ثقتي في السيد المسيح

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 18

‫ثقتي في السيد المسيح‬

‫بقلم‬
‫جوش مكدويل‬
‫الفصل الَّر ابع‬

‫االفتراض العظيم‬

‫لو أن هّللا صار إنسانًا‪ ،‬فكيف يجب أن يكون؟ ‪ -‬أو هل كان للمسيح صفات هّللا ؟‬

‫وقبل إجابة هذا السؤال يلزمنا اإلجابة على سؤال آخر‪ ،‬هو‪ :‬لماذا يصير هّللا إنسانًا؟ ولإلجابة نقدم مثًال عن‬
‫فالح يحرث حقله‪ .‬فلنفترض أنك أنت ذلك الفالح وُتالحظ عش نمل في طريق المحراث‪ ،‬ولنفترض أنك تحب‬
‫النمل‪ ،‬فتفكر أن تسرع إليهم لتحذيرهم‪ .‬وتصرخ محّذ رًا‪ ،‬لكنهم يستمرون في عملهم‪ ،‬فتستعمل لغة اإلشارة‪،‬‬
‫وكل وسيلة أخرى تعرفها‪ ،‬ولكن النمل ال ينتبه‪ .‬لماذا؟ ألنك عاجز عن االتصال بهم‪ .‬فما هي أفضل طريقة لذلك؟‬
‫هي أن تصير نملة فيفهمون ما تقول‪.‬‬

‫ولما أراد هّللا أن يتصل بنا‪ ،‬وجد أن أفضل طريقة هي أن يصير إنسانًا مثلنا‪ ،‬فيكون على اتصال مباشر بنا‪.‬‬

‫واآلن لنجاوب سؤالنا األصلي‪ :‬لو أن هّللا صار إنسانًا‪ ،‬فكيف يكون؟‬

‫يجب أن يملك كل صفات هّللا ‪ ،‬ويدخل عالمنا بطريقة لم يدخله بها أحد من قبل‪ ،‬ويعمل أعماًال معجزية‪ ،‬ويكون‬
‫بال خطية‪ ،‬ويترك أثره العظيم الباقي على العالم كله‪ ،‬مع أشياء أخرى عظيمة كثيرة‪.‬‬

‫وإنني أعتقد أن هّللا جاء إلى العالم في المسيح‪ ،‬وأن المسيح أظهر كل صفات هّللا ‪ .‬ولننظر اآلن إلى هذا‬
‫المخِّلص‪:‬‬

‫لو أن هّللا صار إنسانًا‪ ،‬فإننا نتوقع منه أن‪:‬‬

‫‪ - 1‬يدخل إلى العالم بطريقة غير عادية‪.‬‬

‫‪ - 2‬يكون بال خطية‪.‬‬

‫‪ُ - 3‬يجري المعجزات‪.‬‬

‫‪ - 4‬يكون مختلفًا عن كل ما عداه‪.‬‬

‫‪ - 5‬يقول أعظم ما ُيقال‪.‬‬

‫‪ - 6‬يكون تأثيره شامًال ودائمًا‪.‬‬

‫‪ُ - 7‬يشبع جوع الناس الروحي‪.‬‬

‫‪ - 8‬يكون له سلطان على الموت‪.‬‬


‫أوًال ‪ -‬لو أن هّللا صار إنسانًا‬

‫لصار دخوله إلى العالم بطريقة غير عادية‬

‫وميالد المسيح من عذراء برهان على هذا! ونجد القصة في إنجيلي متى ولوقا‪ ،‬وقد سبق ورودها كنّبَو ة في‬
‫العهد القديم‪ ،‬ما معناه نسل المرأة يسحق رأس الحية (تكوين ‪ )15 :3‬وهذا يعني أن المخلص اآلتي سيكون من‬
‫نسل امرأة‪ ،‬ال من رجل‪ .‬وهناك نبوة أصرح في إشعياء ‪َ 14 :7‬ها اْلَعْذ َر اُء َتْح َبُل َو َتِلُد اْبنًا َو َتْدُعو اسَم ُه‬
‫ِع َّم اُنوِئيَل وال شك أن هذه العذراء هي المرأة المشار إليها في التكوين ‪.15 :3‬‬

‫وقد وردت كلمة العذراء هذه ست مرات أخرى في الكتاب المقدس‪ ،‬بمعنى الفتاة التي لم تتزوج وقد ُترجمت إلى‬
‫اليونانية في الترجمة السبعينية بكلمة عذراء كما اقتبسها متى (‪ )23 :1‬على أنها تحققت في والدة يسوع من‬
‫العذراء‪ .‬ويقول إشعياء إن والدة العذراء معجزة وآية من هّللا نفسه‪ :‬يعطيكم السيد نفسه آية وهذا معناه والدة‬
‫غير طبيعية سبق أن تنبأ عنها إشعياء منذ أجيال بعيدة‪.‬‬

‫وتَّتسم قصة البشيرين عن الميالد العذراوي بالدقة التاريخية‪ ،‬فلوقا يقول إنها حدثت وقت تعداد (اكتتاب) َأَم َر‬
‫به كيرينيوس‪ .‬وقد ظن البعض أن كيرينيوس حكم سوريا سنة ‪ 8‬بعد الميالد‪ ،‬فيكون التعداد حدث بعد مولد‬
‫المسيح وبعد موت هيرودس‪ .‬لكن ثبت أن كيرينيوس حكم مرتين‪ :‬أولهما من ‪ 7 - 10‬ق‪ .‬م‪ ،‬وهذا يجعل‬
‫اإلحصاء األول وقت والدة يسوع‪ ،‬وقبل موت هيرودس بقليل‪ ،‬وهو عام ‪ 4‬ق‪ .‬م‪.‬‬

‫ومع أن متى ولوقا يرويان قصة ميالد يسوع من زاويتين مختلفتين‪ ،‬وقد استقيا المعلومات من مرجعين‬
‫مختلفين‪ ،‬إال أنهما يتفقان في أن يسوع ُح بل به بالروح القدس من مريم العذراء المخطوبة ليوسف‪ ،‬الذي كان‬
‫يعلم سَّر ما حدث لخطيبته‪.‬‬

‫ونقدم هنا اثنتي عشرة نقطة للتوافق بين قصتي متى ولوقا‪:‬‬

‫‪ُ - 1‬و لد يسوع في أواخر أيام هيرودس (متى ‪ ، 13 ، 1 :2‬لوقا ‪.)5 :1‬‬

‫‪ُ - 2‬ح بل به من الروح القدس (متى ‪ 18 :1‬و ‪ ، 20‬لوقا ‪.)35 :1‬‬

‫‪ - 3‬أمه عذراء (متى ‪ 18 :1‬و ‪ 20‬و ‪ ، 23‬لوقا ‪.)34 ، 27 :1‬‬

‫‪ - 4‬كانت مخطوبة ليوسف (متى ‪ ، 18 :1‬لوقا ‪.)5 :2 ، 27 :1‬‬

‫‪ - 5‬يوسف من نسل داود (متى ‪ 16 :1‬و ‪ ، 20‬لوقا ‪.)4 :2 ، 27 :1‬‬

‫‪ُ - 6‬و لد يسوع في بيت لحم (متى ‪ .1 :2‬لوقا ‪ 4 :2‬و ‪.)6‬‬

‫‪ُ - 7‬دعي اسمه يسوع بتوجيه إلهي (متى ‪ ، 21 :1‬لوقا ‪.)31 :1‬‬

‫‪ُ - 8‬أعلن أنه المخِّلص (متى ‪ ، 21 :1‬لوقا ‪.)11 :2‬‬

‫‪ - 9‬عرف يوسف مقدمًا بما جرى لمريم‪ ،‬وسببه (متى ‪ ، 20 - 18 :1‬لوقا ‪.)5 :2‬‬

‫‪ - 10‬مع هذا فقد أخذ مريم وتحَّم ل مسؤليته من نحو الطفل يسوع (متى ‪ 20 :1‬و ‪ 24‬و ‪ ، 25‬لوقا ‪.)5 :2‬‬

‫‪ - 11‬صاحبت إعالن الميالد رؤى وإعالنات (متى ‪ ، 20 :1‬لوقا ‪ 26 :1‬و ‪.)27‬‬

‫‪ - 12‬عاشت مريم ويوسف في الناصرة بعد والدة المسيح (متى ‪ ، 23 :2‬لوقا ‪.)2:39‬‬
‫وال يوجد تناقض واحد في سلسلة نسب المسيح‪ .‬وهناك سلسلتان للنسب تظهران للقارئ السطحي متناقضتين‪.‬‬
‫على أن السلسلة التي أوردها متى هي ليوسف‪ ،‬والتي أوردها لوقا هي سلسة نسب مريم‪ .‬ولما كان يوسف من‬
‫نسل يكنيا‪ .‬فليس له الحق في العرش (إنظر إرميا ‪ 2 ، 30 :22‬ملوك ‪ 24 :2‬ومتى ‪ .)11 :1‬ولكن مريم ليست‬
‫من نسل يكنيا‪ .‬ولما لم يكن يوسف أبًا ليسوع‪ ،‬فإن ليسوع الحق في العرش باعتبار أنه نسل المرأة مريم (لوقا‬
‫‪.)23 :3‬‬

‫ويعارض البعض قصة ميالد يسوع العذراوي بحجة أن مرقس (أقدم البشيرين‪ ،‬والذي سجل ما سمعه من‬
‫الرسول بطرس) لم يذكر القصة‪ ،‬كما أن يوحنا لم يوردها في إنجيله‪ .‬ويقدم كلمنت روجرز الرد التالي‪ :‬كتب‬
‫مرقس إنجيله في وقت مبكر‪ ،‬كانت مريم أم يسوع حَّية وقتها‪ ،‬وكانت معروفة لدى الكثيرين‪ ،‬ولم تكن القصة‬
‫تحتاج لرواية‪ ،‬فوضع مرقس التركيز كله على تعاليم المسيح ومعجزاته‪ ،‬وبشكل خاص على قصة الصليب‪ .‬أما‬
‫يوحنا فقد كتب في وقت متأخر‪ ،‬كانت فيه قصة الميالد العذراوي قد ُعرفت وذاعت من قصة إنجيلي متى ولوقا‪.‬‬
‫ويهتم يوحنا بتوضيح موعد وليمة الفصح‪ ،‬ويفترض أن قَّر اءه يعرفون مريم ومرثا‪ .‬وهو يكتب للمسيحيين‪ ،‬أو‬
‫على األقل للمهتّم ين بالمسيحية‪ .‬ولو أن قصة الميالد العذراوي كانت موضع جدل أو إنكار لكتبها يوحنا ليؤكد‬
‫صحتها‪ ،‬ولكنه عندما يقول‪ :‬والكلمة صار جسدًا وحَّل بيننا يضّم ن الفكرة‪ .‬ولم يذكر يوحنا أيضًا موضوعي‬
‫المعمودية والعشاء الرباني ألنهما كانا قد أصبحا جزءًا ال يتجزأ من الحياة المسيحية‪ ،‬ولكنه يلّم ح إليهما في‬
‫روايته لقصة نيقوديموس‪ ،‬وفي الحديث عن إشباع الخمسة آالف (‪.)13‬‬

‫ومن الممكن أن يوحنا يشير إلى الميالد العذراوي في قوله ابنه الوحيد (يوحنا ‪ )16 :3‬ويقول جون رايس‪:‬‬
‫أشار يسوع إلى نفسه مرارًا بأنه ابن هّللا الوحيد ‪ .‬فهو لم ُيولد من يوسف بل من هّللا ‪ ،‬فهو ابن هّللا الوحيد وقد‬
‫جاء هذا التعبير في اإلنجيل ست مرات‪ ،‬منها مرتان تحَّدث فيهما يسوع عن نفسه‪ .‬وال يقول يسوع إنه أحد‬
‫أبناء هّللا ‪ ،‬لكن ابن هّللا الوحيد ‪ .‬ولم يولد أحد غيره من عذراء‪ .‬ويمكن أن نقول (بمعنى روحي) إن كل مؤمن‬
‫ُو لد ثانية لرجاء حي (‪ 1‬بطرس ‪ )3 :1‬ولكن أحدًا لم يولد كما ُو لد يسوع بالروح القدس‪ ،‬من مريم العذراء‬
‫بدون أب بشري (‪.)14‬‬

‫على أن يوحنا يقدم سلسلة نسب يسوع عندما يقول‪ِ :‬في اْلَبْد ِء َك اَن اْلَك ِلَم ة‪َ ..,‬و اْلَك ِلَم ُة َص اَر َج َس دًا (يوحنا ‪ 1 :1‬و‬
‫‪ ،)14‬إنه يرجع إلى األزل متجاوزًا الميالد العذراوي‪.‬‬

‫أما بولس فقد آمن بقصة الميالد العذراوي‪ ،‬ألن لوقا كان رفيق بولس في السفر والخدمة‪ ،‬وهو الذي روى لنا‬
‫قصة الميالد‪ .‬وال شك أن بولس كان يعلم القصة وأشار إليها عندما قال‪َ :‬أْر َس َل ُهّللا اْبَنُه َم ْو ُلودًا ِم ِن اْم َر َأٍة‬
‫(غالطية ‪.)4 :4‬‬

‫‪ - 1‬أدَّلة تاريخية على صحة الميالد العذراوي‪:‬‬

‫تمت كتابة األناجيل في وقت قريب من وقت ميالد المسيح‪ ،‬فلم تمض فترة بين الميالد وبين تسجيل قصته‬
‫لتسمح لألساطير بأن ُتنَس ج حولها‪ .‬ولو أن قصة الميالد العذراوي لم تكن صحيحة‪ ،‬فإن سؤالين يعترضاننا‪:‬‬

