Professional Documents
Culture Documents
ملخص القواعد الفقهية
ملخص القواعد الفقهية
تعريف القاعدة الفقهيةُ :ح كٌم شرعي فقهي أغلبي ،يؤخذ منه أحكام جزئيات كثيرة.
القاعدة الخامسة :العادة محكمة ،أو قاعدة :العرف ،ويتفرع منها ثالث قواعد:
" - 1المعروف عرًف ا كالمشروط شرًطا".
" -2المعروف عند التجار كالمشروط بينهم".
" - 3التعيين بالعرف كالتعيين بالنص".
قاعدة األمور بمقاصدها تنقسم القواعد الفقهية من حيث اّت فاق فقهاء المذاهب عليها إلى القواعد الكلّية الكبرى والقواعد الفرعّية ،وقد جعل
معظم العلماء القواعد الفقهّية الكلّية مقصورة على خمسة أقسام ]١[،وتعّد هذه القواعد أساسّية؛ نظًر ا لما تتصف فيه من العموم والشمول،
ويتفّر ع عن كّل واحدة منها مجموعة من الفروع" ]٢[.األمور بمقاصدها" أي إّن األمور والشؤون ترتبط بالنّيات ،واألصل في هذه القاعدة
الحديث الثابت في الصحيحين عن الرسول -صلى هللا عليه وسّلم -أّن ه قال( :إَّن ما األْع ماُل بالِّن ّياِت ،وإَّن ما ِلُك ِّل اْم ِر ٍئ ما َن َو ى ،فَم ن كاَنْت
ِهْج َر ُتُه إلى ُد ْن يا ُيِص يُبها ،أْو إلى اْم َر َأٍة َي ْن ِكُحهاَ ،فِه ْج َر ُتُه إلى ما هاَج َر إَلْيِه) ]٤[]٣[،وينبثق عنها مجموعة من الفروع ،منها ]٥[:ما ال
يشترط التعّر ض له جملة وتفصياًل إذا عّين المسلم ما ال يشترط التعّر ض له جملًة وتفصياًل ،فأخطأ في ذلك فال شيء عليه؛ كأن يكون قد
عّين أن يصلي في المكان كذا وفي الوقت كذا ،أو أّن إماًما قد عّين من يصّلي خلفه ،ثم بان خالف ذلك .ما يشترط فيه التعيين يكون الخطأ
في هذه الحالة مبطًال ،كمن صّلى العصر ،وقد نوى أداء الّظ هر ،وهناك ما يشترط التعّر ض له جملة ال تفصياًل ،فإذا عّينه وأخطأ في ذلك
ضّر ؛ كمن نوى أداء كفارة الظهار وعليه كفارة قتل؛ فحينها ال ُتجِز ُئه .ما يشترط التعّر ض فيه للفرضّية وذلك في بعض العبادات ،مثل:
الكفارات ،والصالة ،والغسل ،والزكاة إذا ُأخرجت بلفظ الصدقة ،وال يجب التعّر ض لألداء والقضاء .فيديو قد يعجبك :ما يترّتب على
اإلخالص في المنوي وذلك بأن ُيخلص في نّيته هلل -سبحانه وتعالى ،-وال ُيشرك معه غيره؛ كما لو ذبح أحدهم األضحية هلل وللصنم ،فإن
ذلك يوجب حرمة الذبيحة ،ولهذا الفرع أقسام وتفريعات .قاعدة اليقين ال يزول بالشك قاعدة اليقين ال يزول بالشك معناها :أّن من تيّقن
ثبوت أمٍر ما فإّنه ال يرتفع إذا حصل له شّك مجّر د ،فاليقين ال يزيله ما هو أضعف منه ،والشّك في الفقه يعني الترّدد باستواء أو رجحان،
ولهذه القاعدة فروع فيما يأتي ذكرها ]٦[:األصل بقاء ما كان على ما كان .ما ثبت بزمان ُيحكم ببقائه على ما هو طالما لم يقم دليل على
خالفه .األصل العدم .األصل براءة الذّمة .الحادث يضاف إلى أقرب وقت إليه .ال عبرة للداللة إذا قابله تصريح .السكوت في معِر ض
