دور القضاء في تحقيق التوازن العقدي رسالة

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 117

‫عبد الرحمان الشرقاوي‬

‫‪2002‬‬

‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرحمان الرحيم‬

‫( وإذا دعوا إلى هللا ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون‪ ،‬وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه‬
‫مذعنين )‬

‫سورة النور ‪ ،‬اآليتين ‪ 46‬و ‪. 47‬‬

‫‪2‬‬
:‫بيان الرموز‬

. ‫حكم غير منشور‬ : .‫م‬.‫غ‬.‫ ح‬-

.‫صفحة‬ : .‫ص‬-

. ‫ظهير‬ : .‫ظ‬-

. ‫قانون االلتزامات والعقود‬ : .‫ع‬.‫ل‬.‫ ق‬-

. ‫قانون المسطرة المدنية‬ : .‫م‬.‫م‬.‫ ق‬-

. ‫مرجع سابق‬ : . ‫س‬.‫ م‬-

. ‫عدد‬ : .‫ع‬-

- Ar : arrêt
- Bul.civ : bulletin des arrêts de la cour de cassation .
- c.a.r. : arrêts de la cour d’appel de rabat .
- Civ . : arrêts de la chambre civil de la cour de cassation
-D. : recueil Dalloz .
- G.P. : Gazette du palais.
- G.T.M. : Gazettes des tribunaux du Maroc .
- Ed . : Edition .
- Op.cit. : ouvrage précité .
-P . : page .
- R.A.C.A.R. : recueil des arrêts de la cour d’appel de rabat .
- R.M.D.E.D. : revue marocaine de droit et d’économie du
développement .
3
- Rev.trim.dr.civ : Revue trimestrielle de droit civil .
- Rev.tr.dr.com : Revue trimestrielle de droit commerciale ..
-S. : Recueil Sirey .
-T. : Tome .

4
‫بالرجوع إلى الفصل ‪ 230‬ق‪.‬ل‪.‬م‪ ،‬نجده ينص على أن االلتزامات التعاقدية المنشأة‬ ‫‪-1‬‬
‫على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها‪ ،‬ويعتبر هذا المبدأ المكرس في المادة‬
‫‪ 1134‬مدني فرنسي جوهر النظرية التقليدية التي أخذ بها القانون المغربي‪ ،‬حيث إن العقد الذي‬
‫يربط بين إرادتين أو أكثر‪ ،‬ال يمكن أن يكون إال عادال‪ ،‬فكل ما هو عقدي هو عادل ‪ ،‬ومرجع هذا‬
‫التقدير هي إرادة المتعاقدين وحدها‪ ،‬وال يمكن تقديرها بمعيار موضوعي أو عن طريق أي شخص‬
‫عنهما‪ ،‬ولو كان يمثل السلطة القضائية‪،‬فكل من دخل في عالقة بإرادة واعية وحرة ال يستطيع أن‬
‫يتخلى عما التزم به ‪.‬‬
‫وقد كان هذا مقبوال في ظل مجتمع زراعي بسيط‪ ،‬محدود من ناحية التقدم‬ ‫‪- 2‬‬
‫التكنولوجي‪ ،‬وبالتالي لم يثر إشكاال في بداية وضع مدونة نابليون‪ ،‬ما دام أن الصورة التقليدية‬
‫للتعاقد تعتمد على المفاوضة والمساومة التعاقدية‪ ،‬حيث يتاح ألطراف العقد مناقشة شروطه‬
‫والتفاوض بشأنها‪.‬‬
‫وكان يكفي المتعاقد أن يتمسك بإحدى عيوب الرضا المحددة بالنص القانوني‪ ،‬لرد االعتبار‬
‫إلى العقد وجعله متزنا بين أطرافه‪.‬‬
‫لكن التحوالت االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬التي ازدادت حدتها منذ بداية القرن‬ ‫‪- 3‬‬
‫العشرين‪ ،‬الذي ميزته ثورة في إنتاج السلع والخدمات‪ ،‬يشوبها التعقيد والغموض بسبب المؤثرات‬
‫واألساليب العديدة التي يلجأ إليها المهنيون‪ ،‬مما تثار معه مسألة حرية رضاء المستهلكين‪ ،‬كما أن‬
‫التعقيد لم يقتصر على ذلك‪ ،‬وإنما تعداه إلى ما يمكن أن يصيبه من أضرار أثناء استعماله للشيء‬
‫محل التعاقد الذي قد ينطوي على خطورة تهدد سالمته في وقت لم يكن ليقبله لو علم بذلك مسبقا‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وقد صاحب هذه التحوالت السرعة في إبرام المعامالت‪ ،‬مما فرض على المهنيين‪ ،‬اللجوء‬
‫إلى تقنية العقود النموذجية‪ ،‬والتي أصبحت تستخدم لتمرير العديد من الشروط التعسفية تخل‬
‫بالتوازن العقدي‪.‬‬
‫كل ذلك أثر على التوازن الذي كان مفترضا بين أطراف العقد‪ ،‬حيث انعكس باألساس على‬
‫العالقات التعاقدية التي تربط المهنيين بالمستهلكين بشكل خاص‪ ،‬مما ترتب عنه هيمنة الفريق‬
‫األول الحتكاره الخبرة والمعرفة في مجال التعاقد‪.‬‬
‫في ظل هذا كله‪ ،‬هل ال زالت األفكار التقليدية‪ ،‬القائلة بأن القاضي ال يعرف سوى‬ ‫‪-4‬‬
‫قاعدة واحدة هي احترام قدسية العقد‪ ،‬وأن بمقدور المشرع أن يتدخل عند الحاجة حتى ال نترك‬
‫القاضي ينفعل بأحاسيس مبهمة تكون مدعاة لسلطة تحكمية في هذه الدائرة المرنة ‪.‬‬
‫أم أن األمر لم يعد كذلك‪ ،‬في ظل هذا االختالل‪ ،‬ويكون "اهرنج" صادقا منذ زمن‪ ،‬حينما‬
‫كتب معلقا على المادة ‪ 1134‬مدني فرنسي "القول بأن اتفاق اإلرادتين يكون بالضرورة عادال‪،‬‬
‫معناه إعطاء رخصة صيد للقراصنة ورجال العصابات‪ ،‬مع منحهم الحق في أخذ ما تقع عليه‬
‫أيديهم" ‪.1‬‬
‫إن هذه التطورات التي لحقت الميادين االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬وما‬ ‫‪- 5‬‬
‫صاحبها من تطورات في العالقات القانونية أدت بالنصوص التشريعية إلى العجز عن مالحقة هذه‬
‫التغيرات‪ ،‬وبالتالي خلق بون شاسع بين النص والممارسة‪.‬‬
‫وهو ما شعر به القضاء مؤخرا‪ ،‬فاتخذ من المبادئ العامة الواردة في القانون المدني وسيلة‬
‫لتحقيق التوازن العقدي‪ ،‬سواء من خالل مؤسسة التفسير‪ ،‬التي جعل منها أداة للوقوف بجانب‬
‫الطرف الضعيف‪ ،‬أو من خالل التوسع في فهم العديد من النصوص القانونية المتفرقة للوصول‬
‫إلى نفس الغاية‪.‬‬
‫بل إن التشريعات الحديثة وضعت العديد من النصوص الخاصة‪ ،‬كقوانين حماية‬
‫المستهلكين والحد من الشروط التعسفية والجزائية‪ ،‬تخول من خاللها للقاضي سلطة إقرار التوازن‬
‫العقدي‪.‬‬
‫وهذا هو السبب الذي دفعنا إلى اختيار هذا الموضوع‪ ،‬لمالمسة اإلشكالية التالية‪:‬‬ ‫‪-6‬‬
‫إذا كان هناك إجماع على تكريس قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬لمبدأ سلطان اإلرادة‬
‫كما أراده واضعوه‪ ،‬وبالتالي هناك عجز في نصوصه عن مواكبة التطورات التي شهدها النصف‬

‫‪ -‬راجع هذه العبارة عند ‪ :‬د‪.‬نبيل إبراهيم سعد ‪ :‬نحو قانون خاص باالئتمان‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬طبعة ‪1991‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،‬ص ‪. 187 :‬‬


‫‪6‬‬
‫الثاني من القرن العشرين باألساس‪ ،‬فهل استطاع القضاء أن يتجاوز هذا القصور‪ ،‬ومن ثم‬
‫المساهمة في تحقيق توازن فعلي بين أطراف العالقة التعاقدية‪.‬‬
‫ذلك ما سنعالجه في هذا البحث المشتمل على فصلين‪ ،‬نتناول في األول منه دور القاضي‬
‫في تحقيق التوازن العقدي من خالل مؤسسة التفسير‪ ،‬وفي الثاني سبل مواجهة القاضي للشروط‬
‫التعسفية‪.‬‬
‫وقبل ذلك نمهد للموضوع بفصل تمهيدي نتطرق فيه لعجز نظرية عيوب الرضا في ثوبها‬
‫الكالسيكي في إعادة التوازن للعقد‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ – 7‬تنبغي اإلشارة منذ البداية إلى أن نظرية عيوب الرضا‪ ،‬قامت بدور مهم في حماية‬
‫الطرف الذي تكون إرادته مدفوعة إلى إبرام االلتزام تحت وطأة اإلكراه أو التدليس أو بغيرها من‬
‫العيوب التي تطرقت إليها مختلف التشريعات‪ ،‬ومنها المغربي الذي عالجها في الفصول من ‪39‬‬
‫إلى ‪ 56‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪.‬‬
‫‪ – 8‬وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فإنه ونتيجة للتطورات االقتصادية والتكنولوجية التي أفرزت‬
‫طرفا قويا وآخر ضع يفا يفتقد للكفاءة الفنية والقانونية‪ ،‬مما ال يتمكن معها من مناقشة بنود العقد وال‬
‫من تقدير آثاره‪ ، 1‬يتم التساؤل عن مدى نجاعة نظرية عيوب الرضا إلعادة التوازن لمثل هذه‬
‫العقود‪ ، 2‬ثم هل الالتوازن بين المحترف وغيره يخول لهذا األخير إذا تبين له أن العقد غير عادل‬
‫إمكانية المطالبة بإعادة التوازن بناء على تعيب إرادته ؟‬
‫‪ – 9‬إن الجواب عن ذلك بالنفي‪ ،‬والقول بأن التفوق االقتصادي أو التكنولوجي للمحترف ال‬
‫يعتبر في حد ذاته عيبا يلحق إرادة الطرف األقل قدرة‪ ،‬والسيما قبل إقرار التشريعات لمجموعة من‬
‫القوانين التي تستهدف مساعدة طبقة المستهلكين‪ ،‬يعتبر إجحافا أوال في حق سلطة القاضي‪ ،‬الذي‬
‫يتعين عليه إيجاد المنافذ القانونية لتحقيق العدالة التعاقدية‪ ،‬كلما تبين له أن الحاجة تستدعي ذلك‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Rouhette (G) : contribution à l’étude critique de la notion de contrat, paris, 1965, p :176 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Azziman (Omar) : droit civil, droit des obligation, le contrat, édition le fennec, p :119 .‬‬
‫أنظر أيضا ‪:‬‬
‫‪Larroumet christian : droit civil , les obligation , le contrat, 1998 , p :120 .‬‬
‫‪8‬‬
‫وفي نفس الوقت فإن الرد باإليجاب على هذا السؤال‪ ،‬ومن ثم التوسع في نظرية عيوب الرضا من‬
‫طرف القضاء بهدف تحقيق التوازن العقدي من شأنه أن يمس بمبدأ استقرار المعامالت ‪.‬‬
‫وعليه فإننا سنحاول في هذا الفصل التمهيدي التطرق للدور الحمائي‪ ،‬الذي يمكن أن يقوم‬
‫به القاضي في ظل هذه النظرية‪ ،‬في شكل فقرات‪ ،‬نعالج في األولى منها نظرية الغلط‪ ،‬وفي الثانية‬
‫لنظرية اإلكراه‪ ،‬بينما في الفقرة الثالثة نتناول نظرية التدليس‪ ،‬وأخي ار نلتمس مدى نجاعة نظرية‬
‫الغبن واالستغالل في الفقرة الرابعة ‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬الغلط ‪L’erreur‬‬


‫‪ – 10‬بداية نشير إلى أن المشرع المغربي عالج نظرية الغلط في الفصول من ‪ 40‬إلى ‪45‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬بعدما أشار في الفصل ‪ 39‬على أنه "يكون قابال لإلبطال الرضا الصادر عن غلط‪ ،‬أو‬
‫الناتج عن تدليس‪ ،‬أو المنتزع بإكراه" ‪.‬‬
‫‪ – 11‬وحسب الدكتور عبد القادر العرعاري‪ ، 1‬فإنه باستقراء هذه النصوص يتبين أن‬
‫المشرع المغربي‪ ،‬لئن كان قد أخذ بالنظرية التقليدية في الغلط كمبدأ عام‪ ،‬فإن ذلك ال يعني أنه‬
‫استبعد مقتضيات النظرية الحديثة‪ ،‬بحكم أنه اعتد ببعض قواعدها‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة للغلط في‬
‫القانون‪ ،‬حيث تطلب في الفصل ‪ 40‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬أن يكون جوهريا ودافعا للتعاقد ‪.‬‬
‫وعموما يمكن القول بأن المشرع المغربي قد ميز بين حالتي الغلط في الواقع والغلط في‬
‫القانون‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الغلط في الواقع‬
‫‪ – 12‬وفيها لم يأخذ المشرع المغربي بحالة الغلط في الحساب بمقتضى الفصل ‪43‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬وأيضا لم يعتد بالغلط في القيمة أو الغلط في الباعث‪ ،‬في حين اعتبر كال من الغلط‬
‫في مادة الشيء‪ 2‬محل التعاقد أو في نوعه أو في صفة فيه كانت هي السبب الدافع إلبرام العقد‪،‬‬
‫مخولة لإلبطال بصريح الفصل ‪ 41‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن الفصل ‪ 42‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬جعل من الغلط في شخصية المتعاقــد أو في‬
‫صفته‪ ،‬مبررة لإلبطال لمصلحة من وقع في الغلط‪ ، 3‬كما خول المشرع للطرف الذي يستعمل‬

‫‪ -‬د‪.‬عبد القادر العرعاري ‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات في القانون المدني المغربي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مصادر االلتزامات‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫الكتاب األول‪ ،‬نظرية العقد‪ ،1995 ،‬ص ‪. 101 :‬‬


‫‪ -‬المرجع السابق ‪ :‬حيث يرى أن الفقه المغربي يالحظ على هذا الفصل أنه استعمل مصطلح ذات الشيء‪ ،‬مع أنه غير‬ ‫‪2‬‬

‫مقصود منه ذلك‪ ،‬على اعتبار‪ ،‬أن الغلط في ذاتية الشيء يجعل العقد باطال‪ ،‬ومن ثم يقول بأن الفقه يفسر هذا المصطلح‬
‫بقصد المشرع الحقيقي‪ ،‬والذي يتمثل في مادية الشيء ‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرحيم بن سالمة ‪ :‬عيوب الرضا في القانون المغربي‪ ،‬مجلة الملحق القضائي ‪ ،‬ع ‪ ، 31 :‬يونيو ‪، 1996 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪. 56 :‬‬
‫‪9‬‬
‫وسيطا في إبرام العقد إمكانية إبطاله في األحوال المنصوص عليها في الفصلين ‪ 41‬و ‪42‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬بمقتضى الفصل ‪ 45‬من نفس القانون‪.1‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الغلط في القانون‬
‫‪ – 13‬والذي يعتبر مظه ار لتأثر المشرع المغربي بالنظرية الحديثة في الغلط‪ ،‬والتي ال تعتد‬
‫بمختلف التقسيمات المعروفة لدى أنصار النظرية التقليدية‪ ،‬عدا ما كان من شرط أن يكون الغلط‬
‫جوهريا ودافعا إلى التعاقد‪ ،‬وهو ما نص عليه المشرع في حالتنا هذه بمقتضى الفصل ‪40‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م "الغلط في القانون يخول إبطال االلتزام‪:‬‬
‫‪ – 1‬إذا كان هو السبب الوحيد أو األساسي؛‬
‫‪ – 2‬إذا أمكن العذر عنه"‪.‬‬
‫‪ – 8‬في ظل هذه المعطيات‪ ،‬نتساءل عن مدى إمكانية اعتماد القضاء على نظرية الغلط‬
‫في سبيل تحقيق توازن عقدي؟‬
‫بداية نقول بأن مجرد االختالل البسيط ال يمكن الدفع به‪ ،‬وهو ما صرحت بت المحكمة‬
‫االبتدائية للدار البيضاء‪ 2‬في حكم لها بتاريخ ‪ 13‬نوفمبر ‪ ،1930‬حيث اعتبرت أن الغلط في‬
‫القيمة ال يشكل عيبا إلرادة المتعاقد‪.3‬‬
‫لكنه وفي ظل انتشار العقود النموذجية‪ ،‬وما يعتريها من تعقيد في صياغة بنودها‪ ،‬األمر‬
‫الذي ينتج عنه صعوبة فهم محتواها‪ ،‬السيما بالنسبة للطرف القليل الخبرة‪ ،‬والذي ال تمكنه ثقافته‬
‫القانونية والفنية من اإللمام بها‪ ،‬مما يعرضه للغلط‪. 4‬‬
‫‪ – 14‬ويبدو أن القضاء يحاول جاهدا أن يراعي مجموع هذه المعطيات‪ ،‬حيث نجده يتشدد‬
‫في قبول الدفع بالغلط من طرف األشخاص المحترفين‪ ،‬وفي مقابل ذلك يتساهل إزاء غيرهم‬
‫كالمكتري‪ ،‬المقترض والمستهلك عموما‪.‬‬
‫وهو ما جعل القضاء الفرنسي يقرر أنه كلما كان العقد محتويا على شروط معقدة‪ ،‬السيما‬
‫بالنسبة لألشخاص غير المحترفين الذين تنقصهم الخبرة‪ ،‬فإن المشترط يلتزم بتقديم كافة البيانات‬
‫من أجل توضيح هذه الشروط ومداها‪ ،‬مما يجنب المتعاقد غير الخبير من الوقوع في الغلط‪. 1‬‬

‫‪ -‬د‪.‬أحمد شكري السباعي ‪ :‬نظرية بطالن العقود في القانون المدني المغربي والفقه اإلسالمي والقانون المقارن ‪ ،‬ط‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ، 1987‬ص ‪. 243 :‬‬


‫‪ -‬مجلة المحاكم المغربية‪ ،‬ع ‪ ،1930 ،416 :‬ص ‪. 252 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقد جاءت صيغة هذا الحكم كما يلي ‪:‬‬


‫‪(l’erreur sur la valeur de la chose vendue ne constitue pas un vice du consentement) .‬‬
‫‪ - 3‬د‪.‬أحمد شكري السباعي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 249 :‬‬
‫‪ -‬د‪.‬عمر السيد مؤمن ‪ :‬الغلط المفسد للرضا في قانون المعامالت المدنية اإلماراتي – دراسة مقارنة بالقانون المدني‬ ‫‪4‬‬

‫المصري والفقه اإلسالمي – كلية الحقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1991.‬حيث تناول مختلف المشاكل التي يثيرها الغلط ‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫بل إن هذا األخير عمل على التوسع في تفسير المادة ‪ 1110‬مدني المقابلة‪ ،‬للفصل ‪41‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬بما من شأنه حماية الطرف الضعيف ‪ ،‬وهكذا قضت محكمة النقض الفرنسية في قرار‬
‫لها بتاريخ ‪ 18‬يوليوز ‪ 1958‬بإبطال عقد قرض مؤجل لكون المقترض وقع في غلط عندما اعتقد‬
‫بأن القرض يدفع فور التعاقـد‪. 2‬‬
‫وفي قرار لها بتاريخ ‪ 15‬فبراير ‪ 1950‬ذهبت فيه إلى "أن عدم إظهار الشرط الذي ينص‬
‫ع لى عدم إمكان االستفادة من القرض إال بعد مرور عدة سنوات في مكان متميز من العقد‪ ،‬فإن‬
‫الشركة المقرضة تكون قد أوقعت عميلها في غلط جوهري متعلق بأحد شروط العقد األساسية"‪. 3‬‬
‫وحديثا‪ ،‬بدأت محكمة النقض الفرنسية تتوسع في تقرير أنواع الغلط القابل لإلبطال‪ ،‬ففي‬
‫قرار لها بتاريخ ‪ 17‬مارس ‪ 1987‬قضت بحماية المتعاقد الذي وقع في غلط بالنسبة لشرط متعلق‬
‫بعدم الضمان‪. 4‬‬
‫وذلك بخالف القضاء المغربي‪ ،‬الذي ظل وفيا لروح الفصول المنظمة للغلط دون أن يتمكن‬
‫من التوسع في تفسيرها‪ ،‬بما يخوله حماية الطرف الضعيف ويساير المتغيرات التي عرفتها وتعرفها‬
‫المعامالت ‪.‬‬
‫‪ – 15‬وبالرغم من التوسع الذي قام به القضاء الفرنسي في نظرية الغلط‪ ،‬محاولة منه‬
‫لتحقيق قدر من التوازن في ظل انتشار الشروط التعسفية والعقود النمطية‪ ،‬فإن هذه النظرية كما‬
‫يقول األستاذ عبد الباسط الجميعي‪ 5‬تظل قاصرة على أن تكون الوسيلة الفعالة في هذا المجال‪،‬‬
‫خصوصا لما يترتب عن إعمالها من إبطال العقد‪ ،‬وليس استبعاد الشروط التعسفية مع اإلبقاء على‬
‫وجوده‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فهل استطاعت نظرية اإلكراه أن تسعف القاضي في االستجابة لهذه‬
‫المتغيرات ؟‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬اإلكراه ‪La Violence‬‬
‫‪ – 16‬من المعلوم أن اإلكراه‪ 6‬إما أن يكون ماديا أو معنويا‪ ،‬ويستبعد الفقه النوع األول منه‪،‬‬
‫بحيث يؤكد أن ال عالقة تربطه بعيوب الرضا‪ ، 1‬على اعتبار أن إرادة المتعاقد تكون قد انعدمت‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Berlioz (G) : le contrat d’adhésion , L.G.D.J , PARIS, 1973, P : 101 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Cité par : Berlioz (G) : op.cit, p :100‬‬
‫‪Hélène bricks : les clauses abusives , paris, L.G.D.J, 1982, p :185 .‬‬
‫‪3 - Cité par : Hélène bricks : op.cit , p :195 .‬‬
‫‪4 - Cité par : calais auloy : droit de la consommation, Dalloz, paris, 1996, p :155 .‬‬
‫‪ -‬د‪.‬حسن عبد الباسط جميعي ‪ :‬أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد – ظاهرة اختالل التوازن بين‬ ‫‪5‬‬

‫االلتزامات التعاقدية في ظل انتشار الشروط التعسفية – دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪، 1991 – 1990 ،‬‬
‫ص ‪. 70 :‬‬
‫‪ -‬يعرف المشرع المغربي اإلكراه في الفصل ‪ 46‬ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ ،‬بقوله ‪" :‬اإلكراه إجبار يباشر من غير أن يسمح به القانون‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫يحمل بواسطته شخص آخر على أن يعمل عمال بدون رضاه" ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫مما يجعله أقرب إلى القوة القاهرة منه إلى مجرد عيب في اإلرادة‪ ،‬أما اإلكراه المعنوي فهو الشائع‪،‬‬
‫والذي سنخصه بالدرس في هذه الفقرة‪.‬‬
‫‪ – 17‬وفي هذا الصدد نتساءل عن موقف القضاء من "اإلكراه االقتصادي" الذي نتج عن‬
‫تغير الظروف االقتصادية‪ ،‬والتي ترتب عنها استغالل الطرف الضعيف‪ ،‬وبدون استعمال أي‬
‫وسائل ترهيبية ؟‬
‫وقبل الجواب عن هذا السؤال ال بد من تبيان شروط اإلك اره الموجب لإلبطال‪ ،‬وبالرجوع إلى‬
‫الفصل ‪ 47‬ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ ،‬نجد المشرع المغربي يحددها كما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬استعمال و سائل للضغط على إرادة المكره ‪،‬‬
‫‪ -‬أن تحدث هذه الوسائل رهبة في وجه من وجهت إليه‪ ،‬مما يدفعه للتعاقد ‪،‬‬
‫‪ -‬أن يكون هدف المكره غير مشروع ‪ ،‬ويستوي في ذلك أن يباشر اإلكراه المتعاقد اآلخر‬
‫أو أي شخص من الغير‪ ،‬بخالف ما يسري عليه األمر بالنسبة للتدليس ‪.‬‬
‫‪ – 18‬وال بد من اإلشارة إلى أن المشرع المغربي لم يعتد بالنفوذ األدبي‪ ، 2‬الذي يمارسه‬
‫بعض األفراد على من عليهم سلطة معنوية كاألب واألم بالنسبة لالبن‪ ،‬وذلك بمقتضى الفصل ‪51‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ ،‬الذي جاء فيه "الخوف الناشئ عن االحترام ال يخول اإلبطال إال إذا انضمت إليه‬
‫تهديدات جسيمة أو أفعال مادية" ‪.‬‬
‫وقد ذهب القضاء المغربي‪ 3‬إلى تقرير اإلبطال بسبب اإلكراه المعيب للرضا في حالة حبس‬
‫األم البنتها الحامل في غرفتها والتي هي على وشك االقتران بمن سبب لها الحمل‪ ،‬وتهديدها إياها‬
‫بتركها آلالم الوضع إذا لم توقع ورقة تتنازل بمقتضاها عن جميع حقوقها ألختها‪.‬‬
‫‪ – 19‬وبالرجوع إلى السؤال الذي سبق أن طرحناه‪ ،‬نقول بأن أول مالحظــة تبين عجز‬
‫نظرية اإلكراه عن تحقيق الهدف المنشود‪ ،‬تتمثل في التعريف الذي أعطاه الفصل ‪ 46‬ق‪.‬ل‪.‬ع ‪،‬‬
‫والذي تطلب من خالله حصول فعل االنتزاع من طرف المكره‪ ،‬وهو ما ال يظهـر أنه ينطبق على‬
‫حالتنا هذه‪ ،‬بالرغم من أن بعض الفقه‪ 4‬حاول باالعتمـاد علـى بعـض الق اررات الصادرة عن المحاكم‬
‫الفرنسية للقول بتحقق اإلكراه حتى في الحاالت التي ال يقـوم فيها المكره سوى بعمل سلبي‪ ،‬ما دام‬
‫يستغله‪ ،‬ويحقق به نفس أهداف العمل اإليجابي – المتمثل في االنتزاع ‪. -‬‬

‫‪ -‬للتعمق في إشكالية اإلكراه يمكن الرجوع إلى مؤلف ‪ :‬د‪.‬عمر السيد مؤمن ‪ :‬اإلكراه المفسد للرضا في قانون المعامالت‬ ‫‪1‬‬

‫المدنية اإلماراتي‪ ،‬دراسة مقارنة بالقانون المدني المصري والفقه اإلسالمي ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬طبعة ‪. 1998‬‬
‫‪ -‬أنظر في ذلك ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬د‪.‬أحمد شكري السباعي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 297‬‬


‫‪ -‬د‪.‬عبد القادر العرعاري ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪. 122 :‬‬
‫‪ -‬أشار إليه د‪.‬الطيب الفصايلي في مؤلفه ‪ :‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬ص ‪. 96 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬د‪.‬أبو ستيت ‪ :‬نظرية االلتزام‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع‪ ،‬ص‪. 176:‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪12‬‬
‫باإلضافة إلى أنه حتى في حالة القول بانطباق نظرية اإلكراه على الطرف الضعيف‬
‫اقتصاديا‪ ،‬فإنه ال يعتبر حال ناجعا‪ ،1‬مادام يترتب على ذلك إبطال العقد‪ ،‬وليس اإلبقاء عليه مع‬
‫محاولة تحقيق التوازن بين التزامات الطرفين‪ ،‬وهو ما ال يرغب فيه أي من المتعاقدين‪ ،‬بل إنه‬
‫يؤدي إلى اضطراب السوق‪ ،‬على اعتبار أن جل العقود التي تبرم في وقتنا الحالي تتميز بهذه‬
‫الخصائص‪ ،‬وهو ما يجعلنا نتساءل عن فائدة تمسك القاضي بباقي العيوب األخرى‪ ،‬ما دام يترتب‬
‫عنها جميعا نفس الج ازء المدني‪ ،‬وفي مقدمتها عيب التدليس‪ ،‬الذي نخصص له الفقرة الموالية ‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬التدليس ‪Le dol‬‬


‫‪ - 20‬بخالف ما قام به المشرع المغربي فيما يتعلق بعيب اإلكراه ‪ ،‬فإنه لم يخصص‬
‫للتدليس أي نص يعرفه فيه‪ ،‬واقتصر على بيان الشروط واألحكام التي تسري عليه بمقتضى‬
‫الفصلين ‪ 52‬و ‪ 53‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬وهكذا يظهر أنه يريد بذلك ترك الباب مفتوحا للفقه والقضاء‪ ،‬وفي‬
‫هذا الصدد عرفه األستاذ محمد قاسم بأنه‪" 2‬غلط مستثار يقع فيه المتعاقد نتيجة الحيل التي‬
‫يستخدمها المتعاقد اآلخر‪ ،‬ويعتبره عمال غير مشروع من جانب المدلس‪ ،‬كإدالء شخص ببيانات‬
‫كاذبة عن حالته الصحية لشركة التأمين بقصد دفعها إلى إبرام عقد التأمين على حياته" ‪ ،‬وهو‬
‫يقترب من التعريف الذي قال به أستاذنا عبد القادر العرعاري‪ 3‬من حيث إنه "عبارة عن مجموعة‬
‫من الوسائل االحتيالية التي يمارسها أحد المتعاقدين قصد تمويه الحقيقة وتضليل الطرف اآلخر‪،‬‬
‫الشيء الذي يحمله على التعاقد" ‪.‬‬
‫‪ – 21‬وما يمكن استخالصه من هذه التعاريف ومن الفصلين ‪ 52‬و ‪ 53‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬أن‬
‫المشرع المغربي وضع مجموعة من العناصر لتحقق التدليس‪ ،‬وبالتالي إمكانية إبطال القاضي‬
‫العقد‪ ،‬وتتمثل في الشروط التالية ‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬استعمال طرقا احتيالية بقصد تضليل المتعاقد اآلخر‪ ،‬والذي يظهر من هذا‬
‫الشرط أنه يتكون من عنصرين‪ ،‬األول مادي يتمثل في مجموعة من الوسائل واألساليب التي يلجأ‬
‫إليها أحد المتعاقدين للتضليل باآلخر‪ ،‬وقد مثل الفصل ‪ 52‬ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ .‬بالحيل والكتمان‪ ،4‬ولم يشر‬
‫إلى الكذب بالرغم من أنه أخطر من الكتمان‪ ،‬غير أنه من المتفق عليه أنه متى كان مألوفا وال‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ghestin (J) : Traité de droit civil, la formation du contrat, 3ed, L.G.D.J, p :564 .‬‬
‫‪Calais auloy (J) : op.cit, p ; 156 .‬‬ ‫أيضا ‪:‬‬
‫‪ -‬د‪.‬محمد حسن قاسم ‪ :‬الوجيز في نظرية االلتزام‪ ،‬المصادر واألحكام ‪ ،‬ط‪ ،1994.‬ص ‪. 57 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬د‪.‬عبد القادر العرعاري ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 109 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫‪- Ghestin (J) : La réticence, le dol et l’erreur sur les qualité substantielles ,1971, p : 247 .‬‬
‫‪13‬‬
‫تأباه المعامالت الجاري بها العمل فإنه ال يستوجب اإلبطال‪ ،‬أما العنصر الثاني فهو معنوي‬
‫ويقصد به أن تنصرف نية المدلس إلى تضليل المتعاقد معه‪. 1‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬أن تكون أفعال التدليس هي الدافعة للتعاقد ‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬أن يتم ارتكاب التدليس من طرف أحد المتعاقدين أو من يعمل بالتواطؤ‬
‫معه ‪.‬‬
‫‪ – 22‬ويبقى التساؤل عن الدور الذي يستطيع القاضي‪ 2‬القيام به باالعتماد على نظرية‬
‫التدليس‪ ،‬لتحقيق التوازن بين التزامات المتعاقدين ؟‬
‫وإذا رجعنا للقضاء الفرنسي‪ ،‬فإننا نجده استطاع فعال أن يحقق قد ار مهما من هذا التوازن ‪،‬‬
‫فبعد أن تمسك ولمدة طويلة بعدم اعتبار السكوت وسيلة من الوسائل االحتيالية‪ ،‬نراه قد غير موقفه‬
‫ابتداء من سنة ‪ ،1958‬بالرغم من خلو التشريع الفرنسي من النص على الكتمان‪ ،‬وكان ذلك‬
‫بمقتضى قرار محكمة النقض الفرنسية‪ 3‬بتاريخ ‪ 19‬ماي ‪ ، 1958‬حينما قضت بأن السكوت في‬
‫صورة الكتمان يمكن أن يكون فعال تدليسا ‪.‬‬
‫وفي قرار آخر لها بتاريخ ‪ 5‬فبراير ‪ 1987‬ذهبت محكمـة النقـض الفرنسيـة‪ 4‬إلى أن النفاق‬
‫يقوم مقام التدليس إذا تم عن قصد ومن أجل تضليل المتعاقد اآلخر ودفعه إلى التعاقد ‪.‬‬
‫‪ – 23‬وهو ما سار عليه القضاء المغربي‪ ،‬مع العلم أن هذا األخير بخالف نظيره الفرنسي‪،‬‬
‫يجد سنده في الفصل ‪ 52‬ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ ،‬حيث ذهب المجلس األعلى‪ 5‬في قرار له بتاريخ ‪ 4‬يونيو‬
‫‪ 1970‬إلى "أن كل اتفاق يعد الغيا إذا ثبت أن المؤمن له قد كتم الحقيقة أو أفضى بتصريح غير‬
‫صحيح‪ ،‬وذلك إذا كان هذا الكتمان أو التصريح من شأنه أن يغير موضوع المجازفة‪ ،‬أو يخفف‬
‫منها في نظر المؤمن" ‪.‬‬
‫بل إن القضاء الفرنسي سمح للمدلس عليه بإمكانية التمسك باإلبطال حينما يتعلق التدليس‬
‫بمجرد شرط من شروط التعاقد بدون أن يربطه بانعقاد العقد ذاته‪ ،6‬واألكثر من ذلك فقد منح‬

‫‪ -‬وفي هذا الصدد جاء في قرار للمجلس األعلى بتاريخ ‪ 15‬يوليوز ‪ 1965‬بأن مجرد الكتمان ال يترتب عنه بطالن‬ ‫‪1‬‬