‫(ا) لو أن قصة الميالد العذراوي لم تكن مؤسسة على حقائق‪ ،‬فكيف كانت تنتشر بمثل السرعة التي انتشرت‬
‫بها؟‬

‫(ب) لو لم تكن األناجيل صحيحة تاريخيًا‪ ،‬فكيف حدث قبولها في العالم كله في هذا التاريخ المبكر؟‬

‫يقول جريشام ماتشن‪ :‬لو أن العهد الجديد لم يذكر قصة الميالد العذراوي فإن الشهادات التي جاءتنا من القرن‬
‫الثاني عن انتشار عقيدة الميالد العذراوي قبل أواخر القرن األول الميالدي‪ ،‬تكفي ِإل ثبات هذه الحقيقة (‪)15‬‬
‫ولقد كانت هناك طائفة مسيحية اسمها األبيونيون رفضت تصديق أن العذراء تلد ابنًا (إشعياء ‪ )14 :7‬وقالوا‬
‫إن ترجمتها هي سيدة شابة تلد ابنًا ولكن الثابت أن الكنيسة رفضت فكرة األبيونيين! وقد آمن كل المسيحيين‬
‫بالميالد العذراوي‪ ،‬ما عدا األبيونيين وقليلين من الغناطسة (العارفون باهّلل )‪ ،‬فقد كان اإليمان بالميالد العذراوي‬
‫جزءًا ال يتجزأ من إيمان الكنيسة‪.‬‬

‫ومما يؤّيد ذلك تاريخيًا‪ ،‬شهادة اآلباء األقدمين‪ ،‬فأغناطيوس (‪ 110‬م) يقول في رسالته ألهل أفسس‪ :‬إلهنا‬
‫يسوع المسيح ُح بل به بالروح القدس في رحم العذراء مريم ‪ .‬ويقول عذراوية القديسة مريم والمولود منها‪...‬‬
‫أسرار أجراها هّللا في الخفاء‪ ،‬والعالم كله يتحدث عن ذلك ‪ .‬وقد أخذ أغناطيوس هذه الحقيقة عن معّلمه يوحنا‬
‫الرسول‪ .‬وكانت هذه العقيدة معروفة‪ .‬وقد هاجمها كيرنتوس عدو الرسول يوحنا‪ ،‬ويقول جيروم إن كيرنتوس‬
‫عَّلم أن المسيح ُو لد من يوسف ومريم كأي إنسان آخر‪ .‬وقد التقى الرسول يوحنا بكيرنتوس في حمام عام‪،‬‬
‫فصرخ يوحنا‪ :‬لنخرج كلنا من هنا قبل أن ينهدم الحمام على كيرنتوس عدو الحق ‪.‬‬

‫وقد كتب أرستيدس (‪ 125‬م) عن الميالد العذراوي‪ ،‬قال‪ :‬إنه ابن هّللا المتعالي‪ ،‬الذي ُو لد بالروح القدس من‬
‫مريم العذراء‪ .‬إنه حسب الجسد من الجنس العبراني‪ ،‬بزرع هّللا في مريم العذراء (‪.)4‬‬

‫ويقدم جستن الشهير (‪ 150‬م) برهانًا قويًا على الميالد العذراوي‪ ،‬فيقول‪ :‬معلمنا يسوع المسيح‪ ،‬ابن هّللا‬
‫الوحيد‪ ،‬لم يولد ثمرة التصال جنسي‪ ...‬ولكن قوة هّللا حَّلت على العذراء وظللتها‪ ،‬وجعلتها تحبل مع بقائها‬
‫عذراء‪ ...‬ألنه بقوة هّللا ُح بل به من العذراء‪ ...‬فبحسب مشيئة هّللا ُو لد يسوع المسيح‪ ،‬ابن هّللا ‪ ،‬من العذراء‬
‫مريم ‪.‬‬

‫وكتب ترتليان‪ ،‬المحامي‪ ،‬أول مسيحي عظيم ممن يتكلمون باللغة الالتينية‪ .‬وهو ال يقول لنا فقط إن عقيدة‬
‫الميالد من عذراء كانت معروفة في عصره (‪ 200‬م) بل يزيد بأن يقول لنا إن االسم الالهوتي لهذه العقيدة هو‬
‫تسيرا ‪ .‬ونحن نعلم أن العقيدة ال يصير لها اسم الهوتي إال بعد أن تكون قد رسخت فترة من الزمن‪ .‬ويقتبس‬
‫ترتليان نّص العقيدة أربع مرات‪ ،‬وفيها العبارة‪ :‬إكس فيرجين ماريا (أي من مريم العذراء) (‪.)13‬‬

‫‪ - 2‬أدلة من الشهادة اليهودية القديمة‪:‬‬

‫وكما نتوقع‪ ،‬هاجم اليهود عقيدة الميالد العذراوي‪ ،‬أي أنه منذ القرن األول واجهت الكنيسة جدًال حول ميالد‬
‫المسيح العذراوي‪ ،‬األمر الذي يوضح لنا أن الكنيسة عّلمت بهذه العقيدة منذ البداية‪.‬‬

‫في سلسلة نسب يهودية‪ ،‬ترجع إلى ما قبل سنة ‪ 70‬م‪ ،‬نجد اسم يسوع مكتوبًا على أنه ابن لسيدة متزوجة‪ .‬وال‬
‫بد أن البشير متى كان يعرف هذه الكتابات‪ ،‬فكتب يحّذ ر ضدها‪ .‬وقد شَّهر علماء اليهود فيما بعد بيسوع على أنه‬
‫ابن زانية‪ ،‬كما ادَّعوا بأن اسم الزاني المجهول هو بانثيرا ‪ .‬وفي كتاباتهم القديمة أطلقوا عليه اسم يسوع بن‬
‫بانثيرا ‪ .‬أما كلسوس الكاتب األفالطوني الذي جمع في كتاباته بين الغث والثمين فقد جمع ‪ 160‬من النوادر‬
‫اليهودية عن عالقة مريم والشخص الخيالي بانثيرا (‪.)8‬‬

‫وفي التاريخ اليهودي لحياة يسوع ُيقال‪ :‬إنه أصل غير شرعي نتيجة صلة أمه بجندي ُيدعى بانثيرا (‪.)16‬‬

‫وبالطبع ما كان اليهود ليثيروا هذه القضية في كتابات كثيرة لو لم يكن المسيحيون ينادون بعقيدة الميالد‬
‫العذراوي‪.‬‬

‫وفي دفاع أوريجانوس ضد كلسوم يقول‪ :‬لنرجع إلى ما قاله اليهود من أن النجار خطيب مريم قد تخَّلى عنها‬
‫ألنه اقتنع أنها زنت وحبلت بطفل من جندي يدعى بانثيرا‪ .‬إنهم يقولون هذا ألنهم يريدون أن يتخَّلصوا من فكرة‬
‫الميالد المعجزي بالروح القدس‪ .‬ولكن لماذا لم يقولوا إن يسوع ثمرة زواج عادي؟ إنهم بهذه الفرية ُيقُّر ون‬
‫بأن يسوع لم ُيولد والدة عادية‪ .‬الواضح أنهم لينكروا حقيقة‪ ،‬اخترعوا كذبًا! لقد لَّفقوا قصصًا تافهة ليغّطوا‬
‫كذبهم‪ .‬هل من المعقول أن شخصًا خدم العالم كل هذه الخدمات‪ ،‬وعاش هذه الحياة النافعة على األرض‪ ،‬ال يولد‬
‫بطريقة معجزية‪ ،‬بل يولد من زنا‪ .‬بل المنتظر هو أن هذه النفس التي صنعت صالحًا أكثر من الجميع تحتاج إلى‬
‫جسد ال يختلف فقط عن سائر األجساد‪ ،‬بل ويسمو عليها كلها (‪.)17‬‬

‫واألناجيل تذكر هذه المعارضة للميالد العذراوي‪:‬‬

‫َأَلْيَس هَذ ا ُهَو الَّنَّج اَر اْبَن َم ْر َيَم ‪َ ،‬و َأَخ ا َيْع ُقوَب َو ُيوِس ي َو َيُهوَذ ا َو ِس ْم َعاَن ؟ َأَو َلْيَس ْت َأَخ َو اُتُه ه ُهَنا ِع ْنَد َنا؟ َفَك اُنوا‬
‫َيْع ُثُروَن ِبِه (مرقس ‪.)3 :6‬‬

‫َأْنُتْم َتْع َم ُلوَن َأْع َم اَل َأِبيُك ْم ‪َ .‬فَقاُلوا َلُه‪ِ :‬إَّنَنا َلْم ُنوَلْد ِم ْن ِز نًا‪َ .‬لَنا َأٌب َو اِح ٌد َو ُهَو ُهّللا (يوحنا ‪.)41 :8‬‬
‫ولقد اعتاد اليهود أن يطلقوا على الشخص اسم أبيه (يوحانان بن زكاي‪ ،‬مثًال) حتى لو كان أبوه قد مات قبل‬
‫والدته‪ :‬وكانوا يطلقون عليه اسم أمه عندما يكون مجهول األب (‪ .)8‬ولقد اتهم اليهود المسيح بأنه أكول‬
‫وشريب خمر‪ ،‬وكانت هذه الصفة ُتطلق على ابن الزنا بين يهود فلسطين‪ .‬ألنه بهذا السلوك ينُّم عن أصله‬
‫الوضيع‪ ،‬وبهذا المفهوم اَّتهم الفريسيون يسوع! (‪ .)8‬ومن هذا نرى أن اليهود اختلقوا فكرة ميالد المسيح غير‬
‫الشرعي ليقاوموا فكرة الميالد العذراوي التي عَّلمت بها الكنيسة منذ بداية عهدها‪.‬‬

‫‪ - 3‬اقتباسات من مؤلفين عالميين‪:‬‬

‫واآلن لندرس ما يقوله بعض المؤلفين العالميين‪:‬‬

‫قال جرفث توماس‪ :‬أكبر ما يسند عقيدة الميالد العذراوي أن المسيح كان فريدًا في حياته (‪.)29‬‬

‫ويقول هنري موريس‪ :‬من المناسب جدًا أن الشخص الذي أجرى كل المعجزات في حياته‪ ،‬وبذل نفسه على‬
‫الصليب ألجل فداء البشر‪ ،‬ثم قام منتصرًا من الموت تأييدًا ألقواله‪ ،‬يكون قد بدأ حياته بالدخول إلى العالم‬
‫بطريقة فريدة ‪.‬‬

‫ويمضي موريس فيقول‪ :‬إن كان هو المخّلص‪ ،‬فال بد أن يكون أعظم من مجرد إنسان‪ ،‬مع أنه ابن اإلنسان‪.‬‬
‫ولكي يموت عن خطايانا يجب أن يكون بال خطية‪ ،‬وليكون بدون خطية في السلوك يجب أن يكون أوًال بال خطية‬
‫في الطبيعة‪ ،‬فما كان يمكن أن يكون قد ورث الطبيعة البشرية الساقطة المحكوم عليها باللعنة والعبودية‬
‫للخطيئة مثل سائر البشر‪ ،‬فال بد إذًا أن يكون ميالده معجزيًا‪ .‬أن نسل المرأة قد ُز رع في رحم العذراء كما قال‬
‫المالك‪َ :‬الُّر وُح اْلُقُد ُس َيِح ُّل َع َلْيِك ‪َ ،‬و ُّقَو ُة اْلَعِلِّي ُتَظِّلُلِك ‪َ ،‬فِلذ ِلَك َأْيضًا اْلُقُّدوُس اْلَم ْو ُلوُد ِم ْنِك ُيْدَعى اْبَن ِهّللا (لوقا ‪:1‬‬
‫‪.)35‬‬

‫ثم يقول موريس‪ :‬الميالد العذراوي صحيح‪ ،‬ال ألن الكتاب المقدس يعّلمه فقط‪ ،‬بل ألنه أيضًا نوع الميالد الذي‬
‫يتمشى مع طبيعة المسيح ورسالته كمخّلص للعالم الهالك‪ .‬إن من ينكر عقيدة الميالد العذراوي ينكر وجود هّللا ‪،‬‬
‫وينكر أن هّللا صاحب سلطان على خليقته (‪.)18‬‬

‫ويقول جريشام مكتشن‪ :‬عقيدة الكنيسة بالميالد العذراوي صادقة ألنها الحقيقة (‪.)15‬‬

‫ويقول القرآن في سورة مريم‪َ :‬أَّنى َيُك وُن ِلي ُغ َالٌم َو َلْم َيْم َسْسِني َبَشٌر َو َلْم َأُك َبِغ ّيًا َقاَل َك َذ ِلَك َقاَل َر ُّبِك ُهَو َع َلَّي‬
‫َهِّيٌن َوِلَنْج َعَلُه آَيًة ِللَّناِس َو َر ْح َم ًة ِم َّنا َو َك اَن َأْم رًا َم ْقِضّيًا (آيتا ‪.)21 ، 20‬‬

‫ثانيًا ‪ -‬لو أن هّللا صار إنسانًا‬

‫فال بد أن يكون خاليًا من الخطأ‬

‫ولنطالع أوًال شهادة المسيح عن نفسه‪ .‬إنه يسأل‪َ :‬م ْن ِم ْنُك ْم ُيَبِّكُتِني َع َلى َخ ِطَّيٍة؟ (يوحنا ‪ .)46 :8‬ولم يجاوبه‬
‫أحد من أعدائه‪ .‬ولو أنه كان خاطئًا لما استطاع أن يوّج ه مثل هذا السؤال‪.‬‬

