنية في كل من سوريا والعراق وليبيا
والجزائر ...وفي مقابلها العائلة األولى وهي التي استلهمت مجالتها من مجلة االلتزامات والعقود التونسية (المغري ولبنان وموريطانبا) نفس
المرجع فقرة 167
2قرار تعقيبي مدني عدد 1229بتاريخ 15جويلية ، 1977النشرية ،2ص 81
124
تعريف قانوني لمفهوم الفراش على معنى الفصل 68م أ ش اعتبرت أنه الزواج الشرعي. 1
ولكن االعتماد على الفقه اإلسالمي لم يقتصر األمر على هذه المادة بل تجاوزها إلى مادة
العقود ومن أبرز ما تم اعتماده تعريف مرض الموت الذي لم يعرفه المشرع واعتماد تقنية العقد
الموقوف في بيع ملك الغير.
أما بالنسبة إلى القانون الفرنسي فال تتردد محكمة التعقيب في تفسير قواعد القانون
التونسي باالستئناس بالقانون أو بفقه القضاء الفرنسيين .والمثال على ذلك ما أقرته محكمة
التعقيب انطالقا من الفصل 478من المجلة التجارية ("يتقرر التفليس بحكم من المحكمة بعد
استدعاء المدين وسماع ممثل النيابة العمومية") لتأسيس الحل الذي مقتضاه أن النيابة العمومية
طرف أساسي في قضايا التفليس وينبغي استدعاؤها واعتمد في ذلك ق ار ار لمحكمة التعقيب
الفرنسية قرر نقض الحكم االستئنافي بسبب عدم التعرض إلى ملحوظات النيابة العمومية.2
تطرح موجهات التفسير مسألة إلزاميتها بالنسبة إلى المفسر وخاصة القاضي وتقتضي
اإلجابة التمييز بين نوعين من الموجبات.
ففيما يتعلق بالموجبات المقررة بنص القانون فهي قواعد قانونية لها نفس إلزامية القواعد
القانونية بالنسبة إلى القاضي ومحكمة التعقيب تراقب تطبيقها وتقضي بالنقض من أجل
مخالفتها .3لكن قد يطرح التساؤل حول إمكانية اللجوء إلى القواعد غير المقررة بالنص أو
حول األفضلية في الترتيب المقرر بالفصل 535م ا ع أو في التفضيل بين مدرسة الشرح
على المتون أو مدرسة البحث العلمي الحر أو التفسير التاريخي أو اعتماد المصادر المادية.
1تعقيبي مدني عدد 4393بتاريخ 6جانفي ، 1981القضاء والتشريع 1981عدد ،2ص ،61
2تعقيب مدني عدد 82663بتاريخ 2020/2/12موقع محكمة التعقيب
3تعقيبي مدني عد 4340بتاريخ 7فيفري 1983ن ،1ص ، 141نقض من أجل مخالفة مقصد المشرع ،قرار تعقيبي مدني عدد 17757
بتاريخ 1989/11/14ن 418نقض لمخالفة قواعد التأويل اللغوي 535(...م ا ع )
125
من منطلق أن تأويل القانون يسعى إلى جعله أكثر مالءمة لواقع المجتمع فإن الرأي
يتجه إلى أنه ال تراتبية وال تفاضل بين مختلف موجهات التفسير بل أن العبرة تكمن في اختيار
أفضل الطرق التي تؤدي إلى تلك الغاية التي قد تتحقق بموجهات طريقة الشرح على المتون
أو بغيرها.
أما في خصوص التعامل مع المصادر التاريخية فإنه ال شيء في القانون يفرض اللجوء
إليها ويبقى المفسر ح ار في ذلك .وفي صورة اعتمادها فإن مراعاة خصوصيات القانون الوضعي
وتطوراته تفرض عدم االنسياق وراء الحلول السهلة في اعتبار أن المعنى المقصود مستمد
بالضرورة من المصدر التاريخي .ذلك أن اختالف صياغة النص عن مصدره يمكن أن يؤدي
إلى معاني مختلفة عن تلك التي قصدها المشرع في النظام القانوني المستمدة منه أحكام
قانوننا.
تعريف فقه القضاء (المبحث األول) مصدر فقه القضاء (المبحث الثاني) القوة اإللزامية
لفقه القضاء (المبحث الثالث).
في تعريف أولي يعرف فقه القضاء بأنه مجموع األحكام التي تصدر عن المحاكم في
مختلف ميادين اختصاصها .لكن هذا ليس إال وصفا لمجموعة غير متجانسة من عناصر
ليست سوى مظاهر للعمل القضائي على اختالف مصادره أي المحاكم باختالف درجاتها
وأنظمتها (العدلية واإلدارية وغيرها) وهو ال يفيد في شيء بالنظر إلى موضوع مصادر القانون
126
إذ كيف يمكن أن يعتمد هذا الكم الهائل من األحكام والق اررات المتعددة والمتداخلة وأحيانا
المتناقضة العتبارها مصد ار للقانون؟ فهي ليست إال جملة من الوقائع المتراكمة وال تكون
قانونا.
2
لكن المتأمل في أصل المفهوم يالحظ أنه ال يتماشى مع ذلك الرأي .فالعبارة الالتينية
تعني حكمة القانون أو حكمة القضاء والعبارة العربية تجمع بين علمين قائمي الذات هما علم
الفقه من جهة وعلم القضاء من جهة أخرى .فعلم الفقه يسعى إلى استنباط القواعد المنظمة
للتصرفات الفردية باالعتماد على منهج محدد وذلك باالنطالق من مصادر التشريع (القرآن
والسنة والقياس واإلجماع .)...والقضاء يرمي إلى استنباط الحلول العملية لإلشكاالت الواقعية
وهو أيضا يعتمد منهجا .فالعبرة في تعريف فقه القضاء تكون أساسا بما يميزه من حيث المنهج.
يترتب عن ذلك أن تعريف فقه القضاء ينطلق من الظاهرة القضائية (األحكام) ولكنه
ال يكتفي بمعاينتها بل يعتبر المنهج الذي يتبعه القاضي والغاية من تدخله .وقد أمكن لنا بناء
على ذلك تعريف فقه القضاء بأنه "المنهج الفكري الذي يمكن القاضي من أن يأخذ باالعتبار
العالقة بين الوقائع والتنظيم القانوني بهدف استنباط أحكام ذات نطاق عام ترمي إلى تحقيق
مالءمة المنظومة القانونية مع حاجيات المجتمع باستعمال وسائل تأويل القانون وسد
الفراغات التي تعتريه".3
فالعبرة في فقه القضاء ليست إذن بمجموع أحكام بل بما نسميه القاعدة القضائية باعتبارها
صنفا من أصناف القواعد القانونية المكونة للمنظومة القانونية .وهي على غرار القاعدة
التشريعية قاعدة عامة دائمة مجردة وملزمة .وليس أدل على ذلك من المثال المأخوذ من قرار
الدوائر المجتمعة المؤرخ في 30جانفي 1976المتعلق بالوعد بالبيع والذي أسس لقاعدة
صحة الوعد بالبيع وبكونه عقدا ال ينشئ في جانب الواعد إال التزامات شخصية وأنه ال تنتقل
به الملكية .وقد أسس هذا القرار لقاعدة قضائية عامة مجردة ملزمة تواتر تطبيقها منذ 1976
إلى اليوم.
