مركز قاضي التحقيق في الدعوى العمومية.-فضاء المعرفة القانونية-تطوان PDF

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 113

‫اﳌﻤﻠﻜﺔ اﳌﻐﺮ ﻴﺔ‬

‫ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻋﺒﺪ اﳌﺎﻟﻚ اﻟﺴﻌﺪي‬


‫ﻠﻴﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ و ﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ و ﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬
‫‪ -‬ﻃﻨﺠﺔ ‪-‬‬

‫اﻟﻘﺎﻧﻮن ا ﺎص‬ ‫ﺑﺤﺚ ﻟﻨﻴﻞ دﺑﻠﻮم اﳌﺎﺳ‬


‫ﻣﺎﺳ اﳌ ﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ واﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ‬

‫اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺪﻋﻮى‬ ‫ﻣﺮﻛﺰﻗﺎ‬


‫اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ‬

‫اﻋﺪاد اﻟﻄﺎﻟﺐ اﻟﺒﺎﺣﺚ ‪ :‬ﺣﻤﻴﺪ ا ﺮ ﺪ‬


‫ﺗﺤﺖ اﺷﺮاف ﺳﺘﺎذ ‪ :‬د‪ .‬ﺸﺎم ﺑﻮﺣﻮص‬

‫ﻨﺔ اﳌﻨﺎﻗﺸﺔ ‪:‬‬

‫د‪ .‬ﻣﺮزوق أﻳﺖ ا ﺎج ‪.....‬أﺳﺘﺎذ ﺑ ﻠﻴﺔ ا ﻘﻮق ﺑﻄﻨﺠﺔ‪ .............‬رﺋ ﺴﺎ‬


‫د‪ .‬ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﻴﻒ اﻟﺒﻐﻴﻞ ‪.....‬أﺳﺘﺎذ ﺑ ﻠﻴﺔ ا ﻘﻮق ﺑﻄﻨﺠﺔ‪ .........‬ﻋﻀﻮا‬
‫د‪ .‬أﺣﻤﺪ ا ﺒﺎري ‪.....‬أﺳﺘﺎذ ﺑ ﻠﻴﺔ ا ﻘﻮق ﺑﻄﻨﺠﺔ‪ ...................‬ﻋﻀﻮا‬
‫د‪ .‬ﺸﺎم ﺑﻮﺣﻮص‪.....‬أﺳﺘﺎذ ﺑ ﻠﻴﺔ ا ﻘﻮق ﺑﻄﻨﺠﺔ‪ ..................‬ﻋﻀﻮا وﻣﺸﺮﻓﺎ‬

‫اﻟﺴﻨﺔ ا ﺎﻣﻌﻴﺔ ‪2017/2016 :‬‬


2016/2017

1
‫املقدمة‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫المقدمة‬

‫‪ -‬اإلطار العام للموضوع‪:‬‬

‫يعد الحق في المحاكمة الجنائية العادلة‪ ،‬من الركائز األساسية لدولة الحق والقانون‪ ،‬التي‬
‫تقوم على حماية اإلنسان من التعسف والشطط والتمييز واالعتداء‪ ،‬لذلك حضي هذا الحق‬
‫بمكانة هامة كرستها مختلف الصكوك الدولية في مجال حقوق اإلنسان‪ ،‬بدء من اإلعالن‬
‫العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬مرورا بالعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية‪ ،‬وصوال إلى اتفاقية‬
‫مناهضة التعذيب‪.‬‬

‫فالقضاء هو النظام الذي يصل به العدل إلى كل من تجرأ على حق غيره‪ ،‬والقضاة هم‬
‫ضمير األمة ورمز إرادتها ومدى وجدانها‪ ،‬ومعقد رجائها في إعالء كلمة الحق والعدل‪ ،‬التي‬
‫أودعها اهلل أمانة مقدسة بين أيديهم‪ ،‬لينطقوا في أمرها بعد جهد وكد ونصب وعناء‪ ،‬بكلمة‬
‫فاصلة‪ ،‬مانعة‪ ،‬قاطعة‪ ،‬واصلة ومانحة‪ ،‬ألنها كلمة الحق عز وجل على ليان من استخلف من‬
‫عباده‪.‬‬

‫وفي ظل الدينامية السياسية والتشريعية والمؤسساتية التي عرفها المغرب منذ بداية‬
‫التسعينيات من القرن العشرين‪ ،‬فقد جاء قانون المسطرة الجنائية والتعديالت التي لحقته‪ ،‬من‬
‫أجل توفير ظروف مثلى للمحاكمة العادلة وتدعيم مبادئ حقوق اإلنسان‪ ،‬وحماية حقوق األفراد‬
‫متهمين كانوا أم ضحايا أم شهودا‪ ،‬وكذا إعطاء نظام العدالة الجنائية والوسائل الضرورية‬
‫لمكافحة الجريمة وفقا لمبادئ حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫وقد خص المشرع المغربي كل جهاز من أجهزة القضاء بدور محدد في مسار الدعوى‬
‫العمومية‪ ،‬انطالقا من بدايتها‪ ،‬بحيث تكون الشرطة القضائية أو جهة تضع يدها على النازلة‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ليأتي بعدها دور النيابة العامة الي يعتبر محوريا واستثنائيا في جل مراحل الدعوى العمومية‪،‬‬
‫بحيث تملك الحق في تحريك الدعوى العمومية من عدمها وإحالتها على هيئة الحكم‪ ،‬إن هي‬
‫ارتأت بأن االدلة كافية في القضية المعروضة عليها او إحالتها على قاضي التحقيق‪ ،‬إذا كانت‬
‫مقتضيات القانون تلزم النيابة العامة بإحالتها عليه‪ ،‬أو إذا تبين لها أن النازلة ال زالت تحتاج‬
‫إلى تجميع وتمحيص األدلة وتوضيح الغموض واللبس الذي يكتنفها‪.‬‬

‫فخصوصية قضاء التحقيق يتجلى في استقالله‪ ،‬الذي يستمده من استقاللية القاضي نفسه‪،‬‬
‫أي الموقف الموضوعي لقاضي التحقيق‪ ،‬فبوجود سلطة االتهام التي تكرسها النيابة العامة‬
‫وسلطة المحاكمة التي يكرسها قضاء الحكم‪ ،‬فإن قضاء التحقيق يجد نفسه في الوسط‪ ،‬فهو ال‬
‫يخضع إليهما من الناحية الرئاسية‪ ،‬بل يعمل على الفصل في القضية من الناحية الواقعية إن‬
‫صح التعبير‪ ،‬ذلك أن قراره في الملف وفقا للوقائع المحيطة به‪ ،‬يجب أن يكون معلال تعليال‬
‫كافيا وبعيدا عن أي خرق للقانون‪ ،‬فهو يستند بذلك إلى ضميره‪ ،‬ومهمته باألساس تبقى هي‬
‫القيام برسالة القاضي الذي يقضي بين الناس‪ ،‬وغايته التي يسعى دوما إليها‪ ،‬هي التقصي‬
‫والبحث عن الحقيقة بضمير حي متجرد‪ ،‬وتمحيص دقيق وواف لجميع جوانب النازلة‬
‫ووقائعها‪ ،‬مهما كان مصدرها‪.‬‬

‫وإذا كان قاضي التحقيق هو الجهة التي أوكل إليها القانون أساسا القيام بالتحقيق اإلعدادي‬
‫من خالل جمع األدلة والبحث عن مرتكبيها واتخاذ القرارات التي على ضوئها يتم متابعة‬
‫المتهم من عدمه‪ ،‬فإن المهام التي اسندت إليه جعلته صاحبة أدوار مختلفة ومتدخل‪ ،‬فهو ضابط‬
‫سام للشرطة القضائية من حيث جمع األدلة والبحث عن مرتكبيها‪ ،‬وجهة إتهام من حيت‬
‫مهامه المشابهة لمهام النيابة العامة‪ ،‬وهو جهة قضائية من حيت إصداره للقرارات وإجبارية‬
‫تعليلها وقابليتها للنقض‪ ،‬وكذا من حيث قوة اإلثبات التي منحها المشرع العتراف المتهم‬
‫أمامه‪ ،‬وللتصريحات التي يقضي بها الشهود إليه‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -‬أهمية الموضوع‪:‬‬

‫يكتسي موضوع مؤسسة قاضي التحقيق أهمية بالغة واهتماما واسع من لدن مختلف‬
‫المهتمين بالشأن القضائي‪ ،‬فعلى الرغم من االختالف أراء الممارسين لها والباحثين في شأنها‪،‬‬
‫إال أن الرأي الغالب في الفقه والقضاء هو االتفاق على اعتبارها دعامة أساسية لحقوق اإلنسان‬
‫وركيزة مهمة في تحقيق المحاكمة الجنائية العادلة‪ ،‬وذلك من خالل المهام المنوطة بها على‬
‫المستويين القانونية والعملي‪ ،‬والتي تقتضي ممارستها مراعاة مصلحتي الفرد والمجتمع معا‪،‬‬
‫وموازنة بينهما‪.‬‬

‫فأهمية هذا الموضوع تتجلى تأثير مسطرة التحقيق اإلعدادي على مرحلة المحاكمة‪،‬‬
‫حيث كلما أنه كلما كانت إجراءات التحقيق تتميز بالنزاهة والشفافية‪ ،‬وتنجز وفق ما نص‬
‫عليه القانون‪ ،‬كان ذلك في مصلحة تحقيق المحاكمة الجنائية العادلة‪ ،‬لتبقى مؤسسة قاضي‬
‫التحقيق مفتاح المسطر ة الجنائية على ضوء الممارسة الميدانية في هذا المجال‪ ،‬وهذا االمر‬
‫ال يقتصر على قاضي التحقيق فقط بل يمثل رسالة القضاء بصفة عامة‪ ،‬فكما جاء في الخطاب‬
‫السامي لصاحب الجاللة الحسن الثاني رحمه اهلل‪ ،‬على هامش إفتاح المجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية سنة ‪" : 1964‬إن بين أيدي القاضي أكبر سلطة وأخطرها في المجتمع‪ ،‬فهو يتحكم‬
‫في االنساب واألموال وفي حريات البشر وأرواحهم‪ ،‬كما انه مؤتمن على حقوق الدولة‬
‫وعلى مؤسساتها المقدسة"‪.‬‬

‫لذلك فإن هذه المهمة الخطيرة‪ ،‬إذا كانت تقتضي من قاضي التحقيق أن يكون متضلعا‬
‫في الفقه والقضاء‪ ،‬وماهرا في صناع القضاء‪ ،‬فإنها تحتم عليه أكثر من ذلك‪ ،‬أن يكون نقي‬
‫الضمير‪ ،‬طاهر النفس‪ ،‬ال تغيره األطماع واألهواء والشهوات‪ ،‬وال تستجيب إال ما يمليه عليه‬
‫القانون وضميره المهني‪.‬‬

‫كما تتجلى أهمية الموضوع في محاولة إبراز الدور الفعال الذي تقوم به الغرفة الجنحية‬
‫في مجال مراقبة أ عمال قاضي التحقيق‪ ،‬سواء من حيت طبيعة هذه الجهة التي تتولى قانونيا‬

‫‪5‬‬
‫وعمليا ممارس هذه الرقابة أو فيما يتعلق باألثر القانونية المترتبة عن هذه الرقابة سواء‬
‫بالنسبة لقاضي التحقيق أو أطراف الدعوى العمومية‪.‬‬

‫ومن هنا يأتي موضوعنا هذا ليساهم بالتحليل والنقد واالقتراح‪ ،‬في مجرى النقاش حول‬
‫إصالح المنظمة الجنائية بالمغرب‪ ،‬ال سيما من الناحية العملية‪ ،‬وبالضبط في مجال التحقيق‬
‫اإلعدادي‪ ،‬باعتباره يبث الروح في القواعد الموضوعية‪ ،‬ويحولها من قانون جامد إلى قانون‬
‫متحرك‪ ،‬وفي اتصاله الوثيق بحقوق اإلنسان وحرياتهم‪ ،‬وكذا بالمصالح العامة الجوهرية في‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬إشكالية الموضوع‬

‫إذا كانت معظم التشريعات الحديثة قد أجمعت على إلزامية إجراء التحقيق اإلعدادي‪،‬‬
‫إال أنها اختلفت حول في مسألة الجهة التي أسندت لها سلطة التحقيق إذ انقسمت إلى فرقين‪،‬‬
‫فريق يسند التحقيق اإلعدادي إلى النيابة العامة التي تجمع وقتئذ بين سلطتي االتهام والتحقيق‪،‬‬
‫وفريق يسند التحقيق التمهيدي إلى القاضي التحقيق مستقل عن سلطة االتهام‪ ،‬وهو النظام‬
‫السائد في دول الفرنكفوني ومنها المغرب‪ ،‬وفد ثار نقاش حول مدى أهمية دور قاضي التحقيق‬
‫على ضوء الرؤية الجديدة التي أفرزتها تغييرات بعض الدول بإلغاء مؤسسة قاضي التحقيق‬
‫من منظمتها‪ ،‬مما انقسم معه الفقه والقضاء إلى فريقين فريق يدعوا إلى إلغائها بشكل نهائي‬
‫وفريق أخر يرى أنه ال يمكن استغناء عنها‪.‬‬

‫كما أنه وعلى الرغم من الصالحيات الواسعة التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية‬
‫لفائدة مؤسسة قاضي التحقيق‪ ،‬إال أن الممارسة العميلة اليومية كشفت عن وجود عدة ثغرات‬
‫ومشاكل مرتبطة بالنصوص القانونية والواقع االجتماعي‪ ،‬فقانون المسطرة الجنائية الحالي لم‬
‫يعد قادرا على مسايرة التحوالت العميقة والمتسارعة التي تشهدها الجريمة‪ ،‬فبات التفكير في‬
‫مراجعتها أمرا ضروريا العتبارات عدة‪ ،‬أهمها تزايد االنتقادات الموجهة إلى نظام العدالة‬
‫الجنائية بصفة عامة وقضاء التحقيق بصفة خاصة‪ ،‬وذلك نتيجة بطء اإلجراءات‪ ،‬وتزايد‬

‫‪6‬‬
‫معدالت الجريمة وظهور أنواع جديدة استفادت من التطورات المرتبطة بالتقدم العلمي‬
‫والتكنولوجي أو من الظروف االجتماعية واالقتصادية والتي لم يعد القانون الحالي قادرا على‬
‫مجاراتها‪.‬‬

‫كما أنه إذا كان المشرع المغربي أعطى للغرفة الجنحية لدى محكمة االستئناف مجموعة‬
‫من االختصاصات المتعلقة بالتحقيق اإلعدادي من أجل ضمان سالمة إجراءات التحقيق‪ ،‬فإن‬
‫اإلشكال الذي يطرح هنا وبإلحاح يتعلق بالدور الذي تقوم به الغرفة الجنحية ي هذا المجال‬
‫والعالقة التي تربط بينها وبين قضاة التحقيق‪ ،‬وما يثار أيضا من إشكال حول إشراف رئيس‬
‫الغرفة الجنحية على مكاتب التحقيق يتجلى في طبيعة هذا اإلشراف‪ ،‬هل هو إشراف قضائي‬
‫أم إداري‪ ،‬خاصة وأن المشرع قد منحه سلطات مهمة تخوله له ممارسة الرقابة واإلشراف‬
‫على سير وتنفيذ إجراءات التحقيق‪ ،‬لذا فاألكيد أن هذه الرقابة ليست رقابة قضائية‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن الرقابة القضائية تدخل في نطاق اختصاص الغرفة الجنحية التي تعد درجة ثانية‬
‫لمراقبة األوامر الصادرة عن قاضي التحقيق‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق نطرح التساؤل التالية‪:‬‬

‫‪ -‬ما هي طبيعة العالقة التي تربط بين قاضي التحقيق والتحقيق اإلعدادي؟‬
‫‪ -‬أي دور لقاضي التحقيق في قانون المسطرة الجنائية الحالي؟‬
‫‪ -‬ما هي ضمانات القانونية المخولة لألفراد أمام قاضي التحقيق؟‬
‫‪ -‬ما هي حدود تدخل النيابة العامة في إجراءات التحقيق اإلعدادي؟ وإلى أي حد‬
‫يمكن لهذه األخيرة التدخل في سلطات قاضي التحقيق؟‬
‫‪ -‬ما هي اإلشكاليات القانونية والعملية التي تعتري التحقيق اإلعدادي؟‬
‫‪ -‬ما هي الجهة المكلفة بالرقابة على أعمال قاضي التحقيق؟‬
‫‪ -‬هل من ضرورة لإللغاء مؤسسة قاضي التحقيق؟‬
‫‪ -‬وأي مستقبل لمؤسسة قاضي التحقيق في التشريع المغربي؟‬

‫‪7‬‬
‫‪ -‬المنهج المعتمد‬

‫اقتضى منا دراسة مركز مؤسسة قاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬االستعانة‬
‫بالمنهج الوصفي الذي ال غنى عنه في دراسة أية مؤسسة قانونية‪ ،‬وبما ان موضوع دراستنا‬
‫يندرج في إطار الدراسات القانونية على المستوى األكاديمي‪ ،‬وما تعرفه من مواقف وأراء‬
‫على المستوى النظري والتطبيقي‪ ،‬فقد اعتمدنا على المنهج التحليلي الذي حاولنا من خالله‬
‫تحليل المقتضيات القانونية في إطار رؤية نظرية للنص القانوني تقوم على أساس التحديد‬
‫المفاهيمي والتأصيل الفقهي‪ ،‬وفي ظل دراسة علمية تمكن من مقاربة النص القانوني بالواقع‬
‫العملي‪ ،‬وهو ما يتطلبه البحث العلمي من إمكانية تطبيق النصوص القانونية على الواقع‬
‫المادية‪.‬‬

‫كما اقتضت منا طبيعة هذا الموضوع اللجوء إلى المنهج المقارن الذي يفيد في استطالع‬
‫التوجيهات الجنائية المعاصرة في التحقيق اإلعدادي‪ ،‬لنكون على ضوئها تصورا عاما حول‬
‫جدلية اإلبقاء على مؤسسة قضاء التحقيق في المغرب أو إلغائه‪ ،‬سعيا منا القتراح جملة من‬
‫التوصيات التي نرى ضرورة العمل بها في سبيل تحقيق مستلزمات المحاكمة الجنائية العادلة‬
‫التي تأخذ بها معظم التشريعات المقارنة‪.‬‬

‫‪ -‬خطة الدراسة‬

‫بغية اإلجابة على كل هذه التساؤالت وبهدف الخروج بدراسة علمية أكاديمية‪ ،‬فقد ارتأينا‬
‫أن نعالج موضوع مركز قاضي التحقيق في الدعوى العمومية وفق مقاربة منهجية تقوم على‬
‫التوفيق بين الجانب النظري والجانب العملي‪ ،‬وذلك بناء على خطة تقوم على تقسيم ثنائي‪،‬‬
‫موزع على الشكل التالي ‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬سنخصصه لدراسة عالقة قاضي التحقيق بالتحقيق اإلعدادي‪ ،‬حيت‬
‫سنحاول في المبحث االول منه أن نخرج بتأصيل نظري لكل من التحقيق اإلعدادي ومؤسسة‬
‫قضاء التحقيق‪ ،‬بينما سنتطرق في المبحث الثاني إلى ممارسة التحقيق اإلعدادي‪ ،‬بحيث سنبين‬
‫‪8‬‬
‫الجهة الخول لها ممارية التحقيق اإلعدادي‪ ،‬ومسطرة اتصال قاضي التحقيق بالتحقيق‬
‫اإلعدادي‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬سنخصصه لمناقشة صالحيات قاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪،‬‬


‫بحيث سنتطرق في المبحث األول ألهم األوامر التي يصدرها قاضي التحقيق سواء المتعلقة‬
‫باالستدالل أو المتعلقة بسير التحقيق وانتهائه‪ ،‬في حين سنخصص المبحث الثاني للرقابة التي‬
‫تمارسها الغرفة الجنحية على أوامر قاضي التحقيق‪ ،‬والمتمثلة في الطعن باالستئناف في‬
‫أوامره‪ ،‬وبطالن ما عاب منها‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬

‫عالقة قاض ي التحقيق بالتحقيق اإلعدادي‬

‫‪10‬‬
‫بعد االنتهاء من البحث التمهيدي تدخل القضية مرحلة التحقيق اإلعدادي الذي يختلف‬
‫عن األول ال من حيت الجهة التي تقوم به وال من حيت الضمانات المقررة له‪ ،‬فهو مرحلة‬
‫قضائية ال بوليسية‪ ،‬فالتحقيق اإلعدادي يتوسط البحث التمهيدي الذي تقوم به الشرطة القضائية‬
‫والتحقيق النهائية الذي تختص به المحكمة من خالل الجلسات‪.‬‬

‫ذلك‪ ،‬أن التحقيق اإلعدادي مرحلة متميزة عن باقي مراحل الدعوى الجنائية‪ ،‬فهي متميزة‬
‫عن مرحلة المحاكمة التي تعقبها ومتميزة عن االتهام الذي يسبق بالضرورة كل تحقيق ويحدد‬
‫له الموضوع الذي تدور في نطاق أعماله‪ ،‬وذاتية التحقيق تفرض – في المنطق المجرد –‬
‫أن يعهد به إلى سلطة مستقلة عن سلطة االتهام ومستقلة كذلك عن سلطة المحاكمة‪ ،‬لذلك عهد‬
‫بمهمة التحقيق اإلعدادي بصفة أساسية إلى قاضي التحقيق الذي يقوم عندما تحال عليه القضايا‬
‫بكيفية قانونية‪ ،‬بحيث خول له ممارسة جميع إجراءات التحقيق التي يراها صالحة للكشف‬
‫عن الحقيقة تحت مراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف‪.‬‬

‫فقاضي التحقيق هو قاض معين بصفة قانونية هدفه من مسك مسطرة التحقيق هو‬
‫إظهار الحقيقة ليس إال‪ ،‬فهو بذلك طرف محايد‪ ،‬ال هو مع المحقق معه وال هو ضده‪ ،‬وإنما‬
‫يبحث بطرق ووسائل قانونية للوصول إلى الحقيقة المجردة‪ ،‬فهو يملك سلطات واسعة للتقرير‬
‫في حريات المواطنين وفي ممتلكاتهم ويباشر مهامه من خالل مجموعة من النصوص القانونية‬
‫باستعمال خبرته وحنكته وعلمه‪ ،‬إضافة إلى أخالقياته المهنية‪.‬‬

‫وعليه فإننا سنحاول من خالل هذا المبحث تبيان العالقة بين قاضي التحقيق والتحقيق‬
‫اإلعدادي وذلك من خالل التأصيل النظري العلمي لكل من التحقيق اإلعدادي ومؤسسة قاضي‬
‫التحقيق من جهة (المبحث األول)‪ ،‬وتبينا المقتضيات المنظمة لحق ممارسة التحقيق اإلعدادي‬
‫من طرف قاضي التحقيق من جهة أخرى (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التأصيل النظري للتحقيق اإلعدادي ومؤسسة قاضي التحقيق‬

‫يعد التحقيق اإلعدادي من أهم وأدق المواضيع التي يعالجها قانون المسطرة الجنائية‪،‬‬
‫ومرد ذلك إلى كون معظم التشريعات لم تعرفه كمرحلة متميزة ضمن اإلجراءات الجنائية إال‬
‫حديثا‪ ،‬بل إن بعضها ما يزال يوكله إلى أجهزة غير قضائية‪ ،‬وهذا ما جعل القاضي حديث‬
‫العهد بأحكامه‪ ،‬ولم تتكون لديه بعد تقاليد راسخة يسترشد بها عند صياغة النصوص والقوانين‪،‬‬
‫على الرغم من مرور العديد من األحقاب واألجيال‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية‪ ،‬فالقوانين‬
‫التي سبقت إلى معرفة التحقيق قبل المحاكمة عرفته في أسوأ صورة‪ ،‬حيت كان يمارس بشكل‬
‫سري وباستخدام مختلف وسائل التعذيب والتأثير النفسي‪.‬‬

‫إن هذا التراث التاريخي الذي ارتبط بالتحقيق اإلعدادي‪ ،‬وكذا الرواسب التي خلفتها‬
‫العدالة الجنائية التقليدية‪ ،‬يجعالن مهمة المشرع جد صعبة‪ ،‬إذ قلما يوفق في المالئمة بينهما‬
‫وبين المفاهيم المستخدمة لظاهرة اإلجرام ومعاملة المنحرف وحقوق اإلنسان‪ ،‬االمر الذي‬
‫يجعل من تحديد ماهية كل من التحقيق اإلعدادي ومؤسسة قاضي التحقيق أمرا ضروريا قبل‬
‫الخوض في دراسة اإلشكاليات التي يطرحها كل واحد منهما‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإننا سنتناول مبحثنا هذا من خالل مطلبين إثنين‪ ،‬مطلب أول نخصصه لتحديد‬
‫ماهية التحقيق اإلعدادي‪ ،‬أما المطلب الثاني فإننا سنخصصه لتحديد ماهية مؤسسة قاضي‬
‫التحقيق‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫المطلب األول‪ :‬ماهية التحقيق اإلعدادي‬

‫على اعتبار أن مرحلة التحقيق اإلعدادي تعتبر من أهم مراحل الدعوى العمومية‪ ،‬فإنه‬
‫يجب علينا أن نحدد ماهية‪ ،‬والتحديد الدقيق لماهية التحقيق اإلعدادي يتطلب منا أن نتعرف‬
‫من جهة على مفهومه (الفقرة األولى)‪ ،‬ومن جهة أخرى على الخصائص التي تمييز التحقيق‬
‫اإلعدادي (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم التحقيق اإلعدادي‬

‫التحقيق لغة هو اثبات الشيء وإحكامه‪ ،‬واصطالحا هو كل عمل يقوم به رجال القضاء‬
‫ومساعديهم أثناء البحث في القضية المعروضة أمام العدالة‪ .‬فهو مرحلة قضائية ال بوليسية‪،‬‬
‫ولذلك فالتحقيق اإلعدادي يتوسط البحث التمهيدي الذي تقوم به الشرطة القضائية والتحقيق‬
‫‪1‬‬
‫النهائي الذي تختص به المحكمة في الجلسة‪.‬‬

‫لم يعرف المشرع التحقيق اإلعدادي ضمن نصوص قانون المسطرة الجنائية‪ .‬ومصطلح‬
‫التحقيق اإلعدادي‪ ،‬ينطوي على مفهوم واسع واخر ضيق‪ .‬فالتحقيق اإلعدادي بمفهومه‬
‫الواسع‪ ،‬يشمل ذلك الجزء من الخصومة الجنائية الذي يهدف جمع أدلة اإلثبات‪ ،‬وتمحيصها‪،‬‬
‫بدءا باكتشاف الجريمة إلى غاية الحكم فيها‪.‬‬

‫والتحقيق بهذا المفهوم الواسع‪ ،‬ينصرف إلى البحث التمهيدي‪ ،‬وإلى اإلجراءات التي‬
‫‪2‬‬
‫يباشرها قاضي التحقيق‪ ،‬واإلجراءات المنوطة بقاضي الحكم‪.‬‬

‫‪ - 1‬أحمد النويضي‪ ،‬قضاء التحقيق في ظل قانون المسطرة الجنائية الجديدة‪ ،‬الندوة الوطنية حول موضوع المسطرة الجنائية‬
‫تشريعا وممارسة‪ 13-12 ،‬مارس‪ ،‬ص‪.1 :‬‬
‫‪2 - BOULOC. « L’acte d’instruction ». Thèse, Paris, 1962, P : 17.‬‬

‫‪13‬‬
‫أما التحقيق اإلعدادي في مفهومه الضيق‪ ،‬فيقتصر على المرحلة اإلجرائية التي يشرف‬
‫عليها قاضي التحقيق‪ ،‬ويتولى خاللها جمع أدلة الجريمة‪ ،‬والتثبت من وقوعها‪ ،‬والبت في‬
‫‪3‬‬
‫متابعة المتهم وإحالته على هيئة الحكم‪.‬‬

‫وهذا التعريف األخير‪ ،‬هو الذي ينطبق على قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬وذلك على اعتبار‬
‫أن المشرع أفرد التحقيق اإلعدادي تنظيما متميزا ينسجم مع المفهوم الضيق للتحقيق‪.‬‬

‫وقد عالج قانون المسطرة الجنائية أحكام التحقيق اإلعدادي‪ ،‬ضمن القسم الثالث من‬
‫‪4‬‬
‫الكتاب األول‪ ،‬المتعلق بالتحري عن الجرائم ومعاينتها‪.‬‬

‫ويفهم من هذا التنظيم التشريعي‪ ،‬بأن التحقيق اإلعدادي يشكل في جوهره‪ ،‬جملة من‬
‫اإلجراءات والتحريات القضائية‪ ،‬الهادفة إلى كشف الحقيقة‪ ،‬وتحصيل األدلة‪ ،‬وتمحيصها قبل‬
‫‪5‬‬
‫عرض المتهم على هيئة الحكم‪.‬‬

‫ويتجلى من المفهوم السالف الذكر‪ ،‬بأن التحقيق اإلعدادي مرحلة إجرائية قضائية‪،‬‬
‫تتوسط مرحلة البحث التمهيدي ومرحلة المحاكمة‪ ،‬التحقيق اإلعدادي – بهذه الصفة – يشكل‬
‫فرصة لجمع أدلة اإلثبات‪ ،‬وتمحيصها‪ ،‬وتقرير مالءمة المتابعة‪.‬‬

‫فالتحقيق اإلعدادي إذا هو مجموعة من اإلجراءات القضائية التي يباشرها قاضي‬


‫التحقيق وفق الشكل المحدد قانونا بخصوص جريمة من الجرائم الخاضعة للتحقيق‪ ،‬وذلك‬
‫بهدف جمع األدلة وتقدي مدى كفايتها في نسبة الجريمة إلى المتهم من عدمها‪ ،‬فيحال على‬
‫‪6‬‬
‫المحكمة أو يصدر أمرا بعدم متابعته‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪- MERLE et Vitu « Précis de Droit pénal » .t .3 édition. Cujas.Paris.1979. P.389. N‬‬
‫‪1135‬‬
‫‪ - 4‬الحظ مقتضيات المواد من ‪ 83‬إلى ‪ 250‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج‪.‬‬
‫‪ - 5‬الحظ بعض التعاريف الفقهية التي تتبنى نفس المدلول عند محمد عياط‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،210 :‬وأحمد‬
‫الخمليشي‪ ،‬تشريعات قاضي التحقيق في الدول العربية‪ ،‬المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية‪ ،‬الرباط‪،1989 ،‬‬
‫ص‪.3.‬‬
‫‪ - 6‬هاللي عبد االله أحمد‪ ،‬المركز القانوني للمتهم في مرحلة التحقيق االبتدائي‪ ،‬دراسة مقارنة بالفكر الجنائي اإلسالمي‪،‬‬
‫دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1989‬ص ‪ 6‬و‪.7‬‬
‫‪14‬‬
‫وعليه يمكن القول بأن لقضاء التحقيق مهمة مزدوجة تتمثل من جهة في جمع األدلة‬
‫ذات االرتباط بالفعل الجرمي الذي توبع من أجله المتهم‪ ،‬وتقدير قيمة تلك األدلة لمعرفة ما‬
‫‪7‬‬
‫إذا كانت كافية أو غير كافية لالستمرار في المتابعة من جهة ثانية‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وإن إجراءات التحقيق اإلعدادي ال تقف عند حدود جمع األدلة التي تثبت أو في‬
‫تنفي الفعل الجرمي عن الشخص الخاضع للتحقيق‪ ،‬بل إنها تمتد إلى تقييد حريته كلما دعت‬
‫ضرورة التحقيق ذلك‪ ،‬بهدف االحتياط منه من جهة ولمنعه من الهرب أو التأثير على أدلة‬
‫‪8‬‬
‫اإلثبات من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪ - 7‬عبد اإلله أحمد‪ ،‬حقوق الدفاع في مرحلة ما قبل المحاكمة بين النمط المثالي والنمط الواقعي‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،2000 ،‬ص‪.41 :‬‬
‫‪ - 8‬حسن صادق المرصفاوي‪ ،‬في أصول اإلجراءات الجنائية‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬طبعة ‪ ،1996‬ص ‪.330‬‬
‫‪15‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬خصائص التحقيق اإلعدادي‬

‫تستشف خصائص التحقيق اإلعدادي من طبيعة إجراءاته‪ ،‬فهو يكتسي طابعا سريا‬
‫(أوال)‪ ،‬وطابعا قضائيا (ثانيا)‪ ،‬وطابعا ثنائيا (ثالثا)‪ ،‬وطابعا توثيقيا (رابعا)‪ ،‬وطابعا حضوريا‬
‫(خامسا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬سرية التحقيق‪.‬‬

‫تنص المادة ‪15‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه‪" :‬تكون المسطرة التي تجري‬
‫أثناء البحث والتحقيق سرية‪ .‬كل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر‬
‫‪9‬‬
‫المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي"‪.‬‬

‫ويقصد بسرية التحقيق عدم جواز حضور إجراءات التحقيق لمن ليس طرفــــا في‬
‫‪10‬‬
‫الدعوى الجنائية‪ ،‬وكذا منع نشر هذه اإلجراءات بأي وسيلة من وسائل العلنية‪.‬‬

‫فالسرية تقتضي عدم السمـاح للجمهور بحضور إجراءات التحقيق‪ ،‬فال يجوز لغير‬
‫الخصوم ووكالئهم الدخــول إلى المكان الذي يجرى فيه التحقيق‪ ،‬وتقتضي أيضا حظر نشر‬
‫‪11‬‬
‫ما تتضمنه محاضر االستنطاق وما يتصل به من أوامر‪.‬‬

‫فقـاضي التحقيق وكل من يتصل بالتحقيق أو يحضره بحكم وظيفته هو ملزم بعدم إفشاء‬
‫أسرار التحقيق تحت طائلة القانون الجنائي والعقوبات المقررة فيه‪ ،‬هذه السرية وهذا االلتزام‬

