Professional Documents
Culture Documents
ثقتي في السيد المسيح
ثقتي في السيد المسيح
ثقتي في السيد المسيح
بقلم
جوش مكدويل
الفصل الَّر ابع
االفتراض العظيم
لو أن هّللا صار إنسانًا ،فكيف يجب أن يكون؟ -أو هل كان للمسيح صفات هّللا ؟
وقبل إجابة هذا السؤال يلزمنا اإلجابة على سؤال آخر ،هو :لماذا يصير هّللا إنسانًا؟ ولإلجابة نقدم مثًال عن
فالح يحرث حقله .فلنفترض أنك أنت ذلك الفالح وُتالحظ عش نمل في طريق المحراث ،ولنفترض أنك تحب
النمل ،فتفكر أن تسرع إليهم لتحذيرهم .وتصرخ محّذ رًا ،لكنهم يستمرون في عملهم ،فتستعمل لغة اإلشارة،
وكل وسيلة أخرى تعرفها ،ولكن النمل ال ينتبه .لماذا؟ ألنك عاجز عن االتصال بهم .فما هي أفضل طريقة لذلك؟
هي أن تصير نملة فيفهمون ما تقول.
ولما أراد هّللا أن يتصل بنا ،وجد أن أفضل طريقة هي أن يصير إنسانًا مثلنا ،فيكون على اتصال مباشر بنا.
واآلن لنجاوب سؤالنا األصلي :لو أن هّللا صار إنسانًا ،فكيف يكون؟
يجب أن يملك كل صفات هّللا ،ويدخل عالمنا بطريقة لم يدخله بها أحد من قبل ،ويعمل أعماًال معجزية ،ويكون
بال خطية ،ويترك أثره العظيم الباقي على العالم كله ،مع أشياء أخرى عظيمة كثيرة.
وإنني أعتقد أن هّللا جاء إلى العالم في المسيح ،وأن المسيح أظهر كل صفات هّللا .ولننظر اآلن إلى هذا
المخِّلص:
وميالد المسيح من عذراء برهان على هذا! ونجد القصة في إنجيلي متى ولوقا ،وقد سبق ورودها كنّبَو ة في
العهد القديم ،ما معناه نسل المرأة يسحق رأس الحية (تكوين )15 :3وهذا يعني أن المخلص اآلتي سيكون من
نسل امرأة ،ال من رجل .وهناك نبوة أصرح في إشعياء َ 14 :7ها اْلَعْذ َر اُء َتْح َبُل َو َتِلُد اْبنًا َو َتْدُعو اسَم ُه
ِع َّم اُنوِئيَل وال شك أن هذه العذراء هي المرأة المشار إليها في التكوين .15 :3
وقد وردت كلمة العذراء هذه ست مرات أخرى في الكتاب المقدس ،بمعنى الفتاة التي لم تتزوج وقد ُترجمت إلى
اليونانية في الترجمة السبعينية بكلمة عذراء كما اقتبسها متى ( )23 :1على أنها تحققت في والدة يسوع من
العذراء .ويقول إشعياء إن والدة العذراء معجزة وآية من هّللا نفسه :يعطيكم السيد نفسه آية وهذا معناه والدة
غير طبيعية سبق أن تنبأ عنها إشعياء منذ أجيال بعيدة.
وتَّتسم قصة البشيرين عن الميالد العذراوي بالدقة التاريخية ،فلوقا يقول إنها حدثت وقت تعداد (اكتتاب) َأَم َر
به كيرينيوس .وقد ظن البعض أن كيرينيوس حكم سوريا سنة 8بعد الميالد ،فيكون التعداد حدث بعد مولد
المسيح وبعد موت هيرودس .لكن ثبت أن كيرينيوس حكم مرتين :أولهما من 7 - 10ق .م ،وهذا يجعل
اإلحصاء األول وقت والدة يسوع ،وقبل موت هيرودس بقليل ،وهو عام 4ق .م.
ومع أن متى ولوقا يرويان قصة ميالد يسوع من زاويتين مختلفتين ،وقد استقيا المعلومات من مرجعين
مختلفين ،إال أنهما يتفقان في أن يسوع ُح بل به بالروح القدس من مريم العذراء المخطوبة ليوسف ،الذي كان
يعلم سَّر ما حدث لخطيبته.
ونقدم هنا اثنتي عشرة نقطة للتوافق بين قصتي متى ولوقا:
ُ - 1و لد يسوع في أواخر أيام هيرودس (متى ، 13 ، 1 :2لوقا .)5 :1
ُ - 7دعي اسمه يسوع بتوجيه إلهي (متى ، 21 :1لوقا .)31 :1
- 9عرف يوسف مقدمًا بما جرى لمريم ،وسببه (متى ، 20 - 18 :1لوقا .)5 :2
- 10مع هذا فقد أخذ مريم وتحَّم ل مسؤليته من نحو الطفل يسوع (متى 20 :1و 24و ، 25لوقا .)5 :2
- 12عاشت مريم ويوسف في الناصرة بعد والدة المسيح (متى ، 23 :2لوقا .)2:39
وال يوجد تناقض واحد في سلسلة نسب المسيح .وهناك سلسلتان للنسب تظهران للقارئ السطحي متناقضتين.
على أن السلسلة التي أوردها متى هي ليوسف ،والتي أوردها لوقا هي سلسة نسب مريم .ولما كان يوسف من
نسل يكنيا .فليس له الحق في العرش (إنظر إرميا 2 ، 30 :22ملوك 24 :2ومتى .)11 :1ولكن مريم ليست
من نسل يكنيا .ولما لم يكن يوسف أبًا ليسوع ،فإن ليسوع الحق في العرش باعتبار أنه نسل المرأة مريم (لوقا
.)23 :3
ويعارض البعض قصة ميالد يسوع العذراوي بحجة أن مرقس (أقدم البشيرين ،والذي سجل ما سمعه من
الرسول بطرس) لم يذكر القصة ،كما أن يوحنا لم يوردها في إنجيله .ويقدم كلمنت روجرز الرد التالي :كتب
مرقس إنجيله في وقت مبكر ،كانت مريم أم يسوع حَّية وقتها ،وكانت معروفة لدى الكثيرين ،ولم تكن القصة
تحتاج لرواية ،فوضع مرقس التركيز كله على تعاليم المسيح ومعجزاته ،وبشكل خاص على قصة الصليب .أما
يوحنا فقد كتب في وقت متأخر ،كانت فيه قصة الميالد العذراوي قد ُعرفت وذاعت من قصة إنجيلي متى ولوقا.
ويهتم يوحنا بتوضيح موعد وليمة الفصح ،ويفترض أن قَّر اءه يعرفون مريم ومرثا .وهو يكتب للمسيحيين ،أو
على األقل للمهتّم ين بالمسيحية .ولو أن قصة الميالد العذراوي كانت موضع جدل أو إنكار لكتبها يوحنا ليؤكد
صحتها ،ولكنه عندما يقول :والكلمة صار جسدًا وحَّل بيننا يضّم ن الفكرة .ولم يذكر يوحنا أيضًا موضوعي
المعمودية والعشاء الرباني ألنهما كانا قد أصبحا جزءًا ال يتجزأ من الحياة المسيحية ،ولكنه يلّم ح إليهما في
روايته لقصة نيقوديموس ،وفي الحديث عن إشباع الخمسة آالف (.)13
ومن الممكن أن يوحنا يشير إلى الميالد العذراوي في قوله ابنه الوحيد (يوحنا )16 :3ويقول جون رايس:
أشار يسوع إلى نفسه مرارًا بأنه ابن هّللا الوحيد .فهو لم ُيولد من يوسف بل من هّللا ،فهو ابن هّللا الوحيد وقد
جاء هذا التعبير في اإلنجيل ست مرات ،منها مرتان تحَّدث فيهما يسوع عن نفسه .وال يقول يسوع إنه أحد
أبناء هّللا ،لكن ابن هّللا الوحيد .ولم يولد أحد غيره من عذراء .ويمكن أن نقول (بمعنى روحي) إن كل مؤمن
ُو لد ثانية لرجاء حي ( 1بطرس )3 :1ولكن أحدًا لم يولد كما ُو لد يسوع بالروح القدس ،من مريم العذراء
بدون أب بشري (.)14
على أن يوحنا يقدم سلسلة نسب يسوع عندما يقولِ :في اْلَبْد ِء َك اَن اْلَك ِلَم ةَ ..,و اْلَك ِلَم ُة َص اَر َج َس دًا (يوحنا 1 :1و
،)14إنه يرجع إلى األزل متجاوزًا الميالد العذراوي.
أما بولس فقد آمن بقصة الميالد العذراوي ،ألن لوقا كان رفيق بولس في السفر والخدمة ،وهو الذي روى لنا
قصة الميالد .وال شك أن بولس كان يعلم القصة وأشار إليها عندما قالَ :أْر َس َل ُهّللا اْبَنُه َم ْو ُلودًا ِم ِن اْم َر َأٍة
(غالطية .)4 :4
تمت كتابة األناجيل في وقت قريب من وقت ميالد المسيح ،فلم تمض فترة بين الميالد وبين تسجيل قصته
لتسمح لألساطير بأن ُتنَس ج حولها .ولو أن قصة الميالد العذراوي لم تكن صحيحة ،فإن سؤالين يعترضاننا:
(ا) لو أن قصة الميالد العذراوي لم تكن مؤسسة على حقائق ،فكيف كانت تنتشر بمثل السرعة التي انتشرت
بها؟
(ب) لو لم تكن األناجيل صحيحة تاريخيًا ،فكيف حدث قبولها في العالم كله في هذا التاريخ المبكر؟
يقول جريشام ماتشن :لو أن العهد الجديد لم يذكر قصة الميالد العذراوي فإن الشهادات التي جاءتنا من القرن
الثاني عن انتشار عقيدة الميالد العذراوي قبل أواخر القرن األول الميالدي ،تكفي ِإل ثبات هذه الحقيقة ()15
ولقد كانت هناك طائفة مسيحية اسمها األبيونيون رفضت تصديق أن العذراء تلد ابنًا (إشعياء )14 :7وقالوا
إن ترجمتها هي سيدة شابة تلد ابنًا ولكن الثابت أن الكنيسة رفضت فكرة األبيونيين! وقد آمن كل المسيحيين
بالميالد العذراوي ،ما عدا األبيونيين وقليلين من الغناطسة (العارفون باهّلل ) ،فقد كان اإليمان بالميالد العذراوي
جزءًا ال يتجزأ من إيمان الكنيسة.