إن تعريف فقه القضاء على الوجه الذي سبق ال يمكن من القول من هي السلطة التي
يرجع إليها لتحديد مصدره .وفي هذا الصدد ال يكون مصدر فقه قضاء محاكم األصل (الفقرة
األولى) بل أن مصدره هو محكمة التعقيب (الفقرة الثانية).
ال شك في الدور الذي تؤديه محاكم األصل في إنشاء فقه القضاء وتطويره .فبداية
المنازعات تكون أمام تلك المحاكم وتعرض إشكاليات سكوت النص أو غموضه أمامها كما
أن مشاكل التكييف ا لقانوني للوقائع والتصرفات واإلجراءات تعرض عليها لتتخذ منها موقفا،
كل ذلك بناء على ما يطرحه محامو األطراف من حلول وحلول مخالفة تؤكد رأيا أو تنفيه.
comblement des lacunes du droit, des règles de portée générale destinées à adapter l’ordre
راجع كتابي ،سابق الذكر فقرة عدد juridique aux besoins de la société"788
128
ويتم إعداد الحلول القضائية بناء على هذا النقاش الذي يحصل بين درجتي القضاء األصلي
قبل أن يصل إلى محكمة التعقيب.
وال مجال إلنكار أن معظم الحلول القضائية إنما تكونت بفضل تدخل محاكم األصل
واألمثلة على ذلك كثيرة ومنها ما سبق التذكير به بخصوص اعتماد تحليل الدم لنفي النسب
(ص 109من هذا الدرس).
لكن نظ ار إلى أن محاكم األصل تخضع إلى التراتبية التي ينجر عنها أن الحل المقرر
من قبلها يكون عرضة لنقضه من قبل المحكمة األعلى درجة فإنه يبدو من غير الواقعي القول
بفقه قضاء محاكم األصل .وربما كان من األفضل الحديث عن "جريان العمل القضائي" وهو
ما تعمل به المحاكم من حلول قد تستقر وقد تضطرب في انتظار أن تتأكد أو أن يقع نفيها
من قبل محكمة التعقيب .ويمكن أن نذكر مثاال حول الموقف من القيام استعجاليا للخروج إن
لم يدفع إذا كان المكرى محال معدا الستغالل أصل تجاري إذ هناك من المحاكم من يعتبر
هذه الدعوى من دعاوى األحكام العامة عل معنى الفصل 201م م م ت التي ال يجوز القيام
بها لوجود نص خاص وهو الفصل 23من قانون 25ماي 1977الذي يوجب التنبيه على
المكتري للدفع خالل ثالثة أشهر يعد العقد بانقضائها منفسخا وهناك من يعتبر بعكس ذلك أن
هذه الدعوى ممكنة وهي ليست إال وسيلة ضغط حتى يتولى المتسوغ خالص ما في ذمته من
معاليم الكراء.
لذلك فإن عمل المحاكم ومهما كان القول باستق ارره ال يعتبر فقه قضاء بالمعنى الذي
يمكن معه أنه تنشأ معه قواعد قضائية مستقرة بسبب كونه معرضا في كل األحوال إلى نقضه
من قبل محكمة التعقيب وهو ما يبرر اعتماد مصدر وحيد وهو فقه قضاء محكمة التعقيب.
129
الفقرة الثانية :فقه قضاء محكمة التعقيب
إن القول بأن ق اررات محكمة التعقيب هي مصدر فقه القضاء مبني على أسباب من
القانون (أ) ويتخذ مظاهر محددة (ب).
أ-األسباب :تتمثل األسباب التي ال تعتبر من فقه القضاء إال ما كان صاد ار عن محكمة
التعقيب فيما يلي:
ب-ألنه بإمكانها فرض رأيها القانوني بمقتضى ما تقرره من نقض لألحكام المطعون فيها
أمامها حتى ولو بقيت محكمة اإلحالة حرة في عدم اتباع موقف محكمة التعقيب ولكن ذلك
من موجبات تكوين فقه القضاء باعتماد التشاور بين المحكمة العليا ومحاكم األصل،
ج-ألنها تفرض موقفها بحكم القانون عندما تنقض أحكام قضاة األصل بقرار من الدوائر
المجتمعة حيث تكون محكمة اإلحالة الثانية ملزمة باتباع ما قررته الدوائر المجتمعة بصريح
الفقرة األخيرة من الفصل 191م م م ت.
د -ألنها السلطة المؤهلة لتوحيد اآلراء القانونية بين مختلف دوائرها طبق الفصل °1/192م
م م م ت وأن ذلك التوحيد ال يقتصر فقط على الدوائر العادية بل يمتد أيضا إلى مختلف
المحاكم.
ب-المظاهر :إن اعتبار ق اررات محكمة التعقيب هي مصدر فقه القضاء مسنود
بمختلف المظاهر التي تتخذها ق ارراتها .1وباعتبار االختالف بين القاعدة التشريعية والقاعدة
القضائية فإن الباحث ملزم باعتماد منهجية واضحة للوقوف على أهم تقنيات التعرف على
طريقة التعبير عن القاعدة.
1راجع دراستي ،القرار التعقيبي ،مؤلف "خمسون عاما من فقه القضاء المدني " 2009-1959ن مركز النشر الجامعي ،
تونس 2020ص 325وما بعدها.
130
إذ توجد تفرقة فقهية بين الق اررات المبدئية والق اررات العادية .فالق اررات العادية هي التي
ال تتميز بشيء من حيث الحلول التي تقرها أو تذكر بها والتي ال تتعدى أن تكون تطبيقا
لقاعدة أو تذكي ار بنص قانوني .أما الق اررات المبدئية فهي التي تقر حال جديدا غير معهود
تتبنى فيه المحكمة تأويال مختلفا عما سبق من تأويالت أو تعتمد فيه وصفا قانونيا مستحدثا
. 1
أو تسد به فراغا قانونيا أو تعلن به عن تحول قضائي أو تحدث به ذلك التحول.
والمفروض أن المجال الطبيعي للق اررات المبدئية هو ق اررات الدوائر المجتمعة بسبب ما
سبق القول في شأنه بأنها ملزمة لمحكمة اإلحالة .لكن ليست كل ق اررات الدوائر مبدئية إذ أنها
قد تكتفي بتذكير حل سبق أن تبنته وال تزيد في القرار الجديد إال تأكيدا له.
كما أن ق ارراتها الصادرة في مادة الخطأ البين ال يترتب عنها توحيد لفقه القضاء.
لكن الق اررات المبدئية ال تتوقف عند ق اررات الدوائر المجتمعة بل قد تكون صادرة عن دوائر
عادية (قرار 29فيفري 1994الذي أقر بإمكانية مراجعة الشرط التغريمي صدر عن دائرة
عادية وأحدث تحوال في فقه القضاء).