‫‪ - 9‬أنظر ‪ :‬المادة ‪ 105‬من قانون المسطرة الجنائية ‪ ":‬كل إبالغ أو إفشاء لوثيقة وقع الحصول عليها من تفتيش‪ ،‬يتم‬
‫لفائدة شخص ليست له صالحية قانونية لالطالع عليها دون الحصول على موافقة المشتبه فيه أو ذوي حقوقه أو الموقع‬
‫على الوثيقة أو من وجهت إليه وكل استعمال آخر لهذه الوثيقة‪ ،‬يعاقب عليه بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة من‬
‫‪ 5.000‬إلى ‪ 30.000‬درهم‪." .‬‬
‫والفصل ‪ 446‬من القانون الجنائي‪.‬‬
‫‪ - 10‬شريف سيد كامل‪ ،‬سرية التحقيق االبتدائي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1996 ،‬ص‪.25 :‬‬
‫‪ - 11‬محمد السعيد رمضان‪ ،‬مبادئ قانون اإلجراءات الجنائية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬القاهرة‪ ،1993 ،‬ص‪.125 :‬‬
‫‪16‬‬
‫يضل قائما طيلة مرحلة التحقيق حتى انتهـائها وذلك بإصدار قاضي التحقيق أمرا باإلحالة أو‬
‫‪12‬‬
‫عدم المتابعة‪.‬‬

‫وتظهر أهمية مبدأ سرية التحقيق في تأدية جهة التحقيق مهمتها على أحسن وأكمل‬
‫وجه‪ ،‬ذلك أن اإلخالل بمبدأ السرية يضر بالتحقيق ويخدم مرتكبي الجريمة إذ يتيـح لهم ذلك‬
‫فرصة لتضليل قــاضي التحقيق وتغيير المعالم واألدلة والتأثير على الشهـود ومنعهم من‬
‫اإلدالء بشهادتهم الشيء الذي يعرقل مجهودات سلطة التحقيق في الوصول إلى الحقيقة‪.‬‬

‫وباستقراء المادة ‪ 15‬المذكورة آنفا يتبادر إلى الذهن تســـاؤل حول ما إذا كانت سرية‬
‫البحث التمهيدي هي نفسها السرية التي يتميز بها التحقيق اإلعدادي؟‬

‫الشك أن البون شــاسع بين السرية التي يعمل بها أثناء البحث التمهيدي وتلك السارية‬
‫أثناء التحقيق اإلعدادي‪ ،‬وال غرابة في ذلك إذ أن البحث التمهيدي يقوم به ضباط عاديون‬
‫تابعون للدرك أو الشرطة تحت إشـراف النيابة العامة‪ ،‬في حين أن التحقيق اإلعدادي يكون‬
‫من اختصــاص جهة قضائية بحثه‪ .‬ويتجلى الفرق بين السرية في المسطرتين من حيث‬
‫انعكــاسها على الضمانات الممنوحة للمتهم خـاصة في استعانته بمحـام‪ ،‬ومدى مواجهة هذا‬
‫‪13‬‬
‫األخير بمبدأ السرية‪.‬‬

‫فمبدأ سرية التحقيق اإلعدادي يكاد يكون منعدما بين المتهم ومحاميه إذ أن المادتان‬
‫‪ 134‬و‪ 140‬من قـانون المسطرة الجنائية نظمتا ضمانات الدفاع وحرصتا على كفـالتها تحت‬
‫طائلة طلب بطالن اإلجراءات المنجزة دون احترامها من قبل المتهم أو محاميه‪ ،‬بل خــول‬
‫المشرع لقاضي التحقيق نفسه طلب بطالنها من الغرفة الجنحية إذا تبين له هو نفسه أنه أخل‬
‫‪14‬‬
‫بها وذلك إعماال للمادة ‪ 210‬وما بعدها من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫‪ - 12‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاصة‪،‬‬
‫كلية العولم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬أكادير‪ ،2015/2014 ،‬ص‪.35 :‬‬
‫‪ - 13‬بوشعيب عسال‪ ،‬سرية التحقيق اإلعدادي‪ ،‬مقال منشور بمجلة الملحق القضائي‪ ،‬العدد ‪ 40‬يناير ‪ ،2007‬ص‪.33 :‬‬
‫‪ - 14‬تنص المادة ‪ 210‬من قانون المسطرة الجنائية على‪ ":‬إذا ظهر لقاضي التحقيق أن إجراء من إجراءات التحقيق معرض‬
‫للبطالن‪ ،‬فعليه أن يحيله إلى الغرفة الجنحية للبث فيه بعد استشارة النيابة العامة وإخبار المتهم والطرف المدني"‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫أمـا مبدأ السرية في البحث التمهيدي فهو أكثر وطأة على المتهم‪ ،‬إذ بالرغم من أن‬
‫قانون المسطرة الجنائية الجديد أتى بمستجد‪ 15‬للحد من وطأة هذه السرية وذلك باتصال المشتبه‬
‫فيه الموضوع تحت الحراسة النظرية بمحاميه‪ ،‬إال أن ذلك ال يحق له إال أثناء تمديد فترة‬
‫الحراسة النظرية أي بعد ‪ 48‬ساعة من إجراء البحث التمهيدي مع شروط الحصـــول على‬
‫إذن النيابة العامة‪ ،‬وفي مدة زمنية ال تتعدى ‪ 30‬دقيقة‪ ،‬وأن يكون االتصال تحت إشراف‬
‫ضابط الشرطة القضائية‪ ،‬مع ما تثيره كل هذه الشروط من إشكــاالت في الواقع العملي‪.‬‬

‫من هنا يتضح أن المشرع وإن سوى بين البحث التمهيدي والتحقيق اإلعدادي في مبدأ‬
‫السرية‪ ،‬إال أن البون شاسع بينهما خاصة بين أطراف الدعوى إذ تكون السرية أكثر صرامة‬
‫في البحث التمهيدي بينما تك ــاد تتالشى في التحقيق اإلعدادي إذ أن محامي المتهم يحضر‬
‫‪16‬‬
‫معه جميع مراحل التحقيق ويطلع على كـافة إجراءاته من بدايته إلى نهايته‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وتتجلى خاصية سرية التحقيق اإلعدادي في مظهرين اثنين‪ :‬خارجي وداخلي‪.‬‬

‫فالمظهر الخــارجي يتمثل في مواجهة الغير أو العموم بمبدأ السرية‪ ،‬فال يجوز إعالن‬
‫إجراءات التحقيق للغير أو العمـوم‪ ،‬وهذا المظهر تم سنه لمصلحة المتهم ولمصلحة العدالة‪.‬‬
‫فهو لمصلحة المتهم ألنه يبقى في منآى عن نعته من طرف الغير باإلجرام ومسه في سمعته‬
‫والحال أن التحقيق ال يزال جاريا ولم تعرف نتيجته بعد‪ .‬وتم سنه لمصلحة العــدالة ــ كما‬
‫أشرنا آنفا ــ للحفــاظ على األدلة‪ ،‬ذلك أن تسريب إجراءات التحقيق يسـاعد مجرمين متورطين‬
‫من اإلفالت من العدالة بعد تمكنهم من تغيير األدلة ويمنع شهــودا من اإلدالء بشهاداتهم بعد‬
‫تهديدهم أو إغرائهم‪.‬‬

‫‪ - 15‬تنص المادة ‪ 80‬من نفس القانون على أنه‪" :‬يحق للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية في حالة تمديدها أن‬
‫يطلب من ضابط الشرطة القضائية االتصال بمحام"‪.‬‬
‫‪ - 16‬أحمد فتحي سرور‪ ،‬الوجيز في قانون اإلجراءات الجنائية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1982 ،‬ص‪.225 :‬‬
‫‪ - 17‬إيمان الخمالي المشيشي‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الماستر في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية بوجدة‪ ،2014/2013 ،‬ص‪.25 :‬‬
‫‪18‬‬
‫ويتجلى المظهر الداخلي في منع أطراف التحقيق من إفشاء إجراءاته‪ ،‬كما يتجلى في‬
‫كون التحقيق يجرى مع كل طرف بصفة انفرادية بجلسة ال يحضرها الطرف الثاني ومحاميه‬
‫إال إذا تقرر إجراء المواجهة بين الطرفين‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وألهمية هذه الخــاصية يتعين تحديد األشخاص الذين تشملهم السرية وهم‪:‬‬

‫ـ القضاة‪ :‬وأولهم قـاضي التحقيق والقضاة المنتدبون من طرفه لتنفيذ االنتدابات‬


‫القضائية باإلضافة إلى قضـاة النيــابة العــامة الذين بإمكـانهم طلب الملف من أجل االطالع‬
‫عليه في كل وقت‪.‬‬

‫ـ ضباط الشرطة القضائية‪ :‬والذين أناط بهم قـــاضي التحقيق انجاز إحدى المهمات في‬
‫نطاق انتدابهم لذلك‪.‬‬

‫ـ أعوان كتابة الضبط‪ :‬ومنهم كاتب الضبط الذي يباشر إجراءات التحقيق وحضور‬
‫جلساتها وكل موظف في كتــــابة النيابة العامة أو مكتب التحقيق يمكنه االطالع على أعمال‬
‫التحقيق بمناسبة مزاولته لعمله‪..‬‬

‫ـ الخبراء‪ :‬الذين ينتدبهم قاضي التحقيق إلنجاز الخبرات‪.‬‬

‫ـ حراس األمن‪ :‬والمكلفون من طرف قــاضي التحقيق بحضورهم الجلسة ـ في حالة‬


‫الضرورة ـ إلى جانب متهم خطير‪.‬‬

‫ـ المحامون‪ :‬الذين يحضرون التحقيق إلى جــانب المتهم أو المطالب بالحق المدني‪.‬‬

‫‪ - 18‬شريف سيد كامل‪ ،‬سرية التحقيق االبتدائي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪ :‬من ‪ 68‬إلى ‪.77‬‬
‫‪19‬‬
‫ثانيا‪ :‬ثنائية التحقيق‬

‫بالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية لسنة ‪ 1959‬وما عرفه من تعديل بمقتضى ظهير‬
‫اإلجراءات االنتقالية‪ ،‬نجد أنه ال وجود لمؤسسة قــــــاضي التحقيق إال بمحاكم االستئناف‬
‫‪19‬‬
‫حيث كان قـــاضي التحقيق بهذه المحكمة ينظر في الجنايات والجنح الواجب فيها التحقيق‪.‬‬

‫إال أن المشرع وبمقتضى قانون المسطرة الجنائية ‪01‬ـ‪ 22‬أتى بمؤسسة قاضي التحقيق‬
‫‪20‬‬
‫على مستوى المحاكم االبتدائية ليقر مبدأ ثنائية التحقيق‪.‬‬

‫وقد راعى المشرع في إقرار هذا المبدأ وإحداث مؤسسة قاضي التحقيق بالمحاكم‬
‫االبتدائية أمورا من بينها أن أفعاال وإن كـــــانت توصف بالجنح فإن خطــورتها تبقى على‬
‫جـانب من األهمية فمثال جنح التزوير والمخدرات والنصب‪...‬الخ رغم أنهــا جنح فهي من‬
‫‪21‬‬
‫الخطورة بمكان وتحتاج إلى الكثير من البحث والتدقيق‪.‬‬

‫كما أن ما يسبق المحـــــــــاكمة في هذه الجنح من بحث تمهيدي تنجزه الضابطة‬


‫القضائية يكون ـ وخــاصة في حالة التلبس ـ قد أنجز في سرعة رهيبة بالنظر إلى تقيد‬
‫الضـــــابطة بمدة الحراسة النظرية وإلى كثرة القضـايا وتصاعد الجريمة‪ ،‬األمر الذي يجعل‬
‫محضر هذه األخيرة يغفل أمورا كثيرة هي على جــانب من األهمية وتدخل القضاء إلبرازها‬
‫يكون حتميا‪ .‬فالهدف هنا هو تدارك قــاضي التحقيق لما فــات ضابط الشرطة القضائية من‬
‫أمور خالل فترة البحث التمهيدي باعتبار أن قـــاضي التحقيق يتوفر على مدة زمنية مهمة‬
‫وسلطــــــات واسعة تمكنه من الوصول إلى الحقيقة وباعتباره يمتاز عن ضابط الشرطة‬
‫‪22‬‬
‫القضائية بكونه قـــاضيا يتمتع بالتجربة والكفاءة وعلى دراية بالقوانين والمساطر الخاصة‪.‬‬

‫‪ - 19‬إيمان الخمالي المشيشي‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.30 :‬‬
‫‪ - 20‬محمد سعيد الوكيلي‪ ،‬قاضي التحقيق أمام المحكمة اإلبتدائية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية طنجة‪ ،2012/2011 ،‬ص‪.33 :‬‬
‫‪ - 21‬عبد اهلل القروشي‪ ،‬قضاء التحقيق‪ :‬أية فعالية‪ ،‬مقال منشور بموقع محكمة االستئناف بفاس‪ ،‬ص‪64 :‬‬
‫‪ - 22‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬وزارة العدل‪ ،‬سلسلة الشروح والدالئل‪ ،‬عدد‪ ،2‬الطبعة الثانية‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪20‬‬
‫ثالثا‪ :‬الطابع القضائي للتحقيق‪.‬‬

‫يتسم التحقيق اإلعدادي إضـــــافة إلى ما سلف ذكره‪ ،‬بكونه ذا طبيعة قضائية‪.‬‬
‫فقــــاضي التحقيق هو قبل كل شيء قاض‪ ،‬وهو ما يمنح المتهم ضمانات واسعة ال يمنحها له‬
‫مثوله أمام الشرطة القضائية‪.‬‬

‫وقــــــاضي التحقيق هو جهة قضائية تصدر أوامر وقرارات تقبل الطعن باالستئناف‬
‫أمام الغرفة الجنحية مـا يضمن لألطراف الثقة من كونهم أمـام جهة قضائية تمنحهم كافة‬
‫‪23‬‬
‫الضمانات في سبيل المحاكمة العادلة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الطابع التوثيقي‬

‫تتميز إجراءات مرحلة التحقيق اإلعدادي بميزة الكتــابة‪ ،‬بحيث يتعين أن تكون جميع‬
‫اإلجراءات بمــــا فيها االستنطاق واألوامر والقرارات مضمنة في محـــاضر وصادرة كتابة‪،‬‬
‫فقاضي التحقيق يستعين بـكاتب للضبط يقــــــوم بتضمين كل ما راج بمكتبه من استنطاق أو‬
‫استماع للشهود في محــاضر قانونية‪ ،‬كما يصدر أوامره كتـــــــابة حتى يتسنى للغرفة الجنحية‬
‫‪24‬‬
‫مراقبة سالمة هذه اإلجراءات‪.‬‬

‫ومبدأ الكتابة أو التوثيق هو الدليل على القيـام وإنجاز إجراءات التحقيق‪ ،‬ويفيد في‬
‫عرض الملف على القضــــــــاء‪ ،‬إذ أن اإلجراءات المكتوبة تفيد األطراف في االحتجاج بها‪،‬‬
‫إضـــــــــافة إلى اعتبارها وثائق رسمية ال يمكن الطعن فيها بالزور إذا تم إنجازها طبقا‬
‫للقانون‪.‬‬

‫‪ - 23‬إيمان الخمالي المشيشي‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.32 :‬‬
‫‪ - 24‬سمير الستاوي ‪ ،‬و محمد مسعودي ‪ ،‬سلطات قاضي التحقيق ‪-‬دراسة ميدانية على ضوء العمل القضائي‪ ،‬و أحكام‬
‫الفقه و القانون المقارن ‪ ، -‬رسالة نهاية التمرين بالمعهد العالي للقضاء لسنة ‪ ،2005‬ص‪.15 :‬‬
‫‪21‬‬
‫خامسا‪ :‬الطابع الحضوري‪.‬‬

‫الشك أن أهم تكريس لحق الدفاع أثناء مرحلة التحقيق اإلعدادي هو طابع الحضورية‬
‫الذي تمتاز بها‪.‬‬

‫فمبدأ حضورية إجراءات التحقيق يتجلى في حضــــور دفاع المتهم والطرف المدني‬
‫جميع إجراءاته لتمتيع هذين األخيرين بضمــــــــانات مختلفة وإلنارة التحقيق من خالل‬
‫منـاقشته لوســـــــــائل اإلثبات والحجج‪ ،‬فمن خالل مالحظات الدفاع وأسئلته الموجهة‬
‫لألطراف أمام قــاضي التحقيق والتماس القيام بإجراءات معينة يراها صــــــالحة إلظهار‬
‫‪25‬‬
‫الحقيقة يساهم في الوصول إلى األهداف من مبدأ الحضورية‪.‬‬

‫كما يتجلى كذلك مبدأ الحضورية في حضـور األشخاص المحددين في المادة ‪103‬‬
‫إلجراءات تفتيش قـــاضي التحقيق ألحد المنازل حيث يتعين استدعاء رب المنزل أو من‬
‫يشغله لحضور التفتيش إذا كـــــان سيتم في غير منزل المتهم‪ ،‬فإذا تعذر ذلك أجري التفتيش‬
‫بحضـــور شخصين من أقربائه أو أصهاره الموجودين بالمكــــان‪ ،‬فإن تعذر ذلك فبحضور‬
‫‪26‬‬
‫شــــاهدين ال تربطهما عالقة التبعية بالسلطة القضائية أو الشرطة القضائية‪.‬‬

‫‪ - 25‬محمد أحداف‪ ،‬شرح المسطرة الجنائية‪ ،‬مسطرة التحقيق اإلعدادي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪36 :‬‬
‫‪ - 26‬أنظر المادة ‪ 103‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ماهية مؤسسة قاضي التحقيق‬

‫إن دراسة ماهية مؤسسة قاضي التحقيق تتطلب منا من جهة أن نحدد مفهومها والمسطرة‬
‫القانونية المتبعة في تعيين قاضي التحقيق‪ ،‬وكذا االختصاصات التي خولها له المشرع (الفقرة‬
‫األولى)‪ ،‬ومن جهة أن نقف عند الجدل الفقهي والعلمي الذي خلقته مؤسسة قاضي التحقيق‬
‫بين المطالب بإلغائها والمتشبث باإلبقاء عليها (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬قاضي التحقيق‪ :‬تعيينه واختصاصاته‬

‫يتطلب منا الحديث عن مؤسسة قاضي التحقيق في المغرب‪ ،‬أن نبين في البداية مفهوم‬
‫قاض التحقيق (أوال)‪ ،‬ومن ثم بيان مسطرة تعيينه (ثانيا)‪ ،‬وكذا االختصاصات التي أوكله بها‬
‫المشرع المغربي (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم قاضي التحقيق‬

‫قاضي التحقيق عضو في الهيئة القضائية‪ ،‬ينتمي إلى سلك القضاء‪ ،‬وهو المكلف اساسا‬
‫إلجراء التحقيق وفقا للمادة ‪ 52‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬وهو يملك صالحيات وسلطات‬
‫واسعة ويباشر مهامه من خالل مجموعة من النصوص القانونية إضافة إلى أخالقياته المهنية‬
‫و ضميره‪ ،‬فإذا كان هو الجهة التي أوكل إليها القانون القيام بالتحقيق اإلعدادي من خالل جمع‬
‫األدلة عن الجرائم واتخاذ القرارات على ضوئها‪ ،‬فإن المهام المتعددة التي ألسندها إليه جعلته‬
‫‪27‬‬
‫صاحب أدوار مختلفة ومتداخلة‪:‬‬

‫‪ - 27‬سمير الستاوي‪ ،‬ومحمد مسعودي‪ ،‬سلطات قاضي التحقيق ‪ -‬دراسة ميدانية على ضوء العمل القضائي‪ ،-‬نفس المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.25 :‬‬
‫‪23‬‬
‫فهو ضابط سام للشرطة القضائية‪ ،‬حيث يمارس الصالحيات الموكولة إلى ضابط‬
‫الشرطة القضائية‪ ،‬كما له أن يأمر هؤالء بمتابعة األبحاث والتحريات‪ ،‬وهو ما نصت عليه‬
‫المادة ‪ 75‬من ق‪ .‬م‪.‬ج ‪.‬‬

‫و هو جهة اتهام‪ ،‬من حيث مهامه الشبيهة بمهام النيابة العامة‪ ،‬كإصدار األوامر الماسة‬
‫بالحرية وبالحق في التنقل‪ ،‬واالعتقال االحتياطي‪ ،‬والتقاط المكالمات الهاتفية‪ ،‬وتفقد المؤسسات‬
‫السجنية‪ ،‬وتسخير القوة العمومية؛‬

‫وهو جهة قضائية‪ ،‬من حيث إصدار القرارات وإجبارية تعليل بعضها‪ ،‬ومن حيث قابلية‬
‫هذه القرارات للطعن‪ .‬وكذلك من حيث قوة اإلثبات التي أعطاها القانون لالعتراف الذي يتم‬
‫‪28‬‬
‫أمامه وللتصريحات التي يفضي بها الشهود إليه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مسطرة تعيين قاضي التحقيق‬

‫بالرجوع إلى مشروع قانون المسطرة الجنائية نالحظ أن مسطرة تعيين قضاة التحقيق‬
‫تراجعا خطيرا أخل بكل مقومات العدالة الجنائية المبنية على مبدأ الفصل بين السلط والتأكيد‬
‫وتأصيل مفهوم قرينة البراءة كأصل في الظنين‪.‬‬

‫فإذا كان قانون المسطرة الجنائية القديم ينص على أن قاضي التحقيق يعين في محكمة‬
‫االستئناف‪ 29‬لغاية النهوض بأعباء التحقيق اإلعدادي بصفة أساسية لمدة ثالث سنوات وذلك‬
‫بقرار من وزير العدل‪ ،‬فإنه في المقابل وتماديا في تكريس السياسة الجنائية القائمة على إخالل‬
‫بمبدأ الفصل بين السلط والمركزة على أساس هيمنة وزير العدل على المرحلة ما قبل المحاكمة‬
‫بشقيها سواء أمام الضابطة القضائية –البحث التمهيدي‪ -‬أو أمام قاضي التحقيق –التحقيق‬
‫اإلعدادي‪ -‬فاستنادا إلى الفصل ‪ 6‬و‪ 19‬وكذا الفصل ‪ 53‬م‪.‬ج أعطى الحق لوزير العدل في‬

‫‪ - 28‬سمير الستاوي‪ ،‬ومحمد مسعودي‪ ،‬سلطات قاضي التحقيق ‪ -‬دراسة ميدانية على ضوء العمل القضائي‪ ،-‬نفس المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.33 :‬‬
‫‪ - 29‬عبد السالم بنحدو‪ ،‬الوجير في شرح المسطرة الجنائية المغربية‪ ،‬مطبعة أسبارطيل‪ ،‬طنجة‪ ،2013 ،‬ص‪.34 :‬‬
‫‪24‬‬
‫أن يصدر قرار إعفاء قاضي التحقيق من مهامه لكن بعد أن يحصل على رأي المكتب المجلس‬
‫األعلى للقضاء‪.‬‬

‫فبالرجوع إلى المادة ‪ 52‬ف م ج حيث نصت على أن هؤالء يتم تعيينهم باقتراح من‬
‫رئيس المحكمة االبتدائية‪ ،‬وبناء على هذا االقتراح يتولى وزير العدل عملية التسمية الرسمية‬
‫لقاضي التحقيق وذلك لوالية قضائية مدتها ثالث سنوات قابلة للتجديد بقرار إداري لوزير‬
‫العدل بناء على نفس الكيفيات والشروط الواردة في المادة أعاله‪.‬‬

‫كما عمل أيضا على تحديد طريقة تعين قضاة التحقيق بمحكمة االستئناف بحيث نص‬
‫على أن هؤالء يتم انتقائهم من ضمن المستشارين أو المكلفين بمهام المستشارين بها بنفس‬
‫اإلجراءات التي تم بها تعين قضاة التحقيق بالمحكمة االبتدائية أي عن طريق وزير العدل‪،‬‬
‫كما أجاز لهذا األخير في المقابل كسلطة لتعين اتخاذ قرار بوضع حد وإنهاء مهام قاضي‬
‫‪30‬‬
‫التحقيق ومن نفس الشروط المسطرية –المادة ‪ 52‬ف‪.‬م‪ .‬ج‪.‬‬

‫وما يميز هذه المسطرة‪ ،‬هي تلك اإلرادة المتزايدة للمشرع في ضمان أحكام والمسطرة‬
‫نهائيا على هيئة التحقيق من طرف السلطة التنفيذية من جهة الممثلة في وزير العدل وأيضا‬
‫من طرف سلطة االتهام من جهة أخرى‪ ،‬علما وكما سبق اإلشارة إليه‪ ،‬فأن وزير العدل هو‬
‫‪31‬‬
‫السلطة الرئيسية المباشرة للنيابة العامة طبقا لمقتضيات المادة ‪ 51‬ف‪ .‬م‪ .‬ج‬

‫فهذا الوضع ال يتماشى مع دولة القرن الواحد والعشرين التي أخذت على عاتقها االلتزام‬
‫بمفهوم الحرية والديمقراطية للجميع أمام القانون وأمام المجتمع عن طريق تخليق السياسة‬
‫‪32‬‬
‫الجنائية لما هو متعارف عليه دوليا في تأصيل مفهوم البراءة أمام القضاء الجنائي‪.‬‬

‫وكتحصيل حاصل لما خوله المشرع المغربي لوزير العدل من امتيازات على النيابة‬
‫العامة الخاضعة لسلطته الرئيسية بحيث يمكنه من خاللها أي النيابة العامة التأثير على سير‬

‫‪ - 30‬محمد أحذاف‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬سجلماسة للطبع والنشر‪ ،‬مكناس‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪ ،2005‬ص‪ 47‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 31‬اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬الصادر عام ‪1948‬‬
‫‪ - 32‬محمد أحذاف‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.45 :‬‬
‫‪25‬‬
‫التحقيق لما يخدم مصالحه السياسية من جهة ومن أجل تفعيل مظاهر الهيمنة والسيطرة على‬
‫سلطة التحقيق من خالل مسطرة اختيار القاضي الذي يتعين تكليفه بمسطرة التحقيق اإلعدادي‪،‬‬
‫فهذا الوضع المزري ال يعكس فقط عدم استقاللية سلطة التحقيق على جهاز النيابة العامة‪،‬‬
‫ومن تم وزير العدل بل يعكس بؤس الوضعية القانونية لقاضي التحقيق‪ 33،‬وهكذا نص المشرع‬
‫من أجل ترجمة هذه النوايا واألهداف الغير المنطقة في المادة ‪ 90‬ق‪.‬م‪.‬ج‪« .‬إذا تعدد قضاة‬
‫التحقيق في محكمة واحدة فإن النيابة العامة تعين من يحقق في كل قضية على حدة» فهذا‬
‫الفصل ال محل له من اإلعراب في إطار التغني بفلسفة استقاللية قاضي التحقيق لما يخدم‬
‫‪34‬‬
‫العدالة واحترام الحريات وترسيخ مبدأ البراءة كأصل‪.‬‬

‫فما يدعو لالستغراب والعجب أن نفس القانون ينص صراحة في المادة ‪ 90‬ق م ج على‬
‫أن قضاة النيابة هم من يتولى اختيار قاضي التحقيق الذي يجب تكليفه بقضية ما‪ ،‬ولربما‬
‫أصيب واضعو مدونة قانون المسطرة الجنائية بداء النسيان وهم في إطار ديباجة الشعارات‬
‫والمباد ئ الكونية في الديباجة‪ ،‬ويتولون بعد ذلك إفراغها من مضمونها بل أكثر من ذلك‬
‫اآلتيان والتنصيص على مبادئ وأحكام قانونية تتعارض جملة وتفصيال مع هذه الشعارات‬
‫التي وضعت بها مقدمة أو ديباجة المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫وهذا ما جعل ببعض الباحثين‪ 35‬المغاربة يطالبون إسناد مسألة التعين واإلعفاء إلى‬
‫جمعية قضاة المحاكم االبتدائية وللهيئة العامة لقضاة المحاكم االستئناف‪ ،‬وذلك لما هو عليه‬
‫األمر بتعين قضاة الغرفة الجنحية نظرا لما تتميز به هذه الهيئات من استقاللية‪ ،‬كما أن هناك‬
‫اتجاهات فقهية من يقترح وذلك تحقيقا للحياد واالستقاللية أكثر وتدعيما لهذه الحصانة المعنوية‬
‫أن تعود سلطة التحقيق وإعفاء من مهام المجلس الدستور‪.‬‬

‫‪ - 33‬محمد أحذاف‪ ،‬شرح المسطرة الجنائية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.48– 47‬‬
‫‪ - 34‬محمد سعيد الوكيلي‪ ،‬قاضي التحقيق أمام المحكمة االبتدائية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.38 :‬‬
‫‪ - 35‬المعطي األيوبي وآخرون‪ ،‬تعليق على النصوص المقترح تعديلها المتعلق بمشروع قانون المسطرة الجنائية الخاصة‬
‫بمؤسسة قاضي التحقيق‪ ،‬ندوة هيئة المحامين بالرباط –رسالة المحاماة‪ ،‬عدد ‪ ،2002 ،18‬ص‪.57 :‬‬

‫‪26‬‬
‫فسواء أنيط اختصاص تعين قاضي التحقيق لهيئة أو جمعية القضاة المحكمة االبتدائية‬
‫أو للهيئة العامة للقضاة محكمة االستئناف أو حتى لمجلس األعلى للقضاء‪ ،‬فإن هذا قد يحد أو‬
‫يخفف على العموم من التناقض الذي تتخبط فيه مسطرة الجنائية بين تدعيم هيمنة وسيطرة‬
‫السلطة التنفيذية في شخص وزير العدل وبين التبرج بمفاهيم العدالة الجنائية القائمة على‬
‫الحرية واحترام حقوق اإلنسان وعلى اعتبار الفصل األول من المسطرة الجنائية ينص على‬
‫‪36‬‬
‫أن كل شخص يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته بحكم قضائي‪.‬‬

‫والمالحظ أن المشرع بسياسته القائمة وبفلسفته الرامية إلى عدم إيالء أي اعتبار أو‬
‫اهتمام يذكر وهو بصدد صياغة نصوص قانون المسطرة الجنائية لآلراء واالنتقادات الفقهية‪،‬‬
‫بحيث تبنى سياسة الالمباالة واالحتكار وصم األذن وحافظ تقريبا على نفس الوضع القائم‬
‫‪37‬‬
‫سابقا‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬اختصاص قاضي التحقيق‬

‫يتحدد اختصاص قاضي التحقيق بتحديد نطاق التحقيق اإلعدادي ويمكن أن نميز بين‬
‫ثالثة أنوع‪ :‬اختصاص نوعي واختصاص شخصي واختصاص محلي‪.‬‬

‫االختصاص من زاوية األفعال الخاضعة لتحقيق‪:38‬‬ ‫‪-‬‬

‫ميز المشرع المغربي في مجال األفعال الخاضعة للتحقيق‪ ،‬بين نوعين من الجرائم‪،‬‬
‫النوع األول جعل فيه التحقيق اإلعدادي إجباريا‪ ،‬أما النوع الثاني فقد اعتبر المشرع التحقيق‬
‫اإلعدادي فيه اختياريا‪.‬‬

‫‪ - 36‬إيمان الخمالي المشيشي‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪ 32 :‬و‪..34‬‬
‫‪ - 37‬محمد سعيد الوكيلي‪ ،‬قاضي التحقيق أمام المحكمة اإلبتدائية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.33 :‬‬
‫‪ 38‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 3237‬بتاريخ ‪ 28‬شوال ‪ 1394‬موافق ‪ 13‬نونبر ‪1974‬‬
‫‪27‬‬
‫وحصرت المادة ‪ 83‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ .‬األفعال التي يكون فيها التحقيق إلزاميا‪ ،‬حيت نصت‬
‫على أنه‪ " :‬يكون التحقيق إلزاميا‪:‬‬

‫في الجنايات المعاقب عليها باإلعدام‪ ،‬أو السجن المؤبد أو التي يصل الحد األقصى‬
‫للعقوبة المقررة لها ثالثين سنة‪.‬‬

‫في الجنايات المرتكبة من طرف األحداث‬

‫في الجنح بنص خاص في القانون‪.‬‬

‫يكون اختياريا في ما عدا ذلك من الجنايات والجنح المرتكبة من طرف األحداث وفي‬
‫الجنح التي يكون الحد األقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات أو أكثر‪".‬‬

‫االختصاص من زاوية األشخاص الخاضعين لتحقيق‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫قاضي التحقيق مقيد في األفعال المعروضة عليه وذلك انطالقا من قاعدة " التحقيق‬
‫عيني وليس شخصي"‪ .‬ويجري قاضي التحقيق في نطاق ما هو محال عليه من النيابة العامة‪،‬‬
‫على أن التزامه بالتقيد باألفعال المحالة عليه‪ ،‬ال يمنعه من وصفها الوصف الذي يراه مناسبا‪،‬‬
‫وال يتقيد في ذلك بتكييف النيابة العامة‪.39‬‬

‫االختصاص المحلي لقاضي التحقيق‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫نصت المادة ‪ 55‬من قانون المسطرة الجنائية على االختصاص المحلي لقاضي التحقيق‬
‫وأحالت على المادة ‪ 44‬من نفس القانون‪ ،‬وبالتالي يرجع االختصاص المحلي لقاضي التحقيق‬
‫إما محل ارتكاب الجريمة أو محل إقامة المتهم أو محل إلقاء القبض عليه‪.‬‬

‫‪ -‬محمد سعيد الوكيلي‪ ،‬قاضي التحقيق أمام المحكمة االبتدائية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 40 :‬و‪.41‬‬ ‫‪39‬‬

‫‪28‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬موقف الفقه من مؤسسة قاضي التحقيق‬

‫إن مؤسسة قاضي التحقيق مع ما شكلته من قيمة مضافة ألجهزة العدالة الجنائية‪ ،‬من‬
‫خالل ما بيناه سابقا من مظاهر فاعليتها في تحقيق العدالة الجنائية‪ .‬وما تعانيه بالمقابل من‬
‫قصور في تحقيق الفاعلية من خالل مختلف مظاهر الرقابة على هذه المؤسسة‪ ،‬وكذا مختلف‬
‫اإلكراهات والمواقف العملية‪ ،‬كل ذلك كان سببا في انقسام األوساط القانونية والفقهية واحتدام‬
‫‪40‬‬
‫الجدل حول موضوع إلغاء مؤسسة قضاء التحقيق من عدمه‪.‬‬

‫والتساؤل الذي يطرح نفسه أمام الجدل الذي تم استعراضه هو ما مدى ضرورة التمسك‬
‫بمؤسسة قاضي التحقيق في البلدان التي أخذتها عن فرنسا‪ ،‬عندما تعمل فرنسا ذاتها على‬
‫التفكير في إلغائها؟ وهل تملك هذه الدول ومنها المغرب الوسائل لذلك؟‬

