Professional Documents
Culture Documents
دور القضاء في تحقيق التوازن العقدي رسالة
دور القضاء في تحقيق التوازن العقدي رسالة
دور القضاء في تحقيق التوازن العقدي رسالة
2002
1
بسم هللا الرحمان الرحيم
( وإذا دعوا إلى هللا ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ،وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه
مذعنين )
2
:بيان الرموز
.صفحة : .ص-
. ظهير : .ظ-
. عدد : .ع-
- Ar : arrêt
- Bul.civ : bulletin des arrêts de la cour de cassation .
- c.a.r. : arrêts de la cour d’appel de rabat .
- Civ . : arrêts de la chambre civil de la cour de cassation
-D. : recueil Dalloz .
- G.P. : Gazette du palais.
- G.T.M. : Gazettes des tribunaux du Maroc .
- Ed . : Edition .
- Op.cit. : ouvrage précité .
-P . : page .
- R.A.C.A.R. : recueil des arrêts de la cour d’appel de rabat .
- R.M.D.E.D. : revue marocaine de droit et d’économie du
développement .
3
- Rev.trim.dr.civ : Revue trimestrielle de droit civil .
- Rev.tr.dr.com : Revue trimestrielle de droit commerciale ..
-S. : Recueil Sirey .
-T. : Tome .
4
بالرجوع إلى الفصل 230ق.ل.م ،نجده ينص على أن االلتزامات التعاقدية المنشأة -1
على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ،ويعتبر هذا المبدأ المكرس في المادة
1134مدني فرنسي جوهر النظرية التقليدية التي أخذ بها القانون المغربي ،حيث إن العقد الذي
يربط بين إرادتين أو أكثر ،ال يمكن أن يكون إال عادال ،فكل ما هو عقدي هو عادل ،ومرجع هذا
التقدير هي إرادة المتعاقدين وحدها ،وال يمكن تقديرها بمعيار موضوعي أو عن طريق أي شخص
عنهما ،ولو كان يمثل السلطة القضائية،فكل من دخل في عالقة بإرادة واعية وحرة ال يستطيع أن
يتخلى عما التزم به .
وقد كان هذا مقبوال في ظل مجتمع زراعي بسيط ،محدود من ناحية التقدم - 2
التكنولوجي ،وبالتالي لم يثر إشكاال في بداية وضع مدونة نابليون ،ما دام أن الصورة التقليدية
للتعاقد تعتمد على المفاوضة والمساومة التعاقدية ،حيث يتاح ألطراف العقد مناقشة شروطه
والتفاوض بشأنها.
وكان يكفي المتعاقد أن يتمسك بإحدى عيوب الرضا المحددة بالنص القانوني ،لرد االعتبار
إلى العقد وجعله متزنا بين أطرافه.
لكن التحوالت االقتصادية واالجتماعية ،التي ازدادت حدتها منذ بداية القرن - 3
العشرين ،الذي ميزته ثورة في إنتاج السلع والخدمات ،يشوبها التعقيد والغموض بسبب المؤثرات
واألساليب العديدة التي يلجأ إليها المهنيون ،مما تثار معه مسألة حرية رضاء المستهلكين ،كما أن
التعقيد لم يقتصر على ذلك ،وإنما تعداه إلى ما يمكن أن يصيبه من أضرار أثناء استعماله للشيء
محل التعاقد الذي قد ينطوي على خطورة تهدد سالمته في وقت لم يكن ليقبله لو علم بذلك مسبقا.
5
وقد صاحب هذه التحوالت السرعة في إبرام المعامالت ،مما فرض على المهنيين ،اللجوء
إلى تقنية العقود النموذجية ،والتي أصبحت تستخدم لتمرير العديد من الشروط التعسفية تخل
بالتوازن العقدي.
كل ذلك أثر على التوازن الذي كان مفترضا بين أطراف العقد ،حيث انعكس باألساس على
العالقات التعاقدية التي تربط المهنيين بالمستهلكين بشكل خاص ،مما ترتب عنه هيمنة الفريق
األول الحتكاره الخبرة والمعرفة في مجال التعاقد.
في ظل هذا كله ،هل ال زالت األفكار التقليدية ،القائلة بأن القاضي ال يعرف سوى -4
قاعدة واحدة هي احترام قدسية العقد ،وأن بمقدور المشرع أن يتدخل عند الحاجة حتى ال نترك
القاضي ينفعل بأحاسيس مبهمة تكون مدعاة لسلطة تحكمية في هذه الدائرة المرنة .
أم أن األمر لم يعد كذلك ،في ظل هذا االختالل ،ويكون "اهرنج" صادقا منذ زمن ،حينما
كتب معلقا على المادة 1134مدني فرنسي "القول بأن اتفاق اإلرادتين يكون بالضرورة عادال،
معناه إعطاء رخصة صيد للقراصنة ورجال العصابات ،مع منحهم الحق في أخذ ما تقع عليه
أيديهم" .1
إن هذه التطورات التي لحقت الميادين االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،وما - 5
صاحبها من تطورات في العالقات القانونية أدت بالنصوص التشريعية إلى العجز عن مالحقة هذه
التغيرات ،وبالتالي خلق بون شاسع بين النص والممارسة.
وهو ما شعر به القضاء مؤخرا ،فاتخذ من المبادئ العامة الواردة في القانون المدني وسيلة
لتحقيق التوازن العقدي ،سواء من خالل مؤسسة التفسير ،التي جعل منها أداة للوقوف بجانب
الطرف الضعيف ،أو من خالل التوسع في فهم العديد من النصوص القانونية المتفرقة للوصول
إلى نفس الغاية.
بل إن التشريعات الحديثة وضعت العديد من النصوص الخاصة ،كقوانين حماية
المستهلكين والحد من الشروط التعسفية والجزائية ،تخول من خاللها للقاضي سلطة إقرار التوازن
العقدي.
وهذا هو السبب الذي دفعنا إلى اختيار هذا الموضوع ،لمالمسة اإلشكالية التالية: -6
إذا كان هناك إجماع على تكريس قانون االلتزامات والعقود المغربي ،لمبدأ سلطان اإلرادة
كما أراده واضعوه ،وبالتالي هناك عجز في نصوصه عن مواكبة التطورات التي شهدها النصف
-راجع هذه العبارة عند :د.نبيل إبراهيم سعد :نحو قانون خاص باالئتمان ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،طبعة 1991 1
7
– 7تنبغي اإلشارة منذ البداية إلى أن نظرية عيوب الرضا ،قامت بدور مهم في حماية
الطرف الذي تكون إرادته مدفوعة إلى إبرام االلتزام تحت وطأة اإلكراه أو التدليس أو بغيرها من
العيوب التي تطرقت إليها مختلف التشريعات ،ومنها المغربي الذي عالجها في الفصول من 39
إلى 56ق.ل.ع.م.
– 8وإذا كان األمر كذلك ،فإنه ونتيجة للتطورات االقتصادية والتكنولوجية التي أفرزت
طرفا قويا وآخر ضع يفا يفتقد للكفاءة الفنية والقانونية ،مما ال يتمكن معها من مناقشة بنود العقد وال
من تقدير آثاره ، 1يتم التساؤل عن مدى نجاعة نظرية عيوب الرضا إلعادة التوازن لمثل هذه
العقود ، 2ثم هل الالتوازن بين المحترف وغيره يخول لهذا األخير إذا تبين له أن العقد غير عادل
إمكانية المطالبة بإعادة التوازن بناء على تعيب إرادته ؟
– 9إن الجواب عن ذلك بالنفي ،والقول بأن التفوق االقتصادي أو التكنولوجي للمحترف ال
يعتبر في حد ذاته عيبا يلحق إرادة الطرف األقل قدرة ،والسيما قبل إقرار التشريعات لمجموعة من
القوانين التي تستهدف مساعدة طبقة المستهلكين ،يعتبر إجحافا أوال في حق سلطة القاضي ،الذي
يتعين عليه إيجاد المنافذ القانونية لتحقيق العدالة التعاقدية ،كلما تبين له أن الحاجة تستدعي ذلك.
1
- Rouhette (G) : contribution à l’étude critique de la notion de contrat, paris, 1965, p :176 .
2
- Azziman (Omar) : droit civil, droit des obligation, le contrat, édition le fennec, p :119 .
أنظر أيضا :
Larroumet christian : droit civil , les obligation , le contrat, 1998 , p :120 .
8
وفي نفس الوقت فإن الرد باإليجاب على هذا السؤال ،ومن ثم التوسع في نظرية عيوب الرضا من
طرف القضاء بهدف تحقيق التوازن العقدي من شأنه أن يمس بمبدأ استقرار المعامالت .
وعليه فإننا سنحاول في هذا الفصل التمهيدي التطرق للدور الحمائي ،الذي يمكن أن يقوم
به القاضي في ظل هذه النظرية ،في شكل فقرات ،نعالج في األولى منها نظرية الغلط ،وفي الثانية
لنظرية اإلكراه ،بينما في الفقرة الثالثة نتناول نظرية التدليس ،وأخي ار نلتمس مدى نجاعة نظرية
الغبن واالستغالل في الفقرة الرابعة .
-د.عبد القادر العرعاري :النظرية العامة لاللتزامات في القانون المدني المغربي ،الجزء األول ،مصادر االلتزامات، 1
مقصود منه ذلك ،على اعتبار ،أن الغلط في ذاتية الشيء يجعل العقد باطال ،ومن ثم يقول بأن الفقه يفسر هذا المصطلح
بقصد المشرع الحقيقي ،والذي يتمثل في مادية الشيء .
-عبد الرحيم بن سالمة :عيوب الرضا في القانون المغربي ،مجلة الملحق القضائي ،ع ، 31 :يونيو ، 1996 ، 3
ص . 56 :
9
وسيطا في إبرام العقد إمكانية إبطاله في األحوال المنصوص عليها في الفصلين 41و 42
ق.ل.ع ،بمقتضى الفصل 45من نفس القانون.1
ثانيا :الغلط في القانون
– 13والذي يعتبر مظه ار لتأثر المشرع المغربي بالنظرية الحديثة في الغلط ،والتي ال تعتد
بمختلف التقسيمات المعروفة لدى أنصار النظرية التقليدية ،عدا ما كان من شرط أن يكون الغلط
جوهريا ودافعا إلى التعاقد ،وهو ما نص عليه المشرع في حالتنا هذه بمقتضى الفصل 40
ق.ل.ع.م "الغلط في القانون يخول إبطال االلتزام:
– 1إذا كان هو السبب الوحيد أو األساسي؛
– 2إذا أمكن العذر عنه".
– 8في ظل هذه المعطيات ،نتساءل عن مدى إمكانية اعتماد القضاء على نظرية الغلط
في سبيل تحقيق توازن عقدي؟
بداية نقول بأن مجرد االختالل البسيط ال يمكن الدفع به ،وهو ما صرحت بت المحكمة
االبتدائية للدار البيضاء 2في حكم لها بتاريخ 13نوفمبر ،1930حيث اعتبرت أن الغلط في
القيمة ال يشكل عيبا إلرادة المتعاقد.3
لكنه وفي ظل انتشار العقود النموذجية ،وما يعتريها من تعقيد في صياغة بنودها ،األمر
الذي ينتج عنه صعوبة فهم محتواها ،السيما بالنسبة للطرف القليل الخبرة ،والذي ال تمكنه ثقافته
القانونية والفنية من اإللمام بها ،مما يعرضه للغلط. 4
– 14ويبدو أن القضاء يحاول جاهدا أن يراعي مجموع هذه المعطيات ،حيث نجده يتشدد
في قبول الدفع بالغلط من طرف األشخاص المحترفين ،وفي مقابل ذلك يتساهل إزاء غيرهم
كالمكتري ،المقترض والمستهلك عموما.
وهو ما جعل القضاء الفرنسي يقرر أنه كلما كان العقد محتويا على شروط معقدة ،السيما
بالنسبة لألشخاص غير المحترفين الذين تنقصهم الخبرة ،فإن المشترط يلتزم بتقديم كافة البيانات
من أجل توضيح هذه الشروط ومداها ،مما يجنب المتعاقد غير الخبير من الوقوع في الغلط. 1
-د.أحمد شكري السباعي :نظرية بطالن العقود في القانون المدني المغربي والفقه اإلسالمي والقانون المقارن ،ط 1
المصري والفقه اإلسالمي – كلية الحقوق ،جامعة القاهرة ،ط ،1991.حيث تناول مختلف المشاكل التي يثيرها الغلط .
10
بل إن هذا األخير عمل على التوسع في تفسير المادة 1110مدني المقابلة ،للفصل 41
ق.ل.ع.م ،بما من شأنه حماية الطرف الضعيف ،وهكذا قضت محكمة النقض الفرنسية في قرار
لها بتاريخ 18يوليوز 1958بإبطال عقد قرض مؤجل لكون المقترض وقع في غلط عندما اعتقد
بأن القرض يدفع فور التعاقـد. 2
وفي قرار لها بتاريخ 15فبراير 1950ذهبت فيه إلى "أن عدم إظهار الشرط الذي ينص
ع لى عدم إمكان االستفادة من القرض إال بعد مرور عدة سنوات في مكان متميز من العقد ،فإن
الشركة المقرضة تكون قد أوقعت عميلها في غلط جوهري متعلق بأحد شروط العقد األساسية". 3
وحديثا ،بدأت محكمة النقض الفرنسية تتوسع في تقرير أنواع الغلط القابل لإلبطال ،ففي
قرار لها بتاريخ 17مارس 1987قضت بحماية المتعاقد الذي وقع في غلط بالنسبة لشرط متعلق
بعدم الضمان. 4
وذلك بخالف القضاء المغربي ،الذي ظل وفيا لروح الفصول المنظمة للغلط دون أن يتمكن
من التوسع في تفسيرها ،بما يخوله حماية الطرف الضعيف ويساير المتغيرات التي عرفتها وتعرفها
المعامالت .
– 15وبالرغم من التوسع الذي قام به القضاء الفرنسي في نظرية الغلط ،محاولة منه
لتحقيق قدر من التوازن في ظل انتشار الشروط التعسفية والعقود النمطية ،فإن هذه النظرية كما
يقول األستاذ عبد الباسط الجميعي 5تظل قاصرة على أن تكون الوسيلة الفعالة في هذا المجال،
خصوصا لما يترتب عن إعمالها من إبطال العقد ،وليس استبعاد الشروط التعسفية مع اإلبقاء على
وجوده ،وإذا كان األمر كذلك ،فهل استطاعت نظرية اإلكراه أن تسعف القاضي في االستجابة لهذه
المتغيرات ؟
الفقرة الثانية :اإلكراه La Violence
– 16من المعلوم أن اإلكراه 6إما أن يكون ماديا أو معنويا ،ويستبعد الفقه النوع األول منه،
بحيث يؤكد أن ال عالقة تربطه بعيوب الرضا ، 1على اعتبار أن إرادة المتعاقد تكون قد انعدمت،
1
- Berlioz (G) : le contrat d’adhésion , L.G.D.J , PARIS, 1973, P : 101 .
2
- Cité par : Berlioz (G) : op.cit, p :100
Hélène bricks : les clauses abusives , paris, L.G.D.J, 1982, p :185 .
3 - Cité par : Hélène bricks : op.cit , p :195 .
4 - Cité par : calais auloy : droit de la consommation, Dalloz, paris, 1996, p :155 .
-د.حسن عبد الباسط جميعي :أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد – ظاهرة اختالل التوازن بين 5
االلتزامات التعاقدية في ظل انتشار الشروط التعسفية – دراسة مقارنة ،دار النهضة العربية ،القاهرة، 1991 – 1990 ،
ص . 70 :
-يعرف المشرع المغربي اإلكراه في الفصل 46ق.ل.ع ،بقوله " :اإلكراه إجبار يباشر من غير أن يسمح به القانون، 6
يحمل بواسطته شخص آخر على أن يعمل عمال بدون رضاه" .
11
مما يجعله أقرب إلى القوة القاهرة منه إلى مجرد عيب في اإلرادة ،أما اإلكراه المعنوي فهو الشائع،
والذي سنخصه بالدرس في هذه الفقرة.
– 17وفي هذا الصدد نتساءل عن موقف القضاء من "اإلكراه االقتصادي" الذي نتج عن
تغير الظروف االقتصادية ،والتي ترتب عنها استغالل الطرف الضعيف ،وبدون استعمال أي
وسائل ترهيبية ؟
وقبل الجواب عن هذا السؤال ال بد من تبيان شروط اإلك اره الموجب لإلبطال ،وبالرجوع إلى
الفصل 47ق.ل.ع ،نجد المشرع المغربي يحددها كما يلي :
-استعمال و سائل للضغط على إرادة المكره ،
-أن تحدث هذه الوسائل رهبة في وجه من وجهت إليه ،مما يدفعه للتعاقد ،
-أن يكون هدف المكره غير مشروع ،ويستوي في ذلك أن يباشر اإلكراه المتعاقد اآلخر
أو أي شخص من الغير ،بخالف ما يسري عليه األمر بالنسبة للتدليس .
– 18وال بد من اإلشارة إلى أن المشرع المغربي لم يعتد بالنفوذ األدبي ، 2الذي يمارسه
بعض األفراد على من عليهم سلطة معنوية كاألب واألم بالنسبة لالبن ،وذلك بمقتضى الفصل 51
ق.ل.ع ،الذي جاء فيه "الخوف الناشئ عن االحترام ال يخول اإلبطال إال إذا انضمت إليه
تهديدات جسيمة أو أفعال مادية" .
وقد ذهب القضاء المغربي 3إلى تقرير اإلبطال بسبب اإلكراه المعيب للرضا في حالة حبس
األم البنتها الحامل في غرفتها والتي هي على وشك االقتران بمن سبب لها الحمل ،وتهديدها إياها
بتركها آلالم الوضع إذا لم توقع ورقة تتنازل بمقتضاها عن جميع حقوقها ألختها.
– 19وبالرجوع إلى السؤال الذي سبق أن طرحناه ،نقول بأن أول مالحظــة تبين عجز
نظرية اإلكراه عن تحقيق الهدف المنشود ،تتمثل في التعريف الذي أعطاه الفصل 46ق.ل.ع ،
والذي تطلب من خالله حصول فعل االنتزاع من طرف المكره ،وهو ما ال يظهـر أنه ينطبق على
حالتنا هذه ،بالرغم من أن بعض الفقه 4حاول باالعتمـاد علـى بعـض الق اررات الصادرة عن المحاكم
الفرنسية للقول بتحقق اإلكراه حتى في الحاالت التي ال يقـوم فيها المكره سوى بعمل سلبي ،ما دام
يستغله ،ويحقق به نفس أهداف العمل اإليجابي – المتمثل في االنتزاع . -
-للتعمق في إشكالية اإلكراه يمكن الرجوع إلى مؤلف :د.عمر السيد مؤمن :اإلكراه المفسد للرضا في قانون المعامالت 1
المدنية اإلماراتي ،دراسة مقارنة بالقانون المدني المصري والفقه اإلسالمي ،كلية الحقوق ،القاهرة ،طبعة . 1998
-أنظر في ذلك : 2
-د.أبو ستيت :نظرية االلتزام ،بدون ذكر سنة الطبع ،ص. 176: 4
12
باإلضافة إلى أنه حتى في حالة القول بانطباق نظرية اإلكراه على الطرف الضعيف
اقتصاديا ،فإنه ال يعتبر حال ناجعا ،1مادام يترتب على ذلك إبطال العقد ،وليس اإلبقاء عليه مع
محاولة تحقيق التوازن بين التزامات الطرفين ،وهو ما ال يرغب فيه أي من المتعاقدين ،بل إنه
يؤدي إلى اضطراب السوق ،على اعتبار أن جل العقود التي تبرم في وقتنا الحالي تتميز بهذه
الخصائص ،وهو ما يجعلنا نتساءل عن فائدة تمسك القاضي بباقي العيوب األخرى ،ما دام يترتب
عنها جميعا نفس الج ازء المدني ،وفي مقدمتها عيب التدليس ،الذي نخصص له الفقرة الموالية .
1
- Ghestin (J) : Traité de droit civil, la formation du contrat, 3ed, L.G.D.J, p :564 .
Calais auloy (J) : op.cit, p ; 156 . أيضا :
-د.محمد حسن قاسم :الوجيز في نظرية االلتزام ،المصادر واألحكام ،ط ،1994.ص . 57 : 2
4
- Ghestin (J) : La réticence, le dol et l’erreur sur les qualité substantielles ,1971, p : 247 .
13
تأباه المعامالت الجاري بها العمل فإنه ال يستوجب اإلبطال ،أما العنصر الثاني فهو معنوي
ويقصد به أن تنصرف نية المدلس إلى تضليل المتعاقد معه. 1
الشرط الثاني :أن تكون أفعال التدليس هي الدافعة للتعاقد .
الشرط الثالث :أن يتم ارتكاب التدليس من طرف أحد المتعاقدين أو من يعمل بالتواطؤ
معه .
– 22ويبقى التساؤل عن الدور الذي يستطيع القاضي 2القيام به باالعتماد على نظرية
التدليس ،لتحقيق التوازن بين التزامات المتعاقدين ؟
وإذا رجعنا للقضاء الفرنسي ،فإننا نجده استطاع فعال أن يحقق قد ار مهما من هذا التوازن ،
فبعد أن تمسك ولمدة طويلة بعدم اعتبار السكوت وسيلة من الوسائل االحتيالية ،نراه قد غير موقفه
ابتداء من سنة ،1958بالرغم من خلو التشريع الفرنسي من النص على الكتمان ،وكان ذلك
بمقتضى قرار محكمة النقض الفرنسية 3بتاريخ 19ماي ، 1958حينما قضت بأن السكوت في
صورة الكتمان يمكن أن يكون فعال تدليسا .
وفي قرار آخر لها بتاريخ 5فبراير 1987ذهبت محكمـة النقـض الفرنسيـة 4إلى أن النفاق
يقوم مقام التدليس إذا تم عن قصد ومن أجل تضليل المتعاقد اآلخر ودفعه إلى التعاقد .
– 23وهو ما سار عليه القضاء المغربي ،مع العلم أن هذا األخير بخالف نظيره الفرنسي،
يجد سنده في الفصل 52ق.ل.ع ،حيث ذهب المجلس األعلى 5في قرار له بتاريخ 4يونيو
1970إلى "أن كل اتفاق يعد الغيا إذا ثبت أن المؤمن له قد كتم الحقيقة أو أفضى بتصريح غير
صحيح ،وذلك إذا كان هذا الكتمان أو التصريح من شأنه أن يغير موضوع المجازفة ،أو يخفف
منها في نظر المؤمن" .
بل إن القضاء الفرنسي سمح للمدلس عليه بإمكانية التمسك باإلبطال حينما يتعلق التدليس
بمجرد شرط من شروط التعاقد بدون أن يربطه بانعقاد العقد ذاته ،6واألكثر من ذلك فقد منح
-وفي هذا الصدد جاء في قرار للمجلس األعلى بتاريخ 15يوليوز 1965بأن مجرد الكتمان ال يترتب عنه بطالن 1
التأمين الذي يستدعي عدم الضمان ،بل ال بد من إثبات سوء نية المؤمن له ،فسوء النية ال يفترض ،وأن عبء إثبات سوء
النية إنما يقع على ع اتق من يدعيه ،وهذا بخالف بعض الق اررات التي صدرت فيما بعد والتي اعتدت بالكتمان ،كما
سنشير إليه في متن الصفحة الموالية .
2
- Ghestin (J) : conformité de garantie dans la vente , (produits mobiliers) , L.G.D.J , 1983 ,
P :76 et S .
3
- Ghestin (J) : traité de droit civil , le contrat , L.G.D.J , 1980 , N 430 .
- conformité de garantie dans la vente, op.cit, p : 87 أيضا كتابه :
4
- cass.civil ,BUL.CIV, N 36, p : 31 .
-مجلة القضاء والقانون ،العدد ، 118ص . 444 : 5
6
- cass.com, DALLOZ, 1955, p : 254
14
للمدلس عليه إمكانية المطالبة إما بإبطال العقد أو قبول عرض المدلس بتخفيض الثمن عوض
اإلبطال ، 1وهو غالبا ما يسعى إليه الطرف الضعيف ،الذي لن يجديه نفعا انهيار العقد ،في ظل
الحاجة وازدياد ظاهرة االحتكار بمختلف صوره .
– 24ومهما قيل بخصوص الدور الذي يستطيع أن يلعبه القاضي بمقتضى نظرية
التدليس ،بسبب الصالحيات التي يخولها إياه ،من خالل منح المتعاقد دعوى اإلبطال مع دعوى
التعويض ،باإلضافة لسهولة إثبات الطرق االحتيالية ،فإنه بالرغم من ذلك تبقى ذات فعالية
محدودة ،فالقضاء ال يحكم بالتدليس نتيجة الكتمان إال استثناء ،وحتى مع توسيع دور القاضي في
هذا المجال ،فإنه ال يصل بذلك إلى الوقوف بجانب الطرف الضعيف في العالقة التعاقدية ، 2ما
دام أن النتيجة التي سيصل إليها هي إبطال العقد ، 3بينما هو في أمس الحاجة إليه ،كل ما كان
يرغب فيه هو عدم نفاذ الشرط تجاهه إذا كان تعسفيا ،وتخفيف باقي االلتزامات األخرى من قبل
القاضي حتى يتحقق نوع من التوازن .
الفقرة الرابعة :الغبن واالستغالل La lésion et l’exploitation
– 25بالرجوع إلى الفصلين 55و 56ق.ل.ع.م ، 4يتضح بأن المشرع لم يتخذ من الغبن
نظرية عامة ،فهو لم يجعل من الغبن سببا إلبطال التصرفات التي يبرمها الرشداء ،إال في حالة
اقترانه بالتدليس ،بعلة أن الراشد له القدرة على اإلدراك والتمييز ،تؤهله لحماية مصالحه بوسائله
الخاصة ،وهو طرف يفترض فيه اليقظة بمتطلبات السوق وتقلباته ،وهو ما يجعل دور القضاء في
هذا الصدد قليل األهمية ،ما دام أن تدخل القانون محدود باختالل التكافؤ القانوني ،وال يبالي
بالتوازن االقتصادي للعقد ،وهو ما قد يضر ببقية األطراف الضعيفة المحتاجة للحماية الفعلية،
ويبقى أن نتساءل عن دور القاضي في إطار نظرية االستغالل التي أخذت بها معظم التشريعات
الحديثة 5؟
1
- cass.com, 14-03-1972, DALLOZ 1972, p : 653 .
-د.إدريس الفاخوري :حماية المستهلك من الشروط التعسفية ،م.م.ق.ق ،عدد ، 3يونيو ، 2001ص . 77 : 2
3
-Ghestin (J) : Conformité et garantie dans la vente , op . cit , p : 78
أنظر أيضا :
Malaurie (PH) et Aynes (Laurent) : cours de droit civil, les obligation, 1994, p : 238
-لفهم هذه النصوص يمكن الرجوع إلى : 4
د.إدريس العلوي العبدالوي :الغبن بين القانون الوضعي والفقه اإلسالمي ،المجلة المغربية للقانون المقارن ،ع 5 :و ، 6
ص.6:
-من ذلك القانون المدني المصري ،الذي جاء في المادة 129منه "إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين ال تتبادل البتة 5
مع ما حصل عليه المتعاقد من فائدة بموجب العقد ،أو مع التزامات المتعاقد اآلخر ،وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم
العقد إال ألن المتعاقد اآلخر قد استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامحا ،جاز للقاضي بناء على طلب المغبون أن يطلب
إبطال العقد أو أن ينقض التزامات المتعاقد" .
15
- 26بداية نود اإلشارة ،إلى أنه في ظل غياب نص قانوني صريح يقر بهذه النظرية من
عدمه ،ففي الوقت الذي نجد فيه بعض الفقه ، 1ينطلق من الفصل 54ق.ل.ع.م ،للقول بأن
القانون المغربي يكرس نظرية الغبن االستغاللي ،وفي مقدمة هؤالء األستاذ مأمون الكزبري 2الذي
يقول "فهذه النظرية الحديثة للغبن يمكن في رأينا تطبيقها في المغرب في الحاالت التي تنص
التشريعات الحديثة إلى وجوب األخذ بها ،وذلك استنادا إلى ما ورد في الفصل 54ق.ل.ع.م ،
وباإلضافة لهذا الفصل يدعم األستاذ أحمد شكري السباعي 3رأيه للقول بأخذ المشرع المغربي
بنظرية الغبن االستغاللي بالفصول 1035 ،1034 ،878ق.ل.ع.م ،والفصل 306من القانون
البحري المتعلق باإلغاثة البحرية ،وفي المقابل نجد مجموعة من الفقهاء 4ينتقدون التوجه السابق،
واألساس الذي تم على إثره بناء هذه النظرية ،معتبرين الفصل 54ق.ل.ع.م ،خطي ار وعجيبا في
آن واحد ،السيما من حيث السلطة الممنوحة للقاضي بمقتضاه ،والتي من شأنها أن تعرض التعامل
لالهتزاز .