الحاجة بيان .ال عبرة في الظّن الذي بان خطؤه .ال عبرة للتوّهم .األصل في الّصفات الطارئة والعارضة العدم .من شّك في فعل شيء من
عدمه األصل أّنه لم يفعله .من تيّقن أّنه فعل الفعل وشّك في القليل والكثير بنى على القليل؛ ألّنه القدر المتيّقن .األصل اإلباحة إلى أن يرد
الدليل على التحريم ،وعند أبي حنيفة عكسه .األصل في األبضاع التحريم .إذا عّمرت الذّمة بيقين ال تبرأ إال بيقين .ال حّج ة مع االحتمال
الذي نشأ عن دليل .قاعدة المشّقة تجلب التيسير األصل في قاعدة "المشّقة تجلب التيسير" قول هللا -تعالىُ( :-يِر يُد ُهَّللا ِبُك ُم اْلُيْس َر َو اَل ُيِر يُد
ِبُك ُم اْلُعْس َر ) ]٧[،والمقصود منها أّن المشّقة تجلب الّر خص بأنواعها؛ رخص العبادات ،والمعامالت ،والقصاص ،والمناكحات ،والظهار،
واأليمان ،ورخص المجتهدين ،ورخص األرّقاء ]٨[،ويندرج تحتها مجموعة من القواعد ]٩[:األمر إذا ضاق اّتسع .الضرورات تبيح
المحظورات .الضرورات تقدر بقدرها .يسقط الواجب عند العجز .الميسور ال يسقط بالمعسور .قاعدة الضرر يزال األصل في قاعدة
الضرر ُيزال الحديث الوارد عن الرسول -صلى هللا عليه وسّلم( :-ال ضرَر وال ِض راَر ) ]١٠[،وينبني على هذه القاعدة عدٌد كبيٌر من
الفروع ،وهي متداخلة مع قاعدة" :المشّقة تجلب التيسير" ]١١[،ومن قواعدها الفرعية ما يأتي ]١٢[:يدفع الضرر قدر اإلمكان .ال ُيزال
الضرر بمثلهُ .يتحمل الضرر الخاص؛ لدفع ضرر أعّم ُ .يراعى اختيار أخف الشّرين عند تعارضهما .درء المفاسد أولى من جلب
ّل
المصالح .قاعدة العادة محكمة المقصود من قاعدة العادة محكمة أّن العادة هي المرجع في األمور المتنازع عليها عند عدم وجود أد ة في
الشرع تفّصل في المسألة ،وكّل عرف عادة والعكس ليس صحيًح ا؛ فهناك فرق دقيق بينهما ]١٣[،وتندرج من هذه القاعدة مجموعة من
القواعد ]١٤[:استعمال الناس حجٌة ينبغي العمل بها .تكون العادة معتبرة إن اطردت أو غلبت .العبرة للغالب ال للنادر .الُعرف الذي يحمل
عليه اللفظ ،هو الذي ُيقارن السابق ال المتأخر .تترك الحقيقة بداللة العادة .الكتاب كالخطاب .اإلشارة لألخرس مثل بيان الناطق بلسانه.
المشتهر ُعرًف ا مثل المشروط شرًط ا .ما يتعّين بالعرف كالذي يتعّين بالنص .ما ُيعرف بين التجار بالعرف مثل الشرط بينهم .تغير األحكام
االجتهادية ال ُينكر إذا تغّير الزمان.
سلسلة شرح القواعد الفقهية الكبرى القواعد
الفقهية ( مفهومها ،ونشأتها ،وأقسامها)
مجد جاسم·الثالثاء ٣١ ،مايو ·٢٠١٦مجموعة عامة
تعريف القاعدة الفقهية :حكم شـرعـي في قـضية أغلبية يتعرف منها أحكام ما دخل تحتها ,أو :هي أصل فقهي
كلي يتضمن أحـكـامـًا تشريعية عامة ،من أبواب متعددة في القضايا الـتـي تـدخـل تـحـت مـوضـوعــه .نحو
قاعدة :األمور بمقاصدها ،واليقين ال يزول بالشك ،والضرر ُيزال ،والعادة محكمة ،والمشقة تجلب التيسير .وهذه
هي القواعد الفقهية الكلية الخمس الكبرى ،ودونها من القواعد الفقهية كثير.