وسواء تعلق األمر بقرار دائرة عادية أو بقرار الدوائر المجتمعة ليست العبرة فيما درج عليه
المكلفون بنشر ق اررات محكمة التعقيب على تقديم القرار مصحوبا في بدايته بما يسمى "المبدأ"
بل ليس ذلك إال مجرد ملخص ال يحرره رئيس الدائرة أو أعضاؤها وقد ال يعبر عن التوجه
الذي اعتمده القرار .بل أن العبرة في استخالص المبدأ تكمن في التعليل أي في أهم حيثيات
القرار والتي تعبر فيها المحكمة عن موقفها بتبريره ودعمه باستعمالها وتأويلها لقاعدة أو قواعد
قانونية أو مبدأ عام وأحيانا باللجوء إلى فقه قضاء سابق أو آراء فقهية محددة أو إلى المصادر
المادية أو القانون المقارن.
راجع مقالتي ،مفهوم التحول القضائي ،قراءات في اجتهادات في فقه القضاء ، 1مركز النشر الجامعي ،تونس 1
131
وال يعتبر من الق اررات المبدئية ما هو ظرفي أي ما يعبر عن موقف ال يتجاوز حدود
القضية التي صدر فيها كما ال تعتبر الق اررات المنعزلة أو اليتيمة أو الشاذة( .القرار عدد
3784الصادر بتاريخ 11مارس ،1980المجلة التونسية للقانون ،لسنة 1980ص 247
والمعروف بقرار "الحق يعلو وال يعلى عليه" الذي قرر تغليب الحق الموضوعي على الشكليات)
فالقاعدة القضائية-خاصة عندما يكون مصدرها قرار صادر عن دائرة عادية -تستوجب في
أحوال كثيرة أن يستقر العمل بها ويتواتر حتى تصبح حال مستقرا.
يحتاج اإلقرار بأن فقه القضاء سلطة إلى بيان أساس قوته اإللزامية (فقرة أولى) وشروطها
(فقرة ثانية).
-1كثي ار ما يتردد لدى الفقهاء أن ق اررات محكمة التعقيب ملزمة تبعا لما لها من "سلطة
معنوية" .1ولهذا االتجاه أساسان من القانون أولهما مبدأ تفريق السلط وثانيهما األثر النسبي
لألمر المقضي فيه أو قرينة اتصال القضاء .فالفصل بين السلطات التشريعية والقضائية
والتنفيذية والذي كرسه الدستور يجعل دور السلطة القضائية مقتصرا على تطبيق القانون دون
أن يكون لها القدرة على سن قواعد جديدة تكون لها نفس خصائص القاعدة التشريعية وذلك
على نقيض ما هو معمول به في األنظمة األنقلوسكسونية القائمة على السابقة القضائية.
فاألحكام الصادرة في القضايا التي تعهد إلى المحاكم ال تكون صالحة لفض نوازل أخرى،
وفي هذا المعنى يستند أصحاب هذا الرأي إلى الفصل 481م ا ع ليستمدوا منه مبدأ األثر
132
النسبي لحجية األحكام القضائية قوال بأنها ال تلزم غير الخصوم الذين صدرت بينهم .وإذا
1
تعلق األمر بفقه القضاء عموما فإنه لن تكون له إال سلطة واقعية فال يمثل مصد ار للقانون.
إن االستناد إلى مبدأ الفصل بين السلطات يقوم على تصور مضيق لهذا المبدأ وال
يأخذ باالعتبار ضرورة التنسيق والتكامل والترابط بينها كما أن مبدأ األثر النسبي لحجية األحكام
القضائية يقوم على مبرر شكالني للتعتيم على أن العبرة في إلزامية فقه القضاء ليست في
نص حكم صادر بين أطراف -ال يلزمهم إال هم بداهة -بل في القاعدة التي تتشكل بفضل
مجهود القضاء في التأويل وسد ثغرات القانون(.ما يسميه األستاذ محمد كمال شرف الدين
"االنفصال" ،أي انفصال القاعدة القضائية عن األحكام التي صدرت بمناسبتها)2
إن فكرة السلطة المعنوية ال تعبر عن أي قوة ملزمة لق اررات محكمة التعقيب .فالقول
بها يجعل المعنيين بتلك الق اررات وأساسا القضاة غير ملزمين باتباع ما يستقر عليه فقه قضاء
تلك المحكمة بل ال يتعلق األمر إال بتخيير أي أن القاضي يكون مخي ار بين اتباع فقه القضاء
أو مخالفته .ومحكمة التعقيب ذاتها عبّرت عن ذلك الموقف في أحد ق ارراتها لما اعتبرت
أنه ال لوم ع لى محكمة األصل في مخالفة قرار الدوائر المجتمعة طالما أن ذلك القرار "غير
3
ملزم إال للمحكمة التي أحال لها ذلك القرار القضية عمال بصريح الفصل 191م م م ت.
ولقد كان لهذا الموقف األثر الكبير حتى لدى محكمة التعقيب ذاتها التي تعتبر أنها هي بدورها
غير ملزمة باتباع ما صدر عنها من فقه قضاء ولو أن تلك النزعة في قضائها هي نزعة
أقلية .ولكن ذلك كان سببا من أسباب في اضطراب فقه القضاء وتناقضه والمشقة الناتجة عن
ذلك بالنسبة إلى المتقاضين تبعا لما ينتج عنه من عيب عدم إمكانية التوقع وللباحثين من حيث
صعوبة وأحيانا استحالة مواكبة وتصور التطورات الممكنة لفقه القضاء.
133
-2لذلك نعتقد أن فقه القضاء يستمد قوته اإللزامية من القانون ذاته الذي خول للقضاء
تأويل النصوص وإكمال النقص الذي يعتريها .فالفصل 535م ا ع يقر بغموض النص وبفراغه
ويوفر الوسائل لتجاوز ذلك والفصل 108من المجلة الجزائية "يعاقب بخطية قدرها مائتان
وأربعون دينا ار كل قاض من النظام العدلي يمتنع ألي سبب كان ولو لسكوت أو غموض
ويستمر على امتناعه بعد إنذاره أو أمره
ّ القانون عن القضاء بين الخصوم بعد طلبهم ذلك منه
من قبل رؤسائه".وهو ما ال يترك مجاال للشك في أن فقه القضاء يستمد سلطته من القانون.
