Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 161

‫جامعة تونس المنار‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‬

‫السنة الجامعية ‪2022-2021‬‬

‫قانون مدني‬

‫النظرية العامة للقانون‬

‫نذير بن عمو‬

‫تنبيه‪ :‬هذا الدرس موضوع حماية التشريع الجاري به العمل المتعلق بالملكية األدبية والفنية‪ ،‬كل‬
‫استنساخ دون موافقة المؤلف يعرض صاحبه للتتبعات القانونية‪.‬‬
‫قائمة المختصرات‬
‫د‪ :‬دستور الجمهورية التونسية ‪2014‬‬

‫ع ‪ :‬عدد‬

‫ص‪ :.‬صفحة‪.‬‬

‫م أ ش‪ :‬مجلة األحوال الشخصية‪.‬‬

‫م ا ع‪ :‬مجلة االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫م ت‪ :‬المجلة التجارية‪.‬‬

‫م ج‪ :‬المجلة الجزائية‪.‬‬

‫م ح ع‪ :‬مجلة الحقوق العينية‪.‬‬

‫م ش ت‪ :‬مجلة الشركات التجارية‪.‬‬

‫م ق ت‪ :‬مجلة القضاء والتشريع‪.‬‬

‫م م ف‪ :‬المجلة المدنية الفرنسية‬

‫م م م ت‪ :‬مجلة المرافعات المدنية والتجارية‪.‬‬

‫ن‪ :‬نشرية محكمة التعقيب‬

‫‪2‬‬
‫أهم المراجع المشار إليها في هذا الدرس‬

)‫(مرتبة بحسب تاريخ الطبعة‬

‫ تونس‬، ‫ المركز القومي البيداغوجي‬، ‫ مدخل لدراسة القانون‬: ‫محمد الشرفي و علي المزغني‬
)‫ الشرفي والمزغني‬: ‫ (مشار إليه ب‬1993

‫ طبعة‬،‫ النظرية العامة للحق‬،‫ النظرية العامة للقانون‬،‫ قانون مدني‬:‫محمد كمال شرف الدين‬
)‫ شرف الدين‬:‫ (مشار إليه ب‬،2020 ،‫ مجمع األطرش‬،‫ثالثة‬

Gérard CORNU, Droit civil, Introduction, Les personnes, les biens, 9e


) CORNU ‫ (مشار إليه ب‬édition, Montchrestien, 1999.

MALAURIE- Laurent AYNES, Droit civil ; Introduction générale, par


‫ (مشار إليه ب‬Philippe Malaurie et Patrick Morvan, Defrénois, 2004.
) MALAURIE

Paul ROUBIER, Théorie générale du droit, 2e édition, Dalloz 2005,


) ROUBIER ‫(مشار إليه ب‬

Jean-Louis BERGEL, Théorie générale du droit, 5e édition Dalloz


) BERGEL ‫ (مشار إليه ب‬2012.

Philippe MALINVAUD, Introduction à l'étude du droit, 17e édition,


) MALINVAUD ‫(مشار إليه ب‬LexisNexis, 2017.

Slaheddine MELLOULI, Introduction à l'étude du droit, 2e édition ,


) MELLOULI ‫ (مشار إليه ب‬Latrach Editions ,2017.

3
‫مقدمة عامة‬

‫‪-1‬اللغة واالصطالح‬

‫كلمة "قانون" قد تكون من الفارسية وقد تكون من اليونانية ‪ 1‬وتعني المقياس أي الوسيلة التي‬
‫تستعمل للتقدير‪ ،‬يمثلها رمز الميزان (ويرمز به أيضا إلى العدل) تمسكه آلهة العدالة‬
‫‪Thémis‬معصوبة العينين (المساواة بين المتخاصمين) لتزن به حجج األطراف‪ :‬بالعدل‪.‬‬

‫في اللغة العربية يقال أيضا الشريعة أو السنة ويقصد بهما المنهج أو الطريقة‪ .‬بمعنى المنهج‬
‫المرسوم ليكون واجب االتباع ويترتب عن مخالفته جزاء محدد‪.‬‬

‫تعريف أولي‪ :‬القانون هو مجموع القواعد التي تنظم الحياة في المجتمع – ويقال أيضا قواعد‬
‫سلوكية‪ ،‬تنظم السلوك – والمجتمع المقصود هو كل مجتمع مهما كان صغي ار (في لعبة كرة‬
‫القدم) أو كبي ار (الدولة)‪ ،‬ويؤكد هذا فكرة ارتباط القانون بفكرة المجتمع يعبر عنه في اتجاهين‬
‫"ال يوجد قانون إال إذا وجد مجتمع" و "ال مجتمع دون قانون" ‪.‬‬

‫ال يقصد به األنظمة التلقائية‪ ،‬ما يمكن أن يسمى بقوانين الطبيعة‪ ،‬المقصود هو األنظمة التي‬
‫يقررها البشر نقول يضعها فهي موضوعة أو وضعية ويكون القانون وضعيا‪.‬‬

‫‪-2‬هل نحن في حاجة إلى القانون؟‬

‫الحاجة إلى معرفة القانون تفرضها العالقات البشرية سواء أكانت اجتماعية (زواج‪،‬‬
‫طالق ‪ )...‬أو اقتصادية (شغل‪ ،‬بيع وشراء ممارسة التجارة‪ ،‬سفر‪ :‬نقل) أو ترفيهية (رياضة‬
‫إقامة بنزل غذاء بمطعم) وما يترتب عن العيش في مجتمع واستعمال الفضاءات العامة ووسائل‬

‫‪Kanôn 1‬‬

‫‪4‬‬
‫النقل واالتصال وحوادث طرقات وما تفضي إليه كل هذه العالقات من خصومات ويكون من‬
‫الضروري العلم بكيفية ممارستها ونتائجها‪ .‬ويظهر من كل ذلك أن‪:‬‬

‫*القانون وسيلة وهو وسيلة متعددة الوظائف‪:‬‬

‫‪ -‬القانون وسيلة تنظيم (االختيار بين الفوضى والنظام‪ ،‬لعبة كرة القدم مثاال)‬

‫‪ -‬القانون وسيلة توقع (السيطرة على الزمن‪ ،‬اإلعداد لألفضل‪ :‬التنمية التشغيل‪ ،‬االستثمار‬
‫‪) ....‬‬

‫‪-‬القانون وسيلة لفض النزاعات (ال يكون قانون الغاب‪ ،‬ال يمكن للشخص أن يقتص لنفسه‬
‫بنفسه)‪.‬‬

‫‪-3‬العالقة بأنظمة أو منظومات أخرى‬

‫هناك أنظمة أخرى تنظم السلوك‪ .‬ال يختص القانون بتنظيم العالقات االجتماعية بل‬
‫هناك أنظمة أخرى سبقته أو هي مزامنة أو منافسة له مثل الدين واألخالق‪ .‬لكن القانون يمكنه‬
‫أن يستوعب الدين أو األخالق (القاعدة الدينية أو األخالقية إذا تبناها القانون تصبح من‬
‫قواعده) كما يمكنه أن يتجاهلها وخاصة يمكنه أن يعارضها (الكذب غير أخالقي‪ /‬غير ديني‪،‬‬
‫لكن القانون ال يجازي كل مظاهر الكذب‪ ،‬العقد الذي يستعمل فيه التغرير يكون قابال لإلبطال‬
‫'تغرير مذموم' لكن التاجر الذي يمدح سلعته بما ليس فيها ال يترتب عن كذبه شيء 'تغرير‬
‫محمود')‪.‬‬

‫‪-4‬القانون والحق‬

‫الحق (جمع حقوق) هو المصلحة المشروعة التي يقرها المشرع (القانون الوضعي) للفرد‬
‫ويوفر وسائل حمايتها‪ ،‬فالمنظومة القانونية هي التي تنشئ الحقوق وال وجود لحقوق دونها‪،‬‬
‫فيكون قولنا "كلية الحقوق" مجرد تقليد مأخوذ عن تداخل المفهومين الفرنسيين ‪ droits‬للتعبير‬

‫‪5‬‬
‫عن الحقوق الفردية و ‪ Droit‬بالحرف الالتيني الكبير ‪ D‬الذي يعبر عن المنظومة القانونية‪،‬‬
‫فاستعمال حقوق في اللغة العربية للتعبير عن القانون ال يؤدي المعنى المقصود‪.‬‬

‫‪-5‬القانون والواقع‬

‫هذه تفرقة أساسية بين مفهومين على عالقة وثيقة ببعضهما البعض‪ ،‬تطور الواقع يكون‬
‫بحسب حاجيات المجموعة فالواقع سابق في وجوده وتطوره والقانون باعتباره وسيلة لتأطير‬
‫الواقع يكون دوما في وضع متابعة ومحاولة اإلحاطة المستمرة بالظواهر الواقعية‪( .‬الزواج واقع‬
‫اجتماعي قبل أن تتدخل التشريعات لتجعل منه مؤسسة قانونية)‪.‬‬

‫‪-6‬القانون والعلم ‪-‬القانون والعلوم األخرى‬

‫القانون علم يعتمد التعريف والتصنيف والتجميع المقارنة بهدف التنظيم كما أن القانون‬
‫معروف بكونه علم تأويل تبعا لما يقتضيه تطبيقه من استجالء معاني قواعده‪.‬‬

‫القانون ليس من العلوم الصحيحة ولكنه علم صحيح اصطالحيا أي أن كل مصطلح ال‬
‫يقتضي إال المعنى الذي خصص له وال يجوز استعمال مصطلح مكان آخر (مفهوم الشيء‬
‫يطلق على الجماد وال يطلق على األشخاص)‪.‬‬

‫ولهذه المسألة ارتباط وثيق بلغة القانون هي لغة خاصة تعتمد مصطلحات وتراكيب ال توجد‬
‫في علوم أخرى وحتى لو وجدت فليس لها نفس المعاني‪.‬‬

‫اللغة القانونية واللغة العربية واللغات األخرى‪ .‬اللغة العربية هي اللغة الرسمية لكن هناك‬
‫ضرورة عملية وعلمية في االستعانة بلغات أخرى بهدف متابعة تطور الظاهرة القانونية في‬
‫أنظمة أخرى لالستفادة منها في تطوير القانون في بالدنا‪.‬‬

‫حاجة القانون إلى العلوم األخرى (العلوم االقتصادية واالجتماعية وعلم النفس ‪ )...‬وكذلك‬
‫العلوم التابعة للقانون مثل علم تاريخ القانون الذي يمكن من التعرف على تطور المفاهيم‬

‫‪6‬‬
‫والمؤسسات القانونية ويساعد في فهمها وتطويرها والقانون المقارن المتعلق بدراسة األنظمة‬
‫القانونية المعمول بها حول العالم بما يمكن من استعمالها في تنقيح القانون وتطوير المفاهيم‬
‫الفنية وفي تأويل القانون‪ ،‬وكذلك علم اجتماع القانون الذي يهتم بدراسة الظاهرة القانونية‬
‫والقضائية لالستفادة من نتائجها في تطوير المنظومة القانونية‪.‬‬

‫‪-7‬القانون والدولة‪ :‬دولة القانون‬

‫القانون وسيلة من وسائل الدولة تحقق بها أهدافها المختلفة في األمن في العدل في‬
‫التنمية‪ .‬لضمان األمان واالستقرار واعتبا ار إلى أن الدولة هي التي تسن القوانين يكون عليها‬
‫فرض احترامها ولكن كذلك وبالضرورة عليها هي نفسها بمختلف مؤسساتها احترام قوانينها‪.‬‬
‫(ال يمكن الحديث عن دولة القانون إذا كانت الدولة ذاتها ال تحترم القوانين التي تسنها)‪.‬‬

‫‪-8‬القانون والعدل والعدالة (اإلنصاف)‬

‫الهدف األسمى للقانون هو تحقيق العدل فالعدل ينتج عن تطبيق القانون تطبيقا صارما‬
‫بما تتحقق به المساواة (دون النظر إلى الظروف الخاصة بكل فرد)‪ .‬أما اإلنصاف (ونقول‬
‫أيضا العدالة) فهو مفهوم ولئن استعمل مصاحبا للعدل فهو مختلف عنه بل هما مفهومان‬
‫متعارضان‪ .‬فاإلنصاف مجعول حتى تؤخذ باالعتبار الحاالت الخاصة ويعرف أنه عدل‬
‫الحاالت الخاصة ويقتضي اللجوء إليه أن توضع قواعد القانون جانبا‪ .‬مثال‪ :‬الفصل ‪ 242‬م ا‬
‫ع يقرر أن العقد القانوني يقوم مقام القانون بين الطرفين بمعنى أنه ملزم لهما‪ .‬إذا أخل أحدهما‬
‫بما التزم به فالجزاء فسخ العقد مع التعويض‪ ،‬لكن الفصل ‪ 243‬م ا ع يقر أيضا أنه يجب‬
‫الوفاء بالعقد الزم بحسب ما يقتضيه القانون أو العرف أو اإلنصاف‪ .‬فاعتماد اإلنصاف يمكن‬
‫من أن يؤخذ باالعتبار الوضع الخاص بالمتعاقد على األقل في مقدار التعويض الذي سيحكم‬
‫به عليه‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ -9‬يرتبط مفهوم العدالة بفكرة القوانين الجائرة وقد طرح منذ القدم سؤال هل أن القانون واجب‬
‫االحترام حتى ولو كان جائرا؟ موقف سقراط ‪ :‬احترام القانون واجب حتى ولو كان جائ ار ‪.‬‬
‫ونقيض ذلك الموقف هو ما عبرت عنه ‪ Antigone‬في مسرح ‪ Sophocle‬من رفض‬
‫الخضوع لحكم القانون بسبب جوره‪.‬‬

‫هو أيضا ما تعبر عنه الشعوب عند اإلحساس بالظلم تجاه ما تفرزه القوانين من‬
‫أوضاع انعدام المساواة فتكون الثورة ضد المنظومة بما فيها المنظومة القانونية فتسعى إلى‬
‫تغيير القوانين بما يالئم أفكارها وأهدافها وكما حدث في بالدنا إثر ثورة ‪ 2010 /12/17‬و‬
‫‪ 2011/01/14‬كان من أكبر النتائج تعليق العمل بدستور ‪ 1959‬وسن دستور جديد يترتب‬
‫عنه تدريجيا تغيير كامل في المنظومة القانونية‪.‬‬

‫‪-10‬القانون والالقانون‬

‫‪1‬‬
‫فكرة الالقانون هي من تصور الفقه األلماني وتبناها الفقيه الفرنسي جان كاربونيي‬
‫وتعني أن القانون ال يغطي كل مناطق العالقات االجتماعية (وليس المقصود منها أوضاع‬
‫الفوضى) ويقصد بها أن القانون ليس الحل لكل اإلشكاالت (ليست كل الخالفات العائلية‬
‫محكومة بالقانون وحتى في ذلك اإلطار فليست كل النزاعات معروضة بالضرورة على‬
‫القضاء)‪.‬‬

‫‪-11‬النظرية العامة للقانون‬

‫النظرية العامة ‪ :‬النظرية (بوجه عام) هي البناء الفكري المجرد القائم على مالحظة‬
‫الظواهر قصد فهمها وتفسيرها وتبويبها بهدف صياغة المناهج الرامية إلى اإلحاطة بها لتنظيمها‬
‫سعيا إلى توقع آثارها واالستعداد لها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Jean CARBONNIER, L'hypothèse du non-droit, Archives de philosophie du droit, Sirey,‬‬
‫‪Paris, 1963.‬‬

‫‪8‬‬
‫النظرية العامة للقانون ّ‬
‫تعرف بأنها فهم الظاهرة القانونية من خالل دراسة سبب وجودها‬
‫وأهدافها ومفاهيمها األساسية وتطبيقها ووسائلها ومناهجها هي إذن تعنى بدراسة المنظومة‬
‫‪1‬‬
‫القانونية من حيث أسباب وجودها وطرق عملها‪.‬‬

‫النظرية العامة للقانون وفلسفة القانون‬

‫*النظرية العامة للقانون تهتم بالظاهرة القانونية بالبحث في األنظمة القانونية ومالحظة‬
‫والتحقق من عناصرها الثابتة وتفاعالتها مع بعضها البعض الستخالص المفاهيم والتقنيات‬
‫وأهم التصورات الفكرية فيها بينما تهتم فلسفة القانون بما ينبغي أن يكون عليه القانون وال بما‬
‫هو عليه فعال‪.‬‬

‫فلسفة القانون ليست من القانون كما هو األمر بالنسبة إلى علم اجتماع القانون‪ .‬فتهتم‬
‫فلسفة القانون بالتساؤل حول وجود قانون دائم وكوني‪ .‬هذا التساؤل مندرج في ماورائيات‬
‫القانون وتتلخص األفكار حول مدرستين‪ :2‬االتجاه الوضعي واالتجاه المثالي‪.‬‬

‫واالتجاه الوضعي وينقسم إلى مدرستين المدرسة الوضعية القانونية (أو الدولية)‪ :‬ال‬
‫اهتمام وال تركيز إال على القانون الذي تضعه الدولة ويعبر عن إرادتها ومطابق لها وال يمكنها‬
‫أن تخالفه والمدرسة الوضعية االجتماعية التي تعتبر أن القانون نتاج الظواهر االجتماعية‬
‫ويتطور بحسب حاجات المجتمع‪.‬‬

‫أما االتجاه المثالي فتعبر عنه مدرسة القانون الطبيعي‪ :‬هناك عدالة أعلى وأرقى من‬
‫وتؤثر هذه المدارس‬ ‫القوانين الوضعية يلجأ إليها اإلنسان لمواجهة ظلم القوانين الوضعية‪.‬‬
‫بمقادير متفاوتة في مختلف األنظمة القانونية وسنالحظ ذلك من خالل دراسة النظام القانوني‬

‫‪BERGEL , P. 4‬‬ ‫‪1‬‬

‫الملولي ‪ ،‬ص ‪ 22‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪9‬‬
‫وتأثر بالمدرسة الوضعية الدولية وخاصة في تبني الترتيب الهرمي للقواعد القانونية للفقيه‬
‫النمساوي هانس كلسن‪.‬‬

‫‪-12‬لماذا ندرس النظرية العامة للقانون في إطار القانون المدني؟‬

‫في تعريف أولي القانون المدني هو مجموع القواعد التي تنظم عالقات األفراد الخاصة‬
‫فيما بينهم سواء تلك التي تقوم على االتفاقات اإلرادية (العقود) أو ما ينتج من وقائع تترتب‬
‫‪1‬‬
‫عنها مسؤوليتهم‪.‬‬

‫تبرير مجال الدرس في القانون المدني رغم أنه من فروع القانون الخاص هو أن مواد‬
‫القانون المدني هي األكثر اكتماال واستق ار ار ومنه تستلهم مواد أخرى مختلف الحلول والمؤسسات‬
‫كالعقد في مادة القانون التجاري أو التجارة الدولية والقانون اإلداري والمسؤولية في مواد أخرى‬
‫كالقانون اإلداري‪.‬‬

‫المخطط ‪ :‬الجزء األول ‪ :‬مفهوم القانون‪ -‬الجزء الثاني مصادر القانون ‪.‬‬

‫راجع شرف الدين ‪ ،‬فقرة ‪ 1‬إلى ‪ 3‬والصفحات ‪ 34‬وما بعدها أسفله‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪10‬‬
‫الجزء األول‪ :‬مفهوم القانون‬
‫‪2‬‬
‫لمفهوم القانون معان مختلفة فنقول القانون ونقول نظام قانوني‪ 1‬أو منظومة قانونية‬
‫وكل ذلك يقدم القانون على أنه هيكل أو بناء فكري يقوم على ترابط مؤسسات (دولة ‪ ،‬قضاء‪،‬‬
‫إدارة ‪ ).... ،‬تنظمها مبادئ عامة وقواعد تفصيلية تهدف إلى ضبط العالقات باختالف أنواعها‬
‫(خاصة وعامة) بين األفراد ببعضهم البعض واألفراد والمجموعات بالمؤسسات من أجل تحقيق‬
‫األمان العام واستشراف المشترك‪ .‬فالقانون هو ذلك الهيكل العام المعبر عنه بالمنظومة القانونية‬
‫(الباب الثاني) الذي تتلخص أهم مميزاته في مظهره األبرز وهو القاعدة القانونية (الباب األول)‪.‬‬

‫الباب األول‪ :‬القاعدة القانونية‬


‫الخصائص المميزة للقاعدة القانونية (فصل أول) هيكلة القاعدة القانونية (فصل ثان)‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬الخصائص المميزة للقاعدة القانونية‬

‫القاعدة القانونية قاعدة عامة (مبحث أول) مجردة (مبحث ثان) مستمرة (مبحث ثالث)‬
‫وهي قاعدة ملزمة (مبحث رابع)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬القاعدة القانونية قاعدة عامة‬

‫أ‪-‬تتمثل عمومية القاعدة القانونية‪ 3‬في اعتمادها على الوضعيات بقطع النظر عن‬
‫األشخاص‪ .‬فالعمومية تتمثل إذن في قابلية شمولها أي انطباقها على عدد غير محدود من‬
‫األشخاص الذين يكونون في نفس الوضعية فال يهم حينئذ الشخص بقدر ما تهم الوضعية‬

‫‪Ordre juridique‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪Système juridique2‬‬
‫شرف الدين فقرة ‪.9‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪11‬‬
‫القانونية المعنية‪ 1‬فإذا صدر قانون يتعلق بكيفية التعويض عن حوادث الطرقات سيكون ذلك‬
‫القانون عاما بمعنى أنه في كل مرة يحدث ضرر مترتب عن حادث طريق ويكون موجبا‬
‫للتعويض (الوضعية المقصودة هي ضرر ترتب عن حادث طريق) إال وانطبق ذلك القانون‬
‫بقطع النظر عن المتضرر‪.‬‬

‫ب‪-‬عمومية القاعدة ال تتأثر بأنها تصاغ أحيانا كاستثناء من مبدأ‪ .‬فهناك القواعد المقررة‬
‫لمبدأ وأخرى تقرر استثناء للمبدأ ولكن ذلك ال يغير من طبيعتها (أي القاعدة المتضمنة استثناء)‬
‫كقاعدة عامة‪ . 2‬فعندما ينص الفصل ‪ 3‬م ا ع أن "كل شخص أهل لاللتزام " فهو يقرر مبدأ‬
‫األهلية أي أهلية الشخص لاللتزام أي إلبرام التصرفات القانونية‪ .‬وعندما يضيف "ما لم يصرح‬
‫القانون بخالفه" فهو يقرر أن هذا المبدأ يمكن أن تدخل عليه استثناءات وأنه ال بد أن تحدد‬
‫تلك االستثناءات بنص القانون‪ .‬من ذلك ما قرره الفصل ‪ 5‬م ا ع الذي حدد األشخاص الذين‬
‫ليس لهم أهلية التعاقد إال بواسطة ومنهم الصغير الذي لم يبلغ من العمر ثالث عشرة سنة‬
‫كاملة‪ .‬فهذا االستثناء هو قاعدة قانونية تتميز بالعمومية أي أنها تشمل كل الوضعيات التي‬
‫يكون فيها سن الشخص أقل من ثالثة عشر عاما فيكونون كلهم إذا ما أرادوا التعاقد فاقدين‬
‫ألهلية األداء‪ 3‬أي ال يمكنهم التعاقد إال بواسطة من له النظر عليهم‪.‬‬

‫ج‪ -‬كذلك ال يهم عدد األشخاص الذين قد تنطبق عليهم القاعدة فيمكن أن يكونوا مئات‬
‫أو آالفا (كما هو الحال في حوادث الطرقات) وقد ال تنطبق القاعدة إال على شخص واحد‪.‬‬
‫وتتوفر هذه الوضعية مثال عندما يقرر القانون شروط االنتخاب لمهمة (مثال عمادة الكلية)‬
‫فالمترشحون متعددون‪ ،‬وهوية العميد ال تكون معلومة إال بعد استنفاذ المراحل االنتخابية المقررة‬

‫‪Malinvaud, § 38.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪Cornu, Introduction n° 16.‬‬ ‫‪2‬‬

‫شرف الدين‪ ،‬فقرة ‪255‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪12‬‬
‫بالنصوص القانونية وعند التصريح بالنتائج سيكون هناك شخص واحد هو الذي سيتولى‬
‫المهمة‪ .‬فالقاعدة عامة حتى ولو أن تطبيقها ال يفرز إال شخصا واحدا‪.‬‬

‫د‪ -‬وعمومية القاعدة بهذا المعنى تمكن من تمييزها عن الوضعيات المترتبة عن الق اررات‬
‫اإلدارية التي تتعلق بأفراد وتسمى الق اررات الفردية (تسمية وال أو معتمد أو مدير‪ ،‬ترخيص ‪-‬‬
‫رخصة الوالية في عمليات التفويت في عقارات لفائدة أجانب) وتبقى ق اررات فردية حتى ولو‬
‫شملت مجموعة من األشخاص (القائمات المتعلقة بالعفو الرئاسي أو القائمات الصادرة بمنح‬
‫الجنسية التونسية أو بالتعيين في رتبة أستاذ للتعليم العالي) فالقرار يتعلق بشخص أو بأشخاص‬
‫محددي الهوية وهو ما ال يمكن معه القول بأن األمر يتعلق بقاعدة عامة‪.‬‬

‫هـ‪-‬تتمثل العمومية أيضا في أنها تتعلق بالوضعيات الناشئة على تراب البالد إذ ليس‬
‫للمشرع أن يشرع إال في حدود سيادته على تراب البالد فتطبق القاعدة على الوضعيات‬
‫الناشئة في تونس‪ .‬فالقاعدة ليست ذات مجال نفاذ دولي أو عالمي‪ .‬لكن في إطار مادة أخرى‬
‫هي مادة القانون الدولي الخاص وفي إطار ما نسميه قواعد تنازع القوانين في المكان تعالج‬
‫اإلشكاالت المتعلقة بنزاعات تشمل عنص ار أجنبيا كأن يتعرض تونسي إلى حادث مرور في‬
‫الجزائر أو أن يتزوج تونسي بفرنسية ويعيشان في المغرب ويرغبان في الطالق هناك فهل‬
‫يطبق القانون التونسي أو الفرنسي أو المغربي؟ تنظم كل دولة األحكام المتعلقة بهذا النوع من‬
‫النزاعات وفي تونس تنظم هذه المسائل مجلة القانون الدولي الخاص‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪-‬القاعدة القانونية قاعدة مجردة‬

‫يعالج بعض الفقهاء خاصية التجريد بالتزامن مع خاصية العمومية ‪ . 1‬ومع أن األمرين‬
‫متالزمان إال أن التفرقة بينهما ممكنة‪ .‬فيتمثل التجريد في أنه ال يتم سن القاعدة القانونية‬
‫لفض إشكال أو نزاع محدد بما قد يجعلها متعلقة بواقعة محددة‪ .‬ومع أنها تنطلق من الوقائع‬

‫شرف الدين فقرة ‪ ، 9‬الشرفي والمزغني فقرة ‪ 19‬وما بعدها‬ ‫‪1‬‬

‫‪13‬‬
‫أو تتصور حدوثها فإن صياغتها تتمثل في وضع الشروط التي إذا ما توفرت في واقعة ما‬
‫تكون القاعدة منطبقة‪ .‬نأخذ مثاال من الفصل ‪ 99‬م ا ع الذي ينص أنه "لألجوار القيام على‬
‫أصحاب األماكن المضرة بالصحة ‪ "...‬فالقاعدة القانونية ال تهتم باألوضاع الخاصة أو الفردية‬
‫فالمشرع ال يتدخل لفض خالف خاص أو لتسوية وضعية فرد معين‪.‬‬

‫وأبرز دليل على التجريد يظهر بالمقارنة بين القاعدة القانونية والحكم القضائي‪.‬‬
‫فالحكم القضائي يصدر بفض نزاع محدد بذاته (حكم بأداء غرامة من أجل الطرد التعسفي)‬
‫ويصدر تجاه أشخاص معينين (ضد المؤجر ولصالح األجير) نتيجة ذلك أن نص الحكم ال‬
‫يكون قابال للتعميم على نزاعات أخرى حتى ولو كانت متشابهة (نزاع شغلي طرد تعسفي لعشرة‬
‫عمال ستصدر بين المشغل وكل واحد من العملة أحكام على عدد العملة القائمين بالدعوى وال‬
‫ّ‬
‫تنطبق إال على حالة بذاتها (حكم لصالح أ ‪ ،‬حكم آخر لصالح ب ‪ ...‬حتى ولو تشابهت‬
‫الحاالت)‪( .‬ال يجب الخلط مع ما سيقال الحقا حول االلتزام بفقه القضاء)‪.‬‬

‫ال يوجد في قانوننا الوضعي نص صريح يمنع على المحاكم أن تصدر أحكاما عامة‬
‫وترتيبية في النزاعات المعروضة عليهم (خالفا للقانون الفرنسي المجلة المدنية الفصل ‪.) 5‬‬
‫لكن طبيعة الوظيفة القضائية المتمثلة في فض النزاعات بتطبيق القانون ومبدأ فصل السلط‬
‫من جهة والقواعد المتعلقة بشكل األحكام وخاصة الفصل ‪ 123‬م م م ت (أسماء وصفات‬
‫الخصوم ‪ ،‬ملخص مقاالتهم ‪ ،‬األسانيد الواقعية والقانونية ‪ ،‬المصاريف ) من جهة أخرى تجعل‬
‫من كل حكم وضعية انفرادية غير قابلة ألن تشمل مجموعات من القضايا يصدر فيها حكم‬
‫عام بما ينجر عنه أن العمل بخالف ذلك يؤدي إلى تجاوز للسلطة (بمعنى أن القاضي يتحول‬
‫إلى مشرع عندما تصبح أحكامه قابلة النطباق خارج النزاع المعروض عليه)‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬القاعدة القانونية مستمرة‬

‫تتميز القاعدة القانونية بكونها مستمرة في الزمن أو بعبارة أخرى دائمة ‪ 1‬فتكون سارية‬
‫المفعول إلى أن يصدر قانون بنسخها صراحة أو ضمنا طبق ما قرره الفصل ‪ 542‬م ا ع‪.‬‬
‫لكن هذه الديمومة ال تعني األ زلية فتغيير األوضاع والظروف االقتصادية واالجتماعية يجعل‬
‫المشرع مطالبا بتنقيح القوانين لتعديل أحكامها (تغيير سن الرشد من عشرين عاما إلى ثمانية‬
‫عش عاما) أو لتغييرها (مجلة التشجيع على االستثمار استبدلت بقانون االستثمار) أو حتى‬
‫إلغائها دون تعويض (إلغاء العمل باألحباس)‪.‬‬

‫هكذا‪ ،‬تحقق الخصائص المميزة للقاعدة القانونية غايتين أساسيتين‪ ،‬تتمثل األولى في‬
‫إمكانية التوقع وتتمثل الثانية في األمان القانوني‪ .‬فاعتبا ار إلى أن القانون أداة سيطرة على‬
‫المستقبل تمكن القاعدة القانونية األفراد والمجموعات من العلم المسبق بنتائج أفعالهم ومآل‬
‫تصرفاتهم واالستعداد لها‪ .‬فيعلم الشخص مثال أنه إذا ارتكب خطأ متعمدا فإنه يكون مسؤوال‬
‫عن الضرر الحاصل للغير (الفصل ‪ 82‬م ا ع ) وكذلك يعلم أنه إذا أبرم عقد كراء مع مالك‬
‫منزل لمدة معينة فإن تلك العالقة ستستمر إلى نهاية تلك المدة‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬القاعدة القانونية قاعدة ملزمة‬

‫صيغ اإللزام (فقرة أولى) درجات اإللزام (فقرة ثانية) تحقيق اإللزام (فقرة ثالثة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪-‬صيغ اإللزام‬

‫الصيغ هي األشكال التي يتم التعبير بها عن إلزامية القاعدة القانونية وهي إما وجوب‬
‫(أ) أو نهي (ب) أو إباحة (ج)‪.‬‬

‫‪ Malaurie § 39.‬الشرفي والمزغني فقرة ‪ 48‬وما بعدها‬ ‫‪1‬‬

‫‪15‬‬
‫أ‪-‬الوجوب‬

‫بمعنى تحميل المقصودين بالقاعدة القانونية بضرورة االستجابة لما يقتضيه المشرع ويستعمل‬
‫فيه صيغة المضارع باستعمال فعل وجب (الفصل ‪ 63‬م اع "المعقود عليه يجب أن يكون معينا‬
‫ولو بالنوع‪)"...‬‬

‫أو صيغة األمر "من تسبب في ضرر غيره عمدا منه واختيا ار "فعليه جبر الضرر" (الفصل‬
‫‪ 82‬م ا ع)‪.‬‬

‫أو ترتيب النتيجة كما لو كانت حاصلة "من تسبب في ضرر غيره خطأ "فهو مسؤول" (الفصل‬
‫‪ 83‬م ا ع)‪.‬‬

‫ب‪ -‬النهي‬

‫وهو في معنى المنع فما يقرره المشرع يقضي بأن ال يمكن للشخص أن يقوم بشيء‬
‫(ال يجوز للمفلس أن يتبرع‪ ،‬الفصل ‪ 552‬م ا ع ) فإنه يمنعه عن إتيان شيء ما وتكون‬
‫الصيغ مختلفة مثل ترتيب جزاء عن مخالفة النهي (الفصل ‪ 64‬م ا ع ) يبطل العقد إذا كان‬
‫على شيء غير ممكن‪.‬‬

‫ج‪-‬اإلباحة‬

‫اإلباحة هي خالف المنع وخالف الوجوب فاألمر متروك إلرادة المعني باألمر أي أن‬
‫المشرع يترك له تقدير ما إذا قرر ممارسة حق أو حرية فيرتب عن تلك الممارسة نتيجة أو‬
‫عدم الممارسة فيكون قد اختار ّأال ينتفع بذلك الحق‪ .‬فإذا دفع الشخص ماال لسبب مستقبل‬
‫فإن المشرع يترك له تخييرا‪ ،‬الفصل ‪ 77‬م ا ع "يجوز استرداد ما دفع لسبب مستقبل"‪ .‬كما أن‬
‫المشرع ينظم الزواج وال يجعله إلزاميا‪ ،‬وينظم تعاطي التجارة ويترك الحرية في ممارستها وقد‬
‫يخضع أنواعا من األنشطة إلى تراخيص) لكنها حتى في هذه الحالة (اإلباحة) تتضمن القاعدة‬

‫‪16‬‬
‫أم ار لآلخرين باحترام ما حرية أو أرادة الفرد فيما اختاره فال أحد يجبرك (بالقانون) على الزواج‬
‫(إن اخترت أال تتزوج)‪.‬‬

‫لكن ترك التخيير ال يعني نزع سلطة القانون فعندما يختار الشخص الزواج فإنه يصبح‬
‫بالضرورة خاضعا لنظامه القانوني فيتحمل نتائجه من حيث الواجبات (اإلنفاق‪ ،‬المساكنة‪)...‬‬
‫وعندما يقرر ممارسة التجارة فإنه يخضع إلى الواجبات المحمولة على التجار‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪-‬درجات اإللزام‬

‫ليست لكل القواعد نفس القوة اإللزامية والتفرقة هنا تكون بين القواعد اآلمرة (أ) والقواعد‬
‫المكملة (ب)‪.‬‬

‫أ‪-‬القواعد اآلمرة‬

‫ونقول أيضا القواعد المتعلقة بالنظام العام هي القواعد التي ال يمكن لألطراف االتفاق‬
‫على مخالفتها‪ .‬وهذا هو الشأن بالنسبة إلى قواعد القانون الجزائي‪.‬‬

‫واألمر كذلك في إطار القانون المدني فال يمكن مثال االتفاق على عدم التعويض عن‬
‫األضرار المرتكبة عمدا إذ ينص الفصل ‪ 82‬م ا ع صراحة على أنه "ال عمل بكل شرط‬
‫يخالف ذلك"‪ .‬كما أن المشرع يحمل محرر العقود المتعلقة باألصل التجاري المسؤولية عن‬
‫مخالفة أحكام الفصل ‪ 189‬مكرر من المجلة التجارية (أسماء األطراف‪ ،‬موانع التحرير‪،‬‬
‫البيانات المتعلقة بالرهون) وقرر أن كل شرط يخالف ذلك ال عمل عليه (الفقرة ‪ 4‬من الفصل‬
‫‪ 189‬مكرر م ت ) كذلك ال يمكن االتفاق على عدم إبرام عقد زواج أو على أن يكون عقد‬
‫الزواج بكتب بخط اليد ويكون الزواج باطال ويترتب عنه عقوبات جزائية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ب‪-‬القواعد المكملة‬

‫تكون القواعد مكملة أي أنها ّ‬


‫تكمل إرادة األطراف إذا لم يتفقوا على حل للوضعية التي‬
‫قد تثير خالفا‪ .‬فإذا تم البيع بواسطة سمسار يمكن لألطراف االتفاق على المتعاقد الذي ستحمل‬
‫أجرة السمسار‪ .‬وإذا لم يكن في العقد ما يدل على ذلك االتفاق يقع العمل بالفصل ‪ 604‬م ا‬
‫ع الذي حمل األجرة على البائع‪ .‬فقاعدة الفصل ‪ 604‬م ا ع هي قاعدة مكملة أي أنه ال يلجأ‬
‫إليها إال في صورة غياب االتفاق‪ .‬لكن تلك القاعدة ولئن لم تكن ملزمة لألطراف إال أنها تبقى‬
‫ملزمة للقاضي الذي يقع عليه واجب تطبيقها في غياب اتفاق األطراف‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬تحقيق اإللزام‬

‫يحلل الفقهاء الطبيعة الملزمة للقاعدة القانونية بالرجوع إلى مفهوم الجزاء الذي تختلف‬
‫صوره (أ) لكن القاعدة ملزمة ال فقط ألنها مصحوبة بجزاء يعاقب عن مخالفتها بل بسبب ما‬
‫يصحب الجزاء من تدخل الدولة لفرض تحقيقه (ب) ‪.‬‬

‫أ‪-‬الجزاء‬

‫القاعدة القانونية ليست القاعدة السلوكية الوحيدة التي تقوم على الجزاء‪ ،‬فالقاعدة‬
‫األخالقية مصحوبة هي كذلك بجزاء‪ .‬فالكذب والخيانة فعالن مخالفان لألخالق والجزاء هو‬
‫الشعور بالذنب وعقاب الضمير ومخالفة القاعدة الدينية جزاؤها أخروي (النار)‪.‬‬

‫كذلك تتجه اإلشارة إلى ظهور ما يسمى بمدونات السلوك التي تهتم بتنظيم التعامل‬
‫بين أفراد المجوعة المهنية الواحدة (صحفيين مثال) لتحديد ضوابط ممارسة المهنة فيما بينهم‬
‫وهي ال تعتبر من القواعد القانونية بالمفهوم الفني لعدم صدروها عن سلطة مؤهلة لسن القواعد‬
‫وهي عبارة عن مبادئ أو توصيات‪ .‬كما أن الجزاء فيها ال يكون جزاء قانونيا بل بما قد ينال‬
‫المخالف من ردود فعل من أهل المهنة أو الضغط عليه للكف عن الممارسات المخالفة‪.‬‬

‫والجزاء القانوني يكون متعدد األوجه‪ ،‬ويتجه التمييز بين القانون الجزائي والقانون المدني‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫فمخالفة القانون الجزائي تم ّكن من تسليط عقوبات تكون عقوبات أصلية كاإلعدام والسجن‬
‫بقية العمر والسجن والخطية وعقوبات تكميلية كمنع اإلقامة ومصادرة المكاسب والحرمان من‬
‫ممارسة بعض الحقوق كحق االقتراع (الفصل ‪ 5‬من المجلة الجزائية)‪.‬‬

‫أما مخالفة القانون المدني فإنها تفتح المجال أمام أنواع مختلفة من الجزاءات‪ .‬فإذا تعلق‬
‫األمر بمخالفة قواعد المسؤولية الناشئة عن الجنح وشبهها (الوقائع القانونية) يكون "الجزاء"‬
‫التعويض عن الضرر‪ .‬أما في ميدان التصرفات القانونية كالعقود فيمكن أن يكون الجزاء‬
‫البطالن إذا تعلق األمر بمخالفة قواعد تكوين العقد ويكون الفسخ والتعويض إذا تعلق األمر‬
‫بعدم الوفاء بااللتزامات التعاقدية‪.‬‬

‫على أن العبرة بالجزاء ليست دائما في حصوله إذ قد ال يحصل أصال طالما أن احترام‬
‫القاعدة يكون طوعيا (احترام إشارات المرور طوعا‪ ،‬التنفيذ الطوعي للعقد) ولكن العبرة في توقع‬
‫حدوثه أي إمكانية حصوله أو ما يمكن التعبير عنه بالتهديد بالجزاء (احترام إشارة المرور قد‬
‫يعبر عن حس مدني وقد ال يكون إال خوفا من شرطي المرور‪ ،‬وأداء معينات الكراء قد يبرر‬
‫بنفس السلوك (الحس المدني) وقد يكون توقيا من حكم استعجالي بالخروج إن لم يدفع)‪.‬‬

‫ب‪ -‬ضمان الجزاء بتدخل الدولة‬

‫إن ما يميز الجزاء في القاعدة القانونية هو تدخل سلطة الدولة لفرضه بوسائل‬
‫اإلكراه العمومي‪ .‬فالقول بأن من تسبب في ضرر غيره عمدا يجب عليه التعويض أو أن العقد‬
‫القانوني ملزم للطرفين وأن مخالفته توجب الفسخ يقتضيان تدخل الدولة لتمكين صاحب الحق‬
‫من استيفاء حقه عن طريق التقاضي ويدعم هذا ما جاء بالمبدأ العام أنه "ليس للشخص أن‬
‫يقتص لنفسه بنفسه والمعبر عنه في الفصل ‪ 555‬م ا ع "التعدي على الشخص ال يكون وجها‬
‫له في اإلضرار بغيره"‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫وتنظم مجلة المرافعات المدنية والتجارية إجراءات التقاضي كما تضبط طرق تنفيذ‬
‫األحكام المد نية بما يمكن تخويل السلطة التنفيذية تقديم المساعدة الالزمة لتنفيذ األحكام الصادرة‬
‫في المادة المدنية ويوجب في هذا المعنى الفصل ‪ 253‬منها أن يقع التنصيص بكل نسخة‬
‫تنفيذية من األحكام على الصيغة التنفيذية كما يلي ‪" :‬إن رئيس الجمهورية التونسية يأمر‬
‫ويأذن سائر العدول المنفذين بأن ينفذوا هذا القرار أو الحكم إن طلب منهم ذلك والوكالء‬
‫العامون ووكالء الجمهورية بأن يساعدوا عل ذلك وسائر آمري وضباط القوة العامة باإلعانة‬
‫على تحقيق تنفيذه عندما يطلب منه ذلك بصفة قانونية"‪ .‬فيضع القانون لفائدة الصادر الحكم‬
‫لصالحه وسائل القوة العامة لتنفيذ حكمه‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬هيكلة القاعدة القانونية‬

‫عناصر القاعدة (المبحث األول) دعامة القاعدة (المبحث الثاني)‬

‫المبحث األول‪ :‬عناصر القاعدة القانونية‬

‫يعود الفضل في تحديد مكونات أو عناصر القاعدة القانونية إلى الفقه األلماني قبل أن‬
‫يتبناه الفقه البلجيكي والفرنسي‪ 1‬وقد استقر القول على أن القاعدة القانونية تتكون من مفترض‬
‫وحل‪.‬‬
‫(أو فرض) ّ‬

‫المفترض أو الفرضية أو الفرض هي الوضعية االعتبارية العامة التي يعتمد عليها‬


‫المشرع لتنظيم واقع أو جملة من الوقائع بهدف إخضاعها إلى حكم القانون أو بعبارة أخرى‬
‫الفرضية المشروطة التي تحدد الوضعية الواقعية التي إن تحققت فإن ذلك يؤدي إلى تطبيق‬
‫القاعدة ‪ .‬فالمفترض يحدد شروط انطباق القاعدة القانونية على الوقائع موضوع االفتراض‪.‬‬
‫اختيار بل وجه‬
‫ا‬ ‫والمثال ما نص عليه الفصل ‪ 82‬م ا ع "من تسبب في ضرر غيره عمدا منه و‬

‫‪ ، STAMMLER , Du‬كتابي‪Le pouvoir de contrôle de la Cour de cassation, CPU 2021 , :‬فقرة‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 209‬والمراجع‬

‫‪20‬‬
‫قانوني سواء كان الضرر حسيا أو معنويا ‪ "....‬فهذا مفترض أي إحاطة من المشرع بالوضعية‬
‫التي يتولى فيها شخص ما التسبب في ضرر شخص آخر (غيره) عمدا أي بوجه القصد‬
‫واختيا ار (أي بإرادة حرة‪ ،‬دون أن يكون مكرها على ذلك أو في حالة من انعدام التمييز سكر‬
‫غير اختاري) بال وجه قانوني أي في غياب أي أساس قانوني يخول له إلحاق الضرر (المكلف‬
‫بتنفيذ قرار هدم صادر عن سلطة مختصة) يضاف إلى ذلك أن يكون الضرر ناتجا مباشرة‬
‫عن الفعل العمدي أو ما يسمى بالعالقة السببية (إذا ثبت أن ذلك الفعل هو الموجب للضرر‬
‫مباشرة)‪.‬‬

‫الحل هو النتيجة التي يرتبها المشرع عن تحقق المفترض هو النتيجة القانونية التي‬
‫تترتب عن تحقق شروط مفترض القاعدة‪ .‬فاعتمادا على نفس المثال المأخوذ من الفصل ‪82‬‬
‫م ا ع تكون نتيجة تحقق شروط الفرض أنه على المعتدي "جبر الضرر الناتج عن فعله"‬
‫ومعنى ذلك أنه سيكون ملزما بالتعويض للمتضرر عن الضرر الذي ألحقه به‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬دعامة القاعدة القانونية‬

‫القاعدة في النص القانوني (الفقرة األولى) القاعدة خارج النص القانوني (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬القاعدة في النص القانوني‬

‫عموما توجد القاعدة في النص القانوني وبالتحديد في فصل من فصول قانون أو مجلة‬
‫واألمثلة متعددة ومنها الفصل ‪ 82‬م ا ع سابق الذكر والفصل ‪ 190‬من المجلة التجارية "كل‬
‫تصرف في األصل التجاري بالبيع ‪ ...‬يجب إثباته كتابة (مفترض) وإال كان باطال (حل)"‪.‬‬

‫لكن النص القا نوني قد ال يتضمن القاعدة القانونية بعنصريها فالقاعدة القانونية ال تطابق‬
‫بالضرورة فصال من فصول القانون‪ ،‬من ذلك الوضعية المتعلقة ببيع المريض في مرض موته‬
‫تجد مفترضها في الفصل ‪ 565‬م ا ع بينما يقرر الحل أي الجزاء بالفصل ‪ 355‬م ا ع وذلك‬
‫باستعمال تقنية اإلحالة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫كما يمكن أن يحتوي النص القانوني أكثر من فرض لينص على حل واحد للفرضيتين‬
‫مفترض مثال ‪ :‬الفصل ‪ 101‬م ا ع "الحكم الصادر عن محكمة جزائية بترك سبيل المتهم‬
‫(فرض) ال يؤثر في مسألة تعويض الخسارة الناشئة من الفعل الذي قامت به التهمة (حل)‪.‬‬
‫نفس الفصل ينص على فرضيتين أخريين ‪-1 :‬وفاة المتهم ‪ -2 ،‬صدور عفو عام لكنه ال‬
‫يكرر الحل بل يحيل عليه فيكون النص قد تعرض إلى ثالث فرضيات وحل واحد‪.‬‬

‫وقد يتضمن النص أكثر من قاعدة أي بفرضين وحلين والمثال متوفر في الفصل ‪102‬‬
‫م ا ع فيقرر أن مرتكب الجنحة وهو في وضع سكر اختياري يكون مسؤوال عن الضرر الذي‬
‫ألحقه بالغير (قاعدة ‪ 1‬بمفرض وحل) ويقرر أنه ال مسؤولية على من كان سكره اضط ارريا‬
‫لكن بشرط اإلثبات أي إثبات أن السكر كان غير اختياري (قاعدة ‪ 2‬بفرض وحل مختلفين)‪.‬‬

‫وأخي ار قد ال يتضمن النص القانوني النص القانوني حال‪ ،‬والمثال األبرز على ذلك‬
‫بعض قواعد القانون العمومية (الفصول ‪ 532‬إلى ‪ 563‬م ا ع )‪ .‬فالفصل ‪ 551‬م ا ع يقرر‬
‫أنه ال يجوز لشخص أن يمنح لغيره أكثر مما له من الحقوق‪ ،‬فالصياغة العادية كانت تقتضي‬
‫أنه إذا منح شخص أكثر مما له من الحقوق يكون تصرفه كذا (الجزاء‪ ،‬بطالن مثال) وكذلك‬
‫الفصل ‪ 556‬م ا ع الذي جاء فيه أن األصل ارتكاب أخف الضررين‪ .‬وقد يمكن استنتاج‬
‫فرض وهو أنه إذا مثل ضرران ال بد من ارتكاب أحدهما فارتكاب أخفهما يكون أولى ولكن ال‬
‫جزاء على مخالفة هذا الحل‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪-‬القاعدة خارج النص القانوني (التشريعي)‬

‫ال تنحصر القواعد القانونية في النصوص التشريعية بل قد تكون ذات أصل عرفي أو‬
‫قضائي (وهو ما نتعرض إليه عند دراسة مصادر القانون)‪ .‬على سبيل المثال وفي غياب‬
‫تنظيم تشريعي ضمن األحكام العامة للوعد بالتعاقد عموما والوعد بالبيع بوجه خاص استقر‬

‫‪22‬‬
‫فقه القضاء على إقرار مبدأ صحة الوعد البيع وأنه ليس عقدا ناقال للملكية‪ ، 1‬فهده القاعدة‬
‫القانونية من أصل قضائي تحتوي على فرض "إذا تواعد طرفان على البيع والشراء" ويكون‬
‫الحل كما يلي "فإن اتفاقهما ال تنتقل به ملكية الموعود به إلى الموعود له"‪.‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬المنظومة القانونية‬