‫وفيما يلي سنعرض ألهم المبررات التي يطرحها كل من مؤيدي ومعارضي اإلبقاء‬
‫على مؤسسة قاضي التحقيق بالمغرب‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مبررات اإلبقاء‬

‫تعتبر مرحلة عبور الملف على التحقيق هي أصعب مرحلة في مسار الملف الجنائي‬
‫باعتبار أنه يشكل الحلقة في انتظار عرضه أمام جهم الحكم‪ ،‬وتكتسي مرحلة التحقيق اإلعدادي‬
‫أهمية خاصة في نظامنا الجنائي ألسباب عديدة نذكر منها‪:‬‬

‫فالتحقيق بمعرفة قاضي مستقل ومحايد يبحث عن أدلة إثبات كما يبحث عن‬ ‫‪)1‬‬
‫أدلة النفي ويحقق لفائدة العدالة والحقيقة ال لمصلحة المتهم أو ضد مصلحته ويراعي المساواة‬
‫بين أطراف الدعوة العمومية كلها شروط أساسية لتحقيق التوازن المنشود‪ ،‬وتأتي أهمية‬
‫المرحلة من حيث كونها ضرورية التخاذ اإلجراءات الماسة بالحرية من قبل جهات قضائية‬

‫‪ -‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.40 :‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪29‬‬
‫ومستقلة ومن حيث كونها قد تحفظ للمتهم كرامته وتوفر عليه معاناة المحاكمة متى صدر‬
‫‪41‬‬
‫لصالحه قرار بعدم المتابعة‪.‬‬
‫قانون المسطرة الجنائية جاء بالعديد من المستجدات اإليجابية التي تعتبر التدابير‬ ‫‪)2‬‬
‫البديلة بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية المنصوص عليها في المادة ‪ 616‬خطوة متقدمة‬
‫جدا واستجابة لجزمهم من المطالب الملحة للحقوقيين‪.‬‬
‫إلغاء قضاء التحقيق يمس بضمانات المحاكمة العادلة في عمقها‪ ،‬وبقرينة‬ ‫‪)3‬‬
‫البراءة في أصولها ومقاصدها‪ ،‬ذلك أن الرأي الغالب في الفقه والقضاء يعتبر التحقيق دعامة‬
‫أساسية لحقوق اإلنسان‪ ،‬وركيزة مهمة في تحقيق المحاكمة العادلة‪ ،‬وما تزال أعرق األنظمة‬
‫القضائية في العالم تعتمد عليه إلضفاء الشرعية على األبحاث الجنائية لما يوفره من ضمانات‬
‫‪42‬‬
‫للمهتم وحقوق الدفاع ويجعل البحث الجنائي بمنأى عن كل انتقاء‪.‬‬
‫إن الضامن لحقوق المتهمين حين عرض ملفاتهم على قضاء التحقيق هو قاضي‬ ‫‪)4‬‬
‫التحقيق نفسه وذلك بما يتمتع به من ضمير مهني‪ ،‬وتشبعه بثقافة حماية الحقوق الفردية‬
‫‪43‬‬
‫والجماعية‪.‬‬
‫إن وجود مؤسسات قضاء التحقيق في المحاكم االستئنافية واالبتدائية يعد من‬ ‫‪)5‬‬
‫المكتسبات الحقوقية بحكم ما توفره من ضمانات للمتهمين والمجتمع بصفة عامة‪ ،‬إذ أن‬
‫التحقيقات التي يباشرها قاضي التحقيق تمكن استجالء الحقائق بخالف األبحاث التمهيدية التي‬
‫تسند للضابطة القضائية والتي ال يتيح الحيز الزمني الذي ال يتجاوز ‪ 11‬ساعة لضباط الشرطة‬
‫‪44‬‬
‫إمكانية جمع األدلة والمعطيات للوصول إلى الحقيقة؛‬
‫يعتبر إلغاء قضاء التحقيق تكريسا للهيمنة القانونية للنيابة العامة بجعلها فوق‬ ‫‪)6‬‬
‫باقي السلطات القضائية‪ ،‬بل وبجعها فوق القانون الذي حدد وظيفتها‪ ،‬ومن شأن ذلك أن يؤكد‬
‫‪45‬‬
‫لنا مرة أخرى أن مبدأ المساواة بين أطراف الخصومة الجنائية يبقى حقا مهزوزا؛‬

‫‪ - 41‬عبد الواحد إمام مرسي‪ ،‬التحقيق الجنائي علم وفن بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دار الكتب‪ ،‬مصر‪ ،1995 ،‬ص‪.85 :‬‬
‫‪ - 42‬إيمان الخمالي المشيشي‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.37 :‬‬
‫‪ -‬محمد أنور عاشور‪ ،‬الموسوعة في التحقيق الجنائي العلمي‪ ،‬نشر عالم الكتب‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،2005 ،‬ص‪.212 :‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪ -‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.42 :‬‬ ‫‪44‬‬

‫‪ -‬عبد الواحد إمام مرسي‪ ،‬التحقيق الجنائي علم وفن بين النظرية والتطبيق‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.88 :‬‬ ‫‪45‬‬

‫‪30‬‬
‫تقليص مجال التحقيق اإلعدادي أو إلغاؤه يساهم في تزايد األخطاء القضائية‬ ‫‪)7‬‬
‫التي كان باإلمكان تفاديها لو عرض الملف على التحقيق لضمان المزيد من التحري والتبصر‬
‫بدل الشرع الذي قد يكون وراءه االكتظاظ وضغط عدد القضايا الرائجة أمام غرف‬
‫‪46‬‬
‫الجنايات؛‬
‫يتعين إبقاء على قضاء التحقيق خاصة بمحاكم االستئناف‪ ،‬شريطة تعزيز‬ ‫‪)8‬‬
‫وضعيته ومراجعة الصالحيات المخولة لقضاء التحقيق‪.‬‬
‫التحقيق اإلعدادي يشكل ضمانة تعطي للمتهم فرصة للدفاع عن نفسه وإثبات‬ ‫‪)9‬‬
‫برا ته متى كان بريئا‪ ،‬بخالف الحالة التي يعرض فيها المتهم على المحكمة مباشرة حيت‬
‫‪47‬‬
‫تضيع عليه فرصة احتمال تقادمها وتفادي مخاطرها؛‬
‫إن التغلب على التحديات لمحاربة جرائم الفساد المالي وحماية المال العام‬ ‫‪)10‬‬
‫وسائر أشكال الجريمة‪ ،‬وخصوصا الجريمة المنظمة والجريمة االقتصادية وجرائم اإلرهاب‪،‬‬
‫تقتضي اإلبقاء على قضاء التحقيق وتحفيزه على اإلبداع‪ ،‬وتمكينه من االطالع على تجارب‬
‫‪48‬‬
‫آخرين‪ ،‬وتحصينه بتكوين خاص ومتخصص للتغلب على التحديات؛‬
‫إلغاء قضاء التحقيق سيؤدي إلى خلل في مبدأ فصل السلطات‪ ،‬وسيمكن النيابة‬ ‫‪)11‬‬
‫العامة من توسيع سلطاتها على حساب أخرى‪ ،‬وفد يشكل تراجع كبير عن المكتسبات؛‬
‫سلب حق المتقاضي في تحريك الدعوى العمومية بانتصابه طرفا مدنيا؛‬ ‫‪)12‬‬

‫أوال‪ :‬مبررات اإللغاء‬

‫إذا ما كانت مرحلة عبور الملف على التحقيق هي أصعب مرحلة في مسار الملف‬
‫الجنائي باعتباره يشكل الحلقة الصعبة للملف في انتظار عرضه أمام جهة الحكم‪ ،‬فما الذي‬
‫يبرر المطالبة بإلغاء مؤسسة التحقيق؟‬

‫‪46‬‬

‫‪ -‬عبد الواحد إمام مرسي‪ ،‬التحقيق الجنائي علم وفن بين النظرية والتطبيق‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.96 :‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪ -‬إيمان الخمالي المشيشي‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪،‬‬ ‫‪48‬‬

‫ص‪.38 :‬‬
‫‪31‬‬
‫إن التحقيق اإلعدادي فعال في أزمة مظاهرها بادية في مدة التحقيق التي تزداد طوال‬
‫واالرتفاع المستمر لعدد المعتقلين االحتياطيين وتراكم القضايا بمكاتب التحقيق في الوقت الذي‬
‫يملك قاضي التحقيق سلطات واسعة للقيان بأبحاث خالل مدة غير محددة وفي ظل فراع‬
‫تنظيمي بالنسبة للعديد من اإلجراءات التي تنجز بواسطتها هذه األبحاث وفي الوقت الذي‬
‫يملك فيه اتخاذ أخطر القرارات ضد المتهم ويعتمد في جمعه لألدلة على الشرطة من خالل‬
‫اإلنابات القضائية‪.49‬‬

‫وفيما يلي أهم االنتقادات الموجهة لمؤسسة قاضي التحقيق بالمغرب ‪:‬‬

‫أنه يساهم في تراكم الملفات وتأخير البث فيها‪ ،‬وخاصة في القضايا العادية‪،‬‬ ‫‪)1‬‬
‫و كدا إطالة عمرها فضال عن غياب معايير محددة واضحة للتمييز بين القضايا التي تقتضي‬
‫التحقيق وتلك التي ال تستجوبه‪.‬‬
‫استقالل قاضي التحقيق هش ودون ضمانات بحكم عالقته بالنيابة العامة‬ ‫‪)2‬‬
‫والصالحيات الممنوحة لكل من الوكيل العام للمك ووكيل الملك‪ ،‬كل فيها يخصه حسب‬
‫االختصاص‪ ،‬في اختيار قاضي التحقيق من بين القضاة العاملين بالمحكمة (المادة ‪ 58‬من‬
‫قانون المسطرة الجنائية)‪.‬‬
‫قد أبان التحقيق أكثر من مناسبة على البطء في المسطرة وطول اإلجراءات‬ ‫‪)3‬‬
‫لمواكبة جرائم الفساد المالي في غياب موارد بشرية متخصصة وإمكانيات لوجستيكية‬
‫ضرورية سيما إن محاضر قضاة المجلس األعلى للحسابات يمكن االعتماد عليها لما تتصف‬
‫به من مهنية تصلح ألن تكون مصدر المتابعة من طرف النيابة العامة دون إحالتها على‬
‫‪50‬‬
‫الضابطة القضائية؛‬
‫مادام قد أصبح للمتضرر من األخطاء القضائية الحق في المطالبة بالتعويض‬ ‫‪)4‬‬
‫طبقا للمادة ‪ 22‬من دستور المملكة بات ممكنا االستغناء عن قضاء التحقيق‪ ،‬وذلك بشكل‬
‫تدريجي يبتدئ من تقليص اختصاصاته وسلطاته إلى حد إلغائها بإسناد مسألة اإليداع في‬

‫‪ - 49‬مراد عبد الفتاح‪ ،‬التحقيق الجنائي التطبيقي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.25 :‬‬
‫‪ - 50‬إيمان الخمالي المشيشي‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.44 :‬‬
‫‪32‬‬
‫السجن واالعتقال االحتياطي ومناقشة الضمانات الشخصية والعينية المتعلقة بهما إلى هيئة‬
‫قضائية فردية أو جماعية تخت ص بالنظر في الحريات والضمانات بإعمال التدابير القضائية‬
‫‪51‬‬
‫المعروفة في هذا اإلطار‪.‬‬
‫فيما يخص قضايا الفساد المالي واتجاه البعض إلى اإلبقاء على قضاء التحقيق‬ ‫‪)5‬‬
‫المتخصص في الجرائم المالية‪ ،‬فإن محاضر قضاة المجلس األعلى للحسابات لها قوة إثباتيه‬
‫لما تتصف به من مهنية تصلح ألن تكون مصدر المتابعة من طرف النيابة العامة دون إحالتها‬
‫‪52‬‬
‫على الضابطة القضائية‪.‬‬
‫عدم خضوع سلطة النيابة العامة لمعايير موضوعية وموحدة في اإلحالة على‬ ‫‪)6‬‬
‫التحقيق بالنسبة للجنايات غير معاقب عليها باإلعدام والسجن المؤبد‪ ،‬أو المرتكبة من قبل‬
‫األحداث‪ ،‬أو إحالتها مباشرة على غرفة الجنايات وضع يشكل مساسا بمبدأ مساواة الجميع في‬
‫المثول أمام القضاء‪. 53‬‬
‫إن قضاء التحقيق بالمحاكم االبتدائية لم يقدم أية إضافة نوعية للعدالة الجنائية‪،‬‬ ‫‪)7‬‬
‫بل إن غالبية القضايا التي تحال على التحقيق بحكم أن العقوبة الحبسية تصل إلى ‪ 5‬سنوات‬
‫يتم فيها استنساخ واجترار البحث المنجز من طرف الضابطة القضائية‪ ،‬وذلك خالل مرحلة‬
‫البحث التمهيدي بشقيه االبتدائي والتفصيلي إذ يتم استنطاق المتهمين واالستماع إلى المشتكين‬
‫والشهود بشكل سطحي دون أية مميزات تجعل قضاء التحقيق يترك بصمته الخاصة على‬
‫‪54‬‬
‫ملف القضية‪.‬‬
‫عدم تفرغ التحقيق على مستوى المحاكم االبتدائية‪ ،‬وإسناد مهام قضائية أخرى‬ ‫‪)8‬‬
‫له بالمحكمة يعد من األسباب التي تحول دون تمكينه من القيام بمهام التحقيق على الوجه‬
‫األكمل‪. 55‬‬

‫‪ -‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.53 :‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪ -‬مراد عبد الفتاح‪ ،‬التحقيق الجنائي التطبيقي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.30 :‬‬ ‫‪52‬‬

‫‪ -‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.51 :‬‬ ‫‪53‬‬

‫‪ - 54‬إيمان الخمالي المشيشي‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.46 :‬‬
‫‪ - 55‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.50 :‬‬
‫‪33‬‬
‫اتساع نطاق الجرائم التي تقبل التحقيق من بين األسباب التي تؤدي إلى إغراق‬ ‫‪)9‬‬
‫وإثقال كاهل مكاتب التحقيق بكم هائل من الملفات تكون في غالب األحيان تكرارا لما سبق‬
‫من إجراءات البحث التي قامت بها الضابطة القضائية‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ممارسة التحقيق اإلعدادي‬

‫إن التحقيق اإلعدادي هو مرحلة من مراحل القضية الجنائية تتوسط البحث التمهيدي‬
‫الذي تباشره الشرطة القضائية والتحقيق النهائي الذي تباشره المحكمة في الجلسة ‪ ،‬وحسب‬
‫رأي الفقه والقضاء تعد هذه المرحلة دعامة أساسية لحقوق اإلنسان وركيزة مهمة في تحقيق‬
‫المحاكمة العادلة ‪ ،‬ذلك أن التحقيق اإلعدادي يتمثل في مجموعة من التحريات تستهدف‬
‫استكمال المعلومات وجمع الحجج التي تكون في صالح المتابع أو ضده من طرف سلطة‬
‫قضائية مختصة يحق لها في نهاية األمر أن تقرر ما إذا كان مناسبا أو غير مناسب إحالة‬
‫القضية على المحكمة؛ وعليه فإن قاضي التحقيق له مهمة مزدوجة تتمثل من جهة أولى في‬
‫جمع األدلة المتعلقة بالجريمة التي توبع من أجلها الظنين‪ ،‬ومن جهة ثانية في تقدير قيمة تلك‬
‫األدلة لمعرفة ما إذا كانت كافية أم ال لالستمرار في المتابعة‪ ،‬فما هي إذا الجهات المخول لها‬
‫ممارسة التحقيق اإلعدادي إلى جانب قاضي التحقيق؟ ‪ ،‬وما هي اإلجراءات المسطرية المتبعة‬
‫إلحالة القضية على قاضي التحقيق من اجل ممارسة التحقيق اإلعدادي؟‪.‬‬

‫وعليه فإننا سنتناول هذا المبحث من خالل مطلبين‪ ،‬حيت سنخصص المبحث االول‬
‫للتبيان الجهات التي خول لها المشرع صالحية ممارسة التحقيق اإلعدادي سواء األصلية منها‬
‫أو االستثنائية‪ ،‬في حين سنخصص المطلب الثاني لعرض المسطرة المتبعة إلحالة القضية‬
‫على قاضي التحقيق‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الجهات المخول لها ممارسة التحقيق اإلعدادي‬

‫يعتبر قاضي التحقيق هو الطرف األصيل في القيام بمهام التحقيق‪ ،‬في حين تتداخل معه‬
‫بعض الجهات االخرى‪ ،‬إما باعتبارها تمارس نوعا من الرقابة على إجراءات وأوامر قضاة‬
‫التحقيق‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة للغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف (الفقرة األولى)‪ ،‬أو في‬
‫إطار االنابة القضائية حيث يعهد لضباط الشرطة القضائية القيام الغرفة الجنائية بمحكمة‬
‫النقض وضباط الشرطة القضائية وقضاء الحكم بمهام التحقيق (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الجهات المكلفة أساسا بالتحقيق اإلعدادي‬

‫خول المشرع المغربي سلطة ممارسة التحقيق اإلعدادي لجهتين أساسيتين هما‪ ،‬قضاة‬
‫التحقيق (أوال)‪ ،‬والغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬قاضي التحقيق‬

‫‪57‬‬
‫انطالقا من نص المادة ‪ 52‬من قانون المسطرة الجنائية‪ 56‬يالحظ ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬مراعاة االنسجام المتكامل بين المادة ‪ 52‬والمادة ‪ 83‬من قانون المسطرة الجنائية التي‬
‫أوجدت حاالت للتحقيق اإلعدادي (اجبارية كانت ام اختيارية) في الجنح التي تختص المحاكم‬
‫االبتدائية بالفصل في موضوعها‪ ،‬وهو األمر الذي اقتضى من المشرع‪ ،‬من جهة‪ ،‬األخذ‬

‫‪ - 56‬المادة ‪ 52‬من قانون المسطرة الجنائية‪ " :‬يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في المحاكم االبتدائية من بين قضاة الحكم‬
‫فيها لمدة ثالث سنوات قابلة للتجديد بقرار لوزير العدل‪ ،‬بناء على اقتراح من رئيس المحكمة االبتدائية‪.‬‬
‫يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في محاكم االستئناف من بين مستشاريها لمدة ثالث سنوات قابلة للتجديد بقرار لوزير‬
‫العدل‪ ،‬بناء على اقتراح من الرئيس األول لمحكمة االستئناف‪.‬‬
‫يمكن خالل هذه المدة إعفاؤهم من مهامهم بنفس الكيفية‪.‬‬
‫يباشر هؤالء القضاة مهامهم وفق ما هو منصوص عليه في القسم الثالث بعده‪.‬‬
‫ال يمكن لقضاة التحقيق‪ ،‬تحت طائلة البطالن‪ ،‬أن يشاركوا في إصدار حكم في القضايا الزجرية التي سبق أن أحيلت إليهم‬
‫بصفتهم قضاة مكلفين بالتحقيق‪." .‬‬
‫‪ -57‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬الرباط‪ ،2016 ،‬ص‪ 27 :‬و‪.28‬‬
‫‪36‬‬
‫بمستويين للتحقيق اإلعدادي‪ ،‬األول على مستوى المحكمة االبتدائية للجنح‪ ،‬والثاني على‬
‫مستوى محكمة االستئناف بالنسبة للجنايات‪.‬‬

‫‪ -‬بناءا على ما سبق فإن قاضي التحقيق ينبغي أن يكون من بين أعضاء القضاء الجالس‬
‫بالمحكمة (ابتدائية كانت ام استئنافية) وليس من قضاة النيابة العامة‪.‬‬

‫ومما سلف ذكره‪ ،‬يمكن المالحظة على مسطرة تعيين قاضي التحقيق‪ ،‬بأنها وإن كانت‬
‫أصابت فيما يتعلق بتخصيص القضاء الجالس لشغل مهام التحقيق اإلعدادي فإن تحديد المدة‬
‫في ثالث سنوات ليس لها داع يذكر‪ ،‬إذ أن قاضي التحقيق كلما طالت مدة بقائه في هذا‬
‫‪58‬‬
‫المنصب إال ووفرت خبرته في هذا المجال‪.‬‬

‫ومع ما سبق من القول‪ ،‬ومن دون التشكيك أو التقليل من ضرورة إيجاد أو إبتكار آليات‬
‫جدية تدعم إستقاللية قاضي التحقيق سواء عند تعيينه أو عند وضع حد لمهامه كممارس‬
‫للتحقيق‪.‬‬

‫‪ -‬إذا كانت المادة ‪ 52‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬قد ظلت وفية للفصل ‪ 6‬من ظهير‬
‫اإلجراءات االنتقالية لسنة ‪ 1974‬فيما يتعلق بتراجعها عن الضمانة التي كان يوفرها الفصل‬
‫‪ 53‬من ظهير ‪ 1959/2/10‬المتعلق بوجوب أخد رأي مكتب المجلس األعلى للقضاة قبل‬
‫اتخاد وزير العدل لقرار إعفاء قاضي التحقيق‪ ،‬فإنها خالفته بتقريرها في فقرتها االخيرة‪.‬‬

‫‪ -‬إن الذي أقر التحقيق اإلعدادي على مستوى المحاكم االبتدائية واالستئنافية‪ ،‬مكن‬
‫لوزير العدل من أن يعين لديها إما قاضيا للتحقيق أو عدة قضاة‪ ،‬وهو ما يعني أن العدد غير‬
‫المحدد برقم في النص‪ ،‬ان كان ال يطرح أي اشكالية عندما يتعدد قضاة التحقيق المعينين لدى‬
‫المحكمة‪.‬‬

‫فاألمر على خالف ذلك إن كانت المحكمة ال تتوفر سوى على قاضي واحد للتحقيق‬
‫حصل له مانع منعه مؤقتا من ممارسته لمهامه‪ ،‬وهو األمر الذي تداركه القانون في المادة‬

‫‪ - 58‬عبد الواحد إمام مرسي‪ ،‬التحقيق الجنائي علم وفن بين النظرية والتطبيق‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.66 :‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ 53‬من قانون المسطرة الجنائية التي مكنت رئيس المحكمة في حالة االستعجال وبناء على‬
‫طلب النيابة العامة وفي انتظار زوال المانع‪ ،‬أو حصول التعيين بقرار نظامي يصدره وزير‬
‫‪59‬‬
‫العدل‪ ،‬أن يعين أحد قضاة أو مستشاري المحكمة لممارسة هذه المهام‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الغرفة الجنحية‬

‫تعتبر الغرفة الجنحية هيئة قضائية تدخل في مكونات محكمة االستئناف إلى جانب باقي‬
‫الغرف كغرفة الجنايات وغرفة الجنايات االستئنافية وغرفة الجنح االستئنافية‪...‬الخ‪ ،‬وقد تم‬
‫احداثها بمقتضى ظهير ‪ 1974/07/28‬المتعلق باإلجراءات االنتقالية لتعويض غرفة االتهام‬
‫وذلك بجعلها مهمة رقابية على اعمال قاضي التحقيق‪.‬‬

‫وتتصل الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف بالتحقيق االعدادي في كونها الجهة المختصة‬
‫بالنظر في طلبات بطالن إجراءات التحقيق‪ ،‬واالستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاضي‬
‫التحقيق‪ ،‬وفي طلبات االفراج المؤقت المقدمة اليها مباشرة‪ ،‬وكذا كل اخالل منسوب لضابط‬
‫كما‬ ‫‪60‬‬
‫من ضباط الشرطة القضائية خالل مزاولته لمهامه كما هو منصوص في القانون‪،‬‬
‫نصت على كل هذا المادة ‪ 239‬من قانون المسطرة الجنائية ‪-‬وبالتالي يمكن اعتبارها درجة‬
‫‪61‬‬
‫ثانية من درجات التحقيق االعدادي‪.‬‬

‫وتنص المادة ‪ 231‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه‪ :‬تنظر الغرفة الجنحية بمحاكم‬
‫االستئناف وهي مكونة من الرئيس األول أو من ينوب عنه ومن مستشارين اثنين بحضور‬
‫ممثل النيابة العامة وكاتب الضبط‪:‬‬

‫‪ - 59‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.58 :‬‬
‫‪ - 60‬انظر بالتفصيل المادة ‪ 231‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬
‫‪ -‬محمد حكيم‪ ،‬تأمالت في قضاء التحقيق بين الممارسة والتطبيق‪ ،‬مجلة الحقوق المغربية‪ ،‬العدد الخامس‪ ،2005 ،‬ص‪.152 :‬‬ ‫‪61‬‬

‫‪38‬‬
‫أوال‪ :‬في طلبات االفراج المؤقت المقدمة اليها مباشرة طبقا لمقتضيات الفقرتين الرابعة‬
‫والخامسة من المادة ‪ ،179‬وفي تدابير الوضع تحت المراقبة القضائية المتخذة طبقا للمادة‬
‫‪.160‬‬

‫ثانيا‪ :‬في طلبات بطالن إجراءات التحقيق المنصوص عليها في المواد ‪ 210‬إلى ‪231‬‬
‫من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬في االستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاضي التحقيق طبقا للمادة ‪ 222‬وما يليها‬
‫من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬في كل اخالل منسوب لضابط من ضباط الشرطة القضائية خالل مزاولته لمهامه‬
‫‪62‬‬
‫طبقا لما هو منصوص عليه في المواد من‪ 29‬إلى ‪ 35‬من هذا القانون‪.‬‬

‫وترتيبا على ما تقدم‪ ،‬يمكن القول بان المادة أعاله جعلت من الغرفة الجنحية هيئة‬
‫باإلشراف على التحقيق االعدادي‪ ،‬ان على مستوى النظر‬ ‫‪64‬‬
‫مخولة أساسا‬ ‫‪63‬‬
‫قضائية دائمة‬
‫في طلبات االفراج المؤقت التي تقدم اليها عندما ال يقوم قاضي التحقيق بالبث داخل االجل‪،‬‬
‫وان على مستوى مراقبة التحقيق االعدادي‪ ،‬اما بالطعن باالستئناف من قبل النيابة العامة أو‬
‫المتهم أو المطالب بالحق المدني في أوامر قاضي التحقيق القابلة للطعن فيها امامها‪ ،‬واما‬
‫باعالنها بطالن إجراءات التحقيق التي لم تحترم فيها المقتضيات الجوهرية التي كان ينبغي‬
‫مراعاتها عند انجاز التحقيق من قبل المحقق‪ ،‬كما تقضي بذلك المواد من‪ 210‬إلى ‪ 213‬منى‬
‫ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬‬

‫‪ - 62‬تجري المناقشات في الغرفة الجنحية بصفة سرية وفي اطار غرفة المشورة‪ ،‬بعد االطالع على تقرير المستشار المكلف‬
‫بالقضية ودراسة الملتمسات الكتابية للوكيل العام للملك ومذكرات األطراف‪ ،‬وتصدر قرارها في جلسة علنية‪ ،‬ويمكنها ان‬
‫تامر بحضور األطراف شخصيا واالستماع اليهم وبإحضار أدوات االقناع‪.‬‬
‫‪ - 63‬وهذا خالفا لغرفة االتهام التي كانت ال تجتمع اال عندما تقتضي الضرورة ذلك الفصل ‪ 215‬من ظهير ‪.1959/2/10‬‬
‫‪ - 64‬بسبب ان الغرفة الجنحية وان خولت في القانون الجديد للمسطرة‪ ،‬صالحيات غرفة االتهام الملغات فيما يتعلق باإلشراف‬
‫على التحقيق االعدادي‪ ،‬فإنها لم تكلف على غرار الغرفة الجنحية المحدثة بظهير اإلجراءات االنتقالية ل‪28‬شتنبر ‪1974‬‬
‫الفصل ‪ 10‬من ظ‪.‬ا‪.‬ن‪ ،‬بالنظر‪-‬زيادة على مراقبة التحقيق االعدادي‪-‬في االستئناف المرفوعة ضد االحكام الصادرة عن‬
‫المحاكم االبتدائية في الجنح والمخلفات‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الجهات المكلفة استثناء بالتحقيق اإلعدادي‬

‫باإلضافة إلى قاضي التحقيق والغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف‪ ،‬فهناك جهات أخرى‬
‫اسند لها المشرع القيام بإجراءات التحقيق استثناء وضمن شروط شكلية خاصة حددها المشرع‬
‫ونظمها بأحكام وقواعد إجرائية‪ ،‬وتتمثل هذه الجهات االستئنافية في كل من الغرفة الجنائية‬
‫بمحكمة النقض (أوال)‪ ،‬ضباط الشرطة القضائية وقضاة المحاكم (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الغرفة الجنحية بمحكمة النقض‪:‬‬

‫قد يجري التحقيق استثناء من طرف جهة نص القانون على اسناد هذا االختصاص لها‬
‫بمقتضى نص خاص وألسباب ودواعي استثنائية‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار تنص المادة ‪ 265‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه‪:‬‬

‫"اذا كان الفعل منسوبا إلى مستشار لجاللة الملك أو عضو من أعضاء الحكومة أو‬
‫كاتب دولة أو نائب كاتب دولة مع مراعاة مقتضيات الباب الثامن من الدستور أو قاض‬
‫أو إلى‬ ‫الدستوري‪65‬‬ ‫بمحكمة النقض أو بالمجلس األعلى للحسابات أو عضو في المجلس‬
‫والي أو عامل أو رئيس اول محكمة استئناف عادية أو متخصصة أو وكيل عام للملك لديها‪،‬‬
‫فإن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض تامر ‪-‬عند االقتضاء‪ -‬بناء على ملتمسات الوكيل العام‬
‫للملك بنفس المحكمة بان يجري التحقيق في القضية عضو أو عدة أعضاء من هيئتنا‪.‬‬

‫يجري التحقيق حسب الكيفية المنصوص عليها في القسم الثالث من الكتاب األول‬
‫المتعلق بالتحقيق االعدادي‪.‬‬

‫‪ - 65‬بمقتضى الدستور الجديد ‪1‬يوليوز ‪ 2011‬تمت االستعاضة عن المجلس الدستوري بالمحكمة الدستورية التي سوف‬
‫تحل محله‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫بعد انهاء التحقيق يصدر قاضي أو قضاة التحقيق‪ ،‬حسب األحوال‪ ،‬امرا قضائيا بعدم‬
‫المتابعة أو باإلحالة إلى الغرفة الجنائية بمحكمة النقض‪.‬‬

‫تبث الغرفة الجنائية بمحكمة النقض في القضية‪.‬‬

‫يقبل قرار الغرفة الجنائية االستئنافية داخل اجل ثمانية أيام‪ ،‬وتبث في االستئناف غرف‬
‫محكمة النقض مجتمعة باستثناء الغرفة الجنائية التي بتت في القضية‪.‬‬

‫ال تقبل اية مطالبة بالحق المدني امام محكمة النقض"‪.‬‬

‫يتضح من المادة أعاله ان الغرفة الجنائية بمحكمة النقض هي المختصة بالتحقيق في‬
‫األفعال المنسوبة لبعض كبار الموظفين الذين تم ذكرهم على سبيل الحصر‪ ،‬اال ان هذا‬
‫االستثناء على مستوى األشخاص الخاضعين إلجراءات التحقيق الذي تباشره الغرفة الجنائية‬
‫بمحكمة النقض ال يؤثر على طبيعتها القانونية بل يتم وفق االحكام المنصوص عليها في المواد‬
‫‪66‬‬
‫‪ 83‬الى ‪ 250‬من قانون المسطرة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ضباط الشرطة القضائية وقضاة الحكم (االنابة القضائية)‬

‫منح المشرع لقاض التحقيق حق انتداب أي قاضي اخر للقيام بأحد إجراءات التحقيق‬
‫من قضاة الحكم‪ ،‬أو ضابط من ضباط الشرطة القضائية للقيام بإجراء ما يراه الزما من اعمال‬
‫التحقيق بواسطة االنابة القضائية‪.‬‬

‫وتتضح أهمية االنابة القضائية‪ 67‬في تسهيل عمل قاضي التحقيق خصوصا عندما يتعلق‬
‫االمر باالستماع إلى شخص يتواجد خارج دائرة نفوذه الترابي‪.‬‬

‫‪ - 66‬محمد حكيم‪ ،‬تأمالت في قضاء التحقيق بين الممارسة والتطبيق‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.155 :‬‬
‫‪ - 67‬تنص المادة ‪189‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ .‬أنه‪" :‬يمكن لقاض التحقيق ان يطلب بواسطة انابة قضائية من أي قاض اخر للتحقيق‪،‬‬
‫أو أي قاض أو أي ضابط من ضباط الشرطة القضائية الموجودة في نفس دائرة محكمته‪ ،‬القيام بإجراء ما يراه الزما من‬
‫اعمال التحقيق في األماكن الخاضعة لنفوذ كل واحد منهم‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫وما يهمنا بخصوص اثارة موضوع االنابة‪ ،‬هو ادخال جهات أخرى غير اصلية للقيام‬
‫بإجراءات التحقيق االعدادي وتتمثل في قضاة الحكم وضباط الشرطة القضائية‪ ،‬فهؤالء جميعا‬
‫يحلون محل قاضي التحقيق في بعض االختصاصات الموكولة إليهم والتي يجب ان يتقيدوا‬
‫بها‪ ،‬اال ان التساؤل يطرح بخصوص‪ ،‬كيف يمكن التعامل مع االنابة القضائية الموجهة خارج‬
‫ارض الوطن؟ وهل انتداب السلطات القضائية لبلد أجنبي يقلص من دور قاضي التحقيق أو‬
‫‪68‬‬
‫يتنازل عن اختصاصاته لسلطة البلد األجنبي‪.‬‬

‫يمكنه ان بعهد بتنفيذ االنابة القضائية خارج دائرة نفوذ محكمته ألي قاض اخر من قضاة التحقيق أو قضاة الحكم‪ ،‬وعلى‬
‫القاضي المنتدب اشعار النيابة العامة التي تنفذ االنابة في دائرة نفوذها"‪.‬‬
‫‪ - 68‬احمد قيلش‪ ،‬مجيدي السعدية‪ ،‬سعاد حميدي‪ ،‬محمد زنون‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.138 :‬‬
‫‪42‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬اتصال قاضي التحقيق بالتحقيق اإلعدادي‬