ومما يؤّيد ذلك تاريخيًا ،شهادة اآلباء األقدمين ،فأغناطيوس ( 110م) يقول في رسالته ألهل أفسس :إلهنا
يسوع المسيح ُح بل به بالروح القدس في رحم العذراء مريم .ويقول عذراوية القديسة مريم والمولود منها...
أسرار أجراها هّللا في الخفاء ،والعالم كله يتحدث عن ذلك .وقد أخذ أغناطيوس هذه الحقيقة عن معّلمه يوحنا
الرسول .وكانت هذه العقيدة معروفة .وقد هاجمها كيرنتوس عدو الرسول يوحنا ،ويقول جيروم إن كيرنتوس
عَّلم أن المسيح ُو لد من يوسف ومريم كأي إنسان آخر .وقد التقى الرسول يوحنا بكيرنتوس في حمام عام،
فصرخ يوحنا :لنخرج كلنا من هنا قبل أن ينهدم الحمام على كيرنتوس عدو الحق .
وقد كتب أرستيدس ( 125م) عن الميالد العذراوي ،قال :إنه ابن هّللا المتعالي ،الذي ُو لد بالروح القدس من
مريم العذراء .إنه حسب الجسد من الجنس العبراني ،بزرع هّللا في مريم العذراء (.)4
ويقدم جستن الشهير ( 150م) برهانًا قويًا على الميالد العذراوي ،فيقول :معلمنا يسوع المسيح ،ابن هّللا
الوحيد ،لم يولد ثمرة التصال جنسي ...ولكن قوة هّللا حَّلت على العذراء وظللتها ،وجعلتها تحبل مع بقائها
عذراء ...ألنه بقوة هّللا ُح بل به من العذراء ...فبحسب مشيئة هّللا ُو لد يسوع المسيح ،ابن هّللا ،من العذراء
مريم .
وكتب ترتليان ،المحامي ،أول مسيحي عظيم ممن يتكلمون باللغة الالتينية .وهو ال يقول لنا فقط إن عقيدة
الميالد من عذراء كانت معروفة في عصره ( 200م) بل يزيد بأن يقول لنا إن االسم الالهوتي لهذه العقيدة هو
تسيرا .ونحن نعلم أن العقيدة ال يصير لها اسم الهوتي إال بعد أن تكون قد رسخت فترة من الزمن .ويقتبس
ترتليان نّص العقيدة أربع مرات ،وفيها العبارة :إكس فيرجين ماريا (أي من مريم العذراء) (.)13
وكما نتوقع ،هاجم اليهود عقيدة الميالد العذراوي ،أي أنه منذ القرن األول واجهت الكنيسة جدًال حول ميالد
المسيح العذراوي ،األمر الذي يوضح لنا أن الكنيسة عّلمت بهذه العقيدة منذ البداية.
في سلسلة نسب يهودية ،ترجع إلى ما قبل سنة 70م ،نجد اسم يسوع مكتوبًا على أنه ابن لسيدة متزوجة .وال
بد أن البشير متى كان يعرف هذه الكتابات ،فكتب يحّذ ر ضدها .وقد شَّهر علماء اليهود فيما بعد بيسوع على أنه
ابن زانية ،كما ادَّعوا بأن اسم الزاني المجهول هو بانثيرا .وفي كتاباتهم القديمة أطلقوا عليه اسم يسوع بن
بانثيرا .أما كلسوس الكاتب األفالطوني الذي جمع في كتاباته بين الغث والثمين فقد جمع 160من النوادر
اليهودية عن عالقة مريم والشخص الخيالي بانثيرا (.)8
وفي التاريخ اليهودي لحياة يسوع ُيقال :إنه أصل غير شرعي نتيجة صلة أمه بجندي ُيدعى بانثيرا (.)16
وبالطبع ما كان اليهود ليثيروا هذه القضية في كتابات كثيرة لو لم يكن المسيحيون ينادون بعقيدة الميالد
العذراوي.
وفي دفاع أوريجانوس ضد كلسوم يقول :لنرجع إلى ما قاله اليهود من أن النجار خطيب مريم قد تخَّلى عنها
ألنه اقتنع أنها زنت وحبلت بطفل من جندي يدعى بانثيرا .إنهم يقولون هذا ألنهم يريدون أن يتخَّلصوا من فكرة
الميالد المعجزي بالروح القدس .ولكن لماذا لم يقولوا إن يسوع ثمرة زواج عادي؟ إنهم بهذه الفرية ُيقُّر ون
بأن يسوع لم ُيولد والدة عادية .الواضح أنهم لينكروا حقيقة ،اخترعوا كذبًا! لقد لَّفقوا قصصًا تافهة ليغّطوا
كذبهم .هل من المعقول أن شخصًا خدم العالم كل هذه الخدمات ،وعاش هذه الحياة النافعة على األرض ،ال يولد
بطريقة معجزية ،بل يولد من زنا .بل المنتظر هو أن هذه النفس التي صنعت صالحًا أكثر من الجميع تحتاج إلى
جسد ال يختلف فقط عن سائر األجساد ،بل ويسمو عليها كلها (.)17
َأَلْيَس هَذ ا ُهَو الَّنَّج اَر اْبَن َم ْر َيَم َ ،و َأَخ ا َيْع ُقوَب َو ُيوِس ي َو َيُهوَذ ا َو ِس ْم َعاَن ؟ َأَو َلْيَس ْت َأَخ َو اُتُه ه ُهَنا ِع ْنَد َنا؟ َفَك اُنوا
َيْع ُثُروَن ِبِه (مرقس .)3 :6
َأْنُتْم َتْع َم ُلوَن َأْع َم اَل َأِبيُك ْم َ .فَقاُلوا َلُهِ :إَّنَنا َلْم ُنوَلْد ِم ْن ِز نًاَ .لَنا َأٌب َو اِح ٌد َو ُهَو ُهّللا (يوحنا .)41 :8
ولقد اعتاد اليهود أن يطلقوا على الشخص اسم أبيه (يوحانان بن زكاي ،مثًال) حتى لو كان أبوه قد مات قبل
والدته :وكانوا يطلقون عليه اسم أمه عندما يكون مجهول األب ( .)8ولقد اتهم اليهود المسيح بأنه أكول
وشريب خمر ،وكانت هذه الصفة ُتطلق على ابن الزنا بين يهود فلسطين .ألنه بهذا السلوك ينُّم عن أصله
الوضيع ،وبهذا المفهوم اَّتهم الفريسيون يسوع! ( .)8ومن هذا نرى أن اليهود اختلقوا فكرة ميالد المسيح غير
الشرعي ليقاوموا فكرة الميالد العذراوي التي عَّلمت بها الكنيسة منذ بداية عهدها.
قال جرفث توماس :أكبر ما يسند عقيدة الميالد العذراوي أن المسيح كان فريدًا في حياته (.)29
ويقول هنري موريس :من المناسب جدًا أن الشخص الذي أجرى كل المعجزات في حياته ،وبذل نفسه على
الصليب ألجل فداء البشر ،ثم قام منتصرًا من الموت تأييدًا ألقواله ،يكون قد بدأ حياته بالدخول إلى العالم
بطريقة فريدة .
ويمضي موريس فيقول :إن كان هو المخّلص ،فال بد أن يكون أعظم من مجرد إنسان ،مع أنه ابن اإلنسان.
ولكي يموت عن خطايانا يجب أن يكون بال خطية ،وليكون بدون خطية في السلوك يجب أن يكون أوًال بال خطية
في الطبيعة ،فما كان يمكن أن يكون قد ورث الطبيعة البشرية الساقطة المحكوم عليها باللعنة والعبودية
للخطيئة مثل سائر البشر ،فال بد إذًا أن يكون ميالده معجزيًا .أن نسل المرأة قد ُز رع في رحم العذراء كما قال
المالكَ :الُّر وُح اْلُقُد ُس َيِح ُّل َع َلْيِك َ ،و ُّقَو ُة اْلَعِلِّي ُتَظِّلُلِك َ ،فِلذ ِلَك َأْيضًا اْلُقُّدوُس اْلَم ْو ُلوُد ِم ْنِك ُيْدَعى اْبَن ِهّللا (لوقا :1
.)35
ثم يقول موريس :الميالد العذراوي صحيح ،ال ألن الكتاب المقدس يعّلمه فقط ،بل ألنه أيضًا نوع الميالد الذي
يتمشى مع طبيعة المسيح ورسالته كمخّلص للعالم الهالك .إن من ينكر عقيدة الميالد العذراوي ينكر وجود هّللا ،
وينكر أن هّللا صاحب سلطان على خليقته (.)18
ويقول جريشام مكتشن :عقيدة الكنيسة بالميالد العذراوي صادقة ألنها الحقيقة (.)15
ويقول القرآن في سورة مريمَ :أَّنى َيُك وُن ِلي ُغ َالٌم َو َلْم َيْم َسْسِني َبَشٌر َو َلْم َأُك َبِغ ّيًا َقاَل َك َذ ِلَك َقاَل َر ُّبِك ُهَو َع َلَّي
َهِّيٌن َوِلَنْج َعَلُه آَيًة ِللَّناِس َو َر ْح َم ًة ِم َّنا َو َك اَن َأْم رًا َم ْقِضّيًا (آيتا .)21 ، 20
ولنطالع أوًال شهادة المسيح عن نفسه .إنه يسألَ :م ْن ِم ْنُك ْم ُيَبِّكُتِني َع َلى َخ ِطَّيٍة؟ (يوحنا .)46 :8ولم يجاوبه
أحد من أعدائه .ولو أنه كان خاطئًا لما استطاع أن يوّج ه مثل هذا السؤال.