‫التأمين الذي يستدعي عدم الضمان‪ ،‬بل ال بد من إثبات سوء نية المؤمن له‪ ،‬فسوء النية ال يفترض‪ ،‬وأن عبء إثبات سوء‬
‫النية إنما يقع على ع اتق من يدعيه‪ ،‬وهذا بخالف بعض الق اررات التي صدرت فيما بعد والتي اعتدت بالكتمان ‪ ،‬كما‬
‫سنشير إليه في متن الصفحة الموالية ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ghestin (J) : conformité de garantie dans la vente , (produits mobiliers) , L.G.D.J , 1983 ,‬‬
‫‪P :76 et S .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ghestin (J) : traité de droit civil , le contrat , L.G.D.J , 1980 , N 430 .‬‬
‫‪- conformité de garantie dans la vente, op.cit, p : 87‬‬ ‫أيضا كتابه ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- cass.civil ,BUL.CIV, N 36, p : 31 .‬‬
‫‪ -‬مجلة القضاء والقانون ‪ ،‬العدد ‪ ، 118‬ص ‪. 444 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬‬
‫‪- cass.com, DALLOZ, 1955, p : 254‬‬
‫‪14‬‬
‫للمدلس عليه إمكانية المطالبة إما بإبطال العقد أو قبول عرض المدلس بتخفيض الثمن عوض‬
‫اإلبطال‪ ، 1‬وهو غالبا ما يسعى إليه الطرف الضعيف‪ ،‬الذي لن يجديه نفعا انهيار العقد‪ ،‬في ظل‬
‫الحاجة وازدياد ظاهرة االحتكار بمختلف صوره ‪.‬‬
‫‪ – 24‬ومهما قيل بخصوص الدور الذي يستطيع أن يلعبه القاضي بمقتضى نظرية‬
‫التدليس‪ ،‬بسبب الصالحيات التي يخولها إياه‪ ،‬من خالل منح المتعاقد دعوى اإلبطال مع دعوى‬
‫التعويض‪ ،‬باإلضافة لسهولة إثبات الطرق االحتيالية‪ ،‬فإنه بالرغم من ذلك تبقى ذات فعالية‬
‫محدودة‪ ،‬فالقضاء ال يحكم بالتدليس نتيجة الكتمان إال استثناء‪ ،‬وحتى مع توسيع دور القاضي في‬
‫هذا المجال‪ ،‬فإنه ال يصل بذلك إلى الوقوف بجانب الطرف الضعيف في العالقة التعاقدية‪ ، 2‬ما‬
‫دام أن النتيجة التي سيصل إليها هي إبطال العقد‪ ، 3‬بينما هو في أمس الحاجة إليه‪ ،‬كل ما كان‬
‫يرغب فيه هو عدم نفاذ الشرط تجاهه إذا كان تعسفيا‪ ،‬وتخفيف باقي االلتزامات األخرى من قبل‬
‫القاضي حتى يتحقق نوع من التوازن ‪.‬‬
‫الفقرة الرابعة ‪ :‬الغبن واالستغالل ‪La lésion et l’exploitation‬‬
‫‪ – 25‬بالرجوع إلى الفصلين ‪ 55‬و ‪ 56‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ، 4‬يتضح بأن المشرع لم يتخذ من الغبن‬
‫نظرية عامة‪ ،‬فهو لم يجعل من الغبن سببا إلبطال التصرفات التي يبرمها الرشداء‪ ،‬إال في حالة‬
‫اقترانه بالتدليس‪ ،‬بعلة أن الراشد له القدرة على اإلدراك والتمييز‪ ،‬تؤهله لحماية مصالحه بوسائله‬
‫الخاصة‪ ،‬وهو طرف يفترض فيه اليقظة بمتطلبات السوق وتقلباته‪ ،‬وهو ما يجعل دور القضاء في‬
‫هذا الصدد قليل األهمية‪ ،‬ما دام أن تدخل القانون محدود باختالل التكافؤ القانوني‪ ،‬وال يبالي‬
‫بالتوازن االقتصادي للعقد‪ ،‬وهو ما قد يضر ببقية األطراف الضعيفة المحتاجة للحماية الفعلية‪،‬‬
‫ويبقى أن نتساءل عن دور القاضي في إطار نظرية االستغالل التي أخذت بها معظم التشريعات‬
‫الحديثة‪ 5‬؟‬

‫‪1‬‬
‫‪- cass.com, 14-03-1972, DALLOZ 1972, p : 653 .‬‬
‫‪ -‬د‪.‬إدريس الفاخوري ‪ :‬حماية المستهلك من الشروط التعسفية‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق ‪ ،‬عدد ‪ ، 3‬يونيو ‪ ، 2001‬ص ‪. 77 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪-Ghestin (J) : Conformité et garantie dans la vente , op . cit , p : 78‬‬
‫أنظر أيضا ‪:‬‬
‫‪Malaurie (PH) et Aynes (Laurent) : cours de droit civil, les obligation, 1994, p : 238‬‬
‫‪ -‬لفهم هذه النصوص يمكن الرجوع إلى ‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫د‪.‬إدريس العلوي العبدالوي ‪ :‬الغبن بين القانون الوضعي والفقه اإلسالمي‪ ،‬المجلة المغربية للقانون المقارن ‪ ،‬ع ‪ 5 :‬و ‪، 6‬‬
‫ص‪.6:‬‬
‫‪ -‬من ذلك القانون المدني المصري‪ ،‬الذي جاء في المادة ‪ 129‬منه "إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين ال تتبادل البتة‬ ‫‪5‬‬

‫مع ما حصل عليه المتعاقد من فائدة بموجب العقد‪ ،‬أو مع التزامات المتعاقد اآلخر‪ ،‬وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم‬
‫العقد إال ألن المتعاقد اآلخر قد استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامحا‪ ،‬جاز للقاضي بناء على طلب المغبون أن يطلب‬
‫إبطال العقد أو أن ينقض التزامات المتعاقد" ‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪ - 26‬بداية نود اإلشارة‪ ،‬إلى أنه في ظل غياب نص قانوني صريح يقر بهذه النظرية من‬
‫عدمه ‪ ،‬ففي الوقت الذي نجد فيه بعض الفقه‪ ، 1‬ينطلق من الفصل ‪ 54‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬للقول بأن‬
‫القانون المغربي يكرس نظرية الغبن االستغاللي‪ ،‬وفي مقدمة هؤالء األستاذ مأمون الكزبري‪ 2‬الذي‬
‫يقول "فهذه النظرية الحديثة للغبن يمكن في رأينا تطبيقها في المغرب في الحاالت التي تنص‬
‫التشريعات الحديثة إلى وجوب األخذ بها‪ ،‬وذلك استنادا إلى ما ورد في الفصل ‪ 54‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪،‬‬
‫وباإلضافة لهذا الفصل يدعم األستاذ أحمد شكري السباعي‪ 3‬رأيه للقول بأخذ المشرع المغربي‬
‫بنظرية الغبن االستغاللي بالفصول ‪ 1035 ،1034 ،878‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬والفصل ‪ 306‬من القانون‬
‫البحري المتعلق باإلغاثة البحرية‪ ،‬وفي المقابل نجد مجموعة من الفقهاء‪ 4‬ينتقدون التوجه السابق‪،‬‬
‫واألساس الذي تم على إثره بناء هذه النظرية‪ ،‬معتبرين الفصل ‪ 54‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬خطي ار وعجيبا في‬
‫آن واحد‪ ،‬السيما من حيث السلطة الممنوحة للقاضي بمقتضاه‪ ،‬والتي من شأنها أن تعرض التعامل‬
‫لالهتزاز ‪.‬‬
‫‪ - 27‬ولم يتردد المجلس األعلى في بعض ق ارراته من تأويل الفصل ‪ 54‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬على‬
‫أنه يتضمن عناصر االستغالل‪ ،‬وهكذا جاء في إحدى ق ارراته بتاريخ ‪ 04‬أبريل ‪" 1980‬ال يشترط‬
‫إلبطال العقد للسبب المنصوص عليه في الفصل ‪ 54‬أن يكون الشخص فاقد الوعي‪ ،‬بل يكفي أن‬
‫تكون إرادته معيبة بسبب المرض الذي نزل به‪ ،‬وأن المتعاقد معه استغل وضعيته هذه فحصل منه‬
‫إلبرام عقد ما كان ليقبله لو كان سليما معافى‪ ،‬وأن المحكمة لما لها من سلطة التقدير الممنوحة‬
‫لها بمقتضى الفصل ‪ 54‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬اعتبرت أن الهالك لم يكن ح ار في تصرفه وأن المشتري استغل‬
‫المرض الخطير الذي نزل به فأحضر الموثق للمصحة التي كان يعالج فيها وأشهد بالبيع"‪. 5‬‬

‫‪ -‬د‪.‬أحمد شكري السباعي ‪ :‬بطالن العقود في القانون المدني المغربي والفقه اإلسالمي والقانون المقارن‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪. 291 :‬‬
‫د‪.‬مأمون الكزبري ‪ :‬نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مصادر االلتزام‪،1974 ،‬‬
‫ص ‪. 123 :‬‬
‫كما أشارت لهذا الرأي الباحثة ‪ :‬حسنة الرحموني ‪ :‬حماية المستهلك ضد مخاطر القروض االستهالكية‪ ،‬ر‪.‬د‪.‬د‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬في‬
‫القانون المدني ‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪ /‬الرباط – أكدال ‪ ،‬ص ‪. 52 :‬‬
‫‪ -‬د‪.‬مامون الكزبري ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 123 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬د‪.‬أحمد شكري السباعي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 291 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬د‪.‬إدريس العلوي العبدالوي ‪ :‬دروس في االلتزامات‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬ص ‪. 54 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫د‪.‬علم الدين إسماعيل ‪ :‬أصول القانون المدني‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬نظرية االلتزامات ‪ ، 1977 ،‬ص ‪. 247 :‬‬
‫‪ -‬مجلة اإلشعاع ‪ :‬العدد ‪ ، 11‬ص ‪ 139 :‬و ‪. 140‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪16‬‬
‫وفي قرار آخر بتاريخ ‪ 13‬يونيو ‪ ،1988‬ذهب المجلس األعلى‪ 1‬فيه حيث "إنه بمقتضى‬
‫الفصل ‪ 54‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬إذا استغل أحد المتعاقدين مرض المتعاقد اآلخر‪ ،‬وأبرم معه عقدا ال تتعادل‬
‫فيه التزامات الطرفين‪ ،‬فإن الطرف المغبون غبنا استغالليا‪ ،‬يسوغ له أن يطالب بإبطال العقد" ‪.‬‬
‫‪ – 28‬وفي انتظار أن يعمل المشرع المغربي على إقرار هذه النظرية بشكل صريح‪ ،‬كما‬
‫هو معمول به في بعض القوانين المقارنة‪ ،‬التي خولت لقضائها سلطة إنقاص التزامات الطرف‬
‫المغبون إلى الحد المطلوب متى طلب ذلك الطرف المغبـون‪ ،‬أو إبطال العقد إذا ما فضل هذا‬
‫األخير ذلك‪ ،‬وهو ما يجعل نظرية االستغالل تتجاوز باقي عيوب الرضا التي ال تقرر إال اإلبطال‪،‬‬
‫مع ما يترتب عن ذلك من ضرر بالطرف الضعيف‪.‬‬
‫‪ – 29‬وبالرغم من ذلك فإن نظرية االستغالل ذاتها ال تحقق التوازن بالشكل الذي ننشده‪،‬‬
‫في ظل انتشار ظاهرة االختالل االقتصادي والقانوني والفني بين أطراف العقد‪ ،‬فهي ال تسمح‬
‫للقاضي بالتدخل إال إذا كان عدم التعادل فادحا‪ ،‬وهو ما يعتبـر قصـو ار في تغطية مجمل العقود‬
‫التي ال تصل إلى هذه الدرجة من التفاوت‪ ،‬لكنها مع ذلك تلحق ضر ار بقليلي الخبرة‪ ،‬ومن جهة‬
‫ثانية فإن المشرع يتطلب لتحقق نظرية االستغالل شرطا ثانيا وهو أن يستغل أحد المتعاقدين في‬
‫اآلخر طيشا بينا أو ما يعرف بالعنصر النفسي‪ ،‬وهو ما ال يتوفر في العقود التي نسعى إلى‬
‫الوقوف فيها بجانب الطرف الضعيف قليل الخبرة ‪.‬‬
‫في ظل هذا القصور‪ ،‬نتساءل عن مدى تحقيق القاضي لهذا الهدف عن طريق تفسيره‬
‫للعقد وبعض النصوص القانونيـة المتفرقـة‪ ،‬وهـو موضـوع الفصـل األول من هذه الدراسة ‪.‬‬

‫‪ -‬مجلة القضاء والقانون ‪ ،‬العدد ‪ ،139 :‬ص ‪ 103 :‬و ‪. 104‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪17‬‬
18
19
20
‫‪ – 30‬إذا كانت بعض القوانين قد ذهبت بعيدا في حمايتها للطرف الضعيف‪ ،‬بإصدارها‬
‫لمجموعة من النصوص التشريعية التي تهدف لتحقيق هذه الغاية‪ ،‬مثل قانون حماية المستهلك‪،1‬‬
‫وضمان حرية المنافسة‪ 2‬والتأمين‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وفي انتظار صدور قانون حماية المستهلك‪ 3‬إلى حيز‬
‫الوجود‪ ،‬فإن هناك وسائل أخرى يستطيع بها القاضي الوصول إلعادة التوازن لاللتزامات‪ ،‬وبذلك ال‬
‫تبقى الطريقة الكالسيكية الجديدة الدرب الوحيد التي تمكن القاضي من تحقيق ميزان التعادل بين‬
‫االلتزامات‪.‬‬
‫‪ – 31‬بل إن هناك مجموعة من النصوص القانونية‪ ،‬إن حاول القضاء التوسع في‬
‫تفسيرها‪ ،‬فإن بإمكانه أن يصل بها إلى حماية كافية للطرف الضعيف‪ ،‬ذلك أن النص القانوني‬
‫يجب النظر إليه وقت تطبيقه‪ ،4‬بحيث في هذا الوقت بالذات يتعين على القاضي أن يراعي‬
‫الظروف الواقعية للمجتمع الذي يسري عليه‪ ،‬وسنقتصر على بعض النصوص التي استطاع‬
‫القضاء المقارن من خاللها في مرحلة مهمة‪ ،‬من فرض التزامات جديدة على عاتق الطرف القوي‪،‬‬
‫في مقدمتها االلتزام بتبصير الطرف األقل خبرة‪ ، 5‬لتقوية الجانب الحمائي لهذا األخير‪ ،‬وتتمثل‬
‫باألساس في الفصلين ‪ 1135 ،1134‬قانون مدني فرنسي (والتي يقابلها الفصل ‪ 231‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م)‪،‬‬
‫كما سنتناول دور القاضي في إقرار أكبر قدر ممكن من الحماية للطرف الذي تعترضه مجموعة‬
‫من الصعوبات المالية واالقتصادية أثناء تنفيذ العقد‪ ،‬وذلك من خالل منحه لمهلة الميسرة‪ 6‬التي‬
‫تجد سندها في الفصل ‪ 243‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م (والتي تقابلها المادة ‪ 1244‬في القانون الفرنسي) ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ghestin (J) : Traité de droit civil , la formation du contrat , L.G.D.J , 1993 , p : 153 . .‬‬
‫‪Gourdet genevieve : droit de critique et consommation , R, T, Dr, Com, T 2 1980, p : 25 .‬‬
‫‪Jean calais-auloy : l’influence du droit de la consommation sur le droit civil des contats,‬‬
‫‪R.Tr.Dr.civ, T 2, 1994, p : 239 .‬‬
‫‪Laroumet christian : op.cit, p : 101 .‬‬
‫‪ - 2‬يمكن الرجوع إلى ‪:‬‬
‫‪Gilles lhuiler : le critère jurisprudentiel d’application du droit de la concurrence ,‬‬
‫‪Re.Tr.Dr.com, N 4, 1994, p : 645 .‬‬
‫‪ - 3‬بخصوص الوضع في المغرب يمكن الرجوع ألطروحة ‪:‬‬
‫‪Bendraoui abderrahim : la protection du consommateur au Maroc, Agdal, 2001‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Patrick hunout : un couple fondamentale vers une authropologie des décisions judiciaires,‬‬
‫‪Re.de droit et de culture, N 12, 1986, p : 77 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Fontaine (marcel) : la protection de la partie faible dans les rapports contractuel, p : 625 ,‬‬
‫‪ouvrage présenté par : le centre de droit des obligation de l’université de paris 1, L.G.D.J,‬‬
‫‪1996 .‬‬
‫‪- Ghestin (J) : la formation du contrat, op . cit, p : 576 et S .‬‬
‫‪- Malaurie (ph) et Aynes (Laurent) : op.cit , p : 239 .‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Datry : l’échéance , délai de grâce et moratoire , thèse de Lyon , 1945 .‬‬
‫‪21‬‬
‫وعليه فإننا سنتناول في هذا الفصل دور القاضي في تحقيق التوازن العقدي من خالل‬
‫مؤسسة التفسير في مبحث أول‪ ،‬على أن نعالج في المبحث الثاني هذا الدور من خالل تفسير‬
‫بعض النصوص القانونية ‪.‬‬
‫المبحث األول ‪:‬‬
‫تحقيق التوازن العقدي عند تفسير القاضي لبنوده‬

‫‪ – 32‬يقصد بالتفسير حسب الدكتور‪ 1‬عبد القادر العرعاري "تلك العملية الذهنية التي يقوم‬
‫بها القاضي من أجل الوقوف على اإلرادة الحقيقية للمتعاقدين‪ ،‬وله الحق في أن يستعمل كل‬
‫األساليب القانونية التي من شأنها أن تساعده على معرفة قصد المتعاقدين وال يكون للتفسير موجب‬
‫من الناحية العملية إال إذا كانت ألفاظ العقد غامضة أو مبهمة تحتمل أكثر من معنى إال أن ذلك‬
‫ال يمنع من تفسير بعض العقود حتى ولو كانت العبارات المستعملة واضحة متى تطلب األمر‬
‫ذلك"‪.‬‬
‫‪ – 33‬وعموما فإن مؤسسة التفسير تعتبر منفذا مهما للقاضي إلى العقد قصد تحديد‬
‫مضمونه‪ ،2‬ومحاولة إيجاد توازن بين التزامات طرفيه‪ ،‬وقد نقل عن ‪ demogue‬بأنه وعن طريق‬
‫هذه المؤسسة يتجاوز القاضي البحث عن إرادة الطرفين إلى مسألة التطويع ‪.‬‬
‫ومما ينبغي تسجيله بداية هو أن سلطة القاضي في تحقيق التوازن من خالل تأويل العقد‬
‫تكون ضيقة إذا ما كانت عباراته واضحة (المطلب األول) بينما تكون واسعة كلما كانت عباراته‬
‫غامضة (المطلب الثاني) ‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬دور القاضي السلبي إزاء العقد الواضح العبارة‬
‫‪ – 34‬حسب مقتضيات الفصل ‪ 461‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬الذي جاء فيه "إذا كانت ألفاظ العقد صريحة‬
‫امتنع البحث عن قصد صاحبها" ‪ ،‬فإن العقد الواضح ال يفسر بل ينفذ‪ ،‬كما ذهب إلى ذلك معظم‬
‫الفقه‪ ،3‬وسار عليه القضاء الفرنسي منذ زمن ليس بالقريب ‪.‬‬
‫بمعنى أن القاضي يفقد سلطته بشكل شبه مطلق في التفسير – ومن تم ال يستطيع التدخل‬
‫في مضمون العقد إليجاد التوازن بين التزامات أطرافه – إذا ما كانت عبارات العقد واضحة‪،‬‬
‫وكانت محكمة النقض الفرنسية تعتبر التفسير في هذه الحالة تحريفا للعقد‪ ،4‬وتؤسس ذلك على‬

‫‪ -‬د‪.‬عبد القادر العرعاري ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 204‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬د‪.‬حسن رشوان حسن ‪ :‬أثر الظروف االقتصادية على القوة الملزمة للعقد ‪ ،‬ص ‪. 326 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ - 3‬وذلك ما أكده الفقيه الفرنسي ‪ ghestin‬في كتابه ‪:‬‬


‫‪Ghestin (J) : traité de droit civil, les obligation, les effets du contrat, L.G.D.J, paris-1992, p :‬‬
‫‪21 .‬‬
‫‪ 4‬أنظر بهذا الخصوص ‪:‬‬
‫‪22‬‬
‫المادة ‪ 1134‬مدني فرنسي – المقابلة للفصل ‪ 230‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م – لفرض رقابتها على قضاة‬
‫الموضوع ‪.‬‬
‫‪ – 35‬وهو نفس التصور الذي اعتمدته المحاكم المغربية أثناء الحماية‪ ،‬لتأثرها المباشر‬
‫بمحكمة النقض الفرنسية‪ ،‬باعتبارها المؤسسة المخول لها البث في الطعن بالنقض الموجه ضد‬
‫الق اررات الصادرة عن محكمة مغربية ‪.‬‬
‫ومن بين الق اررات الصادرة عنها في هذه الفترة‪ ،‬القرار المؤرخ في ‪ 11‬يونيو ‪ ،1925‬والذي‬
‫ذهبت فيه إلى (أن قاضي الموضوع يملك سلطة مطلقة في البحث عن قصد األطراف وتفسير‬
‫البنود الغامضة للعقد وحكمه في ذلك ال يخضع لرقابة محكمة النقض‪ ،‬إال أنه ال يسمح له عند‬
‫قيامه بالتفسير بتحريف عبارات العقد محل النزاع)‪. 1‬‬
‫‪ – 36‬وقد سار المجلس األعلى بعد تأسيسه على نفس المنوال‪ ،‬ونستشف ذلك من خالل‬
‫العديد من الق اررات الصادرة عنه‪ ،‬وفي مقدمتها القرار الذي علق عليه أستاذنا الدكتور موسى‬
‫عبود‪ ،2‬والصادر بتاريخ ‪ 13‬فبراير ‪ ،1962‬حيث جاء فيه (إن مهمة قضاة الموضع هي تطبيق‬
‫اتفاقات األطراف‪ ،‬وهم ال يملكون حق تحريف البنود الواضحة والدقيقة‪ ،‬وذلك ستار التفسير) ‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا القرار الصادر عنه بتاريخ ‪ 10‬يوليوز ‪( 1962‬تطبيقا للفصل ‪461‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬ليس للقضاة تفسير اتفاقات األطراف عندما تكون ألفاظها صريحة ‪. 3)...‬‬
‫وجاء في قرار آخر للمجلس األعلى (تحريف المحكمة لالتفاق الصادر من الطرفين عما‬
‫تعاقدا عليه موجب لنقض حكمها)‪. 4‬‬
‫‪ – 37‬وقد كان حريا بالقضاء المغربي أن ينحو عن مسلك التبعية – العمياء – لنظيره‬
‫الفرنسي‪ ،‬السيما مع وجود نص يمكن االعتماد عليه‪ ،‬بخالف الوضع في القانون الفرنسي‪ ،‬وهو‬
‫الفصل ‪ 461‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬السيما مع ربطه بالفصل ‪ 353‬ق‪.‬م‪.‬م ‪.‬‬
‫وهو ما وجدنا المجلس األعلى يقتضي آثره في إحدى الق اررات الصادرة عنه بتاريخ ‪10‬‬
‫يوليو ‪ ، 1962‬حيث جاء فيه (يتعرض للنقض القرار الذي بمساعدة عوامل أجنبية عن عقد التأمين‬
‫يجيز تفسير بند واضح ومدقق‪ ،‬إن شركة التأمين ال تضمن حوادث الشغل الواقعة في الجزائر‬
‫عندما تنص بنود العقد بأن الضمان ال يشمل سوى الحوادث التي تقع في المغرب‪ ،‬بناء على‬

‫‪- Boré (J) : La cassation en matière civil, 1980, N 2306 .‬‬


‫‪- Malaurie (ph) et Aynes (laurent) : cours de droit scvil, les obligation, 1994 , p : 352 .‬‬
‫‪ -‬مجموعة ق اررات محكمة االستئناف بالرباط‪ ،‬الجزء ‪ ، 1926 – 1925 ،3‬ص ‪. 121 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مجلة القضاء والقانون ‪ ،‬العدد ‪ ، 49 – 48‬ص ‪. 380 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪- cour suprême, civ.10 – 07 – 1962, recueil des arrêts de la cour suprême, chambre civil,‬‬
‫‪Tome 2, p : 53 – 54 R.M.D, p : 169 – 170 .‬‬
‫‪ - 4‬مجلة رابطة القضاء ‪ ،‬ع ‪ 2 :‬و ‪ ، 1966 ، 3‬ص ‪. 23 :‬‬
‫‪23‬‬
‫الفصول ‪ 230‬و ‪ 461‬و ‪ 462‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬حيث إن العقد شريعة المتعاقدين‪ ،‬وأنه ال يكون هناك‬
‫محل للتفسير عندما تكون ألفاظ العقد صريحة‪ ،‬وبما أن التفسير ال يكون له موجب إال في الحالة‬
‫التي تكون فيها العبارة غير واضحة بذاتها أو ال تتالءم مع الغرض الواضح من العقد أو عندما‬
‫ينشأ الغموض من مقارنة بنود العقد‪ ،‬بحيث تثير الشك حول مدلولها‪ ،‬إن قاضي الموضوع اعتقد‬
‫بأن هناك محال للتفسير‪ ،‬ألن العقد تضمن اإلشارة إلى ظهير ‪ 25‬يونيو ‪ 1927‬الذي يجعل على‬
‫عاتق المشغل الحوادث الواقعة خارج المغرب)‪. 1‬‬
‫‪ – 38‬وبذلك يكون القضاء المغربي قد كرس موقف الفقه‪ ،2‬الذي يعتبر أن العقد الواضح‬
‫ال يفسر بل ينفذ ‪ ،‬وبالتالي يكون دوره سلبيا في هذه الحالة‪ ،‬على اعتبار أن مهمته تنحصر في‬
‫تطبيقه كما هو ظاهر‪ ،‬وبعبارة أخرى فإن وضوح العبارات الواردة فيه يهدي القاضي إلى الحكم‬
‫الذي ارتضاه الطرفان‪. 3‬‬
‫‪ – 39‬غير أن ذلك ال يعني إعدام دور القاضي نهائيا‪ ،‬بل يمكنه أن يقوم بعمل إيجابي في‬
‫مجال التأويل‪ ،‬الذي يمكن أن يتخذ وسيلة لمواجهة عدم التوازن بين المتعاقدين‪ ،‬وذلك بصفة غير‬
‫مباشرة‪ ،‬حيث يسترجع دوره كلما تبين له أن عباراته واضحة‪ ،‬إال أنها غير متوافقة مع الهدف‬
‫الظاهر منه‪ ،‬وفي ذلك قررت محكمة االستئناف بالرباط أنه (عند تفسير العقد يجب على القضاة‬
‫البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين بدل الوقوف عند المعنى الحرفي لأللفاظ)‪. 4‬‬
‫وهو المسلك الذي كرسه المجلس األعلى في العديد من الق اررات‪ ،‬من ذلك القرار الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 20‬أبريل ‪ ،1966‬والذي قضى فيه (بأنه لمحكمة الموضوع في أال تعتبر في العقود إال‬
‫معناها‪ ،‬ال مبناها‪ ،‬وأنها حينما تقرر أن العقد المبرم بين الطرفين عقد كراء‪ ،‬ال عقد شركة‪ ،‬تصحح‬
‫الوضع بالنسبة للتعبير الفاسد)‪. 5‬‬
‫وفي قرار آخر للمجلس األعلى بتاريخ ‪ 7‬يناير ‪ ،1976‬جاء في إحدى حيثياتـه (لكن حيث‬
‫إنه حسب الفقرة األولى من الفصل ‪ 462‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬فإن صراحة ألفـاظ العقد ال تحول دون تأويله‬
‫إذا تعذر التوفيق بينها وبين الغرض المقصود من العقــد‪ ،‬وأن المحكمة المخولة لها سلطة تقدير‬
‫الحجج والوقائع قد اعتبرت – استنادا على وقائع الملف – أن عقد ‪ 28‬أبريل ‪ 1959‬هو أول عقد‬
‫يتعلق بالمحطة المتنازع بشأنها وبأنه عند تحرير العقد المذكور لم يكن بالمحطة ال عمال وال زبناء‬

‫‪ - 1‬المجلة المغربية للقانون‪ ،‬ع ‪ ، 15 :‬أبريل ‪ ، 1963‬ص ‪. 169 :‬‬


‫‪2 - Ghestin (J) : op.cit, p : 21 et s‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Marty : le rôle du juge dans l’interprétation des contrats , 1949 , p : 96 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Cour d’appel de Rabat 30 – 01 – 1946 , R.A.C.A.R , Tome 13 , p :403 , par : François‬‬
‫‪Paul blanc, D.O.C.annoté , p : 375 .‬‬
‫‪ - 5‬قرار عدد ‪ ، 308‬عن الغرفة المدنية بتاريخ ‪ ، 1966 – 04 – 20‬مجلة القضاء والقانون ‪ ،‬ع ‪ ، 85 :‬يناير – مارس‬
‫‪ ، 1986‬ص ‪. 68 :‬‬
‫‪24‬‬
‫وال نشاط تجاري وال بضاعة‪ ،‬مستخلصة من ذلك أن الطرفين مرتبطان في الواقع بعقد كراء تجاري‬
‫ال بعقد تسييــر حر ألصل تجاري ‪. 1)...‬‬
‫‪ – 40‬وقد يبدو أن هناك تناقض‪ ،‬حينما نقول بإمكانية تدخل القاضي في مضمون العقد‬
‫الواضح العبارة ‪ ،‬إال أن ذلك سرعان ما يختفي إذا ما علمنا أن المقصود بالعبارات الصريحة التي‬
‫ال تقبل التفسير‪ ،‬هي تلك التي معناها الحرفي متفقا مع اإلرادة المشتركة للمتعاقدين ‪.‬‬
‫وفي هذا السياق يرى األستاذ الكبير عبد الرزاق السنهوري (وال يفهم من ذلك أن العبارة إذا‬
‫كانت واضحة فال يجوز تفسيرها‪ ،‬بل إن القاضي قد يجد نفسه في حاجة إلى تفسير العبارات‬
‫الواضحة مهما بلغ وضوحها‪ ،‬وسلس معناها‪ ،‬وارتفع عنها اللبس واإلبهام‪ ،‬ذلك أن وضوح العبارة‬
‫غير وضوح اإلرادة ‪ .‬فقد تكون العبارة في ذاتها واضحة‪ ،‬ولكن الظروف تدل على أن المتعاقدين‬
‫أساءا استعمال هذا التعبير الواضح‪ ،‬فقصدا معنى وعب ار عنه بلفظ ال يستقيم له هذا المعنى بل هو‬
‫واضح في معنى آخر ‪ .‬ففي هذه الحالة ال يأخذ القاضي بالمعنى الواضح للفظ‪ ،‬ويجب عليه أن‬
‫يعدل عنه إلى المعنى الذي قصد إليه المتعاقدان‪ ،‬وهو بذلك يفسر اللفظ الواضح‪ ،‬بل وينحرف عن‬
‫معناه الظاهر دون أن يحرفه أو يمسخه أو يشوهه ‪. 2)...‬‬
‫وكتكريس لهذا المسلك الذي سار عليه القضاء المغربي‪ ،‬وتبناه أغلب الفقهاء‪ ،‬يذهب‬
‫الدكتور عبد الحكيم فوده إلى القول (أما إذا جاءت هذه العبارات واضحة ظاهريا‪ ،‬ولكنها متعارضة‬
‫في الواقع مع اإلرادة الحقيقية المشتركة للمتعاقدين‪ ،‬فــإن وضوحهـا ال يقف دون التفسير‪ ،‬بل يتعين‬
‫طرحها والبحث عن اإلرادة الحقيقية‪ ،‬فوضـوح األلفـاظ ال يعني بالقطع وضوح اإلرادة‪ ،‬ولكـن ليـس‬
‫للقاضـي أن يبـادر بتفسيـر الواضـح إال إذا ظهرت أمامه دالالت قوية تفيد وجود نية مغايرة واضحة‬
‫‪. 3)...‬‬
‫‪ - 41‬وإذا ما انتقلنا إلى القضاء المقارن‪ ،‬نجد االجتهاد القضائي الفرنسي مستق ار على هذا‬
‫المبدأ‪ ،‬بما ال يدع أي مجال للشك‪ ،‬وهكذا ذهبت محكمة النقــض الفرنسيـة في قرار لها بتاريخ ‪13‬‬
‫ماي ‪( 1970‬أن القضاء ال يعتبر بالمعنى الظاهر من شروط العقد ‪ ...‬ولها أن تبحث عن النية‬
‫المشتركة ألطراف العقد)‪. 4‬‬
‫‪ – 42‬ويظهر لنا من خالل هذا‪ ،‬أنه إذا كان األصل عند وضوح عبارات العقد أن مجال‬
‫تدخل القاضي في تفسير وتأويل العقد يضيق بشكل كبير‪ ،‬مما يستتبع القول بأن دوره في مراقبة‬

‫‪ -‬مجلة المعيار ‪ ،‬العدد األول ‪ ، 1978 ،‬ص ‪. 47 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري ‪ :‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬المجلد األول ‪ ،‬نظريـة االلتزام ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫مصادر االلتزام ‪ 1998 ،‬ص ‪. 671 :‬‬