‫وقال أيضًا‪َ :‬أِلِّني ِفي ُك ِّل ِح يٍن َأْفَعُل َم ا ُيْر ِض يِه (يوحنا ‪ )29 :8‬فقد كانت عالقته باهّلل كاملة على الدوام‪،‬‬
‫وإحساسه بالطهارة الكاملة مذهل‪ .‬وكل مؤمن باهّلل يعلم أنه كلما زاد قربًا من هّللا زاد شعوره بخطئه‪ ،‬ولكن هذه‬
‫لم تكن الحالة مع المسيح‪ ،‬فقد عاش حياة القرب الكامل من هّللا بدون شائبة‪.‬‬

‫يخبرنا اإلنجيل أن الشيطان جرب المسيح (لوقا ‪ )4‬لكنه ال يقول إنه أخطأ! لم نسمعه يعترف أو يطلب غفران‬
‫هّللا ‪ ،‬مع أنه عَّلم تالميذه االعتراف وطلب المغفرة‪ .‬ومن الواضح أنه لم يكن لديه أي شعور بالذنب المالزم‬
‫للطبيعة الساقطة‪.‬‬

‫‪ - 1‬أصدقاؤه يشهدون لكماله‪:‬‬


‫لم يقدم الكتاب المقدس أيًا من أبطاله بدون عيب‪ ،‬فقد سَّج ل أخطاء الجميع بمن فيهم موسى وداود‪ ،‬وفي كل‬
‫سفر من العهد الجديد نرى نقائص الرسل‪ ،‬ولكنهم ال يذكرون نقصًا واحدًا في المسيح‪ .‬ولشهادة الرسل أهميتها‬
‫ألنهم عاشوا في قرب قريب من يسوع نحو ثالث سنوات‪ ،‬وكانوا يهودًا يدركون التعليم اليهودي عن الطبيعة‬
‫اإلنسانية الخاطئة‪ ،‬ولكنهم شهدوا لكماله بطريقة غير مباشرة‪ ،‬فلم يحاولوا برهنة كماله‪ ،‬لكنهم أوضحوها‬
‫عندما ذكروا ما عرفوه عن حياته‪ .‬لم يروا خطية واحدة فيه مع أنهم رأوا خطايا أنفسهم‪ .‬لقد جادلوا وتذَّم روا‪،‬‬
‫لكنهم لم يروا يسوع يفعل شيئًا من هذا‪ .‬ونتيجة لهذا يقول بطرس‪َ :‬بْل ِبَد ٍم َك ِر يٍم ‪َ ،‬ك َم ا ِم ْن َح َم ٍل ِباَل َع ْيٍب َو اَل‬
‫َد َنٍس‪َ ،‬د ِم اْلَم ِس يِح ب (‪ 1‬بطرس ‪ ،)19 :1‬ويقول‪ :‬اَّلِذ ي َلْم َيْفَعْل َخ ِطَّيًة‪َ ،‬و اَل ُوِج َد ِفي َفِمِه َم ْك ٌر (‪ 1‬بطرس ‪:2‬‬
‫‪ ،)22‬ويقول يوحنا‪َ :‬و َتْع َلُم وَن َأَّن َذ اَك ُأْظِهَر ِلَك ْي َيْر َفَع َخ َطاَياَنا‪َ ،‬و َلْيَس ِفيِه َخ ِطَّيٌة (‪ 1‬يوحنا ‪( )5 :3‬راجع ‪1‬‬
‫يوحنا ‪ .)10 - 8 :1‬يقول يوحنا إن البشر إن قالوا إنه ليس لهم خطية ُيضّلون أنفسهم وليس الحق فيهم‪ ،‬لكنه‬
‫يقول إن المسيح ليس فيه خطية!‬

‫حتى يهوذا‪ ،‬التلميذ الخائن رأى براءة المسيح فقال َقْد َأْخ َطْأُت ِإْذ َس َّلْم ُت َدمًا َبِر يئًا (متى ‪.)4 ، 3 :27‬‬

‫ويشهد بولس الرسول أن المسيح كان بال خطية (‪ 2‬كورنثوس ‪.)21 :5‬‬

‫‪ - 2‬أعداؤه يشهدون لكماله‪:‬‬

‫شهد أحد من اللصين المصلوبين معه لكماله بالقول‪َ :‬أَّم ا هَذ ا َفَلْم َيْفَعْل َشْيئًا َلْيَس ِفي َم َح ِّلِه (لوقا ‪.)41 :23‬‬

‫وبيالطس يشهد لكماله‪ِ :‬إِّني َلْم َأِج ْد ِفيِه ِع َّلًة ِلْلَم ْو ِت (لوقا ‪.)22 :23‬‬

‫وقائد المئة يقول‪ِ :‬با ْلَح ِقيَقِة َك اَن هَذ ا اِإْل ْنَس اُن َباّر ًا (لوقا ‪.)47 :23‬‬

‫وقد حاول أعداؤه الشكوى ضده‪ ،‬فلم يجدوا فيه عيبًا (مرقس ‪ .)56 ، 55 :14‬ويلّخ ص مرقس الشكاَو ى التي‬
‫ُو ِّج هت ضده‪ ،‬فيقول أوًال إنهم اتهموه بالتجديف ألنه غفر خطايا الناس‪ ،‬مع أن هّللا وحده هو الذي يغفر‪ .‬وثانيًا‬
‫اتهموه أنه كان يخالط الخطاة والسكيرين والزواني‪ ،‬األمر الذي كان رجال الدين اليهودي يتحاشونه‪ ،‬وكان رُّده‬
‫على ذلك أنه طبيب الخطاة (مرقس ‪ .)17 :2‬واتهموه ثالثًا أنه لم يُص ْم كالفريسيين‪ ،‬ولو أنه كان يتمسك بدينه‪.‬‬
‫وأخيرًا كانوا متضايقين ألنه نقض شريعة السبت اليهودية‪ ،‬إذ شفى المرضى في يوم السبت‪ .‬ولكنهم لم ينكروا‬
‫عليه أنه كان مطيعًا لناموس هّللا ‪ .‬والحق أنه رب السبت فاختار أن يكسر التقاليد اليهودية في تفسير شريعة هّللا‬
‫عن يوم السبت‪ ،‬دون أن يكسر الوصية نفسها‪.‬‬

‫‪ - 3‬التاريخ يشهد لكماله‪:‬‬

‫في سورة مريم في القرآن يقول المالك لمريم‪َ :‬أَنا َرُس وُل َر ِّبِك َأِلَهَب َلِك ُغ َالمًا َز ِكّيًا (آية ‪( )19‬والزكي هو‬
‫الطاهر الذي ال عيب فيه) ويقول في سورة آل عمران‪َ :‬و ِإِّني ُأِع يُذ َها ِبَك (مريم) َو ُذ ِّر َّيَتَها ِم َن الَّش ْيَطاِن الَّر ِج يِم‬
‫(آية ‪ .)36‬وفي الحديث‪ :‬ما من مولود يولد إال مَّس ه الشيطان حين يولد‪ ،‬فيستهّل صارخًا‪ ،‬إال مريم وابنها ‪.‬‬
‫رواه الشيخان‪.‬‬

‫ويقول المؤرخ فيليب شاف‪ :‬هنا قدس األقداس البشرية‪ .‬لم يعش أحد كما عاش المسيح الذي لم يؤذ أحدًا ولم‬
‫يستغل أحدًا‪ ،‬ولم ينطق بكلمة عاطلة‪ ،‬ولم يرتكب عمًال خاطئًا‪ .‬واالنطباع األول الذي يسود علينا عن حياة‬
‫المسيح هو البراءة الكاملة والعصمة من الخطية وسط عالم فاسد‪ .‬فهو وحده ‪ -‬ال سواه ‪ -‬كان بال عيب في‬
‫طفولته وشبابه ورجولته‪ ،‬ولذلك فالحمل والحمامة رمزان مناسبان لطهارته‪ .‬وبعبارة موجزة هو الكمال‬
‫المطلق الذي يرفع شخصيته فوق مستوى البشر ويجعله معجزة العالم األخالقية‪ ،‬وهو التجسد الحي للفضائل‬
‫والقداسة‪ ،‬وأسمى مثال لكل صالح ونقاء وُنْبل في نظر هّللا والناس‪ .‬هذا هو يسوع الناصري اإلنسان الكامل في‬
‫جسده ونفسه وروحه‪ ،‬ولكنه يختلف عن البشر جميعًا‪ .‬هو الفريد من طفولته إلى رجولته‪ ،‬الذي عاش في اتحاد‬
‫دائم باهّلل ‪ ،‬تفيض محبته على الناس‪ ،‬خاٍل من كل عيب وشر‪ ،‬مكَّر س ألقدس األهداف‪ .‬كانت تعاليمه وحياته في‬
‫توافق تام‪ ،‬وختم أطهر حياة بأسمى موت‪ .‬إنه النموذج الوحيد الكامل للصالح والقداسة (مرجعا ‪.)7 ، 6‬‬
‫ويقول جون سكوت‪ :‬إن نسيان النفس في خدمة هّللا والناس هو ما يدعوه الكتاب المقدس بالمحبة‪ .‬المحبة ال‬
‫تهتم بما لنفسها‪ ،‬بل تبذل نفسها‪ .‬وقد كان يسوع بال خطية ألنه لم يكن أنانيًا يطلب ما لنفسه‪ .‬وهذه هي المحبة‬
‫وهّللا محبة (‪.)19‬‬

‫ويقول ولبر سمث‪ :‬كانت أبرز صفات يسوع في حياته األرضية هي ما نفشل جميعًا فيها‪ ،‬ومع ذلك نعترف أنها‬
‫أعظم الصفات جميعًا‪ .‬إنها صفة الصالح المطلق‪ ،‬أي الطهارة الكاملة‪ ،‬والقداسة الحقيقية‪ .‬وفي هذا كان يسوع‬
‫معصومًا من الخطأ (‪.)10‬‬

‫ويقول جفرسون‪ :‬إن أعظم برهان على كمال المسيح هو أنه جعل المحيطين به يعترفون بكماله‪ .‬فلم يصدر عنه‬
‫في كل أحاديثه أي شيء من الندم أو الحزن على تقصير أو خطٍإ صدرا منه‪ .‬لقد عَّلمهم أنهم خطاة وأن القلب‬
‫البشري شرير‪ ،‬وأنهم يجب أن يطلبوا الغفران كلما يصّلون‪ .‬ولكنه لم يطلب مطلقًا الغفران لنفسه‪ ،‬فلم يفعل إال‬
‫كل ما يرضي هّللا (‪.)20‬‬

‫ويقول كنث التوريت المؤرخ الشهير‪ :‬ال يوجد أي أثر ِإل حساس المسيح بارتكاب خطإ‪ .‬وشخص في مثل سمو‬
‫المسيح يقّدم ألتباعه أعلى المبادئ ويعّلمهم ضرورة االعتراف بالخطية وطلب المغفرة لها‪ ،‬دون أن يحتاج هو‬
‫نفسه لذلك‪ ،‬ال بد أن يكون كامًال‪ .‬لقد كتب مبادئ الموعظة على الجبل بحياته‪ ،‬ولم تكن الموعظة إال ترجمة‬
‫لحياته (‪.)21‬‬

‫ونختتم هذا الموضوع باقتباس آخر من المؤرخ المسيحي فيليب شاف‪ :‬كلما زادت قداسة اإلنسان‪ ،‬زاد إحساسه‬
‫بالحاجة إلى الغفران‪ ،‬وشعوره بنقصه عن المستوى الروحي المطلوب‪ .‬ولكن يسوع الذي جاء في صورة‬
‫جسدنا‪ ،‬وتجَّر ب مثلنا‪ ،‬لم يستسلم للتجربة‪ ،‬ولم يكن لديه ما يدعو للندم أو لالستغفار‪ ،‬سواء عن فعل أو قول أو‬
‫فكر‪ .‬لم يكن محتاجًا إلى غفران أو تغيير أو إصالح‪ ،‬ولم يفقد ‪ -‬ولو للحظة واحدة ‪ -‬توافقه مع اآلب‪ .‬وكانت‬
‫حياته سلسلة متصلة من التكريس لمجد هّللا ولخير الناس األبدي (‪.)7‬‬

‫‪ - 4‬المتشّددون يشهدون لكماله‪:‬‬

‫يقول روسو‪ :‬عندما يصف أفالطون اإلنسان الخيالي الكامل‪ ،‬الذي يتحَّم ل عقاب الذنوب كلها‪ ،‬لكنه يستحق‬
‫أفضل جوائز الفضيلة‪ ،‬فإنه يصف بالضبط شخصية يسوع المسيح (‪.)6‬‬

‫ويقول الكاتب المشهور جون ستيوارت ميل‪َ :‬م ْن من بين تالميذه أو الذين آمنوا به كان يستطيع أن يقول كلمات‬
‫مثل التي قالها يسوع‪ ،‬أو كان يقدر أن يتخَّيل حياًة تشابه تلك الحياة التي تحَّدثت عنها األناجيل؟ (‪.)6‬‬

‫ويقول رالف والدو إمرسون‪ :‬يسوع أعظم كماًال من كل الناس الذين ظهروا في العالم (‪.)22‬‬

‫ويقول المؤرخ وليم ليكي‪ :‬إنه ليس فقط النموذج األسمى للفضيلة‪ ،‬لكنه أقوى باعث على ممارستها (‪.)23‬‬

‫وحتى دافيد ستراوس أشد من هاجم ما هو معجزي في األناجيل‪ ،‬والذي حاول ‪ -‬أكثر من أي كاتب آخر ‪ -‬أن‬
‫يحطم اإليمان بالمسيح ‪ -‬حتى ستراوس هذا‪ ،‬بكل قواه العقلية الفذة وطاقاته الذهنية التي سَّخ رها جميعًا في نقد‬
‫الكتاب المقدس واِإل نكار الكلي لكل ما هو معجزي‪ ،‬اضطر في أواخر حياته أن يعترف بأن في المسيح الكمال‬
‫األخالقي‪ ،‬وقال‪ :‬هذا المسيح شخص تاريخي وليس أسطوريًا‪ ،‬وهو شخص وليس مجرد رمز‪ ..‬أنه يظل على‬
‫الدوام أعلى نموذج للِّدين يمكن أن يصل إليه فكرنا‪ ،‬وال يمكن أن يصل إنسان إلى التقوى بدون حضوره في‬
‫القلب (‪.)6‬‬