وقال أيضًاَ :أِلِّني ِفي ُك ِّل ِح يٍن َأْفَعُل َم ا ُيْر ِض يِه (يوحنا )29 :8فقد كانت عالقته باهّلل كاملة على الدوام،
وإحساسه بالطهارة الكاملة مذهل .وكل مؤمن باهّلل يعلم أنه كلما زاد قربًا من هّللا زاد شعوره بخطئه ،ولكن هذه
لم تكن الحالة مع المسيح ،فقد عاش حياة القرب الكامل من هّللا بدون شائبة.
يخبرنا اإلنجيل أن الشيطان جرب المسيح (لوقا )4لكنه ال يقول إنه أخطأ! لم نسمعه يعترف أو يطلب غفران
هّللا ،مع أنه عَّلم تالميذه االعتراف وطلب المغفرة .ومن الواضح أنه لم يكن لديه أي شعور بالذنب المالزم
للطبيعة الساقطة.
حتى يهوذا ،التلميذ الخائن رأى براءة المسيح فقال َقْد َأْخ َطْأُت ِإْذ َس َّلْم ُت َدمًا َبِر يئًا (متى .)4 ، 3 :27
ويشهد بولس الرسول أن المسيح كان بال خطية ( 2كورنثوس .)21 :5
شهد أحد من اللصين المصلوبين معه لكماله بالقولَ :أَّم ا هَذ ا َفَلْم َيْفَعْل َشْيئًا َلْيَس ِفي َم َح ِّلِه (لوقا .)41 :23
وبيالطس يشهد لكمالهِ :إِّني َلْم َأِج ْد ِفيِه ِع َّلًة ِلْلَم ْو ِت (لوقا .)22 :23
وقائد المئة يقولِ :با ْلَح ِقيَقِة َك اَن هَذ ا اِإْل ْنَس اُن َباّر ًا (لوقا .)47 :23
وقد حاول أعداؤه الشكوى ضده ،فلم يجدوا فيه عيبًا (مرقس .)56 ، 55 :14ويلّخ ص مرقس الشكاَو ى التي
ُو ِّج هت ضده ،فيقول أوًال إنهم اتهموه بالتجديف ألنه غفر خطايا الناس ،مع أن هّللا وحده هو الذي يغفر .وثانيًا
اتهموه أنه كان يخالط الخطاة والسكيرين والزواني ،األمر الذي كان رجال الدين اليهودي يتحاشونه ،وكان رُّده
على ذلك أنه طبيب الخطاة (مرقس .)17 :2واتهموه ثالثًا أنه لم يُص ْم كالفريسيين ،ولو أنه كان يتمسك بدينه.
وأخيرًا كانوا متضايقين ألنه نقض شريعة السبت اليهودية ،إذ شفى المرضى في يوم السبت .ولكنهم لم ينكروا
عليه أنه كان مطيعًا لناموس هّللا .والحق أنه رب السبت فاختار أن يكسر التقاليد اليهودية في تفسير شريعة هّللا
عن يوم السبت ،دون أن يكسر الوصية نفسها.
في سورة مريم في القرآن يقول المالك لمريمَ :أَنا َرُس وُل َر ِّبِك َأِلَهَب َلِك ُغ َالمًا َز ِكّيًا (آية ( )19والزكي هو
الطاهر الذي ال عيب فيه) ويقول في سورة آل عمرانَ :و ِإِّني ُأِع يُذ َها ِبَك (مريم) َو ُذ ِّر َّيَتَها ِم َن الَّش ْيَطاِن الَّر ِج يِم
(آية .)36وفي الحديث :ما من مولود يولد إال مَّس ه الشيطان حين يولد ،فيستهّل صارخًا ،إال مريم وابنها .
رواه الشيخان.
ويقول المؤرخ فيليب شاف :هنا قدس األقداس البشرية .لم يعش أحد كما عاش المسيح الذي لم يؤذ أحدًا ولم
يستغل أحدًا ،ولم ينطق بكلمة عاطلة ،ولم يرتكب عمًال خاطئًا .واالنطباع األول الذي يسود علينا عن حياة
المسيح هو البراءة الكاملة والعصمة من الخطية وسط عالم فاسد .فهو وحده -ال سواه -كان بال عيب في
طفولته وشبابه ورجولته ،ولذلك فالحمل والحمامة رمزان مناسبان لطهارته .وبعبارة موجزة هو الكمال
المطلق الذي يرفع شخصيته فوق مستوى البشر ويجعله معجزة العالم األخالقية ،وهو التجسد الحي للفضائل
والقداسة ،وأسمى مثال لكل صالح ونقاء وُنْبل في نظر هّللا والناس .هذا هو يسوع الناصري اإلنسان الكامل في
جسده ونفسه وروحه ،ولكنه يختلف عن البشر جميعًا .هو الفريد من طفولته إلى رجولته ،الذي عاش في اتحاد
دائم باهّلل ،تفيض محبته على الناس ،خاٍل من كل عيب وشر ،مكَّر س ألقدس األهداف .كانت تعاليمه وحياته في
توافق تام ،وختم أطهر حياة بأسمى موت .إنه النموذج الوحيد الكامل للصالح والقداسة (مرجعا .)7 ، 6
ويقول جون سكوت :إن نسيان النفس في خدمة هّللا والناس هو ما يدعوه الكتاب المقدس بالمحبة .المحبة ال
تهتم بما لنفسها ،بل تبذل نفسها .وقد كان يسوع بال خطية ألنه لم يكن أنانيًا يطلب ما لنفسه .وهذه هي المحبة
وهّللا محبة (.)19
ويقول ولبر سمث :كانت أبرز صفات يسوع في حياته األرضية هي ما نفشل جميعًا فيها ،ومع ذلك نعترف أنها
أعظم الصفات جميعًا .إنها صفة الصالح المطلق ،أي الطهارة الكاملة ،والقداسة الحقيقية .وفي هذا كان يسوع
معصومًا من الخطأ (.)10
ويقول جفرسون :إن أعظم برهان على كمال المسيح هو أنه جعل المحيطين به يعترفون بكماله .فلم يصدر عنه
في كل أحاديثه أي شيء من الندم أو الحزن على تقصير أو خطٍإ صدرا منه .لقد عَّلمهم أنهم خطاة وأن القلب
البشري شرير ،وأنهم يجب أن يطلبوا الغفران كلما يصّلون .ولكنه لم يطلب مطلقًا الغفران لنفسه ،فلم يفعل إال
كل ما يرضي هّللا (.)20
ويقول كنث التوريت المؤرخ الشهير :ال يوجد أي أثر ِإل حساس المسيح بارتكاب خطإ .وشخص في مثل سمو
المسيح يقّدم ألتباعه أعلى المبادئ ويعّلمهم ضرورة االعتراف بالخطية وطلب المغفرة لها ،دون أن يحتاج هو
نفسه لذلك ،ال بد أن يكون كامًال .لقد كتب مبادئ الموعظة على الجبل بحياته ،ولم تكن الموعظة إال ترجمة
لحياته (.)21
ونختتم هذا الموضوع باقتباس آخر من المؤرخ المسيحي فيليب شاف :كلما زادت قداسة اإلنسان ،زاد إحساسه
بالحاجة إلى الغفران ،وشعوره بنقصه عن المستوى الروحي المطلوب .ولكن يسوع الذي جاء في صورة
جسدنا ،وتجَّر ب مثلنا ،لم يستسلم للتجربة ،ولم يكن لديه ما يدعو للندم أو لالستغفار ،سواء عن فعل أو قول أو
فكر .لم يكن محتاجًا إلى غفران أو تغيير أو إصالح ،ولم يفقد -ولو للحظة واحدة -توافقه مع اآلب .وكانت
حياته سلسلة متصلة من التكريس لمجد هّللا ولخير الناس األبدي (.)7
يقول روسو :عندما يصف أفالطون اإلنسان الخيالي الكامل ،الذي يتحَّم ل عقاب الذنوب كلها ،لكنه يستحق
أفضل جوائز الفضيلة ،فإنه يصف بالضبط شخصية يسوع المسيح (.)6
ويقول الكاتب المشهور جون ستيوارت ميلَ :م ْن من بين تالميذه أو الذين آمنوا به كان يستطيع أن يقول كلمات
مثل التي قالها يسوع ،أو كان يقدر أن يتخَّيل حياًة تشابه تلك الحياة التي تحَّدثت عنها األناجيل؟ (.)6
ويقول رالف والدو إمرسون :يسوع أعظم كماًال من كل الناس الذين ظهروا في العالم (.)22
ويقول المؤرخ وليم ليكي :إنه ليس فقط النموذج األسمى للفضيلة ،لكنه أقوى باعث على ممارستها (.)23
وحتى دافيد ستراوس أشد من هاجم ما هو معجزي في األناجيل ،والذي حاول -أكثر من أي كاتب آخر -أن
يحطم اإليمان بالمسيح -حتى ستراوس هذا ،بكل قواه العقلية الفذة وطاقاته الذهنية التي سَّخ رها جميعًا في نقد
الكتاب المقدس واِإل نكار الكلي لكل ما هو معجزي ،اضطر في أواخر حياته أن يعترف بأن في المسيح الكمال
األخالقي ،وقال :هذا المسيح شخص تاريخي وليس أسطوريًا ،وهو شخص وليس مجرد رمز ..أنه يظل على
الدوام أعلى نموذج للِّدين يمكن أن يصل إليه فكرنا ،وال يمكن أن يصل إنسان إلى التقوى بدون حضوره في
القلب (.)6
وختامًا نقتبس قول برنارد رام :إن ما نتوقع أن نراه في هّللا متجسدًا ،هو الكمال الخالي من الخطية ،والخلو
المطلق من الخطية ،وهذا ما نجده في يسوع المسيح حقيقة جلية .
اْذ َهَبا َو َأْخ ِبَر ا ُيوَح َّنا ِبَم ا َر َأْيُتَم ا َو َسِمْع ُتَم اِ :إَّن اْلُعْمَي ُيْبِص ُروَن َ ،و اْلُعْر َج َيْم ُشوَن َ ،و اْلُبْر َص ُيَطَّهُروَن َ ،و الُّص َّم
َيْس َم ُعوَن َ ،و اْلَم ْو َتى َيُقوُم وَن َ ،و اْلَم َس اِك يَن ُيَبَّشُروَن (لوقا .)22 :7
فالمعجزات التي أجراها المسيح ُتظهر سلطانه في ميادين كثيرة ،مثل سلطانه على الطبيعة وعلى األمراض
وعلى الشياطين وعلى الموت .وكانت هذه المعجزات تحقيقًا للنبوات عن المسيح في العهد القديم.