‫ال يكفي في تعريف القانون القول بأنه جملة من القواعد إذ يؤدي ذلك إلى اعتبار تلك‬
‫القواعد عناصر منفصلة ال تربط بينها أي وحدة وبما يؤدي إلى مجموعة غير متجانسة وربما‬
‫فوضوية بما يمنع من تحقيق أهدافها كوسيلة تنظيم‪ .‬فالمنظومة أو النظام مجموعة اعتبارية‬
‫مهيكلة تقوم على مبادئ مؤسسة وفكر توجيهي عام (روح النظام أو المنظومة) ومفاهيم أساسية‬
‫تستوجب جملة من الهياكل أو المؤسسات والتقنيات الرامية إلى تحقيق األهداف التي وضعت‬
‫من أجلها وفي نفس الوقت تكون الضامنة للتطوير الذاتي (بمعنى إنتاج قواعد جديدة من داخل‬
‫المنظومة وبوسائلها) بهدف تحقيق الجدوى منها واستمرارها‪ ،‬فكما يوجد نظام سياسي أو‬
‫اقتصادي يوجد نظام أو منظومة قانونية‪ .‬فالمنظومة القانونية تشترك في تعريفها العام مع‬
‫تعريف أي منظومة ولكنها تختلف من حيث األهداف من حيث أنها ترمي إلى تنظيم العالقات‬
‫االجتماعية وضمان توازنها وضمان تطوير المجتمع‪.‬‬

‫لهذه المنظومة مقومات (الفصل األول) تضمن تماسكها وتطورها (الفصل الثاني)‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬مقومات المنظومة القانونية‬

‫تمثل القواعد القانونية المظاهر الخارجية األبرز للمنظومة القانونية‪ ،‬فهي ولئن كانت‬
‫من مكوناتها إال أنها ليست الوحيدة كما أن المنظومة ليست مجموعا ماديا من قواعد متناثرة‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي مدني ‪ ،‬الدوائر المجتمعة عدد ‪ 12082‬مؤرخ في ‪ 30‬جانفي ‪ ،1976‬مجموعة قرارات الدوائر المجتمعة ‪ ،1992-1991،‬مركز‬
‫الدراسات والبحوث القانونية والقضائية ‪ ،‬طبعة ‪ 2‬ن تونس ‪ / 2006‬ص ‪417‬‬

‫‪23‬‬
‫ال جامع بينها فهي ترتيب‪ ،‬بناء متكامل يقوم على مقومات أصلية (مبحث أول) ومقومات‬
‫هيكلية هي المؤسسات القضائية (مبحث ثان)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬المقومات األصلية‬

‫تتكون المقومات األصلية للمنظومة القانونية ‪-‬إلى جانب القواعد على نحو ما سبق‬
‫التعرض إليه – تتكون من األصناف والمفاهيم (فقرة أولى) والمبادئ (فقرة ثانية) والمؤسسات‬
‫(فقرة ثالثة) وتتفرع إلى فروع واختصاصات (فقرة رابعة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المفاهيم واألصناف‬

‫إن القانون كمنظومة ال يتكون وال يتطور وال تكون له الديمومة إال باالعتماد على جملة‬
‫من التقنيات األساسية هي بمثابة األدوات المتماسكة والمتناسقة وهي في نفس الوقت أدوات‬
‫المعرفة به أو ما يمكن أن يسمى بأدوات علم القانون وهي من جهة أولى المفاهيم القانونية‬
‫(أ) ومن جهة ثانية األصناف القانونية (ب)‪.‬‬

‫أ‪-‬المفاهيم القانونية‬

‫المفاهيم القانونية هي التعبيرات أو التمثالت الذهنية العامة التي تستعملها اللغة القانونية‬
‫لتسمية وتأطير الظواهر الواقعية وهي في اآلن ذاته العناصر المكونة للغة القانون أو الخطاب‬
‫القانوني‪ .‬وتستمد هذه المفاهيم في الغالب من اللغة العادية لتتخذ عند استعمالها في القانون‬
‫مضامين دقيقة تعبر عن وضع دون غيره‪ .‬من ذلك مفاهيم العقد والخطأ والضرر وحادث‬
‫الطريق والتاجر والشركة والبطالن والمسؤولية وغيرها‪ .‬فنقول "عقد" أو "عقدة" لتمثيل الربط‬
‫المادي في اللغة العادية لتستعمل كمفهوم قانوني يقصد به العالقة القائمة على توفر إرادة‬
‫طرفي العالقة التي تربط (تعقد) بين طرفين لترتب التزاما ذا موضوع محدد‪ :‬التزام بعمل أو‬
‫بامتناع أو بإحالة حق عيني‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫والمفاهيم هي العناصر الالزمة لصياغة القاعدة القانونية سواء في مفترضها أو في‬
‫حلها‪ .‬فعندما ينص الفصل ‪ 83‬م ا ع أنه "من تسبب في مضرة غيره خطأ ‪ ...‬فهو مسؤول "‬
‫فهو يستعمل في المفترض ثالثة مفاهيم قانونية هي المضرة أو الضرر والخطأ والعالقة السببية‬
‫(تسبب) واستعمل في الحل مفهوما آخر وهو المسؤولية (فهو مسؤول)‪.‬‬

‫وتستعمل المفاهيم القانونية عموما في تمازج وتناسق مع تركيبات وأحرف من اللغة العادية‬
‫(من ‪ ،‬في ‪ ،‬فهو ‪ )...‬للتكون القاعدة كفكرة معقولة ومفهومة أي مستجيبة لمقومات أسلوب‬
‫التخاطب ممن تصدر عنه (المشرع) والمتلقي (عموم أفراد المجتمع والمختصون وغيرهم ممن‬
‫تهمهم أو قد تهمهم القاعدة‪ ،‬األجنبي الذي يرغب في االستقرار في تونس)‪.‬‬

‫المفهوم يقع اإلعالن عنه أو استعماله دون تعريفه وأحيانا مع التعريف‪ .‬والتعريف هو‬
‫تحديد معنى العبارة المستعملة وبيان الخصائص أو العناصر المكونة للمفهوم بهدف تمييزه‬
‫عن غيره من المفاهيم وخاصة تلك التي يمكن أن تتشابه ويقع الخلط بينها‪.‬‬

‫في زمن سابق للتسعينات من القرن الماضي كان المشرع قليل اللجوء إلى تعريف‬
‫المفاهيم بما كانت معه األمثلة نادرة‪ ،‬ومن ذلك تعريف الخطأ بالفصل ‪ 83‬م ا ع "والخطأ هو‬
‫ترك ما وجب فعله أو فعل ما وجب تركه بغير قصد الضرر" أو الدفاع الشرعي بالفصل ‪104‬‬
‫فقرة ‪" 2‬والدفاع الشرعي هو حالة من التجأ إلى دفع صولة صائل أراد التعدي على النفس أو‬
‫المال"‪.‬‬

‫منذ التسعينات من القرن الماضي أصبح التعريف الميزة الظاهرة للقوانين التي تخصص‬
‫في فصل من فصولها األولى للمفاهيم التي تتناولها الفصول األولى للقانون وكثي ار ما ترفق‬
‫بأنها تخص القانون المذكور‪ ،‬واألمثلة عديدة ومنها القانون عدد ‪ 117‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في‬
‫المزود‬
‫‪ 7‬ديسمبر ‪ 1992‬المتعلق بحماية المستهلك الذي جاء في فصله الثاني تعريف للمنتوج و ّ‬
‫والمعلن والمستهلك‪...‬‬

‫‪25‬‬
‫فالتعريف الدقيق يمكن من بلوغ هدف وضوح القواعد وضمان أمان واستقرار العالقات‬
‫القانونية‪ .‬كما أن من شأن التعريف أن يوجه القاضي خاصة عندما يتعلق األمر بمفاهيم فنية‬
‫تستعمل في إطار اختصاصات علمية قد ال يكون فيها لرجل القانون الوسائل الالزمة لبلوغ‬
‫معناها الدقيق أو حتى باختصاصات قانونية لم تتطور المعارف في شأنها بصورة تمكن من‬
‫الوقوف على معناها األصلي‪.‬‬

‫من ذلك أن المشرع تولى بمقتضى قانون ‪ 13‬جوان ‪ 2000‬إدراج مفهوم جديد بمجلة‬
‫االلتزامات والعقود وهو "الوثيقة االلكترونية" التي أسند لها الفصل ‪ 453‬م ا ع نفس القيمة في‬
‫اإلثبات للكتب بخط اليد وعرفها بكونها "الوثيقة المتكونة من مجموعة أحرف وأرقام أو أي‬
‫إشارات رقمية أخرى بما في ذلك المتبادلة عبر وسائل االتصال تكون ذات محتوى يمكن فهمه‬
‫ومحفوظة على حامل الكتروني يؤمن قراءتها والرجوع إليها عند الحاجة"‪ .‬فلو ترك المشرع هذا‬
‫المفهوم دون تعريف فإنه لم يكن من المستحيل االجتهاد في استنباط تعريف له من الفقه أو‬
‫فقه القضاء لكن ذلك كان سيتوجب وقتا ومجهودا‪.‬‬

‫وللتعريف التشريعي للمفاهيم مزية أخرى تتمثل في تفادي التضارب في التأويل بين‬
‫مختلف المحاكم حول نفس المفهوم القانوني ولو أن من يرى أن مثل هذا المنهج من شأنه أن‬
‫يحد من دور القاضي في االجتهاد والمساهمة في تطوير القانون‪.‬‬

‫لكن لجوء المشرع إلى التعريف ال يعني استنفاذ الحاجة إلى مفاهيم جديدة واستنفاذ تعريفها‬
‫فميزة الواقع أنه يغالب القانون ويتنج وضعيات جديدة تفرض استجابة المنظومة القانونية لها‬
‫واالعتراف بها لتصبح مفاهيم يتوالها القاضي بالتعريف إذا لم يسبق للمشرع تعريفها والمثل‬
‫في ذلك عقد اإليجار المالي الذي لم يكن منظما في القانون التونسي ولكن الممارسة (التطبيق)‬
‫أقرته لما عملت به في غياب كل تأطير قانوني ولم يقع وضع نظامه القانوني إال في ‪1994‬‬
‫وتولى المشرع تعريفه بمقتضى الفصل األول من القانون عدد ‪ 89‬لسنة ‪ 1994‬المؤرخ في‬
‫‪ 26‬جويلية ‪ 1994‬بأنه "عملية إيجار تجهيزات أو معدات أو عقارات مقتناة أو منجرة لغرض‬

‫‪26‬‬
‫اإليجار من قبل المؤجر الذي يبقى مالكا لها‪ ،‬معدة لالستعمال في األنشطة المهنية أو التجارية‬
‫أو الصناعية أو الفالحية أو الصيد البحري أو في الخدمات"‪.‬‬

‫لكن ال بد من اإلقرار بوجود مفاهيم قانونية ال تخضع لتعريف ثابت‪ ،‬والمقصود بذلك‬
‫ما يسمى بالمفاهيم القانونية المرنة التي تقابلها المفاهيم القانونية الجامدة‪ .‬فالمفهوم الجامد‬
‫هو الذي ال حاجة لالجتهاد في تعريفه مثل الرشيد على معنى الفصل ‪ 7‬م ا ع والذي يعرفه‬
‫المشرع بأنه كل من بلغ سن الثمانية عشر سنة كاملة من ذكر أو أنثى‪.‬‬

‫أما المفاهيم المرنة (أو المفاهيم ذات المضمون المتحول‪ )1‬المسماة أيضا بالمعايير‬
‫القانونية‪ 2‬فهي متروكة قصدا دون تعريف ال الستحالة ذلك بل ألن التعريف يفقدها الكثير‬
‫من جدواها‪ .‬من ذلك مفهوم التأكد كشرط لتعهد القاضي االستعجالي (الفصل ‪ 201‬م م م ت‬
‫) واألمانة (حسن النية) في الوفاء بالعقود (الفصل ‪ 243‬م ا ع ) والضرر الفادح الموجب‬
‫للمساءلة عن التعسف في استعمال الحق (الفصل ‪ 103‬م ا ع )‪ .‬والهدف من وضع تلك‬
‫المعايير يتمثل في أن تكون بين يدي القاضي وسائل لتقدير الوضعيات الواقعية بحسب ما‬
‫يفرزه تطور المجتمع وتحول األزمان‪.‬‬

‫ب‪ -‬األصناف القانونية‬

‫التنظيم أو النظام يقوم على فكرة التبويب والترتيب لغاية محددة هي التصنيف واألصناف‬
‫هي المجموعات التي تربط بينها نفس الخاصيات وتحكمها نفس المبادئ والقواعد‪.‬‬
‫فال يتعلق األمر بدارسة ظاهرة في حد ذاتها‬ ‫‪3‬‬
‫فالتصنيف يعتبر من صميم كل تنظيم قانوني‬
‫بل بتقريب الظواهر بعضها إلى بعض لتخصيص المتماثل منها بأحكام تميزها عن غيرها‬

‫‪Notions à contenu variable 1‬‬


‫‪Standards juridiques 2‬‬
‫‪ROUBIER p.16 3‬‬

‫‪27‬‬
‫المختلف عنها وتخصيصها بقواعد مختلفة عن غيرها‪ .‬والمثال صنف "الوقائع القانونية" وصنف‬
‫"التصرفات القانونية"‪.‬‬

‫فاألول أي صنف الوقائع القانونية ينتج عن مجموع العالقات التي تنشأ دون تدخل‬
‫لإلرادة في آثارها التي يرتبها القانون وهي الجنحة على معنى الفصل ‪ 82‬م ا ع وشبه الجنحة‬
‫على معنى الفصل ‪ 83‬م ا ع‪ .‬أما صنف التصرفات القانونية فهو تلك العالقات التي تنشأ‬
‫عن تصريحات باإلرادة أو التقاء إرادتين فأكثر (العقد‪ ،‬التصريح بإرادة منفردة)‪ .‬واالختالف بين‬
‫الصنفين يؤدي إلى اختالف في النظام المنطبق من حيث اإلثبات ومن حيث سقوط الدعوى‬
‫بمرور الزمان (على سبيل المثال)‪.‬‬

‫وفي قانون األموال (الذي تنظمه مجلة الحقوق العينية) توجد تصنيفات أساسية مثل‬
‫صنف المنقول وصنف العقار وتختلف القواعد فيما يتعلق باكتساب ملكيتها ومرجع النظر عند‬
‫النزاع حولها أو التنفيذ عليها‪.‬‬

‫والجدوى من األصناف تتمثل في كونها وسائل تنظيم وترتيب ضرورية للمفاهيم بقصد‬
‫تحقيق غاية التوقع التي يرمي القانون إلى ضمانها‪ .‬والجدوى من التصنيف أيضا إعداد األطر‬
‫العامة للتنظيم القانوني للظاهرة المعنية من أجل إدراجها في أصنافها وتلك هي عملية التكييف‬
‫أو الوصف القانوني أي العملية الذهنية التي يقوم بها المتعامل بالقانون (القاضي والدارس‬
‫والمحامي واإلدارة ‪ )...‬والتي ترمي إلى إدراج واقعة أو تصرف أو إجراء ما في صنف من‬
‫األصناف بهدف تطبيق قواعد ذلك الصنف عليه أو بعبارة أخرى إخضاعه إلى نظامه‬
‫القانوني ‪ .‬فعقد البيع (صنف من أصناف العقود) يندرج في التصرفات القانونية (والتصرفات‬
‫القانونية هي الصنف األكبر الذي يجمع العقود والتصريحات بإرادة منفردة) وهو أي عقد البيع‬
‫من التصرفات الناقلة للملكية بعوض‪ .‬وهذه األخيرة تمثل صنفا فرعيا في صنف التصرفات‬
‫الناقلة للملكية إلى جانب صنف فرعي آخر هو التصرفات المجانية (الهبة مثال)‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬المبادئ القانونية‬

‫المفهوم (أ) الوظائف (ب)‪.‬‬

‫أ‪-‬مفهوم المبادئ القانونية‬

‫المبادئ في تعريف عام هي األفكار األساسية أو التوجيهات العامة التي تهيمن على‬
‫المنظومة أيا ما كان نوعها والتي تتفرع عنها قواعد تفصيلية مختلفة ومتعددة موجودة فعال أو‬
‫قابلة لالستنباط الحقا‪.‬‬

‫وال تختلف المبادئ القانونية عن هذا التعريف إال من حيث الميدان أو الموضوع أي‬
‫القانون‪ ،‬فالمبادئ القانونية هي األفكار التوجيهية التي تهيمن على المنظومة القانونية وتتفرع‬
‫عن تلك المبادئ وترتبط بها قواعد قانونية تفصيلية مختلفة إما لتأكيدها أو لتكون استثناء‬
‫لها‪ .‬وقد درج في الفقه استعمال تسمية المبادئ القانونية العامة أو المبادئ العامة للقانون‬
‫تأكيدا على طابعها العام وتميي از لها عن القواعد القانونية المتفرعة عنها (القواعد التفصيلية)‪.‬‬

‫وقد تكون هذه المبادئ إما موضوع تكريس تشريعي‪ ،‬فتكون مبادئ عامة تشريعية أي‬
‫أن المشرع هو الذي يخصص لها أحكاما ضمن مجلة أو قانون كما هو الشأن فيما يسميه‬
‫المشرع قواعد القانون العمومية المقررة بالفصول ‪ 532‬وما بعده م ا ع ومنها "من أمكنه األكثر‬
‫أمكنه األقل" (الفصل ‪ 550‬م ا ع) أو األصل في األمور الصحة والمطابقة للقانون حتى يثبت‬
‫خالفه" (الفصل ‪ 559‬م ا ع)‪.‬‬

‫لكن التكريس التشريعي للمبادئ نادر‪ .‬ويتفق الفقهاء على أن معظم المبادئ موجودة‬
‫بالقوة في النظام القانوني يستخرجها الفقه وفقه القضاء عن طريق االستدالل من خالل ما‬
‫يوجد من مختلف القواعد التفصيلية المقررة‪ .‬فانطالقا من الفصل ‪ 103‬م ا ع حول المسؤولية‬
‫عن التعسف في استعمال الحق ومن فصول أخرى في ميادين مختلفة مثل مجلة الشغل (الطرد‬

‫‪29‬‬
‫التعسفي) أو مجلة المرافعات المدنية والتجارية (االستئناف التعسفي) يالحظ الباحث أن تلك‬
‫الحاالت تمكن من القول بوجود مبدأ منع التعسف في استعمال الحقوق‪.‬‬

‫ونوصف هذه المبادئ عامة أيضا بسبب قابلية استعمالها في مختلف فروع القانون‬
‫(القانون المدني أو القانون التجاري أو قانون المرافعات) لكن توجد مبادئ تهم فروعا دون‬
‫غيرها (يمكن أن نسميها مبادئ عامة فرعية) دون أن يفقدها ذلك عموميتها (بالمعنى الذي‬
‫أشرنا إليه والمتعلق بقابلية تفرع قواعد تفصيلية عنها) والمثال على ذلك مبدأ شرعية الجرائم‬
‫والعقوبات في المادة الجزائية ومبدأ المواجهة بين الخصوم أو مبدأ ضمان حقوق الدفاع في‬
‫مادة المرافعات المدنية والتجارية ومبدأ األمانة (حسن النية) في القانون المدني ومبدأ حرية‬
‫اإلثبات في القانون التجاري‪.‬‬

‫ويمكن الحديث عن مبادئ أساسية (بما تكون به األخرى غير أساسية) والمقصود بها‬
‫حد السواء في التوطئة أو في‬
‫تلك التي يقررها الدستور فهي مبادئ دستورية وتوجد على ّ‬
‫فصول الدستور كمبادئ حقوق اإلنسان‪ ،‬ومبدأ مدنية الدولة‪ ،‬ومبدأ الفصل بين السلطات‪ ،‬ومبدأ‬
‫علوية القانون (الفصل ‪ 2‬د) ومبدأ حياد اإلدارة (فصل ‪ 15‬د) ومبدأ المساواة (فصل ‪ 15‬د)‬
‫ومبدأ التناسب (فصل ‪ 49‬د) ومبدأ استم اررية المرفق العام (فصل ‪ 15‬د) ومبدأ الشرعية ومبدأ‬
‫شخصية العقوبة (فصل ‪ 28‬د)‪.‬‬

‫ب‪-‬وظائف المبادئ القانونية‬

‫إن أهم وظيفة للمبادئ القانونية هي ضمان تناسق المنظومة القانونية وتطويرها بكيفية‬
‫تجعلها مستجيبة لحاجات وتطلعات المجتمع الذي تحكمه‪ .1‬ومع أن من الفقهاء من يصنف‬

‫‪ 1‬في نفس المعنى ‪ BERGEL §85‬يمكن هنا التعريج على التوجهات العامة أو فكرة القيم (روبيي) (الحرية‪ ،‬العدالة‪،‬‬
‫المساواة‪ ،‬التنمية هي الغايات العامة التي يسعى كل تنظيم قانوني إلى االلتزام بها وتحقيقها لتضمن استم ارره وقابليته للتأقلم‬
‫مع تطورات المجتمع‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫المبادئ إلى توجيهية وتصحيحية إال أن كل المبادئ في جوهرها تقوم بوظيفة التوجيه‪ ،‬توجيه‬
‫المشرع والقاضي والفقيه كل في مجاله بهدف تحقيق غايات القانون فتكون بمثابة البوصلة‬
‫التي ترسم االتجاه الذي يجب اتباعه‪ .‬من ذلك أن مبدأ المساواة الذي هو من المبادئ األساسية‬
‫بحكم مصدره الدستوري يكون ملزما للمشرع وللقاضي ولمختلف السلطات فال يمكن للقانون أن‬
‫يخالف ذلك ال مبدأ فتعتبره المحكمة الدستورية (الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين‬
‫اآلن) مخالفا للدستور‪ .‬والقرار اإلداري الذي يخالف ذلك المبدأ يكون قابال لإللغاء في إطار‬
‫دعوى تجاوز السلطة‪.‬‬

‫كذلك واعتبا ار إلى أن التشريع يتطور بما يستوجب ذلك من إصدار قوانين جديدة فإن‬
‫تناسق المنظومة القانونية يوجب احترام مبدأ عدم رجعية القوانين وتحديد األحكام المنطبقة على‬
‫األوضاع االنتقالية وهو مبدأ يحقق في نفس الوقت استقرار األوضاع التي نشأت في ظل‬
‫القانون القديم‪.‬‬

‫وكذلك يكتشف القاضي وجود ما يسمى بالثغرات أو الفراغات في القانون ويكون مطلوبا‬
‫منه تالفي الوضع باستنباط الحل المالئم ويكون ذلك باللجوء إلى وسائل مختلفة منها االعتماد‬
‫على المبادئ العامة للقانون إما باستعمال ما أقره المشرع أو باستنباط مبادئ أخرى مبثوثة في‬
‫الفكر العام للمنظومة‪ .‬فتكون المبادئ وسيلة الستكمال الفراغات القانونية‪.‬‬

‫من ناحية أخرى يقتضي تسيير المجموعة تنظيما محكما لمختلف السلطات بما تتبين‬
‫معه أهمية مبدا الفصل بين السلطات ويستوجب تأطير العالقات االجتماعية اعتماد المبادئ‬
‫التنظيمية (وهي في نفس الوقت توجيهية) وهي التي تهتم عموما بأن يتم اللجوء في فض‬
‫النزاعات إلى القضاء بما تظهر به أهمية المبدأ القائل بأنه "ال يجوز للشخص أن يقتص لنفسه‬
‫بنفسه" ‪ ،‬كما أن األمان االجتماعي ال يتحقق بقضاء غير مستقل فتظهر أهمية مبدأ استقالل‬
‫القضاء وأهمية مبدأ المحاكمة العادلة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ولتحقيق مختلف الحاجات االقتصادية وضمان استقرار المعامالت كان ال بد من إقرار‬
‫مبدأ القوة الملزمة للعقد ومبدأ األمانة المعتبر من المبادئ التصحيحية مثل المبدأ الذي مقتضاه‬
‫أن "الغش يبطل التصرفات" فتظهر قيمة األخالق في كال المبدأين للقول بأن العالقات (حتى‬
‫ولو كانت ذات طابع اقتصادي) تقوم أيضا على مراعاة القيم األخالقية‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬المؤسسات القانونية‬

‫تعريف المؤسسة (أ) وظائف المؤسسة (ب)‬

‫أ‪-‬تعريف المؤسسة القانونية‬

‫يستعمل القانون مفهوم المؤسسة في معان مختلفة تعبر عن وضعيات متعددة فنتحدث‬
‫عن مؤسسة عمومية‪ ،‬ومؤسسات خاصة ومؤسسة اقتصادية ومؤسسة خيرية لكن المعنى‬
‫المقصود أوسع من هذه األمثلة‪ .‬ويتفق الفقهاء على نوعين من المؤسسات‪ :‬المؤسسات الوظيفية‬
‫أو اآللية‪ )1( 1‬والمؤسسات الهياكل أو الهيكلية‪.)2( 2‬‬

‫‪ -1‬المؤسسة الوظيفية (أو اآللية) وهي كل بناء قانوني متكامل يمثل مجموعة قواعد قانونية‬
‫دائمة موجهة لتأطير نوع معين من أنواع الوضعيات القانونية المحددة‪ .3‬ويعرفها روبيي‬
‫بأنها "المجوعة العضوية التي تتضمن تنظيم معطى واقعي ودائم من الحياة االجتماعية والتي‬
‫تتكون من تشابك قواعد قانونية موجهة نحو هدف مشترك"‪ 4‬والمثال على ذلك مؤسسة العائلة‬
‫ومؤسسة المسؤولية المدنية ومؤسسة الملكية‪.‬‬

‫وتختلف المؤسسة بهذا المعنى عن القاعدة القانونية في أن األخيرة تكون عنص ار‬
‫من عناصر المؤسسة وفي خدمتها وأن المؤسسة تتميز بوحدة غايتها التي تساهم القاعدة في‬
‫تحقيقها‪ .‬والمؤسسة في هذا المعنى أيضا تتكون من مؤسسات فرعية تشترك في الهدف العام‪.‬‬

‫‪Institutions mécanismes 1‬‬


‫‪Institutions organes 2‬‬
‫‪BERGEL p.213 3‬‬
‫‪ROUBIER .p.20 4‬‬

‫‪32‬‬
‫والمثال في مؤسسة العائلة مؤسسة الزواج التي تمثل اإلطار القانوني لبناء العائلة ومؤسسة‬
‫النسب التي تؤسس إلى العالقات العائلية القائمة على الرابطة الدموية ومؤسسة النفقة التي‬
‫تسعى إلى ضمان الموارد المالية ألفراد العائلة وتحديد المدين بواجب اإلنفاق‪.‬‬

‫‪-2‬المؤسسة الهيكلية (في التصور ودون أن يكون هناك بالضرورة تمثل مادي لها) تشير‬
‫إلى الهياكل التي تكون لها عموما الشخصية المعنوية‪ .‬فالدولة مؤسسة ولعلها من أبرز األمثلة‬
‫على المفهوم‪ .‬فهي ذات معنوية (اعتبارية) ذات سيادة تشمل كامل ترابها تمارس سلطاتها على‬
‫مجموعة بشرية (الشعب) وتحتكر وسائل القوة المنظمة (الجيش األمن) وتسيرها هيئات‬
‫(حكومة) وتخضع في تسييرها إلى نظام قانوني‪ .‬وهي بدورها تستوجب وجود وتداخل وتفاعل‬
‫مؤسسات أخرى كالقضاء واإلدارة واألمن والجيش والمؤسسات الدستورية مثل مجلس نواب‬
‫الشعب أو المحكمة الدستورية (في نفس الوقت مؤسسة قضائية)‪.‬‬

‫وهناك أيضا مؤسسات هيكلية غير عمومية وهي خاضعة إلى القانون الخاص وتكون‬
‫مرتبطة في أهدافها بتحقيق غايات النظام االقتصادي (شركات‪ ،‬تجار فرديون‪ ،‬حرفيون ‪)....‬‬
‫أو االجتماعي (نقابات‪ ،‬جمعيات ‪.)....‬‬

‫وال يخفى أن هذه التفرقة ال تعني الفصل بين الصنفين فكالهما في خدمة اآلخر‪ ،‬فال‬
‫غنى للمؤسسة الهيكلية عن المؤسسة الوظيفية وقد يتداخل المفهومان في نفس الصنف‪ .‬فعندما‬
‫نتحدث عن الشركة التجارية نرى أنها في نفس الوقت مؤسسة وظيفية تقوم على جملة من‬
‫القواعد القانونية الرامية إلى توفير اإلطار القانوني لممارسة النشاط االقتصادي وهي في نفس‬
‫الوقت مؤسسة هيكلية (الشركة التجارية مثال) تهدف إلى تحقيق األرباح قصد تقاسمها بين‬
‫الشركاء‪.‬‬

‫وسواء كانت المؤسسة هيكلية أو وظيفية فإنها تقوم على فكرة وحدة الهدف إذ ال عبرة‬
‫للمؤسسة دون الهدف الذي يبرر وجودها‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫والمؤسسات تقوم من جهة أخرى على فكرة االستمرارية أو الدوام فالدولة مثال ال تنشأ‬
‫لتضمحل بل هي تنشأ أو توجد لتكون مستمرة لما في ذلك من تحقيق الصالح العام لمواطنيها‬
‫ولها هي ف ي حد ذاتها ككائن قانوني من جملة الدول‪ .‬من أجل ذلك ال تعتبر الوضعيات‬
‫المنعزلة التي ال تتسم بصفة االستمرار من قبل المؤسسات والمثال على ذلك ما نسميه بالوقائع‬
‫مثل األفعال الضارة التي ينتج عنها بحكم القانون واجب التعويض وذلك لعدم امتداد تأثيرها‬
‫في الزمان‪ .‬أما ا لمسؤولية المدنية باعتبارها جملة القواعد والمبادئ الضامنة للحق في التعويض‬
‫عن األضرار فإنها تعتبر من المؤسسات القانونية التي تتكون منها المنظومة القانونية لتحقق‬
‫الغاية من تصورها وتعبر عن توجهات المشرع في ضمان استقرار األوضاع في أال يبقى‬
‫متضرر في وضع الضرر الذي لحقه دون أن يتحمل المتسبب في ذلك الضرر بأي تبعة عما‬
‫تسبب فيه‪.‬‬

‫كذلك ال يعتبر الحوز مؤسسة ( والحوز هو السيطرة الفعلية لشخص على حق أو شيء‪،‬‬
‫الفصل ‪ 38‬م ح ع ) وذلك العتباره عمال ماديا (رغم أنه يمكن أن يحدث آثا ار قانونية‪ ،‬لكنها‬
‫آثار ال تحدث إال إذا قررها المشرع طبق شروط محددة ونعني الحوز المكسب للملكية ‪،‬‬
‫الفصول ‪ 45‬وما بعه م ح ع)‪ .‬بينما تعتبر الملكية مؤسسة قانونية (راجع الفقرة الموالية)‪.‬‬

‫ب‪-‬وظائف المؤسسة‬

‫تقدر وظائف المؤسسة بحسب األهداف التي ترمي إلى تحقيقها‪ .‬فهي شبيهة باآللة‬
‫الواحدة التي تستوجب ألداء وظيفتها توفر وتداخل مكونات أخرى ضرورية لتحقيق الغاية من‬
‫استعمالها‪ .‬كل مكون يؤدي وظيفة والكل في خدمة هدف واحد (الحاسوب ‪ ،‬السيارة ‪)...‬‬

‫فالزواج مؤسسة قانونية (ليس األمر مجرد عقد بين امرأة ورجل‪ ،‬هو عالقة محاطة‬
‫بتنظيم دقيق ال تربط وال تحل إال بمقتضى قواعد آمرة) وهو بدوره في خدمة مؤسسة العائلة‬
‫(العائلة القائمة على الزواج) وهي مؤسسة تعبر عن توجهات وتصورات عامة هادفة إلى اعتبار‬
‫العائلة عنص ار من العناصر التي تحدد بها الدولة توجهات منظومتها القانونية واألفكار والمبادئ‬
‫‪34‬‬
‫التي تسوسها‪ .‬وكذلك فإن الملكية مؤسسة وهي مجموعة القواعد والمبادئ التي تحدد طرق‬
‫اكتساب الملكية والتصرف فيها ودوامها أو زوالها ووظائفها في إطار تصور عام للملكية كأداة‬
‫في إطار النظام االقتصادي‪ ،‬كأن تكون سياسة الدولة موجهة العتبار الملكية الفردية أو‬
‫الجماعية ركيزة لتوجهاتها االقتصادية (اقتصاد رأسمالي أو اشتراكي‪).‬‬

‫وكل مؤسسة في النظام القانوني تكون بالضرورة مترابطة بغيرها بما يفترض التناسق‬
‫أو التنسيق بينها‪ ،‬كل ذلك من أجل تحقيق الهدف المشترك إلى جانب تحقيق األهداف الخاصة‪.‬‬
‫فالدولة كمؤسسة تهدف إلى تحقيق األمن العام بها فتكون لذلك الغرض كل المؤسسات األخرى‬
‫(القضاء‪ ،‬األمن واإلدارة والسجون) موجهة لتحقيق ذلك الهدف فضال عن تحقيق األهداف‬
‫الخاصة كل منها (القضاء يسعى إلى تحقيق األمن‪ ،‬األمن يسعى إلى فرض النظام ‪.)....‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬الفروع واالختصاصات‬

‫لكل دولة نظام قانوني قائم الذات وبما أن الدول ال تعيش في عزلة عن بعضها البعض‬
‫تكون هناك قواعد مختلفة تنظم العالقات بينها وهي االتفاقيات دولية الثنائية أو متعددة األطراف‬
‫تهم مختلف الميادين ومنها التي يهم عالقات األفراد (عائلة ‪ ،‬استثمار‪.)...‬كما أن العالقات‬
‫التي تهم الخواص والتي توجب تطبيق قواعد تهم حالتهم الشخصية أو الميراث قد تستوجب‬
‫تفعيل أنظمة قانونية مختلفة وتتكفل كل دولة بمعالجتها في إطار ما يعرف باسم القانون الدولي‬
‫الخاص ‪ .‬أما على المستوى الداخلي فالمنظومة القانونية تتفرع بدورها إلى قسمين القانون العام‬
‫والقانون خاص (أ) وكالهما يتفرع إلى فروع تجمع مواد مختلفة نركز في شأنها على فروع‬
‫القانون الخاص (ب)‪.‬‬

‫أ‪-‬القانون الخاص والقانون العام‬

‫يقسم القانون إلى قسمين أساسيين ‪ :‬القانون العام والقانون الخاص (الحظ أن استعمال‬
‫عام يوجب عدم الخلط فيما يتعلق بعمومية القاعدة القانونية وأن هذا التقسيم ال يؤثر في شيء‬

‫‪35‬‬
‫على خصائص القاعدة القانونية التي تصاحبها سواء كان ذلك في إطار العالقات العمومية‬
‫أو الخاصة)‪.‬‬

‫فالمقصود بالعام هو طبيعة العالقات المعنية أي كل ما يهم السلط العمومية‪ .‬فيهتم‬


‫القانون العام بتنظيم وتسيير السلطات العامة (أو العمومية) سواء في تنظيمها الداخلي أو في‬
‫عالقتها مع العموم (الخواص) بينما يهتم القانون الخاص بتنظيم العالقات الخاصة التي تربط‬
‫بين األفراد في مختلف ميادين الحياة‪.‬‬

‫ويشمل القانون العام القانون الدستوري وهو الذي يهتم بتنظيم وتوزيع وضبط‬
‫اختصاصات السلطات العامة والعالقات بينها والحقوق والحريات العامة والهيئات الدستورية‬
‫المستقلة (تشريعية وتنفيذية وقضائية) كما يشمل القانون العام القانون اإلداري وهو الذي يعتني‬
‫بمختلف اختصاصات اإلدارة وعالقاتها باألفراد وتنفيذ ق ارراتها والطعن فيها والمسؤولية المترتبة‬
‫عن أفعال اإلدارة‪ .‬كما يدرج بالقانون العام قانون المالية العمومية ويهتم بميزانية الدولة والديون‬
‫العمومية ويلحق بالقانون العام كذلك القانون الدولي العام وهو يهتم بالعالقات بين الدول في‬
‫إطار المعاهدات والمنظمات الدولية (األمم المتحدة) أو اإلقليمية (االتحاد اإلفريقي) والمؤسسات‬
‫الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ‪ .)...‬أما القانون الخاص فيشمل القانون المدني‬
‫وقانون اإلجراءات المدنية والقانون التجاري ‪....‬‬

‫لهذا التقسيم أهمية بيداغوجية لكنه ال يستجيب ألي معيار واضح بما يترتب عنه‬
‫تصنيفات اعتباطية‪ .‬فعلى سبيل المثال يصنف القانون الجزائي وقانون اإلجراءات الجزائية‬
‫ويدرسان كمادتين من مواد القانون الخاص والحال أنهما يمثالن أهم مظاهر سلطة الدولة في‬
‫تصور وتنفيذ سياساتها الجزائية في ضبط الجرائم والعقوبات وطرق تتبعها وإجراءات المحاكمة‬
‫وتنفيذ العقوبة‪ ،‬ويصنف القانون الجبائي كمادة من مواد القانون العام‪ 1‬والحال انه يهم الحياة‬

‫انظر رأيا مخالفا يعتبر القانون الجبائي من مواد القانون الخاص الشرفي والمزغني ص ‪.329‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪36‬‬
‫اليومية لكل مواطن ومختلف العقود التي يبرمها بصورة ال يكاد ميدان من الحياة االقتصادية‬
‫يخلو من تأثيره‪.‬‬

‫وال بد من القول إن هذه التفرقة تجاوزتها األحداث فضال على أن فهم المنظومة القانونية‬
‫يقتضي أال يقع الفصل بين مختلف الفروع فصال جامدا بما يؤدي إلى العلم بفرع وجهل الفروع‬
‫األخرى‪ .‬فعلم القانون علم متعدد االختصاصات المقتضي لضرورة العالقات بينها وتشابكها‬
‫وحاجة بعضها إلى البعض اآلخر‪ .‬فالقول مثال بالتخصص في القانون المدني أو التجاري أو‬
‫غيرهما ال يعني االكتفاء بما فيهما من قواعد ومبادئ بل يقتضي أن يكون ذلك التخصص‬
‫منفتحا على مختلف الفروع والمواد األخرى‪ .‬فهذا العلم سيكون بالضرورة ناقصا إذا اقتصر‬
‫على القواعد األصلية دون اإلجراءات وإذا اقتصر على القواعد الخاصة بميدان محدد فيه‬
‫كميدان العقود أو الشركات دون العلم أو على األقل االحتياط إلى القواعد األخرى المرتبطة به‬
‫بالضرورة على غرار القواعد الجبائية فعقد البيع الواقع على العقار مثال ‪ ،‬خاضع للتسجيل‬
‫بالقباضة ويكون من الالزم المعرفة باألحكام الجبائية في ذلك الميدان (متى يتم التسجيل ‪ ،‬ما‬
‫هي المعاليم ‪) ...‬‬

‫ب‪-‬فروع القانون الخاص‬

‫نستعرض مختلف مواد القانون الخاص (‪ )1‬قبل التعرض إلى مركز القانون المدني من‬
‫مواد القانون الخاص (‪.)2‬‬

‫‪-1‬مواد القانون الخاص‬

‫إن أبرز مواد القانون الخاص هو القانون المدني وهو الذي يمكن تعريفه بأنه جملة‬
‫القواعد والمبادئ المنظمة للعالقات الخاصة لألفراد أشخاصا طبيعيين أو ذوات معنوية سواء‬
‫منها ما تعلق بتبادل المنافع واألموال من بيع أو كراء أو وكالة أو ما تعلق بعالقاتهم االجتماعية‬
‫من زواج وطالق وتتفرع هذه المواد إلى فروع تهتم باألموال (الحقوق العينية) األشخاص (الحالة‬

‫‪37‬‬
‫المدنية واألحوال الشخصية) وااللتزامات (العقدية وغير العقدية) والتأمينات (الشخصية‬
‫والعينية)‪.‬‬

‫يعود أصل التسمية الموروث الفرنسي الذي كان بدوره قائما على الموروث الروماني‪.‬‬
‫فالمدني نسبة إلى المدينة أي القواعد التي تنظم العالقات بين نفس مواطني المدينة مقارنة‬
‫بالقواعد المنطبقة على األجانب‪ .1‬وهي تسمية مفروضة بحكم العادة في نظامنا القانوني وهي‬
‫ال تحمل نفس المدلول عندما يتعلق بأنظمة ال تنتمي إلى النظام الفرنسي واألنظمة القريبة‬
‫فعبارة القانون المدني‪ 2‬في اإلطار األنقلوسكسوني تقابلها القانون المشترك‪( 3‬القائم على نظام‬
‫السابقة القضائية) وبقصد بها نظام القانون المكتوب‪ .‬كما أنها تسمية ال يقرها نظام الفقه‬
‫اإلسالمي الذي يقوم على التفرقة بين فقه العبادات وفقه المعامالت والذي ال يقوم على أي‬
‫تمييز بين "فقه مدني" و"فقه جزائي" و"فقه تجاري" بل تصنف المسائل بحسب مواضيعها (باب‬
‫األقضية باب البيوع ‪ ،‬باب اإلجارة‪. )...‬‬

‫لكن ال بد من التنبيه أن القانون المدني ال ينحصر في مجلة من المجالت المصنفة‬


‫بكونها مجالت مدنية (مجلة االلتزامات والعقود ومجلة األحوال الشخصية ومجلة الحقوق‬
‫العينية ومجلة الحالة المدنية) بل هو موجود فيها وفي مختلف المصادر (فقه القضاء والعرف)‬
‫والنصوص الخاصة التي تنظم مسألة من المسائل مثل األكرية الفالحية‪.‬‬

‫القانون التجاري وهو فرع آخر من فروع القانون الخاص وهو مجموع القواعد التي‬
‫تضبط النشاط التجاري (األعمال التجارية) والفاعلين في الميدان التجاري (التجار والشركات‬
‫التجارية) والعالقات بينهم وبين بعضهم البعض وبينهم وبين حرفائهم من غير التجار واألوراق‬
‫التجارية (الكنبيالة والسند لألمر) والعقود التجارية والنزاعات التجارية واإلجراءات الجماعية‬
‫(إجراءات إنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية والتفليس) وربما تفرعت عنه مواد‬

‫شرف الدين‪ ،‬فقرة ‪..2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪Civil Law 2‬‬


‫‪Common Law 3‬‬

‫‪38‬‬
‫أخرى مثل قانون العالقات البنكية للحديث عن قانون بنكي ومجال النقل بمختلف أصنافه‬
‫(البري والبحري والجوي) للحديث عن قانون النقل‪.‬‬

‫قانون المرافعات المدنية والتجارية ويسمى كذلك قانون اإلجراءات المدنية أو القانون‬
‫العدلي الخاص هو أيضا من مواد القانون الخاص‪ .‬وهو يضبط تنظيم واختصاص مختلف‬
‫المحاكم واإلجراءات السابقة للتنازع والمتبعة أمام المحاكم وطرق الطعن في األحكام كما يضبط‬

‫إجراءات تنفيذ تلك األحكام ما يسمى بطرق التنفيذ وأهمها ُ‬


‫العقل (مفرد عقلة) باختالف أنواعها‬
‫(تحفظية‪ ،‬توقيفية وتنفيذية) وتوزيع األموال المترتبة عن التنفيذ‪.‬‬

‫كذلك يلحق بالقانون الخاص القانون الجزائي وقانون اإلجراءات الجزائية‪ .‬ويتمثل‬
‫موضوع القانون الجزائي في ضبط األحكام العامة المتعلقة بالتجريم والعقاب (القانون الجزائي‬
‫العام) ومختلف أصناف الجرائم وعقوباتها (القانون الجزائي الخاص)‪ .‬أما قانون اإلجراءات‬
‫الجزائية فموضوعه ضبط المسائل المتعلقة بالدعوى العمومية وتحريكها واالحتفاظ والتحقيق‬
‫في الجرائم واختصاص المحاكم وتركيبها وطرق الطعن في أحكامها وتنفيذ العقوبات‪.‬‬

‫قانون الشغل هو فرع آخر من فروع القانون الخاص يهتم بتنظيم عالقات الشغل الفردية‬
‫أو الجماعية أي العالقات القائمة على عقود عمل بين مؤجر وأجير فيما يتعلق بقيامها وانتهائها‬
‫وااللتزامات والمترتبة عنها (األجر والعطل وساعات العمل ‪ )...‬والنزاعات التي تنشأ عنها‬
‫ويظم كذلك االتفاقيات المشتركة التي تبرم بين المنظمات الممثلة للعملة األعراف‪.‬‬

‫القانون الدولي الخاص هو الفرع الذي يضع القواعد والمبادئ التي تقررها كل دولة‬
‫لتنظيم الع القات الخاصة التي تتضمن عنص ار أجنبيا من ذلك تنظيم الزواج والطالق والنسب‬
‫عندما يكون أحد طرفي العالقة أجنبيا وبوجه عام ينظم القانون الدولي الخاص مسائل تنازع‬
‫القوانين في الزمان وتنازع اختصاص المحاكم والجنسية ومركز األجانب‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪-2‬مركز القانون المدني من القانون الخاص ومختلف مواده‬

‫في المفهوم المذكور أعاله يعتبر القانون المدني "األصل العام" بالنسبة إلى مختلف مواد‬
‫القانون عموما ومختلف مواد القانون الخاص على وجه التحديد وهو يسمى أيضا بالشريعة‬
‫العامة (واألفضل أال نقول في وصف األصل العام أو الشريعة العامة "القانون العام" لسابقية‬
‫تخصيصه بالفرع المترتب عن تقسيم القانون إلى عام وخاص)‪.‬‬

‫واألصل العام هو مجمل القواعد والمبادئ التي تكون قابلة لالنطباق إال إذا توفر حكم‬
‫خاص‪ .‬بهذا المعنى يؤدي القانون المدني دور الشريعة العامة التي لها قابلية االنطباق على‬
‫كافة الوضعيات‪ ،‬وكذلك كان األمر حتى تفرعت فروع أخرى عن األصل العام واستقلت عنه‬
‫أو نزعت نحو االستقالل (القانون التجاري وقانون الشغل وقانون التأمين)‪.‬‬

‫وتوجب هذه الخاصية أن يقع الوقوف على أهم النتائج المترتبة عنها‪ ،‬ففكرة األصل‬
‫العام بما تعنيه من قابلية االنطباق على كل األوضاع عدا ما خرج عنها بنص خاص تجعل‬
‫األصل العام ذا ميدان تدخل احتياطي فالمفروض منهجيا وقانونيا أال يقع العمل بالحل‬
‫المترتب عن األصل العام إال في صورة التأكد من انعدام حل خاص أما إذا وجد نص خاص‬
‫فإنه يكون ذا أولوية في التطبيق عمال بقاعدة أساسية مضمونها أن الخاص يقدم على العام‬
‫أو الخاص يزيح العام‪ .‬والمثال ما تعلق بسقوط الدعوى بمرور الزمن فالنص العام وهو الفصل‬
‫‪ 402‬م ا ع يحدد أجل السقوط بخمسة عشر عاما والنص الخاص وهو الفصل ‪ 403‬م ا ع‬
‫يحددها بعام ذي ‪ 365‬يوما إذا كان الطالب من المصحات التي تطالب بمصاريف العالج‪.‬‬
‫فإذا كان الطالب هذه المصحة فال نطبق النص العام بل النص الخاص‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المقومات الهيكلية‪ :‬المؤسسات القضائية‬

‫(التنظيم القضائي)‬

‫ليست المنظومة القانونية تصو ار مجردا بل هي أداة تنظيم تحتاج بدورها إلى مؤسسات‬
‫مختلفة لتفعيل أحكام القانون أي لجعله فاعال في الواقع فال يهم سن قانون وال يقع تنفيذه‬
‫خاصة إذا نشأ عن ذلك التطبيق خالف ففي هذا الوضع ال بد من اللجوء إلى سلطة يقع‬
‫االحتكام إليها لفضه بطريقة سلمية عمال بالمبدأ القائل بعدم جواز أن يقتص الشخص لنفسه‬
‫بنفسه‪ ،‬وهو ما يبرر اعتماد المنظومة على السلطة القضائية بجميع مكوناتها من مؤسسات‬
‫قضائية أو ما يسمى بالتنظيم القضائي أو المنظومة القضائية (المحاكم باختالفها) التي هي‬
‫مكون أساسي من مكونات المنظومة القانونية‪ .‬والمقصود بالقضائي هو قضاء الدولة أي ما‬
‫هو راجع في تنظيمه وتسييره إلى الدولة تميي از له عما يسمى بالقضاء الخاص وهو التحكيم‪.‬‬
‫والمنظومة القضائية تتفرع بدورها إلى ثالث أنظمة‪ :‬القضاء العدلي والقضاء اإلداري والقضاء‬
‫المالي ويشترك التنظيم القضائي بفروعه في جملة من المبادئ العامة (الفقرة األولى) بينما‬
‫يخضع تنظيم القضاء العدلي إلى أحكام خاصة (الفقرة الثانية)‬

‫المبحث الفرعي األول‪ :‬المبادئ العامة للتنظيم القضائي‬

‫المبادئ المنظمة لالختصاص (فقرة أولى) المبادئ المتعلقة بالضمانات (فقرة ثانية)‬

‫الفقرة األولى‪-‬المبادئ المنظمة لالختصاص‬

‫االختصاص (أ)‪ ،‬التراتبية وطرق الطعن (ب)‪.‬‬

‫أ‪-‬االختصاص‬

‫االختصاص أو مرجع النظر هو نطاق سلطة محكمة من محاكم الدولة للبت في‬
‫النزاعات‪ .‬ويقع التمييز بين االختصاص أو مرجع النظر الحكمي واالختصاص أو مرجع‬

‫‪41‬‬
‫النظر الترابي (‪ )1‬والتمييز بين القضاء الفردي والقضاء المجلسي (‪ )2‬واالختصاص المدني‬
‫واالختصاص الجزائي (‪ )3‬كما ينبغي التمييز بين اختصاص المحاكم العدلية واختصاص‬
‫القضاء اإلداري (‪ )4‬وبيان ما تمتاز به المحكمة الدستورية (‪.)5‬‬

‫‪-1‬االختصاص الحكمي واالختصاص الترابي‬

‫االختصاص الحكمي هو األهلية التي يقرها القانون لمحكمة من المحاكم للنظر في‬
‫نوع معين من الخصومات باالعتماد على طبيعة النزاع (دعوى شخصية‪ ،‬دعوى عينية‪ ،‬دعوى‬
‫مختلطة كما يعرفها الفصل ‪ 20‬من مجلة المرافعات المدنية والتجارية) ومقدار المال المطلوب‪.‬‬