الفرق بين القواعد الفقهية والقواعد األصولية -1 :يعتبر علم أصول الفقه بالنسبة للفقه ميزانًا وضابطًا
لالستنباط الصحيح ،وقواعده وسط بين األدلة واألحكام فهي التي يستنبط منها الحكم من الدليل التفصيلي
وموضوعها الدليل والحكم مثل :األمر للوجوب .أما القاعدة الفقهية فهي قضية أكثرية جزئياتها بعض مسائل
الفقه ،وموضوعها فعل المكلف .مثل ال ضرر وال ضرار -2 .القواعد األصولية قواعد مطردة تنطبق على جميع
جزئياتها ،بخالف القواعد الفقهية فهي أغلبية والحكم فيها يكون على أغلب الجزئيات ،ويستثنى منها بعض
المسائل -3 .تعتبر القواعد األصولية وسيلة الستنباط األحكام الشرعية العملية ،أما القواعد الفقهية فهي عبارة عن
مجموعة من األحكام المتشابهة التي ترجع إلى علة واحدة تجمعها -4 .تعتبر القواعد الفقهية متأخرة في وجودها
الذهني والواقعي عن الفروع ،أم األصول فالفرض الذهني يقتضي وجودها قبل الفروع -5 .تتفق القاعدة الفقهية
والقاعدة األصولية في أن كًال منهما قواعد تندرج تحتها جزئيات ،ويختلفان في أن قواعد األصول هي عبارة عن
المسائل التي تشملها أنواع من األدلة التفصيلية يمكن استنباط التشريع منها ،وأما قواعد الفقه فهي عبارة عن
المسائل التي تندرج تحتها أحكام الفقه نفسها.
أنواع القواعد الفقهية ومراتبها :القواعد الفقهية ليست نوعًا واحدًا ،وال كلها في مرتبة واحدة ،وإنما هي أنواع
وراتب ،ويرجع هذا التنوع إلى سببين رئيسيين :ا ألول :من حيث شمول القاعدة وسعة استيعابها للفروع
والمسائل الفقهية وتنقسم إلى ثالث مراتب :
المرتبة األولى :القواعد الكلية الكبرى ذوات الشمول العام والسعة العظيمة للفروع والمسائل حيث يندرج تحت
كِّل منها ُجُّل أبواب الفقه ومسائله وأفعال المكلفين إن لم يكن كلها .وهذه القواعد ست هي :قاعدة (إنما األعمال
بالنيات) أو (األمور بمقاصدها) .قاعدة (اليقين ال يزول ،أو ال يرتفع بالشك) .قاعدة (المشقة تجلب التيسير) .قاعدة
(ال ضرر وال ضرار) أو (الضرر يزال) .قاعدة ( العادة محَّك مة) .المرتبة الثانية :قواعد أضيق مجاًال من
سابقاتها (وإن كانت ذوات شمول وسعة) حيث يندرج تحت كل منها أعداد ال تحصى من مسائل الفقه في األبواب
المختلفة ،وهي قسمان :ا) قسم يندرج تحت القواعد الكبرى ويتفرع عليها :مثال قاعدة( :الضرورات تبيح
المحظورات) ،وهي تتفرع على قاعدة (المشقة تجلب التيسير) وقاعدة (ال ينكر تغير األحكام االجتهادية بتغير
األزمان) وهي مندرجة تحت قاعدة (العادة محَّك مة) .ب) قسم آخر ال يندرج تحت أي منها :مثال قاعدة :
(االجتهاد ال ينقض باالجتهاد) .وقاعدة( :التصرف على الرعية منوط بالمصلحة) .المرتبة الثالثة :القواعد ذوات
المجال الضيق التي ال عموم فيها حيث تختص بباب أو جزء باب ،وهذه التي تسمى بالضوابط جمع ضابط أو
ضابطة ،ومنها ما ال يختص بباب كقولنا( :التابع تابع) ومنها ما يختص كقولنا( :كل كفارة سببها معصية فهي
على الفور).