قال بول لتل :كان للمسيح سلطان عظيم على الطبيعة ،ال يمكن أن يكون إال هّلل خالق ُقَو ى الطبيعة (.)24
ويقول كاليف لويس في كتابه المعجزات :ستبقى كل أساسيات الديانة الهندوسية باقية لو نزْعَت الجانب
المعجزي منها ،وهكذا الحال مع ديانات أخرى .ولكنك ال تقدر أن تفعل هذا مع المسيحية ،فإنها قصة المسيح،
المعجزة العظيمة (.)25
ويقول برنارد رام :في الديانات المختلفة يؤمن الناس بالمعجزات ألنهم قد آمنوا بالدين ،أما الكتاب المقدس فإن
المعجزات فيه جزء من وسائل تأسيس الدين الحقيقي .وهذا فارق بالغ األهمية ،فلقد ظهرت إسرائيل في
الوجود بسلسلة من المعجزات ،وُأعطي الناموس محاطًا بمعجزات ،وصاحبت رسائل األنبياء معجزات .وجاء
المسيح ،ال واعظًا فقط ،بل صانع معجزات أيضًا ،وهكذا كان الرسل يصنعون معجزات .لقد برهنت المعجزات
صدق الرسالة (.)26
ويمّيز فيليب شاف بين قصص المعجزات السحرية المذكورة في القصص السوقية وغيرها من الكتابات
األسطورية ،وبين معجزات الكتاب المقدس ،فيقول إن معجزات الكتاب المقدس جاءت طبيعية ببساطة وُيسر،
حتى إننا ندعوها أعمال هّللا (.)7
ويقول جرفث توماس إن كلمة أعمال هّللا تعني أنها ثمر طبيعي لحياته وتعبير طبيعي عن نفسه ،فال بد أن
شخصًا مثل المسيح ُيجري األعمال الخارقة (.)29
ويمضي فيليب شاف ليقول :كانت كل معجزاته مظهرًا لشخصه ،فأجراها كلها ببساطة كأعمال عادية يعملها كل
يوم .وقد دفعه إلى عملها كلها أطهر الدوافع ،لمجد هّللا ولخير الناس .إنها معجزات محبة ورحمة ،عامرة
بالتوجيهات والتعاليم المَّتسقة مع شخصيته ورسالته (.)6
ويقول ف .تشيز :تذخر كل األناجيل بمعجزات المسيح ،لكن لو جمعناها معًا الكتشفنا فيها وحدة غير مرسومة،
ولوجدنا أنها تجدد كل نواحي حياة اإلنسان ليستعيد سالمه العقلي والروحي والجسدي .وال تعرض األناجيل
معجزات المسيح لتظهر قوته أو عظمته ،ولو أنها فعلت ذلك لظهرت غير طبيعية .إنها تعبير عن محبته
ورحمته للناس (.)5
ويقول جارفي :تتفق المعجزات تمامًا مع شخصية المسيح ورسالته ،فهي ليست دليًال خارجيًا ،بل هي جزء ال
يتجزأ من إعالن محبة اآلب السماوي ورحمته ونعمته في المسيح يسوع ابن هّللا الحبيب وفادي البشر الحنون
الكريم .
ويقول توماس جريفث :بالنسبة لنا نحن ،المسيح نفسه هو أعظم معجزة ،والتفكير المنطقي السليم هو أن نبدأ
من المسيح إلى المعجزات ،وليس من المعجزات إلى المسيح .
يقول أثلبرت ستوفر :نجد في كتابات اليهود القديمة الكثير من اِإل شارات لمعجزات المسيح ،سواء في كتبهم
الدينية أو تواريخهم ،فيقول المعلم أليعازر بن هيرانوس (سكن في اللد سنة 95م) :إن معجزات يسوع فنون
سحرية .وفي كتابات السنهدريم (من سنة 110 - 95م) نفي لمعجزات المسيح باعتبارها من أعمال السحر
لتضليل إسرائيل .ونحو سنة 110م نقرأ جدال بين يهود فلسطين إن كان يجوز إجراء الشفاء باسم يسوع.
وهذا بالطبع يعني اعترافهم بأن يسوع كان يشفي (.)8
ونجد في كتابات اإلمبراطور جوليان المرتّد عن المسيحية ( 363 - 361م) وأحد األعداء األلّداء للمسيحية،
قوله :يسوع ،الذي مضى على زمنه نحو 300سنة ،لم يعمل شيئًا في حياته يستحق الشهرة ،إال إذا ظَّن أحد
أن شفاء أعرج أو أعمى أو مجنون في قرى بيت صيدا وبيت عنيا شيء عظيم ( .)6وهو بهذا يشهد -دون
قصد -أن يسوع عمل المعجزات في بيت صيدا وبيت عنيا!
ويشهد القرآن للمسيح بعمل المعجزات وإقامة الموتى وغير ذلك (المائدة .)110
ويذكر من المعجزات :الخلق واالبراء واإلحياء وعلم الغيب ،ألن هّللا أيده بروح القدس (المائدة )113وهذا ما
لم يحدث ألحد من األنبياء قبله وال بعده (الرازي) .ويقول الجالالن :فأبرأ في يوم خمسين ألفًا بالدعاء بشرط
اإليمان .
فقد أجرى يسوع معجزاته أمام الجمهور الناقد المتفّح ص .وعندما أقام لعازر من الموت لم ينكر أعداؤه
المعجزة ،ولم يحاولوا أن يكذبوها ،بل أرادوا أن يقتلوه ويقتلوا لعازر ،البرهان الصادق على حدوث المعجزة!
(يوحنا )48 :11وكان هدفهم أن يمنعوا الناس من اإليمان بالمسيح.
لقد عرف معاصرو المسيح قدرته على عمل المعجزات ،ولكن أعداءه نسبوا هذه القوة إلى األرواح الشريرة،
بينما أدرك أصحابه أنها قوة هّللا ( .متى .)24 :12وقد أجاب المسيح على اتهام أعدائه هذا بقولهُ :ك ُّل َمْم َلَك ٍة
ُم ْنَقِس َم ٍة َع َلى َذ اِتَها ُتْخ َر ُب َ ،و ُك ُّل َم ِد يَنٍة َأْو َبْيٍت ُم ْنَقِسٍم َع َلى َذ اِتِه اَل َيْثُبُت َ .فِإْن َك اَن الَّش ْيَطاُن ُيْخ ِرُج الَّش ْيَطاَن َفَقِد
اْنَقَس َم َع َلى َذ اِتِهَ .فَك ْيَف َتْثُبُت َمْم َلَكُتُه؟ (متى 25 :12و.)26
صحيح أن الديانات المختلفة تعزو معجزاٍت لمؤسسيها ،لكن أكاذيبهم ال يجب أن تجعلنا نكّذ ب المعجزات التي
أجراها المسيح .فإن بعض الناس يرفضون المعجزات بُح جة أنها ضد القوانين الطبيعية ،ولكن القوانين
الطبيعية ليست عّلة األشياء ،بل هي مجرد وصف لما يسمح هّللا بحدوثه .فعندما نتحدث عن معجزات يسوع
نرى تدُّخ ل هّللا ليوّج ه قوانين الطبيعة وَسْير األحداث .والمعجزات هي إحدى وسائل هّللا لالتصال بنا ،وإيماننا بها
يتوقف على إيماننا به.
ولو أننا سمحنا للفكر العلمي عن انتظام واستمرارية الطبيعة ،أن يغلق الطريق أمامنا ،فإن إيماننا بالمعجزات
سيكون مستحيًال .ولكننا لو فعلنا هذا نكون قد قررنا النتيجة قبل أن نفحص األدّلة! إن العلم يقدر أن يقول إن
المعجزات ال تحدث في النظام الطبيعي العادي ،ولكنه ال يقدر أن يمنع المعجزات ،ألن القوانين الطبيعية ليست
عّلة األشياء ،وبالتالي فهي ال تمنعها.
ويقول فيليب شاف :المعجزات أشياء فوق الطبيعة وليست ضدها .إنها تعبير عن قانون أعلى ،تخضع له
القوانين األدنى .
ويقول جون برودوس :خذ األناجيل وادرسها .لو أن المسيح لم يعمل المعجزات فإنه بالتأكيد يكون قد قال الكثير
من الكذب .إما أنه تكَّلم كما لم يتكلم أحد قّط ،وأن شخصيته هي بال عيب ،وأنه صنع معجزات ،أو أنه كذب
علينا! .
وقال األستاذ عباس محمود العقاد في كتابه حياة المسيح (كتاب الهالل يناير :)1958
من الحق أن نقول إن معجزة المسيح الكبرى هي هذه المعجزة التاريخية التي بقيت على الزمن ولم تْنَقِض
بانقضاء أيامها في عصر الميالد :رجل ينشأ في بيت نجار في قرية خاملة بين شعب مقهور ،يفتح بالكلمة دوًال
تضيع في أطوائها دولة الرومان ،وال ينقضي عليه من الزمن في إنجاز هذه الفتوح ما قضاه الجبابرة في ضم
إقليم واحد ،قد يخضع إلى حين ثم يتمرد ويخلع النير ،وال يخضع كما خضع الناس للكلمة بالقلوب واألجسام.
وتم على يد هذا الرسول نقيض ما يتم على أيدي الوثنية في صولتها وسلطانها ،فإن الوثنية تتغلب ألنها دين
الدولة الغالبة ،أما هذه الرسالة -رسالة الملكوت السماوي -فقد نشأت في عشيرة قبيلة ذليلة ،تحكمها تارة
دولة الرومان الغربية ،وتحكمها تارة أخرى دولة الرومان الشرقية ،فلم يمض غير أجيال معدودات حتى غزت
الدولتين واستوت على العاصمتين ،وصَّح ما رووه عن جوليان -سواء قاله أو لم يقله -فانتصر الجليلي
بملكوته السماوي على ممالك القياصر ،وضم القياصر إلى حاشيته ،فمنه يأخذون ما أخذوه باسم قيصر وما
أخذوه باسم هّللا ! .