‫ففي نزاع يتعلق بالتعويض عن ضرر ناتج عن عدم الوفاء بعقد (دعوى شخصية)‬
‫ال يكون المقدار المطلوب معلوما مسبقا وفي هذه الحالة نطبق الفصل ‪ 22‬م م م ت الذي‬
‫نص أنه "إذا كانت قيمة الشيء المتنازع فيه ال يمكن تعيينها فالمحكمة االبتدائية يمكنها وحدها‬
‫النظر في الدعوى‪ .‬ويقرر الفصل ‪ 40‬فقرة أولى من المجلة ذاتها أنه "تنظر المحكمة االبتدائية‬
‫في جميع الدعاوى عدا ما خرج عنها بنص خاص"‪ .‬وبهذه الطريقة يحدد هذا الفصل مرجع‬
‫النظر الحكمي للمحاكم االبتدائية عموما‪.‬‬

‫لكن ال توجد محكمة ابتدائية وحيدة‪ ،‬فهذه المحاكم موزعة على كامل البالد (وعددها ‪29‬‬
‫)‪ 1‬ويكون من مصلحة المتقاضي العلم أي منها سيكون مختصا بالنظر في قضيته‪ .‬وهنا‬
‫تظهر فكرة االختصاص أو مرجع النظر الترابي الذي يحدد من بين المحاكم المختصة حكميا‬
‫أي محكمة في أي منطقة ترابية يكون لها االختصاص (من بين المحاكم االبتدائية في البالد‬
‫أيها تكون مختصة) والمبدأ في هذه الوضعية هو محكمة مقر المطلوب إذ ينص الفصل ‪30‬‬
‫م م م ت أن المطلوب شخصا كان أو ذاتا معنوية يلزم محاكمته لدى المحكمة التي بدائرتها‬
‫مقره األصلي أو مقره المختار"‪(.‬المقر األصلي هو الذي يسكن فيه الشخص عادة والمقر‬

‫‪ 1‬تونس ‪ ،5‬نابل ‪ ،3‬بنزرت ‪ ،2‬الكاف ‪ ،4‬سوسة ‪ ،3‬المنستير ‪ ،2‬صفاقس ‪ ،2‬قفصة ‪ ،2‬قابس ‪ ،2‬مدنين ‪ ،2‬القصرين ‪ ،1‬سيدي بوزيد ‪.1‬‬

‫‪42‬‬
‫المختار هو الذي يعينه االتفاق أو القانون لتنفيذ االلتزام‪ ،‬الفصل ‪ 7‬م م م ت)‪ .‬وتوجد إلى‬
‫جانب المبدأ استثناءات أهمها ‪:‬‬

‫‪-1‬اختصاص المحكمة االبتدائية بتونس في القضايا التي تكون الدولة طرفا فيها (الفصل‬
‫‪ 32‬م م م ت)‪.‬‬

‫‪-2‬في الدعاوى المتعلقة بالتركات‪ :‬اختصاص المحكمة التي افتتحت بدائرتها التركة‬
‫(الفصل ‪ 34‬فقرة أولى م م م ت)‪.‬‬

‫‪ -3‬اختصاص المحكمة التي يقع العقار بدائرتها‪ :‬في الدعاوى االستحقاقية والحوزية‬
‫والدعاوى الشخصية التي يقع القيام بها بمناسبة األضرار التي تلحق العقار (الفصل ‪ 38‬م م‬
‫م ت)‪.‬‬

‫وتظهر أهمية التفرقة أساسا في أن قواعد االختصاص الحكمي تهم النظام تثيرها المحكمة‬
‫من تلقاء نفسها ويجوز لألطراف التمسك بها في أي طور من أطوار التقاضي (الفصل ‪17‬‬
‫م م م ت) وكذلك ألول مرة أمام محكمة التعقيب‪.‬‬

‫‪ -2‬القضاء الفردي والقضاء المجلسي‬

‫يكون القضاء مجلسيا عندما يتعدد القضاة المنتصبون للحكم في القضايا المعروضة عليهم‬
‫ويكون فرديا إذا كان هناك قاض وحيد لذلك الغرض‪ .‬والمبدأ أن يكون القضاء مجلسيا إذ أن‬
‫التركيبة العادية للمحاكم‪ .‬وهو الشأن بالنسبة إلى المحكمة االبتدائية التي تتكون هيئتها من‬
‫رئيس وقاضيين إلى جانب كاتب المحكمة (الفصل ‪ 40‬م م م ت فقرة ‪ )3‬عندما تنظر في‬
‫القضايا المدنية وكذلك الشأن بالنسبة إلى محكمة االستئناف التي تتكون من رئيس ومستشارين‬
‫إلى جانب كاتب المحكمة (الفصل ‪ 41‬فقرة ‪ 2‬م م م ت )‪ .‬ويعتقد أن التركيبة الجماعية أقرب‬
‫إلى تحقيق العدل نتيجة لمفاوضة تضمن السرية (الفصل ‪ 121‬م م م ت ‪ ،‬تكون المفاوضة‬
‫سرية دون أ يحرر فيها أثر كتابي) تتمخض عنها أغلبية (الفصل ‪ 120‬م م م ت )‪ .‬لكن تكاثر‬

‫‪43‬‬
‫القضايا والنقص في اإلطار القضائي أوجب تخصيص نوع من القضايا بقاض فردي يكون‬
‫في األغلب من ذوي األقدمية التي تفترض معها الخبرة وهذا هو الشأن في القضايا االستعجالية‬
‫أو في محاكم النواحي وقاضي الضمان االجتماعي وقاضي السجالت‪.‬‬

‫‪ -3‬االختصاص المدني واالختصاص الجزائي‬

‫يقتضي التمييز بين القانون المدني والقانون الجزائي أن يكون فصل النزاعات من قبل‬
‫هيئات قضائية تتعهد كل منها بالقضايا التابعة للمادة المعنية‪ .‬فتنظر في القضايا المدنية دوائر‬
‫مدنية وفي القضية الجزائية دوائر جناحية ودوائر جنائية‪ .‬ولكن هذا الفصل في االختصاصات‬
‫ال يترتب عنه فصل في الهياكل‪ ،‬فالدوائر المذكورة تمارس نشاطها في نفس المبنى مهما كانت‬
‫المحكمة (ناحية‪ ،‬ابتدائية‪ ،‬استئناف‪ ،‬تعقيب )‪.‬‬

‫‪-4‬الن ازعات اإلدارية والنزاعات العدلية‬

‫تبنى المشرع نظام تعددية النظم القضائية (عدلي إداري ومالي) وميز باألساس بين النزاعات‬
‫العدلية والنزاعات اإلدارية وخص هذه بتنظيم قضائي وهو نظام المحكمة اإلدارية المقرر‬
‫بالقانون عدد ‪ 40‬المؤرخ في ‪ 01‬جوان ‪ 1972‬التي تختص بالنظر في جميع النزاعات اإلدارية‬
‫عدا ما خرج عنها بنص خاص ومنها دعاوى تجاوز السلطة (الفصل ‪ 2‬من القانون) وكما كان‬
‫متوقعا ظهرت حاالت من التنازع بين المحاكم العدلية والمحكمة اإلدارية وهو ما أدى إلى‬
‫إحداث مجلس تنازع االختصاص بمقتضى القانون األساسي عدد ‪ 38‬المؤرخ في ‪ 3‬جوان‬
‫‪ 1996‬المتعلق بتوزيع االختصاص بين المحاكم العدلية والمحكمة اإلدارية وإحداث مجلس‬
‫تنازع االختصاص وعهد إلى األخير البت في مسائل االختصاص المعروضة عليه‪.‬‬

‫‪-5‬القضاء الدستوري‬

‫أقر الدستور المحكمة الدستورية واعتبرها ضمن السلطة القضائية (الفصول ‪ 118‬وما بعده‬
‫د) ولكن القضاء الدستوري يتميز عن األقضية األخرى بأنه غير مكلف بفض النزاعات بين‬

‫‪44‬‬
‫خصوم بل بتقرير ما إذا كان مشروع القانون مطابقا للدستور أو إثر طعن بعدم الدستورية ما‬
‫إذا كان القانون المطعون فيه مطابقا أو مخالفا للدستور‪.‬‬

‫ب‪-‬التراتبية وطرق الطعن‬

‫ليست كل المحاكم متساوية الدرجة فهناك محاكم دنيا ومحاكم أعلى في الترتيب‪ .‬فالتنظيم‬
‫القضائي يخضع لمبدإ التراتبية ضمانا لحقوق المتقاضين في أال يتم فصل نزاعاتهم من قبل‬
‫محكمة وحيدة ويكون لهم تبعا لذلك إمكانية الطعن في األحكام الصادرة ضدهم أمام محكمة‬
‫أعلى درجة‪.‬‬

‫وينظم المشرع طرق الطعن في األحكام ويصنفها إلى طريقة طعن عادية وهي االستئناف‬
‫وطريقة طعن غير عادية وهي التعقيب وهما طريقتان تعتمدان على التراتبية فمن صدر ضده‬
‫حكم ابتدائي الدرجة فذلك الحكم يكون قابال للطعن باالستئناف أمام المحكمة االستئنافية وهي‬
‫أعلى درجة في الترتيب من المحكمة التي أصدرت حكم البداية‪ .‬والحكم االستئنافي وهو حكم‬
‫نهائي الدرجة يكون قابال للتعقيب أمام محكمة التعقيب التي هي المحكمة األعلى في هرم‬
‫التنظيم القضائي العدلي‪.‬‬

‫وهناك طرق طعن أخرى ال تخضع إلى التراتبية وهي التماس إعادة النظر ويرفع للمحكمة‬
‫التي أصدرت الحكم ألسباب محددة حص ار بالفصل ‪ 156‬م م م ت (وقوع خديعة من الخصم‪،‬‬
‫ثبوت زور الرسوم التي انبنى عليها الحكم‪ ،‬الظفر بوثيقة كانت ممنوعة بفعل الخصم) و‬
‫اعتراض الغير وهي وسيلة طعن ممنوحة لمن لم يكن طرفا في قضية و صدر حكم أضر‬
‫بحقوقه ولم يسبق أن تم استدعاؤه للتداخل في القضية‪ ،‬واالعتراض يتم أيضا أمام المحكمة‬
‫التي أصدرته‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫الفقرة الثانية‪-‬المبادئ المتعلقة بالضمانات‬

‫بالنظر إلى ما للقضاء من تأثير على الحقوق والحريات فقد أحاط دستور ‪2014‬‬
‫القضاء بضمانات متعددة اتخذت شكل مبادئ دستورية‪ ،‬فقد أقر الحق في التقاضي والدفاع‬
‫وأن القانون ييسر اللجوء إلى القضاء وضمن المساواة أمام القضاء ومجانية التقاضي والحق‬
‫في محاكمة عادلة (الفصل ‪ 108‬من الدستور) كما أقر مبدأ التقاضي على درجتين (الفصل‬
‫‪ 108‬فقرة ‪ )3‬وأكد استقاللية القضاء (الفصل ‪ 102‬د) ومنع التدخل فيه (الفصل ‪ )109‬وكرس‬
‫مبدأ حياد القاضي (الفصل ‪ )103‬وأقر مبدأ العلنية كما أقر مبدأ أحداث المحاكم بقوانين ومنع‬
‫أحداث المحاكم االستثنائية (الفصل ‪.) 110‬‬

‫المبحث الفرعي الثاني‪ :‬تنظيم القضاء العدلي‬

‫اإلطار القضائي (فقرة أولى) أصناف المحاكم (فقرة ثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اإلطار القضائي‬

‫اإلطار المكون لهيئة المحكمة (أ) المحامون ومساعدو القضاء(ب)‬

‫أ‪-‬اإلطار المكون لهيئة المحكمة‬

‫يتكون هذا اإلطار من القضاة (‪ )1‬ومن كتبة المحاكم (‪)2‬‬

‫‪-1‬القضاة‬

‫القضاة هم أعضاء المحاكم مهما كانت تركيبتها (مجلسية أو فردية) وال تطلق التسمية‬
‫إال على المهنيين منهم الواقع انتدابهم وتعيينهم طبق أحكام الدستور وقانون المجلس األعلى‬
‫للقضاء‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫قانون أساسي عدد ‪ 34‬لسنة ‪ِ 2016‬‬
‫مؤرخ في ‪ 28‬أفريل ‪ 2016‬يتعلق بالمجلس األعلى للقضاء‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫وقد يتم اللجوء إلى غير القضاة ليكونوا أعضاء في هيئة قضائية وذلك على غرار‬
‫أعضاء الدوائر التجارية حيث ال يكون لهم إال رأي استشاري وال يؤثر غيابهم على تكوين‬
‫المحكمة وال على صحة اإلجراءات‪.‬‬

‫ويسمى القضاة المكونون لهيئة المحكمة بالقضاة الجالسين (أو القضاء الجالس) تميي از‬
‫لهم عن أعضاء النيابة العمومية أو القضاة الواقفون (القضاء الواقف)‪.‬‬

‫وأعضاء النيابة العمومية التي يعتبرها الدستور جزءا من القضاء العدلي (الفصل ‪115‬‬
‫د) هم مثل القضاة الجالسين وينتدبون وتتم تسميهم بنفس الطريقة ولكن التسمية التي تطلق‬
‫عليهم تفسر بكونهم يمثلون النيابة العمومية التي تتمثل مهامها في الدفاع عن مصالح المجتمع‬
‫ويخول لهم القانون الحق في القيام بكل القضايا كلما كانت هناك مصلحة شرعية تهم النظام‬
‫العام (طلب التصريح ببطالن زواج ) (الفصل ‪ 251‬م م م ت فقرة أولى ) كما أن القانون‬
‫يوجب على رئيس المحكمة أن يطلع ممثل النيابة العمومية قبل تاريخ الجلسة بثالثة أيام على‬
‫األقل على القضايا المتعلقة بالدولة أو الهيئات العمومية واالحتجاج بعدم االختصاص الحكمي‬
‫وبعديمي األهلية أو المفقودين وبالتجريح في الحكام أو مؤاخذتهم وبمخالفة القانون الجزائي أو‬
‫دعاوى الزور‪ ،‬ويوجب على ممثل النيابة تقديم مالحظاته كتابيا‪.‬‬

‫وفي بعض النصوص كما في مجلة الجنسية التونسية يكون وكيل الجمهورية لدى‬
‫المحكمة االبتدائية بصفة وجوبية طرفا في القضية التي تتعلق بثبوت الجنسية التونسية أو‬
‫نفيها‪.‬‬

‫واعتبا ار ألن مهامهم تشابه مهام أعضاء الدفاع عن االفراد أي المحامين فإنهم يترافعون‬
‫وقوفا‪ .‬لكن في القضايا المدنية وسواء أمام المحاكم االبتدائية أو محاكم االستئناف ال يكون‬
‫حضورهم إجباريا بل هو اختياري (الفصل ‪ 251‬فقرة ‪ 2‬م م م ت ) وأمام محكمة التعقيب‬
‫يحضر ممثل النيابة العمومية بحجرة الشورى في إطار الدوائر العادية (الفصل ‪ 188‬م م م‬
‫ت ) ويكون وكيل الدولة العام حاض ار عندما تنعقد الدوائر المجتمعة (الفصل ‪ 193‬م م م ت)‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫‪-2‬كتبة المحاكم‬

‫كتبة المحاكم هم أعضاء هيئة المحكمة (الفصل ‪ 40‬فقرة ‪ 3‬م م م ت بالنسبة إلى‬
‫المحاكم االبتدائية ودوائر محكمة التعقيب والفصل ‪ 190‬م م م ت)‪.‬‬

‫وهم موظفون عموميون يمثلون سلكا خاصا راجعا بالنظر إلى و ازرة العدل يستمدون‬
‫مشموالتهم من القوانين المنظمة لإلجراءات ويتولون مساعدة القضاء في أداء مهامه طبق ما‬
‫‪1‬‬
‫ينص عليه الفصل األول من األمر عدد ‪ 246‬لسنة ‪ 2012‬المؤرخ في ‪ 5‬ماي ‪2012‬‬
‫المتعلق بالنظام األساسي الخاص بسلك كتبة المحاكم ‪ ،‬وينظم األمر عدد ‪ 420‬لسنة ‪2018‬‬
‫المؤرخ في ‪ 7‬ماي ‪ 2018‬كتابات المحاكم من الصنف العدلي (محكمة التعقيب والمحكمة‬
‫العقارية وفروعها ومحاكم االستئناف والمحكم االبتدائية وحاكم النواحي)‪.‬‬

‫وهم مكلفون بمهام متعددة أبرزها ما ورد بمجلة المرافعات المدنية والتجارية من تلقي‬
‫العرائض ومطالب االستئناف واالعتراض والتعقيب ويمضي كشوف المؤيدات وتوجيه‬
‫المراسالت إلى الخبراء وتسليمهم ق اررات تكليفهم ويحضر بالجلسة ويسلم نسخ األحكام التنفيذية‬
‫والمجردة‪.‬‬

‫أما بالنسبة إلى المحكمة اإلدارية فإن كتبتها يخضعون إلى نظام أساسي خاص ضبطه‬
‫األمر عدد ‪ 2376‬لسنة ‪ 2004‬المؤرخ في ‪ 14‬أكتوبر ‪( 2004‬كما تم تنقيحه باألمر عدد‬
‫‪ 13‬لسنة ‪ 2015‬المؤرخ في ‪ 2‬جانفي ‪.)2015‬‬

‫ولكتبة المحكمة اإلدارية مهام مماثلة لمهام كتبة الحكام العدلية من تسجيل العرائض‬
‫المتعلقة بالنزاعات اإلدارية واللفات االستشارية وحضور الجلسات القضائية وتدوين أعمالها‬
‫وتسجيل األحكام وتسليم نسخ منها (الفصل ‪ 25‬من أمر ‪ 14‬أكتوبر ‪.)2004‬‬

‫‪ 1‬كما تم تنقيحه باألمر عدد ‪ 3609‬لسنة ‪ 2014‬المؤرخ في ‪ 3‬أكتوبر ‪2014‬‬

‫‪48‬‬
‫ب‪ -‬المحامون ومساعدو القضاء‬
‫‪-1‬المحامون‬

‫قبل دستور ‪ 2014‬كانت صفة مساعدي القضاء تطلق على المحامين عدول التنفيذ‬
‫والخبراء‪ ،‬لكن الفصل األول من المرسوم عدد ‪ 79‬لسنة ‪ 2011‬المؤرخ في ‪ 20‬أوت‬
‫‪ 2011‬أتى بتطور هام لما أسند صفة الشركاء في إقامة العدل للمحامين وقد تأكد هذا‬
‫التطور بدستور ‪ 2014‬بالفصل ‪ 105‬د الذي قرر أن المحاماة مهنة حرة مستلقة تشارك‬
‫في إقامة العدل والدفاع عن الحقوق والحريات‪.‬‬

‫وتتمثل مهامهم في عالقة بالقضاء في تمثيل موكليهم أمام مختلف المحاكم والهيئات‬
‫القضائية والتأديبية والتعديلية وأمام الضابطة العدلية والقيام بمختلف اإلجراءات في حقهم‪.‬‬
‫ومن أبرز مظاهر أهمية دور المحامين في هذا الشأن هو مبدأ اإلنابة اإلجبارية للمحامين‬
‫أمام المحاكم االبتدائية (الفصل ‪ 68‬م م م ت) وتستثنى من ذلك مادة األحوال الشخصية‬
‫وهي أيضا وجوبية أمام الدوائر االبتدائية للمحكمة اإلدارية باستثناء دعاوى تجاوز السلطة‬
‫(الفصل ‪ 35‬من قانون المحكمة اإلدارية وفي الطعن باالستئناف أمام المحاكم العدلية‬
‫(الفصل ‪ 130‬م م م ت) وأمام الدوائر االستئنافية للمحكمة اإلدارية (الفصل ‪ 59‬من قانون‬
‫ا لمحكمة اإلدارية) وفي الطعن بالتعقيب أمام محكمة التعقيب (الفصل ‪ 182‬م م م ت )‬
‫وأمام الجلسة العامة للمحكمة اإلدارية (الفصل ‪ 67‬من قانون المحكمة اإلدارية)‪.‬‬

‫‪ -2‬مساعدو القضاء‬

‫يتعدد مساعدو القضاء وتختلف مهامهم وتتفاوت أهميتها بحسب الدور الذي يسنده‬
‫لهم القانون في عالقة بالقضاء وهم أساسا العدول المنفذون (أ) والخبراء (ب) والمترجمون‬
‫المحلفون (ج) وعدول اإلشهاد (د)‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫أ‪-‬العدول المنفذون‬

‫وهم مأمورون عموميون يمارسون وظائفهم في إطار مهنة حرة ينظمها القانون‬
‫األساسي عدد ‪ 9‬لسنة ‪ 2018‬المؤرخ في ‪ 30‬جانفي ‪ 2018‬والمتعلق بتنظيم مهنة العدول‬
‫المنفذين‪.‬‬

‫وهي‬ ‫المذكور‬ ‫القانون‬ ‫‪13‬‬ ‫من‬ ‫الفصل‬ ‫المهام‬ ‫تلك‬ ‫حدد‬ ‫وقد‬
‫تحرير وتبليغ االحتجاجات واإلنذارات واإلعالمات والتنابيه وغيرها من المحاضر التي تقتضيها‬
‫يحدد القانون طريقة أخرى‬
‫مهنته وـتحرير وتبليغ االستدعاءات لدى الجهات القضائية ما لم ّ‬
‫للتبليغ و تنفيذ جميع السندات التنفيذية القضائية واإلدارية وإجراء المعاينات المادية والقيام‬
‫باإلجراءات المتعلقة بالبيوعات المرخص فيها من طرف المحاكم أو المخول له إتمامها طبق‬
‫التشريع الجاري به العمل أو بمناسبة أعمال التنفيذ‪.‬‬

‫ب‪ -‬الخبراء‬

‫الخبراء صنف من المهنين المتخصصين في ميادين مختلفة يلجأ إليهم القضاء كلما‬
‫بآرئهم في ميادين اختصاصاتهم ‪.‬‬
‫رأى حاجة لالستعانة ا‬

‫ال يوجد صنف وحيد من الخبراء وإن كان الصنف األبرز هم الخبراء العدليون الخاضعون‬
‫إلى أحكام القانون عدد ‪ 61‬لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪ 23‬جوان ‪ 1993‬كما تم تنقيحه بالقانون‬
‫عدد ‪ 33‬لسنة ‪ 2010‬المؤرخ في ‪ 2‬جوان ‪ 2010‬وقد حدد اعتبر الفصل األول من ذلك‬
‫القانون الخبير العدلي مساعدا للقضاء مهمته إبداء رأيه الفني أو إنجاز أعمـال بتكليف من‬
‫المحاكم وتبرز أهمية دورهم في مساعدة المحكمة في الوقوف على المسائل الفنية في ميادين‬
‫مختلفة ‪ ،‬كالهندسة المعمارية والطب والخطوط ‪...‬‬

‫‪50‬‬
‫من جهة أخرى ينظم القانون عدد ‪ 71‬لسنة ‪ 1997‬المؤرخ في ‪ 11‬نوفمبر ‪ 1997‬صنفا‬
‫آخر الخبراء وهم أيضا من مساعدي القضاء وهم المصفون والمؤتمنون العدليون وأمناء الفلسة‬
‫والمتصرفون القضائيون‪.‬‬

‫ج‪-‬المترجمون المحلفون‬

‫يخضعون ألحكام القانون عدد ‪ 80‬لسنة ‪ 1994‬المؤرخ في ‪ 4‬جويلية ‪ 1994‬ويقومون‬


‫بأعمال الترجمة الكتابية والشفاهية من اللغة العربية إلى اللغات األخرى ومن هذه إلى اللغة‬
‫العربية‪.‬‬

‫د‪-‬عدول اإلشهاد‬

‫يخضعون إلى أحكام القانون عدد ‪ 60‬لسنة ‪ 1994‬المؤرخ في ‪ 24‬ماي ‪ 1994‬الذي‬


‫يسند إليهم بفصله األول صفة المأمور العمومي وهم مكلفون بتحرير كل ما يرغب األشخاص‬
‫والسلك العمومية في إثبات بحجج رسمية من اتفاقات وتصريحات وإّجراء االستجوابات وتحرير‬
‫الفرائض‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪-‬أصناف المحاكم‬

‫توجد تفرقة أساسية بين محاكم األصل وتسمى كذلك ألنها تنظر (تحكم) في أصل‬
‫النزاع بتطبيق القانون على الوقائع المعروضة عليها وهي متعددة ( ‪ )I‬ومحكمة القانون وهي‬
‫محكمة وحيدة في كامل تراب الجمهورية ال يوجد مثلها وهي محكم التعقيب (‪. )II‬‬

‫‪ -I‬محاكم األصل‬

‫مع التذكير أن للمحاكم اختصاصا في المسائل المدنية والمسائل الجزائية نركز بحكم طبيعة‬
‫المادة على التنظيم فيما يهم المسائل المدنية (أ) لنستعرض أهم التقنيات القضائية (ب)‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫أ‪-‬التنظيم‬

‫تصنف محاكم األصل إلى محاكم الدرجة األولى (‪ )1‬ومحاكم الدرجة الثانية (‪.)2‬‬

‫‪-1‬محاكم الدرجة األولى‬

‫محاكم الدرجة األولى تسمى كذلك بالنظر إلى وصف أحكامها بكونها أحكاما ابتدائية‬
‫الدرجة أي أنها تكون قابلة للطعن باالستئناف أمام محاكم أعلى درجة‪ .‬ومحاكم الدرجة األولى‬
‫هي المحاكم االبتدائية وتسمى محاكم االختصاص العام (‪ )1-1‬وتوجد إلى جانبها محاكم ذات‬
‫االختصاص الخاص (‪-1‬ب)‪.‬‬

‫‪-1-1‬محكمة االختصاص العام‪ :‬المحكمة االبتدائية‬

‫يصف المشرع‪ 1‬هذه المحاكم أحيانا وكذلك بعض الفقهاء هذه المحاكم بأنها "محاكم‬
‫الحق العام"‪ 2‬وهذه عبارة ترجمة حرفية من اللغة الفرنسية‪ 3‬ويفضل استعمال عبارة محاكم‬
‫االختصاص العام وذلك اعتمادا على أن معيار تدخلها أن تكون مؤهلة للنظر في جميع أنواع‬
‫النزاعات عدا ما خرج عنها بنص خاص‪ .‬وهذا هو المفهوم القانوني للعمومية في االختصاص‪.‬‬
‫وهذا هو المعنى الذي يعتمده المشرع في الفقرة األولى من الفصل ‪ 40‬م م م ت حيث يقرر‬
‫أنه "تنظر المحكمة االبتدائية في جميع الدعاوى عدا ما خرج عنها بنص خاص"‪ .‬وقد سبق‬
‫القول بأن المحاكم االبتدائية موزعة على تراب الجمهورية ويبلغ عددها تسعة وعشرين‪.‬‬

‫إال أن القول بأن المحكمة من محاكم االختصاص العام ال يعني أنها مؤهلة للنظر في‬
‫النزاعات بصفة أصلية بل يقتضي المنهج في تحديد اختصاص المحكمة االبتدائية أن يقع‬
‫التثبت أوال ما إذا كان النزاع راجعا بالنظر إلى محكمة غير المحكمة االبتدائية أسند إليها‬

‫‪ 1‬الفصل ‪ 185‬من مجلة الشغل‬


‫‪ 2‬الشرفي والمزغني ‪ ،‬ص ‪434‬‬
‫‪Tribunaux ou juridictions de droit commun 3‬‬

‫‪52‬‬
‫المشرع اختصاصا خاصا بالنظر فيه‪ .‬فإذا ما تبين أن النزاع ال يندرج في اختصاص محكمة‬
‫أخرى وعندها فقط يكون االختصاص راجعا إلى المحكمة االبتدائية‪.‬‬

‫وال يكون العمل بهذا المنهج في الحاالت التي يسند فيها المشرع اختصاصا إقصائيا‬
‫(أو حصريا) للمحكمة االبتدائية في نوع محدد من النزاعات‪ .‬والمثال على ذلك ما قرره الفصل‬
‫‪ 48‬من مجلة الجنسية التونسية في قوله "تختص المحكمة االبتدائية وحدها بالنظر في النزاعات‬
‫المتعلقة بالجنسية التونسية"‪ .‬بمعنى أنه إذ أسند المشرع اختصاصا اقصائيا للمحكمة االبتدائية‬
‫كما في المثال السابق ال يتطلب األمر البحث فيما إذا كان االختصاص منعقدا لمحكمة أخرى‪.‬‬

‫‪-2-1‬محاكم االختصاص الخاص‬

‫‪ -1-2-1‬محاكم النواحي‬

‫حاكم الناحية قاض فردي يمتاز بوجوب إجراء محاولة صلحية بين الطرفين (الفصل‬
‫‪ 38‬مكرر والفصل ‪ 44‬و الفصل ‪ 45‬م م م ت ) قبل المرور إلى الطور الحكمي‪.‬‬

‫وقد حدد الفصل ‪ 39‬م م م ت كما تم تنقيحه بالقانون عدد ‪ 59‬لسنة ‪ 1994‬المؤرخ‬
‫في ‪ 23‬ماي ‪ 1994‬اختصاص قاضي الناحية وقرر في فقرته األولى أنه "ينظر‪ ...‬ابتدائيا‬
‫إلى نهاية سبعة آالف دينار في الدعاوى المدنية الشخصية والدعاوى المتعلقة بالمنقول ومطالب‬
‫أداء الديون التجارية"‪.‬‬

‫ويترتب عن ذلك أنه كلما تجاوز مقدار المال المطلوب مبلغ سبعة آالف دينا ار تكون‬
‫المحكمة المختصة هي المحكمة االبتدائية‪.‬‬

‫وينظر في حدود ذلك االختصاص في إصدار األ وامر بالدفع واألذون على العرائض‬
‫(الفصل ‪ 39‬فقرة ‪ 2‬م م م ت)‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫كما أضافت الفقرة ‪ 3‬من نفس الفصل اختصاصا إضافيا بأنه يختص بالحكم ابتدائيا‬
‫في قضايا النفقات وفي دعاوى الحوز وأسندت له نفس الفقرة اختصاصا استعجاليا محدودا‬
‫في مطالب العقل التحفظية عندما يكون المبلغ المطلوب من أجله إجراء العقلة في حدود نظره‬
‫وكذلك في مطالب إجراء المعاينات المتأكدة وفي الصعوبات الناشئة عن تنفيذ أحكامه ولو‬
‫وقع نقضها استئنافيا وفي مطالب توقيف تنفيذ أحكامه عند االعتراض عليها من قبل الغير‬
‫وأخي ار في مطالب التمكين من نسخة تنفيذية أخرى من األحكام الصادرة عنه وطبق الفصل‬
‫‪ 254‬م م م ت ‪.‬‬

‫وله اختصاص إقصائي بالنظر في دعاوى كف الشغب عن العقارات المسجلة طبق‬


‫الفصل ‪ 305‬م ح ع‪.‬‬

‫وتسند له قوانين أخرى اختصاصا خاصا بنوع من النزاعات كما هو الشأن في النزاعات‬
‫المتعلقة بحوادث الشغل واألمراض المهنية وجبر األضرار الناجمة عنها مهما كان مقدار‬
‫الطلب أو موضوع الدعوى (الفصل ‪ 76‬من القانون عدد ‪ 28‬لسنة ‪ 1994‬المؤرخ في ‪21‬‬
‫فيفري ‪ 1994‬المتعلق بنظام تعويض األضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل واألمراض‬
‫المهنية‪).‬‬

‫‪-2-2-1‬الدوائر المتخصصة لدى المحاكم االبتدائية‬


‫‪-1-2-2-1‬الدوائر التجارية‬

‫قرر الفصل ‪ 40‬م م م ت على نحو ما تم تنقيحه بالقانون عدد ‪ 43‬المؤرخ في ‪ 2‬ماي‬
‫‪ 1995‬أنه يمكن بمقتضى أمر إحداث دوائر تجارية بالمحاكم االبتدائية تكون مختصة بالنظر‬
‫وعرفت الفقرة ‪ 5‬من الفصل ذاته هذه الدعاوى بأنها الدعاوى المتعلقة‬
‫في الدعاوى التجارية ّ‬
‫بالنزاعات بين التجار فيما يخص نشاطهم التجاري‪ .‬وتتميز هذه الدوائر من حيث تركيبتها‬
‫بأنها تكون إما خماسية فيضاف إلى الرئيس والقاضيين الذي تتكون منهم المحكمة عادة‬

‫‪54‬‬
‫عضوان من التجار وذلك في النزاعات المتعلقة بتكوين وتسيير الشركات وحلها أو تصفيتها‬
‫وبإنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية أو تفليسها وتكون ثالثية في غير ذلك من‬
‫النزاعات وتتكون من رئيسها الذي يكون قاضيا ومن عضوين تاجرين‪.‬‬

‫‪ -2-2-2-1‬دوائر الشغل‬

‫يحدد الفصل ‪ 183‬من مجلة الشغل اختصاص هذه الدوائر وهو الفصل في النزاعات‬
‫الفردية المترتبة عن عقود الشغل أو التدريب في النزاعات الخاضعة لمجلة الشغل كما تنظر‬
‫في النزاعات الناشئة بين العملة بمناسبة القيام بالشغل‪ .‬وأقصى نفس الفصل من مرجع نظر‬
‫هذه الدوائر الدعاوى الناشئة عن حوادث الشغل واألمراض المهنية (التي يختص بها قاضي‬
‫الناحية طبق قانون ‪ 21‬فيفري ‪ 1994‬المذكور أعاله) كما ال تنظر في النزاعات المتعلقة‬
‫بالضمان االجتماعي التي يختص بالنظر فيها قاض منفرد بالمحكمة االبتدائية وهو قاضي‬
‫‪1‬‬
‫الضمان االجتماعي‬

‫تحدث هذه الدوائر بأمر وتوجد مبدئيا دائرة شغل بمقر كل محكمة ابتدائية وعندما ال‬
‫توجد دائرة شغل فإن المحكمة االبتدائية تنظر في النزاعات الشغلية طبق اإلجراءات المقررة‬
‫بمجلة الشغل‪.‬‬

‫‪ -3-2-1‬المحكمة العقارية‬

‫هي محكمة أخرى من محاكم االختصاص الخاص‪ .‬وتصنف هذه المحكمة ضمن‬
‫المحاكم المدنية وتضبط الفصول ‪ 331‬وما بعده من م ح ع مرجع نظرها كما تضبط الفصول‬
‫‪ 338‬وما بعده من نفس المجلة اإلجراءات المتبعة لديها ولها اختصاص خاص في مادة‬
‫التسجيل العقاري سواء االختياري طبق الفصل ‪ 317‬من م ح ع أم اإلجباري في نطاق المسح‬

‫‪ 1.‬يختص بالنظر في النزاعات المتعلقة بتطبيق أنظمة الضمان االجتماعي في القطاعين العام والخاص عدا المتعلقة بحوادث الشغل واألمراض‬
‫المهنية ‪ ،‬الفصل األول من قانون عدد ‪ 2003- 15‬المؤرخ في ‪ 15‬فيفري ‪ 2003‬المتعلق بإحداث مؤسسة قاضي الضمان االجتماعي‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫العقاري على معنى المرسوم عدد ‪ 3‬لسنة ‪ 1964‬المؤرخ في ‪ 20‬فيفري ‪ .11964‬كما أسند‬
‫لها القانون عدد ‪ 34‬لسنة ‪ 2001‬المؤرخ في ‪ 10‬أفريل ‪ 2001‬اختصاص النظر في إجراءات‬
‫تحيين الرسوم العقارية المجمدة ولها مركز أصلي بتونس العاصمة وفروع داخل الجمهورية‪.‬‬
‫وتكون أحكامها في مادة التسجيل االختياري نهائية ال تقبل الطعن إال بالتعقيب‪ .‬أما في مادة‬
‫التحيين فإن الطعن باالستئناف في األحكام أصبح ممكنا منذ التنقيح الوارد على قانون ‪10‬‬
‫أفريل ‪ 2001‬بمقتضى القانون عدد ‪ 65‬لسنة ‪ 2009‬المؤرخ في ‪ 14‬أوت ‪( .2009‬يرفع‬
‫االستئناف لدى دائرة استئنافية بالمركز األصلي للمحكمة العقارية‪ ،‬الفصل ‪ 29‬من قانون‬
‫‪.)2001‬‬

‫‪ -2‬محاكم الدرجة الثانية‪ ،‬المحاكم االستئنافية‬

‫تمهيد –مبدأ التقاضي على درجتين (‪ )1-2‬آثار الطعن باالستئناف (‪.)2-2‬‬

‫تمهيد‪ -‬إن مبدا التقاضي على درجتين الذي كرسه الدستور يجد أفضل تعبير عنه في‬
‫طريقة الطعن باالستئناف‪ ،‬أي أن النزاع الذي تم الحكم فيه من قبل محاكم البداية سيعاد النظر‬
‫فيه مرة أخرى وفي حدود ما وقع عليه الطعن من قبل محكمة أعلى درجة مكونة من قضاة‬
‫أكبر رتبة وتجربة بما يمكن معه أكبر الحظوظ في ضمان العدل‪.‬‬

‫وتتأكد هذه الضمانة من خالل أثرين هامين للطعن باالستئناف وهما األثر التعليقي‬
‫واألثر االلنتقالي أو الناقل‪.‬‬

‫‪-1‬األثر التعليقي أي أن الحكم االبتدائي يكون غير قابل للتنفيذ مبدئيا (أي أنه قد‬
‫توجد استثناءات وهو ما يعبر عنه الفصل ‪ 146‬فقرة أولى م م م ت "استئناف األحكام االبتدائية‬

‫‪1‬مرسوم عدد ‪ 3‬لسنة ‪ 1964‬مؤرخ في ‪ 7‬شوال ‪ 20( 1383‬فيفري ‪ )1964‬يتعلق بالتسجيل العقاري اإلجباري (الرائد الرسمي عدد ‪ 9‬بتاريخ ‪21‬‬
‫فيفري ‪ 1964‬صفحة ‪ )223‬مصادق عليه بالقانون عدد ‪ 3‬لسنة ‪ 1964‬المؤرخ في ‪ 21‬أفريل ‪.1964‬‬

‫‪56‬‬
‫يعطل تنفيذها إال فيما استثناه القانون" والمثال على ذلك أن استئناف األحكام االستعجالية ال‬
‫يوقف تنفيذها ‪ ،‬الفصل ‪ 209‬م م م ت) تبعا ألن االستئناف يحله‪.‬‬

‫أما األثر الثاني لالستئناف فهو ‪ -2 :‬األثر االنتقالي بمعنى أن النزاع سينتقل أي من‬
‫حيث الوقائع ومن حيث القانون إلى المحكمة االستئنافية فيما تسلط عليه االستئناف‪ ،‬الفصل‬
‫‪ 144‬م م ت (قد ال يشمل الطعن الحكم بكامله بل بفرع من فروعه) وتصدر المحكمة ق ار ار‬
‫نهائيا‪.‬‬

‫ومحاكم الدرجة الثانية ‪ ،‬هي المحاكم االستئنافية التي نصفها بالعادية (‪ )1-2‬وبعض‬
‫المحاكم المعهود إليها بنص خاص بالنظر في استئناف أحكام محددة ونصفها بالمحاكم‬
‫االستئنافية بوجه خاص (‪.)2-2‬‬

‫‪-1-2‬المحاكم االستئنافية العادية‬

‫ويمكن أن نسميها أيضا المحاكم االستئنافية ذات االختصاص العام فهي المحاكم المسماة‬
‫بمحاكم االستئناف والتي يضبط الفصل ‪ 41‬م م م ت اختصاصها بأنها التي تختص بالنظر‬
‫في استئناف األحكام الصادرة عن المحاكم االبتدائية التابعة لدائرتها وفي استئناف األحكام‬
‫االستعجالية الصادرة عن رئيس المحكمة االبتدائية واألوامر بالدفع‪ .‬فالمعيار هو األحكام‬
‫الصادرة ابتدائيا عن المحاكم االبتدائية‪.‬‬

‫توجد ست عشرة محكمة استئناف (‪ )16‬على كامل تراب الجمهورية (وهي المرتبة‬
‫حسب تواريخ إحداثها ‪-1 :‬تونس و‪-2‬سوسة و‪-3‬صفاقس ‪-4 ،1956‬الكاف ‪-5 ، 1976‬‬
‫المنستير‪-6 ، 1984‬قفصة ‪-7 ، 1987‬قابس ‪ ،‬و ‪-8‬مدنين ‪-9- 1988‬نابل و ‪-10‬‬
‫بنزرت ‪-11 ،1999‬القصرين و ‪-12‬سيدي بوزيد ‪-13 ، 2013‬باجة و ‪-14‬القيروان ‪2014‬‬
‫‪-15 ،‬جندوبة ‪-16 ، 2015‬سليانة ‪)2017‬‬

‫‪57‬‬
‫‪- 2-2‬المحاكم االستئنافية بوجه خاص‬

‫يمكن إطالق تلك التسمية عندما يسند القانون اختصاصا استئنافيا لمحكمة محددة‪.‬‬
‫وأبرز مثال هو المحاكم االبتدائية على معنى الفقرة ‪ 2‬من الفصل ‪ 40‬م م م ت الذي نص‬
‫"وتنظر استئنافيا في األحكام الصادرة ابتدائيا عن قضاة النواحي التابعين لدائرتها أو التي‬
‫وصفت غلطا بكونها نهائية"‪.‬‬

‫وكذلك الشأن فيما يتعلق باستئناف أحكام الدوائر الشغلية الذي تنظر فيه المحكمة‬
‫االبتدائية طبقا للفصل ‪ 221‬من مجلة الشغل‪ .‬وقد سبق أن رأينا أن استئناف األحكام الصادرة‬
‫في التحيين تتم أمام دائرة من المحكمة العقارية تقع بالمقر المركزي لتلك المحكمة‪.‬‬

‫ب ‪ :‬التقنيات القضائية‬

‫يعهد إلى المحاكم بفصل النزاعات بتطبيق القانون ويقتضي هذا منها الخضوع إلى‬
‫قواعد تقوم في جزء كبير منها على المنطق‪ .‬وكثي ار ما يتم وصف ذلك العمل بتبسيط شديد‬
‫للقول بأن الحكم القضائي هو إعمال للمنطق األرسطي الذي ينطلق من الكبرى المتمثلة في‬
‫القاعدة القانونية والصغرى التي هي الوقائع والحل والمتمثل في الحكم أو النتيجة‪ .‬لكن هذا‬
‫التقديم ليس إال اختزاال ال يعطي إال صورة سطحية عن عمل القضاء الذي يستوجب استنفاذ‬
‫مراحل فنية تتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫‪-1‬التعهد بالوقائع‪:‬‬

‫المبدأ أن المحكمة المدنية ال تتعهد من تلقاء نفسها بالوقائع بل يكون ذلك بمقتضى‬
‫طلب ويسمى عريضة (أمام حاكم الناحية أو المحكمة االبتدائية) يذكر فيها هوية الطالب‬
‫والمطلوب ومقره والمحكمة المتعهدة وتبسط فيها الوقائع وتقدم في شأنها المؤيدات بما يعني‬
‫ضرورة أن يقع إثبات تلك الوقائع واالدعاءات اعتمادا على وسائل اإلثبات المقررة قانونا‬
‫واألسانيد القانونية أي األساس القانوني للدعوى‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪-2‬تحقيق الوقائع وتقديرها‬

‫تحقيق وتقدير الوقائع مرحلتان مترابطتان في عمل قاضي األصل إذ أن تحقيق الوقائع‬
‫يفيد معاينة الواقع أو الوقائع وال يتعلق األمر بمعاينة مادية بل لتقرير اعتبارها موجودة فعال‬
‫تبعا لوقوع إثباتها من قبل من يقع عليه عبء اإلثبات فال عبرة بوقائع أو ادعاءات إال إذا تم‬
‫إثباتها طبق للقواعد المنظمة لكل صنف من األصناف أي بحسب ما تعلق األمر بتصرفات‬
‫أو بوقائع قانونية ‪.‬ففي دعوى تتعلق بالفسخ من أجل عدم الوفاء بعقد يحقق الحاكم في االدعاء‬
‫بعدم التنفيذ في األجل ووجود تنبيه على المدين من عدمه أو أن سبب عدم الوفاء كان حالة‬
‫قوة قاهرة ويتأكد من ثبوت تلك الحالة ثم يتولى تقدير الوقائع أي تقييمها وبيان أهميتها على‬
‫النزاع‪ .‬فيقدر مثال أن عدم التنفيذ كان بسبب راجع إلى الدائن (مماطلة الدائن أي االمتناع دون‬
‫سبب عن قبول الخالص‪ ،‬الفصل ‪ 284‬م ا ع ) أو أن سبب التأخير كان حالة القوة القاهرة‬
‫وإمكانية تأثير ذلك على النزاع‪.‬‬

‫‪-2‬تكييف الوقائع‬

‫عملية التكيف عملية ذهنية الحقة لتحقيق الوقائع وتقديرها وتمثل في إدراج الواقعة أو‬
‫التصرف في الصنف القانوني المالئم‪ .‬ففي المثال السابق يتعين القول ما إذا كانت األفعال‬
‫الصادرة عن المدين تأخي ار في الوفاء بغير سبب صحيح (الفصل ‪ 269‬م ا ع ) والسبب‬
‫الصحيح قد يكون مماطلة الدائن ‪ ،‬فيكون تكييف ما صدر عن الدائن "مماطلة الدائن" أم أن‬
‫سبب ذلك هو القوة القاهرة فيكيف الواقعة بأنها قوة قاهرة (الحجر الصحي بسبب كوفيد هل‬
‫هو قوة قاهرة ؟ )‪ .‬ويتم ذلك بالرجوع إلى القواعد المنظمة لمماطلة المدين (الفصل ‪ 268‬وما‬
‫بعده م ا ع ) والقوة القاهرة (الفصالن ‪ 282‬و ‪ 283‬م ا ع ) ومماطلة الدائن (الفصول ‪284‬‬
‫وما بعده م ا ع )‪ .‬ويكون في كل مسألة قد استكمل التأكد من توفر فرض القاعدة القانونية‬
‫في عملية تطبيق القانون‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫‪-3‬استنتاج النتائج القانونية‬

‫استنتاج النتائج أو ترتيب النتائج القانونية هو استكمال المرحلة الموالية للتحقق من توفر‬
‫شروط مفترض القاعدة أي أنه سيطبق الحل ويعني ذلك أن القاضي بعد التحقق والتقدير‬
‫والوصف ال بد أن يستنتج نتيجة التكييف القانوني وهي انطباق حل القاعدة أي ليقول إن‬
‫المدين كان مماطال (أو أنه لم يكن مماطال)‪.‬‬

‫‪-4‬الحكم‬

‫هو آخر أعمال المحكمة المتعهدة فيما يتعلق بالقضية المعروضة فيكون برفض الدعوى‬
‫أو بعدم سماعها أو بقبولها أي الحكم لفائدة المدعي‪ .‬وفي المثال السابق يقضي بعدم سماع‬
‫الدعوى إذا ثبت أن المدين لم يكن مماطال أو بالفسخ إذا كان مماطال ‪.‬‬

‫ويكون من المفيد التمييز فيما يتعلق بالحكم القضائي بين أسباب الحكم ونص الحكم‪.‬‬

‫فاألسباب هي ما يتمثل في التبرير الواقعي والقانوني الذي توخته المحكمة والمعبر عنه‬
‫بالتعليل الواقعي والقانوني‪ .‬أما نص الحكم أو منطوقه فهو النتيجة األخيرة التي تصرح بها‬
‫المحكمة على نحو ما سبقت اإلشارة إليه (عدم سماع الدعوى ‪ ،‬الحكم لصالحها باألداء أو‬
‫باإلبطال أو بالفسخ ‪ ...‬وإذا تعلق األمر باالستئناف أو بالتعقيب القبول أو الرفض شكال ‪ ،‬أو‬
‫القبول شكال والرفض أصال ‪) ....‬‬

‫ج‪-‬نتاج العمل القضائي‬

‫األحكام أصناف متعددة ووصف الحكم ينطبق على نتيجة منازعة قضائية تتم فيها‬
‫مراعاة مبدأ المواجهة فيكون الحكم الصادر عن المحكمة االبتدائية حكما وقد يصدر عن‬
‫القاضي نوع آخر من األحكام في ميدان القضاء الوالئي فيكون إذنا‪(.‬إذن على عريضة)‬

‫ويكون صاد ار في األصل وقد يكون استعجاليا‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫ويكون ابتدائي الدرجة ويكون تبعا لذلك قابال للطعن فيه باالستئناف وعندما يوصف‬
‫بأنه نهائي الدرجة يكون قابال للطعن بالتعقيب‪.‬‬

‫وعندما يصدر عن محكمة أعلى درجة أو عن محكمة التعقيب يسمى ق ار ار ونقول قرار‬
‫استئنافي وقرار تعقيبي ولو أن المشرع والتطبيق يستعمالن للتعبير عن ق اررات محكمة‬
‫االستئناف وصف األحكام ويخصص استعمال قرار للق اررات الصادرة عن محكمة التعقيب‪.‬‬

‫‪ -II‬محكمة التعقيب‬

‫محكمة التعقيب أعلى محكمة في الترتيب الهرمي للمحاكم العدلية ومن أجل هذا يسميها‬
‫البعض المحكمة العليا‪ ،‬وهي وحيدة لكامل الجمهورية مقرها بالعاصمة وال يوجد غيرها في‬
‫أي مدينة أخرى‪ .‬تتميز عن محاكم األصل بأنها ليست درجة من درجات التقاضي (ال‬
‫أولى وال ثانية وال ثالثة) هي ال تتعهد بالوقائع بل تحكم على األحكام وهي إذن محكمة‬
‫القانون ويتبين ذلك من اختصاصها (أ) ومن تنظيمها وسلطاتها (ب)‪.‬‬

‫أ‪-‬اختصاص محكمة التعقيب‬

‫ينص الفصل ‪ 42‬م م م ت أن محكمة التعقيب تنظر في جميع األحكام النهائية‪ .‬وبما‬
‫أنها محكمة قانون فقد حدد الفصل ‪ 175‬م م م ت الحاالت التي يمكن فيها الطعن بالتعقيب‬
‫وتسمى أسباب الطعن وهي ‪-1 :‬مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله‪-2 ،‬إذا‬
‫كان الحكم صاد ار فيما يتجاوز اختصاص المحكمة التي أصدرته‪-3 ،‬إذا كان هناك إفراط‬
‫في السلطة ‪-4 ،‬إذا لم تراع في اإلجراءات أو في الحكم الصيغ الشكلية التي رتب القانون‬
‫على عدم مراعاتها البطالن أو السقوط‪ -5 ،‬إذا كان هناك أحكام نهائية متناقضة في نصها‬
‫وكانت صادرة بين نفس الخصوم وفي ذات الموضوع والسبب‪-6 ،‬إذا صدر الحكم بما لم‬
‫يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه أو أغفل الحكم االستئنافي بعض الطلبات التي حكم‬
‫فيها ابتدائيا أو كان نص الحكم مشتمال على أجزاء متناقضة‪-7 ،‬إذا صدر الحكم على‬