- 27ولم يتردد المجلس األعلى في بعض ق ارراته من تأويل الفصل 54ق.ل.ع.م ،على
أنه يتضمن عناصر االستغالل ،وهكذا جاء في إحدى ق ارراته بتاريخ 04أبريل " 1980ال يشترط
إلبطال العقد للسبب المنصوص عليه في الفصل 54أن يكون الشخص فاقد الوعي ،بل يكفي أن
تكون إرادته معيبة بسبب المرض الذي نزل به ،وأن المتعاقد معه استغل وضعيته هذه فحصل منه
إلبرام عقد ما كان ليقبله لو كان سليما معافى ،وأن المحكمة لما لها من سلطة التقدير الممنوحة
لها بمقتضى الفصل 54ق.ل.ع.م ،اعتبرت أن الهالك لم يكن ح ار في تصرفه وأن المشتري استغل
المرض الخطير الذي نزل به فأحضر الموثق للمصحة التي كان يعالج فيها وأشهد بالبيع". 5
-د.أحمد شكري السباعي :بطالن العقود في القانون المدني المغربي والفقه اإلسالمي والقانون المقارن ،مرجع سابق، 1
ص . 291 :
د.مأمون الكزبري :نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي ،الجزء األول ،مصادر االلتزام،1974 ،
ص . 123 :
كما أشارت لهذا الرأي الباحثة :حسنة الرحموني :حماية المستهلك ضد مخاطر القروض االستهالكية ،ر.د.د.ع.م ،في
القانون المدني ،جامعة محمد الخامس /الرباط – أكدال ،ص . 52 :
-د.مامون الكزبري :المرجع السابق ،ص . 123 : 2
-د.إدريس العلوي العبدالوي :دروس في االلتزامات ،نظرية العقد ،ص . 54 : 4
د.علم الدين إسماعيل :أصول القانون المدني ،الجزء األول ،نظرية االلتزامات ، 1977 ،ص . 247 :
-مجلة اإلشعاع :العدد ، 11ص 139 :و . 140 5
16
وفي قرار آخر بتاريخ 13يونيو ،1988ذهب المجلس األعلى 1فيه حيث "إنه بمقتضى
الفصل 54ق.ل.ع.م ،إذا استغل أحد المتعاقدين مرض المتعاقد اآلخر ،وأبرم معه عقدا ال تتعادل
فيه التزامات الطرفين ،فإن الطرف المغبون غبنا استغالليا ،يسوغ له أن يطالب بإبطال العقد" .
– 28وفي انتظار أن يعمل المشرع المغربي على إقرار هذه النظرية بشكل صريح ،كما
هو معمول به في بعض القوانين المقارنة ،التي خولت لقضائها سلطة إنقاص التزامات الطرف
المغبون إلى الحد المطلوب متى طلب ذلك الطرف المغبـون ،أو إبطال العقد إذا ما فضل هذا
األخير ذلك ،وهو ما يجعل نظرية االستغالل تتجاوز باقي عيوب الرضا التي ال تقرر إال اإلبطال،
مع ما يترتب عن ذلك من ضرر بالطرف الضعيف.
– 29وبالرغم من ذلك فإن نظرية االستغالل ذاتها ال تحقق التوازن بالشكل الذي ننشده،
في ظل انتشار ظاهرة االختالل االقتصادي والقانوني والفني بين أطراف العقد ،فهي ال تسمح
للقاضي بالتدخل إال إذا كان عدم التعادل فادحا ،وهو ما يعتبـر قصـو ار في تغطية مجمل العقود
التي ال تصل إلى هذه الدرجة من التفاوت ،لكنها مع ذلك تلحق ضر ار بقليلي الخبرة ،ومن جهة
ثانية فإن المشرع يتطلب لتحقق نظرية االستغالل شرطا ثانيا وهو أن يستغل أحد المتعاقدين في
اآلخر طيشا بينا أو ما يعرف بالعنصر النفسي ،وهو ما ال يتوفر في العقود التي نسعى إلى
الوقوف فيها بجانب الطرف الضعيف قليل الخبرة .
في ظل هذا القصور ،نتساءل عن مدى تحقيق القاضي لهذا الهدف عن طريق تفسيره
للعقد وبعض النصوص القانونيـة المتفرقـة ،وهـو موضـوع الفصـل األول من هذه الدراسة .
-مجلة القضاء والقانون ،العدد ،139 :ص 103 :و . 104 1
17
18
19
20
– 30إذا كانت بعض القوانين قد ذهبت بعيدا في حمايتها للطرف الضعيف ،بإصدارها
لمجموعة من النصوص التشريعية التي تهدف لتحقيق هذه الغاية ،مثل قانون حماية المستهلك،1
وضمان حرية المنافسة 2والتأمين ،وغيرها ،وفي انتظار صدور قانون حماية المستهلك 3إلى حيز
الوجود ،فإن هناك وسائل أخرى يستطيع بها القاضي الوصول إلعادة التوازن لاللتزامات ،وبذلك ال
تبقى الطريقة الكالسيكية الجديدة الدرب الوحيد التي تمكن القاضي من تحقيق ميزان التعادل بين
االلتزامات.
– 31بل إن هناك مجموعة من النصوص القانونية ،إن حاول القضاء التوسع في
تفسيرها ،فإن بإمكانه أن يصل بها إلى حماية كافية للطرف الضعيف ،ذلك أن النص القانوني
يجب النظر إليه وقت تطبيقه ،4بحيث في هذا الوقت بالذات يتعين على القاضي أن يراعي
الظروف الواقعية للمجتمع الذي يسري عليه ،وسنقتصر على بعض النصوص التي استطاع
القضاء المقارن من خاللها في مرحلة مهمة ،من فرض التزامات جديدة على عاتق الطرف القوي،
في مقدمتها االلتزام بتبصير الطرف األقل خبرة ، 5لتقوية الجانب الحمائي لهذا األخير ،وتتمثل
باألساس في الفصلين 1135 ،1134قانون مدني فرنسي (والتي يقابلها الفصل 231ق.ل.ع.م)،
كما سنتناول دور القاضي في إقرار أكبر قدر ممكن من الحماية للطرف الذي تعترضه مجموعة
من الصعوبات المالية واالقتصادية أثناء تنفيذ العقد ،وذلك من خالل منحه لمهلة الميسرة 6التي
تجد سندها في الفصل 243ق.ل.ع.م (والتي تقابلها المادة 1244في القانون الفرنسي) .
1
- Ghestin (J) : Traité de droit civil , la formation du contrat , L.G.D.J , 1993 , p : 153 . .
Gourdet genevieve : droit de critique et consommation , R, T, Dr, Com, T 2 1980, p : 25 .
Jean calais-auloy : l’influence du droit de la consommation sur le droit civil des contats,
R.Tr.Dr.civ, T 2, 1994, p : 239 .
Laroumet christian : op.cit, p : 101 .
- 2يمكن الرجوع إلى :
Gilles lhuiler : le critère jurisprudentiel d’application du droit de la concurrence ,
Re.Tr.Dr.com, N 4, 1994, p : 645 .
- 3بخصوص الوضع في المغرب يمكن الرجوع ألطروحة :
Bendraoui abderrahim : la protection du consommateur au Maroc, Agdal, 2001
4
- Patrick hunout : un couple fondamentale vers une authropologie des décisions judiciaires,
Re.de droit et de culture, N 12, 1986, p : 77 .
5
- Fontaine (marcel) : la protection de la partie faible dans les rapports contractuel, p : 625 ,
ouvrage présenté par : le centre de droit des obligation de l’université de paris 1, L.G.D.J,
1996 .
- Ghestin (J) : la formation du contrat, op . cit, p : 576 et S .
- Malaurie (ph) et Aynes (Laurent) : op.cit , p : 239 .
6
- Datry : l’échéance , délai de grâce et moratoire , thèse de Lyon , 1945 .
21
وعليه فإننا سنتناول في هذا الفصل دور القاضي في تحقيق التوازن العقدي من خالل
مؤسسة التفسير في مبحث أول ،على أن نعالج في المبحث الثاني هذا الدور من خالل تفسير
بعض النصوص القانونية .
المبحث األول :
تحقيق التوازن العقدي عند تفسير القاضي لبنوده
– 32يقصد بالتفسير حسب الدكتور 1عبد القادر العرعاري "تلك العملية الذهنية التي يقوم
بها القاضي من أجل الوقوف على اإلرادة الحقيقية للمتعاقدين ،وله الحق في أن يستعمل كل
األساليب القانونية التي من شأنها أن تساعده على معرفة قصد المتعاقدين وال يكون للتفسير موجب
من الناحية العملية إال إذا كانت ألفاظ العقد غامضة أو مبهمة تحتمل أكثر من معنى إال أن ذلك
ال يمنع من تفسير بعض العقود حتى ولو كانت العبارات المستعملة واضحة متى تطلب األمر
ذلك".
– 33وعموما فإن مؤسسة التفسير تعتبر منفذا مهما للقاضي إلى العقد قصد تحديد
مضمونه ،2ومحاولة إيجاد توازن بين التزامات طرفيه ،وقد نقل عن demogueبأنه وعن طريق
هذه المؤسسة يتجاوز القاضي البحث عن إرادة الطرفين إلى مسألة التطويع .
ومما ينبغي تسجيله بداية هو أن سلطة القاضي في تحقيق التوازن من خالل تأويل العقد
تكون ضيقة إذا ما كانت عباراته واضحة (المطلب األول) بينما تكون واسعة كلما كانت عباراته
غامضة (المطلب الثاني) .
المطلب األول :دور القاضي السلبي إزاء العقد الواضح العبارة
– 34حسب مقتضيات الفصل 461ق.ل.ع.م ،الذي جاء فيه "إذا كانت ألفاظ العقد صريحة
امتنع البحث عن قصد صاحبها" ،فإن العقد الواضح ال يفسر بل ينفذ ،كما ذهب إلى ذلك معظم
الفقه ،3وسار عليه القضاء الفرنسي منذ زمن ليس بالقريب .
بمعنى أن القاضي يفقد سلطته بشكل شبه مطلق في التفسير – ومن تم ال يستطيع التدخل
في مضمون العقد إليجاد التوازن بين التزامات أطرافه – إذا ما كانت عبارات العقد واضحة،
وكانت محكمة النقض الفرنسية تعتبر التفسير في هذه الحالة تحريفا للعقد ،4وتؤسس ذلك على
-د.حسن رشوان حسن :أثر الظروف االقتصادية على القوة الملزمة للعقد ،ص . 326 : 2
3
- cour suprême, civ.10 – 07 – 1962, recueil des arrêts de la cour suprême, chambre civil,
Tome 2, p : 53 – 54 R.M.D, p : 169 – 170 .
- 4مجلة رابطة القضاء ،ع 2 :و ، 1966 ، 3ص . 23 :
23
الفصول 230و 461و 462ق.ل.ع.م ،حيث إن العقد شريعة المتعاقدين ،وأنه ال يكون هناك
محل للتفسير عندما تكون ألفاظ العقد صريحة ،وبما أن التفسير ال يكون له موجب إال في الحالة
التي تكون فيها العبارة غير واضحة بذاتها أو ال تتالءم مع الغرض الواضح من العقد أو عندما
ينشأ الغموض من مقارنة بنود العقد ،بحيث تثير الشك حول مدلولها ،إن قاضي الموضوع اعتقد
بأن هناك محال للتفسير ،ألن العقد تضمن اإلشارة إلى ظهير 25يونيو 1927الذي يجعل على
عاتق المشغل الحوادث الواقعة خارج المغرب). 1
– 38وبذلك يكون القضاء المغربي قد كرس موقف الفقه ،2الذي يعتبر أن العقد الواضح
ال يفسر بل ينفذ ،وبالتالي يكون دوره سلبيا في هذه الحالة ،على اعتبار أن مهمته تنحصر في
تطبيقه كما هو ظاهر ،وبعبارة أخرى فإن وضوح العبارات الواردة فيه يهدي القاضي إلى الحكم
الذي ارتضاه الطرفان. 3
– 39غير أن ذلك ال يعني إعدام دور القاضي نهائيا ،بل يمكنه أن يقوم بعمل إيجابي في
مجال التأويل ،الذي يمكن أن يتخذ وسيلة لمواجهة عدم التوازن بين المتعاقدين ،وذلك بصفة غير
مباشرة ،حيث يسترجع دوره كلما تبين له أن عباراته واضحة ،إال أنها غير متوافقة مع الهدف
الظاهر منه ،وفي ذلك قررت محكمة االستئناف بالرباط أنه (عند تفسير العقد يجب على القضاة
البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين بدل الوقوف عند المعنى الحرفي لأللفاظ). 4
وهو المسلك الذي كرسه المجلس األعلى في العديد من الق اررات ،من ذلك القرار الصادر
بتاريخ 20أبريل ،1966والذي قضى فيه (بأنه لمحكمة الموضوع في أال تعتبر في العقود إال
معناها ،ال مبناها ،وأنها حينما تقرر أن العقد المبرم بين الطرفين عقد كراء ،ال عقد شركة ،تصحح
الوضع بالنسبة للتعبير الفاسد). 5
وفي قرار آخر للمجلس األعلى بتاريخ 7يناير ،1976جاء في إحدى حيثياتـه (لكن حيث
إنه حسب الفقرة األولى من الفصل 462ق.ل.ع.م ،فإن صراحة ألفـاظ العقد ال تحول دون تأويله
إذا تعذر التوفيق بينها وبين الغرض المقصود من العقــد ،وأن المحكمة المخولة لها سلطة تقدير
الحجج والوقائع قد اعتبرت – استنادا على وقائع الملف – أن عقد 28أبريل 1959هو أول عقد
يتعلق بالمحطة المتنازع بشأنها وبأنه عند تحرير العقد المذكور لم يكن بالمحطة ال عمال وال زبناء
-د.عبد الرزاق السنهوري :الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،الجزء األول ،المجلد األول ،نظريـة االلتزام ، 2
4
- cass.civ , 13 Mai 1970 , J.C.P – 1971 , T 2 , 16891 .
25
عدم التوازن بين أطراف العالقة التعاقدية يكون سلبيا ،إال أنه متى تبث أن النية المشتركة
للمتعاقدين تخالف مدلول العبارة ،فإنه يتعين على القاضي األخذ بما يراه أقرب إلى قصد
المتعاقدين وهو ما يسمح له بتدخل غير مباشر في مضمون العقد ،بما يخول له خلق توازن بين
التزامات األطراف .
– 43وما عليه إال أن يبين األسباب التي دعته إلى االنحراف عن المعنى الظاهر للعبارة،
وهذا ما أكده قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ 20ماي 1977بقوله ( :وحيث إن محكمة
االستئناف أبعدت تطبيق الشرط لعلة أنه أضيف للعقد تعسفيا ودون موافقة الطرف اآلخر ،ودون
أن تبين األسباب والمستندات التي اعتمدتها لتكوين اقتناعها ،هذا األمر الذي يجعل ق ارراها غير
معلل تعليال كافيا . 1)...
وفي قرار آخر بتاريخ 7أبريل 1982اعتبر فيه المجلس األعلى (بأنه يج ـب أن يكون كل
حكم معلال تعليال كافيا وصحيحا وإال كان باطال ويعد فساد التعليل بمثابة انعدام ـه ،ال مجال
للتأمين إذا كانت الناقلة المؤمن عليها قد استخدمت للنقل بعوض والحال أنها مؤمنة لغير ذلك). 2
– 44ونفس المسلك يسير عليه القضاء المصري ،من ذلك الحكم الذي صدر عن محكمة
النقض المصرية بتاريخ 12أبريل ،1978حيث جاء فيه (إذا لم يتخير المتعاقدان األلفاظ المعبرة
عن حقيقة قصدهما أو أحاط بهذه األلفاظ الواضحة من المالبسات ما يرجح معه حمل معناها
على معنى آخر مغاير ،فإنه يحق للقاضي االعتداد بالقصد المشترك للعاقدين ،على أن يبين في
حدود سلطته الموضوعية األسباب المقبولة التي تبرر مسلكه ،وال رقابة لمحكمة النقض عليه في
ذلك ،متى كانت عبارات العقد تحتمل المعنى الذي حصله ،وكان قضاؤه يقوم على أسباب
سائغة). 3
– 45نخلص مما سبق أن القاضي يمكنه أن يتدخل بشكل إيجابي وبصفة غير مباشرة
في مجال تأويل العقد ،ولو كانت العبارة المكتوبة واضحة إذا لم تكن تعبر عن اإلرادة المشتركة
للطرفين ،وهو المسلك الذي كرسه االجتهاد القضائي المغربي ،مما ينتج عنه إمكانية مواجهة
القاضي لعدم التوازن العقدي .
وإذا كان األصل في حالة وضوح العبارة هو أن دور القاضي يكون سلبيا وال يمكنه التدخل
إال بشكل غير مباشر حينما تكون عبارات العقد ال تعبر بشكل صادق عن اإلرادة المشتركة
-قرار رقم 201صادر بتاريخ ، 1977 – 05 – 20مجلة قضاء المجلس األعلى ،ع ، 25 :مـاي ، 1980ص : 1
. 58
-أورده د.عبد العزيز توفيق في كتابه :قضاء المجلس األعلى في التأمين ،الملحق األخير . 2
-طعن ، 442بتاريخ ، 1978 – 04 – 12أورده الدكتور جميل صبحي في مقال له تحت عنوان :تأويل العقود بين 3
القانون والقضاء والفقه في المغرب ومصر ،مجلة القضاء والقانون ،ع ، 1985 ، 134 – 133 :ص . 143 :
26
للمتعاقدين ،فإنه وفي مقابل ذلك يتمتع بدور إيجابي وبشكل مباشر حينما تكون شروط العقد
غ امضة ،باعتبار أن هذه الحالة هي التي تشكل اإلطار الذي ال تبخل نظرية سلطان اإلرادة 1عن
الترخيص فيها للقاضي باالضطالع بدوره األكثر إيجابية في مجال التأويل ،وهو ما سنتطرق إليه
في المطلب الموالي .
المطلب الثاني :إمكانية تحقيق التوازن العقدي إذا كانت عباراته غامضة
– 46تعتبر سلطة القاضي في تفسير شروط العقد الغامضة ،من بين الوسائل المهمة
التي يتمتع بها ،لتحقيق قدر من التوازن عن طريق – تعديل – شروط العقد المفتقد للتوازن ،السيما
وأن أغلب هذه العقود يأتي في شكل غامض وغير محدد المعاني. 2
ويقصد بالشروط الغامضة عدم التوافق بين األلفاظ واإلرادة الحقيقية للمتعاقدين ،وقد تكون
العبارة واضحة لكن اإلرادة غامضة ،كما تكون اإلرادة واضحة لكن العبارة غامضة ،وقد يكون
الغموض في اإلرادة والعبارة معا .
وقد نص الفصل 462ق.ل.ع.م ،على مجمل الحاالت التي تستدعي التفسير وهي:
• إذا كانت األلفاظ المستعملة ال يتأتى التوفيق بينها وبين الغرض الواضح الذي قصد عند
تحرير العقد .
• إذا كانت األلفاظ المستعملة غير واضحة بنفسها ،أو كانت ال تعبر تعبي ار كامال عن قصد
صاحبها .
• إذا كان الغموض ناشئا عن مقارنة بنود العقد المختلفة ،بحيث تثير المقارنة الشك حول
تلك البنود .
وال يعني سرد هذه الحاالت ،أنها وردت على سبيل الحصر ،وإنما يكون الغموض كلما كانت
عبارات العقد تحول دون استخالص النية المشتركة إلرادة المتعاقدين .
وهو نفس الموقف الذي تبناه القانون الفرنسي ،فبالرجوع إلى القواعد المنظمة للتفسير،
وبخاصة المادة 1156مدني فرنسي 3نجد أن المشرع الفرنسي يحدد هدف التفسير في الوقوف
على النية المشتركة للمتعاقدين دون التمسك بالمعنى الحرفي لأللفاظ في حالة غموض العقد. 1
-د.محمد شيلح :سلطان اإلرادة في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي ،أسسه ومظاهره في نظرية العقد، 1
ر.د.د.ع ،في القانون الخاص ،جتمعة محمد الخامس /الرباط ، 1983 ،ص . 251 :
2
- François xavier testu : le juge et le contrat d’adhésion , J.C.P,Ed.gén, T 2,1993,p : 1 .
Malaurie (ph) et Aynes (Laurent) : op.cit, p : 350 .
- 3جاء في المادة 1156مدني فرنسي :
(on doit les conventions rechercher quelle a été la commune intention des parties
contractantes, plutôt que de s’arrêter au sens littéral des termes) .
27
– 47لكن هل يقتصر القاضي فقط على تقصي إرادة األطراف وتقديرها ،أم أن سلطته
أبعد من ذلك ،حيث تتعداها لتصل إلى مراقبة مضمون االتفاقات ومدى عدالتها بهدف تحقيق نوع
من التوازن بين االلتزامات ،السيما وأن هناك بعض النصوص القانونية تساعده على السير في
هذا االتجاه ،كالفصلين 473و 231ق.ل.ع.م ،المقابلين للمواد 1162و 1134من القانون
المدني الفرنسي .
إال أنه وقبل ذلك وارتباطا معه ،ال بد من اإلجابة على سؤال ذو شقين ،األول عن مدى
إلزامية قواعد التفسير 2وهل جاءت على سبيل الحصر أم التمثيل وبالتالي إمكانية التخلي عنها
واعتماد غيرها؟ أما الشق الثاني فيتعلق بمدى رقابة المجلس األعلى لسلطة قاضي الموضوع في
تفسير العقد الغامض ؟
3
،إلى أنه ابتداء من سنة 1908اعتبرت قواعد – 48يرى الفقيه الفرنسي Ghestin
التفسير المنصوص عليها في القانون المدني الفرنسي مجرد نصائح يستهدي بها القضاة دون أن
تكون ملزمة لهم ،وهو ما صرحت به العديد من الق اررات الصادرة عن محكمة النقض الفرنسية،4
من ذلك القرار الصادر بتاريخ 16فبراير 1892والذي جاء فيه ما يلي "إن المشرع في المادة
1156وما يليها وضع نصائح عامة للقضاة لمساعدتهم في تفسير العقود بدون أن تفرض عليهم"
1
- Ghestin (J) : op.cit, p : 29 et 30 .
- 2هناك بعض الفقه قام بعدة تصنيفات لقواعد التفسير ،ويبقى أبرزها ذلك الذي يميز بين قواعد التأويل المرتبطة بالعقد من الداخل ،وتلك
المرتبطة به من الخارج .
-وإجماال يمكن القول أن هناك عدة قواعد وردت في ق.ل.ع.م ،أهمها :
أوال :إن العبرة بالمقاصد والمعاني ال باأللفاظ والمباني ،وهي القاعدة التي كرستها الفقرة األخيرة من الفصل 462ق.ل.ع.م ،بقولها "عندما يكون
للتأويل موجب يلزم البحث عن قصد المتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي لأللفاظ وال عند تركيب الجمل" .
ثانيا :إعمال الكالم خير من إهماله ،طبقا للفصل 465ق.ل.ع ،الذي جاء فيه "إذا أمكن حمل عبارة بند على معنيين كان حمله على المعنى الذي
يعطيه بعض األثر ،أولى من حمله على المعنى الذي يجرده من كل أثر" .
ثالثا :التنازل عن الحق ال يتوسع في تفسيره ،حسب مقتضيات الفصل 467ق.ل.ع ،الذي ورد فيه "التنازل عن الحق يجب أن يكون له مفهوم
ضيق ،وال يكون له إال المدى الذي يظهر بوضوح من األلفاظ المستعملة ممن أجراه ،وال يسوغ التوسع فيه عن طريق التأويل ،والعقود التي يثور
الشك حول مدلولها ال تصلح أساسا الستنتاج التنازل منها" .
رابعا :العرف والعادة محكمان ،لما ورد في الفصل 470ق.ل.ع "إذا ذكر في االلتزام ،المبلغ أو الوزن أو المقدار على وجه التقريب بعبارتي (ما
يقارب وتقريبا) وغيرهما من العبارات المماثلة ،وجب األخذ بالتسامح الذي تقضي بت عادات التجارة أو عرف المكان" .
خامسا :األصل في الشك عدم الفعل ،وقد كرس هذه القاعدة الفصل 473ق.ل.ع "عند الشك يؤول االلتزام بالمعنى األكثر فائدة للملتزم" .
3
- Ghestin (J) : op.cit, page : 3 .
-أشار إليها اإلخوة مازو في كتاب دروس في القانون المدني ،ص ك . 323 4
28
وهو نفس المسلك الذي عبر عنه في قرار بتاريخ 10ماي ،1948حيث ذهب فيه إلى "أن القواعد
المنصوص عليها في الفصل 1156وما يليه تعتبر مجرد نصائح يستأنس بها القاضي". 1
– 49وفي مقابل القضاء الفرنسي الذي اتخذ موقفا واضحا ،فإننا لم نستطع أن نخرج
بموقف جلي لالجتهاد القضائي المغربي ،2بخصوص هذه النقطة للضبابية التي تعتري حيثياته في
هذا الصدد ،ورغبة منا في الدفع به إلى تبني نفس موقف محكمة النقض الفرنسية ،ندعو إلى ترك
هامش واسع للقضاء أثناء استعمال تقنية التفسير في البحث عن قواعد غيرها ،والتي تمكنه من
خلق توازن فعلي بين أطراف العالقة التعاقدية والوقوف بجانب الطرف الضعيف ،الذي أصبحت
إرادته – في ظل التطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم – يشوبها الغموض في أغلب األحيان .
– 50وإذا ما عدنا للفقه المغربي ،فإننا نجد األستاذ محمد الكشبور 3يعتبر تلك القواعد
مجرد توصيات يمكن للقضاة أن يجتنبوها ،وبخالف ذلك يرى األستاذ محمد شيلح 4أن قواعد
التفسير ملزمة للقاضي ،ومن تم عليه التقيد بها ،وإال وجب عليه تبيان األسباب الكافية والمعقولة
التي تبرر خروجه عن هذه القواعد ،والتي يمكن أن يقتنع بها المجلس األعلى .
وفي تعليق له على المادة 150/2من القانون المدني المصري ،يرى العالمة عبد الرزاق
السنهوري "أن ما ذكره النص من االستهداء في تعرف النية المشتركة للمتعاقدين بطبيعة التعامل،
فهذه قواعد ليست ملزمة وإنما يستأنس بها القاضي ،وهو حر في أال يتبعها إذا رأى أن إتباعها ال
يجدي وال يؤدي به إلى تعرف نية المتعاقدين ،وهو إذا جهر بذلك ال ينقض حكمه". 5
– 51والذي يهمنا من هذا كله ،أن هناك توجها جديدا ليس على مستوى الفقه فحسب،
وإنما يجد جذوره في القضاء المقارن – السيما الفرنسي – يتخذ من مؤسسة التفسير مطية إلعادة
-يرى الباحث نور الدين الناصري في رسالته أن المجلس األعلى يعتبر القواعد القانونية الواردة في الفصول 462 2
ق.ل.ع ،وما بعدها ،ال تشكل مجرد نصائح يسديها المشرع للقاضي تساعده في الكشف عن النوايا الحقيقية للمتعاقدين ،بل
قواعد ملزمة يشكل سوء تطبيقها خرقا للقانون يوجب النقض ،ليخرج بنتيجة أن المجلس األعلى بذلك يخالف موقف محكمة
النقض الفرنسية .
-للتعمق راجع رسالته في :دور القاضي في تفسير العقد ،ر.د.دع.م ،في القانون المدني ،جامعة الحسن الثاني /الدار
البيضاء 1999 – 1998ص . 64 :
غير أننا نعتقد بأن الباحث تسرع في استنتاجه السابق ،خصوصا وأنه استدل بقرار واحد للوصول إلى هذه النتيجة المجحفة
في حق سلطة القاضي أول ،وال تخدم بتاتا مصلحة الطرف الضعيف في العقد .
-د.محمد الكشبور :رقابة المجلس األعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية – دراسة مقارنة – أطروحة لنيل 3
دكتوراه الدولة في القانون الخاص ،جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء 1986 – 1985 ،ص . 159 :
-د.محمد شيلح :تأويل العقود في قانون االلتزامات والعقود المغربي ،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، 4
29
التوازن لاللتزامات التي يسودها الغموض ،وبالتالي الوقوف بجانب الطرف الضعيف ،1السيما وأن
الشروط المجحفة في حقه ،تكون عادة وبشكل مقصود غامضة أو غير محددة المعاني على وجه
دقيق ،وفي سبيل ذلك يتعين القول مع القضاء الفرنسي أن قواعد التفسير غير ملزمة ،وبالتالي
إمكانية األخذ بقواعد أخرى تمكن من البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين ،وفي نفس الوقت إزاحة
التعسف الذي التبس في شكل الغموض على اإلرادة المفترضة للطرف الضعيف ،وأن القول بغير
ذلك ،يعني التمسك المطلق بمبدأ سلطان اإلرادة كما أراده واضعو قانون نابليون ،وفي نفس الوقت
التمسك باإلرادة الشكلية وتجاهل التطورات التي يعرفها العالم ،والتي كان من نتائجها خلق بون
شاسع بين أطراف العقد .
ثانيا :سلطة قاضي الموضوع الشبه المطلقة في تفسير العقد الغامض .