الثاني :من حيث االتفاق على مضمون القاعدة أو االختالف فيه وتنقسم إلى مرتبتين :
المرتبة األولى :القواعد المتفق على مضمونها عند جميع الفقهاء ومختلف المذاهب .فمن قواعد هذه المرتبة :كل
القواعد الكلية الكبرى وأكثر القواعد األخرى .المرتبة الثانية :القواعد المذهبية التي تختص بمذهب دون مذهب
أو يعمل بمضمونها بعض الفقهاء دون اآلخرين مع شمولها وسعة استيعابها لكثير من مسائل الفقه من أبواب
مختلفة .وهذه تعتبر من أسباب اختالف الفقهاء من إصدار األحكام تبعًا الختالف النظرة في مجال تعليل األحكام.
ومن أمثلة هذه المرتبة :قاعدة( :ال حجة مع االحتمال الناشئ عن دليل) .وأساسها قولهم( :إن التهمة إذا تطرقت
إلى فعل الفاعل حكم بفساد فعله) .وهذه القاعدة يعمل بها الحنفية والحنابلة دون الشافعية ،وقد يعمل بها المالكية
ضمن قيود ،ومنها عند الحنفية( :األصل أن جواز البيع يتبع الضمان) .وأما عند الشافعي( :فإن جواز البيع يتبع
الطهارة).
القاعد الفقهية :تحصر مسائل فقهية في أبواب شتى :مثال :األمور بمقاصدها ,ال ضرر وال ضرار ,العادة
محكمة .الضابط :يحصر جزئيات ضمن باب واحد ,مثال :باب التيمم قالوا :كل شيء ال يطبع باإلحراق وال
يصير رمادًا يجوز به التيمم .
القسم األول قواعد فقهية مصدرها النصوص الشرعية من كتاب وسنة :فما كان مصدره نصًا من الكتاب الكريم
هو أعلى أنواع القواعد وأوالها باالعتبار حيث إن الكتاب الكريم هو أصل الشريعة وكليتها وكل ما عداه من
األدلة راجع إليه ،فمن آيات الكتاب التي جرت مجرى القواعد -1 :قوله تعالى( :وأحَّل هللا البيَع وحَّرم الِربا).
البقرة ،آية ( )275فقد جمعت هذه اآلية على وجازة لفظها أنواع البيوع ما أحل منها وما حَّرم عدا ما استثنى-2 .
قوله تعالى( :وال تأكلوا أموالُك م بيَنكم بالباطل) .البقرة ،آية ( .)188فهذه قاعدة شاملة لتحريم كل تعامل وتصرف
يؤدي إلى أكل أموال الناس وإتالفها بالباطل من غير وجه مشروع يحله هللا ورسوله ،كالسرقة والغصب ،الربا،
والجهالة ،والضرر ،والغرر ،فكل عقد باطل يعتبر نوعًا من أكل أموال الناس بالباطل -3 .قوله تعالىُ( :خ ِذ العفو
وأُم ر بالُعرِف وأعِرض َع ِن الجاهلين) .األعراف ،آية ( .)199وهذه اآلية هي الجامعة لمكارم األخالق .ومن
األحاديث الشريفة الجامعة التي جرت مجرى القواعد إلى جانب مهمتها التشريعية فإن الرسول صل هللا عليه
وسلم أوتي جوامع الكلم واختصر له الكالم اختصارًا -1قوله عليه الصالة والسالم( :كل مسكر حرام) وقد سئل
عن حكم أنواع من األشربة .فدل هذا الحديث على وجازة لفظه على تحريم كل مسكر من عنب أو غيره مائع أو
جامد ،نباتي أو حيواني أو مصنوع -2 .قوله عليه الصالة والسالم( :ال ضرر وال ضرار) .القاعدة الكلية الكبرى،
فهذا الحديث نص في تحريم الضرر بأنواعه ألن ال النافية تفيد استغراق الجنس فالحديث وإن كان خبرًا لكنه في
معنى النهي ،فيصير المعنى (اتركوا كل ضرر وكل ضرار) -3 .ومنها قوله عليه الصالة والسالم( :المسلمون
عند شروطهم) فظاهر المعنى وجوب احترام كل ما رضيه المتعاقدان من الشروط ،إال الشروط التي تحل الحرام
أو تحرم الحالل ،كما ورد في رواية.