‫خول المشرع المغربي للنيابة العامة مجموعة من الصالحيات في إطار تدبيرها‬


‫إلجراءات الدعوى العمومية‪ ،‬بحيث تقوم بأدوار ووظائف إجرائية غاية في األهمية‪ ،‬من بينها‬
‫التقدم بملتمس المطالبة بإجراء تحقيق اإلعدادي (الفقرة األولى)‪ ،‬غير ان التماس فتح التحقيق‬
‫ال يقتصر على النيابة العامة فقط‪ ،‬بل خول المشرع للمتضرر الحق في المطالبة بإجراء‬
‫التحقيق اإلعدادي (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬بالتماس من النيابة العامة‬

‫لئن كان قاضي التحقيق ضابطا ساميا للشرطة القضائية بمقتضى قانون المسطرة‬
‫الجنائية ويجوز له أن يبدأ في إجراءات البحث التمهيدي تلقائيا بمقتضى هذه الصفة‪ ،‬فإن األمر‬
‫خالف ذلك حينما يتعلق بالتحقيق اإلعدادي‪ .‬فال يمكن له إجراء بحث إال بعد إشعاره بطلب‬
‫‪69‬‬
‫من النيابة العامة أو بشكاية مصحوبة باالدعاء بالحق المدني‪.‬‬

‫فال يجوز لقاضي التحقيق أن يجري التحقيق اإلعدادي إال بموجب التماس بإجرائه‬
‫يصدر من الوكيل العام للملك‪ ،‬أو وكيل الملك – حسب األحوال‪ ،-‬ولو كان قاضي التحقيق قد‬
‫‪70‬‬
‫قام في حالة التلبس بجميع االختصاصات التي يخولها له قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫فمن خالل استعراض مقتضيات الفصول المنظمة للموضوع يتضح أن المشرع حاول‬
‫جعل قضايا التحقيق كمبدأ عام خاضعة لرقابة قبلية من طرف النيابة العامة فال تحيل إال ما‬
‫كان التحقيق فيها إلزاميا (وهي قضايا قليلة بالمقارنة مع غيرها) أو ما ارتأت هي بناء على‬
‫‪71‬‬
‫سلطتها التقديرية إحالتها على التحقيق بمقتضى ملتمس بإجراء تحقيق‪.‬‬

‫‪ - 69‬إيمان الخمالي المشيشي‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.70 :‬‬
‫‪ -‬محمد حكيم‪ ،‬تأمالت في قضاء التحقيق بين الممارسة والتطبيق‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.156 :‬‬ ‫‪70‬‬

‫خالد بنیس‪ ،‬دعاوي الحالة المدنية‪ ،‬منشورات تنمية البحوث والدراسات القضائية‪ ،‬مطبعة المعاريف الجديدة‪ ،‬الرباط‪،‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪ ،1994‬ص‪.125 :‬‬
‫‪43‬‬
‫وهذا الملتمس يتعين أن يكون مكتوبا ومطابقا للتعليمات المعطاة لها ضمن الشروط‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 38‬كسائر التماساتها األخرى‪.‬‬

‫وأن يتضمن وقائع الجريمة موضوع المتابعة ولو بمقتضى الوثائق المرفقة به واسم أو‬
‫أسماء األشخاص الذين سيجري التحقيق معهم وهوياتهم إن توفر ذلك‪ ،‬إذ ليس ضروريا أن‬
‫يذكر في ملتمس إجراء متابعة اسم الشخص المعني بالتحقيق‪ ،‬ألنه كما يجوز اتخاذ التماس‬
‫‪72‬‬
‫بإجراء تحقيق ضد شخص معين يجوز اتخاذه ضد مجهول‪.‬‬

‫وفي حالة وجود عدة قضاة للتحقيق في نفس المحكمة‪ ،‬عينت النيابة العامة في ملتمسها‬
‫القاضي الذي يتكلف بإجرائه اسميا‪.‬‬

‫كما يتعين أن يشمل الملتمس باإلضافة إلى حصر وقائع التحقيق‪ ،‬الفصول القانونية‬
‫المعتمدة‪ ،‬حتى يضع اإلطار العام لسير إجراءات التحقيق‪ ،‬ذلك أن قاضي التحقيق وإن كان‬
‫حرا في اتهام أي شخص بصفته فاعال أو مشاركا في الوقائع المعروضة عليه فإنه مقيد هذه‬
‫األخيرة‪ ،‬فإذا بلغ إلى علمه أعمال لم يشر إليها في التماس إجراء التحقيق تعين عليه أن يرفعها‬
‫‪73‬‬
‫إلى النيابة العامة رفقة الوثائق المثبتة لها‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى ملتمس إجراء تحقيق يمكن لقاضي التحقيق أن يضع يده على القضية‬
‫بمقتضى شكاية مباشرة مرفقة بالمطالبة بالحق المدني‪ .‬غير أن األمر ال يقف عند حد تقديم‬
‫الشكاية وأداء المبلغ المضنون أنه الزم لصوائر إجراءات الدعوى ليباشر قاضي التحقيق‬
‫إجراءات البحث‪ ،‬بل ال بد من تبليغ هذه الشكاية إلى النيابة العامة‪ 74‬بمقتضى قرار باالطالع‬
‫إلبداء التماساتها بشأنها‪ ،‬بعد أن تقدر ما إذا كانت األفعال موضوع الشكاية يسوغ قانونا‬
‫المتابعة من أجلها ويكون من شأنها أن تتسم بصفة جنائية على فرض ثبوتها أم ال‪ ،‬فتكون‬
‫ملزمة في الحالة األولى بإصدار التماس بإجراء تحقيق ويمكنها في الحالة الثانية وفي حالة‬

‫‪ - 72‬إيمان الخمالي المشيشي‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.72 :‬‬
‫‪ -‬مراد عبد الفتاح‪ ،‬التحقيق الجنائي التطبيقي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.250 :‬‬ ‫‪73‬‬

‫‪ -‬منشور وزارة العدل‪ ،‬عدد ‪ ،934‬صادر بتاريخ ‪21/5/82‬‬ ‫‪74‬‬

‫‪44‬‬
‫ما إذا كانت الوقائع المعروضة ال تستوجب قانونا إجراء المتابعة لوجود أسباب تمس الدعوى‬
‫العمومية كالتقادم أو موت المشتكى به وكذا في الحالة التي تكون فيها الجريمة موضوع‬
‫‪75‬‬
‫الشكاية المباشرة من النوع الغير القابل للتحقيق أن تلتمس عدم إجرائه‪.‬‬

‫أما إذا اتضح للنيابة العامة أن الشكاية المقدمة غير معللة تعليال كافيا أو لم تبررها بوجه‬
‫كاف الحجج المدلى بها أمكنها أن تلتمس من قاضي التحقيق فتح تحقيق مؤقت ضد كل‬
‫األشخاص الذين سيكشف عنهم التحقيق‪.‬‬

‫وتأكيدا للقاعدة القاضية بأن قاضي التحقيق‪ ،‬ال يجوز له أن يباشر التحقيق إال بموجب‬
‫ملتمس‪ ،‬فإنه إذا بلغت إلى علمه أعمال لم يشر إليها الملتمس بإجراء التحقيق‪ ،‬وجب عليه أن‬
‫يرفع حاال إلى النيابة العامة الشكايات والمحاضر التي تثبتها ودلك وفقا للمادة ‪ 4/84‬من‬
‫قانون المسطرة الجنائية ويجب أن يتقيد في حدود الوقائع المحالة عليه‪ ،‬والتي كاف بالتحقيق‬
‫فيها‪ ،‬بحيث ال يجوز له أن يتجاوزها‪ ،‬غير أنه بإمكانه توجيه االتهام ألي شخص ودلك وفقا‬
‫لمبدأ " التحقيق عيني وليس شخصي "‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫و يتم تقديم الملتمس بإجراء تحقيق على نوعين‪ :‬أصلي وإضافي‪.‬‬

‫الملتمس األصلي‪ :‬يتخذ شكل صك مكتوب‪ ،‬يتضمن طلبا موجها من النيابة العامة إلى‬
‫قاضي التحقيق‪ ،‬تلتمس من خالله إجراء تحقيق ضد شخص معروف أو مجهول‪ ،‬في شأن‬
‫وقائع محدودة منسوبة إلى هدا الشخص‪.‬‬

‫الملتمس اإلضافي‪ :‬هو اآلخر صك مكتوب‪ ،‬تتدخل النيابة العامة عن طريقة‪ ،‬من أجل‬
‫القيام بكل إجراء تراه مفيد اإلظهار والحقيقة‪ .‬ويجوز لها طلب اإلطالع على اإلجراءات‬
‫بشرط أن ترجع الملف من طرف ال يتعدى ‪ 24‬ساعة‪.‬‬

‫‪ - 75‬إيمان الخمالي المشيشي‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪ 72 :‬و‪.73‬‬
‫‪ -‬مراد عبد الفتاح‪ ،‬التحقيق الجنائي التطبيقي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.252 :‬‬ ‫‪76‬‬

‫‪45‬‬
‫وباإلضافة إلى الملتمس األصلي واإلضافي‪ ،‬هناك ملتمس تخلي قاضي التحقيق عن‬
‫القضية ويتخذ شكل طلب معلل االنسياب‪ ،‬توجهه النيابة العامة للغرفة الجنحية أو يوجهه‬
‫المتهم أو المطالب بالحق المدني وتبت فيه الغرفة الجنحية في ‪ 10‬أيام وال يقبل قرارها أي‬
‫‪77‬‬
‫طعن‪.‬‬

‫‪ - 77‬رشيد االدريسي‪ ،‬اختصاصات النيابة العامة‪ ،‬مقال منشور بموقع الحريات المغربي‪ ،‬تاريخ االطالع ‪2017/06/16‬‬
‫‪46‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬بالمطالبة المطالب بالحق المدني (الشكاية المباشرة)‬

‫إذا كانت النيابة العامة طرفا رئيسا في تحريك الدعوى العمومية وخولها المشرع حق‬
‫اإلحالة على قاضي التحقيق بمقتضى ملتمسات كتابية‪ ،‬فإن المشرع أعطى نفس الحق للمطالب‬
‫بالحق المدني‪ ،‬حيث نصت المادة ‪ 92‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ":‬يمكن لكل شخص ادعى‬
‫انه تضرر من جناية أو جنحة ان ينص نفسه طرفا مدنيا عند تقديم شكايته أمام قاضي‬
‫كما نصت المادة ‪ 54‬من نفس‬ ‫‪78‬‬
‫التحقيق المختص‪ ،‬مالم ينص القانون على خالف ذلك"‪،‬‬
‫القانون على ما يلي "ال يمكن لقاضي التحقيق اجراء تحقيق اال بناء على ملتمس محال اليه‬
‫من النيابة العامة‪ ،‬أو بناء على شكاية مرفقة بتنصيب المشتكي طرفا مدنيا"‪.‬‬

‫وبذلك فإن قاضي التحقيق يضع يده على القضية بناء على شكاية الطرف المدني‬
‫المتضرر من الجريمة المراد التحقيق بشأنها‪.‬‬

‫الحق في‬ ‫‪79‬‬


‫هذا وقد خول المشرع للمطالب بالحق المدني في إطار الشكاية المباشرة‬
‫تقديم المطالبة بالتحقيق ضمن مسطرة خاصة‪ ،‬بحيث يحق لكل شخص تضرر من جريمة‬
‫قابلة للتحقيق ان يلجأ مباشرة الى قاضي التحقيق ويقوم بتسجيل شكايته المباشرة التي يلتمس‬
‫بموجبها إجراء تحقيق في مواجهة شخص معين أو مجهول‪ ،‬وفق شروط وإجراءات محددة‬
‫مالم تكن هناك موانع ينص عليها القانون‪.‬‬

‫كيفية المطالبة بالتحقيق من طرف المتضرر في الجنايات‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ - 78‬يقصد بذلك أنه هناك حاالت يقرر فيها القانون مسطرة خاصة‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة للحصانة البرلمانية أو الدبلوماسية‬
‫أو ما هو منصوص عليه ي المواد ‪ 264‬وما بعدها من قانون المسطرة الجنائية بشأن الجرائم المنسوبة للقضاة ونوع من‬
‫الموظفين والتي تستوجب مسطرة خاصة‪ ،‬وكذا الفصل ‪ 125‬من قانون العدل العسكري الذي يمنع على المحكمة العسكرية‬
‫النظر في الدعوى المدنية‪.‬‬
‫‪ - 79‬الشكاية المباشرة ‪ :‬هي المطالبة بالحق المدني من قبل المتضرر من جناية أو جنحة امام قاضي التحقيق المختص‪،‬‬
‫وتختلف عن االدعاء المباشر الذي يشكل اإلمكانية االستثنائية في تحريك الدعوى العمومية من قبل المتضرر المباشر من‬
‫فعل الجرم يتمثل في مخالفة أو جنحة مع المطالبة بالتعويض عن ضرر الجريمة مباشرة امام القضاء الزجري‪.‬‬
‫للتوسع في ذلك أنظر‪ :‬عبد الرحيم الزكار‪ ،‬االدعاء المباشر والشكاية المباشرة في التشريع المغربي‪ ،‬دراسة تحليلية عملية‪،‬‬
‫مطبعة إديكار‪ ،‬طبعة‪ ،2001‬ص‪.152‬‬
‫‪47‬‬
‫تنص المادة ‪ 92‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه‪" :‬يمكن لكل شخص ادعى انه‬
‫تضرر من جناية أو جنحة أن ينص نفسه طرفا مدنيا عند تقديم شكايته أمام قاضي التحقيق‬
‫المختص‪ ،‬ما لم ينص القانون على خالف ذلك"‪.‬‬

‫فالمتضرر يمكنه تقديم شكاية سواء من مواجهة شخص ذاتي اكان فاعال أصليا أو‬
‫مساهما أو مشاركا في الفعل الجرمي‪ ،‬أو في مواجهة شخص معنوي فيما يتعلق بالجرائم التي‬
‫يمكن نسبتها إلى األشخاص المعنوية‪.‬‬

‫وقد نظم المشرع المغربي شروط وكيفية إجراءات إثارة الدعوى العمومية من طرف‬
‫المتضرر أمام قاضي التحقيق في الباب الثالث من القسم الثالث المتعلق بالتحقيق اإلعدادي‬
‫في المواد من ‪ 92‬إلى ‪ 98‬من قانون المسطرة الجنائية‬

‫وبعد إحالة الشكاية على قاضي التحقيق يقوم هذا األخير بتحديد المبلغ الذي يفترض أنه‬
‫ضروري لمصاريف الدعوى وذلك ما لم يكن الطرف المدني عند إقامته للدعوى العمومية‬
‫الذي يراعي فيه اإلمكانيات‬ ‫‪80‬‬
‫حاصال على المساعدة القضائية‪ ،‬ويتم إيداع المبلغ المحدد‬
‫المالية للمشتكي بصندوق المحكمة داخل أجل يحدده قاضي التحقيق تحت طائلة عدم قبول‬
‫‪81‬‬
‫شكايته‪.‬‬

‫وبمجرد توفر الشكاية على شروطها الشكلية‪ ،‬يأمر قاضي التحقيق بتبليغها إلى الوكيل‬
‫العام للملك لتقديم ملتمساته‪ ،‬وتقوم النيابة العامة بعد تبليغها بالشكاية من طرف قاضي التحقيق‬
‫بمراقبة مدى توفرها على كافة شروطها الشكلية والموضوعية حتى يتسنى قبولها‪ ،‬والتي‬
‫يمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ - 80‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬وزارة العدل‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص‪.228 :‬‬
‫‪ - 81‬نصت الفقرة األولى من المادة ‪ 95‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج‪ .‬على أنه‪ " :‬يجب على الطرف المدني عند اقامته للدعوى العمومية‬
‫ما لم يكن محصال على المساعدة القضائية‪ ،‬أن يودع بكتابة الضبط المبلغ الذي يفترض أنه ضروري لمصاريف الدعوى‪،‬‬
‫ويحدد له أجل لإليداع وذلك تحت طائلة عدم قبول شكاياته‪ ،‬ويحدد هذا المبلغ بأمر من قاضي التحقيق الذي عليه أن‬
‫يراعي اإلمكانيات المالية للمشتكي"‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫‪ -‬االختصاص النوعي والمحلي لقاضي التحقيق المرفوعة إليه الشكاية‪ :‬حيث نصت‬
‫المادة ‪ 92‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج على أن الشكاية المباشرة يتعين تقديمها أمام قاضي التحقيق المختص‪،‬‬
‫ما لم ينص القانون على خالف ذلك‪ ،‬وعليه فإن قاضي التحقيق قد يجد نفسه اعتمادا على‬
‫بأنه غير مختص بإجراء‬ ‫‪83‬‬
‫والفقرة الثالثة من المادة ‪ 93‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج‪،‬‬ ‫‪82‬‬
‫المادة ‪،55‬‬
‫وفي حالة عدم اختصاص قاضي التحقيق بالنظر في الشكاية المباشرة والتحقيق‬ ‫‪84‬‬
‫التحقيق‪،‬‬
‫مع األشخاص الواردة أسماؤهم بها أو سيكشف عنهم التحقيق بالتعيين عليه بعد اطالع النيابة‬
‫وهذا معناه أن المشرع‬ ‫‪85‬‬
‫العامة بذلك وتلقي ملتمساتها ان يصدر أمرا بعدم االختصاص‪،‬‬
‫اوجب عليه إرشاد المشتكي وعدم تركه يرفع شكاوى إلى جهات قد تكون بدورها غير مختصة‬
‫فيضيع بذلك وقته وجهد القضاء عبثا‪.‬‬

‫‪ -‬أما فيما يخص اختصاص قاضي التحقيق نوعيا‪ :‬فإن هذا األخير يكون مختصا بإجراء‬
‫التحقيق بناء على شكاية المتضرر إذا كانت الجريمة المراد التحقيق فيها يتعين التحقيق فيها‬
‫(المادة ‪ 83‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج) وإذا كان المشرع خول للمتضرر تقديم شكاية مباشرة أمام قاضي‬
‫التحقيق‪ ،‬فإن ذلك ليس مطلقا بل هذا الحق يرد عليه استثناء وذلك بصريح عبارة" ما لم ينص‬
‫القانون على خالف ذلك"‪.‬‬

‫‪ -‬أن يكون المتهم ذا أهلية للتقاضي‪ :‬إذا ال يمكن للمتضرر عديم األهلية أو ناقصها‪،‬‬
‫إثارة الدعوى العمومية أمام قاضي التحقيق عن طريق الشكاية المباشرة وإنما يتعين عليه‬
‫إقامتها بواسطة نائبه القانوني‪ ،‬وال يمكن لقاضي التحقيق في حالة عدم تقديم القاصر شكاية‬

‫‪ - 82‬التي تحدد اختصاص قاضي التحقيق مكانيا و التي تحيل على المادة ‪ 44‬التي تنص على أنه ‪":‬يرجع االختصاص‬
‫المحلي إما لوكيل الملك في مكان ارتكاب الجريمة‪ ،‬وإما لوكيل الملك في مكان إلقاء القبض على أحد هؤالء األشخاص‬
‫ولو تم القبض لسبب اخر"‪.‬‬
‫‪ - 83‬التي تذكر بوجوب احترام المطالب بالحق المدني لالختصاص النوعي لقاضي التحقيق‪ ،‬والذي يتحدد بالجرائم من‬
‫جنايات وجنح التي سمح القانون بالتحقيق فيها في المادة ‪ 83‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج‪ .‬دون غيرها‪.‬‬
‫‪ - 84‬إما محليا أو نوعيا عمال بالمادة ‪ 83‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج‪.‬‬
‫‪ - 85‬المادة ‪97‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج‪":‬يتعين على قاضي التحقيق في حالة عدم اختصاصه‪ ،‬أن يصدر بعد تلقي ملتمسات النيابة‬
‫العامة أمرا بإحالة الطرف المدني ليقيم دعواه أمام الهيئة القضائية المختصة بالنظر فيها"‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫مباشرة بواسطة ممثله القنوني‪ ،‬ان يعين وكيال خصوصيا عنه بناء على ملتمس النيابة العامة‪،‬‬
‫‪86‬‬
‫ألن هذه اإلمكانية أعطية لقضاء الحكم فقط‪ ،‬وهذا ما تنص عليه المادة ‪ 353‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج‪.‬‬

‫‪ -‬أن يعين المتضرر محل المخابرة‪ :‬إذا كان ال يتور على محل إقامة بالدائرة التابعة‬
‫لنفوذ المحكمة المكلفة بالتحقيق‪ ،‬وعدم اختياره موطنا لم يرتب عليه المشرع جزاء‪ ،‬وإنما ال‬
‫‪87‬‬
‫يسمح له االحتجاج بعدم تبليغه اإلجراءات التي كان يجب تبليغها إليه‪.‬‬

‫‪ -‬مدى قابلية األفعال موضوع الشكاية للتحقيق‪ ،‬وعدم انقضاء الدعوى العمومية‪.‬‬

‫‪ -‬ال يمكن للنيابة العامة أن تحيل على قاضي التحقيق ملتمسات بعدم إجراء تحقيق إال‬
‫إذا توفرت أحد األسباب التي تمس الدعوى العمومية‪ ،‬أو إذا كانت الوقائع ال تقبل أي تكييف‬
‫جرمي حتى لو افترض وجودها أو لم تكن من النوع القابل للتحقيق‪،‬‬

‫‪ -‬في حالة تقديم شكاية ال تدعمها أسباب كافية أوال تبررها المستندات المقدمة‪ ،‬يمكن‬
‫للنيابة العامة أن تلتمس من قاضي التحقيق فتح تحقيق مؤقت حول أي شخص قد يكشف عنه‬
‫البحث‪.‬‬

‫واستنادا إلى مقتضيات المادة ‪ 95‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬فقد أوكلت إلى قاضي‬
‫التحقيق مهمة إشعار الوكيل القضائي للمملكة في حالة إقامة الدعوى العمومية ضد قاضي‬
‫التحقيق أو موظف عمومي أو عون تابع للسلطة أو القوة العموميةّ‪ ،‬وظهر أن الدولة يمكن أن‬
‫‪88‬‬
‫تتحمل المسؤولية المدنية من جراء أعمال تابعيها‪.‬‬

‫‪ - 86‬تنص المادة ‪ 353‬م ق‪ .‬م‪ .‬ج على أنه‪" :‬أذا كان الشخص الذي يدعي الضرر غير مؤهل لتقديم الطلب بنفسه بسبب‬
‫مرض عقلي أو بسبب قصوره‪ ،‬ولم يكن له ممثل قانوني‪ ،‬فللمحكمة أن تعين له لهذا الغرض وكيال خصوصيا بناء على‬
‫ملتمس من النيابة العامة"‪.‬‬
‫‪ - 87‬أنظر المادة ‪ 96‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج ‪ " :‬يجب على كل طرف مدني ال يقيم داخل دائرة نفوذ المحكمة التي يجري فيها التحقيق‬
‫أن يختار موطنا بدائرة تلك المحكمة‪.‬‬
‫إذا لم يختر الطرف المدني موطنا‪ ،‬فال يمكنه الدفع بعدم تبليغه اإلجراءات التي كان يجب تبليغها إليه بمقتضى القانون‪." .‬‬
‫‪ - 88‬المالحظ أن المشرع وخالفا لقانون المسطرة الجنائية الملغى الذي كان يرتب على عدم إشعار الوكيل القضائي للمملكة‬
‫عدم قبول المتابعة‪ ،‬فإنه لم يرتب عليه أي اثر بمقتضى قانون المسطرة الجنائية الجديد‪ ،‬وبالتالي فإن عدم القيام به ال يتأسس‬
‫عليه أي جزاء قانوني من طرف قاضي التحقيق‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫إجراء التحقيق في الجنح بناء على شكاية المتضرر‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫عن مسطرة إجراء تحقيق اعدادي في الجنح ال تختلف عن نظريتها في الجنايات بمحاكم‬
‫االستئناف‪ ،‬وألجل تحريك الدعوى العمومية بناء على شكاية مصحوبة باالدعاء المباشر في‬
‫الجنح‪ ،‬يجب مراعات الشروط واإلجراءات التالية‪:‬‬

‫‪ -‬أن تكون الجنحة من الجنح التأديبية التي أجاز المشرع المغربي إجراء تحقيق‬
‫بخصوصها‪.‬‬

‫‪ -‬تقديم شكاية في الموضوع متوفرة على شروطها الشكلية الضرورية من قبيل‪:‬‬

‫‪ -‬الهوية الكاملة للمشتكي والهوية الكاملة للمشتكى به‬

‫‪ -‬تبيان وقائع النازلة بدقة واألفعال المرتكبة المراد إجراء تحقيق فيها‪ ،‬ليتبين لقاضي‬
‫التحقيق ما إذا كانت تلك األفعال تشكل جرائم يبيح القانون أو يفرض إجراء تحقيق فيها ما‬
‫دام أن نطاق التحقيق ليس مطلقا‪ ،‬وأن أفعاال بعينها هي التي أجاز القانون إجراء تحقيق‬
‫‪89‬‬
‫أعدادي بشأنها‪.‬‬

‫‪ -‬تحديد وقت وتاريخ ارتكاب األفعال المراد إجراء تحقيق فيها وهو ما يساعد قاضي‬
‫التحقيق على تحديد ما إذا كانت األفعال المذكورة قد طالها التقادم الجنائي أم ال‪.‬‬

‫‪ -‬ملتمسات المشتكي والتاريخ واإلمضاء‪.‬‬

‫‪ -‬أداء الرسم القضائي على الشكاية بصندوق المحكمة‪ ،‬ما لم يكن المشتكي متمتعا‬
‫بالمساعدة القضائية وأداء القسط الجزافي بالنسبة للمطالب بالحق المدني‪ ،‬ثم أداء الوديعة التي‬
‫‪90‬‬
‫يحددها قاضي التحقيق‪.‬‬

‫‪ - 89‬إبراهيم بو نجرة‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.20 :‬‬


‫‪ - 90‬رشيد االدريسي‪ ،‬اختصاصات النيابة العامة‪ ،‬مقال منشور بموقع الحريات المغربي‪ ،‬تاريخ االطالع ‪2017/06/16‬‬
‫‪51‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫صالحية قاض ي التحقيق في الدعوى العمومية‬

‫‪52‬‬
‫يملك قاضي التحقيق خالل سير الدعوى العمومية سلطة واسعة تتمثل في إصدار‬
‫مجموعة من األوامر القضائية لضمان مثول المتهم امامه‪ ،‬فضال عن االوامر الضرورية‬
‫للحفاظ على حسن سير التحقيق‪ ،‬فقد خول المشرع المغربي لقاضي التحقيق مجموعة من‬
‫األوامر تمس شخص المتهمين بدراجات متفاوتة‪ ،‬والهدف من إقرارها يختلف بحسب ما كان‬
‫اللجوء إليها هو الوصول إلى استنطاق المتهم أو وضعه في رهم إشارة قاضي التحقيق‪،‬‬
‫لحاجيات يقتضيها البحث‪ ،‬وذلك باعتقاله احتياطيا لفترة قد تمتد لحين صدور حكم نهائي في‬
‫القضية‪.‬‬

‫وينهي قاضي التحقيق تحقيقه بأمر منه‪ ،‬بحيث ال يخرج هذا األمر عن ثالثة حاالت‪،‬‬
‫هي األمر بعدم االختصاص‪ ،‬واألمر بعدم المتابعة‪ ،‬أو األمر باإلحالة على المحكمة المختصة‪،‬‬
‫وذلك مع احترام مجموعة من الشكليات والضوابط في تبليغها لمن حددهم القانون‪ ،‬فقاضي‬
‫التحقيق ملزم بإخبار النيابة العامة بانتهاء التحقيق اإلعدادي‪ ،‬حتى تتمكن من تقديم ملتمساتها‬
‫النهائية في شأن التحقيق‪.‬‬

‫ولضمان تطبيق سليم لقواعد قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬وعدم المساس بحقوق الدفاع‪،‬‬
‫والموازنة بين سلطات قاضي التحقيق وحقوق الدفاع‪ ،‬في إطار المحاكمة الجنائية العادلة التي‬
‫تتجسد في حقوق الضحايا وضمانات المتهم‪ ،‬فإن المشرع المغربي حرص على سن مقتضيات‬
‫قانونية تحدد طرق مراقبة التحقيق اإلعدادي‪ ،‬ونظم األحكام الخاصة ببطالن أوامر قاضي‬
‫التحقيق‪ ،‬وذلك إلى جانب حق استئناف األوامر الصادرة عن قاضي التحقيق الذي خوله للنيابة‬
‫العامة وللمطالب بالحق المدني‪ ،‬كل هذا تحت مراقبة هيئة قضائية تتمثل في الغرفة الجنحية‬
‫بمحكمة االستئناف‪.‬‬

‫وعليه فإننا سنتناول في المبحث األول من هذا الفصل مختلف األوامر التي يصدرها‬
‫قاضي التحقيق بمناسبة ممارسته للتحقيق االعدادي‪ ،‬بينما سنتناول في المبحث الثاني أوجه‬
‫رقابة الغرفة الجنحية على أوامر قاضي التحقيق‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أوامر قاضي التحقيق‬

‫بعد إحالة القضية على قاضي التحقيق إما بناء على ملتمس النيابة العامة أو بناء على‬
‫شكاية المطالب بالحق المدني‪ ،‬فإن قاضي التحقيق يقوم بجميع إجراءات البحث التي يراها‬
‫صالحة للكشف عن الحقيقة‪ ،‬والتعرف على مرتكب الجريمة واإللمام بشخصيته‪ ،‬واإلجراءات‬
‫التي يلجئ إليها قاضي التحقيق في سبيل الحصول على أدلة اإلثبات تعرف اصطالحا‬
‫باالستدالل الذي ينصب إما على األشخاص أو على األشياء‪ ،‬فاالستدالل المتعلق بشخص‬
‫المتهم يتجلى في إجراء بحث حول شخصية المجرم وإخضاعه للعالج‪ ،‬واستنطاقه ومواجهته‬
‫مع الغير‪ ،‬أما االستدالل المتعلق بباقي األدلة فإنه يتمثل في االستماع إلى الشهود ومواجهتهم‬
‫مع بعضهم البعض أو مع المتهم‪ ،‬وانتداب الخبراء إذا كان األمر يتعلق بمسألة فنية أو تقنية‪،‬‬
‫وتفتيش المنازل أو االماكن وحجز ما بها من أشياء أو وثائق لها عالقة بالجريمة موضوع‬
‫التحقيق‪ ،‬باإلضافة إلى التقاط المكالمات واالتصاالت المنجزة بوسائل االتصال عن بعد‪ ،‬كما‬
‫يصدر قاضي التحقيق مجموعة من األوامر المتعلقة بسير التحقيق‪ ،‬والتي تتمثل في بعض‬
‫التعليمات التي تخص المتهم‪ ،‬كإلزامه بالمثول أمام قاضي التحقيق طواعية أو جبرا أو بإيداعه‬
‫السجن أو إخضاعه للمراقبة أو اعتقاله احتياطيا أو تخص االشياء كسحب جواز السفر أو‬
‫إرجاع الحيازة‪ ،‬هذا باإلضافة إلى األوامر التي يصدرها قاضي التحقيق بمناسبة إنتاء التحقيق‬
‫والتي تتمثل إما باألمر بعدم االختصاص أو اإلمر بعدم اإلحالة أو األمر باإلحالة القضية‬
‫والمتابعة المتهم‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإننا سنتناول هذا المبحث من خالل مطلبين إثنين‪ ،‬مطلب نخصصه لعرض‬
‫أوامر قاضي التحقيق المتعلقة باالستدالل سواء تلك التي تنصب على شخص المتهم‪ ،‬أو التي‬
‫تنصب على باقي األدلة‪ ،‬بينما سنخصص المطلب الثاني ألوامر قاضي التحقيق المتعلقة بسير‬
‫التحقيق وانتهائه‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أوامر قاضي التحقيق المتعلقة باالستدالل‬

‫أناط المشرع بقاضي التحقيق مهمة الكشف عن الحقيقة‪ ،‬وخول له ألجل ذلك حق القيام‬
‫بجميع اإلجراءات التي يراها صالحة لبلوغ هذه الغاية‪ ،‬وتعرف هذه اإلجراءات التي يلجئ‬
‫إليها قاضي التحقيق في سبيل الحصول على أدلة اإلثبات باالستدالل‪ ،‬واالستدالل إما إن يتعلق‬
‫بشخص المتهم (الفقرة األولى) وإما أن يتعلق باألدلة األخرى المرتبطة بالجريمة (الفقرة‬
‫الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االستدالل المتعلق بشخص المتهم‬

‫يعتبر المتهم محور الخصومة الجنائية ويمكنه أن يكشف عن الحقيقة‪ ،‬لذلك نص قانون‬
‫المسطرة الجنائية على العديد من إجراءات االستدالل المتعلقة بشخصه‪ ،‬من أهمها األمر‬
‫بإجراء بحث عن شخصية المتهم (أوال)‪ ،‬وباألمر بخضوع المتهم للفحص الطبي (ثانيا)‪،‬‬
‫واستنطاقه (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬بحث حول شخصية المتهم‬

‫إجراء بحث اجتماعي حول هوية شخص المتهم وظروفه االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬حيث‬
‫ينص الفصل ‪ 88‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه يجري قاضي التحقيق في القضايا‬
‫الجنائية تحقيقا عن شخصية المتهمين‪ ،‬وكذا عن حالتهم المادية أو العائلية أو االجتماعية وله‬
‫ان يجري هذا التحقيق بنفسه أو يكلف به إما ضباط الشرطة القضائية طبقا للفصل ‪ 87‬من ق‬
‫م ج أو إما إلى شخص آخر يؤهله لذلك وزير العدل ويكون هذا التحقيق اختياريا في القضايا‬
‫‪91‬‬
‫الجنحية‪.‬‬

‫‪ - 91‬محمد عياظ‪ ،‬دراسة في المسطرة الجنائية المغربية‪ ،‬الناشر شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،1991،‬ص‪.80 :‬‬
‫‪55‬‬
‫وتكمن أهمية البحث االجتماعي في االطالع على العناصر التي كان لها دور في‬
‫الظاهرة االجرامية في الواقع المادي الخارجي ‪ ٬‬والتي لوال تظافرها لم يكن الماثل أمام قاضي‬
‫التحقيق مت هما في جريمة كما انه يبين الظروف العينية والشخصية التي ادت إلى وقوع‬
‫طبقا للفصول من ‪ 141‬إلى ‪ 162‬من‬ ‫‪92‬‬
‫الجريمة والتي لها دور كبير في تفريد العقاب‪،‬‬
‫‪93‬‬
‫القانون الجنائي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األمر بخضوع المتهم للفحص الطبي‪:‬‬