– 52وفي سبيل تكريس التوجه السابق اإلشارة إليه ،فإن تفسير العقد الغامض يخضع
للسلطة المطلقة لقضاة الموضوع ،وال رقابة للمجلس األعلى على ذلك ، 2على اعتبار أن المسألة
تتعلق بالواقع الذي يكون من اختصاص قاضي الموضوع ، 3بحيث يغور في عالم النية والضمير،
وهو السبب الذي يحول دون بسط المجلس األعلى لرقابته ،أو على حد تعبير األستاذ الكشبور "إن
التفسير في هذه الحالة – حالة غموض العقد – يقتضي تقصي النية الحقيقية أو المفترضة
1
- Guido tedeschi et Ariel w.hecht : les contrats d’adhésion entant que problème de
législation-proposition d’une commission israélienne , Rev.inter.droit.comparé, 1960 , p : 588
et s.
- 2في سبيل الوقوف على المراحل التاريخية التي مرت بها محكمة النقض الفرنسية في إطار الرقابة على تفسير قاضي
الموضوع للعقد يمكن الرجوع إلى :
Marty et Raynaud : droit civil . T 2 , éd . 1962 , p : 204 .
وعموما يمكن التمييز بين ثالثة مراحل في مسار محكمة النقض الفرنسية :
تمتد المرحلة األولى من سنة 1808إلى غاية ،1872وفي ظلها وضعت محكمة النقض مجموعة من المبادئ ،تتمثل في
تمتع قاضي الموضوع بسلطة تقديرية واسعة في فهم بنود العقد ،وترتيب اآلثار المترتبة عليها ،دون أن يشكل ذلك خرقا
للفصل 1134من القانون المدني الفرنسي (المقابل للفصل 230ل.ع.م) ،وعلى فرض وقوع قاضي الموضوع في الخطأ
،فإنه ال يعدو أن يكون من باب القضاء السيئ الذي يقف طلب إصالحه في مرحلة االستئناف ،وال يخضع حكم قاضي
الموضوع للنقض إال في حالة استخالص قاضي الموضوع مفهوما معينا للعقد ،ثم يرفض تطبيق ما توصل إليه ألسباب
تتعلق بمبادئ العدالة .
أما المرحلة الثالثة فابتدأت من سنة ، 1872وال زال معموال بها لحد اآلن ،وخاللها تبنت محكمة النقض الفرنسية موقفا
جديدا ،تميز فيه بين ما إذا كانت عبارات العقد واضحة ،حيث ال يجوز لقاضي الموضع االنحراف عن معناها الظاهر
تحت ستار التفسير ،وإال تعرض حكمها للنقض ،أو أن عبارته غامضة ،حيث يتمتع قاضي الموضوع بسلطة واسعة في
مجال التفسير وال رقابة عليه من طرف محكمة النقض ،باعتبار ذلك يدخل في مجال الواقع الذي ال تبسط سلطتها عليه .
-يمكن الرجوع بهذا الخصوص إلى أطروحة األستاذ محمد الكشبور :مرجع سابق ،ص 158 :وما بعدها .
-مع مراعاة بعض الحاالت التي سيأتي ذكرها في الفقرة . 25 3
30
لألطراف والوقوف على ظروف التعاقد وظروف التعامل وما تقضي به قواعد حسن النية وعادات
التجار فيما بينهم ،وقد يستدعي األمر االستعانة بإجراءات التحقيق كالمعاينة والخبرة ،فالمسألة
إذن مسألة واقع ،ألن قاضي الموضع يبحث في عالم النية والضمير ليقتنع في النهاية بأن إرادة
األطراف قد اتجهت إلى تحقيق غرض معين". 1
– 53وفي هذا السياق جاء في قرار للمجلس األعلى بتاريخ 20أبريل "1961يتعرض
للنقض الحكم الصادر عن قضاة االستئناف ،الذين لم يكن بوسعهـم أن يرتبـوا أي مفعول على
االتفاق المبرم بين الخصوم". 2
وفي قرار آخر للمجلس األعلى صادر بتاريخ 07أبريل ،1964اعتبر فيه أن الشروط
الغامضة أو المعارضة التفاقات األطراف ،ال تخضع لرقابة المجلس األعلى. 3
– 54لكن هذا ال يعني أن قاضي الموضوع ال يخضع نهائيا لرقابة المجلس األعلى في
حالة العقد الغامض ،بل توجد هناك حاالت يعتبر عدم امتثال قاضي الموضوع لها خرقا للقانون،
وتحريفا للعقد ،ومنها تجريد العقد من كل أثر قانوني ،وفي ذلك ذهب المجلس األعلى في قرار له
بتاريخ 1دجنبر "1982أن الشك الذي ينتج عن مقاربة شروط العقد ،ال يجرد هذا األخير من أي
أثر ،فمن األولى تنفيذ العقد على تجريده من كل أثر عند تفسيره ،وتنفيذ العقد يفرض تفسيره من
طرف المحكمة ،التي تكون ملزمة بالبحث عن إرادة األطراف دون الوقوف عند المعنى الحرفي
لأللفاظ وال عند تركيب الجمل ،وعليه يخالف القانون ويتعرض للنقض الحكم الذي يجرد العقد من
كل آثر ،في حين كان من الممكن موافقة الشروط فيما بينها عبر التفسير". 4
ومن االستثناءات التي يخضع فيها القاضي لرقابة المجلس األعلى عند تفسيره للعقد
الغامض العبارة ،حالة تفسير الشك بشكل مخالف لروح الفصل 473ق.ل.ع.م. 5
كما أنه ومن بين ما قيل لتمديد رقابة المجلس األعلى ،أن انعدامها قد يؤدي إلى تعدد
التفسيرات ،مما يؤدي إلى المساس باستقرار التعامل ،السيما في إطار العقود التي يوليها المشرع
3
- cass.civ , 07-04-1964, R.M.D, 1965, p : 186 , cité par : François Paul blanc, op.cit,
p : 376 – 377.
-قرار عدد ،752منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى ،عدد ، 31مارس ، 1983ص . 32 : 4
-يرى الباحث علي هنانا أن القاضي يخضع لرقابة المجلس األعلى في حالة تفسيره الشك لفائدة الدائن ،ونقول بأن 5
الباحث أخطأ التعبير ،حينما اعتقد بأن المفهوم المخالف "للملتزم" هو الدائن ،في حين أن هذا األخير قد يكون طرف
ضعيف كالمؤمن له ،مما ينبغي تفسير الشك لصالحه .
أنظر هذا الرأي للباحث علي هنانا في رسالته :القضاء المدني والقوة الملزمة للعقد ،ر.د.دع.م ،في قانون األعمال –
جامعة محمد األول ،وجدة ، 2000 – 1999 ،ص . 54 :
31
عناية خاصة ،من ذلك العقد النموذجي للتأمين المنظم بمقتضى قرار نائب كاتب الدولة في المالية
بتاريخ 25يناير ،1965وأيضا العقد النموذجي للشغل بمقتضى القرار المؤرخ في 23أكتوبر
. 1948لذلك فإن أغلب العقود التي تبرم في هذا الصدد تحرر وفق هذه النماذج ،مما يؤدي إلى
وحدة أغلب شروطها ،وهو ما يستتبع رقابة المجلس األعلى بهدف توحيد تفسير بنود هذه العقود .
– 55وقد يبدو أن بسط رقابة المجلس األعلى في هذه الحالة ،يضيق من سلطة القاضي
في خلق توازن بين أطراف العقد ،ولكن األمر غير ذلك ،بحيث إنه بمجرد إلقاء نظرة على بعض
ق اررات المجلس األعلى ،يتبين أن هذا األخير ،ومن خالل تمديده لرقابته إلى هذا النوع من العقود
إنما يهدف بالعكس من ذلك إلى حماية مصالح الطرف الضعيف .
ومن ذلك القرار الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ 29أكتوبر 1959حيث جاء فيه "إن
قيام المؤمن له بتغيير استعمال الناقلة ،ال يمكن أن ينهض سببا في سقوط الضمان إال إذا كان
لهذا التغيير أثر مباشر على وقوع الحادث المؤمن عليه. "1
وفي قرار آخر بتاريخ 4دجنبر 1981ذهب فيه إلى "أن الفصل الرابع من القرار الصادر
بتاريخ 23أكتوبر ،1948ال يرتب أي جزاء على عدم إقامة الدعوى داخل أجل شهر من تاريخ
توصل العامل باإلنذار بالطرد من العمل ،ولهذا فإن عدم إقامة الدعوى داخل األجل المذكور ال
يسقط حق العامل في إقامتها بعد ذلك". 2
- 56بعدما بينا أن قواعد التفسير ال تشكل سوى نصائح وال تعتبر ملزمة لقاضي
الموضوع ،وأن بإمكانه البحث عن قواعد أخرى توصله إلى اإلرادة الحقيقية للمتعاقدين وفي نفس
الوقت تحقيق توازن فعلي بينهما .وتبين لنا أيضا أن بإمكان قاضي الموضوع أن يصل إلى ذلك
من خالل السلطة المطلقة التي يتمتع بها ،وتوصلنا إلى أنه حتى في الحاالت التي يخضع فيها
لرقابة المجلس األعلى إنما يكون الهدف من ذلك هو الوقوف بجانب الطرف الضعيف في العالقة
التعاقدية ،لنصل أخي ار إلى نتيجة قد ال تبدو مقبولة من قبل المتمسكين بمبدأ سلطان اإلرادة كما
أراده واضعوه ،ولكنها الحقيقة وهي أن تفسير القاضي لعبارات العقد الغامضة ليس دائما يؤدي إلى
التطبيق الكلي لإلرادة ،ولكن كثي ار ما يعمل القاضي إرادته ،ويصفها بأنها إرادة عقدية ،وبتعبير
ghestinإن العقد خرج عن نطاقه الكالسيكي وأصبح له مفهوما معاص ار. 3
– 57وما يؤكد ذلك أن المشرع المغربي نفسه نص في الفصل 473ق.ل.ع.م ،على أنه
"عند الشك يؤول االلتزام بالمعنى األكثر فائدة للملتزم" ،فإذا كان معلوما أنه ليس للقاضي من
سلطة أثناء التفسير سوى البحث عن إرادة المتعاقدين ،دون أن يمتد استخدامها إلى تحقيق التوازن
-مجموعة ق اررات المجلس األعلى :الجزء األول لسنوات ، 1960 – 1957ص ( 110 :باللغة الفرنسية ) . 1
3
- Ghestin (J) : op.cit , p : 61 et s .
32
والعدالة العقدية ،من خالل مراجعة غير مباشرة لمضمون العقد ،فلما تفسير االلتزام بالمعنى األكثر
فائدة للملتزم ،علما أن اإلرادة المشتركة التي يؤكد عليها أنصار نظرية سلطان اإلرادة في ثوبها
الكالسيكي ال تهدف دائما خدمة الملتزم ،وهو ما يمكن تأكيده بالرجوع لمقتضيات الفصل 231
ق.ل.ع ،السيما وأننا اعتبرنا قواعد التفسير ليست محصورة فيما ورد النص عليه في الفصل 462
ق.ل.ع .وما بعهده ،حيث ينص على أن "كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية ،وهو ال يلزم بما وقع
التصريح به فحسب ،بل أيضا بكل ملحقات االلتزام التي يقررها القانون ،أو العرف ،أو اإلنصاف
وفقا لما تقتضيه طبيعته" .
– 58وإذا كان بعض الفقه 1يرى أن القضاء لم يستوعب بعد ما يخوله الفصل 231
ق.ل.ع من إمكانيات للتدخل في مضمون العقد ،وهو نفس الوضع في تونس ،ويذهب أستاذنا
الدكتور أحمد ادريوش مسترسال إلى أنه "في كال البلدين أدى تشبع االجتهاد بمبدأ سلطان اإلرادة
إلى تقديس مبدأ القوة الملزمة للعقد وجعله ال يلتفت إال للفصل 230ق.ل.ع (يقابله الفصل 242
من المجلة التونسية) ،ويفسره على أنه ال يسمح للقاضي بالتدخل في مضمون العقد".
وفي الهامش يستشهد بعدة ق اررات تدعم رأيه ،ويعتبر أن أحسن نموذج منها هو ما صدر
عنه بخصوص عدم االعتراف للقاضي بالحق في التدخل لتعديل التعويض اإلتفاقي.
– 59غيـر أننـا ال نجـزم بالنتيجـة التـي توصـل إليهـا أستـاذنا المحتـرم ،ما دام أن هناك
العديد من الق اررات التي لم تغفل روح الفصل 231ق.ل.ع ،من ذلك حكم المحكمة االبتدائية
بفاس الصادر بتاريخ ، 1994 – 09 – 06والذي جاء فيه " ...وحيث إن التعويض المتفق عليه
جد مبالغ فيه وال ينسجم مع مبادئ العدل واإلنصاف ، 2"...والشاهد عندنا أن المحكمة أعاله
اعتمدت أحد المبادئ الواردة في الفصل 231ق.ل.ع.م ،لتعمل سلطتها التقديرية ،وبالتالي يمكن
لهذا الفصل أن يشكل سندا قانونيا لتدخل القاضي في مضمون العقد ليكمل إرادة المتعاقدين أو ما
يطلق عليه "التفسير المكمل – . 3" l’interprétation complétive
– 60وهو ما حدا بالقضاء الفرنسي إلى إضافة عدة التزامات ،لعل أهمها هو االلتزام
بضمان السالمة ، obligation de sécurité 4وهكذا رفض القضاء الفرنسي في كثير من ق ارراته
-د.أحمد ادريوش :مدخل لدراسة قانون العقود المسماة ،الكتاب الخامس من سلسلة المعرفة القانونية ، 1995 ،ص : 1
. 77
-مجلة اإلشعاع ،ع 12 :يونيو ، 1995ص . 208 : 2
-إدريس فتاحى :المسؤولية المدنية لناقل األشخاص المترتبة على عقد النقل ،أطروحة دكتوراه – كلية الحقوق/أكدال،
الرباط 2001-2000 ،
-محمود الثلثي :النظرية العامة لاللتزام بضمان سالمة األشخاص ،القاهرة . 1989 ،
-محمود جمال الدين زكي :مشكالت المسؤولية المدنية ،الجزء األول ،القاهرة. 1990 ،
-فتيحة الطلحاوي :التزام الناقل البري بضمان سالمة الراكب ،ر.د.د.ع.م ،في القانون المدني ،جامعة محمد
الخامس/أكدال – الرباط . 2000 – 1990 ،
-سعيدة مهذاب :االلتزام بضمان السالمة في مادة النقل ،ر.د.د.ع.م ،وحدة قانون األعمال – جامعة الحسن الثاني –
البيضاء - 1999 – 1998 ،تابع
= تتمة :
ب – باللغة الفرنسية :
- Berlioz (G) : op.cit, p : 134 et s .
- Ghestin (G) : op.cit , p : 50 .
- Malaurie (ph) : et Aynès (Laurent) : op.cit , p : 35 .
- Mazeaud et Tunc : la responsabilité civil , 4ème édition , p : 135 .
1
- cass.Civil , 21-11-1911 , cité par : René Rodière : les transport , Dalloz . Paris , 1973 ,
p : 154 – 156 .
2
- Ripert (G) : droit maritime , Tome 2 , Dalloz , paris 1922 , p : 239.
34
بعدم قيام الناقل بالتزامه ،ومن تم تقوم مسؤولية الناقل عن هذا الضرر بغير حاجة إلى إثبات وقوع
خطأ من جانبه". 1
– 62وقد سار القضاء المغربي على نفس المنوال ،من ذلك قرار المجلس األعلى الصادر
بتاريخ 1959 – 01 – 21الذي جاء فيه" بأن وثيقة التأمين تتضمن ضمان مسؤولية الشركة
المؤمنة لها عن اآلفات التي يمكن أن تلحق بأرواح المسافرين وأمتعتهم من طرف المؤمنة لها أو
مستخدميها أو أجهزتها ،فإن للمحكمة الحق في أن تستخلص أن حريق الحافلة كان شبيها بعارض
أصيب به الغير بسبب التنقل وبالتالي اعتبار خطر الحريق من بين األخطار المؤمنة والمنتظر
وقوعها ودون اعتبار لما ادعته الشركة المؤمنة من أن المتضرر هو المؤمن وحده بالوثيقة وال
يشمل ضرر الحريق". 2
كما قضى في قرار آخر بتاريخ "1978 – 01 – 18بأن مسؤولية الناقل تظل قائمة ما
دام الراكب متصال بالناقلة ،فإذا انقطع عنها لسبب من األسباب فإن مسؤولية الناقل العقدية تنقطع
لتبدأ مسؤولية الناقل التقصيرية". 3
أما على مستوى محاكم الموضوع ،فنستشهد بالقرار الصادر عن محكمة االستئناف
بالبيضاء 4بتاريخ ، 1984 – 10 – 23والذي جاء فيه "أن الناقل ملزم باتخاذ كل االحتياطات
الضرورية لضمان سالمة ركابه ،وال يمكن أن يعفى من المسؤولية إال إذا أثبت وجود حادث فجائي
أو قوة قاهرة" .
– 63ونستخلص من ذلك ،أن االلتزام بضمان السالمة يعد من مستلزمات العقد ،ويتفق
مع طبيعته الجوهرية ،وال يستطيع الناقل إنكار هـذا االلتـزام بحجـة أن نيتـه لم تنصرف وقت التعاقد
إليه ،على اعتبار أن العقد ال يقتصر علـى التـزام المتعاقـد بما ورد فيه ،بل يتناول أيضا ما هو من
مستلزماته وفقا للقانون والعرف والعدالـة (الفصل 231ق.ل.ع) .
5
devoir de – 64كما ألقى القضاء الفرنسي على المحترف التزام بنصيحة المشتـري
، conseilوبذلك يكون القضاء وعن طريق ما اصطلح على تسميته بالتفسير المكمل ،قد أنشأ
جديدة ،وذلك حتى يتمكن من تحقيق أكبر قدر من الحماية للطرف الضعيف. 6
-د.سعد أحمد شعلة :قضاء النقض التجاري في عقد النقل ،دار الفكر الجامعي – اإلسكندرية ،1993 .ص .30 : 1
تعليق على قرار منشور بمجلة القضاء والقانون ،ع ، 1985 ، 134 – 133 :ص . 143 :
36
وهو نفس ما عبرت عنه المحكمة االبتدائية للدار البيضاء بتاريخ 1922 – 05 – 14
بقولها" في حالة الشك فإنه يجب على المحاكم تبني الفرضية األكثر مالئمة للمدين". 1
لكن هل مثل هذا التفسير يعمل على حماية الطرف الضعيف في العالقة التعاقدية ؟
– 69إن مثل هذا القول يمكن اعتباره صحيحا في ظل عقود المساومة ،التي أصبحت في
عصرنا جد نادرة ،بفعل سيطرة أحد طرفي العقد على اآلخر ،بما له من قدرة اقتصادية ،فنية أو
قانونية ،مما ترتب عنه انتشار العقود النموذجية التي غالبا ما تتخذ مظهر اإلذعان ،فهل في مثل
هذه العقود يفسر القاضي العقد لصالح المدين أم لفائدة المذعن (القابل) ؟
إن ما ينبغي اإلشارة إليه ،هو أن الموجب أو المشترط في هذا النوع من العقود ،هو الذي
يقوم بإمالء شروطه ،باعتبار مركز القوة الذي يتمتع به ،وبالتالي فإنه يتعين عليه أن يضع شروط
العقد بشكل ال يثير أي لبس ،وإال فإنه إذا ما استعصى على القاضي إزالة الغموض بمختلف
وسائل التفسير فإن المشترط يعتبر قد قصر في واجبه ،وبالتالي يتعين عليه أن يتحمل تبعة خطئه
الذي سبب ضر ار للمذعن (القابل) ،وخير تعويض له عن ذلك هو تفسير الشك لصالحه .
– 70وقد عملت بعض التشريعات على التنصيص على ذلك بصفة صريحة ،من ذلك
الفصل 1432قانون مدني بلجيكي ،الذي أقر فيه بأن الشك في عقود اإلذعان واالستهالك يفسر
دائما لمصلحة المذعن .
وهو نفس الموقف الذي عبرت عنه الفقرة الثانية من المادة 151مدني مصري ،حيث
بعدما أكدت الفقرة األولى بأن الشك يفسر لمصلحة المدين ،جاءت لتقــرر بأنـه ال يجوز أن يكون
تفسير العبارات الغامضة في عقود اإلذعان ضار بمصلحة الطرف المذعن .2
– 71بخالف القانون الفرنسي الذي لم يشر بصورة صريحة لهذا االستثناء ،حيث اكتفت
المادة 1162مدني فرنسي ،بالنص على أنه "عند الشك ،فإن االتفاق يفسر ضد المشترط،
ولصالح المدين". 3
وبالرغم من ذلك فإن الفقه في فرنسا 4اعتبر أنه يتعين التوسع في مفهوم من اشترط لكي
تشمل من أخذ المبادرة ،أما الملتزم فينبغي أن يشمل من صدر عنه القبول ،بمعنى أن التفسير في
حالة الشك ،ينبغي أن يتم ضد من اتخذ هذه المبادرة دائنـا كـان أم مدينا .
1
- Tribunal de 1er instance, CasaBlanca , G.T.M , 1992 , N 35 .
-راجع في ذلك : 2
1
- Gazzette palais , Novembre 1972 , p : 8 .
2
- Berlioz (G) : op.cit , p : 126 .
-مجلة قضاء المجلس األعلى ،ع ، 9 :يونيو ، 1969ص . 12 : 3
4
- Recueil des arrêts de la cour suprême , Tome 2 , P :155 – 156 .
38
– 73ونخلص من مجموع هذه الق اررات ،أن القاضي في كثير من الحــاالت ،ال يعمل
على البحث عن النية المشتركة ،وإنما عن إرادة مفترضة ،هي إرادته – ما دام أن المشرع قد
خوله مراعاة مبدأ العدالة – عند تفسير الشك ،وهو ما يعني أن بإمكانه أن يقف بجانب الطرف
الضعيف ،محاولة منه لتحقيق التوازن بين الت ازمات األطراف .
– 74ومع ذلك تبقى اإلشارة لبعض الثغرات ،التي مازال يتعين على المشرع تداركها،
نقتصر على اثنين منها :
أوال :ضيق مجال تدخل القاضي ،حيث ال يسمح له بذلك إال في حالة غموض بنود
العقد ،وهو ما يستطيع الطرف القوي تداركه ،ما دام هو الذي يقوم بإمالئه ،في ظل حنكته الفنية
والقانونية ،األمر الذي يضر بالطرف الضعيف الذي لن يكون له من خيار سوى قبول العقد .
ثانيا :ثم إن الحماية ال ينبغي أن تنحصر فقط في عقود اإلذعان ،فهناك الكثير من العقود
التي ال تتوفر فيها هذه الصفة ،ومع ذلك فإن أحد طرفي العقد يغمض عليه فهمه ،بالنظر إلى
تكوينه وعدم تخصصه ،وبالنظر إلى أنه قد يكون الطرف الدائن في العقد ،وبالتالي لن يتمتع
بالحماية التي منحها المشرع المصري والقضاء في كل من فرنسا والمغرب للطرف المذعن .
في ظل هذا الوضع ،نتساءل عن مدى إمكانية تحقيق التوازن السالف الذكر عن طريق
توسع القاضي في تفسير بعض النصوص القانونية ،وهو محور المبحث الثاني .
39
المطلب األول :تعديل القاضي آلجل العقد قد يساهم في توازنه
– 76إذا كان التشريع المغربي لم يخول للقضاء التدخل لمراجعة العقد عند تغير الظروف
االقتصادية في إطار ما يطلق عليه نظرية الظروف الطارئة ،1بحجة أن من شأن األخذ بها أن
يؤدي إلى المس باستقرار المعامالت ،السيما إزاء األزمات االقتصادية ،باإلضافة إلى إمكانية أن
تؤدي إلى تحكم القضاة.2
وهو االتجاه الذي تبناه معظم الفقه المغربي ، 3حيث يرى األستاذ الكزبري 4أنه إذا طرأت
ظروف جعلت تنفيذ االلتزام مرهقا ،فال يؤدي ذلك إلى انقضاء االلتزام ،بل يبقى االلتزام واجب
التنفيذ حتى لو كان ذلك يلحق بالمدين خسائر فادحة .
والقضاء المغربي شأنه في ذلك شأن كل من التشريع والفقه – وإن كان هذا األخير بالرغم
من اقتناعه بأن المشرع المغربي أغفل التنصيص بشكل صريح على هذه النظرية ،فإنه حاول
جاهدا أن يدفع القضاء باألخذ بهذه النظرية باالستناد على مجموعة من المبادئ الواردة في النظرية
العامة – لم يأخذ بهذه النظرية ،وإن كان قليال ما عبر عن ذلك بشكل صريح ،ومن هذه الق اررات
الرافضة لدعوة الفقه حكم المحكمة االبتدائية 5بالدار البيضاء الصادر بتاريخ 19أبريل ، 1962
حيث قضت فيه بأن االلتزام ال ينقضي إال بوقوع حوادث من شأنها أن تجعل تنفيذ االلتزام
التعاقدي مستحيال استحالة مطلقة طبقا للمادة 268من ق.ل.ع.م .
-وذلك على عكس العديد من التشريعات ،كالقانون المصري الذي أخذ بها في المادة 147مدني ،والمادة 269من 1
40
وعلى مستوى محكمة النقض نستشهد بالق ارر الصادر عن غرفتها المدنية 1بتاريخ 04
فبراير ، 1957حيث جاء فيه ما يلي " ...بمقتضى ق.ل.ع.م ،فإنه ال يمكن بأي حال من
األحوال خرق القوة الملزمة للعقد بدعوى أن االلتزامات الناتجة عنها قد أصبحت أكثر إرهاقا ألحد
األطراف" .
– 77وبخالف نظرية الظروف الطارئة التي لم يعتد بها المشرع المغربي ،فإن هذا األخير
راعى الظروف واألزمات التي قد تعصف بالمدين فتجعله معسرا ،الشيء الذي دفع به إلى تخويل
القاضي إمكانية تمتيع المدين بمهلة الميسرة délai de grâce 2وهو ما يعتبر استثناء من األصل
العام المنصوص عليه في الفصل 128ق.ل.ع.م ،الذي منع على القاضي أن يمنح أجال أو أن
ينظر إلى ميسرة ،ما لم يمنح هذا الحق بمقتضى االتفاق أو القانون ،وإذا كان اآلجل محددا لم
يصغ للقاضي أن يمدده ما لم يسمح له القانون بذلك.
وهو ما كان ينسجم مع الفصل 243ق.ل.ع.م ،قبل أن تضاف إليه الفقرة الثانية بتعديل
18مارس ، 1917حيث كان ينص على أنه إذا لم يكن هناك إال مدين واحد ،لم يجبر الدائن
على أن يستوفي االلتزام على أجزاء ،ولو كان هذا االلتزام قابال للتجزئة ،وذلك ما لم يتفق على
خالفه إال إذا تعلق األمر بالكمبيالة .
وقد أضيف االستثناء المتحدث عنه ،والمعروف بنظرة الميسرة ،بمقتضى الفقرة الثانية من
الفصل 243ق.ل.ع.م " .ومع ذلك ،يسوغ للقضاة ،مراعاة منهم لمركز المدين ،ومع استعمال هذه
السلطة في نطاق ضيق أن يمنحوه آجاال معتدلة للوفاء ،وأن يوقفوا إجراءات المطالبة مع إبقاء
األشياء على حالها" .
وقد جاء هذا التعديل بعد قيام الحرب العالمية األولى ،وما ترتب عنها من اضطرابات
اقتصادية ،خاصة عندما قامت ألمانيا بضرب حصار خانق على المغرب بواسطة الغواصات
خالل سنتي 1917و 1918م ، 3وبالتالي أصبح بإمكان القاضي تعديل العقد لصالح المدين. 4
2
- Alin sérieux : réfléance sur les délais de grâce , rev.Tr.dr.civ , N 4 , 1993 , p : 789
Datry (E): l’échéance , délai de grâce et moratoire , thèse lyon , 1945 , p : 5 .
-د.محمد شيلح :سلطان اإلرادة في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي.،أسسه ومظاهره في نظرية العقد،رسالة 3
د.د.ع ،في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس/الرباط ، 1983ص. 270 :
-ويضاف إلى ذلك أجلين آخرين : 4
األول :يرتبط بمرحلة التنفيذ ،والذي نص عليه المشرع المغربي في الفصل 440من ق.م.م ،حيث أجاز لرئيس المحكمة
بوصفه المشرف على التنفيذ ،منح المدين آجاال لمساعدته على التنفيذ دون عناء ،فقد جاء في الفقرة الثانية منه " :إذا طلب
المدين آجاال أخبر العون الرئيس الذي يأذن بأمر بحجز على أموال المدين تحفيظا إذا بدا ذلك ضروريا للمحافظة على
حقوق المستفيد من الحكم" .