‫وختامًا نقتبس قول برنارد رام‪ :‬إن ما نتوقع أن نراه في هّللا متجسدًا‪ ،‬هو الكمال الخالي من الخطية‪ ،‬والخلو‬
‫المطلق من الخطية‪ ،‬وهذا ما نجده في يسوع المسيح حقيقة جلية ‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ -‬لو أن هّللا صار إنسانًا‬

‫ألجرى المعجزات فوق الطبيعية‬


‫‪ - 1‬شهادات كتابية‪:‬‬

‫اْذ َهَبا َو َأْخ ِبَر ا ُيوَح َّنا ِبَم ا َر َأْيُتَم ا َو َسِمْع ُتَم ا‪ِ :‬إَّن اْلُعْمَي ُيْبِص ُروَن ‪َ ،‬و اْلُعْر َج َيْم ُشوَن ‪َ ،‬و اْلُبْر َص ُيَطَّهُروَن ‪َ ،‬و الُّص َّم‬
‫َيْس َم ُعوَن ‪َ ،‬و اْلَم ْو َتى َيُقوُم وَن ‪َ ،‬و اْلَم َس اِك يَن ُيَبَّشُروَن (لوقا ‪.)22 :7‬‬

‫فالمعجزات التي أجراها المسيح ُتظهر سلطانه في ميادين كثيرة‪ ،‬مثل سلطانه على الطبيعة وعلى األمراض‬
‫وعلى الشياطين وعلى الموت‪ .‬وكانت هذه المعجزات تحقيقًا للنبوات عن المسيح في العهد القديم‪.‬‬

‫ونقدم هنا معجزات في ميدان الشفاء الجسدي‪:‬‬

‫أبرص ‪ -‬متى ‪ ، 4 - 2 :8‬مرقس ‪ ، 45 - 40 :1‬لوقا ‪.15 - 12 :5‬‬

‫مفلوج ‪ -‬متى ‪ ، 8 - 2 :9‬مرقس ‪ ، 12 - 3 :2‬لوقا ‪.26 - 18 :5‬‬

‫مريض بالحمى (حماة بطرس) ‪ -‬متى ‪ ، 17 - 14 :8‬مرقس ‪.31 - 29 :1‬‬

‫ضعف جسدي ‪ -‬يوحنا ‪.9 - 1 :5‬‬

‫يد يابسة ‪ -‬متى ‪ ، 13 - 9 :12‬مرقس ‪ ، 6 - 1 :3‬لوقا ‪.11 - 6 :6‬‬

‫صمم وخرس ‪ -‬مرقس ‪.37 - 31 :7‬‬

‫العمى ‪ -‬مرقس ‪ ، 25 - 22 :8‬يوحنا ‪ ، 9‬مرقس ‪.52 - 46 :10‬‬

‫عشرة برص ‪ -‬لوقا ‪.19 - 11 :17‬‬

‫أذن ملخس المقطوعة لوقا ‪.51- 47 :22‬‬

‫نزيف دموي ‪ -‬متى ‪ ، 22 - 20 :9‬مرقس ‪ ، 34 - 25 :5‬لوقا ‪.48 - 43 :8‬‬

‫إستسقاء ‪ -‬لوقا ‪.4 - 2 :14‬‬

‫معجزات في ميدان الطبيعة‪:‬‬

‫تحويل الماء إلى خمر ‪ -‬يوحنا ‪.11 - 1 :2‬‬

‫إسكات عاصفة ‪ -‬متى ‪ ، 27 - 23 :8‬مرقس ‪ ، 41 - 35 :4‬لوقا ‪.25 - 22 :8‬‬

‫زيادة الطعام ليكفي ‪ - 5000‬متى ‪ ، 21 - 15 :14‬مرقس ‪ ، 44 - 34 :6‬لوقا ‪ ، 17 - 11 :9‬يوحنا ‪14 - 1 :6‬‬


‫وليكفي ‪ - 4000‬متى ‪ ، 39 - 32 :15‬مرقس ‪.9 - 1 :8‬‬

‫السير على الماء ‪ -‬متى ‪ ، 23 ، 22 :14‬مرقس ‪ ، 52 - 45 :6‬يوحنا ‪.19 :6‬‬

‫النقود من السمكة ‪ -‬متى ‪.27 - 24 :17‬‬

‫شجرة التين تيبس في الحال ‪ -‬متى ‪ ، 22 - 18 :21‬مرقس ‪.14 - 12 :11‬‬

‫معجزات إقامة موتى‪:‬‬

‫إقامة ابنة يايرس ‪ -‬متى ‪ ، 26 - 18 :9‬مرقس ‪ ، 43 - 35 :5‬لوقا ‪.56 - 41 :8‬‬


‫ابن أرملة نايين ‪ -‬لوقا ‪.15 - 11 :7‬‬

‫لعازر ‪ -‬يوحنا ‪.44 - 1 :11‬‬

‫‪ - 2‬شهادات وتعليقات على معجزاته‪:‬‬

‫قال بول لتل‪ :‬كان للمسيح سلطان عظيم على الطبيعة‪ ،‬ال يمكن أن يكون إال هّلل خالق ُقَو ى الطبيعة (‪.)24‬‬

‫ويقول كاليف لويس في كتابه المعجزات ‪ :‬ستبقى كل أساسيات الديانة الهندوسية باقية لو نزْعَت الجانب‬
‫المعجزي منها‪ ،‬وهكذا الحال مع ديانات أخرى‪ .‬ولكنك ال تقدر أن تفعل هذا مع المسيحية‪ ،‬فإنها قصة المسيح‪،‬‬
‫المعجزة العظيمة (‪.)25‬‬

‫ويقول برنارد رام‪ :‬في الديانات المختلفة يؤمن الناس بالمعجزات ألنهم قد آمنوا بالدين‪ ،‬أما الكتاب المقدس فإن‬
‫المعجزات فيه جزء من وسائل تأسيس الدين الحقيقي‪ .‬وهذا فارق بالغ األهمية‪ ،‬فلقد ظهرت إسرائيل في‬
‫الوجود بسلسلة من المعجزات‪ ،‬وُأعطي الناموس محاطًا بمعجزات‪ ،‬وصاحبت رسائل األنبياء معجزات‪ .‬وجاء‬
‫المسيح‪ ،‬ال واعظًا فقط‪ ،‬بل صانع معجزات أيضًا‪ ،‬وهكذا كان الرسل يصنعون معجزات‪ .‬لقد برهنت المعجزات‬
‫صدق الرسالة (‪.)26‬‬

‫ويمّيز فيليب شاف بين قصص المعجزات السحرية المذكورة في القصص السوقية وغيرها من الكتابات‬
‫األسطورية‪ ،‬وبين معجزات الكتاب المقدس‪ ،‬فيقول إن معجزات الكتاب المقدس جاءت طبيعية ببساطة وُيسر‪،‬‬
‫حتى إننا ندعوها أعمال هّللا (‪.)7‬‬

‫ويقول جرفث توماس إن كلمة أعمال هّللا تعني أنها ثمر طبيعي لحياته وتعبير طبيعي عن نفسه‪ ،‬فال بد أن‬
‫شخصًا مثل المسيح ُيجري األعمال الخارقة (‪.)29‬‬

‫ويمضي فيليب شاف ليقول‪ :‬كانت كل معجزاته مظهرًا لشخصه‪ ،‬فأجراها كلها ببساطة كأعمال عادية يعملها كل‬
‫يوم‪ .‬وقد دفعه إلى عملها كلها أطهر الدوافع‪ ،‬لمجد هّللا ولخير الناس‪ .‬إنها معجزات محبة ورحمة‪ ،‬عامرة‬
‫بالتوجيهات والتعاليم المَّتسقة مع شخصيته ورسالته (‪.)6‬‬

‫ويقول ف‪ .‬تشيز‪ :‬تذخر كل األناجيل بمعجزات المسيح‪ ،‬لكن لو جمعناها معًا الكتشفنا فيها وحدة غير مرسومة‪،‬‬
‫ولوجدنا أنها تجدد كل نواحي حياة اإلنسان ليستعيد سالمه العقلي والروحي والجسدي‪ .‬وال تعرض األناجيل‬
‫معجزات المسيح لتظهر قوته أو عظمته‪ ،‬ولو أنها فعلت ذلك لظهرت غير طبيعية‪ .‬إنها تعبير عن محبته‬
‫ورحمته للناس (‪.)5‬‬

‫ويقول جارفي‪ :‬تتفق المعجزات تمامًا مع شخصية المسيح ورسالته‪ ،‬فهي ليست دليًال خارجيًا‪ ،‬بل هي جزء ال‬
‫يتجزأ من إعالن محبة اآلب السماوي ورحمته ونعمته في المسيح يسوع ابن هّللا الحبيب وفادي البشر الحنون‬
‫الكريم ‪.‬‬

‫ويقول توماس جريفث‪ :‬بالنسبة لنا نحن‪ ،‬المسيح نفسه هو أعظم معجزة‪ ،‬والتفكير المنطقي السليم هو أن نبدأ‬
‫من المسيح إلى المعجزات‪ ،‬وليس من المعجزات إلى المسيح ‪.‬‬

‫‪ - 3‬شهادات يهودية قديمة لمعجزاته‪:‬‬

‫يقول أثلبرت ستوفر‪ :‬نجد في كتابات اليهود القديمة الكثير من اِإل شارات لمعجزات المسيح‪ ،‬سواء في كتبهم‬
‫الدينية أو تواريخهم‪ ،‬فيقول المعلم أليعازر بن هيرانوس (سكن في اللد سنة ‪ 95‬م)‪ :‬إن معجزات يسوع فنون‬
‫سحرية ‪ .‬وفي كتابات السنهدريم (من سنة ‪ 110 - 95‬م) نفي لمعجزات المسيح باعتبارها من أعمال السحر‬
‫لتضليل إسرائيل‪ .‬ونحو سنة ‪ 110‬م نقرأ جدال بين يهود فلسطين إن كان يجوز إجراء الشفاء باسم يسوع‪.‬‬
‫وهذا بالطبع يعني اعترافهم بأن يسوع كان يشفي (‪.)8‬‬
‫ونجد في كتابات اإلمبراطور جوليان المرتّد عن المسيحية (‪ 363 - 361‬م) وأحد األعداء األلّداء للمسيحية‪،‬‬
‫قوله‪ :‬يسوع‪ ،‬الذي مضى على زمنه نحو ‪ 300‬سنة‪ ،‬لم يعمل شيئًا في حياته يستحق الشهرة‪ ،‬إال إذا ظَّن أحد‬
‫أن شفاء أعرج أو أعمى أو مجنون في قرى بيت صيدا وبيت عنيا شيء عظيم (‪ .)6‬وهو بهذا يشهد ‪ -‬دون‬
‫قصد ‪ -‬أن يسوع عمل المعجزات في بيت صيدا وبيت عنيا!‬

‫ويشهد القرآن للمسيح بعمل المعجزات وإقامة الموتى وغير ذلك (المائدة ‪.)110‬‬

‫ويذكر من المعجزات‪ :‬الخلق واالبراء واإلحياء وعلم الغيب‪ ،‬ألن هّللا أيده بروح القدس (المائدة ‪ )113‬وهذا ما‬
‫لم يحدث ألحد من األنبياء قبله وال بعده (الرازي)‪ .‬ويقول الجالالن‪ :‬فأبرأ في يوم خمسين ألفًا بالدعاء بشرط‬
‫اإليمان ‪.‬‬

‫‪ - 4‬معجزاته ال َلْبَس فيها‪:‬‬

‫فقد أجرى يسوع معجزاته أمام الجمهور الناقد المتفّح ص‪ .‬وعندما أقام لعازر من الموت لم ينكر أعداؤه‬
‫المعجزة‪ ،‬ولم يحاولوا أن يكذبوها‪ ،‬بل أرادوا أن يقتلوه ويقتلوا لعازر‪ ،‬البرهان الصادق على حدوث المعجزة!‬
‫(يوحنا ‪ )48 :11‬وكان هدفهم أن يمنعوا الناس من اإليمان بالمسيح‪.‬‬

‫لقد عرف معاصرو المسيح قدرته على عمل المعجزات‪ ،‬ولكن أعداءه نسبوا هذه القوة إلى األرواح الشريرة‪،‬‬
‫بينما أدرك أصحابه أنها قوة هّللا ‪( .‬متى ‪ .)24 :12‬وقد أجاب المسيح على اتهام أعدائه هذا بقوله‪ُ :‬ك ُّل َمْم َلَك ٍة‬
‫ُم ْنَقِس َم ٍة َع َلى َذ اِتَها ُتْخ َر ُب ‪َ ،‬و ُك ُّل َم ِد يَنٍة َأْو َبْيٍت ُم ْنَقِسٍم َع َلى َذ اِتِه اَل َيْثُبُت ‪َ .‬فِإْن َك اَن الَّش ْيَطاُن ُيْخ ِرُج الَّش ْيَطاَن َفَقِد‬
‫اْنَقَس َم َع َلى َذ اِتِه‪َ .‬فَك ْيَف َتْثُبُت َمْم َلَكُتُه؟ (متى ‪ 25 :12‬و‪.)26‬‬