‫جاء في الفقرة الرابعة من المادة ‪ 134‬من ق‪.‬م‪.‬ج ما يلي‪" :‬يجب على قاضي التحقيق‬
‫أن يستجيب لطلب المتهم الذي كان موضوعا تحت الحراسة النظرية أو لطلب دفاعه الرامي‬
‫إلى إخضاعه لفحص طبي ويتعين عليه أن يأمر به تلقائيا إذا الحظ على المتهم عالمات تبرر‬
‫إجراءه ويعين لهذه الغاية خبيرا في الطب"‪.‬‬

‫والغاية من هذا اإلجراء هو تخويل المتهمين حماية أجسادهم من الهالك أو التعذيب الذي‬
‫قد يمارس عليهم خصوصا في المراحل السابقة على المرحلة القضائية (البحث التمهيدي) مما‬
‫يضمن لهم زيادة على حقهم في اللجوء إلى فحص طبي تحديد المسؤوليات الممكن ترتيبها‬
‫‪94‬‬
‫على أحسن وجه‪.‬‬

‫غير أنه بإجراء مقارنة مع النص القديم لـ ق‪.‬م‪.‬ج وبالضبط المادة ‪ 127‬منه‪ ,‬نجده‬
‫يقتصر سلطة قاضي التحقيق في إخضاع المتهم لفحص طبي على الحالة التي يكون قد سبق‬
‫فيها لهذا األخير أن وضع تحت الحراسة النظرية‪ ،‬على خالف النص القديم الذي أطلق فيه‬

‫‪92‬‬‫‪- G.STEFANE et LEVASSEUR et B. BOULOC. Procudure pénale. Ile édition. Dalloz.‬‬


‫‪Paris 1980.P.463 et suiv.‬‬
‫‪ - 93‬إيمان الخمالي المشيشي‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.77 :‬‬
‫‪ - 94‬العلمي عبد الواحد‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة الخامسة‪،2017 ،‬‬
‫ص‪28:‬‬
‫‪56‬‬
‫سلطة قاضي التحقيق في إخضاع المتهم للفحص الطبي‪ ،‬سواء سبق له أن وضع تحت الحراسة‬
‫النظرية أم ال‪.‬‬

‫ونعتقد أن اتجاه المشرع في هذا الصدد كان حكيما ذلك أن الشخص الموضوع تحت‬
‫الحراسة النظرية هو الذي تكون لديه مصلحة جدية في طلب إجراء فحص طبي إذ قد يساعده‬
‫هذا الفحص الطبي على إثبات انتزاع تصريحاته باإلكراه من طرف الشرطة القضائية‪.‬‬
‫وقاضي التحقيق في هذه الحالة ال يسعه إال االستجابة لطلبه وتعيين خبير في الطب للقيام‬
‫بذلك‪ .‬إذ أن هدفه األساسي هو الكشف عن الحقيقة ال غير وتحقيق العدل الجنائي ولعل هذا‬
‫ما دفع بالمشرع إلى التنصيص على ذلك بصيغة اإللزام (يجب)‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى ما سبق نجد المشرع الجنائي احتفظ في النص الجديد (م‪ 134‬من ق‪.‬م‪.‬ج)‬
‫لقاضي التحقيق بسلطته التقديرية في إخضاع المتهم لفحص طبي إذا الحظ عليه عالمات‬
‫تبرر إجراءه‪.‬‬

‫والعالمات المبررة للخضوع للفحص الطبي يمكن تصورها في كل ما من شأنه أن يمس‬


‫جسد الضحية من كدمات أو جروح أو رضوض أو عدم القدرة على المشي أو التكلم بصعوبة‬
‫أو حالة اإلرهاق المزمن أو التعب الشديد‪ ،‬فكلها عالمات ودالئل تدعو لالستغراب والريبة‬
‫والشك في تصرفات المتهم‪ ,‬وإلى ضرورة الوقوف على حقيقتها رعيا لمصلحة المتهم من‬
‫جهة وضمانا لحسن سير التحقيق من جهة أخرى‪ ،‬غير أنه يثور التساؤل حول ما إذا كانت‬
‫سلطة قاضي التحقيق في إخضاع المتهم لفحص طبي تمتد إلى ما بعد مرحلة الحضور األول‬
‫لالستنطاق‪ ،‬مادام أن هذه السلطة وردت ضمن المقتضيات المنظمة للمرحلة السالفة الذكر؟‬

‫تجيبنا عن هذا التساؤل مقتضيات المادة ‪ 88‬من ق‪.‬م‪.‬ج التي جاء فيها أنه‪" :‬يمكن‬
‫لقاضي ال تحقيق أن يأمر في أي وقت باتخاذ جميع التدابير المفيدة وأن يقرر إجراء فحص‬
‫طبي أو يكلف طبيبا بالقيام بفحص طبي نفساني‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫يجوز له بعد تلقي رأي النيابة العامة أن يأمر بإخضاع المتهم لعالج ضد التسمم‪ ،‬إذا‬
‫ظهر أن هذا األخير مصاب بتسمم مزمن ناتج عن تعاطي الكحول أو المخدرات أو المواد‬
‫ذات المؤثرات العقلية‪.‬‬

‫يباشر هذا العالج إما في المؤسسة التي يوجد فيها المتهم رهن االعتقال‪ ،‬وإما في‬
‫مؤسسة متخصصة حسب الشروط المنصوص عليها قانونا‪ ،‬وتتوقف مسطرة التحقيق أثناء‬
‫مدة العالج‪ ،‬ويحتفظ سند االعتقال بمفعوله‪.‬‬

‫إذا طلب المتهم أو محاميه إجراء فحوص عليه أو إخضاعه للعالج‪ ،‬فال يمكن رفض‬
‫الطلب إال بأمر معلل"‪.95‬‬

‫وهكذا فإنه يجوز لقاضي التحقيق في أي وقت وفي أي مرحلة من مراحل التحقيق بأن‬
‫يقرر إجراء فحص طبي على المتهم‪ ،‬أو يكلف للقيام بذلك خبيرا في الطب‪ ،‬وفي المقابل يجب‬
‫عليه في حالة رفض طلب المتهم أو دفاعه بإجراء فحوص عليه أو إخضاعه للعالج‪ ،‬أن يعلل‬
‫أمره بالرفض‪ ،‬ولقد أحسن المشرع صنعا عند نصه على ضرورة التعليل في هذه الحالة‬
‫ضمانا لحقوق للمتهم من جهة وفسح المجال لقاضي التحقيق في إعطاء هذا اإلجراء ما يستحقه‬
‫من عناية من جهة أخرى‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬استنطاق المتهم‬

‫يعتبر المتهم هو الحلقة األساسية في مسلسل التحقيق اإلعدادي‪ ،‬ولهذا فأول ما يبدأ به‬
‫قاضي التحقيق عادة إذا كانت هويته الضنين معروفة هو الشروع في استنطاقه استنادا إلى‬
‫مقتضيات المادة ‪ 134‬ق م ج‪ ،‬بناء على األهداف التي يسعى التحقيق التوصل إليها‪ ،‬وخاصة‬

‫‪ - 95‬المالحظ على هذه المادة هو أن المشرع أعطى لقاضي التحقيق سلطة إخضاع المتهم للعالج ضد التسمم بشروط معينة‪،‬‬
‫وهذا من شأنه الزيادة في أنسنة قضاء التحقيق‪ ،‬ويصب في مصلحة المتهم بالدرجة األولى‪ .‬مع اإلشارة إلى أن سند‬
‫االعتقال بالنسبة للمتهم المعتقل والمودع للعالج في نفس المؤسسة السجنية يحتفظ بمفعوله‪ ،‬بمعنى أنه حتى ولو استغرق‬
‫العالج ‪ 6‬أشهرمثال‪ ،‬فإن ذلك ال يدعو إلى تمديد مدة االعتقال األول بل يبقى صالحا ويبتدئ بمجرد انتهاء مدة العالج‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫الوصول إلى الحقيقة التي تعتبر استنطاق المتهم من ضمن أهم اإلجراءات على اإلطالق‪،‬‬
‫ولكون هذا اإلجراء على درجة قصوى من األهمية‪ ،‬فإن اإلشكال الذي يطرح بخصوص هذا‬
‫الموضوع يتمثل في المفهوم الذي يعتمد عليه قاضي التحقيق في التعامل مع الضنين‪ ،‬هل هو‬
‫مفهوم اتهامي مسايرا بذلك نهج سياسة النيابة العامة المتمثلة في تدعيم خطورة المتهم واعتباره‬
‫عدوا لها يجب التصدي له‪ ،‬أو االعتماد على أهم مبدأ أسست عليه المسطرة الجنائية( ) القائمة‬
‫على ترسيخ المحاكمة العادلة والقائمة أيضا على أساس أن أصل اإلنسان البراءة‪ ،‬ومبنى‬
‫قرينة البراءة أن المتهم وهو بريء بإثبات تلك البراءة وإنما على من يدعي خالف ذلك األصل‬
‫هو البراءة أن يثبت تلك اإلدانة وتلك هي أبسط قواعد اإلثبات‪ ،‬وهذا ما سارت عليه محكمة‬
‫النقض بالرباط حيث جاء في أحد قراراتها أن "اإلثبات بمعناه القانوني هو إقامة الدليل أمام‬
‫القضاء بالطرق التي حددها القانون فهو قوام الحق الذي يتجرد من قوته ما لم يقم الدليل‬
‫‪96‬‬
‫عليه"‪.‬‬

‫ويقع عبء اإلثبات الجنائي دائما على عاتق االتهام وليس على المتهم أن يثبت براءته‬
‫وبالتالي ال يمكن أن يتخذ من مجرد سكوت المتهم دليل ضده وال يجبر على أن يدلي بما ال‬
‫يريد قوله‪ ،‬فالبراءة المفترضة في المتهم تقتضي معاملة صاحبها بوصفه حر بريئا وال يتفق‬
‫البتة مع افتراض تلك البراءة تكليف المتهم عبء إثبات براءته وعلى من يدعى خالف ذلك‬
‫‪97‬‬
‫إثبات أنه غير بريء وأن اإلدانة تتوافر في حقه‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن شكليات مسطرة االستنطاق ليست على صنف واحد‪ ،‬بل إنها‬
‫تختلف حسب م ا إذا كان استنطاق المتهم يتم في إطار االستنطاق االبتدائي أو األولي أو ما‬
‫يعرف باستنطاق المقابلة األولى‪ ،‬أو حسب ما إذا كان هذا االستنطاق يتم في إطار شكليات‬
‫ومسطرة االستنطاقات الالحقة لالستنطاق األولي واالبتدائي وهي ما يعرف بمسطرة‬
‫‪98‬‬
‫االستنطاق التفصيلي‪.‬‬

‫‪ - 96‬نقض في الطعن رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 54‬قضائية جلسة ‪1989/5/27‬‬


‫‪ - 97‬أحمد فتحي سرور‪ ،‬الوسيط في قانون اإلجراءات الجنائية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.325 :‬‬
‫‪ - 98‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.150 :‬‬
‫‪59‬‬
‫بحيث ي تميز االستنطاق األولي عن باقي االستنطاقات التي يخضع لها المتهم الحقا من‬
‫طرف قاضي التحقيق في كونه أنه في إطار التحقيق االبتدائي يمثل المتهم‪ ،‬وذلك ألول مرة‬
‫أمام قاضي التحقيق وذلك بصفته متهما عن األفعال المرتكبة والتي بسببها تم فتح التحقيق‬
‫اإلعدادي بشأنها ونظرا للحس المرهف للمشرع في تقدير الوضعية النفسية للمتهم وهو ألول‬
‫مرة يتمثل أمام القضاء وما يصيبه من ذعر وخوف قد يجعله يتلفظ بأشياء قد يحاسب من‬
‫أجلها فيما بعد‪ ،‬فلذلك واستنادا لمقتضيات المادة ‪ 134‬ق م ج فقد عمد المشرع على تحديد‬
‫موضوع هذا االستنطاق بشكل محكم‪ .‬معتمدا بذلك على النهج السياسي أكثر ما هو مكسب‬
‫حقوقي لصالح العدالة الجنائية‪ ،‬فالتأكد من هوية المتهم ومن تم إشعاره بحقه في الدفاع‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك إشعاره بالتهم المنسوبة إليه مع حقه في التزام الصمت‪ ،‬حقا صياغة قانونية بعيدة من كل‬
‫تدليس أو غبن‪ ،‬إال أنه ما معنى قيام قاضي التحقيق باستدعاء المتهم والشروع في استنطاقه‬
‫ابتدائـيا كما نصـت المادة ‪ 134‬ق م ج‪ ،‬ومن ضمن بنود هذه المادة حق الضنين في مؤازرة‬
‫الدفاع فهل يعتقد المشرع بأن مقر المحاسب داخل المحكمة‪ ،‬فما على المتهم إال ليصرح‬
‫بإيجابه وحتى ولو صرح بذلك فما معنى حضور الدفاع بعد انتهاء المرحلة األولى من التحقيق‬
‫التي قد تكون هي الحاسمة في بناء قناعة القاضي‪ ،‬هل ألخذ أتعاب التعين أو التمتع بوجه‬
‫‪99‬‬
‫المتهم‪.‬‬

‫بحيث لو كان المشرع رتب البطالن على كل مخالفة هذا الفصل أي الفصل ‪ ،134‬وكذا‬
‫كل اإلجراءات الالحقة له فإن الواقع العملي المرير بين على حقيقة ال خالف فيها وتتمثل في‬
‫موقع الضعف الذي يكون فيه المتهم في إثبات هذه الخروقات‪ ،‬فال يعتد قانونا بمجرد القول‬
‫‪100‬‬
‫بعدم تمتيع المتهم بأحد الضمانات التي خولها لها الفصل ‪ 134‬ق م ج‪.‬‬

‫ولهذا أقر الفقه بخلو هذا الفصل من أي ضمانة قانونية على أرض الواقع‪ ،‬وقد ساير‬
‫هذا االتجاه المجلس األعلى بحيث لم يرتب البطالن على أي إجراء مخل بإحدى الضمانات‬

‫‪ - 99‬محمد عياظ‪ ،‬دراسة في المسطرة الجنائية المغربية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.91 :‬‬
‫‪ - 100‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.152 :‬‬
‫‪60‬‬
‫المقررة للمتهم متناقدا في ذلك مع المحاكم الوطنية التي ترتب البطالن على كل خرق أو‬
‫‪101‬‬
‫تجاهل لبند من بنود المادة ‪ 134‬ق م ج‪.‬‬

‫‪ - 101‬أحمد بوسقيعة‪ ،‬التحقيق القضائي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.87 :‬‬


‫‪61‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬االستدالل المتعلق بباقي األدلة‬

‫باإلضافة إلى إجراءات االستدالل المتعلقة بشخص المتهم‪ ،‬فإن المشرع المغربي خول‬
‫لقاضي التحقيق القيام بمجموعة من إجراءات االستدالل‪ ،‬كسماع الشهود (أوال)‪ ،‬والتنقل‬
‫والتفتيش والحجز (ثانيا)‪ ،‬وكذا التقاط المكالمات واالتصاالت المنجزة بوسائل االتصال عن‬
‫بعد (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬سماع الشهود‬

‫لم يوضح قانون المسطرة الجنائية المقصود بالشهود‪ ،‬غير أنه يستشف من قراءة نص‬
‫المادة ‪ 1/117‬منه أن المشرع يقصد بالشاهد كل شخص يرى قاضي التحقيق فائدة لسماع‬
‫شهادته‪ ،‬وال يشترط فيه القانون أن يكون شاهد عيان بل يكفي أن تكون شهادته مفيدة إلظهار‬
‫‪102‬‬
‫الحقيقة‪.‬‬

‫ويرجع لقاضي التحقيق وحده تقدير مالئمة االستماع للشاهد وكذا كيفية استدعائه أمامه‪،‬‬
‫فحسب المادة ‪ 117‬من القانون قد يكون االستدعاء بواسطة أعوان القوة العمومية أو بواسطة‬
‫األعوان القضائيين أو برسالة مضمونة أو بالطريقة اإلدارية‪ ،‬كما يمكنه الحضور بمحض‬
‫إرادته‪.‬‬

‫وحسب الفصل ‪ 131‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ .‬يجوز لقاضي التحقيق أن يستمع لشاهد في مكان‬
‫خارج مكتبه في حالة تعذر حضور الشاهد أمامه‪ ،‬أو يصدر لهذه الغاية إنابة قضائية‪ ،‬إال انه‬
‫إذا تأكد لقاضي التحقيق في مثل هذه الحالة أن الشاهد افتعل عجزه جاز له الحكم عليه بغرامة‬
‫تتراوح بين ‪ 200‬و‪ 10.000‬درهم (م ‪ 132‬ق‪.‬م‪.‬ج)‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫ويخضع سماع الشهود إلجراءات شكلية خاصة نوردها فيما يأتي‪:‬‬

‫‪ - 102‬بالل الفتوح‪ ،‬ثنائية التحقيق في التشريع الجنائي المغربي‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫وجدة‪ ،2012/2011 ،‬ص‪.221 :‬‬
‫‪ - 103‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 222 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫• يؤدي الشهود شهادتهم على انفراد وبغير حضور المتهم (المادة ‪)119‬‬
‫غير أنه يجوز لقاضي التحقيق مواجهة الشهود بعضهم ببعض ومواجهتهم‬
‫بالمتهمين (المادة ‪)125‬‬
‫• ذكر هوية الشاهد إذ ال قيمة لشهادة مجهول‬
‫• أداء اليمين بالصيغة اآلتية " أقسم باهلل العظيم على أن أشهد بدون حقد‬
‫وال خوف وأن أقول الحق كل الحق وأن ال أشهد إال بالحق " (المادة ‪123‬‬
‫ق‪.‬م‪.‬ج)‪.‬‬

‫غير أن القاصر الذي لم يبلغ سن ‪ 18‬من العمر معفى من أداء اليمين‪ ،‬وكذا األشخاص‬
‫المحكوم عليهم بعقوبة جنائية وأصول المتهم وفروعه وزوجه‪.‬‬

‫ويجوز لقاضي التحقيق االستعانة بمترجم إذا كان الشهود يتكلمون لغة أو لهجة أو لسانا‬
‫يصعب فهمه على المتهمين أو األطراف أو الشهود اآلخرين أو قاضي التحقيق‪.‬‬

‫فإذا كان الشاهد صما أو بكما توضع له أسئلة كتابية ويجيب عنها بالكتابة‪ ،‬وإذا كان ال‬
‫يعرف الكتابة يعين له قاضي التحقيق مترجما قادرا على التحدث معه وفي هذه الحالة يذكر‬
‫في المحضر اسم المترجم وسنه ومهنته ومحل سكناه واليمين التي أداها وتوقيعه على المحضر‬
‫(المادة ‪.)121‬‬

‫ومن جهة أخرى فرض القانون على الشاهد بعض االلتزامات وهي‪:‬‬

‫• الحضور إلى مكتب قاضي التحقيق‬


‫• أداء اليمين‬
‫• اإلدالء بالشهادة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التنقل والتفتيش والحجز‬

‫‪63‬‬
‫ال ينحصر مجال عمل قاضي التحقيق في مكتبه وال يقتصر دوره على التحقيق فيما‬
‫تنقله محاضر الضابطة القضائية بل إن ميدانه أوسع من مكتبه ومهمته أعظم من التحقيق‬
‫االبتدائي مما يدعوه أحيانا إلى االنتقال إلى الميدان إلجراء معاينات مادية أو للقيام بعمليات‬
‫التفتيش أو الحجز التي يراها مفيدة إلظهار الحقيقة‪ 104،‬وقد خص المشرع المغربي في القانون‬
‫الجديد لموضوع التنقل والتفتيش والحجز المواد من ‪ 99‬إلى ‪ 107‬من الباب الرابع المشار‬
‫إليه في القسم الثالث المتعلق بالتحقيق اإلعدادي من الكتاب األول تحت عنوان " التحري عن‬
‫الجرائم ومعاينتها "‪.‬‬

‫أ‪ -‬التنقل‪ :‬من أهم إجراءات التحقيق التي تجعل القاضي المحقق يقف بنفسه على‬
‫معلومات يصعب بل ال يمكن أحيانا أن تصل إليه من سبيل أخر‪ 105،‬ولهذا فهي وسيلة يتمكن‬
‫بواسطتها قاضي التحقيق من اإلدراك المباشر للجريمة ومرتكبها‪.‬‬

‫إن مهمة قاضي التحقيق كمحقق تفرض عليه أحيانا االنتقال إلى الميدان إلجراء معاينات‬
‫مادية لم تجرها الضابطة القضائية أو لتكميل معاينة قامت بها الشرطة القضائية‪ .‬وعندما ينتقل‬
‫إلى عين المكان فإنه يكون ملزما دائما بأن يصحب معه كاتب الضبط الذي يسهر على تحرير‬
‫محضر عن كل العمليات التي تم إنجازها من تفتيش وحجز إلى غير ذلك‪ ،‬ويقول ‪Bruneau‬‬
‫عن كاتب الضبط بأنه " بمثابة الشاهد على ما يقوم به القاضي وال أحد منهما يستطيع أن‬
‫ويتعين على قاضي التحقيق إشعار النيابة العامة قبل االنتقال‬ ‫‪106‬‬
‫يفعل شيئا بدون اآلخر "‪،‬‬
‫إلى عين المكان ولهذه األخيرة أن ترافقه إذا رأت ضرورة لذلك (المادة ‪ 99‬من ق‪.‬م‪.‬ج)‪.‬‬

‫ب‪ -‬التفتيش‪ :‬هو وسيلة إلثبات أدلة مادية ويقصد به بحث مادي ينفذ في مكان ما سواء‬
‫كان مسكونا أو غير مسكون وفي هذا الصدد تنص المادة ‪ 101‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ .‬على أن " يجرى‬
‫التفتيش في جميع األماكن التي قد يعثر فيها على أشياء يكون اكتشافها مفيدا إلظهار الحقيقة‬

‫‪ - 104‬أحمد بوسقيعة‪ ،‬التحقيق القضائي‪ ،‬دار الحكمة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،2008 ،‬ص‪.87 :‬‬
‫‪ - 105‬محمد عياظ‪ ،‬دراسة في المسطرة الجنائية المغربية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.122 :‬‬
‫‪106 -Bruneau: " Mascimes sur les matières criminelles " p 67 lité par P. chambon le‬‬

‫‪juge d'instruction dalloz Paris 1980 P237.‬‬


‫‪64‬‬
‫ويجب في هذه الحالة على قاضي التحقيق تحت طائلة البطالن أن يتقيد بمقتضيات المواد‬
‫‪ 59‬و‪ 60‬و‪." 62‬‬

‫وهكذا فإن لقاضي التحقيق صالحية تفتيش أي مكان يحتمل أن يعثر فيه على أشياء‬
‫تساعد على تبديد غموض النازلة المعروضة عليه‪ ،‬ويتعين عليه على الخصوص أن ال يقوم‬
‫بالتفتيش خارج الساعات القانونية غير أن بإمكانه القيام بالتفتيش خارج الساعات القانونية‬
‫حسبما أشارت إليه المادة ‪ 102‬من القانون المسطرة الجنائية الذي حدد شروط جواز القيام‬
‫‪107‬‬
‫بالتفتيش خارج الساعات القانونية وهي كالتالي‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬ويتعلق بطبيعة الجريمة التي يجب أن تكون من نوع الجناية‪.‬‬

‫الشرط الثاني‪ :‬ويهم من يقع التفتيش في منزله‪ ،‬ويجب أن يكون هو المتهم نفسه فإذا‬
‫كان رب المنزل شخصا آخر وجب تفتيشه كمبدأ عام داخل الساعات القانونية ال خارجها‬
‫وعلى خالف هذا الحكم فإن الفصل ‪ 4‬من قانون العدل العسكري يسمح بتفتيش أي منزل‬
‫خارج الوقت القانوني حتى ولو كان منزال غير منزل المتهم‪.‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬ينبغي أن يقوم بالتفتيش قاض التحقيق شخصيا والبد أن يكون برفقته‬
‫كذلك ممثل النيابة العامة‪.‬‬

‫وعالوة على ما سبق ينبغي على قاضي التحقيق أن يتخذ اإلجراءات الالزمة للمحافظة‬
‫على السر المهني إذا كان التفتيش واقعا بمنزل شخص ملزم بكتمانه (المادة ‪ 2/103‬م‪.‬ج)‪.‬‬

‫ج‪ -‬الحجز‪ :‬لقاضي التحقيق حجز األشياء والوثائق التي يرى أنها مفيدة إلظهار الحقيقة‬
‫أو التي قد يضر إفشاؤها بسير التحقيق‪.‬‬

‫‪ -‬بالل الفتوح‪ ،‬ثنائية التحقيق في التشريع الجنائي المغربي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.221 :‬‬ ‫‪107‬‬

‫‪65‬‬
‫وإذا كان لقاضي التحقيق كل السلطة في حجز ما يراه مفيدا للتحقيق فعليه أيضا واجبات‬
‫‪108‬‬
‫يتحتم عليه احترامها عند إجراء الحجز وهي‪:‬‬

‫• االطالع شخصيا على الوثائق قبل حجزها ويمكن لضابط الشرطة‬


‫القضائية المنتدب من طرفه االطالع عليها أيضا‬
‫• إحصاء األشياء أو الوثائق المحجوزة ووضع األختام عليها‬
‫• دعوة المتهم ومحاميه إلى حضور فتح األختام وفرز الوثائق‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التقاط المكالمات واالتصاالت المنجزة بوسائل االتصال عن بعد‪:‬‬

‫يتعلق األمر في هذا الصدد بمسألة بالغة األهمية لكونها تشكل انتهاكا لحرمة المكالمات‬
‫والمراسالت التي يحميها الدستور‪ ،‬ولم يرد في ق‪.‬م‪.‬ج‪ .‬السابق في هذا الموضوع أي مقتضى‪،‬‬
‫‪109‬‬
‫كما أنه لم يصدر عن القضاء المغربي أي اجتهاد لمعرفة موقفه منه‪.‬‬

‫و لقد سبق أن أثيرت مسألة شرعية التقاط المكالمات في فرنسا التي كان تشريعها يعرف‬
‫فراغا قانونيا في هذا الشأن فلم يتردد القضاء الفرنسي في القول بقانونية هذا اإلجراء حيث‬
‫أكدت محكمة النقض الفرنسية شرعية التصنت التليفوني الذي يأمر به قاضي التحقيق بشرط‬
‫أال يقترن ذلك بحيلة فنية أو بمخالفة لحق الدفاع‪ ،‬ويرمي هذا القيد األخير إلى حظر التصنت‬
‫على الخط الهاتفي لمحامي المتهم‪ ،‬وقد استند القضاء الفرنسي في حكمه على عمومية نص‬
‫المادة ‪ 81‬من قانون اإلجراءات الجنائية الفرنسي‪ ،‬وبعد هذا الحكم أثار صاحب الشأن المسألة‬
‫من جديد في قضية أخرى على أساس مخالفة المادة ‪ 8‬من االتفاقية األوروبية التي تحظر كل‬
‫تدخل من جانب السلطات العامة في الحياة الخاصة‪ ،‬غير أن محكمة النقض رفضت الطلب‬
‫بالرجوع إلى نص المادة ‪ 8‬من االتفاقية حيث رأت المحكمة ضرورة إعماله كله دون تجزئة‪،‬‬
‫ذلك أن المادة المذكورة إذ تحظر التدخل في الحياة الخاصة فإنها أوردت تحفظا بنصها " إال‬

‫‪ - 108‬إيمان الخمالي المشيشي‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.153 :‬‬
‫‪ -‬محمد سعيد الوكيلي‪ ،‬قاضي التحقيق أمام المحكمة االبتدائية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.98 :‬‬ ‫‪109‬‬

‫‪66‬‬
‫وتجدر‬ ‫‪110‬‬
‫إذا كان هذا التدخل ينص عليه القانون وكان ضروريا للوقاية من الجرائم "‪.‬‬
‫اإلشارة إلى أن ما قضت به محكمة النقض الفرنسية يتفق مع ما انتهت إليه محكمة‬
‫استراسبورغ األوربية لحقوق اإلنسان حيث رفع خمسة مواطنين ألمان دعوى إلى هذه‬
‫المحكمة ضد بالدهم ادعوا فيها أن القانون األلماني الصادر في ‪ 13‬غشت ‪ 1968‬يخالف‬
‫أحكام المادة ‪ 8‬من االتفاقية األوربية لحقوق اإلنسان التي تكفل حرمة المراسالت واالتصاالت‬
‫الالسلكية‪ ،‬لكن المحكمة األوربية لم تنضم إلى وجهة نظرهم وقضت بأن القانون األلماني ال‬
‫يزال متمشيا مع المبادئ المعمول بها في مجتمع ديمقراطي في حدود ما وضعه من قيود على‬
‫‪111‬‬
‫التصنت على هذه االتصاالت (قضية كاالس‪ ،‬حكم ‪ 9‬مارس ‪.)1984‬‬

‫أما فيما يخص التشريع المغربي وأسوة بباقي التشريعات المقارنة التي أخذت بهذه‬
‫المسألة فقد أشار المشرع إلى موضوع التقاط المكالمات واالتصاالت المنجزة بوسائل‬
‫االتصال عن بعد في الباب الخامس من القسم الثالث المتعلق بالتحقيق اإلعدادي وخص له‬
‫المواد من ‪ 108‬إلى ‪ 116‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬‬

‫وقد خول المشرع لقاضي التحقيق إمكانية األمر بالتقاط المكالمات الهاتفية وجميع‬
‫االتصاالت المنجزة بواسطة وسائل االتصال عن بعد وتسجيلها‪ ،‬كما مكن الوكيل العام للملك‬
‫من أن يصدر أمرا بالتقاط المكالمات الهاتفية أو االتصاالت المنجزة بوسائل االتصال بعد‬
‫تقديم التماس كتابي إلى الرئيس األول لمحكمة االستئناف‪ ،‬غير أنه في حالة االستعجال‬
‫القصوى أجاز المشرع المغربي للوكيل العام للملك أن يأمر كتابه بالتقاط المكالمات الهاتفية‬
‫‪112‬‬
‫أو االتصاالت المنجزة بوسائل عن بعد وتسجيلها‪.‬‬

‫‪ - 110‬محمد عوض‪ ،‬قانون اإلجراءات الجنائية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ص‪.499 :‬‬
‫‪ - 111‬لحسن بوسقيعة‪ :‬التحقيق القضائي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.96 :‬‬
‫‪ - 112‬محمد حكيم‪ ،‬تأمالت في قضاء التحقيق بين الممارسة والتطبيق‪ ،‬مجلة الحقوق المغربية‪ ،‬العدد الخامس‪ ،2005 ،‬ص‪.153 :‬‬

‫‪67‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أوامر قاضي التحقيق المتعلقة بسير التحقيق وانتهائه‬

‫منح المشرع المغربي لقاضي التحقيق مجموعة من السلطات التي تمكنه من ضمان‬
‫امتثال المتهم أمامه وكذا ضمان حسن سير التحقيق (الفقرة األولى)‪ ،‬وبعد انتهاء قاضي‬
‫التحقيق من جميع إجراءات التحقيق‪ ،‬وتأكده من حقيقة الوقائع المعروضة عليه يصدر أمرا‬
‫يقرر فيه‪ ،‬إما أنه ال موجب لمحاكمة المتهم لعدم إثبات التهمة في حقه‪ ،‬وإما إحالته على‬
‫المحكمة إذا ما تبت أن األدلة ثابتة في حقه (فقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أوامر قاضي التحقيق المتعلقة بسير التحقيق‬

‫يصدر قاضي التحقيق مجموعة من األوامر المتعلقة بسير التحقيق‪ ،‬سواء الرامية منها‬
‫إلى امتثال المتهم أمام قاضي التحقيق (أوال)‪ ،‬أو تلك الرامية إلى ضمان حسن سير التحقيق‬
‫اإلعدادي (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬األوامر المتعلقة بضمان امتثال المتهم أمام قاضي التحقيق‬

‫حدد المشرع المغربي من خالل قانون المسطرة الجنائية أوامر قاضي التحقيق الرامية‬
‫إلى ضمان امتثال المتهم أمامه‪ ،‬وهي كل من األمر بالحضور‪ ،‬واألمر بإحضار‪ ،‬واألمر بإلقاء‬
‫القبض‪ ،‬واألمر باإليداع في السجن‪.‬‬

‫األمر بالحضور‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫عرفت المادة ‪ 144‬من قانون المسطرة الجنائية األمر بالحضور بأنه‪ " :‬إنذار يوجهه‬
‫قاضي التحقيق للمتهم للحضور أمامه في التاريخ والساعة المبينين في نص األمر"‪ ،‬وهو‬
‫نفس التعريف الذي كان يتضمنه قانون المسطرة الجنائية القديم‪ ،‬بموجب نص المادة ‪137‬‬
‫منه مع مالحظة أن نص المادة ‪ 144‬المذكورة سابقا استعمل عبارة "إنذار" خالفا لنص المادة‬

‫‪68‬‬
‫‪ 137‬التي كانت تنص على أن "األمر إخطار يقصد منه إحضار المتهم على المثول أمام‬
‫القاضي في التاريخ والساعة المبينين في نص األمر"‪.‬‬

‫ويعد األمر بالحضور شبيها باالستدعاء الذي توجهه المحكمة وال يقيد حرية المتهم‪،‬‬
‫إال أنه في حالة عدم امتثال المتهم له‪ ،‬فلقاضي التحقيق أن يلجأ إلى إصدار أوامر أخرى أشد‬
‫إلحضاره بالقوة‪ ،‬فهو بمثابة إنذار بالحضور قبل استعمال وسائل أخرى لإلجبار على‬
‫الحضور‪ ،‬ويعتبر األمر بالحضور أشد قوة من االستدعاء‪ ،‬وأنه ليس هناك ما يمنع قاضي‬
‫التحقيق من توجيه نفس األمر بالحضور إلى الشاهد وحتى قبل توجيه أي استدعاء إليه إذا ما‬
‫‪113‬‬
‫دعت الضرورة إلى ذلك‪.‬‬

‫وحسب نص الفقرة الثانية من المادة ‪ 144‬فإن األمر بالحضور يقوم بتبليغه إلى المتهم‬
‫ويسلمه نسخة منه إما عون قضائي أو ضابط أو عون للشرطة القضائية أو أحد أعوان القوة‬
‫العمومية‪.‬‬