41
– 78وإذا كان األستاذ محمد الكشبور يعتبر هذا المبدأ تطبيقا لنظرية الظروف الطارئة في
القانون الخاص المغربي ،1فإن األستاذ محمد شيلح 2يعتبر أن نظرة الميسرة ما هي إال تكريس في
آخر المطاف لنظرية سلطان اإلرادة أكثر مما يقيدها ،ما دامت تهدف إلى الحفاظ على االستقرار
الحقيقي للرابطة التعاقدية ،بتخويلها القاضي إمكانية تعديل العقد من أجل مالءمته مع الظروف
االقتصادية دون أي قيد أو شرط .
– 79غير أن هذا يبقى في نظرنا المتواضع مجرد محاوالت فقهية ،تهدف في نهاية األمر
إلى تليين موقف القضاء المغربي لمسايرة التغيرات العميقة التي تشهدها الروابط التعاقدية ،في ظل
مجتمع تزداد فوارقه تعمقا بشكل ينذر بأزمة حقيقية للعقد 3،وبغض النظر عن ذلك فإن القاضي
يظل محكوما بالقاعدة العامة التي تمنع عليه التدخل إال بشكل استثنائي ،ويستفاد هذا من العبارة
الواردة في بداية الفقرة الثانية من الفصل 243ق.ل.ع.م ،حيث نصت "ومع ذلك "néanmoins
،وهو ما طبقته محكمة االستئناف بالرباط في قرار لها بتاريخ 20يناير ، 1961حيث جاء فيه
"ومع ذلك تبقى إمكانية توقيف وتعطيل هذا الشرط ،بمنح المكتري أجل ميسرة ألداء واجبات الكراء
المتخلفة في ذمته ...مما ارتأت معه المحكمة منح الطاعنة أجل ميسرة ألداء واجبات الكراء". 4
– 80ومن تم فإن القاضي يظل محكوما بمجموعة من الشروط ،أجمع الفقه 5على أن
منها ما يرجع للمدين والبعض اآلخر يتصل بالدائن ،وهكذا يمكن حصرها حسب الرأي الغالب في
أربعة شروط :
أما األجل الثاني فقد جاء بمقتضى الفصل 165من ق.م.م " ،يمكن أن ينص األمر والقرار على منح أجل لصالح المدين
للوفاء بالدين المحكوم به عليه" ،وذلك في أعقاب الحديث عن المسطرة االستعجالية المخولة لرئيس المحكمة االبتدائية
الستصدار األمر باألداء كما هو منظم بمقتضى الفصول من 155إلى 165من ق.م.م ،حيث يمكن لرئيس المحكمة
االبتدائية أن يمنح المدين أجال قصد الوفاء بالدين المحكوم به عليه" .
أنظر بخصوص المسطرة االستعجالية المخولة لرئيس المحكمة االبتدائية لألمر باألداء :
د.محمد السماحي :المختصر في المسطرة المدنية والتنظيم القضائي ،طبعة ، 1999ص . 74 :
-د.محمد الكشبور :نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة – دراسة مقارنة من وحي حرب الخليج – 1
في حين يرى األستاذ السنهوري ،أن نظرة الميسرة ،كنظرية الظروف الطارئة يراد بها التخفيف من عبء التزام المدين
الجدير بالرأفة ،وهي تخفف العبء من حيث اإلفساح في أجل الوفاء ،كما تخفف نظرية الظروف الطارئة العبء من حيث
مقدار الدين .الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،الجزء ، 3الطبعة الجديدة ، 1998ص .95 :
- 3بخصوص هذه النقطة يمكن الرجوع إلى :
Opetit (B) : le rôle du juge en présence des problème économiques en droit civil française , éd
. 1977 .
- 4قرار منشور بالمجلة المغربية للقانون لسنة ، 1961ص . 120 :
-يمكن الرجوع بهذا الخصوص إلى : 5
42
الشرط األول :أن تتطلب حالة المدين 1منحه آجاال معتدلة ،وذلك في غير المجال
التجاري ، 2الذي يتطلب السرعة في المعامالت والثقة ،مما يجعله يتشدد في منح أي أجل.
وهكذا فمتى كان المدين حسن النية ،بأن لم يعبر صراحة أو ضمنا عن امتناعه عن
التنفيذ ،أو كان ال يستهدف من طلب مهلة الميسرة سوى المماطلة أو التسويف ،فإن القاضي
يمكنه أن ينظر المدين المعسر إلى أجل معقول .
– 81ومعلوم أن شريعتنا السمحة أقرت مراعاة مركز المدين المعسر في أسمى تجلياتها،
والتي لم تتمكن التشريعات الحديثة أن تقرره إال بعد الحرب العالمية األولى ،3فقد قال المولى عز
وجل ":وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" ، 4ولقد اختلف الفقهاء في تفسير هذه اآلية ، 5لكننا
نميل إلى الرأي الذي يعتبر المدين العسر الممكن إنظاره في عامة الناس ولكل معسر ليس في
الربا وحده ،ولكن في الدين كله .
ومن األحاديث النبوية الشريفة ،ما رواه أبو جعفر الطحاوي 6عن بريدة قال :قال رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم" من أ نظر معس ار كان له بكل يوم صدقة" ثم قلت :بكل يوم مثله صدقة قال
" :بكل يوم صدقة ما لم يحل الدين ،فإذا أنظره بعد الحل فلكل يوم مثله صدقة" .
وعن كعب ابن عمرو أنه سمع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول "من أنظر معس ار أو
وضع عنه أظله هللا في ظله". 7
وبذلك فإن الشارع اإلسالمي يحض على نظرة الميسرة ،غير أنه يشترط لذلك وكما هو
الشأن بالنسبة للقانون الوضعي أن يكون المدين معسرا ،أما إذا كان ذا مال أجبر على الوفاء وحيل
بينه وبين أمواله .
ص . 119 :
-ومع ذلك فإن هذه التشريعات لم تصل إلى حد الرأفة التي أقرها القرآن الكريم رحمة بالمعدومين حينما قال تعالى في 3
سورة البقرة " :وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون" .
-سورة البقرة ،اآلية . 280 4
-أنظر في ذلك اإلمام شمس الدين أبي عبد هللا القرطبي :تفسير القرطبي الجامع ألحكام القرآن ،المجلد الثاني ، 5
43
كما يقتضي أن ال يترتب عن ذلك إلحاق أضرار بليغة بالدائن ،وهو ما نعالجه في الشرط
الثاني .
– 82الشرط الثاني :أال يصيب الدائن بسبب منح مهلة الميسرة ضرر جسيم .فليس من
العدل إغاثة المدين عن طريق اإلضرار بالدائن ،1وفي ذلك نجد القاعدة الفقهية التي تقضي بأن
"الضرورات تقدر بقدرها" و "دفع المضرة مقدم على جلب المصلحة" ،فإذا كان الدائن على سبيل
2
المثال ينتظر أموال يدفعها له المدين إلبرام صفقة جد مهمة ،فإن القاضي يمتنع عن منح األجل
،باإلضافة إلى معقولية األجل .
– 83الشرط الثالث :أن يكون األجل معقوال :وميزة التشريع المغربي عن نظيره
الفرنسي ،3هي أنه لم يحدد مدة معينة ،مكتفيا باإلشارة إلى أن يكون األجل معقوال ،وهو ما يخول
للقاضي المغربي بخالف نظيره الفرنسي سلطة واسعة .
واألكثر من ذلك نجد القانون المغربي في الفصل 243ق.ل.ع.م ،يسمح للقاضي بإعطاء
مهل متعاقبة ،شريطة أن تكون معقولة ،وهو نفس األمر الذي أشارت إليه المادة 300قانون
موجبات وعقود لبناني ،4شريطة أال يكون هناك نص في القانون يمنع القاضي من ذلك ،وهو ما
سنتطرق إليه في الشرط األخير .
– 84الشرط الرابع :أال يكون هناك نص تشريعي يمنع القاضي من منح مهلة الميسرة:
ومن الحاالت التي عثرنا عليها نذكر المادة 304من القانون التجاري ،المتعلقة بالشيك ،حيث
تمنع أي إمهال قضائي ،بقولها "ال يمنح أي إمهال قانونـي أو قضائـي إال في األحوال المنصوص
عليها في المادة ،"291وبالرجوع إلى هذه المادة األخيرة ،فإنها ال تعترف بأي تمديد لهذه اآلجال
إال في حالة القوة القاهرة .
– 85ويبقى أن نشير هنا إلى أن العمل القضائي المغربي بخصوص االعتماد على
الفصل 243ق.ل.ع.م ،يعتبر قليال في الواقع ،إذ غالبا ما ال يعترف المدينين بمديونيتهم قبل
-د.سامي بديع منصور :عنصر الثبات وعامل التغير في العقد المدني في القانونين الفرنسي واللبناني والمقارن ،دار 1
- Aubry et Rau : cours de droit civil française , 5ème édition , p : 269 .
- Mestre (ph) : surendettement des particulièrs , R.T.D.COM . 1990 , p : 467 .
-بخصوص الوضع في القانون اللبناني يمكن الرجوع على ما كتبه بشكل مختصر : 3
علي هنانا :القضاء المدني والقوة الملزمة للعقد ،مرجع سابق ،ص . 65 :
2
.- Aubry et Rau : op . cit , p : 300 .
-ال يشترط سوى أن يكون حكمه مسببا للنتيجة التي توصل إليها . 3
François Paul blanc : op . cit , p : 242 . -أشار إليه أيضا : 1
2
- Mustapha Mohamed elgamal : l’adaptation du contrat aux circonstances économiques , éd
. 1967 , p : 1 ets .
3ينبغي تمييز االلتزام بالتبصير عن بعض المؤسسات المشابهة :
وفي مقدمتها االلتزام بتقديم المشورة ،حيث يذهب معظم الفقه إلى اعتماد معيار األساس الذي يقوم عليه االلتزام،
حيث إن هذا األخير يشكل التزاما عقديا أصليا ،لكون مقدم المشورة يحترف هذه المهنة ،بخالف االلتزام بالتبصير الذي
يعتبر سابقا على إبرام العقد ويجد أساسه في تنوير رضاء المتعاقد األقل خبرة .
46
– 90ومما ت نبغي اإلشارة إليه بداية ،أن القضاء الفرنسي استطاع أن يصل بفكرة االلتزام
بالتبصير إلى تحقيق حماية فعالة لفئة عريضة ،حتى قبل صدور قانون 1978المتعلق بحماية
وإعالم المستهلك ،معتمدا في ذلك على تفسيره لبعض النصوص العامة الواردة في القانون المدني
كالمادة 1134و ، 1135وهو ما لم يستطيع القضاء المغربي القيام به بالرغم من وجود مثل هذه
النصوص في قانون االلتزامات والعقود ،كالفصل ، 231وبالرغم من أن الفقه اإلسالمي يقرر هذا
االلتزام منذ نشأته .
– 91إال أن مسلك االجتهاد القضائي هذا وإن عمل على فرض االلتزام بالتبصير ،من
خالل مجموعة من النصوص العامة ،ال يعد حال ناجحا بالنسبة للطرف الضعيف في العالقة
التعاقدية – غالبا ما يكون مستهلكا عاديا ، -على اعتبار أن الجزاء ينحصر في إبطال العقـد أو
منح التعويضات ،وقد ال يحصل على شيء من ذلك ما دام ال يوجد نص خاص ،وفي جميع
األحوال فإن االلتجاء للقضاء في حد ذاته يلحق به ضررا ،من هنا تظهر أهمية وجود قانون خاص
بإعالم وتبصير المستهلك ،الذي تبنته معظم الدول في مواجهة المحترفيـن ، 1وهو األمر الذي
أشار عليه مؤخ ار التشريع المغربي بمقتضى قانون حرية المنافسة واألسعار (قانون . ) 06 . 99
من ذلك كله سنعالج هذا المطلب في فقرتين ،نخصص األولى لموقف االجتهاد القضائي
من االلتزام بالتبصير في إطار النصوص العامة ،وفي الفقرة الثانية نتناول فيها وعي المشرع
بحاجة القاضي لنص خاص بهذا االلتزام .
ومن المؤسسات المشابهة ،نجد االلتزام بالتحذير ،والذي يعتبر أكثر تماثال ،خصوصا في الحاالت التي يلزم فيها
إعالم أحد المتعاقدين لآلخر بطريقة استعمال الشيء محل التعاقد ،إال أنه يختلف عن االلتزام بالتبصير ،في كونه يتطلب
حرصا أكبر من جانب المهني ،والمتمثل في تنبيه الجانب اآلخر وتحذيره من مخاطر الشيء المقدم على التعاقد بشأنه .
- 1بهذا الخصوص يمكن الرجوع إلى :
- Guido alpa : la protection de la partie faible en droit italien , op.cit , p : 589 .
- Marcel fontaine : la protection de la partie faible dans les rapports contractuels , op.cit , p :
615 .
- Pierre tercier : la protection de la partie faible en droit suisse , op.cit , p : 603 .
47
– 93غير أن مثل هذا القول أصبح محل شك ،في ظل الوضعية الحالية التي تتميز
بمعامالت يطغى عليها نوع من الالتوازن بين المتعاقدين ،حيث يحوز أحد الطرفين مجموعة من
المعلومات الضرورية والمؤثرة على إبرام العقد مقابل انعدامها شبه التام لدى الطرف اآلخر، 1
وبالتالي فإن االلتزام بالتبصير يعتبر أحد أهم الوسائل الهامة التي كرسها القضاء محاولة منه
لتحقيق أقل ما يمكن من التوازن بين المتعاقدين ،وفي ظل غياب نص خاص فقد اعتمد القضاء –
السيما الفرنسي – على مجموعة من المبادئ العامة الواردة في القانون المدني.
1
- Azziman (omar) : droit civil , droit des obligations, le contrat , p :
- Ghestin (J) : traité de droit civil , les obligation , le contrat , L.G.D.J , 1980 , p : 33 .
- Nicole Chardin : le contrat de consommation de crédit et l’autonomie de la volonté ,
L.G.D.J, paris . 1988 , p : 67 .
- 2سنقتصر بالطبع على األساس العقدي ،وإال فهناك العديد من الق اررات القضائية ،المؤيدة بجانب هام من الفقه ،
تعتبر عدم تبصير المتعاقد موجب لتحمل المسؤولية التقصيرية بناء على الفصل 1382من القانون المدني الفرنسي ،
الذي جاء فيه :
(tout fait quelconque de l’homme , qui cause à autrui un dommage , oblige celui , par la faute
)duquel il est arrivé , à le réparer
وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية ،حينما قضت بمسؤولية شركة "داناتونال" المتخصصة في بيع األجهزة
المعلوماتية وإلزامها بتعويض المشتري عما لحقه من أضرار بسبب إخاللها بااللتزام باإلفضاء والنصيحة الذي كان يوجب
عليها تحديد احتياجات المشتري واختيار الجهاز المناسب إلشباع هذه الحاجات .
cass.civ , 3 Juillet 1985 , bul.civ , 1985 , p : 121 . راجع هذا القرار :
وفي نفس السياق جاء في قرار لمحكمة االستئناف بالرباط بتاريخ 4يوليوز " 1956بأن مقتضيات الفصل 353
من القانون التجاري البحري يجب أن تفهم بمعنى أنه ينتج عن السكوت أو التصريح الكاذب بطالن التأمين بالسبب الوحيد
أنهما يغيران فكرة الخطر ،أي أن المؤمن له لم يتفق على نفس الشروط .
وحيث إن األمر يتعلق بالتزام خاص بالقانون البحري ،ذلك االلتزام الذي يثقل كاهل المؤمن له ويوجبه اإلدالء
بتصريح ،وأن هذه القاعدة تطبق ال على صاحب النية السيئة ،بل على ذي النية الحسنة كذلك .
.....وأن هذا األخير بالرغم من أنه يبدو ذو نية حسنة يعد مسؤوال عن السكوت" .
راجع هذا الحكم ضمن منشورات ق اررات محكمة االستئناف ،تعريب العربي المجبود .
-بخصوص ضمان العيوب الخفية يمكن الرجوع إلى : 3
د.عبد القادر العرعاري :ضمان العيوب الخفية في عقد البيع وفقا لقانون االلت ازمات والعقود المغربي ،ر.د.د.ع ،في
القانون الخاص ،منشورات تنمية البحوث والدراسات القضائية . 1996 .
48
أحكامها ،من ذلك ما قضت به من إلقاء المسؤولية على بائع الدراجة لعدم إفضائه للمشتري بكيفية
تركيب جهاز التوجيه بالدراجة ،وقررت المحكمة مسؤولية البائع على أساس قواعد ضمان العيوب
الخفية. 1
غير أن هذا المسلك تعرض لنقد عنيف ،من ذلك أن االلتزام بالتبصير أوسع نطاقا من
االلتزام بضمان العيوب الخفية ،حيث تقتصر هذه األخيرة على الحاالت التي يكون فيها المبيع
مشوبا بعيب من العيوب كما هي محددة قانونا ،بخالف االلتزام بالتبصير فإنه يشمل مختلف
الحاالت التي يتفوق فيها أحد أطراف العالقة التعاقدية من حيث المعلومات المتعلقة بالشيء محل
التعاقد ،وهو ما يترتب عنه أن هناك الكثير من حاالت اإلخالل بااللتزام بالتبصير ال تتضمن
وجود عيب خفي ،ومن بين االنتقادات التي قيل بها اعتبار االلتزام بالضمان التزام بتحقيق نتيجة
على خالف االلتزام بالتبصير فإن الرأي الغالب يميل إلى جعله التزاما ببذل عناية .
– 95وفي مقابل هذا المسلك ،ذهبت بعض األحكام إلى تأسيس االلتزام بالتبصير،
السيما إذا كان الشيء محل التعاقد ذا خطورة ،على االلتزام بضمان السالمة ،ومن ذلك قرار
محكمة استئناف douaiوالذي جاء فيه "حيث إن شركة centra venteقد أغفلت الطريقة المثلى
الستعمال المبيع ،وبيان أهمية ربط الوعاء الزجاجي على الدعامة المستعملة للسالمة ،واالحتياطات
التي يجب أخذها عند انحراف هذا الوعاء ،فإنها تكون قد أخلت بااللتزام بالسالمة". 2
لكن هذا االتجاه بدوره لم يسلم من النقد ،بحكم أن االلتزام بضمان السالمة ينحصر في
األشياء التي تتسم بالخطورة ،كما أن االلتزام بالتبصير ال يقتصر على اإلفضاء بالمعلومات التي
تكون من هذه الطبيعة ،بل تتسع لتشمل كافة البيانات التي تمكن من تنوير الطرف األقل خبرة.
– 96وفي هذا الخضم ،نجد بعض القرارت التي اعتمدت أساسا آخر ،باعتمادها االلتزام
بالتسليم كمنطلق لها ،من ذلك قرار محكمة النقض الفرنسية التي اعتبرت فيه "البائع ملتزم بتسليم
الشيء في حالة يصلح معها لالستعمال من قبل المشتري ،ولذا يجب عليه تزويد المشتري بكافة
البيانات الالزمة الستعمال هذا الشيء". 3
ونفس االنتقاد الذي سبق أن قلنا به بخصوص أساس االلتزام بالسالمة ،يمكن توجيهه لهذا
المسلك أيضا ،حيث إننا إذا أخذنا بهذا األساس ،فإننا سنحصر االلتزام موضوع الدراسة ،بتسليم
شيء مطابق لما ورد في العقد فقط ،وهو ما ال يمكن القول به ،كما قد يضيق من نطاق هذا
األخير ،بحيث يجعله محصو ار في عقد البيع .
1
- cass.com , 14 mars 1977 , J.C.P , 1977 , T 2 , p : 75 .
2
- - cass.d’appel.douai, 16 Juin 1954 , DAL, 1954 , p : 224 .
3
- - cass.com , 25 Juin 1980 , J.C.P , 1980 . T 1 , p : 83 .
49
– 97ويعتبر االنتقاد األخير مشتركا ويسري على جميع األسس السالفة الذكر ، 1ذلك أن
القضاء الفرنسي لم يحصر االلتزام بالتبصير في عقد البيع فحسب ،بل توسع فيه بشكل موازي
للتطورات التي شهدها العالم ،والتي كان من نتائجها خلق بون شاسع بين المتعاقدين من حيث
المعلومات ،بسبب التفوق االقتصادي ،القانوني والتقني لفئة المحترفين ،مما يتعين معه البحث عن
أساس آخر يجد فيه القضاء مرتعا له لحماية الطرف الضعيف عن طريق تبصير رضائه وتعريفه
بوقائع العقد وإعالمه بمالئمة الشيء الذي يقدم على التعاقد من أجله لحاجاته .
– 98وبالفعل فإن القضاء الفرنسي حاول إيجاد أسس جديدة ومقنعة في ظل غياب نص
خاص ،معتمدا في ذلك على المادتين 1134و 1135من القانون المدني والمقابلتين للفصل
231ق.ل.ع.م .
وهكذا ذهب في بعض أحكامه إلى أن االلتزام بالتبصير يستند إلى مبدأ حسن النية في
تنفيذ العقود ،الوارد النص عليه في الفقرة الثالثة من المادة 1134قانون مدني فرنسي ، 2حيث
جاء في قرار لمحكمة النقض الفرنسية "إن حكم محكمة االستئناف يخالف المادة 1134من
القانون المدني حينما رفض طلب فسخ العقد بالرغم من إخالل البائع بالتزامه باإلعالم بعدم
إفضائه للمشتري بوجود نزاع قضائي حول قطعة أرض مجاورة للقطعة المشتراة مملوكة لنفس
البائع ،حيث من شأن هذا النزاع تأخر المشتري في بناء المسكن الذي يريده". 3
– 99وفي أحكام أخرى اعتمد القضاء الفرنسي على المادة 1135المقابلة للفصل 231
ق.ل.ع.م ،وقد جاء في إحداها ..." :وهو ال يلزم بما وقع التصريح به فحسب ،بل أيضا بكل
ملحقات االلتزام التي يقررها القانون أو العرف أو اإلنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته" ،ومن ذلك
الحكم الذي أشار إليه duray 4في مقاله المنشور في المجلة الفصلية للقانون المدني ،حيث عابت
-نشير هنا إلى أن محكمة النقض الفرنسية قد اعتمدت في مرحلة أولى على الغلط للقول بوجود هذا االلتزام ،حيث 1
أوجبت على المتعاقد المحترف إعطاء الطرف اآلخر كافة المعلومات عن توافر أو عدم توافر الصفة الجوهرية الدافعة إلى
التعاقد ليزيل الوهم من ذهنه .
Voir : Ghestin (J) : la réticence , le dol , et l’erreur sur les qualités substantiels , 1971 ,
p : 247 .
وذلك بخالف القضاء المغربي ،حيث لم يجعل من الغلط أساسا لألخذ بهذا االلتزام ،من ذلك ما قضت به
محكمة االستئناف بالرباط بتاريخ " 1928 – 10 – 30ال يتم اإلبطال األساسي لالتفاقية بسبب الرضا الخاطئ ،إال إذا
كان الغلط ماسا بطبيعة العقد أو بعين الشيء بالذات أو بوجود السبب" .
منشور في مجموعة ق اررات محكمة االستئناف تعريب العربي المجبود ،ص . 27 :
- 2تنص الفقرة الثالثة من الفصل 1134مدني فرنسي على (Elle doivent être exécutées de bonne foi) :
3
-Mestre (J) : d’une exigence de bon foi aun esprit a un esprit de collaboration ,
rev . tr.dr.civil , 1986. T2 , p : 245 .
4
- Duray : le fondement de l’obligation de renseignement de fabricant des produits danger
rev.tr.dr.civil , 1983 , p : 128 .
50
محكمة النقض على محكمة االستئناف عدم تحميل الصانع المسؤولية في الوقت الذي أخل بالمادة
1135من القانون المدني الفرنسي والتي تلزمه حسب التفسير الذي توصلت إليه بتبصير
المشتري ،في الوقت الذي اكتفى فيه بالتوصية بعدم مالمسة المادة للجلد ولم يوضح خطورتها على
العينين .
– 100ونرى أن بإمكان القضاء المغربي أن يعتمد على الفصل 231ق.ل.ع.م، 1
المقابل لكل من م 1134و م 1135.م.ف .كأساس لاللتزام بالتبصير في جميع مراحل العقد،
ابتداء من المفاوضات التمهيدية مرو ار بمرحلة إبرام العقد وانتهاء بفترة تنفيذه ،وفي عقد البيع يمكن
االعتماد على الفصل السابق إضافة إلى الفصل 486ق.ل.ع.م ،والذي جاء فيه "يسوغ أن يرد
البيع على شيء غير محدد إال بنوعه ولكن البيع ال يصح في هذه الحالة ،إال إذا ورد على أشياء
مثلية محددة تحديدا كافيا ،بالنسبة إلى العدد والكمية والوزن أو القياس والصنف على نحو يجيء
معه رضا المتعاقدين على بينة وتبصر" .
وهو ما يتوجب على القضاء االعتماد على هذا الفصل ،ألن نية المشرع كانت واضحة في
إقرار االلتزام بالتبصير في عقد البيع ،وتهدف األخذ بحسن النية ،حتى يتمكن القضاء من نقل هذا
المبدأ من مجال تنفيذ العقد كما هو وارد في الفصل 231ق.ل.ع.م إلى مجال إبرامه .
– 101كما يمكن االعتماد على الفصل 535ق.ل.ع.م ،فيما يخص التصرفات المتعلقة
بالعقار ،حيث ألزم المشرع البائع بإعالم المشتري باالرتفاقات غير الظاهـرة ،وإال كان ملزما
بضمان االستحقاق في هذه الحالة ،وهو ما أكده المجلس األعلى في قرار له بتاريخ 12يونيو
، 1968حيث جاء فيه "بأن البائع يلتزم بكل حق عيني محفظ بنقل الحق المبيع للمشتري ،كما
يلتزم بضمان هذا النقل ليتأتى للمشتري الحصول على النتائج القانونية المترتبة عن البيع ،وذلك
باتخاذ اإلجراءات الضرورية لذلك". 2
وهو ما يفسر أن القضاء المغربي يرغب في اعتماد النص الخاص ويفضله على استعمال
المبادئ العامة ،ولو كان ذلك على حساب مقتضيات العدالة ،ودون اكتراث بالطرف الضعيف .
وكان حريا بالقضاء المغربي أن يسير على منوال نظيره الفرنسـي ،ويعتمـد على الفصل
231ق.ل.ع.م ، 3إضافة إلى النصوص السالفة الذكر ،كما يمكنه االعتماد على الفقه اإلسالمي
1الذي أقر هذا االلتزام .
-د.عبد الحق صافي :دراسة في قانون االلتزامات والعقود وفي القوانين الخاصة ،الطبعة األولى ، 1998ص . 315 : 1
-قرار صادر بتاريخ ، 1968 – 06 – 12أورده األستاذ محمد خيري بكتابه :الملكية ونظام التحفيظ العقاري في 2
تنفيذ العقود ،اعتمادا على الفصل 231و 461ق.ل.ع.م ،حيث يتبين من خالل هاذين الفصلين أن نطاق العقد ال
يقتصر على ما اتجهت إليه إرادة المتعاقدين الفعلية ،بل يتضمن أيضا ما هو من مستلزماته ،ولو لم تقصده إرادتهما .
51
ثانيا :االلتزام بالتبصير من منظور الفقه اإلسالمي .
– 102بالرجوع إلى األحكام المقننة في كتب الفقه ،فإننا نستخلص منها أن فقهاءنا ذهبوا
بعيدا في حماية الطرف الضعيف (المستهلك غالبا) ،من خالل العديد من األحكام التي توصلوا
إليها عن طريق االستنباط ،ويمكن االستشهاد عن ذلك بالعديد من األمثلة ،كمنع ومحاربة
االحتكار ، 2ومنع تلقي الركبان ، 1وبيع الحاضر للباد ، 2وتحريم الربا ،ومحاربة اإلعالنات الكاذبة
راجع في ذلك :د.عبد الحق صافي :المرجع السابق ،ص . 315 :
-د.محمد الكشبور :قانون االلتزامات والعقود وقانون األحوال الشخصية – التداخل والتضارب ، -م.م.ق.م ،ع 16 : 1
إلى ارتفاع ثمنها ،وهو ما ينتج عنه إلحاق الضرر بعامة الناس ،وذلك مخالف لمقاصد الشرع التي جاءت لجلب التيسير
ودفع المشقة عن الناس ،وبنى الفقهاء حكمهم على مجموعة من األدلة الواردة بالقرآن والسنة ،من ذلك قول المولى عز
وجل في سورة الحج " :ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم" .
ولما روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي هللا عنه قال ،قال :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
يقول "من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه هللا بالجذام واإلفالس" رواه بن ماجة ،ولما روي أيضا عن أبي هريرة ،قال :
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" من احتكر يريد أن يغالي بها المسلمين فهو خاطئ وقد برئ منه ذمة هللا" ،وما روي
عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" من احتكر طعاما أربعين يوما فقد بريء
منه هللا وبرئ هللا منه" .
وإذا كان الشافعية ذهبوا إلى أن االحتكار الممنوع ،هو الذي يكون في قوت بني آدم مطلقا ،فإن أغلب الفقهاء
اعتبروا ذلك تخصيص بال دليل عليه ،وبالتالي فإن منع االحتكار عاما ،في كل ما تمس إليه الحاجة وتدعو إليه الضرورة،
وهو ما يتفق مع ما تسير عليه التشريعات الحديثة ،والتي تحاول تعميم حماية المستهلك بإقرارها لنظام المنافسة الحرة ،ولعل
قولة اإلمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة يعبر عن ذلك ،في أجلى وأروع صور الحماية "كل ما أضر بالناس حبسه فهو
احتكار وإن كان ذهبا أو ثيابا" .