‫صحيح أن الديانات المختلفة تعزو معجزاٍت لمؤسسيها‪ ،‬لكن أكاذيبهم ال يجب أن تجعلنا نكّذ ب المعجزات التي‬
‫أجراها المسيح‪ .‬فإن بعض الناس يرفضون المعجزات بُح جة أنها ضد القوانين الطبيعية‪ ،‬ولكن القوانين‬
‫الطبيعية ليست عّلة األشياء‪ ،‬بل هي مجرد وصف لما يسمح هّللا بحدوثه‪ .‬فعندما نتحدث عن معجزات يسوع‬
‫نرى تدُّخ ل هّللا ليوّج ه قوانين الطبيعة وَسْير األحداث‪ .‬والمعجزات هي إحدى وسائل هّللا لالتصال بنا‪ ،‬وإيماننا بها‬
‫يتوقف على إيماننا به‪.‬‬

‫ولو أننا سمحنا للفكر العلمي عن انتظام واستمرارية الطبيعة‪ ،‬أن يغلق الطريق أمامنا‪ ،‬فإن إيماننا بالمعجزات‬
‫سيكون مستحيًال‪ .‬ولكننا لو فعلنا هذا نكون قد قررنا النتيجة قبل أن نفحص األدّلة! إن العلم يقدر أن يقول إن‬
‫المعجزات ال تحدث في النظام الطبيعي العادي‪ ،‬ولكنه ال يقدر أن يمنع المعجزات‪ ،‬ألن القوانين الطبيعية ليست‬
‫عّلة األشياء‪ ،‬وبالتالي فهي ال تمنعها‪.‬‬

‫ويقول فيليب شاف‪ :‬المعجزات أشياء فوق الطبيعة وليست ضدها‪ .‬إنها تعبير عن قانون أعلى‪ ،‬تخضع له‬
‫القوانين األدنى ‪.‬‬

‫ويقول جون برودوس‪ :‬خذ األناجيل وادرسها‪ .‬لو أن المسيح لم يعمل المعجزات فإنه بالتأكيد يكون قد قال الكثير‬
‫من الكذب‪ .‬إما أنه تكَّلم كما لم يتكلم أحد قّط‪ ،‬وأن شخصيته هي بال عيب‪ ،‬وأنه صنع معجزات‪ ،‬أو أنه كذب‬
‫علينا! ‪.‬‬

‫وقال األستاذ عباس محمود العقاد في كتابه حياة المسيح (كتاب الهالل يناير ‪:)1958‬‬

‫من الحق أن نقول إن معجزة المسيح الكبرى هي هذه المعجزة التاريخية التي بقيت على الزمن ولم تْنَقِض‬
‫بانقضاء أيامها في عصر الميالد‪ :‬رجل ينشأ في بيت نجار في قرية خاملة بين شعب مقهور‪ ،‬يفتح بالكلمة دوًال‬
‫تضيع في أطوائها دولة الرومان‪ ،‬وال ينقضي عليه من الزمن في إنجاز هذه الفتوح ما قضاه الجبابرة في ضم‬
‫إقليم واحد‪ ،‬قد يخضع إلى حين ثم يتمرد ويخلع النير‪ ،‬وال يخضع كما خضع الناس للكلمة بالقلوب واألجسام‪.‬‬

‫وتم على يد هذا الرسول نقيض ما يتم على أيدي الوثنية في صولتها وسلطانها‪ ،‬فإن الوثنية تتغلب ألنها دين‬
‫الدولة الغالبة‪ ،‬أما هذه الرسالة ‪ -‬رسالة الملكوت السماوي ‪ -‬فقد نشأت في عشيرة قبيلة ذليلة‪ ،‬تحكمها تارة‬
‫دولة الرومان الغربية‪ ،‬وتحكمها تارة أخرى دولة الرومان الشرقية‪ ،‬فلم يمض غير أجيال معدودات حتى غزت‬
‫الدولتين واستوت على العاصمتين‪ ،‬وصَّح ما رووه عن جوليان ‪ -‬سواء قاله أو لم يقله ‪ -‬فانتصر الجليلي‬
‫بملكوته السماوي على ممالك القياصر‪ ،‬وضم القياصر إلى حاشيته‪ ،‬فمنه يأخذون ما أخذوه باسم قيصر وما‬
‫أخذوه باسم هّللا ! ‪.‬‬

‫ويختم األستاذ عباس العقاد كتابه هذا بقوله‪:‬‬

‫وبعد‪ ،‬فهذا الكتاب مقصور على غرض واحد‪ ،‬وهو جالء العبقرية المسيحية في صورة عصرية‪ ،‬نفهمها اآلن‬
‫كما نفهم العبقريات على أقدارها وأسرارها‪ ،‬وقد قَّل فيها نظير هذه العبقرية العالية في تواريخ األزمان قاطبة‪.‬‬
‫وال يزال هذا الغرض المجيد مَّتسعًا للتوفية والتجلية من نواح عدة‪ ،‬فإن ُك تب لنا أن ُنوَّفق لزيادة شيء إلى هذه‬
‫الذخيرة القدسية‪ ،‬فذلك حسبنا وكفى ‪.‬‬

‫رابعًا ‪ -‬لو أن هّللا صار إنسانًا‬

‫لجاء مختلفًا عن كل البشر!‬

‫كان تأثير يسوع على الناس عظيمًا حتى وقفوا معه أو ضده‪ ،‬ولكنهم لم يملكوا أن يكونوا ال مبالين معه! ويقول‬
‫القرآن عنه‪ :‬المسيح عيسى بن مريم وجيهًا في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن المقربين (آل عمران آية ‪ )45‬ويقول‬
‫البيضاوي‪ :‬وجيهًا في الدنيا بالنّبَو ة وفي اآلخرة بالشفاعة ويقول الرازي‪ :‬الوجاهة في الدنيا هي النّبَو ة أو‬
‫استجابة دعائه‪ ،‬أو براءته من العيوب‪ .‬وفي اآلخرة الشفاعة‪ ،‬أو عّلو درجته ومنزلته‪ ،‬أو كثرة ثوابه ‪.‬‬

‫ويقول بسكال‪ :‬من أين للبشيرين أن يعرفوا صفات البطولة الكاملة‪ ،‬حتى يرسموها بكل هذا الكمال والجالل في‬
‫المسيح يسوع؟ ‪.‬‬

‫ويقول مارتن سكوت‪ :‬من كل وجه كان يسوع إنسانًا حقيقيًا بل وأعظم من إنسان (‪ .)9‬فإن يسوع هو هّللا الذي‬
‫ظهر في الجسد تحت ظروف الزمن‪ ،‬وهذه فكرة غير عادية‪ .‬كانت حياته مقدسة‪ ،‬وكلماته صادقة‪ .‬كان الحق‬
‫متجسدًا‪ ،‬بال مثيل في الكمال والطهر واالتزان العاطفي والعقلي‪ ،‬له النظرة الصافية والبصيرة النفاذة‪.‬‬

‫ويقول جون يونج في كتابه مسيح التاريخ ‪ :‬كيفيمكن أنه في كل األجيال لم ُيْقم شخص كامل كيسوع؟ إن ما‬
‫عمله هّللا للتقوى والفضيلة على األرض في وقت ما وفي حالة ما‪ ،‬يمكن أن يتكَّر ر في أوقات وحاالت أخرى‪.‬‬
‫ولو كان يسوع إنسانًا فقط ألقام هّللا ‪ ،‬على توالي األجيال‪ ،‬أشخاصًا مثله يكونون نماذج للبشر في القداسة‬
‫والتعليم والنهوض بالعالم‪ .‬ولكن هّللا لم يفعل! (‪.)27‬‬

‫ويقول كارنيجي سمبسون‪ :‬ال يمكن أن تضع يسوع في نفس المستوى مع اآلخرين‪ ،‬فعندما نقرأ اسمه في‬
‫قائمة العظماء من كونفوشيوس إلى جوته نشعر أننا أسأنا إلى اللياقة والذوق‪ ،‬فإن يسوع ليس واحدًا من‬
‫هؤالء العظماء‪ .‬تحَّد ْث عن االسكندر األكبر أو شرلمان العظيم أو نابليون العظيم ‪ -‬كما شئت‪ ..‬ولكن يسوع يقف‬
‫وحده‪ ،‬فهو ليس األكبر! إنه الوحيد ‪ .‬إنه يسوع الفريد وكفى! إنه ال يخضع للتحليل‪ .‬إنه يسمو فوق كل نقد‪ .‬إنه‬
‫يبعث فينا االحترام الكامل له (‪.)19‬‬

‫ويقول فيليب شاف‪ :‬لم تنحرف غيرته إلى انفعال‪ ،‬وال ثباته إلى عناد‪ ،‬وال إحسانه إلى ضعف‪ ،‬وال رّقته إلى‬
‫مجرد عواطف‪ .‬لقد كان اجتماعيًا شديد المباالة بالناس‪ ،‬رغم أن روح العالم لم تسيطر عليه‪ .‬كانت عظمته‬
‫خالية من الكبرياء والجرأة‪ ،‬وكان تعّلقه بالناس بعيدًا عن رفع التكّلف الذي ال داعي له‪ ،‬وإنكاره لنفسه بدون‬
‫كآبة‪ ،‬واعتداله بال تزّم ت‪ ..‬لقد جمع براءة األطفال بقوة الرجال‪ ،‬وحوى التعّبد العميق هّلل مع االهتمام الكامل‬
‫بخير البشر‪ .‬جمع بين الحب الرقيق للخطاة والقسوة الشديدة على الخطية‪ .‬وجمع بين الوقار اآلسر والتواضع‬
‫الجاذب‪ .‬جمع بين الشجاعة التي ال تخاف والحذر الحكيم‪ ،‬وحوى الحزم الذي ال يستسلم مع اللطف الجميل (‪.)6‬‬

‫في حديث بين روبرت براوننج وتشارلس الم عن انطباعاتهما لو أن أحد الموتى دخل عليهما‪ُ ،‬س ئل الم عما‬
‫يفعله لو أن المسيح دخل الحجرة قال‪ :‬لو أن شكسبير دخل الحجرة لُقمنا كلنا لنقابله‪ ،‬ولكن لو أن هذا الشخص‬
‫(يسوع) دخل إليها لخررنا جميعًا محاولين أن نّقبل هدب ثوبه (‪.)19‬‬
‫ويقول شاف‪ :‬ما يعترف به الجميع‪ ...‬أن يسوع قد عّلم أطهر مبادئ األخالق‪ ،‬التي ُتلقي بكل النظريات األخالقية‬
‫األخرى وحكمة أحكم الحكماء‪ ،‬في الظالل (‪.)6‬‬

‫ويقول جوهان تفريدفون هردر (في الموسوعة الدينية)‪ :‬إن يسوع المسيح‪ ،‬بأسمى معاني الكلمة هو المثال‬
‫األعلى للبشرية‪ ،‬باعتراف الجميع ‪.‬‬

‫وقال نابليون بونابرت‪ :‬إنني عليم بالناس‪ ،‬ولكني أقول إن يسوع المسيح ليس مجرد إنسان‪ ،‬فليس بينه وبين‬
‫أي إنسان آخر في العالم مجال للمقارنة‪ .‬لقد أّس ست أنا واالسكندر وقيصر وشرلمان إمبراطوريات‪ ،‬لكن َع َالَم‬
‫أرسينا قواعدها؟ على القوة! ولكن يسوع المسيح أّس س إمبراطوريته على الحب‪ .‬وفي هذه اللحظة هناك‬
‫الماليين المستعدون أن يموتوا من أجله (‪.)22‬‬

‫يقول ثيودور باركر‪ ،‬أحد الموّح دين المشهورين (ممن ينكرون التثليث)‪ :‬إن يسوع يجمع في نفسه أسمى‬
‫المبادئ مع أروع األفعال السماوية‪ ،‬وفي صورة أسمى من كل ما حلم به األنبياء والحكماء‪ ،‬فهو يخلو من كل‬
‫ظنون عصره وأمته‪ ،‬ويفيض بالتعاليم الجميلة كالنور‪ ،‬والطاهرة كالسماء‪ ،‬والصادقة كاهّلل ‪ .‬وها قد مَّر ت ثمانية‬
‫عشر قرنا منذ أن ارتفعت شمس البشرية إلى الذروة في يسوع المسيح‪ .‬وأي إنسان أو أي مذهب استطاع أن‬
‫يستوعب كل فكِر ه ويدرك كل تعاليمه ويطبقها تمامًا على الحياة ؟‪.‬‬

‫ويقول فيلبس بروكس‪ :‬في يسوع المسيح نرى تنازل هّللا ورفعة البشرية ‪.‬‬

‫وإليك ما يقوله بعض معارضي المسيح‪:‬‬

‫يقول العبقري جوته قرب نهاية حياته‪ ،‬وهو يتطلع إلى التاريخ‪ :‬لو أن كائنًا إلهيًا ظهر في التاريخ لكان هو‬
‫المسيح ‪ ...‬إن العقل البشري‪ ،‬مهما تقدم في مختلف الميادين‪ ،‬لن يسمو فوق ِقَيم وآداب المسيحية التي تشرق‬
‫وتتوّهج في األناجيل (‪ )7‬ويقول‪ :‬إنني أحترم األناجيل وأعتبرها صحيحة‪ ،‬فمنها يشرق نور الجالل والسّم و من‬
‫شخص المسيح السماوي الذي لم يظهر له مثيل في األرض (‪.)2‬‬

‫وعندما سئل المؤرخ ه‪ .-‬ج‪ .‬ويلز عن الشخص الذي ترك أعمق أثر دائم على التاريخ‪ ،‬قال‪ :‬إنه بمقياس العظمة‬
‫التاريخية يجيء يسوع أوًال (‪.)26‬‬