النوع األول :قواعد فقهية مصدرها اإلجماع المستند إلى الكتاب والسنة ،فمن أمثلة قواعد هذا المصدر -1 :قولهم:
(ال اجتهاد مع النص) فهذه القاعدة تفيد تحريم االجتهاد في حكم مسألة ورد فيها نص من الكتاب أو السنة أو
اإلجماع ألنه إنما يحتاج لالجتهاد عند عدم وجود النص ،أما عند وجوده فال اجتهاد إال في فهم النص وداللته-2 .
قولهم (االجتهاد ال ينتقض بمثله) أو باالجتهاد وهذا أمر مجمع عليه .والمراد أن األحكام االجتهادية إذا فصلت بها
الدعوى على الوجه الشرعي ونفذت أنه ال يجوز نقضها بمثلها ألن االجتهاد الثاني ليس أولى من االجتهاد األول،
وألنه إذا نقض األول جاز أيضًا نقض الثاني بثالث والثالث بغيره فال يمكن أن تستقر األحكام .ولكن إذا تبين
مخالفة االجتهاد للنص الشرعي أو لمخالفته طريق االجتهاد الصحيح ،أو وقوع خطأ فاحش ،فينقض حينئٍذ .
النوع الثاني :قواعد فقهية أوردها الفقهاء المجتهدون مستنبطين لها من أحكام الشرع العامة ومستدلين لها
بنصوص تشملها من الكتاب والسنة واإلجماع ومعقول النصوص مثل -1 :قاعدة (األمور بمقاصدها) مستدلين لها
بقوله عليه الصالة والسالم( :إنما األعمال بالنيات) وقد جعلنا هذا الحديث رأس القاعدة وعنوانًا داًال عليها ال دليًال
لها ،وُصِّدرت به موسوعة القواعد الفقهية تيمنًا واقتداء -2 .ومثل قاعدة (اليقين ال يزول بالشك) المسَتَد ّل لها
بأحاديث كثيرة عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،مثل قوله عليه الصالة والسالم (إذا شك أحدكم في صالته فلم
يدر كم صلى أثالثًا أم أربعًا ،فليطرح الشك وليبن على ما استيقن) -3 .ومثل قاعدة( :المشقة تجلب التيسير) وهي
قاعدة رفع الحرج وقاعدة الرخص الشرعية .وأدلتها كثيرة من الكتاب والسنة واإلجماع والمعقول.
النوع الثالث :قواعد فقهية أوردها الفقهاء المجتهدون في مقام االستدالل القياسي الفقهي ،حيث تعتبر تعليالت
األحكام الفقهية االجتهادية ومسالك االستدالل القياسي عليها ،أعظم مصدر لتقعيد هذه القواعد وإحكام صيغها عند
استقرار المذاهب الفقهية الكبرى وانصراف أتباعها إلى تحريرها وترتيب أصولها وأدلتها .وهذه القواعد التي
استنبطها الفقهاء المتأخرون من خالل أحكام المسائل التي أوردها أئمة المذاهب في كتبهم أو نقلت عنهم ال تخرج
عن نطاق أدلة األحكام الشرعية األصلية أو التبعية الفرعية ،فالناظر لهذه القواعد والباحث عن أدلة ثبوتها وأساس
التعليل بها يراها تندرج كل منها تحت دليل شرعي إما من األدلة المتفق عليها كالكتاب والسنة واإلجماع ،وإما من
األدلة األخرى كالقياس واالستصحاب والمصلحة أو االستصالح والعرف ،واالستقراء ،وغير ذلك مما يستدل به
على األحكام؟ ألنه ال يعقل ويستبعد جدًا أن يبني فقيه مجتهد حكمًا لمسألة فقهية ،أو يعلل لمسائل فقهية معتمدًا