وبعد ،فهذا الكتاب مقصور على غرض واحد ،وهو جالء العبقرية المسيحية في صورة عصرية ،نفهمها اآلن
كما نفهم العبقريات على أقدارها وأسرارها ،وقد قَّل فيها نظير هذه العبقرية العالية في تواريخ األزمان قاطبة.
وال يزال هذا الغرض المجيد مَّتسعًا للتوفية والتجلية من نواح عدة ،فإن ُك تب لنا أن ُنوَّفق لزيادة شيء إلى هذه
الذخيرة القدسية ،فذلك حسبنا وكفى .
كان تأثير يسوع على الناس عظيمًا حتى وقفوا معه أو ضده ،ولكنهم لم يملكوا أن يكونوا ال مبالين معه! ويقول
القرآن عنه :المسيح عيسى بن مريم وجيهًا في الدنيا واآلخرة ،ومن المقربين (آل عمران آية )45ويقول
البيضاوي :وجيهًا في الدنيا بالنّبَو ة وفي اآلخرة بالشفاعة ويقول الرازي :الوجاهة في الدنيا هي النّبَو ة أو
استجابة دعائه ،أو براءته من العيوب .وفي اآلخرة الشفاعة ،أو عّلو درجته ومنزلته ،أو كثرة ثوابه .
ويقول بسكال :من أين للبشيرين أن يعرفوا صفات البطولة الكاملة ،حتى يرسموها بكل هذا الكمال والجالل في
المسيح يسوع؟ .
ويقول مارتن سكوت :من كل وجه كان يسوع إنسانًا حقيقيًا بل وأعظم من إنسان ( .)9فإن يسوع هو هّللا الذي
ظهر في الجسد تحت ظروف الزمن ،وهذه فكرة غير عادية .كانت حياته مقدسة ،وكلماته صادقة .كان الحق
متجسدًا ،بال مثيل في الكمال والطهر واالتزان العاطفي والعقلي ،له النظرة الصافية والبصيرة النفاذة.
ويقول جون يونج في كتابه مسيح التاريخ :كيفيمكن أنه في كل األجيال لم ُيْقم شخص كامل كيسوع؟ إن ما
عمله هّللا للتقوى والفضيلة على األرض في وقت ما وفي حالة ما ،يمكن أن يتكَّر ر في أوقات وحاالت أخرى.
ولو كان يسوع إنسانًا فقط ألقام هّللا ،على توالي األجيال ،أشخاصًا مثله يكونون نماذج للبشر في القداسة
والتعليم والنهوض بالعالم .ولكن هّللا لم يفعل! (.)27
ويقول كارنيجي سمبسون :ال يمكن أن تضع يسوع في نفس المستوى مع اآلخرين ،فعندما نقرأ اسمه في
قائمة العظماء من كونفوشيوس إلى جوته نشعر أننا أسأنا إلى اللياقة والذوق ،فإن يسوع ليس واحدًا من
هؤالء العظماء .تحَّد ْث عن االسكندر األكبر أو شرلمان العظيم أو نابليون العظيم -كما شئت ..ولكن يسوع يقف
وحده ،فهو ليس األكبر! إنه الوحيد .إنه يسوع الفريد وكفى! إنه ال يخضع للتحليل .إنه يسمو فوق كل نقد .إنه
يبعث فينا االحترام الكامل له (.)19
ويقول فيليب شاف :لم تنحرف غيرته إلى انفعال ،وال ثباته إلى عناد ،وال إحسانه إلى ضعف ،وال رّقته إلى
مجرد عواطف .لقد كان اجتماعيًا شديد المباالة بالناس ،رغم أن روح العالم لم تسيطر عليه .كانت عظمته
خالية من الكبرياء والجرأة ،وكان تعّلقه بالناس بعيدًا عن رفع التكّلف الذي ال داعي له ،وإنكاره لنفسه بدون
كآبة ،واعتداله بال تزّم ت ..لقد جمع براءة األطفال بقوة الرجال ،وحوى التعّبد العميق هّلل مع االهتمام الكامل
بخير البشر .جمع بين الحب الرقيق للخطاة والقسوة الشديدة على الخطية .وجمع بين الوقار اآلسر والتواضع
الجاذب .جمع بين الشجاعة التي ال تخاف والحذر الحكيم ،وحوى الحزم الذي ال يستسلم مع اللطف الجميل (.)6
في حديث بين روبرت براوننج وتشارلس الم عن انطباعاتهما لو أن أحد الموتى دخل عليهماُ ،س ئل الم عما
يفعله لو أن المسيح دخل الحجرة قال :لو أن شكسبير دخل الحجرة لُقمنا كلنا لنقابله ،ولكن لو أن هذا الشخص
(يسوع) دخل إليها لخررنا جميعًا محاولين أن نّقبل هدب ثوبه (.)19
ويقول شاف :ما يعترف به الجميع ...أن يسوع قد عّلم أطهر مبادئ األخالق ،التي ُتلقي بكل النظريات األخالقية
األخرى وحكمة أحكم الحكماء ،في الظالل (.)6
ويقول جوهان تفريدفون هردر (في الموسوعة الدينية) :إن يسوع المسيح ،بأسمى معاني الكلمة هو المثال
األعلى للبشرية ،باعتراف الجميع .
وقال نابليون بونابرت :إنني عليم بالناس ،ولكني أقول إن يسوع المسيح ليس مجرد إنسان ،فليس بينه وبين
أي إنسان آخر في العالم مجال للمقارنة .لقد أّس ست أنا واالسكندر وقيصر وشرلمان إمبراطوريات ،لكن َع َالَم
أرسينا قواعدها؟ على القوة! ولكن يسوع المسيح أّس س إمبراطوريته على الحب .وفي هذه اللحظة هناك
الماليين المستعدون أن يموتوا من أجله (.)22
يقول ثيودور باركر ،أحد الموّح دين المشهورين (ممن ينكرون التثليث) :إن يسوع يجمع في نفسه أسمى
المبادئ مع أروع األفعال السماوية ،وفي صورة أسمى من كل ما حلم به األنبياء والحكماء ،فهو يخلو من كل
ظنون عصره وأمته ،ويفيض بالتعاليم الجميلة كالنور ،والطاهرة كالسماء ،والصادقة كاهّلل .وها قد مَّر ت ثمانية
عشر قرنا منذ أن ارتفعت شمس البشرية إلى الذروة في يسوع المسيح .وأي إنسان أو أي مذهب استطاع أن
يستوعب كل فكِر ه ويدرك كل تعاليمه ويطبقها تمامًا على الحياة ؟.
ويقول فيلبس بروكس :في يسوع المسيح نرى تنازل هّللا ورفعة البشرية .
يقول العبقري جوته قرب نهاية حياته ،وهو يتطلع إلى التاريخ :لو أن كائنًا إلهيًا ظهر في التاريخ لكان هو
المسيح ...إن العقل البشري ،مهما تقدم في مختلف الميادين ،لن يسمو فوق ِقَيم وآداب المسيحية التي تشرق
وتتوّهج في األناجيل ( )7ويقول :إنني أحترم األناجيل وأعتبرها صحيحة ،فمنها يشرق نور الجالل والسّم و من
شخص المسيح السماوي الذي لم يظهر له مثيل في األرض (.)2
وعندما سئل المؤرخ ه .-ج .ويلز عن الشخص الذي ترك أعمق أثر دائم على التاريخ ،قال :إنه بمقياس العظمة
التاريخية يجيء يسوع أوًال (.)26
ويقول أرنست رينان :مهما جاءت مفاجئات المستقبل ،فلن ُيعَلى على يسوع (.)6
ويشير توماس كاراليل إلى يسوع بالقول :إنه الرمز السماوي ،أعلى مما يستطيع الفكر البشري أن يبلغه .إنه
الشخصية الالنهائية التي تتطَّلب الدرس الدائم (.)6
ويقول روسو :هل يمكن أن يكون الشخص الذي تقدمه األناجيل إنسانًا؟ يا للحالوة! يا للخلق الطاهر! ما أعظم
الصالح اآلسر في تعاليمه! يا لروعة أقواله! يا لعمق حكمة تعاليمه! يا لحضور ذهنه وبراعة حكمه في إجاباته
الرائعة المفحمة! نعم! إن كان سقراط قد عاش ومات كفيلسوف ،فإن يسوع المسيح قد عاش ومات كاهّلل (.)2
ونختم باقتباس قول جونستون روس :هل فكرت في المكانة الخاصة التي احتلها يسوع من جهة جنسه؟ إن
النساء والرجال يجدون صعوبة على السواء وهم يحاولون الوصول إلى مثاله ..فكل ما في الرجال من قوة
وعدل وحكمة ،وكل ما في النساء من رقة وطهر وبصيرة ،نراه في المسيح بدون أن يكون ثمة ما يعوق ظهور
كل هذه الفضائل المتباينة في شخص واحد .
قال المسيحَ :الَّس َم اُء َو اَأْلْر ُض َتُز واَل ِن َ ،و ل ِكَّن َكاَل ِم ي اَل َيُزوُل (لوقا )33 :21والناس الذين سمعوا كالمه ُبِه ُتوا
ِم ْن َتْعِليِمِهَ ،أِلَّن َكاَل َم ُه َك اَن ِبُس ْلَطاٍن (لوقا .)32 :4ومن الضباط إلى الحراس نسمعَ :لْم َيَتَك َّلْم َقُّط ِإْنَس اٌن هَك َذ ا
ِم ْثَل هَذ ا اِإْل ْنَس اِن (يوحنا .)46 :7
وترجع عظمة تعاليم المسيح إلى أنها عالجت ،بسلطان ووضوح ،أكثر مشاكل الناس إرهاقًا ،خصوصًا تلك التي
تتصل بعالقاتهم بالرب.