بناء على ذلك فااللتزام بفقه القضاء يقوم على واجب وظيفي -أي أنه واجب تقتضيه
وظيفتهم -يقع على القضاة في أن يلتزموا بفقه القضاء الصادر عن محكمة التعقيب كما
أنه واجب يقع على محكمة التعقيب ذاتها في أن تلتزم بفقه قضائها .وهذا الواجب يجد
مبرراته في مبدأين دستوريين هما مبدأ المساواة أمام القضاء بين المواطنين والحق في محاكمة
أقرت محكمة التعقيب قاعدة قضائية ثم خالفتها أوعادلة .فال مساواة وال محاكمة عادلة إذا ّ
1
خالفها حكام األصل "بحجة عدم إلزامية السابقة القضائية في نظام قانون مكتوب"
كل هذا ال يمنع فقه القضاء من التطور أي أنه مثل القاعدة التشريعية يتأقلم مع تغير
األوضاع االجتماعية واالقتصادية وهو ما يبرر التحوالت القضائية .والتحول القضائي هو
رجوع عن حل قضائي سابق ومستقر صادر عن نفس السلطة التي أصدرته وهو بمثابة النسخ
الذي يط أر على القاعدة التشريعية.2
راجع دراستي " ،مفهوم التحول القضائي" ،سابق الذكر وباللغة الفرنسية Les revirements de jurisprudence, 2
134
أ-التعليل
ليس المشرع مجب ار على تعليل القواعد التي يسنها حتى ولو بدا أنه يسعى إلى ذلك من
خالل شرح األسباب .واألمر على خالف ذلك في القاعدة القضائية التي تستوجب اإلقناع
بالحل الذي تقرره بما يمكن من االنخراط فيه والعمل به والمقصود بذلك قبول جمهور المتعاملين
بها من قضاة ومحامين وفقهاء وغيرهم .وما من سبيل إلى ذلك إال بالتعليل الذي تتوخاه
الق اررات التعقيبية أي تبرير لق ارراتها باالعتماد مختلف طرق التأويل وبالرجوع إلى الفقه وفقه
القضاء في تونس وفي القانون المقارن .ذلك أنه دون تعليل يتحقق به اإلقناع ال يكون لق اررات
محكمة التعق يب من فاعلية حتى ولو أراد قضاتها وضع قاعدة قضائية وحتى مع القول بأن
من واجب القضاة االلتزام بما قررته استجابة لواجب وظيفي في االلتزام بما تقرر في فقه
القضاء .لكن القبول بالقاعدة القضائية ال يمكن أن يتحقق إال بشرط العلم بها.
ب -العلم
ال يكون تحقيق القوة اإللزامية لفقه القضاء إذا لم يتم العلم به .والعلم بفقه القضاء يكون
بنشره .ويتم نشر فقه القضاء بنشرية محكمة التعقيب وبمختلف المجالت القانونية التي تصدر
عن مراكز رسمية مثل مركز النشر الجامعي (المجلة القانونية التونسية) ومركز الدراسات
القانونية والقضائية (مجلة القضاء والتشريع) و كليات الحقوق ("األحداث القانونية التونسية" ،
كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،و"المجلة التونسية للعلوم القانونية والسياسية" عن كلية
العلوم القانونية بتونس و"مجلة القانون والسياسة" الصادرة عن كلية الحقوق والعلوم السياسية
واالقتصادية سوسة ....ومجلة "دراسات قانونية" عن كلية الحقوق صفاقس و"حوليات العلوم
القانونية" التي تصدر عن كلية العلوم القانونية واالقتصادية والتصرف بجندوبة ).
لكن المقارنة بين نشر القانون ونشر فقه القضاء يبين الفارق الشاسع بينهما .فنشر
القوانين يكون باالعتماد على حامل رسمي (الرائد الرسمي) يضبطه القانون (قانون 1993
ويمثل منطلقا الحتساب أجل دخوله حيز النفاذ بينما ال يوجد أي حامل رسمي لفقه القضاء وال
135
لزمن محدد لنشره وهو ما يفسر البطء في تحقيق العلم بفقه القضاء وقد يصلح حتى في تبرير
الجهل به .لكن وبصفة تدريجية تتجه الممارسة نحو إرساء نشر على الحوامل االلكترونية
(موقع محكمة التعقيب) بما قد يحقق االنتشار المطلوب في زمن معقول .لكن كل ذلك يبقى
مجرد محاوالت ال تكتسي أي طابع إلزامي .لذلك ولضمان استقرار المعامالت أن تكون هناك
وسيلة رسمية تحقق نشر فقه القضاء بالسرعة والنجاعة التي تحقق العلم به بالوسائل الحديثة
للنشر (الحوامل االلكترونية).
لكن النشر المادي لفقه القضاء ال يكون في كل األحوال كافيا للعلم به إذ ال بد من
إب ارزه والتركيز على أهم ما فيه من خالل التعليق على الق اررات المبدئية ويعود الفصل في ذلك
إلى الفقه.
العرف والمعروف هو خالف المنكر والنكر وهو ما يستحسن من األفعال وهو ما كل
ما تعرفه النفس ومن الخير وتطمئن إليه (ابن منظور ،لسان العرب ،عرف) .وال يختلف
المعنى اصطالحا اختالفا كثي ار من حيث اطمئنان الناس إلى ما هو معمول به فيتبعونه
ويستمرون عليه.
يبدو من مجلة االلتزامات والعقود أن المشرع يفرق بين العرف والعادة .وقد يتبادر إلى
الذهن أنهما مختلفان فالعادات هي ممارسات ال إلزامية فيها وهي ومن الوقائع وال تعد من
136
القانون فإذا استقرت وانتشرت أصبحت عرفا ملزما .ونحن نرى أنه ال جدوى من هذه التفرقة
طالما أن تقدير القوة اإللزامية راجع باألساس إلى القضاء الذي يقرر توفر الشروط الالزمة
لإلقرار بإلزامية العرف .لذلك فإن الحديث عن عرف أو عادة يشار به إلى نفس المفهوم
ونستعمل المصطلحين كمترادفين.
لقد كان لتأثير القانون الفرنسي على القانون التونسي دور بارز في مسألة اعتماد العرف
مصد ار للقانون .ذلك أن المجلة المدنية الفرنسية وهدفها في توحيد القانون جعلت للعرف مكانة
ثانوية بالنسبة إلى التشريع وهي نفس المكانة التي خصصتها لها مجلة االلتزامات والعقود.
ولعل أحسن ما يعبر عن هذا االتجاه ما ورد في كلمة داود صانتيالنا في تقديم مشروع مجلة
مدنية وتجارية تونسية .فبعد أن أشار إلى الدور الذي منحه فقهاء اإلسالم إلى العرف والعادة
(ص ) VIIIذكّر بما سماه القاعدة العامة أن كل تشريع قائم على العرف والعادة يتغير
بتغير العادة (ص ) XIلينتهي إلى القول بأن اللجنة سعت في تنظيم مجموعة المذاهب
المتضاربة وأنه كان عليها "إلغاء كل ما تعلق بحالة مادية وفكرية تجاوزها المجتمع اإلسالمي
نفسه منذ أمد بعيد وتعويض هذه األجزاء التي أخنى عليه الدهر بما يتماشى أكثر منها مع
الحالة الراهنة ( "...ص ) XIIIوهو يعبر عن توجه واضح في أال يكون للعرف والعادة من
دور إال فيما يقبله القانون,
137
الفقرة الثانية :المقومات
يتكون العرف من ركنين هما الركن المادي والركن المعنوي .فالركن المادي هو المتمثل
في الممارسات المتكررة المستقرة والعامة .إذ أنه تجاه وضعية معينة يستنبط حل محدد ثم
يقع اتباعه في الوضعيات المماثلة ويتواتر العمل بذلك من قبل المجموعة .فعنصر االستقرار
يفيد التواصل في الزمن ويفترض فكرة القدم ولكن ال يوجد حيز زمني محدد العتبار العرف
مستق ار لكن في المقابل ال يكفي القول بأنه تم العمل بالحل المستنبط مرة كما أن تقطع العمل
بممارسة يقطع فكرة االستمرار بما ال يتكون معه عرف.