على مجرد الرأي غير المدعوم بأدلة الشرع أو معتمدًا على الهوى والتشهي ،فهم رحمة هللا عليهم كانوا أجَّل
وأورع وأتقى وأخشى هلل من أن يفتي أحدهم أو يحكم في مسألة أو يقضي بحكم غير مستند إلى دليل شرعي
مقرر ،وسواء اتفق عليه أم اختلف الفقهاء في اعتباره فمن استند إلى القياس ال يقال :إنه حكم بغير ما أنزل هللا:
ألن هناك من ُينكر القياس وال يعمل به .وكذلك من استند في حكمه إلى المصلحة الغالبة أو مصلحة غلب على
ظنه وجودها ال يقال :إن حكمه مخالف للشرع ألن غيره من الفقهاء قد ال يعمل بالمصلحة وال يستدل بها ،أو ال
يرى في هذه المسألة مصلحة ،وكذلك بالنسبة للعرف أو قول الصحابي ،أو شرع من قبلنا ،أو سد الذرائع أو
االستقراء أو غير ذلك من األدلة أو مواطن االستدالل التي ما عمل بها من عمل إال مستدًال لها بأدلة من الكتاب أو
السنة أو المعقول المبني على قواعد الشرع وِح كمه .أمثلة ( -1 :إنما يثبت الحكم بثبوت السبب) هذه قاعدة أصولية
فقهية استنبطها الفقهاء المجتهدون من اإلجماع ومعقول النصوص ،فمثًال :يثبت وجوب صالة الظهر وتعلقها في
ذمة المكلف بزوال الشمس ،فزوال الشمس سبب لثبوت الوجوب للصالة ،فلو لم يثبت الزوال لم يثبت الوجوب،
وقد يستدل لها بقوله تعالى( :أِقم الصالة ِلُدلوِك الشمس) اإلسراء ،آية ( -2 )78ومنها قولهم( :األيمان في جميع
الخصومات موضوعة في جانب المدعى عليه إال في القسامة) ،وهذه القاعدة مستنبطة من الحديث( :البينة على
المدعي واليمين على المَّد عى عليه) -3 .ومنها قولهم( :إذا اجتمعت اإلشارة والعبارة واختلف موجبهما ُغ ِّلبت
اإلشارة) .وهذه القاعدة مستنبطة من المعقول والعرف.
خالصة القول أن القاعدة الفقهية ليست دليال قائما بذاته ولكنها مستمدة من األدلة الشرعية الثابتة ولذا فإن
أصل القاعدة ومصدرها يتنوع حسب اختالف الدليل الذي استمدت منه ،وتكتسب القاعدة قوة أو ضعفا حسب
هذا المصدر الذي استمدت منه.
هل يجوز أن نجعل القاعدة الفقهية دليًال يستنبط منه الحكم الشرعي ؟
هناك رأيان لهذه المسألة :الرأي األول:وهو الرفض ،ويرى أصحاب هذا الرأي أنه ال يسوغ اعتبار القواعد
الفقهية أدلة شرعية الستنباط األحكام لسببين :األول :أن هذه القواعد ثمرة للفروع المختلفة وجامع ورابط لها،
وليس من المعقول أن يجعل ما هو ثمرة وجامع دليًال الستنباط أحكام الفروع.
الثاني :أن معظم هذه القواعد ال تخلو عن المستثنيات ،فقد تكون المسألة المبحوث عن حكمها من المسائل
والفروع المستثناة ،ولذلك ال يجوز بناء الحكم على أساس هذه القواعد ،وال يسوغ تخريج أحكام الفروع عليها،
ولكنها تعتبر شواهد مصاحبة لألدلة يستأنس بها في تخريج األحكام للوقائع الجديدة قياسًا على المسائل الفقهية
الدَّو نة.