إن تعاليمه عالمات على الطريق ،لكل األجناس والشعوب ،ألنه نور العالم .ولنقارن بين المسيح وأفالطون الذي
كان سابقًا للمسيح بنحو 400سنة ،وكان متقدمًا على المسيح في الفكر الفلسفي .لكن قارن بين كتاباته في
المحاورات وبين األناجيل .المحاورات مليئة باألخطاء والسخف المنافي للعقل ،وبعبارات ال أخالقية ،مع أنها
رغم كل ذلك تعتبر أسمى ما وصل إليه العقل البشري في الروحانية التي ال تساندها اإلعالنات السماوية (.)12
وتقف عظمة شخصية المسيح خلف عظمة تعاليمه! لم يقتبس أو يعلن تعليم سواه ،لكنه أعلن تعاليمه هو .لم
يقل :هكذا قال الرب بل قال :الحق الحق أقول لكم وأما أنا فأقول .
ويقول جوزيف باركر :بعد قراءة أفكار أفالطون وسقراط وأرسطو نرى الفرق بينها وبين تعاليم المسيح،
كالفرق بين التساؤالت والوحي المعَلن (.)22
ويقول برنارد رام :من جهة اإلحصاءات تقف األناجيل كأعظم ما ُك تب ،يقرأها أكبر عدد من الناس ،ويقتبسها
أكبر عدد من المؤلفين ،وُتترجم إلى أكثر اللغات ،ويّص ور أفكارها معظم الفنانين والموسيقيين والرسامين .إنها
ُتقرأ وُتقتبس وُتترجم وُتحب وتحظى بإيمان الناس بها أكثر ،ألنها أعظم الكلمات .وتكمن عظمتها في وضوحها
وقدسيتها ودقتها وسلطانها في معالجة مشاكل البشر العظمى التي تجيش بها صدورهم .إنها تجيب على
التساؤالت :من هو هّللا ؟ هل يحبني؟ هل يهتم بي؟ ماذا أفعل ألرضيه؟ كيف ينظر لخطيتي؟ كيف أجد الغفران؟
إلى أين أذهب بعد الموت ،كيف أعامل اآلخرين؟ وال يمكن أن كلمات إنسان آخر تشّد انتباهنا أكثر من كلمات
يسوع ،ألنه ال يستطيع إنسان آخر أن يجيب على هذه األسئلة الجوهرية كما أجاب عنها يسوع ،فإجاباته هي
اإلجابات نفسها التي ننتظر صدورها من هّللا ،وهكذا تستريح قلوبنا عليها (.)26
لقد صارت تعاليم المسيح قوانين وعقائد èوأمثاًال ،وصارت سبب عزاء للماليين دون أن تنتهي أو تزول .فأي
معلم بشري َض ِم َن أن تستمر كلماته لألبد؟ تظهر أنواع من كالم البشر ،ثم تزول ،وتقوم ممالك وإمبراطوريات
ثم تسقط ،أما يسوع فسيظل إلى األبد هو الطريق والحق والحياة .ولم يحدث أن ثورة أَّثرت في أي مجتمع بقدر
ما أَّثرت كلمات يسوع.
ولربما نسمع البعض يقولون إن ما قاله يسوع قد ِقيل من قبل .ولنفرض أن هذا صحيح (مع أنه ليس
صحيحًا) ..فال زالت تعاليم المسيح تجيء في القمة ،ففي كل تعليم آخر هناك التوافه ممتزجة باألشياء الهامة.
أما يسوع فقد قدم التعاليم الباقية النافعة الخالدة فقط .وقد عاش كل كلمة قالها بسلوكه وآزرها بأفعاله .وكيف
لهذا النجار الذي لم يتلَّق تعليمًا خاصًا ،ولم يدرس الثقافة والعلوم اإلغريقية ،وعاش وسط شعب متزّم ت ضيق
األفق ...كيف له أن يجمع أعظم تعاليم العالم ويقدمها معًا بدون خطأ وال عيب ،وبدون تعديل أو تصحيح أو
نسخ؟ كيف يقف عمالقًا معلمًا لألجيال؟!
ويقول جرفث توماس :مع أن يسوع لم يتلَّق تعليمًا الهوتيًا رسميًا من رجال الدين اليهود ،لكنه لم ُيظهر أي
ترّدد أو خجل في إعالن ما رأى هو أنه حق! وبدون تفكير في نفسه أو في سامعيه خاطب الجمهور بدون
خوف ،وبدون حساب للعواقب على نفسه ،فقد كان هُّم ه أن يوّص ل رسالته .وقد شعر سامعوه بقوة كالمه (لوقا
)32 :4فأسر سامعيه بقوة شخصيته التي تجَّلت في قوة أقواله ،حتى قالوا إنه لم يتكلم قط إنسان مثله (يوحنا
.)46 :7لقد ترك عمق حديثه وروعته وبساطته وشموله ونفاذه أعمق األثر في سامعيه ،فأدركوا أنهم أمام
معلم لم َتَر البشرية له نظيرًا من قبل ،فيقول عنه بولس بعد سنوات عديدة :متذّك رين كلمات الرب يسوع
(أعمال )35 :20وال يزال هذا هو الحال على مر األجيال (.)29
ويقول األستاذ عباس محمود العقاد في كتابه حياة المسيح (كتاب الهالل يناير .)1958
الحق أن قدرة السيد المسيح على الردود السريعة واألجوبة المسكتة ،لهي دليل آخر إلى جانب أدلة كثيرة على
الشخصية التاريخية ،والدعوة المتناسقة ،ألنها قدرة من وراء طاقة التالميذ والمستمعين ،بل هم يرُو ونها وال
يفطنون إلى أهم البواعث عليها في سياسة الرسالة المسيحية ،فإن هذه الرسالة قائمة على اجتناب التشريع
واجتناب التعُّر ض له باِإل بطال أو اِإل بدال ،ووجهتها على الدوام أنها ال تَّدعي سلطة من سلطات الدنيا والدين،
وأن مملكة المسيح من غير هذا العالم وليست من ممالك الدو ل والحكومات .وكذلك قال لُك َّهان الهيكل ،وكذلك
قال لبيالطس حاكم الرومان ،وعلى ذلك جرى أسلوبه في كل أمر وفي كل موعظة .فهو أسلوب اآلداب والمُثل
العليا وليس بأسلوب النصوص والقوانين.
ويرجع األمر إلى ضمير يحاسب صاحبه وال يرجع إلى قاض يفقأ عينًا ،أو يدخل في الصدور ليتتبع فيها بواعث
االشتهاء .ولو خلصت هذه المعاني إلى سامعيها جميعًا ،كما عناها السيد المسيح ،لما ثبتت له كما ثبتت من
اختالف الفهم والتأويل .
ال تزال شخصية المسيح -بعد ألفي سنة -تترك تأثيرها على البشر ،ففي كل يوم يختبر بعض الناس اختبارات
ثورية مع يسوع!
ويقول كنث التوريت المؤرخ العظيم :الفهم المسيحي للتاريخ ال ينكر التقدم ..وكلما مضت القرون تجَّم عت األدلة
-من تأثير المسيح في التاريخ -على أن يسوع هو أعظم من عاشوا تأثيرًا على الناس ،ويبدو أن هذا التأثير
يتزايد (.)30
ويضيف فيليب شاف :بدون مال أو أسلحة هزم يسوع الناصري ماليين أكثر من االسكندر وقيصر ونابليون.
وبدون علوم أفاض نورًا على األمور الزمنية واألمور السماوية أكثر من كل الفالسفة والعلماء مجتمعين،
وبدون دخول مدرسة بالغة تحدث بكلمات الحياة كما لم يتحدث أحد من قبل ،وأَّثر في سامعيه كما لم يؤثر
شاعر أو خطيب ،وبدون أن يكتب سطرًا واحدًا دفع أقالمًا كثيرة لتكتب ،وقَّدم أفكار عظات وخطب ومناقشات
ومجلدات وأعمال فنية وترانيم وتسابيح أكثر من كل األبطال والعظماء عبر العصور القديمة والحديثة ()6
ويقول مارتن سكوت :إن تأثير يسوع على الناس اليوم قوي كما كان قويًا وقت أن كان على األرض (.)9
لقد صرف على األرض ثالث سنوات فيها تترَّك ز أعمق معاني التاريخ والدين ،ولم تمِض حياٌة بمثل هذه
السرعة والهدوء والتواضع ،ولكنها أثارت اهتمام الفكر اإلنساني بصورة شاملة (.)7
وعندما ترك يسوع األرض قال لتالميذه إنهم سيعملون أعماًال أعظم من تلك التي عملها هو .وقد حّققت القرون
صدق هذا القول! وال يزال يسوع يعمل اليوم في عالمنا (أشياء أعجب مما فعل وهو على األرض) ،من خالل
أتباعه .فهو يفتدي الناس ويغّير حياتهم لألفضل ،متقدمًا بهم إلى كل ما هو حق وجليل وعادل وطاهر لخير
البشر في مختلف الميادين.
ولنا كل الحق أن نشير إلى تأثير يسوع العظيم ،ال كمسألة في الماضي ،بل كأمر يلمس الحياة في كل جوانبها،
اليوم ).è(29
ويقول وليم ليكي :حّض األفالطونيون الناس على االقتداء باهّلل ،وحّض هم الرواقيون على اّتباع العقل ،وحَّض هم
المسيحيون على حب المسيح .أما الرواقيون المتأخرون فقد جمعوا الصفات الممتازة في حكيم نموذجي .وحض
أبكتيتوس تالميذه أن يتمّثلوا أمامهم شخصًا عظيمًا يتخيلونه قريبًا منهم .على أن حكيم الرواقيين النموذجي
كان شخصًا يحاولون محاكاته ،دون أن يتحول إعجابهم به إلى حب .لكن المسيحية وحدها قدمت للعالم
الشخصية النموذجية ،التي -بالرغم من تغُّيرات ثمانية عشر قرنًا -ألهمت قلوب الناس بالحب الصادق،
وعملت في كل العصور واألمم واألمزجة والظروف .فهي لم تقدم أسمى نماذج الفضيلة فحسب ،بل وأعظم
الدوافع على ممارستها.