‫‪-‬األمر باإلحضار‬

‫خصص المشرع المغربي مقتضيات المواد من ‪ 146‬إلى غاية ‪ 151‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية لتنظيم األمر باإلحضار‪ .‬ولإلشارة فإن قانون المسطرة الجنائية القديم كان ينظم هذا‬
‫وقد عرفت المادة ‪ 146‬من قانون‬ ‫‪114‬‬
‫األمر بموجب المواد من ‪ 139‬إلى المادة ‪144‬منه‪،‬‬
‫المسطرة الحالي األمر باإلحضار على أنه "األمر الذي يعطيه قاضي التحقيق للقوة العمومية‬
‫لتقديم المتهم أمامه في الحال‪".‬‬

‫‪ - 113‬طارق السباعي‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء األول‪" ،‬الدعوى العمومية‪ ،‬السلطات المختصة بالتحري عن‬
‫الجرائم"‪ ،‬منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية‪ ،‬سلسلة الشروح والدالئل العدد ‪ ،2004 ،2‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫ص‪.264 :‬‬
‫‪ - 114‬نشير إلى أن قانون المسطرة الجنائية القديم كان ينص بمقتضى المادة ‪ 138‬على أن األمر باإلستقدام هو "األمر الذي‬
‫يعطيه القاضي للقوة العمومية لتسوق المتهم أمامه في الحين"‬
‫وبذلك فإن قانون المسطرة الجنائية الحالي استعمل مصطلح األمر باإلحضار بدال من مصطلح األمر باإلستقدام الذي كان‬
‫مستعمال في قانون المسطرة الجنائية القديم‪، ،‬عالوة على أنه نص صراحة على أن قاضى التحقيق هو الذي يصدر هذا األمر‬
‫خالفا لنص المادة ‪ 138‬المذكورة والتي كانت تشير فقط إلى عبارة القاضي‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫ويصدر قاضي التحقيق األمر باالستقدام في حالة توصل الظنين باألمر بالحضور‬
‫وامتناعه عن تنفيذه بدون مبرر مقبول‪ ،‬وكذلك في الحاالت التي يخشى فيها فرار الظنين‬
‫وفي حالة االستعجال يمكن نشر األمر باإلحضار بكافة‬ ‫‪115‬‬
‫وتهربه من إجراءات التحقيق‪،‬‬
‫الوسائل‪ ،‬غير أنه يجب أن تحدد بدقة جميع البيانات األساسية الواردة في أصل األمر‬
‫بالحضور‪ ،‬وخصوصا هوية المتهم ونوع التهمة‪ ،‬واسم قاضي التحقيق الصادر عنه وصفته‪،‬‬
‫‪116‬‬
‫ويوجه أصل األمر في أسرع وقت إلى العون المكلف بتنفيذه‪.‬‬

‫ونظرا لطبيعة األمر باإلحضار المتجلية في التنفيذ المادي بتقييد حرية المتهم وإلزامه‬
‫بالحضور‪ ،‬فإن القانون أو كل أمر تبليغه وتنفيذه إلى أعوان القوة العمومية المؤهلين قانونا‬
‫‪117‬‬
‫لضبط األشخاص ونقلهم جبرا ولو لم يكونوا ينتمون إلى جهاز الشرطة القضائية‪.‬‬

‫‪ -‬األمر بإلقاء القبض‪:‬‬

‫هو األمر الصادر عن قاضي التحقيق للقوة العمومية بالبحت عن المتهم ونقله إلى‬
‫المؤسسة السجنية المبينة في األمر حيت بتم تسليمه واعتقاله فيها‪ ،‬واألمر بإلقاء القبض ال‬
‫يختلف عن األمر باإليداع في السجن إال في كون هذا األمر األخير يتخذ ضد الظنين الحاضر‬
‫أمام قاضي التحقيق‪ ،‬في حين يصدر األمر بإلقاء القبض ضد الظنين الفار من وجه العدالة أو‬
‫المقيم خارج المغرب‪.‬‬

‫وال يجوز لقاضي التحقيق أن يصدر هذا األمر إال بعد أخذه لرأي النيابة العامة عن‬
‫طريق إصداره قرارا باالطالع في هذا الشأن وذلك‪:‬‬

‫إذا كان المتهم في حالة فرار‪.‬‬ ‫•‬


‫إذا كان المتهم مقيما خارج أراضي المملكة‪.‬‬ ‫•‬

‫‪ - 115‬أحمد الخمليشي‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.374 :‬‬
‫‪ - 116‬حسب نص الفقرة الرابعة من المادة ‪ 146‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬
‫‪ - 117‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء األول‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.264 :‬‬
‫‪70‬‬
‫إذا كانت األفعال الجرمية موضوع إجراءات التحقيق توصف بأنها‬ ‫•‬
‫جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون بعقوبة سالبة للحرية‪.‬‬

‫األمر باإليداع في السجن‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫يعد األمر باإليداع في السجن من اخطر األوامر على اإلطالق التي يصدرها قاضي‬
‫التحقيق‪ .‬إذ بموجبه يتلقى مدير السجن المتهم ويحبسه بعد استنطاقه من طرف قاضي التحقيق‪،‬‬
‫ويبقى هذا األمر ساري المفعول إلى أن يصدر ما يلغيه ويتضمن تاريخ الوضع تحت الحراسة‬
‫لما له من األهمية بالنسبة لتاريخ العقوبة‪ .‬فإذا تسلم مدير السجن المتهم أرجع إلى قاضي‬
‫التحقيق قصاصة هذا األمر‪ ،‬وعليها طابع السجن ورقم اعتقال المتهم‪ ،‬وهذا اإلشعار يسهل‬
‫‪118‬‬
‫التعرف على المتهم‪.‬‬

‫وقد حرص المشرع المغربي على تحديد شروط إصدار األمر باإليداع في السجن‪ .‬فطبقا‬
‫لنص المادة ‪ 153‬من قانون المسطرة الجنائية ال يمكن لقاضي التحقيق إصدار هذا األمر إال‬
‫وفقا للضوابط اآلتية‪:‬‬

‫• أن يصدر هذا األمر بعد استنطاقه المتهم‪.‬‬


‫• أن تكون األفعال المرتكبة جناية أو جنحة يعاقب عليها بعقوبة سالبة‬
‫للحرية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األوامر المتعلقة بضمان حسن سير التحقيق‬

‫من أجل ضمان حسن سير التحقيق اإلعدادي فإنه يمكن لقاضي التحقيق أن يباشر‬
‫إجرائيين استثنائيين‪ ،‬هما الوضع تحت المراقبة القضائية واالعتقال االحتياطي‪.‬‬

‫‪ - 118‬محمد حكيم‪ ،‬تأمالت في قضاء التحقيق بين الممارسة والتطبيق‪ ،‬مجلة الحقوق المغربية‪ ،‬العدد الخامس‪ ،2005 ،‬ص‪154 :‬‬

‫‪71‬‬
‫المراقبة القضائية‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫تعتبر المراقبة القضائية من بين أهم مستجدات قانون المسطرة الجنائية المغربي الجديد‪،‬‬
‫وأحد أبرز االختصاصات الجديدة التي خولها المشرع لقاضي التحقيق من أجل الحد من‬
‫ظاهرة اكتظاظ السجون بالمعتقلين االحتياطيين‪ ،‬وما يفرضه ذلك من جهود بشرية وأعباء‬
‫مادية‪ .‬وبذلك فإنها تعتبر من أهم إجراءات التحقيق المتعلقة بشخص المتهم والتي استحدثت‬
‫بالقانون المغربي ألول مرة كبديل لالعتقال االحتياطي‪.‬‬

‫وتلتقي المراقبة القضائية واالعتقال االحتياطي في كونهما تدبيران استثنائيان ال يعمل‬


‫بهما إال في الجنايات والجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 159‬من قانون‬
‫المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫غير أن المراقبة القضائية تختلف عن االعتقال االحتياطي في كونها تبقى مجرد تدبير‬
‫وإن كان من شانه الحد من حرية المتهم أو من بعض حقوقه‪ ،‬فإنه يتيح له أن يبقى حرا في‬
‫حين يؤدي االعتقال االحتياطي إلى حرمان المتهم من حريته والزج به في السجن‪ ،‬كما أن‬
‫المراقبة القضائية ال يمكن أن تمس بحرية الرأي بالنسبة لألشخاص الخاضعين لها‪ ،‬وال‬
‫‪119‬‬
‫بمعتقداتهم الدينية أو السياسية وال بحقهم في الدفاع‪.‬‬

‫وقد حدد نص المادة ‪ 160‬من قانون المسطرة الجنائية مدة الوضع تحت المراقبة‬
‫القضائية في شهرين قابلة للتجديد لخمس مرات فقط‪ .‬والمالحظ هنا أن هذه المدة هي نفس‬
‫مدة االعتقال االحتياطي في الجنايات‪ .‬واألمر بالوضع تحت المراقبة القضائية قابل لالستئناف‬
‫من قبل النيابة العامة والمتهم خالل اليوم الموالي لصدوره‪ ،‬طبقا للشكليات المتعلقة باستئناف‬
‫أوامر قاضي التحقيق بشأن اإلفراج المؤقت وتبت الغرفة الجنحية داخل أجل خمسة أيام من‬
‫تاريخ اإلحالة‪ .‬ويجوز أن يأمر قاضي التحقيق بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية في أي‬
‫‪120‬‬
‫مرحلة من مراحل التحقيق‪.‬‬

‫‪ - 119‬بالل الفتوح‪ ،‬ثنائية التحقيق في التشريع الجنائي المغربي‪ ،‬نفس مرجع السابق‪ ،‬ص‪.285 :‬‬
‫‪ - 120‬محمد حكيم‪ ،‬تأمالت في قضاء التحقيق بين الممارسة والتطبيق‪ ،‬مجلة الحقوق المغربية‪ ،‬العدد الخامس‪ ،2005 ،‬ص‪ 155 :‬و‪.156‬‬

‫‪72‬‬
‫إال أن هذه السلطة التقديرية المخولة لقاضي التحقيق تخضع لشروط معينة حدد بعضها‬
‫‪121‬‬
‫نص الفقرة األولى من المادة ‪ 160‬ويمكن بسط هذه الشروط كالتالي‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يتخذ قاضي التحقيق هذا التدبير ألجل ضمان حضور المتهم‪.‬‬

‫‪ -2‬أن ال تتطلب ضرورة التحقيق أو الحفاظ على أمن األشخاص أو النظام العام اعتقال‬
‫المتهم اعتقاال احتياطيا‪.‬‬

‫‪ -3‬أن تكون الجريمة موضوع المتابعة جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة سالبة‬
‫للحرية‪.‬‬

‫‪ -4‬أن يكون أمر قاضي التحقيق معلال‪.‬‬

‫االعتقال االحتياطي‬ ‫‪-‬‬

‫إلى جانب الوضع تحت المراقبة القضــــائية‪ ،‬يعد االعتقال االحتياطي بدوره تدبيرا‬
‫استثنائيا بصريح المادة ‪ 159‬من قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬ويجد هذا اإلجــــــراء مبرره في‬
‫ضرورة منع المتهم من الفرار وتغيير األدلة وتبديد وسائل اإلثبات نــــاهيك عن وجوده رهن‬
‫‪122‬‬
‫إشارة قـــاضي التحقيق قصد استنطاقه ومواجهته مع الغير متى كان ذلك مفيدا‪.‬‬

‫ويعرف االعتقــال االحتياطي بأنه إجراء هدفه حرمان المتهم من حريته واتصاله بالعالم‬
‫الخارجي عن طريق إيداعه في مؤسسة سجنية لمدة محدودة وذلك مبــاشرة بعد االستنطاق‬
‫االبتدائي‪ ،‬وهو نتيجة حتمية لألمر بإلقاء القبض واألمر باإليداع في السجن‪.123‬‬

‫‪ - 121‬بالل الفتوح‪ ،‬ثنائية التحقيق في التشريع الجنائي المغربي‪ ،‬نفس مرجع السابق‪ ،‬ص‪ 286 :‬و‪.287‬‬
‫‪ - 122‬أن أغلب الملفات التي يقرر فيها قاضي التحقيق عدم اعتقال المتهم والتحقيق معه في حالة سراح تبقى معلقة نتيجة‬
‫عدم حضور المتهم اجراءات التحقيق الموالية واختفاءه عن األنظار األمر الذي يعرقل التحقيق‪.‬‬
‫‪ - 123‬مراد عبد الفتاح‪ ،‬التحقيق الجنائي التطبيقي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.125 :‬‬

‫‪73‬‬
‫ورغم أن المشرع حـــاول حصر االعتقال االحتياطي باعتباره تدبيرا استثنائيا في‬
‫حاالت المادة ‪ 160‬من قـانون المسطرة الجنائية وهي ضرورات التحقيق أو الحفاظ على أمن‬
‫األشخاص أو النظام العام‪ ،‬فإن هذا الحصر جـــاء فضفاضا لعموميته‪ ،‬وبالتالي يبقى اللجوء‬
‫إلى االعتقال االحتياطي موكـــــوال للسلطة التقديرية لقـاضي التحقيق وهو ما يفسر اللجوء‬
‫‪124‬‬
‫إليه بكثرة ويفسره كذلك العدد المهول للمعتقلين احتياطيا بالسجون المغربية‪.‬‬

‫ويتم اعتقال المتهم احتياطيا لمدة شهر واحد في الجنح‪ ،‬وإذا تطلبت ضرورة التحقيق‬
‫االستمرار في ذلك بعد انصرام هذه المدة‪ ،‬أصدر قـاضي التحقيق أمرا قضائيا معلال بنــــاء‬
‫ملتمس النيابة العامة بتمديد فترة االعتقال االحتياطي مدة شهر واحد ولمرتين فقط‪ 125،‬أي أن‬
‫مدة االعتقال االحتياطي في الجنح كحد أقصــى هو ثالثة أشهر‪.‬‬

‫أما في الجنايات فإن مدة االعتقال االحتيـــــاطي ال تتجاوز شهرين‪ ،‬ويمكن تمديدها‬
‫لنفس األسبــاب وعلى نفس النحو لمدة شهرين خمس مرات‪ ،‬أي أن مدة االعتقـال االحتياطي‬
‫ال تتجاوز في الجنايات كحد أقصى سنة واحدة‪ ،‬ويجب على قاضي التحقيق عند اتخـاذه قرارا‬
‫باالعتقال االحتياطي أن يبلغه حاال وشفاهيا للمتهم‪ ،‬كما يقــوم بتبليغه إلى النيابة العامة داخل‬
‫أجل ‪ 24‬ساعة الموالية التخاذه القرار المذكور‪ .‬وينتهي مفعول االعتقـــال االحتياطي بقوة‬
‫القانون بعد انتهاء مدته طبقا للمادتين ‪ 176‬و‪ 177‬من قـــانون المسطرة الجنائية سواء تم‬
‫إنهاء إجراءات التحقيق أم لم تنته حيث يتم إطالق سراح المتهم بقوة القـانون ويستمر التحقيق‪.‬‬

‫‪ - 124‬محمد أحداف‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.421 :‬‬


‫‪ - 125‬تنص المادة ‪ 176‬من قانون المسطرة الجنائية على أنه" ال يجوز في القضايا الجنحية أن يتجــــــــــاوز االعتقال‬
‫االحتياطي شهرا واحدا‬
‫إذا ظهرت عند انصرام هذا األجل ضرورة استمرار االعتقال االحتياطي‪ ،‬جاز لقـــــــاضي التحقيق تمديد فترته بمقتضى‬
‫أمر قضائي معلل تعليال خاص‪ ،‬يصدره بناء على طلبات النيابة العامة المدعمة أيضا بأسباب‪.‬‬
‫وال يمكن تمديد فترة االعتقال االحتياطي إال لمرتين ولنفس المدة‪،‬‬
‫إذا لم يتخذ قاضي التحقيق خالل هذه المدة أمرا طبقا لمقتضيات المادة ‪ 217‬اآلتية بعده‪ ،‬يطلق سراح المتهم بقوة القانون‬
‫ويستمر التحقيق‪".‬‬
‫‪74‬‬
‫ويمكن لقاضي التحقيق أن يضع حدا إلجراء االعتقـال االحتياطي قبل انتهاء مدته‬
‫أو باإلفـراج المؤقت‬ ‫‪126‬‬
‫القانونية إما باإلفراج المؤقت تلقـــــائيا بعد استشارة النيابة العامة‬
‫بنــاء على ملتمس من المتهم أو دفاعه‪ ،‬ويمكن لهذين األخيرين تقديمه في أي وقت وعدة‬
‫مــرات ولو بعد رفضه‪ ،‬ويمكن تقديمه ولو مباشرة بعد اتخاذ قـــاضي التحقيق األمر‬
‫باالعتقال‪.‬‬

‫‪ - 126‬تنص المادة ‪ 178‬من قانون المسطرة الجنائية " يجوز لقاضي التحقيق في جميع القضايا‪ ،‬بعد استشارة النيـابة‬
‫العامة‪ ،‬أن يأمر باإلفراج المؤقت تلقائيا‪ ،‬إذا كان اإلفراج غير مقرر بموجب القــــانون‪ ،‬بشرط أن يلتزم المتهم بالحضور‬
‫لجميع إجراءات الدعوى كلما دعي لذلك‪ ،‬وبأن يخبر قاضي التحقيق بجميع تنقالته أو باإلقامة في مكـان معين‪ ،‬كما يمكن‬
‫ربط اإلفراج المؤقت بإدالء المعني باألمر بشهادة من مؤسسة عمومية أو خاصة للصحة أو التعليم تؤكد تكفلها بالمتهم‬
‫أثنـــاء مدة هذا اإلفراج‪.‬‬
‫يمكن كذلك أن يتوقف هذا اإلفراج على وجوب االلتزام بتقديم ضمانة مالية أو ضمانة شخصية‬
‫يمكن عالوة على ذلك أن يكون اإلفراج المؤقت مرفوقا بالوضع تحت المراقبة القضــــائية وفقا للشكليات المقررة في‬
‫المواد ‪ 160‬إلى ‪ 174‬أعاله‪.‬‬
‫يمكن للنيابة العامة أيضا أن تلتمس في كل وقت وحين اإلفراج المؤقت‪ ،‬وعلى قــاضي التحقيق أن يبت في ذلك خالل‬
‫أجل خمسة أيام من تاريخ تقديم هذه الملتمسات"‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬أوامر قاضي التحقيق المتعلقة بانتهاء التحقيق‬

‫يصدر قـاضي التحقيق عند انتهاء التحقيق اإلعدادي‪ ،‬عدة أوامر تختلف طبيعتها بحسب‬
‫األحوال‪ ،‬فإما أن يصدر أمرا بعدم االختصاص (أوال)‪ ،‬أو أمرا بعدم المتابعة (ثانيا)‪ ،‬أو أمرا‬
‫باإلحالة على المحكمة المختصة (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬األمر بعدم االختصاص‪.‬‬

‫إذا تبين لقــــاضي التحقيق أن األفعال المعروضة أمامه تخرج عن دائرة اختصاصه‪،‬‬
‫فإنه يصدر أمرا بعدم االختصـــاص‪ ،‬وتحتفظ جميع إجراءات التحقيق المنجزة بمفعولها‬
‫وأثرها القانوني‪ ،‬فتبقى األدلة التي توصل إليها قـــاضي التحقيق واعترافات المتهم منتجة في‬
‫‪127‬‬
‫اإلثبات‪.‬‬

‫وإذا صرح قاضي التحقيق سواء لدى المحكمة االبتدائية أو لدى محكمة االستئناف بعدم‬
‫اختصاصه فإنه يحيل ملف القضية على النيابة العامة داخل أجل ثمانية أيام ابتداء من تاريخ‬
‫صدور هذا األمر‪.‬‬

‫فضال عن ذلك يحتفظ كل أمر يكون قد أصدره قاضي التحقيق ضد المتهم بقوته‬
‫التنفيذية –كاألمر بإلقاء القبض أو اإليداع في السجن‪ -‬كما تحتفظ إجراءات المتابعة والتحقيق‬
‫المنجزة بأثرها القانوني‪ ،‬بحيث تعتبر الدالئل التي توصل إليها قاضي التحقيق ومنها االعتراف‬
‫‪128‬‬
‫منتجة في اإلثبات ويتعين على الجهة المحال عليها الملف أن تعتمدها‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار أصدر قاضي التحقيق لدى محكمة االستئناف بالرباط أمرا بعدم‬
‫االختصاص‪ ،‬ومما جاء في تعليل هذا األمر ما يلي‪" :‬حيث ثبت من خالل وثائق الملف‬
‫خصوصا بعد االطالع على الملف الجنائي رقم ‪ 22-04-14‬والمدرج بجلسة ‪-10-13‬‬

‫‪ - 127‬بالل الفتوح‪ ،‬ثنائية التحقيق في التشريع الجنائي المغربي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.300 :‬‬
‫‪ - 128‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬وزارة العدل‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.288 :‬‬
‫‪76‬‬
‫‪ 2004‬ووثائقه أن المتهم‪ ...‬أصدر في حقه قاضي التحقيق بالغرفة الرابعة أمرا بإلقاء‬
‫القبض‪ ،‬ثم تابعه بجريمة القتل العمد وأمر بإحالة الملف على غرفة الجنايات لمحاكمته‪،‬‬
‫وأن هاته األخيرة باشرت اإلجراءات المتعلقة بالمسطرة الغيابية‪ ،‬والملف الزال مدرجا‬
‫بجلسة ‪.2004-10-13‬‬

‫وحيث تطبيقا لما ذكر أعاله وإعماال للقانون‪ ،‬فإن قاضي التحقيق يبقى غير مختص‬
‫إلجراء التحقيق فيما نسب إلى المتهم‪ ،.....‬خصوصا وأن الملف معروض أمام غرفة‬
‫الجنايات بنفس المحكمة‪.‬‬

‫وحيث يتعين والحالة هاته القول بوقف إجراءات التحقيق في الملف ‪04/111‬‬
‫وإحالته ومستندات الدعوى على السيد الوكيل العام للملك لدى هاته المحكمة إلحالته والمتهم‬
‫‪129‬‬
‫على الجهة المختصة"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األمر بعدم المتابعة‪.‬‬

‫األمر بعدم المتابعة هو قرار قاضي التحقيق إنهاء التحقيق وتوقفه عند هذه المرحلة‪،‬‬
‫فهو قرار بعدم إحــــــالة الدعوى على المحكمة المختصة لعدم اجتماع قرائن ودالئل كــــافية‬
‫على ارتكاب المتهم لألفعال المنسوبة إليه أو ألسباب أخرى‪ ،‬وهذا األمر ذو طبيعة قضـائية‬
‫يجب أن يصدر كبـــاقي األوامر كتابة‪ ،‬وأن يتضمن البيـــــانات المتطلبة قانونا‪ ،‬وأن يكون‬
‫‪130‬‬
‫صريحا فال يصح أن يفترض أو يؤخذ فيه عن طريق الظن‪.‬‬

‫ويجب أن يصدر األمر المذكور معلال تعليال كــافيا ضمانا لجديته وضمـانا لصدوره‬
‫بعد تحقيق جدي أفضى إلى استخالص قـاضي التحقيق وجود أسباب تحول دون محــــاكمة‬
‫‪131‬‬
‫المتهم‪ ،‬أو عدم اجتماع قرائن كافية تفيد ارتكابه األفعال المنسوبة إليه‪.‬‬

‫‪ - 129‬ملف تحقيق رقم ‪ ،2004-111‬غرفة التحقيق الثانية لدى محكمة االستئناف بالرباط‪ ،‬أمر غير منشور‪.‬‬
‫‪ -‬بالل الفتوح‪ ،‬ثنائية التحقيق في التشريع الجنائي المغربي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.305 :‬‬ ‫‪130‬‬

‫‪ -‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬وزارة العدل‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.288 :‬‬ ‫‪131‬‬

‫‪77‬‬
‫وأسباب األمر بعدم المتابعة إما قانونية أو واقعية‪.‬‬

‫فاألسباب القـــــانونية هي من قبيل كون الواقعة ال يعاقب عليها القانون‪ ،‬أو كان المتهم‬
‫يستفيد من مــانع من موانع المسؤولية وإيقاع العقاب‪ .‬واألسباب الواقعية هي من قبيل عدم‬
‫‪132‬‬
‫كفـاية األدلة أو عدم اجتماع قرائن كافية للقول بكون المتهم قد اقترف المنسوب إليه‪.‬‬

‫أنه من غير المنطقي أن يذكر المشرع المغربي في أسباب صدور‬ ‫‪133‬‬


‫ويرى البعض‬
‫القرار القاضي بعدم المتابعة من عدمها تتم في مواجهة شخص معروف الهوية على خالف‬
‫البحث الذي يمكنه أن يتم ضد مجهول‪ ،‬ومن ثم فهذه الحالة تدخل في نطاق قرار الحفظ الذي‬
‫يصدره قاضي التحقيق‪ ،‬وأن المشرع المصري قد أحسن حينما تفادى هذا اإلشكال‪ ،‬إذ نصت‬
‫المادة ‪ 154‬من قانون اإلجراءات الجنائية المصري أنه "إذا رأى قاضي التحقيق أن الواقعة‬
‫ال يعاقب عليها القانون أو أن األدلة ضد المتهم غير كافية يصدر أمرا بأن ال وجهة إلقامة‬
‫الدعوى ويفرج عن المتهم المحبوس إن لم يكن محبوسا لسبب آخر"‪.‬‬

‫وينتج عن األمر بعدم المتابعة عدة آثار من أهمها توقف الدعوى عند المرحلة التي‬
‫بلغتها وقت صدور األمر فال يتم اتخـــــاذ أي إجراء الحق من إجراءات التحقيق‪ ،‬وعدم إحالة‬
‫المتهم على المحكمة‪ ،‬واإلفراج عنه إذا كان محبوسا احتياطيا ولو استأنفت النيابة العامة األمر‬
‫بعدم المتابعة‪ ،‬وإيقــاف مفعول المراقبة القضائية وتصفية صائر الدعوى‪.‬‬

‫ومن أهم اآلثار التي تنتج عن إصدار أمر بعدم المتــــــابعة اكتسابه للحجية التي تمنع‬
‫من العودة إلى الدعوى ما دام هذا األمر قـــــائما ولم يتعرض لإللغاء‪ ،‬فال يجوز معه إقـــامة‬
‫الدعوى عن نفس الواقعة التي صدر األمر فيها‪ ،‬فهو في هذه الحجية المؤقتة يتمتع بما لألحكام‬
‫من قوة الشيء المقضي به ما لم تظهر دالئل جديدة وقوية تبرر إعادة فتح التحقيق‪.‬‬

‫‪ - 132‬ايهاب عبد المطلب‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.61 :‬‬


‫‪ - 133‬محمد الهيني‪ ،‬إشكالية األثر الموقف الستئناف قرار قاضي التحقيق بعدم المتابعة أو عدم االختصاص‪ ،‬مجلة اإلشعاع‪،‬‬
‫العدد ‪ ،26‬ص‪.95 :‬‬
‫‪78‬‬
‫ثالثا‪ :‬األمر باإلحالة على هيئة الحكم‪.‬‬

‫األمر باإلحالة هو األمر الذي يقرر بموجبه قاضي التحقيق نقل الدعوى من مرحلة‬
‫التحقيق اإلعدادي إلى مرحلة المحــاكمة‪ ،‬أي إحالة الملف على المحكمة المختصة للبث فيه‬
‫طبقا للقانون‪ .‬ويفترض في ذلك تقدير قـــــاضي التحقيق توافر أدلة كـافية على نسبة الفعل‬
‫إلى المتهم وتوافر أركان الجريمة وانعدام أسباب عدم القبول‪.‬‬

‫وتقدير كفاية األدلة على حصول الواقعة ونسبتها للمتهم ال يعني أنها كـافية إلدانته‪ ،‬إذ‬
‫ال اختصاص لقاضي التحقيق في تقرير اإلدانة‪ ،‬فتلك مهمة المحكمة‪ ،‬بل تقدير قاضي التحقيق‬
‫لرجحان اإلدانة كاف إلحالة الملف وليس يقينه وجزمه بذلك على نحو ما تفعله المحكمة‪ ،‬إذ‬
‫قد يقرر قاضي التحقيق احتمال براءة المتهم ومع ذلك يحيل الملف على المحكمة ألنه يرى‬
‫‪134‬‬
‫احتمال اإلدانة أرجح‪.‬‬

‫‪ - 134‬ايهاب عبد المطلب‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.68 :‬‬


‫‪79‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬رقابة الغرفة الجنحية على أوامر قاضي التحقيق‬

‫بالنظر إلى السلطات الواسعة التي منحها المشرع المغربي لقاضي التحقيق في اتخاذ‬
‫وإصدار األوامر للوصول إلى الحقيقة‪ ،‬فقد جعل القانون لهذه الحرية قيودا وأخضعها لمراقبة‬
‫جميع الجهات التي لها عالقة بالدعوى ‪ -‬وباألخص الغرفة الجنحية ‪ ،-‬ذلك أن حرية اإلنسان‬
‫حق ال يمكن ألي أحد أن ينال منه إال في إطار الشرعية والقانون‪ ،‬وفي نطاق مسطرة‬
‫وإجراءات كفيلة بصيانة كرامة اإلنسان‪ ،‬فالمشرع المغربي حدد من خالل قانون المسطرة‬
‫الجنائية بعض القواعد الشكلية والموضوعية‪ ،‬وأوجب على قاضي التحقيق إتباعها توفيرا‬
‫للضمانات الفردية وتأمينا لشروط المحاكمة العادلة‪ ،‬ورتب على مخالفتها بطالن اإلجراءات‬
‫المعيبة واإلجراءات الموالية لها (المواد من ‪ 210‬إلى ‪ 213‬من الباب الثاني عشر من القسم‬
‫الثالث المتعلق بالتحقيق اإلعدادي ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،).‬كما خول للنيابة العامة والمتهم والمطالب بالحق‬
‫المدني إن وجد‪ ،‬الحق في الطعن باالستئناف في أوامر قاضي التحقيق (المواد من ‪ 222‬إلى‬
‫‪ 227‬من الباب الرابع عشر ق‪.‬م‪.‬ج‪.).‬‬

‫وعليه فإننا سنتناول في هذا المبحث كل من الحق في الطعن باالستئناف في أوامر‬


‫وإجراءات الت ينجزها قاضي التحقيق‪ ،‬حيت سنخصص المطلب األول للحق في الطعن‬
‫باالستئناف في أوامر التحقيق‪ ،‬بينما سنخصص المطلب الثاني لبطالن األوامر واإلجراءات‬
‫التحقيق المعيبة‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫المطلب األول‪ :‬استئناف أوامر قاضي التحقيق‬

‫سنعمل من خالل هذا المطلب على تبيان الجهات المخول لها الطعن باالستئناف في‬
‫أوامر قاضي التحقيق‪ ،‬والمتمثلة في كل من النيابة العامة والمتهم والمطالب بالحق المدني‬
‫(الفقرة األولى)‪ ،‬وكذا األثار القانونية المترتب على إثارة الطعن باالستئناف في أوامر قاضي‬
‫التحقيق (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الجهات المخول لها استئناف أوامر قاضي التحقيق‬

‫خول المشرع المغربي حق استئناف أوامر قاضي التحقيق لثالثة جهات أساسية هي‬
‫النيابة العامة (أوال)‪ ،‬والمتهم (ثانيا)‪ ،‬والمطالب بالحق المدني (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬استئناف أوامر قاضي التحقيق من طرف النيابة العامة‬

‫لقد كرست المادة ‪ 222‬من قانون المسطرة الجنائية حق النيابة العامة في استئناف جميع‬
‫قرارات و أوامر قاضي التحقيق باستثناء األوامر بإجراء خبرة إذ نصت على أنه **يحـــق‬
‫للنيابة العامة أن تستأنف لدى الغرفة الجنحية كل أمر قضائي يصدره قــــاضي التحقيق‬
‫باستثناء األوامر الصادرة بإجراء خبرة طبقا لمقتضيات المادة ‪ 196‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية**‬

‫إال أنه في الواقع العملي فإن النيابة العـــامة ال تستأنف إال األوامر التي تأتي مخالفة‬
‫لما التمسته قبال في ملتمساتها الموجهة إلى قــاضي التحقيق‪ ،‬وبالرغم من كون المشرع نص‬
‫في المادة أعاله على جواز استئناف النيابة العامة لكل األوامر ما عدا القاضية بإجراء خبرة‬

‫‪81‬‬
‫فإنه يمكن استنتاج عدم جواز استئنافها لألمر القـــاضي باإلحالة وذلك من المادتين ‪217‬‬
‫‪135‬‬
‫و‪ 218‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫ولتبيان رغبة النيــابة العامة باستئناف أمر من أوامر قـاضي التحقيق فإنه يتعين ملء‬
‫تصريح باالستئناف تقدمه إلى كتابة الضبط في اليوم الموالي إلشعارها بصدور األمر‬
‫المذكور‪ ،‬وتقوم بتحرير تقرير استئنافي تبين فيه وجهة نظرها وما تعيبه على األمر المطعون‬
‫فيه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬استئناف أوامر قاضي التحقيق من طرف المتهم‬

‫يجوز للمتهم استئناف أوامر قاضي التحقيق المحددة حسب نص المادة ‪ 223‬من قانون‬
‫داخل أجل ثالثة أيام الموالية ليوم تبليغه‪ ،‬وذلك في شكل تصريح لدى‬ ‫‪136‬‬
‫المسطرة الجنائية‬
‫‪137‬‬
‫كتابة ضبط المحكمة التي يوجد بها مقر قاضي التحقيق‪.‬‬

‫وإذا كان المتهم معتقال‪ ،‬فإن هدا التصريح يكون صحيحا إذا تلقته كتابة الضبط للمؤسسة‬
‫السجنية التي يجب عليها أن تقيده حاال في سجل خاص‪ ،‬وعلى رئيس المؤسسة أن يقوم بتوجيه‬
‫هذا التصريح لكتابة الضبط للمحكمة في ظرف أربع وعشرين ساعة وإال تعرض لعقوبات‬
‫‪138‬‬
‫تأديبية‪.‬‬

‫وهكذا فإن المتهم يمكنه استئناف جميع األوامر المنصوص عليها في المادة‬
‫‪223‬المذكورة أعاله‪ ،‬وهي على العموم المنازعة في قبول طلبات الطرف المدني ورفض‬

‫‪ -‬محمد حكيم‪ ،‬تأمالت في قضاء التحقيق بين الممارسة والتطبيق‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.160 :‬‬ ‫‪135‬‬