‫‪61‬‬
‫فاقد األهلية بدون أن يقع تمثيله في القضية تمثيال صحيحا أو وقع تقصير واضح في‬
‫الدفاع عنه وكان ذلك هو السبب األصلي أو الوحيد في صدور الحكم المطعون فيه‪.‬‬

‫تتلخص هذه األسباب في سبب واحد وهو مخالفة القانون ليتأكد معه أن اختصاص‬
‫محكمة التعقيب محدود في المسائل القانونية أي أنها ستحكم على األحكام لتعيد النظر‬
‫فيما تم القضاء فيه واقعا وقانونا بل لتتأكد من أن الحكم طبق القانون أو خالفه‪ .‬وقد طور‬
‫اجتهاد محكمة التعقيب أسبابا أخرى هي باألساس التحريف وضعف التعليل‪.‬‬

‫ب‪-‬تنظيم محكمة التعقيب وسلطاتها‬

‫إن أهم دور تقوم به محكمة التعقيب هو توحيد التأويل القانوني أو ما يعبر عنه‬
‫بوصف أعم توحيد فقه القضاء ويسعى تنظيمها والسلطات الممنوحة لها إلى تحقيق هذه‬
‫الدور طبق تقنيات مختلفة‪.‬‬

‫فاألصل هو وحدة المحكمة لكنها منذ بداياتها تتكون من دوائر عادية متخصصة إداريا‬
‫وتتوزع على دوائر مدنية ودوائر جزائية ودوائر تجارية ودوائر شغلية ‪ ...‬ويبلغ عددها اآلن‬
‫أربعين دائرة‪ .‬وتتألف كل دائرة من رئيس ومستشارين بمساعدة كاتب وبحضور ممثل النيابة‬
‫العمومية‪.‬‬

‫ويفضي نظر الدائرة العادية إلى فرضيات‪:‬‬

‫‪-1‬تصدر الدائرة المتعهدة إما ق ار ار بالرفض شكال أو ق ار ار بالرفض أصال أو بالنقض دون‬
‫إحالة وفي هذه األحوال يحسم النزاع مبدئيا (مع استثناء أن الرفض شكال يمكن أن يؤدي‬
‫إلى طعن بالخطأ البين)‪.‬‬

‫‪-2‬أو ق ار ار بالنقض مع اإلحالة (أي إرجاع ملف القضية إلى محكمة األصل لتحكم فيه‬
‫مجددا) وتكون اإلحالة إما على محكمة االستئناف التي أصدرت القرار المنقوض مكونة‬
‫من هيئة أخرى أو على محكمة استئناف أخرى (واإلحالة مظهر آخر على أن محكمة‬

‫‪62‬‬
‫التعقيب ليست محكمة أصل)‪ .‬في هذه الصورة ال تكون محكمة اإلحالة ملزمة باتباع رأي‬
‫الدائرة التعقيبية التي نقضت الحكم األول وهذا يدل على أن توحيد اآلراء القانونية يتم في‬
‫مرحلة أولى بالتحاور واإلقناع بين المحكمة العليا ومحاكم األصل‪.‬‬

‫ويكون قرار محكمة اإلحالة قابال للطعن بالتعقيب وهذه هي صورة الطعن ثانية وفي‬
‫هذه الحالة هناك فرضيتان‪:‬‬

‫أ‪-‬يمكن أن يكون السبب الذي وقع النقض من أجله مختلفا عن السبب الذي يتم الطعن‬
‫به ثانية ‪( .‬السبب األول يكون ضعف التعليل مثال والسبب الذي وقع من أجله الطعن‬
‫خرق القانون) في هذه الحالة وإذا ما قررت النقض يمكن للدائرة أن تبت في األصل إذا‬
‫كان الموضوع مهيأ للفصل‪ .‬وهو وجه آخر للنقض دون إحالة وفي هذا اختصار لإلجراءات‬
‫وربح للوقت‪.‬‬

‫ب‪-‬إذا كان الطعن من أجل نفس السبب الذي تم النقض على مقتضاه في المرة األولى‬
‫(السبب يكون الخطأ في تأويل نص قانوني معين مثال) فإن القضية تنظر فيها الدوائر‬
‫المجتمعة لمحكمة التعقيب‪ .‬وتتألف الدوائر المجتمعة من الرئيس األول ورؤساء الدوائر‬
‫وأقدم مستشار في كل دائرة على أال يقل عدد أعضائها عن الثلثين من كل صنف وتعقد‬
‫جلساتها بمحضر وكيل الدولة العام وبمساعدة كاتب المحكمة‪.‬‬

‫عندما تقرر الدوائر المجتمعة النقض واإلحالة فإن محكمة اإلحالة الثانية تكون ملزمة‬
‫باتباع ما قررته الدوائر المجتمعة (الفصل ‪ 191‬فقرة ‪ 2‬م م م ت) فيكون توحيد اآلراء‬
‫القانونية بمقتضى السلطة الممنوحة من القانون لتفرض محكمة التعقيب رأيها على حكام‬
‫األصل‪ .‬ويمكنها فرض هذا الرأي دون اللجوء إلى اإلحالة وذلك بالحكم في األصل إذا‬
‫كانت القضية مهيأة للفصل‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫وسواء تعلق األمر بحكم في األصل من قبل دائرة عادية بعد تعقيب ثان أو من قبل‬
‫الدوائر المجتمعة فال يصح القول بأن محكمة التعقيب تتصدى لألصل‪ .‬بل تحكم في‬
‫األصل بناء على ما حققه وقدره حكام األصل من الوقائع‪ ،‬فهي ال تتحول إلى محكمة‬
‫أصل وال تعيد تحقيق وتقدير الوقائع ‪ ،‬فمفهوم القضية المهيأة للفصل يقتضي أن محكمة‬
‫التعقيب ال تتولى التحقيق في الوقائع وال تقديرها بل تكتفي بما انتهى إليه حكام األصل في‬
‫ذلك الشأن وتكتفي بتطبيق القاعدة القانونية لحسم النزاع‪.‬‬

‫لكن الدوائر المجتمعة ال تقتصر على توحيد اآلراء القانونية بين الدوائر بل أضاف إليها‬
‫المشرع بمقتضى تنقيح ‪ 1‬سبتمبر ‪ 1986‬مهمة أخرى ال عالقة لها بهذه الوظيفة وهي‬
‫تصحيح الخطأ البين الذي تقع فيه إحدى الدوائر وقد حدد الفصل ‪ 192‬م م م ت حاالت‬
‫الخطأ البين على وجه الحصر وهي‪ -1 :‬انبناء قرار الرفض شكال على غلط واضح‪-2 ،‬‬
‫اعتماد القرار على نص قانوني بسق نسخه أو تنقيحه بما صيره غير منطبق‪-3 ،‬عندما‬
‫يشارك في القرار أحد القضاة ممن سبق له النظر في الموضوع‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬تطور المنظومة القانونية‬

‫القانون كمنظومة بما تحويه من مكونات تتطور من حيث المضمون وتتطور في الزمن‬
‫بسبب وظائفها وارتباطها بالواقع فحتى ولو كانت في نفس اإلطار المكاني لدولة معينة فإنها‬
‫بتواتر األحداث واألزمان تتغير وتتأقلم مع الواقع والزمن‪ ،‬وال تشذ المنظومة القانونية التونسية‬
‫عن هذه القاعدة فقد شهدت تطو ار زمنيا (المبحث األول) وتطو ار نوعيا (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬التطور الزمني‬

‫ليست األهمية في سرد األحداث واستعراض المراحل التاريخية التي تطور القانون‬
‫خاللها فهذا موضوع مادة قائمة الذات (تاريخ القانون التونسي)‪ .‬بل المهم في رأينا الوقوف‬
‫على التأثيرات الكبرى التي ميزت مختلف المراحل التاريخية التي مرت بها بالدنا ونقسم ذلك‬

‫‪64‬‬
‫التطور إلى ثالث مراحل‪ ،‬مرحلة ما قبل الحماية الفرنسية (الفقرة األولى) مرحلة الحماية (الفقرة‬
‫الثانية) ومرحلة االستقالل (الفقرة الثالثة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪-‬المرحلة السابقة لالحتالل الفرنسي‬

‫تواترت الحضارات على بالدنا ولكن لم يبق من آثارها على الصعيد القانوني إال فترتان‬
‫هما األهم‪ ،‬هيمنة القانون الروماني ثم هيمنة الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫خالل الفترة األولى أي هيمنة القانون الروماني التي انطلقت بعد سقوط قرطاج (‪146‬‬
‫ق م) واستمرت إلى بداية الفتح اإلسالمي‪ 1‬يرى البعض أننا ال نجد له أث ار واضحا في نظامنا‬
‫القانوني‪ ،2‬لكن التأمل في مختلف األحكام يمكن من الوقوف على تأثيرات ملموسة سواء في‬
‫مادة التأويل (ال تأويل في موضع النص) أو في مادة العقود وقد أكد داود صانتيالنا ذلك‬
‫‪3‬‬
‫عندما أكد أن القانون الروماني هو القاسم المشترك لبلدان المتوسط‪.‬‬

‫أما هيمنة الفقه اإلسالمي فقد امتدت إلى منتصف القرن التاسع عشر لتكون كلية قبل‬
‫أن تبدأ في التراجع انطالقا من انتشار االحتالل الفرنسي‪ .‬وامتازت تلك الفترة بتأثير المذهب‬
‫المالكي مع مزاحمة وأحيانا تغليب المذهب الحنفي (مذهب بايات تونس)‪ .‬والميزة الغالبة للفقه‬
‫اإل سالمي أنه منظومة قانونية ال تعتمد النص المكتوب وتتطور أحكامه بتطور اجتهادات‬
‫الفقهاء (قبل أن تتوقف حركة االجتهاد لالكتفاء بالتقليد على امتداد أزمنة)‪.‬‬

‫ومنذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت بوادر تطور باعتماد نصوص‬
‫مكتوبة بمقتضى ما يسمى باألوامر العلية (أوامر صادرة عن الباي) في ميادين مختلفة (صفة‬
‫البائع والتزامات الخماس والرهون العقارية) يتم نشرها بجريدة رسمية "الرائد التونسي" الذي صدر‬
‫ألول مرة بتاريخ ‪ 22‬جويلية ‪ 1860‬قبل أن يصبح الرائد الرسمي التونسي بمقتضى األمر‬

‫‪ 1‬شرف الدين ‪36-34‬‬


‫‪ 2‬الشرفي والمزغني ص ‪.438‬‬
‫‪ 3‬كلمة صانتيالنا حول مشروع القانون المدني والتجاري التونسي ‪ ،‬معربة ضمن مؤلف محمود بن الشيخ ‪ ،‬مجلة االلتزامات والعقود معدلة ومعلقا‬
‫على فصولها بأحكام القضاء‪ ،‬ص ‪ ، 14‬تونس ‪، 1966‬‬

‫‪65‬‬
‫العلي المرخ في ‪ 27‬جانفي ‪ . 11883‬كما أنه وبمناسبة صدور عهد األمان في ‪ 10‬سبتمبر‬
‫‪ 1857‬ودستور ‪ 26‬أفريل ‪ 1861‬ظهرت أول حركة للتقنين في تونس (سن القوانين في قالب‬
‫مجالت) وكانت أول مجلة المجلة المدنية والجزائية لسنة ‪ 1861‬وكان المنتظر إصدار مجلة‬
‫تجارية وكذلك بعث محاكم عصرية‪ .‬لكن تم تعليق كل ذلك وألغيت المجلة المدنية والتجارية‬
‫والرجوع في عهد األمان والدستور المنبثق عنه بسبب ثورة بن‬ ‫‪2‬‬
‫بتاريخ ‪ 30‬أفريل ‪1864‬‬
‫‪3‬‬
‫غذاهم‪.‬‬

‫موجة التقنينات طالت الخالفة العثمانية التي أصدرت سنة ‪ 1876‬المجلة العثمانية‬
‫وهي تقنين للفقه الحنفي وكان المفروض أنها تطبق على كافة أنحاء الخالفة بما في ذلك‬
‫اإليالة التونسية ‪ ،‬غير أنها لم تطبق في تونس ولكن تأثيرها ظهر في أعمال اللجنة المكلفة‬
‫بإعداد مجلة مدنية وتجارية التي سينتج عن أعمالها إصدار مجلة االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫بعد تعليق العمل بعهد األمان استمر الوضع كما كان عليه قبل صدور عهد األمان‬
‫إلى حين انتصاب الحماية الفرنسية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪-‬مرحلة االحتالل الفرنسي (‪)1956-1881‬‬

‫من حيث الشكل بقي الباي ماسكا للسلطة التشريعية إذ بقيت التشريعات صادرة في‬
‫شكل أوامر علية لكن مع تطور هام يفيد أن السلطة الحقيقية التي تمارس التشريع هو المستعمر‬
‫وذلك بدليل وجوب إرفاق تلك األوامر بإمضاء المقيم العام وبدليل أن مضامينها كانت محددة‬
‫من قبل السلطة االستعمارية كما أن بعض القوانين الفرنسية أصبحت منطبقة مباشرة في تونس‬
‫بموجب األوامر الصادرة عن الباي ‪ ،‬وقد كان األمر كذلك مثال بالنسبة إلى قانون الشركات‬

‫‪1‬حول كل هذه المسائل بالتفصيل راجع شرف الدين فقرة ‪38‬‬

‫شرف الدين فقرة ‪39‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪66‬‬
‫خفية االسم لسنة ‪ 1867‬وقانون الشركات ذات المسؤولية المحدودة لسنة ‪ 1925‬وقانون‬
‫‪ 1908‬المتعلق ببيع األصول التجارية ورهنها وقانون التأمين البري لسنة ‪. 1930‬‬

‫تميزت هذه المرحلة بسعي سلطة الحماية إلى التغيير التدريجي والثابت للنظام القانوني‬
‫من نظام قائم على القانون غير المكتوب إلى قانون مكتوب يعتمد المجالت القانونية‪ .‬وكانت‬
‫أول مجلة قد صدرت بتاريخ ‪ 1‬جويلية ‪ 1885‬وهي المجلة العقارية التي أحدثت نظام التسجيل‬
‫العقاري وكانت تلك طريقة لالستيالء على أهم وأخصب األراضي وتمكين المعمرين منها‪.‬‬
‫وفي ‪ 6‬سبتمبر سنة ‪ 1896‬أحدثت لجنة كلفت بتقنين القانون المدني والتجاري وانتهت أعمالها‬
‫بإصدار مجلة االلتزامات والعقود في ‪ 15‬ديسمبر ‪ 1906‬وفي ‪ 1912‬صدرت المجلة الجنائية‬
‫‪ 18‬مارس ‪ 1896‬ثم‬ ‫كما سعت سلطة الحماية إلى تغيير التنظيم القضائي وصدر أمر‬
‫مجلة المرافعات المدنية سنة ‪ 1910‬وانجر عن ذلك الوجود المتزامن ألنظمة قانونية تقابلها‬
‫أنظمة قضائية مختلفة ‪ :‬نظام الفقه اإلسالمي المنطبق أساسا على األحوال الشخصية للمسلمين‬
‫مع نظام قضائي يتمثل في المحاكم الشرعية (مالكية وحنفية) في مسائل األحوال الشخصية‬
‫ونظام العقارات غير المسجلة‪ ،‬ونظام الشريعة الموسوية ومحاكم األحبار أو مجالس األحبار‬
‫وهو يهم اليهود التونسيين في مسائل األحوال الشخصية ‪ ،‬ونظام القانون الفرنسي المطبق من‬
‫قبل المحاكم الفرنسية التي تختص بالحكم في القضايا التي يكون أحد أطرافها غير تونسي‬
‫ونظام المحكمة المختلطة ونظام القانون التونسي في غير المسائل الشرعية والموسوية وهي‬
‫القوانين والمجالت الجديدة التي تطبقها المحاكم العصرية‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪-‬االستقالل‬
‫لم تمكن االتفاقيات التونسية الفرنسية بتاريخ ‪ 3‬جوان ‪ 1955‬التي اعترفت الحكومة‬
‫الفرنسية باالستقالل الداخلي لتونس لم تمكنها من استرجاع السيادة على التشريع كما أن‬
‫بروتوكول ‪ 20‬مارس ‪ 1956‬أفرز خالفا بين تونس وفرنسا حول استرجاع تونس لسيادتها في‬

‫‪67‬‬
‫الميدان المذكور كما بقيت األنظمة القضائية على حالها‪ .‬ولم يكن من الممكن بذلك تحقيق‬
‫التطور النوعي للمنظومة القانونية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التطور النوعي‬


‫لم يكن تطوير المنظومة القانونية نوعيا إال بتوفر شرطين‪ :‬توحيد القضاء (الفقرة األولى)‬
‫واسترجاع السيادة على التشريع (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪-‬توحيد القضاء‬
‫في ‪ 9‬مارس ‪ 1957‬تم إمضاء االتفاقية التونسية الفرنسية التي دخلت حيز النفاذ في‬
‫‪ 01‬جويلية ‪ 1957‬وتم بمقتضاها حذف المحاكم الفرنسية وإحالة اختصاصاتها إلى المحاكم‬
‫التونسية العصرية (أي غير المحاكم الشرعية) كما ألغيت المحاكم الشرعية بصدور مجلة‬
‫األحوال الشخصية في ‪ 13‬أوت ‪ 1956‬ودخلت حيز التنفيذ بداية من ‪ 1‬جانفي ‪ 1957‬لتنطبق‬
‫في مرحلة أولى على المسلمين ثم بمقتضى قانون ‪ 27‬سبتمبر ‪ 1957‬صارت منطبقة على‬
‫جميع التونسيين بمختلف دياناتهم بمن في ذلك اليهود وألغيت محاكم األحبار‪ .‬بذلك تم القطع‬
‫نهائيا مع تعدد األنظمة القضائية وما يعنيه من اختالف األنظمة التشريعية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪-‬استرجاع السيادة على التشريع‬
‫بالرغم من إعالن الجمهورية في ‪ 25‬جويلية ‪ 1957‬فإن التطور النوعي للمنظومة‬
‫القانونية لم يكن متاحا إال انطالقا من اعتماد دستور ‪ 1‬جوان ‪ 1959‬حيث توضحت الرؤيا‬
‫من حيث خيار توزيع السلط واستقاللها‪.‬‬
‫في فترة سابقة للدستور أي المرحلة االنتقالية ‪-‬بين ‪ 3‬جوان ‪ 1955‬و‪ 1‬جوان ‪1959‬‬
‫‪ -‬تم اتخاذ أمر منظم للسلط العمومية مؤرخ في ‪ 21‬سبتمبر ‪ 1955‬تبنى مبدأ التفريق بين‬
‫السلط وعهد بالسلطة التنفيذية إلى رئيس مجلس الوزراء مع صالحيات اإلمضاء على األوامر‬
‫غير الترتيبية فيما بقيت األوامر الترتيبية من صالحيات الباي‪ ،‬وأصبحت السلطة التشريعية‬

‫‪68‬‬
‫متقاسمة بين مجلس الوزراء والباي بمق تضى أوامر يقرها مجلس الوزراء وتعرض على الباي‬
‫للموافقة والختم‪.‬‬
‫إثر اإلعالن عن الجمهورية وبمقتضى القانون عدد ‪ 1‬لسنة ‪ 1957‬المؤرخ في ‪29‬‬
‫جويلية ‪ 1957‬تم تجميع السلطتين التنفيذية والتشريعية (مؤقتا) بين يدي رئيس الجمهورية فيتم‬
‫‪1‬‬
‫سن قوانين يتبناها مجلس وزاري مضيق‪.‬‬
‫ميز مرحلة ما بعد االستقالل هو تأكيد خيار نظام القانون الوضعي‬
‫ولعل أهم ما ّ‬
‫المكتوب فاالستقالل لم يقطع مع الموروث القانوني من حيث التوجه العام إلقرار الطابع‬
‫الوضعي للقانون وخاصة تبني خيار القانون القائم على المصادر المكتوبة ويالحظ ذلك خاصة‬
‫من خالل اإلبقاء على أهم مجلتين تم سنهما خالل فترة االحتالل وهما مجلة االلتزامات والعقود‬
‫والمجلة الجنائية ومختلف األوامر العلية الصادرة في مواد متنوعة مثل مادة الشركات والتأمين‪.‬‬
‫في مرحلة الحقة تم الشروع في سن تقنينات جديدة تالئم الوضع الجديد من ذلك المجلة‬
‫التجارية (‪ )1959‬ومجلة المرافعات المدنية والتجارية (‪ )1959‬ومجلة الحقوق العينية (‪12‬‬
‫فيفري ‪ )1965‬ومجلة الجنسية التونسية (‪ )1963‬ومجلة التجارة البحرية ومجلة الشغل‬
‫(‪ )1966‬ومجلة اإلجراءات الجزائية ‪ 1968‬ومجلة االستثمارات ‪ 26‬جوان ‪ 1969‬ومجلة‬
‫الطرقات ‪ 24‬ديسمبر ‪.1964‬‬

‫‪ 1‬راجع حول هذه المسألة ‪ ،‬الشرفي والمزغني ص ‪340-339‬‬

‫‪69‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬مصادر القانون‬
‫مفهوم المصدر‪ ،‬من "صدر"‪ ،‬وعبارة المصدر تفيد األصل والمصدر في اللغة هو‬
‫أصل الكلمة‪ ،‬وفي اللغة الفرنسية يستعمل المصدر في مفهوم "المنبع" أو "العين" ‪ 1‬وهو المعنى‬
‫الذي يستعمله بعض الفقهاء في تونس‪.2‬‬

‫تستند للمصادر معان مختلفة فالمعنى األول يكمن في فكرة أساس القانون‪ .‬ولكن هذا‬
‫المصطلح يحمل معنى دقيقا يبحث في سبب إلزامية القانون أو القاعدة القانونية‪ .‬وقد برزت‬
‫في هذا الصدد مدارس تقول إن القانون ملزم لتطابقه مع مثل عليا وهي مدرسة القانون‬
‫‪4‬‬
‫الطبيعي‪ 3‬أو أنها ملزمة ألنها نتاج التطور االجتماعي وهذه هي المدرسة الوضعية التاريخية‬
‫أو أنه ملزم ألنه نابع عن إرادة الدولة وهذه هي المدرسة الوضعية الدولية‪ .5‬ويظهر بذلك أن‬
‫البحث في مصدر اإللزامية يجيب عن السؤال "لماذا تكون القاعدة ملزمة؟ " بينما يهتم السؤال‬
‫المتعلق بالمصدر بالقول "من أين تأتي القاعدة؟ " وهو سؤال سابق عن البحث في سبب‬
‫اإل لزامية وال يجيب عن السؤال المتعلق بالبحث في مأتى أي المرجع الذي تؤخذ منه القاعدة‪.‬‬

‫أما الفكرة الثانية فهي القائلة بأن المصدر هو كل الظروف المحيطة أي األحداث‬
‫المؤثرة في محيط المشرع سواء أكان اجتماعيا أو اقتصاديا أو علميا أو نفسيا ‪ 6‬ويسميها بعض‬
‫الفقهاء المصادر الواقعية أو الفعلية ‪ .7‬فيتدخل المشرع مثال لسن قانون يتعلق بتعاطي‬
‫المخدرات ليعتبر المتعاطي مجرما ليسلط عليه عقابا أو بالعكس من ذلك ليعتبر المتعاطي‬
‫مريضا ليقرر لفائدته وسائل وقاية وعالج‪ .‬وقد تكون وقائع صادمة مبررة لتدخل تشريعي‬

‫‪Les sources‬‬ ‫‪1‬‬

‫شرف الدين فقرة ‪54‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪Ecole du droit naturel 3‬‬


‫‪Positivisme historique 4‬‬
‫‪Positivisme étatique 5‬‬
‫بارجال ص ‪57‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪Les sources réelles , CORNU, § 72‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪70‬‬
‫بسبب األلم الذي يمكن أن تحدثه في الوسط االجتماعي ( إقرار عقوبة اإلعدام على المغتصب‬
‫‪ )...‬لكن هذا ال يجيب عن السؤال من أين تستمد القاعدة وجودها بل عن األسباب أو‬
‫المبررات التي دعت المشرع للتدخل‪.‬‬

‫لذلك فمعنى المصدر ال يتعلق باألساس وال بالمحيط بل بالمأتى ونفرق للغرض بين‬
‫المصدر من حيث المضمون والمصدر من حيث الشكل لنميز بناء على ذلك بين المصادر‬
‫المادية والمصادر الشكلية‪.‬‬

‫المصادر المادية‪ :‬وتسمى أيضا المصادر التاريخية وهي األصول التي يعتمدها‬
‫المشرع في سن القوانين وهي التي يستمد منها المشرع الحلول التي يراها أكثر مالءمة للمجتمع‬
‫في طور من أطواره من حيث حاجياته االقتصادية ونوعية العالقات االجتماعية الموجودة فيه‬
‫وثقافته‪.‬‬

‫فالفقه اإلسالمي من المصادر المادية للقانون التونسي ولكن أهميته تختلف بحسب‬
‫الميادين التي ينظمها المشرع‪ .‬ففي مادة األحوال الشخصية (المجلة والنصوص األخرى مثل‬
‫قانون التبني) كان تأثيره واضحا في مسألة المواريث وغائبا في خصوص التبني وتوفيقيا في‬
‫تعدد الزوجات (توفيق بين قراءات مختلفة للنص القرآني من حيث منع تعدد الزوجات) كما‬
‫أنه مصدر مادي لمجلة االلتزامات العقود‪ ،‬وكان تأثيره واضحا في العقود الخاصة (البيع‬
‫والكراء والوكالة ‪)...‬‬

‫وكذلك يعتبر القانون الفرنسي ومن خالله القانون الروماني مصد ار ماديا للعديد من‬
‫النصوص كما هو الشأن في المادة التجارية أو التأمين أو الشركات التجارية‪ .‬لذلك ولئن‬
‫استعمل الفقهاء عبارة مصادر تاريخية للتدليل على المصادر المادية إال أن ذلك ال ينبغي أن‬
‫نفهم منه أن تلك المصادر هي أنظمة مندثرة بل أن المصدر يمكن أن يكون نظاما قانونيا ال‬
‫يزال قائم الذات كما هو الشأن بالنسبة إلى القانون الفرنسي أو مصادر القانون األوروبي أو‬
‫الشريعة اإلسالمية التي ال تزال معموال بها في بعض الدول كالمملكة العربية السعودية وقد‬
‫‪71‬‬
‫تكون هذه المصادر دولية مثل االتفاقيات التي تسعى إلى توحيد األحكام المنطبقة في ميدان‬
‫من الميادين كما هو الشأن التفاقية جينيف المتعلقة بالقانون الموحد حول الكنبيالة والسند ألمر‬
‫بتاريخ ‪ 7‬جوان ‪1 1930‬التي تم تبني أهم أحكامها وإدراجها في المجلة التجارية (الفصول‬
‫‪ 269‬إلى ‪.)345‬‬

‫لكن بقطع النظر عن المصدر المادي ألي نص قانوني فإنه بمجرد اعتماد الحل الذي‬
‫يقرره النص يصبح الحل جزءا من القانون الوضعي ويندمج فيه فال يقال بمجرد أن المشرع‬
‫استلهم حلوال من نظام قانوني معين أن القانون التونسي يعتبر تابعا لذلك النظام‪ .‬فال نقول‬
‫إن القانون التونسي ليس إال نسخة أو تكريسا للقانون الفرنسي أو الفقه اإلسالمي من مجرد‬
‫اعتماد حلول من النظامين المذكورين‪ .‬كما أنه بغاية تأويل قاعدة قانونية يمكن االعتماد على‬
‫مصدرها المادي لكن ذلك ‪-‬كما سنرى الحقا‪ -‬ال يكون إال مجرد إمكانية ال إلزامية فيها‪.‬‬

‫أما المصادر الشكلية فيقصد بها األحكام التي يقع إفراغها في شكل رسمي بمعنى‬
‫أنها تتخذ شكل النص الرسمي الصادر عن المؤسسة المؤهلة لسن التشريع وهي إذن من‬
‫حيث الشكل مصدر رسمي أي ذلك الذي تكون له قوة القانون من حيث اللزوم والنفاذ فتكون‬
‫قانونا أو مجلة أو أم ار أو مرسوما أو ق اررا‪.‬‬

‫إن التفرقة بين المصدر الشكلي والمصدر المادي ليست محل إجماع في الفقه إذ هناك‬
‫من الفقهاء من يعتبر التشريع والعرف فقط هما المصدران الرسميان وما عداهما أي فقه القضاء‬
‫والفقه مجرد سلطة‪ 2‬وهناك من يضيف إليهما فقه القضاء‪ 3‬ونحن نقسم المصادر إلى مصدر‬

‫‪Convention portant loi uniforme sur les lettres de change et billets à ordre conclue à‬‬
‫‪1‬‬

‫‪Genève le 7 juin 1930 .‬‬

‫‪CARBONNIER CORNU, P.38 note 42‬‬


‫‪GHESTIN et GOUBEAUX‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪72‬‬
‫أصلي وهو التشريع (الباب األول) ومصادر تكميلية وهي فقه القضاء والعرف والفقه (الباب‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫الباب األول‪ :‬المصدر األصلي‪ :‬التشريع‬


‫يؤخذ التشريع في معنيين ‪ ،‬معنى ضيق ومعنى واسع‪ .‬في معنى ضيق التشريع هو‬
‫النص المكتوب الصادر من السلطة المؤهلة لسن النصوص القانونية ويسمى أيضا النص‬
‫القانوني أو النص التشريعي وفي هذا المعنى األصلي إذن هو النص الصادر عن السلطة‬
‫التشريعية أي البرلمان (مجلس نواب الشعب) أي كل ما يأخذ تسمية قانون أو مجلة مصدرها‬
‫القانون‪ .‬أما المعنى الواسع للتشريع فهو باإلضافة إلى التشريع في معناه الضيق كل النصوص‬
‫القانونية الصادرة عن السلطة التنفيذية في المجاالت التي يقررها الدستور‪ .‬كل هذه النصوص‬
‫على اختالفها تخضع لتنظيم هرمي تراتبي (الفصل األول) وتخضع إلى إجراءات محددة تتعلق‬
‫بنشأتها (الفصل الثاني) والتي نتطرق إليها قبل التعرض إلى نفاذ النص القانوني (الفصل‬
‫الثالث)‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬تراتبية النصوص القانونية‬

‫القانون كمنظومة بما يعنيه ذلك من ترتيب مختلف مكوناته وقواعده يستوجب لتناسقه‬
‫أن يكون الترتيب قائما على منهج واضح لتحديد العالقات الرابطة بين مختلف القواعد التي‬
‫تكونه‪ .‬وهذا التنظيم يقوم على تحديد مركز ودور كل سلطة من السلطات التي تنبثق عنها‬ ‫ّ‬
‫مختلف القواعد‪ .‬وهذا ما يجعل تنظيم القواعد خاضعا إلى ترتيب هرمي أو نظام تراتبي تكون‬
‫فيه القاعدة األدنى مستجيبة ومطابقة للقاعدة األعلى‪ .‬فالقاعدة األعلى هي الدستور (المبحث‬
‫األول) ثم تليه النصوص األخرى وهي المعاهدات (المبحث الثاني) ثم القوانين (المبحث الثالث)‬
‫ثم النصوص الصادرة عن السلطة التنفيذية (المبحث الرابع)‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الدستور‬

‫الدستور هو النص القانوني األعلى قيمة في البالد وتسميه بعض األنظمة القانون‬
‫األساسي (الدستور األلماني مثال) أو القانون المؤسس أي أنه المؤسس لكل السلطات‬
‫(التشريعية والتنفيذية والقضائية وغير ذلك من الهيئات الدستورية) التي تستمد منه وجودها‬
‫وشرعيتها وصالحياتها‪ .‬وتكمن أهمية الدساتير في كونها تسعى إلى توفير ضمانات أساسية‬
‫للمواطنين من خالل تنظيم السلطات والعمومية وإلزامها بالقانون حتى ال يكون هناك مجال‬
‫للحكم المطلق والتعسف والجور‪ .‬وغالبا ما تسن الدساتير إثر تحوالت هامة في مجتمع معين‬
‫والمثال على ذلك دستور ‪ 1‬جوان ‪ 1959‬الذي أعقب االستقالل ودستور ‪ 26‬جانفي ‪2014‬‬
‫الذي أعقب ثورة ‪. 11/14-12/17‬‬

‫ومع أن الدساتير تسن لتكون عامل استقرار بما يجعل مراجعتها خاضعة إلى قواعد‬
‫صارمة‪ ،‬إال أن الواقع يفرز النزعة نحو تغيير أحكامها لغايات متعددة أبرزها رغبة الماسك‬
‫بالسلطة في البقاء فيها (الرئاسة مدى الحياة‪ ،‬تغيير السن القصوى للترشح للمنصب الرئاسي‪،‬‬
‫التغيير المتعلق بالعدد األقصى للنيابات ‪)...‬‬

‫تبرز علوية الدستور من خالل ضرورة االستجابة كل القواعد األدنى إلى أحكامه‪ .‬ومع‬
‫أن هذا المبدأ يبدو نتيجة لتأثير للنظرية الكلسنية (نسبة إلى الفقيه النمساوي هانس كلسن‪)1‬‬
‫للترتيب الهرمي للقوانين وال يمكن تبعا لذلك ألي نص أن يخالف الدستور فإنه ليس في رأينا‬
‫إال نتيجة لفكرة أن القانون منظومة متناسقة ومرتبة ترتيبا تكون فيه القاعدة األعلى مهيمنة‬
‫على القواعد األقل درجة التي تكون بدورها مهيمنة على القواعد األدنى في الترتيب‪ .‬ولتحقيق‬
‫فعالية تلك التراتبية وضمان علوية الدستور يكون من الضروري إقرار نظام مراقبة مطابقة‬

‫القانون للدستور‪ .‬من أجل ذلك ّ‬


‫أقرت األنظمة القانونية حلوال منها من يخير إسناد الرقابة إلى‬
‫المحكمة العليا (المحكمة العليا للواليات المتحدة األمريكية مثاال) أو إلى قضاء مختص‬

‫‪Hans KELSEN 11‬‬

‫‪74‬‬
‫(المحكمة الدستورية لجمهورية ألمانيا االتحادية أو المجلس الدستوري في فرنسا) وهو الحل‬
‫الذي أقره دستور ‪ 2014‬من خالل إحداث المحكمة الدستورية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المعاهدات واالتفاقيات الدولية‬

‫ال تكون المنظومة القانونية في بلد معين في معزل عن محيطها الدولي وتكون الدولة‬
‫والواحدة في حاجة إلى ربط عالقات في ميادين مختلفة تتعلق باالقتصاد واألمن والصحة‬
‫والتعليم والجباية وغيرها‪ ،‬وتبرم لذلك الغرض اتفاقيات ومعاهدات دولية ثنائية أو متعددة‬
‫األطراف ويقرر الفصل ‪ 67‬من الدستور أن المعاهدات التجارية وتلك المتعلقة بالتنظيم الدولي‬
‫أو بحدود الدولة أو بالتعهدات المالية للدولة (القروض ) أو بحالة األشخاص (طالق ‪ ،‬زواج‬
‫‪ )،‬أو بأحكام ذات صبغة تشريعية تعرض على مجلس النواب للموافقة‪ .‬وتضيف الفقرة الثانية‬
‫من الفصل نفسه أن المعاهدات ال تصبح نافذة المفعول إال بعد المصادقة عليها (من قبل‬
‫رئيس الجمهورية طبق الفصل ‪ 77‬من الدستور)‪.‬‬

‫ويقر الفصل ‪ 20‬من الدستور مبدأ هاما يتعلق بمركز المعاهدات الدولية من النظام‬
‫القانوني بقوله إن "المعاهدات الموافق عليها من قبل المجلس النيابي والمصادق عليها (من‬
‫رئيس الجمهورية) أعلى من القوانين وأدنى من الدستور‪ .‬فهي إذن في المرتبة التي تلي‬
‫الدستور ويجب أن تكون غير مخالفة له وتخضع بذلك المقتضى إلى رقابة المحكمة الدستورية‬
‫(الفصل ‪ 120‬مطة ‪ .)3‬وتكون من جهة أخرى مقدمة على القوانين إذا تعارضت معها ألنها‬
‫أعلى منها درجة وبما ينتج عنه أن تلك القوانين تكون بالضرورة غير مخالفة لتلك االتفاقيات‪.‬‬
‫فالمصادقة على اتفاقية األمم المتحدة المتعلقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة‬
‫المؤرخة في ‪ 18‬ديسمبر ‪(1979‬المعروفة باختصار سيداو) والتي صادقت عليها الدولة‬

‫‪75‬‬
‫التونسية بالقانون عدد ‪ 68‬لسنة ‪ 1985‬المؤرخ في ‪ 12‬جويلية ‪ 1985‬تقتضي أن القوانين‬
‫‪1‬‬

‫الصادرة في ذلك الميدان ال يمكنها أن تخالف تلك االتفاقية‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬القوانين والمراسيم‬

‫القوانين (فقرة أولى) المراسيم (فقرة ثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬القوانين‬

‫أصناف القوانين (أ) ميدان القانون (ب)‪.‬‬

‫أ‪-‬أصناف القوانين‬

‫يقر الدستور أصنافا مختلفة من القوانين وهي القوانين الدستورية (‪ )1‬والقوانين‬


‫االستفتائية (‪ )2‬والقوانين األساسية والقوانين العادية (‪ .)3‬وتختلف هذه القوانين من حيث‬
‫مجاالت تدخلها ومن حيث حق المبادرة واألغلبية المطلوبة وإجراءات المصادقة عليها من قبل‬
‫مجلس نواب الشعب‪.‬‬

‫‪-1‬القوانين الدستورية هي التي يكون موضوعها تعديل الدستور ويكون حق المبادرة فيها‬
‫الرئيس الجمهورية ولثلث أعضاء مجلس نواب الشعب وتعرض من قبل رئيس مجلس نواب‬
‫الشعب على المحكمة الدستورية إلبداء الرأي في كونها ال تتعلق بما ال يجوز تعديله حسب ما‬
‫هو مقرر‪ .‬وينظر مجلس نواب الشعب في مبادرة التعديل للموافقة باألغلبية المطلقة على مبدأ‬
‫التعديل ويتم التعديل بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب وفي هذه الحالة يمكن لرئيس الجمهورية‬

‫‪ Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination Against Women CEDAW‬تمت‬ ‫‪1‬‬

‫مصادقة الجمهورية التونسية على هذه االتفاقية بتحفظ وتم رفع التحفظات في ‪ ، 2011‬راجع األمر عدد ‪ 4260‬لسنة ‪2011‬‬
‫مؤرخ في ‪ 28‬نوفمبر ‪ 2011‬يتعلق بالمصادقة على سحب بيان وتحفظات صادرة عن حكومة الجمهورية التونسية وملحقة‬
‫بالقانون عدد ‪ 68‬لسنة ‪ 1985‬المؤرخ في ‪ 12‬جويلية ‪ 1985‬المتعلق بالمصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال‬
‫التمييز ضد المرأة‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫عرض التعديل على االستفتاء ويتم قبول التعديل بأغلبية المقترعين‪( .‬الفصل ‪ 143‬من‬
‫الدستور)‪.‬‬

‫‪-2‬القوانين االستفتائية هي التي تترتب عن عرض مشاريع قوانين المتعلقة بالموافقة على‬
‫المعاهدات أو بالحريات وحقوق اإلنسان أو باألحوال الشخصية والمصادق عليها من قبل‬
‫مجلس نواب الشعب والتي يكون لرئيس الجمهورية أن يمارس فيها حق الرد ولكنه وفي أثناء‬
‫أجل الرد يقرر عرضها على االستفتاء‪ .‬ويضبط القانون االنتخابي صيغ إجراء االستفتاء‬
‫واإلعالن عن نتائجه‪ .‬وإذا أفضى االستفتاء إلى قبول المشروع فإن رئيس الجمهورية يختمه‬
‫ويأذن بنشره في أجل ال يتجاوز عشرة أيام من اإلعالن عن نتائج االستفتاء (الفصل ‪ 82‬من‬
‫الدستور) فاالستفتاء إذن تعبير عن ممارسة الشعب سلطة مباشرة على التشريع‪.‬‬

‫‪-3‬أما القوانين األساسية فتختلف عن القوانين العادية من حيث الميدان واإلجراءات واألغلبية‬
‫فيصادق مجلس نواب الشعب على مشروع القانون األساسي باألغلبية المطلقة ألعضائه‬
‫(‪ ) 109‬وبأغلبية أعضائه الحاضرين على مشاريع القوانين العادية على أال تقل هذه األغلبية‬
‫عن ثلث أعضاء المجلس (الفصل ‪ 64‬من الدستور)‪ .‬وال يعرض مشروع القانون األساسي‬
‫على مداولة الجلسة العامة لمجلس النواب إال بعد مضي خمسة عشر يوما من إحالته على‬
‫اللجنة المختصة وليس من مثيل لهذا اإلجراء إذا تعلق األمر بمشروع قانون عادي‪.‬‬

‫ب‪ -‬ميدان القانون‬

‫ميادين القوانين العادية والقوانين األساسية (‪ )1‬ميدان القانون وميدان النصوص الترتيبية‬
‫(‪)2‬‬

‫‪-1‬ميادين القوانين العادية والقوانين األساسية‬

‫تضبط الفقرتان األولى والثانية من الفصل ‪ 65‬من الدستور ميدان كل من القانون‬


‫األساسي والقانون العادي‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫فالفقرة األولى من الفصل ‪ 65‬د حددت ميدان القانون العادي وهي‪:‬‬

‫‪-‬إ حداث أصناف المؤسسات والمنشآت العمومية واإلجراءات المنظمة للتفويت فيها‪،‬‬

‫‪-‬الجنسية‪،‬‬

‫‪-‬االلتزامات المدنية والتجارية‪ ،‬اإلجراءات أمام مختلف أصناف المحاكم‪،‬‬

‫‪ -‬ضبط الجنايات والجنح والعقوبات المنطبقة عليها وكذلك المخالفات المستوجبة لعقوبة سالبة‬
‫للحرية‪،‬‬

‫‪-‬العفو العام‪،‬‬

‫‪-‬ضبط قاعدة األداءات والمساهمات ونسبها وإجراءات استخالصها‪،‬‬

‫‪-‬نظام إصدار العملة‪،‬‬

‫‪-‬القروض والتعهدات المالية للدولة‪،‬‬

‫‪-‬ضبط الوظائف العليا للدولة‪،‬‬

‫‪-‬التصريح بالمكاسب‪،‬‬

‫‪-‬الضمانات األساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين‪،‬‬

‫‪-‬تنظيم المصادقة على المعاهدات‪،‬‬

‫‪ -‬قوانين المالية وغلق الميزانية والمصادقة على مخططات التنمية‪،‬‬

‫‪-‬المبادئ األساسية لنظام الملكية والحقوق العينية والتعليم والبحث العلمي والثقافة والصحة‬
‫العمومية والبيئة والتهيئة الترابية والعمرانية والطاقة وقانون الشغل والضمان االجتماعي‪.‬‬

‫أما الفقرة الثانية من الفصل ‪ 65‬د فقد حددت ميدان القوانين األساسية ويشمل ما يلي‪:‬‬

‫‪78‬‬
‫‪-‬الموافقة على المعاهدات‪،‬‬

‫‪-‬تنظيم العدالة والقضاء‪،‬‬

‫‪-‬تنظيم اإلعالم والصحافة والنشر‪،‬‬

‫‪ -‬تنظيم األحزاب والنقابات والجمعيات والمنظمات والهيئات المهنية وتمويلها‪،‬‬

‫‪-‬تنظيم الجيش الوطني‪،‬‬

‫‪-‬تنظيم قوات األمن الداخلي والديوانة‪،‬‬

‫‪-‬القانون االنتخابي‪،‬‬

‫‪-‬التمديد في مدة مجلس نواب الشعب وفق أحكام الفصل ‪،56‬‬

‫‪-‬التمديد في المدة الرئاسية وفق أحكام الفصل ‪،75‬‬

‫‪-‬الحريات وحقوق اإلنسان‪،‬‬

‫األحوال الشخصية‪،‬‬

‫‪-‬الواجبات األساسية للمواطنة‪،‬‬

‫‪-‬السلطة المحلية‪،‬‬

‫‪-‬تنظيم الهيئات الدستورية‪،‬‬

‫‪-‬القانون األساسي للميزانية‪.‬‬

‫هذا الفصل بين الميدانين مفروض على المشرع فال مجال للتداخل بين الميدانين وكلما كانت‬
‫هناك مخالفة إال وكان القانون مخالفا للدستور‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪-2‬ميدان القانون وميدان النصوص الترتيبية‬

‫نصت الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 65‬من الدستور بعد أن استعرضت مجاالت كل من‬
‫القانون األساسي والقانون العادي أنه "يدخل في مجال السلطة الترتيبية العامة المواد التي ال‬
‫تدخل في مجال القانون‪".‬‬

‫ويبدو من قراءة أولية أن للقانون مجاال محددا بمعنى أن ما خرج عنه يعود بالضرورة‬
‫إلى ميدان السلطة الترتيبية العامة‪ .‬فإذا تعلق األمر بتنظيم مسألة ال تندرج ضمن القائمتين‬
‫المقررتين بالفصل ‪ 65‬من الدستور فإنها تعود بالضرورة إلى ميدان السلطة الترتيبية‪ .‬ويترتب‬
‫عن ذلك أنه ال يمكن للقانون أن يتولى بالتنظيم مسائل راجعة إلى ميدان السلطة الترتيبية‬
‫وتنجر عن ذلك مخالفة للدستور‪ .‬وقد يعتبر هذا األمر امتدادا للتوجه المرسوم بدستور ‪1959‬‬
‫تبعا لما كرسه من هيمنة رئيس الدولة والسلطة التنفيذية بوجه عام وهو ال يتماشى مع التوجه‬
‫العام لدستور ‪ 2014‬الذي كرس نظاما يكون فيه مبدئيا للبرلمان الدور األبرز‪.‬‬

‫لكن المالحظ أن حكومات ‪ 2014‬إلى ‪ 2019‬لم تتردد في عرض مشاريع قوانين تعود‬
‫إلى نطاق السلطة الترتيبية وأن البرلمان لم ينازع في ذلك وتم التصويت عليها وصدرت في‬
‫شكل قوانين ولم يتم الطعن في تلك المشاريع بمخالفة الدستور‪.1‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المراسيم‬

‫هي نصوص تتخذها السلطة التنفيذية إما في صورة حل مجلس نواب الشعب (أ) أو‬
‫بتفويض المجلس النيابي (ب) وهذان اإلمكانيتان مقررتان بالفصل ‪ 70‬من الدستور‪.‬‬

‫مثاال على ذلك قانون عدد ‪ 38‬لسنة ‪ 2018‬مؤرخ في ‪ 19‬جوان ‪ 2018‬يتعلق بإحداث تعاونية أعوان و ازرة العدل‬ ‫‪1‬‬

‫والمؤسسات العمومية الخاضعة إلشرافها من غير القضاة وأسالك قوات األمن الداخلي حيث ال يندرج إحداث التعاونيات في‬
‫أي صنف من أصناف القانون طبق الفصل ‪ 65‬من الدستور‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫أ‪ -‬وقد نظمت الفقرة األولى من النص المشار إليه الحالة األولى ويكون إصدار المراسيم من‬
‫قبل رئيس الجمهورية بالتوافق مع رئيس الحكومة‪ .‬وتعرض هذه المراسيم على مصادقة مجلس‬
‫نواب الشعب في الدورة العادية التالية‪.‬‬

‫ب‪ -‬أما اإلمكانية الثانية للجوء إلى المراسيم فقد نظمتها الفقرة الثانية من الفصل ‪ 70‬من‬
‫الدستور عندما قررت أنه يمكن لمجلس نواب الشعب بثالثة أخماس أعضائه ( ‪ 131‬صوتا)‬
‫أن يفوض بقانون لمدة محدودة ال تتجاوز الشهرين ولغرض معين إلى رئيس الحكومة إصدار‬
‫مراسيم تدخل في مجال القانون تعرض حال انقضاء المدة المذكورة على مصادقة المجلس‪.‬‬
‫ويقتضي ذلك أن كل ما يدخل في مجال القانون يمكن أن يصدر في شكل مرسوم لكن الفصل‬
‫‪ 70‬يستثني من ذلك القانون االنتخابي‪.‬‬

‫وقد شهد هذا النص أول تطبيق بسبب جائحة كورونا‪ .‬فقد أوجبت تلك الجائحة سن‬
‫القانون عدد ‪ 19‬لسنة ‪ 2020‬المؤرخ في ‪ 12‬أفريل ‪ 2020‬المتعلق بالتفويض إلى رئيس‬
‫الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد‪ .)19-‬وتم‬
‫على مقتضاه اتخاذ جملة من المراسيم من بينها مرسوم رئيس الحكومة عدد ‪ 1‬لسنة ‪2020‬‬
‫المؤرخ في ‪ 14‬أفريل ‪ 2020‬المتعلق بالنشرية االلكترونية للرائد الرسمي للجمهورية التونسية‬
‫وبتحديد تاريخ نفاذ النصوص القانونية‪.‬‬

‫ويبرز الطابع المؤقت لهذا النوع من النصوص أن تحولها إلى نصوص دائمة يبقى‬
‫رهين المصادقة عليها من قبل مجلس النواب‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬النصوص الترتيبية‬

‫تصدر النصوص الترتيبية عن رئيس الحكومة (‪ )1‬وعن الوزراء (‪.)2‬‬

‫‪81‬‬
‫‪-1‬تتخذ النصوص الصادرة في نطاق ممارسة الحكومة للسلطة الترتيبية شكل األوامر وتسمى‬
‫أوامر حكومية (الفصل ‪ 94‬فقرة ‪ 2‬من الدستور)‪ .‬ولهذه النصوص ميدانا تدخل ‪ ،‬ميدان تدخل‬
‫أصلي وميدان تدخل تبعي‪.‬‬