‫‪ -‬د‪.‬عبد الحكيم فوده ‪ :‬تفسير العقد في القانون المصري والمقارن ‪ ،‬منشأة المعارف باإلسكندرية ‪ ، 1985 ،‬ص ‪. 73 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫‪- cass.civ , 13 Mai 1970 , J.C.P – 1971 , T 2 , 16891‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫عدم التوازن بين أطراف العالقة التعاقدية يكون سلبيا‪ ،‬إال أنه متى تبث أن النية المشتركة‬
‫للمتعاقدين تخالف مدلول العبارة‪ ،‬فإنه يتعين على القاضي األخذ بما يراه أقرب إلى قصد‬
‫المتعاقدين وهو ما يسمح له بتدخل غير مباشر في مضمون العقد‪ ،‬بما يخول له خلق توازن بين‬
‫التزامات األطراف ‪.‬‬
‫‪ – 43‬وما عليه إال أن يبين األسباب التي دعته إلى االنحراف عن المعنى الظاهر للعبارة‪،‬‬
‫وهذا ما أكده قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 20‬ماي ‪ 1977‬بقوله ‪( :‬وحيث إن محكمة‬
‫االستئناف أبعدت تطبيق الشرط لعلة أنه أضيف للعقد تعسفيا ودون موافقة الطرف اآلخر‪ ،‬ودون‬
‫أن تبين األسباب والمستندات التي اعتمدتها لتكوين اقتناعها‪ ،‬هذا األمر الذي يجعل ق ارراها غير‬
‫معلل تعليال كافيا ‪. 1)...‬‬
‫وفي قرار آخر بتاريخ ‪ 7‬أبريل ‪ 1982‬اعتبر فيه المجلس األعلى (بأنه يج ـب أن يكون كل‬
‫حكم معلال تعليال كافيا وصحيحا وإال كان باطال ويعد فساد التعليل بمثابة انعدام ـه‪ ،‬ال مجال‬
‫للتأمين إذا كانت الناقلة المؤمن عليها قد استخدمت للنقل بعوض والحال أنها مؤمنة لغير ذلك)‪. 2‬‬
‫‪ – 44‬ونفس المسلك يسير عليه القضاء المصري‪ ،‬من ذلك الحكم الذي صدر عن محكمة‬
‫النقض المصرية بتاريخ ‪ 12‬أبريل ‪ ،1978‬حيث جاء فيه (إذا لم يتخير المتعاقدان األلفاظ المعبرة‬
‫عن حقيقة قصدهما أو أحاط بهذه األلفاظ الواضحة من المالبسات ما يرجح معه حمل معناها‬
‫على معنى آخر مغاير‪ ،‬فإنه يحق للقاضي االعتداد بالقصد المشترك للعاقدين‪ ،‬على أن يبين في‬
‫حدود سلطته الموضوعية األسباب المقبولة التي تبرر مسلكه‪ ،‬وال رقابة لمحكمة النقض عليه في‬
‫ذلك‪ ،‬متى كانت عبارات العقد تحتمل المعنى الذي حصله‪ ،‬وكان قضاؤه يقوم على أسباب‬
‫سائغة)‪. 3‬‬
‫‪ – 45‬نخلص مما سبق أن القاضي يمكنه أن يتدخل بشكل إيجابي وبصفة غير مباشرة‬
‫في مجال تأويل العقد‪ ،‬ولو كانت العبارة المكتوبة واضحة إذا لم تكن تعبر عن اإلرادة المشتركة‬
‫للطرفين‪ ،‬وهو المسلك الذي كرسه االجتهاد القضائي المغربي‪ ،‬مما ينتج عنه إمكانية مواجهة‬
‫القاضي لعدم التوازن العقدي ‪.‬‬
‫وإذا كان األصل في حالة وضوح العبارة هو أن دور القاضي يكون سلبيا وال يمكنه التدخل‬
‫إال بشكل غير مباشر حينما تكون عبارات العقد ال تعبر بشكل صادق عن اإلرادة المشتركة‬

‫‪ -‬قرار رقم ‪ 201‬صادر بتاريخ ‪ ، 1977 – 05 – 20‬مجلة قضاء المجلس األعلى ‪ ،‬ع ‪ ، 25 :‬مـاي ‪ ، 1980‬ص ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 58‬‬
‫‪ -‬أورده د‪.‬عبد العزيز توفيق في كتابه ‪ :‬قضاء المجلس األعلى في التأمين‪ ،‬الملحق األخير ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬طعن ‪ ، 442‬بتاريخ ‪ ، 1978 – 04 – 12‬أورده الدكتور جميل صبحي في مقال له تحت عنوان ‪ :‬تأويل العقود بين‬ ‫‪3‬‬

‫القانون والقضاء والفقه في المغرب ومصر ‪ ،‬مجلة القضاء والقانون ‪ ،‬ع ‪ ، 1985 ، 134 – 133 :‬ص ‪. 143 :‬‬
‫‪26‬‬
‫للمتعاقدين‪ ،‬فإنه وفي مقابل ذلك يتمتع بدور إيجابي وبشكل مباشر حينما تكون شروط العقد‬
‫غ امضة‪ ،‬باعتبار أن هذه الحالة هي التي تشكل اإلطار الذي ال تبخل نظرية سلطان اإلرادة‪ 1‬عن‬
‫الترخيص فيها للقاضي باالضطالع بدوره األكثر إيجابية في مجال التأويل‪ ،‬وهو ما سنتطرق إليه‬
‫في المطلب الموالي ‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬إمكانية تحقيق التوازن العقدي إذا كانت عباراته غامضة‬
‫‪ – 46‬تعتبر سلطة القاضي في تفسير شروط العقد الغامضة‪ ،‬من بين الوسائل المهمة‬
‫التي يتمتع بها‪ ،‬لتحقيق قدر من التوازن عن طريق – تعديل – شروط العقد المفتقد للتوازن‪ ،‬السيما‬
‫وأن أغلب هذه العقود يأتي في شكل غامض وغير محدد المعاني‪. 2‬‬
‫ويقصد بالشروط الغامضة عدم التوافق بين األلفاظ واإلرادة الحقيقية للمتعاقدين‪ ،‬وقد تكون‬
‫العبارة واضحة لكن اإلرادة غامضة‪ ،‬كما تكون اإلرادة واضحة لكن العبارة غامضة‪ ،‬وقد يكون‬
‫الغموض في اإلرادة والعبارة معا ‪.‬‬
‫وقد نص الفصل ‪ 462‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬على مجمل الحاالت التي تستدعي التفسير وهي‪:‬‬
‫• إذا كانت األلفاظ المستعملة ال يتأتى التوفيق بينها وبين الغرض الواضح الذي قصد عند‬
‫تحرير العقد ‪.‬‬
‫• إذا كانت األلفاظ المستعملة غير واضحة بنفسها‪ ،‬أو كانت ال تعبر تعبي ار كامال عن قصد‬
‫صاحبها ‪.‬‬
‫• إذا كان الغموض ناشئا عن مقارنة بنود العقد المختلفة‪ ،‬بحيث تثير المقارنة الشك حول‬
‫تلك البنود ‪.‬‬
‫وال يعني سرد هذه الحاالت‪ ،‬أنها وردت على سبيل الحصر‪ ،‬وإنما يكون الغموض كلما كانت‬
‫عبارات العقد تحول دون استخالص النية المشتركة إلرادة المتعاقدين ‪.‬‬
‫وهو نفس الموقف الذي تبناه القانون الفرنسي‪ ،‬فبالرجوع إلى القواعد المنظمة للتفسير‪،‬‬
‫وبخاصة المادة ‪ 1156‬مدني فرنسي‪ 3‬نجد أن المشرع الفرنسي يحدد هدف التفسير في الوقوف‬
‫على النية المشتركة للمتعاقدين دون التمسك بالمعنى الحرفي لأللفاظ في حالة غموض العقد‪. 1‬‬

‫‪ -‬د‪.‬محمد شيلح ‪ :‬سلطان اإلرادة في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬أسسه ومظاهره في نظرية العقد‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ر‪.‬د‪.‬د‪.‬ع ‪ ،‬في القانون الخاص‪ ،‬جتمعة محمد الخامس ‪ /‬الرباط ‪ ، 1983 ،‬ص ‪. 251 :‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- François xavier testu : le juge et le contrat d’adhésion , J.C.P,Ed.gén, T 2,1993,p : 1 .‬‬
‫‪Malaurie (ph) et Aynes (Laurent) : op.cit, p : 350 .‬‬
‫‪ - 3‬جاء في المادة ‪ 1156‬مدني فرنسي ‪:‬‬
‫‪(on doit les conventions rechercher quelle a été la commune intention des parties‬‬
‫‪contractantes, plutôt que de s’arrêter au sens littéral des termes) .‬‬
‫‪27‬‬
‫‪ – 47‬لكن هل يقتصر القاضي فقط على تقصي إرادة األطراف وتقديرها‪ ،‬أم أن سلطته‬
‫أبعد من ذلك‪ ،‬حيث تتعداها لتصل إلى مراقبة مضمون االتفاقات ومدى عدالتها بهدف تحقيق نوع‬
‫من التوازن بين االلتزامات‪ ،‬السيما وأن هناك بعض النصوص القانونية تساعده على السير في‬
‫هذا االتجاه‪ ،‬كالفصلين ‪ 473‬و ‪ 231‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬المقابلين للمواد ‪ 1162‬و ‪ 1134‬من القانون‬
‫المدني الفرنسي ‪.‬‬
‫إال أنه وقبل ذلك وارتباطا معه‪ ،‬ال بد من اإلجابة على سؤال ذو شقين‪ ،‬األول عن مدى‬
‫إلزامية قواعد التفسير‪ 2‬وهل جاءت على سبيل الحصر أم التمثيل وبالتالي إمكانية التخلي عنها‬
‫واعتماد غيرها؟ أما الشق الثاني فيتعلق بمدى رقابة المجلس األعلى لسلطة قاضي الموضوع في‬
‫تفسير العقد الغامض ؟‬

‫أوال ‪ :‬مدى التزام القاضي بقواعد التفسير المنصوص عليها ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ ،‬إلى أنه ابتداء من سنة ‪ 1908‬اعتبرت قواعد‬ ‫‪ – 48‬يرى الفقيه الفرنسي ‪Ghestin‬‬
‫التفسير المنصوص عليها في القانون المدني الفرنسي مجرد نصائح يستهدي بها القضاة دون أن‬
‫تكون ملزمة لهم‪ ،‬وهو ما صرحت به العديد من الق اررات الصادرة عن محكمة النقض الفرنسية‪،4‬‬
‫من ذلك القرار الصادر بتاريخ ‪ 16‬فبراير ‪ 1892‬والذي جاء فيه ما يلي "إن المشرع في المادة‬
‫‪ 1156‬وما يليها وضع نصائح عامة للقضاة لمساعدتهم في تفسير العقود بدون أن تفرض عليهم"‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ghestin (J) : op.cit, p : 29 et 30‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪ - 2‬هناك بعض الفقه قام بعدة تصنيفات لقواعد التفسير‪ ،‬ويبقى أبرزها ذلك الذي يميز بين قواعد التأويل المرتبطة بالعقد من الداخل‪ ،‬وتلك‬
‫المرتبطة به من الخارج ‪.‬‬
‫‪ -‬وإجماال يمكن القول أن هناك عدة قواعد وردت في ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬أهمها ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬إن العبرة بالمقاصد والمعاني ال باأللفاظ والمباني‪ ،‬وهي القاعدة التي كرستها الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 462‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬بقولها "عندما يكون‬
‫للتأويل موجب يلزم البحث عن قصد المتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي لأللفاظ وال عند تركيب الجمل" ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬إعمال الكالم خير من إهماله‪ ،‬طبقا للفصل ‪ 465‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬الذي جاء فيه "إذا أمكن حمل عبارة بند على معنيين كان حمله على المعنى الذي‬
‫يعطيه بعض األثر‪ ،‬أولى من حمله على المعنى الذي يجرده من كل أثر" ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التنازل عن الحق ال يتوسع في تفسيره‪ ،‬حسب مقتضيات الفصل ‪ 467‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬الذي ورد فيه "التنازل عن الحق يجب أن يكون له مفهوم‬
‫ضيق‪ ،‬وال يكون له إال المدى الذي يظهر بوضوح من األلفاظ المستعملة ممن أجراه‪ ،‬وال يسوغ التوسع فيه عن طريق التأويل‪ ،‬والعقود التي يثور‬
‫الشك حول مدلولها ال تصلح أساسا الستنتاج التنازل منها" ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬العرف والعادة محكمان‪ ،‬لما ورد في الفصل ‪ 470‬ق‪.‬ل‪.‬ع "إذا ذكر في االلتزام‪ ،‬المبلغ أو الوزن أو المقدار على وجه التقريب بعبارتي (ما‬
‫يقارب وتقريبا) وغيرهما من العبارات المماثلة‪ ،‬وجب األخذ بالتسامح الذي تقضي بت عادات التجارة أو عرف المكان" ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬األصل في الشك عدم الفعل‪ ،‬وقد كرس هذه القاعدة الفصل ‪ 473‬ق‪.‬ل‪.‬ع "عند الشك يؤول االلتزام بالمعنى األكثر فائدة للملتزم" ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ghestin (J) : op.cit, page : 3‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪ -‬أشار إليها اإلخوة مازو في كتاب دروس في القانون المدني ‪ ،‬ص ك ‪. 323‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪28‬‬
‫وهو نفس المسلك الذي عبر عنه في قرار بتاريخ ‪ 10‬ماي ‪ ،1948‬حيث ذهب فيه إلى "أن القواعد‬
‫المنصوص عليها في الفصل ‪ 1156‬وما يليه تعتبر مجرد نصائح يستأنس بها القاضي"‪. 1‬‬
‫‪ – 49‬وفي مقابل القضاء الفرنسي الذي اتخذ موقفا واضحا‪ ،‬فإننا لم نستطع أن نخرج‬
‫بموقف جلي لالجتهاد القضائي المغربي‪ ،2‬بخصوص هذه النقطة للضبابية التي تعتري حيثياته في‬
‫هذا الصدد‪ ،‬ورغبة منا في الدفع به إلى تبني نفس موقف محكمة النقض الفرنسية‪ ،‬ندعو إلى ترك‬
‫هامش واسع للقضاء أثناء استعمال تقنية التفسير في البحث عن قواعد غيرها‪ ،‬والتي تمكنه من‬
‫خلق توازن فعلي بين أطراف العالقة التعاقدية والوقوف بجانب الطرف الضعيف‪ ،‬الذي أصبحت‬
‫إرادته – في ظل التطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم – يشوبها الغموض في أغلب األحيان ‪.‬‬
‫‪ – 50‬وإذا ما عدنا للفقه المغربي ‪ ،‬فإننا نجد األستاذ محمد الكشبور‪ 3‬يعتبر تلك القواعد‬
‫مجرد توصيات يمكن للقضاة أن يجتنبوها‪ ،‬وبخالف ذلك يرى األستاذ محمد شيلح‪ 4‬أن قواعد‬
‫التفسير ملزمة للقاضي‪ ،‬ومن تم عليه التقيد بها‪ ،‬وإال وجب عليه تبيان األسباب الكافية والمعقولة‬
‫التي تبرر خروجه عن هذه القواعد‪ ،‬والتي يمكن أن يقتنع بها المجلس األعلى ‪.‬‬
‫وفي تعليق له على المادة ‪ 150/2‬من القانون المدني المصري‪ ،‬يرى العالمة عبد الرزاق‬
‫السنهوري "أن ما ذكره النص من االستهداء في تعرف النية المشتركة للمتعاقدين بطبيعة التعامل‪،‬‬
‫فهذه قواعد ليست ملزمة وإنما يستأنس بها القاضي‪ ،‬وهو حر في أال يتبعها إذا رأى أن إتباعها ال‬
‫يجدي وال يؤدي به إلى تعرف نية المتعاقدين‪ ،‬وهو إذا جهر بذلك ال ينقض حكمه"‪. 5‬‬
‫‪ – 51‬والذي يهمنا من هذا كله‪ ،‬أن هناك توجها جديدا ليس على مستوى الفقه فحسب‪،‬‬
‫وإنما يجد جذوره في القضاء المقارن – السيما الفرنسي – يتخذ من مؤسسة التفسير مطية إلعادة‬

‫‪ -‬نفس المرجع السابق ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬يرى الباحث نور الدين الناصري في رسالته أن المجلس األعلى يعتبر القواعد القانونية الواردة في الفصول ‪462‬‬ ‫‪2‬‬

‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬وما بعدها‪ ،‬ال تشكل مجرد نصائح يسديها المشرع للقاضي تساعده في الكشف عن النوايا الحقيقية للمتعاقدين‪ ،‬بل‬
‫قواعد ملزمة يشكل سوء تطبيقها خرقا للقانون يوجب النقض‪ ،‬ليخرج بنتيجة أن المجلس األعلى بذلك يخالف موقف محكمة‬
‫النقض الفرنسية ‪.‬‬
‫‪ -‬للتعمق راجع رسالته في ‪ :‬دور القاضي في تفسير العقد‪ ،‬ر‪.‬د‪.‬دع‪.‬م‪ ،‬في القانون المدني‪ ،‬جامعة الحسن الثاني ‪ /‬الدار‬
‫البيضاء ‪ 1999 – 1998‬ص ‪. 64 :‬‬
‫غير أننا نعتقد بأن الباحث تسرع في استنتاجه السابق‪ ،‬خصوصا وأنه استدل بقرار واحد للوصول إلى هذه النتيجة المجحفة‬
‫في حق سلطة القاضي أول ‪ ،‬وال تخدم بتاتا مصلحة الطرف الضعيف في العقد ‪.‬‬
‫‪ -‬د‪.‬محمد الكشبور ‪ :‬رقابة المجلس األعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية – دراسة مقارنة – أطروحة لنيل‬ ‫‪3‬‬

‫دكتوراه الدولة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء ‪ 1986 – 1985 ،‬ص ‪. 159 :‬‬
‫‪ -‬د‪.‬محمد شيلح ‪ :‬تأويل العقود في قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫جامعة محمد الخامس ‪ /‬الرباط ‪ ، 1996 – 1995 ،‬ص ‪. 18 :‬‬


‫‪ -‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 674 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪29‬‬
‫التوازن لاللتزامات التي يسودها الغموض ‪ ،‬وبالتالي الوقوف بجانب الطرف الضعيف‪ ،1‬السيما وأن‬
‫الشروط المجحفة في حقه‪ ،‬تكون عادة وبشكل مقصود غامضة أو غير محددة المعاني على وجه‬
‫دقيق‪ ،‬وفي سبيل ذلك يتعين القول مع القضاء الفرنسي أن قواعد التفسير غير ملزمة‪ ،‬وبالتالي‬
‫إمكانية األخذ بقواعد أخرى تمكن من البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين‪ ،‬وفي نفس الوقت إزاحة‬
‫التعسف الذي التبس في شكل الغموض على اإلرادة المفترضة للطرف الضعيف‪ ،‬وأن القول بغير‬
‫ذلك‪ ،‬يعني التمسك المطلق بمبدأ سلطان اإلرادة كما أراده واضعو قانون نابليون‪ ،‬وفي نفس الوقت‬
‫التمسك باإلرادة الشكلية وتجاهل التطورات التي يعرفها العالم‪ ،‬والتي كان من نتائجها خلق بون‬
‫شاسع بين أطراف العقد ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬سلطة قاضي الموضوع الشبه المطلقة في تفسير العقد الغامض ‪.‬‬
‫‪ – 52‬وفي سبيل تكريس التوجه السابق اإلشارة إليه‪ ،‬فإن تفسير العقد الغامض يخضع‬
‫للسلطة المطلقة لقضاة الموضوع‪ ،‬وال رقابة للمجلس األعلى على ذلك‪ ، 2‬على اعتبار أن المسألة‬
‫تتعلق بالواقع الذي يكون من اختصاص قاضي الموضوع‪ ، 3‬بحيث يغور في عالم النية والضمير‪،‬‬
‫وهو السبب الذي يحول دون بسط المجلس األعلى لرقابته‪ ،‬أو على حد تعبير األستاذ الكشبور "إن‬
‫التفسير في هذه الحالة – حالة غموض العقد – يقتضي تقصي النية الحقيقية أو المفترضة‬

‫‪1‬‬
‫‪- Guido tedeschi et Ariel w.hecht : les contrats d’adhésion entant que problème de‬‬
‫‪législation-proposition d’une commission israélienne , Rev.inter.droit.comparé, 1960 , p : 588‬‬
‫‪et s.‬‬
‫‪ - 2‬في سبيل الوقوف على المراحل التاريخية التي مرت بها محكمة النقض الفرنسية في إطار الرقابة على تفسير قاضي‬
‫الموضوع للعقد يمكن الرجوع إلى ‪:‬‬
‫‪Marty et Raynaud : droit civil . T 2 , éd . 1962 , p : 204 .‬‬
‫وعموما يمكن التمييز بين ثالثة مراحل في مسار محكمة النقض الفرنسية ‪:‬‬
‫تمتد المرحلة األولى من سنة ‪ 1808‬إلى غاية ‪ ،1872‬وفي ظلها وضعت محكمة النقض مجموعة من المبادئ‪ ،‬تتمثل في‬
‫تمتع قاضي الموضوع بسلطة تقديرية واسعة في فهم بنود العقد‪ ،‬وترتيب اآلثار المترتبة عليها‪ ،‬دون أن يشكل ذلك خرقا‬
‫للفصل ‪ 1134‬من القانون المدني الفرنسي (المقابل للفصل ‪ 230‬ل‪.‬ع‪.‬م) ‪ ،‬وعلى فرض وقوع قاضي الموضوع في الخطأ‬
‫‪ ،‬فإنه ال يعدو أن يكون من باب القضاء السيئ الذي يقف طلب إصالحه في مرحلة االستئناف‪ ،‬وال يخضع حكم قاضي‬
‫الموضوع للنقض إال في حالة استخالص قاضي الموضوع مفهوما معينا للعقد‪ ،‬ثم يرفض تطبيق ما توصل إليه ألسباب‬
‫تتعلق بمبادئ العدالة ‪.‬‬
‫أما المرحلة الثالثة فابتدأت من سنة ‪ ، 1872‬وال زال معموال بها لحد اآلن‪ ،‬وخاللها تبنت محكمة النقض الفرنسية موقفا‬
‫جديدا‪ ،‬تميز فيه بين ما إذا كانت عبارات العقد واضحة‪ ،‬حيث ال يجوز لقاضي الموضع االنحراف عن معناها الظاهر‬
‫تحت ستار التفسير‪ ،‬وإال تعرض حكمها للنقض‪ ،‬أو أن عبارته غامضة‪ ،‬حيث يتمتع قاضي الموضوع بسلطة واسعة في‬
‫مجال التفسير وال رقابة عليه من طرف محكمة النقض‪ ،‬باعتبار ذلك يدخل في مجال الواقع الذي ال تبسط سلطتها عليه ‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن الرجوع بهذا الخصوص إلى أطروحة األستاذ محمد الكشبور ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 158 :‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -‬مع مراعاة بعض الحاالت التي سيأتي ذكرها في الفقرة ‪. 25‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪30‬‬
‫لألطراف والوقوف على ظروف التعاقد وظروف التعامل وما تقضي به قواعد حسن النية وعادات‬
‫التجار فيما بينهم‪ ،‬وقد يستدعي األمر االستعانة بإجراءات التحقيق كالمعاينة والخبرة ‪ ،‬فالمسألة‬
‫إذن مسألة واقع‪ ،‬ألن قاضي الموضع يبحث في عالم النية والضمير ليقتنع في النهاية بأن إرادة‬
‫األطراف قد اتجهت إلى تحقيق غرض معين"‪. 1‬‬
‫‪ – 53‬وفي هذا السياق جاء في قرار للمجلس األعلى بتاريخ ‪ 20‬أبريل ‪ "1961‬يتعرض‬
‫للنقض الحكم الصادر عن قضاة االستئناف‪ ،‬الذين لم يكن بوسعهـم أن يرتبـوا أي مفعول على‬
‫االتفاق المبرم بين الخصوم"‪. 2‬‬
‫وفي قرار آخر للمجلس األعلى صادر بتاريخ ‪ 07‬أبريل ‪ ،1964‬اعتبر فيه أن الشروط‬
‫الغامضة أو المعارضة التفاقات األطراف‪ ،‬ال تخضع لرقابة المجلس األعلى‪. 3‬‬
‫‪ – 54‬لكن هذا ال يعني أن قاضي الموضوع ال يخضع نهائيا لرقابة المجلس األعلى في‬
‫حالة العقد الغامض‪ ،‬بل توجد هناك حاالت يعتبر عدم امتثال قاضي الموضوع لها خرقا للقانون‪،‬‬
‫وتحريفا للعقد‪ ،‬ومنها تجريد العقد من كل أثر قانوني‪ ،‬وفي ذلك ذهب المجلس األعلى في قرار له‬
‫بتاريخ ‪ 1‬دجنبر ‪ "1982‬أن الشك الذي ينتج عن مقاربة شروط العقد‪ ،‬ال يجرد هذا األخير من أي‬
‫أثر‪ ،‬فمن األولى تنفيذ العقد على تجريده من كل أثر عند تفسيره‪ ،‬وتنفيذ العقد يفرض تفسيره من‬
‫طرف المحكمة‪ ،‬التي تكون ملزمة بالبحث عن إرادة األطراف دون الوقوف عند المعنى الحرفي‬
‫لأللفاظ وال عند تركيب الجمل‪ ،‬وعليه يخالف القانون ويتعرض للنقض الحكم الذي يجرد العقد من‬
‫كل آثر‪ ،‬في حين كان من الممكن موافقة الشروط فيما بينها عبر التفسير"‪. 4‬‬
‫ومن االستثناءات التي يخضع فيها القاضي لرقابة المجلس األعلى عند تفسيره للعقد‬
‫الغامض العبارة‪ ،‬حالة تفسير الشك بشكل مخالف لروح الفصل ‪ 473‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪. 5‬‬
‫كما أنه ومن بين ما قيل لتمديد رقابة المجلس األعلى‪ ،‬أن انعدامها قد يؤدي إلى تعدد‬
‫التفسيرات‪ ،‬مما يؤدي إلى المساس باستقرار التعامل‪ ،‬السيما في إطار العقود التي يوليها المشرع‬

‫‪ -‬د‪.‬محمد الكشبور ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 157 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مجلة القضاء والقانون ‪ ،‬ع ‪ ، 87 – 85 :‬ص ‪. 289 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪- cass.civ , 07-04-1964, R.M.D, 1965, p : 186 , cité par : François Paul blanc, op.cit,‬‬
‫‪p : 376 – 377.‬‬
‫‪ -‬قرار عدد ‪ ،752‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى ‪ ،‬عدد ‪ ، 31‬مارس ‪ ، 1983‬ص ‪. 32 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬يرى الباحث علي هنانا أن القاضي يخضع لرقابة المجلس األعلى في حالة تفسيره الشك لفائدة الدائن‪ ،‬ونقول بأن‬ ‫‪5‬‬

‫الباحث أخطأ التعبير‪ ،‬حينما اعتقد بأن المفهوم المخالف "للملتزم" هو الدائن‪ ،‬في حين أن هذا األخير قد يكون طرف‬
‫ضعيف كالمؤمن له‪ ،‬مما ينبغي تفسير الشك لصالحه ‪.‬‬
‫أنظر هذا الرأي للباحث علي هنانا في رسالته ‪ :‬القضاء المدني والقوة الملزمة للعقد‪ ،‬ر‪.‬د‪.‬دع‪.‬م‪ ،‬في قانون األعمال –‬
‫جامعة محمد األول‪ ،‬وجدة‪ ، 2000 – 1999 ،‬ص ‪. 54 :‬‬
‫‪31‬‬
‫عناية خاصة‪ ،‬من ذلك العقد النموذجي للتأمين المنظم بمقتضى قرار نائب كاتب الدولة في المالية‬
‫بتاريخ ‪ 25‬يناير ‪ ،1965‬وأيضا العقد النموذجي للشغل بمقتضى القرار المؤرخ في ‪ 23‬أكتوبر‬
‫‪ . 1948‬لذلك فإن أغلب العقود التي تبرم في هذا الصدد تحرر وفق هذه النماذج‪ ،‬مما يؤدي إلى‬
‫وحدة أغلب شروطها‪ ،‬وهو ما يستتبع رقابة المجلس األعلى بهدف توحيد تفسير بنود هذه العقود ‪.‬‬
‫‪ – 55‬وقد يبدو أن بسط رقابة المجلس األعلى في هذه الحالة‪ ،‬يضيق من سلطة القاضي‬
‫في خلق توازن بين أطراف العقد‪ ،‬ولكن األمر غير ذلك‪ ،‬بحيث إنه بمجرد إلقاء نظرة على بعض‬
‫ق اررات المجلس األعلى‪ ،‬يتبين أن هذا األخير‪ ،‬ومن خالل تمديده لرقابته إلى هذا النوع من العقود‬
‫إنما يهدف بالعكس من ذلك إلى حماية مصالح الطرف الضعيف ‪.‬‬
‫ومن ذلك القرار الصادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 29‬أكتوبر ‪ 1959‬حيث جاء فيه "إن‬
‫قيام المؤمن له بتغيير استعمال الناقلة‪ ،‬ال يمكن أن ينهض سببا في سقوط الضمان إال إذا كان‬
‫لهذا التغيير أثر مباشر على وقوع الحادث المؤمن عليه‪. "1‬‬
‫وفي قرار آخر بتاريخ ‪ 4‬دجنبر ‪ 1981‬ذهب فيه إلى "أن الفصل الرابع من القرار الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 23‬أكتوبر ‪ ،1948‬ال يرتب أي جزاء على عدم إقامة الدعوى داخل أجل شهر من تاريخ‬
‫توصل العامل باإلنذار بالطرد من العمل‪ ،‬ولهذا فإن عدم إقامة الدعوى داخل األجل المذكور ال‬
‫يسقط حق العامل في إقامتها بعد ذلك"‪. 2‬‬
‫‪ - 56‬بعدما بينا أن قواعد التفسير ال تشكل سوى نصائح وال تعتبر ملزمة لقاضي‬
‫الموضوع‪ ،‬وأن بإمكانه البحث عن قواعد أخرى توصله إلى اإلرادة الحقيقية للمتعاقدين وفي نفس‬
‫الوقت تحقيق توازن فعلي بينهما ‪ .‬وتبين لنا أيضا أن بإمكان قاضي الموضوع أن يصل إلى ذلك‬
‫من خالل السلطة المطلقة التي يتمتع بها‪ ،‬وتوصلنا إلى أنه حتى في الحاالت التي يخضع فيها‬
‫لرقابة المجلس األعلى إنما يكون الهدف من ذلك هو الوقوف بجانب الطرف الضعيف في العالقة‬
‫التعاقدية‪ ،‬لنصل أخي ار إلى نتيجة قد ال تبدو مقبولة من قبل المتمسكين بمبدأ سلطان اإلرادة كما‬
‫أراده واضعوه‪ ،‬ولكنها الحقيقة وهي أن تفسير القاضي لعبارات العقد الغامضة ليس دائما يؤدي إلى‬
‫التطبيق الكلي لإلرادة‪ ،‬ولكن كثي ار ما يعمل القاضي إرادته‪ ،‬ويصفها بأنها إرادة عقدية‪ ،‬وبتعبير‬
‫‪ ghestin‬إن العقد خرج عن نطاقه الكالسيكي وأصبح له مفهوما معاص ار‪. 3‬‬
‫‪ – 57‬وما يؤكد ذلك أن المشرع المغربي نفسه نص في الفصل ‪ 473‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬على أنه‬
‫"عند الشك يؤول االلتزام بالمعنى األكثر فائدة للملتزم" ‪ ،‬فإذا كان معلوما أنه ليس للقاضي من‬
‫سلطة أثناء التفسير سوى البحث عن إرادة المتعاقدين‪ ،‬دون أن يمتد استخدامها إلى تحقيق التوازن‬

‫‪ -‬مجموعة ق اررات المجلس األعلى ‪ :‬الجزء األول لسنوات ‪ ، 1960 – 1957‬ص ‪( 110 :‬باللغة الفرنسية ) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مجلة قضاء المجلس األعلى ‪ ،‬ع ‪ ، 29 :‬أبريل ‪ ، 1982‬ص ‪. 45 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪- Ghestin (J) : op.cit , p : 61 et s .‬‬
‫‪32‬‬
‫والعدالة العقدية‪ ،‬من خالل مراجعة غير مباشرة لمضمون العقد‪ ،‬فلما تفسير االلتزام بالمعنى األكثر‬
‫فائدة للملتزم‪ ،‬علما أن اإلرادة المشتركة التي يؤكد عليها أنصار نظرية سلطان اإلرادة في ثوبها‬
‫الكالسيكي ال تهدف دائما خدمة الملتزم‪ ،‬وهو ما يمكن تأكيده بالرجوع لمقتضيات الفصل ‪231‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ ،‬السيما وأننا اعتبرنا قواعد التفسير ليست محصورة فيما ورد النص عليه في الفصل ‪462‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ .‬وما بعهده‪ ،‬حيث ينص على أن "كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية‪ ،‬وهو ال يلزم بما وقع‬
‫التصريح به فحسب ‪ ،‬بل أيضا بكل ملحقات االلتزام التي يقررها القانون‪ ،‬أو العرف ‪ ،‬أو اإلنصاف‬
‫وفقا لما تقتضيه طبيعته" ‪.‬‬
‫‪ – 58‬وإذا كان بعض الفقه‪ 1‬يرى أن القضاء لم يستوعب بعد ما يخوله الفصل ‪231‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع من إمكانيات للتدخل في مضمون العقد‪ ،‬وهو نفس الوضع في تونس‪ ،‬ويذهب أستاذنا‬
‫الدكتور أحمد ادريوش مسترسال إلى أنه "في كال البلدين أدى تشبع االجتهاد بمبدأ سلطان اإلرادة‬
‫إلى تقديس مبدأ القوة الملزمة للعقد وجعله ال يلتفت إال للفصل ‪ 230‬ق‪.‬ل‪.‬ع (يقابله الفصل ‪242‬‬
‫من المجلة التونسية)‪ ،‬ويفسره على أنه ال يسمح للقاضي بالتدخل في مضمون العقد"‪.‬‬
‫وفي الهامش يستشهد بعدة ق اررات تدعم رأيه‪ ،‬ويعتبر أن أحسن نموذج منها هو ما صدر‬
‫عنه بخصوص عدم االعتراف للقاضي بالحق في التدخل لتعديل التعويض اإلتفاقي‪.‬‬
‫‪ – 59‬غيـر أننـا ال نجـزم بالنتيجـة التـي توصـل إليهـا أستـاذنا المحتـرم‪ ،‬ما دام أن هناك‬
‫العديد من الق اررات التي لم تغفل روح الفصل ‪ 231‬ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ ،‬من ذلك حكم المحكمة االبتدائية‬
‫بفاس الصادر بتاريخ ‪ ، 1994 – 09 – 06‬والذي جاء فيه "‪ ...‬وحيث إن التعويض المتفق عليه‬
‫جد مبالغ فيه وال ينسجم مع مبادئ العدل واإلنصاف ‪ ، 2"...‬والشاهد عندنا أن المحكمة أعاله‬
‫اعتمدت أحد المبادئ الواردة في الفصل ‪ 231‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬لتعمل سلطتها التقديرية‪ ،‬وبالتالي يمكن‬
‫لهذا الفصل أن يشكل سندا قانونيا لتدخل القاضي في مضمون العقد ليكمل إرادة المتعاقدين أو ما‬
‫يطلق عليه "التفسير المكمل – ‪. 3" l’interprétation complétive‬‬
‫‪ – 60‬وهو ما حدا بالقضاء الفرنسي إلى إضافة عدة التزامات‪ ،‬لعل أهمها هو االلتزام‬
‫بضمان السالمة‪ ، obligation de sécurité 4‬وهكذا رفض القضاء الفرنسي في كثير من ق ارراته‬