الرأي الثاني :وهو التفصيل؛ حيث إن القواعد الفقهية تختلف من حيث أصولها ومصادرها أوًال ،ثم من حيث
وجود الدليل على حكم المسألة المبحوث عنها ثانيًا ،فإذا كانت القاعدة نصًا قرآنيًا كريمًا فهي قبل أن تكون قاعدة
أو تجري مجرى القواعد فهي دليل شرعي باالتفاق فهل إذا جرى النص القرآني مجرى القاعدة خرج عن كونه
دليًال شرعيًا معموًال به ،وال يجوز تقديم غيره عليه .وأما إذا كانت القاعدة مبنية على دليل شرعي من األدلة التي
اختلف في اعتبارها فيجب الرجوع أوًال إلى األدلة المتفق عليها فإذا وجد الحكم بأحدها يستأنس بالقاعدة وال يحكم
بها ،وإال نظر إلى الدليل الذي بنيت عليه القاعدة فإن أمكن إعطاء المسألة حكمًا بموجبه (عند من يعتبرونه دليًال)
كان بها واعتبرت القاعدة دليًال تابعًا يستأنس به.
فإن القواعد الفقهية -كما عرفها العلماء -هي أصول ومبادئ كلية في نصوص موجزة تتضمن
أحكامًا تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها.
وقد صاغ الفقهاء قواعد كثيرة بعبارات موجزة تدخل تحتها فروع كثيرة من أبواب مختلفة من
الفقه ،وألفوا فيها كتبًا كثيرة ومن هذه القواعد خمس قواعد متفق عليها ،وقصرها بعضهم على
أربعة فقط ،وهي األربع األولى التي سنذكرها -إن شاء هللا تعالى ،وهذه القواعد هي:
القاعدة األولى :اليقين ال يزول بالشك.
قال المقري في قواعده :المعتبر في األسباب والبراءة وكل ما تترتب عليه األحكام :العلم
اليقين ،ولما تعذر في أكثر الصور أقيم الظن مقامه لقربه منه وبقي الشك ملغى على
األصل .ومن فروع هذه القاعدة :لزوم البناء على اليقين لمن شك أصلى ثالثا أو أربعا؟ ألن
األربعة وجبت بيقين وال تبرأ الذمة إال بيقين ،ولهذا قلنا :اليقين ال يرفع بالشك .ومن فروعها:
لزوم البينة على المدعي....
واألصل في هذه القاعدة ما جاء في الصحيحين وغيرهما من أن النبي صلى هللا عليه وسلم
قال :في الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصالة أيقطع الصالة؟ قال :ال ،حتى يسمع صوتًا
أو يجد ريحًا.
قال الوالتي :وهذه القاعدة تشتمل على قاعدة العمل باستصحاب األصل ،وتندرج تحتها قاعدة:
إلغاء الشك في المانع ،واعتباره في المقتضي الشرط.
القاعدة الثانية :إزالة الضرر ،أو الضرر يزال.
أي وجوب إزالة الضرر عمن نزل به ،واألصل في هذه القاعدة ما رواه مالك في الموطأ أن
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال :ال ضرر وال ضرار.
قال الوالتي :ألن الشريعة مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد ،وتندرج تحت هذه القاعدة،
قاعدة :ارتكاب أخف الضررين.
ومن فروعها :شرع الزواجر من الحدود ،والضمان ،ورد المغصوب ،أو ضمانه بالتلف،
والتطليق باإلضرار ،وباإلعسار..
القاعدة الثالثة :المشقة تجلب التيسير.
أي كلما وقعت المشقة حسًا جاء التيسير شرعا.
واألصل في هذه القاعدة قوله تعالىَ :و َم ا َج َع َل َع َلْي ُك ْم ِفي الِّد يِن ِم ْن َح َر ٍج [الحج.]78:
ومن فروعها :األخذ باألخف والرخص كجواز القصر والجمع والفطر في السفر....
قال الوالتي :والمشقة قسمان :قسم ال تنفك عنه العبادة فال يوجب تخفيفًا ألن العبادة قررت
معه ،كالوضوء في البرد والصوم في الحر...
وقسم تنفك عنه وهو ثالثة أقسام :فإن كان في مرتبة الضروريات عفي عنه إجماعًا كما إذا
كان فيه هالك نفس أو تلف عضو.....
وإن كان في مرتبة التتميمات "التحسينات" لم يعف عنه إجماعًا كما إذا كان فيه مجرد جهد
فقط ،وإن كان في مرتبة الحاجيات :فمحل خالف ،كما إذا كان فيه مرض خفيف....