أما العمومية فهي نفس الخاصية المطلوبة في القاعدة التشريعية أي أن األمر ال يتعلق بحكم
خاص في نزاع خاص بل االعتبار في قابلية الحل ألن يشمل حاالت ال محدودة .على أن
ذلك ال ينفي -كما هو الشأن في القاعدة التشريعية – أن يتعلق العرف بميدان مهني معين
كأن يتعلق بالتجارة أو بالفالحة أو أن يكون متبعا في جهة من الجهات.
أما الركن المعنوي فهو المتمثل في االعتقاد بإلزامية العرف أي أن المجموعة تعتقد في
وجوب احترام العرف فتلتزم باحترامه التزاما تلقائيا .ويرى بعض الفقهاء في هذا الخصوص أن
العرف ليس إال غلطا في القانون إذ من جراء االعتقاد في القوة الملزمة للعادة فإنها تصبح
تفوق
عرفا أي نوعا من القانون الخيالي الذي يحترمه الكافة .لكن هذه الرؤيا تخفي فكرة ّ
1
القاعدة التشريعية على القاعدة العرفية وتنكر الطابع التلقائي لألخيرة .فاالعتقاد في القوة الملزمة
ينبع من االقتناع بصحته القاعدة العرفية وجدواها ال من االعتقاد خاطئ بإلزامية القانون.
محتوى القوة اإللزامية (فقرة أولى تحقيق القوة اإللزامية :النظام اإلجرائي (فقرة ثانية)
138
الفقرة األولى :محتوى القوة اإللزامية للعرف
يميز الفقهاء بين العرف بتفويض من القانون (أ) والعرف مصد ار مستقال (ب) والعرف
المخالف للقانون (ج).
يكون التفويض صريحا كما يكون ضمنيا .والتفويض يكون صريحا عندما يحيل النص
القانوني بصريح العبارة على العرف .واألمثلة على ذلك كثيرة ففي الفصل 243م ا ع يبين
المشرع كيفية تحديد االلتزامات التعاقدية فيكون ذلك بالرجوع إلى القانون أو العرف أو
اإلنصاف .وهو نص يستعمل من بين قواعد تفسير العقود ليكون العرف طريقة يتم اللجوء إليها
لتحديد محتوى العقد .وفي مجلة األحوال الشخصية يحيل المشرع على العرف في تحديد
واجبات الزوجين (الفصل 23م أ ش "ويقوم الزوجان بالواجبات الزوجية حسبما يقتضيه العرف
والعادة") .وفي ما عدا مجلة االلتزامات والعقود ومجلة األحوال الشخصية تقع اإلحالة
الصريحة على العرف في مجلة الحقوق العينية 1وفي المجلة التجارية ،والمثال على ذلك ما
يتعلق بأجرة السمسار في غياب االتفاق عليها فتضبط على مقتضى العرف (الفصل 620م
ت) وكذلك في مجلة التجارة البحرية.
ويكون التفويض ضمنيا .والتفويض الضمني هو الناتج عن صمت المشرع الذي قد يفهم
منه أنه أوكل للعرف تنظيم الوضعية المعنية .وفي فقه القضاء مثال على ذلك .فقد اعتبرت
محكمة التعقيب أنه يمكن اعتماد العرف في تحديد ما إذا كانت الهدايا من قبيل المهر رغم أن
المشرع لم يحل عليه.2
قرار تعقيبي مدني عدد 6924بتاريخ 14أفريل 1970ص ،69المجلة التونسية للقانون ص 149مع تعليق خديجة 2
الجلولي بالفرنسية.
139
ويقدم الفقهاء أمثلة على ذلك مأخوذة من مفاهيم الخطأ أو األخالق الحميدة أو النظام
لكن سبق أن رأينا أن هذه المفاهيم 2
العام 1أو المدة المعقولة على معنى الفصل 269م ا ع
هي من المفاهيم القانونية المرنة أو ما يسمى بالمعايير القانونية (صفحة 24من هذا الدرس)
والتي ال تخضع لتعريف مسبق ويعتمدها القاضي لتقدير متوسط السلوك بحسب الزمن
واألوضاع االجتماعية فتعكس اجتهاد القضاء وتتحدد بموقفه أكثر من كونها أمثلة عن إحالة
ضمنية على العرف والعادة.
خالفا لبعض المشرعين في بعض البلدان األخرى لم يعتبر المشرع في تونس العرف
مصد ار مستقال .على سبيل المثال نص الفصل األول فقرة 2من المجلة المدنية الجزائرية على
أنه "إذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي على مقتضى مبادئ الشريعة اإلسالمية فإذا لم
يوجد فبمقتضى العرف".
ويبدو الفقه في حرج من الموضوع عندما يالحظ أن الفصل 535م ا ع ال يقر للعرف
بمكان في سد الفراغ التشريعي وعندما يالحظ أن إحالة الفصل نفسه على قواعد القانون
العمومية هو إحالة ضمنية على العرف نظ ار ألن القواعد الكلية (المجلة العثمانية) تحيل بدورها
على العرف 3فيما يعتبر البعض اآلخر أنها ال تعني إحالة على "العرف الشعبي" (ما هو
معروف ومعمول به لدى الجميع )4بل على "العرف ذي األصول المعرفية" 5وهو مجموع
التقاليد القانونية والحكم والمبادئ العامة . 6لكن وانطالقا من الفصل 543م ا ع الذي يقرر
140
بأن العادة والعرف ال يخالفان النص الصريح يرى األستاذ صالح الدين الملولي أن المشرع ال
يقبل العرف المخالف ولكنه يقبل عرفا آخر بما يترتب عنه أنه يقبل العرف حتى في غياب
اإلحالة الصريحة أو الضمنية.1
والواقع في رأينا أن اإلقرار بدور للعرف كمصدر مستقل ال ينتظر فيه أن يقرره المشرع
بل أن ذلك يبقى رهين موقف القضاء منه.
في هذا اإلطار يشار إلى نوع من العرف ال يرتبط بتفويض من المشرع (ال صريح وال
ضمني) وهو ما يسمى بالعادات االتفاقية وهي العادات التي يقع اتباعها في صنف معين من
أصناف العقود والتي تتميز بعموميتها بوجه يمكن من القول بأن األطراف اتفقوا ضمنا على
اتباعها ويكون القاضي ملزما بالحكم على ضوئها حتى ولو لم ينص عليها األطراف في
اتفاقاتهم .فهي بمثابة االتفاق الضمني وتكون ذات أفضلية في التطبيق على القواعد القانونية
المكملة .والمثل على ذلك مأخوذ من قرار تعقيبي أقر حكام األصل لما حكموا بعدم سماع
الدعوى استنادا إلى العرف المعمول به في ضمان السيارات والمحدد بعدد من الكيلومت ارت
بعدما ثبت أن القيام كان خارج الضمان لتجاوز المسافة المقطوعة بالسيارة عدد الكلومت ارت
المعمول بها عرفا.2
حددت مجلة االلتزامات والعقود الموقف من العرف المخالف للقانون بصرامة ثابتة من
خالل نصين ،يتعلق األول بنسخ القوانين وهو الفصل 542م ا ع حيث أنه ال تنسخ القوانين
إال بقوانين بما تقصى معه إمكانية القول بأن العرف قد ينسخ القانون وهو ما سبق عرضه
قرار تعقيبي مدني عدد 14684بتاريخ 8ماي ، 1986النشرية ج ،1ص .305 2
141
في إطار استعراض نسخ القوانين بهجرها أي بترك العمل بها مدة طويلة .ويترتب عن ذلك أنه
ال مكان للقول بأن عرفا مخالفا قد يعوض القاعدة المهجورة.