صرفت هذه الشخصية ثالث سنوات قصيرة عامرة بالنشاط أَّثرت في تجديد البشر وتهذيبهم أكثر مما فعلت كل
بحوث الفالسفة ومواعظ رجال األخالق ،وكانت هذه الشخصية هي نبع أفضل ما في الحياة المسيحية .وفي
وسط الخطايا والسقطات والشعوذات واالضطهادات والتعُّص بات التي ّش َو هت الكنيسة ،حفظت في شخص
مؤّس سها ومثاله ،القوة الدائمة الفعالة في التجديد (.)23
إن اآلالف والماليين اليوم .كما في كل العصور ،يشهدون لقوة المسيحية ومجدها في معالجتها للخطية والشر.
وهذه الحقائق تقف قوية لُتقنع كل من يريد أن يتعلم ..إن إنجيًال خامسًا ُيكتب اآلن ،هو عمل يسوع المسيح في
حيوات وقلوب الناس واألمم (.)29
وقال نابليون :يسوع وحده نجح في السمو بفكر الناس إلى غير المنظور فوق حدود الزمن والمسافات .إنه
يطلب ما يصعب عمله ،وما ال تقدر الفلسفة على الوصول إليه ،وما يفشل الصديق في الحصول عليه من
صديقه ،واألب من أوالده ،والعريس من عروسه ،والرجل من أخيه! إنه يطلب القلب البشري كله بدون قيد وال
شرط ليكون قوة في مملكة المسيح .وكل من يؤمنون به بإخالص يختبرون حبًا فوق الطبيعي له ،وهي ظاهرة
تفوق خيال البشر .وال يقدر الزمن بكل تأثيره الهَّدام أن يستنزف قوة هذه المحبة أو يضع حدًا لها (.)2
لكن :هل تناسب المسيحية كل الناس في كل العصور وكل الشعوب؟ هل تناسب المتعّلم والجاهل؟ هل يستطيع
جميع الناس في كل مكان أن يستوعبوا مبادئها؟
الحقيقة أنه حيثما يكون المسيح فهو السيد ،يطالب الناس بالتضحية فيضّح ون .إن دعوته خالية من التعّص ب،
تقود الناس إلى كل عمل صالح وعظيم ،مهما تضَّم ن من تضحية .قال نابليون :طبيعة المسيح مملوءة
باألسرار ،لكنها أسرار تقابل احتياجات الناس .ولو رفْض َت المسيح لصار العالم لغزًا ال ُيفهم ،ولو آمنت به
لوضح لك تاريخ جنسنا البشري بدرجة كافية (.)22
ومنذ وقت المسيح لم يقّدم أحد -رغم كل ما بلغه الفكر اإلنساني من تقّدم -فكرًا واحدًا أخالقيًا جديدًا للعالم! وال
عجب فإن رسالة المسيح تتمَّيز بثالثة أشياء عظيمة ،هي :التوبة والثقة والمحبة ،وهذه الثالثة تجعل الرسالة
مناسبة لكل عصر ومكان وعمر .ولقد جذبت المسيحية الماليين من أفضل مفكري الجنس البشري ،ولم يمنع
تقّد ُم ها تياَر تقّدم البشرية ( )29وقد ظل شخص مؤسسها العامل المستمر في انتشارها وتقدمها .وكان والء
أتباعه له وتعّبدهم لشخصه هما العامل القوي في وحدتهم رغم كل الظروف واختالف اآلراء .وال عجب أن
يقول دافيد ستراوس :سيبقى المسيح أعلى نموذج للديانة يمكن أن يصل إليه فكرنا ،وال يمكن أن يصل إنسان
إلى التقوى بدون وجود المسيح في قلبه (.)6
ويقول وليم تشاننج :إن حكماء التاريخ وأبطاله يخفت ضوؤهم شيئًا فشيئًا ،وبمرور الزمن يتصاغر الحّيز الذي
يشغلونه من التاريخ .أما يسوع المسيح فليس لمرور الزمن من أثر على اسمه أو أفعاله أو أقواله .
وقال عنه أرنست رينان :يسوع هو أعظم عبقري ديني عاش على األرض .جماله خالد وُم ْلكه لن ينتهي .إنه
فريد من كل جهة ،وال يمكن مقارنته بشيء ..وكل التاريخ غير قابل للفهم بدون المسيح (.)22
وقال رام :أن يقول النجار الجليلي إنه نور العالم ،وأن يبقى هذا القول معَترفًا به بعد هذه القرون الكثيرة ،أمٌر
ال يمكن تفسيره إال على أساس ألوهيته (. )26
هنا رجل ُو لد في قرية مغمورة ألم ريفية ،ونشأ في قرية أخرى ،وعمل في دكان نجار حتى بلغ الثالثين من
العمر ،ثم ظل ثالث سنوات يتّج َو ل كارزًا .لم يمتلك في حياته بيتًا ،ولم يكتب كتابًا ،ولم يشغل وظيفة ،ولم يّك ِو ن
أسرة ،ولم يدرس في جامعة ،ولم يضع قدميه في مدينة كبيرة ،ولم يسافر بعيدًا عن مسقط رأسه بأكثر من
مائتي ميل ،ولم يعمل عمًال واحدًا من تلك التي تواكب العظمة حسب مألوف العالم ،ولم تكن له أوراق اعتماد إال
نفسه! عندما كان شابًا وقف ضده الرأي العام ،وهرب أصحابه منه ،وأنكره واحد منهم ،وأسلمه ألعدائه ،فدخل
في مهزلة المحاكمة ،وسَّم روه على صليب بين لَّص ين .وبينما كان يموت قامر جّالدوه على الشيء الوحيد الذي
كان يملكه على األرض :على ردائه! وعندما مات أنزلوه ليدفنوه في قبر ُم ستعار قَّدمه صديق له من باب
الشفقة!
وقد جاءت تسعة عشر قرنًا طويلة ومضت ،وهو ال يزال مركز الجنس البشري ،وقائد تقُّدمه .إن كل الجيوش
التي سارت ،وكل األساطيل التي ُبنيت ،وكل البرلمانات التي انعقدت ،وكل الملوك الذين حكموا ،كل هؤالء
مجتمعين معًا ،لم يؤثروا في حياة الناس بالقوة التي أثرت بها فيهم هذه الحياة الواحدة الفريدة .
منذ تسعة عشر قرنًا مضت ُو لد إنسان على خالف قوانين الحياة ،عاش في فقر ونشأ مغمورًا .لم يسافر بعيدًا،
ولم يعبر حدود البالد التي ُو لد فيها إال كطفل طريد.
لم يملك ثروة وال نفوذًا ،وكان أهله مغمورين .لم يتلَّق تعليمًا رسميًا وال تدريبًا ،غير أنه في طفولته أرعب
ملكًا ،وفي صّبوته أدهش العلماء ،وفي رجولته سيطر على زمام الطبيعة ،وسار على األمواج كأنها طريق
معَّبد ،وسَّك ت البحر فهدأ .شفى الجماهير بدون دواء ،ولم يتقاَض مقابًال لخدماته.
لم يكتب كتابًا ،ولكن كل مكتبات الدولة ال تقدر أن تسع الكتب التي ُك تبت عنه ،ولم يؤلف ترنيمة ،ولكنه أوحى
بأفكار الترانيم أكثر مما فعل كل كّتاب األغاني مجتمعين! ولم يؤسس كلية ،لكن كل المدارس مجتمعة معًا ليس
بها من التالميذ مثل ما له.
لم يسّير جيشًا ،ولم يجّند جنديًا ،ولم يطلق بندقية ،ولكن لم يكن لقائد غيره جنود متطوعون تحت إمرته مثلما
له ،حتى أن العصاة المتمردين ألقوا بأسلحتهم دون أن يطلقوا طلقة واحدة.
لم يمارس الطب النفسي ،ولكنه شفى من القلوب الكسيرة أكثر ممن شفاهم كل األطباء في كل العالم .وتتوقف
عجلة التجارة مرة كل أسبوع لتتمكن الجماهير من أن تجد طريقها لمحال عبادته ،لتقدم له الخشوع واإلكرام.
لقد ظهرت أسماء رجال الدول المشهورين في اليونان وروما واندثرت ،وظهرت أسماء علماء وفالسفة
والهوتيين واختفت ،ولكن اسم هذا اإلنسان في تعاظم مستمر .ومع أنه قد مضت تسعة عشر قرنًا منذ صلبه ،إال
أنه ال يزال يحيا .لم يستطع هيرودس أن يحطمه ،ولم يقدر القبر أن يمسكه!
إنه يقف على أعلى قمة المجد السماوي ،بإعالن واضح من هّللا ،تعترف به المالئكة ،ويتعبد له القديسون،
وتخافه األبالسة ،ألن يسوع المسيح الحي هو الرّب والمخِّلص .