‫فميدان التدخل األصلي هو المتمثل فيما ال يكون ميدانا لتدخل القانون طبقا للفقرة األخيرة‬
‫من الفصل ‪ 65‬من الدستور‪ .‬أما ميدان التدخل التبعي وهي األوامر التي تصدر تطبيقا‬
‫للقوانين وهي األوامر التطبيقية‪ .‬على سبيل المثال تقرر المطة األولى من الفقرة األولى من‬
‫الفصل ‪ 65‬من الدستور ميدان القانون لتدرج فيه إحداث أصناف المؤسسات والمنشآت‬
‫العمومية‪ .‬فالقانون هو الذي يحدث أصناف المؤسسات العمومية فتكون إدارية أو غير إدارية‪.‬‬
‫لكن إحداث مؤسسة تنتمي إلى صنف من هذين الصنفين يعود إلى السلطة الترتيبية طبقا‬
‫للفصلين ‪ 94‬و ‪ 92‬مطة ‪ 3‬من الدستور فتتولى إحداثها بأمر والمثال على ذلك األمر الحكومي‬
‫عدد ‪ 628‬لسنة ‪ 2018‬المؤرخ في ‪ 26‬جويلية ‪ 2018‬المتعلق بإحداث مؤسسات عمومية‬
‫للشباب ذات صبغة إدارية بمناطق مختلفة من البالد‪ .‬وفي مثال آخر أحدث القانون عدد ‪65‬‬
‫لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪ 5‬جويلية ‪ 1993‬صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق وتطبيقا لذلك‬
‫القانون صدر األمر عدد ‪ 1655‬لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪ 9‬أوت ‪ 1993‬لتنظيم إجراءات‬
‫تدخل ذلك الصندوق‪.‬‬

‫‪-2‬أما الوزراء فيمارسون السلطة الترتيبية بمقتضى الق اررات الترتيبية والمناشير‪.‬‬

‫فالق اررات الترتيبية هي التي تتخذ من قبل الوزراء كل في ميدان تدخل و ازرته وتكون وجوبا‬
‫حاملة لتأشير رئيس الحكومة طبق الفصل ‪ 94‬فقرة أخيرة من الدستور والمناشير‪ .‬وهذه الق اررات‬
‫تصدر تطبيقا لنصوص أعلى درجة أي القوانين واألوامر‪ .‬ويمكن أن نذكر مثاال على ذلك قرار‬
‫‪ 28‬جويلية ‪ 1995‬الصادر عن وزيري الداخلية والصحة العمومية موضوعه تعميم الشهادة‬
‫الطبية السابقة للزواج والتي أقرها القانون عدد ‪ 64‬لسنة ‪ 1964‬المؤرخ في ‪ 3‬نوفمبر ‪1964‬‬
‫المتعلق بالشهادة الطبية السابقة للزواج‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫أما المناشير فهي مندرجة في نطاق السلطة الترتيبية وتصدر تطبيقا للنصوص األعلى‬
‫درجة‪ .‬في هذا المعنى نذكر المنشور عدد ‪ 21‬المؤرخ في ‪ 24‬سبتمبر ‪ 2020‬المتعلق بفرض‬
‫االلتزام بارتداء الكمامات الواقية بالنسبة إلى المتعاملين مع اإلدارة تطبيقا لقرار وزير الصحة‬
‫المؤرخ في ‪ 21‬أوت ‪ 2020‬والمتعلق بإلزامية ارتداء الكمامات الواقية بالفضاءات واألماكن‬
‫العمومية‪.‬‬

‫على أن الدستور لم يتعرض إلى هذا الصنف من النصوص وهو ما يطرح إشكاليات‬
‫شرعيتها وطبيعتها القانونية‪ . 1‬وينبغي التمييز بين المناشير التي تصدر عن الوزراء واإلدارات‬
‫عموما والتي لم يتعرض إليها الدستور والمناشير التي ينظم القانون إصدارها من قبل هيئة أو‬
‫مؤسسة معينتين‪.‬‬

‫فالمناشير الصادرة عن الو ازرات ال تعتبر شرعية إال إذا كانت تفسيرية أي تفسر النص‬
‫األعلى (مناشير أو ما يسمى بالمذكرات العامة الصادرة عن و ازرة المالية‪ ) 2‬أما إذا كانت‬
‫منشئة لقواعد جديدة فتكون فاقدة لتلك الشرعية لعدم إسناد الدستور سلطة لتلك الهياكل في‬
‫إصدار النصوص القانونية‪.‬‬

‫أما المناشير الصادرة عن الهيئات أو المؤسسات التي يؤهلها القانون لذلك فتكون‬
‫متمتعة بالشرعية والقوة اإللزامية‪ .‬والمثال على ذلك مناشير البنك المركزي‪ .‬فالقانون عدد ‪35‬‬
‫لسنة ‪ 2016‬مؤرخ في ‪ 25‬أفريل ‪ 2016‬المتعلق بضبط النظام األساسي للبنك المركزي‬
‫التونسي يقر في الفصل ‪ 42‬منه وبكل وضوح لمحافظ البنك المركزي سلطة إصدار مناشير‬
‫وتعليمات كتابية في مجال اختصاص البنك المركزي كما يسند لتلك المناشير الصبغة اإللزامية‬
‫تجاه األشخاص الموجهة إليهم ويقرر إمكانية الطعن فيها أمام المحكمة اإلدارية ويجوب نشرها‬

‫شرف الدين ‪ ،‬طبعة ثالثة ص ‪ 83‬هامش ‪.160‬‬ ‫‪1‬‬

‫على سبيل المثال المذكرة العامة عدد‪ 19‬لسنة ‪ 2020‬موضوعها تحليل أحكام الفصل ‪ 15‬من القانون عدد ‪ 47‬لسنة‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 2019‬المؤرخ في ‪ 29‬ماي ‪ 2019‬المتعلق بتحسين مناخ االسشتثمار‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫على موقع واب البنك المركزي وأوجب نشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية كلما وجهت‬
‫للعموم‪ .‬وكمثال على ذلك منشور البنك المركزي المؤرخ في ‪ 5‬أكتوبر ‪ 2020‬المتعلق بإجراءات‬
‫استثنائية لمساندة المهنيين والناشطين في قطاعي السياحة والصناعات التقليدية (التمديد في‬
‫تأجيل خالص أقساط القروض)‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬نشأة النص القانوني‬

‫ال تنشأ القاعدة القانونية من فراغ إذ يتعلق األمر بمالحظة الظواهر االجتماعية ثم‬
‫وبهدف تأطير تلك الظواهر يتم بناء القاعدة بأفضل ما يكون وهو ما يستوجب البحث في‬
‫موجهات صياغة القاعدة القانونية (مبحث أول) ثم التعرض إلى مراحل تكوينها (مبحث ثان)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬موجهات الصياغة القانونية‬

‫هناك إطار عام فكري تتمحور حوله الخيارات الكبرى في سن القواعد ونتحدث هنا عن‬
‫السياسة التشريعية (فقرة أولى) لتتدخل بعد ذلك المقدرات الفنية ‪-‬التقنية القانونية‪-‬حتى تتخذ‬
‫القاعدة شكلها النهائي (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة االولى‪-‬السياسة التشريعية‬

‫"التفرقة بين السياسة والتقنية هي التفرقة بين المضمون والشكل فكلما تعلق األمر‬
‫بمحتوى القاعدة وهدفها كان ذلك من نطاق السياسة التشريعية وكلما تعلق األمر بالشكل‬
‫‪1‬‬
‫الخارجي الذي ستقدم فيه القاعدة تعلق ذلك بالتقنية القانونية‬

‫السياسة تؤخذ في معنى تصور وتحديد األهداف التي يرمي المشرع إلى تحقيقها انطالقا‬
‫من جملة المعطيات المحيطة والمؤثرة في المجتمع مع األخذ باالعتبار لإلمكانيات المتاحة‬
‫والتي تسهل تحقيق تلك األهداف‪.‬‬

‫روبيي ص ‪87‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪84‬‬
‫هذه المعطيات مادية أو طبيعية (مناخ البالد‪ ،‬مخزوناته أو ثرواتها الطبيعية‪ :‬كثرة أو‬
‫ندرة‪ ،‬عدد السكان وتوزيعهم الجغرافي) وهناك معطيات اقتصادية (اقتصاد فالحي‪ ،‬صناعي‪،‬‬
‫الوضع االقتصادي للبالد‪-‬حالة سوق الشغل‪ ،‬وضع البطالة‪ ،‬والمعطيات المالية‪ ،‬المالية‬
‫العمومية‪ ،‬موارد الدولة كافية أم لجوء إلى االقتراض) وهناك أيضا معطيات تاريخية وحضارية‬
‫وثقافية واجتماعية (الملكية‪ ،‬الميراث‪ ،‬العالقات العائلية تأثير العادات‪ ،‬دور الدين ‪ )...‬وتوجد‬
‫كذلك معطيات تتعلق بالتطلعات واألهداف المثلى التي يتوق المجتمع إلى تحقيقها (التقدم وهو‬
‫مطمح حتى بالنسبة إلى المجتمعات التي توصف بالمتقدمة)‪ ،‬التحرر (من مؤثرات اقتصادية‬
‫مثاال)‪ ،‬تحقيق التجمعات اال قتصادية أو السياسية (وحدة المغرب العربي مثال) أو االقتصادية‬
‫‪،...‬‬

‫كل هذا يستوجب اإللمام التام بكل هذه المعطيات وما يتطلبه ذلك من االستئناس‬
‫بمختلف العلوم والمواد التي تعتني بهذه الظواهر مثل علم االجتماع وعلم االقتصاد وعلم التاريخ‬
‫وغيرها وأن تكون دراسة تلك الظواهر دراسة علمية قائمة على المعاينة واالستنتاج حتى تكون‬
‫الحلول المقترحة أقرب إلى الواقع ولتلبية الحاجيات‪ ( .‬المثال ‪ :‬في مشروع قانون يرمي إلى‬
‫عدم تجريم تعاطي المخدرات تم تقرير مرحلة وقائية في مراكز صحية والحال أنه يوجد مركزان‬
‫تم غلق أحدهما نالحظ أنه لم تؤخذ في االعتبار المعطيات المتعلقة بتوفير الوسائل الرامية‬
‫إلى تحقيق الوقاية)‪.‬‬

‫فالتشريع ليس غاية في حد ذاته بل هو وسيلة لتحقيق أهداف محددة في ميادين مختلفة‪.‬‬
‫فنتحدث عن سياسة جبائية أو سياسة جزائية أو سياسة عمرانية أو سياسة فالحية‪ .‬فالسياسة‬
‫هنا في مفهوم علم أو فنيات التسيير الجماعي‪.‬‬

‫فبناء على األهداف الكبرى التي يقع رسمها تكون التشريعات الوسيلة الرامية إلى‬
‫تحقيقها‪ .‬ولعل أبرز األمثلة هي مجلة األحوال الشخصية التي هدفت إلى إحداث تغيير نوعي‬
‫في المجتمع من خالل إعادة تصور للعائلة القائمة على منع تعدد الزوجات وحرية المرأة في‬

‫‪85‬‬
‫اختيار زوجها وتجريم الزواج العرفي وفرض الطالق القضائي‪ .‬في ميدان السياسة االقتصادية‬
‫تتجه مختلف الدول إلى توفير مناخات مالئمة الستقطاب االستثمارات واألجنبية منها على‬
‫وجه الخصوص فيقع تبني مجلة لالستثمارات أو قوانين يهتم كل منها بميدان (السياحة‪،‬‬
‫الص ناعة‪ )...‬فيتم التشجيع على االستثمار في مناطق محددة بإقرار امتيازات للمستثمرين‬
‫واستجالب االستثمار األجنبي بعدم التميز بين األجانب والتونسيين‪ .‬ويشترك في رسم هذه‬
‫السياسات الحكومة ورئيس الجمهورية بواسطة مشاريع القوانين التي تعدها مصالحهم ونواب‬
‫الشعب بواسطة مقترحات صادرة عن عشرة منهم على األقل وهو ما تبرز معه أهمية التقنية‬
‫القانونية أو التشريعية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪-‬التقنية التشريعية‬

‫التقنية التشريعية (القانونية) هي جملة الوسائل الفنية التي تعطي للقاعدة مظهرها‬
‫الخارجي‪ 1‬فنتحدث هنا عن الصياغة القانونية أو فن صياغة التشريع فكتابة القانون تستوجب‬
‫علما وفنا إذ ليس ألي كان أن يكتب نصا قانونيا أو قانونا أو مجلة ‪....‬‬

‫والحديث عن "صياغة" يحمل معاني دقيقة‪ ،‬الصائغ مهني وفنان يتدخل على مادة‬
‫نفيسة لينتج منها قطعة مصوغ‪ .‬والتشبيه يحمل وجوب اإللمام بالمعارف المنظمة لميدان التدخل‬
‫ومراعاة الحذر والدقة وإحكام العمل بالوسائل واآلليات وبخاصيات المادة موضوع العمل حتى‬
‫يكون المنتوج مالئما لقيمة تلك المادة وبالجمالية الطلوبة ومحققا للغاية منه تحقيقا تاما‪.‬‬

‫وقد تطورت العلوم المتعلقة بالصياغة التشريعية وبرزت مواد واختصاصات موضوعها‬
‫فنيات الصياغة التشريعية تدرس بكليات الحقوق وتسمى علم التشريع أو منهجية التشريع‪.2‬‬

‫فيتطلب األمر إتقانا للغة التي يتوجه بها المشرع إلى المعنيين به وهي اللغة العربية‬
‫كلغة رسمية للبالد طبق الفصل األول من الدستور‪ .‬لكن التقنية التشريعية تستوجب إلى ذلك‬

‫روبيي ص ‪194‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪Légistique 2‬‬

‫‪86‬‬
‫إحكام السيطرة على اللغة القانونية التي تتميز بدقتها التي توجب أن يقع استعمال كل مصطلح‬
‫أو مفهوم قانوني في مكانه دون إمكان استبداله بغيره الدال على معنى آخر ولو كان بينها‬
‫اختالف طفيف‪ .‬فنفرق بين التصرف القانوني كصنف من األصناف ومكوناته العقد الذي‬
‫يستوجب لقيامه التقاء إرادتين أو أكثر والتصريح بإرادة منفردة الذي ال يستوجب إال تعبي ار من‬
‫شخص وحيد عن إرادته‪.‬‬

‫فالمشرع يستعمل الكلمات في جمل يصوغها بأسلوب القانون وكما أسلفنا يمكن أن‬
‫تكون الكلمات من اللغة العادية (الشيء‪ ،‬الماء) ويكون استعمالها في ميادين الحياة اليومية أو‬
‫المهنية (الحيوان ‪ ،‬األرض ‪ )...‬أو الصناعية (المصانع ) وقد يكون لها معنى قانوني ال‬
‫تشترك فيه مع ميدان آخر (حيثية 'فقرة من حكم' منطوق 'نص الحكم'‪ )..‬وقد تكون مشتركة‬
‫مع ميدان آخر ولكنها تأخذ معنى خاصا إذا استعملها المشرع (العيب ‪ ...‬الغلط ‪ ...‬التغرير‬
‫‪)...‬‬

‫لكن أسلوب المشرع يحتاج إلى تقنيات أخرى من أهمها القرينة واالفتراض‪.‬‬

‫القرينة التي يضعها المشرع وتسمى القرينة القانونية هي ما يستدل به القانون على‬
‫أشياء مجهولة" أي أنه انطالقا من أمر معلوم يستخلص المشرع ثبوت أمر مجهول‪(1‬وهناك‬
‫نوع آخر وهو القرينة القضائية وتقوم على نفس الفكرة أي استنتاج ثبوت أمر مجهول من أمر‬
‫معلوم)‪ .‬في خالف بين امرأة ورجل يربط بينهما زواج وولد لهما طفل وينازع الزوج في نسبة‬
‫المولود إليه‪ .‬فيقرر المشرع ضمن الفصل ‪ 71‬من م أ ش أنه إذا ولدت الزوجة لتمام ستة‬
‫أشهر فأكثر من حين عقد الزواج ‪ ....‬يثبت نسب المولود للزوج" فيضع المشرع هكذا قرينة‬
‫أبوة ‪ ،‬يعتبر المولود ابنا للزوج ‪ ...‬فيستنتج من واقعة ثبوت والدة المولود خالل األجل المحدد‬
‫ّ‬
‫أبوة الزوج للمولود‪.‬‬

‫‪1‬وتكون وظيفة القرينة تحويل عبء اإلثبات إذ أن األصل أن اإلثبات على المدعي وفي صورة ما إذا وضع المشرع قرينة‬
‫فإن المدعي يعفى من اإلثبات ويحمل العبء على المدعى عليه‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫ويبرر أحد الفقهاء اللجوء إلى القرينة بأنه اعتبا ار إلى أن البديهيات نادرة الوجود في‬
‫مجال التقاضي وحتى يؤدي القانون دوره ال بد من تحويل المسائل التي يحوم حولها التردد‪-‬‬
‫هي إذن أمور يحتمل حدوثها ‪ -‬إلى يقين (تحويل المحتمل إلى يقين) باالعتماد على ما يحدث‬
‫في إطار السير العادي لألشياء‪( 1‬بصفة عادية إذا تزوج رجل وامرأة وولد لهما مولود خالل‬
‫الفترة الدنيا للحمل يكون الزوج أب المولود)‪.‬‬

‫ويستعمل المشرع كذلك ما يسمى باالفتراض القانوني‪ .‬واالفتراض القانوني على خالف‬
‫القرينة التي تقوم على وقائع محتملة يقوم على إنكار للواقع بهدف فرض حصول حلول‬
‫‪3‬‬
‫مقصودة وينتج عنها تغير مقصود للواقع‪ 2‬فيكون الحل متعارضا تماما مع مادية الواقع‬
‫والمثال على ذلك مأخوذ من التفرقة بين العقار والمنقول‪ .‬فالعقار هو "كل شيء ثابت في‬
‫مكانه ال يمكن نقله من منه دون تلف (الفصل ‪ 3‬م ح ع ) والمنقول هو خالف ذلك ‪ ،‬أي كل‬
‫ما يمكن نقله من مكان إلى آخر‪ .‬بهذا المعنى تكون اآللة (جرار مثال) والحيوان من المنقوالت‪.‬‬
‫لكن المشرع يغير من طبيعة تلك المنقوالت فيعتبرها من العقارات عندما تخصص للنشاط‬
‫االقتصادي (صناعي أو فالحي) فيعتبرها عقا ار وهي عقار بحكم القانون أو هي عقارات‬
‫حكمية (الفصل ‪ 10‬من مجلة الحقوق العينية) ‪.‬فيقع تغيير طبيعة الشيء من منقول إلى عقار‬
‫لينطبق عليه النظام القانوني للعقارات‪.‬‬

‫والتقنية التشريعية تفترض إفراغ القاعدة أو القواعد في شكلها المالئم أي اإلطار الذي‬
‫يجب أن تقدم فيه ويفترض ذلك تحديد طبيعة النص فيكون قانونا (قانون األكرية الفالحية‬
‫مثال) أو مجلة (مجلة الشركات التجارية مثال) أو أم ار (األمر المتعلق بتنظيم الصفقات‬
‫العمومية مثال) ‪ ،‬كما يقتضي اعتماد أسلوب التقديم المنظم والمقسم إلى كتاب‪ ،‬ثم عنوان‪ ،‬ثم‬
‫أبواب ثم أقسام وفصول (راجع مثال مجلة االلتزامات والعقود أو المجلة التجارية وغيرهما)‬

‫روبيي ص ‪114‬‬ ‫‪1‬‬

‫روبيي ‪،115‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬شرف الدين‪37 ،‬‬

‫‪88‬‬
‫والفصول تقسم إلى فقرات فرعية وأرقام (الفصل ‪ 5‬م ا ع ) وأحيانا مطات (الفصل ‪ 1075‬م‬
‫ا ع )‪.‬‬

‫ويميز المشرع عموما القواعد إلى قواعد أصلية وقواعد إجرائية‪ .‬والقواعد األصلية هي‬
‫التي تنظم محتوى الوضعية التي تعالجها (الفصل ‪ 105‬م ا ع ال مسؤولية على المجنون حال‬
‫جنونه) أما القواعد اإلجرائية فهي التي تحدد السبيل الذي يجب على من يطالب بحق أن‬
‫يتبعه (في االلتزامات غير المحددة بأجل ال يعتبر المدين مماطال إال بإنذاره ‪ ،‬الفصل ‪ 269‬م‬
‫ا ع) ويولي مكانة خاصة في كال الحالين إلى اآلجال‪( .‬آجال التقادم‪ ،‬آجال االستئناف‪ ،‬آجال‬
‫تعاقدية ‪)...‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مراحل التكوين‬

‫في أنظمة قانونية مختلف تخضع إجراءات تكوين النص القانوني إلى أدلة إجراءات‬
‫يقرها القانون وتضبط بكل وضوح المراحل التي تتم بها صياغة النصوص على اختالف‬
‫أصنافها‪.‬‬

‫أما في نظامنا القانوني فال وجود لدليل ذي طبيعة تشريعية يضبط إجراءات صياغة‬
‫النصوص من المشروع (الصادر عن رئيس الجمهورية أو عن الحكومة) أو المبادرة (الصادرة‬
‫عن نواب الشعب) ‪.‬‬

‫في غياب نص مماثل أصدرت الحكومة المنشور عدد ‪ 8‬المؤرخ في ‪ 17‬مارس ‪2017‬‬
‫‪1‬‬
‫يتعلق موضوعه بقواعد إعداد مشاريع النصوص القانونية وعرضها واستكمال تهيئتها‪.‬‬

‫هذا المنشور مرجع هام لمختلف اإلدارات بالهياكل المعنية والتي يعود إليها إعداد‬
‫مشاريع النصوص فهو دليل لصياغة النصوص ولكن ليس دليال ذا أصل تشريعي وهو ما‬

‫وهو منشور يلغي ويعوض المنشور عدد ‪ 10‬المؤرخ في ‪ 28‬جانفي ‪ 1988‬حول إعداد وعرض مشاريع القوانين والمراسيم‬ ‫‪1‬‬

‫واألوامر والق اررات والمنشور عدد ‪ 31‬المؤرخ في ‪ 9‬جوان ‪ 1992‬حول إمضاء وتأشير مشاريع األوامر والق اررات‬

‫‪89‬‬
‫يفقده قوته اإللزامية عندما يتعلق األمر مثال بمصالح رئاسة الجمهورية أو مجلس نواب الشعب‬
‫حيث ال شيء يجبرهما على اتباع منهجه‪ .‬على أنه ال شيء يمنع من االستئناس بأحكامه عند‬
‫إعداد مشاريع القوانين‪.‬‬

‫ويميز هذا المنشور في المنهجية بين مختلف المشاريع أي مشاريع القوانين ومشاريع‬
‫الم ارسيم ومشاريع األوامر ومشاريع الق اررات‪ .‬ونركز هنا على مشاريع القوانين بسبب أن أهم‬
‫التوجيهات تتعلق بها مع اختالفات تتعلق بطبيعة النصوص األخرى تتم اإلشارة إليها عند‬
‫االقتضاء‪.‬‬

‫وينقسم المنشور إلى أربعة أبواب يتعلق أولها بالمبادئ العامة إلعداد مشاريع النصوص‬
‫القانونية وفيه تذكير بالترتيب الهرمي للنصوص القانوني وواجب احترامه والتوزيع الدستوري‬
‫للمواد المتعلقة بالنصوص القانونية (بين السلطة التشريعية والسلطة الترتيبية) واحترام األحكام‬
‫الدستورية المتعلقة بالمبادئ العامة والحقوق والحريات‪.‬‬

‫أما الباب الثاني فمخصص للقواعد الشكلية العامة لصياغة النصوص القانونية على‬
‫اختالفها (احترام مجاالت القوانين عادي أساسي‪ ،‬عناوين مشاريع القوانين‪ ،‬االطالعات‪،‬‬
‫االلكتروني‬ ‫الحكومة‬ ‫موقع‬ ‫على‬ ‫العموم‬ ‫واستشارة‬ ‫الوجوبية‬ ‫واالستشارات‬
‫‪ ،WWW.legislation.tn‬واستشارة المهن المعنية‪.‬‬

‫ويخصص الباب الثالث للقواعد الشكلية الخصوصية ومنها العرض على مداولة مجلس‬
‫الوزراء وهو إجراء وجوبي قرره الفصل ‪ 93‬فقرة أخيرة من الدستور وإعالم رئيس الجمهورية‬
‫والقواعد العامة للصياغة (تقسيم وتبويب المشروع‪ ،‬صياغة التنقيحات واإلضافات واإللغاء‬
‫واألحكام االنتقالية)‪.‬‬

‫وخصص الباب األخير لقواعد عرض مشاريع النصوص وفيه باألساس كيفية توجيه‬
‫المشاريع إلى الحكومة وضرورة إرفاقها بشرح األسباب والترجمة إلى الفرنسية واإلنكليزية‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫يمثل هذا المنشور الحد األدنى كدليل لإلجراءات والموجهات العامة في الصياغة‬
‫ويالحظ فيه السعي إلى الدقة ولكن يالحظ فيه في نفس الوقت إحدى أهم النقائص وهو ما‬
‫يسمى بعدم التعرض إلى ما يسمى بدراسة المؤثرات‪ .‬ويتمثل هذا اإلجراء في الدراسة المسبقة‬
‫لكل ما يمكن أن يحدث من آثار سواء على النطاق التشريعي أو على األصعدة االجتماعية‬
‫واالقتصادية وهو إجراء يرمي إلى تحسين جودة التشريعات وضمان أكبر فاعليتها ‪.‬‬

‫يحال مشروع القانون على مجلس نواب الشعب ويدرجه مكتب المجلس في جدول أعماله‬
‫ويحيله على اللجنة المختصة التي تتولى التداول فيه في جلسات علنية ويمكن أن تكون مغلقة‬
‫استثنائيا ( الفصل ‪ 76‬من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب) وفي اللجنة يتم النقاش العام‬
‫وتجرى االستماعات إلى جهة المبادرة وإلى كل من ترى اللجنة فائدة في االستماع إليه من‬
‫خبراء وممثلي المؤسسات والنقابات والجمعيات وتقترح تعديالت من قبل النواب ويتم التصويت‬
‫فصال فصال وتعد اللجنة تقري ار (الفصل ‪ 78‬من النظام الداخلي) ويحال ذلك التقرير على‬
‫مكتب المجلس الذي يدرجه في جدول أعمال الجلسة العامة‪ .‬وتنظر األخيرة في مشروع القانون‬
‫طبقا إلجراءات الفصل ‪ 102‬وما بعده من النظام الداخلي وتقرر الجلسة إما االنتقال إلى‬
‫مناقشة الفصول فصال فصال أو إعادة المشروع إلى اللجنة أو إرجاء النظر فيه في جلسة‬
‫الحقة وتعرض مقترحات التعديل من قبل النواب والكتل ويصوت عليها أثناء التصويت فصال‬
‫فصال ثم التصويت على المشروع برمته وتتم المصادقة على مشروع القانون باألغلبية المقررة‬
‫لكل صنف (قانون أساسي ‪ ،‬قانون عادي)‪.‬‬

‫وال شك أن العملية بكاملها ال تخلو من تأثيرات مجموعات النفوذ أو ما يسمى باللوبيات‬


‫وهي المتكونة من كل مجموعة (مهنيين ‪ ،‬نقابات ‪ ،‬رجال أعمال‪ ،‬موظفين ‪ )....‬ترى في‬
‫المشروع فائدة أو مساسا بمصالحها فتسعى إلى التأثير في اتجاه معين نحو إضافة أو حذف‬
‫فصل أو فصول أو حتى سحب المشروع من قبل جهة المبادرة‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫وخالفا لما هو عليه األمر في أنظمة أخرى حيث تكون مجموعات الضغط محل إعالن‬
‫رسمي على وجودها‪1‬ال يوجد تأطير قانوني لهذه المجموعات في تونس ويكون من المفيد أن‬
‫يتم ذلك لضمان الشفافية والنزاهة في المسار التشريعي‪.‬‬

‫إثر مصادقة مجلس نواب الشعب على مشروع القانون تفتح إمكانية الطعن في‬
‫دستوريته أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين في انتظار استكمال إرساء المحكمة‬
‫الدستورية‪ ،‬ثم يحال إلى رئيس الجمهورية الذي يتولى ختمه ويأذن بنشره بالرائد الرسمي‬
‫للجمهورية التونسية في اآلجال المقررة بالفصل ‪ 81‬من الدستور‪ .‬بعد الختم والنشر يدخل‬
‫القانون حيز النفاذ‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬نفاذ النص التشريعي‬

‫انطالق دخول النص حيز النفاذ (مبحث أول) ‪ ،‬إلغاء النص ‪-‬النسخ‪( -‬مبحث ثان)‬

‫المبحث األول ـ انطالق دخول النص حيز النفاذ‬

‫يكون دخول النص القانوني حيز النفاذ رهين إشهاره بالوسيلة التي يحدها القانون (الفقرة‬
‫األولى) وفي الزمن الذي يقرره هو أيضا (الفقرة الثانية) بما يترتب عنه آثار (الفقرة الثالثة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪-‬وسيلة إشهار النص القانوني‬

‫إن نشر القانون الذي جعله المشرع واجبا يقع على رئيس الجمهورية يرمي إلى إعالم‬
‫عموم الموجه إليهم بصدوره حتى تكون قرينة العلم بالقانون قائمة على أمر يحمل على الحقيقة‪.‬‬
‫ولقد كانت وسيلة اإلشهار الجريدة الرسمية ثم الرائد الرسمي طبقا لألمر العلي المؤرخ في ‪27‬‬
‫جانفي ‪ 1883‬المنقح باألمر المؤرخ في ‪ 8‬سبتمبر ‪ 1955‬والذي ألغي وعوض بالقانون عدد‬

‫بالنسبة إلى كندا قانون ‪ 2‬جويلية ‪ ، 2008‬الواليات المتحدة تم التقنين منذ ‪ 1946‬بمقتضى ‪The Federal‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪Regulation of Lobbying Act‬‬

‫‪92‬‬
‫‪ 64‬لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪ 5‬جويلية ‪ 11993‬الذي قرر أن نشر القوانين والمراسيم واألوامر‬
‫والق اررات بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية باللغة العربية ويتم كذلك نشرها بلغة أخرى وذلك‬
‫على سبيل اإلعالم فحسب‪.‬‬

‫على أن وسيلة اإلشهار المذكورة شهدت تعديال فرضه الوضع المترتب عن انتشار وباء‬
‫كورونا المستجد‪ ،‬فقد صدر القانون عدد ‪ 19‬لسنة ‪ 2020‬المؤرخ في ‪ 12‬أفريل ‪ 2020‬المتعلق‬
‫بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات فيروس كورونا ‪-‬‬
‫كوفيد‪ ،19-‬وبمقتضاه صدر المرسوم عدد ‪ 1‬لسنة ‪ 2020‬المؤرخ في ‪ 14‬أفريل ‪ 2020‬يتعلق‬
‫بالنشرية االلكترونية للرائد الرسمي لجمهورية التونسية وبتحديد تاريخ نفاذ النصوص القانونية‪.‬‬

‫وقد جاء بالفصل األول من المرسوم المشار إليه أنه خالفا ألحكام القانون عدد ‪64‬‬
‫لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪ 5‬جويلية ‪ 1993‬المشار إليه أعاله‪ ،‬تُنشر القوانين والمراسيم واألوامر‬
‫والق اررات والنصوص القانونية األخرى بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية في نشرية إلكترونية‬
‫مؤمنة على الموقع اإللكتروني للمطبعة الرسمية للجمهورية التونسية التالي ‪:‬‬
‫"‪"www.iort.gov.tn‬ويكون النفاذ إليها مع السماح بتحميلها دون مقابل‪.‬‬

‫والمالحظ أن المرسوم أقر إجراء استثنائيا ال يتعلق بتغيير وسيلة النشر في حد ذاتها‬
‫بل بحاملها الذي أصبح الكترونيا فتبقى وسيلة النشر هي الرائد الرسمي ولكن الحامل يكون‬
‫غير مادي والحال أن الوضع العادي هو الحامل الورقي‪.‬‬

‫وقد يكون هذا الحل االستثنائي مدخال لحل دائم لكن ال بد من التفكير في تسهيل‬
‫اطالع العموم (ولو أن األمر يتعلق بقرينة العلم بالقانون ال بعلم فعلي) كل هذا في انتظار‬

‫حول التطور التاريخي للتشريع في هذا المجال راجع شرف الدين‪ ،‬فقرة ‪76‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪93‬‬
‫مصادقة مجلس نواب الشعب على هذا المرسوم طبق الفقرة األولى من الفصل ‪ 70‬من‬
‫الدستور‪.‬‬

‫وسواء تعلق األمر بالحامل الورقي للرائد الرسمي أو بالحامل االلكتروني فلغة النشر‬
‫هي اللغة العربية وهي اللغة الرسمية للبالد طبق أحكام الفصل األول من الدستور وهو ما قرره‬
‫الفصل األول من قانون ‪ 5‬جويلية ‪ 1993‬والمرسوم عدد ‪ 1‬لسنة ‪ .2020‬أما النشر بلغات‬
‫أخرى أن النشر بلغات أخرى يكون على سبيل اإلعالم أي أنه ما ينشر بلغة أخرى ال يعتبر‬
‫ال نصا رسميا وال ترجمة رسمية واالختالف بين النسختين ‪-‬في صورة التمسك به‪-‬يحسم في‬
‫كل األحوال لصالح النسخة الرسمية‪ ،‬وقد دأبت الممارسة على النشر باللغتين االنكليزية‬
‫والفرنسية وقد أكد ذلك المنشور عدد ‪ 8‬المؤرخ في ‪ 17‬مارس ‪ 2017‬سابق الذكر‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪-‬تاريخ نفاذ النص القانوني‬

‫هناك حل مبدئي (أ) وحلول استثنائية (ب)‪.‬‬

‫أ‪-‬الحل المبدئي‬

‫يقرر الفصل ‪ 2‬فقرة ‪ 2‬من القانون عدد ‪ 26‬لسنة ‪ 1993‬أنه "تكون النصوص القانونية‬
‫والترتيبية نافذة المفعول بعد مضي خمسة أيام على إيداع الرائد الرسمي المدرجة به بمقر والية‬
‫تونس العاصمة " وأضافت الفقرة الثانية من نفس الفصل أنه "ال يعتبر في حساب األجل يوم‬
‫اإليداع"‪ .‬وقد تم اعتماد هذا الحل لتوحيد تاريخ انطالق العمل بالنصوص القانونية إذ كان‬
‫القانون يفرق بين تاريخ نفاذها بالنسبة إلى تونس العاصمة وتاريخا آخر بالنسبة إلى باقي‬
‫واليات الجمهورية‪.‬‬

‫في إطار اإلجراءات االستثنائية المتخذة لمجابهة فيروس كورونا يقرر الفصل ‪ 2‬من‬
‫المرسوم عدد ‪ 1‬لسنة ‪ 2020‬أن النصوص التشريعية والترتيبية تكون نافذة المفعول من‬
‫اليوم الموالي لنشرها بالنشرية االلكترونية بالموقع الرسمي للمطبعة الرسمية وإيداعها‬

‫‪94‬‬
‫بالموقع المخصص لذلك التابع لوالية تونس وأضاف أن إيداع النشرية االلكترونية المؤمنة‬
‫من الرائد الرسمي بوالية تونس عبر الوسائل االلكترونية‪ .‬وهكذا فهذا الحل ال يزال يعتمد تاريخا‬
‫موحدا ولكنه قلص في األجل (من خمسة أيام إلى يوم) واعتمد في احتسابه اإليداع النشر‬
‫بالموقع االلكتروني للمطبعة الرسمية واإليداع بموقع والية تونس وحدد تاريخ نفاذه من اليوم‬
‫الموالي للنشر واإليداع (خالفا للحل المقرر بالفصل ‪ 2‬من قانون ‪، 1993‬حيث أن يوم اإليداع‬
‫ال يعد)‪.‬‬

‫وقد يكون هذا الحل حال نهائيا لو تم تبنيه من قبل مجلس نواب الشعب في إطار‬
‫المصادقة على المرسوم طبقا لما قررته الفقرة الثانية من الفصل ‪ 70‬من الدستور‪.‬‬

‫ب‪-‬الحلول االستثنائية‬

‫تتمثل الحلول االستثنائية في أربع حاالت هي ‪ :‬اإلذن الصريح بالتنفيذ حاال (‪ )1‬و اإلذن‬
‫الصريح بتأجيل النفاذ (‪ )2‬والتنصيص على نفاذ القانون بأثر رجعي (‪ )3‬وإصالح الخطأ (‪.)4‬‬

‫‪ – 1‬اإلذن الصريح بالتنفيذ حاال‬

‫أشار الفصل ‪ 2‬في فقرته األخيرة من قانون ‪ 1993‬أنه "يمكن أن تتضمن هذه النصوص‬
‫إذنا صريحا بتنفيذها حاال" (نفس الحل تبناه الفصل ‪ 2‬فقرة ‪ 2‬من المرسوم عدد ‪ 1‬لسنة‬
‫‪ ،) 2020‬أي أنه ال يتم انتظار األجل المحدد لدخول النص حيز النفاذ أي أنه يتم التنفيذ‬
‫بمجرد النشر أي دون الخضوع إلى إجراءات اإليداع وما يترتب عنها من انتظار اآلجال‪ .‬ولعل‬
‫أقرب صورة لهذا المثال المرسوم عدد ‪ 1‬لسنة ‪ 2020‬الذي نص في فصله الرابع على أنه‬
‫يدخل حيز النفاذ من تاريخ نشره‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلذن الصريح بتأجيل النفاذ‬

‫هذا هو الحل الذي ورد بالفقرة ‪ 2‬من الفصل ‪ 2‬من القانون عدد ‪ 64‬لسنة ‪1993‬‬
‫عندما قرر أنه يمكن أن تتضمن هذه النصوص إذنا صريحا بتنفيذها في أجل يتجاوز المهلة‬

‫‪95‬‬
‫المذكورة بالفقرة األولى من هذا النص" (نفس الحل في الفصل ‪ 2‬فقرة ‪ 2‬من مرسوم ‪2020-1‬‬
‫‪" ،‬أو في أجل تحدده") واألمثلة على ذلك كثيرة منها أن الفصل ‪ 26‬من القانون عدد ‪71‬‬
‫لسنة ‪ 2016‬المؤرخ في ‪ 30‬سبتمبر ‪ 2016‬المتعلق بقانون االستثمار نص على دخول القانون‬
‫حيز النفاذ في غرة جانفي ‪( 2017‬ثم وقع التمديد إلى غرة أفريل ‪ 2017‬بمقتضى الفصل ‪1‬‬
‫من القانون عدد ‪ 1‬لسنة ‪ 2018‬المؤرخ في ‪ 3‬جانفي ‪.)2017‬‬

‫‪-3‬التنصيص على نفاذ القانون بأثر رجعي‬

‫يعني األثر الرجعي للقانون سريان مفعوله على األوضاع التي نشأت قبل التاريخ المحدد‬
‫لدخوله حيز النفاذ أي قبل نشره وإيداعه على الكيفية المقررة ضمن الحل المبدئي أعاله‪ .‬والمبدأ‬
‫هو عدم رجعية القوانين وهو مبدأ دستوري كرسه الفصل ‪ 28‬من الدستور فيما يتعلق بالمادة‬
‫الجزائية‪ .‬ومع أن المشرع لم ينص على هذا المبدأ صراحة في المواد األخرى فإن السائد هو‬
‫نفس المبدأ ‪ ،‬لكن استثناء لذلك المبدأ يلجأ المشرع إلى بسط آثار القانون بأثر رجعي‪ .‬والمثال‬
‫على ذلك القانون عدد ‪ 75‬لسنة ‪ 1998‬مؤرخ في ‪ 28‬أكتوبر ‪ 1998‬يتعلق بإسناد لقب عائلي‬
‫لألطفال المهملين أو مجهولي النسب الذي نص في فصله السادس أنه "يكون ألحكام هذا‬
‫القانون مفعول رجعي على الوضعيات السابقة لتاريخ نفاذه " كما نص القانون عدد ‪ 51‬المنقح‬
‫له والصادر في ‪ 7‬جويلية ‪ 2003‬في فصله الثالث على انطباقه على الوضعيات السابقة‬
‫لتاريخ نفاذه‪.‬‬

‫‪-4‬إصالح الخطأ‬

‫قد تتضمن النصوص المنشورة أخطاء ويتم اللجوء في هذه الحالت إلى ما يسمى‬
‫بتصحيح الخطأ‪ .‬ويجب التمييز هنا التمييز بين األخطاء المادية التي تتسرب إلى النص دون‬
‫تأثير على مضمونه واألخطاء األصلية‪ .‬فاألخطاء المادية المترتبة عن الرقن والتي تصدر عن‬
‫اإلدارة يتم إصالحها دون أن يكون هناك أثر على تاريخ نفاذ القانون‪ .‬أما األخطاء األصلية‬
‫أي تلك التي تسرب إلى النص لتغير محتواه فال يمكن تداركها إال من قبل الجهة التي صدر‬
‫‪96‬‬
‫عنها النص (المشرع أو الحكومة ‪ )....‬فتكون خاضعة من حيث المبدأ إلى قاعدة النفاذ دون‬
‫أثر رجعي إال إذا نص القانون التصحيحي على أثر رجعي على نحو ما تقرر طبق الفقرة ‪2‬‬
‫من الفصل ‪ 2‬من القانون عدد ‪ 64‬لسنة ‪.1993‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ -‬آثار نفاذ النص‪ :‬قرينة العلم بالقانون‬

‫يترتب عن دخول النص حيز النفاذ أثر هام وهو قرينة العلم بالقانون التي تهم عموم‬
‫الموجهة إليهم القاعدة القانونية كما تهم القاضي‪.‬‬

‫فينص الفصل ‪ 545‬م ا ع الذي مقتضاه أن "جهل القانون ال يكون عذ ار في ارتكاب‬


‫ممنوع أو فيما ال يخفى حتى على العوام وذلك بعد نشره ومضي المدة المعينة إلجراء العمل‬
‫به"‪ .‬ويترتب عنه أنه ال يمكن ألحد أن يتمسك بجهله للقانون للتهرب من نتائجه‪ .‬وتبدو صياغة‬
‫النص أقرب إلى الميدان الجزائي ولكن عموم عباراته يجعله يهم مختلف ميادين القانون‪ .‬فال‬
‫يمكن االدعاء بجهل القانون المدني أو القانون اإلداري أو قانون الشغل‪.‬‬

‫ويواجه هذا المبدأ نقدا شديدا أمام ظاهرة ما يسمى بالتضخم التشريعي بصورة تجعل‬
‫حتى المختصين في ميدان القانون غير قادرين على استيعاب مستجداته وتطوراته بفعل الزخم‬
‫الذي تشهد النصوص الجديدة في مختلف الميادين (الطرقات ‪ ،‬الجباية‪ . )... ،‬ويتم الرد على‬
‫هذه االنتقادات بفكرتين‪ .‬تتعلق الفكرة األولى بتطور مسائل المعرفة بالقانون وخاصة الوسائل‬
‫االلكترونية وتطور قواعد البيانات التشريعية (موقع المطبعة الرسمية‪ ،‬موقع الحكومة)‪ .‬أما‬
‫الفكرة الثانية فهي تهم ضرورة تحديد طبيعة هذه القاعدة إذ هناك من يعتبر أنها ليست قرينة‬
‫قانونية تقوم على استدالل توفر العلم بالقانون من واقعة نشره بل أن ذلك ليس إال افتراضا‬
‫قانونيا‪ ،‬فالواقع أن الغالبية العظمى يجهلون القانون ولكن المشرع ينكر هذا الواقع ويعتبر خالفا‬

‫‪97‬‬
‫له أن الجميع يعلمون القانون وذلك تحقيقا لالستقرار االجتماعي فال يمكن أن يترك تطبيق‬
‫القانون إلرادة األفراد في العلم به أو بالعلم الفعلي به‪.1‬‬

‫لكن مهما كانت طبيعة هذا المبدأ فهو يشهد استثناء في حاالت يحددها القانون دون‬
‫أن يكون الهدف منها تمكين الشخص من التهرب من آثار القانون بل بهدف إبطال تصرف‬
‫من التصرفات‪ .‬فالفصل ‪ 44‬م ا ع يجيز إبطال العقد من أجل غلط المعاقد فيما له من حق‪،‬‬
‫وهي حالة من حاالت الجهل المباح بالقانون‪.‬‬

‫كما أن من الفقهاء من يذ ّكر بالتفرقة بين القواعد اآلمرة والقواعد المكملة‪ ،‬فالعلم بكليهما‬
‫مفترض ولكن القول بإمكانية مخالفة المكملة يقتضي العلم بها ولكن أيضا يمكن أن يقوم أيضا‬
‫دليال على الجهل الفعلي بها ‪ ،2‬وكمثال على ذلك قد يلجأ المتعاقدان في عقد كراء محل معد‬
‫للسكنى على التنصيص على أنه على أحدهما التنبيه على اآلخر بانتهاء الكراء ولكن القاعدة‬
‫المكملة الواردة بالفصل ‪ 791‬م ا ع تقتضي أن انتهاء الكراء ينتهي بانتهاء مدته المشروط‬
‫دون حاجة إلى تنبيه م أحد الطرفين على اآلخر‪.‬‬

‫أما بالنسبة إلى القاضي فيعبر عن قرينة علمه بالقانون بمقولة أن "المحكمة تعلم‬
‫القانون" بما يترتب عنه أن من يتمسك به من األطراف ال يكون مطالبا بإثباته‪ .3‬وتستثنى‬
‫من ذلك الحالة التي يتعلق فيه األمر بالقانون األجنبي فال يكون محموال على العلم به ولكنه‬
‫إذا كان قاد ار على ذلك وفي حد ود إمكانية العلم به يطبقه من تلقاء نفسه ويمكنه مطالبة‬
‫األطراف بإثباته في غير تلك الحالة (الفصل ‪ 32‬من مجلة القانون الدولي الخاص)‪ .‬كما‬
‫يستثنى من ذلك القاعدة العرفية حيث أن القاضي ولئن كان محموال على العلم بها إال أنه قد‬
‫يتعذر عليه إثباتها فيطالب من ادعى بوجودها بإثباتها‪.‬‬

‫الرومي ‪ ،‬ص ‪110‬‬ ‫‪1‬‬

‫الرومي فقرة ‪118‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬راجع القرار التعقيبي المدني عدد ‪ 48856‬بتاريخ ‪ 12‬فيفري ‪ ،2018‬التقرير السنوي ‪ 2018‬ص ‪400‬‬

‫‪98‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬إلغاء النص (النسخ)‬

‫إلغاء النص أو نسخه هو إنهاء وجوده ومفعوله بما يتم معه إقصاؤه من المنظومة‬
‫القانونية‪ .‬والمرجع في نظامنا هو ما يقرره الفصل ‪ 542‬م ا ع الذي قرر أنه "ال تنسخ القوانين‬
‫إال بقوانين بعدها إذا نصت المتأخرة على ذلك نصا صريحا أو كانت منافية لها أو استوعبت‬
‫جميع فصولها"‪ .‬ويفهم من هذا النص أنه ينظم سلطة النسخ (الفقرة األولى) وأشكال النسخ‬
‫(الفقرة الثانية ) ويحسم مسألة النسخ بالنسيان (الفقرة الثالثة)‬

‫الفقرة األولى‪-‬سلطة النسخ‬

‫ال يكون النسخ إال من السلطة التي وضعت النص فقول المشرع "ال تنسخ القوانين إال‬
‫بقوانين" يفيد أن من يمكنه النسخ هو من صدر عنه النص فإذا كان المشرع هو الذي سن‬
‫النص فهو الذي يمكن أن ينسخه‪ .‬لكن عمال بالمبدأ القائل إن "من أمكنه األكثر أمكنه األقل"‬
‫فإن السلطة األعلى يمكنها أن تنسخ النص الصادر عن السلطة األدنى‪ ،‬فالقانون يمكن أن‬
‫ينسخ أم ار أو ق ار ار لكن العكس ال يكون ممكنا فال يمكن للسلطة األدنى أن تنسخ نصا صاد ار‬
‫عن سلطة أعلى (األمر ال ينسخ القانون)‪.‬‬

‫كما أن اإللغاء يشمل القاعدة ذات األصل القضائي فالقضاء هو المؤهل إللغاء القواعد‬
‫الصادرة عنه‪ ،‬ويمكن أيضا الحديث عن إلغاء القاعدة العرفية بتركها ونشأة قاعدة أخرى تحل‬
‫محلها‪ ،‬لكن ال خالف في أن القاعدة القضائية يمكن أن يلغيها المشرع وكذلك الشأن في‬
‫القاعدة العرفية العتبار كال المصدرين من المصادر الثانوية للقانون الذي يمتاز عليهما‬
‫بعلويته‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪-‬أشكال انسخ‬

‫يكون النسخ صريحا (أ) أو ضمنيا (ب)‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫أ‪ -‬النسخ الصريح‬

‫يكون بتنصيص القانون الجديد على إلغاء القانون الجديد للقانون القديم في الكل أو البعض‪.‬‬
‫من ذلك أن الفصل ‪ 3‬من القانون عدد ‪ 129‬المؤرخ في ‪ 5‬أكتوبر ‪ 1959‬المتعلق بإصدار‬
‫المجلة التجارية نص أنه تلغى النصوص المخالفة لتلك المجلة وخص بالذكر منها نصوصا‬
‫ذكرها صراحة (الفصول ‪ 405‬و ‪ 888‬إلى ‪ ...953‬م ا ع ) لكن ورد بنفس النص أن اإللغاء‬
‫يشمل "جميع النصوص المخالفة لها" وهي ما يتكون به النسخ الضمني‪.‬‬

‫ب‪-‬النسخ الضمني‬

‫وهو خالف النسخ الصريح ويكون باالستنتاج ويكون طبق الفصل ‪ 542‬م ا ع إما بالمنافاة‬
‫(‪ )1‬أو باالستيعاب (‪.)2‬‬