أما النص الثاني فهو الفصل 543م ا ع الذي كان واضحا في القول بأن "العادة والعرف
ال يخالفان النص الصريح" وهو ما ال يبقى معه مجال لقبول العرف المخالف للقانون .غير
أن الواقع يفرز ممارسات تتميز بالعموم مع االعتقاد بعدم القدرة على مخالفتها من ذلك أن
الفصل 411من المجلة التجارية يعاقب كل من أصدر شيكا وكل من قبل شيكا ليس له رصيد
سابق .ومع ذلك يعمد األشخاص إلى إصدار صكوك غير قابلة للدفع بمجرد االطالع (تحمل
تواريخ الحقة) بطلب من التجار في إطار البيع مع تأجيل الوفاء.
يقرر الفصل 544م ا ع النظام اإلجرائي للعرف الذي ال يكون فاعال إال إذا تم إثباته
(أ) وإذا كان عاما أو غالبا (ب) وغير مناف للنظام العام واألخالق الحميدة (ج).
أ-إثبات العرف
"من استند على عرف كان عليه إثباته" .هذا ما يقرره الفصل 544م ا ع .ونتيجة ذلك أن
عبء إثبات العرف يكون على من تمسك به .وبهذا المقتضى فإن العرف ّ
ينزل منزلة الوقائع
في اإلثبات والتي يمكن إثباتها بكل الوسائل .وترى محكمة التعقيب في هذا االتجاه أنه "ال
توجد مؤسسة عامة او خاصة مهيأة لتسليم شهادة عرف فالعرف يثبت بجميع وسائل االثبات
التى يجيزها القانون كشهادة الشهود وفقه القضاء وشهادة النقابات المهنية" (تعقيب مدني عدد
21494بتاريخ 9فيفري ، 2003النشرية .1)30 ، 2 ،
في نفس االتجاه ،تعقيبي مدني عدد 10774بتاريخ 2002/1/22ن 275 1
142
لكن السؤال هو هل أن الفصل 544م ا ع يمنع على القاضي تطبيق العرف دون توقف
على إثبات من أحد األطراف؟ نرى أنه إذا كان العرف مصد ار للقانون ،أي أن القاعدة العرفية
هي قاعدة قانونية وإذا اعتمدنا القول بأن القاضي يعلم القانون تكون نتيجة ذلك أن القاضي
بحكم علمه بالقانون يطبق القاعدة العرفية إذا توفرت له وسائل العلم بها ودون توقف على
إثباتها ممن تمسك بها .ولكن بالتزامن وبالنظر إلى صعوبة اإلثبات فإن من تمسك بالعرف
يكون مطالبا بإثباته .فاألصل أن القاضي يطبق العرف إذا كان قاد ار على العلم به وفي خالف
ذلك يكون على المتمسك به إثباته.
ب-العمومية
يضيف الفصل 544م ا ع أنه ال يحتج بالعرف إال إذا كان عاما أو غالبا .فالقاعدة
العرفية ال تعتبر كذلك إال إذا كانت عامة .أما شرط أن يكون العرف غالبا فيقصد به أنه قد
ال يكون عرفا مقر ار على كامل البالد أو على كامل األنشطة بل قد ال يهم إال جهة من الجهات
أو نشاطا معينا فهو ليس عاما ولكنه غالب في جهة أو في نشاط كالتجارة أو الفالحة أو في
صنف منهما .ويكون هذان الشرطان موضوع إثبات وهو إثبات ال ينفصل عن إثبات العرف
في حد ذا ته بمعنى أن إثبات العرف يستوجب في نفس الوقت إثبات عموميته أو غلبته.
أخي ار يقرر الفصل 544م ا ع أنه ال يحتج بالعرف إلا إذا كان غير مناف للنظام
العام واألخالق الحميدة .لذلك فإن الممارسات المتعلقة بالعامل بالصكوك دون رصيد (ما
يسمى بالصكوك على وجه الضمان) ال يمكن االحتجاج بها لمخالفتها لصريح نص الفصل
371من المجلة التجارية الذي قرر أن الشيك واجب األداء لدى االطالع واعتبر كل شرط
مخالف لذلك الغيا .فالقاعدة المقررة تتعلق بالنظام العام بما ال يجوز معه مخالفتها وبما يمنع
معه االحتجاج بعرف مخالف .لكن ذلك لم يمنع محكمة التعقيب من التأكيد أنه ""حيث أتضح
(من الفصل 371من المجلة التجارية) ّأنه اعتبر أداء الشيك واجبا دون أن يحجر استعماله
143
لكن ذلك القرار يبقى منعزال وال يعبر عن توجه مستقر لفقه 1
في أية معاملة كالضمان مثال".
القضاء.
قد يبدو من الغريب على األقل ظاه ار أن يدرس الفقه في إطار مصادر القانون خاصة
إذا تعلق األمر بنظام قانوني قائم على التشريع المكتوب .لكن لرفع اللبس ال بد من اإلشارة
إلى أن مفهوم المصدر هنا ال يعني المصدر الشكلي المقصود به إنشاء قاعدة قانونية قابلة
للتطبيق مباشرة على نزاع بل أن المقصود به القدرة على تمكين المشرع وفقه القضاء من
التوصل إلى الحلول الممكنة عند استشكال الصعوبات المترتبة عن تطورات الواقع وهو ما
سيظهر من خالل مفهوم الفقه (مبحث أول) ووظائفه (مبحث ثان) .
الفقه ،لغويا هو "العلم بالشيء والفهم له" و"فقه فقها علم علما" 2وفي تراثنا تطور الفقه
علما قائم الذات موضوعه كما أسلفنا استنباط األحكام أو القواعد من مصادر الشريعة بما كان
يستوجب إلماما أي علما ينتج عنه حلول عملية إلى جانب ما كان الفقهاء يتولونه من تدريس.
فكان دور الفقيه جامعا بين "التشريع" والتدريس والقضاء والفتوى .لقد كان ذلك الدور أساسيا
في نظام ال يقوم على التشريع المكتوب أما في نظام قانوني قائم على ذلك الصنف من
التشاريع نتحدث عن "الفقه" أو "فقه القانون" أو "فقه الشراح" .وليس المقصود بالفقه ما تحمله
العبارة من معنى مرتبط بالتراث اإلسالمي بل بالمعنى الذي يقتضي التفكير انطالقا من القانون
الوضعي وهو ما تعبر عنه بصورة أوضح تسمية "فقه القانون" بينما لفقه الشراح معنى يقلص
من أهمية دور الفقه القتصاره على الشرح دون اإلبداع والتطوير.
144
وال بد لتعريف الفقه من ضبط معايير التعريف .1والمالحظ أن الحديث عن الفقه
يجمع بين المنتج والمنتوج فالمنتج هو الحقوقي (رجل القانون) فالفقه هو ما يصدر عن
الحقوقيين (فقرة أولى) والمنتوج هو مجمل اآلراء المنشورة (فقرة ثانية) التي تكون ذات اعتبار
(فقرة ثالثة).