‫‪ -‬د‪.‬أحمد ادريوش ‪ :‬مدخل لدراسة قانون العقود المسماة‪ ،‬الكتاب الخامس من سلسلة المعرفة القانونية‪ ، 1995 ،‬ص ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 77‬‬
‫‪ -‬مجلة اإلشعاع ‪ ،‬ع ‪ 12 :‬يونيو ‪ ، 1995‬ص ‪. 208 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أنظر بهذا الخصوص ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- Berlioz (G) : le contrat d’adhésion , 1973 , p : 134‬‬ ‫‪.‬‬


‫‪- Ghestin (J) : traité de droit civil , les obligations , les effets du contrat, op.cit , p : 49 .‬‬
‫‪- Malaurie (ph) et Aynes (Laurent) : op.cit , p : 353 .‬‬
‫‪ -‬للتعمق في هذا االلتزام يمكن الرجوع إلى ‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫أ– باللغة العربية ‪:‬‬


‫‪33‬‬
‫الشروط التي تستبعد المسؤولية في عقود نقل األشخاص ‪ ،‬بافتراض أن الناقل ملتزم بضمان سالمة‬
‫الركاب‪ ،‬حتى قبل صدور أي نص يكرس هذا النوع من المسؤولية‪ ،‬فبعدما كان يأخذ بقواعد‬
‫المسؤولية التقصيرية بالنسبة للحوادث التي يتعرض لها المسافرون أثناء عقد النقل‪ ،‬إال أنه سرعان‬
‫ما غير موقفه من خالل القرار الشهير الصادر بتاريخ ‪ 21‬نونبر ‪ ،1911‬حيث أكدت على أن‬
‫"تنفيذ عقد النقل يوجب التزام الناقل بوصول الراكب سالما إلى جهة الوصول‪ ،‬وأن مسؤولية الناقل‬
‫في حالة اإلخالل بهذا االلتزام مسؤولية عقدية"‪. 1‬‬
‫وهو ما أكدته في قرار لها بعد سنتين فقط من القرار األول‪ ،‬حيث ذهبت محكمة النقض‬
‫فيه بتاريخ ‪ 1913 – 01 – 27‬إلى "أن تسليم تذكرة السفر إلى المسافر تتضمن في حد ذاتها‪،‬‬
‫ودون حاجة إلى وجود شرط صريح‪ ،‬التزام شركة السكك الحديدية بإيصال المسافر سالما معافى‬
‫إلى منطقة الوصول"‪. 2‬‬
‫‪ – 61‬وهو نفس التفسير الذي اعتمده القضاء المصري‪ ،‬حيث ذهبت محكمة النقض في‬
‫كثير من ق ارراتها إلى جعل االلتزام بضمان السالمة على عاتق المحتكر‪ ،‬من ذلك قرارها الصادر‬
‫بتاريخ ‪ ،1962 – 04 – 26‬والذي قضت فيه" بأن عقد النقل يلقي على عاتق الناقل التزاما‬
‫بضمان سالمة الراكب‪ ،‬وذلك بتوصيله إلى الجهة المتفق عليها في العقد سليما‪ ،‬وهو التزام بتحقيق‬
‫غاية‪ ،‬بحيث إذا أصيب فإنه يكفي أن يثبت أنه أصيب أثناء تنفيذ عقد النقل ويعتبر هذا منه إثباتا‬

‫‪ -‬إدريس فتاحى ‪ :‬المسؤولية المدنية لناقل األشخاص المترتبة على عقد النقل ‪ ،‬أطروحة دكتوراه – كلية الحقوق‪/‬أكدال‪،‬‬
‫الرباط ‪2001-2000 ،‬‬
‫‪ -‬محمود الثلثي ‪ :‬النظرية العامة لاللتزام بضمان سالمة األشخاص ‪ ،‬القاهرة ‪. 1989 ،‬‬
‫‪ -‬محمود جمال الدين زكي ‪ :‬مشكالت المسؤولية المدنية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬القاهرة‪. 1990 ،‬‬
‫‪ -‬فتيحة الطلحاوي ‪ :‬التزام الناقل البري بضمان سالمة الراكب ‪ ،‬ر‪.‬د‪.‬د‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬في القانون المدني‪ ،‬جامعة محمد‬
‫الخامس‪/‬أكدال – الرباط ‪. 2000 – 1990 ،‬‬
‫‪ -‬سعيدة مهذاب ‪ :‬االلتزام بضمان السالمة في مادة النقل ‪ ،‬ر‪.‬د‪.‬د‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬وحدة قانون األعمال – جامعة الحسن الثاني –‬
‫البيضاء ‪ - 1999 – 1998 ،‬تابع‬
‫= تتمة ‪:‬‬
‫ب – باللغة الفرنسية ‪:‬‬
‫‪- Berlioz (G) : op.cit, p : 134 et s .‬‬
‫‪- Ghestin (G) : op.cit , p : 50 .‬‬
‫‪- Malaurie (ph) : et Aynès (Laurent) : op.cit , p : 35 .‬‬
‫‪- Mazeaud et Tunc : la responsabilité civil , 4ème édition , p : 135 .‬‬
‫‪1‬‬
‫‪- cass.Civil , 21-11-1911 , cité par : René Rodière : les transport , Dalloz . Paris , 1973 ,‬‬
‫‪p : 154 – 156 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ripert (G) : droit maritime , Tome 2 , Dalloz , paris 1922 , p : 239.‬‬
‫‪34‬‬
‫بعدم قيام الناقل بالتزامه‪ ،‬ومن تم تقوم مسؤولية الناقل عن هذا الضرر بغير حاجة إلى إثبات وقوع‬
‫خطأ من جانبه"‪. 1‬‬
‫‪ – 62‬وقد سار القضاء المغربي على نفس المنوال‪ ،‬من ذلك قرار المجلس األعلى الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 1959 – 01 – 21‬الذي جاء فيه" بأن وثيقة التأمين تتضمن ضمان مسؤولية الشركة‬
‫المؤمنة لها عن اآلفات التي يمكن أن تلحق بأرواح المسافرين وأمتعتهم من طرف المؤمنة لها أو‬
‫مستخدميها أو أجهزتها‪ ،‬فإن للمحكمة الحق في أن تستخلص أن حريق الحافلة كان شبيها بعارض‬
‫أصيب به الغير بسبب التنقل وبالتالي اعتبار خطر الحريق من بين األخطار المؤمنة والمنتظر‬
‫وقوعها ودون اعتبار لما ادعته الشركة المؤمنة من أن المتضرر هو المؤمن وحده بالوثيقة وال‬
‫يشمل ضرر الحريق"‪. 2‬‬
‫كما قضى في قرار آخر بتاريخ ‪ "1978 – 01 – 18‬بأن مسؤولية الناقل تظل قائمة ما‬
‫دام الراكب متصال بالناقلة‪ ،‬فإذا انقطع عنها لسبب من األسباب فإن مسؤولية الناقل العقدية تنقطع‬
‫لتبدأ مسؤولية الناقل التقصيرية"‪. 3‬‬
‫أما على مستوى محاكم الموضوع‪ ،‬فنستشهد بالقرار الصادر عن محكمة االستئناف‬
‫بالبيضاء‪ 4‬بتاريخ ‪ ، 1984 – 10 – 23‬والذي جاء فيه "أن الناقل ملزم باتخاذ كل االحتياطات‬
‫الضرورية لضمان سالمة ركابه‪ ،‬وال يمكن أن يعفى من المسؤولية إال إذا أثبت وجود حادث فجائي‬
‫أو قوة قاهرة" ‪.‬‬
‫‪ – 63‬ونستخلص من ذلك‪ ،‬أن االلتزام بضمان السالمة يعد من مستلزمات العقد‪ ،‬ويتفق‬
‫مع طبيعته الجوهرية‪ ،‬وال يستطيع الناقل إنكار هـذا االلتـزام بحجـة أن نيتـه لم تنصرف وقت التعاقد‬
‫إليه‪ ،‬على اعتبار أن العقد ال يقتصر علـى التـزام المتعاقـد بما ورد فيه‪ ،‬بل يتناول أيضا ما هو من‬
‫مستلزماته وفقا للقانون والعرف والعدالـة (الفصل ‪ 231‬ق‪.‬ل‪.‬ع) ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪devoir de‬‬ ‫‪ – 64‬كما ألقى القضاء الفرنسي على المحترف التزام بنصيحة المشتـري‬
‫‪ ، conseil‬وبذلك يكون القضاء وعن طريق ما اصطلح على تسميته بالتفسير المكمل ‪ ،‬قد أنشأ‬
‫جديدة ‪،‬وذلك حتى يتمكن من تحقيق أكبر قدر من الحماية للطرف الضعيف‪. 6‬‬

‫‪ -‬د‪.‬سعد أحمد شعلة ‪ :‬قضاء النقض التجاري في عقد النقل ‪ ،‬دار الفكر الجامعي – اإلسكندرية ‪ ،1993 .‬ص ‪.30 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مجلة القضاء والقانون ‪ ،‬ع ‪ ، 24 :‬دجنبر ‪ ، 1959‬ص ‪. 338 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مجلة القضاء والقانون ‪ ،‬ع ‪ ، 129 :‬يوليوز ‪ ، 1979‬ص ‪. 63 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ - 4‬المجلة المغربية للقانون ‪ ،‬ع ‪ ، 1986 ، 4 :‬ص ‪. 22 :‬‬


‫‪5‬‬
‫‪- Berlioz (G) : op.cit , p : 135 .‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Berlioz (G) : op.cit , p : 136 .‬‬
‫‪Santa Maria (jeorge Lopez) : les systèmes d’interprétation des contrats , paris . 1968 , p : 1 .‬‬
‫‪35‬‬
‫‪ – 65‬وتبقى أهم قاعدة يستطيع القاضي من خاللها إقرار توازن حقيقي بين التزامات‬
‫المتعاقدين‪ ،‬هي تلك الواردة في الفصل ‪ 473‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ، 1‬المقابل للمادة ‪ 1162‬مدني فرنسي‬
‫والمادة ‪ 151‬من القانون المدني المصري‪ ،‬والذي جاء فيه "عند الشك يؤول االلتزام بالمعنى األكثر‬
‫فائدة للملتزم" ‪.‬‬
‫لكن ما المقصود بعبارة الشك الواردة في هذا الفصل ؟ فهل يعني أن هذه القاعدة احتياطية‬
‫‪ ، Subsidiaire‬وبالتالي ال يتم اللجوء إليها إال إذا لم تتجلى اإلرادة الحقيقية للمتعاقدين‪ ،‬وهو ما‬
‫من شأنه أن يقلل من الحماية المرجوة أم العكس هو الصحيح ؟ ثم ما المقصود بعبارة الملتزم ؟‬
‫‪ – 66‬فبالنسبة لعبارة الشك‪ ،‬فإن االتجاه الغالب في الفقه المغربي‪ 2‬يميل إلى منع القاضي‬
‫من اللجوء للقاعدة الواردة في الفصل ‪ 473‬ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ ،‬إال عندما يتعذر عليه الوقوف على إرادة‬
‫صاحب التصرف‪ ،‬وهو نفس الموقف الذي عبر عنه عبد الحكيم فوده بخصوص القانون المصري‬
‫بقوله "تستنفذ كل وسائل التفسير المتعلقة بالبحث عن النية الحقيقية المشتركة للطرفين‪ ،‬ذلك أن‬
‫اإلرادة هي العنصر الجوهري في العقد‪ ،‬فال يتعين اللجوء إلى الفصل ‪ 1162‬من القانون المدني‬
‫الفرنسي المقابل للمادة ‪ 151‬من القانون المصري‪ ،‬إال بعد استنفاذ كل الوسائل الالزمة للكشف عن‬
‫هذه اإلرادة‪ ،‬فهي قاعدة أملتها الظروف التي أدت بالتفسير إلى الطريق المسدود"‪. 3‬‬
‫‪ – 67‬وإذا كان القاضي ح ار في أن يعلن عدم كفاية قواعد التفسير‪ ،‬فإن االتجاه السابق من‬
‫شأنه أن يقلص من الحماية التي نرجو أن يقوم بها القضاء في سبيل تحقيق نوع من التوازن للعقد‪،‬‬
‫وما دام أن دور هذا األخير ال يسعى فقط إلى تفسير العقد بل أيضا إلى تحقيق العدالة‪ ،‬وبما أن‬
‫المشرع لم يقرر نوع من الت ارتبية لتلك القواعد فإنه في نظرنا ليس هناك ما يمنع القاضي من اللجوء‬
‫مباشرة لتطبيق القاعدة المضمنة في الفصل ‪ 473‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪.‬‬
‫‪ – 68‬أما بخصوص عبارة الملتزم‪ ،‬فقد ذهب البعض إلــى أن القصـد منهـا هو الشخص‬
‫المدين‪ ،‬وفي ذلك يرى الدكتور جميل صبحي "في حالة ما إذا كان هناك شك في التعرف على‬
‫النية المشتركة للمتعاقدين‪ ،‬فإنه يجب على المحاكم تبني الفرضية األكثر مالئمة للمدين" ‪.4‬‬

‫‪ -‬أنظر بهذا الخصوص ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬د‪.‬سامي الجربي ‪ :‬تفسير العقد ‪ ،‬ط ‪ ، 2000‬ص ‪. 531 :‬‬


‫‪ - 2‬أنظر ‪:‬‬
‫‪ -‬د‪.‬إدريس العلوي العبدالوي ‪ :‬شرح القانون المدني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 596 :‬‬
‫‪ -‬د‪.‬محمد شيلح ‪ :‬أطروحته‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 738 :‬‬
‫‪ - 3‬د‪.‬عبد الحكيم فوده ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 251 :‬‬
‫‪ -‬د‪.‬جميل صبحي برسوم ‪ :‬تأويل العقود بين القانون والقضاء والفقه في المغرب ومصر ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫تعليق على قرار منشور بمجلة القضاء والقانون ‪ ،‬ع ‪ ، 1985 ، 134 – 133 :‬ص ‪. 143 :‬‬
‫‪36‬‬
‫وهو نفس ما عبرت عنه المحكمة االبتدائية للدار البيضاء بتاريخ ‪1922 – 05 – 14‬‬
‫بقولها" في حالة الشك فإنه يجب على المحاكم تبني الفرضية األكثر مالئمة للمدين"‪. 1‬‬
‫لكن هل مثل هذا التفسير يعمل على حماية الطرف الضعيف في العالقة التعاقدية ؟‬
‫‪ – 69‬إن مثل هذا القول يمكن اعتباره صحيحا في ظل عقود المساومة‪ ،‬التي أصبحت في‬
‫عصرنا جد نادرة‪ ،‬بفعل سيطرة أحد طرفي العقد على اآلخر‪ ،‬بما له من قدرة اقتصادية‪ ،‬فنية أو‬
‫قانونية‪ ،‬مما ترتب عنه انتشار العقود النموذجية التي غالبا ما تتخذ مظهر اإلذعان‪ ،‬فهل في مثل‬
‫هذه العقود يفسر القاضي العقد لصالح المدين أم لفائدة المذعن (القابل) ؟‬
‫إن ما ينبغي اإلشارة إليه‪ ،‬هو أن الموجب أو المشترط في هذا النوع من العقود‪ ،‬هو الذي‬
‫يقوم بإمالء شروطه‪ ،‬باعتبار مركز القوة الذي يتمتع به‪ ،‬وبالتالي فإنه يتعين عليه أن يضع شروط‬
‫العقد بشكل ال يثير أي لبس‪ ،‬وإال فإنه إذا ما استعصى على القاضي إزالة الغموض بمختلف‬
‫وسائل التفسير فإن المشترط يعتبر قد قصر في واجبه‪ ،‬وبالتالي يتعين عليه أن يتحمل تبعة خطئه‬
‫الذي سبب ضر ار للمذعن (القابل) ‪ ،‬وخير تعويض له عن ذلك هو تفسير الشك لصالحه ‪.‬‬
‫‪ – 70‬وقد عملت بعض التشريعات على التنصيص على ذلك بصفة صريحة‪ ،‬من ذلك‬
‫الفصل ‪ 1432‬قانون مدني بلجيكي‪ ،‬الذي أقر فيه بأن الشك في عقود اإلذعان واالستهالك يفسر‬
‫دائما لمصلحة المذعن ‪.‬‬
‫وهو نفس الموقف الذي عبرت عنه الفقرة الثانية من المادة ‪ 151‬مدني مصري‪ ،‬حيث‬
‫بعدما أكدت الفقرة األولى بأن الشك يفسر لمصلحة المدين‪ ،‬جاءت لتقــرر بأنـه ال يجوز أن يكون‬
‫تفسير العبارات الغامضة في عقود اإلذعان ضار بمصلحة الطرف المذعن ‪.2‬‬
‫‪ – 71‬بخالف القانون الفرنسي الذي لم يشر بصورة صريحة لهذا االستثناء‪ ،‬حيث اكتفت‬
‫المادة ‪ 1162‬مدني فرنسي‪ ،‬بالنص على أنه "عند الشك‪ ،‬فإن االتفاق يفسر ضد المشترط‪،‬‬
‫ولصالح المدين"‪. 3‬‬
‫وبالرغم من ذلك فإن الفقه في فرنسا‪ 4‬اعتبر أنه يتعين التوسع في مفهوم من اشترط لكي‬
‫تشمل من أخذ المبادرة‪ ،‬أما الملتزم فينبغي أن يشمل من صدر عنه القبول‪ ،‬بمعنى أن التفسير في‬
‫حالة الشك ‪ ،‬ينبغي أن يتم ضد من اتخذ هذه المبادرة دائنـا كـان أم مدينا ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tribunal de 1er instance, CasaBlanca , G.T.M , 1992 , N 35 .‬‬
‫‪ -‬راجع في ذلك ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 688 :‬‬


‫‪ - 3‬تجنبا لكل ترجمة معيبة فضلنا اإلشارة في الهوامش إلى النص األصلي ‪:‬‬
‫‪Article 1162 : (dans le doute, la convention s’interprète contre celui qui a stipulé, et en faveur‬‬
‫‪de celui qui a contracté l’obligation) .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Berlioz (G) : op.cit , p : 126 .‬‬
‫‪37‬‬
‫وهذا التفسير ‪ ،‬هو نفسه الذي اعتمده القضاء الفرنسي‪ ،‬من ذلك الحكم الذي صدر عن‬
‫محكمة باريس بتاريخ ‪ ، 1972 – 07 – 03‬والذي جاء فيه "طبقا لقواعد تفسير العقود التي تكون‬
‫من هذه الطبيعة – أي عقود اإلذعان – فإن البند محل الشك يجــب أن يفسر لصالح الطرف‬
‫المذعن" ‪.1‬‬
‫وفي قرار لمحكمة االستئناف "بسان" المؤرخ في ‪ ، 1963 – 05 – 27‬ذهبت فيه بأنه‬
‫"يجب على المؤمن أن يتحمل نتائج التناقض الناتج عن كتابة العقد حتى في الحالة التي يتعلق‬
‫األمر بتحديد‪ ،‬عن طريق التفسير‪ ،‬مدى االلتزامات التي يتحملها"‪. 2‬‬
‫‪ – 72‬وكما هو الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي‪ ،‬فإن القانون المغربي لم ينص على‬
‫مقتضيات خاصة بعقود اإلذعان‪ ،‬فباألحرى أن يبين المقصود من عبارة الملتزم ‪ ،‬وما إذا كانت‬
‫تعني المذعن ؟‬
‫ومع ذلك فإن القضاء المغربي ذهب في بعض ق ارراته إلى تفسير الشك لصالح المذعن‪،‬‬
‫ففي قرار للمجلس األعلى بتاريخ ‪ ، 1969 – 01 – 10‬ذهب فيه إلى أن "التنازل عن الحق بناء‬
‫على الفصل ‪ 467‬ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ ،‬يجب أن يكون له مفهوم ضيق‪ ،‬وأن العقود التي يثور الشك حول‬
‫مدلولها ال تصلح أساسا الستنتاج التنازل منها‪ ،‬وبما أن التحفظ الذي كان البنك قد أبداه على‬
‫هامش النسخة التي سلمها لكيرش في رسالته يثور الشك حول مدلولها فال يمكن اعتباره مقبوال من‬
‫قبل كيرش"‪. 3‬‬
‫وفي قرار آخر بالغ األهمية‪ ،‬صادر عـن المجلـس األعلـى أيضـا‪ ،‬بتاريـخ ‪– 01 – 26‬‬
‫‪ 1961‬يقضي فيه بتفسير الشك لمصلحة المؤمن له في عقد التأمين ‪ ،‬وبالرجوع إلى حيثياته نجده‬
‫يقرر ما يلي "إن الشرط الموقع عليه في عقد التأمين صرح بمقتضاه شخص بأنه يمارس مهنة‬
‫فالحية‪ ،‬وأن السيارة المؤمن عليها تستعمل خصيصا لالستغالل الفالحي‪ ،‬فإن المؤمن له ملزم‬
‫بالتصريح لدى شركة التأمين بكل تغيير في االستغالل من شأنه أن يزيد من نسبة التعويض وإال‬
‫كان التأمين عديم األثر ‪.‬‬
‫وحيث إن قضاة الموضوع الحظوا أن المؤمن له غير وجه استعمال السيارة عرضيا‪،‬‬
‫وبمقابل بنقله بضائع لحساب أحد األغيار‪ ،‬يمكن لهم تطبيقا للفصل ‪ 473‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬من غير‬
‫تحريف عقد التأمين أن يقرروا أن هذا النقل للبضائع بصفة عرضية وبعوض (أي بمقابل) ال يؤدي‬
‫إلى عدم الضمان"‪. 4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Gazzette palais , Novembre 1972 , p : 8 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Berlioz (G) : op.cit , p : 126 .‬‬
‫‪ -‬مجلة قضاء المجلس األعلى ‪ ،‬ع ‪ ، 9 :‬يونيو ‪ ، 1969‬ص ‪. 12 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫‪- Recueil des arrêts de la cour suprême , Tome 2 , P :155 – 156 .‬‬
‫‪38‬‬
‫‪ – 73‬ونخلص من مجموع هذه الق اررات‪ ،‬أن القاضي في كثير من الحــاالت‪ ،‬ال يعمل‬
‫على البحث عن النية المشتركة‪ ،‬وإنما عن إرادة مفترضة ‪ ،‬هي إرادته – ما دام أن المشرع قد‬
‫خوله مراعاة مبدأ العدالة – عند تفسير الشك ‪ ،‬وهو ما يعني أن بإمكانه أن يقف بجانب الطرف‬
‫الضعيف ‪ ،‬محاولة منه لتحقيق التوازن بين الت ازمات األطراف ‪.‬‬
‫‪ – 74‬ومع ذلك تبقى اإلشارة لبعض الثغرات‪ ،‬التي مازال يتعين على المشرع تداركها‪،‬‬
‫نقتصر على اثنين منها ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬ضيق مجال تدخل القاضي ‪ ،‬حيث ال يسمح له بذلك إال في حالة غموض بنود‬
‫العقد‪ ،‬وهو ما يستطيع الطرف القوي تداركه‪ ،‬ما دام هو الذي يقوم بإمالئه‪ ،‬في ظل حنكته الفنية‬
‫والقانونية‪ ،‬األمر الذي يضر بالطرف الضعيف الذي لن يكون له من خيار سوى قبول العقد ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ثم إن الحماية ال ينبغي أن تنحصر فقط في عقود اإلذعان‪ ،‬فهناك الكثير من العقود‬
‫التي ال تتوفر فيها هذه الصفة‪ ،‬ومع ذلك فإن أحد طرفي العقد يغمض عليه فهمه‪ ،‬بالنظر إلى‬
‫تكوينه وعدم تخصصه‪ ،‬وبالنظر إلى أنه قد يكون الطرف الدائن في العقد‪ ،‬وبالتالي لن يتمتع‬
‫بالحماية التي منحها المشرع المصري والقضاء في كل من فرنسا والمغرب للطرف المذعن ‪.‬‬
‫في ظل هذا الوضع‪ ،‬نتساءل عن مدى إمكانية تحقيق التوازن السالف الذكر عن طريق‬
‫توسع القاضي في تفسير بعض النصوص القانونية‪ ،‬وهو محور المبحث الثاني ‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪:‬‬


‫مساهمة القاضي في تحقيق التوازن العقدي عن طريق تفسير النصوص القانونية‬
‫‪ – 75‬لقد تتبعنا في المبحث األول ‪ ،‬السلطة التي يتمتع بها القاضي من خالل مؤسسة‬
‫تفسير العقد‪ ،‬السيما إذا كانت شروطه غامضة‪ ،‬واعتبرناها من بين الوسائل الهامة التي يتمتع بها‬
‫لتعديل بنوده‪ ،‬وبالتالي يستعين بالتفسير للتغلب على تقييد النصوص لسلطته إزاء العقد‪ ،‬وذلك‬
‫بالتدخل في مضمونه إلعادة التوازن إلى أداءات طرفيه‪ ،‬أما إذا كانت عبارة العقد واضحة فإن‬
‫األمر يخرج من تحت يد القاضي‪ ،‬فهو ملزم بإعمال إرادة المتعاقدين‪ ،‬دون أن يستطيع تحت ستار‬
‫التفسير أن ينحرف بها عن معناها الجلي الذي يعبر عن إرادتهما ‪.‬‬
‫وسنقتصر على توسع القاضي في الفصل ‪ 243‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬المتعلق بنظرة الميسرة في‬
‫مطلب أول ‪ ،‬على أن نعالج في المطلب الثاني إمكانية االعتماد على بعض النصوص للقول‬
‫بوجود االلتزام بالتبصير في القانون المغربي ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعديل القاضي آلجل العقد قد يساهم في توازنه‬
‫‪ – 76‬إذا كان التشريع المغربي لم يخول للقضاء التدخل لمراجعة العقد عند تغير الظروف‬
‫االقتصادية في إطار ما يطلق عليه نظرية الظروف الطارئة‪ ،1‬بحجة أن من شأن األخذ بها أن‬
‫يؤدي إلى المس باستقرار المعامالت‪ ،‬السيما إزاء األزمات االقتصادية‪ ،‬باإلضافة إلى إمكانية أن‬
‫تؤدي إلى تحكم القضاة‪.2‬‬
‫وهو االتجاه الذي تبناه معظم الفقه المغربي‪ ، 3‬حيث يرى األستاذ الكزبري‪ 4‬أنه إذا طرأت‬
‫ظروف جعلت تنفيذ االلتزام مرهقا‪ ،‬فال يؤدي ذلك إلى انقضاء االلتزام‪ ،‬بل يبقى االلتزام واجب‬
‫التنفيذ حتى لو كان ذلك يلحق بالمدين خسائر فادحة ‪.‬‬
‫والقضاء المغربي شأنه في ذلك شأن كل من التشريع والفقه – وإن كان هذا األخير بالرغم‬
‫من اقتناعه بأن المشرع المغربي أغفل التنصيص بشكل صريح على هذه النظرية‪ ،‬فإنه حاول‬
‫جاهدا أن يدفع القضاء باألخذ بهذه النظرية باالستناد على مجموعة من المبادئ الواردة في النظرية‬
‫العامة – لم يأخذ بهذه النظرية ‪ ،‬وإن كان قليال ما عبر عن ذلك بشكل صريح ‪ ،‬ومن هذه الق اررات‬
‫الرافضة لدعوة الفقه حكم المحكمة االبتدائية‪ 5‬بالدار البيضاء الصادر بتاريخ ‪ 19‬أبريل ‪، 1962‬‬
‫حيث قضت فيه بأن االلتزام ال ينقضي إال بوقوع حوادث من شأنها أن تجعل تنفيذ االلتزام‬
‫التعاقدي مستحيال استحالة مطلقة طبقا للمادة ‪ 268‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪.‬‬

‫‪ -‬وذلك على عكس العديد من التشريعات ‪ ،‬كالقانون المصري الذي أخذ بها في المادة ‪ 147‬مدني ‪ ،‬والمادة ‪ 269‬من‬ ‫‪1‬‬

‫قانون االلتزامات البولوني ‪.‬‬


‫للمزيد من التوسع يمكن الرجوع إلى ‪:‬‬
‫‪ -‬د‪.‬خالد عيد ‪ :‬تأمالت في حدود قانون االلتزامات والعقود المغربي ‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬س‪.‬ق ‪ ،‬ع ‪ ، 1980 ، 10 :‬ص‬
‫‪. 63 :‬‬
‫‪ -‬ذ‪.‬عبد الرحمان أسامة ‪ :‬نظرية الظروف الطارئة – بين النظرية والتطبيق – ر‪.‬د‪.‬د‪.‬ع ‪ ،‬في القانون الخاص ‪،‬‬
‫جامعة محمد الخامس ‪ /‬الرباط ‪. 1983 ،‬‬
‫‪ -‬ذ ‪ .‬فائزة بلعسري ‪ :‬نظرية الظروف الطارئة ومدى إمكانية تطبيقها في ظل القانون المغربي ‪ ،‬مجلة الملحق‬
‫القضائي ‪ ،‬ع ‪ ، 1984 – 3 :‬ص ‪. 94 :‬‬
‫‪ -‬د‪.‬زيد قدري الترجمان ‪ :‬الفصل ‪ 230‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي ‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق‪.‬ت ‪ ،‬ع ‪– 7 :‬‬
‫‪ ، 1984‬ص ‪. 109 :‬‬
‫‪ -‬كما وردت حجج أخرى غيرها في إرسالية الكتابة العامة للحكومة إلى السيد الوزير األول بتاريخ ‪ 10‬أبريل ‪1978‬‬ ‫‪2‬‬

‫بشأن االقتراح القانوني الرامي إلى تعديل الفصل ‪ 230‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪.‬‬


‫‪ -‬أنظر المراجع المشار إليها في الهامش رقم ‪. 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬د‪.‬مأمون الكزبري ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 503 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬مجلة المحاكم المغربية ‪ ،‬ع ‪ 19 :‬أبريل ‪ ، 1962‬ص ‪. 62 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪40‬‬
‫وعلى مستوى محكمة النقض نستشهد بالق ارر الصادر عن غرفتها المدنية‪ 1‬بتاريخ ‪04‬‬
‫فبراير ‪ ، 1957‬حيث جاء فيه ما يلي "‪ ...‬بمقتضى ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬فإنه ال يمكن بأي حال من‬
‫األحوال خرق القوة الملزمة للعقد بدعوى أن االلتزامات الناتجة عنها قد أصبحت أكثر إرهاقا ألحد‬
‫األطراف" ‪.‬‬
‫‪ – 77‬وبخالف نظرية الظروف الطارئة التي لم يعتد بها المشرع المغربي‪ ،‬فإن هذا األخير‬
‫راعى الظروف واألزمات التي قد تعصف بالمدين فتجعله معسرا‪ ،‬الشيء الذي دفع به إلى تخويل‬
‫القاضي إمكانية تمتيع المدين بمهلة الميسرة‪ délai de grâce 2‬وهو ما يعتبر استثناء من األصل‬
‫العام المنصوص عليه في الفصل ‪ 128‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬الذي منع على القاضي أن يمنح أجال أو أن‬
‫ينظر إلى ميسرة‪ ،‬ما لم يمنح هذا الحق بمقتضى االتفاق أو القانون‪ ،‬وإذا كان اآلجل محددا لم‬
‫يصغ للقاضي أن يمدده ما لم يسمح له القانون بذلك‪.‬‬
‫وهو ما كان ينسجم مع الفصل ‪ 243‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬قبل أن تضاف إليه الفقرة الثانية بتعديل‬
‫‪ 18‬مارس ‪ ، 1917‬حيث كان ينص على أنه إذا لم يكن هناك إال مدين واحد‪ ،‬لم يجبر الدائن‬
‫على أن يستوفي االلتزام على أجزاء ‪ ،‬ولو كان هذا االلتزام قابال للتجزئة‪ ،‬وذلك ما لم يتفق على‬
‫خالفه إال إذا تعلق األمر بالكمبيالة ‪.‬‬
‫وقد أضيف االستثناء المتحدث عنه‪ ،‬والمعروف بنظرة الميسرة‪ ،‬بمقتضى الفقرة الثانية من‬
‫الفصل ‪ 243‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪" .‬ومع ذلك‪ ،‬يسوغ للقضاة‪ ،‬مراعاة منهم لمركز المدين‪ ،‬ومع استعمال هذه‬
‫السلطة في نطاق ضيق أن يمنحوه آجاال معتدلة للوفاء ‪ ،‬وأن يوقفوا إجراءات المطالبة مع إبقاء‬
‫األشياء على حالها" ‪.‬‬
‫وقد جاء هذا التعديل بعد قيام الحرب العالمية األولى‪ ،‬وما ترتب عنها من اضطرابات‬
‫اقتصادية‪ ،‬خاصة عندما قامت ألمانيا بضرب حصار خانق على المغرب بواسطة الغواصات‬
‫خالل سنتي ‪ 1917‬و ‪ 1918‬م‪ ، 3‬وبالتالي أصبح بإمكان القاضي تعديل العقد لصالح المدين‪. 4‬‬

‫‪ -‬مجلة المحاكم المغربية ‪ ،‬بتاريخ ‪ 10‬نونبر ‪ ، 1957‬ص ‪. 503 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪- Alin sérieux : réfléance sur les délais de grâce , rev.Tr.dr.civ , N 4 , 1993 , p : 789‬‬
‫‪Datry (E): l’échéance , délai de grâce et moratoire , thèse lyon , 1945 , p : 5 .‬‬
‫‪ -‬د‪.‬محمد شيلح ‪ :‬سلطان اإلرادة في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي‪.،‬أسسه ومظاهره في نظرية العقد‪،‬رسالة‬ ‫‪3‬‬