‫ويقول أرنست رينان‪ :‬مهما جاءت مفاجئات المستقبل‪ ،‬فلن ُيعَلى على يسوع (‪.)6‬‬

‫ويشير توماس كاراليل إلى يسوع بالقول‪ :‬إنه الرمز السماوي‪ ،‬أعلى مما يستطيع الفكر البشري أن يبلغه‪ .‬إنه‬
‫الشخصية الالنهائية التي تتطَّلب الدرس الدائم (‪.)6‬‬

‫ويقول روسو‪ :‬هل يمكن أن يكون الشخص الذي تقدمه األناجيل إنسانًا؟ يا للحالوة! يا للخلق الطاهر! ما أعظم‬
‫الصالح اآلسر في تعاليمه! يا لروعة أقواله! يا لعمق حكمة تعاليمه! يا لحضور ذهنه وبراعة حكمه في إجاباته‬
‫الرائعة المفحمة! نعم! إن كان سقراط قد عاش ومات كفيلسوف‪ ،‬فإن يسوع المسيح قد عاش ومات كاهّلل (‪.)2‬‬

‫ونختم باقتباس قول جونستون روس‪ :‬هل فكرت في المكانة الخاصة التي احتلها يسوع من جهة جنسه؟ إن‬
‫النساء والرجال يجدون صعوبة على السواء وهم يحاولون الوصول إلى مثاله‪ ..‬فكل ما في الرجال من قوة‬
‫وعدل وحكمة‪ ،‬وكل ما في النساء من رقة وطهر وبصيرة‪ ،‬نراه في المسيح بدون أن يكون ثمة ما يعوق ظهور‬
‫كل هذه الفضائل المتباينة في شخص واحد ‪.‬‬

‫خامسًا ‪ -‬لو أن هّللا صار إنسانًا‬

‫لكانت كلماته أعظم ما قيل‬

‫قال المسيح‪َ :‬الَّس َم اُء َو اَأْلْر ُض َتُز واَل ِن ‪َ ،‬و ل ِكَّن َكاَل ِم ي اَل َيُزوُل (لوقا ‪ )33 :21‬والناس الذين سمعوا كالمه ُبِه ُتوا‬
‫ِم ْن َتْعِليِمِه‪َ ،‬أِلَّن َكاَل َم ُه َك اَن ِبُس ْلَطاٍن (لوقا ‪ .)32 :4‬ومن الضباط إلى الحراس نسمع‪َ :‬لْم َيَتَك َّلْم َقُّط ِإْنَس اٌن هَك َذ ا‬
‫ِم ْثَل هَذ ا اِإْل ْنَس اِن (يوحنا ‪.)46 :7‬‬
‫وترجع عظمة تعاليم المسيح إلى أنها عالجت‪ ،‬بسلطان ووضوح‪ ،‬أكثر مشاكل الناس إرهاقًا‪ ،‬خصوصًا تلك التي‬
‫تتصل بعالقاتهم بالرب‪.‬‬

‫إن تعاليمه عالمات على الطريق‪ ،‬لكل األجناس والشعوب‪ ،‬ألنه نور العالم‪ .‬ولنقارن بين المسيح وأفالطون الذي‬
‫كان سابقًا للمسيح بنحو ‪ 400‬سنة‪ ،‬وكان متقدمًا على المسيح في الفكر الفلسفي‪ .‬لكن قارن بين كتاباته في‬
‫المحاورات وبين األناجيل‪ .‬المحاورات مليئة باألخطاء والسخف المنافي للعقل‪ ،‬وبعبارات ال أخالقية‪ ،‬مع أنها‬
‫رغم كل ذلك تعتبر أسمى ما وصل إليه العقل البشري في الروحانية التي ال تساندها اإلعالنات السماوية (‪.)12‬‬

‫وتقف عظمة شخصية المسيح خلف عظمة تعاليمه! لم يقتبس أو يعلن تعليم سواه‪ ،‬لكنه أعلن تعاليمه هو‪ .‬لم‬
‫يقل‪ :‬هكذا قال الرب بل قال‪ :‬الحق الحق أقول لكم وأما أنا فأقول ‪.‬‬

‫ويقول جوزيف باركر‪ :‬بعد قراءة أفكار أفالطون وسقراط وأرسطو نرى الفرق بينها وبين تعاليم المسيح‪،‬‬
‫كالفرق بين التساؤالت والوحي المعَلن (‪.)22‬‬

‫ويقول برنارد رام‪ :‬من جهة اإلحصاءات تقف األناجيل كأعظم ما ُك تب‪ ،‬يقرأها أكبر عدد من الناس‪ ،‬ويقتبسها‬
‫أكبر عدد من المؤلفين‪ ،‬وُتترجم إلى أكثر اللغات‪ ،‬ويّص ور أفكارها معظم الفنانين والموسيقيين والرسامين‪ .‬إنها‬
‫ُتقرأ وُتقتبس وُتترجم وُتحب وتحظى بإيمان الناس بها أكثر‪ ،‬ألنها أعظم الكلمات‪ .‬وتكمن عظمتها في وضوحها‬
‫وقدسيتها ودقتها وسلطانها في معالجة مشاكل البشر العظمى التي تجيش بها صدورهم‪ .‬إنها تجيب على‬
‫التساؤالت‪ :‬من هو هّللا ؟ هل يحبني؟ هل يهتم بي؟ ماذا أفعل ألرضيه؟ كيف ينظر لخطيتي؟ كيف أجد الغفران؟‬
‫إلى أين أذهب بعد الموت‪ ،‬كيف أعامل اآلخرين؟ وال يمكن أن كلمات إنسان آخر تشّد انتباهنا أكثر من كلمات‬
‫يسوع‪ ،‬ألنه ال يستطيع إنسان آخر أن يجيب على هذه األسئلة الجوهرية كما أجاب عنها يسوع‪ ،‬فإجاباته هي‬
‫اإلجابات نفسها التي ننتظر صدورها من هّللا ‪ ،‬وهكذا تستريح قلوبنا عليها (‪.)26‬‬

‫لقد صارت تعاليم المسيح قوانين وعقائد ‪è‬وأمثاًال‪ ،‬وصارت سبب عزاء للماليين دون أن تنتهي أو تزول‪ .‬فأي‬
‫معلم بشري َض ِم َن أن تستمر كلماته لألبد؟ تظهر أنواع من كالم البشر‪ ،‬ثم تزول‪ ،‬وتقوم ممالك وإمبراطوريات‬
‫ثم تسقط‪ ،‬أما يسوع فسيظل إلى األبد هو الطريق والحق والحياة ‪ .‬ولم يحدث أن ثورة أَّثرت في أي مجتمع بقدر‬
‫ما أَّثرت كلمات يسوع‪.‬‬

‫ولربما نسمع البعض يقولون إن ما قاله يسوع قد ِقيل من قبل‪ .‬ولنفرض أن هذا صحيح (مع أنه ليس‬
‫صحيحًا)‪ ..‬فال زالت تعاليم المسيح تجيء في القمة‪ ،‬ففي كل تعليم آخر هناك التوافه ممتزجة باألشياء الهامة‪.‬‬
‫أما يسوع فقد قدم التعاليم الباقية النافعة الخالدة فقط‪ .‬وقد عاش كل كلمة قالها بسلوكه وآزرها بأفعاله‪ .‬وكيف‬
‫لهذا النجار الذي لم يتلَّق تعليمًا خاصًا‪ ،‬ولم يدرس الثقافة والعلوم اإلغريقية‪ ،‬وعاش وسط شعب متزّم ت ضيق‬
‫األفق‪ ...‬كيف له أن يجمع أعظم تعاليم العالم ويقدمها معًا بدون خطأ وال عيب‪ ،‬وبدون تعديل أو تصحيح أو‬
‫نسخ؟ كيف يقف عمالقًا معلمًا لألجيال؟!‬

‫ويقول جرفث توماس‪ :‬مع أن يسوع لم يتلَّق تعليمًا الهوتيًا رسميًا من رجال الدين اليهود‪ ،‬لكنه لم ُيظهر أي‬
‫ترّدد أو خجل في إعالن ما رأى هو أنه حق! وبدون تفكير في نفسه أو في سامعيه خاطب الجمهور بدون‬
‫خوف‪ ،‬وبدون حساب للعواقب على نفسه‪ ،‬فقد كان هُّم ه أن يوّص ل رسالته‪ .‬وقد شعر سامعوه بقوة كالمه (لوقا‬
‫‪ )32 :4‬فأسر سامعيه بقوة شخصيته التي تجَّلت في قوة أقواله‪ ،‬حتى قالوا إنه لم يتكلم قط إنسان مثله (يوحنا‬
‫‪ .)46 :7‬لقد ترك عمق حديثه وروعته وبساطته وشموله ونفاذه أعمق األثر في سامعيه‪ ،‬فأدركوا أنهم أمام‬
‫معلم لم َتَر البشرية له نظيرًا من قبل‪ ،‬فيقول عنه بولس بعد سنوات عديدة‪ :‬متذّك رين كلمات الرب يسوع‬
‫(أعمال ‪ )35 :20‬وال يزال هذا هو الحال على مر األجيال (‪.)29‬‬

‫ويقول األستاذ عباس محمود العقاد في كتابه حياة المسيح (كتاب الهالل يناير ‪.)1958‬‬

‫الحق أن قدرة السيد المسيح على الردود السريعة واألجوبة المسكتة‪ ،‬لهي دليل آخر إلى جانب أدلة كثيرة على‬
‫الشخصية التاريخية‪ ،‬والدعوة المتناسقة‪ ،‬ألنها قدرة من وراء طاقة التالميذ والمستمعين‪ ،‬بل هم يرُو ونها وال‬
‫يفطنون إلى أهم البواعث عليها في سياسة الرسالة المسيحية‪ ،‬فإن هذه الرسالة قائمة على اجتناب التشريع‬
‫واجتناب التعُّر ض له باِإل بطال أو اِإل بدال‪ ،‬ووجهتها على الدوام أنها ال تَّدعي سلطة من سلطات الدنيا والدين‪،‬‬
‫وأن مملكة المسيح من غير هذا العالم وليست من ممالك الدو ل والحكومات‪ .‬وكذلك قال لُك َّهان الهيكل‪ ،‬وكذلك‬
‫قال لبيالطس حاكم الرومان‪ ،‬وعلى ذلك جرى أسلوبه في كل أمر وفي كل موعظة‪ .‬فهو أسلوب اآلداب والمُثل‬
‫العليا وليس بأسلوب النصوص والقوانين‪.‬‬

‫ويرجع األمر إلى ضمير يحاسب صاحبه وال يرجع إلى قاض يفقأ عينًا‪ ،‬أو يدخل في الصدور ليتتبع فيها بواعث‬
‫االشتهاء‪ .‬ولو خلصت هذه المعاني إلى سامعيها جميعًا‪ ،‬كما عناها السيد المسيح‪ ،‬لما ثبتت له كما ثبتت من‬
‫اختالف الفهم والتأويل ‪.‬‬

‫سادسًا ‪ -‬لو أن هّللا صار إنسانًا‬

‫لكان تأثيره شامًال ودائمًا‬

‫ال تزال شخصية المسيح ‪ -‬بعد ألفي سنة ‪ -‬تترك تأثيرها على البشر‪ ،‬ففي كل يوم يختبر بعض الناس اختبارات‬
‫ثورية مع يسوع!‬

‫ويقول كنث التوريت المؤرخ العظيم‪ :‬الفهم المسيحي للتاريخ ال ينكر التقدم‪ ..‬وكلما مضت القرون تجَّم عت األدلة‬
‫‪ -‬من تأثير المسيح في التاريخ ‪ -‬على أن يسوع هو أعظم من عاشوا تأثيرًا على الناس‪ ،‬ويبدو أن هذا التأثير‬
‫يتزايد (‪.)30‬‬

‫ويضيف فيليب شاف‪ :‬بدون مال أو أسلحة هزم يسوع الناصري ماليين أكثر من االسكندر وقيصر ونابليون‪.‬‬
‫وبدون علوم أفاض نورًا على األمور الزمنية واألمور السماوية أكثر من كل الفالسفة والعلماء مجتمعين‪،‬‬
‫وبدون دخول مدرسة بالغة تحدث بكلمات الحياة كما لم يتحدث أحد من قبل‪ ،‬وأَّثر في سامعيه كما لم يؤثر‬
‫شاعر أو خطيب‪ ،‬وبدون أن يكتب سطرًا واحدًا دفع أقالمًا كثيرة لتكتب‪ ،‬وقَّدم أفكار عظات وخطب ومناقشات‬
‫ومجلدات وأعمال فنية وترانيم وتسابيح أكثر من كل األبطال والعظماء عبر العصور القديمة والحديثة (‪)6‬‬
‫ويقول مارتن سكوت‪ :‬إن تأثير يسوع على الناس اليوم قوي كما كان قويًا وقت أن كان على األرض (‪.)9‬‬

‫لقد صرف على األرض ثالث سنوات فيها تترَّك ز أعمق معاني التاريخ والدين‪ ،‬ولم تمِض حياٌة بمثل هذه‬
‫السرعة والهدوء والتواضع‪ ،‬ولكنها أثارت اهتمام الفكر اإلنساني بصورة شاملة (‪.)7‬‬

‫وعندما ترك يسوع األرض قال لتالميذه إنهم سيعملون أعماًال أعظم من تلك التي عملها هو‪ .‬وقد حّققت القرون‬
‫صدق هذا القول! وال يزال يسوع يعمل اليوم في عالمنا (أشياء أعجب مما فعل وهو على األرض)‪ ،‬من خالل‬
‫أتباعه‪ .‬فهو يفتدي الناس ويغّير حياتهم لألفضل‪ ،‬متقدمًا بهم إلى كل ما هو حق وجليل وعادل وطاهر لخير‬
‫البشر في مختلف الميادين‪.‬‬