52
،.... ،ويبقى االلتزام بالتبصير الذي قال به الفقهاء المسلمون ،أهم دليل على اهتمام اإلسالم
بقليلي الخبرة ومظهر من مظاهر عدالة هذه الشريعة السمحة .
– 103والحق يقال أن السنة النبوية غنية باألحاديث التي يمكن االعتماد عليها في تقرير
هذا االلتزام ،من ذلك قول الرسول عليه الصالة والسالم" :الدين النصيحة ،قلنا لمن يا رسول هللا،
قال :هلل ولكتابه ولرسوله ولألئمة المسلمين وعامتهم" .
وما روي عن وائلة بن األسقع رضي هللا عنه قال :سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
يقول " :ال يحل ألحد أن يبيع شيئا إال بين ما فيه وال يحل ألحد علم ذلك إال بينه". 3
وعن ابن ماجة عن عقبة بني عامر رضي هللا عنه قال ،سمعت رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم يقول " :المسلم أخو المسلم ،وال يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إال بينه له". 4
– 104ومن المجال النظري إلى العملي ،باعتبار أن السنة النبوية ال تقتصر على أقواله
صلى هللا عليه وسلم ،بل تشمل أفعاله أيضا ،وفي هذا الصدد روى الترمذي عن العداء بن خالد،
أخبرنا عبد المجيد بن وهب قال :قال لي العداء بن خالد بن هوذة ،آال أقرئك كتابا كتبه لي
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،قلت بلى فأخرج لي كتابا فإذا فيه" هذا ما اشترى العداء بن خالد
بن هوذة من محمد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،اشترى منه عبدا أو آمة ،ال داء وال غائلة وال
خبثة بيع المسلم للمسلم". 5
وقيل في شرح كلمة (غائلة) أنها الحيلة ،ولذلك يقال اغتالني فالن إذا احتالني بحيلة سلب
بها مالي ،وبالتالي فإن سكوت البائع وعدم تبصيره للمشتري يعتبر غائلة .
– 105وإذا ما انتقلنا إلى سيرة الصحابة رضوان هللا عليهم ،نجدهم ساروا على نفس
المنوال ،حيث روي عن عمرو بن دينار رضي هللا عنه قال "كان هاهنا رجل اسمه نواس ،وكانت
-يذهب أغلب الفقهاء المسلمون إلى تحريم بيع متلقي السلع أو الجلب أو الركبان ،والحكمة من تحريمه باألساس كما 1
يذهب إلى ذلك الفقهاء هو حماية أهل البلد من المضاربين ،باعتبار أن اإلسالم يراعي مصلحة الجماعة ،لكونها هي التي
تشكل الطبقة الضعيفة في المجتمع ،ويقدمها على مصلحة الفرد الواحد ،ولما كان المتلقي ينتفع لوحده حينما يقوم برفع
السعر على أهل البلد ،مما يتسبب في إلحاق الضرر بهم وبالبائع في نفس الوقت بإلحاق الغبن به ،حيث يشتري منه بثمن
بخس ،ومن ثم كان تحريم تلقي السلع لقوله صلى هللا عليه وسلم فيما رواه طاووس بن عباس رضي هللا عنهما "ال تلقوا
الركبان وال يبع حاضر لباد" .
-وما قيل بشأن منع بيع متلقي الركبان يقال بخصوص بيع الحاضر للباد ،والمقصود من ذلك كما جاء في فتح القدير 2
" ...هو أن يمنع السمسار الحاضر القروي من البيع ويقول له :ال تبع أنت أنا أعلم بذلك منك ،فيتوكل له ويبيع ويغالي
ولو تركه يبيع بنفسه لرخص على الناس" ،وسندهم في ذلك قوله عليه الصالة والسالم "ال يبع حاضر لباد ،دعوا الناس
يرزق هللا بعضهم من بعض" .
-أنظر :نيل األوطار ،لإلمام الشوكاني ،ج ، 5ص . 239 : 3
53
عنده إبل هيم ،1فذهب ابن عمر رضي هللا عنهما ،فاشترى تلك اإلبل من شريك له ،فجاء إليه
شريكه فقال :بعنا تلك اإلبل :فقال ممن بعتها ؟ قال من شيخ كذا وكذا ،فقال ويحك ،ذاك وهللا
ابن عمر ،فجاءه فقال :إن شريكي باعك إبال هيما ،ولم يعرفك .قال :فاسقها .قال :فلما
ذهب يستاقها فقال :دعها ،رضينا بقضاء رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :ال عدوى". 2
وإذا كان هذا موقف اإلسالم منذ أربعة عشر قرنا ،فإنما يدل على مدى تفوقه على مختلف
النظم المعاصرة ،والتي إلى وقت حديث لم تكن تخول للطرف الضعيف أي إمكانية إللزام الطرف
القوي بتبصيره ،كما أنه وخالل المرحلة النبوية فإن المعامالت كانت تتسم بنوع من البساطة ،ولم
تكن على مستوى التعقيد الذي أصبحت تتسم به خالل العقود األخيرة .
إ ضافة لما سبق فإن فقهاء المالكية والحنابلة أولوا عناية خاصة للطرف القليل الخبرة،
وأطلقوا عليه مصطلح المسترسل ،3وهو الذي ال يحسن المبايعة والمماكسة فيسترسل إلى بائعه أو
هو من يجهل قيمة السلعة ،أو كما قال اإلمام أحمد :المسترسل الذي ال يحسن أن يماكس ،وفي
لفظ الذي ال يماكس ،4والحكم الذي قرره فقهاء الشريعة اإلسالمية هو تخويلهم حق الخيار بين رد
الشيء المبيع أو إمساكه. 5
الفقرة الثانية :وعي المشرع بحاجة القاضي لنص خاص يقرر االلتزام بالتبصير.
– 107إذا كان القضاء –خصوصا الفرنسي -قد وجد ضالته إلقرار االلتزام بالتبصير
كمظهر من مظاهر حماية الطرف الضعيف في ظل تعقد العمليات التعاقدية ،وأمام تجاهل المشرع
لهذا االلتزام ،في مجموعة من القواعد العامة ،فإن هذا األخير ومنذ السبعينات أقر مجموعة من
النصوص الخاصة التي يمكن للقضاء أن يؤسس عليها هذا االلتزام بهدف إقرار توازن حقيقي بين
المتعاقدين ،ال مجرد توازن شكلي يجد مظلته في مبدأ سلطان اإلرادة .
– 108وفي ظل غياب تطبيق قضائي لهذا االلتزام في القانون المغربي ،بعكس نظيره
الفرنسي ،فإننا سنحاول التركيز على مجموعة من النصوص التي تقرر هذا االلتزام ،6والتي بإمكان
-المقصود بالهيم هو داء يصيب اإلبل فتصير عطشى فال تروى . 1
-اإلمام الحافظ أحمد علي بن حجر العسقالني :فتح الباري شرح صحيح البخاري ،ج ، 4ص . 376 : 2
-د .علي رمضان السيد الشرنباصي :حماية المستهلك في الفقه اإلسالمي ،دراسة مقارنة ،الطبعة األولـى ، 1404 3
ص . 113 :
-المرجع السابق ،ص . 114 : 4
ولد العابدين ولد الخير :الحماية القانونية للمؤمن له في القانون المغربي والموريتاني ر-د-د-ع ،في القانون
الخاص ،جامعة الحسن الثاني ،الدار البيضاء ، 1998 – 1997 ،ص . 129 :
55
وجوب أن يتحدد طبقا للنصوص التنظيمية ،البيانات والعالمات اإلجبارية ،التي يجب إثباتها
لمصلحة المشتري في الفاتورات والوثائق التجارية والبطائق واللفائف على البضاعة نفسها ،والتي
تبين االسم والمميزات والتركيب والمعالجات وطريقة االستعمال وغير ذلك مما يبدو ضروريا ،وكذا
البيانات الخارجية أو الظاهرة وطريقة العرض المفروضة لضمان األمانة في البيع ،قصد تجنب كل
التباس
– 110وإذا كان الهدف بالتأكيد من ذلك ،هو إعالم عموم المستهلكين وتبصيرهم ،فإن أهم
مشكل يعترض تطبيق مثل هذا االلتزام ،هو واقع المجتمع المغربي ،الذي يشهد انتشار األمية
بشكل واسع ،1فكيف يكون لمثل هذه اإلعالنات المكتوبة أن يعلم بها الشخص الذي ال يعرف
القراءة ،وباألحرى إذا ما علمنا أن أغلب المنتجين والموردين يفضلون استعمال اللغة الفرنسية ،وهو
ما يشكل عائقا حتى على األشخاص الذين تلقوا تعليما أوليا ،السيما في المجاالت الحساسة،
كميدان األدوية ،ومعروضة في صيدليات مغربية 2ويشرف عليها مغاربة ،بل وقد تكون من صنع
محلي ،وهو ما يفرض استعمال اللغة العربية إذا كنا حقيقة نرجو تبصي ار فعليا للمستهلك ،وقس
على ذلك عقود التأمين التي تبرمها الشركات المسيرة من أطراف ذو تكوين فرنكوفوني .
ويزداد الوضع سوء ،بالنظر إلى أن النصوص التشريعية نفسها لم تبين اللغة الواجبة
االستعمال .
المتعلق بتنظيم األثمان 3
– 111وفي نفس المضمار ،نذكر القانون رقم 08-71
ومراقبتها وشروط إمساك المنتوجات والبضائع وبيعها الصادر بتاريخ 12أكثوبر ،1971حيث
ينص الفصل الخامس منه على ضرورة تعليق اإلعالنات المنظمة أو غير المنظمة للبضائع أو
المنتوجات المعروضة للبيع ،كما ينص الفصل 18من المرسوم الصادر بتطبيق هذا القانون، 4
على أنه يتعين إشهار األثمان بالعملة الوطنية وبصورة واضحة ووفقا لألعراف التجارية ،إما على
البضاعة أو وعائها أو بواسطة لوحة تضم مجموعة واحدة من بضائع متشابهة ،وبالكيفية التي
يستطيع العموم االطالع عليهــا دون عنـاء أو التباس في مواضعها الخاصة بها .
-العربي الشادلي :حماية الرضا بين النظرية الكالسيكية والحديثة في القانون المقارن ر-د-د-ع-م ،في القانون 1
56
– 112ومن ذلك أيضا ،نجد التزام وكيل األسفار بالتبصير ، 1وذلك ما تم التنصيص
،وهكذا يجب عليه حسب المادة 2
عليه بمقتضى المواد من 10إلى 13من القانون رقم 31-96
العاشرة "أن ينشر ويوزع إما باسمه أو باسم المؤسسة المنتجة للخدمة السياحية عددا كافيا من
المطويات أو الكتيبات التي تتضمن المعلومات المتعلقة بالسفر والخدمات واألسعار المقترحة عن
كل رحلة أو خدمة ذات سعر إجمالي معروضة" ،كما يتعين على وكيل األسفار أن يعمل على
تضمين العقد مجموعة من البيانات ،وهي حسب المادة " : 13يجب أن يتضمن العقد المبرم بين
وكيل األسفار والزبون جميع البيانات المتعلقة بأسماء وعناوين المنظم ووكيل األسفار والضامن
والمؤمن ،وبوصف الخدمات المقدمة وحقوق والتزامات األطراف خاصة فيما يتعلق بالسعر،
والجدول الزمني ،وإجراءات التسديد ،ومراجعة األسعار المحتملة وإبطال العقد ،وإخبار الزبون بذلك
قبل بداية السفر أو المقام" .
– 113وفي ظل وعي المشرع في جل الدول بأهمية اإلعالم ،واعتباره أحد أهم الحقوق
األساسية للمستهلكين والمستضعفين عموما ،فإن معظمها قد عمل على تقنينه ضمن ما أصبح
يطلق عليه بقانون االستهالك ، 3والذي يسعى إلى حماية الطرف الضعيف ،أما عجز القانون
المدني الكالسيكي عن ذلك ،وفي انتظار صدور قانون من هذا القبيل بالنسبة للتشريع المغربي،4
ونظ ار لالرتباط الوثيق بين قانون حرية األسعار والمنافسة وضرورة حماية المستهلك ،فإن المشرع
* بوبكر األبيض :االلتزام بالتبصير وتطبيقاته في بعض العقود ،ر-د-ع-م ،في القانون المدني ،جامعة محمد
الخامس الرباط /أكدال . 1999 – 1998 ،
* حسن الكراوي :عقد وكالة األسفار ،ر-د-ع-م ،في القانون المدني ،جامعة محمد الخامس ،الرباط /أكدال ،
. 2001 – 2000
* سفيان ادريوش :المسؤولية المدنية لوكالء األسفار ،ر.د.ع.م ،في قانون األعمال ،جامعة محمد األول ،وجدة ،
. 2000 – 1999
-المنفذ بظهير رقم 1 – 97 – 64بتاريخ ، 1997 – 02 – 12ج.ر عدد 4482بتاريخ 1997 – 05 – 15ص : 2
. 1162
3
- - Auloy (J.C) : L’Influence du droit de la consommation sur le droit civil du contrat
R.T.D.COM , T 2 , 1994 , p : 242 .
- Hélène bricks : les clauses abusives , paris , L.G.D.J , éd . 1982 , p : 198 .
راجع بهذا الخصوص أطروحة :
Bendraoui abdrrahim : la protection du consommateur au Maroc , Agdal , 2001 , p : 6 .
تت بغى اإلشارة إلى أنه يوجد مشروع نهائي متعلق بحماية المستهلك ،وبالرجوع ألحكامه يتبين أنه خصص حي از مهما 4
إلعالم المستهلك ،حيث عين ثمانية مواد له (من المادة 3إلى المادة ، )10أي الفصلين األول والثاني من الباب الثاني
المعنون بإعالم المستهلك وااللتزام بضمان سالمته .
57
1
المغربي عمل على سد هذه الثغرة من خالل الفصل األول من الباب السادس من قانون 06.99
،حيث عنونه كما يلي :حماية المستهلكين وإعالمهم ،وبالرجوع إلى المادة 47من هذا القانون،
نجدها تنص على أنه "يجب على كل من يبيع منتوجات أو يقدم خدمات أن يعلم المستهلك عن
طريق وضع عالمة أو ملصق أو إعالن أو بأي طريقة مناسبة أخرى باألسعار والشروط الخاصة
للبيع أو إلنجاز الخدمة .
تحدد إجراءات إعالم المستهلك بنص تنظيمي" .
وتقابلها المادة 111من قانون االستهالك الفرنسي ، 2التي تنص على ضرورة جعل
المستهلكين يعلمون الخصائص والصفات األساسية للسلعة أو الخدمة المقدمة. 3
– 114ومن بين األمور التي أثيرت بخصوص هذه المادة مسألة معرفة المعيار ،الذي
يتعين عن طريقه معرفة ما هي الخصائص التي يتعين اإلعالم بها ،وقد أجمعت الحلول القضائية
على اعتبار الصفة جوهرية متى اعتبرها المتعاقدان معا ذات تأثير في قرار المتعاقد للدخول من
عدمه في العقد .
وفي هذا الصدد أدانت محكمة "فرساي" بتاريخ 3يونيو 1987بائع أجهزة معلوماتية ألنه
نصح مستهلك بشراء أجهزة ال تستجيب لحاجاته أو متطلباته. 4
كما ألزم المشرع تقديم فاتورة للمستهلك متى طلبها ،حيث نصت المادة 48من قانون 99
– 06على أنه "يجب على من يبيع منتوجات أو يقدم خدمات أن يسلم فاتورة أو تذكرة صندوق أو
أي وثيقة أخرى تقوم مقامها إلى كل مستهلك يطلب ذلك .
غير أن تسليم الفاتورة يمكن أن يصبح إجباريا في بعض القطاعات المحددة قائمتها بنص
تنظيمي .
تطبق أحكام الفقرات 3إلى 7من المادة 51بعده على الفاتورات المنصوص عليها في
هذه المادة". 1
.-ظهير شريف رقم 1 – 00 – 225صادر في 2ربيع األول 1421الموافق 5يونيو ، 2000بتنفيذ القانون رقم 99 1
عقد البيع يجب على المزود وكل مقدم خدمة إخبار المستهلك ،بالخاصيات األساسية للمنتوج أو الخدمة .
يلزم المزود أو مقدم الخدمة عند إبرام عقد كتابي بتسليم نسخة إلى المستهلك" .
-أشار إليه :د.حمدي أحمد سعد :االلتزام باإلفضاء بالصفة الخطرة للشيء المبيع ،طبعة ، 1999ص . 113 : 4
58
ويقابلها في قانون االستهالك الفرنسي المادة ، 114التي ألزمت كل مهني بتحرير فاتورة
إذا كان ثمن السلعة أو الخدمة يفوق 100فرنك ،أما إذا قل ثمنها عن ذلك فيبقى للمحترف
2
االختيار في تحريرها إذا لم يطلبها المستهلك ،كما أوجبت أن تحتوي على مجموعة من البيانات
،من ذلك :
-تاريخ تحريرها ؛
-اسم وعنوان مقدم الخدمة ،اسم المستهلك ؛
-تاريخ ومكان تقديم الخدمة أو السلعة ؛
-الثمن اإلجمالي بدون ضرائب باستثناء الضرائب أو الرسوم الواجبة األداء .
– 115وأخيرا ،نعتقد أنه إذا كان القضاء الفرنسي قد استطاع أن يضع الت ازمـا على عاتق
المهني ،بتبصير الطرف الضعيف وإحاطته بجميع البيانات الواردة في العقد ،وهو ما عمل المشرع
المغربي أن ينص عليه في قوانين متفرقة ،كان آخرها قانون ، 06.99فإنه لم يبقى أي مبرر
للقضاء المغربي في تجاهله لهذا االلتزام ،بهدف حماية الطرف الضعيف ،وبالتالي مسايرة التوجه
الجديد للمشرع المغربي ،الذي أصبح في جزء من فلسفته يسعى لحماية المستهلكين ،وما نتج عن
ذلك من انتشار فاحش للشروط التعسفية ،دفعت بالقضاء قبل التشريع إلى إيجاد حلول لهذه
الظاهرة ،وذلك بهدف الوقوف بجانب الطرف الضعيف في العقد ،وهو ما سنحاول معالجته في
الفصل الموالي .
-وتقابله الفقرة الثانية من المادة الرابعة من مشروع قانون االستهالك المغربي ،التي جاء فيها ...":كما يجب على 1
المزود أو مقدم الخدمة أن يسلم للمستهلك فاتورة أو تذكرة الصندوق أو أية وثيقة أخرى إذا أنجز المستهلك عملية شراء
تفوق قيمتها مبلغا سيتم تحديده بواسطة نص تنظيمي أو إذا ما طلبها المستهلك" .
2
- Ghestin (J) : op.cit , p : 597 .
59
60
61
62
– 116من المبادئ التي ال تقبل النقاش قاعدة "إن القانون وليد بيئته" ،ومن ثم كان البد
أن يقع تغيير على مستوى النصوص التشريعية التي تنظم العقد ،بفعل التطورات االقتصادية
والتكنولوجية التي أفرزت طرفا قويا وآخر ضعيفا يفتقد للكفاءة الفنية والقانونية التي تخوله مناقشة
بنود العقد عن بينة وبعيدا عن أي تعسف قد يمارس ضده.
وبعدما تناولنا في الفصل التمهيدي عدم قدرة نظرية عيوب الرضا بمفهومها التقليدي على
مسايرة هذه التحوالت العميقة بما يخول إمكانية الوقوف بجانب الطرف الضعيف ،األمر الذي دفع
القضاء إلى التوسع في مؤسسة التفسير بما يسمح له إعادة التوازن لاللتزامات التعاقدية ، 1إال أن
ذلك لم يعد كافيا في ظل التحوالت التي برزت بالخصوص خالل العقود الثالثة األخيرة من القرن
العشرين ،حيث استفلحت ظاهرة الشروط التعسفية بسبب هيمنة طبقة معينة على مختلف السلع
التي يحتاجها عامة الناس وانفرادهم بتحريرها ،مما يسمح لهم بإدراج مثل هذه الشروط ،إضافة إلى
أن توقيع العقود أصبح أم ار معتادا في حياتنا اليومية ،لدرجة أن التوقيع أصبح يتم تلقائيا وبدون
أي تمحيص لشروط التعاقد ،وبالتالي إمكانية دس العديد من الشروط المجحفة ،خصوصا تلك
التي يتم إعدادها وطبعها سلفا "العقود النموذجية" ،وهو األمر الذي دفع بمختلف التشريعات
المعاصرة التدخل بشكل مباشر لحظر مثل هذه الشروط ،وإن كانت كل دولة قد استخدمت الوسائل
التي وجدت أنها أكثر مالئمة لتحقيق حماية الطرف الضعيف عن طريق تخويل القاضي سلطة
استبعاد الشروط التعسفية (المبحث الثاني) .
وإذا كانت أغلبية عقود اإلذعان تتضمن شروطا مجحفة ،يمليها المحتكر على المذعن ،
فإن هناك حاالت ال يستهان بها يتضمن فيها عقد اإلذعان مقتضيات حمائية للطرف الضعيف
عن طريق تدخل جهة ثالثة –قد تكون الدولة -لتلزم الطرف القوي بمراعاة المتعاقد اآلخر من
التعسف ،األمر الذي اقتضى منا معالجة السلطة التي يتمتع بها القاضي للوقوف بجانب الطرف
الضعيف في هذا النوع من العقود في مبحث مستقل (المبحث األول) .
63
المبحث األول :
سلطة القاضي إزاء بنود عقد اإلذعان التعسفية
– 117يرى بعض الفقه 1أن مشكلة الشروط التعسفية تعتري كل القطاعات التي توجد فيها
عقود اإلذعان ،وما زاد من تعقيد األمر أن هذا النوع من العقود أصبح يمثل الطريقة العادية للتعاقد
في وقتنا الحاضر .
وعلى عكس القانونين الفرنسي والمغربي ،اللذين جاءا خاليين من نص تشريعي ينظم عقد
اإلذعان ،فإن المشرع المصري قد أورد في التقنين المدني لسنة 1984نصين هما المادة 149
والمادة ، 1/151الهدف منهما حماية الطرف المذعن .
ومع ذلك فإن القانونين الفرنسي والمغربي ،عرفا مثل هذه الحماية حتى مع عدم وجود نص
خاص ،السيما تفسير القضاء الشك لصالح الطرف المذعن .
وقبل التطرق لسلطة القاضي تجاه الشروط المجحفة في عقـود اإلذعــان (المطلب الثاني)
ينبغي الوقوف على ماهيته وتمييزه عن غيره من المفاهيم المشابهة (الملطب األول) .
-د .حمد هللا محمد حمد هللا :حماية المستهلك في مواجهة الشروط التعسفية في عقود االستهالك ،دراسة مقارنة ، 1
، 1997ص . 46 :
* د.السيد محمد السيد عمران :حماية المستهلك أثناء تكوين العقد ،دراسة مقارنة ، 1986 ،ص . 27 :
* د.العربي مياد :إشكالية التراضي في عقود اإلذعان ،أطروحة دكتوراه ،جامعة محمد الخامس ،الرباط /أكدال ،
، 2002ص . 512 :
* عبد الرزاق حباني :التوجهات الحديثة في العقد ،ر.د.ع.م ،في القانون المدني ،جامعة الحسن الثاني /الدار
البيضاء ، 1998 ،ص . 51 :
* د.حسن عبد الباسط جميعي :حماية المستهلك ،مجلة الدراسات القانونية ،ع ، 13 :جامعة أسيوط ، 1991 ،ص :
. 142
وبالفرنسية :
- Berlioz (G) : le contrat d’adhésion , L.G.D.J , 1976 , N 235 .
- - Hélène bricks : les clauses abusives , L.G.D.J , 1982 , p : 137 .
- - Isabel ; archessaux – van melle et Ghestin (j) : l’application en France de la
directive visant à éliminer les clauses abusives après de l’adoption de la loi N 95-
96 du 1 Février 1995 , J.C.P , T 3 , 1995 , p : 275 .
- 2للتوسع في عقد اإلذعان يمكن الرجوع إلى أطروحة :د .العربي مياد :مرجع سابق .
64
وحيد نحوه ،فإذا كانت غالبية فقهاء القانون الخاص يعتبرونه كسائر العقود العادية رغم ما تمتاز
به من خصوصيات ومميزات ،فإن بعض أساتذة القانون العام (كديجي) ،يذهبون إلى أن هذه
العقود ليس لها من هذه الصفة إال االسم ،وإنما هي مجرد لوائح مفروضة من طرف المذعن،
وللوقوف أكثر على حجج كل فريق فإننا سنخصص البند األول للطبيعة القانونية لعقد اإلذعان .
غير أن الضغط الذي يكون المتعاقد المذعن ضحيته ال يبلغ حد اإلكراه المعدم للرضا،
وبالتالي فإن جل فقهاء القانون المدني صنفوه ضمن تقسيمات العقود ،كل ما هنالك أنه يتمتع
بالعديد من الخصائص التي تجعله يتميز عن غيره من العقود العادية (البند الثاني) .
البند األول :الطبيعة القانونية لعقد اإلذعان
– 119مما ال شك فيه أن وجود التراضي خاليا من العيوب التي أشرنا إليها في الفصل
التمهيدي كان إلى عهد قريب كافيا لجعل العقد ملزما لطرفيه ،غير أن األمر لم يعد كذلك بعد
انتشار ظاهرة اختالل التوازن بين المتعاقدين ،حيث نجد أشخاص ،يشكلون الغالبية ،قليلي الخبرة
في مقابل متعاقدين ذوي إمكانيات اقتصادية وقانونية وفنية كبيرة ،يهيمنون على مجاالت حيوية ال
يمكن لآلخرين االستغناء عنها ،بالرغم من أنهم ال يستطيعون التفاوض بشأنها .
في ظل هذه الوضعية ثار خالف كبير حول الطبيعة القانونية لعقد اإلذعان ، 1حيث شكك
العديد من فقهاء القانون العام ،وقلة من القانون الخاص ،في طبيعته العقدية ،ويطلق على هؤالء
أنصار النظرية الالئحية ( théorie anti-contractuelleأوال) ،وذلك بخالف الغالبية التي
تمسكت بالطبيعة العقدية ، théorie contractuelleوهو الرأي الذي مال إليه القضاء الفرنسي
(ثانيا) .
- Georges dereux : de la nature juridique des contrats d’adhésion , op.cit p : 504 .
-ديرييه :الطبيعة القانونية لعقود اإلذعان ،ص . 512 : 1
نقال عن :د.محسن البيه :مشكلتان متعلقان بالقبول .السكوت واإلذعان ،دار النهضة العربية ،بدون ذكر سنة الطبع ،
ص . 127
2
- Ghestin (J) : Traité de droit civil , les obligation , le contrat , op . cit , p : 52
3
- Berlioz (G) : le contrat d’adhésion , L.G.D.J , 1973 , paris , p : 56 .
4
- Planiole , Ripert et Esmain : op.cit , N 123 .
أنظر أيضا السنهوري :مرجع سابق ،ط ، 1998ص 245 :
Georges dereux : op.cit , p : 507 . . - 5
البند الثاني :خصائص عقد اإلذعان وتمييزه عن بعض المفاهيم المشابهة .
– 128إذا كان المشرع المغربي لم ينظم هذا النوع من العقود ،فإنه مع ذلك يعرف انتشا ار
واسعا ،حيث أصبح يمثل الطريقة العادية للتعاقد في وقتنا الحالي ،بفعل العديد من األسباب
االقتصادية والتكنولوجية ،مثل التوزيع بالجملة عبر أماكن متفرقة .
وفي محاولة للوقوف على أهم معالم هذه المؤسسة ،فإننا سنعمل على إبراز خصائصها
(أوال) ،وتمييزها عن بعض المفاهيم المشابهة(ثانيا) .
-د.عبد القادر العرعاري :مصادر االلتزام ،نظرية العقد ،مرجع سابق ،ص . 62 : 1
2
- Marty (G) et raynaud (P) : droit civil , les obligations , 1962 , p : 103 .
67
أوال :خصائص عقد اإلذعان .