‫‪-1‬النسخ الضمني بالمنافاة (أو بالتعارض)‬

‫يتحقق عندما يتعارض النص الجديد مع النص القديم أي يناقضه‪ .‬وتستوجب المنافاة‬
‫ال أن يكون النصان متعلقين بنفس الميدان بل أن يكونا من نفس الطبيعة واعتبا ار إلى أن‬
‫القوانين تكون عامة (وتسمى أيضا القواعد العامة‪ ،‬أو األحكام العامة) أو خاصة (القواعد أو‬
‫االحكام الخاصة) بحسب الميادين التي تنظمها (راجع أعاله القواعد العامة والقواعد الخاصة)‬
‫فإن النسخ الضمني بالتعارض ال يكون ناسخا إال إذا كان إما بين نصين عامين أو بين‬
‫نصين خاصين ‪ .‬فاألحكام العامة للبيع كما وردت بمجلة االلتزامات والعقود (الفصول ‪564‬‬
‫إلى ‪ 683‬م ا ع) ال تنسخ ضمنيا إال بأحكام عامة مثلها وال تنسخ ضمنيا باألحكام الخاصة‬
‫الواردة بالقوانين الخاصة كقانون البيع بالتقسيط أو قانون البيع عن بعد‪ .‬كما أنه ال يترتب عن‬
‫تنقيح األحكام العامة مثل أحكام البيع الواردة بالمجلة المذكورة نسخ ضمني لألحكام الخاصة‬
‫المشار إليها‪ ،‬وسواء كانت في صورتها األصلية أو بعد تنقيحها فيطبق في شأنها عند التعارض‬
‫مع األحكام العامة المبدأ الذي مقتضاه أن الخاص يزيح العام‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫كذلك إذا كان هناك نصان خاصان متعاقبان فإنه ال يترتب عن النص األخير في‬
‫الزمن نسخ للنص األول إال إذا تعلق بنفس موضوعه فقانون األكرية التجارية (قانون عدد ‪37‬‬
‫لسنة ‪ 1977‬المؤرخ في ‪ 25‬ماي ‪ )1977‬ال يعتبر ناسخا لقانون عدد المؤرخ في ‪ 18‬فيفري‬
‫‪ 1976‬المتعلق بأكرية المحالت المعدة للسكنى الختالف موضوع كل منهما عن اآلخر (راجع‬
‫تطبيقا لهذه الوضعية قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 44384‬بتاريخ ‪ 30‬أفريل ‪ ، 1997‬النشرية ص‬
‫‪.)133‬‬

‫‪-2‬النسخ الضمني باالستيعاب‬

‫يعني أن ميدان القانون الجديد يشمل ميدان القانون القديم إما في بعض أحكامه وهو نسخ‬
‫ضمني جزئي باالستيعاب أو كامل أحكامه وهو نسخ ضمني كلي باالستيعاب (ينطبق عليه‬
‫الفصل ‪ 542‬م ا ع في قولها "استوعبت جميع فصولها")‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪-‬النسخ بالنسيان (إشكالية القوانين المهجورة)‬

‫يطرح في هذا اإلطار التساؤل حول إمكانية إلغاء القوانين أي نسخها بعدم العمل بها‬
‫أي بتركها‪ .‬وللمسألة ارتباط وثيق ولكن دون أي مجال للخلط مع مسألة نعالجها الحقا وهي‬
‫مسألة العرف المخالف للقانون‪.‬‬

‫يطرح هذا الشكال خاصة عندما يوجد نص لم يقع تطبيقه أبدا ويمر عليه ردح من‬
‫الزمن بما يجعل الشك قائما حول استمرار نفاذه‪ .‬وقد ارتبط هذا اإلشكال أيضا بنوعية القوانين‬
‫ومدى مالءمتها واستجابتها لحاجيات المجتمع فهجر القوانين ال يتعلق بالقوانين ذات النفع بل‬
‫بما ال يحقق ذلك النفع‪ .‬وقد اختلفت المواقف باختالف النظريات والمدارس بين من يقر بذلك‬
‫النسخ ومن ال يقبل به‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫على أن الحل في قانوننا واضح من صريح الفصل ‪ 542‬م ا ع عندما قرر أن القوانين‬
‫ال تنسخ إال بقوانين وهو ما يترتب عنه أن القانون ال ينسخ بعدم تطبيقه حتى ولو طال الزمن‬
‫على عدم العمل به فال يوجد في قانوننا الوضعي مجال للنسخ بالنسيان‪.‬‬

‫ويترتب عن النسخ طرح إشكاليات الوضعيات الجارية حول معرفة أي القانونين القديم‬
‫أم الجديد سينطبق عليها وهو ما يعبر عنه بتنازع القوانين في الزمان‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬تنازع القوانين في الزمان‬

‫تعريف ‪-‬يعني التنازع الحاالت التي تكون فيها قاعدتان قانونيتان من نفس الطبيعة‬
‫(قانون ‪/‬قانون‪/ -‬أمر‪/‬أمر) تتعلقان بنفس الموضوع مؤهلتان لالنطباق على نفس الوضعية‬
‫الواقعية ولكن تواردهما في الزمان هو الذي يوجب الحسم في أفضلية تطبيق إحداهما على‬
‫األخرى وهو تنازع إيجابي بين قاعدتين أي أن كليهما مؤهل لحكم الوضعية المعروضة ويجب‬
‫من أجل ذلك حسم التنازع بالقول بانطباق إحداهما دون األخرى‪ .‬وينشأ هذا اإلشكال عن تغيير‬
‫في النظام القانوني بتغيير القاعدة المنظمة للوضعيات القانونية بسن نص جديد‪ .‬فأي القواعد‬
‫يجب أن تطبق؟ القانون القديم أم القانون الجديد؟‬

‫الوضعيات المعنية‪-‬ويميز الفقه في شأن الوضعيات المشمولة بهذا اإلشكال ‪-‬‬


‫الوضعيات الجارية‪ -‬بين وضعيات قانونية (وضعية ناشئة عن انتزاع من أجل مصلحة عامة‬
‫مثال) أي التي مصدرها القانون ووضعيات تعاقدية (وضعية تتعلق بمصير عالقة تعاقدية‪،‬‬
‫كراء مثال) أي التي مصدرها العقد ووضعيات قضائية وهي التي تهم نزاعا قضائيا جاريا‬
‫(دعوى في الطالق) ‪ .1‬في غياب حلول تشريعية متكاملة كان لالجتهادات الفقهية والقضائية‬
‫دور هام في تحديد مالمح الحلول الممكنة‪.‬‬

‫شرف الدين فقرة ‪ 79‬ص ‪.101‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪102‬‬
‫النظريات‪ -‬ظهرت باألساس نظريتان سميت األولى بالتقليدية وسميت الثانية بالنظرية‬
‫الحديثة‪ .‬وقد عرفت األولى أي النظرية التقليدية بنظرية الحقوق المكتسبة وهي تميز بين‬
‫الحقوق المكتسبة ومجرد التوقعات‪ .‬فالقانون الجديد ال يمكنه أن يمس بالحقوق التي اكتسبت‬
‫في ظل القانون القديم ولكنه يمكن أن يطال مجرد التوقعات أي الحقوق االحتمالية‪ .‬أما النظرية‬
‫الحديثة فهي نظرية األثر المباشر للقوانين الجديدة‪ .‬وقد أثرت هذان النظريتان بمقادير مختلفة‬
‫في الحلول التشريعية والممارسة القضائية ويمكن أن تتلخص الحلول في ثالث معطيات كبرى‪:‬‬
‫فالمشرع يتدخل في أحيان كثيرة لضبط األحكام االنتقالية (الفقرة األولى) كما أن من المتفق‬
‫عليه فقها وقضاء أن المبدأ هو عدم رجعية القوانين (الفقرة الثانية) في تزامن تناسق مع مبدأ‬
‫األثر الفوري للقانون الجديد (الفقرة الثالثة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪-‬األحكام االنتقالية‬

‫ويقال أيضا القانون االنتقالي‪ 1‬أو النظام االنتقالي وهي جملة القواعد التي يتخذها‬
‫المشرع بمناسبة سن القانون الجديد لتنظيم الوضعيات الناشئة في ظل القانون القديم والمستمرة‬
‫آثارها في المستقبل ويحدد األحكام المنطبقة عليها تجنبا لإلشكاالت التي قد يثيرها التنازع بين‬
‫هذا القانون والقانون الجديد فتخضع تلك الوضعيات لتلك األحكام الخاصة المقررة باألحكام‬
‫االنتقالية‪.‬‬

‫يمكن تفصيل هذه األحكام إلى أحكام أصلية وأحكام إجرائية وأحكام تتعلق بزمن‬
‫االنطباق‪.‬‬

‫فاألحكام األصلية هي التي يتم وضعها لتنظيم األوضاع القانونية خالل المدة االنتقالية‪،‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك أن قانون الحالة المدنية المؤرخ في ‪ 1‬أوت ‪ 1957‬أوجب إثبات الزواج‬
‫بحجة رسمية وبما أن تطبيق القانون ال يكون بأثر رجعي أي أنه ال ينطبق على حاالت الزواج‬

‫‪Dispositions transitoires, droit transitoire, régime transitoire‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪103‬‬
‫الواقعة قبله فقد م ّكن الفصل ‪ 3‬من قانون ‪ 4‬جويلية ‪ ،1958‬م ّكن التونسيين الذين أبرموا‬
‫زواجهم قبل ‪ 1‬أوت ‪( 1957‬قانون الحالة المدنية) وإلى حد ‪ 30‬جوان ‪ 1959‬أن يثبتوا زواجهم‬
‫‪1‬‬
‫الزوجين‪..‬‬ ‫بشهادة في الزوجية يسلمها ضابط الحالة المدنية بناء على تصريح من‬

‫أما الصنف الثاني والذي نسميه أحكاما إجرائية فيتعلق عموما بمصير القضايا التي ال تزال‬
‫محل نظر القضاء عند صدور القانون الجديد (ونسميها القضايا الجارية) فالفصل ‪ 2‬من‬
‫القانون عدد ‪ 129‬لسن ‪ 1959‬المتعلق بإدراج القانون التجاري (المجلة التجارية) نص أنه"‬
‫يجري العمل بأحكام هذه المجلة ويقع تطبيقها بداية من غرة جانفي ‪ 1960‬إال أن النوازل التي‬
‫ال تزال جارية في تاريخ غرة جانفي ‪ 1960‬تبقى خاضعة لألحكام القانونية المعمول بها في‬
‫تاريخ هذا القانون إلى أن تنفصل بوجه بات"‪( .‬راجع تطبيقا لهذا الحل قرار الدوائر المجتمعة‬
‫‪ 1991/10/29‬عدد ‪ ،7‬موقع محكمة التعقيب)‪.‬‬

‫أما الصنف الثالث من األحكام االنتقالية فيتعلق بزمن انطباق أحد القانونين أي القديم‬
‫أو الجديد خالل الفترة االنتقالية‪ .‬وكمثال على ذلك قررت الفقرة األولى من الفصل ‪ 3‬من قانون‬
‫إصدار مجلة الشركات التجارية المؤرخ في ‪ 3‬نوفمبر ‪ 2000‬أنه على الشركات الموجودة‬
‫وبداية من تاريخ جريان تلك المجلة ولمدة عام أن تسوي وضعها وفق أحكام المجلة وقررت‬
‫الفقرة الثالثة من نفس الفصل حكما انتقاليا يطبق خالل المدة الممنوحة بالفقرة األولى (المحددة‬
‫بعام واحد) للقول بأن الشركات التجارية تبقى خاضعة لألحكام السارية قبل دخول أحكام المجلة‬
‫حيز التنفيذ‪( .‬وهي صورة من صور الرجعية بحكم القانون)‪.‬‬

‫يترتب عما سبق التذكير به أن البحث في حلول تنازع القوانين في الزمان يقتضي‬
‫بالضرورة البحث في القوانين الجديدة عن أحكام انتقالية‪ ،‬وفي صورة غياب تلك األحكام‬

‫‪ 1‬في مثال آخر ضبط الباب العاشر من دستور ‪ 2014‬المعنون أحكام انتقالية الفصل ‪ 148‬وفي النقطة ‪ 7‬الوضعية االنتقالية‬
‫لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بأن أوكل للمجلس الوطني التأسيسي سن قانون أساسي يحدث هيئة وقتية لمراقبة دستورية‬
‫القوانين في انتظار تركيز المحكمة الدستورية‬

‫‪104‬‬
‫يكون العمل بالحلول المترتبة عن مبدإ عدم الرجعية في تناسق مع مبدأ المفعول المباشر‬
‫للقانون الجديد‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ -‬مبدأ عدم رجعية القوانين‬

‫تختلف الحلول بين المادة الجزائية (أ) والمادة المدنية (ب)‪.‬‬

‫أ‪-‬عدم الرجعية في المادة الجزائية‬

‫يكرس الدستور مبدأ عدم رجعية القوانين في المادة الجزائية بصريح نص الفصل ‪ 28‬عندما‬
‫يقرر أن العقوبة ال تكون إال بمقتضى نص قانوني سابق الوضع وهو نفس الحكم الذي قرره‬
‫الفصل ‪ 13‬من دستور ‪ 1959‬ومن قبل ذلك سبق للمجلة الجزائية لسنة ‪ 2013‬أن كرست‬
‫نفس الحل بالفصل األول منها‪.‬‬

‫ولهذا المبدأ ارتباط وثيق بالحقوق والحريات ويكون بحكم طبيعته الدستورية ملزما للمشرع‬
‫فال يمكنه أن يقرر أن القانون الزجري الجديد يكون ذا أثر رجعي‪.‬‬

‫لكن الدستور ‪-‬وكذلك الفصل األول من المجلة الجزائية‪-‬ينص على استثناء لهذا المبدأ‬
‫عندما يضيف الفصل ‪" 28‬عدا النص األرفق بالمتهم"‪ .‬والنص األرفق هو الذي من شأنه أن‬
‫يؤدي إلى حكم ألطف من حكم النص القديم من حيث التخفيف من العقاب مثال فالقانون‬
‫الجديد الذي يقرر عقوبة أرفق بالمتهم سيقع تطبيقه بأثر رجعي أي أنه ينطبق على وقائع‬
‫ارتكبت قبل دخوله حيز التنفيذ ويستفيد منه المتمهم الذي سبق تتبعه على مقتضى النص‬
‫القديم‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫ب‪-‬عدم الرجعية في المادة المدنية‬

‫ال يوجد مثيل للفصل ‪ 28‬من الدستور في المادة المدنية كما ال يوجد حل تشريعي‬
‫مثلما هو الشأن بالنسبة إلى الفصل ‪ 2‬من المجلة المدنية الفرنسية لكن فقه القضاء في تونس‬
‫هو الذي كرس هذا المبدأ‪.‬‬

‫ولعل من أول الق اررات التي أقرت هذا المبدأ بصفة صريحة القرار التعقيبي المدني عدد‬
‫‪ 5584‬الصادر بتاريخ ‪ 23‬جويلية ‪( 1968‬النشرية ص ‪ )72‬قوال بأن "النصوص القانونية‬
‫التي اعتمدها القرار المطعون فيه ال تأثير لها على الحاالت السابقة عنها عمال بمبدإ عدم‬
‫رجعية القوانين بدون نص" فيتواصل تطبيق القانون القديم على الوضعيات الناشئة زمن‬
‫انطباقه فإذا تعلق األمر مثال بزواج تم إبرامه بغير كتب ثم صدر قانون جديد يجعل الكتب‬
‫شرط صحة للزواج فال ينطبق القانون الجديد وال يعتبر الزواج باطال‪ ،‬وهذا تطبيق لمبدإ عدم‬
‫الرجعية‪.‬‬

‫في غياب أساس دستوري لمبدإ عدم رجعية القوانين في المادة المدنية تترتب نتيجة‬
‫هامة وهي أن المشرع غير مقيد بهذا المبدأ ويمكنه مخالفته وهو ما تؤكده استثناءات عدم‬
‫الرجعية‪ .‬من ذلك القوانين الرجعية بطبيعتها وهو الصنف المتمثل في القوانين التفسيرية‪.‬‬

‫ونالحظ أن القوانين الرجعية بصريح النص ليست إال استثناءات بحكم القانون وال يعود‬
‫الحل في شأنها إلى االجتهادات الفقهية أو القضائية‪ ،‬كما أن رجعية القوانين الزجرية األلطف‬
‫ال تهم المادة المدنية وهي من صنف القوانين الرجعية بصريح النص الدستور والمجلة الجزائية‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ -‬مبدأ األثر المباشر للقانون الجديد‬

‫في تأثير واضح لنظرية روبيي تكون القوانين الجديدة ذات مفعول مباشر اعتمادا على‬
‫الفكرة التي مقتضاها أن القانون الجديد هو األفضل مع ما يشمل ذلك من إرادة للقطع مع فكرة‬

‫‪106‬‬
‫أفضلية الحقوق الفردية إذا ال يمكن أن تواجه إرادة المشرع بفكرة قد تحمل تفضيال للحقوق‬
‫الفردية على تلك اإلرادة‪.‬‬

‫ويشمل ميدان هذا المبدأ ‪-‬وفي غياب الحل التشريعي الصريح – يشمل الوضعيات‬
‫القانونية الجارية فيطبق القانون الجديد بأثر مباشر على الوضعيات القانونية الجارية‪ .‬كما‬
‫يطبق على الوضعيات القضائية الجارية (في هذ المعنى قرار الدوائر المجتمعة عدد ‪37‬‬
‫بتاريخ ‪ ، 1991/10/29‬موقع محكمة التعقيب جاء فيه "حيث أن قوانين المرافعات المعدلة‬
‫لالختصاص الحكمي وإن كانت القاعدة فيها أنها تنسحب فور صدورها إال أن ذلك مشروط‬
‫بعدم تنصيص القانون المعدل على خالف ذلك" ولكن يستثنى من مبدأ األثر المباشر األعمال‬
‫اإلجرائية المجراة طبق القانون في ظل القانون القديم مثل التنبيه‪ ،‬واالستدعاء للجلسة‪.‬‬

‫كما يطبق هذا المبدأ على الوضعيات التعاقدية الجارية عندما يكون القانون الجديد‬
‫متعلقا بالنظام العام‪( .‬راجع تذكي ار بهذا الحل‪ ،‬الدوائر المجتمعة قرار تعقيبي مدني عدد‬
‫‪ 2001/14869‬مؤرخ في ‪ ،2003/3/30‬موقع محكمة التعقيب)‪ .‬فاألصل في الوضعيات‬
‫التعاقدية استمرار مفعول القانون القديم على آثار الوضعيات التعاقدية الجارية (عقد كراء مبرم‬
‫في ظل قانون قديم ‪ ،‬يتواصل تطبيق هذا القانون على اآلثار الحالية والمستقبلية لذلك العقد )‬
‫‪1‬‬
‫وهو ما يعبر عنه باستمرار تنفيذ القانون القديم‪ .‬ونذكر في هذا المعنى ق ار ار لمحكمة التعقيب‬
‫نقض حكم محكمة األصل التي طبقت أم ار صاد ار في ‪ 2‬فيفري ‪ 1990‬على عالقة تعاقدية‬
‫نشأت في نوفمبر ‪ ،1989‬وقد أكدت محكمة التعقيب أن "مبدأ عدم رجعية القوانين هو من‬
‫المبادئ األساسية ألنه يتماشى مع المنطق والعدل وباعتبار أن للخصوم حقا في إعمال القوانين‬
‫التي كانت نافذة وقت نشوء العالقة القانونية"‪.‬‬

‫القرار التعقيبي المدني عدد ‪ 36499‬بتاريخ ‪ ، 1992/12/21‬النشرية ص ‪473‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪107‬‬
‫ملخصا لما سبق‪:‬‬

‫‪ -1‬تطبق وجوبا لفض تنازع القوانين في الزمان األحكام االنتقالية مهما كانت الوضعية‬
‫(قانونية‪ ،‬تعاقدية‪ ،‬قضائية)‪.‬‬

‫‪-2‬في غياب تلك األحكام وفي الوضعيات القانونية والقضائية الجارية يكون المبدأ أن‬
‫القانون الجديد ال يكون ذا أثر رجعي ويطبق بأثر مباشر‪.‬‬

‫‪ -3‬إذا تعلق األمر بآثار وضعية تعاقدية فتخضع إلى القانون القديم ويستثنى من ذلك‬
‫القوانين المتعلقة بالنظام العام فتطبق بأثر مباشر‪.‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬تأويل النص القانوني‬

‫التأويل والتفسير‪ -‬معاجم اللغة تحدد معنى التأويل بالتفسير‪ ،‬والتأويل والتفسير يهمان‬
‫القانون ويهمان العقد أيضا‪ .‬فالتفسير والتأويل مترادفان وفي بعض قواعد القانون العمومية‬
‫(الفصول ‪ 532‬م ا ع وما بعده) ال يستعمل المشرع فيما يخص الوقوف على معنى القانون‬
‫إال عبارة التأويل وقد يفهم من األحكام المخصصة لتفسير العقود (الفصل ‪ 513‬وما بعده من‬
‫م ا ع ) أن المشرع يخصها بالتفسير‪ .‬ولكن الفصل ‪ 514‬م ا ع يفند هذا الرأي لما يقرر أنه‬
‫"يسوغ تأويل العقود"‪ ...‬لذلك نتحدث عن تأويل وتفسير ونستعملهما مترادفين‪.‬‬

‫مفهوم التأويل ‪-‬القانون وسيلة لتنظيم العالقات ولفض النزاعات وهو إذن مؤهل ألن‬
‫يقع العمل به أي تطبيقه ومن أجل ذلك ينبغي الوقوف على معانيه وهذا هو مغزى التأويل‬
‫فالتأويل هو استقصاء المعنى الذي ترمي إليه القاعدة وتحديد نطاق انطباقها ويقال إن التأويل‬
‫"قلب القاعدة القانونية" (مالوري فقرة ‪ )389‬بمعنى أنه هو الذي يضمن لها الحياة واالستمرار‪.‬‬
‫وفي الفصل ‪ 532‬م ا ع ما يؤيد أن التفسير هو بحث عن المعاني في قول المشرع "نص‬

‫‪108‬‬
‫القانون ال يحتمل إال لمعنى الذي تقتضيه عباراته‪ "...‬فالمفسر يبحث من خالل العبارة‬
‫المستعملة عن معنى النص الذي يحتوي تلك العبارة‪.‬‬

‫السلطات المؤهلة للتفسير ‪ -‬أول سلطة هي المشرع نفسه باعتبار أنه هو الذي أنشأ‬
‫النص فيكون األولى بإيضاح معانيه ويكون ذلك أحيانا في ذات القانون ‪ ....‬ويكون أيضا‬
‫بمقتضى ما يسمى بالقوانين التفسيرية ‪...‬لكن هذا يبقى ناد ار وتبعا ألن النص القانوني‬
‫يكون مؤهال للتطبيق فإن السلطات المكلفة بذلك هي التي ستتولى التأويل ومن بين تلك‬
‫السلطات اإلدارة (إدارة الجباية ‪ ) ،‬والهيئات التعديلية ‪ ....‬لكن الدور األبرز يبقى للقضاء‬
‫الذي يعهد إليه بمراقبة التأويالت التي تقوم بها السلطات األخرى‪ .‬في كل هذا يساعد فقهاء‬
‫القانون على عملية التأويل القانوني تبعا لما يعود إليهم من مهام شرح القانون وتدريسه‪....‬‬

‫أهداف التفسير (المبحث األول) كيفية التفسير (المبحث الثاني)‬

‫المبحث األول‪ :‬أهداف التفسير‬

‫لماذا نفسر؟ يكون التفسير ضروريا لتجاوز غموض النص (فقرة أولى) ولسد الفراغ‬
‫التشريعي وهي حالة سطوت النص (فقرة ثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪-‬استجالء الغموض‬

‫يهدف التفسير إلى تجاوز غموض القاعدة إذ ال يمكن تفعيل القاعدة إذا كان معناها‬
‫غامضا‪ .‬هذه القاعدة ذات األصل التشريعي هي قاعدة مكتوبة وللوهلة األولى يرتبط التفسير‬
‫أو التأويل بالكتب أو الكتابة أي النص المكتوب والنص المكتوب هو النص التشريعي الوارد‬
‫في قانون أو في مجلة‪ .‬لكن ما هو مكتوب ال ينحصر في النص التشريعي ففقه القضاء أيضا‬
‫مكتوب (ولكن دون أن تكون له إلزامية النص التشريعي) ‪1‬وهو نص أو نصوص يمكن أن‬

‫‪ 1‬راجع أسفله حول فقه القضاء‬

‫‪109‬‬
‫تكون قابلة للتأويل وكذلك القاعدة العرفية وهي في األصل ليست من القواعد المكتوبة (لكن‬
‫ير‪.‬‬
‫يمكن تضمينها بكتب يسمى شهادة عرف) قد تستوجب تفس ا‬

‫لكن باعتبار أن الغالب في الواقع أن النص التشريعي هو الذي يدعو إلى التفسير فإن‬
‫وظيفة أو غاية التفسير هي استجالء النص الغامض‪ .‬والغموض هو خالف الوضوح أو هو‬
‫اإلبهام أي الذي ال يتيسر البلوغ إلى معناه‪ .‬ويفهم من ذلك أن النص الواضح ال يحتاج إلى‬
‫تفسير ويعبر عن هذا االتجاه ما قرره الفصل ‪ 535‬م ا ع عندما عبر عن النص الواضح‬
‫بالنص الصريح في قوله "إذا تعذر الحكم بنص صريح اعتبر القياس‪ "...‬فال مجال للتأويل في‬
‫حالة الوضوح ومع أن هذه القاعدة تهم القانون في مقام أول إال أن المشرع لم ينصص عليها‬
‫صراحة ضمن القواعد العمومية بمجلة االلتزامات والعقود خالفا لما هو عليه األمر في تفسير‬
‫العقود لما قرر بالفصل ‪ 513‬م ا ع أنه إذا كانت عبارة الكنب صريحة فال عبرة بالداللة"‪.‬‬

‫وقد يبدو النص غامضا من مجرد قراءته لكن الغموض الفعلي ال يبرز إال عند محاولة‬
‫تطبيقه على الواقع‪.‬‬

‫من أبرز األمثلة على ذلك في فقه القضاء القرار الصادر عن محكمة التعقيب في ‪31‬‬
‫جانفي ‪ 1966‬عدد ‪ 3384‬والمعروف بقرار "حورية"‪ ،‬وقد تعلق بتأويل الفصل ‪ 88‬م أ ش‬
‫الذي نص أن "القتل العمد من موانع اإلرث"‪ .‬وكان السؤال المطروح هو هل يمكن اعتبار الردة‬
‫(التغيير الطوعي للدين‪ ،‬الخروج من الدين اإلسالمي في هذه الحالة) من موانع الميراث؟ وقد‬
‫تعلق األمر بحورية امرأة تونسية تزوجت فرنسيا ثم توفيت والدتها وعند النزاع حول قسمة التركة‬
‫طرح السؤال حول ما إذا كان زواج المسلمة بغير المسلم حالة من حاالت الردة بما يكون مانعا‬
‫من موانع الميراث؟ (محكمة التعقيب اعتبرته حالة من حاالت موانع الميراث لكن بشرط ثبوت‬
‫اعتناق الزوجة لدين زوجها "حيث ال جدال أن تزوج المسلمة بغير المسلم من المعاصي‬
‫العظمى كما ال جدال أن الشريعة اإلسالمية تعتبر الزواج باطال من أصله لكن مع ذلك ال تراه‬
‫ردة إال إذا ثبت أن الزوجة اعتنقت دين زوجها غير المسلم"‪).‬‬

‫‪110‬‬
‫فالغموض ترتب في هذه الوضعية من أن الفصل ‪ 88‬م أ ش ذكر حالة وحيدة من‬
‫حاالت موانع الميراث وهي القتل العمد ولكنه باستعمال أداة "من" التي تفيد ذكر البعض من‬
‫كل (من التبعيضية) جعل النص غامضا حول باقي الموانع ومصادرها‪ ،‬هل هناك موانع أخرى‬
‫وما هي؟ من أين سيقع استنباطها؟ هل نعتمد الفقه اإلسالمي (القتل والرق والزنا واللعان والردة‬
‫واختالف الدين)‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪-‬سد الفراغ (سكوت النص)‬

‫إن تطور الواقع من جهة وطبيعة التشريع كعمل إنساني ال يبلغ الكمال من جهة أخرى‬
‫يجعالن المشرع‪ ،‬القانون‪ ،‬غير قادر على اإلحاطة بكل الوضعيات التي تحدث وهو ما ينشأ‬
‫معه ما يسمى بالفراغ التشريعي أو سكوت النص‪ .‬وتبعا ألنه مطلوب من القضاء أن يحسم في‬
‫النزاعات وأن القانون يعاقب االمتناع عن الحكم بسبب سكوت أو غموض القانون (الفصل‬
‫‪ 108‬من المجلة الجزائية) فإنه يكون من الضروري استنباط الحل عن طريق التأويل‪.‬‬

‫ولم يترك المشرع القاضي معرضا إلى هذا الوضع دون أن يقدم الحلول‪ ،‬فقد وفر الفصل‬
‫‪ 532‬م ا ع الوسائل التي سيلجأ إليها القاضي في قوله "إذا تعذر الحكم بنص صريح من‬
‫القانون اعتبر القياس فإن بقي شك جرى الحكم على مقتضى القواعد العامة للقانون"‪ .‬فأخذ‬
‫هذا النص بعين االعتبار الحاالت التي ال يكون فيها من الممكن وجود الحل التشريعي فم ّكن‬
‫القاضي من استعمال القياس‪ ،‬أي تطبيق حل مقرر لوضعية معينة على وضعية ال يوجد لها‬
‫حل للتشابه في العلة‪ .‬مثال ذلك أن المشرع نظم االستردادات المتبادلة المترتبة عن بطالن‬
‫العقد بالفصل ‪ 336‬م ا ع ولكنه لم يقرر حال مماثال عندما يتعلق األمر بفسخ العقد إال أن‬
‫الفقه والقضاء يعتمدان الحل المقرر بالفصل ‪ 336‬م ا ع إذا تعلق األمر بالفسخ وفي ذلك‬
‫صورة من صور إعمال القياس‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫لكن المشرع اعتبر أيضا أنه قد ال يوجد ما يقاس عليه فمكن من اللجوء إلى القواعد‬
‫العامة للقانون‪ ،‬أي المبادئ العامة‪ .‬فاعتمادا على مبدإ الحرية التعاقدية من حيث المضمون‬
‫والذي يعني أن األطراف يمكنهم أن يضمنوا اتفاقاتهم كل الشروط التي يتفقون عليها وفي‬
‫غياب تنظيم قانوني للشرط التغريمي أقرت محكمة التعقيب وجود وصحة هذا الشرط‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬كيفية التفسير‬

‫مناهج التفسير (فقرة أولى) موجهات التفسير (فقرة ثانية)‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مناهج التفسير (مدارس)‬

‫مناهج أو مدارس التفسير تتمثل أساسا في مدرسة الشرح على المتون (أ) والمناهج‬
‫المنافسة (ب)‬

‫أ‪-‬الشرح على المتون‬

‫النص أي النص التشريعي ويقتضي القول بشرح المتن االلتزام في فهم‬


‫المتن هو ّ‬
‫القانون وشرح القانون بنص القانون ذاته وقد قامت على هذا األساس مدرسة عرفت بمدرسة‬
‫الشرح على المتون وهي تعتمد أساسا فكريا (‪ )1‬ومنهجية واضحة (‪ )2‬وتستوجب مع ذلك‬
‫تقييمها (‪.)3‬‬

‫‪-1‬األساس‬

‫ظهرت هذه المدرسة إثر اعتماد المجلة المدنية الفرنسية لسنة ‪ 1804‬التي اعتبرت في‬
‫ذلك الوقت نموذجا للتشريع المثالي الكامل أو ما يعبر عنه بكمال لتشريع ‪ .‬واعتبا ار إلى أن‬
‫القانون أحاط بكل شيء فال داعي للبحث في فهمه عن مصادر أخرى‪ .‬وال عجب في ذلك ما‬
‫دامت تلك المجلة قائمة على القطع مع األعراف والعادات التي كانت سائدة قبلها والتي كانت‬
‫مختلفة من جهة إلى أخرى كما كانت هادفة إلى القطع مع قضاء المحاكم التي كانت تحكم‬

‫‪112‬‬
‫باإلنصاف‪ .‬وكان الهدف األكبر توحيد القانون على كامل تراب البالد‪ .‬فالبحث عن المعنى ال‬
‫يكون إال من خالل استنطاق النص بالبحث عن إرادة المشرع من خالل دراسة نصوص‬
‫المجلة‪ .‬وقد دأب أساتذة القانون على تدريس القانون باتباع النسق الذي حررت فيه المجلة وقد‬
‫اعتمدوا تسمية "درس القانون الفرنسي طبقا لترتيب المجلة"‪ 1‬أو "درس مجلة نابوليون"‪ 2‬أو‬
‫حتى أن بعضهم يؤكد أن مبدأه‬ ‫‪3‬‬
‫"درس القانون المدني مفس ار طبق ترتيب فصول المجلة"‬
‫وإيمانه هو نص القانون قبل كل شيء‪( 4‬دومولومب)‪ .‬وبناء على ذلك فقد اتبعت مدرسة الشرح‬
‫على المتون منهجية واضحة أثرت وتؤثر على التقنينات وعلى الممارسة القضائية‪.‬‬

‫‪ -2‬المنهجية‬

‫يفضي االعتماد على النص تحليله بالرجوع إلى القواعد اللغوية (‪ )1-2‬ومقصد المشرع‬
‫(‪ )2-2‬وقواعد المنطق (‪.)3-2‬‬

‫‪-1-2‬فااللتزام بالنص يستوجب الضرورة فهمه طبقا لقواعد اللغة وما يتطلبه ذلك من إتقان‬
‫لكل ما يتعلق بالنحو والصرف والبالغة‪ .‬ويكرس الفصل ‪ 535‬م ا ع هذا التوجه عندما ينص‬
‫أن "نص القانون ال يحتمل إال المعنى الذي تقتضيه عبارته بحسب قواعد اللغة"‪.‬‬

‫واللغة المقصودة هي اللغة في معانيها األصلية كما تقتضيها قواعدها وهي اللغة‬
‫المستعملة من المشرع وهي في قانوننا اللغة العربية‪ ،‬ولكن الفصل يضيف "عرف االستعمال"‬
‫أي ما يجري عليه العمل بمفردات قد تكون غريبة في معانيها اللغوية األصلية ولكنها تستعمل‬
‫بمعنى مختلف في المجتمع ويستعملها المشرع بذلك المعنى بما يوجب في فهمها اعتماد ذلك‬
‫المعنى (مثاال على ذلك عبارة "الصابة" في الفصل ‪ 1371‬م ا ع والمقصود به المحصول‬
‫الزراعي) ويمكن أن يلحق بعرف االستعمال العبارات ذات األصل األجنبي والتي تم تعريبها‬

‫‪TOULLIER, Cours de droit civil suivant l'ordre du code, Paris 1811. 1‬‬
‫‪DEMOLOMBE, Cours de code Napoléon, Paris 1845-1882 2‬‬
‫‪TROPLONG, Droit civil expliqué suivant l'ordre des articles du code 3‬‬
‫‪DEMOLOMBE,Tome I, préface, p.4 4‬‬

‫‪113‬‬
‫على غرار "التراكتورات" والمقصود بها الج اررات (قرار مؤرخ في ‪ 27‬ديسمبر ‪ 1935‬يتعلق‬
‫ببيع العربات أو التركتورات بثمن مؤجل‪ ،‬رائد رسمي عدد ‪ ، 2‬صادر في ‪ 7‬جانفي ‪1936‬‬
‫ص ‪ )10‬أو "الوران الخاني"‪( 1‬أمر ‪ 10‬جانفي ‪ 1928‬رائد رسمي ‪ 1‬فيفري ‪ 1928‬ص ‪.)6‬‬

‫وفي فقه القضاء أدلة كثيرة تقوم على التأويل باعتماد قواعد اللغة ‪ ،‬ففي نزاع عرض فيه‬
‫السؤال المتعلق بمعرفة ما إذا كانت الجمعية تتمتع بحق البقاء الوجوبي على معنى أحكام‬
‫قانون ‪ .1976‬لقد تم إقرار هذا القانون لفائدة المتسوغين لمحالت المعد للسكنى والحرفة أو‬
‫اإلدارة العمومية وقد أضاف تنقيح ‪ 1‬مارس ‪ 1978‬أن أحكام هذا القانون تنسحب على المحالت‬
‫المماثلة المشغولة على وجه الكراء في تاريخ نشر ذلك القانون‪ .‬وقد اعتبر أحد الق اررات أن‬
‫"عبارة مماثلة تعني لغة االشتراك في خاصية أو صفة أو وظيفة "لينتهي إلى اعتبار أن‬
‫الجمعية تتمتع بأحكام ذلك القانون ألنها تشترك مع المحالت المذكورة (السكنى اإلدارة والحرفة)‬
‫في انعدام الغاية الربحية ‪. 2‬‬

‫ولكن ودون أن يكون مقر ار بنص فإن فقه القضاء ال يتردد في االعتماد على الصيغة‬
‫الفرنسية للفصل‪ .‬ومثال ذلك قرار الدوائر مجتمعة عدد ‪ 39843‬بتاريخ ‪ 32018/10/25‬حيث‬
‫بدا للمحكمة أن العبارة الفرنسية للفصل ‪ 402‬م ا ع (كل دعوى ناشئة عن تعمير الذمة ال‬
‫تسمع بعد مضي خمس عشرة سنة‪ )...‬التي ترجمتها من الفرنسية "االلتزام" هي أقرب للمعنى‬
‫من العبارة العربية (تعمير الذمة) ‪ 402‬م ا ع‪ .‬وتبدو هذه الطريقة مندرجة في منهج البحث‬
‫عن إرادة المشرع‪ .‬لكنها ال تخلو من المجازفة ويكون من الضروري اللجوء إليها بكثير من‬
‫الحذر‪ .‬فهي قد تساعد على تأويل النصوص التي كانت صيغتها األصلية محررة باللغة‬
‫الفرنسية أو على األقل مشاريع نصوصها محررة بتلك اللغة‪ .‬لكن وبمقتضى ما قرره الفصل‬
‫األول من قانون ‪ 5‬جويلية ‪( 1993‬ونفس الفصل من مرسوم ‪ 14‬أفريل ‪ )2020‬فإن النسخة‬

‫‪ Warrant hôtelier 1‬وهو رهن على األثاث التجاري والمعدات الراجعة لصاحب النزل‪.‬‬
‫‪ 48363 2‬بتاريخ ‪ ، 2018/1/30‬التقرير السنوي ‪ 2018‬ص ‪326‬‬
‫‪ 3‬التقرير السنوي ‪ 2018‬ص ‪221‬‬

‫‪114‬‬
‫العربية هي الوحيدة الرسمية وأن الترجمة إلى لغات أخرى ال تكون إال على سبيل اإلعالم فإن‬
‫االعتماد على تلك الترجمة قد يؤدي إلى اضطراب في المعنى‪.‬‬

‫‪-2-2‬أما التأويل باعتماد مقصد المشرع فيبدو منهجا قائم الذات وهو ما يؤكده الفصل ‪535‬‬
‫م ا ع "نص القانون ال يحتمل إال المعنى الذي يقتضيه "مراد واضع القانون"‪ .‬والمرجع في ذلك‬
‫يمكن أن يكون في شرح أسباب القانون‪ .‬وقد رأينا أن مشاريع القوانين ترفق بشرح أسبابها التي‬
‫تبرر سن القانون أو تنقيحه والتي يمكن الرجوع إليها للوقوف على مقاصد المشرع‪ ،‬وكذلك في‬
‫األعمال التحضيرية حيث أن مداوالت مجلس نواب الشعب تنشر بالرائد الرسمي وتكون مرجعا‬
‫في التأويل (قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 2017/49035‬بتاريخ ‪ 01‬أكتوبر ‪ 2018‬موقع محكمة‬
‫التعقيب حيث تم الرجوع إلى مداوالت مجلس النواب لتفسير الفصل ‪ 115‬الجديد من مجل‬
‫الحقوق العينية)‪.‬‬

‫ولعل من أبرز األعمال التحضيرية المشروع األولي والمشروع التمهيدي لمجلة مدنية‬
‫وتجارية تونسية حيث يعود إليها أغلب شراح القانون للوقوف على معاني بعض النصوص‪.‬‬
‫وكذلك الئحة األحكام الشرعية المعروفة بالئحة الشيخ جعيط لتفسير أحكام مجلة األحوال‬
‫الشخصية‪.1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪-3-2‬وتعتمد مدرسة الشرح على المتون قواعد المنطق من ذلك ما يعرف باألقوال المأثورة‬
‫والتي تبنى المشرع البعض منها في إطار مجلة االلتزامات والعقود ومنها ‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫أو الحكم‬

‫ال تمييز حيث ال يميز القانون وهو ما يعبر عليه المشرع بالفصل ‪ 533‬م ا ع "إذا‬
‫كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطالقها" ‪.‬‬

‫‪ 1‬هي أول محاولة لتقنين مادة األحوال الشخصية باالعتماد على المذهبين المالكي والحنفي تم االنتهاء من إعدادها سنة ‪ 1948‬عرفت باسم رئيس‬
‫اللجنة التي كلفت بإعداد المشروع وهو الشيخ عبد العزيز جعيط من كبار علماء الزيتونية ‪ ،‬حول الموضوع ‪ ،‬المحوم األستاذ الساسي بن حليمة ‪،‬‬
‫محاضرات في قانون األحوال الشخصية ‪ ،‬مركز النشر الجامعي ‪ ،‬تونس ‪ ، 2011‬ص‪ 8‬والهامش‪.‬‬
‫‪ADAGES22‬‬
‫‪Maximes 3‬‬

‫‪115‬‬
‫االستثناءات تأول تأويال ضيقا ويعبر عنها الفصل ‪ 540‬م ا ع بقوله ما به قيد أو‬
‫استثناء من القوانين العمومية أو غيرها ال يتجاوز القدر المحصور مدة وصورة"‪.‬‬

‫ما حكم به القانون لسبب معين جرى العمل به كلما وجد السبب المذكور (الفصل ‪536‬‬
‫ماع)‬

‫وما أجازه القانون لسبب معين بطل بزواله (‪ 537‬م ا ع )‪.‬‬

‫والممنوع قانونا لسبب معلوم يصير جائ از بزوال السبب (‪ 539‬م ا ع )‪.‬‬

‫وفي قواعد المنطق تعتمد مدرسة الشرح على المتون القياس وهو ما أقره الفصل ‪535‬‬
‫م ا ع "إذا تعذر الحكم بنص صريح من القانون اعتبر القياس" وهو ما يعتمد فيه الشارح الحل‬
‫المقرر بنص يؤطر وضعية معينة الستنباط حل لوضعية ال ينظمها المشرع بنص‪.‬‬

‫ويتم اللجوء أيضا إلى االستنتاج بمفهوم المخالفة أو القياس العكسي‪ ،‬أي أن المفسر‬
‫سيلجأ إلى تطبيق العكسي للحل المقرر في وضعية محددة على وضعية لم يرد فيها نص‪.‬‬

‫وقاعدة "من أمكنه األكثر أمكنه األقل" أو ما يسمى بالقياس باألحرى ‪( ،‬الفصل ‪550‬‬
‫م ا ع )‪.‬‬

‫إن اللجوء إلى التحليل المنطقي في التفسير يمكن باألساس من التوصل إلى التناسق‬
‫الفكري للنص الغامض‪ 1‬وذلك من خالل موقعه من بين النصوص السابقة والالحقة وفي إطار‬
‫موضعه من المجلة أو من القانون (كأن يكون في إطار األحكام العامة ‪-‬األحكام العامة‬
‫لاللتزامات‪ -‬أو في إطار األحكام الخاصة‪ ،‬العقود الخاصة مثال) أي من خالل تحديد ما‬
‫يسمى بمحيطه القانوني‪.‬‬

‫‪ 1‬مالوري فقرة ‪410‬‬

‫‪116‬‬
‫‪-3‬التقييم‬

‫تعرضت مدرسة الشرح على المتون وال تزال إلى انتقادات شديدة ولكن منهجها يبقى مع‬
‫ذلك محتفظا بجدواه‪.‬‬

‫إن أول عيوب هذه المدرسة هو أساسها القائم على االعتقاد في كمال التشريع والحال‬
‫أن المشرع مهما بلغ من الدقة والسعي في اإلحاطة الكاملة بمختلف الوضعيات يبقى قاص ار‬
‫عن توفير الحلول لكل اإلشكاالت‪ .‬وقد الحظنا أن التطور السريع للواقع يجعل المشرع غير‬
‫قادر على مواكبته بالرغم من كثرة التشريعات المؤدية إلى ظاهرة التضخم التشريعي‪.‬‬

‫كما يعاب على هذه المدرسة المبالغة في البحث عن إرادة المشرع التي قد يمكن‬
‫االعتماد عليها عندما يكون النص حديثا لتتحول إلى عائق يمنع إقرار الحلول المالئمة كلما‬
‫ابتعد الزمن بالنص فيصبح االعتماد ال على إرادة فعلية بل على إرادة مصطنعة قد ال تكون‬
‫إال إرادة المفسر ذاته‪.‬‬

‫كل ذلك يؤدي إلى عيوب متعددة‪ 1‬تؤدي أحيانا إلى التضييق في معنى النص بما‬
‫يعكس نزعة محافظة مبالغ فيها على نحو ما استقر عليه فقه قضاء محكمة التعقيب لسنوات‬
‫طويلة في رفض مراجعة الشروط التغريمية المجحفة أو بتحريف للنص بتبني تأويل مضيق‬
‫لنص القانون‪.‬‬

‫كما أن االلتزام بهذا المنهج يؤدي إلى ما يسمى ركود القانون‪ 2‬بمعنى أن مفسر القانون‬
‫يتسبب في منع تطوير القانون بما يالئم التطورات التي يشهدها الواقع‪ .‬ومن األمثلة على ذلك‬
‫ما تعلق بمسؤولية المتبوع عن فعل تابعه والتي ال يقرها المشرع ضمن أحكام المسؤولية عن‬
‫فعل الغير المضمنة بمجلة االلتزامات والعقود (الفصل ‪ 93‬م ا ع )‪ .‬وقد عرض الموضوع‬

‫‪ 1‬راجع كتابي ‪ ،‬مرجع سابق الذكر ‪ ،‬الفقرات ‪ 848‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ Stagnification 2‬والعبارة للفقيه جيني ‪GENY, Méthode d’interprétation et sources en droit privé positif,., I,‬‬
‫‪n° 31, p. 65‬‬

‫‪117‬‬
‫على فقه القضاء وامتنعت محكمة التعقيب عن إقرار هذا النوع اعتمادا على ما اعتبرت أنه‬
‫إرادة المشرع ‪.1‬‬

‫لكن من المبالغة القول في أن ذلك هو عيب الطريقة بل العيب في كيفية التعامل‬


‫معها وفيما قد ينزع إليه المفسر من التشبث بالمنهج المذكور مع علمه أنه ليس المنهج األوحد‪.‬‬
‫ذلك أنه بالرغم من المآخذ تبقى طريقة الشرح على المتون متميزة بصرامة منهجها‪.‬‬

‫فتأويل القانون بما يمكن من مالءمته لحاجيات الواقع يستوجب بالضرورة فهمه الفهم‬
‫الصحيح من خالل قواعد اللغة التي كتب فيها واألطر االجتماعية والسياسية واالقتصادية التي‬
‫ظهر فيها النص وعدم االقتصار على مجرد قراءة سريعة أو على مالحظة تشابه الحل المعتمد‬
‫مع حلول مقررة في أنظمة أخرى بما يؤدي إلى سوء فهم القاعدة ومنعها من تحقيق أهدافها‪.‬‬

‫لكن مدرسة الشرح على المتون ال تتميز باالنفراد بل ظهرت مناهج أخرى في تفسير‬
‫القانون‪.‬‬

‫ب‪-‬المناهج المنافسة‬

‫مدرسة البحث العلمي الحر(‪ )1‬المنهج التاريخي (‪.)2‬‬

‫‪-1‬البحث العلمي الحر‬

‫رائد هذه المدرسة هو الفقيه الفرنسي فراسوا جيني الذي انطلق من نقد مدرسة الشرح‬
‫على المتون للقول بأنه ال يمكن للقانون أن يكون مقتصرا على النصوص المكتوبة‪ .‬لكن دون‬
‫أن ينكر أهمية البحث عن إرادة المشرع يعتبر جيني أنه إذا ما مرّ على النصوص ردح من‬
‫الزمن فال مناص من التسليم بأن المشرع لم يحط بكل شيء وأنه من العبث البحث عن إرادة‬
‫موهومة للمشرع وأنه ال بد من أن يلجأ القاضي إلى دوره الخالق للمرور من التأويل إلى البحث‬
‫العلمي الحر‪.‬‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي جزائي عدد ‪ 235‬بتاريخ ‪ 23‬جانفي ‪ ، 1961‬مجلة القضاء والتشريع لسن ‪ 1961‬ص ‪.1370‬‬

‫‪118‬‬
‫لكن القول بهذا البحث الحر ال يعني إطالقا االعتباط فهو حر لوجوب التخلص من‬
‫االعتقاد بكمال التشريع وهو علمي لوجوب اتباع منهج علمي ال يلتزم فقط بالعلوم االجتماعية‬
‫واالقتصادية والسياسية فقط بل وكذلك بمختلف العلوم الطبيعية والطبية‪ 1‬كلما اكتسب العلم‬
‫نتائج ثابتة‪ .‬وال بد للمفسر أن يلتزم باالنطالق من الواقع االجتماعي والنفسي واالقتصادي‬
‫‪2‬‬
‫واستنباط القاعدة األكثر مالءمة لذلك الواقع‪.‬‬

‫‪-2‬المنهج التاريخي‬

‫رائد المنهج التاريخي‪ 3‬أو ما يسمى بمنهج التأويل االرتقائي‪ 4‬أو التأويل التحريفي‪ 5‬هو الفقيه‬
‫لما يعتمد على‬ ‫ريمون صاالي وال يكاد يختلف طرحه عن طرح مدرسة البحث العلمي ّ‬
‫الحر ّ‬
‫‪6‬‬

‫يطوع النص لما تقتضيه حاجيات زمانه وأن يبحث‬


‫الفكرة القائلة بأنه يجب على المفسر أن ّ‬
‫مدعوا إلى التشريع اليوم ال البحث فيما قد كان يريده زمن‬
‫ّ‬ ‫فيما كان المشرع ليقرره لو كان‬
‫صياغة النص‪ .‬فمفهوما النظام العام أو األخالق الحميدة مثال كما وردا في تعريف السبب‬
‫الغير جائز (وهو "عبارة عما يخالف القانون أو األخالق الحميدة أو النظام العام"‪ ،‬الفصل ‪67‬‬
‫م ا ع ) ال يبحث فيهما عما أراده المشرع زمن وضع مجلة االلتزامات والعقود بل باالعتماد‬
‫على واقع اليوم وحاجات المجتمع‪.‬‬

‫ومع أن الغالب على فقه قضـاء محكمة التعقيب اعتمادها على مدرسـة الشـرح على المتون‬
‫فإن بعض ق ارراتها توحي باعتمادها مدرسـ ــتي البحث العلمي الحر والمنهج التاريخي لما أقرت‬
‫أن المحكمة‬
‫قرار محكمة االسـتئناف بسـوسـة في اعتماد تحليل الدم كوسـيلة لنفي النسـب قوال " ّ‬
‫المطعون في قرارها اعتمدت أن المش ـ ّـرع التونس ــي بالفص ــل ‪ 75‬من مجّلة األحوال الش ــخص ــية‬