‫‪ -‬وقد جاء في الفقرة األولى من المادة ‪ 223‬من ق م ج أنه "يحق للمتهم أن يستأنف لدى الغرفة الجنحية بمحكمة‬ ‫‪136‬‬

‫االستناف الوامر المنصوص عليها في المواد ‪ 94‬و‪ 152‬و‪ 177‬و‪ 179‬و‪( 194‬الفقرة األخيرة) و‪ 208‬و‪( 216‬الفقرات‬
‫‪ 2‬و‪ 3‬و‪ 6‬و‪.")7‬‬
‫‪ -137‬عبد اهلل بورحب‪ ،‬مداخلة حول أوامر قاضي التحقيق بالندوة الوطنية حول موضوع المسطرة الجنائية تشريعا وممارسة‬
‫‪-‬قضاء التحقيق‪ ،--‬الجمعة والسبت ‪ 13-12‬مارس ‪ ،2003‬ص‪.21 :‬‬
‫‪ - 138‬الفقرة الخيرة من المادة ‪ 223‬من ق م ج‬
‫‪82‬‬
‫طلب إجراء الخبرة‪ ،‬والقرار الصادر بشأن رد األشياء المحجوزة‪ ،‬والقرار المتعلق بنشر‬
‫‪139‬‬
‫قرار عدم المتابعة بالطعن وكذلك ما يتعلق منه بتحديد البيانات القابلة للنشر‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫يتبين إذا أن الطلب ال يحق له الطعن باالستئناف إال في األوامر التي تمس حقوقه‬
‫والتي حددتها المادة ‪ 223‬المذكورة أنفا والمادة ‪ 206‬من قانون المسطرة الجنائية القديم‪.‬‬

‫وبالنسبة الستئناف المتهم ألمر قاضي التحقيق برفض طلب السراح المؤقت‪ ،‬نذكر أن‬
‫فاضي التحقيق بمحكمة االستئناف بالرباط قضى برفض هذا الطلب‪ .‬وبناء على الطعن في‬
‫األمر المذكور من طرف دفاع المتهم قضت الغرفة الجنحية بتأييد القرار المستأنف استنادا‬
‫إلى العلل التالية‪" :‬حيث اعترف المتهم بالمنسوب إليه أمام الضابطة القضائية‪ .‬وحيث أن‬
‫المتهم من ذوي السوابق القضائية وكان مبحوثا عنه وتمت مطاردته من طرف عناصر‬
‫الشرطة وطعن أحد عناصر الضابطة بسكين‪.‬‬

‫وحيث إن تعليل قرار السيد قاضي التحقيق للقرار المطعون فيه يعتبر سليما ومصادفا‬
‫‪141‬‬
‫للصواب من الناحيتين الواقعية والقانونية مما يتعين تأييده"‪.‬‬

‫وكما سبق ذكره فإن المشرع حدد على سبيل الحصر أوامر قاضي التحقيق التي يجوز‬
‫للمتهم استئنافها‪ ،‬وفي هذا الصدد نشير إلى أن المتهم استأنف بواسطة دفاعه أمر قاضي‬
‫التحقيق بمحكمة االستئناف بالرباط‪ ،‬القاضي برفض طلبه الرامي إلى تشخيص الحادث الذي‬
‫وقع بالمديرية العامة للمحافظة على التراب الوطني وكذا التعرف على بعض الحقائق المدرجة‬
‫بالملف وذلك لعدم وجود ما يبرره قانونا‪ ،‬فأصدرت الغرفة الجنحية بالمحكمة المذكورة قرار‬
‫بتاريخ ‪ 2000/2/10‬قضى بعدم قبول االستئناف شكال‪ ،‬استنادا إلى العلل التالية‪" :‬حيث إن‬
‫قرارات قاضي التحقيق القابلة لالستئناف محددة على سبيل الحصر في الفصل ‪ 206‬من ق‬
‫م ج الذي ينص على أن القرارات التي يحق للمتهم استئنافها هي المذكورة في الفصول‬
‫‪ 173-156-154-95‬و‪ 133‬من ق م ج‪.‬‬

‫‪ - 139‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪293 :‬‬


‫‪- 140‬أحمد الخمليشي‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪391 :‬‬
‫‪ - 141‬ملف عدد ‪ 2000/20‬بتاريخ ‪ – 2000/2/3‬غير منشور‬
‫‪83‬‬
‫وحيت إن قرار قاضي التحقيق برفض طلب تشخيص الجريمة ال يدخل ضمن القرارات‬
‫القابلة لالستئناف الواردة في الفصول المبينة أعاله‪ ،‬التي يحيل عليها الفصل ‪ 206‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬ج‪ .‬وحيت إنه اعتبارا لذلك يتعين التصريح بعدم قبول االستئناف شكال مع إبقاء الصائر‬
‫‪142‬‬
‫على عاتق المتهم"‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬استئناف أوامر قاضي التحقيق من طرف المطالب بالحق المدني‬

‫يمكن للطرف المدني أن يستأنف لدى الغرفة الجنحية األوامر الصادرة عن قاضي‬
‫التحقيق التي حددها نص المادة ‪ ،224‬وتتمثل في‪:‬‬

‫• األمر الصادر بعدم إجراء التحقيق‪.‬‬


‫• األوامر بعدم المتابعة‪.‬‬
‫• األمر الذي يبت في االختصاص الصادر عن قاضي التحقيق إما تلقائيا‬
‫أو بناء على دفع األطراف بعدم االختصاص‪.‬‬
‫• األوامر التي تمس مصالحه المدنية‪.‬‬

‫غير أنه ال يمكن للطرف المدني‪ ،‬أن يستأنف أمرا قضائيا متعلقا باعتقال المتهم أو‬
‫‪143‬‬
‫مقتضى من مقتضيات أمر قضائي يتعلق بهذا االعتقال أو بالمراقبة القضائية‪.‬‬

‫‪ - 142‬ملف غرفة المشورة عدد ‪ 2000-16‬قرار عدد ‪2000/1248‬بتاريخ ‪ 2000/2/10‬غير منشور‬


‫‪ -143‬نشير إلى انه يجب على قاضي التحقيق أن يشعر الطرف المدني برسالة مضمونة خالل أربع وعشرين ساعة من وقت‬
‫وضع طلب اإلفراج المؤقت ليمكنه من اإلدالء بمالحظاته‪.‬‬
‫وال يمكن لقاضي التحقيق إصدار أمر‪ ،‬إال بعد ثمان وأربعين ساعة من تاريخ إشعار الطرف المدني بتقديم طلب اإلفراج‬
‫المؤقت –ارجع لنص المادة ‪ 179‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫ويتعين على الطرف المدني أن يقدم استئنافه بتصريح إلى كتابة ضبط المحكمة التي‬
‫يوجد بها مقر قاضي التحقيق‪ ،‬خالل أجل الثالثة أيام الموالية ليوم تبليغ األمر القضائي إلى‬
‫‪144‬‬
‫موطنه الحقيقي أو المختار‪.‬‬

‫ولإلشارة فإن عبارة األوامر التي تمس مصالحه المدنية –الواردة في المادة ‪ 207‬من‬
‫قانون المسطرة الجنائية القديم وفي الفقرة األولى من المادة ‪ 225‬من قانون المسطرة الجنائية‬
‫الجديدة‪ -‬تجعل ل لمطالب بالحق المدني حقا عاما في الطعن باالستئناف في كل أوامر قاضي‬
‫التحقيق التي يراها ماسة بحقوقه‪ ،‬وقد اقتبس القانون المغربي عبارة "األوامر التي تمس‬
‫بمصالحه المدنية" من القانون الفرنسي (م ‪ .)186‬والغرفة الجنحية هي التي تملك الصالحية‬
‫‪145‬‬
‫لتقدير مساس األمر القضائي بحقوق المطالب بالحق المدني أو عدم مساس بها‪.‬‬

‫وفيما يتعلق باستئناف المطالب بالحق المدني ألمر قاضي التحقيق القاضي بعدم‬
‫المتابعة نذكر أن المطالب بالحق المدني تقدم بواسطة دفاعه باستئناف ضد أمر قاضي التحقيق‬
‫لدى محكمة االستئناف بالدار البيضاء‪ ،‬في ملف تحقيق عدد ‪ 92-122-62‬القاضي بعدم‬
‫متابعة المتهم األول بجنحة اإلدالء بتصريحات مخالفة للحقيقة‪ ،‬وعدم متابعة المتهم الثاني‬
‫لسقوط الدعوى العمومية‪ ،‬وعدم متابعة باقي شهود اللفيف‪ .‬وأصدرت الغرفة الجنحية‬
‫‪146‬‬
‫بالمحكمة المذكورة قرار بتأييد أمر السيد قاضي التحقيق المستأنف‪.‬‬

‫كما تقدم المطالب بالحق المدني في ملف تحقيق عدد ‪ 47‬ش م ‪ 76‬ق‪ 03/‬باستئناف‬
‫قرار قاضي التحقيق لدى محكمة االستئناف بالدار البيضاء‪ ،‬الصادر بتاريخ ‪،2003/12/2‬‬
‫والقاضي برفض شكاية المشتكي‪ .‬وقد تبين للغرفة الجنحية أن قرار قاضي التحقيق قد صادف‬
‫الصواب فقضت بتأييده استنادا على الحيثيات التالية‪" :‬حيث إن الدعوى العمومية في الجنايات‬

‫‪ -144‬الفقرة األخيرة من المادة ‪ 224‬التي تحيل لهذا الشأن على مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة ‪ 223‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية‪.‬‬
‫‪ -145‬أحمد الخمليشي‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.392 :‬‬
‫‪-146‬ملف غرفة المنشورة عدد ‪ 02/27‬قرار عدد ‪ 2002/55‬صدر بتاريخ ‪ ،2002-6-19‬غير منشور‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫حسب مقتضيات الفصل ‪ 5‬من قانون المسطرة الجنائية تتقادم بمرور عشرين سنة شمسية‬
‫كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجناية‪.‬‬

‫وحيث إن التقادم يسقط الدعوى العمومية وفق ما تنص عليه المادة الرابعة من نفس‬
‫القانون‪.‬‬

‫وحيث إن الثابت من الوقائع الواردة بالشكاية المباشرة أنها تعود لسنتي ‪1965‬‬
‫و‪ 1966‬فيكون بذلك قد طالها التقادم الذي يضع حدا إلجراء أية متابعة بشأنها‪.‬‬

‫وحيث إن ما أثاره دفاع المشتكي من كونه ال يعلم بزورية المحضرين إال بتاريخ ‪-25‬‬
‫‪147‬‬
‫‪ 2001-07‬ال أثر له على سريان أمد التقادم"‪.‬‬

‫‪- 147‬ملف غرفة المشورة‪ ،‬عدد ‪ ،2003-206‬قرار رقم ‪ 04-105‬بتاريخ ‪ ،2004/5/5‬غير منشور‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬أثر استئناف أوامر قاضي التحقيق‬

‫يترتب عن استئناف أوامر قاضي التحقيق أثران اثنان‪ ،‬هما األثر الواقف لألوامر (أوال)‪،‬‬
‫واألثر الناشر (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬األثر الواقف الستئناف أوامر قاضي التحقيق وإشكالياته‬

‫إذا كان‪ ،‬كمبدأ عام‪ ،‬االستئناف واجله يوقف تنفيذ الحكم أو القرار ما لم يقرر خالف‬
‫ذلك بناء على طلبات النيابة العامة أو بنص خاص‪ ،‬فالنسبة للقرارات الصادرة عن قاضي‬
‫التحقيق فان االثر الموقف لالستئناف يثير عدة اشكاليات قانونية على الصعيد العملي لم يتطرق‬
‫لها الفقه النظري بالمناقشة والتحليل‪ ،‬وخصوصا بالنسبة لقراره القاضي بعدم المتابعة أو بعدم‬
‫االختصاص‪ ،‬فهل في هاته الحالتين بمجرد صدور هذين القرارين يترتب عنه االفراج عن‬
‫المتهم رغم استئناف النيابة العامة‪ ،‬أم يلزم ان يظل المتهم رهن االعتقال في حالة االستئناف‬
‫‪148‬‬
‫لمعرفة مآل القرار أمام الغرفة الجنحية‪.‬‬

‫بالنسبة لقرار قاضي التحقيق القاضي بعدم المتابعة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تنص المادة ‪ 196‬من قانون المسطرة الجنائية " إذا رأى قاضي التحقيق ان االفعال‬
‫ليست لها صفة جناية أو جنحة‪ ،‬أو مخالفة أو انه ليست هناك دالئل كافية ضد المتهم أو ان‬
‫المجرم ظل مجهوال فيصدر امرا بعدم المتابعة ويفرج عن المتهمين المتعلقين احتياطا‪.‬‬

‫وفي نفس االتجاه تنص المادة ‪ 154‬من قانون االجراءات الجنائية المصري" انه إذا‬
‫رأى قاضي التحقيق ان الواقعة ال يعاقب عليها القانون أو ان االدلة ضد المتهم غير كافية‬

‫‪ - 148‬إيمان خريشيش‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.156 :‬‬

‫‪87‬‬
‫يصدر امرا بان ال وجهة إلقامة الدعوى ويفرج عن المتهم المحبوس ان لم يكن محبوسا‬
‫‪149‬‬
‫لسبب اخر"‪.‬‬

‫ويالحظ ان حشر المشرع المغربي في اسباب صدور القرار القاضي بعدم المتابعة عن‬
‫قاضي التحقيق حالة عدم التعرف على المجرم مسالة غير منطقية الن المتابعة من عدمها تتم‬
‫في مواجهة شخص معروف الهوية على خالف البحث الذي يمكن ان يتم ضد مجهول ومن‬
‫ثم فهذه الحالة تدخل في نطاق قرار الحفظ الذي يصدره قاضي التحقيق‪ ،‬وقد أحسن المشرع‬
‫‪150‬‬
‫المصري حينما تفادى هذا االشكال‪.‬‬

‫وفي إطار التعرض الستئناف قرارات قاضي التحقيق نجد المشرع ينص في الفصل‬
‫‪ 240‬من ق م ج على انه يحق للوكيل العام للملك ان يستأنف لدى الغرفة الجنحية كل امر‬
‫قضائي يصدره قاضي التحقيق ومنها االمر بعدم المتابعة‪.‬‬

‫ولو ان المشرع كان هدفه عدم االفراج عن المتهم اال بصدور قرار االستئناف من‬
‫ألنه‬ ‫‪151‬‬
‫الغرفة الجنحية لما اتاح للمطالب بالحق المدني استئناف االمر القاضي بالمتابعة‪،‬‬
‫نص صراحه في الفصل ‪ " 207‬غير انه ال يستطيع في اية حال من االحوال ان يستأنف‬
‫امرا قضائيا أو مقتضيات من االمر القضائي يتعلق باعتقال المتهم‪ ،‬لكنه اباح له ذلك بعلة‬
‫ان المتهم يفرج عنه بمجرد صدور قرار قاضي التحقيق‪.‬‬

‫كما انه ال يمكن االحتجاج بالفصل ‪ 107‬من ق م ج للقول بان استئناف قرار قاضي‬
‫التحقيق بعدم المتابعة يترتب عنه بقاء المتهم رهن االعتقال ذلك ان هذا الفصل ينص على‬
‫انه يتعين االفراج عمن يأتي ذكرهم بالرغم من تقديم االستئناف‪.‬‬

‫المتهم بمجرد صدور الحكم بتبرئته أو بإعفائه أو حكم بالسجن مع تأجيل‬ ‫‪-1‬‬
‫التنفيذ أو الغرامة‪.‬‬

‫‪ - 149‬مراد عبد الفتاح‪ ،‬التحقيق الجنائي التطبيقي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.330 :‬‬
‫‪ - 150‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.220 :‬‬
‫‪ - 151‬إيمان خريشيش‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في الدعوى العمومية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.157 :‬‬

‫‪88‬‬
‫المتهم المحكوم عليه بعقوبة السجن بمجرد ما يقضي مدة سجنه"‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫ومما ال شك فيه ان هذا الفصل يتعلق باستئناف االحكام الصادرة عن المحاكم وال يتعلق‬
‫باستئناف قرار قاضي التحقيق مادام هذا االخير ليس من حقه ان يصدر حكم بالبراءة أو‬
‫االعفاء أو اال دانة الن ذلك من اختصاص هيئة الحكم التي تعد منفصلة عن هيئة التحقيق‬
‫‪152‬‬
‫تحقيقا لمبدأ الفصل بين سلطة الحكم والتحقيق وعدم جمعهما في يد واحدة‪.‬‬

‫ونشير إلى ان المشرع المغربي ينص في الفصل ‪ 351‬من ق م ج على أنه‪ " :‬كل‬
‫شخص ابرئت ساحته أو حكم بإعفائه ال يمكن ان يتابع من اجل نفس الوقائع ولو اتصفت‬
‫بصفة قانونية اخرى"‪ ،‬كما ينص الفصل ‪ 210‬من ق م ج على أن‪ " :‬المتهم الذي يقضي‬
‫التحقيق بان ال وجه لمتابعته ال يمكن ان يتابع من اجل نفس الفعل اال إذا ظهرت أدلة‬
‫جديدة"‪.‬‬

‫ومن قراءة الفصلين معا يتضح ان المشرع سوى في الحجية بين الحكم بالبراءة واالعفاء‬
‫والقرار القاضي بعدم المتابعة ذلك ان كال منهما يمنع من المتابعة من اجل نفس االفعال ورتب‬
‫المشرع على مجرد تصريح المحكمة بالبراءة أو االعفاء االفراج عن المتهم حاال رغم‬
‫استئناف النيابة العامة‪ ،‬لذلك فان التفسير القانوني السليم الذي ينسجم مع هذه النصوص هو‬
‫القول باإلفراج عن المتهم بمجرد صدور القرار القاضي بعدم المتابعة عن قاضي التحقيق‬
‫انسجاما مع اهداف وغايات المشرع في صيانة حقوق االنسان وفي محاربة االعتقال والشطط‬
‫‪153‬‬
‫التعسفي ذلك ان حقوق االنسان ال تقدر بثمن‪.‬‬

‫‪ -‬وبالنسبة لقرار قاضي التحقيق القاضي بعدم االختصاص‪.‬‬

‫في حالة صدور قرار بعدم االختصاص هل يترتب عنه االفراج عن المتهم رغم استئناف‬
‫النيابة العامة أو المطالب بالحق المدني‪.‬‬

‫‪ -‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪224 :‬‬ ‫‪152‬‬

‫‪ - 153‬محمد سعيد الوكيلي‪ ،‬قاضي التحقيق أمام المحكمة اإلبتدائية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.130 :‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ -1‬بالنسبة للمخالفات ينص الفصل م ق ج إذا رأى قاضي التحقيق ان االفعال لها صفة‬
‫تترتب عنها مخالفة فيحيل النازلة على المحكمة الضبطية ويأمر باإلفراج عن المتهم ان كان‬
‫معتقال‪ ،‬وعليه إذا تعلق االمر بمخالفة فيترتب عنه وبالضرورة وبصراحة الفصل امر السيد‬
‫قاضي التحقيق االفراج عن المتهم ان كان معتقال ولو في حالة االستئناف‪.‬‬

‫‪ -2‬بالنسبة للجنح والجنايات فان صدور قرار قاضي التحقيق القاضي بعدم االختصاص‬
‫يترتب عنه بقاء المتهم رهن االعتقال وإحالة الملف على المحكمة المختصة رغم االستئناف‪.‬‬

‫وما يزكي التفسير السالف الذكر كون المشرع نص في الفصل ‪ 200‬ق م ج وتحديدا‬
‫في الفقرة الثانية ويبقى االمر الصادر بإلقاء القبض على المتهم أو ايداعه في السجن ساري‬
‫المفعول إلى ان تبث في امره الغرفة الجنحية مما يفيد كون استئناف قرار قاضي التحقيق‬
‫يترتب عنه بقاء المتهم رهن االعتقال إذا تعلق االمر بجناية أو جنحة معاقب عنها بالحبس‪،‬‬
‫كما ان المشرع لم يأت بمثل هذه الفقرة في إطار القرار القاضي بعدم المتابعة مما يجعلنا‬
‫‪154‬‬
‫ننتصر لالتجاه القائل بوجوب االفراج عن المتهم رغم استئناف النيابة العامة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األثر الناشر الستئناف أوامر قاضي التحقيق‬

‫يعتبر األثر الناشر أو الناقل لالستئناف هو إعادة طرح القضية للمناقشة والبحث أمام‬
‫وبصيغة أخرى سمى هذا األثر‬ ‫‪155‬‬
‫الجهة االستئنافية في حدود العلل واألسباب المستأنفة‪،‬‬
‫بالناشر ألنه ينشر الدعوى أو القضية على محكمة الدرجة الثانية وتكون هذه األخيرة مقيدة‬
‫بالوقائع المطروحة على محكمة الدرجة األولى وال تتعداها أي تتقيد بحدود ما جاء في التقرير‪،‬‬
‫ويعني ذلك أيضا أنه يمنع على المحكمة االستئنافية إضافة وقائع أو تهم جديد لم تعرض في‬
‫‪156‬‬
‫البداية لكنها تستطيع أن تبحث في أدلة جديدة لم يسبق مناقشتها‪.‬‬

‫‪ - 154‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 226 :‬و‪.227‬‬
‫‪ - 155‬حاتم بكار‪ ،‬حماية حق المتهم في محاكمة عادلة دراسة تحليلية تأصيلية انتقادية مقارنة في ضوء التشريعات الجنائية‬
‫المصرية‪ -‬الليبية‪ -‬الفرسية‪ -‬األنجليزية‪ ،‬األسكندرية ‪ ، 1997 ،‬ص‪.1115 :‬‬
‫‪ - 156‬عبد السالم بنحدو‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.248 :‬‬
‫‪90‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي‬

‫يعد بطالن اإلجراءات التحقيق اإلعدادي من بين أهم الضمانات التي قررها القانون‬
‫لفرض تطبيق نصوص المسطرة الجنائية أثناء التحقيق اإلعدادي‪ ،‬هو المخالفة للقانون‪،‬‬
‫وباألخص تلك التي يترتب عنها المساس بحقوق الدفاع‪ ،‬فيما هي إذن الجهات المخول لها‬
‫حق إثارة هذا البطالن وكذا الجهة المختصة لتقريره؟ (الفقرة األولى)‪ ،‬وماهي الحالت التي‬
‫يترتب عليها البطالن؟ (الفقرة الثانية)‪ ،‬وما هي األثار القانونية التي تتربت عن إقرار البطالن‬
‫(الفقرة الثالثة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬طلب بطالت إجراءات التحقيق اإلعدادي والبت فيه‬

‫سنعمل من خالل هذه الفقرة على تبيان الجهات التي لها الحق في طلب بطالن إجراءات‬
‫التحقيق اإلعدادي (أوال)‪ ،‬ومن تم الجهات المختصة قانونا لتقرير بطالن إجراءات التحقيق‬
‫اإلعدادي (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الجهات المؤهلة لطلب البطالن‪:‬‬

‫بالرجوع إلى نص الفصل ‪ 191‬من قانون المسطرة الجنائية القديم نجده يحدد الجهات‬
‫التي لها حق طلب تقرير بطالن إجراء التحقيق في كل من قاضي التحقيق والنيابة العامة إال‬
‫أن الفقرة الثانية من الفصل ‪ 211‬من قانون المسطرة الجنائية الحالي خول هذا الحق أيضا‬
‫إلى كل من المتهم والطرف المدني‪.‬‬

‫وهكذا إذا ظهر لقاضي التحقيق أن إجراء من اإلجراءات التحقيق معرض للبطالن فعليه‬
‫أن يحيله إلى الغرفة الجنحية للبت فيه بعد استشارة النيابة العامة وإخبار المتهم والطرف‬
‫المدني‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫أما إذا ظهر للنيابة العامة أو المتهم أو للطرف المدني أن إجراء مشبوبا بالبطالن قد‬
‫اتخذ فلهم أن يطلبوا من قاضي التحقيق أن يوجه ملف الدعوة إلى النيابة العامة إلحالته إلى‬
‫الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف رفقة الطلب الذي يبينون فيه أسباب البطالن خالل خمسة‬
‫‪157‬‬
‫أيام‪.‬‬

‫وتقرر الغرفة الجنحية ما إذا كان يجب أن يقتصر على اإلجراء المقصود أو يمتد كال‬
‫أو بعضا لإلجراءات الالحقة‪.‬‬

‫والمعيار في التصريح ببطالن اإلجراءات الالحقة لإلجراء المعيب هو أن تكون هذه‬


‫اإلجراءات مرتبطة به ومترتبة أو ناتجة عنه‪ ،‬طبقا للقاعدة التي تقول إن ما بني على الباطل‬
‫باطل‪ ،‬أما إذا كانت اإلجراءات الالحقة مستقلة عن اإلجراء المعيب وال تأثير له عليها‪ ،‬فإنه‬
‫‪158‬‬
‫ال مبرر للتصريح ببطالنها‪.‬‬

‫ويظهر أن قاضي التحقيق ال يملك صالحية إلغاء أي جزء من اإلجراءات التي يكون‬
‫قد اتخذها‪ ،‬ولو تأكد له فيما بعد بطالنها‪ ،‬وإنما الغرفة الجنحية هي التي تملك ذلك‪ ،‬ولكن‬
‫يجب التنبيه إلى أن قاضي التحقيق قد ال يلجأ إلى مسطرة طلب إعالن البطالن من الغرفة‬
‫الجنحية إذا تنازل عنه من هو مقرر لمصلحته‪ ،‬شريطة أن يكون هذا التنازل صريحا‬
‫وبحضور محاميه أو بعد استدعائه قانونا ‪ .159‬هذا التنازل يجب عرضة على الغرفة‬
‫الجنحية‪.‬‬

‫والمالحظ أن نص الفقرة األولى من المادة ‪ 211‬المشار إليها أعاله استعمل عبارة‬


‫"فعلية" التي تفيد الوجوب واإللزام‪ ،‬وهو ما يفرض حسب وجهه نظرنا على قاضي التحقيق‬
‫بمجرد أن يتبين له أن إجراء من إجراءات التحقيق معرض للبطالن أن يحيله على الغرفة‬
‫‪160‬‬
‫الجنحية لتقرر في شأنه‪.‬‬

‫‪ - 157‬محمد حكيم‪ ،‬تأمالت في قضاء التحقيق بين الممارسة والتطبيق‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.163 :‬‬
‫‪ - 158‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.292 :‬‬
‫‪ ّ- 159‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.90 :‬‬
‫‪ - 160‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.230 :‬‬
‫‪92‬‬
‫ثانيا‪ :‬الجهة المختصة لتقرير بطالن إجراءات التحقيق‪:‬‬

‫طبقا لنص المادة ‪ 211‬من قانون المسطرة الجنائية تختص الغرفة الجنحية بمحكمة‬
‫االستئناف في إعالن بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي‪ ،‬إلى جانب اختصاصها للبت في‬
‫تنازل المتهم أو الطرف المدني عن ادعاء البطالن المقرر لفائدته عمال بنص الفقرة األخيرة‬
‫من المادة ‪ 210‬من نفس القانون‪.‬‬

‫وتنظر الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف وهي مكونة من الرئيس األول أو من ينوب‬
‫عنه ومن مستشارين بحضور ممثل النيابة العامة وكاتب الضبط‪ ،‬في طلبات بطالن إجراءات‬
‫التحقيق المنصوص عليها في المواد من ‪ 210‬إلى ‪ ،213‬وذلك طبقا للمادة ‪ 213‬من قانون‬
‫المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫ولإلشارة فإنه عند ما يرفع ملف التحقيق إلى الغرفة الجنحة عن طريق االستئناف ال‬
‫يوجد نص صريح يخولها حق إعالن البطالن وقد يبدو والحالة هذه أن ال تكون لها صالحية‬
‫التعرض لإلجراء الباطل‪ ،‬عمال بالمبدأ الذي يقيد صالحيات الهيئة القضائية األعلى درجة‬
‫بموضوع الطعن المرفوع إليها‪ ،‬فال تتعداه إلى إثارة أسباب أخرى مادام ذوو المصلحة من‬
‫األطراف لم يثيرها‪ .‬وهكذا إذا طعن المطالب بالحق المدني مثال في أحد أوامر قاضي التحقيق‬
‫أمام الغرفة الجنحية فقد يبدو من المستبعد أن تثير الغرفة الجنحية بطالن إجراء للتحقيق مس‬
‫‪161‬‬
‫بمصالح الظنين‪.‬‬

‫أنه للغرفة الجنحة صالحية اإلثارة التلقائية لبطالن‬ ‫‪162‬‬


‫لكن مع ذلك يؤكد البعض‬
‫إجراءات التحقيق في حالة رفع الملف أمامها نتيجة الطعن في أحد أوامر قاضي التحقيق‪،‬‬
‫وإذا اقتصرت الغرفة الجنحية في إبطال جزء من اإلجراءات فيمكنها أن تأمر إما بأجراء‬

‫‪ -‬محمد حكيم‪ ،‬تأمالت في قضاء التحقيق بين الممارسة والتطبيق‪،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.166 :‬‬ ‫‪161‬‬

‫‪ -‬أحمد الخمليشي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪367 :‬‬ ‫‪162‬‬

‫‪93‬‬
‫تحقيق تكميلي‪ ،‬وإما بإحالة الملف إلى القاضي المكلف بالتحقيق‪ ،‬أو إلى أحد قضاة التحقيق‬
‫‪163‬‬
‫لمتابعة إجراءات البحث‪.‬‬

‫أما إذا تبين من اإلبطال الكلي للمسطرة‪ ،‬أن هذه األخيرة كانت معيبة من بدايتها‪ ،‬فإن‬
‫الغرفة الجنحة تحيل المسطرة إلى النيابة العامة لتتخذ في شأنها ما تراه مناسبا‪ ،‬وتبت في شأن‬
‫االعتقال االحتياطي أو المراقبة القضائية‪.‬‬

‫وقد طرح تساؤل حول الحالة التي ال يكتشف فيها بطالن إجراء من إجراءات التحقيق‬
‫إال بعد صدور قرار قاضي التحقيق باإلحالة على المحكمة المختصة‪.‬‬

‫المالحظ أن قانون المسطرة الجنائية الجديد لم يتضمن مقتضيات مماثلة لنص المادة‬
‫‪ 194‬من قانون المسطرة الجنائية القديم والتي جاء فيها على "أنه إذا كان األمر يتعلق بالنظر‬
‫في جنح أو مخالفات جاز للمحاكم المرفوعة إليها النازلة أن تصدر بعد االستماع إلى أقوال‬
‫النيابة العامة والمترافعين حكما بإبطال الوثائق غير الصحيحة‪ ،‬وأن يقرر ما إذا كان يجب‬
‫امتداد البطالن إلى اإلجراءات الموالية لها كال أو بعضا"‬

‫أن لغرفة الجنايات أن تثير البطالن ولو تلقائيا بالرغم من عدم‬ ‫‪164‬‬
‫وهذا ويرى الفقه‬
‫النص على ذلك صراحة بمقتضى المادة ‪ 194‬المشار إليها‪ .‬وبعد أن تقرر الغرفة الجنحية‬
‫بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي تسحب من الملف وثائق اإلجراءات التي أبطلت وتحفظ‬

‫‪ - 163‬المادة ‪ 239‬من ق م ج ‪" :‬إذا أحيل إلى الغرفة الجنحية طلب بإبطال إجراء من إجراءات التحقيق‪ ،‬فإنها تصرح‪ ،‬إذا‬
‫كان لذلك موجب‪ ،‬ببطالن اإلجراء المعيب‪ ،‬وإن اقتضى الحال ببطالن اإلجراءات التي تليه كال أو بعضا‪ ،‬طبقا لما هو‬
‫منصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة ‪ 211‬أعاله‪.‬‬
‫إذا اقتصرت الغرفة على إبطال جزء من اإلجراءات‪ ،‬فيمكنها أن تأمر إما بإجراء تحقيق تكميلي طبق الشروط المنصوص‬
‫عليها في المادة ‪ 238‬أعاله‪ ،‬وإما بإحالة الملف إلى القاضي المكلف بالتحقيق أو إلى أحد قضاة التحقيق لمتابعة‬
‫إجراءات البحث‪.‬‬
‫إذا تبين من اإلبطال الكلي للمسطرة‪ ،‬أن هذه األخيرة كانت معيبة من بدايتها‪ ،‬فإن الغرفة الجنحية تحيل المسطرة إلى‬
‫النيابة العامة لتتخذ في شأنها ما تراه مناسباً‪ ،‬وتبت في شأن االعتقال االحتياطي أو المراقبة القضائية‪.".‬‬
‫‪ - 164‬احمد الخمليشي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.645 :‬‬
‫‪94‬‬
‫في كتابة الضبط بمحكمة االستئناف ويمنع الرجوع إليها الستخالص أدلة ضد األطراف‪،‬‬
‫‪165‬‬
‫تحت طائلة متابعات تأديبية في حق القضاة والمحامين‪.‬‬

‫‪ - 165‬المادة ‪ 213‬من ق م ج‪ ":‬تسحب من ملف التحقيق وثائق اإلجراءات التي أبطلت وتحفظ في كتابة الضبط بمحكمة‬
‫االستئناف‪ ،‬ويمنع الرجوع إليها الستخالص أدلة ضد األطراف في الدعوى‪ ،‬تحت طائلة متابعات تأديبية في حق القضاة‬
‫والمحامين‪.".‬‬
‫‪95‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬حاالت بطالن أوامر قاضي التحقيق‬

‫حدد المشرع المغربي بموجب نص المادتين ‪ 210‬و‪212‬من قانون المسطرة الجنائية‬


‫المقتضيات القانونية التي يترتب البطالن على مخالفتها‪.‬‬

‫فحسب نص المادة ‪ 210‬يترتب البطالن في حالة مخالفة مقتضيات المادتين‬


‫‪134‬و‪ 135‬من قانون المسطرة الجنائية المنظمتان لحضور االستنطاق‪ .‬والمادة ‪139‬‬
‫المتعلقة بحضور المحامي أثناء االستنطاق والمواجهات والمواد ‪59‬و‪ 60‬و‪ 62‬و‪101‬‬
‫المنظمة للتفتيش‪.‬‬