‫د‪.‬د‪.‬ع ‪ ،‬في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪/‬الرباط ‪ ، 1983‬ص‪. 270 :‬‬
‫‪ -‬ويضاف إلى ذلك أجلين آخرين ‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫األول ‪ :‬يرتبط بمرحلة التنفيذ ‪ ،‬والذي نص عليه المشرع المغربي في الفصل ‪ 440‬من ق‪.‬م‪.‬م ‪ ،‬حيث أجاز لرئيس المحكمة‬
‫بوصفه المشرف على التنفيذ‪ ،‬منح المدين آجاال لمساعدته على التنفيذ دون عناء‪ ،‬فقد جاء في الفقرة الثانية منه ‪" :‬إذا طلب‬
‫المدين آجاال أخبر العون الرئيس الذي يأذن بأمر بحجز على أموال المدين تحفيظا إذا بدا ذلك ضروريا للمحافظة على‬
‫حقوق المستفيد من الحكم" ‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫‪ – 78‬وإذا كان األستاذ محمد الكشبور يعتبر هذا المبدأ تطبيقا لنظرية الظروف الطارئة في‬
‫القانون الخاص المغربي‪ ،1‬فإن األستاذ محمد شيلح‪ 2‬يعتبر أن نظرة الميسرة ما هي إال تكريس في‬
‫آخر المطاف لنظرية سلطان اإلرادة أكثر مما يقيدها ‪ ،‬ما دامت تهدف إلى الحفاظ على االستقرار‬
‫الحقيقي للرابطة التعاقدية‪ ،‬بتخويلها القاضي إمكانية تعديل العقد من أجل مالءمته مع الظروف‬
‫االقتصادية دون أي قيد أو شرط ‪.‬‬
‫‪ – 79‬غير أن هذا يبقى في نظرنا المتواضع مجرد محاوالت فقهية‪ ،‬تهدف في نهاية األمر‬
‫إلى تليين موقف القضاء المغربي لمسايرة التغيرات العميقة التي تشهدها الروابط التعاقدية‪ ،‬في ظل‬
‫مجتمع تزداد فوارقه تعمقا بشكل ينذر بأزمة حقيقية للعقد‪ 3،‬وبغض النظر عن ذلك فإن القاضي‬
‫يظل محكوما بالقاعدة العامة التي تمنع عليه التدخل إال بشكل استثنائي‪ ،‬ويستفاد هذا من العبارة‬
‫الواردة في بداية الفقرة الثانية من الفصل ‪ 243‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬حيث نصت "ومع ذلك ‪"néanmoins‬‬
‫‪ ،‬وهو ما طبقته محكمة االستئناف بالرباط في قرار لها بتاريخ ‪ 20‬يناير ‪ ، 1961‬حيث جاء فيه‬
‫"ومع ذلك تبقى إمكانية توقيف وتعطيل هذا الشرط‪ ،‬بمنح المكتري أجل ميسرة ألداء واجبات الكراء‬
‫المتخلفة في ذمته ‪ ...‬مما ارتأت معه المحكمة منح الطاعنة أجل ميسرة ألداء واجبات الكراء"‪. 4‬‬
‫‪ – 80‬ومن تم فإن القاضي يظل محكوما بمجموعة من الشروط‪ ،‬أجمع الفقه‪ 5‬على أن‬
‫منها ما يرجع للمدين والبعض اآلخر يتصل بالدائن‪ ،‬وهكذا يمكن حصرها حسب الرأي الغالب في‬
‫أربعة شروط ‪:‬‬

‫أما األجل الثاني فقد جاء بمقتضى الفصل ‪ 165‬من ق‪.‬م‪.‬م ‪" ،‬يمكن أن ينص األمر والقرار على منح أجل لصالح المدين‬
‫للوفاء بالدين المحكوم به عليه" ‪ ،‬وذلك في أعقاب الحديث عن المسطرة االستعجالية المخولة لرئيس المحكمة االبتدائية‬
‫الستصدار األمر باألداء كما هو منظم بمقتضى الفصول من ‪ 155‬إلى ‪ 165‬من ق‪.‬م‪.‬م ‪ ،‬حيث يمكن لرئيس المحكمة‬
‫االبتدائية أن يمنح المدين أجال قصد الوفاء بالدين المحكوم به عليه" ‪.‬‬
‫أنظر بخصوص المسطرة االستعجالية المخولة لرئيس المحكمة االبتدائية لألمر باألداء ‪:‬‬
‫د‪.‬محمد السماحي ‪ :‬المختصر في المسطرة المدنية والتنظيم القضائي ‪ ،‬طبعة ‪ ، 1999‬ص ‪. 74 :‬‬
‫‪ -‬د‪.‬محمد الكشبور ‪ :‬نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة – دراسة مقارنة من وحي حرب الخليج –‬ ‫‪1‬‬

‫الطبعة األولى ‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪ ، 1993 ،‬ص ‪. 171 :‬‬


‫‪ -‬د‪.‬محمد شيلح ‪ :‬رسالته السابقة ‪ ،‬ص ‪. 272 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫في حين يرى األستاذ السنهوري ‪ ،‬أن نظرة الميسرة‪ ،‬كنظرية الظروف الطارئة يراد بها التخفيف من عبء التزام المدين‬
‫الجدير بالرأفة‪ ،‬وهي تخفف العبء من حيث اإلفساح في أجل الوفاء ‪ ،‬كما تخفف نظرية الظروف الطارئة العبء من حيث‬
‫مقدار الدين ‪ .‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ‪ ،‬الجزء ‪ ، 3‬الطبعة الجديدة ‪ ، 1998‬ص ‪.95 :‬‬
‫‪ - 3‬بخصوص هذه النقطة يمكن الرجوع إلى ‪:‬‬
‫‪Opetit (B) : le rôle du juge en présence des problème économiques en droit civil française , éd‬‬
‫‪. 1977 .‬‬
‫‪ - 4‬قرار منشور بالمجلة المغربية للقانون لسنة ‪ ، 1961‬ص ‪. 120 :‬‬
‫‪ -‬يمكن الرجوع بهذا الخصوص إلى ‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪42‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬أن تتطلب حالة المدين‪ 1‬منحه آجاال معتدلة ‪ ،‬وذلك في غير المجال‬
‫التجاري‪ ، 2‬الذي يتطلب السرعة في المعامالت والثقة‪ ،‬مما يجعله يتشدد في منح أي أجل‪.‬‬
‫وهكذا فمتى كان المدين حسن النية ‪ ،‬بأن لم يعبر صراحة أو ضمنا عن امتناعه عن‬
‫التنفيذ‪ ،‬أو كان ال يستهدف من طلب مهلة الميسرة سوى المماطلة أو التسويف ‪ ،‬فإن القاضي‬
‫يمكنه أن ينظر المدين المعسر إلى أجل معقول ‪.‬‬
‫‪ – 81‬ومعلوم أن شريعتنا السمحة أقرت مراعاة مركز المدين المعسر في أسمى تجلياتها‪،‬‬
‫والتي لم تتمكن التشريعات الحديثة أن تقرره إال بعد الحرب العالمية األولى‪ ،3‬فقد قال المولى عز‬
‫وجل ‪":‬وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة"‪ ، 4‬ولقد اختلف الفقهاء في تفسير هذه اآلية‪ ، 5‬لكننا‬
‫نميل إلى الرأي الذي يعتبر المدين العسر الممكن إنظاره في عامة الناس ولكل معسر ليس في‬
‫الربا وحده‪ ،‬ولكن في الدين كله ‪.‬‬
‫ومن األحاديث النبوية الشريفة‪ ،‬ما رواه أبو جعفر الطحاوي‪ 6‬عن بريدة قال ‪ :‬قال رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم" من أ نظر معس ار كان له بكل يوم صدقة" ثم قلت ‪ :‬بكل يوم مثله صدقة قال‬
‫‪" :‬بكل يوم صدقة ما لم يحل الدين‪ ،‬فإذا أنظره بعد الحل فلكل يوم مثله صدقة" ‪.‬‬
‫وعن كعب ابن عمرو أنه سمع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول "من أنظر معس ار أو‬
‫وضع عنه أظله هللا في ظله"‪. 7‬‬
‫وبذلك فإن الشارع اإلسالمي يحض على نظرة الميسرة‪ ،‬غير أنه يشترط لذلك وكما هو‬
‫الشأن بالنسبة للقانون الوضعي أن يكون المدين معسرا‪ ،‬أما إذا كان ذا مال أجبر على الوفاء وحيل‬
‫بينه وبين أمواله ‪.‬‬

‫‪Samir tenago : de l’obligation judiciaire – étude morale et technique de la révision du contrat‬‬


‫‪par le juge , - L.G.D.J , 1965 , p : 181 .‬‬
‫‪ -‬أنظر قراري محكمة النقض الفرنسية ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪Cass . 1er civ . 8 oct . 1962 , bul . civ . I , N 403 .‬‬


‫‪Cass . civ , 12 Avril 1956 , bul . civ , N 318 .‬‬
‫‪ -‬د‪.‬أحمد شكري السباعي ‪ :‬الوسيط في القانون التجاري المغربي والمقارن ‪ ،‬الجزء الرابع في اإلفالس ‪ ،‬ط ‪، 1991 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪. 119 :‬‬
‫‪ -‬ومع ذلك فإن هذه التشريعات لم تصل إلى حد الرأفة التي أقرها القرآن الكريم رحمة بالمعدومين حينما قال تعالى في‬ ‫‪3‬‬

‫سورة البقرة ‪" :‬وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون" ‪.‬‬
‫‪ -‬سورة البقرة ‪ ،‬اآلية ‪. 280‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬أنظر في ذلك اإلمام شمس الدين أبي عبد هللا القرطبي ‪ :‬تفسير القرطبي الجامع ألحكام القرآن ‪ ،‬المجلد الثاني ‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ص‪. 1294 :‬‬


‫‪ -‬صحيح البخاري ‪ ،‬المجلد األول ‪ ،‬ج ‪ ، 3 :‬ص ‪. 75 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪. 75 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪43‬‬
‫كما يقتضي أن ال يترتب عن ذلك إلحاق أضرار بليغة بالدائن ‪ ،‬وهو ما نعالجه في الشرط‬
‫الثاني ‪.‬‬
‫‪ – 82‬الشرط الثاني ‪ :‬أال يصيب الدائن بسبب منح مهلة الميسرة ضرر جسيم ‪ .‬فليس من‬
‫العدل إغاثة المدين عن طريق اإلضرار بالدائن‪ ،1‬وفي ذلك نجد القاعدة الفقهية التي تقضي بأن‬
‫"الضرورات تقدر بقدرها" و "دفع المضرة مقدم على جلب المصلحة" ‪ ،‬فإذا كان الدائن على سبيل‬
‫‪2‬‬
‫المثال ينتظر أموال يدفعها له المدين إلبرام صفقة جد مهمة‪ ،‬فإن القاضي يمتنع عن منح األجل‬
‫‪ ،‬باإلضافة إلى معقولية األجل ‪.‬‬
‫‪ – 83‬الشرط الثالث ‪ :‬أن يكون األجل معقوال ‪ :‬وميزة التشريع المغربي عن نظيره‬
‫الفرنسي‪ ،3‬هي أنه لم يحدد مدة معينة‪ ،‬مكتفيا باإلشارة إلى أن يكون األجل معقوال‪ ،‬وهو ما يخول‬
‫للقاضي المغربي بخالف نظيره الفرنسي سلطة واسعة ‪.‬‬
‫واألكثر من ذلك نجد القانون المغربي في الفصل ‪ 243‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬يسمح للقاضي بإعطاء‬
‫مهل متعاقبة‪ ،‬شريطة أن تكون معقولة‪ ،‬وهو نفس األمر الذي أشارت إليه المادة ‪ 300‬قانون‬
‫موجبات وعقود لبناني‪ ،4‬شريطة أال يكون هناك نص في القانون يمنع القاضي من ذلك‪ ،‬وهو ما‬
‫سنتطرق إليه في الشرط األخير ‪.‬‬
‫‪ – 84‬الشرط الرابع ‪ :‬أال يكون هناك نص تشريعي يمنع القاضي من منح مهلة الميسرة‪:‬‬
‫ومن الحاالت التي عثرنا عليها نذكر المادة ‪ 304‬من القانون التجاري‪ ،‬المتعلقة بالشيك‪ ،‬حيث‬
‫تمنع أي إمهال قضائي‪ ،‬بقولها "ال يمنح أي إمهال قانونـي أو قضائـي إال في األحوال المنصوص‬
‫عليها في المادة ‪ ،"291‬وبالرجوع إلى هذه المادة األخيرة ‪ ،‬فإنها ال تعترف بأي تمديد لهذه اآلجال‬
‫إال في حالة القوة القاهرة ‪.‬‬
‫‪ – 85‬ويبقى أن نشير هنا إلى أن العمل القضائي المغربي بخصوص االعتماد على‬
‫الفصل ‪ 243‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ،‬يعتبر قليال في الواقع‪ ،‬إذ غالبا ما ال يعترف المدينين بمديونيتهم قبل‬

‫‪ -‬د‪.‬سامي بديع منصور ‪ :‬عنصر الثبات وعامل التغير في العقد المدني في القانونين الفرنسي واللبناني والمقارن ‪ ،‬دار‬ ‫‪1‬‬

‫الفكر اللبناني‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 1987‬ص ‪. 306 :‬‬


‫‪ -‬أنظر في ذلك قرار محكمة استئناف باريس الصادر بتاريخ ‪ 30‬نونبر ‪. 1966‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- C.d’appel , 3 chambre , J.C.P . 1967, èd.gén , T 2 , 14960 .‬‬


‫‪ème‬‬

‫‪- Aubry et Rau : cours de droit civil française , 5ème édition , p : 269 .‬‬
‫‪- Mestre (ph) : surendettement des particulièrs , R.T.D.COM . 1990 , p : 467 .‬‬
‫‪ -‬بخصوص الوضع في القانون اللبناني يمكن الرجوع على ما كتبه بشكل مختصر ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫د‪.‬سامي بديع منصور ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 307 :‬‬


‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 1.96.83‬صادر في ‪ 15‬من ربيع األول ‪" 1417‬فاتح أغسطس ‪ ، "1996‬بتنفيذ القانون رقم ‪– 95‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 15‬المتعلق بمدونة التجارة ‪.‬‬


‫‪44‬‬
‫الحكم عليهم‪ ،1‬بل تجدهم يتمسكون بكل دفع يمكنهم من التسويف ومحاولة تضليل المحكمة إذا ما‬
‫فضل الدائن عرض النزاع عليها‪ ،‬ولذلك فغالبا ما ال يتمسك باآلجل القضائي إال بعد صدور الحكم‬
‫عليه‪ ،‬وهو ما يخوله الفصل ‪ 440‬ق‪.‬م‪.‬م وليس الفصل ‪ 243‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬وهو ما يجعل من األول‬
‫األكثر تطبيقا على المستوى العملي ‪ ،‬حيث نجد المدين يلتجئ لرئيس المحكمة باعتباره المشرف‬
‫على أقسام التنفيذ ليطلب منحه آجال ‪.‬‬
‫‪ – 86‬ومما يضيق من نطاق الحماية المرجوة أن سلطة القاضـي فـي منـح مهلة الميسرة‬
‫تبقى اختيارية ‪ ،2 facultative‬وذلك الستعمال الفصل ‪ 243‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م (المقابل للمادة ‪1244‬‬
‫مدني فرنسي) ‪ ،‬عبارة "يسوغ للقضاة" ‪ ،‬والتي تقابلها في القانون المدني الفرنسي – ‪les juges‬‬
‫‪ – peuvent néanmoins‬ولم يلزمه المشرع بذلك‪ ،‬فمنح المهلة أو رفضها من إطالقات قاضي‬
‫الموضوع‪ ، 3‬وإذا طلب المدين منحه المهلة فال يلزم القاضي االستجابة لطلبه‪ ،‬فقد يرفضه بناء‬
‫على الموقف السيئ للمدين‪ ،‬وقد أشار المشرع المغربي للظروف التي تبرر منح المدين هذه‬
‫المهلة‪ ،‬والمتمثلة في ظروفه الشخصية‪ 4‬وكيفية تنفيذ العقد ‪.‬‬
‫‪ – 87‬والذي يستفاد من ذلك‪ ،‬أن القاضي من خالل هذه السلطة يسعى إلى الوقوف‬
‫بجانب الطرف الضعيف متى كانت ظروفه صعبة‪ ،‬وفي هذا السياق جاء في قرار لمحكمة‬
‫االستئناف بالرباط بتاريخ ‪ 30‬ماي ‪ "1983‬أنه إذا كان بإمكان القضاة عمال بمقتضيات الفصل‬
‫‪ 243‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م منح آجال للمدين اعتبا ار للوضعيتين‪ ،‬فإن هذا المقتضى ال ينطبق على المشغل‬
‫الذي ال يستفيد منه ما دام أنه يمثل طرفا اقتصاديا قويا أكثر منه مدينا‪ ،‬وذلك في مواجهة األجير‬
‫الذي يعد الطرف الضعيف اقتصاديا أكثر منه دائنا"‪. 5‬‬
‫وهو ما يشكل موقفا إيجابيا يحسب للقضاء‪ ،‬الذي بمسلكه هذا يساير التطورات الحديثة‪،‬‬
‫وما ترتب عنها من بروز طرف قوي يسير بالعملية التعاقدية بالكيفية التي تخدم مصالحه‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن كونه دائنا أو مدينا‪ ،‬وهو ما يدعو إلى ابتداع االجتهاد "الخالق"‪ ،‬الذي ال يتقيد باللفظ‬
‫غير المقصود ‪.‬‬

‫‪ -‬بخصوص هذه النقطة يمكن الرجوع إلى رسالة ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫علي هنانا ‪ :‬القضاء المدني والقوة الملزمة للعقد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 65 :‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.- Aubry et Rau : op . cit , p : 300 .‬‬
‫‪ -‬ال يشترط سوى أن يكون حكمه مسببا للنتيجة التي توصل إليها ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ - 4‬أنظر بهذا الخصوص ‪:‬‬


‫‪Joseph (issa – sayegh) : contrats et obligations : le délai de grâce , édition du juris classeur ,‬‬
‫‪1995 , p : 15 .‬‬
‫‪François Paul blanc : op.cit , p : 243 .‬‬ ‫‪ - 5‬أشار إليه ‪:‬‬
‫‪45‬‬
‫‪ – 88‬إضافة إلى ما سبق نجد بعض الثغرات األخرى‪ ،‬والتي تساهم في تحقيق التوازن‬
‫العقدي‪ ،‬من ذلك أن المشرع في الفصل اآلنف الذكر‪ ،‬لم يبين ما إذا كانت سلطة القاضي بهذا‬
‫الصدد من النظام العام‪ ،‬وبالتالي منع االتفاق على حرمان المدين من هذه المهلة وبشكل مسبق‪،‬‬
‫مما يفرغ هذا الحق من محتواه‪ ،‬السيما مع انتشار ظاهرة العقود النموذجية‪ ،‬والتي يستطيع عن‬
‫طريقها الطرف القوي‪ ،‬باعتباره من يحررها‪ ،‬إدراج مثل هذا الشرط‪ ،‬في وقت ال يتمكن فيه الطرف‬
‫الضعيف – المدين غالبا وليس دائما – حتى من قراءة مثل هذه العقود ‪.‬‬
‫غير أن القضاء المغربي انتبه إلى هذه النقطة‪ ،‬فاعتبر أي اتفاق من هذا النوع ال يعتد به‪،‬‬
‫وفي هذا الصدد ذهبت محكمة االستئناف بالرباط في قرار لها بتاريخ ‪ 14‬فبراير ‪" 11988‬أنه‬
‫بمقتضى ظهير ‪ 1917‬المعدل للفصل ‪ 243‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬يسوغ للقضاة أن يمنحوا آجاال للوفاء‬
‫ويوقفوا أي مطالبة بهذا الشأن‪ ،‬وأي اتفاق مسبق بين األطراف يحرم االستفادة من مقتضيات‬
‫الفصل ‪ 243‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬ال يكون محل اعتبار ‪ ،‬ألن الفصل من النظام العام" ‪.‬‬
‫وخارج هذه الصورة‪ ،‬قام القضاء الفرنسي بدور بارز في حماية الطرف الضعيف‪ ،‬من‬
‫خالل فرض التزام بالتبصير على المحترف في العالقة التعاقدية‪ ،‬وهذا ما سنعالجه في المطلب‬
‫الثاني ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مدى مساهمة االلتزام بالتبصير في تحقيق التوازن العقدي‬
‫‪ – 89‬في ظل قصور النظرية التقليدية الخاصة بعيوب اإلرادة لحماية الطرف الضعيف‪،‬‬
‫وأمام التطور العلمي الحديث الذي أفرز عالقات تتميز بعدم التوازن الملحوظ‪ ،‬لما يتمتع به‬
‫المنتجون من خبرات فنية واسعة وقدرات اقتصادية مهمة‪ ، 2‬في مقابل قلة الخبرة لدى المستهلكين‬
‫عن ماهية وطبيعة المعاملة التي يريدون اإلقبال عليها في خضم السرعة التي أصبحت تعتري إبرام‬
‫العقد‪ ،‬ولكون أغلب المنتجات أصبحت معقدة التركيب‪ ،‬في خضم هذا الوضع الجديد أصبح‬
‫الطرف الضعيف في أمس الحاجة إلى تطوير أساليب الحماية‪ ،‬عن طريق إقرار التزامات جديدة‬
‫على الطرف المقابل‪ ،‬وفي مقدمتها االلتزام بالتبصير‪ ، 3‬والذي سنخصه بالدرس ‪.‬‬

‫‪François Paul blanc : op . cit , p : 242 .‬‬ ‫‪ -‬أشار إليه أيضا ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪- Mustapha Mohamed elgamal : l’adaptation du contrat aux circonstances économiques , éd‬‬
‫‪. 1967 , p : 1 ets .‬‬
‫‪ 3‬ينبغي تمييز االلتزام بالتبصير عن بعض المؤسسات المشابهة ‪:‬‬
‫وفي مقدمتها االلتزام بتقديم المشورة‪ ،‬حيث يذهب معظم الفقه إلى اعتماد معيار األساس الذي يقوم عليه االلتزام‪،‬‬
‫حيث إن هذا األخير يشكل التزاما عقديا أصليا‪ ،‬لكون مقدم المشورة يحترف هذه المهنة‪ ،‬بخالف االلتزام بالتبصير الذي‬
‫يعتبر سابقا على إبرام العقد ويجد أساسه في تنوير رضاء المتعاقد األقل خبرة ‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫‪ – 90‬ومما ت نبغي اإلشارة إليه بداية‪ ،‬أن القضاء الفرنسي استطاع أن يصل بفكرة االلتزام‬
‫بالتبصير إلى تحقيق حماية فعالة لفئة عريضة‪ ،‬حتى قبل صدور قانون ‪ 1978‬المتعلق بحماية‬
‫وإعالم المستهلك‪ ،‬معتمدا في ذلك على تفسيره لبعض النصوص العامة الواردة في القانون المدني‬
‫كالمادة ‪ 1134‬و ‪ ، 1135‬وهو ما لم يستطيع القضاء المغربي القيام به بالرغم من وجود مثل هذه‬
‫النصوص في قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬كالفصل ‪ ، 231‬وبالرغم من أن الفقه اإلسالمي يقرر هذا‬
‫االلتزام منذ نشأته ‪.‬‬
‫‪ – 91‬إال أن مسلك االجتهاد القضائي هذا وإن عمل على فرض االلتزام بالتبصير‪ ،‬من‬
‫خالل مجموعة من النصوص العامة ‪ ،‬ال يعد حال ناجحا بالنسبة للطرف الضعيف في العالقة‬
‫التعاقدية – غالبا ما يكون مستهلكا عاديا ‪ ، -‬على اعتبار أن الجزاء ينحصر في إبطال العقـد أو‬
‫منح التعويضات ‪ ،‬وقد ال يحصل على شيء من ذلك ما دام ال يوجد نص خاص ‪ ،‬وفي جميع‬
‫األحوال فإن االلتجاء للقضاء في حد ذاته يلحق به ضررا‪ ،‬من هنا تظهر أهمية وجود قانون خاص‬
‫بإعالم وتبصير المستهلك‪ ،‬الذي تبنته معظم الدول في مواجهة المحترفيـن‪ ، 1‬وهو األمر الذي‬
‫أشار عليه مؤخ ار التشريع المغربي بمقتضى قانون حرية المنافسة واألسعار (قانون ‪. ) 06 . 99‬‬
‫من ذلك كله سنعالج هذا المطلب في فقرتين‪ ،‬نخصص األولى لموقف االجتهاد القضائي‬
‫من االلتزام بالتبصير في إطار النصوص العامة‪ ،‬وفي الفقرة الثانية نتناول فيها وعي المشرع‬
‫بحاجة القاضي لنص خاص بهذا االلتزام ‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬موقف القضاء من االلتزام بالتبصير في إطار النصوص العامة‬


‫‪ – 92‬إذا كان االتجاه المخلص لمبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬يقضي بأنه يتعين على كل متعاقد‬
‫أن يؤمن مصالحه بنفسه وبوسائله الذاتية ‪ ،‬وأن يجمع المعلومات الضرورية‪ ،‬قبل أن يقدم على‬
‫التعاقد ‪ ،‬ذلك أن العقد يفترض فيه تعارضا بين أطرافه‪ ،‬وبالتالي يستخلصون أنه ال يوجد التزام‬
‫بالتبصير ‪.‬‬

‫ومن المؤسسات المشابهة‪ ،‬نجد االلتزام بالتحذير‪ ،‬والذي يعتبر أكثر تماثال‪ ،‬خصوصا في الحاالت التي يلزم فيها‬
‫إعالم أحد المتعاقدين لآلخر بطريقة استعمال الشيء محل التعاقد‪ ،‬إال أنه يختلف عن االلتزام بالتبصير‪ ،‬في كونه يتطلب‬
‫حرصا أكبر من جانب المهني ‪ ،‬والمتمثل في تنبيه الجانب اآلخر وتحذيره من مخاطر الشيء المقدم على التعاقد بشأنه ‪.‬‬
‫‪ - 1‬بهذا الخصوص يمكن الرجوع إلى ‪:‬‬
‫‪- Guido alpa : la protection de la partie faible en droit italien , op.cit , p : 589 .‬‬
‫‪- Marcel fontaine : la protection de la partie faible dans les rapports contractuels , op.cit , p :‬‬
‫‪615 .‬‬
‫‪- Pierre tercier : la protection de la partie faible en droit suisse , op.cit , p : 603 .‬‬
‫‪47‬‬
‫‪ – 93‬غير أن مثل هذا القول أصبح محل شك‪ ،‬في ظل الوضعية الحالية التي تتميز‬
‫بمعامالت يطغى عليها نوع من الالتوازن بين المتعاقدين‪ ،‬حيث يحوز أحد الطرفين مجموعة من‬
‫المعلومات الضرورية والمؤثرة على إبرام العقد مقابل انعدامها شبه التام لدى الطرف اآلخر‪، 1‬‬
‫وبالتالي فإن االلتزام بالتبصير يعتبر أحد أهم الوسائل الهامة التي كرسها القضاء محاولة منه‬
‫لتحقيق أقل ما يمكن من التوازن بين المتعاقدين‪ ،‬وفي ظل غياب نص خاص فقد اعتمد القضاء –‬
‫السيما الفرنسي – على مجموعة من المبادئ العامة الواردة في القانون المدني‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬أساس االلتزام بالتبصير في القضاء المقارن ‪.‬‬


‫‪ – 94‬وقد احتدم الخالف حول أساس االلتزام بالتبصير‪ ، 2‬فمن قائل إلى أنه يندرج في‬
‫إطار االلتزام بالضمان القانوني بمعناه الواسع ‪ ،‬والذي ال يقتصر على ضمان التعرض واالستحقاق‬
‫وضمان العيوب الخفية‪ 3‬فحسب ‪ ،‬وإنما يشمل كافة االلتزامات التي تمكن من تنفيذ العقد تنفيذا‬
‫صحيحا ومتكافئا‪ ،‬ومنها طبعا االلتزام بالتبصير‪ ،‬وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض في بعض‬

‫‪1‬‬
‫‪- Azziman (omar) : droit civil , droit des obligations, le contrat , p :‬‬
‫‪- Ghestin (J) : traité de droit civil , les obligation , le contrat , L.G.D.J , 1980 , p : 33 .‬‬
‫‪- Nicole Chardin : le contrat de consommation de crédit et l’autonomie de la volonté ,‬‬
‫‪L.G.D.J, paris . 1988 , p : 67 .‬‬
‫‪ - 2‬سنقتصر بالطبع على األساس العقدي ‪ ،‬وإال فهناك العديد من الق اررات القضائية‪ ،‬المؤيدة بجانب هام من الفقه ‪،‬‬
‫تعتبر عدم تبصير المتعاقد موجب لتحمل المسؤولية التقصيرية بناء على الفصل ‪ 1382‬من القانون المدني الفرنسي ‪،‬‬
‫الذي جاء فيه ‪:‬‬
‫‪(tout fait quelconque de l’homme , qui cause à autrui un dommage , oblige celui , par la faute‬‬
‫)‪duquel il est arrivé , à le réparer‬‬
‫وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية‪ ،‬حينما قضت بمسؤولية شركة "داناتونال" المتخصصة في بيع األجهزة‬
‫المعلوماتية وإلزامها بتعويض المشتري عما لحقه من أضرار بسبب إخاللها بااللتزام باإلفضاء والنصيحة الذي كان يوجب‬
‫عليها تحديد احتياجات المشتري واختيار الجهاز المناسب إلشباع هذه الحاجات ‪.‬‬
‫‪cass.civ , 3 Juillet 1985 , bul.civ , 1985 , p : 121 .‬‬ ‫راجع هذا القرار ‪:‬‬
‫وفي نفس السياق جاء في قرار لمحكمة االستئناف بالرباط بتاريخ ‪ 4‬يوليوز ‪" 1956‬بأن مقتضيات الفصل ‪353‬‬
‫من القانون التجاري البحري يجب أن تفهم بمعنى أنه ينتج عن السكوت أو التصريح الكاذب بطالن التأمين بالسبب الوحيد‬
‫أنهما يغيران فكرة الخطر ‪ ،‬أي أن المؤمن له لم يتفق على نفس الشروط ‪.‬‬
‫وحيث إن األمر يتعلق بالتزام خاص بالقانون البحري‪ ،‬ذلك االلتزام الذي يثقل كاهل المؤمن له ويوجبه اإلدالء‬
‫بتصريح ‪ ،‬وأن هذه القاعدة تطبق ال على صاحب النية السيئة‪ ،‬بل على ذي النية الحسنة كذلك ‪.‬‬
‫‪ .....‬وأن هذا األخير بالرغم من أنه يبدو ذو نية حسنة يعد مسؤوال عن السكوت" ‪.‬‬
‫راجع هذا الحكم ضمن منشورات ق اررات محكمة االستئناف ‪ ،‬تعريب العربي المجبود ‪.‬‬
‫‪ -‬بخصوص ضمان العيوب الخفية يمكن الرجوع إلى ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫د‪.‬عبد القادر العرعاري ‪ :‬ضمان العيوب الخفية في عقد البيع وفقا لقانون االلت ازمات والعقود المغربي ‪ ،‬ر‪.‬د‪.‬د‪.‬ع ‪ ،‬في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬منشورات تنمية البحوث والدراسات القضائية ‪. 1996 .‬‬
‫‪48‬‬
‫أحكامها‪ ،‬من ذلك ما قضت به من إلقاء المسؤولية على بائع الدراجة لعدم إفضائه للمشتري بكيفية‬
‫تركيب جهاز التوجيه بالدراجة ‪ ،‬وقررت المحكمة مسؤولية البائع على أساس قواعد ضمان العيوب‬
‫الخفية‪. 1‬‬
‫غير أن هذا المسلك تعرض لنقد عنيف ‪ ،‬من ذلك أن االلتزام بالتبصير أوسع نطاقا من‬
‫االلتزام بضمان العيوب الخفية‪ ،‬حيث تقتصر هذه األخيرة على الحاالت التي يكون فيها المبيع‬
‫مشوبا بعيب من العيوب كما هي محددة قانونا‪ ،‬بخالف االلتزام بالتبصير فإنه يشمل مختلف‬
‫الحاالت التي يتفوق فيها أحد أطراف العالقة التعاقدية من حيث المعلومات المتعلقة بالشيء محل‬
‫التعاقد ‪ ،‬وهو ما يترتب عنه أن هناك الكثير من حاالت اإلخالل بااللتزام بالتبصير ال تتضمن‬
‫وجود عيب خفي‪ ،‬ومن بين االنتقادات التي قيل بها اعتبار االلتزام بالضمان التزام بتحقيق نتيجة‬
‫على خالف االلتزام بالتبصير فإن الرأي الغالب يميل إلى جعله التزاما ببذل عناية ‪.‬‬
‫‪ – 95‬وفي مقابل هذا المسلك ‪ ،‬ذهبت بعض األحكام إلى تأسيس االلتزام بالتبصير‪،‬‬
‫السيما إذا كان الشيء محل التعاقد ذا خطورة ‪ ،‬على االلتزام بضمان السالمة ‪ ،‬ومن ذلك قرار‬
‫محكمة استئناف ‪ douai‬والذي جاء فيه "حيث إن شركة ‪ centra vente‬قد أغفلت الطريقة المثلى‬
‫الستعمال المبيع‪ ،‬وبيان أهمية ربط الوعاء الزجاجي على الدعامة المستعملة للسالمة‪ ،‬واالحتياطات‬
‫التي يجب أخذها عند انحراف هذا الوعاء‪ ،‬فإنها تكون قد أخلت بااللتزام بالسالمة"‪. 2‬‬
‫لكن هذا االتجاه بدوره لم يسلم من النقد‪ ،‬بحكم أن االلتزام بضمان السالمة ينحصر في‬
‫األشياء التي تتسم بالخطورة‪ ،‬كما أن االلتزام بالتبصير ال يقتصر على اإلفضاء بالمعلومات التي‬
‫تكون من هذه الطبيعة ‪ ،‬بل تتسع لتشمل كافة البيانات التي تمكن من تنوير الطرف األقل خبرة‪.‬‬
‫‪ – 96‬وفي هذا الخضم‪ ،‬نجد بعض القرارت التي اعتمدت أساسا آخر ‪ ،‬باعتمادها االلتزام‬
‫بالتسليم كمنطلق لها‪ ،‬من ذلك قرار محكمة النقض الفرنسية التي اعتبرت فيه "البائع ملتزم بتسليم‬
‫الشيء في حالة يصلح معها لالستعمال من قبل المشتري‪ ،‬ولذا يجب عليه تزويد المشتري بكافة‬
‫البيانات الالزمة الستعمال هذا الشيء"‪. 3‬‬
‫ونفس االنتقاد الذي سبق أن قلنا به بخصوص أساس االلتزام بالسالمة‪ ،‬يمكن توجيهه لهذا‬
‫المسلك أيضا‪ ،‬حيث إننا إذا أخذنا بهذا األساس‪ ،‬فإننا سنحصر االلتزام موضوع الدراسة ‪ ،‬بتسليم‬
‫شيء مطابق لما ورد في العقد فقط‪ ،‬وهو ما ال يمكن القول به‪ ،‬كما قد يضيق من نطاق هذا‬
‫األخير‪ ،‬بحيث يجعله محصو ار في عقد البيع ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- cass.com , 14 mars 1977 , J.C.P , 1977 , T 2 , p : 75 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- - cass.d’appel.douai, 16 Juin 1954 , DAL, 1954 , p : 224 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- - cass.com , 25 Juin 1980 , J.C.P , 1980 . T 1 , p : 83 .‬‬
‫‪49‬‬
‫‪ – 97‬ويعتبر االنتقاد األخير مشتركا ويسري على جميع األسس السالفة الذكر‪ ، 1‬ذلك أن‬
‫القضاء الفرنسي لم يحصر االلتزام بالتبصير في عقد البيع فحسب‪ ،‬بل توسع فيه بشكل موازي‬
‫للتطورات التي شهدها العالم‪ ،‬والتي كان من نتائجها خلق بون شاسع بين المتعاقدين من حيث‬
‫المعلومات‪ ،‬بسبب التفوق االقتصادي‪ ،‬القانوني والتقني لفئة المحترفين‪ ،‬مما يتعين معه البحث عن‬
‫أساس آخر يجد فيه القضاء مرتعا له لحماية الطرف الضعيف عن طريق تبصير رضائه وتعريفه‬
‫بوقائع العقد وإعالمه بمالئمة الشيء الذي يقدم على التعاقد من أجله لحاجاته ‪.‬‬
‫‪ – 98‬وبالفعل فإن القضاء الفرنسي حاول إيجاد أسس جديدة ومقنعة في ظل غياب نص‬
‫خاص ‪ ،‬معتمدا في ذلك على المادتين ‪ 1134‬و ‪ 1135‬من القانون المدني والمقابلتين للفصل‬
‫‪ 231‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪.‬‬
‫وهكذا ذهب في بعض أحكامه إلى أن االلتزام بالتبصير يستند إلى مبدأ حسن النية في‬
‫تنفيذ العقود ‪ ،‬الوارد النص عليه في الفقرة الثالثة من المادة ‪ 1134‬قانون مدني فرنسي‪ ، 2‬حيث‬
‫جاء في قرار لمحكمة النقض الفرنسية "إن حكم محكمة االستئناف يخالف المادة ‪ 1134‬من‬
‫القانون المدني حينما رفض طلب فسخ العقد بالرغم من إخالل البائع بالتزامه باإلعالم بعدم‬
‫إفضائه للمشتري بوجود نزاع قضائي حول قطعة أرض مجاورة للقطعة المشتراة مملوكة لنفس‬
‫البائع‪ ،‬حيث من شأن هذا النزاع تأخر المشتري في بناء المسكن الذي يريده"‪. 3‬‬
‫‪ – 99‬وفي أحكام أخرى اعتمد القضاء الفرنسي على المادة ‪ 1135‬المقابلة للفصل ‪231‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬وقد جاء في إحداها ‪..." :‬وهو ال يلزم بما وقع التصريح به فحسب ‪ ،‬بل أيضا بكل‬
‫ملحقات االلتزام التي يقررها القانون أو العرف أو اإلنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته" ‪ ،‬ومن ذلك‬
‫الحكم الذي أشار إليه‪ duray 4‬في مقاله المنشور في المجلة الفصلية للقانون المدني‪ ،‬حيث عابت‬