ليس الفقه (من حيث المنتجين) هيكال محدد الهوية فهو مجموعة غير متناسقة من
المتداخلين الذين يجمع بينهم تكوينهم القانوني .وبما أن الفقه ينسب إلى الفقهاء وتبعا إلى أن
الفقه يعني العلم والتعليم فإن هناك من يرى أن الفقه ،فقه القانون ،هو ما يصدر من آراء عن
أساتذة القانون من الجامعيين المنتمين إلى صنف أساتذة التعليم العالي (األساتذة واألساتذة
المحاضرون) والسبب في إفراد الجامعيين بهذا التعريف ما يمرون به من موجبات ارتقائهم
وهي أطروحة الدكتوراه ولكن أساسا ما يعرف بدرس التبريز.
1مقالتي باللغة الفرنسية La doctrine tunisienne de droit privé de l'aube du XXe siècle à la veille du XXIe si ècle, in .
L'apport du XXe siècle au droit privé tunisien, Faculté de droit et des sciences politiques de Tunis, Collection
Forum des juristes n° 8, Tunis 2000, p 67 et s.
145
الفقرة الثانية :الفقه هو آراء القانونيين المنشورة
ال يكفي أن تكون هناك آراء بل ال بد أن يبلغ الرأي إلى علم العموم وهذ العلم يتحقق
بالنشر .فاآلراء الفقهية هي المعبر عنها في مختلف األصناف األدبية القانونية وفيها ما يسمى
بالتقليدي ومنها غير التقليدي .فاألصناف التقليدية هي األطروحات والدروس والمؤلفات العامة
(المراجع العامة أي التي تهتم بمادة من المواد على وجه العموم ،كالقانون التجاري أو الجزائي)
والخاصة (المراجع التي تهتم بموضوع محدد من المواضيع في مادة معينة كالبحث حول عقد
من العقود أو التزام معين في عقد من العقود) والتعاليق والملحوظات المتعلقة بفقه القضاء.
أما الصنف غير التقليدي فهو ما يكون مثال ملخصات تجارب فردية لمختص في القانون حول
نشاطه أو مجموعات الق اررات الصادرة برئاسة قاض مثال.
ويتحقق النشر بعدة وسائل منها المجالت القانونية المتخصصة (المجلة التونسية للقانون
مجلة أحداث قانونية )...وهي عموما مح ّكمة أي أن النشر فيها يكون طبق معايير علمية
مضبوطة تسهر على مراعاتها لجان مؤهلة ولكنها قليلة وغير مستقرة من حيث مرحلية نشرها
وظهورها وقد يتولى البعض النشر في الصحف اليومية أو في مجالت خاصة أسبوعية أو
شهرية يكون فيها النشر ح ار أي دون الخضوع إلى تقييم علمي مسبق .لذلك فال يعتبر من بين
الفقه كل ذي رأي في القانون ولو كان منشو ار إذ ال بد إلى جانب ذلك أن يكون الرأي الفقهي
المنشور رأيا معتبرا.
ال يعتبر من الفقه إال الرأي العلمي المنشور الصادر عن مختص في القانون وال بد أن
يكون مؤث ار ،أي الرأي الذي يكون له اعتبار في جمهور الحقوقيين أو ما نسميه بالسلطة
146
الفكرية أو األدبية 1أو السلطان الفكري 2أو السلطان المعنوي .3والرأي العلمي القانوني هو
الناتج عن الفكرة أو التقييم نقدا أو شرحا أو المقترح الصادر عن الفقيه باالعتماد على المناهج
العقلية والمنطقية والمنهجية المتبعة في الميدان القانوني( .اعتماد قواعد التفسير ،البحث
في مصادر القانون ،البحث في التطبيقات القضائية بعد تجميعها وتحليلها ونقدها ،اعتماد
القانون المقارن تشريعا وفقها وقضاء )...فال يعتبر من اآلراء مجرد ما ينشر من مؤلفات
تكتفي بسرد تطبيقات قضائية أو مجموعة نصوص أو بطريقة تكديس المعلومات دون اتباع
منهج تأليفي أو نقدي .لذلك فقيمة الفقه تكمن فيما يحدثه من تأثير أي أن يكون له طابع
المرجع الذي ال مهرب منه أي أن االطالع واالعتماد عليه يصبحان ضروريين وإال فإن تكوين
المختص أو عمله الذي ال يعتمده يكون مختال .والعبرة في ذلك تكمن في جودة المنهج
ورجاحة اآلراء ووضوح التحليل ومن أجل ذلك وبسببه يعتبر الفقه علما تماما كما أن فقه
القضاء علم . 4
تحقيق تناسق المنظومة القانوني (فقرة األولى) تطوير المنظومة القانونية (فقرة ثانية).
أ-الشرح والتأصيل
أحمد بن طالب ،فقه القانون المدني اليوم ضمن مؤلف مسائل في فقه القانون المدني المعاصر ،مجمع األطرش ،تونس 3
147
سبق وأن بينا أن المنظومة القانونية ال تقتصر على مجوعة قواعد قانونية وأنها مجموعة
اعتبارية مهيكلة تقوم على مبادئ مؤسسة -وتسمى أيضا المبادئ التأصلية -1وفكر توجيهي
عام ومفاهيم أساسية تستوجب جملة من الهياكل أو المؤسسات والتقنيات الرامية إلى تحقيق
األهداف التي وضعت من أجلها وفي نفس الوقت تكون الضامنة للتطوير الذاتي بهدف تحقيق
الجدوى منها واستمرارها . 2من خالل ما تقدم تبدو فكرة الفكر التوجيهي العام محو ار أساسيا
لفهم وصيرورة المنظومة القانونية ويعود الكشف عنه باألساس إلى الفقه.
فالفقه مطالب بتأصيل مكونات المنظومة أي ربطها بأصولها التي استمدت منها والبحث
في مصادرها التاريخية والتصورات النظرية التي بررت اعتمادها كاندراجها في أنظمة القوانين
المكتوبة ونتائج ذلك على مصادر القانون والبحث في إمكانيات تطويرها (القول باندثار دور
العرف أو تطوره والحاجة إليه أو الدور المنوط إلى فقه القضاء وسبل تطويره . )...كما يعود
للفقه السعي إلى إبراز المؤسسات القانونية وبيان ما كان منها مالئما لحاجيات المجتمع
وضرورات اإلبقاء عليها وتطويرها أو تعويضها (كالبحث مثال في تطوير مؤسسة الصحة
العامة) والمساهمة في الكشف عن المبادئ القانونية العامة على غرار ما تم اقتراحه من اعتبار
منع التعسف في استعمال الحق مبدأ قانونيا عاما.