– 129بهدف استنباط هذه الخصائص عمل الفقه على وضع مجموعة من التعاريف،
حيث نجد األستاذ إدريس العلوي العبدالوي يعرف عقد اإلذعان بأنه :
"هو العقد الذي يسلم فيه القابل بشروط مقررة يضعها الموجب وال يقبل مناقشة فيها ،وذلك
فيما يتعلق بسلع أو مرافق ضرورية تكون محل احتكار قانوني أو فعلــي ،أو تكون المنافسة بشأنها
محدودة". 1
وبالنسبة للفقه المصري نجد األستاذ فرج الصدة يعرفه بأنه "العقد الذي يسلـم فـيـه أحد
الطرفين بشروط مقررة يضعها الطرف اآلخر – كما هو الحال في عقود االستهالك في العادة –
وال يسمح بمناقشتها ،وذلك فيما يتعلق بسلع أو مرافق ضرورية ،تكون محل احتكار قانوني أو
فعلي ،أو تكون المنافسة محدودة النطاق بشأنها". 2
وهو يقارب التعريف الذي وضعه محمد السيد عمران ،الذي اعتبره بمثابة :
"العقد الذي يسلم فيه القابل (المستهلك) بشروط مقـررة يضعها الموجب (التاجر ومن في
حكمه) وال يقبل مناقشة فيها ،فيما يتعلق بسلعة أو مرفق ضروري ،يكون محل احتكار قانوني أو
3
فعلي ،أو تكون المناقشة محدودة النطاق في شأنه أو شأنها"
وإذا ما انتقلنا للفقه الفرنسي ،نجد األستاذ ، ghestinيعرفه بكونه ،اإلذعان لعقد نموذجي،
ثم تحريره من قبل باإلرادة الفردية ألحد الطرفين ،والذي ينظم إليه الطرف اآلخر ،دون وجود
إمكانية حقيقية لتعديله. 4
كما ثم تعريفه بأنه ذلك العقد الذي يتجدد مضمونه العقدي ،كليا أو جزئيا وبطريقة مجردة
وعامة ،قبل المرحلة التعاقدية. 5
– 130ومن خالل هذه التعاريف ،يتبيـن أن عقـد اإلذعـان يتميــز بالعديـد من الخصائص،
حصرها البعض في خاصيتين ، 6والبعــض اآلخــر فـي ثــالث
-أشار إليه د.حمد هللا محمد حمد هللا :مرجع سابق ،ص . 45 : 2
-د.السيد محمد السيد عمران :حماية المستهلك أثناء تكوين العقد – دراسة مقارنة مع دراسة تحليلية وتطبيقية 3
للنصوص الخاصة بحماية المستهلك ،منشأة المعارف باإلسكندرية ،دون ذكر سنة النشر ،ص . 27 :
4
- Ghestin (J) : traité de Droit Civil , les obligation , le contrat , L.G.D.J , 1980 , p : 52 .
5
- Berlioz (G) : Le contrat d’adhésion , op.cit , p :27 .
-د.حمد هللا محمد حمد هللا :مرجع سابق ،ص . 47 : 6
حيث ذهب هذا الفقيه إلى أن عقد اإلذعان يتميز بخاصيتين أساسيتين هما :
أ – الطابع التنظيمي بطريقة منفردة من جانب الموجب .
68
خواص ، 1وتمشيا مع الرأي الغالب يمكن إرجاعها إلى أربع خصائص :
– 131الخاصية األولى :يكون "اإليجاب" موجها إلى العموم ،حيث غالبا ما يتم في شكل
قالب نموذجي موجه إلى الجمهور ،وبالتالي فإن رفض أحد المذعنين ال يكون له أي أثر على
هذا النوع من اإليجاب .
– 132الخاصية الثانية :عقد اإلذعان يعتبر من العقود الضرورية للمذعن ،حيث يرتبط
بسلع أو خدمات ال يمكن للمستهلك االستغناء عنها ،وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية
في قرار لها بتاريخ 12مارس "2 1974من خصائص عقود اإلذعان أنها تتعلق بسلع أو مرافق
تعتبر من الضروريات ...وأن يكون احتكار الموجب احتكا ار قانونيا أو فعليا ...وأن يكون صدور
اإليجاب فيه إلى الناس كافة وبشروط واحدة ولمدة محددة ...والسلع الضرورية هي التي ال غنى
عنها للناس والتي ال تستقيم مصالحهم بدونها ،بحيث يكونوا في وضع يضطرهم إلى التعاقد بشأنها
وال يمكنهم من رفض الشروط التي يضعها الموجب ولو كانت جائزة شرعا".
غير أن كون السلعة أو الخدمة ضرورية للمستهلك ،ال يكفي للجزم بوجود عقد إذعان،
وإنما ينبغي أن يضاف إلى ذلك وجود احتكار قانوني أو فعلي ،وهو ما سنتطرق إليه كخاصية
ثالثة .
– 133الخاصية الثالثة :التفوق االقتصادي ألحد أطراف العقد ،أو ما يعبر عنه بوجود
احتكار قانوني أو فعلي للسلعة أو الخدمة ،ويعتبر بعض الفقه 3أن هذه الخاصية تشكل المميز
الوحيد الذي ظفر باتفاق يكاد يكون عاما بين الشراح الذين عالجوا هذا الموضوع .
فاالحتكار يشكل الدافع الذي يخول ألحد األطراف فرض شروطه بالشكل الذي يخدم
مصالحه دون أن يستطيع الطرف اآلخر مناقشتها ،وباألحرى تعديلها ،ألنه لن يستطيع استبدال
المتعاقد األول ما دام يتمتع بهذه الخاصية ،السيما أن المحتكر هو في نفس الوقت محترف يتمتع
بخبرة ودراية كبيرة بالشيء محل التعاقد ،بعكس المستهلك الذي ال يهمه سوى إشباع حاجاته .
ب – تمتع الموجب بقوة اقتصادية تجعله ينفرد بتحرير العقد ،ومصدر هذه القوة – عادة – هو االحتكار القانوني (مثل
النقل بالسكك الح ديدية ،االشتراك في مصلحة المياه أو الكهرباء أو الغاز) أو االحتكار الفعلي (عقد التأمين ،عقد النقل
البحري ،عقد بيع المنقوالت أو السيارات الجديدة) .
-د.محمود جمال الدين زكي :الوجيز في نظرية االلتزام في القانون المدني المصري ،مصادر االلتزام ،الجزء األول ، 1
، 1976بند . 47
-د.عبد الباسط جميعي :مرجع سابق ،ص . 105 : 2
-أنظر للتعمق في أهم مميزات اإليجاب في عقود اإلذعان أطروحة : 1
70
أنها عقود إذعان ،وتارة على أنها عقد أعد من أحد األطراف ووقع من الطرف اآلخر دون تفاوض
على بنوده". 1
– 138ومن ناحية ثانية :فإنه ينبغي التمييز بين بنود عقد اإلذعان والشروط التعسفية،
ذلك أنه كثي ار ما يتضمن هذا النوع من العقود مقتضيات حمائية للطرف الضعيف ،عن طريق
تدخل جهة حكومية على سبيل المثال لتلزم الطرف القوي بضرورة مراعاة المتعاقد اآلخر من
التعسف ،من خالل إجباره على توفير السلعة أو الخدمة بأقل تكلفة وأفضل جودة. 2
– 139ويشكل عقد التأمين نموذجا مثاليا لهذا التدخل ،حيث نجذ مثال الفصل 8من
القرار الوزاري بتاريخ ،1934يلزم إثبات عقد التأمين كتابة ،وأن تتضمن وثيقة التأمين مجموعة
من البيانات ،أهمها :
-عنوان ومحل شركة التأمين أو المؤمن ؛
-اسم وعنوان العون أو الوسيط الذي أبرم العقد ؛
-رقم تسجيل شركة التأمين في السجل التجاري المغربي ؛
-مدة العقد وشروط انعقاده وفسخه ؛
-قسط التأمين والتعويض ؛
-طرق وشروط التصريح بالمخاطر ؛
-تاريخ توقيع الوثيقة .
لذلك فإن شركة التأمين ليست حرة في تضمين العقد ما شاءت من بنود ،وإنما يتعين عليها
العمل في حدود ما هو مسطر لها ،دون إمكانية إضافة شروط من شأنها التقليص من الضمانات
المخولة للمؤمن له. 3
– 140وبالرغم من ذلك كله ،فإن غالبية عقود اإلذعان تتضمن شروطا مجحفة،
يمليها المحتكر على المذعن ،السيما مع بروز ظاهرة اختالل التوازن العقدي بين المحترف
والمستهلك ،مما أدى إلى تزايد الشروط التعسفية في هذا النوع من العقود .
ويبقى لنا بعد أن وضعنا اإلطار العام لعقد اإلذعان ،أن نستجلي الدور الذي يلعبه القاضي
في هذا النوع من العقود لتحقيق التوازن بين التزامات المتعاقدين ،وذلك في مطلب ثاني.
-د.أحمد عبد الرحمان الملحم :نماذج العقود ووسائل مواجهة الشروط المجحفة فيها .دراسة تحليلية مقارنة ،مجلة 1
3
- Katani (azzdine) : l’assurance au Maroc, édition najah eljadida , casa blanca , 1983 ,
p : 165
71
المطلب الثاني :نطاق سلطة القاضي لمواجهة بنود عقد اإلذعان التعسفية
– 141يشكل عقد اإلذعان كما سبقت اإلشارة لذلك المجال الخصب لبروز الشروط
التعسفية ،وذلك بسبب االحتكار الذي يتمتع به المشترط ،ولحاجة المذعن للشيء محل التعاقد .
وفي غياب نص خاص في القانون الفرنسي ،وأمام انتشار الشروط التعسفية بمختلف
صورها ،ولعل أبرزها الشروط الجزائية المجحفة ،تدخل القضاء 1بدافع العدالة لتحقيق التوازن
العقدي ،وهو ما دفع المشرع هناك للتدخل بواسطة ق 597-75.الصادر بتاريخ 9يوليوز 1975
،الذي خول بمقتضاه للقاضي حق تعديل الشرط الجزائي .
– 142وخارج هذه الصورة – الشرط الجزائي – تدخل المشرع الفرنسي بمقتضى ق-23.
78بتاريخ 10يناير ، 1978ليخول القاضي سلطة إبطال الشروط التعسفية 2في عقود
االستهالك – الذي غالبا ما يتخذ صورة إذعان . -
– 143ونفس الشيء ينطبق على التشريع المغربي ،بحيث ال يمنح القاضي أي دور
مباشر في تعديل عقود اإلذعان ،عندما تقترن بشروط تعسفية للحد من آثارها ،ولذلك فإن مراجعة
عقود اإلذعان أصبحت تفرض نفسها للحد من التعسفات والوقوف بجانب الطرف الضعيف،
فالعدالة تقتضي التدخل لحماية هذا األخير .
وفي ظل غياب نص عام يحمي من الشروط التعسفية بوجه عام ،وتبعا للقاعدة األصولية
بأن ما ال يدرك كله ال يترك جله ،عمل المشرع المغربي على التدخل بمقتضى القانون رقم – 95
27للحد من التعسف في الشروط الجزائية .
وبحسب أستاذنا ادريوش ، 3فإن باعث المشرع على إصدار هذا القانون هو هذه الشروط
التعسفية التي نجدها في عقود اإلذعان ،كما أن من بين أهدافه وضع حد للخالف الذي شهدته
غرف محاكم الموضوع أو المجلس األعلى بشأن سلطة القاضي في تعديل الشروط الجزائية
المجحفة. 4
– 144وبخالف القانونين الفرنسي والمغربي ،تبدو لنا التجربة المصرية جد رائدة في هذا
المجال ،على اعتبار أن الذي يتولى تحرير عقد اإلذعان هو المشترط ،فيكون من الطبيعي إدراج
شروطا تعسفية ،ال يستطيع المذعن سوى الخنوع لها نظ ار لحاجته الضرورية للساعة أو الخدمة،
Cass.com , Bul.civ , N 4 , 1974 , p : 107 -أنظر على سبيل المثال : 1
-لن نتعمق كثي ار في دور القاضي لمقاومة الشروط التعسفية بوجه عام ،على أساس أننا سنعالج هذه النقطة بتفصيل 2
في المبحث الثاني ما دام أن التعسف ال يقتصر على عقود اإلذعان ،ص 97 :وما بعدها .
-د.أحمد ادريوش :الكراء في المدونة الجديدة للتجارة ،الطبعة األولى ، 1998 ،ص . 114 : 3
-وهو ما سنعود إليه في المبحث الثاني ،ص 97 :وما بعدها . 4
72
األمر الذي دفع المشرع المصري 1إلقرار المادة 149بهدف رفع العنت عن المذعن ،حيث جاء
فيها "إذا ثم العقد بطريق اإلذعان ،وكان قد تضمن شروطا تعسفية ،جاز للقاضي أن يعدل هذه
الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها ،وذلك وفقا لما تقضي به العدالة ،ويقع باطال كل اتفاق
على خالف ذلك" .
وهذا يعني أن تدخل القاضي إلعادة التوازن لعقد اإلذعان في ظل القانون المصري 2تعتبر
أم ار مقر ار بنص خاص ،غير أنه ليس ملزما بسلوك طريق معين ،فإما أن يقرر تعديل الشرط
التعسفي أو إعفاء الطرف المذعن منه ،وذلك بحسب الضرر الذي قد يتعرض له هذا األخير،
حيث لم يرسم له المشرع حدودا لذلك ،إال ما تقتضيه متطلبات العدالة .
– 145ومما يزيد من تدعيم سلطة القاضي بهذا الشأن وفي نفس الوقت حماية الطرف
المذعن ما ورد في الفقرة األخيرة من المادة 149مدني مصري ،والتي جاء فيها " :يقع باطال كل
اتفاق على خالف ذلك" .
بمعنى أنه ال يجوز للمتعاقدين أن ينزعا من القاضي سلطته في التعديل لتعلق النص
بالنظام العام ،وألن من شأن هذا االتفاق أن يفرغ النص من محتواه ،حيث لن يتردد الطرف القوي
االحتكاري من فرض مثل هذا االتفاق في جل هذه العقود .
وفي هذا الصدد يرى الفقيه السنهوري "وال يجوز للمتعاقدين أن ينزعا من القاضي سلطته
هذه باتفاق خاص على ذلك ،فإن مثل هذا االتفاق يكون باطال لمخالفته للنظام العام ،ولو صح
للجأت إليه شركات االحتكـار وجعلتـه شرطـا مألوفـا clause de styleفي عقودها". 3
– 146وما ينبغي تسجيله في هذا الصدد أن النص النهائي للمادة 149ذهب بعيدا في
حماية الطرف المذعن ،من خالل السلطة الواسعة التي خولها للقاضي على عكس ما كان يقضي
به المشروع التمهيدي ،الذي كان يحصرها في حالة ما إذا كان العاقد المذعن لم ينتبه إلى هذه
الشروط ،وإال يتعين االمتثال لها رعاية الستقرار المعامالت .
ومن أحسن العبارات التي وجدتها تتطرق ألحكام المادة 149السالفة الذكر ،تلك التي
أوردها العالمة السنهوري ،حيث اعتبر هذا النص "في عمومه وشموله أداة قوية في يد القاضي
يحمي بها المستهلك من الشروط التعسفية التي تفرضها عليه شركات االحتكار ،والقاضي هو الذي
-أحمد أبران :حماية رضا المستهلك في ضوء القواعد العامة والخاصة ،ر.د.د.ع.م ،في قانون األعمال ،جامعة محمد
األول /وجدة ، 2000 – 1999 ،ص . 87 :
-د.السيد محمد السيد عمران :حماية المستهلك أثناء تكوين العقد ،مرجع سابق ،ص . 30 :
-مع اإلشارة إلى أن القانون المصري أيضا خول للقاضي سلطة تعديل الشروط الجزائية المجحفة ،على أننا سنؤجل 2
73
يملك حق تقدير ما إذا كان الشرط تعسفيا ،وال معقب لمحكمة النقض على تقديره ما دامت عبارة
العقد تحتمل المعنى الذي أخذ به ،فإذا كشف شرطا تعسفيا في عقد إذعان ،فله أن يعدله بما يزيل
أثر التعسف ،بل له أن يلغيه ويعفي الطرف المذعن منه". 1
– 147والسبب الذي جعلنا نطيل في معالجة الفصل 149مدني مصري ،بينما أجلنا ذلك
بالنسبة للقانونين الفرنسي والمغربي إلى المبحث الثاني ،يرجع إلى كون النص سالف الذكر
يقتصر تطبيقه على مقاومة الشروط التعسفية الواردة في عقود اإلذعان ،وعجز القضاء المصري
عن تمديد الحماية لألطراف ذات الخبرة المتواضعة في باقي أنواع العقود ،ونستشهد بالقرار الصادر
عن محكمة االستئناف بالخطأ في تطبيق القانون ،بسبب عدم استخدام المحكمة للسلطات التي
يخولها نص المادة 149للقضاء الستبعاد الشروط التعسفية". 2
وتتلخص وقائعه في أن مستأج ار ألرض زراعية طالب باستبعاد الشرط الذي فرضه
المؤجر ،والذي يقضي بعدم مسؤوليته عما يصيب المحصول من هالك أو تلف بسبب القوة القاهرة
وادعى المستأجر أن هذا الشرط يعتبر من الشروط التعسفية التي ينبغي على المحكمة أن تطبق
بشأنها أحكام المادة 149مدني بما يتيح للقاضي استبعاد هذا الشرط .
غير أن محكمة النقض أيدت قرار محكمة االستئناف ،القاضي بصحة االتفاق السابق على
اعتبار أن عقد اإليجار ليس من عقود اإلذعان ،وهو ما يؤدي إلى استبعاد المادة 149من
التطبيق .
– 148وقد سبق أن تطرقنا للدور المهم ،الذي يقوم به القاضي ،من حيث الوقوف بجانب
الطرف المذعن ،بواسطة مؤسسة التأويل ،عن طريق تفسير الشك لصالحه. 3
وفي محاولة منه لحماية الطرف المذعن ،حرص القضاء الفرنسي على وجوب أن يعلم هذا
األخير علما حقيقيا بمضمون المشارطة "اإليجاب" أو أن يكون في استطاعته العلم بذلك على
األقل. 4
وتدعيما لتلك الحماية عمل على نقل عبء اإلثبات إلى عاتق المشترط ،حيث يتعين عليه
لالستفادة من البنود الواردة في عقد اإلذعان ،أن يثبت أن الطرف اآلخر كان على علم بها ،أو
كان بإمكانه أن يعلم بها. 5
-د.عب د الباسط جميعي :أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد ،مرجع سابق ،ص . 250
-لتفادي التكرار يمكن الرجوع إلى المطلب الثاني من المبحث األول للفصل األول ،ص . 30 : 3
4
- cass.civ , 30 oct 1967 , J.C.P , 1968 , 15590 .
5
-Berlioz (G) : op.cit , p : 59 .
74
– 149كما تساهل القضاء الفرنسي كثي ار تجاه الطرف المذعن ،حين تمسك هذا األخير
بإحدى عيوب الرضا ،وخاصة الغلط والتدليس ،نظ ار لظروفه الخاصة ،وبغية تحقيق قدر من
التوازن المنعدم واقعيا .
فإذا كان القانون الفرنسي يتطلب لالعتداد بالغلط أن يكون مغتفرا ،وأن يكون في جوهر
الشيء ،فإن القضاء قد عاملهما معاملة خاصة في نطاق عقود اإلذعان .
فبخصوص الشرط األول ،ذهبت إحدى المحاكم الفرنسية إلى أنه "إذا لم يظهر أن المذعن
كان مدفوعا إلى التعاقد ،بناء على طرق احتيالية ،فليس أقل من التأكيد بأنه لم يتم إعالمه بطريقة
صحيحة بالنسبة للشروط والتعهدات المتبادلة ،كما لم يكن بوسعه أن يعلم بذلك". 1
وهو ما قضت بت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 18يوليوز 1958حينما ذهبت" إلى أن
المتعاقد قد انخدع باإلشهار الكاذب لشركة تدعي بأن القرض الذي تمنحه هذه األخيرة من
القروض تحت الطلب ،ثم تبين له أن القرض يدفع بمجرد التوقيع على العقد ،مما ينتج عنه أن
الفائدة تحتسب من تاريخ التوقيع ال من تاريخ تحويل مبلغ القرض ،الشيء الذي يؤكد وقوع المتعاقد
في غلط". 2
بمعنى أن هناك سهولة في اعتبار غلط المذعن مغتف ار ،بل األكثر من ذلك أن القضاء
الفرنسي ألقى على عاتق المحتكر واجب إعالم الطرف اآلخر. 3
وبخصوص الشرط الثاني ،أي أن يكون الغلط في جوهر الشيء ،فإنه هو اآلخر تساهل
فيه ،حيث اعتبر تجاوز السيارة الستهالك البنزين مقابل ما أعلنه الموجب بهدف إيجاد مشترين
بسهولة يستوجب تحقق الغلط. 4
– 150كما ذهب القضاء الفرنسي إلى عدم التشدد في تحقيق التدليس ،حيث اعتد في
كثير من الق اررات بالكتمان التدليسي ،من ذلك قرار محكمة االستئناف لباريس بتاريخ 13نونبر
، 1962الذي قضت فيه بأن إهمال صاحب مرآب لبيع السيارات ذكر تاريخ صنع السيارة في
مستنداته اإلشهارية ،يعتبر مرتكبا للتدليس عن طريق الكتمان. 5
1
- Tribunal.lyon , 15 – 07 – 1952 , D.T 1 , 1952 . N 753 .
2
- Hélène bricks : les clauses abusives , op.cit , p : 185 .
-أنظر ما سبق أن قلناه بهذا الخصوص في المبحث األول من الفصل األول ،ص . 41 : 3
4
-Tribunal paris , 11 – 06 – 1970 , Gazzete palais , T 1 , 1971 , p : 7 .
5
- Dalloz , T 1 , 1963 , N 247 .
75
المبحث الثاني:
السماح للقاضي باستبعاد كل شرط تعسفي يساهم في توازن العقد .
– 151في ظل القصور الذي يعتري كل من القانون المغربي والفرنسي بخصوص عقد
اإلذعان ،تبقى التجربة المصرية بهذا الشأن جد رائدة ،وبالتالي يمكن االقتداء بها ،كما أشرنا إلى
ذلك في المبحث األول .
ووعيا بضرورة معالجة اختالل التوازن بين المتعاقدين ،في ظل الظروف االقتصادية
المتسارعة والتي أفرزت طرفا قويا وآخر ضعيفا ،حيث لم يعد يقتصر األمر على عقود اإلذعان
كما كان الوضع باألمس القريب ،وإنما برزت ظاهرة انتشار الشروط التعسفية في العديد من العقود
سواء النموذجية منها أو العادية ،تصاعدت الرغبة التشريعية في توفير الحماية للطرف الضعيف
في مختلف دول العالم ،حيث يمكننا مالحظة توجه التشريعات المعاصرة إلى التدخل بشكل مباشر
لحظر بعض الشروط التي تبدو تعسفية في حد ذاتها .
– 152وعلى خالف القانون المغربي الذي لم ينظم بعد هذه الظاهرة ،فإن نظيره الفرنسي،
وعلى منوال التشريعات الحديثة ،تدخل بمقتضى قانون 10يناير ،1978الخاص بإعالم وحماية
مستهلكي السلع والخدمات ،حيث تناولها في خمس مواد وردت في الفصل الرابع من هذا القانون
تحت عنوان حماية المستهلكين من الشروط التعسفية .
ونظ ار لكون الشرط التعسفي قد يتشابه مع بعض المفاهيم القريبة منه ،فإننا سنعمل على
إبراز مفهومه (المطلب األول) ،ثم بعد ذلك نتناول سلطة القاضي بهذا الخصوص (المطلب
الثاني) .
76
البند األول :مفهوم الشرط التعسفي وعناصره .
– 154لم يستقر الفقه على تعريف معين للشرط التعسفي (أوال) ،األمر الذي ترتب عنه
تباين مواقفه بخصوص العناصر المميزة له (ثانيا) .
-العربي الشادلي :حماية الرضا بين النظرية الكالسيكية والحديثة في التشريع المغربي . 1
-ر.د.ع.م ،في القانون المدني ،جامعة الحسن الثاني /الدار البيضاء ، 1999 – 1998 ،ص . 141 :
-د.حسن عبد الباسط جميعي :أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد ،مرجع سابق ،ص . 268 : 2
3
-J.auloy-calais : droit de la consommation , paris , 1992 , p : 134 .
77
كما تم تعريفه بأنه ذلك الشرط الذي يترتب عليه عدم توازن تعاقدي لصالح ذلك الذي
يفرضه على شخص ال خبرة له ،أو أنه قد وجد في مركز عدم المساواة الفني ــة أو القانونية أو
االقتصادية في مواجهة الطرف اآلخر. 1
في حين عرفها البعض اآلخر بأنها كل الشروط التي تمنح امتيا از خاصا للمحترف بشكل
يؤدي إلى اختالل التوازن بين حقوق والتزامات األطراف. 2
وحسب األستاذ السيد عمران فإن الشرط التعسفي هو الشرط الذي يفرض على غير المهني
أو على المستهلك من قبل المهني نتيجة التعسف في استعمال األخير لسلطته االقتصادية بغرض
الحصول على ميزة مجحفة. 3
أما األستاذ حمد هللا محمد حمد هللا فيرى أنه ذلك الشرط الذي يترتب عليه اإلضرار
بالمستهلك بسبب عدم التوازن الواضح "الممقوت" بين حقوق والتزامات كل من المهني والمستهلك،
والمترتبة على عقد االستهالك. 4
– 159أما مشروع قانون االستهالك المغربي ،فقد عرفه في المادة 12كما يلي "يعد شرطا تعسفيا
كل شرط في عقد اإلذعان ،والذي رغم ضرورة توفر حسن النية يخلق على حساب المستهلك ،عدم
توازن شاسع بين حقوق وواجبات األطراف". 5
وأول مالحظة تبدو لنا على هذا التعريف ،أنه ضيق كثي ار من مجال الشروط التعسفية،
حيث حصرها في عقد اإلذعان ،مع العلم أنه وإن كان هذا األخير يعتبر المجال الخصب لمثل
هذه الشروط ،إال أنه وبفعل التطورات التي يشهدها العالم لم تعد تنحصر في هذا النوع من العقود،
بل تعدته ،لدرجة أصبحت منتشرة في جل العقود المبرمة بين المهنيين والمستهلكين .
من خالل مجموع هذه التعاريف ،يمكن استخراج أهم العناصر المميزة للشروط التعسفية،
وهو ما سنعالجه في الفقرة الموالية .
1
- Gamal (Hassan) : les clauses abusives dans les droits des pays arabes . actes de la table ,
ronde du 12 décembre 1990 , p : 311 .
2
-Hélène bricks : les clauses abusives , op.cit , p : 9 .
-د.السيد محمد السيد عمران :حماية المستهلك أثناء تكوين العقد ،مرجع سابق ،ص . 32 : 3
-د.حمد هللا محمد حمد هللا :حماية المستهلك في مواجهة الشروط التعسفية في عقود االستهالك – دراسة مقارنة – 4
1
- Ghestin (G) : Droit civil , les obligations , les effets du contrat , op.cit , p : 498 .
-د.حمد هللا محمد هللا :مرجع سابق ،ص . 59 : 2
3
- J.P.pizzio : code de la consommation , 1996 , p : 203 .
79
ورغم التعديل الذي جاء به قانون 1فبراير ، 1995الذي اقتصر من خاللـه على معيار
انعدام التوازن ،فإن البعض 1يرى أن ذلك لم يؤثر على ضرورة وجود العنصر األول المتعلق بالقوة
االقتصادية ،على اعتبار أن هذا األخير مفترض من خالل عنصر الميزة المفرطة.
- 163واألكثر من ذلك أن هناك من استخلص من المادة 35السالف اإلشارة إليها ،على
أنها تتضمن في طياتها أربعة خصائص ، 2وهي :
* يتعين أن يدرج الشرط في عقود مبرمة بين مهنيين ومستهلكين .
* أن يكون الشرط مكتوبا ،بغض النظر عن شكل العقد أو طبيعته .
* لكي يعتبر الشرط كذلك ،يلزم أن يكون مشابهــا لتلـك الشـروط الـواردة في المادة . 35
* يجب أن يكون مفروضا بواسطة المهني على المستهلك ،بسبب القوة االقتصادية التي
يتمتع بها األول ،والتي ينتج عنها ميزة مبالغ فيها لصالحه .
غير أننا نعتقد أن هذه اآلراء تبقى مجرد محاوالت فقهية ال تخلو من مزايدات ،تحتم علينا
األمانة العلمية اإلدالء بها إلغناء البحث ،وإال فإن المشرع الفرنسي بتعديــل 1فبراير 1995وضع
حدا لهذا الجدل ،حينما اقتصر على إيراد عنصر واحد لتحقق صفة الشرط التعسفي ،وهو اختالل
التوازن بين حقوق والتزامات األطراف ،ولعله نفس الموقف الذي تبنته المادة 12من مشروع
قانون االستهالك المغربي .
1
- J.P.pizzio : op.cit , p : 204 .
-د.حمد هللا محمد حمد هللا :مرجع سابق ،ص . 56 : 2
-د.أحمد عبد الرحمان الملحم :نماذج العقود ووسائل مواجهة الشروط المجحفة فيها – دراسة تحليليـة مقارنـة في الفقه 3
والقضاء األنجلو أمريكي مع اإلشارة إلى الوضع في الكويت ،مجلة الحقوق الكويتية ،ع 1 :و ، 1992 ، 2ص 107 :
.