‫‪ -‬نشير هنا إلى أن محكمة النقض الفرنسية قد اعتمدت في مرحلة أولى على الغلط للقول بوجود هذا االلتزام‪ ،‬حيث‬ ‫‪1‬‬

‫أوجبت على المتعاقد المحترف إعطاء الطرف اآلخر كافة المعلومات عن توافر أو عدم توافر الصفة الجوهرية الدافعة إلى‬
‫التعاقد ليزيل الوهم من ذهنه ‪.‬‬
‫‪Voir : Ghestin (J) : la réticence , le dol , et l’erreur sur les qualités substantiels , 1971 ,‬‬
‫‪p : 247 .‬‬
‫وذلك بخالف القضاء المغربي‪ ،‬حيث لم يجعل من الغلط أساسا لألخذ بهذا االلتزام ‪ ،‬من ذلك ما قضت به‬
‫محكمة االستئناف بالرباط بتاريخ ‪" 1928 – 10 – 30‬ال يتم اإلبطال األساسي لالتفاقية بسبب الرضا الخاطئ‪ ،‬إال إذا‬
‫كان الغلط ماسا بطبيعة العقد أو بعين الشيء بالذات أو بوجود السبب" ‪.‬‬
‫منشور في مجموعة ق اررات محكمة االستئناف تعريب العربي المجبود ‪ ،‬ص ‪. 27 :‬‬
‫‪ - 2‬تنص الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 1134‬مدني فرنسي على ‪(Elle doivent être exécutées de bonne foi) :‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Mestre (J) : d’une exigence de bon foi aun esprit a un esprit de collaboration ,‬‬
‫‪rev . tr.dr.civil , 1986. T2 , p : 245 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Duray : le fondement de l’obligation de renseignement de fabricant des produits danger‬‬
‫‪rev.tr.dr.civil , 1983 , p : 128 .‬‬
‫‪50‬‬
‫محكمة النقض على محكمة االستئناف عدم تحميل الصانع المسؤولية في الوقت الذي أخل بالمادة‬
‫‪ 1135‬من القانون المدني الفرنسي والتي تلزمه حسب التفسير الذي توصلت إليه بتبصير‬
‫المشتري‪ ،‬في الوقت الذي اكتفى فيه بالتوصية بعدم مالمسة المادة للجلد ولم يوضح خطورتها على‬
‫العينين ‪.‬‬
‫‪ – 100‬ونرى أن بإمكان القضاء المغربي أن يعتمد على الفصل ‪ 231‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪، 1‬‬
‫المقابل لكل من م ‪ 1134‬و م‪ 1135.‬م‪.‬ف ‪ .‬كأساس لاللتزام بالتبصير في جميع مراحل العقد‪،‬‬
‫ابتداء من المفاوضات التمهيدية مرو ار بمرحلة إبرام العقد وانتهاء بفترة تنفيذه‪ ،‬وفي عقد البيع يمكن‬
‫االعتماد على الفصل السابق إضافة إلى الفصل ‪ 486‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬والذي جاء فيه "يسوغ أن يرد‬
‫البيع على شيء غير محدد إال بنوعه ولكن البيع ال يصح في هذه الحالة‪ ،‬إال إذا ورد على أشياء‬
‫مثلية محددة تحديدا كافيا‪ ،‬بالنسبة إلى العدد والكمية والوزن أو القياس والصنف على نحو يجيء‬
‫معه رضا المتعاقدين على بينة وتبصر" ‪.‬‬
‫وهو ما يتوجب على القضاء االعتماد على هذا الفصل‪ ،‬ألن نية المشرع كانت واضحة في‬
‫إقرار االلتزام بالتبصير في عقد البيع‪ ،‬وتهدف األخذ بحسن النية‪ ،‬حتى يتمكن القضاء من نقل هذا‬
‫المبدأ من مجال تنفيذ العقد كما هو وارد في الفصل ‪ 231‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م إلى مجال إبرامه ‪.‬‬
‫‪ – 101‬كما يمكن االعتماد على الفصل ‪ 535‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬فيما يخص التصرفات المتعلقة‬
‫بالعقار‪ ،‬حيث ألزم المشرع البائع بإعالم المشتري باالرتفاقات غير الظاهـرة‪ ،‬وإال كان ملزما‬
‫بضمان االستحقاق في هذه الحالة‪ ،‬وهو ما أكده المجلس األعلى في قرار له بتاريخ ‪ 12‬يونيو‬
‫‪ ، 1968‬حيث جاء فيه "بأن البائع يلتزم بكل حق عيني محفظ بنقل الحق المبيع للمشتري‪ ،‬كما‬
‫يلتزم بضمان هذا النقل ليتأتى للمشتري الحصول على النتائج القانونية المترتبة عن البيع‪ ،‬وذلك‬
‫باتخاذ اإلجراءات الضرورية لذلك"‪. 2‬‬
‫وهو ما يفسر أن القضاء المغربي يرغب في اعتماد النص الخاص ويفضله على استعمال‬
‫المبادئ العامة‪ ،‬ولو كان ذلك على حساب مقتضيات العدالة‪ ،‬ودون اكتراث بالطرف الضعيف ‪.‬‬
‫وكان حريا بالقضاء المغربي أن يسير على منوال نظيره الفرنسـي‪ ،‬ويعتمـد على الفصل‬
‫‪ 231‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م‪ ، 3‬إضافة إلى النصوص السالفة الذكر‪ ،‬كما يمكنه االعتماد على الفقه اإلسالمي‬
‫‪1‬الذي أقر هذا االلتزام ‪.‬‬

‫‪ -‬د‪.‬عبد الحق صافي ‪ :‬دراسة في قانون االلتزامات والعقود وفي القوانين الخاصة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 1998‬ص ‪. 315 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬قرار صادر بتاريخ ‪ ، 1968 – 06 – 12‬أورده األستاذ محمد خيري بكتابه ‪ :‬الملكية ونظام التحفيظ العقاري في‬ ‫‪2‬‬

‫المغرب‪ ،‬طبعة ‪ ، 1996‬ص ‪. 433 :‬‬


‫‪ -‬وهكذا يرى األستاذ عبد الحق صافي في معرض تأصيله لهذا االلتزام‪ ،‬إلى أن هذا األخير تفرضه األحكام العامة في‬ ‫‪3‬‬

‫تنفيذ العقود‪ ،‬اعتمادا على الفصل ‪ 231‬و ‪ 461‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬حيث يتبين من خالل هاذين الفصلين أن نطاق العقد ال‬
‫يقتصر على ما اتجهت إليه إرادة المتعاقدين الفعلية ‪ ،‬بل يتضمن أيضا ما هو من مستلزماته ‪ ،‬ولو لم تقصده إرادتهما ‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫ثانيا ‪ :‬االلتزام بالتبصير من منظور الفقه اإلسالمي ‪.‬‬
‫‪ – 102‬بالرجوع إلى األحكام المقننة في كتب الفقه‪ ،‬فإننا نستخلص منها أن فقهاءنا ذهبوا‬
‫بعيدا في حماية الطرف الضعيف (المستهلك غالبا) ‪ ،‬من خالل العديد من األحكام التي توصلوا‬
‫إليها عن طريق االستنباط‪ ،‬ويمكن االستشهاد عن ذلك بالعديد من األمثلة ‪ ،‬كمنع ومحاربة‬
‫االحتكار‪ ، 2‬ومنع تلقي الركبان‪ ، 1‬وبيع الحاضر للباد‪ ، 2‬وتحريم الربا‪ ،‬ومحاربة اإلعالنات الكاذبة‬

‫راجع في ذلك ‪ :‬د‪.‬عبد الحق صافي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 315 :‬‬
‫‪ -‬د‪.‬محمد الكشبور ‪ :‬قانون االلتزامات والعقود وقانون األحوال الشخصية – التداخل والتضارب ‪ ، -‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م ‪ ،‬ع ‪16 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 1991 ،‬‬


‫حيث يرى األستاذ المحترم ‪ ،‬أن المجلس األعلى يميل إلى دفع قضاة الموضوع إلى سد الفراغ الموجود في التشريع‬
‫المغربي عن طريق إعمال قواعد الفقه اإلسالمي ‪ ،‬أكثر من ميله إلى إعمال قواعد العرف‪ ،‬جاء في أحد ق ارراته "‪...‬المحكمة‬
‫أعرضت عن تطبيق مقتضيات الفقه في الموضوع ‪ ،‬وهي فاصلة وواضحة‪ ،‬ويجب االحتكام إليها وال يجوز استبعادها والتيه‬
‫مع العادات ‪. "..‬‬
‫القرار صادر بتاريخ ‪ ، 1983 – 06 – 20‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى ‪ ،‬ع ‪. 34/33 :‬‬
‫وفي قرار آخر بتاريخ ‪ 1968 – 04 – 20‬قضى المجلس األعلى فيه "‪ ...‬إن المحكمة لم تعلل حكمها تعليال‬
‫كافيا إذا اعتمدت العرف‪ ،‬وهو ال يعمل به إذا خالف قاعدة شرعية ‪ "...‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى ‪ ،‬ع ‪. 5 :‬‬
‫ويضيف الدكتور الكشبور تعليقا على القرار األول ‪ ،‬إن الرجوع إلى قواعد الفقه اإلسالمي عوض الرجوع إلى‬
‫أحكام العرف من شأنه أن يجعل االجتهاد في مجال القانون المدني يسير عموما في االتجاه الذي اتبعه المشرع في إطار‬
‫قانون األحوال الشخصية ‪ ،‬الذي يحتم الوقوف عند الراجح أو المشهور أو ما جرى به العمل من فقه اإلمام مالك ‪.‬‬
‫ويبقى في األخير أن نشير إلى أن القرار أعاله صادر عن الغرفة الشرعية بالمجلس األعلى ‪ ،‬وكنا نتمنى لو‬
‫صدر قرار مؤيد أو معارض من إحدى غرف المجلس األعلى األخرى ‪ ،‬وخاصة الغرفة المدنية" ‪.‬‬
‫‪ -‬الحكمة من محاربة االحتكار ح سب الرأي الغالب في الفقه هي دفع الضرر عن المستهلك‪ ،‬ألن حبس السلع يؤدي‬ ‫‪2‬‬

‫إلى ارتفاع ثمنها‪ ،‬وهو ما ينتج عنه إلحاق الضرر بعامة الناس‪ ،‬وذلك مخالف لمقاصد الشرع التي جاءت لجلب التيسير‬
‫ودفع المشقة عن الناس‪ ،‬وبنى الفقهاء حكمهم على مجموعة من األدلة الواردة بالقرآن والسنة‪ ،‬من ذلك قول المولى عز‬
‫وجل في سورة الحج ‪" :‬ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم" ‪.‬‬
‫ولما روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي هللا عنه قال ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫يقول "من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه هللا بالجذام واإلفالس" رواه بن ماجة‪ ،‬ولما روي أيضا عن أبي هريرة‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" من احتكر يريد أن يغالي بها المسلمين فهو خاطئ وقد برئ منه ذمة هللا" ‪ ،‬وما روي‬
‫عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" من احتكر طعاما أربعين يوما فقد بريء‬
‫منه هللا وبرئ هللا منه" ‪.‬‬
‫وإذا كان الشافعية ذهبوا إلى أن االحتكار الممنوع ‪ ،‬هو الذي يكون في قوت بني آدم مطلقا‪ ،‬فإن أغلب الفقهاء‬
‫اعتبروا ذلك تخصيص بال دليل عليه‪ ،‬وبالتالي فإن منع االحتكار عاما‪ ،‬في كل ما تمس إليه الحاجة وتدعو إليه الضرورة‪،‬‬
‫وهو ما يتفق مع ما تسير عليه التشريعات الحديثة‪ ،‬والتي تحاول تعميم حماية المستهلك بإقرارها لنظام المنافسة الحرة‪ ،‬ولعل‬
‫قولة اإلمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة يعبر عن ذلك‪ ،‬في أجلى وأروع صور الحماية "كل ما أضر بالناس حبسه فهو‬
‫احتكار وإن كان ذهبا أو ثيابا" ‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫‪ ،.... ،‬ويبقى االلتزام بالتبصير الذي قال به الفقهاء المسلمون‪ ،‬أهم دليل على اهتمام اإلسالم‬
‫بقليلي الخبرة ومظهر من مظاهر عدالة هذه الشريعة السمحة ‪.‬‬
‫‪ – 103‬والحق يقال أن السنة النبوية غنية باألحاديث التي يمكن االعتماد عليها في تقرير‬
‫هذا االلتزام‪ ،‬من ذلك قول الرسول عليه الصالة والسالم‪" :‬الدين النصيحة‪ ،‬قلنا لمن يا رسول هللا‪،‬‬
‫قال ‪ :‬هلل ولكتابه ولرسوله ولألئمة المسلمين وعامتهم" ‪.‬‬
‫وما روي عن وائلة بن األسقع رضي هللا عنه قال ‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫يقول ‪" :‬ال يحل ألحد أن يبيع شيئا إال بين ما فيه وال يحل ألحد علم ذلك إال بينه"‪. 3‬‬
‫وعن ابن ماجة عن عقبة بني عامر رضي هللا عنه قال‪ ،‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم يقول ‪" :‬المسلم أخو المسلم‪ ،‬وال يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إال بينه له"‪. 4‬‬
‫‪ – 104‬ومن المجال النظري إلى العملي ‪ ،‬باعتبار أن السنة النبوية ال تقتصر على أقواله‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬بل تشمل أفعاله أيضا‪ ،‬وفي هذا الصدد روى الترمذي عن العداء بن خالد‪،‬‬
‫أخبرنا عبد المجيد بن وهب قال ‪ :‬قال لي العداء بن خالد بن هوذة ‪ ،‬آال أقرئك كتابا كتبه لي‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬قلت بلى فأخرج لي كتابا فإذا فيه" هذا ما اشترى العداء بن خالد‬
‫بن هوذة من محمد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬اشترى منه عبدا أو آمة‪ ،‬ال داء وال غائلة وال‬
‫خبثة بيع المسلم للمسلم"‪. 5‬‬
‫وقيل في شرح كلمة (غائلة) أنها الحيلة‪ ،‬ولذلك يقال اغتالني فالن إذا احتالني بحيلة سلب‬
‫بها مالي ‪ ،‬وبالتالي فإن سكوت البائع وعدم تبصيره للمشتري يعتبر غائلة ‪.‬‬
‫‪ – 105‬وإذا ما انتقلنا إلى سيرة الصحابة رضوان هللا عليهم‪ ،‬نجدهم ساروا على نفس‬
‫المنوال ‪ ،‬حيث روي عن عمرو بن دينار رضي هللا عنه قال "كان هاهنا رجل اسمه نواس‪ ،‬وكانت‬

‫‪ -‬يذهب أغلب الفقهاء المسلمون إلى تحريم بيع متلقي السلع أو الجلب أو الركبان‪ ،‬والحكمة من تحريمه باألساس كما‬ ‫‪1‬‬

‫يذهب إلى ذلك الفقهاء هو حماية أهل البلد من المضاربين‪ ،‬باعتبار أن اإلسالم يراعي مصلحة الجماعة‪ ،‬لكونها هي التي‬
‫تشكل الطبقة الضعيفة في المجتمع‪ ،‬ويقدمها على مصلحة الفرد الواحد‪ ،‬ولما كان المتلقي ينتفع لوحده حينما يقوم برفع‬
‫السعر على أهل البلد‪ ،‬مما يتسبب في إلحاق الضرر بهم وبالبائع في نفس الوقت بإلحاق الغبن به‪ ،‬حيث يشتري منه بثمن‬
‫بخس‪ ،‬ومن ثم كان تحريم تلقي السلع لقوله صلى هللا عليه وسلم فيما رواه طاووس بن عباس رضي هللا عنهما "ال تلقوا‬
‫الركبان وال يبع حاضر لباد" ‪.‬‬
‫‪ -‬وما قيل بشأن منع بيع متلقي الركبان يقال بخصوص بيع الحاضر للباد‪ ،‬والمقصود من ذلك كما جاء في فتح القدير‬ ‫‪2‬‬

‫"‪ ...‬هو أن يمنع السمسار الحاضر القروي من البيع ويقول له ‪ :‬ال تبع أنت أنا أعلم بذلك منك ‪ ،‬فيتوكل له ويبيع ويغالي‬
‫ولو تركه يبيع بنفسه لرخص على الناس" ‪ ،‬وسندهم في ذلك قوله عليه الصالة والسالم "ال يبع حاضر لباد ‪ ،‬دعوا الناس‬
‫يرزق هللا بعضهم من بعض" ‪.‬‬
‫‪ -‬أنظر ‪ :‬نيل األوطار ‪ ،‬لإلمام الشوكاني ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 239 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬اإلمام الشوكاني ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 239 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬اإلمام الشوكاني ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 240 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪53‬‬
‫عنده إبل هيم‪ ،1‬فذهب ابن عمر رضي هللا عنهما‪ ،‬فاشترى تلك اإلبل من شريك له‪ ،‬فجاء إليه‬
‫شريكه فقال ‪ :‬بعنا تلك اإلبل ‪ :‬فقال ممن بعتها ؟ قال من شيخ كذا وكذا ‪ ،‬فقال ويحك ‪ ،‬ذاك وهللا‬
‫ابن عمر ‪ ،‬فجاءه فقال ‪ :‬إن شريكي باعك إبال هيما‪ ،‬ولم يعرفك ‪ .‬قال ‪ :‬فاسقها ‪ .‬قال ‪ :‬فلما‬
‫ذهب يستاقها فقال ‪ :‬دعها‪ ،‬رضينا بقضاء رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬ال عدوى"‪. 2‬‬
‫وإذا كان هذا موقف اإلسالم منذ أربعة عشر قرنا‪ ،‬فإنما يدل على مدى تفوقه على مختلف‬
‫النظم المعاصرة‪ ،‬والتي إلى وقت حديث لم تكن تخول للطرف الضعيف أي إمكانية إللزام الطرف‬
‫القوي بتبصيره‪ ،‬كما أنه وخالل المرحلة النبوية فإن المعامالت كانت تتسم بنوع من البساطة‪ ،‬ولم‬
‫تكن على مستوى التعقيد الذي أصبحت تتسم به خالل العقود األخيرة ‪.‬‬
‫إ ضافة لما سبق فإن فقهاء المالكية والحنابلة أولوا عناية خاصة للطرف القليل الخبرة‪،‬‬
‫وأطلقوا عليه مصطلح المسترسل‪ ،3‬وهو الذي ال يحسن المبايعة والمماكسة فيسترسل إلى بائعه أو‬
‫هو من يجهل قيمة السلعة‪ ،‬أو كما قال اإلمام أحمد ‪ :‬المسترسل الذي ال يحسن أن يماكس‪ ،‬وفي‬
‫لفظ الذي ال يماكس‪ ،4‬والحكم الذي قرره فقهاء الشريعة اإلسالمية هو تخويلهم حق الخيار بين رد‬
‫الشيء المبيع أو إمساكه‪. 5‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬وعي المشرع بحاجة القاضي لنص خاص يقرر االلتزام بالتبصير‪.‬‬
‫‪ – 107‬إذا كان القضاء –خصوصا الفرنسي‪ -‬قد وجد ضالته إلقرار االلتزام بالتبصير‬
‫كمظهر من مظاهر حماية الطرف الضعيف في ظل تعقد العمليات التعاقدية‪ ،‬وأمام تجاهل المشرع‬
‫لهذا االلتزام‪ ،‬في مجموعة من القواعد العامة‪ ،‬فإن هذا األخير ومنذ السبعينات أقر مجموعة من‬
‫النصوص الخاصة التي يمكن للقضاء أن يؤسس عليها هذا االلتزام بهدف إقرار توازن حقيقي بين‬
‫المتعاقدين‪ ،‬ال مجرد توازن شكلي يجد مظلته في مبدأ سلطان اإلرادة ‪.‬‬
‫‪ – 108‬وفي ظل غياب تطبيق قضائي لهذا االلتزام في القانون المغربي‪ ،‬بعكس نظيره‬
‫الفرنسي‪ ،‬فإننا سنحاول التركيز على مجموعة من النصوص التي تقرر هذا االلتزام‪ ،6‬والتي بإمكان‬

‫‪ -‬المقصود بالهيم هو داء يصيب اإلبل فتصير عطشى فال تروى ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬اإلمام الحافظ أحمد علي بن حجر العسقالني ‪ :‬فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 376 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬علي رمضان السيد الشرنباصي ‪ :‬حماية المستهلك في الفقه اإلسالمي ‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ ،‬الطبعة األولـى ‪، 1404‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪. 113 :‬‬
‫‪ -‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 114 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ - 5‬ابن قدامة ‪ :‬المغنى ‪ ،‬الجزء الرابع ‪ ،‬ص ‪. 345 :‬‬


‫‪ - 6‬والسبب الذي جعلنا نتطرق لهذه النصوص التشريعية هو دحض الرأي الذي يعارض أي تدخل للقضاء بفرض هذا‬
‫االلتزام‪ ،‬على اعتبار أن اإلعالم والتبصير مجرد واجبات أخالقية ال تصل إلى مرتبة االلتزام القانوني‪ ،‬ولذلك فإنه تبعا‬
‫للقواعد العامة‪ ،‬فإنه يتعين على أي فرد أن يتحرى بوسائله الخاصة عن ظروف التعاقد‪ ،‬فإذا لم تتبين له من خالل ذلك‬
‫مصلحته‪ ،‬فهو حر في أن يتعاقد أو يمتنع عن ذلك‪ ،‬وال يتحمل الطرف اآلخر أية مسؤولية عن ذلك‪ ،‬وهم في ذلك يعتبرون‬
‫نظرية عيوب الرضا كافية لحماية الطرف الضعيف ‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫القضاء أن يعتمد عليها‪ ،‬السيما مع ظهور آراء تعتقد بأن االجتهاد القضائي لم يستقر بعد على‬
‫هذا االلتزام‪ ،‬على اعتبار أن الق اررات التي استشهدنا بها مجرد إرهاصات أولية ‪.‬‬
‫ومن النصوص الخاصة ‪ ،‬نذكر القرار الوزاري المؤرخ في ‪ 2‬مارس ‪ 1942‬المتعلق بوثيقة‬
‫التأمين البرية‪ ،‬حيث الفصل الثاني منه يتطلب أن تتضمن مجموعة من البيانات ‪ ،‬وذلك طبعا‬
‫بهدف تبصير المؤمن له‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫‪ -‬عنوان محل شركة التأمين أو المؤمن ‪،‬‬
‫‪ -‬اسم وعنوان السمسار الذي أبرم العقد باسمه ‪،‬‬
‫‪ -‬رقم تسجيل شركة التأمين في السجل التجاري ‪.‬‬
‫والمراد من اشتمال وثيقة التأمين على هذه البيانات اإللزامية‪ ،‬هو حماية المؤمن له‪ ،‬وفي‬
‫هذا السياق ذهب المجلس األعلى إلى أن "عدم اشتمال عقد التأمين ألي تعهد من قبل شركة‬
‫التأمين وال يتضمن ما يجب أن تشتمل عليه شهادة التغطية ال يمكن أن يعتبــر عقد تأمين"‪. 1‬‬
‫وفي مقابل ذلك نجد القرار الوزاري‪ 2‬الصادر بتاريخ ‪ 1937 – 11 – 28‬يلزم المؤمن له‬
‫باإلفضاء بجميع البيانات‪ ،‬التي تمكن المؤمن من تقدير الخطر المؤمن ضده (الفصل ‪. )21‬‬
‫وفي نفس السياق ‪ ،‬نجد الفصل ‪ 353‬من ظهير ‪ 19‬مارس ‪ ،1919‬ينص على أن كل‬
‫سكوت أو تصريح كاذب من طرف المؤمن له‪ ،‬من شأنه أن يحمل المؤمن على االعتقاد‪ ،‬بأن‬
‫الخطر أقل مما هو في الحقيقة‪ ،‬يتسبب في إبطال التأمين‪ ،‬حتى ولو لم يكن هناك قصد احتيالي‪،‬‬
‫ويكون التأمين باطال حتى ولو لم يؤثر السكوت أو التصريح على الضرر أو على ضياع الشيء‬
‫المؤمن ‪.‬‬
‫‪ – 109‬وهو األمر الذي أكدت عليه محكمة االستئناف بالرباط في قرارها المؤرخ في ‪19‬‬
‫فبراير ‪ ، 1929‬حينما قضت على أنه "يجب على من يريد تأمين بضاعة معرضة ألخطار البحر‬
‫أن يبين للمؤمن أصل البضاعة واألسفار التي كانت محال لها" ‪.‬‬
‫ومن ضمن النصوص الخاصة أيضا‪ ،‬التي يمكن للقضاء االعتماد عليها‪ ،‬ظهير ‪ 5‬أكتوبر‬
‫‪ ،1984‬المتعلق بزجر الغش في البضائع‪ ،‬حيث ينص الفصل ‪ 16‬منه في فقرته الثانية‪ ،‬على‬

‫أنظر بهذا الخصوص ‪:‬‬


‫د‪.‬محمد إبراهيم الدسوقي ‪ :‬الجوانب القانونية في إدارة المفاوضات وإبرام العقود‪ ،‬طبع معهد اإلدارة العامة ‪ ،‬السعودية‪،‬‬
‫‪ ، 1995‬ص ‪ 76 :‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ - 1‬قرار صادر بتاريخ ‪ 5‬شتنبر ‪ ، 1979‬مشار إليه ضمن مجموعة ق اررات المجلس األعلى‪ ،‬المادة المدنية ‪– 1966 ،‬‬
‫‪. 1981‬‬
‫‪ -‬لمزيد من التفاصيل حول هذا القرار يمكن الرجوع إلى ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫ولد العابدين ولد الخير ‪ :‬الحماية القانونية للمؤمن له في القانون المغربي والموريتاني ر‪-‬د‪-‬د‪-‬ع ‪ ،‬في القانون‬
‫الخاص ‪ ،‬جامعة الحسن الثاني ‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ، 1998 – 1997 ،‬ص ‪. 129 :‬‬
‫‪55‬‬
‫وجوب أن يتحدد طبقا للنصوص التنظيمية‪ ،‬البيانات والعالمات اإلجبارية‪ ،‬التي يجب إثباتها‬
‫لمصلحة المشتري في الفاتورات والوثائق التجارية والبطائق واللفائف على البضاعة نفسها‪ ،‬والتي‬
‫تبين االسم والمميزات والتركيب والمعالجات وطريقة االستعمال وغير ذلك مما يبدو ضروريا‪ ،‬وكذا‬
‫البيانات الخارجية أو الظاهرة وطريقة العرض المفروضة لضمان األمانة في البيع‪ ،‬قصد تجنب كل‬
‫التباس‬
‫‪ – 110‬وإذا كان الهدف بالتأكيد من ذلك‪ ،‬هو إعالم عموم المستهلكين وتبصيرهم‪ ،‬فإن أهم‬
‫مشكل يعترض تطبيق مثل هذا االلتزام‪ ،‬هو واقع المجتمع المغربي‪ ،‬الذي يشهد انتشار األمية‬
‫بشكل واسع‪ ،1‬فكيف يكون لمثل هذه اإلعالنات المكتوبة أن يعلم بها الشخص الذي ال يعرف‬
‫القراءة‪ ،‬وباألحرى إذا ما علمنا أن أغلب المنتجين والموردين يفضلون استعمال اللغة الفرنسية‪ ،‬وهو‬
‫ما يشكل عائقا حتى على األشخاص الذين تلقوا تعليما أوليا‪ ،‬السيما في المجاالت الحساسة‪،‬‬
‫كميدان األدوية‪ ،‬ومعروضة في صيدليات مغربية‪ 2‬ويشرف عليها مغاربة ‪ ،‬بل وقد تكون من صنع‬
‫محلي‪ ،‬وهو ما يفرض استعمال اللغة العربية إذا كنا حقيقة نرجو تبصي ار فعليا للمستهلك‪ ،‬وقس‬
‫على ذلك عقود التأمين التي تبرمها الشركات المسيرة من أطراف ذو تكوين فرنكوفوني ‪.‬‬
‫ويزداد الوضع سوء ‪ ،‬بالنظر إلى أن النصوص التشريعية نفسها لم تبين اللغة الواجبة‬
‫االستعمال ‪.‬‬
‫المتعلق بتنظيم األثمان‬ ‫‪3‬‬
‫‪ – 111‬وفي نفس المضمار‪ ،‬نذكر القانون رقم ‪08-71‬‬
‫ومراقبتها وشروط إمساك المنتوجات والبضائع وبيعها الصادر بتاريخ ‪ 12‬أكثوبر ‪ ،1971‬حيث‬
‫ينص الفصل الخامس منه على ضرورة تعليق اإلعالنات المنظمة أو غير المنظمة للبضائع أو‬
‫المنتوجات المعروضة للبيع‪ ،‬كما ينص الفصل ‪ 18‬من المرسوم الصادر بتطبيق هذا القانون‪، 4‬‬
‫على أنه يتعين إشهار األثمان بالعملة الوطنية وبصورة واضحة ووفقا لألعراف التجارية‪ ،‬إما على‬
‫البضاعة أو وعائها أو بواسطة لوحة تضم مجموعة واحدة من بضائع متشابهة‪ ،‬وبالكيفية التي‬
‫يستطيع العموم االطالع عليهــا دون عنـاء أو التباس في مواضعها الخاصة بها ‪.‬‬

‫‪ -‬العربي الشادلي ‪ :‬حماية الرضا بين النظرية الكالسيكية والحديثة في القانون المقارن ر‪-‬د‪-‬د‪-‬ع‪-‬م ‪ ،‬في القانون‬ ‫‪1‬‬

‫المدني ‪ ،‬جامعة الحسن الثاني ‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ، 1999 – 1998‬ص ‪. 92 :‬‬


‫‪- 2‬أنظر للتفاصيل ‪:‬‬
‫‪Boudahrain (A) : le droit de la consommation au Maroc , éd . 1999 , p : 108 et s .‬‬
‫‪Boudahrain (A) : pour une étique de la protection du consommateur de médicaments , R.D.E ,‬‬
‫‪N 10 , p : 111 .‬‬
‫‪ - 3‬الجريدة الرسمية عدد ‪ ، 3087‬بتاريخ ‪ 29‬دجنبر ‪ ، 1971‬ص ‪. 1492 :‬‬
‫‪ -‬مرسوم صادر بتطبيق قانون ‪ 08 – 71‬بتاريخ ‪ 23‬دجنبر ‪. 1973‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪56‬‬
‫‪ – 112‬ومن ذلك أيضا ‪ ،‬نجد التزام وكيل األسفار بالتبصير‪ ، 1‬وذلك ما تم التنصيص‬
‫‪ ،‬وهكذا يجب عليه حسب المادة‬ ‫‪2‬‬
‫عليه بمقتضى المواد من ‪ 10‬إلى ‪ 13‬من القانون رقم ‪31-96‬‬
‫العاشرة "أن ينشر ويوزع إما باسمه أو باسم المؤسسة المنتجة للخدمة السياحية عددا كافيا من‬
‫المطويات أو الكتيبات التي تتضمن المعلومات المتعلقة بالسفر والخدمات واألسعار المقترحة عن‬
‫كل رحلة أو خدمة ذات سعر إجمالي معروضة" ‪ ،‬كما يتعين على وكيل األسفار أن يعمل على‬
‫تضمين العقد مجموعة من البيانات‪ ،‬وهي حسب المادة ‪" : 13‬يجب أن يتضمن العقد المبرم بين‬
‫وكيل األسفار والزبون جميع البيانات المتعلقة بأسماء وعناوين المنظم ووكيل األسفار والضامن‬
‫والمؤمن‪ ،‬وبوصف الخدمات المقدمة وحقوق والتزامات األطراف خاصة فيما يتعلق بالسعر‪،‬‬
‫والجدول الزمني ‪ ،‬وإجراءات التسديد‪ ،‬ومراجعة األسعار المحتملة وإبطال العقد‪ ،‬وإخبار الزبون بذلك‬
‫قبل بداية السفر أو المقام" ‪.‬‬
‫‪ – 113‬وفي ظل وعي المشرع في جل الدول بأهمية اإلعالم‪ ،‬واعتباره أحد أهم الحقوق‬
‫األساسية للمستهلكين والمستضعفين عموما‪ ،‬فإن معظمها قد عمل على تقنينه ضمن ما أصبح‬
‫يطلق عليه بقانون االستهالك‪ ، 3‬والذي يسعى إلى حماية الطرف الضعيف‪ ،‬أما عجز القانون‬
‫المدني الكالسيكي عن ذلك‪ ،‬وفي انتظار صدور قانون من هذا القبيل بالنسبة للتشريع المغربي‪،4‬‬
‫ونظ ار لالرتباط الوثيق بين قانون حرية األسعار والمنافسة وضرورة حماية المستهلك ‪ ،‬فإن المشرع‬