كما يندرج في دور الفقه تطوير المفاهيم القانونية من حيث محتوياتها ومن حيث
مصطلحاتها لجعلها متناسقة مع اللغة العربية ومع باقي المصطلحات فال يعقل أن يكون
المفهوم القانوني الواحد معب ار عنه بمصطلحات مختلفة توحي بالفرق بينها ،والمثال على ذلك
مفهوم األصل التجاري الذي يستعمله المشرع في المجلة التجارية (الفصول 189وما بعده )
ولكنه في نصوص أخرى يعبر عنه بمفهوم "الملك التجاري" (القانون عدد 37لسنة 1977
المؤرخ في 25ماي 1977المتعلق بتنظيم العالقات بين المسوغين والمتسوغين فيما يخص
محمد كمال شرف الدين " ،قراءة في المبادئ التأصيلية للقانون المدني" ضمن مؤلف مسائل في فقه القانون المدني 1
148
تجديد كراء العقارات أو المحالت ذات االستعمال التجاري أو الصناعي أو المستعملة في
الحرف".
ب-حسم التناقضات
من األدوار الضرورية للفقه في تحقيق تناسق المنظومة القانونية متابعة العمل التشريعي
وتطوراته إذ من المعلوم أن اإلنتاج التشريعي ال يتوقف فمن جهة أولى يالحظ وجود تشريعات
قديمة وأخرى أكثر جدة تتابع في الزمن وتغطي نفس الميادين .كما توجد تشريعات متزامنة
تستعمل نفس المفاهيم مع اختالفات طفيفة .ويكون دور الفقيه التحقق من العالقة بين تلك
النصوص للقول ما إذا كانت النصوص الجديدة قد نسخت النصوص القديمة أم أنها مختلفة
عنها من حيث أنها ليست في نفس طبيعتها (عامة أو خاصة) أو أن النسخ الضمني كان
جزئيا أو كليا .أو أن استعمال نفس المفاهيم فغي نصوص مختلفة يفيد االختالف أو يفيد وحدة
المعنى .1كما يعود للفقيه حسم ما يسمى بالتناقضات الظاهرة كالقول مثال باالختالف في
أحكام المواريث بين ما تقرر بمجلة االلتزامات والعقود ومجلة األجوال الشخصية والمثال على
ذلك ما يبدو من اختالف بين أحكام الفصل 241م ا ع وأحكام المواريث بمجلة األحوال
الشخصية .فأحكام الفصل 241م ا ع ال عالقة لها باستحقاق الميراث بل تحدد مدى التزام
الورثة بديون مورثهم.2
مثال ذلك مفهوم المستفيد الحقيقي في قانون السجل الوطني للمؤسسات قانــون عدد 52لسنة 2018مؤرخ في 29 1
أكتوبر 2018يتعلق بالسجل الوطني للمؤسسات والمفهوم نفسه في القانون االساسي عدد 9لن 2019المؤرخ في 29
جانفي 2019المتعلق بتنقيح القانون األساسي عدد 26المؤرخ في 7أوت 2015المتعلق بمكافحة اإلرهاب ومنع غسل
األموال.
149
أ-الدور التوجيهي
يؤدي الفقه دو ار توجيهيا ويمارسه فيما يقدمه أساتذة القانون في إطار عملهم العادي في
البحث والتدريس والتأطير من خالل معاينة نقائص المنظومة القانونية وتوجيه الباحثين إلى
االهتمام بها .كما أن الفقه يؤدي دور التوجيه تجاه المشرع بما يتواله من عرض وتقييم القوانين
الجديدة واقتراح الحلول في إطار نقاش مشاريع القوانين .ومع أن العديد من الجامعيين
والحقوقيين عموما يشاركون في اللجان الو ازرية المعنية بسن القوانين أو تنقيحها فال يعد ذلك
من صميم الدور التوجيهي للفقه فهم ال يكونون في تلك اللجان بصفتهم فقهاء قانون وإنما
كأعضاء مختصين في لجان و ازرية يعدون أعمالهم لفائدة الجهة التي عينتهم وال يكون عملهم
موصوفا بأنه من الفقه .كذلك يبرز الدور التوجيهي للفقه في عالقة بفقه القضاء من خالل
التعاليق والمالحظات ومن خالل من يبرز من مختلف األعمال الفقهية التي ال تستقيم إال إذا
انطلقت من فقه القضاء .وقد قام الفقه بهذا الدور من خالل األمثلة المتعددة في ميدان
المسؤولية التقصيرية وكذلك في إطار المسائل الكبرى التي تناولها وهي أساسا المتعلقة بالنسب
وبتغيير الجنس والتوارث بين أصحاب ديانات مختلفة.
ب-الدور اإلنشائي
يتمثل الدور اإلنشائي في المقترحات الفقهية التي تنطلق من معاينة الواقع ومقترحات
تغيير المنظومة القانونية بما تراه أكثر مالءمة لحاجات المجتمع أو لخدمة المنظومة القانونية.
وهو ما يمكن مالحظته مثال عندما يقترح تنظيم اإلجراءات تنظيما يشمل مختلف الميادين
المدنية والجزائية والجبائية أو تجميع مجالت القانون المدني في مجلة واحدة أو إعادة تصور
التنظيم القضائي .فيقوم الفقه بما نسميه الدور االستشرافي أو االستباقي وهي محاوالت فردية
أو جماعية 1قد تلقى صدى لدى المشرع ولكن يمكن أن تبقى مجرد مقترحات.
مثال ذلك األعمال الصادرة عن مخبر القانون المدني على سبيل الذكر وفيما يخص الفقه ،مسائل في فقه القانون 1
150
فهرس عام
(األرقام تشير إلى الصفحات)
عامة11....................................
المبحث األول :القاعدة القانونية قاعدة ّ
المبحث الثاني-القاعدة القانونية قاعدة مجردة13 ..................................
أ-الوجوب 16..................................................................
ج-اإلباحة 16..................................................................
151
أ-القواعد اآلمرة17..............................................................
المكملة 18..........................................................
ّ ب-القواعد
152
ب-وظائف المبادئ القانونية30 ...............................................
أ-االختصاص 41...........................................................
-5القضاء الدستوري44................................................
153
45............................................ ب-التراتبية وطرق الطعن
-1القضاة 46........................................................
-2كتبة المحاكم 48.................................................
-1المحامون 49........................................................
ب -الخبراء50.................................................................
ج-المترجمون المحلفون51.....................................................
أ-التنظيم 52.............................................................
154
-1-1محكمة االختصاص العام :المحكمة االبتدائية 52.......................
-3-2-1المحكمة العقارية55..............................................
-2تكييف الوقائع59.......................................................
-IIمحكمة التعقيب61...............................................
155
ب-تنظيم محكمة التعقيب وسلطاتها 62..............................
156
-2ميدان القانون وميدان النصوص الترتيبية 80......................................
157
الفقرة الثالثة -آثار نفاذ النص :قرينة العلم بالقانون97...............................
النسخ ب-
الصريح 100..........................................................
ب-النسخ الضمني100.........................................................
158
الفقرة األولى-استجالء الغموض 109.............................................
-1األساس 112.................................................................
-2المنهجية 113...............................................................
-3التقييم117....................................................................
الحر 118.......................................................
-1البحث العلمي ّ
لموجهات التفسير125............................................
ب-القوة اإللزامية ّ
159
المبحث األول :تعريف فقه القضاء 126..........................................
أ-التعليل 135..................................................................
160
الفقرة الثانية :تحقيق القوة اإللزامية للعرف :النظام اإلجرائي 142...........
فهرس151........................................................................
161