‫‪GENY, op. cit., II, n°168, pp. 136 à 144. 1 1‬‬


‫‪ François Gény, Méthodes d'interprétation, précité, Malinvaud, Introduction, § 133. , Mellouli, § 485 2‬شرف‬
‫الدين ‪ ،‬فقرة ‪.155‬‬
‫‪Méthode historique 3‬‬
‫‪Méthode évolutive 4‬‬
‫‪Interprétation déformante 5‬‬
‫‪Raymond Saleilles, Le rôle de la méthode historique dans l'enseignement du droit, Revue Internationale de 6‬‬
‫‪l'enseignement, T XIX , 1890, 1er p.482 et s.‬‬

‫‪119‬‬
‫قرر أّنـه إذا نفى الزوج حمـل زوجتـه أو الولـد الالزم لـه مثـل صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورة الحـال فـإّنـه تقبـل جميع‬
‫ّ‬
‫ان هذا النص لم يض ـ ــبط بالعد هذه الوس ـ ــائل وترك أمرها لالجتهاد‬
‫وس ـ ــائل اإلثبات الش ـ ــرعية و ّ‬
‫ولتطور الزمن" وأضــافت أن "موضــوع الشــك في توصــل العلم لنتيجة جازمة صــار ال محل له‬
‫ّ‬
‫بعد كل هذه التحقيقات العلمية الصـرفة‪ 1".‬فلم تتمسـك في تعريف وسـائل اإلثبات الشـرعية بما‬
‫يوحي به ظاهرها أي اللجوء إلى الشـ ـ ـريعة والفقه اإلس ـ ــالميين بل اعتمدت معنى الش ـ ــرعية في‬
‫المطالبة للقانون وهو ما جعلها تقبل بوس ـ ــائل لم تكن معهودة في عص ـ ــور س ـ ــابقة والتي أثبت‬
‫العلم نجاعتها‪.‬‬

‫يظهر مما س ـ ــبق أن فقه القض ـ ــاء ولئن اتجه نحو االعتماد في الغالب على طريقة الش ـ ــرح‬
‫على المتون إال أنه ال يجعل منها الطريقة الوحيدة في التفسير‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬موجهات التفسير‬

‫يتعلق األمر باإلجابة عن السؤال كيف يتم التفسير وهو ما نتعرض إليه من خالل محتوى‬

‫موجهات التفسير (أ) قبل أن نحدد قوتها الملزمة (ب)‪.‬‬

‫أ‪-‬محتوى الموجهات‬

‫تتمثل الموجهات في جملة ما يحتاجه المفسر لمباشرة عملية التفسير وهي قواعد التفسير‬
‫(‪ )1‬والقواعد العامة للقانون (‪ )2‬والتفسير بالرجوع إلى المصادر المادية (‪.)3‬‬

‫‪-1‬قواعد التفسير‬

‫المقصود بقواعد التفسير تلك التي أقرها المشرع بالفصول ‪ 532‬إلى ‪ 541‬م ا ع وهي‬
‫أيضا كل الموجهات التي لم تكن محل تكريس مباشر بنص من القانون‪ .‬فالقواعد المقررة‬
‫بالفصول المذكورة تكرس مثلما رأينا معظم ما اعتمدته منهجية مدرسة الشرح على المتون‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 11005‬بتاريخ ‪ 27‬جويلية ‪ ، 1976‬النشرية ص ‪.229‬‬

‫‪120‬‬
‫كالتأويل باعتماد قواعد اللغة (الفصل ‪ 532‬م ا ع)‪ 1‬والبحث عن إرادة المشرع (الفصل ‪535‬‬
‫م ا ع) وأخذ عبارة القانون على إطالقها (الفصل ‪ 534‬م ا ع) واعتماد القياس (الفصل ‪535‬‬
‫م ا ع) وقاعدة "من أمكنه األكثر أمكنه األقل" (الفصل ‪ 550‬م ا ع)‪.‬‬

‫ولكن قواعد التفسير ال تنحصر فيما أقره المشرع في نطاق الفصول المذكورة‪ .‬ذلك أن‬
‫إحدى أهم القواعد المحددة لميدان التفسير هي قاعدة أقرها المشرع ضمن أحكام تفسير العقود‬
‫أي الفصل ‪ 513‬م ا ع الذي اقتضى أنه "إذا كانت عبارة الكتب صريحة فال عبرة بالداللة" ‪.‬‬
‫وهي قاعدة معمول بها في فقه القضاء ولكن دون اعتماد الفصل ‪ 513‬ويعبر عنها بالقول" ال‬
‫تفسير في موضع النص"‪ .‬وكذلك الشأن في التفسير بالمعقول وهي أيضا قاعدة لم تدرج ضمن‬
‫قواعد تفسير القانون مع أن المشرع أقرها في تفسير العقود في قول المشرع "إذا لم يعط التفسير‬
‫حقيقة أو مجا از معنى معقوال مطابقا للقانون بطل الفصل" (الفصل ‪ 531‬م ا ع) وهو ما يعني‬
‫إذا ما طبق المفسر هذا التوجيه فالمطلوب منه أن يفسر النص بما من شأنه أن يؤدي إلى‬
‫معنى معقول وهذا ما يؤكد المقولة بأن أعمال العقالء مصانة من العبث وما ال يقبل معه‬
‫القول بعبث المشرع أو هذيانه أو غير ذلك من العبارات التي تنال من جدية العمل التشريعي‬
‫والتي تفيد بضرورة تظافر جهود القاضي والفقيه لتجاوز حاالت الغموض أو التناقض أو‬
‫النقص في التشريع‪.‬‬

‫‪-2‬القواعد العامة للقانون‬

‫نص الفصل ‪ 535‬م ا ع على التفسير بالرجوع إلى القواعد العامة للقانون‪ .‬وتطرح هذه‬
‫القواعد مسألة مفهومها ودورها في عملية التفسير‪ .‬وقد أثار مفهوم القواعد العامة للقانون جدال‬
‫‪2‬‬
‫فق هيا بين الفقيه محمد الشرفي الذي ال يعتبرها قواعد قانونية ذات صبغة إلزامية وجوبية‬
‫لكونها غير موجهة إلى القضاء بل إلى مفسري آيات القرآن‪ ،‬والفقيه محمد العربي هاشم الذي‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي دوائر مجتمعة اعتمد الفصل ‪ 532‬م ا ع اعتبر أن عبارة "مؤسسات تعليم خاص" الواردة بالفصل ‪ 2‬من قانو ن‪ 25‬ماي ‪1977‬‬
‫المتعلق بالعالقات بين المالكين والمتسوغين لمحل تجاري يجعل معناها يشمل جميع األفراد دون تخصيص ونتيجة ذلك أنها تطبق على مؤسسات‬
‫تعليم سياقة السيارات (تعقيب دوائر مجتمعة مدني عدد ‪ 1130‬بتاريخ ‪ 2002/10/31‬موقع محكمة التعقيب) ‪.‬‬
‫‪ 2‬محمد الشرفي‪ ،‬مدخل لدراسة القانون دار سيراس للنشر ‪ ،1991،‬ص ‪ 255‬و ‪256‬‬

‫‪121‬‬
‫يعتبر أن تلك القواعد مستمدة من القواعد الكّلية الواردة بالفصول من ‪ 1‬إلى ‪ 99‬من مجلة‬
‫‪1‬‬
‫األحكام العدلية والمبادئ العامة للقانون مثل مبدأ حرية التعامل وحرية اإلرادة ومبدأ المساواة‪.‬‬

‫إن سبب الخالف يكمن في عدم دقة المصطلح المستعمل بمجلة االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫فالقواعد العامة (وكانت قبل قانون ‪" 2005‬قواعد عمومية") ال تفيد إال تك ار ار أو هي باألحرى‬
‫من قبيل االستعمال الثنائي ذلك أن الخاصية األساسية للقاعدة القانونية أنها عامة والقول‬
‫بقاعدة عامة ال يضيف شيئا إلى طبيعتها‪ .‬غير أن ذلك االستعمال يبرر بالرجوع إلى مصادر‬
‫المجلة التي هي في ذات الوقت القوانين األوروبية والفقه اإلسالمي‪ .‬ويالحظ الباحث أن‬
‫محرري المجلة اعتمدوا "القواعد الكلية" التي وردت بمجلة األحكام العدلية والتي عرفها الفصل‬
‫األول منها تعريفا يطابق التعريف األوروبي للمبادئ القانونية العامة‪ .‬فتعريف األخيرة هو‬
‫مجمل األفكار التوجيهية التي تترتب عنها تطبيقات متعددة دون أن يمنع ذلك من حلول تعد‬
‫استثناءات لها وهو نفس ما ورد بالفصل األول من مجلة األحكام العدلية ‪" :‬قواعد كلية كل‬
‫منها ضابط وجامع لمسائل كثيرة ‪ ..‬وبعض هذه القواعد يوجد من مشتمالته بعض المستثنيات‬
‫لكن ال تختل كليتها وعمومها"‪ .‬غير أن غياب استعمال مصطلح المبادئ لدى الفقهاء المسلمين‬
‫هو الذي برر استعمال عبارة القواعد عوضا عن المبادئ‪.‬‬

‫وال خالف في أن القواعد المقررة بالمجلة تتطابق أحيانا مع المبادئ العامة في القوانين الغربية‬
‫مثل الفصل ‪ 547‬م ا ع (من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه) أو الفصل‬
‫‪ 548‬م ا ع (ما يصدر عن شخص ال يكون حجة له) والفصل ‪ 551‬م ا ع ( ال يجوز لشخص‬
‫أن يمنح لغيره أكثر مما لنفسه من الحقوق) وغيرها إلى جانب مبادئ تعود الجتهاد الفقهاء‬
‫المسلمين (الفصل ‪ 554‬م ا ع "الخراج بالضمان ‪ )"...‬والفصل ‪ 562‬م ا ع األصل بقاء ما‬
‫كان على ما كان" وهي ما يسمى بدليل االستصحاب الذي استنبطه علماء أصول الفقه (راجع‬

‫‪ 1‬محمد العربي هاشم ‪ ،‬محاضرات لطلبة السنة األولى ‪ ،‬درس مرقون ص ‪.163‬‬

‫‪122‬‬
‫في ذلك القرار التعقيبي المدني عدد ‪ 30378‬بتاريخ ‪ ،1980/12/30‬النشرية ج ‪ ،2‬ص‬
‫‪.)329‬‬

‫لكن ال خالف أيضا أن المشرع لم يأت على كل المبادئ الممكنة بل أن ما تواله لم يكن‬
‫إال ذك ار لبعضها بدليل عنوان الفرع الثاني الذي وردت فيه (في بعض قواعد عامة تتعلق‬
‫القانون)‪ .‬وهذا دليل على أن المشرع بعد أن أورد بالفصل ‪ 535‬م ا ع القياس كوسيلة للتفسير‬
‫لم يجعلها الوسيلة الوحيدة بل أفسح المجال للمفسر في استنباط المبادئ التي لم يتعرض إليها‬
‫وذلك باالعتماد االستدالل (الصفحة ‪ 29‬من الجزء األول والمثال المتعلق بمبدأ منع التعسف‬
‫في استعمال الحق)‪ .‬وهو ما يتيح المجال إلى ظهور مبادئ أخرى كمبدأ الحذر ومبدأ التناسب‬
‫الذي يمكن استنباطه من أحكام الفصل ‪ 48‬من الدستور (في الحد من الحقوق والحريات‬
‫ووضع الضوابط لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية)‪.‬‬

‫فإحالة المشرع إلى القواعد العامة بمعنى المبادئ العامة ال يتوقف عند مجرد عملية‬
‫تفسير النص الغامض بل أن المشرع عندما تعرض الى تعذر الحكم بنص صريح إنما عالج‬
‫حالة الفراغ التشريعي‪ ،‬وهذا ما من شأنه أن يؤكد أن تأثير الشرح على المتون لم يكن غالبا بل‬
‫هو إقرار صريح بالفراغ وإحالة على تقنية المبادئ إلقرار تفادي حالة الفراغ بإنشاء قواعد جديدة‬
‫من خالل تقنية المبادئ العامة للقانون‪.‬‬

‫فليست هذه المبادئ قواعد في المفهوم التقني للكلمة بمعنى أنها ال تعتمد لتطبق مباشرة‬
‫على نزاع لغياب الدقة الفنية فيها بحكم غياب الحل‪ .‬فالقاعدة القانونية تتميز بدقتها الفنية من‬
‫حيث تركيبتها من فرض وحل‪ ،‬حال أن المبدأ القانوني ال يقوم على حل قابل لالنطباق مباشرة‬
‫بما يمكن أن يصدر حكم قضائي على ضوئه‪ .‬فالفصل ‪ 551‬م ا ع الذي ينص أنه ال يجوز‬
‫لشخص أن يمنح لغيره أكثر ما لنفسه من الحقوق ال يمكن أن يطبق ألنه ال حل فيه أي أنه‬
‫ال يحتوي على جزاء‪ .‬كما أن القول بأن مبدأ تحمل التبعة المقرر بالفصل ‪ 554‬م ا ع ال‬
‫يمكن أن يطبق بصفة مباشرة على وضعية نزاع معين ولكنه يكون مفيدا في سد الفراغ القانوني‬

‫‪123‬‬
‫المترتب عن عدم تعرض المشرع بالفصل ‪ 93‬م ا ع إلى مسؤولية المتبوع عن فعل تابعه‪.‬‬
‫ويكون العمل به كالتالي‪ :‬إذا كان المؤجر ينتفع من مشروعه فإن المنطق يفرض أال يتحمل‬
‫الغير األضرار الالحقة به بفعل عملته وتكون تلك هي قاعدة مستمدة من المبدأ المذكور وتكون‬
‫صياغتها كالتالي‪" :‬إذا ألحق التابع ضر ار بالغير أثناء القيام بعمله (مفترض) فالمتبوع مسؤول‬
‫الضرر(حل)"‪ .‬فتكون قاعدة ذات أصل قضائي قابلة لالنطباق في مختلف الحاالت‬
‫ّ‬ ‫عن ذلك‬
‫التي يكون فيها الضرر ناتجا عن فعل التابع‪ .‬وفي مثال آخر كذلك سبق أن الحظنا أن فقه‬
‫القضاء وفي غياب تكريس تشريعي في المادة المدنية لمبدأ عدم رجعية القوانين استنتج ذلك‬
‫المبدأ من مختلف تطبيقاته ثم أعمل قاعدة عدم رجعية القانون الجديد على عالقة تعاقدية‪.‬‬

‫‪-3‬التفسير بالرجوع إلى المصادر المادية‬

‫يتعلق األمر أساسا بالتأويل بالرجوع إلى الفقه اإلسالمي والقوانين األوروبية وباألساس‬
‫القانون الفرنسي من جهة أخرى‪.‬‬

‫على خالف قوانين بعض الدول العربية األخرى ليس الفقه اإلسالمي في قانوننا الوضعي‬
‫‪1‬‬
‫مصد ار شكليا(رسميا) لتفسير القانون‪ .‬فالقانون المصري والقوانين التي سارت على منهاجه‬
‫يحيل بكل وضوح على "مبادئ الشريعة اإلسالمية" إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه‬
‫لتفسير القانون‪ .‬لكن المحاكم ال تتردد المحاكم في الرجوع إليه لتفسير أحكام القانون الوضعي‪.‬‬

‫ويمثل ميدان األحوال الشخصية المادة األقرب للعمل بمثل هذا المنهج نظ ار إلى تأثير‬
‫الفقه اإلسالمي في القانون الوضعي‪ .‬إذ كذلك كان األمر عند غياب التعريف القانوني لمفهوم‬
‫محدد أو مؤسسة أو لمعالجة وضعية فراغ قانوني‪ .‬فباالعتماد على المذهب المالكي أقرت‬
‫مفهوم الدخول الحكمي لترتب عليه وجوب إنفاق الزوج على الزوجة‪ ، 2‬وكذلك وفي غياب‬

‫‪ 1‬ما يسميه األستاذ محمد كمال شرف الدين العائلة المصرية (فقرة‪ 168‬و ما بعدها ‪ )170‬أي المجالت المدنية في كل من سوريا والعراق وليبيا‬
‫والجزائر ‪...‬وفي مقابلها العائلة األولى وهي التي استلهمت مجالتها من مجلة االلتزامات والعقود التونسية (المغري ولبنان وموريطانبا) نفس‬
‫المرجع فقرة ‪167‬‬
‫‪ 2‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 1229‬بتاريخ ‪ 15‬جويلية ‪ ، 1977‬النشرية ‪ ،2‬ص ‪81‬‬

‫‪124‬‬
‫تعريف قانوني لمفهوم الفراش على معنى الفصل ‪ 68‬م أ ش اعتبرت أنه الزواج الشرعي‪. 1‬‬
‫ولكن االعتماد على الفقه اإلسالمي لم يقتصر األمر على هذه المادة بل تجاوزها إلى مادة‬
‫العقود ومن أبرز ما تم اعتماده تعريف مرض الموت الذي لم يعرفه المشرع واعتماد تقنية العقد‬
‫الموقوف في بيع ملك الغير‪.‬‬

‫أما بالنسبة إلى القانون الفرنسي فال تتردد محكمة التعقيب في تفسير قواعد القانون‬
‫التونسي باالستئناس بالقانون أو بفقه القضاء الفرنسيين‪ .‬والمثال على ذلك ما أقرته محكمة‬
‫التعقيب انطالقا من الفصل ‪ 478‬من المجلة التجارية ("يتقرر التفليس بحكم من المحكمة بعد‬
‫استدعاء المدين وسماع ممثل النيابة العمومية") لتأسيس الحل الذي مقتضاه أن النيابة العمومية‬
‫طرف أساسي في قضايا التفليس وينبغي استدعاؤها واعتمد في ذلك ق ار ار لمحكمة التعقيب‬
‫الفرنسية قرر نقض الحكم االستئنافي بسبب عدم التعرض إلى ملحوظات النيابة العمومية‪.2‬‬

‫ب‪-‬القوة اإللزامية لموجهات التفسير‬

‫تطرح موجهات التفسير مسألة إلزاميتها بالنسبة إلى المفسر وخاصة القاضي وتقتضي‬
‫اإلجابة التمييز بين نوعين من الموجبات‪.‬‬

‫ففيما يتعلق بالموجبات المقررة بنص القانون فهي قواعد قانونية لها نفس إلزامية القواعد‬
‫القانونية بالنسبة إلى القاضي ومحكمة التعقيب تراقب تطبيقها وتقضي بالنقض من أجل‬
‫مخالفتها‪ .3‬لكن قد يطرح التساؤل حول إمكانية اللجوء إلى القواعد غير المقررة بالنص أو‬
‫حول األفضلية في الترتيب المقرر بالفصل ‪ 535‬م ا ع أو في التفضيل بين مدرسة الشرح‬
‫على المتون أو مدرسة البحث العلمي الحر أو التفسير التاريخي أو اعتماد المصادر المادية‪.‬‬

‫‪ 1‬تعقيبي مدني عدد ‪ 4393‬بتاريخ ‪ 6‬جانفي ‪ ، 1981‬القضاء والتشريع ‪ 1981‬عدد ‪ ،2‬ص ‪،61‬‬
‫‪ 2‬تعقيب مدني عدد ‪ 82663‬بتاريخ ‪ 2020/2/12‬موقع محكمة التعقيب‬
‫‪ 3‬تعقيبي مدني عد ‪ 4340‬بتاريخ ‪ 7‬فيفري ‪ 1983‬ن ‪ ،1‬ص ‪ ، 141‬نقض من أجل مخالفة مقصد المشرع ‪ ،‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪17757‬‬
‫بتاريخ ‪ 1989/11/14‬ن ‪ 418‬نقض لمخالفة قواعد التأويل اللغوي ‪ 535(...‬م ا ع )‬

‫‪125‬‬
‫من منطلق أن تأويل القانون يسعى إلى جعله أكثر مالءمة لواقع المجتمع فإن الرأي‬
‫يتجه إلى أنه ال تراتبية وال تفاضل بين مختلف موجهات التفسير بل أن العبرة تكمن في اختيار‬
‫أفضل الطرق التي تؤدي إلى تلك الغاية التي قد تتحقق بموجهات طريقة الشرح على المتون‬
‫أو بغيرها‪.‬‬

‫أما في خصوص التعامل مع المصادر التاريخية فإنه ال شيء في القانون يفرض اللجوء‬
‫إليها ويبقى المفسر ح ار في ذلك‪ .‬وفي صورة اعتمادها فإن مراعاة خصوصيات القانون الوضعي‬
‫وتطوراته تفرض عدم االنسياق وراء الحلول السهلة في اعتبار أن المعنى المقصود مستمد‬
‫بالضرورة من المصدر التاريخي‪ .‬ذلك أن اختالف صياغة النص عن مصدره يمكن أن يؤدي‬
‫إلى معاني مختلفة عن تلك التي قصدها المشرع في النظام القانوني المستمدة منه أحكام‬
‫قانوننا‪.‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬المصادر التكميلية‬


‫فقه القضاء (الفصل األول) العرف (الفصل الثاني) الفقه (الفصل الثالث)‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬فقه القضاء‬

‫تعريف فقه القضاء (المبحث األول) مصدر فقه القضاء (المبحث الثاني) القوة اإللزامية‬
‫لفقه القضاء (المبحث الثالث)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف فقه القضاء‬

‫في تعريف أولي يعرف فقه القضاء بأنه مجموع األحكام التي تصدر عن المحاكم في‬
‫مختلف ميادين اختصاصها‪ .‬لكن هذا ليس إال وصفا لمجموعة غير متجانسة من عناصر‬
‫ليست سوى مظاهر للعمل القضائي على اختالف مصادره أي المحاكم باختالف درجاتها‬
‫وأنظمتها (العدلية واإلدارية وغيرها) وهو ال يفيد في شيء بالنظر إلى موضوع مصادر القانون‬

‫‪126‬‬
‫إذ كيف يمكن أن يعتمد هذا الكم الهائل من األحكام والق اررات المتعددة والمتداخلة وأحيانا‬
‫المتناقضة العتبارها مصد ار للقانون؟ فهي ليست إال جملة من الوقائع المتراكمة وال تكون‬
‫قانونا‪.‬‬

‫يعبر عن موقف مناهض العتباره‬


‫وفي الحقيقة فإن تعريف فقه القضاء على هذا النحو ّ‬
‫مصد ار للقانون‪ .‬ذلك وطبقا لهذا الرأي ليس من دور للمحاكم إال تطبيق القانون بمعنى أنه‬
‫ليس للمحاكم أن تنشئ قواعد يمكن االعتماد عليها للعمل بها في النزاعات المتشابهة وهو‬
‫موقف متأثر إلى حد بعيد بنزعة الفقهاء الفرنسيين المناهضين للدور الخالق لفقه القضاء‪.1‬‬

‫‪2‬‬
‫لكن المتأمل في أصل المفهوم يالحظ أنه ال يتماشى مع ذلك الرأي‪ .‬فالعبارة الالتينية‬
‫تعني حكمة القانون أو حكمة القضاء والعبارة العربية تجمع بين علمين قائمي الذات هما علم‬
‫الفقه من جهة وعلم القضاء من جهة أخرى‪ .‬فعلم الفقه يسعى إلى استنباط القواعد المنظمة‬
‫للتصرفات الفردية باالعتماد على منهج محدد وذلك باالنطالق من مصادر التشريع (القرآن‬
‫والسنة والقياس واإلجماع‪ .)...‬والقضاء يرمي إلى استنباط الحلول العملية لإلشكاالت الواقعية‬
‫وهو أيضا يعتمد منهجا‪ .‬فالعبرة في تعريف فقه القضاء تكون أساسا بما يميزه من حيث المنهج‪.‬‬

‫يترتب عن ذلك أن تعريف فقه القضاء ينطلق من الظاهرة القضائية (األحكام) ولكنه‬
‫ال يكتفي بمعاينتها بل يعتبر المنهج الذي يتبعه القاضي والغاية من تدخله‪ .‬وقد أمكن لنا بناء‬
‫على ذلك تعريف فقه القضاء بأنه "المنهج الفكري الذي يمكن القاضي من أن يأخذ باالعتبار‬
‫العالقة بين الوقائع والتنظيم القانوني بهدف استنباط أحكام ذات نطاق عام ترمي إلى تحقيق‬
‫مالءمة المنظومة القانونية مع حاجيات المجتمع باستعمال وسائل تأويل القانون وسد‬
‫الفراغات التي تعتريه‪".3‬‬

‫‪Jean CARBONNIER, Introduction n° 142 1‬‬


‫‪Jurisprudence 2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪" C’est la discipline de l’esprit qui permet au juge de se saisir des rapports entre les faits et la‬‬
‫‪réglementation en vigueur afin de dégager, à partir des procédés d’interprétation et de‬‬
‫‪127‬‬
‫ويمكن هذا التعريف من الوقوف على فكرة أن دور القضاء ال يقتصر على مجرد‬
‫تطبيق حرفي للقانون بل أنه يقوم بدور مالءمة القانون لتطورات الواقع ولحاجياته ويبرز فكرة‬
‫أساسية تتمثل في أن القانون ليس فقط ما ينتجه العمل التشريعي بل يقتضي تكامال بين مختلف‬
‫القوى المعنية به وهي القضاء والفقه‪.‬‬

‫فالعبرة في فقه القضاء ليست إذن بمجموع أحكام بل بما نسميه القاعدة القضائية باعتبارها‬
‫صنفا من أصناف القواعد القانونية المكونة للمنظومة القانونية‪ .‬وهي على غرار القاعدة‬
‫التشريعية قاعدة عامة دائمة مجردة وملزمة‪ .‬وليس أدل على ذلك من المثال المأخوذ من قرار‬
‫الدوائر المجتمعة المؤرخ في ‪ 30‬جانفي ‪ 1976‬المتعلق بالوعد بالبيع والذي أسس لقاعدة‬
‫صحة الوعد بالبيع وبكونه عقدا ال ينشئ في جانب الواعد إال التزامات شخصية وأنه ال تنتقل‬
‫به الملكية‪ .‬وقد أسس هذا القرار لقاعدة قضائية عامة مجردة ملزمة تواتر تطبيقها منذ ‪1976‬‬
‫إلى اليوم‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬مصدر فقه القضاء‬

‫إن تعريف فقه القضاء على الوجه الذي سبق ال يمكن من القول من هي السلطة التي‬
‫يرجع إليها لتحديد مصدره‪ .‬وفي هذا الصدد ال يكون مصدر فقه قضاء محاكم األصل (الفقرة‬
‫األولى) بل أن مصدره هو محكمة التعقيب (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬فقه قضاء محاكم األصل‬

‫ال شك في الدور الذي تؤديه محاكم األصل في إنشاء فقه القضاء وتطويره‪ .‬فبداية‬
‫المنازعات تكون أمام تلك المحاكم وتعرض إشكاليات سكوت النص أو غموضه أمامها كما‬
‫أن مشاكل التكييف ا لقانوني للوقائع والتصرفات واإلجراءات تعرض عليها لتتخذ منها موقفا‪،‬‬
‫كل ذلك بناء على ما يطرحه محامو األطراف من حلول وحلول مخالفة تؤكد رأيا أو تنفيه‪.‬‬

‫‪comblement des lacunes du droit, des règles de portée générale destinées à adapter l’ordre‬‬
‫راجع كتابي ‪ ،‬سابق الذكر فقرة عدد ‪juridique aux besoins de la société"788‬‬
‫‪128‬‬
‫ويتم إعداد الحلول القضائية بناء على هذا النقاش الذي يحصل بين درجتي القضاء األصلي‬
‫قبل أن يصل إلى محكمة التعقيب‪.‬‬

‫وال مجال إلنكار أن معظم الحلول القضائية إنما تكونت بفضل تدخل محاكم األصل‬
‫واألمثلة على ذلك كثيرة ومنها ما سبق التذكير به بخصوص اعتماد تحليل الدم لنفي النسب‬
‫(ص ‪ 109‬من هذا الدرس)‪.‬‬

‫لكن نظ ار إلى أن محاكم األصل تخضع إلى التراتبية التي ينجر عنها أن الحل المقرر‬
‫من قبلها يكون عرضة لنقضه من قبل المحكمة األعلى درجة فإنه يبدو من غير الواقعي القول‬
‫بفقه قضاء محاكم األصل‪ .‬وربما كان من األفضل الحديث عن "جريان العمل القضائي" وهو‬
‫ما تعمل به المحاكم من حلول قد تستقر وقد تضطرب في انتظار أن تتأكد أو أن يقع نفيها‬
‫من قبل محكمة التعقيب‪ .‬ويمكن أن نذكر مثاال حول الموقف من القيام استعجاليا للخروج إن‬
‫لم يدفع إذا كان المكرى محال معدا الستغالل أصل تجاري إذ هناك من المحاكم من يعتبر‬
‫هذه الدعوى من دعاوى األحكام العامة عل معنى الفصل ‪ 201‬م م م ت التي ال يجوز القيام‬
‫بها لوجود نص خاص وهو الفصل ‪ 23‬من قانون ‪ 25‬ماي ‪ 1977‬الذي يوجب التنبيه على‬
‫المكتري للدفع خالل ثالثة أشهر يعد العقد بانقضائها منفسخا وهناك من يعتبر بعكس ذلك أن‬
‫هذه الدعوى ممكنة وهي ليست إال وسيلة ضغط حتى يتولى المتسوغ خالص ما في ذمته من‬
‫معاليم الكراء‪.‬‬

‫لذلك فإن عمل المحاكم ومهما كان القول باستق ارره ال يعتبر فقه قضاء بالمعنى الذي‬
‫يمكن معه أنه تنشأ معه قواعد قضائية مستقرة بسبب كونه معرضا في كل األحوال إلى نقضه‬
‫من قبل محكمة التعقيب وهو ما يبرر اعتماد مصدر وحيد وهو فقه قضاء محكمة التعقيب‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬فقه قضاء محكمة التعقيب‬

‫إن القول بأن ق اررات محكمة التعقيب هي مصدر فقه القضاء مبني على أسباب من‬
‫القانون (أ) ويتخذ مظاهر محددة (ب)‪.‬‬

‫أ‪-‬األسباب ‪ :‬تتمثل األسباب التي ال تعتبر من فقه القضاء إال ما كان صاد ار عن محكمة‬
‫التعقيب فيما يلي‪:‬‬

‫أ‪-‬مكانتها من التنظيم القضائي باعتبارها أعلى هيئة في الهرم القضائي العدلي‪،‬‬

‫ب‪-‬ألنه بإمكانها فرض رأيها القانوني بمقتضى ما تقرره من نقض لألحكام المطعون فيها‬
‫أمامها حتى ولو بقيت محكمة اإلحالة حرة في عدم اتباع موقف محكمة التعقيب ولكن ذلك‬
‫من موجبات تكوين فقه القضاء باعتماد التشاور بين المحكمة العليا ومحاكم األصل‪،‬‬

‫ج‪-‬ألنها تفرض موقفها بحكم القانون عندما تنقض أحكام قضاة األصل بقرار من الدوائر‬
‫المجتمعة حيث تكون محكمة اإلحالة الثانية ملزمة باتباع ما قررته الدوائر المجتمعة بصريح‬
‫الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 191‬م م م ت‪.‬‬

‫د‪ -‬ألنها السلطة المؤهلة لتوحيد اآلراء القانونية بين مختلف دوائرها طبق الفصل ‪ °1/192‬م‬
‫م م م ت وأن ذلك التوحيد ال يقتصر فقط على الدوائر العادية بل يمتد أيضا إلى مختلف‬
‫المحاكم‪.‬‬

‫ب‪-‬المظاهر ‪ :‬إن اعتبار ق اررات محكمة التعقيب هي مصدر فقه القضاء مسنود‬
‫بمختلف المظاهر التي تتخذها ق ارراتها‪ .1‬وباعتبار االختالف بين القاعدة التشريعية والقاعدة‬
‫القضائية فإن الباحث ملزم باعتماد منهجية واضحة للوقوف على أهم تقنيات التعرف على‬
‫طريقة التعبير عن القاعدة‪.‬‬

‫‪ 1‬راجع دراستي‪ ،‬القرار التعقيبي‪ ،‬مؤلف "خمسون عاما من فقه القضاء المدني " ‪2009-1959‬ن مركز النشر الجامعي ‪،‬‬
‫تونس ‪ 2020‬ص ‪ 325‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫إذ توجد تفرقة فقهية بين الق اررات المبدئية والق اررات العادية‪ .‬فالق اررات العادية هي التي‬
‫ال تتميز بشيء من حيث الحلول التي تقرها أو تذكر بها والتي ال تتعدى أن تكون تطبيقا‬
‫لقاعدة أو تذكي ار بنص قانوني‪ .‬أما الق اررات المبدئية فهي التي تقر حال جديدا غير معهود‬
‫تتبنى فيه المحكمة تأويال مختلفا عما سبق من تأويالت أو تعتمد فيه وصفا قانونيا مستحدثا‬
‫‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫أو تسد به فراغا قانونيا أو تعلن به عن تحول قضائي أو تحدث به ذلك التحول‪.‬‬

‫والمفروض أن المجال الطبيعي للق اررات المبدئية هو ق اررات الدوائر المجتمعة بسبب ما‬
‫سبق القول في شأنه بأنها ملزمة لمحكمة اإلحالة‪ .‬لكن ليست كل ق اررات الدوائر مبدئية إذ أنها‬
‫قد تكتفي بتذكير حل سبق أن تبنته وال تزيد في القرار الجديد إال تأكيدا له‪.‬‬

‫كما أن ق ارراتها الصادرة في مادة الخطأ البين ال يترتب عنها توحيد لفقه القضاء‪.‬‬

‫لكن الق اررات المبدئية ال تتوقف عند ق اررات الدوائر المجتمعة بل قد تكون صادرة عن دوائر‬
‫عادية (قرار ‪ 29‬فيفري ‪ 1994‬الذي أقر بإمكانية مراجعة الشرط التغريمي صدر عن دائرة‬
‫عادية وأحدث تحوال في فقه القضاء)‪.‬‬

‫وسواء تعلق األمر بقرار دائرة عادية أو بقرار الدوائر المجتمعة ليست العبرة فيما درج عليه‬
‫المكلفون بنشر ق اررات محكمة التعقيب على تقديم القرار مصحوبا في بدايته بما يسمى "المبدأ"‬
‫بل ليس ذلك إال مجرد ملخص ال يحرره رئيس الدائرة أو أعضاؤها وقد ال يعبر عن التوجه‬
‫الذي اعتمده القرار‪ .‬بل أن العبرة في استخالص المبدأ تكمن في التعليل أي في أهم حيثيات‬
‫القرار والتي تعبر فيها المحكمة عن موقفها بتبريره ودعمه باستعمالها وتأويلها لقاعدة أو قواعد‬
‫قانونية أو مبدأ عام وأحيانا باللجوء إلى فقه قضاء سابق أو آراء فقهية محددة أو إلى المصادر‬
‫المادية أو القانون المقارن‪.‬‬

‫راجع مقالتي ‪ ،‬مفهوم التحول القضائي ‪ ،‬قراءات في اجتهادات في فقه القضاء ‪ ، 1‬مركز النشر الجامعي ‪ ،‬تونس‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2018‬ص ‪ 15‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫وال يعتبر من الق اررات المبدئية ما هو ظرفي أي ما يعبر عن موقف ال يتجاوز حدود‬
‫القضية التي صدر فيها كما ال تعتبر الق اررات المنعزلة أو اليتيمة أو الشاذة‪( .‬القرار عدد‬
‫‪ 3784‬الصادر بتاريخ ‪ 11‬مارس ‪ ،1980‬المجلة التونسية للقانون‪ ،‬لسنة ‪ 1980‬ص ‪247‬‬
‫والمعروف بقرار "الحق يعلو وال يعلى عليه" الذي قرر تغليب الحق الموضوعي على الشكليات)‬
‫فالقاعدة القضائية‪-‬خاصة عندما يكون مصدرها قرار صادر عن دائرة عادية‪ -‬تستوجب في‬
‫أحوال كثيرة أن يستقر العمل بها ويتواتر حتى تصبح حال مستقرا‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬القوة اإللزامية لفقه القضاء‬

‫يحتاج اإلقرار بأن فقه القضاء سلطة إلى بيان أساس قوته اإللزامية (فقرة أولى) وشروطها‬
‫(فقرة ثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أساس القوة اإللزامية‬

‫‪-1‬كثي ار ما يتردد لدى الفقهاء أن ق اررات محكمة التعقيب ملزمة تبعا لما لها من "سلطة‬
‫معنوية"‪ .1‬ولهذا االتجاه أساسان من القانون أولهما مبدأ تفريق السلط وثانيهما األثر النسبي‬
‫لألمر المقضي فيه أو قرينة اتصال القضاء‪ .‬فالفصل بين السلطات التشريعية والقضائية‬
‫والتنفيذية والذي كرسه الدستور يجعل دور السلطة القضائية مقتصرا على تطبيق القانون دون‬
‫أن يكون لها القدرة على سن قواعد جديدة تكون لها نفس خصائص القاعدة التشريعية وذلك‬
‫على نقيض ما هو معمول به في األنظمة األنقلوسكسونية القائمة على السابقة القضائية‪.‬‬
‫فاألحكام الصادرة في القضايا التي تعهد إلى المحاكم ال تكون صالحة لفض نوازل أخرى‪،‬‬
‫وفي هذا المعنى يستند أصحاب هذا الرأي إلى الفصل ‪ 481‬م ا ع ليستمدوا منه مبدأ األثر‬

‫الشرفي والمزغني ‪ ،‬فقرة ‪.733‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪132‬‬
‫النسبي لحجية األحكام القضائية قوال بأنها ال تلزم غير الخصوم الذين صدرت بينهم‪ .‬وإذا‬
‫‪1‬‬
‫تعلق األمر بفقه القضاء عموما فإنه لن تكون له إال سلطة واقعية فال يمثل مصد ار للقانون‪.‬‬

‫إن االستناد إلى مبدأ الفصل بين السلطات يقوم على تصور مضيق لهذا المبدأ وال‬
‫يأخذ باالعتبار ضرورة التنسيق والتكامل والترابط بينها كما أن مبدأ األثر النسبي لحجية األحكام‬
‫القضائية يقوم على مبرر شكالني للتعتيم على أن العبرة في إلزامية فقه القضاء ليست في‬
‫نص حكم صادر بين أطراف ‪-‬ال يلزمهم إال هم بداهة ‪-‬بل في القاعدة التي تتشكل بفضل‬
‫مجهود القضاء في التأويل وسد ثغرات القانون‪(.‬ما يسميه األستاذ محمد كمال شرف الدين‬
‫"االنفصال"‪ ،‬أي انفصال القاعدة القضائية عن األحكام التي صدرت بمناسبتها‪)2‬‬

‫إن فكرة السلطة المعنوية ال تعبر عن أي قوة ملزمة لق اررات محكمة التعقيب‪ .‬فالقول‬
‫بها يجعل المعنيين بتلك الق اررات وأساسا القضاة غير ملزمين باتباع ما يستقر عليه فقه قضاء‬
‫تلك المحكمة بل ال يتعلق األمر إال بتخيير أي أن القاضي يكون مخي ار بين اتباع فقه القضاء‬
‫أو مخالفته‪ .‬ومحكمة التعقيب ذاتها عبّرت عن ذلك الموقف في أحد ق ارراتها لما اعتبرت‬
‫أنه ال لوم ع لى محكمة األصل في مخالفة قرار الدوائر المجتمعة طالما أن ذلك القرار "غير‬
‫‪3‬‬
‫ملزم إال للمحكمة التي أحال لها ذلك القرار القضية عمال بصريح الفصل ‪ 191‬م م م ت‪.‬‬
‫ولقد كان لهذا الموقف األثر الكبير حتى لدى محكمة التعقيب ذاتها التي تعتبر أنها هي بدورها‬
‫غير ملزمة باتباع ما صدر عنها من فقه قضاء ولو أن تلك النزعة في قضائها هي نزعة‬
‫أقلية‪ .‬ولكن ذلك كان سببا من أسباب في اضطراب فقه القضاء وتناقضه والمشقة الناتجة عن‬
‫ذلك بالنسبة إلى المتقاضين تبعا لما ينتج عنه من عيب عدم إمكانية التوقع وللباحثين من حيث‬
‫صعوبة وأحيانا استحالة مواكبة وتصور التطورات الممكنة لفقه القضاء‪.‬‬

‫كاربونيي سابق الذكر‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫شرف الدين ص ‪173‬‬ ‫‪2‬‬

‫تعقيب مدني عدد ‪ 6456‬بتاريخ ‪ 24‬جوان ‪ ، 1982‬ن ‪ ، 3 ،‬ص ‪.278‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪133‬‬
‫‪-2‬لذلك نعتقد أن فقه القضاء يستمد قوته اإللزامية من القانون ذاته الذي خول للقضاء‬
‫تأويل النصوص وإكمال النقص الذي يعتريها‪ .‬فالفصل ‪ 535‬م ا ع يقر بغموض النص وبفراغه‬
‫ويوفر الوسائل لتجاوز ذلك والفصل ‪ 108‬من المجلة الجزائية "يعاقب بخطية قدرها مائتان‬
‫وأربعون دينا ار كل قاض من النظام العدلي يمتنع ألي سبب كان ولو لسكوت أو غموض‬
‫ويستمر على امتناعه بعد إنذاره أو أمره‬
‫ّ‬ ‫القانون عن القضاء بين الخصوم بعد طلبهم ذلك منه‬
‫من قبل رؤسائه"‪.‬وهو ما ال يترك مجاال للشك في أن فقه القضاء يستمد سلطته من القانون‪.‬‬

‫بناء على ذلك فااللتزام بفقه القضاء يقوم على واجب وظيفي ‪-‬أي أنه واجب تقتضيه‬
‫وظيفتهم‪ -‬يقع على القضاة في أن يلتزموا بفقه القضاء الصادر عن محكمة التعقيب كما‬
‫أنه واجب يقع على محكمة التعقيب ذاتها في أن تلتزم بفقه قضائها‪ .‬وهذا الواجب يجد‬
‫مبرراته في مبدأين دستوريين هما مبدأ المساواة أمام القضاء بين المواطنين والحق في محاكمة‬
‫أقرت محكمة التعقيب قاعدة قضائية ثم خالفتها أو‬‫عادلة‪ .‬فال مساواة وال محاكمة عادلة إذا ّ‬
‫‪1‬‬
‫خالفها حكام األصل "بحجة عدم إلزامية السابقة القضائية في نظام قانون مكتوب"‬

‫كل هذا ال يمنع فقه القضاء من التطور أي أنه مثل القاعدة التشريعية يتأقلم مع تغير‬
‫األوضاع االجتماعية واالقتصادية وهو ما يبرر التحوالت القضائية‪ .‬والتحول القضائي هو‬
‫رجوع عن حل قضائي سابق ومستقر صادر عن نفس السلطة التي أصدرته وهو بمثابة النسخ‬
‫الذي يط أر على القاعدة التشريعية‪.2‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شرط القوة اإللزامية‬

‫التعليل (أ) العلم (ب)‬

‫مقالتي السابقة ‪ ،‬مفهوم التحول القضائي ‪ ،‬ص ‪.19‬‬ ‫‪1‬‬

‫راجع دراستي ‪" ،‬مفهوم التحول القضائي" ‪ ،‬سابق الذكر وباللغة الفرنسية ‪Les revirements de jurisprudence,‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪Mélanges Ben Halima, CPU , Tunis, 2005, p.98 et s.‬‬

‫‪134‬‬
‫أ‪-‬التعليل‬

‫ليس المشرع مجب ار على تعليل القواعد التي يسنها حتى ولو بدا أنه يسعى إلى ذلك من‬
‫خالل شرح األسباب‪ .‬واألمر على خالف ذلك في القاعدة القضائية التي تستوجب اإلقناع‬
‫بالحل الذي تقرره بما يمكن من االنخراط فيه والعمل به والمقصود بذلك قبول جمهور المتعاملين‬
‫بها من قضاة ومحامين وفقهاء وغيرهم‪ .‬وما من سبيل إلى ذلك إال بالتعليل الذي تتوخاه‬
‫الق اررات التعقيبية أي تبرير لق ارراتها باالعتماد مختلف طرق التأويل وبالرجوع إلى الفقه وفقه‬
‫القضاء في تونس وفي القانون المقارن‪ .‬ذلك أنه دون تعليل يتحقق به اإلقناع ال يكون لق اررات‬
‫محكمة التعق يب من فاعلية حتى ولو أراد قضاتها وضع قاعدة قضائية وحتى مع القول بأن‬
‫من واجب القضاة االلتزام بما قررته استجابة لواجب وظيفي في االلتزام بما تقرر في فقه‬
‫القضاء‪ .‬لكن القبول بالقاعدة القضائية ال يمكن أن يتحقق إال بشرط العلم بها‪.‬‬

‫ب‪ -‬العلم‬

‫ال يكون تحقيق القوة اإللزامية لفقه القضاء إذا لم يتم العلم به‪ .‬والعلم بفقه القضاء يكون‬
‫بنشره‪ .‬ويتم نشر فقه القضاء بنشرية محكمة التعقيب وبمختلف المجالت القانونية التي تصدر‬
‫عن مراكز رسمية مثل مركز النشر الجامعي (المجلة القانونية التونسية) ومركز الدراسات‬
‫القانونية والقضائية (مجلة القضاء والتشريع) و كليات الحقوق ("األحداث القانونية التونسية" ‪،‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،‬و"المجلة التونسية للعلوم القانونية والسياسية" عن كلية‬
‫العلوم القانونية بتونس و"مجلة القانون والسياسة" الصادرة عن كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫واالقتصادية سوسة ‪....‬ومجلة "دراسات قانونية" عن كلية الحقوق صفاقس و"حوليات العلوم‬
‫القانونية" التي تصدر عن كلية العلوم القانونية واالقتصادية والتصرف بجندوبة ‪).‬‬

‫لكن المقارنة بين نشر القانون ونشر فقه القضاء يبين الفارق الشاسع بينهما‪ .‬فنشر‬
‫القوانين يكون باالعتماد على حامل رسمي (الرائد الرسمي) يضبطه القانون (قانون ‪1993‬‬
‫ويمثل منطلقا الحتساب أجل دخوله حيز النفاذ بينما ال يوجد أي حامل رسمي لفقه القضاء وال‬
‫‪135‬‬
‫لزمن محدد لنشره وهو ما يفسر البطء في تحقيق العلم بفقه القضاء وقد يصلح حتى في تبرير‬
‫الجهل به‪ .‬لكن وبصفة تدريجية تتجه الممارسة نحو إرساء نشر على الحوامل االلكترونية‬
‫(موقع محكمة التعقيب) بما قد يحقق االنتشار المطلوب في زمن معقول‪ .‬لكن كل ذلك يبقى‬
‫مجرد محاوالت ال تكتسي أي طابع إلزامي‪ .‬لذلك ولضمان استقرار المعامالت أن تكون هناك‬
‫وسيلة رسمية تحقق نشر فقه القضاء بالسرعة والنجاعة التي تحقق العلم به بالوسائل الحديثة‬
‫للنشر (الحوامل االلكترونية)‪.‬‬

‫لكن النشر المادي لفقه القضاء ال يكون في كل األحوال كافيا للعلم به إذ ال بد من‬
‫إب ارزه والتركيز على أهم ما فيه من خالل التعليق على الق اررات المبدئية ويعود الفصل في ذلك‬
‫إلى الفقه‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬العرف‬

‫مفهوم العرف (المبحث األول) القوة اإللزامية للعرف (المبحث الثاني)‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم العرف‬

‫التعريف (فقرة أولى) المقومات (فقرة ثانية)‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التعريف‬

‫العرف والمعروف هو خالف المنكر والنكر وهو ما يستحسن من األفعال وهو ما كل‬
‫ما تعرفه النفس ومن الخير وتطمئن إليه (ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬عرف)‪ .‬وال يختلف‬
‫المعنى اصطالحا اختالفا كثي ار من حيث اطمئنان الناس إلى ما هو معمول به فيتبعونه‬
‫ويستمرون عليه‪.‬‬

‫يبدو من مجلة االلتزامات والعقود أن المشرع يفرق بين العرف والعادة‪ .‬وقد يتبادر إلى‬
‫الذهن أنهما مختلفان فالعادات هي ممارسات ال إلزامية فيها وهي ومن الوقائع وال تعد من‬

‫‪136‬‬
‫القانون فإذا استقرت وانتشرت أصبحت عرفا ملزما‪ .‬ونحن نرى أنه ال جدوى من هذه التفرقة‬
‫طالما أن تقدير القوة اإللزامية راجع باألساس إلى القضاء الذي يقرر توفر الشروط الالزمة‬
‫لإلقرار بإلزامية العرف‪ .‬لذلك فإن الحديث عن عرف أو عادة يشار به إلى نفس المفهوم‬
‫ونستعمل المصطلحين كمترادفين‪.‬‬

‫فالعرف والعادة تفرزهما الممارسات في مختلف ميادين الحياة االجتماعية واالقتصادية‬


‫لمجموعة ويعبر عنها بالقوانين التلقائية الناتجة عن تطوير تدريجي من قبل المجتمع للقواعد‬
‫التي يرتضيها ‪ .‬فهي القواعد التي تستجيب لحاجيات المجتمع وتقوم على التراكم والقبول‬
‫الطوعي‪ .‬ومع أنه ال شك في اعتماد المجتمعات المسماة بالبدائية على األعراف لتنظيم‬
‫العالقات داخلها فالثابت أيضا أن العرف أدى أدوا ار هامة في مختف المجتمعات اإلنسانية‬
‫األكثر تطو ار وال يزال‪ .‬وقد كان للعرف في المجتمعات العربية دور هام قبل ظهور القوانين‬
‫المكتوبة كما أنه ال يزال على ساحة التجارة الدولية يؤدي دو ار بالغ األهمية‪.‬‬