‫‪ -‬أنظر بهذا الخصوص ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫* بوبكر األبيض ‪ :‬االلتزام بالتبصير وتطبيقاته في بعض العقود ‪ ،‬ر‪-‬د‪-‬ع‪-‬م ‪ ،‬في القانون المدني ‪ ،‬جامعة محمد‬
‫الخامس الرباط ‪ /‬أكدال ‪. 1999 – 1998 ،‬‬
‫* حسن الكراوي ‪ :‬عقد وكالة األسفار ‪ ،‬ر‪-‬د‪-‬ع‪-‬م ‪ ،‬في القانون المدني ‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪ ،‬الرباط ‪ /‬أكدال ‪،‬‬
‫‪. 2001 – 2000‬‬
‫* سفيان ادريوش ‪ :‬المسؤولية المدنية لوكالء األسفار ‪ ،‬ر‪.‬د‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬في قانون األعمال ‪ ،‬جامعة محمد األول ‪ ،‬وجدة ‪،‬‬
‫‪. 2000 – 1999‬‬
‫‪ -‬المنفذ بظهير رقم ‪ 1 – 97 – 64‬بتاريخ ‪ ، 1997 – 02 – 12‬ج‪.‬ر عدد ‪ 4482‬بتاريخ ‪ 1997 – 05 – 15‬ص ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪. 1162‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- - Auloy (J.C) : L’Influence du droit de la consommation sur le droit civil du contrat‬‬
‫‪R.T.D.COM , T 2 , 1994 , p : 242 .‬‬
‫‪- Hélène bricks : les clauses abusives , paris , L.G.D.J , éd . 1982 , p : 198 .‬‬
‫راجع بهذا الخصوص أطروحة ‪:‬‬
‫‪Bendraoui abdrrahim : la protection du consommateur au Maroc , Agdal , 2001 , p : 6 .‬‬

‫تت بغى اإلشارة إلى أنه يوجد مشروع نهائي متعلق بحماية المستهلك‪ ،‬وبالرجوع ألحكامه يتبين أنه خصص حي از مهما‬ ‫‪4‬‬

‫إلعالم المستهلك‪ ،‬حيث عين ثمانية مواد له (من المادة ‪ 3‬إلى المادة ‪ ، )10‬أي الفصلين األول والثاني من الباب الثاني‬
‫المعنون بإعالم المستهلك وااللتزام بضمان سالمته ‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫‪1‬‬
‫المغربي عمل على سد هذه الثغرة من خالل الفصل األول من الباب السادس من قانون ‪06.99‬‬
‫‪ ،‬حيث عنونه كما يلي ‪ :‬حماية المستهلكين وإعالمهم‪ ،‬وبالرجوع إلى المادة ‪ 47‬من هذا القانون‪،‬‬
‫نجدها تنص على أنه "يجب على كل من يبيع منتوجات أو يقدم خدمات أن يعلم المستهلك عن‬
‫طريق وضع عالمة أو ملصق أو إعالن أو بأي طريقة مناسبة أخرى باألسعار والشروط الخاصة‬
‫للبيع أو إلنجاز الخدمة ‪.‬‬
‫تحدد إجراءات إعالم المستهلك بنص تنظيمي" ‪.‬‬
‫وتقابلها المادة ‪ 111‬من قانون االستهالك الفرنسي‪ ، 2‬التي تنص على ضرورة جعل‬
‫المستهلكين يعلمون الخصائص والصفات األساسية للسلعة أو الخدمة المقدمة‪. 3‬‬
‫‪ – 114‬ومن بين األمور التي أثيرت بخصوص هذه المادة مسألة معرفة المعيار‪ ،‬الذي‬
‫يتعين عن طريقه معرفة ما هي الخصائص التي يتعين اإلعالم بها ‪ ،‬وقد أجمعت الحلول القضائية‬
‫على اعتبار الصفة جوهرية متى اعتبرها المتعاقدان معا ذات تأثير في قرار المتعاقد للدخول من‬
‫عدمه في العقد ‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد أدانت محكمة "فرساي" بتاريخ ‪ 3‬يونيو ‪ 1987‬بائع أجهزة معلوماتية ألنه‬
‫نصح مستهلك بشراء أجهزة ال تستجيب لحاجاته أو متطلباته‪. 4‬‬
‫كما ألزم المشرع تقديم فاتورة للمستهلك متى طلبها‪ ،‬حيث نصت المادة ‪ 48‬من قانون ‪99‬‬
‫– ‪ 06‬على أنه "يجب على من يبيع منتوجات أو يقدم خدمات أن يسلم فاتورة أو تذكرة صندوق أو‬
‫أي وثيقة أخرى تقوم مقامها إلى كل مستهلك يطلب ذلك ‪.‬‬
‫غير أن تسليم الفاتورة يمكن أن يصبح إجباريا في بعض القطاعات المحددة قائمتها بنص‬
‫تنظيمي ‪.‬‬
‫تطبق أحكام الفقرات ‪ 3‬إلى ‪ 7‬من المادة ‪ 51‬بعده على الفاتورات المنصوص عليها في‬
‫هذه المادة"‪. 1‬‬

‫‪.-‬ظهير شريف رقم ‪ 1 – 00 – 225‬صادر في ‪ 2‬ربيع األول ‪ 1421‬الموافق ‪ 5‬يونيو ‪ ، 2000‬بتنفيذ القانون رقم ‪99‬‬ ‫‪1‬‬

‫– ‪ 06‬المتعلق بحرية األسعار والمنافسة ‪.‬‬


‫الجريدة الرسمية عدد ‪ ، 4810‬بتاريخ ‪ 3‬ربيع اآلخر ‪ 6( 1412‬يوليوز) ‪ ،‬ص ‪. 1914 :‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ghestin (J) : traité de droit civil , la formation du contrat, 3 édition , 1993 , p : 610 .‬‬
‫‪ -‬ويقابلها في مشروع قانون االستهالك المغربي المادة الثالثة ‪ ،‬التي جاء فيها ‪" :‬بواسطة أية طريقة مالئمة قبل إبرام‬ ‫‪3‬‬

‫عقد البيع يجب على المزود وكل مقدم خدمة إخبار المستهلك ‪ ،‬بالخاصيات األساسية للمنتوج أو الخدمة ‪.‬‬
‫يلزم المزود أو مقدم الخدمة عند إبرام عقد كتابي بتسليم نسخة إلى المستهلك" ‪.‬‬
‫‪ -‬أشار إليه ‪ :‬د‪.‬حمدي أحمد سعد ‪ :‬االلتزام باإلفضاء بالصفة الخطرة للشيء المبيع ‪ ،‬طبعة ‪ ، 1999‬ص ‪. 113 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪58‬‬
‫ويقابلها في قانون االستهالك الفرنسي المادة ‪ ، 114‬التي ألزمت كل مهني بتحرير فاتورة‬
‫إذا كان ثمن السلعة أو الخدمة يفوق ‪ 100‬فرنك ‪ ،‬أما إذا قل ثمنها عن ذلك فيبقى للمحترف‬
‫‪2‬‬
‫االختيار في تحريرها إذا لم يطلبها المستهلك ‪ ،‬كما أوجبت أن تحتوي على مجموعة من البيانات‬
‫‪ ،‬من ذلك ‪:‬‬
‫‪ -‬تاريخ تحريرها ؛‬
‫‪ -‬اسم وعنوان مقدم الخدمة ‪ ،‬اسم المستهلك ؛‬
‫‪ -‬تاريخ ومكان تقديم الخدمة أو السلعة ؛‬
‫‪ -‬الثمن اإلجمالي بدون ضرائب باستثناء الضرائب أو الرسوم الواجبة األداء ‪.‬‬
‫‪ – 115‬وأخيرا‪ ،‬نعتقد أنه إذا كان القضاء الفرنسي قد استطاع أن يضع الت ازمـا على عاتق‬
‫المهني‪ ،‬بتبصير الطرف الضعيف وإحاطته بجميع البيانات الواردة في العقد‪ ،‬وهو ما عمل المشرع‬
‫المغربي أن ينص عليه في قوانين متفرقة‪ ،‬كان آخرها قانون ‪ ، 06.99‬فإنه لم يبقى أي مبرر‬
‫للقضاء المغربي في تجاهله لهذا االلتزام‪ ،‬بهدف حماية الطرف الضعيف‪ ،‬وبالتالي مسايرة التوجه‬
‫الجديد للمشرع المغربي ‪ ،‬الذي أصبح في جزء من فلسفته يسعى لحماية المستهلكين‪ ،‬وما نتج عن‬
‫ذلك من انتشار فاحش للشروط التعسفية‪ ،‬دفعت بالقضاء قبل التشريع إلى إيجاد حلول لهذه‬
‫الظاهرة ‪ ،‬وذلك بهدف الوقوف بجانب الطرف الضعيف في العقد‪ ،‬وهو ما سنحاول معالجته في‬
‫الفصل الموالي ‪.‬‬

‫‪ -‬وتقابله الفقرة الثانية من المادة الرابعة من مشروع قانون االستهالك المغربي ‪ ،‬التي جاء فيها ‪...":‬كما يجب على‬ ‫‪1‬‬

‫المزود أو مقدم الخدمة أن يسلم للمستهلك فاتورة أو تذكرة الصندوق أو أية وثيقة أخرى إذا أنجز المستهلك عملية شراء‬
‫تفوق قيمتها مبلغا سيتم تحديده بواسطة نص تنظيمي أو إذا ما طلبها المستهلك" ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ghestin (J) : op.cit , p : 597 .‬‬
‫‪59‬‬
60
61
62
‫‪ – 116‬من المبادئ التي ال تقبل النقاش قاعدة "إن القانون وليد بيئته"‪ ،‬ومن ثم كان البد‬
‫أن يقع تغيير على مستوى النصوص التشريعية التي تنظم العقد‪ ،‬بفعل التطورات االقتصادية‬
‫والتكنولوجية التي أفرزت طرفا قويا وآخر ضعيفا يفتقد للكفاءة الفنية والقانونية التي تخوله مناقشة‬
‫بنود العقد عن بينة وبعيدا عن أي تعسف قد يمارس ضده‪.‬‬
‫وبعدما تناولنا في الفصل التمهيدي عدم قدرة نظرية عيوب الرضا بمفهومها التقليدي على‬
‫مسايرة هذه التحوالت العميقة بما يخول إمكانية الوقوف بجانب الطرف الضعيف ‪ ،‬األمر الذي دفع‬
‫القضاء إلى التوسع في مؤسسة التفسير بما يسمح له إعادة التوازن لاللتزامات التعاقدية‪ ، 1‬إال أن‬
‫ذلك لم يعد كافيا في ظل التحوالت التي برزت بالخصوص خالل العقود الثالثة األخيرة من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬حيث استفلحت ظاهرة الشروط التعسفية بسبب هيمنة طبقة معينة على مختلف السلع‬
‫التي يحتاجها عامة الناس وانفرادهم بتحريرها‪ ،‬مما يسمح لهم بإدراج مثل هذه الشروط‪ ،‬إضافة إلى‬
‫أن توقيع العقود أصبح أم ار معتادا في حياتنا اليومية‪ ،‬لدرجة أن التوقيع أصبح يتم تلقائيا وبدون‬
‫أي تمحيص لشروط التعاقد‪ ،‬وبالتالي إمكانية دس العديد من الشروط المجحفة ‪ ،‬خصوصا تلك‬
‫التي يتم إعدادها وطبعها سلفا "العقود النموذجية" ‪ ،‬وهو األمر الذي دفع بمختلف التشريعات‬
‫المعاصرة التدخل بشكل مباشر لحظر مثل هذه الشروط‪ ،‬وإن كانت كل دولة قد استخدمت الوسائل‬
‫التي وجدت أنها أكثر مالئمة لتحقيق حماية الطرف الضعيف عن طريق تخويل القاضي سلطة‬
‫استبعاد الشروط التعسفية (المبحث الثاني) ‪.‬‬

‫وإذا كانت أغلبية عقود اإلذعان تتضمن شروطا مجحفة ‪ ،‬يمليها المحتكر على المذعن ‪،‬‬
‫فإن هناك حاالت ال يستهان بها يتضمن فيها عقد اإلذعان مقتضيات حمائية للطرف الضعيف‬
‫عن طريق تدخل جهة ثالثة –قد تكون الدولة‪ -‬لتلزم الطرف القوي بمراعاة المتعاقد اآلخر من‬
‫التعسف‪ ،‬األمر الذي اقتضى منا معالجة السلطة التي يتمتع بها القاضي للوقوف بجانب الطرف‬
‫الضعيف في هذا النوع من العقود في مبحث مستقل (المبحث األول) ‪.‬‬

‫‪ -‬راجع الفصل األول من هذه الدراسة ‪ ،‬ص ‪. 19 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪63‬‬
‫المبحث األول ‪:‬‬
‫سلطة القاضي إزاء بنود عقد اإلذعان التعسفية‬
‫‪ – 117‬يرى بعض الفقه‪ 1‬أن مشكلة الشروط التعسفية تعتري كل القطاعات التي توجد فيها‬
‫عقود اإلذعان‪ ،‬وما زاد من تعقيد األمر أن هذا النوع من العقود أصبح يمثل الطريقة العادية للتعاقد‬
‫في وقتنا الحاضر ‪.‬‬
‫وعلى عكس القانونين الفرنسي والمغربي‪ ،‬اللذين جاءا خاليين من نص تشريعي ينظم عقد‬
‫اإلذعان ‪ ،‬فإن المشرع المصري قد أورد في التقنين المدني لسنة ‪ 1984‬نصين هما المادة ‪149‬‬
‫والمادة ‪ ، 1/151‬الهدف منهما حماية الطرف المذعن ‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن القانونين الفرنسي والمغربي‪ ،‬عرفا مثل هذه الحماية حتى مع عدم وجود نص‬
‫خاص ‪ ،‬السيما تفسير القضاء الشك لصالح الطرف المذعن ‪.‬‬
‫وقبل التطرق لسلطة القاضي تجاه الشروط المجحفة في عقـود اإلذعــان (المطلب الثاني)‬
‫ينبغي الوقوف على ماهيته وتمييزه عن غيره من المفاهيم المشابهة (الملطب األول) ‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬ماهية عقد اإلذعان‬


‫‪ – 118‬إذا كانت القفزة االقتصادية والتكنولوجية قد حققت للمجتمع العديد من المزايا ‪،‬‬
‫فإنها في المقابل خلقت على المستوى القانوني العديد من المشاكل ‪ ،‬وفي مقدمتها جعل العقد مطية‬
‫لالحتكار المعتمد على طغيان الشركات الصناعية الرأسمالية ‪ ،‬وهو األمر الذي دفعنا تخصيص‬
‫مطلب بكامله لتحديد معالم عقد اإلذعان‪ ، 2‬ما دام أن رجال القانون غير مجمعين على مفهوم‬

‫‪ -‬د‪ .‬حمد هللا محمد حمد هللا ‪ :‬حماية المستهلك في مواجهة الشروط التعسفية في عقود االستهالك ‪ ،‬دراسة مقارنة ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ، 1997‬ص ‪. 46 :‬‬
‫* د‪.‬السيد محمد السيد عمران ‪ :‬حماية المستهلك أثناء تكوين العقد ‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ ، 1986 ،‬ص ‪. 27 :‬‬
‫* د‪.‬العربي مياد ‪ :‬إشكالية التراضي في عقود اإلذعان ‪ ،‬أطروحة دكتوراه ‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪ ،‬الرباط ‪ /‬أكدال ‪،‬‬
‫‪ ، 2002‬ص ‪. 512 :‬‬
‫* عبد الرزاق حباني ‪ :‬التوجهات الحديثة في العقد ‪ ،‬ر‪.‬د‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬في القانون المدني ‪ ،‬جامعة الحسن الثاني ‪ /‬الدار‬
‫البيضاء ‪ ، 1998 ،‬ص ‪. 51 :‬‬
‫* د‪.‬حسن عبد الباسط جميعي ‪ :‬حماية المستهلك ‪ ،‬مجلة الدراسات القانونية ‪ ،‬ع ‪ ، 13 :‬جامعة أسيوط ‪ ، 1991 ،‬ص ‪:‬‬
‫‪. 142‬‬
‫وبالفرنسية ‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Berlioz (G) : le contrat d’adhésion , L.G.D.J , 1976 , N 235 .‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪- Hélène bricks : les clauses abusives , L.G.D.J , 1982 , p : 137 .‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪- Isabel ; archessaux – van melle et Ghestin (j) : l’application en France de la‬‬
‫‪directive visant à éliminer les clauses abusives après de l’adoption de la loi N 95-‬‬
‫‪96 du 1 Février 1995 , J.C.P , T 3 , 1995 , p : 275 .‬‬
‫‪ - 2‬للتوسع في عقد اإلذعان يمكن الرجوع إلى أطروحة ‪ :‬د ‪.‬العربي مياد ‪ :‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫وحيد نحوه ‪ ،‬فإذا كانت غالبية فقهاء القانون الخاص يعتبرونه كسائر العقود العادية رغم ما تمتاز‬
‫به من خصوصيات ومميزات‪ ،‬فإن بعض أساتذة القانون العام (كديجي) ‪ ،‬يذهبون إلى أن هذه‬
‫العقود ليس لها من هذه الصفة إال االسم‪ ،‬وإنما هي مجرد لوائح مفروضة من طرف المذعن‪،‬‬
‫وللوقوف أكثر على حجج كل فريق فإننا سنخصص البند األول للطبيعة القانونية لعقد اإلذعان ‪.‬‬
‫غير أن الضغط الذي يكون المتعاقد المذعن ضحيته ال يبلغ حد اإلكراه المعدم للرضا‪،‬‬
‫وبالتالي فإن جل فقهاء القانون المدني صنفوه ضمن تقسيمات العقود‪ ،‬كل ما هنالك أنه يتمتع‬
‫بالعديد من الخصائص التي تجعله يتميز عن غيره من العقود العادية (البند الثاني) ‪.‬‬
‫البند األول ‪ :‬الطبيعة القانونية لعقد اإلذعان‬
‫‪ – 119‬مما ال شك فيه أن وجود التراضي خاليا من العيوب التي أشرنا إليها في الفصل‬
‫التمهيدي كان إلى عهد قريب كافيا لجعل العقد ملزما لطرفيه‪ ،‬غير أن األمر لم يعد كذلك بعد‬
‫انتشار ظاهرة اختالل التوازن بين المتعاقدين‪ ،‬حيث نجد أشخاص‪ ،‬يشكلون الغالبية‪ ،‬قليلي الخبرة‬
‫في مقابل متعاقدين ذوي إمكانيات اقتصادية وقانونية وفنية كبيرة‪ ،‬يهيمنون على مجاالت حيوية ال‬
‫يمكن لآلخرين االستغناء عنها ‪ ،‬بالرغم من أنهم ال يستطيعون التفاوض بشأنها ‪.‬‬
‫في ظل هذه الوضعية ثار خالف كبير حول الطبيعة القانونية لعقد اإلذعان‪ ، 1‬حيث شكك‬
‫العديد من فقهاء القانون العام ‪ ،‬وقلة من القانون الخاص‪ ،‬في طبيعته العقدية‪ ،‬ويطلق على هؤالء‬
‫أنصار النظرية الالئحية ‪( théorie anti-contractuelle‬أوال) ‪ ،‬وذلك بخالف الغالبية التي‬
‫تمسكت بالطبيعة العقدية ‪ ، théorie contractuelle‬وهو الرأي الذي مال إليه القضاء الفرنسي‬
‫(ثانيا) ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬أنصار النظرية الالئحية ‪.‬‬


‫‪ – 120‬ونجد في مقدمة هؤالء الفقيه سالي ‪ ،‬باعتباره أحد فقهاء القانون الخاص الذين‬
‫تحمسوا لهذه النظرية‪ ،‬والفقيه ديجي وهوريو من فقهاء القانون العام ‪ ،‬حيث يذهبون إلى أن عقد‬
‫اإلذعان ليس له من الصفة العقدية إال االسم ‪ ،‬ألنه ال يقوم على توافق اإلرادات ‪ ،‬وإنما هو نتيجة‬
‫إرادة واحدة‪ ،‬هي إرادة المشترط‪ ،‬الذي قام بتحرير العقد‪ ،‬وبالتالي يخلصون إلى أنه مجرد عمل‬
‫الئحي أو تنظيمي‪. acte réglementaire 2‬‬

‫‪ - 1‬أنظر بهذا الخصوص ‪:‬‬


‫‪- Georges dereux : de la nature juridique des contrats d’adhésions , R.Tr.Dr.civil , 1910 , p :‬‬
‫‪503 .‬‬
‫‪- Malaurie (ph) et Aynes (Laurent) : op.cit, p : 186 et 187 .‬‬
‫أيضا ‪ :‬عبد المنعم فرج الصدة ‪ :‬مصادر االلتزام ‪ ،‬ط ‪ ، 1960‬ص ‪. 108 :‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- - Diguit : l’état, le droit objectif et la loi positive , 1901 , p : 55 .‬‬
‫‪65‬‬
‫‪contrat par‬‬ ‫‪ – 121‬وبعبارة أكثـر وضوحـا فإن "مـا يـقـال عـنـه عـقـد باإلذعـان‬
‫‪ adhésion‬هو في جوهره عمل من طرف واحد فقط‪ ،‬إنه ال ينتج آثـا ار إال لصالح ‪ ،‬أو ضد هؤالء‬
‫الذين ينضمون إليه‪ ،‬إن اإلذعان ال يمكن أن يغير من طبيعة هذا العمل الفردي الصادر من‬
‫جانب واحد‪ ،‬كما ال يمكنه أن يجعله مزدوجا أو متعددا"‪. 1‬‬
‫‪ – 122‬وبحسب أنصار هذا االتجاه‪ ،‬فإن هناك العديد من العناصر التي يمكن اعتمادها‬
‫إلخراج "عقود اإلذعان" عن الصفة العقدية ‪.‬‬
‫وفي مقدمتها اإلكراه‪ ،‬الذي يباشر على الطرف المذعن‪ ،‬حيث ينفرد الطرف القوي بتحرير‬
‫المشارطة‪ ، 2‬والتي ال تقبل أية مناقشة من الطرف اآلخر‪ ، 3‬الذي يذعن إلرادة المشترط المعبر‬
‫عنها سابقا ‪ ،‬وموقفه هذا ال يشكل سوى دو ار ثانويا ‪.‬‬
‫وبالتالي يرى هذا الفقه‪ ،‬بأن اإلذعان "القبول" ‪ ،‬ال يعبر عن أية إرادة حرة‪ ،‬في ظل هيمنة‬
‫إرادة المشترط في تحديد بنود العقد‪ ،‬وغياب أي تفاوض بشأن ذلك ‪.‬‬
‫وبخالف هذا االتجاه‪ ،‬فإن الجانب الكبير من فقهاء القانون الخاص‪ ،‬يميل إلى ترجيح‬
‫الطبيعة العقدية لعقود اإلذعان‪ ،‬وهذا ما سنراه في النقطة الموالية ‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬النظرية العقدية ‪la théorie contractuelle‬‬


‫‪ – 123‬بقي جانب كبير من الفقه‪ 4‬متمسكا بالنظرية العقدية‪ ،‬وهو المسلك الذي اعتمده‬
‫القضاء الفرنسي في مجمله‪ ،‬حيث اعتبر أن إذعان الطرف الضعيف يشكل قبوال حقيقيا للبنود‬
‫المعروضة عليه من الطرف اآلخر ‪.‬‬
‫وبحسب هذا االتجاه‪ ،‬فإن صحة العقد بوجه عام‪ ،‬ال تستلزم مساواة اقتصادية فعلية‪ ،‬ذلك‬
‫أن كل عقد إال ويعرف نوعا من عدم المساواة وإن كان بشكل أقل برو از‪ ، 5‬حيث ال يمكن تصور‬

‫‪- Georges dereux : de la nature juridique des contrats d’adhésion , op.cit p : 504 .‬‬
‫‪ -‬ديرييه ‪ :‬الطبيعة القانونية لعقود اإلذعان ‪ ،‬ص ‪. 512 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫نقال عن ‪ :‬د‪.‬محسن البيه ‪ :‬مشكلتان متعلقان بالقبول ‪ .‬السكوت واإلذعان ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع ‪،‬‬
‫ص ‪. 127‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ghestin (J) : Traité de droit civil , les obligation , le contrat , op . cit , p : 52‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Berlioz (G) : le contrat d’adhésion , L.G.D.J , 1973 , paris , p : 56 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Planiole , Ripert et Esmain : op.cit , N 123 .‬‬
‫أنظر أيضا السنهوري ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ط ‪ ، 1998‬ص ‪245 :‬‬
‫‪Georges dereux : op.cit , p : 507 .‬‬ ‫‪. -‬‬ ‫‪5‬‬

‫راجع أيضا بحث ‪:‬‬


‫علي هنانا ‪ :‬القضاء المدني والقوة الملزمة للعقد ‪ ،‬ر‪.‬د‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬في قانون األعمال ‪ ،‬جامعة محمد األول ‪ /‬وجدة ‪– 1999 ،‬‬
‫‪ ، 2000‬ص ‪. 110 :‬‬
‫‪66‬‬
‫وجود طرفين متشابهين في الحذر والتهور‪ ،‬في القوة والضعف‪ ،‬وعموما التماثل التام من حيث‬
‫اإلمكانيات‪ ،‬كما أن القانون ال يتطلب لصحة العقد سوى التساوي من الناحية القانونية ‪.‬‬
‫‪ – 124‬أما بخصوص كون "المشارطة" تتم بوجه عام‪ ،‬غير مقتصرة على شخص واحد‪،‬‬
‫كما ذهب إلى ذلك أنصار النظرية الالئحية‪ ،‬فإن مؤيدو النظرية العقدية يعتبرون هذا التبرير على‬
‫العكس من ذلك يدعم رأيهم‪ ،‬باعتبار أن اإليجاب‪ 1‬إما أن يكون موجهـا لشخـص محـدد – وغالبا ما‬
‫نصادف ذلك في حالة ما إذا كان العقد قائما على االعتبار الشخصي كاإليجاب الموجه لطبيب‬
‫جراح ‪ ، -‬وإما أن يكون موجها للجمهـور – حيث ال يكون لشخصية القابـل أي اعتبار ‪. -‬‬
‫‪ – 125‬وأهم ما قاله أنصار هذه النظرية‪ ،‬أن هناك اختالفا كبي ار بين القانون وإرادة‬
‫المشترط في عقد اإلذعان عكس ما ذهب إليه فقهاء النظرية الالئحية‪ ،‬على اعتب ــار أن الطرف‬
‫المذعن هو الذي يتوجه إلى األول ‪ ،‬وذلك بخالف النص القانوني ‪.‬‬
‫‪ – 126‬وأخي ار فإن ما قيل بخصوص انعدام التفاوض بين المشترط والمذعن ‪ ،‬ليس من‬
‫شأنه أن يزيل الصفة العقدية عن هذا النوع من العقود‪ ،2‬ما دام أن الطرف المذعن بإمكانه أن‬
‫يرفض التعاقد‪ ،‬وإال فإن إقدامه على عكس ذلك‪ ،‬يعني أنه وجد مصلحته‪ ،‬وبالتالي قبل إبرام العقد‬
‫‪.‬‬
‫‪ – 127‬وبالرجوع للقضاء الفرنسي‪ ،‬الذي قاد هذه النظرية معتب ار اإلذعان ليس سوى القبول‬
‫وفقا للمعنى القانوني‪ ،‬بمعنى أنه تعبير عن إرادة حقيقية ملزمة لصاحبها ‪ ،‬فإنه تطلب مجموعة من‬
‫الشروط لصحة هذا الشكل من القبول ‪ ،‬بهدف الوقوف بجانب الطرف المذعن – الضعيف –‬
‫سنعود لها في حينها ‪.‬‬

‫البند الثاني ‪ :‬خصائص عقد اإلذعان وتمييزه عن بعض المفاهيم المشابهة ‪.‬‬
‫‪ – 128‬إذا كان المشرع المغربي لم ينظم هذا النوع من العقود ‪ ،‬فإنه مع ذلك يعرف انتشا ار‬
‫واسعا‪ ،‬حيث أصبح يمثل الطريقة العادية للتعاقد في وقتنا الحالي‪ ،‬بفعل العديد من األسباب‬
‫االقتصادية والتكنولوجية‪ ،‬مثل التوزيع بالجملة عبر أماكن متفرقة ‪.‬‬
‫وفي محاولة للوقوف على أهم معالم هذه المؤسسة‪ ،‬فإننا سنعمل على إبراز خصائصها‬
‫(أوال) ‪ ،‬وتمييزها عن بعض المفاهيم المشابهة(ثانيا) ‪.‬‬

‫‪ -‬د‪.‬عبد القادر العرعاري ‪ :‬مصادر االلتزام ‪ ،‬نظرية العقد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 62 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪- Marty (G) et raynaud (P) : droit civil , les obligations , 1962 , p : 103 .‬‬
‫‪67‬‬
‫أوال ‪ :‬خصائص عقد اإلذعان ‪.‬‬
‫‪ – 129‬بهدف استنباط هذه الخصائص عمل الفقه على وضع مجموعة من التعاريف‪،‬‬
‫حيث نجد األستاذ إدريس العلوي العبدالوي يعرف عقد اإلذعان بأنه ‪:‬‬
‫"هو العقد الذي يسلم فيه القابل بشروط مقررة يضعها الموجب وال يقبل مناقشة فيها‪ ،‬وذلك‬
‫فيما يتعلق بسلع أو مرافق ضرورية تكون محل احتكار قانوني أو فعلــي ‪ ،‬أو تكون المنافسة بشأنها‬
‫محدودة"‪. 1‬‬
‫وبالنسبة للفقه المصري نجد األستاذ فرج الصدة يعرفه بأنه "العقد الذي يسلـم فـيـه أحد‬
‫الطرفين بشروط مقررة يضعها الطرف اآلخر – كما هو الحال في عقود االستهالك في العادة –‬
‫وال يسمح بمناقشتها ‪ ،‬وذلك فيما يتعلق بسلع أو مرافق ضرورية‪ ،‬تكون محل احتكار قانوني أو‬
‫فعلي‪ ،‬أو تكون المنافسة محدودة النطاق بشأنها"‪. 2‬‬
‫وهو يقارب التعريف الذي وضعه محمد السيد عمران‪ ،‬الذي اعتبره بمثابة ‪:‬‬
‫"العقد الذي يسلم فيه القابل (المستهلك) بشروط مقـررة يضعها الموجب (التاجر ومن في‬
‫حكمه) وال يقبل مناقشة فيها‪ ،‬فيما يتعلق بسلعة أو مرفق ضروري‪ ،‬يكون محل احتكار قانوني أو‬
‫‪3‬‬
‫فعلي‪ ،‬أو تكون المناقشة محدودة النطاق في شأنه أو شأنها"‬
‫وإذا ما انتقلنا للفقه الفرنسي‪ ،‬نجد األستاذ ‪ ، ghestin‬يعرفه بكونه‪ ،‬اإلذعان لعقد نموذجي‪،‬‬
‫ثم تحريره من قبل باإلرادة الفردية ألحد الطرفين‪ ،‬والذي ينظم إليه الطرف اآلخر‪ ،‬دون وجود‬
‫إمكانية حقيقية لتعديله‪. 4‬‬
‫كما ثم تعريفه بأنه ذلك العقد الذي يتجدد مضمونه العقدي‪ ،‬كليا أو جزئيا وبطريقة مجردة‬
‫وعامة‪ ،‬قبل المرحلة التعاقدية‪. 5‬‬
‫‪ – 130‬ومن خالل هذه التعاريف‪ ،‬يتبيـن أن عقـد اإلذعـان يتميــز بالعديـد من الخصائص‪،‬‬
‫حصرها البعض في خاصيتين‪ ، 6‬والبعــض اآلخــر فـي ثــالث‬

‫‪ -‬د‪.‬العلوي العبدالوي (إدريس) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 259 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أشار إليه د‪.‬حمد هللا محمد حمد هللا ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 45 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬د‪.‬السيد محمد السيد عمران ‪ :‬حماية المستهلك أثناء تكوين العقد – دراسة مقارنة مع دراسة تحليلية وتطبيقية‬ ‫‪3‬‬