80
ويمكن تعريفه بأنه عقد معد مسبقا ليتم التعاقد بموجبه في الظروف الموحدة ،توفي ار للوقت
والنفقات في عمليات التعاقد التي تتميز إما باإلذعان من قبل الطرف المنظم للعقد أو بعدم قدرته
على التفاوض لنقص خبرته وقلة كفاءته. 1
– 165وإذا كان العقد النموذجي الوسيلة الغالبة ،كما رأينا في المبحث األول ،إلبرام
عقود اإلذعان ،فإنه ليس مرادفا له ،على اعتبار أن هناك الكثير من عقود المساومة – إن صح
التعبير – التي يتم استخدام العقود النموذجية فيها ،وذلك بالنظر للمزايا التي تحققها هذه األخيرة
في ظل التطورات االقتصادية والتكنولوجية التي تشهدها المعامالت في وقتنا الحاضر ،حيث يلجأ
إليها المهنيون ،بالنظر لما ينتج عنها من تبسيط للصفقات المبرمة وتخفيض كلفتها .
وحسب بعض الفقه 2فإنها تخدم مصالح الطرفين ،المهني حيث يعمل العقد النموذجي إلى
االرتقاء بمستوى أداء المؤسسات ذات اإلدارة المعقدة ،فال يمنح نموذج العقد البائع مكنة
التفاوض ،وبالتالي ال تستدعي الحاجة إلى تمرين الباعة على أساليب التفاوض مع المشترين ،مما
قد يترك أ ث ار في زيادة نسبة التكاليف .أما المستهلك ،فإنه يخلق له إحساسا باألمان ،من خالل
اعتقاده أنه وقع عقدا لن يضر به ،ما دام يوقع عليه أغلبية الجمهور .
– 166غير أن العقود النموذجية غالبا ما تحمل بين ثناياها شروطا مجحفة 3في حق
الطرف الضعيف ،بالنظر إلى انفراد الطرف القوي بصياغتها ،حيث غالبا ما تأتي في شكل معقد،
يصعب على المستهلك فهمها ،أو من خالل إدراج شروط جوهرية في أماكن ثانوية من الوثيقة ،أو
صياغتها بشكل دقيق ،أو بلغة أجنبية كما هو الشأن بالنسبة للشركات الضخمة ،وفي ظل سرعة
المعامالت التي يبرمها المستهلكون ،فإنهم غالبا ما يقومون بتوقيع العديد من هذه العقود دون
تمحيصها بشكل كافي. 4
ويذهب األستاذ عبد الرحمان الملحم ،5أن الهدف من صياغة العقد بشكل معقد هو تحقيق
أمرين أساسيين .أولهما ،حماية الطرف القوي من خالل زيادة ضماناته ،والحد من حقوق الطرف
الضعيف ،وثانيهما أن يولد شعور لدى الطرف الضعيف يزداد يوما بعد يوم بعدم جدوى قراءة هذا
العقد لما يثيره من صعوبات في فهمه .
-د.حسن عبد الباسط جميعي :أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد ،مرجع سابق ،ص . 107 : 1
-د.أحمد عبد الرحمان الملحم :المرجع السابق ،ص . 260 : 2
3
- Hélène bricks : les clauses abusives , op.cit , p : 225 .
4
- Ghestin (G) : traité de droit civil , les obligations , le contrat , op.cit , p : 40 .
-د.أحمد عبد الرحمان الملحم :المرجع السابق ،ص . 262 : 5
81
ثانيا :الشرط التعسفي والشرط الجزائي .
– 167وقد عرف أحد الفقهاء 1الشرط الجزائي بأنه اتفاق مسبق بين المتعاقدين على تقدير
التعويض في حالة عدم تنفيذ االلتزام أو التأخر في ذلك .
في حين عرفه البعض اآلخر 2على أنه الوسيلة لتفادي عدم تنفيذ العقد ،بحيث يرغم المدين
بدفع مبلغ جزافي وغالبا ما يكون مضاعفا .
والذي يظهر من هاذين التعريفين ،أنهما لم يتفقا على مفهوم موحد للشرط الجزائي ،وبالتالي
فهما يعكسان االتجاه السائد في الفقه والقضاء ،حيث لم يتم االستقرار على تصور واحد.
– 168ذلك أن التعريف الثاني يعكس الرأي الذي يركز على الصفة التهديدية caractère
comminatoireللشرط الجزائي ،حيث يقع اللجوء إلى هذا الشرط وسيلة لضمان تنفيذ
االلتزامات ،وهو التصور الذي دأب عليه القضاء قبل بداية التسعينات ،من ذلك القرار الصادر عن
محكمة االستئناف بالدار البيضاء 3بتاريخ 19يناير ، 1988والذي جاء فيه "وحيث إن األمر
يتعلق هنا بشرط جزائي تابع اللتزام أصلي ،وهو إخالء المحل في وقت محدد ،وإال فإن الجزاء
يكون تعويضا قدره ألف درهم .
وحيث دأب اجتهاد هذه المحكمة ،وذلك سي ار على القانون الفرنسي والقضاء الفرنسي،
الذي أكد أن الشرط الجزائي شرط اتفاقي وليس بوقتي وال تهديدي ،وإنما هو اتفاق نهائي قابل
للتنفيذ على حاله ،واألصل فيه عدم التخفيض ،وهو ما سار عليه اجتهاد هذه المحكمة . "...
وهذا التصور هو الذي أخذ به المشرع الفرنسي ،من خالل المادة 1226ق.م ،والتي
عرفت الشرط الجزائي بأنه "هو الذي بموجبه يلتزم شخص ضمانا لتنفيذ العقد بتقديم شيء في حالة
عدم التنفيذ". 4
وبالرغم من التعديل الذي لحق المادة 1152مدني فرنسي سنة 1975والذي سمح للقاضي
بإمكانية تعديل الشرط الجزائي ،فإن جانبا مهما من الفقه 5بقي متمسكا بهذا التصور ،مؤكدين على
أن الصيغة التي جاءت بها المادة السالفة الذكر ،تعتبر دليال قاطعا على الطابع اإلكراهي للشرط
-د.عبد الباسط حسن جميعي :أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد ،مرجع سابق ،ص . 223 : 1
2
- Hélène bricks : les clauses abusives , op.cit , p : 81 .
-المجلة المغربية للقانون ،ع ، 17 :ص . 138 : 3
1
- Revus . Tr.Droit.civil , 1994 , p : 605 .
2
- Mazeaud (D) : la notion de la clause pénale , préface . F.chabas , L.G.D.J , 1992 , N 691 .
-أنظر موقفه في مؤلفه :أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد ،مرجع سابق ،ص . 224 3
83
فيه ،إال أنه متى كان مبالغا فيه بشكل كبير ،فإنه يتحول إلى شرط تعسفي ،وهذا ما سارت عليه
الممارسة التعاقدية ،بسبب استغالل الطرف القوي لمقدرته االقتصادية ،وبذلك تحول من أداة
لتحقيق التوازن العقدي إلى عامل اضطراب واختالل. 1
وما يؤكد هذا المسلك ،ما أشار إليه أحد الفقهاء 2في تعليـق لـه علـى قانـون " 27 – 95وقد
قصد المشرع بهذا الحكم حماية المستهلك من التعسف في الشروط الجزائية في غياب نص عام
يحمي من الشروط التعسفية بوجه عام ،فأعطى للقاضي إمكانية تعديل التعويض المتفق عليه ،إما
بالنقص منه إذا كان مبالغا فيه ،أو بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من التنفيذ الجزئي ،أو
بالزيادة فيه إذا كان زهيدا ،بل إن باعث المشرع على إصدار هذا القانون هو هذه الشروط
التعسفية التي نجدها في عقود الليزنج بالخصوص ."..
وعلى حد تعبير األستاذ معالل فؤاد ، 3فإن هذا الشرط كان يعرف وال يزال الكثير من
التجاوزات ،والمبالغة من حيث المبالغ التي ينص عليها ،مما أدى إلى انتشار الشروط الجزائية
المجحفة .
وأكثر من ذلك بولغ في وضيفته التهديدية ،مما جعلها تتعرض للتشويه ،ويمكن تلمس هذه
الوضعية بمجرد إلقاء نظرة خاطفة على بعض أنواع العقود ،كعقد التمويل بالكراء ،أو عقد إيجار
المنقول مع التزام المؤجر بالصيانة ،حيث تحولت الحرية التعاقدية مطية في إطار الشرط الجزائي
إلى هيمنة واستغالل الطرف القوي للطرف الضعيف .
المطلب الثاني تعديل القاضي للعقد عند اقترانه بشروط تعسفية .
– 172لقد اعتبر القضاء الفرنسي الشروط الجزائية شروطا تعسفية متى وردت في عقود
االستهالك ،وبالتالي قرر استبعادها ، 4وذلك خالفا لقانون 597 – 75الذي يقضي فقط بتعديلها
إما بالزيادة أو النقصان ،وقد تبنى قانون االستهالك الفرنسي لسنة 1995موقف القضاء.
غير أن هذا القول ال يجب أخذه على إطالقه ،ذلك أن الشرط الجزائي ليس بالضرورة
شرطا تعسفيا ،ذلك أن األطراف قد يتفقون على تعويض عادل ال يتجاوز بشكل كبير الضرر الذي
يصيب أحدهما ،غير أنه وخالل السنوات األخيرة شهد الشرط الجزائي انحرافا كبي ار عن وظيفته
-د.فؤاد معالل :الشرط الجزائي في القانون المغربي ،أطروحة دكتوراه في القانون الخاص ،كلية الحقوق .جامعة 1
85
وسبب تدخل القضاء المقارن هذا ،يرجع بالدرجة األولى إلى إحساسه بعدم قدرة القواعد
الكالسيكية على مواكبة التحوالت الجذرية التي عرفها العقد .
– 175ووعيا منها بهذه الظاهرة الجديدة ،بادرت العديد من التشريعات إلى إصدار قوانين
ذات طابع حمائي ،بهدف مجابهة الشروط التعسفية .
غير أن دور القضاء بهذا الخصوص يختلف من تشريع آلخر ،بحسب األسلوب الذي تم
اعتماده ،حيث عملت بعضها على جعل السلطة التنفيذية أو التشريعية مختصة بتحديد الشروط
التعسفية وهو ما يجعل هامش تدخل القضاء ضيق ،بينما عملت تشريعات أخرى على تخويل
القاضي سلطة تقديرية مهمة لدراسة كل حالة على حدة ،ومن تم حماية أكبر للطرف الضعيف .
وبالنظر إلى االنتقادات التي وجهت لكال األسلوبين السابقين ،فإن دوال أخرى حاولت تجاوز
ذلك ،بتبنيها ألسلوب مختلط .
ولكون معرفة الدور الذي يستطيع القاضي القيام به في مجال مقاومة الشروط التعسفية
يتوقف على حسب األسلوب المعتمد من طرف القانون الذي يطبقه ،فإننا ارتأينا الوقوف بالتفصيل،
على كل واحد على حدة .
-د.حمد هللا محمد حمد هللا :مرجع سابق ،ص . 62 : 1
د.إدريس الفاخوري :حماية المستهلك من الشروط التعسفية ،م.م.ق.م ،ع ، 3 :يونيو ، 2001وجدة ،ص . 77 :
86
المت فق عليه إذا كان مبالغا فيه ،أو الرفع من قيمته إذا كان زهيدا ،ولها أيضا أن تخفض من
التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي".
وإذا كان القانون الفرنسي لسنة 1978المتعلق بإعالم وحماية المستهلك ،لم يأخذ بهذا
األسلوب ،فإن بعض الفقه 1حاول دفع القضاء إلى تقرير ما يعد شرطا تعسفيا ولو لم يرد في
الالئحة ،بحجة غموض المادة 35من هذا القانون ،غير أن الرأي الغالب يميل إلى القول باعتماد
القانون الفرنسي ألسلوب الالئحة ،وهو ما سنعرج عليه في الفقرة الموالية .
1
- Auloy (J.C) : op.cit , p : 174 .
-يمكن الرجوع إلى : 2
1
- Auloy (J.C) : op.cit , p : 171 .
89
المصاريف ،الدولة في غنى عنها لو أسندت هذه المهمة للسلطة القضائية ،السيما بالنسبة لدول
العالم الثالث .
– 182ويبدو أن مشروع قانون االستهالك المغربي ،لم يتعظ بهذه االنتقادات ،حينما تبنى
هو اآلخر األسلوب الالئحي ،من خالل المادة 13منه ،والتي جاء فيها :
"ستحدد بمرسوم الئحة توضيحية وغير حصرية للشروط التي يمكن اعتبارها تعسفية" ،
وذلك على خالف العديد من القوانين ،التي أخذت بعين االعتبار عيوب األسلوبين السابقين .
-أنظر :د.أحمد عبد الرحمان الملحم :المرجع السابق ،ص . 304 : 1
-د.حسن عبد الباسط جميعي :المرجع السابق ،ص . 286 : 2
ويرى األستاذ جميعي ،أن أهم ما يعالجه هذا القانون هو حظر التقييد أو اإلعفاء من مسؤولية المحترف حينما
ينجم عن خطئه وفاة المستهلك أو إصابته بأضرار جسدية .
-د.أحمد عبد الرحمان الملحم :مرجع سابق ،ص . 309 : 3
90
– 185وربما يكون للمزايا التي يتمتع بها هذا األسلوب األخير ،تأثير على مسلك القضاء
الفرنسي ،حيث قررت محكمة النقض 1بتاريخ 14ماي 1991بأن لقضاة الموضوع سلطة إبطال
الشروط التعسفية دون ضرورة التقيد في ذلك بصدور مرسوم ،يتضمن مثل هذه الشروط ،وهو
الحل الذي تم اعتماده بمقتضى تعديل 1فبراير .2 1995
– 186وإذا كان تحديد نماذج الشروط التعسفية في فرنسا يتم من خالل مراسيم ،أوكلت
لجهاز مجلس الدولة بمقتضى المادة 132من قانون االستهالك الفرنسي ،فإن هذا األخير أوجد
جها از آخ ار ال يستهان به ،هو لجنة الشروط التعسفية ،التي تقوم بدور هام في البحث والتحري
للشروط الشائع استعمالها من قبل المحترفين في عقود االستهالك ،وبالتالي توصي بتعديلها أو
عدم إدراجها في العقود أو إلغائها ،3إذا كانت تنطوي على التعسف. 4
وقد وصف البعض هذه اللجنة بمثابة بوليس تعاقدي ، la police contractuelleنظ ار
لدور الحماية التي تقوم به تجاه جمهور المستهلكين من هيمنة المحترفين ،بالرغم من أن توصياتها
ليست لها قوة ملزمة ،على اعتبار أنها تترك تأثي ار معنويا على هؤالء ،5فبالنسبة للمستهلكين ،فإنهم
يتمسكون بها لمطالبة القاضي بإبطالها ،لكون هذا األخير يأخذ مثل هذه التوصيات بعين االعتبار
عند تبنيه للحل الذي يطبقه على النازلة موضوع النزاع ،أما بالنسبة للمهنيين فهم اآلخرين يعملون،
ومن تلقاء أنفسهم على استبعاد مثل هذه الشروط ،حفاظا على سمعتهم التجارية من جهة ،وخشية
أن يضطروا إلى ذلك بعد تكبد مصاريف القضاء من جهة أخرى. 6
– 187وبهدف الوقوف بجانب الطرف الضعيف في هذا السياق ،عمل المشرع الفرنسي
الصادر في 27دجنبر ،1973وذلك من أجل 7
بتاريخ 5يناير 1988على تعديل قانون royer
توسيع دور جمعيات حماية المستهلكين حيث خولها حق رفع دعوى إلغاء الشروط التعسفية
، action en suppression de clauses abusivesوذلك بمقتضى المادة السادسة منه .
ولعل هدف المشرع من تخويل هذه الجمعيات الحق السالف ذكره ،يرجع بالدرجة األولى،
إلى الحد من عكوف المستهلكين عن رفع القضايا التي تتضمن شروطا مجحفـة في حقهم ،وهو ما
1
- Cass.civ , 14 mai 1991 , Dalloz , 1991 , p : 449 , not : ghestin (J) .c
2
- Auloy (J.C) : op.cit , p : 171 .
-الباحث عمرو قريوح :الحماية القانونية لمستهلكي السلع والخدمات – دراسة في عقود االستهالك – ر.د.دع.م ،في 3
قانون األعمال ،جامعة محمد األول /وجدة ، 2000 – 1999 ،ص . 95 :
4
- Auloy (J.C) : op.cit , p : 171 .
-أنظر رأي هذا الفقه عند :د.حمد هللا محمد حمد هللا :مرجع سابق ،ص . 134 : 5
6
- Auloy (J.C) : op.cit , p : 172 , N 146
-حيث كان قانون "رويير" قبل تعديله ،يخول لجمعيات حماية المستهلك حق االلتجاء إلى القضاء بغرض الدفاع عن 7
البند الثاني :تعديل القاضي للعقد عند اقترانه بشروط تعسفية .
– 189كما سبق أن أشرنا إلى ذلك ،فإن الشرط الجزائي شهـد انح ارفـا كبيـ ار عن وظيفته،
بانتشار ظاهرة الشروط المجحفة ،وبالتالي خرج عن وظيفته األصليـة ،وهو ما أثار إمكانية تدخل
القاضي لمراجعته ،إذا كان مبالغا فيه ،وذلك بهدف إعادة التوازن للعقد .
والسبب الذي جعلنا نتناول بشكل انفرادي ،يعود إلى كون سلطة القاضي تنحصر في
المراجعة ،وال يملك إمكانية إبطال الشروط الجزائية المجحفة كما هو الشأن بالنسبة للشروط
التعسفية على وجه العموم ،التي خولت التشريعات المنظمة لها ،كالقانون الفرنسي الفرنسي ،سلطة
حذفها من العقد ،واعتبارها كأن لم تكن .
– 190وعموما فإن أغلب الدول شهدت مرحلتين ،األولى قبل التدخل التشريعي إلقرار
سلطة القاضي في المراجعة حيث عرفت اضطرابا في مواقف هذا األخير (أوال) ،والمرحلة الثانية
1
-Starck (B) , Roland (H) , Boyer (L) : droit civil , les obligations , contrat , sixième édition ,
N 695 .
- 2خصص مشروع القانون المتعلق بحماية المستهلك الباب السابع (من المادة 65إلى المادة )96لجمعيات حماية
المستهلك .
وبخصوص مهامها :جاء في المادة 67منه "يمكن للجمعيات المصرح بها بصفة منتظمة ،والتي موضوعها
األساسي ينص بصراحة على الدفاع وحماية مصالح المستهلكين ،أن تمارس الحقوق المعترف بها للجهة المدنية من حيث
األعمال التي تضر بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالمصالح الجماعية للمستهلكين" .
وجاء في المادة " 68يمكن لكل جمعية تتوفر فيها الشروط المنصوص عليها في المادة ، 65في حالة تعرض
مجموعة من المستهلكين ،أشخاص ذاتيين ومعروفين ،كل على حدة ألضرار بفعل نفس المهني وذات مصدر واحد ،أن
تطالب باسم هؤالء المستهلكين بإصالح الضرر أمام هيئة قضائية إذا كانت موكلة على األقل من طرف عشرة من هؤالء
المستهلكين المعينين .
يجب أن تعطى الوكالة كتابة من طرف كل مستهلك" .
92
حينما تدخل المشرع تحت تأثير اآلراء الفقهية وبعض الق اررات القضائية لتخويل هذا األخير سلطة
المراجعة (ثانيا) .
أوال :مرحلة ما قبل التدخل التشريعي .
سنركز بهذا الخصوص على كل من القانون الفرنسي ( أ ) والقانون المغربي (ب).
أ – القانون الفرنسي .
- 191إذا كان المشرع ،وإلى غاية تعديل ، 1975بقي وفيا لمبدأ سلطان اإلرادة على
شكله التقليدي ،فإن الفقه والقضاء لم يهدأ باله على هذا المسلك ،وقام بالعديد من المحاوالت
لتكريس سلطة القاضي في تعديل الشروط الجزائية المجحفة ،والتخفيف بالتالي من قدسية المادة
1152مدني فرنسي ،وهو ما لقي معارضة مطلقة من قبل محكمة النقض الفرنسية ، 1التي ضلت
متمسكة بالمادة السابق اإلشارة إليها .
وتعود أولى المحاوالت الفقهية إلى "بوتييه" ،الذي ذهب إلى إمكانية مراجعة القاضي للشرط
الجزائي عند عدم تنفيذ االلتزام ،إذا كان مبالغا فيه. 2
إال أن محكمة النقض ،ومنذ مدة تصدت لمثل هذه المحاوالت ،حيث جاء في قرار لها
بتاريخ 14فبراير " 1866إن الحكم الذي ال ينفي الصفة التعاقدية والملزمة لالتفاق ،ومع ذلك
ينقص المبلغ المنصوص عليه كعطل وضرر ،بداعي أن هذا المبلغ مبالغ فيه بصورة ظاهرة هو
حكم خاطئ ومخالف للقانون". 3
– 192ورغم تمسك محكمة النقض بموقفها هذا ،فإن ذلك لم يثني الفقه البحث عن منافذ
للدفع بالقضاء إلى التدخل لمواجهة ظاهرة استفحال الشروط الجزائية المجحفة والوقوف بجانب
الضعفاء في العملية التعاقدية .
وهكذا يرى الفقيه ، boccaraأنه يتعين التمييز بين عدم التنفيذ اإلرادي وغير اإلرادي،
فالمدين الذي تسوء أحواله ألسباب اقتصادية ،لدرجة لم يتمكن معها من الوفاء بالتزاماته ،يكون من
غير المعقول إلزامه بشرط جزائي مبالغ فيه ،ومن تم فإنه يتعين تخويل القاضي سلطة مراجعة مثل
هذه الشروط متى كان المدين حسن النية. 4
-هن اك بعض االستثناءات التي تسمح فيها محكمة النقض بمراجعة الشرط الجزائي ،أهمها حالة تخفيضه في حالة 1
التنفيذ الجزئي باالستناد إلى المادة 1231من القانون المدني الفرنسي .
راجع بهذا الخصوص :د.طالل المختار :البند الجزائي في القانون المدني ،أطروحة دكتوراه ،باريس ، 1974ص 98 :
.
2
- Hubrecht : la révisibilité juridique des clauses pénales , G.P , 1976 , p : 64 .
D.P , 1866 , 1 p : 194 . - 3
4
- Boccara (bruno) : la liquidation du clause pénale et la querelle séculaire de l’article 1231
du code civil , J.C.P , 1970 , 1 , 2294 .
93
– 193وتعددت المحاوالت الفقهية الهادفة إلى إقرار سلطة القاضي في مراجعة هذه
الشروط ،وهو ما وجد له صدى لدى محاكم الموضوع ،السيما منذ بداية الستينات ،معتمدة في ذلك
على العديد من األسس ،من بينها المادة 1231مدني فرنسي ،المتعلقة بإمكانية تعديل الشرط
الجزائي في حالة التنفيذ الجزئي ،فحاولت بعض المحاكم التوسع في تفسير هذه المادة ،إلقرار
سلطة المراجعة القضائية ، 1لكن يبقى أهمها هو المبدأ القاضي بعدم إمكانية الجمع بين التنفيذ
العيني والتنفيذ عن طريق التعويض ،وفي ذلك قررت محكمة باريس بتاريخ 27يونيو " 1970إن
هذه الشروط تتناقض في نفس الوقت ،مع مقتضيات المادة ،1184التي تخول في عقد المعاوضة
للدائن االختيار بين التنفيذ الجبري للعقد وبين فسخه مع التعويض ،وليس الجمع بين مزايا الحلين
معا ،ومع مقتضيات المادة 1228من نفس القانون ،التي بتركها للدائن هنا أيضا ،الخيار بين
التنفيذ وبين الجزاء ،يفترض بالضرورة أن الجزاء لم يجعل عن طريق التحايل ،مطابقا للتنفيذ
بالنسبة للمدين". 2
هذا عن الوضع في فرنسا باختصار ،فماذا عنه في المغرب ؟
1
- Grenoble.com , 12 mai 1969 , J.C.P , 1970 , 89421 .
2
- J.C.P , Ed.ge , Tome 2 , 1970 , 26576 .
-د.فؤاد معالل :الشرط الجزائي في القانون المغربي ،األطروحة السابقة ،ص . 114 : 3
-قرار عدد ، 2329ملف مدني ،عدد ، 85/2994صادر عن الغرفة المدنية الثانية . 4
94
أما بالنسبة لمحاكم الموضوع ،التي سارت على نفس النهج ،فإننا نستشهد بق اررات مختلفة
من حيث الحيز الزمني لصدورها ،محاولة منا إلبراز أن نهاية الثمانينات وبداية التسعينات تعتبر
تحوال شبه جذري في مواقف القضاء المغربي .
فخالل مرحلة االستعمار ،ذهبت محكمة االستئناف بالرباط في قرار لها بتاريخ 20أكتوبر
1926أن القاعدة المقررة في الفصل 230ق.ل.ع.م ،تجعل الشرط الجزائي الذي بمقتضاه حدد
الطرفان مسبقا التعويض المتفق عليه في حالة عدم تنفيذ العقد ،مشروعا ما دام ال يوجد في
القانون ما يمنعه .
وقبل حصول المغرب بسنوات قليلة على استقالله ،أكدت المحكمة االبتدائية للدار
البيضاء ،أنه ال مجال لمراجعة الشرط الجزائي ولو كان مجحفا ،بعلة احترام القوة الملزمة للعقد،
وكان ذلك في حكم لها بتاريخ 18دجنبر ، 1951والذي قررت فيه :
"حيث إنه خالفا لما يدعيه المطلوب ،فإن األمر ال يتعلق بدعوى عمومية ،ولكن فقط
باحترام الشرط الجزائي ،الذي هو تصفية اتفاقية مقدرة بشكل جزافي لحالة عدم تنفيذ االلتزام،
وحيث إن الشرط الجزائي يقوم مقام القانون بالنسبة للمتعاقدين". 1
والحق يقال أن االجتهاد القضائي طوال هذه الحقبة ،يجد له مبررات في سلوكه هذا
ا لمسار ،على اعتبار أن الشرط الجزائي لم يكن مبالغا في تقديره بالشكل الذي شهده خالل العقود
األخيرة ،بفعل الكثير من العوامل ،التي أشرنا إلى أهمها ،حيث كانت وظيفته باألساس ،رغبة
المتعاقدين تفادي اللجوء إلى القضاء ،وما يترتب عن ذلك من مصاريف ،إضافة إلى كونه أداة
تهديد لضمان السالمة العقدية دون أن ينطوي على أي تعسف .
وبالرغم من التطور الذي شهدته العالقات التعاقدية ،والمتمثلة في اختالل التوازن بين
أطرافها ،وما نتج عن ذلك من تحول في وظيفة الشرط الجزائي ،الذي أصبح وسيلة الستغالل
القوي للضعيف ،من خالل الشروط المجحفة التي ينطوي عليها ،ومع ذلك فإن محاكم الموضوع
بقيت متمسكة بمسلكها الذي نهجته منذ بداية القرن العشرين ،ولعل أهم الق اررات التي يستشهد بها
في هذا الصدد قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء الصادر بتاريخ 19يناير ، 1988والذي
جاء فيه "حيث دأب اجتهاد هذه المحكمة ،وذلك سي ار على القانون الفرنسي ،الذي أكد أن الشرط
الجزائي متحقق ،حتى ولو لم يثبت الدائن أن ضر ار أصابه ،فإن اتفاق الطرفين على الشرط
الجزائي وتقديرهما مقدما للتعويض المستحق ،معناها أنهما مسلمان بأن إخالل المدين بالتزامه
يحدث ضر ار اتفقا على المقدار الالزم لتعويضه ،أي أن يكون الغرض من هذا الشرط منع أي
أشار إليه د.أحمد ا دريوش في كتابه :االجتهاد القضائي في ميدان االلتزامات والعقود ،الكتاب الرابع ،من سلسلة المعرفة
القانونية طبعة ، 1997ص . 159 :
-مجلة المحاكم المغربية ، 1952 ،ص . 159 : 1
95
جدل يدور حول وقوع الضرر ومقدار تعويضه ....فهذا الشرط يجعل الضرر واقعا في تقدير
المتعاقدين ،ولذلك يفترض وقوعه .
وحيث إن خطأ المستأنف ثابت ،وذلك بعدم إخالئه العقار الذي التزم بإخالئه ،ولم يكن
إخالله بذلك ناتجا عن قوة قاهرة أو أسباب أجنبية عنه ،وإنما تمسك بخرق التزامه إلى أن صدر
حكم أجبره على احترام ما التزم به ،فوجب بناء على ذلك أن تسري عليه األحكام التي التزم بها،
وأصبح الشرط الجزائي واجب النفاذ في حقه ،مما يكون معه الحكم المستـأنف في محله عندما
قضى عليه بألف درهم يوميا من تاريخ االمتناع إلى تاريخ إخالئه المحالت وتنفيذ االلتزام األصلي
باإلفراغ جب ار .