‫لقد كان لتأثير القانون الفرنسي على القانون التونسي دور بارز في مسألة اعتماد العرف‬
‫مصد ار للقانون‪ .‬ذلك أن المجلة المدنية الفرنسية وهدفها في توحيد القانون جعلت للعرف مكانة‬
‫ثانوية بالنسبة إلى التشريع وهي نفس المكانة التي خصصتها لها مجلة االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫ولعل أحسن ما يعبر عن هذا االتجاه ما ورد في كلمة داود صانتيالنا في تقديم مشروع مجلة‬
‫مدنية وتجارية تونسية‪ .‬فبعد أن أشار إلى الدور الذي منحه فقهاء اإلسالم إلى العرف والعادة‬
‫(ص ‪ ) VIII‬ذكّر بما سماه القاعدة العامة أن كل تشريع قائم على العرف والعادة يتغير‬
‫بتغير العادة (ص ‪ ) XI‬لينتهي إلى القول بأن اللجنة سعت في تنظيم مجموعة المذاهب‬
‫المتضاربة وأنه كان عليها "إلغاء كل ما تعلق بحالة مادية وفكرية تجاوزها المجتمع اإلسالمي‬
‫نفسه منذ أمد بعيد وتعويض هذه األجزاء التي أخنى عليه الدهر بما يتماشى أكثر منها مع‬
‫الحالة الراهنة ‪( "...‬ص ‪ ) XIII‬وهو يعبر عن توجه واضح في أال يكون للعرف والعادة من‬
‫دور إال فيما يقبله القانون‪,‬‬

‫‪137‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬المقومات‬

‫يتكون العرف من ركنين هما الركن المادي والركن المعنوي‪ .‬فالركن المادي هو المتمثل‬
‫في الممارسات المتكررة المستقرة والعامة‪ .‬إذ أنه تجاه وضعية معينة يستنبط حل محدد ثم‬
‫يقع اتباعه في الوضعيات المماثلة ويتواتر العمل بذلك من قبل المجموعة‪ .‬فعنصر االستقرار‬
‫يفيد التواصل في الزمن ويفترض فكرة القدم ولكن ال يوجد حيز زمني محدد العتبار العرف‬
‫مستق ار لكن في المقابل ال يكفي القول بأنه تم العمل بالحل المستنبط مرة كما أن تقطع العمل‬
‫بممارسة يقطع فكرة االستمرار بما ال يتكون معه عرف‪.‬‬

‫أما العمومية فهي نفس الخاصية المطلوبة في القاعدة التشريعية أي أن األمر ال يتعلق بحكم‬
‫خاص في نزاع خاص بل االعتبار في قابلية الحل ألن يشمل حاالت ال محدودة‪ .‬على أن‬
‫ذلك ال ينفي ‪-‬كما هو الشأن في القاعدة التشريعية – أن يتعلق العرف بميدان مهني معين‬
‫كأن يتعلق بالتجارة أو بالفالحة أو أن يكون متبعا في جهة من الجهات‪.‬‬

‫أما الركن المعنوي فهو المتمثل في االعتقاد بإلزامية العرف أي أن المجموعة تعتقد في‬
‫وجوب احترام العرف فتلتزم باحترامه التزاما تلقائيا‪ .‬ويرى بعض الفقهاء في هذا الخصوص أن‬
‫العرف ليس إال غلطا في القانون إذ من جراء االعتقاد في القوة الملزمة للعادة فإنها تصبح‬
‫تفوق‬
‫عرفا أي نوعا من القانون الخيالي الذي يحترمه الكافة ‪ .‬لكن هذه الرؤيا تخفي فكرة ّ‬
‫‪1‬‬

‫القاعدة التشريعية على القاعدة العرفية وتنكر الطابع التلقائي لألخيرة‪ .‬فاالعتقاد في القوة الملزمة‬
‫ينبع من االقتناع بصحته القاعدة العرفية وجدواها ال من االعتقاد خاطئ بإلزامية القانون‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬القوة اإللزامية للعرف‬

‫محتوى القوة اإللزامية (فقرة أولى تحقيق القوة اإللزامية‪ :‬النظام اإلجرائي (فقرة ثانية)‬

‫الروماي فقرة ‪.193‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪138‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬محتوى القوة اإللزامية للعرف‬

‫يميز الفقهاء بين العرف بتفويض من القانون (أ) والعرف مصد ار مستقال (ب) والعرف‬
‫المخالف للقانون (ج)‪.‬‬

‫أ‪-‬العرف بتفويض من القانون‬

‫يكون التفويض صريحا كما يكون ضمنيا‪ .‬والتفويض يكون صريحا عندما يحيل النص‬
‫القانوني بصريح العبارة على العرف‪ .‬واألمثلة على ذلك كثيرة ففي الفصل ‪ 243‬م ا ع يبين‬
‫المشرع كيفية تحديد االلتزامات التعاقدية فيكون ذلك بالرجوع إلى القانون أو العرف أو‬
‫اإلنصاف‪ .‬وهو نص يستعمل من بين قواعد تفسير العقود ليكون العرف طريقة يتم اللجوء إليها‬
‫لتحديد محتوى العقد‪ .‬وفي مجلة األحوال الشخصية يحيل المشرع على العرف في تحديد‬
‫واجبات الزوجين (الفصل ‪ 23‬م أ ش "ويقوم الزوجان بالواجبات الزوجية حسبما يقتضيه العرف‬
‫والعادة")‪ .‬وفي ما عدا مجلة االلتزامات والعقود ومجلة األحوال الشخصية تقع اإلحالة‬
‫الصريحة على العرف في مجلة الحقوق العينية ‪ 1‬وفي المجلة التجارية‪ ،‬والمثال على ذلك ما‬
‫يتعلق بأجرة السمسار في غياب االتفاق عليها فتضبط على مقتضى العرف (الفصل ‪ 620‬م‬
‫ت) وكذلك في مجلة التجارة البحرية‪.‬‬

‫ويكون التفويض ضمنيا‪ .‬والتفويض الضمني هو الناتج عن صمت المشرع الذي قد يفهم‬
‫منه أنه أوكل للعرف تنظيم الوضعية المعنية‪ .‬وفي فقه القضاء مثال على ذلك‪ .‬فقد اعتبرت‬
‫محكمة التعقيب أنه يمكن اعتماد العرف في تحديد ما إذا كانت الهدايا من قبيل المهر رغم أن‬
‫المشرع لم يحل عليه‪.2‬‬

‫راجع في كل ذلك ‪ ،‬شرف الدين ص ‪ 131‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 6924‬بتاريخ ‪ 14‬أفريل ‪ 1970‬ص ‪ ،69‬المجلة التونسية للقانون ص ‪ 149‬مع تعليق خديجة‬ ‫‪2‬‬

‫الجلولي بالفرنسية‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫ويقدم الفقهاء أمثلة على ذلك مأخوذة من مفاهيم الخطأ أو األخالق الحميدة أو النظام‬
‫لكن سبق أن رأينا أن هذه المفاهيم‬ ‫‪2‬‬
‫العام ‪ 1‬أو المدة المعقولة على معنى الفصل ‪ 269‬م ا ع‬
‫هي من المفاهيم القانونية المرنة أو ما يسمى بالمعايير القانونية (صفحة ‪ 24‬من هذا الدرس)‬
‫والتي ال تخضع لتعريف مسبق ويعتمدها القاضي لتقدير متوسط السلوك بحسب الزمن‬
‫واألوضاع االجتماعية فتعكس اجتهاد القضاء وتتحدد بموقفه أكثر من كونها أمثلة عن إحالة‬
‫ضمنية على العرف والعادة‪.‬‬

‫ب‪-‬العرف مصدر مستقل‬

‫خالفا لبعض المشرعين في بعض البلدان األخرى لم يعتبر المشرع في تونس العرف‬
‫مصد ار مستقال‪ .‬على سبيل المثال نص الفصل األول فقرة ‪ 2‬من المجلة المدنية الجزائرية على‬
‫أنه "إذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي على مقتضى مبادئ الشريعة اإلسالمية فإذا لم‬
‫يوجد فبمقتضى العرف‪".‬‬

‫ويبدو الفقه في حرج من الموضوع عندما يالحظ أن الفصل ‪ 535‬م ا ع ال يقر للعرف‬
‫بمكان في سد الفراغ التشريعي وعندما يالحظ أن إحالة الفصل نفسه على قواعد القانون‬
‫العمومية هو إحالة ضمنية على العرف نظ ار ألن القواعد الكلية (المجلة العثمانية) تحيل بدورها‬
‫على العرف‪ 3‬فيما يعتبر البعض اآلخر أنها ال تعني إحالة على "العرف الشعبي" (ما هو‬
‫معروف ومعمول به لدى الجميع‪ )4‬بل على "العرف ذي األصول المعرفية"‪ 5‬وهو مجموع‬
‫التقاليد القانونية والحكم والمبادئ العامة‪ . 6‬لكن وانطالقا من الفصل ‪ 543‬م ا ع الذي يقرر‬

‫الشرفي والمزغني ص ‪ ،424‬الملولي‪ ،‬فقرة ‪.355‬‬ ‫‪1‬‬

‫شرف الدين‪ ،‬فقرة ‪108‬‬ ‫‪2‬‬

‫الملولي ‪ ،‬ص ‪ 121‬هامش ‪.211‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشرفي والمزغني فقرة ‪661‬‬ ‫‪4‬‬

‫الشرفي والمزغني ص ‪.427‬‬ ‫‪5‬‬

‫الشرفي والمزغني فقرة ‪661‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪140‬‬
‫بأن العادة والعرف ال يخالفان النص الصريح يرى األستاذ صالح الدين الملولي أن المشرع ال‬
‫يقبل العرف المخالف ولكنه يقبل عرفا آخر بما يترتب عنه أنه يقبل العرف حتى في غياب‬
‫اإلحالة الصريحة أو الضمنية‪.1‬‬

‫والواقع في رأينا أن اإلقرار بدور للعرف كمصدر مستقل ال ينتظر فيه أن يقرره المشرع‬
‫بل أن ذلك يبقى رهين موقف القضاء منه‪.‬‬

‫في هذا اإلطار يشار إلى نوع من العرف ال يرتبط بتفويض من المشرع (ال صريح وال‬
‫ضمني) وهو ما يسمى بالعادات االتفاقية وهي العادات التي يقع اتباعها في صنف معين من‬
‫أصناف العقود والتي تتميز بعموميتها بوجه يمكن من القول بأن األطراف اتفقوا ضمنا على‬
‫اتباعها ويكون القاضي ملزما بالحكم على ضوئها حتى ولو لم ينص عليها األطراف في‬
‫اتفاقاتهم‪ .‬فهي بمثابة االتفاق الضمني وتكون ذات أفضلية في التطبيق على القواعد القانونية‬
‫المكملة‪ .‬والمثل على ذلك مأخوذ من قرار تعقيبي أقر حكام األصل لما حكموا بعدم سماع‬
‫الدعوى استنادا إلى العرف المعمول به في ضمان السيارات والمحدد بعدد من الكيلومت ارت‬
‫بعدما ثبت أن القيام كان خارج الضمان لتجاوز المسافة المقطوعة بالسيارة عدد الكلومت ارت‬
‫المعمول بها عرفا‪.2‬‬

‫ج‪-‬العرف المخالف للقانون‬

‫حددت مجلة االلتزامات والعقود الموقف من العرف المخالف للقانون بصرامة ثابتة من‬
‫خالل نصين‪ ،‬يتعلق األول بنسخ القوانين وهو الفصل ‪ 542‬م ا ع حيث أنه ال تنسخ القوانين‬
‫إال بقوانين بما تقصى معه إمكانية القول بأن العرف قد ينسخ القانون وهو ما سبق عرضه‬

‫الملولي ‪ ،‬فقرة ‪359‬‬ ‫‪1‬‬

‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 14684‬بتاريخ ‪ 8‬ماي ‪ ، 1986‬النشرية ج ‪ ،1‬ص ‪.305‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪141‬‬
‫في إطار استعراض نسخ القوانين بهجرها أي بترك العمل بها مدة طويلة‪ .‬ويترتب عن ذلك أنه‬
‫ال مكان للقول بأن عرفا مخالفا قد يعوض القاعدة المهجورة‪.‬‬

‫أما النص الثاني فهو الفصل ‪ 543‬م ا ع الذي كان واضحا في القول بأن "العادة والعرف‬
‫ال يخالفان النص الصريح" وهو ما ال يبقى معه مجال لقبول العرف المخالف للقانون‪ .‬غير‬
‫أن الواقع يفرز ممارسات تتميز بالعموم مع االعتقاد بعدم القدرة على مخالفتها من ذلك أن‬
‫الفصل ‪ 411‬من المجلة التجارية يعاقب كل من أصدر شيكا وكل من قبل شيكا ليس له رصيد‬
‫سابق‪ .‬ومع ذلك يعمد األشخاص إلى إصدار صكوك غير قابلة للدفع بمجرد االطالع (تحمل‬
‫تواريخ الحقة) بطلب من التجار في إطار البيع مع تأجيل الوفاء‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تحقيق القوة اإللزامية للعرف‪ :‬النظام اإلجرائي‬

‫يقرر الفصل ‪ 544‬م ا ع النظام اإلجرائي للعرف الذي ال يكون فاعال إال إذا تم إثباته‬
‫(أ) وإذا كان عاما أو غالبا (ب) وغير مناف للنظام العام واألخالق الحميدة (ج)‪.‬‬

‫أ‪-‬إثبات العرف‬

‫"من استند على عرف كان عليه إثباته"‪ .‬هذا ما يقرره الفصل ‪ 544‬م ا ع‪ .‬ونتيجة ذلك أن‬

‫عبء إثبات العرف يكون على من تمسك به‪ .‬وبهذا المقتضى فإن العرف ّ‬
‫ينزل منزلة الوقائع‬
‫في اإلثبات والتي يمكن إثباتها بكل الوسائل‪ .‬وترى محكمة التعقيب في هذا االتجاه أنه "ال‬
‫توجد مؤسسة عامة او خاصة مهيأة لتسليم شهادة عرف فالعرف يثبت بجميع وسائل االثبات‬
‫التى يجيزها القانون كشهادة الشهود وفقه القضاء وشهادة النقابات المهنية" (تعقيب مدني عدد‬
‫‪ 21494‬بتاريخ ‪ 9‬فيفري ‪ ، 2003‬النشرية ‪.1)30 ، 2 ،‬‬

‫في نفس االتجاه ‪ ،‬تعقيبي مدني عدد ‪ 10774‬بتاريخ ‪ 2002/1/22‬ن ‪275‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪142‬‬
‫لكن السؤال هو هل أن الفصل ‪ 544‬م ا ع يمنع على القاضي تطبيق العرف دون توقف‬
‫على إثبات من أحد األطراف؟ نرى أنه إذا كان العرف مصد ار للقانون‪ ،‬أي أن القاعدة العرفية‬
‫هي قاعدة قانونية وإذا اعتمدنا القول بأن القاضي يعلم القانون تكون نتيجة ذلك أن القاضي‬
‫بحكم علمه بالقانون يطبق القاعدة العرفية إذا توفرت له وسائل العلم بها ودون توقف على‬
‫إثباتها ممن تمسك بها‪ .‬ولكن بالتزامن وبالنظر إلى صعوبة اإلثبات فإن من تمسك بالعرف‬
‫يكون مطالبا بإثباته‪ .‬فاألصل أن القاضي يطبق العرف إذا كان قاد ار على العلم به وفي خالف‬
‫ذلك يكون على المتمسك به إثباته‪.‬‬

‫ب‪-‬العمومية‬

‫يضيف الفصل ‪ 544‬م ا ع أنه ال يحتج بالعرف إال إذا كان عاما أو غالبا‪ .‬فالقاعدة‬
‫العرفية ال تعتبر كذلك إال إذا كانت عامة‪ .‬أما شرط أن يكون العرف غالبا فيقصد به أنه قد‬
‫ال يكون عرفا مقر ار على كامل البالد أو على كامل األنشطة بل قد ال يهم إال جهة من الجهات‬
‫أو نشاطا معينا فهو ليس عاما ولكنه غالب في جهة أو في نشاط كالتجارة أو الفالحة أو في‬
‫صنف منهما‪ .‬ويكون هذان الشرطان موضوع إثبات وهو إثبات ال ينفصل عن إثبات العرف‬
‫في حد ذا ته بمعنى أن إثبات العرف يستوجب في نفس الوقت إثبات عموميته أو غلبته‪.‬‬

‫ج‪ -‬عدم مخالفة النظام العام واألخالق الحميدة‬

‫أخي ار يقرر الفصل ‪ 544‬م ا ع أنه ال يحتج بالعرف إلا إذا كان غير مناف للنظام‬
‫العام واألخالق الحميدة‪ .‬لذلك فإن الممارسات المتعلقة بالعامل بالصكوك دون رصيد (ما‬
‫يسمى بالصكوك على وجه الضمان) ال يمكن االحتجاج بها لمخالفتها لصريح نص الفصل‬
‫‪ 371‬من المجلة التجارية الذي قرر أن الشيك واجب األداء لدى االطالع واعتبر كل شرط‬
‫مخالف لذلك الغيا‪ .‬فالقاعدة المقررة تتعلق بالنظام العام بما ال يجوز معه مخالفتها وبما يمنع‬
‫معه االحتجاج بعرف مخالف‪ .‬لكن ذلك لم يمنع محكمة التعقيب من التأكيد أنه ""حيث أتضح‬
‫(من الفصل ‪ 371‬من المجلة التجارية) ّأنه اعتبر أداء الشيك واجبا دون أن يحجر استعماله‬
‫‪143‬‬
‫لكن ذلك القرار يبقى منعزال وال يعبر عن توجه مستقر لفقه‬ ‫‪1‬‬
‫في أية معاملة كالضمان مثال"‪.‬‬
‫القضاء‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬الفقه‬

‫قد يبدو من الغريب على األقل ظاه ار أن يدرس الفقه في إطار مصادر القانون خاصة‬
‫إذا تعلق األمر بنظام قانوني قائم على التشريع المكتوب‪ .‬لكن لرفع اللبس ال بد من اإلشارة‬
‫إلى أن مفهوم المصدر هنا ال يعني المصدر الشكلي المقصود به إنشاء قاعدة قانونية قابلة‬
‫للتطبيق مباشرة على نزاع بل أن المقصود به القدرة على تمكين المشرع وفقه القضاء من‬
‫التوصل إلى الحلول الممكنة عند استشكال الصعوبات المترتبة عن تطورات الواقع وهو ما‬
‫سيظهر من خالل مفهوم الفقه (مبحث أول) ووظائفه (مبحث ثان) ‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم الفقه‬

‫الفقه‪ ،‬لغويا هو "العلم بالشيء والفهم له" و"فقه فقها علم علما"‪ 2‬وفي تراثنا تطور الفقه‬
‫علما قائم الذات موضوعه كما أسلفنا استنباط األحكام أو القواعد من مصادر الشريعة بما كان‬
‫يستوجب إلماما أي علما ينتج عنه حلول عملية إلى جانب ما كان الفقهاء يتولونه من تدريس‪.‬‬
‫فكان دور الفقيه جامعا بين "التشريع" والتدريس والقضاء والفتوى‪ .‬لقد كان ذلك الدور أساسيا‬
‫في نظام ال يقوم على التشريع المكتوب أما في نظام قانوني قائم على ذلك الصنف من‬
‫التشاريع نتحدث عن "الفقه" أو "فقه القانون" أو "فقه الشراح"‪ .‬وليس المقصود بالفقه ما تحمله‬
‫العبارة من معنى مرتبط بالتراث اإلسالمي بل بالمعنى الذي يقتضي التفكير انطالقا من القانون‬
‫الوضعي وهو ما تعبر عنه بصورة أوضح تسمية "فقه القانون" بينما لفقه الشراح معنى يقلص‬
‫من أهمية دور الفقه القتصاره على الشرح دون اإلبداع والتطوير‪.‬‬

‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 27447‬بتاريخ ‪ ، 1990/9/4‬النشرية ‪ ،‬ص ‪123‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب حرف الفاء‬ ‫‪2‬‬

‫‪144‬‬
‫وال بد لتعريف الفقه من ضبط معايير التعريف‪ .1‬والمالحظ أن الحديث عن الفقه‬
‫يجمع بين المنتج والمنتوج فالمنتج هو الحقوقي (رجل القانون) فالفقه هو ما يصدر عن‬
‫الحقوقيين (فقرة أولى) والمنتوج هو مجمل اآلراء المنشورة (فقرة ثانية) التي تكون ذات اعتبار‬
‫(فقرة ثالثة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الفقه هو ما يصدر عن الحقوقيين من آراء‬

‫ليس الفقه (من حيث المنتجين) هيكال محدد الهوية فهو مجموعة غير متناسقة من‬
‫المتداخلين الذين يجمع بينهم تكوينهم القانوني‪ .‬وبما أن الفقه ينسب إلى الفقهاء وتبعا إلى أن‬
‫الفقه يعني العلم والتعليم فإن هناك من يرى أن الفقه‪ ،‬فقه القانون‪ ،‬هو ما يصدر من آراء عن‬
‫أساتذة القانون من الجامعيين المنتمين إلى صنف أساتذة التعليم العالي (األساتذة واألساتذة‬
‫المحاضرون) والسبب في إفراد الجامعيين بهذا التعريف ما يمرون به من موجبات ارتقائهم‬
‫وهي أطروحة الدكتوراه ولكن أساسا ما يعرف بدرس التبريز‪.‬‬

‫واآلراء المقصودة هي تلك التي تظهر من المنشورات العلمية أي الدروس والمحاضرات‬


‫والمقاالت والتعاليق‪ .‬لكن هناك من يرى أن هذه النظرة ضيقة ال تأخذ باالعتبار ما يساهم به‬
‫غير األساتذة من الجامعيين وال من المتخصصين في القانون من محامين وقضاة‬
‫والمتخصصين في ميادين العمل القانوني من مؤسسات عامة أو خاصة في إطار ما ينجزونه‬
‫من بحوث أو محاضرات أو كتابات مختلفة‪ .‬وبقطع النظر عن االختالف في الموقفين فإنه‬
‫من غير الواقعي محاولة إفراد صنف من المفكرين بوصف الفقه ألن االنتماء إلى مجموعة‬
‫وبالخصوص عندما ال يكون لها أي طابع رسمي ال يكون كافيا بمفرده إلسناد صفة الفقيه‬
‫للشخص وال لعمله أو انتاجه العتباره فقها‪.‬‬

‫‪ 1‬مقالتي باللغة الفرنسية ‪La doctrine tunisienne de droit privé de l'aube du XXe siècle à la veille du XXIe si ècle, in .‬‬
‫‪L'apport du XXe siècle au droit privé tunisien, Faculté de droit et des sciences politiques de Tunis, Collection‬‬
‫‪Forum des juristes n° 8, Tunis 2000, p 67 et s.‬‬

‫‪145‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الفقه هو آراء القانونيين المنشورة‬

‫ال يكفي أن تكون هناك آراء بل ال بد أن يبلغ الرأي إلى علم العموم وهذ العلم يتحقق‬
‫بالنشر‪ .‬فاآلراء الفقهية هي المعبر عنها في مختلف األصناف األدبية القانونية وفيها ما يسمى‬
‫بالتقليدي ومنها غير التقليدي‪ .‬فاألصناف التقليدية هي األطروحات والدروس والمؤلفات العامة‬
‫(المراجع العامة أي التي تهتم بمادة من المواد على وجه العموم‪ ،‬كالقانون التجاري أو الجزائي)‬
‫والخاصة (المراجع التي تهتم بموضوع محدد من المواضيع في مادة معينة كالبحث حول عقد‬
‫من العقود أو التزام معين في عقد من العقود) والتعاليق والملحوظات المتعلقة بفقه القضاء‪.‬‬
‫أما الصنف غير التقليدي فهو ما يكون مثال ملخصات تجارب فردية لمختص في القانون حول‬
‫نشاطه أو مجموعات الق اررات الصادرة برئاسة قاض مثال‪.‬‬

‫ويتحقق النشر بعدة وسائل منها المجالت القانونية المتخصصة (المجلة التونسية للقانون‬
‫مجلة أحداث قانونية ‪ )...‬وهي عموما مح ّكمة أي أن النشر فيها يكون طبق معايير علمية‬
‫مضبوطة تسهر على مراعاتها لجان مؤهلة ولكنها قليلة وغير مستقرة من حيث مرحلية نشرها‬
‫وظهورها وقد يتولى البعض النشر في الصحف اليومية أو في مجالت خاصة أسبوعية أو‬
‫شهرية يكون فيها النشر ح ار أي دون الخضوع إلى تقييم علمي مسبق‪ .‬لذلك فال يعتبر من بين‬
‫الفقه كل ذي رأي في القانون ولو كان منشو ار إذ ال بد إلى جانب ذلك أن يكون الرأي الفقهي‬
‫المنشور رأيا معتبرا‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬الفقه هو اآلراء الفقهية المنشورة ذات االعتبار‬

‫ال يعتبر من الفقه إال الرأي العلمي المنشور الصادر عن مختص في القانون وال بد أن‬
‫يكون مؤث ار‪ ،‬أي الرأي الذي يكون له اعتبار في جمهور الحقوقيين أو ما نسميه بالسلطة‬

‫‪146‬‬
‫الفكرية أو األدبية‪ 1‬أو السلطان الفكري‪ 2‬أو السلطان المعنوي‪ .3‬والرأي العلمي القانوني هو‬
‫الناتج عن الفكرة أو التقييم نقدا أو شرحا أو المقترح الصادر عن الفقيه باالعتماد على المناهج‬
‫العقلية والمنطقية والمنهجية المتبعة في الميدان القانوني‪( .‬اعتماد قواعد التفسير ‪ ،‬البحث‬
‫في مصادر القانون ‪ ،‬البحث في التطبيقات القضائية بعد تجميعها وتحليلها ونقدها ‪ ،‬اعتماد‬
‫القانون المقارن تشريعا وفقها وقضاء ‪ )...‬فال يعتبر من اآلراء مجرد ما ينشر من مؤلفات‬
‫تكتفي بسرد تطبيقات قضائية أو مجموعة نصوص أو بطريقة تكديس المعلومات دون اتباع‬
‫منهج تأليفي أو نقدي ‪.‬لذلك فقيمة الفقه تكمن فيما يحدثه من تأثير أي أن يكون له طابع‬
‫المرجع الذي ال مهرب منه أي أن االطالع واالعتماد عليه يصبحان ضروريين وإال فإن تكوين‬
‫المختص أو عمله الذي ال يعتمده يكون مختال‪ .‬والعبرة في ذلك تكمن في جودة المنهج‬
‫ورجاحة اآلراء ووضوح التحليل ومن أجل ذلك وبسببه يعتبر الفقه علما تماما كما أن فقه‬
‫القضاء علم ‪. 4‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬وظائف الفقه‬

‫تحقيق تناسق المنظومة القانوني (فقرة األولى) تطوير المنظومة القانونية (فقرة ثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تحقيق تناسق المنظومة القانونية‬

‫الشرح والتأصيل (أ) حسم التناقضات (ب)‬

‫أ‪-‬الشرح والتأصيل‬

‫شرف الدين ‪ ،‬فقرة ‪145‬‬ ‫‪1‬‬

‫مقالتي ‪ ،‬سابقة الذكر ص ‪90‬‬ ‫‪2‬‬

‫أحمد بن طالب‪ ،‬فقه القانون المدني اليوم ضمن مؤلف مسائل في فقه القانون المدني المعاصر ‪ ،‬مجمع األطرش‪ ،‬تونس‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 2014‬ص ‪ 11‬وما بعدها وخصوصا ‪ ،‬ص ‪12‬‬


‫مقالتي ص ‪ 92‬وما بعدها‬ ‫‪4‬‬

‫‪147‬‬
‫سبق وأن بينا أن المنظومة القانونية ال تقتصر على مجوعة قواعد قانونية وأنها مجموعة‬
‫اعتبارية مهيكلة تقوم على مبادئ مؤسسة‪ -‬وتسمى أيضا المبادئ التأصلية‪ -1‬وفكر توجيهي‬
‫عام ومفاهيم أساسية تستوجب جملة من الهياكل أو المؤسسات والتقنيات الرامية إلى تحقيق‬
‫األهداف التي وضعت من أجلها وفي نفس الوقت تكون الضامنة للتطوير الذاتي بهدف تحقيق‬
‫الجدوى منها واستمرارها‪ . 2‬من خالل ما تقدم تبدو فكرة الفكر التوجيهي العام محو ار أساسيا‬
‫لفهم وصيرورة المنظومة القانونية ويعود الكشف عنه باألساس إلى الفقه‪.‬‬

‫فالفقه مطالب بتأصيل مكونات المنظومة أي ربطها بأصولها التي استمدت منها والبحث‬
‫في مصادرها التاريخية والتصورات النظرية التي بررت اعتمادها كاندراجها في أنظمة القوانين‬
‫المكتوبة ونتائج ذلك على مصادر القانون والبحث في إمكانيات تطويرها (القول باندثار دور‬
‫العرف أو تطوره والحاجة إليه أو الدور المنوط إلى فقه القضاء وسبل تطويره‪ . )...‬كما يعود‬
‫للفقه السعي إلى إبراز المؤسسات القانونية وبيان ما كان منها مالئما لحاجيات المجتمع‬
‫وضرورات اإلبقاء عليها وتطويرها أو تعويضها (كالبحث مثال في تطوير مؤسسة الصحة‬
‫العامة) والمساهمة في الكشف عن المبادئ القانونية العامة على غرار ما تم اقتراحه من اعتبار‬
‫منع التعسف في استعمال الحق مبدأ قانونيا عاما‪.‬‬

‫كما يندرج في دور الفقه تطوير المفاهيم القانونية من حيث محتوياتها ومن حيث‬
‫مصطلحاتها لجعلها متناسقة مع اللغة العربية ومع باقي المصطلحات فال يعقل أن يكون‬
‫المفهوم القانوني الواحد معب ار عنه بمصطلحات مختلفة توحي بالفرق بينها ‪ ،‬والمثال على ذلك‬
‫مفهوم األصل التجاري الذي يستعمله المشرع في المجلة التجارية (الفصول ‪ 189‬وما بعده )‬
‫ولكنه في نصوص أخرى يعبر عنه بمفهوم "الملك التجاري" (القانون عدد ‪ 37‬لسنة ‪1977‬‬
‫المؤرخ في ‪ 25‬ماي ‪ 1977‬المتعلق بتنظيم العالقات بين المسوغين والمتسوغين فيما يخص‬

‫محمد كمال شرف الدين ‪" ،‬قراءة في المبادئ التأصيلية للقانون المدني" ضمن مؤلف مسائل في فقه القانون المدني‬ ‫‪1‬‬

‫المعاصر ‪ ،‬مجمع األطرش ‪ ،‬تونس ‪ ، 2014‬ص ‪ 48‬وما بعدها‪.‬‬


‫الصفحة ‪ 21‬من هذا الدرس‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪148‬‬
‫تجديد كراء العقارات أو المحالت ذات االستعمال التجاري أو الصناعي أو المستعملة في‬
‫الحرف"‪.‬‬

‫ب‪-‬حسم التناقضات‬

‫من األدوار الضرورية للفقه في تحقيق تناسق المنظومة القانونية متابعة العمل التشريعي‬
‫وتطوراته إذ من المعلوم أن اإلنتاج التشريعي ال يتوقف فمن جهة أولى يالحظ وجود تشريعات‬
‫قديمة وأخرى أكثر جدة تتابع في الزمن وتغطي نفس الميادين‪ .‬كما توجد تشريعات متزامنة‬
‫تستعمل نفس المفاهيم مع اختالفات طفيفة‪ .‬ويكون دور الفقيه التحقق من العالقة بين تلك‬
‫النصوص للقول ما إذا كانت النصوص الجديدة قد نسخت النصوص القديمة أم أنها مختلفة‬
‫عنها من حيث أنها ليست في نفس طبيعتها (عامة أو خاصة) أو أن النسخ الضمني كان‬
‫جزئيا أو كليا‪ .‬أو أن استعمال نفس المفاهيم فغي نصوص مختلفة يفيد االختالف أو يفيد وحدة‬
‫المعنى‪ .1‬كما يعود للفقيه حسم ما يسمى بالتناقضات الظاهرة كالقول مثال باالختالف في‬
‫أحكام المواريث بين ما تقرر بمجلة االلتزامات والعقود ومجلة األجوال الشخصية والمثال على‬
‫ذلك ما يبدو من اختالف بين أحكام الفصل ‪ 241‬م ا ع وأحكام المواريث بمجلة األحوال‬
‫الشخصية‪ .‬فأحكام الفصل ‪ 241‬م ا ع ال عالقة لها باستحقاق الميراث بل تحدد مدى التزام‬
‫الورثة بديون مورثهم‪.2‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تطوير المنظومة القانونية‬

‫الدور التوجيهي (أ) الدور اإلنشائي (‪)2‬‬

‫مثال ذلك مفهوم المستفيد الحقيقي في قانون السجل الوطني للمؤسسات قانــون عدد ‪ 52‬لسنة ‪ 2018‬مؤرخ في ‪29‬‬ ‫‪1‬‬

‫أكتوبر ‪ 2018‬يتعلق بالسجل الوطني للمؤسسات والمفهوم نفسه في القانون االساسي عدد ‪ 9‬لن ‪ 2019‬المؤرخ في ‪29‬‬
‫جانفي ‪ 2019‬المتعلق بتنقيح القانون األساسي عدد‪ 26‬المؤرخ في ‪ 7‬أوت ‪ 2015‬المتعلق بمكافحة اإلرهاب ومنع غسل‬
‫األموال‪.‬‬

‫أحمد بن طالب ‪ ،‬مقال سابق ‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪149‬‬
‫أ‪-‬الدور التوجيهي‬

‫يؤدي الفقه دو ار توجيهيا ويمارسه فيما يقدمه أساتذة القانون في إطار عملهم العادي في‬
‫البحث والتدريس والتأطير من خالل معاينة نقائص المنظومة القانونية وتوجيه الباحثين إلى‬
‫االهتمام بها‪ .‬كما أن الفقه يؤدي دور التوجيه تجاه المشرع بما يتواله من عرض وتقييم القوانين‬
‫الجديدة واقتراح الحلول في إطار نقاش مشاريع القوانين‪ .‬ومع أن العديد من الجامعيين‬
‫والحقوقيين عموما يشاركون في اللجان الو ازرية المعنية بسن القوانين أو تنقيحها فال يعد ذلك‬
‫من صميم الدور التوجيهي للفقه فهم ال يكونون في تلك اللجان بصفتهم فقهاء قانون وإنما‬
‫كأعضاء مختصين في لجان و ازرية يعدون أعمالهم لفائدة الجهة التي عينتهم وال يكون عملهم‬
‫موصوفا بأنه من الفقه‪ .‬كذلك يبرز الدور التوجيهي للفقه في عالقة بفقه القضاء من خالل‬
‫التعاليق والمالحظات ومن خالل من يبرز من مختلف األعمال الفقهية التي ال تستقيم إال إذا‬
‫انطلقت من فقه القضاء‪ .‬وقد قام الفقه بهذا الدور من خالل األمثلة المتعددة في ميدان‬
‫المسؤولية التقصيرية وكذلك في إطار المسائل الكبرى التي تناولها وهي أساسا المتعلقة بالنسب‬
‫وبتغيير الجنس والتوارث بين أصحاب ديانات مختلفة‪.‬‬

‫ب‪-‬الدور اإلنشائي‬

‫يتمثل الدور اإلنشائي في المقترحات الفقهية التي تنطلق من معاينة الواقع ومقترحات‬
‫تغيير المنظومة القانونية بما تراه أكثر مالءمة لحاجات المجتمع أو لخدمة المنظومة القانونية‪.‬‬
‫وهو ما يمكن مالحظته مثال عندما يقترح تنظيم اإلجراءات تنظيما يشمل مختلف الميادين‬
‫المدنية والجزائية والجبائية أو تجميع مجالت القانون المدني في مجلة واحدة أو إعادة تصور‬
‫التنظيم القضائي‪ .‬فيقوم الفقه بما نسميه الدور االستشرافي أو االستباقي وهي محاوالت فردية‬
‫أو جماعية‪ 1‬قد تلقى صدى لدى المشرع ولكن يمكن أن تبقى مجرد مقترحات‪.‬‬

‫مثال ذلك األعمال الصادرة عن مخبر القانون المدني على سبيل الذكر وفيما يخص الفقه ‪ ،‬مسائل في فقه القانون‬ ‫‪1‬‬

‫المدني ‪ ،‬مؤلف سابق الذكر والمقاالت المنشورة به‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫فهرس عام‬
‫(األرقام تشير إلى الصفحات)‬

‫قائمة المختصرات ‪2..............................................................‬‬

‫أهم المراجع المشار إليها في هذا الدرس‪3.........................................‬‬

‫مقدمة عامة ‪4...................................................................‬‬

‫الجزء األول‪ :‬مفهوم القانون‪11....................................................‬‬

‫الباب األول‪ :‬القاعدة القانونية‪11..................................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬الخصائص المميزة للقاعدة القانونية ‪11.............................‬‬

‫عامة‪11....................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬القاعدة القانونية قاعدة ّ‬
‫المبحث الثاني‪-‬القاعدة القانونية قاعدة مجردة‪13 ..................................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬القاعدة القانونية مستمرة ‪15.......................................‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬القاعدة القانونية ملزمة ‪15..........................................‬‬

‫الفقرة األولى ‪-‬صيغ اإللزام ‪15....................................................‬‬

‫أ‪-‬الوجوب ‪16..................................................................‬‬

‫ب‪ -‬النهي ‪16...................................................................‬‬

‫ج‪-‬اإلباحة ‪16..................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪-‬درجات اإللزام ‪17..................................................‬‬

‫‪151‬‬
‫أ‪-‬القواعد اآلمرة‪17..............................................................‬‬

‫المكملة ‪18..........................................................‬‬
‫ّ‬ ‫ب‪-‬القواعد‬

‫الفقرة الثالثة الثالث‪-‬تحقيق اإللزام ‪18.............................................‬‬

‫أ‪ -‬الجزاء ‪18...................................................................‬‬

‫ب‪ -‬ضمان الجزاء بتدخل الدولة ‪19.............................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬هيكلة القاعدة القانونية ‪20........................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬عناصر القاعدة القانونية ‪20.....................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬دعامة القاعدة القانونية‪21.......................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬القاعدة في النص القانوني ‪21.....................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪-‬القاعدة خارج النص القانوني (التشريعي) ‪22........................‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬المنظومة القانونية ‪23.............................................‬‬

‫مقومات المنظومة القانونية‪23.....................................‬‬


‫الفصل األول‪ّ :‬‬
‫المبحث األول‪ :‬المقومات األصلية ‪24...........................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المفاهيم واألصناف‪24 .............................................‬‬

‫‪24‬‬ ‫أ‪-‬المفاهيم القانونية ‪....................................................‬‬

‫ب‪ -‬األصناف القانونية ‪27..............................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المبادئ القانونية ‪29 ..............................................‬‬

‫أ‪-‬مفهوم المبادئ القانونية‪29....................................................‬‬

‫‪152‬‬
‫ب‪-‬وظائف المبادئ القانونية‪30 ...............................................‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬المؤسسات القانونية ‪32...........................................‬‬

‫أ‪-‬تعريف المؤسسة القانونية ‪32.................................................‬‬

‫ب‪-‬وظائف المؤسسة ‪32......................................................‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬الفروع واالختصاصات ‪35........................................‬‬

‫أ‪-‬القانون الخاص والقانون العام‪35 ...........................................‬‬

‫ب‪-‬فروع القانون الخاص ‪37 ...................................................‬‬

‫‪-1‬مواد القانون الخاص‪37......................................................‬‬

‫‪-2‬مركز القانون المدني من القانون الخاص ومختلف مواده ‪40...................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المقومات الهيكلية‪ :‬المؤسسات القضائية (التنظيم القضائي)‪41.....‬‬

‫المبحث الفرعي األول‪ :‬المبادئ العامة للتنظيم القضائي‪41........................‬‬

‫الفقرة األولى‪-‬المبادئ المنظمة لالختصاص ‪41...............................‬‬

‫أ‪-‬االختصاص ‪41...........................................................‬‬

‫‪-1‬االختصاص الحكمي واالختصاص الترابي‪42..............................‬‬

‫‪ -2‬القضاء الفردي والقضاء المجلسي‪43.....................................‬‬

‫‪ -3‬االختصاص المدني واالختصاص الجزائي ‪44............................‬‬

‫‪-4‬النزاعات اإلدارية والنزاعات العدلية ‪44....................................‬‬

‫‪-5‬القضاء الدستوري‪44................................................‬‬

‫‪153‬‬
‫‪45............................................‬‬ ‫ب‪-‬التراتبية وطرق الطعن‬

‫الفقرة الثانية‪-‬المبادئ المتعلقة بالضمانات ‪46................................‬‬

‫المبحث الفرعي الثاني‪ :‬تنظيم القضاء العدلي‪46...................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اإلطار القضائي‪46.................................................‬‬

‫أ‪-‬اإلطار المكون لهيئة المحكمة ‪46..............................................‬‬

‫‪-1‬القضاة ‪46........................................................‬‬
‫‪-2‬كتبة المحاكم ‪48.................................................‬‬

‫ب‪ -‬المحامون ومساعدو القضاء ‪49 ...........................................‬‬

‫‪-1‬المحامون ‪49........................................................‬‬

‫‪ -2‬مساعدو القضاء ‪49 .................................................‬‬

‫أ‪-‬العدول المنفذون ‪50 ......................................................‬‬

‫ب‪ -‬الخبراء‪50.................................................................‬‬

‫ج‪-‬المترجمون المحلفون‪51.....................................................‬‬

‫د‪-‬عدول اإلشهاد ‪51..........................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪-‬أصناف المحاكم ‪51..............................................‬‬

‫‪ -I‬محاكم األصل ‪51......................................................‬‬

‫أ‪-‬التنظيم ‪52.............................................................‬‬

‫‪-1‬محاكم الدرجة األولى ‪52...................................................‬‬

‫‪154‬‬
‫‪-1-1‬محكمة االختصاص العام‪ :‬المحكمة االبتدائية ‪52.......................‬‬

‫‪-2-1‬محاكم االختصاص الخاص ‪53........................................‬‬

‫‪ -1-2-1‬محاكم النواحي ‪53................................................‬‬

‫‪-2-2-1‬الدوائر المتخصصة لدى المحاكم االبتدائية‪54 ...............‬‬


‫‪-1-2-2-1‬الدوائر التجارية ‪54......................................‬‬
‫‪ -2-2-2-1‬دوائر الشغل ‪55........................................‬‬

‫‪ -3-2-1‬المحكمة العقارية‪55..............................................‬‬

‫‪ -2‬محاكم الدرجة الثانية‪ ،‬المحاكم االستئنافية‪56......................‬‬


‫‪-1-2‬المحاكم االستئنافية العادية ‪57.................................‬‬
‫‪- 2-2‬المحاكم االستئنافية بوجه خاص‪58...........................‬‬

‫ب ‪ :‬التقنيات القضائية ‪58..................................................‬‬

‫‪-1‬التعهد بالوقائع‪58.............................................. ........:‬‬

‫‪-2‬تحقيق الوقائع وتقديرها‪59...............................................‬‬

‫‪-2‬تكييف الوقائع‪59.......................................................‬‬

‫‪-3‬استنتاج النتائج القانونية‪60.............................................‬‬

‫‪-4‬الحكم ‪60............................................ ...............‬‬

‫ج‪-‬نتاج العمل القضائي ‪60.............................................‬‬

‫‪ -II‬محكمة التعقيب‪61...............................................‬‬

‫أ‪-‬اختصاص محكمة التعقيب‪61......................................‬‬

‫‪155‬‬
‫ب‪-‬تنظيم محكمة التعقيب وسلطاتها ‪62..............................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬تطور المنظومة القانونية‪64...........................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬التطور الزمني ‪64..................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪-‬المرحلة السابقة لالحتالل الفرنسي‪65...................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪-‬مرحلة االحتالل الفرنسي (‪66..........................)1956-1881‬‬

‫الفقرة الثالثة‪-‬االستقالل ‪67.........................................................‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬التطور النوعي ‪68..................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪-‬توحيد القضاء‪68......................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪-‬استرجاع السيادة على التشريع ‪68.....................................‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬مصادر القانون‪70.....................................................‬‬

‫الباب األول‪ :‬المصدر األصلي‪ :‬التشريع ‪73.........................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬تراتبية النصوص القانونية ‪73..........................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الدستور ‪74.........................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المعاهدات واالتفاقيات الدولية‪75....................................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬القوانين والمراسيم ‪76...............................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬القوانين ‪76...........................................................‬‬

‫أ‪-‬أصناف القوانين ‪76..............................................................‬‬

‫ب‪ -‬ميدان القانون ‪77..............................................................‬‬

‫‪-1‬ميادين القوانين العادية والقوانين األساسية ‪77.....................................‬‬

‫‪156‬‬
‫‪-2‬ميدان القانون وميدان النصوص الترتيبية ‪80......................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المراسيم ‪80...........................................................‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬النصوص الترتيبية ‪81................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬نشأة النص القانوني ‪84...............................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬موجهات الصياغة القانونية‪84.........................................‬‬

‫الفقرة االولى‪-‬السياسة التشريعية‪84...................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪-‬التقنية التشريعية‪86.....................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مراحل التكوين ‪89...................................................‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬نفاذ النص التشريعي‪92...............................................‬‬

‫المبحث األول ـ انطالق دخول النص حيز النفاذ‪92...................................‬‬

‫الفقرة األولى‪-‬وسيلة إشهار النص القانوني‪92.........................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪-‬تاريخ نفاذ النص القانوني ‪94...........................................‬‬

‫أ‪-‬الحل المبدئي ‪94..............................................................‬‬

‫ب‪-‬الحلول االستثنائية ‪95.........................................................‬‬

‫‪ – 1‬اإلذن الصريح بالتنفيذ حاال‪95............................................‬‬

‫‪ -2‬اإلذن الصريح بتأجيل النفاذ ‪95...........................................‬‬

‫‪-3‬التنصيص على نفاذ القانون بأثر رجعي‪96.................................‬‬

‫‪-4‬إصالح الخطأ ‪96........................................................‬‬

‫‪157‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ -‬آثار نفاذ النص‪ :‬قرينة العلم بالقانون‪97...............................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬إلغاء النص (النسخ) ‪99.............................................‬‬

‫الفقرة األولى‪-‬سلطة النسخ ‪99......................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪-‬أشكال انسخ ‪99.......................................................‬‬

‫النسخ‬ ‫ب‪-‬‬
‫الصريح ‪100..........................................................‬‬

‫ب‪-‬النسخ الضمني‪100.........................................................‬‬

‫‪-1‬النسخ الضمني بالمنافاة (أو بالتعارض)‪100 ....................................‬‬

‫‪-2‬النسخ الضمني باالستيعاب ‪101................................................‬‬

‫الفقرة الثالثة‪-‬النسخ بالنسيان (إشكالية القوانين المهجورة) ‪101.......................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬تنازع القوانين في الزمان‪102.......................................‬‬

‫الفقرة األولى‪-‬األحكام االنتقالية‪103................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ -‬مبدأ عدم رجعية القوانين ‪105........................................‬‬

‫أ‪-‬عدم الرجعية في المادة الجزائية‪105..........................................‬‬

‫ب‪-‬عدم الرجعية في المادة المدنية ‪106...........................................‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ -‬مبدأ األثر المباشر للقانون الجديد ‪106...............................‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬تأويل النص القانوني ‪108...........................................‬‬

‫‪109.........................................‬‬ ‫المبحث األول أهداف التفسير‬

‫‪158‬‬
‫الفقرة األولى‪-‬استجالء الغموض ‪109.............................................‬‬

‫الفقرة الثانية ‪-‬سد الفراغ (سكوت النص)‪111....................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬كيفية التفسير ‪112.............................................‬‬

‫الشرح على المتون‪112....................................................‬‬


‫أ‪ّ -‬‬

‫‪-1‬األساس ‪112.................................................................‬‬

‫‪ -2‬المنهجية ‪113...............................................................‬‬

‫‪-3‬التقييم‪117....................................................................‬‬

‫ب‪-‬المناهج المنافسة ‪118.........................................................‬‬

‫الحر ‪118.......................................................‬‬
‫‪-1‬البحث العلمي ّ‬

‫‪-2‬المنهج التاريخي ‪119 ........................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬موجهات التفسير ‪120..........................................‬‬

‫أ‪-‬محتوى الموجهات ‪120...........................................................‬‬

‫‪-1‬قواعد التفسير ‪120..............................................................‬‬

‫‪-2‬القواعد العامة للقانون ‪121..................................................‬‬

‫‪-3‬التفسير بالرجوع إلى المصادر المادية ‪124......................................‬‬

‫لموجهات التفسير‪125............................................‬‬
‫ب‪-‬القوة اإللزامية ّ‬

‫الباب الثاني‪ :‬المصادر التكميلية ‪126..............................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬فقه القضاء‪126....................................................‬‬

‫‪159‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬تعريف فقه القضاء ‪126..........................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مصدر فقه القضاء ‪128..........................................‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬فقه قضاء محاكم األصل‪128......................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬فقه قضاء محكمة التعقيب‪130......................................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬القوة اإللزامية لفقه القضاء‪132...................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أساس القوة اإللزامية ‪132..........................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شرط القوة اإللزامية‪134............................................‬‬

‫أ‪-‬التعليل ‪135..................................................................‬‬

‫ب‪ -‬العلم ‪135................................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬العرف‪136.....................................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم العرف‪136..............................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التعريف‪136.....................................................‬‬

‫الفقرة الثانية ‪- :‬المقومات ‪138................................................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬القوة اإللزامية للعرف ‪138.....................................‬‬

‫الفقرة األولى‪-‬محتوى القوة اإللزامية للعرف‪139.................................‬‬

‫أ‪-‬العرف بتفويض من القانون ‪139....................................‬‬


‫ب‪-‬العرف مصدر مستقل‪140.........................................‬‬

‫ج‪-‬العرف المخالف للقانون ‪141..........................................‬‬

‫‪160‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تحقيق القوة اإللزامية للعرف‪ :‬النظام اإلجرائي ‪142...........‬‬

‫ا‪ -‬إثبات العرف ‪142....................................................‬‬

‫ب‪ -‬العمومية ‪143.......................................................‬‬

‫ج‪ -‬عدم مخالفة النظام العام واألخالق الحميدة ‪143..............................‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬الفقه ‪142..........................................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم الفقه ‪144.................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الفقه هو ما يصدر عن الحقوقيين من آراء ‪145.......................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الفقه هو آراء القانونيين المنشورة ‪146.................................‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬الفقه هو اآلراء الفقهية المنشورة ذات االعتبار ‪146....................‬‬

‫المبحث الثاني‪ : :‬وظائف الفقه ‪147...............................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تحقيق تناسق المنظومة القانونية‪147.................................‬‬

‫أ‪-‬الشرح والتأصيل ‪147...........................................................‬‬

‫ب‪-‬حسم التناقضات ‪149.........................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تطوير المنظومة القانونية ‪149.......................................‬‬

‫أ‪-‬الدور التوجيهي ‪150.............................................................‬‬

‫ب‪-‬الدور اإلنشائي ‪150.............................................. .............‬‬

‫فهرس‪151........................................................................‬‬

‫‪161‬‬

You might also like