‫ولنا كل الحق أن نشير إلى تأثير يسوع العظيم‪ ،‬ال كمسألة في الماضي‪ ،‬بل كأمر يلمس الحياة في كل جوانبها‪،‬‬
‫اليوم )‪.è(29‬‬

‫ويقول وليم ليكي‪ :‬حّض األفالطونيون الناس على االقتداء باهّلل ‪ ،‬وحّض هم الرواقيون على اّتباع العقل‪ ،‬وحَّض هم‬
‫المسيحيون على حب المسيح‪ .‬أما الرواقيون المتأخرون فقد جمعوا الصفات الممتازة في حكيم نموذجي‪ .‬وحض‬
‫أبكتيتوس تالميذه أن يتمّثلوا أمامهم شخصًا عظيمًا يتخيلونه قريبًا منهم‪ .‬على أن حكيم الرواقيين النموذجي‬
‫كان شخصًا يحاولون محاكاته‪ ،‬دون أن يتحول إعجابهم به إلى حب‪ .‬لكن المسيحية وحدها قدمت للعالم‬
‫الشخصية النموذجية‪ ،‬التي ‪ -‬بالرغم من تغُّيرات ثمانية عشر قرنًا ‪ -‬ألهمت قلوب الناس بالحب الصادق‪،‬‬
‫وعملت في كل العصور واألمم واألمزجة والظروف‪ .‬فهي لم تقدم أسمى نماذج الفضيلة فحسب‪ ،‬بل وأعظم‬
‫الدوافع على ممارستها‪.‬‬

‫صرفت هذه الشخصية ثالث سنوات قصيرة عامرة بالنشاط أَّثرت في تجديد البشر وتهذيبهم أكثر مما فعلت كل‬
‫بحوث الفالسفة ومواعظ رجال األخالق‪ ،‬وكانت هذه الشخصية هي نبع أفضل ما في الحياة المسيحية‪ .‬وفي‬
‫وسط الخطايا والسقطات والشعوذات واالضطهادات والتعُّص بات التي ّش َو هت الكنيسة‪ ،‬حفظت في شخص‬
‫مؤّس سها ومثاله‪ ،‬القوة الدائمة الفعالة في التجديد (‪.)23‬‬
‫إن اآلالف والماليين اليوم‪ .‬كما في كل العصور‪ ،‬يشهدون لقوة المسيحية ومجدها في معالجتها للخطية والشر‪.‬‬
‫وهذه الحقائق تقف قوية لُتقنع كل من يريد أن يتعلم‪ ..‬إن إنجيًال خامسًا ُيكتب اآلن‪ ،‬هو عمل يسوع المسيح في‬
‫حيوات وقلوب الناس واألمم (‪.)29‬‬

‫وقال نابليون‪ :‬يسوع وحده نجح في السمو بفكر الناس إلى غير المنظور فوق حدود الزمن والمسافات‪ .‬إنه‬
‫يطلب ما يصعب عمله‪ ،‬وما ال تقدر الفلسفة على الوصول إليه‪ ،‬وما يفشل الصديق في الحصول عليه من‬
‫صديقه‪ ،‬واألب من أوالده‪ ،‬والعريس من عروسه‪ ،‬والرجل من أخيه! إنه يطلب القلب البشري كله بدون قيد وال‬
‫شرط ليكون قوة في مملكة المسيح‪ .‬وكل من يؤمنون به بإخالص يختبرون حبًا فوق الطبيعي له‪ ،‬وهي ظاهرة‬
‫تفوق خيال البشر‪ .‬وال يقدر الزمن بكل تأثيره الهَّدام أن يستنزف قوة هذه المحبة أو يضع حدًا لها (‪.)2‬‬

‫لكن‪ :‬هل تناسب المسيحية كل الناس في كل العصور وكل الشعوب؟ هل تناسب المتعّلم والجاهل؟ هل يستطيع‬
‫جميع الناس في كل مكان أن يستوعبوا مبادئها؟‬

‫الحقيقة أنه حيثما يكون المسيح فهو السيد‪ ،‬يطالب الناس بالتضحية فيضّح ون‪ .‬إن دعوته خالية من التعّص ب‪،‬‬
‫تقود الناس إلى كل عمل صالح وعظيم‪ ،‬مهما تضَّم ن من تضحية‪ .‬قال نابليون‪ :‬طبيعة المسيح مملوءة‬
‫باألسرار‪ ،‬لكنها أسرار تقابل احتياجات الناس‪ .‬ولو رفْض َت المسيح لصار العالم لغزًا ال ُيفهم‪ ،‬ولو آمنت به‬
‫لوضح لك تاريخ جنسنا البشري بدرجة كافية (‪.)22‬‬

‫ومنذ وقت المسيح لم يقّدم أحد ‪ -‬رغم كل ما بلغه الفكر اإلنساني من تقّدم ‪ -‬فكرًا واحدًا أخالقيًا جديدًا للعالم! وال‬
‫عجب فإن رسالة المسيح تتمَّيز بثالثة أشياء عظيمة‪ ،‬هي‪ :‬التوبة والثقة والمحبة‪ ،‬وهذه الثالثة تجعل الرسالة‬
‫مناسبة لكل عصر ومكان وعمر‪ .‬ولقد جذبت المسيحية الماليين من أفضل مفكري الجنس البشري‪ ،‬ولم يمنع‬
‫تقّد ُم ها تياَر تقّدم البشرية (‪ )29‬وقد ظل شخص مؤسسها العامل المستمر في انتشارها وتقدمها‪ .‬وكان والء‬
‫أتباعه له وتعّبدهم لشخصه هما العامل القوي في وحدتهم رغم كل الظروف واختالف اآلراء‪ .‬وال عجب أن‬
‫يقول دافيد ستراوس‪ :‬سيبقى المسيح أعلى نموذج للديانة يمكن أن يصل إليه فكرنا‪ ،‬وال يمكن أن يصل إنسان‬
‫إلى التقوى بدون وجود المسيح في قلبه (‪.)6‬‬

‫ويقول وليم تشاننج‪ :‬إن حكماء التاريخ وأبطاله يخفت ضوؤهم شيئًا فشيئًا‪ ،‬وبمرور الزمن يتصاغر الحّيز الذي‬
‫يشغلونه من التاريخ‪ .‬أما يسوع المسيح فليس لمرور الزمن من أثر على اسمه أو أفعاله أو أقواله ‪.‬‬

‫وقال عنه أرنست رينان‪ :‬يسوع هو أعظم عبقري ديني عاش على األرض‪ .‬جماله خالد وُم ْلكه لن ينتهي‪ .‬إنه‬
‫فريد من كل جهة‪ ،‬وال يمكن مقارنته بشيء ‪ ..‬وكل التاريخ غير قابل للفهم بدون المسيح (‪.)22‬‬

‫وقال رام‪ :‬أن يقول النجار الجليلي إنه نور العالم‪ ،‬وأن يبقى هذا القول معَترفًا به بعد هذه القرون الكثيرة‪ ،‬أمٌر‬
‫ال يمكن تفسيره إال على أساس ألوهيته (‪. )26‬‬

‫وإليك مقالتين مشهورتين ُك تبتا فيه‪:‬‬

‫المقالة األولى عنوانها‪ :‬حياة واحدة فريدة تقول‪:‬‬

‫هنا رجل ُو لد في قرية مغمورة ألم ريفية‪ ،‬ونشأ في قرية أخرى‪ ،‬وعمل في دكان نجار حتى بلغ الثالثين من‬
‫العمر‪ ،‬ثم ظل ثالث سنوات يتّج َو ل كارزًا‪ .‬لم يمتلك في حياته بيتًا‪ ،‬ولم يكتب كتابًا‪ ،‬ولم يشغل وظيفة‪ ،‬ولم يّك ِو ن‬
‫أسرة‪ ،‬ولم يدرس في جامعة‪ ،‬ولم يضع قدميه في مدينة كبيرة‪ ،‬ولم يسافر بعيدًا عن مسقط رأسه بأكثر من‬
‫مائتي ميل‪ ،‬ولم يعمل عمًال واحدًا من تلك التي تواكب العظمة حسب مألوف العالم‪ ،‬ولم تكن له أوراق اعتماد إال‬
‫نفسه! عندما كان شابًا وقف ضده الرأي العام‪ ،‬وهرب أصحابه منه‪ ،‬وأنكره واحد منهم‪ ،‬وأسلمه ألعدائه‪ ،‬فدخل‬
‫في مهزلة المحاكمة‪ ،‬وسَّم روه على صليب بين لَّص ين‪ .‬وبينما كان يموت قامر جّالدوه على الشيء الوحيد الذي‬
‫كان يملكه على األرض‪ :‬على ردائه! وعندما مات أنزلوه ليدفنوه في قبر ُم ستعار قَّدمه صديق له من باب‬
‫الشفقة!‬
‫وقد جاءت تسعة عشر قرنًا طويلة ومضت‪ ،‬وهو ال يزال مركز الجنس البشري‪ ،‬وقائد تقُّدمه‪ .‬إن كل الجيوش‬
‫التي سارت‪ ،‬وكل األساطيل التي ُبنيت‪ ،‬وكل البرلمانات التي انعقدت‪ ،‬وكل الملوك الذين حكموا‪ ،‬كل هؤالء‬
‫مجتمعين معًا‪ ،‬لم يؤثروا في حياة الناس بالقوة التي أثرت بها فيهم هذه الحياة الواحدة الفريدة ‪.‬‬

‫أما المقالة الثانية فعنوانها المسيح الذي ال نظير له وهي تقول‪:‬‬

‫منذ تسعة عشر قرنًا مضت ُو لد إنسان على خالف قوانين الحياة‪ ،‬عاش في فقر ونشأ مغمورًا‪ .‬لم يسافر بعيدًا‪،‬‬
‫ولم يعبر حدود البالد التي ُو لد فيها إال كطفل طريد‪.‬‬

‫لم يملك ثروة وال نفوذًا‪ ،‬وكان أهله مغمورين‪ .‬لم يتلَّق تعليمًا رسميًا وال تدريبًا‪ ،‬غير أنه في طفولته أرعب‬
‫ملكًا‪ ،‬وفي صّبوته أدهش العلماء‪ ،‬وفي رجولته سيطر على زمام الطبيعة‪ ،‬وسار على األمواج كأنها طريق‬
‫معَّبد‪ ،‬وسَّك ت البحر فهدأ‪ .‬شفى الجماهير بدون دواء‪ ،‬ولم يتقاَض مقابًال لخدماته‪.‬‬

‫لم يكتب كتابًا‪ ،‬ولكن كل مكتبات الدولة ال تقدر أن تسع الكتب التي ُك تبت عنه‪ ،‬ولم يؤلف ترنيمة‪ ،‬ولكنه أوحى‬
‫بأفكار الترانيم أكثر مما فعل كل كّتاب األغاني مجتمعين! ولم يؤسس كلية‪ ،‬لكن كل المدارس مجتمعة معًا ليس‬
‫بها من التالميذ مثل ما له‪.‬‬

‫لم يسّير جيشًا‪ ،‬ولم يجّند جنديًا‪ ،‬ولم يطلق بندقية‪ ،‬ولكن لم يكن لقائد غيره جنود متطوعون تحت إمرته مثلما‬
‫له‪ ،‬حتى أن العصاة المتمردين ألقوا بأسلحتهم دون أن يطلقوا طلقة واحدة‪.‬‬

‫لم يمارس الطب النفسي‪ ،‬ولكنه شفى من القلوب الكسيرة أكثر ممن شفاهم كل األطباء في كل العالم‪ .‬وتتوقف‬
‫عجلة التجارة مرة كل أسبوع لتتمكن الجماهير من أن تجد طريقها لمحال عبادته‪ ،‬لتقدم له الخشوع واإلكرام‪.‬‬

‫لقد ظهرت أسماء رجال الدول المشهورين في اليونان وروما واندثرت‪ ،‬وظهرت أسماء علماء وفالسفة‬
‫والهوتيين واختفت‪ ،‬ولكن اسم هذا اإلنسان في تعاظم مستمر‪ .‬ومع أنه قد مضت تسعة عشر قرنًا منذ صلبه‪ ،‬إال‬
‫أنه ال يزال يحيا‪ .‬لم يستطع هيرودس أن يحطمه‪ ،‬ولم يقدر القبر أن يمسكه!‬

‫إنه يقف على أعلى قمة المجد السماوي‪ ،‬بإعالن واضح من هّللا ‪ ،‬تعترف به المالئكة‪ ،‬ويتعبد له القديسون‪،‬‬
‫وتخافه األبالسة‪ ،‬ألن يسوع المسيح الحي هو الرّب والمخِّلص ‪.‬‬

‫سابعًا ‪ -‬لو أن هّللا صار إنسانًا‬

‫ألشبع جوع الناس الروحي‬

‫ُطوَبى ِلْلِج َياِع َو اْلِع َطاِش ِإَلى اْلِبِّر ‪َ ،‬أِلَّنُهْم ُيْش َبُعوَن (متى ‪.)6 :5‬‬

‫ِإْن َع ِط َش َأَح ٌد َفْلُيْقِبْل ِإَلَّي َو َيْش َرْب (يوحنا‪.)37 :7‬‬

‫َم ْن َيْش َر ُب ِم َن اْلَم اِء اّلِذ ي ُأْع ِط يِه َأَنا َفَلْن َيْع َطَش ِإَلى اَأْلَبِد (يوحنا ‪.)14 :4‬‬

‫َس اَل مًا َأْتُر ُك َلُك ْم ‪َ .‬س اَل ِم ي ُأْع ِط يُك ْم ‪َ .‬لْيَس َك َم ا ُيْعِط ي اْلَعاَلُم ُأْع ِط يُك ْم َأَنا‪ .‬اَل َتْض َطِر ْب ُقُلوُبُك ْم َو اَل َتْر َهْب (يوحنا ‪:14‬‬
‫‪.)27‬‬