‫فالمادة ‪ 210‬حددت ثالث فئات من اإلجراءات الشكلية والموضوعية التي يترتب عن‬
‫خرقها بطالن اإلجراءات المعيبة واإلجراءات الموالية لها‪ ،‬مع مراعاة تقدير مدى هذا البطالن‬
‫من طرف الغرفة الجنحية‪ ،‬التي لها أن تقرر ما إذا كان يجب أن يقتصر البطالن على اإلجراء‬
‫‪166‬‬
‫المقصود أو يمتد كال أو بعضا لإلجراءات الالحقة له‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى حاالت البطالن المحدد في نص المادة ‪ ،212‬فإن البطالن يترتب كذلك‬
‫على خرق المقتضيات الجوهرية للمسطرة‪ ،‬إذا كانت نتيجتها المساس بحقوق الدفاع لكل‬
‫طرف من األطراف‪.‬‬

‫ويمكن للمتهم أو الطرف أن يتنازل عن ادعاء البطالن المقرر لفائدته‪ ،‬لكن تنازل المتهم‬
‫ال يقبل إال بحضور محاميه أو بعد استدعائه قانونا‪ ،‬ويتعين أن يكون التنازل سواء كان من‬
‫قبل المتهم أو الطرف المدني صريحا‪ ،‬ويعرض هذا التنازل على الغرفة الجنحية طبقا‬
‫لإلجراءات المحدد في المادة ‪ 211‬من قانون المسطرة الجنائية‬

‫أن هذا النوع من حاالت البطالن يضم أسبابا وإن كان القانون هو‬ ‫‪167‬‬
‫ويرى البعض‬
‫الذي يؤطرها (الفصل ‪ 192‬من قانون المسطرة الجنائية القديم والمادة ‪ 212‬من قانون‬

‫‪ - 166‬حسب نص الفقرة الثلث من المادة ‪ 211‬م ق‪.‬م‪.‬ج‪ ":.‬تقرر هذه الغرفة ما إذا كان يجب أن يقتصر البطالن على‬
‫اإلجراء المقصود أو يمتد كال أو بعضا لإلجراءات الالحقة‪.".‬‬
‫‪ - 167‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح المسطرة الجنائية‪ ،‬نفس مرجع سابق‪ ،‬ص‪.80 :‬‬
‫‪96‬‬
‫المسطرة الجنائية الحالي)‪ ،‬إال أن القضاء هو الذي يعطيها الحركية‪ ،‬ولذالك يسمها بعض الفقه‬
‫أسباب البطالن القضائي‪ ،‬فيقرر القضاء بأن إجراءها جوهري وماس بحقوق الدفاع أو العكس‬
‫بأن إجراء ما وإن كان جوهريا فإنه ال يمس بحقوق الدفاع‪.‬‬

‫ويعطي الفقه أمثلة على هذا النوع من البطالن بعدم احترام قاضي التحقيق الختصاصه‬
‫المكاني أو عدم استنطاقه للمتهم أصال خالل التحقيق اإلعدادي‪ ،‬أو اتصاله بالتحقيق بملتمس‬
‫بإجرائه غير موقع عليه من قبل الوكيل العام للملك أو من يمثله‪ ،‬أو إصداره إلنابة قضائية‬
‫عامة يكلف بها غيره من قضاة أو ضباط الشرطة القضائية بإنجاز عمليات التحقيق‬
‫برمتها‪.168‬‬

‫وقد جاء في قرار للمجلس األعلى أن "أداء اليمين من طرف المترجم شكلية جوهرية‬
‫تمس عدم مراعاتها بحقوق الدفاع‪ ،‬ولتمكن المجلس األعلى من مراقبة ما كانت قد تمت‬
‫االستجابة للنصوص القانونية‪ ،‬يجب أن تشمل المسطرة اإلشارة إلى أداء اليمين أو أن تبين‬
‫‪169‬‬
‫أن المترجم محلف"‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫ويذهب الفقه إلى تقسيم أسباب البطالن إلى نوعين‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬أسباب البطالن القانوني‪ ،‬وهي التي تعرض لها القانون بالنص وتشكل‬
‫الحاالت المنصوص عليها في المواد ‪ 127‬و‪ 128‬و‪ 132‬من قانون المسطرة الجنائية القديم‬
‫و‪ 134‬و‪135‬و ‪ 59‬و‪ 60‬و‪ 62‬و‪ 101‬و‪ 139‬من قانون المسطرة الجنائية الجديد‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬أسباب البطالن القضائي وهي ترجع إلى القانون من حيت المصدر ولكنها‬
‫اجتهادية من الناحية التطبيقية‪ ،‬ومعيار التعرف على هذه األسباب هو أن يكون اإلجراء‬

‫‪ - 168‬من هذه األمثلة كذلك عدم تبليغ األوامر القضائية التي يصدرها قاضي التحقيق للخصوم لكي يمارسوا حقهم في‬
‫استئنافها انظر – عبد الوهاب حوميد‪ ،‬الوجيز في المسطرة الجنائية المغربية‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪ :‬من ‪ 262‬إلى‬
‫‪.263‬‬
‫‪ - 169‬قرار رقم ‪ 786‬مؤرخ في ‪ 1960-11-23‬مجموعة قرارات الغرفة الجنائية‪ ،‬المجموعة الثانية الصفحة ‪– 189‬‬
‫أورده‪ ،‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح المسطرة الجنائية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،89-88 :‬الهامش ‪.16‬‬
‫‪ - 170‬أحمد الخملبشي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.365 :‬‬
‫‪97‬‬
‫جوهريا وأن يؤدي خرقه إلى المس بحقوق الدفاع للنيابة العامة أو للطنين أو للمطالب بالحق‬
‫المدني‪.‬‬

‫وقد ميز جانب من الفقه‪ 171‬بين البطالن المطلق والبطالن النسبي‪ ،‬فحسب هذا االتجاه‬
‫يهدف البطالن المطلق إلى تحقيق مصلحة عامة رأى المشرع أن المساس بها مساس بالنظام‬
‫العام‪ ،‬ويمكن لمن له مصلحة فيه أن يتمسك به في أي مرحة من مراحل الدعوى وال يجوز‬
‫االتفاق على ما يخالفه‪ ،‬ويتعين على قاضي التحقيق أن يثيره من تلقاء نفسه‪ .‬واإلجراءات التي‬
‫اعتبرها المشرع من النظام العام هي المشار إليها في الفصل ‪ 190‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية القديم‪ ،‬المادة ‪ 210‬من قانون المسطرة الجنائية الحالي‪.‬‬

‫أما البطالن النسبي فإنه يهدف إلى تحقيق مصلحة أحد األطراف في الدعوة ويمكن‬
‫التنازل عنه صراحة وال يثيره قاضي التحقيق من تلقاء نفسه‪ ،‬ولئن كان قانون المسطرة‬
‫الجنائية نص على القيام ببعض اإلجراءات بصبغة الوجوب واعتبر عدم احترامها مساسا‬
‫‪172‬‬
‫بحق الدفاع فإن البعض اآلخر يبقى خاضعا لالجتهاد‪.‬‬

‫‪ - 171‬طارق السباعي‪ ،‬قانون المسطرة الجنائية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مطبعة الصومعة‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪ ،1994‬ص‪93-87 :‬‬
‫‪ - 172‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.166 :‬‬

‫‪98‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬أثار بطالن أوامر قاضي التحقيق‬

‫اذا كان المشرع قد ميز بين حاالت البطالن اعتبارا لمعيار طبيعة االجراء المتخذ من‬
‫طرف قاضي التحقيق هل هو اجراء جوهري يعتبر من النظام العام‪ ،‬أم انه مجرد اجراء‬
‫شكلي غير جوهري وبالتالي ال تكون له نفس أهمية االجراء األول‪ ،‬فانه اعتمد نفس‬
‫االزدواجية على مستوى االثار القانونية للبطالن‪.‬‬

‫أوال‪ :‬بخصوص بطالن اإلجراءات األساسية‬

‫رتب المشرع المغربي صراحة بطالن االجراء الذي لم ينجز وفق ما هو مطلوب‪،‬‬
‫ورتب بطالن االجراء المعيب وكذا بطالن كافة اإلجراءات الالحقة له وان تم إنجازها بصفة‬
‫سليمة‪ ،‬كما هو االمر بخصوص المادة ‪ 63‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ 173،‬ولعل اختيار المشرع لهذا الحل‬
‫الجذري يعود الى ايمانه بضرورة واهمية هذه اإلجراءات‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬بخصوص بطالن اإلجراءات غير الجوهرية‬

‫على خالف خرق اإلجراءات األساسية التي يترتب عنها بطالن االجراء المعيب‬
‫واإلجراءات التي تليه‪ ،‬فانه بالنسبة لإلجراءات التي ال توصف بالجوهرة أو من النظام العام‪،‬‬
‫فان المشرع ترك تطبيق مقتضيات المادة ‪ 210‬و‪ 211‬من ق‪.‬م‪.‬ج للقضاة صالحية تقرير ما‬
‫اذا كان يجب ترتيب أثر بطالن اإلجراءات المنجزة الالحقة باإلجراء المعيب الذي تم تقرير‬
‫بطالنه‪ ،‬أي تحال حاالت البطالن طبقا للمادتين المذكورتين على الغرفة الجنحية بمحكمة‬

‫‪ - 173‬المادة ‪ 63‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج‪" :.‬يعمل باإلجراءات المقرر في المواد ‪ 60 ،59‬و‪ 62‬أعاله تحت طائلة بطالن االجراء‬
‫المعيب وما قد يترتب عنه من إجراءات"‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫االستئناف التي تقرر ما اذا كان البطالن مقصورا على االجراء الفاسد أو يمتد الى اإلجراءات‬
‫‪174‬‬
‫الالحقة كال أو بعضا‪.‬‬

‫والمعيار المعتمد في التصريح ببطالن اإلجراءات الالحقة لإلجراءات المعيب هو ان‬


‫تكون هذه اإلجراءات مرتبطة به ومترتبة أو ناتجة عنه‪ ،‬عمال بقاعدة "ما بني على باطل فهو‬
‫باطل"‪ ،‬اما اذا كانت اإلجراءات الالحقة مستقلة عن االجراء المعيب وال تأثير له عليها‪ ،‬فانه‬
‫ال مبرر للتصريح ببطالنه‪ ،‬اما اذا احيل المقرر على الغرفة الجنحية بقصد ابطاله‪ ،‬فقامت‬
‫هذه األخيرة بتأييده‪ ،‬يصبح بعد هذا التأييد ساري المفعول وينتج جميع اثاره القانونية‪ 175‬طبقا‬
‫‪176‬‬
‫للمادة ‪ 240‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬‬

‫ولإلشارة‪ ،‬فانه ال يجوز الدفع ببطالن إجراءات التحقيق بعدى صدور قرار الغرفة‬
‫‪177‬‬
‫الجنحية المتعلقة باإلحالة على هيئة الحكم وهو ما نصت عليه المادة ‪ 227‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج‪.‬‬

‫نستخلص مما سبق‪ ،‬أن قوة أثر البطالن تختلف باختالف حالتي البطالن اللتين يعرفهما‬
‫قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬وهكذا فان حاالت البطالن المقرر بقوة القانون تلغي االجراء المعيب‬
‫وما يليه من اإلجراءات‪ ،‬اما حاالت البطالن القضائي الناجمة عن خرق اجراء جوهري يمس‬
‫حقوق الدفاع فيترك تقدير قوة تأثيرها للجهة التي تقرر البطالن‪.‬‬

‫اما فيها يتعلق بمصير ما تم استخالصه من أدلة ونتائج عم هذا االجراء المعيب‪،‬‬
‫واإلجراءات التي تليه حالة بطالنها بقوة القانون أو بناء على السلطة التقديرية للقضاة‪ ،‬فانه‬
‫يترتب قانونيا استبعاد كافة الوثائق واألدلة المتعلقة بملف الدعوى ويجب حفظها لدى كتابة‬
‫بل يمنع المشرع صراحة الرجوع اليها ألجل استعمالها‬ ‫‪178‬‬
‫الضبط بمحكمة االستئناف‪،‬‬

‫‪ - 174‬دوارد غالي الذهبي‪ ،‬اإلجراءات الجنائية في التشريع المصري‪ ،‬مكتبة غريب الطبعة الثانية‪ ،1990 ،‬ص‪.220 :‬‬
‫‪ - 175‬الحبيب البيهي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.366 :‬‬
‫‪ - 176‬المادة ‪ 240‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ " :.‬يكون للمقرر المحال إلى الغرفية الجنحية مفعوله التام إذا أيدته هذه الغرفة"‪.‬‬
‫‪ - 177‬المادة ‪ 227‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪" :.‬ال يمكن إثارة الدفع ببطالن إجراءات التحقيق بعد صدور قرار الغرفة الجنحية القاضي‬
‫باإلحالة على هيئة الحكم"‪.‬‬
‫‪ - 178‬محمد أحداف‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص‪.521 :‬‬
‫‪100‬‬
‫واستخالص دليل أو أدلة ضد أحد أطراف الملف وذلك تحت طائلة المتابعات التأديبية في حق‬
‫‪179‬‬
‫القضاة والمحامين‪ ،‬هذا ما قررته المادة ‪ 213‬من ق‪ .‬م‪ .‬ج‪.‬‬

‫البد أن نشير في ختام تطرقنا الى موضوع بطالن إجراءات التحقيق ان اثارة هذا الطعن‬
‫ال يكون وقت نظر الغرفة الجنحية في الموضوع‪ ،‬وهو االمر الذي سارت عليه الغرفة الجنحية‬
‫بالدار البيضاء في أحد قراراتها‪ ،‬حيث جاء في حيثياته أنه‪" :‬حيث ان الطعن في إجراءات‬
‫التحقيق يكون امام الغرفة الجنحية التي حلت محل غرفة االتهام‪ ،‬وال يمكن اثارته وقت‬
‫النظر في الموضوع‪.‬‬

‫وإذا كانت الغرفة الجنحية منتصبة للبث في موضع التهمة بناء على قرار اإلحالة‪،‬‬
‫التحقيق‪180."...‬‬ ‫فإنها ال تكون مخولة للنظر في نفس الوقت في صحة إجراءات‬

‫‪ - 179‬المادة ‪ 213‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪" :‬تسحب من ملف التحقيق وثائق اإلجراءات التي أبطلت وتحفظ في كتابة الضبط بمحكمة‬
‫االستئناف‪ ،‬ويمنع الرجوع إليها لالستخالص أدل ضد األطراف في الدعوى‪ ،‬تحت طائلة متابعات تأديبية في حق القضاة‬
‫والمحامين"‪.‬‬
‫‪ - 180‬قرار في ملف عدد ‪ 2003/1353‬الصادر بتاريخ ‪ 2003/03/26‬عن الغرفة الجنحية لدى محكمة االستئناف بالدار‬
‫البيضاء‪ ،‬منشور بمجلة المحاكم المغربية‪ ،‬عدد ‪ ،98‬ص‪.182 :‬‬
‫‪101‬‬
‫الخاتمة‬

‫ختما ال يسعنا القول إال أن قاضي التحقيق من الوجوه البارزة في المنظومة القضائية‬
‫الجنائية المغربية‪ ،‬بحيث استمد هذه الميزة بالدرجة األولى من خصوصياته التي يتميز بها في‬
‫ظل قانون المسطرة الجنائية المغربي‪ ،‬فإذا كان المشرع المغربي أقر بإلزامية التحقيق‬
‫اإلعدادي في حالة الجنح بنص خاص في القانون وفي الجنح المتعلقة بالقتل الخطأ في حوادث‬
‫السير المميتة‪ ،‬فإن هذا ال يحد من الصالحيات الواسعة الموكولة لهذا القاضي‪ ،‬الذي بمجرد‬
‫وضع يده على القضية‪ ،‬يمكنه أن يتخذ أي إجراء يراه ضروريا لكشف الحقيقة وإيقاع العقاب‬
‫على الجاني‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس ميزنا في إجراءات التحقيق بين اإلجراءات المتعلقة بجمع األدلة‬
‫والتنقيب عنها‪ ،‬وبين األوامر التي تهم األشياء وكذا المتهم‪ ،‬والتي اعتبرناها سلطات لقاضي‬
‫التحقيق في العمل القضائي‪ ،‬إذ قيد المشرع هذه السلطة باالستئناف والمراقبة‪ ،‬بحيث خول‬
‫لكل من النيابة العامة والمتهم والمطالب بالحق المدني‪ ،‬استئناف أوامر قاضي التحقيق‪ ،‬ومن‬
‫جهة أخرى أخضع عمل قاضي التحقيق للرقابة من طرف الغرفة الجنحية‪.‬‬

‫كما استنتجنا من خالل هذه الدراسة‪ ،‬أن الواقع العملي يطرح وبحدة‪ ،‬إمكانية وجود‬
‫اختالفات قانونية بين جهاز النيابة العامة وأوامر قاضي التحقيق‪ ،‬وهو ما لم يغفل عن تنظيمه‬
‫المشرع‪ ،‬إذ بادر إلى وضع نصوص قانونية توضح الجهة المختصة للبت في هذا االختالف‪،‬‬
‫وجعل للغرفة الجنحية القول الفصل بين قرارات قاضي التحقيق‪ ،‬وملتمسات النيابة العامة‬
‫الرامية عكس منحى قاضي التحقيق ‪ ،‬حيث إن هذه الغرفة بحكم االختصاص المخول إليها قد‬
‫تلغي قرارات قاضي التحقيق جزئيا أو كليا‪ ،‬وقد تؤيدها وترفض استئناف النيابة العامة أو أي‬
‫طرف أخر في الدعوى‪ ،‬سواء انتهى التحقيق فيها أو لم ينتهي ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫وفي معرض دراستنا هذه‪ ،‬وقفنا على تضارب اآلراء والنقاشات الفقهية والقضائية حول‬
‫طبيعة هذه الرقابة التي تمارسها الغرفة الجنحية على عمل قاضي التحقيق‪ ،‬ونوعية العالقة‬
‫التي تربط بين هاتين الجهتين‪ ،‬لنصل إلى فكرة مفادها أن عالقة قاضي التحقيق بالغرفة‬
‫الجنحية هي في األصل عالقة تكاملية‪ ،‬تنقسم إلى شقين أساسيين‪ ،‬يتعلق الشق األول بالرقابة‬
‫القضائية‪ ،‬حيث تمارس الغرفة المذكورة هذا االختصاص باعتبارها جهة استئنافية لكل ما‬
‫يتخذه قاضي التحقيق من إجراءات وأوامر صادرة أثناء سريان التحقيق‪ ،‬أو بشأن انتهاء‬
‫التحقيق وشق ثاني يشمن المسار السليم والعادي للقضايا المعروض على قضاة التحقيق‪،‬‬
‫انطالقا من تظهير إجراءات التحقيق من كل الشوائب التي يمكن أن تؤدي بها إلى البطالن‪،‬‬
‫باإلضافة إلى البث في طلبات اإلفراج المؤقت المقدمة لها مباشرة وفق شروط معينة‪ ،‬وكذا‬
‫الوضع تحت تدابير المراقبة القضائية‪.‬‬

‫وقد خلصنا من خالل هذه الدراسة المتواضعة إلى مجموعة من المالحظة والتوصيات‬
‫التي نجملها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬لن يكتمل اإلصالح العميق والشامل للمنظومة القضائية بالمغرب إال بتأهيل‬
‫العنصر البشري‪ ،‬وفي مقدمتهم قضاة التحقيق بالزيادة في عددهم داخل المحاكم‪ ،‬لكي ال‬
‫يتم إرهاقهم بالملفات الكثيرة‪ ،‬مما يضطر معه قاضي التحقيق إلى االعتماد الكلي على‬
‫أبحاث الشرطة القضائية‪ ،‬بشكل تفقد معه مرحلة التحقيق مغزاها وتنحرف عن الدور‬
‫المخصص لها‪.‬‬
‫‪ ‬ضرورة توسيع نطاق التحقيق اإلعدادي بالرجوع إلى إلزامية التحقيق في جميع‬
‫الجنايات‪ ،‬على غرار المشرع الفرنسي الذي أقر وجوبية التحقيق في جميع الجنايات‪،‬‬
‫وعدم التذرع بقلة العنصر البشري‪ ،‬الذي ال يمكن أن يعلق عليه هذا التنصيص في الجرائم‬
‫الواجب التحقيق فيها‪.‬‬
‫‪ ‬إن المدة المخصصة لمزاولة قاضي التحقيق لمهامه والمحددة في ثالث سنوات‬
‫‪ ،‬تبقى غير كافية‪ ،‬حيث كان على المشرع اإلبقاء على قاضي التحقيق بمنصبه لمدة أطول‬

‫‪103‬‬
‫منها‪ ،‬خصوصا وأن إعفائه كون بنفس طريقة تعيينه‪ ،‬ألن بقائه في منصبه يمكنه من‬
‫اكتساب خبرة وتجربة ميدانية تساعده في أداء مهامه على أحسن وجه‪.‬‬
‫‪ ‬تعيين وإعفاء قضاة التحقيق يكون من طرف وزير العدل وهذا فيه نوع من‬
‫المساس باستقاللهم‪ ،‬لذلك يجب على المشرع أن ينيط ذلك بجهة قضائية ممثلة في المجلس‬
‫األعلى للسلطة القضائية ضمانا لشفافية ومصداقية قرار اإلعفاء‪.‬‬
‫‪ ‬التأكد الصريح بأن التحقيق ملزم باألفعال الواردة في ملتمس النيابة العامة‬
‫وليس باألشخاص الواردة أسماؤهم في الملتمس المذكور‪ ،‬حيث يجوز لقاضي التحقيق‬
‫توجيه المتابعة إلى أشخاص لم ترد أسماؤهم في ملتمس النيابة العامة الرامي إلى فتح‬
‫التحقيق‪.‬‬
‫‪ ‬للغرفة الجنحية دور قضائي مهم وهو ما يدعو إلى منحها صالحيات واسعة‬
‫لكونها بمثابة الحكم أو الفيصل بين النيابة العامة وقاضي التحقيق‪ ،‬والتنصيص صراحة‬
‫علة أن الغرفة الجنحية مؤهلة للبت في تطهير إجراءات التحقيق من البطالن من تلقاء‬
‫نفسها‪ ،‬عندما يعرض عليها الملف أثناء تقديم االستئناف‪ ،‬وعدم االقتصار على ملتمسات‬
‫قاضي التحقيق والنيابة العامة والمتهم بخصوص البطالن‪.‬‬
‫‪ ‬تدعيم دور رئيس الغرفة الجنحية لما له من أهمية كبيرة لمراقبة أعمال التحقيق‪،‬‬
‫خصوصا فيما يتعلق بزيارة المؤسسات السجنية والتحقق من سالمة تطبيق إجراء‬
‫االعتقال االحتياطي‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫الئحة المراجع‬

‫الكتب العامة‪:‬‬

‫‪ ‬أحمد الخمليشي‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مطبعة المعارف‬
‫الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة الخامسة‪.1999 ،‬‬
‫‪ ‬أحمد فتحي سرور‪ ،‬الوجيز في قانون اإلجراءات الجنائية‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪.1982 ،‬‬
‫‪ ‬احمد قيلش‪ ،‬مجيدي السعدية‪ ،‬سعاد حميدي‪ ،‬محمد زنون‪ ،‬الشرح العملي‬
‫لقانون المسطرة المدنية‪ ،‬مكتبة امنية – الرباط‪ ،‬الطبعة الثانية‪.2016 ،‬‬
‫‪ ‬العلمي عبد الواحد‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة الخامسة‪.2017 ،‬‬
‫‪ ‬حاتم بكار‪ ،‬حماية حق المتهم في محاكمة عادلة دراسة تحليلية تأصيلية انتقادية‬
‫مقارنة في ضوء التشريعات الجنائية المصرية – الليبية – الفرنسية ‪ -‬اإلنجليزية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.1997 ،‬‬
‫‪ ‬حسن صادق المرصفاوي‪ ،‬في أصول اإلجراءات الجنائية‪ ،‬منشأة المعارف‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬طبعة ‪.1996‬‬
‫‪ ‬دوارد غالي الذهبي‪ ،‬اإلجراءات الجنائية في التشريع المصري‪ ،‬مكتبة غريب‬
‫الطبعة الثانية‪.1990 ،‬‬
‫‪ ‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬وزارة العدل‪ ،‬سلسلة الشروح‬
‫والدالئل‪ ،‬عدد‪ ،2‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ ‬طارق السباعي‪ ،‬قانون المسطرة الجنائية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬الجزء األول‪،‬‬
‫مطبعة الصومعة‪ ،‬الطبعة الثانية‪.1994 ،‬‬

‫‪105‬‬
‫‪ ‬عبد السالم بنحدو‪ ،‬الوجيز في شرح المسطرة الجنائية المغربية‪ ،‬مطبعة‬
‫أسبارطيل‪ ،‬طنجة‪.2013 ،‬‬
‫‪ ‬عبد الوهاب حوميد‪ ،‬الوجيز في المسطرة الجنائية المغربية‪ ،‬كتبة التومي‪،‬‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط‪.1983 ،‬‬
‫‪ ‬محمد أحذاف‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬سجلماسة‬
‫للطبع والنشر‪ ،‬مكناس‪ ،‬الطبعة الثانية‪.2005 ،‬‬
‫‪ ‬محمد السعيد رمضان‪ ،‬مبادئ قانون اإلجراءات الجنائية‪ ،‬الجزء األول‪،‬‬
‫القاهرة‪.1993 ،‬‬
‫‪ ‬محمد عوض‪ ،‬قانون اإلجراءات الجنائية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار المطبوعات‬
‫الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬
‫‪ ‬محمد عياظ‪ ،‬دراسة في المسطرة الجنائية المغربية‪ ،‬الناشر شركة بابل للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪.1991،‬‬

‫الكتب الخاصة‪:‬‬

‫‪ ‬أحمد الخمليشي‪ ،‬تشريعات قاضي التحقيق في الدول العربية‪ ،‬المركز العربي‬


‫للبحوث القانونية والقضائية‪ ،‬الرباط‪.1989 ،‬‬
‫‪ ‬أحمد بوسقيعة‪ ،‬التحقيق القضائي‪ ،‬دار الحكمة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬
‫‪.2008‬‬
‫‪ ‬شريف سيد كامل‪ ،‬سرية التحقيق االبتدائي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪.1996 ،‬‬
‫‪ ‬عبد اإلله أحمد‪ ،‬حقوق الدفاع في مرحلة ما قبل المحاكمة بين النمط المثالي‬
‫والنمط الواقعي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.2000 ،‬‬

‫‪106‬‬
‫‪ ‬عبد الواحد إمام مرسي‪ ،‬التحقيق الجنائي علم وفن بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دار‬
‫الكتب‪ ،‬مصر‪.1995 ،‬‬
‫‪ ‬محمد أنور عاشور‪ ،‬الموسوعة في التحقيق الجنائي العلمي‪ ،‬نشر عالم الكتب‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪.2005 ،‬‬
‫‪ ‬هاللي عبد االله أحمد‪ ،‬المركز القانوني للمتهم في مرحلة التحقيق االبتدائي‪،‬‬
‫دراسة مقارنة بالفكر الجنائي اإلسالمي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪.1989‬‬

‫الرسائل واألطروحات‬

‫‪ ‬إبراهيم بو نجرة‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق ومستجدات قانون المسطرة الجنائية‪،‬‬


‫دراسة عملية‪ ،‬رسالة نهاية التمرين بالمعهد العالي للقضاء لسنة ‪.2009‬‬
‫‪ ‬إيمان الخمالي المشيشي‪ ،‬صالحيات سلطتي النيابة العامة وقاضي التحقيق في‬
‫الدعوى العمومية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وجدة‪.2014/2013 ،‬‬
‫‪ ‬بالل الفتوح‪ ،‬ثنائية التحقيق في التشريع الجنائي المغربي‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة‬
‫الدكتوراه‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وجدة‪.2012/2011 ،‬‬
‫‪ ‬سمير الستاوي‪ ،‬ومحمد مسعودي‪ ،‬سلطات قاضي التحقيق ‪-‬دراسة ميدانية‬
‫على ضوء العمل القضائي‪ ،‬وأحكام الفقه والقانون المقارن ‪ ،-‬رسالة نهاية التمرين‬
‫بالمعهد العالي للقضاء لسنة ‪.2005‬‬
‫‪ ‬محمد الحسون‪ ،‬مؤسسة قاضي التحقيق‪ :‬التأصيل النظري والعملي‪ ،‬أطروحة‬
‫لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاصة‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬أكادير‪.2015/2014 ،‬‬

‫‪107‬‬
‫‪ ‬محمد سعيد الوكيلي‪ ،‬قاضي التحقيق أمام المحكمة االبتدائية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الماستر في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية طنجة‪،‬‬
‫‪.2012/2011‬‬

‫المقاالت والدراسات والندوات‪:‬‬

‫‪ ‬أحمد النويضي‪ ،‬قضاء التحقيق في ظل قانون المسطرة الجنائية الجديدة‪ ،‬الندوة‬


‫الوطنية حول موضوع المسطرة الجنائية تشريعا وممارسة‪ 13-12 ،‬مارس‪.‬‬
‫‪ ‬الحبيب البيهي‪ ،‬شرح قانون المسطرة الجناية الجديدة‪ ،‬منشورات المجلة‬
‫المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪ ‬لمعطي األيوبي وآخرون‪ ،‬تعليق على النصوص المقترح تعديلها المتعلق‬
‫بمشروع قانون المسطرة الجنائية الخاصة بمؤسسة قاضي التحقيق‪ ،‬ندوة هيئة المحامين‬
‫بالرباط –رسالة المحاماة‪ ،‬عدد ‪.2002 ،18‬‬
‫‪ ‬بوشعيب عسال‪ ،‬سرية التحقيق اإلعدادي‪ ،‬مقال منشور بمجلة الملحق‬
‫القضائي‪ ،‬العدد ‪ 40‬يناير ‪.2007‬‬
‫‪ ‬خالد بنیس‪ ،‬دعاوي الحالة المدنية‪ ،‬منشورات تنمية البحوث والدراسات‬
‫القضائية‪ ،‬مطبعة المعاريف الجديدة‪ ،‬الرباط‪.1994 ،‬‬
‫‪ ‬رشيد االدريسي‪ ،‬اختصاصات النيابة العامة‪ ،‬مقال منشور بموقع الحريات‬
‫المغربي‪ ،‬تاريخ االطالع ‪2017/06/16‬‬
‫‪ ‬عبد اهلل القروشي‪ ،‬قضاء التحقيق‪ :‬أية فعالية‪ ،‬مقال منشور بموقع محكمة‬
‫االستئناف بفاس‪.‬‬
‫‪ ‬عبد اهلل بورحب‪ ،‬مداخلة حول أوامر قاضي التحقيق بالندوة الوطنية حول‬
‫موضوع المسطرة الجنائية تشريعا وممارسة ‪-‬قضاء التحقيق‪ ،--‬الجمعة والسبت ‪-12‬‬
‫‪ 13‬مارس ‪.2003‬‬

‫‪108‬‬
‫ إشكالية األثر الموقف الستئناف قرار قاضي التحقيق بعدم‬،‫ محمد الهيني‬
.26 ‫ العدد‬،‫ مجلة اإلشعاع‬،‫المتابعة أو عدم االختصاص‬
‫ مجلة الحقوق‬،‫ تأمالت في قضاء التحقيق بين الممارسة والتطبيق‬،‫ محمد حكيم‬
.2005 ،‫ العدد الخامس‬،‫المغربية‬

:‫المراجع باللغة الفرنسية‬


-
 Bruneau : " Mascimes sur les matières criminelles ".
 P. Chambon le juge d'instruction dallol Paris 1980.
 BOULOC. « L’acte d’instruction ». Thèse, Paris, 1962.
 G. STEFANE et LEVASSEUR et B. BOULOC.
Procédure pénale. Ile édition. Dalloz. Paris 1980.
 MERLE et Vitu « Précis de Droit pénal » .t .3 édition.
Cujas.Paris.1979.

109
‫الفهرس‬

‫المقدمة‪2 ................................................................................ :‬‬

‫الفصل األول‪ :‬عالقة قاضي التحقيق بالتحقيق اإلعدادي ‪10 .........................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬التأصيل النظري للتحقيق اإلعدادي ومؤسسة قاضي التحقيق ‪12 ....‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ماهية التحقيق اإلعدادي ‪13 ............................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم التحقيق اإلعدادي ‪13 .............................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬خصائص التحقيق اإلعدادي ‪16 .........................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ماهية مؤسسة قاضي التحقيق ‪23 ......................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬قاضي التحقيق‪ :‬تعيينه واختصاصاته ‪23 ...............................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬موقف الفقه من مؤسسة قاضي التحقيق ‪29 .............................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬ممارسة التحقيق اإلعدادي ‪35 .........................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الجهات المخول لها ممارسة التحقيق اإلعدادي ‪36 ...................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الجهات المكلفة أساسا بالتحقيق اإلعدادي ‪36 ..........................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الجهات المكلفة استثناء بالتحقيق اإلعدادي ‪40 ..........................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اتصال قاضي التحقيق بالتحقيق اإلعدادي ‪43 ........................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬بالتماس من النيابة العامة ‪43 ............................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬بالمطالبة المطالب بالحق المدني (الشكاية المباشرة) ‪47 ...............‬‬
‫‪110‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬صالحية قاضي التحقيق في الدعوى العمومية ‪52 ...................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أوامر قاضي التحقيق ‪54 ...............................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أوامر قاضي التحقيق المتعلقة باالستدالل ‪55 .........................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االستدالل المتعلق بشخص المتهم ‪55 ...................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االستدالل المتعلق بباقي األدلة ‪62 .......................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أوامر قاضي التحقيق المتعلقة بسير التحقيق وانتهائه ‪68 ............‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أوامر قاضي التحقيق المتعلقة بسير التحقيق ‪68 .......................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أوامر قاضي التحقيق المتعلقة بانتهاء التحقيق ‪76 ......................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬رقابة الغرفة الجنحية على أوامر قاضي التحقيق ‪80 .................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬استئناف أوامر قاضي التحقيق ‪81 .....................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الجهات المخول لها استئناف أوامر قاضي التحقيق ‪81 ................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أثر استئناف أوامر قاضي التحقيق‪87 ...................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬بطالن إجراءات التحقيق اإلعدادي ‪91 ................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬طلب بطالت إجراءات التحقيق اإلعدادي والبت فيه ‪91 ..............‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حاالت بطالن أوامر قاضي التحقيق‪96 .................................‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬أثار بطالن أوامر قاضي التحقيق ‪99 ....................................‬‬

‫الخاتمة ‪102 ..............................................................................‬‬

‫‪111‬‬

You might also like