وحيث إن المبالغ المحكوم بها ،هي تعويض حدده المتعاقدان مسبقا في حالة إخالل الملتزم
باإلفراغ ،وبالتالي فإن أي تعويض آخر يعد خرقا لبنود االتفاق المذكور والمحدد وفقا لتقدير
المتعاقدين اللذين ال يجهالن أهمية ومردودية العقار موضوع النزاع ،مما يستوجب إلغاء الحكم
المستأنف فيما قضى ب من تعويض ثاني والمحدد في خمسة آالف درهم ورفض الطلب بشأنه،
ذلك أن الشرط الجزائي شرط اتفاقي وليس بوقتي وال تهديدي وإنما هو اتفاق نهائي قابل للتنفيذ
على حاله ،واألصل فيه عدم التخفيض ،وهو ما سار عليه اجتهاد هذه المحكمة ،والتي تؤكد أنه
إذا ذكر في االتفاق أن الطرف الذي يقصر في تنفيذه يدفع مبلغا معينا من النقود على سبيل
التعويض ،فال يجوز أن يعطي الطرف اآلخر مبلغا أكثر أو أقل". 1
– 196وفي اعتقادنا ،أنه ومحاولة لترويض الموقف السابق ،فإنه صدرت مجموعة من
الق اررات التي تهدف في جوهرها إلى إزالة التعسف عن الشروط الجزائية ،وإن كانت تنكر الوظيفة
التهديدية التي تميز هذه الشروط ،تلك هي الق اررات التي كسرت حاجز الحجية المطلقة عن
التعويض اإلتفاقي ،واشترطت لالمتثال له أن ال يتجاوز مقدار الضرر المحقق ،من ذلك قرار
المجلس األعلى الصادر بتاريخ 21شتنبر ، 1983الذي رفض إعمال الشرط الجزائي بين طرفيه
استنادا إلى أن أي ضرر لم يلحق الدائن .2
وعلى مستوى محاكم الموضوع ،ذهبت محكمة االستئناف بالدار البيضاء في قرار لها
بتاريخ 7مارس 1985إلى أنه "وحيث إن التعويض المشروط بالعقد مبالغ فيه ،وهو كشرط جزائي
عن عدم تنفيذ االلتزام ،وقد استقر االجتهاد على أن الشرط الجزائي يرجع للمحكمة حق تعديله،
لجعله مناسبا لتغطية الضرر ،وأن الضرورات تقدر بقدرها
......وحيث إن المحكمة بما لها من سلطة تقديرية ،ترى أن المبالغ المدفوعة والمتمثلة في 5500
درهما كافية لتغطية التعويض ،ذلك أن استرجاع العقار خير تعويض للبائع الذي ساهم بدوره في
-قرار أشار إليه د.فؤاد معالل في أطروحته :الشرط الجزائري في القانون المغربي ،مرجع سابق ،ص . 254 : 2
96
عرقلة وتشعب النزاع ،بادعائه أن األمر يتعلق بكراء فقط ،وأخفى واقعة البيع إلى أن دفع المشتري
بصورة منه فقط". 1
– 197ووعيا من القضاء المغربي ،بخطورة الوضع الذي أصبحت تنطوي عليه الشروط
الجزائية ،وإيمانه بأن اإلمكانيات التي يضعها القانون – كالفصل – 230ال يجب أن تستعمل رهن
إشارة المتعاملين استعماال يتنافى مع روحه ،ومطية لتكريس اختالل التوازن العقدي ،بدأت تطل
علينا بعض الق اررات ،مع مطلع التسعينات ،توحي بأن هناك تغي ار واضحا في مسلكه نحو إقرار
سلطة المراجعة القضائية للتعويض االتفاقي المبالغ فيه .
ولعل أولى اإلرهاصات التي تعبر عن ذلك بشكل جلي ،كانت مع محاكم الموضوع ،وعلى
الخصوص حكم المحكمة االبتدائية بفاس بتاريخ 19أبريل ، 1990والذي جاء فيه "أن طبيعة
التعويض االتفاقي المحدد بالعقد كجزاء عن عدم تنفيذ التزامات الفريق المدعى عليه ،هو من جهة
وسيلة للضغط على الملتزم لتنفيذ التزامه المحدد بالعقد ،ومن جهة أخرى وسيلة لجبر األضرار
الناتجة عن عدم تنفيذ االلتزام في إبانه ،ومن تم في طبيعته ومداه ،وأن القول بذلك من شأنه أن
يصحح المراكز القانونية لألطراف إزاء العقد ،ويحد من مبدأ سلطان اإلرادة الوارد بمقتضيات
الفصل 230ق.ل.ع.م ،باعتبار أن أحد األطراف قد يتعاقد تحت تأثير ظروف معينة بشروط
تعسفية في حقه ،قد ال تعبر عن إرادته الصحيحة ،ومن ثم وجب أن يتدخل القضاء لتصحيح
المراكز القانونية للطرفين حول العقد ،وخصوصا منه الشرط الجزائي". 2
أما على مستوى المجلس األعلى ،فإن القرار الذي أحدث تحوال جوهريا بهذا الخصوص،
والذي ساعد محاكم الموضوع على التجرؤ في كثير من الحاالت ،واعتماد هذا الحل حتى قبل
صدور قانون ، 27 – 95هو الذي صدر عن الغرفة المدنية بتاريخ 10أبريل ، 1991حيث
جاء في إحدى حيثياته "لكن لئن كانت محكمة االستئناف ال تملك حق تعديل العقد إال طبقا
لمقتضيات الفصل 230ق.ل.ع ،فإنه ليس ثمة ما يمنعها من تعديل تقدير التعويض موضوع
الشرط الجزائي إذا كان مبالغا فيه ...
....وأن عبارة للمحكمة التصرف في التعويض ،وإن كان على شكل شرط جزائي شأنه
في ذلك شأن الغرامة التهديدية على زائدة يستقيم القرار بدونها . 3"..
-قرار أشار إليه د.أحمد ادريوش في مؤلفه :االجتهاد القضائي في ميدان االلتزامات والعقود ،مرجع سابق ،ص : 1
-احميدو أكري :الشرط الجزائي من خالل االجتهاد القضائي المغربي والمقارن ،مجلة اإلشعاع ،ع ، 10 :يناير 3
، 1994ص . 90 :
97
وكان من الطبيعي أن تتكلل هذه المحاوالت بإرساء مبدأ المراجعة القضائية للشروط
الجزائية المجحفة بواسطة المشرع ،وهو ما دأبت عليه العديد من القوانين في العالم .
1
- Le tourneau (PH) : le point sur la clause pénale , journale des notaires et des avocats ,
1982 , p : 7 .
98
وهو ما كرسته محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 23فبراير ، 1982بقولها "إن
تعديل االلتزامات الناتجة عن الشرط الجزائي مجرد رخصة ،والقاضي غير ملزم بتبرير ق ارره بصفة
خاصة ،ويطبق بصفة عادية االتفاق عندما يرفض تعديل مقدار الجزاء الجزافي المقدر". 1
– 202ومن جهة أخرى ،فإن المشرع الفرنسي استطاع أن يخطو خطوة مهمة من خالل
2
تعديل أدخله على ق ، 597 – 75 .بمقتضى ق 1097 – 85 .الصادر بتاريخ 11أكتوبر
،1985سمح فيه للقاضي بتعديل الشرط الجزائي بصورة تلقائية ،متجاو از بذلك محاولة محكمة
النقض التضييق من سلطته هذه ،حينما قررت بتاريخ 2أكتوبر 1983بأن القضاة ملزمون
بطلبات األطراف وفقا لقانون المسطرة المدنية. 3
ونتمنى لو أن المشرع المغربي سلك نفس النهج ،لما فيه من حماية للطرف الضعيف،
الذي يتصف بقلة الخبرة مع عدم درايته بالقانون ،وإال فإننا – في ظل جهله لوجود الفصل 264
ق.ل.ع – سنكون نزعنا منه باليسرى ما أعطيناه باليمنى .
– 203وإذا كان الهدف من ق 597 – 75 .الفرنسي وق 27 – 95 .المغربي ،هو
السماح للقاضي بإعادة التوازن للعقد ،فإن ما أثار انتباهي ،وأن أتفحص القوانين المقارنة ،هو
التفسير الذي اعتمده القضاء البلجيكي ،بخصوص سلطة القاضي إزاء الشروط الجزائية المجحفة،
حيث يرى هذا األخير أن هذه الشروط إذا كان مبالغا فيها ،فإنها ال تدخل في مفهوم المادة 1152
م.ب ،وإنما يجوز للقاضي إبطالها لمخالفتها للنظام العام ،لكون سببها غير مشروع ،بناء على
المادتين 1131و 1132من القانون المدني البلجيكي. 4
1
- R.T.D.civil , 1982 , p : 603 , observation : chaba .
-د.معالل فؤاد :الشرط الجزائي في القانون المغربي ،أطروحة الدولة ،مرجع سابق ،ص . 218 : 2
3
- J.C.P , 1985 , T 2 . 20433 , observation : paisant .
4
- Thilmany : la clause pénale en droit belge , droit et pratique du commerce internationale ,
1982 , T 8 , p : 447 .
99
100
"....أجيبكم كقانوني أن االلتزام ال يكون التزاما إال إذا كان فيه اتزان وتوازن ،إذن من
ناحية فلسفة القانون نجد أنفسنا في حالة ليست عقدا وإنما هي التزام فقط ،أما من ناحية التوازن
واالتزان في العقد فال وجود لها . 1"...
ولقد جاء هذا الخطاب في سياق عام يهيمن على مختلف النظم القانونية ،مفاده أن تقدم
المجتمعات الحديثة مرتبط بتحقيق التوازن بين التزامات أطراف العقد ،بهدف إشاعة االستقرار في
المعامالت من خالل ترسيخ العدالة االجتماعية والوقوف بجانب الطرف الضعيف في المعاملة
االقتصادية .
وإذا كانت النظرية العامة للعقد في مفهومها التقليدي تتعارض مع إعادة النظر في
االلتزامات الناتجة عن العقد ،الذي تحول من أداة للتعادل وتبادل القيم إلى وسيلة يستعملها أحد
أطراف العقد لالستغالل واإلثراء على حساب الطرف اآلخر ،مما كان يستوجب معه على القاضي
في ظل غياب نصوص صريحة ،مواجهة هذا االختالل ،حتى يساهم في تطوير القواعد القانونية
بما يتفق والتطور الذي شهده المجتمع الحديث .
وإذا كنا قد توصلنا إلى إمكانية مساهمة القاضي في تحقيق هذا التوازن ولو عن طريق
تخريج حلول ،انطالقا من القواعد العامة الواردة في قانون االلتزامات والعقود ،فإنه مع ذلك ال زال
محكوما في تعامله هذا بمبدأ القوة الملزمة للعقد ،وهو ما جعله يجانب العدالة في كثير من األحيان
.
-مقتطف من خطاب الملك الراحل الحسن الثاني ،بمناسبة ثورة الملك والشعب . 1
102
103
أوال :باللغة العربية .
106
-سعيد الدغيمر :تنفيذ االلتزام بمقابل أو بطريق التعويض في التشريع المغربي ،أطروحة لنيل
دكتوراه الدولة في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس .الرباط .1982
-سهير منتصر :االلتزام بالتبصير ،دار النهضة العربية .دون ذكر سنة الطبع .
-محمد الكـشبور :
* نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة – دراسة مقارنة من وحي حرب
الخليج ،مطبعة النجاح الجديدة – الطبعة األولى . 1987 .
* رقابة المجلس األعلى على محاكم الموضوع في المادة المدنية – أطروحة لنيل دكتوراه
الدولة في القانون الخاص – جامعة الحسن الثاني ،الدار البيضاء.1986 .
* الكراء المدني والكراء التجاري ،الطبعة األولى . 1997
-محمد السيد عمران :حماية المستهلك أثناء تكوين العقد – دراسة مقارنة – منشأة
المعارف/اإلسكندرية ،دون ذكر سنة الطبع .
-محمد اإلدريسي :مشكلة اإلفراغ من خالل اجتهاد المجلس األعلى – رسالة لنيل دبلوم
الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني ،جامعة محمد الخامس – أكدال – الرباط – 1998 .
. 1999
-محمد بونبات :الكراء تحت اليد "أو التأجير من الباطن" وفقا ألحكام التشريع المغربي والمقارن،
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،الرباط– 1984 ،
. 1985
-محمد عبدوسي :التعويض اإلتفاقي في التشريعي المغربي ،قراءة في القانون رقم . 27/95
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني ،جامعة محمد الخامس ،أكدال –
الرباط . 1999 – 1998 ،
-محمد علي عمران :االلتزام بضمان السالمة وتطبيقاته في بعض العقود – دراسة فقهية
وقضائية في كل من مصر وفرنسا ،دار النهضة العربية . 1980 ،
-محمد شكورة :حسن النية في قانون العقارت المحفظة والقانون الخاص بالمنقول في التشريع
المغربي – رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص – جامعة الحسن الثاني بالبيضاء
. 1986 ،
-محمد شيلح :
* مبدأ سلطان اإلرادة في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي – أسسه ومظاهره في
نظرية العقد – ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،الرباط . 1983 ،
* تأويل العقود في قانون االلتزامات والعقود المغربي ،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في
القانون الخاص /الرباط . 1995 ،
107
-محسن البيه :مشكلتان متعلقتان بالقبول – السكوت واإلذعان – دار النهضة العربية /القاهرة،
دون ذكر سنة الطبع .
-مفيد الفارسي :حرية األسعار والمنافسة في التشريع المغربي ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا
المعمقة في قانون األعمال ،جامعة محمد األول /وجدة .2000 – 1999
-نور الدين الناصري :دور القاضي في تفسير العقد – دراسة على ضوء قانون االلتزامات
والعقود المغربي – ،بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني ،جامعة الحسن
الثاني ،الدار البيضاء . 1999 – 1998 .
ج – المقاالت .
-أحمد الخمليشي :كيف نق أر ظهير االلتزامات والعقود ،م.م.ق.ق.ت ،ع .1984 ،7 :
-ادريس الفاخوري :حماية المستهلك من الشروط التعسفية ،م.م.ق.ق ،ع ، 3 :يونيو 2001
.
-الحبيب بيهي :دور قاضي الموضوع في تكييف العالقة التعاقدية ،م .اإلشعاع ،ع ، 6 :
دجنبر . 1991
-الفزاري :أثر الظروف الطارئة على االلتزام العقدي في القانون المقارن ،م .العربية للفقه
والقضاء ،ع . 1986 ، 4 :
-أسامة عبد الرحمان :أثر تغير الظروف على السومة الكرائية ،م.الميادين ،ع .1983 ، 8 :
-بلحساني الحسين :
* التجديدات األساسية في مسودة المشروع المغربي لقانون حماية المستهلك – آليات تدعيم
رضا المستهلك – مجلة المحاكم المغربية ،ع. 2000 ، 34 :
* قانون المنافسة وحرية األسعار بين المؤثرات الخارجية واإلكراهات الداخليـة ،م .
المغربية لالقتصاد والقانون ،ع ، 3 :يونيو . 2001
-بوعبيد صبحي :تأويل العقود بين القضاء والقانون والفقه في المغرب ومصر ،م .القضاء
والقانون ،ع . 1985 ، 134 – 133 :
-جواد الغماري :مصادر وخصائص قانون االستهالك (قانون الزجـر عـن الغـش في البضائع)
م.ق.ق ،ع . 10 :
-خالد عيد :تأمالت في حدود قانون االلتزامات والعقود ،م.م.ق.س.ق ،.ع . 1980 ، 10 :
-دنيا مباركة :الحماية القانونية لرضا مستهلكي السلع والخدمات ،م.م.ق.ق ، .ع ، 3:يونيو
. 2001
108
-رياض فخري :التوازن العقدي بين الواقع والنظرية في عقد التأجير التمويلي .م.المرافعة ،ع :
، 10مارس . 2000
-زكي الدين شعبان :الشرط الجزائي في الشريعة والقانون ،م.الحقوق الكويتية ،ع ، 2 :
. 1977
-زيد قدري الترجمان :الفصل 230من قانون االلتزامات والعقود المغربي ،م.م.ق.ق.ت ،ع :
. 1984 ، 7
-عبد الحي حجازي :مدى خيار الدائن بين التنفيذ والفسخ ،م.العلوم القانونية واالقتصادية،
جامعة عين شمس ،ع . 1960 ، 2 :
-عبد العزيز حضري :مجلس المنافسة وتنظيم السوق ،م.م.ق.ق ،ع ، 3 :يونيو . 2001
-عبد القادر العرعاري :
* ضمان عيوب السيارات المستعملة – أثر االحتراف على ضمان عيوب السيارات
المستعملة – م.القضاء والقانون ،ع . 1992 ، 144 :
* تحديد العيب الموجب للضمان في قانون االلتزامات والعقود المغربي – دراسة نقدية على
ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي ،م.م.ق.س.ق ،ع . 1988 ، 21 :
* إشكالية التأمين اإلجباري في ميدان العقارات المبنية والتي في طور البناء ،
م.م.ق.ق.ت ،ع . 1988 ، 18 :
-عبد السالم فيغو :حماية المستهلك في الشريعة اإلسالمية ،مجلة القانـون واالقتص ـاد (كلية
الحقوق ،فاس) ،ع ، 10 :ص . 175 :
-فائزة بلعسري :نظرية الظروف الطارئة ومدى إمكانية تطبيقها في ظل القانون المغربي ،م .
الملحق القضائي ،ع . 3 :
-محمد الكشبور :
* مشكلة التنازع بين الفقه المالكي وقانون االلتزامات والعقود المغربي في مجال العقار
غير المحفظ ،م.م.ق.ق.ت ،ع . 1984 ، 7 :
* الكراء بين اإلنهاء والفسخ ،م .القضاء والقانون ،ع . 1991 ، 143 :
* انطباعات حول المسؤولية والتأمين – ندوة المهن الحرة – م.م.ق.ق.ت ،ع ، 25 :
. 1991
-محمد الوزاني :األجهزة المكلفة بمراقبة السوق ودورها في حماية المستهلك ،م.م.ق.ق ،ع3 :
،يونيو . 2001
-محمد بن أحمد بن محفوظ :واجب إعالم المستهلك في القانون المدني التونسي ،م .المحاماة
التونسية ،ع . 1984 ، 2 :
109
-محمد عبد الجواد :الغبن الالحق ونظرية الظروف الطارئة في القانون الفرنسي والمصري،
م.القانون واالقتصاد ،ع . 1963 ، 33 :
-محمد عبد الرحمان الملحم :نماذج العقود ووسائل مواجهة الشروط المجحفة فيها – دراسة
تحليلية مقارنة في الفقه والقضاء األنجلو أمريكي مع اإلشارة إلى الوضع في الكويت ،م.الحقوق ،ع
1 :و ، 2السنة . )1992( 16
-محمد شعيبي المذكوري :
* نظرية الصورية في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي ،م.م.ق.ق.ت.
ع . 1984 ، 7 :
* الحماية القضائية للمستهلك في مادة زجر الغش في البضائع ،محاكم الدار البيضاء
نموذجا ،م.القانون واالقتصاد ،ع . 10 :
-محمد شهيب :قراءة في بعض األحكام الخاصة بزجر الغش ،م.م.ق.ق ، .ع ، 3 :يونيو
. 2001
-محمد لبيب شنب :الجحود المبستر للعقد – دراسة في القانون األمريكي مقارنة بالقانونين
الفرنسي والمصري – م .العلوم القانونية واالقتصادية ،جامعة عين شمس ،
ع . 1960 ، 2 :
-محمد مهدي الجم :نظرية الظروف الطارئة ،م.م.ق.ق.ت ،ع . 1991 ، 15 :
-محمد اآلمراني زنطار :
*االجتهاد القضائي في المادة المدنية بين الثبات واالستقرار .م.م.ق.ق.ت ،
ع . 1988 ، 18 :
* الوضعية القانونية للمصاب بداء المناعة (اإليدز) ،م.م.ق.ق.م ،ع .1992 ،8 :
-محي الدين إسماعيل علم الدين :الشرط الصريح الفاسخ في قضاء محكمة النقض المصرية،
م.الميادين ،ع . 1987 ، 2 :
-مصطفى كيرة :التكييف القانوني .المجلة العربية للفقه والقضاء ،ع . 1992 ، 11 :
-معالل فؤاد :مستقبل الشرط الجزائي بعد صدور قانون ، 95 – 27م.ق.ق ،ع .1 :
-موسى عبود :االجتهاد القضائي ودوره في النظام القانوني المغربي ،م.المحاماة ،ع( 3:عدد
ممتاز)
2 – LES ARTICLES .
- ANNE sinay-cytermann : la commission des clauses abusives et le
droit commun des obligations, REV.TR.DR.civil, N°3.1985.
- Benêt (A) : indemnité d’immobilisation – dédit et clausse pénale,
J.C.P, T 2 – N°7, 1987 .
- Bihl luc : la loi N°78-23 du 10 Janvier 1978 sur la protection et
l’information du consommateur, J.C.P, T 2 – N° 40 , 1978 .
112
- Bocarra : dol ; silence et réticence, gaz . pale . 1953 .
- Carmet (O) : réflexion sur les clauses abusives au sens de la loi n°78
– 23 du 10 janvier 1978 , REV.TR.DR.com, 1982 .
- Christine hugon : le sort de la clause pénale en cas d’extinction du
contrat, J.C.P,T4.N°40, 1994 .
- Fontaine (M) : la protection du consommateur en droit civil et en
droit commerciale belge, Rev.Tr.Dr.Com , 1974 .
- François : la réforme de la clause pénale (loi n°75-597 du 9 juillet
1975) , recueil Dalloz Sirey , 1976 , N° 2 .
- François xavier testu : le juge et le contrat d’adhésion , J.C.P,
éd.générale, T 2 , 1993 .
- Ghestin (J) et SABELLE marchessaux – van melle : l’application en
France de la directive visant à éliminer les clauses abusives après
l’adoption de la loi N°95 – 96 du 1 février 1995 , J.C.P , T3 – N°25 ,
1995 .
- Gourdet (G) : droit de critique et consommation , REV.TR.DR.com,
1980 .
- Guibal Michel : droit public des contrats et concurrence : le style
européen, J.C.P , T 2 , 1993 .
- JEAN marie Auby : la loi n°90-527 juin 1990 relative aux droits et à
la protection des personnes hospitalisé en raison de trouble mentaux
et à leurs conditions d’hospitalisations, J.C.P, éd.gé, T3. 1990 .
- JEAN calais-auloy : l’influence du droit de la consommation sur le
droit civil des contrats, REV.TR.DR.civil,N°2, 1994 .
- J.j-biolay : blocage et déblocage des prix et concurrence,
REV.TR.DR.com, 1983 .
- J.j-burst et R.Kovor : la distribution sélective et le droit
communautaire de la concurrence , REV.TR.DR.com, 1978 .
- JUGLART (M) : l’obligation de renseignement dans les contrats,
R.T.D.civil, 1945 .
- Lhuilier gilles : le critère jurisprudentiel d’application du droit de la
concurrence, Rev.Tr.DR.commerciale, N°4, 1994 .
- Louis Vogel : droit française de la concurrence, J.C.P, entreprise et
affaires, T1, 1998 .
- Malourie marie : le référé-concurrence, J.C.P, éd.gé, T1.1993 .
- Mallaurie (Philipe) : la révision judiciaire de la clause pénale (loi
n°75-597 du 9 juillet 1975) , répertoire du notariat défrenois, T2,
1976.
- MARIE Josèphe : protection des consommateurs – aperçu rapide sur
la loi n°98-566 du 8 juillet 1998 relative à la protection des
acquéreurs de l’utilisation à temps partiel de bien immobilière, J.C.P,
éd.gé, T3.1998 .
113
- Martin(D) : la défense du consommateur à crédit commentaire de la
loi n°78-22 du 10 janvier 1978, REV.TR.DR.com, 1978 .
- Martin Raymond : la fonction juridictionnelle du conseil de la
concurrence , J.C.P, éd.gé, T4.1990 .
- Nectoux Philipe : la révision judiciaire des clauses pénales-bilan des
premières années d’application de la loi du 9 juillet 1975 par
l’informatique juridique, J.C.P, T2-N°42, 1978 .
- Nivaggioli (A) : les crises économiques et les législations des prix,
Rev.Tr.Dr.Com, 1984 .
- Ounnir abdellah : le droit de la consommation au Maroc entre les
enseignements du passé et les impératifs de l’avenir, R.D.E,
N°10.1995 , recueil Dalloz Sirey, 1995 .
- Paisant gilles : proposition pour une réforme du droit des clauses
abusives (après la directive du 5 avril 1993) , (J.C.P), éd.gé, n°25,
T2, 1994 .
* Les clauses pénales sont-elles encore licite dans les contrats
de bail et de travail , J.C.P, T2-N°16, 1986 .
* suppression des clauses abusives d’un contrat type sur
intervention volontaire d’une association de consommateurs,
J.C.P, T1, 1994 .
* éssai sur la notion de consommateurs en droit positif, J.C.P ,
T1 , 1993 .
* dix ans d’application de la réforme des articles 1152 et 1231
du code civil relative a la clause pénale (loi du 9 juillet 1975) ,
Rev.Tr.Dr.civil, N°4 , 1985 .
* la consécration du pouvoir judiciaire par la loi du 9 juillet
1975 et ses incidences sur la théorie générale de la clause
pénale, REV.TR.DR.civil, 1977 .
- P.ancle : la garantie conventionnalle des viches cachés dans les
conditions générales de vente en matière mobilière,
REV.TR.DR.com, 1979 .
- Peirano facio gorge : nature juridique de la clause pénale dans les
droits français et latino-américain, REV.TR.DR.comparé, 1949 .
- PIERRE billet : le juge et l’équité, études offertes à rené rodières,
Dalloz 1981, 1ér . Trimestre .
- Sériaux alainer : l’interprétation des faits en droit, J.C.P, n°12, T1,
1986 .
- Vincent cottereau : la clause réputée non écrite, J.C.P, éd.gé, T3,
1993 .
- YVES letartre : requiem pour une clause pénale, revue de
jurisprudence commercial, N°3, 1978 .
- Yves picod : l’obligation de coopération dans l’exécution du contrat,
J.C.P, T1-N°6, 1988 .
114
الــفــهــرس
01 مقدمة
فصل تمهيدي :عدم نجاعة نظرية عيوب اإلرادة في تحقيق التوازن العقدي
الفقرة األولى :الغلط
الفقرة الثانية :اإلكراه
الفقرة الثالثة :التدليس
الفقرة الرابعة :الغبن واالستغالل
الفصل األول :دور القاضي في تحقيق التوازن العقدي من خالل مؤسسة التفسير
115
المبحث األول :تحقيق التوازن العقدي عند تفسير القاضي لبنوده
المطلب األول :دور القاضي السلبي إزاء العقد الواضح العبارة .
المطلب الثاني :إمكانية تحقيق التوازن العقدي إذا كانت عباراته غامضة .
أوال :مدى التزام القاضي بقواعد التفسير المنصوص عليها .
ثانيا :سلطة قاضي الموضوع الشبه المطلقة في تفسير العقد الغامض .
المبحث الثاني :مساهمة القاضي في تحقيق التوازن العقدي عن طريق تفسير النصوص
القانونية .
المطلب األول :تعديل القاضي آلجل العقد قد يساهم في توازنه .
المطلب الثاني :مدى مساهمة االلتزام بالتبصير في تحقيق التوازن العقدي .
الفقرة األولى :موقف القضاء من االلتزام بالتبصير في إطار النصوص العامة .
أوال :أساس االلتزام بالتبصير في القضاء المقارن
ثانيا :االلتزام بالتبصير من منظور الفقه اإلسالمي .
الفقرة الثانية :وعي المشرع بحاجة القاضي لنص خاص يقرر االلتزام بالتبصير
الفصل الثاني :تحقيق التوازن العقدي باستبعاد القاضي لشروطه التعسفية
المبحث األول :سلطة القاضي إزاء بنود عقد اإلذعان التعسفية
المطلب األول :ماهية عقد اإلذعان
البند األول :الطبيعة القانونية لعقد اإلذعان
أوال :أنصار النظرية الالئحية .
ثانيا :النظرية العقدية
البند الثاني :خصائص عقد اإلذعان وتمييزه عن بعض المفاهيم المشابهة .
أوال :خصائص عقد اإلذعان .
ثانيا :تمييز عقد اإلذعان عن المفاهيم المشابهة له .
المطلب الثاني :نطاق سلطة القاضي لمواجهة بنود عقد اإلذعان التعسفية
المبحث الثني :السماح للقاضي باستبعاد كل شرط تعسفي يساهم في توازن العقد.
المطلب األول :ماهية الشرط التعسفي
البند األول :مفهوم الشرط التعسفي وعناصره
أوال :تعريف الشرط التعسفي .
ثانيا :عناصر الشرط التعسفي .
البند الثاني :تمييز الشرط التعسفي عن بعض المفاهيم المشابهة .
116
أوال :الشرط التعسفي ومضمون العقد النموذجي .
ثانيا :الشرط التعسفي والشرط الجزائي .
المطلب الثاني :تعديل القاضي للعقد عند اقترانه بشروط تعسفية .
البند األول :أساليب مواجهة القاضي للشروط التعسفية
أوال :األسلوب التقديري
ثانيا :أسلوب القائمة .
ثالثا :األسلوب المختلط.
البند الثاني :تعديل القاضي للعقد عند اقترانه بشروط تعسفية .
أوال :مرحلة ما قبل التدخل التشريعي .
ثانيا :مرحلة ما بعد التدخل التشريعي .
خاتمة
الئحة المراجع
بيان الرموز
الفهرس
117