‫َأَنا ُهَو ُخ ْبُز اْلَح َياِة‪َ .‬م ْن ُيْقِبْل ِإَلَّي َفاَل َيُج وُع‪َ ،‬و َم ْن ُيْؤ ِم ْن ِبي َفاَل َيْع َطُش َأَبدًا (يوحنا ‪.)35 :6‬‬

‫َتَعاَلْو ا ِإَلَّي َيا َج ِم يَع اْلُم ْتَعِبيَن َو الَّثِقيِلي اَأْلْح َم اِل ‪َ ،‬و َأَنا ُأِر يُح ُك ْم (متى ‪.)28 :11‬‬

‫َأَتْيُت ِلَتُك وَن َلُهْم َح َياٌة َو ِلَيُك وَن َلُهْم َأْفَض ُل (يوحنا ‪.)10 :10‬‬
‫يقول علماء النفس إن اإلنسان يحتاج إلى االتصال بشيء أكثر من نفسه‪ ،‬والديانات الكبرى شاهدة على احتياج‬
‫اإلنسان‪ ،‬وأهرامات مصر والمكسيك ومعابد الهند نماذج لحاجة اإلنسان الروحية‪ .‬وقد كتب مارك توين عن‬
‫فراغ اإلنسان‪ ،‬قال‪ :‬من المهد إلى اللحد ال يعمل اإلنسان شيئًا إال بهدف واحد‪ ،‬وهو أن يحصل على سالم العقل‬
‫وعلى الراحة الروحية ‪ .‬وقال المؤرخ فيشر‪ :‬هناك صرخة في النفس‪ ،‬ال يجد لها استجابة في العالم ‪ .‬وقال توما‬
‫األكويني إن عطش النفس للسعادة ال يهدأ‪ ،‬وهو عطش ال يرويه إال هّللا وحده! ‪ .‬ويقول برنارد رام‪ :‬االختبار‬
‫المسيحي وحده هو الذي يجعل اإلنسان يستمتع بحرية روحه‪ .‬أما ما هو من دون هّللا فإنه يترك روح اإلنسان‬
‫عطَشى جائعة متَعبة فاشلة وناقصة (‪.)26‬‬

‫ويصف شاف المسيح بالقول‪ :‬ارتفع فوق أحقاد الطائفية والتعُّص ب‪ ،‬وفوق خرافات عصره وأمته‪ ،‬وخاطب قلب‬
‫اإلنسان المكشوف له‪ ،‬ولمس ما هو حي في الضمير (‪.)7‬‬

‫قال أحدهم يصف اختباره الروحي في المسيح‪ :‬استطاع اإلنسان أن يغّير عالمه بطريقة مذهلة‪ ،‬ولكنه لم يقدر‬
‫أن يغّير نفسه‪ .‬ولما كانت هذه المشكلة في أساسها روحية‪ ،‬ولما كان اإلنسان بطبعه مَّياًال للشر (كما يشهد‬
‫التاريخ) فإن الطريقة الوحيدة لتغيير اإلنسان تجيء من هّللا ‪ .‬وعندما يسّلم اإلنسان نفسه ليسوع المسيح‪،‬‬
‫وُيخِض ع نفسه إلرشاد الروح القدس‪ ،‬فإنه يتغَّير‪ .‬وعلى هذا التغيير المعجزي يتوقف رجاء عالمنا المرتعب من‬
‫التفجيرات النووية والنشاطات اإلشعاعية التي تهدد كل سكانه (‪.)31‬‬

‫وكتب ماتسون‪ ،‬رئيس العالقات العلمية لمعامل أبوت الطبية يقول‪ :‬مهما كانت حياتي صعبة كعاِلم ورجل أعمال‬
‫ومواطن وزوج وأب‪ ،‬فإني أرجع إلى النقطة المركزية أللتقي بيسوع الذي يحفظني ويخلصني بقوته (‪.)31‬‬

‫وقال طالب في جامعة بتسبرج‪ :‬مهما كانت األفراح والمسرات في اختباراتي الماضية ‪ -‬مجتمعة معًا ‪ -‬فإنها ال‬
‫تساوي الفرح الخاص والسالم اللذين منحهما لي الرب يسوع المسيح‪ ،‬منذ أن دخل حياتي ليُس ودها ويوّج هها ‪.‬‬

‫ويقول الدكتور مكستر أستاذ علم الحيوان في كلية هويتون‪ :‬إن العالم الذي يتبع النظريات العلمية يفعل ذلك‬
‫ألنه يؤمن بالبراهين التي وجدها‪ .‬لقد صرُت مسيحيًا ألني وجدُت في نفسي حاجة ال يمكن أن ُيشبعها غير‬
‫المسيح‪ .‬احتجت للغفران فأعطاه لي‪ ،‬واحتجت للُّص حبة فصار هو صديقي‪ ،‬واحتجت للشبع فمنحه لي (‪.)31‬‬

‫ويقول بول جونسون‪ :‬لقد صنع هّللا فراغًا خاصًا في دواخلنا‪ ،‬على صورته هو‪ ،‬ولن يمأل هذا الفراغ غير هّللا‬
‫نفسه‪ .‬ربما تحاول ملئه بالمال أو العائلة أو الِغ نى أو القوة أو الشهرة‪ ،‬أو أي شيء آخر‪ ،‬ولكنه لن يمتلئ! لن‬
‫يمأله غير هّللا ! هو وحده الذي يملؤه ويشبعه ‪.‬‬

‫ويقول وولتر هيرن من كلية أوهايو‪ :‬كثيرًا ما يستغرقني نوع من الفلسفة‪ ...‬إن معرفة المسيح هي الحياة ذاتها‬
‫بالنسبة لي‪ ،‬ولكنها من نوع جديد الحياة الفضلى التي وعد بها ‪.‬‬

‫قال رجل أعمال‪ :‬طلبت من المسيح أن يأتي إلى حياتي ويسكن فَّي ‪ .‬وألول مرة في حياتي أختبر السالم الكامل‪.‬‬
‫لقد انتهت حياة الفراغ التي كنت أحياها إلى غير رجعة‪ ،‬ولم أُعد أشعر مطلقًا بأنني وحيد ‪.‬‬

‫لقد وجد كثيرون السعادة التي نشدوها في يسوع المسيح‪.‬‬

‫ثامنًا ‪ -‬لو أن هّللا صار إنسانًا‬

‫لكان له سلطان على الموت‬

‫لم يكن يسوع مجبرًا على الموت‪ ،‬فإنجيل متى ‪ 54 ، 53 :26‬يوضح أنه كان يملك القوة ليفعل ما يريد‪ .‬وفي‬
‫يوحنا ‪ 18 :10‬نجد الجواب‪َ :‬لْيَس َأَح ٌد َيْأُخ ُذ َها ِم ِّني‪َ ،‬بْل َأَضُعَها َأَنا ِم ْن َذ اِتي‪ِ .‬لي ُس ْلَطاٌن َأْن َأَضَعَها َوِلي ُس ْلَطاٌن‬
‫َأْن آُخ َذ َها َأْيضًا ‪ .‬ومن هذا نرى أن يسوع مات طوعًا عن خطايا الناس‪.‬‬

‫ويقول جرفث توماس‪ :‬لم يكن موت المسيح انتحارًا‪ ،‬لكنه كان طواعية‪ .‬كان علينا نحن أن نتألم‪ ،‬لكن لم يكن‬
‫عليه هو‪ ،‬وكانت كلمة واحدة منه كافية لتخليص حياته‪ .‬ولم يكن موته ُص دفة‪ ،‬فإنه كان قد سبق أن تنبأ به‬
‫وجَّهز نفسه له بطرق مختلفة‪ .‬ولم يكن موته موت مجرم‪ ،‬ألنه لم يتفق اثنان من الشهود في أي اتهام موَّج ه‬
‫ضده‪ ،‬وأعلن بيالطس الوالي أنه لم يجد فيه عَّلة‪ ،‬بل ‪è‬أن الملك هيرودس لم يجد ما يقوله ضده‪ .‬فلم يكن موت‬
‫المسيح إعدامًا عاديًا (‪.)29‬‬

‫ولم يحدث أن إنسانًا في التاريخ كان له السلطان أن يسّلم روحه بإرادته كما فعل المسيح (لوقا ‪ )46 :23‬فإن‬
‫لوقا ويوحنا يصفان موت المسيح بما يفيد أن موته كان معجزيًا‪ ،‬فقد استودع روحه بين يدي هّللا بعد أن دفع‬
‫أجرة الخطية بالكامل‪ .‬لقد حدثت معجزة عند الجلجثة يوم الجمعة‪ ،‬كما حدثت معجزة في البستان صباح أحد‬
‫القيامة!‬

‫ثم كان َد ْفن يسوع بعد موته‪ .‬وتقول قصة اإلنجيل‪َ :‬و َلَّم ا َك اَن اْلَم َس اُء ‪َ ،‬ج اَء َرُج ٌل َغ ِنٌّي ِم َن الَّر اَم ِة اسُم ُه ُيوُس ُف ‪-‬‬
‫َو َك اَن ُهَو َأْيضًا ِتْلِم يذًا ِلَيُس وَع‪َ 58 .‬فهَذ ا َتَقَّد َم ِإَلى ِبياَل ُطَس َو َطَلَب َج َس َد َيُس وَع‪َ .‬فَأَم َر ِبياَل ُطُس ِح يَنِئٍذ َأْن ُيْع َطى‬
‫اْلَج َس ُد (متى ‪َ - )58 ، 57 :27‬و َج اَء َأْيضًا ِنيُقوِد يُم وُس ‪ ،‬اَّلِذ ي َأَتى َّأَو ًال ِإَلى َيُسوَع َلْيًال‪َ ،‬و ُهَو َح اِم ٌل َمِز يَج ُم ٍّر‬
‫َو ُعوٍد َنْح َو ِم َئِة َم نًا (يوحنا ‪َ - )39 :19‬فا ْشَتَر ى (يوسف) َك َّتانًا‪َ ،‬فَأْنَز َلُه َو َك َّفَنُه ِبا ْلَك َّتاِن ‪َ ،‬و َو َضَعُه ِفي َقْبٍر َك اَن‬
‫َم ْنُح وتًا ِفي َص ْخ َرٍة‪َ ،‬و َدْح َرَج َح َج رًا َع َلى َباِب اْلَقْبِر ‪َ .‬و َك اَنْت َم ْر َيُم اْلَم ْج َد ِلَّيُة َو َم ْر َيُم ُأُّم ُيوِس ي َتْنُظَر اِن َأْيَن ُوِضَع‬
‫(مرقس ‪َ - )47 ، 46 :15‬فَر َج ْعَن َو َأْعَدْدَن َح ُنوطًا َو َأْطَيابًا‪َ .‬و ِفي الَّسْبِت اسَتَر ْح َن َح َسَب اْلَو ِصَّيِة (لوقا ‪)56 :23‬‬
‫‪َ -‬فَم َضْو ا َو َضَبُطوا اْلَقْبَر ِبا ْلُح َّر اِس َو َخ َتُم وا اْلَح َج َر (متى ‪.)66 :27‬‬

‫ثم كانت قيامة المسيح!‬

‫ويقول وستكوت‪ ... :‬ال توجد حادثة بأسانيد تاريخية صحيحة عديدة مثل حادثة قيامة المسيح ‪.‬‬

‫ويقول هنري موريس‪ :‬إنها أهم حوادث التاريخ ومن أثبتها تاريخيًا ‪ .‬لقد سبق للمسيح أن تنبأ بموته وقيامته‪،‬‬
‫وفي يوحنا ‪ 19 :2‬قال‪ :‬اْنُقُض وا هَذ ا اْلَهْيَك َل َو ِفي َثاَل َثِة َأَّياٍم ُأِقيُم ُه ‪.‬‬

‫ولم يحدث ألحد من البشر أن هزم الموت بنفسه كما فعل المسيح‪ .‬ولقد قال‪َ :‬أَنا ُهَو اْلِقَياَم ُة َو اْلَح َياُة‪ِ ..,‬إِّني َأَنا‬
‫َح ٌّي َفَأْنُتْم َس َتْح َيْو َن (يوحنا ‪.)19 :14 ، 25 :11‬‬

‫ويقول رام‪ :‬إن قيامة المسيح ضمان لقيامتنا نحن‪ .‬إن شفاءه للمرضى ال يعني أنه سيشفي كل أمراضنا اآلن‪،‬‬
‫وإقامته لعازر من الموت ال تعني خلودنا على األرض‪ ،‬ولكن قيامة المسيح كباكورة الراقدين‪ ،‬هي وحدها التي‬
‫تفتح أبواب القبر أمام المؤمن لحياة أبدية‪ ،‬فألنه قام فسنقوم نحن (رومية ‪.)11 :8‬‬

‫وبعد قيامة المسيح استطاع التالميذ أن يقيموا الموتى بقوته (أعمال ‪ .. )41 ، 40 :9‬وهكذا أعطى المسيح‬
‫الحياة آلخرين بعد موته‪ ،‬وهذا يعني أنه حي (عبرانيين ‪ِ )8 :13‬إَّن َيُسوَع هَذ ا اّلِذ ي اْر َتَفَع َع ْنُك ْم ِإَلى الَّس َم اِء‬
‫َسَيْأِتي هَك َذ ا َك َم ا َر َأْيُتُم وُه ُم ْنَطِلقًا ِإَلى الَّس َم اِء (أعمال ‪.)11 :1‬‬

‫لقد هزم المسيح ‪ -‬ابن هّللا األزلي وفادي البشر الموعود به ‪ -‬الموت!‬

‫(سنعالج موضوع القيامة بتفصيل كامل في الفصل األخير من هذا الكتاب)‪.‬‬

You might also like