ُطوَبى ِلْلِج َياِع َو اْلِع َطاِش ِإَلى اْلِبِّر َ ،أِلَّنُهْم ُيْش َبُعوَن (متى .)6 :5
َم ْن َيْش َر ُب ِم َن اْلَم اِء اّلِذ ي ُأْع ِط يِه َأَنا َفَلْن َيْع َطَش ِإَلى اَأْلَبِد (يوحنا .)14 :4
َس اَل مًا َأْتُر ُك َلُك ْم َ .س اَل ِم ي ُأْع ِط يُك ْم َ .لْيَس َك َم ا ُيْعِط ي اْلَعاَلُم ُأْع ِط يُك ْم َأَنا .اَل َتْض َطِر ْب ُقُلوُبُك ْم َو اَل َتْر َهْب (يوحنا :14
.)27
َأَنا ُهَو ُخ ْبُز اْلَح َياِةَ .م ْن ُيْقِبْل ِإَلَّي َفاَل َيُج وُعَ ،و َم ْن ُيْؤ ِم ْن ِبي َفاَل َيْع َطُش َأَبدًا (يوحنا .)35 :6
َتَعاَلْو ا ِإَلَّي َيا َج ِم يَع اْلُم ْتَعِبيَن َو الَّثِقيِلي اَأْلْح َم اِل َ ،و َأَنا ُأِر يُح ُك ْم (متى .)28 :11
َأَتْيُت ِلَتُك وَن َلُهْم َح َياٌة َو ِلَيُك وَن َلُهْم َأْفَض ُل (يوحنا .)10 :10
يقول علماء النفس إن اإلنسان يحتاج إلى االتصال بشيء أكثر من نفسه ،والديانات الكبرى شاهدة على احتياج
اإلنسان ،وأهرامات مصر والمكسيك ومعابد الهند نماذج لحاجة اإلنسان الروحية .وقد كتب مارك توين عن
فراغ اإلنسان ،قال :من المهد إلى اللحد ال يعمل اإلنسان شيئًا إال بهدف واحد ،وهو أن يحصل على سالم العقل
وعلى الراحة الروحية .وقال المؤرخ فيشر :هناك صرخة في النفس ،ال يجد لها استجابة في العالم .وقال توما
األكويني إن عطش النفس للسعادة ال يهدأ ،وهو عطش ال يرويه إال هّللا وحده! .ويقول برنارد رام :االختبار
المسيحي وحده هو الذي يجعل اإلنسان يستمتع بحرية روحه .أما ما هو من دون هّللا فإنه يترك روح اإلنسان
عطَشى جائعة متَعبة فاشلة وناقصة (.)26
ويصف شاف المسيح بالقول :ارتفع فوق أحقاد الطائفية والتعُّص ب ،وفوق خرافات عصره وأمته ،وخاطب قلب
اإلنسان المكشوف له ،ولمس ما هو حي في الضمير (.)7
قال أحدهم يصف اختباره الروحي في المسيح :استطاع اإلنسان أن يغّير عالمه بطريقة مذهلة ،ولكنه لم يقدر
أن يغّير نفسه .ولما كانت هذه المشكلة في أساسها روحية ،ولما كان اإلنسان بطبعه مَّياًال للشر (كما يشهد
التاريخ) فإن الطريقة الوحيدة لتغيير اإلنسان تجيء من هّللا .وعندما يسّلم اإلنسان نفسه ليسوع المسيح،
وُيخِض ع نفسه إلرشاد الروح القدس ،فإنه يتغَّير .وعلى هذا التغيير المعجزي يتوقف رجاء عالمنا المرتعب من
التفجيرات النووية والنشاطات اإلشعاعية التي تهدد كل سكانه (.)31
وكتب ماتسون ،رئيس العالقات العلمية لمعامل أبوت الطبية يقول :مهما كانت حياتي صعبة كعاِلم ورجل أعمال
ومواطن وزوج وأب ،فإني أرجع إلى النقطة المركزية أللتقي بيسوع الذي يحفظني ويخلصني بقوته (.)31
وقال طالب في جامعة بتسبرج :مهما كانت األفراح والمسرات في اختباراتي الماضية -مجتمعة معًا -فإنها ال
تساوي الفرح الخاص والسالم اللذين منحهما لي الرب يسوع المسيح ،منذ أن دخل حياتي ليُس ودها ويوّج هها .
ويقول الدكتور مكستر أستاذ علم الحيوان في كلية هويتون :إن العالم الذي يتبع النظريات العلمية يفعل ذلك
ألنه يؤمن بالبراهين التي وجدها .لقد صرُت مسيحيًا ألني وجدُت في نفسي حاجة ال يمكن أن ُيشبعها غير
المسيح .احتجت للغفران فأعطاه لي ،واحتجت للُّص حبة فصار هو صديقي ،واحتجت للشبع فمنحه لي (.)31
ويقول بول جونسون :لقد صنع هّللا فراغًا خاصًا في دواخلنا ،على صورته هو ،ولن يمأل هذا الفراغ غير هّللا
نفسه .ربما تحاول ملئه بالمال أو العائلة أو الِغ نى أو القوة أو الشهرة ،أو أي شيء آخر ،ولكنه لن يمتلئ! لن
يمأله غير هّللا ! هو وحده الذي يملؤه ويشبعه .
ويقول وولتر هيرن من كلية أوهايو :كثيرًا ما يستغرقني نوع من الفلسفة ...إن معرفة المسيح هي الحياة ذاتها
بالنسبة لي ،ولكنها من نوع جديد الحياة الفضلى التي وعد بها .
قال رجل أعمال :طلبت من المسيح أن يأتي إلى حياتي ويسكن فَّي .وألول مرة في حياتي أختبر السالم الكامل.
لقد انتهت حياة الفراغ التي كنت أحياها إلى غير رجعة ،ولم أُعد أشعر مطلقًا بأنني وحيد .
لم يكن يسوع مجبرًا على الموت ،فإنجيل متى 54 ، 53 :26يوضح أنه كان يملك القوة ليفعل ما يريد .وفي
يوحنا 18 :10نجد الجوابَ :لْيَس َأَح ٌد َيْأُخ ُذ َها ِم ِّنيَ ،بْل َأَضُعَها َأَنا ِم ْن َذ اِتيِ .لي ُس ْلَطاٌن َأْن َأَضَعَها َوِلي ُس ْلَطاٌن
َأْن آُخ َذ َها َأْيضًا .ومن هذا نرى أن يسوع مات طوعًا عن خطايا الناس.
ويقول جرفث توماس :لم يكن موت المسيح انتحارًا ،لكنه كان طواعية .كان علينا نحن أن نتألم ،لكن لم يكن
عليه هو ،وكانت كلمة واحدة منه كافية لتخليص حياته .ولم يكن موته ُص دفة ،فإنه كان قد سبق أن تنبأ به
وجَّهز نفسه له بطرق مختلفة .ولم يكن موته موت مجرم ،ألنه لم يتفق اثنان من الشهود في أي اتهام موَّج ه
ضده ،وأعلن بيالطس الوالي أنه لم يجد فيه عَّلة ،بل èأن الملك هيرودس لم يجد ما يقوله ضده .فلم يكن موت
المسيح إعدامًا عاديًا (.)29
ولم يحدث أن إنسانًا في التاريخ كان له السلطان أن يسّلم روحه بإرادته كما فعل المسيح (لوقا )46 :23فإن
لوقا ويوحنا يصفان موت المسيح بما يفيد أن موته كان معجزيًا ،فقد استودع روحه بين يدي هّللا بعد أن دفع
أجرة الخطية بالكامل .لقد حدثت معجزة عند الجلجثة يوم الجمعة ،كما حدثت معجزة في البستان صباح أحد
القيامة!
ثم كان َد ْفن يسوع بعد موته .وتقول قصة اإلنجيلَ :و َلَّم ا َك اَن اْلَم َس اُء َ ،ج اَء َرُج ٌل َغ ِنٌّي ِم َن الَّر اَم ِة اسُم ُه ُيوُس ُف -
َو َك اَن ُهَو َأْيضًا ِتْلِم يذًا ِلَيُس وَعَ 58 .فهَذ ا َتَقَّد َم ِإَلى ِبياَل ُطَس َو َطَلَب َج َس َد َيُس وَعَ .فَأَم َر ِبياَل ُطُس ِح يَنِئٍذ َأْن ُيْع َطى
اْلَج َس ُد (متى َ - )58 ، 57 :27و َج اَء َأْيضًا ِنيُقوِد يُم وُس ،اَّلِذ ي َأَتى َّأَو ًال ِإَلى َيُسوَع َلْيًالَ ،و ُهَو َح اِم ٌل َمِز يَج ُم ٍّر
َو ُعوٍد َنْح َو ِم َئِة َم نًا (يوحنا َ - )39 :19فا ْشَتَر ى (يوسف) َك َّتانًاَ ،فَأْنَز َلُه َو َك َّفَنُه ِبا ْلَك َّتاِن َ ،و َو َضَعُه ِفي َقْبٍر َك اَن
َم ْنُح وتًا ِفي َص ْخ َرٍةَ ،و َدْح َرَج َح َج رًا َع َلى َباِب اْلَقْبِر َ .و َك اَنْت َم ْر َيُم اْلَم ْج َد ِلَّيُة َو َم ْر َيُم ُأُّم ُيوِس ي َتْنُظَر اِن َأْيَن ُوِضَع
(مرقس َ - )47 ، 46 :15فَر َج ْعَن َو َأْعَدْدَن َح ُنوطًا َو َأْطَيابًاَ .و ِفي الَّسْبِت اسَتَر ْح َن َح َسَب اْلَو ِصَّيِة (لوقا )56 :23
َ -فَم َضْو ا َو َضَبُطوا اْلَقْبَر ِبا ْلُح َّر اِس َو َخ َتُم وا اْلَح َج َر (متى .)66 :27
ويقول وستكوت ... :ال توجد حادثة بأسانيد تاريخية صحيحة عديدة مثل حادثة قيامة المسيح .
ويقول هنري موريس :إنها أهم حوادث التاريخ ومن أثبتها تاريخيًا .لقد سبق للمسيح أن تنبأ بموته وقيامته،
وفي يوحنا 19 :2قال :اْنُقُض وا هَذ ا اْلَهْيَك َل َو ِفي َثاَل َثِة َأَّياٍم ُأِقيُم ُه .
ولم يحدث ألحد من البشر أن هزم الموت بنفسه كما فعل المسيح .ولقد قالَ :أَنا ُهَو اْلِقَياَم ُة َو اْلَح َياُةِ ..,إِّني َأَنا
َح ٌّي َفَأْنُتْم َس َتْح َيْو َن (يوحنا .)19 :14 ، 25 :11
ويقول رام :إن قيامة المسيح ضمان لقيامتنا نحن .إن شفاءه للمرضى ال يعني أنه سيشفي كل أمراضنا اآلن،
وإقامته لعازر من الموت ال تعني خلودنا على األرض ،ولكن قيامة المسيح كباكورة الراقدين ،هي وحدها التي
تفتح أبواب القبر أمام المؤمن لحياة أبدية ،فألنه قام فسنقوم نحن (رومية .)11 :8
وبعد قيامة المسيح استطاع التالميذ أن يقيموا الموتى بقوته (أعمال .. )41 ، 40 :9وهكذا أعطى المسيح
الحياة آلخرين بعد موته ،وهذا يعني أنه حي (عبرانيين ِ )8 :13إَّن َيُسوَع هَذ ا اّلِذ ي اْر َتَفَع َع ْنُك ْم ِإَلى الَّس َم اِء
َسَيْأِتي هَك َذ ا َك َم ا َر َأْيُتُم وُه ُم ْنَطِلقًا ِإَلى الَّس َم اِء (أعمال .)11 :1
لقد هزم المسيح -ابن هّللا األزلي وفادي البشر الموعود به -الموت!