القاعدة الرابعة :العادة محكمة ،أو العادة معتبرة.
قال الوالتي :إن كان ما تدخل فيه العادة أي عادة العوام القولية والفعلية من األحكام الشرعية
فهي عاملة فيه أي محكمة فيه :تخصصه إن كان عامًا ،وتقيده إن كان مطلقًا ،وتبينه إن كان
مجمًال .والذي يدخل فيه عادة العوام القولية وتحكم فيه هو ألفاظ الناس في األيمان والمعامالت
من العقود والفسوخ ،واالقرارات ،والشهادات ،والدعاوى؛ وهي في غلبة استعمال اللفظ في
معنى غير معناه األصلي ،سواء كان جزئي معناه األصلي أم ال حتى يصير هو المتبادر إلى
الذهن منه عند اإلطالق ،ويصير المعنى األصلي كالمهجور ،مثال تخصيص العرف للعام:
حمل يمين من حلف أال يركب دابة على ذوات األربع فال يحنث بركوب غيرها من كل ما
يدب على وجه األرض ،فلفظ الدابة لغة يشمل كلما يدب على وجه األرض ،لكن العادة القولية
خصصته بذوات األربع ..وهكذا العادة الفعلية.
ْأ
واألصل في هذه العادة قوله تعالىُ :خ ِذ اْلَع ْف َو َو ُمْر ِباْلُعْر ِف َو َأْع ِر ْض َع ِن اْلَج اِهِليَن [األعراف:
.]199
وقوله صلى هللا عليه وسلم لهند بنت عتبة :خذي من ماله ما يكفيك وولدك
بالمعروف .والحديث في الصحيحين.
ومن فروعها :تقدير النفقات الواجبة للزوجات واألقارب ....وما هو األنسب من متاع البيت
للرجال ،وما هو األنسب للنساء عند النزاع في ذلك.....
القاعدة الخامسة :األمور تتبع المقاصد ،أو األمور بمقاصدها.
يعني أن األمور تتبع المقاصد فإن كان حسنا كان حسنا ،وإن كان قبيحًا كان قبيحًا ،واألصل
في هذه القاعدة :قوله صلى هللا عليه وسلم :إنما األعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما
نوى .رواه البخاري ومسلم.
ومن فروعها :تمييز العبادات من العادات بالقصد ،وتمييز مراتب العبادات بالقصد ألن القصد
"النية" شرط صحة في العبادات المحضة ،وشرط لحصول الثواب في جميع األعمال.
وتندرج تحت هذه القاعدة قاعده :سد الذرائع إلى الفساد :وقيل :إن قاعدة تبع األمور للمقاصد،
ترجع إلى قاعدة :اليقين ال يرفع بالشك ،ألن الشيء إذا لم يقصد فنحن على يقين من عدم
حصوله.
قال الوالتي رحمه هللا :وهذه القواعد ذكرها القاضي حسين وقال :إن فروع الفقه كلها آيلة
إليها ،وبحث بعضهم في ذلك فقال :إن في رجوع جميع الفقه إليها تعسفًا ،ألن أصوله منتشرة
تتضح بالتفصيل ،ثم قال :وهذه القواعد الخمس ال خالف بين العلماء في كونها أصوًال تبنى
عليها فروع الشريعة ،وإنما الخالف بينهم في تفصيل ذلك ....ثم قال :وقال الشيخ عز
الدين :أحكام الشرع كلها تعود إلى جلب المصالح ،ودرء المفاسد .وقال الشيخ الشنقيطي في
نشر البنود :ورجوع فروع الفقه إلى هذه األصول فيه تكلف ....فلو زيدت األصول التي ترجع
إليها فروع الفقه مع وضوح الداللة لزادت على المائتين.
والحاصل أن القواعد الخمس التي اتفق عليها علماء الفقه واألصول والتي ال خالف بينهم في
كونها أصوًال تبنى عليها الفروع هي:
-1اليقين ال يرفع بالشك.
-2وجوب إزالة الضرر.
-3المشقة تجلب التيسير.
-4العادة محكمة ،أو العرف معتبر.
-5األمور تتبع المقاصد.