‫للنصوص الخاصة بحماية المستهلك ‪ ،‬منشأة المعارف باإلسكندرية ‪ ،‬دون ذكر سنة النشر ‪ ،‬ص ‪. 27 :‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ghestin (J) : traité de Droit Civil , les obligation , le contrat , L.G.D.J , 1980 , p : 52 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Berlioz (G) : Le contrat d’adhésion , op.cit , p :27 .‬‬
‫‪ -‬د‪.‬حمد هللا محمد حمد هللا ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 47 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫حيث ذهب هذا الفقيه إلى أن عقد اإلذعان يتميز بخاصيتين أساسيتين هما ‪:‬‬
‫أ – الطابع التنظيمي بطريقة منفردة من جانب الموجب ‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫خواص‪ ، 1‬وتمشيا مع الرأي الغالب يمكن إرجاعها إلى أربع خصائص ‪:‬‬
‫‪ – 131‬الخاصية األولى ‪ :‬يكون "اإليجاب" موجها إلى العموم‪ ،‬حيث غالبا ما يتم في شكل‬
‫قالب نموذجي موجه إلى الجمهور ‪ ،‬وبالتالي فإن رفض أحد المذعنين ال يكون له أي أثر على‬
‫هذا النوع من اإليجاب ‪.‬‬
‫‪ – 132‬الخاصية الثانية ‪ :‬عقد اإلذعان يعتبر من العقود الضرورية للمذعن‪ ،‬حيث يرتبط‬
‫بسلع أو خدمات ال يمكن للمستهلك االستغناء عنها‪ ،‬وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية‬
‫في قرار لها بتاريخ ‪ 12‬مارس ‪ "2 1974‬من خصائص عقود اإلذعان أنها تتعلق بسلع أو مرافق‬
‫تعتبر من الضروريات ‪ ...‬وأن يكون احتكار الموجب احتكا ار قانونيا أو فعليا ‪ ...‬وأن يكون صدور‬
‫اإليجاب فيه إلى الناس كافة وبشروط واحدة ولمدة محددة ‪ ...‬والسلع الضرورية هي التي ال غنى‬
‫عنها للناس والتي ال تستقيم مصالحهم بدونها‪ ،‬بحيث يكونوا في وضع يضطرهم إلى التعاقد بشأنها‬
‫وال يمكنهم من رفض الشروط التي يضعها الموجب ولو كانت جائزة شرعا"‪.‬‬
‫غير أن كون السلعة أو الخدمة ضرورية للمستهلك‪ ،‬ال يكفي للجزم بوجود عقد إذعان‪،‬‬
‫وإنما ينبغي أن يضاف إلى ذلك وجود احتكار قانوني أو فعلي‪ ،‬وهو ما سنتطرق إليه كخاصية‬
‫ثالثة ‪.‬‬
‫‪ – 133‬الخاصية الثالثة ‪ :‬التفوق االقتصادي ألحد أطراف العقد‪ ،‬أو ما يعبر عنه بوجود‬
‫احتكار قانوني أو فعلي للسلعة أو الخدمة‪ ،‬ويعتبر بعض الفقه‪ 3‬أن هذه الخاصية تشكل المميز‬
‫الوحيد الذي ظفر باتفاق يكاد يكون عاما بين الشراح الذين عالجوا هذا الموضوع ‪.‬‬
‫فاالحتكار يشكل الدافع الذي يخول ألحد األطراف فرض شروطه بالشكل الذي يخدم‬
‫مصالحه دون أن يستطيع الطرف اآلخر مناقشتها‪ ،‬وباألحرى تعديلها‪ ،‬ألنه لن يستطيع استبدال‬
‫المتعاقد األول ما دام يتمتع بهذه الخاصية‪ ،‬السيما أن المحتكر هو في نفس الوقت محترف يتمتع‬
‫بخبرة ودراية كبيرة بالشيء محل التعاقد‪ ،‬بعكس المستهلك الذي ال يهمه سوى إشباع حاجاته ‪.‬‬

‫ب – تمتع الموجب بقوة اقتصادية تجعله ينفرد بتحرير العقد ‪ ،‬ومصدر هذه القوة – عادة – هو االحتكار القانوني (مثل‬
‫النقل بالسكك الح ديدية‪ ،‬االشتراك في مصلحة المياه أو الكهرباء أو الغاز) أو االحتكار الفعلي (عقد التأمين ‪ ،‬عقد النقل‬
‫البحري ‪ ،‬عقد بيع المنقوالت أو السيارات الجديدة) ‪.‬‬
‫‪ -‬د‪.‬محمود جمال الدين زكي ‪ :‬الوجيز في نظرية االلتزام في القانون المدني المصري ‪ ،‬مصادر االلتزام ‪ ،‬الجزء األول ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ، 1976‬بند ‪. 47‬‬
‫‪ -‬د‪.‬عبد الباسط جميعي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 105 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أنظر بهذا الخصوص ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬د‪.‬عبد المنعم فرج الصدة ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 58 :‬‬


‫‪ -‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬ص ‪. 245 :‬‬
‫‪69‬‬
‫‪ – 134‬الخاصية الرابعة ‪ :‬أن يكون "اإليجاب" في عقد اإلذعان عاما ومستم ار يتم وضعه‬
‫من قبل الطرف القوي طبعا ‪.1‬‬
‫وهكذا يتم إعداد قوائم جاهزة سلفا من طرف مقدم السلعة أو الخدمة وعرضها على الجمهور‬
‫بشكل يخدم مصلحة الموجب‪ ،‬وال تقبل نقاشا فيها من قبل المستهلكين‪ ،‬ومما يزيد األمر تعقيدا‬
‫وخطورة على هؤالء أن مثل هذه القوائم يتم إعدادها من قبل أشخاص متخصصين ويكونون تابعين‬
‫للمحتكر‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لشركات التأمين التي تتوفر على مصلحة المنازعات القانونية‬
‫المختصة بدراسة الوثائق المحتمل عرضها على العموم‪.‬‬
‫‪ – 135‬واإليجاب في عقود اإلذعان يكون في شكل مستمر‪ ،‬بحيث ال يكون الموجب‬
‫مستعدا لمناقشة بنوده‪ ،‬كل ما يحتاج لتمام العقد هو قبول يكون بمثابة تسليم وإذعان لما صدر من‬
‫الموجب ‪.‬‬
‫وبعد أن تطرقنا ألهم خصائص عقد اإلذعان بشكل وجيز‪ ،‬يبقى لنا أن نميز بينه وبين‬
‫بعض المفاهيم القريبة منه ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تمييز عقد اإلذعان عن المفاهيم المشابهة له ‪.‬‬


‫‪ – 136‬من ناحية أولى ‪ ،‬تنبغي اإلشارة إلى أنه بالرغم من أن العقد النموذجي يشكل‬
‫الوسيلة األكثر انتشا ار إلبرام عقود اإلذعان‪ ،‬إال أن ذلك ال يشكل قاعدة مطلقة‪ ،‬حيث هناك تشابه‬
‫في كثير من األوصاف ‪ ،‬منها أنهما يستلزمان معا أن يصدر اإليجاب في شكل قالب نموذجي‬
‫وأن يتم توجيهه للجمهور‪ ،‬كما أن إعداده يكون نتيجة خبرة فنية وقانونية ‪.‬‬
‫‪ – 137‬ورغم كل ذلك فإن البون بينهما يبقى واضحا‪ ،‬ما دام أن العقد النموذجي يعتبر‬
‫عقد مساومة‪ ،‬بحيث يمكن للطرف اآلخر مناقشة شروطه والمفاوضة بشأنها‪ ،‬كل ما هنالك أن‬
‫الظروف الحديثة فرضت االلتجاء لهذه الوسيلة‪ ،‬حيث بواسطتها يتم توفير الوقت والسرعة في‬
‫المعامالت‪ ،‬كما يتم بواسطتها االقتصاد في النفقات ‪.‬‬
‫وإذا كانت القاعدة في العقود النموذجية أن الطرف المتلقي لإليجاب بإمكانه التفاوض بشأن‬
‫بنوده‪ ،‬فإن العمل كما يذهب إلى ذلك جانب من الفقه جرى على قبول التعاقد بموجبها دون مناقشة‬
‫شروطها‪ ،2‬ولعله األمر الذي دفع األستاذ أحمد عبد الرحمان الملحم إلى القول "وعند اإلطالع على‬
‫الدراسات المتعلقة بتلك العقود يلمس المطلع عدم االتفاق على مفهوم موحد حولها‪ ،‬فتارة يشار على‬

‫‪ -‬أنظر للتعمق في أهم مميزات اإليجاب في عقود اإلذعان أطروحة ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫د‪.‬العربي مياد ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 234 :‬‬


‫‪ -‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 247 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪70‬‬
‫أنها عقود إذعان‪ ،‬وتارة على أنها عقد أعد من أحد األطراف ووقع من الطرف اآلخر دون تفاوض‬
‫على بنوده"‪. 1‬‬
‫‪ – 138‬ومن ناحية ثانية ‪ :‬فإنه ينبغي التمييز بين بنود عقد اإلذعان والشروط التعسفية‪،‬‬
‫ذلك أنه كثي ار ما يتضمن هذا النوع من العقود مقتضيات حمائية للطرف الضعيف‪ ،‬عن طريق‬
‫تدخل جهة حكومية على سبيل المثال لتلزم الطرف القوي بضرورة مراعاة المتعاقد اآلخر من‬
‫التعسف‪ ،‬من خالل إجباره على توفير السلعة أو الخدمة بأقل تكلفة وأفضل جودة‪. 2‬‬
‫‪ – 139‬ويشكل عقد التأمين نموذجا مثاليا لهذا التدخل‪ ،‬حيث نجذ مثال الفصل ‪ 8‬من‬
‫القرار الوزاري بتاريخ ‪ ،1934‬يلزم إثبات عقد التأمين كتابة‪ ،‬وأن تتضمن وثيقة التأمين مجموعة‬
‫من البيانات‪ ،‬أهمها ‪:‬‬
‫‪ -‬عنوان ومحل شركة التأمين أو المؤمن ؛‬
‫‪ -‬اسم وعنوان العون أو الوسيط الذي أبرم العقد ؛‬
‫‪ -‬رقم تسجيل شركة التأمين في السجل التجاري المغربي ؛‬
‫‪ -‬مدة العقد وشروط انعقاده وفسخه ؛‬
‫‪ -‬قسط التأمين والتعويض ؛‬
‫‪ -‬طرق وشروط التصريح بالمخاطر ؛‬
‫‪ -‬تاريخ توقيع الوثيقة ‪.‬‬
‫لذلك فإن شركة التأمين ليست حرة في تضمين العقد ما شاءت من بنود‪ ،‬وإنما يتعين عليها‬
‫العمل في حدود ما هو مسطر لها‪ ،‬دون إمكانية إضافة شروط من شأنها التقليص من الضمانات‬
‫المخولة للمؤمن له‪. 3‬‬
‫‪ – 140‬وبالرغم من ذلك كله‪ ،‬فإن غالبية عقود اإلذعان تتضمن شروطا مجحفة‪،‬‬
‫يمليها المحتكر على المذعن‪ ،‬السيما مع بروز ظاهرة اختالل التوازن العقدي بين المحترف‬
‫والمستهلك‪ ،‬مما أدى إلى تزايد الشروط التعسفية في هذا النوع من العقود ‪.‬‬
‫ويبقى لنا بعد أن وضعنا اإلطار العام لعقد اإلذعان‪ ،‬أن نستجلي الدور الذي يلعبه القاضي‬
‫في هذا النوع من العقود لتحقيق التوازن بين التزامات المتعاقدين‪ ،‬وذلك في مطلب ثاني‪.‬‬

‫‪ -‬د‪.‬أحمد عبد الرحمان الملحم ‪ :‬نماذج العقود ووسائل مواجهة الشروط المجحفة فيها ‪ .‬دراسة تحليلية مقارنة ‪ ،‬مجلة‬ ‫‪1‬‬

‫الحقوق الكويتية ‪ ،‬السنة ‪ ، 1992 – 16‬ع ‪ 1‬و ‪ ، 2‬ص ‪. 245 :‬‬


‫‪ -‬د‪.‬عبد المنعم فرج الصدة ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 33 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪- Katani (azzdine) : l’assurance au Maroc, édition najah eljadida , casa blanca , 1983 ,‬‬
‫‪p : 165‬‬
‫‪71‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نطاق سلطة القاضي لمواجهة بنود عقد اإلذعان التعسفية‬
‫‪ – 141‬يشكل عقد اإلذعان كما سبقت اإلشارة لذلك المجال الخصب لبروز الشروط‬
‫التعسفية‪ ،‬وذلك بسبب االحتكار الذي يتمتع به المشترط‪ ،‬ولحاجة المذعن للشيء محل التعاقد ‪.‬‬
‫وفي غياب نص خاص في القانون الفرنسي‪ ،‬وأمام انتشار الشروط التعسفية بمختلف‬
‫صورها‪ ،‬ولعل أبرزها الشروط الجزائية المجحفة‪ ،‬تدخل القضاء‪ 1‬بدافع العدالة لتحقيق التوازن‬
‫العقدي‪ ،‬وهو ما دفع المشرع هناك للتدخل بواسطة ق‪ 597-75.‬الصادر بتاريخ ‪ 9‬يوليوز ‪1975‬‬
‫‪ ،‬الذي خول بمقتضاه للقاضي حق تعديل الشرط الجزائي ‪.‬‬
‫‪ – 142‬وخارج هذه الصورة – الشرط الجزائي – تدخل المشرع الفرنسي بمقتضى ق‪-23.‬‬
‫‪ 78‬بتاريخ ‪ 10‬يناير ‪ ، 1978‬ليخول القاضي سلطة إبطال الشروط التعسفية‪ 2‬في عقود‬
‫االستهالك – الذي غالبا ما يتخذ صورة إذعان ‪. -‬‬
‫‪ – 143‬ونفس الشيء ينطبق على التشريع المغربي‪ ،‬بحيث ال يمنح القاضي أي دور‬
‫مباشر في تعديل عقود اإلذعان‪ ،‬عندما تقترن بشروط تعسفية للحد من آثارها‪ ،‬ولذلك فإن مراجعة‬
‫عقود اإلذعان أصبحت تفرض نفسها للحد من التعسفات والوقوف بجانب الطرف الضعيف‪،‬‬
‫فالعدالة تقتضي التدخل لحماية هذا األخير ‪.‬‬
‫وفي ظل غياب نص عام يحمي من الشروط التعسفية بوجه عام ‪ ،‬وتبعا للقاعدة األصولية‬
‫بأن ما ال يدرك كله ال يترك جله ‪ ،‬عمل المشرع المغربي على التدخل بمقتضى القانون رقم ‪– 95‬‬
‫‪ 27‬للحد من التعسف في الشروط الجزائية ‪.‬‬
‫وبحسب أستاذنا ادريوش‪ ، 3‬فإن باعث المشرع على إصدار هذا القانون هو هذه الشروط‬
‫التعسفية التي نجدها في عقود اإلذعان‪ ،‬كما أن من بين أهدافه وضع حد للخالف الذي شهدته‬
‫غرف محاكم الموضوع أو المجلس األعلى بشأن سلطة القاضي في تعديل الشروط الجزائية‬
‫المجحفة‪. 4‬‬
‫‪ – 144‬وبخالف القانونين الفرنسي والمغربي‪ ،‬تبدو لنا التجربة المصرية جد رائدة في هذا‬
‫المجال‪ ،‬على اعتبار أن الذي يتولى تحرير عقد اإلذعان هو المشترط‪ ،‬فيكون من الطبيعي إدراج‬
‫شروطا تعسفية‪ ،‬ال يستطيع المذعن سوى الخنوع لها نظ ار لحاجته الضرورية للساعة أو الخدمة‪،‬‬

‫‪Cass.com , Bul.civ , N 4 , 1974 , p : 107‬‬ ‫‪ -‬أنظر على سبيل المثال ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬لن نتعمق كثي ار في دور القاضي لمقاومة الشروط التعسفية بوجه عام‪ ،‬على أساس أننا سنعالج هذه النقطة بتفصيل‬ ‫‪2‬‬

‫في المبحث الثاني ما دام أن التعسف ال يقتصر على عقود اإلذعان ‪ ،‬ص ‪ 97 :‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -‬د‪.‬أحمد ادريوش ‪ :‬الكراء في المدونة الجديدة للتجارة ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 1998 ،‬ص ‪. 114 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬وهو ما سنعود إليه في المبحث الثاني ‪ ،‬ص ‪ 97 :‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪72‬‬
‫األمر الذي دفع المشرع المصري‪ 1‬إلقرار المادة ‪ 149‬بهدف رفع العنت عن المذعن‪ ،‬حيث جاء‬
‫فيها "إذا ثم العقد بطريق اإلذعان‪ ،‬وكان قد تضمن شروطا تعسفية‪ ،‬جاز للقاضي أن يعدل هذه‬
‫الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها‪ ،‬وذلك وفقا لما تقضي به العدالة‪ ،‬ويقع باطال كل اتفاق‬
‫على خالف ذلك" ‪.‬‬
‫وهذا يعني أن تدخل القاضي إلعادة التوازن لعقد اإلذعان في ظل القانون المصري‪ 2‬تعتبر‬
‫أم ار مقر ار بنص خاص‪ ،‬غير أنه ليس ملزما بسلوك طريق معين‪ ،‬فإما أن يقرر تعديل الشرط‬
‫التعسفي أو إعفاء الطرف المذعن منه‪ ،‬وذلك بحسب الضرر الذي قد يتعرض له هذا األخير‪،‬‬
‫حيث لم يرسم له المشرع حدودا لذلك‪ ،‬إال ما تقتضيه متطلبات العدالة ‪.‬‬
‫‪ – 145‬ومما يزيد من تدعيم سلطة القاضي بهذا الشأن وفي نفس الوقت حماية الطرف‬
‫المذعن ما ورد في الفقرة األخيرة من المادة‪ 149‬مدني مصري‪ ،‬والتي جاء فيها ‪" :‬يقع باطال كل‬
‫اتفاق على خالف ذلك" ‪.‬‬
‫بمعنى أنه ال يجوز للمتعاقدين أن ينزعا من القاضي سلطته في التعديل لتعلق النص‬
‫بالنظام العام‪ ،‬وألن من شأن هذا االتفاق أن يفرغ النص من محتواه‪ ،‬حيث لن يتردد الطرف القوي‬
‫االحتكاري من فرض مثل هذا االتفاق في جل هذه العقود ‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد يرى الفقيه السنهوري "وال يجوز للمتعاقدين أن ينزعا من القاضي سلطته‬
‫هذه باتفاق خاص على ذلك‪ ،‬فإن مثل هذا االتفاق يكون باطال لمخالفته للنظام العام‪ ،‬ولو صح‬
‫للجأت إليه شركات االحتكـار وجعلتـه شرطـا مألوفـا ‪ clause de style‬في عقودها"‪. 3‬‬
‫‪ – 146‬وما ينبغي تسجيله في هذا الصدد أن النص النهائي للمادة ‪ 149‬ذهب بعيدا في‬
‫حماية الطرف المذعن‪ ،‬من خالل السلطة الواسعة التي خولها للقاضي على عكس ما كان يقضي‬
‫به المشروع التمهيدي‪ ،‬الذي كان يحصرها في حالة ما إذا كان العاقد المذعن لم ينتبه إلى هذه‬
‫الشروط‪ ،‬وإال يتعين االمتثال لها رعاية الستقرار المعامالت ‪.‬‬
‫ومن أحسن العبارات التي وجدتها تتطرق ألحكام المادة ‪ 149‬السالفة الذكر‪ ،‬تلك التي‬
‫أوردها العالمة السنهوري‪ ،‬حيث اعتبر هذا النص "في عمومه وشموله أداة قوية في يد القاضي‬
‫يحمي بها المستهلك من الشروط التعسفية التي تفرضها عليه شركات االحتكار‪ ،‬والقاضي هو الذي‬

‫‪ -‬أنظر بهذا الخصوص ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أحمد أبران ‪ :‬حماية رضا المستهلك في ضوء القواعد العامة والخاصة ‪ ،‬ر‪.‬د‪.‬د‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬في قانون األعمال ‪ ،‬جامعة محمد‬
‫األول ‪ /‬وجدة ‪ ، 2000 – 1999 ،‬ص ‪. 87 :‬‬
‫‪ -‬د‪.‬السيد محمد السيد عمران ‪ :‬حماية المستهلك أثناء تكوين العقد‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 30 :‬‬
‫‪ -‬مع اإلشارة إلى أن القانون المصري أيضا خول للقاضي سلطة تعديل الشروط الجزائية المجحفة ‪ ،‬على أننا سنؤجل‬ ‫‪2‬‬

‫الحديث عنها أيضا إلى المبحث الثاني ‪ ،‬ص ‪. 97 :‬‬


‫‪ -‬د‪.‬عبد الرزاق السنهوري ‪ :‬مصادر االلتزام‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 250 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪73‬‬
‫يملك حق تقدير ما إذا كان الشرط تعسفيا‪ ،‬وال معقب لمحكمة النقض على تقديره ما دامت عبارة‬
‫العقد تحتمل المعنى الذي أخذ به‪ ،‬فإذا كشف شرطا تعسفيا في عقد إذعان‪ ،‬فله أن يعدله بما يزيل‬
‫أثر التعسف‪ ،‬بل له أن يلغيه ويعفي الطرف المذعن منه"‪. 1‬‬
‫‪ – 147‬والسبب الذي جعلنا نطيل في معالجة الفصل ‪ 149‬مدني مصري‪ ،‬بينما أجلنا ذلك‬
‫بالنسبة للقانونين الفرنسي والمغربي إلى المبحث الثاني ‪ ،‬يرجع إلى كون النص سالف الذكر‬
‫يقتصر تطبيقه على مقاومة الشروط التعسفية الواردة في عقود اإلذعان‪ ،‬وعجز القضاء المصري‬
‫عن تمديد الحماية لألطراف ذات الخبرة المتواضعة في باقي أنواع العقود‪ ،‬ونستشهد بالقرار الصادر‬
‫عن محكمة االستئناف بالخطأ في تطبيق القانون‪ ،‬بسبب عدم استخدام المحكمة للسلطات التي‬
‫يخولها نص المادة ‪ 149‬للقضاء الستبعاد الشروط التعسفية"‪. 2‬‬
‫وتتلخص وقائعه في أن مستأج ار ألرض زراعية طالب باستبعاد الشرط الذي فرضه‬
‫المؤجر‪ ،‬والذي يقضي بعدم مسؤوليته عما يصيب المحصول من هالك أو تلف بسبب القوة القاهرة‬
‫وادعى المستأجر أن هذا الشرط يعتبر من الشروط التعسفية التي ينبغي على المحكمة أن تطبق‬
‫بشأنها أحكام المادة ‪ 149‬مدني بما يتيح للقاضي استبعاد هذا الشرط ‪.‬‬
‫غير أن محكمة النقض أيدت قرار محكمة االستئناف‪ ،‬القاضي بصحة االتفاق السابق على‬
‫اعتبار أن عقد اإليجار ليس من عقود اإلذعان‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى استبعاد المادة ‪ 149‬من‬
‫التطبيق ‪.‬‬
‫‪ – 148‬وقد سبق أن تطرقنا للدور المهم‪ ،‬الذي يقوم به القاضي‪ ،‬من حيث الوقوف بجانب‬
‫الطرف المذعن‪ ،‬بواسطة مؤسسة التأويل‪ ،‬عن طريق تفسير الشك لصالحه‪. 3‬‬
‫وفي محاولة منه لحماية الطرف المذعن‪ ،‬حرص القضاء الفرنسي على وجوب أن يعلم هذا‬
‫األخير علما حقيقيا بمضمون المشارطة "اإليجاب" أو أن يكون في استطاعته العلم بذلك على‬
‫األقل‪. 4‬‬
‫وتدعيما لتلك الحماية عمل على نقل عبء اإلثبات إلى عاتق المشترط‪ ،‬حيث يتعين عليه‬
‫لالستفادة من البنود الواردة في عقد اإلذعان‪ ،‬أن يثبت أن الطرف اآلخر كان على علم بها‪ ،‬أو‬
‫كان بإمكانه أن يعلم بها‪. 5‬‬

‫‪ -‬نفس المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 250 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬نقض مدني مصري ‪ ،‬أشار إليه ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬د‪.‬عب د الباسط جميعي ‪ :‬أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 250‬‬
‫‪ -‬لتفادي التكرار يمكن الرجوع إلى المطلب الثاني من المبحث األول للفصل األول ‪ ،‬ص ‪. 30 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫‪- cass.civ , 30 oct 1967 , J.C.P , 1968 , 15590 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-Berlioz (G) : op.cit , p : 59 .‬‬
‫‪74‬‬
‫‪ – 149‬كما تساهل القضاء الفرنسي كثي ار تجاه الطرف المذعن‪ ،‬حين تمسك هذا األخير‬
‫بإحدى عيوب الرضا‪ ،‬وخاصة الغلط والتدليس‪ ،‬نظ ار لظروفه الخاصة‪ ،‬وبغية تحقيق قدر من‬
‫التوازن المنعدم واقعيا ‪.‬‬
‫فإذا كان القانون الفرنسي يتطلب لالعتداد بالغلط أن يكون مغتفرا‪ ،‬وأن يكون في جوهر‬
‫الشيء‪ ،‬فإن القضاء قد عاملهما معاملة خاصة في نطاق عقود اإلذعان ‪.‬‬
‫فبخصوص الشرط األول ‪ ،‬ذهبت إحدى المحاكم الفرنسية إلى أنه "إذا لم يظهر أن المذعن‬
‫كان مدفوعا إلى التعاقد‪ ،‬بناء على طرق احتيالية‪ ،‬فليس أقل من التأكيد بأنه لم يتم إعالمه بطريقة‬
‫صحيحة بالنسبة للشروط والتعهدات المتبادلة ‪ ،‬كما لم يكن بوسعه أن يعلم بذلك"‪. 1‬‬
‫وهو ما قضت بت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ ‪ 18‬يوليوز ‪ 1958‬حينما ذهبت" إلى أن‬
‫المتعاقد قد انخدع باإلشهار الكاذب لشركة تدعي بأن القرض الذي تمنحه هذه األخيرة من‬
‫القروض تحت الطلب‪ ،‬ثم تبين له أن القرض يدفع بمجرد التوقيع على العقد‪ ،‬مما ينتج عنه أن‬
‫الفائدة تحتسب من تاريخ التوقيع ال من تاريخ تحويل مبلغ القرض‪ ،‬الشيء الذي يؤكد وقوع المتعاقد‬
‫في غلط"‪. 2‬‬
‫بمعنى أن هناك سهولة في اعتبار غلط المذعن مغتف ار‪ ،‬بل األكثر من ذلك أن القضاء‬
‫الفرنسي ألقى على عاتق المحتكر واجب إعالم الطرف اآلخر‪. 3‬‬
‫وبخصوص الشرط الثاني‪ ،‬أي أن يكون الغلط في جوهر الشيء‪ ،‬فإنه هو اآلخر تساهل‬
‫فيه‪ ،‬حيث اعتبر تجاوز السيارة الستهالك البنزين مقابل ما أعلنه الموجب بهدف إيجاد مشترين‬
‫بسهولة يستوجب تحقق الغلط‪. 4‬‬
‫‪ – 150‬كما ذهب القضاء الفرنسي إلى عدم التشدد في تحقيق التدليس‪ ،‬حيث اعتد في‬
‫كثير من الق اررات بالكتمان التدليسي‪ ،‬من ذلك قرار محكمة االستئناف لباريس بتاريخ ‪ 13‬نونبر‬
‫‪ ، 1962‬الذي قضت فيه بأن إهمال صاحب مرآب لبيع السيارات ذكر تاريخ صنع السيارة في‬
‫مستنداته اإلشهارية‪ ،‬يعتبر مرتكبا للتدليس عن طريق الكتمان‪. 5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Tribunal.lyon , 15 – 07 – 1952 , D.T 1 , 1952 . N 753 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Hélène bricks : les clauses abusives , op.cit , p : 185 .‬‬
‫‪ -‬أنظر ما سبق أن قلناه بهذا الخصوص في المبحث األول من الفصل األول ‪ ،‬ص ‪. 41 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫‪-Tribunal paris , 11 – 06 – 1970 , Gazzete palais , T 1 , 1971 , p : 7 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Dalloz , T 1 , 1963 , N 247 .‬‬
‫‪75‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫السماح للقاضي باستبعاد كل شرط تعسفي يساهم في توازن العقد ‪.‬‬
‫‪ – 151‬في ظل القصور الذي يعتري كل من القانون المغربي والفرنسي بخصوص عقد‬
‫اإلذعان‪ ،‬تبقى التجربة المصرية بهذا الشأن جد رائدة‪ ،‬وبالتالي يمكن االقتداء بها‪ ،‬كما أشرنا إلى‬
‫ذلك في المبحث األول ‪.‬‬
‫ووعيا بضرورة معالجة اختالل التوازن بين المتعاقدين‪ ،‬في ظل الظروف االقتصادية‬
‫المتسارعة والتي أفرزت طرفا قويا وآخر ضعيفا‪ ،‬حيث لم يعد يقتصر األمر على عقود اإلذعان‬
‫كما كان الوضع باألمس القريب‪ ،‬وإنما برزت ظاهرة انتشار الشروط التعسفية في العديد من العقود‬
‫سواء النموذجية منها أو العادية‪ ،‬تصاعدت الرغبة التشريعية في توفير الحماية للطرف الضعيف‬
‫في مختلف دول العالم‪ ،‬حيث يمكننا مالحظة توجه التشريعات المعاصرة إلى التدخل بشكل مباشر‬
‫لحظر بعض الشروط التي تبدو تعسفية في حد ذاتها ‪.‬‬
‫‪ – 152‬وعلى خالف القانون المغربي الذي لم ينظم بعد هذه الظاهرة‪ ،‬فإن نظيره الفرنسي‪،‬‬
‫وعلى منوال التشريعات الحديثة‪ ،‬تدخل بمقتضى قانون ‪ 10‬يناير ‪ ،1978‬الخاص بإعالم وحماية‬
‫مستهلكي السلع والخدمات‪ ،‬حيث تناولها في خمس مواد وردت في الفصل الرابع من هذا القانون‬
‫تحت عنوان حماية المستهلكين من الشروط التعسفية ‪.‬‬
‫ونظ ار لكون الشرط التعسفي قد يتشابه مع بعض المفاهيم القريبة منه ‪ ،‬فإننا سنعمل على‬
‫إبراز مفهومه (المطلب األول)‪ ،‬ثم بعد ذلك نتناول سلطة القاضي بهذا الخصوص (المطلب‬
‫الثاني) ‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬ماهية الشرط التعسفي‬


‫‪ – 153‬ما ينبغي تسجيله منذ البداية أن الفقه لم يتفق على تعريف موحد للشرط التعسفي‪،‬‬
‫وبالتالي اختالفه حول العناصر المميزة له ‪.‬‬
‫وفي ظل ذلك كان من الطبيعي أن نخصص مطلبا بأكمله لتحديد معالم الشرط التعسفي‬
‫وتمييزه عن المفاهيم التي يمكن أن تختلط به‪ ،‬فبعد أن بينا في المبحث األول من هذا الفصل على‬
‫أن عقد اإلذعان ليس من الضروري أن يتضمن شروطا تعسفية‪ ،‬ذلك أن هذا العقد كثي ار ما‬
‫يتضمن مقتضيات حمائية للطرف الضعيف‪ ،‬يبقى بعد ذلك تمييز الشرط التعسفي عن كل من‬
‫العقود النموذجية والشروط الجزائية (البند الثاني) ‪ ،‬لكن قبل ذلك يتعين الوقوف على أهم التعاريف‬
‫التي أعطاها الفقه له وإبراز عناصره (البند األول)‬

‫‪76‬‬
‫البند األول ‪ :‬مفهوم الشرط التعسفي وعناصره ‪.‬‬
‫‪ – 154‬لم يستقر الفقه على تعريف معين للشرط التعسفي (أوال) ‪ ،‬األمر الذي ترتب عنه‬
‫تباين مواقفه بخصوص العناصر المميزة له (ثانيا) ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬تعريف الشرط التعسفي ‪.‬‬


‫‪ – 155‬بالرجوع إلى المادة ‪ 35‬من قانون ‪ 10‬يناير ‪ 1978‬نجدها تنص على أنه "يعتبر‬
‫شرطا تعسفيا كل شرط يفرض على غير المهني أو على المستهلك من قبل المهني نتيجة التعسف‬
‫في استعمال هذا األخير لسلطته االقتصادية بغرض الحصول على ميزة مجحفة" ‪.‬‬
‫‪ – 156‬ويرى أحد الباحثين‪ 1‬أن المادة ‪ 35‬تجاوزت األفكار التقليدية للقانون المدني‪،‬‬
‫بإدراك المشرع أن الخطر بالنسبة للمستهلك‪ ،‬يكمن في مركزه الضعيف اقتصاديا وفنيا‪ ،‬بالمقارنة‬
‫مع المهني‪ ،‬األمر الذي يفسد العالقات التعاقدية‪ ،‬ما دام أن القانون المدني ال يتطلب المساواة‬
‫الفعلية ‪ ،‬وإنما يقتصر على مجرد المساواة القانونية‪ ،‬وهو السبب الذي جعل هذه المادة تفتقر للدقة‬
‫بسبب غموضها وتعميمها المفرط ‪.‬‬
‫وقد يكون السبب الذي دفع بالمشرع إلى جعل السلطة التنفيذية هي المختصة في تحديد‬
‫الشروط المحرمة من خالل المراسيم التي يصدرها مجلس الدولة بعد أخذ رأي لجنة الشروط‬
‫التعسفية‪ ، 2‬مكتفيا بتحديد المعايير التي يمكن من خاللها تمييز هذه الشروط عن غيرها من البنود‬
‫العادية ‪.‬‬
‫‪ – 157‬وعلى إثر تعديل ‪ 1‬فبراير ‪ ، 1995‬أصبح تعريف الشرط التعسفي بمقتضى المادة‬
‫‪ ، 1/132‬والتي جاء فيها "في العقود المبرمة بين المحترفين والمستهلكين ‪ ،‬تعتبر تعسفية‪ ،‬الشروط‬
‫التي يكون موضوعها أو آثرها هو خلق اختالل مبالغ فيه بين حقوق والتزامات أطراف العقد على‬
‫حساب الطرف غير المحترف أو المستهلك" ‪.‬‬
‫‪ – 158‬وقد أورد الفقه بناء على ذلك ‪ ،‬مجموعة من التعاريف‪ ،‬منها "أن الشرط التعسفي‬
‫هو البند المعد أو المهيأ سلفا من طرف المتعاقد القوي‪ ،‬بمقتضاه يستطيع جني منفعة فاحشة‪،‬‬
‫ويدخل في حكمه شروط اإلعفاء من المسؤولية أو المحددة لها ‪ ،‬الشروط الجزائية وشروط‬
‫االختصاص"‪. 3‬‬

‫‪ -‬العربي الشادلي ‪ :‬حماية الرضا بين النظرية الكالسيكية والحديثة في التشريع المغربي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ر‪.‬د‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬في القانون المدني ‪ ،‬جامعة الحسن الثاني ‪ /‬الدار البيضاء ‪ ، 1999 – 1998 ،‬ص ‪. 141 :‬‬
‫‪ -‬د‪.‬حسن عبد الباسط جميعي ‪ :‬أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 268 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪-J.auloy-calais : droit de la consommation , paris , 1992 , p : 134 .‬‬
‫‪77‬‬
‫كما تم تعريفه بأنه ذلك الشرط الذي يترتب عليه عدم توازن تعاقدي لصالح ذلك الذي‬
‫يفرضه على شخص ال خبرة له‪ ،‬أو أنه قد وجد في مركز عدم المساواة الفني ــة أو القانونية أو‬
‫االقتصادية في مواجهة الطرف اآلخر‪. 1‬‬
‫في حين عرفها البعض اآلخر بأنها كل الشروط التي تمنح امتيا از خاصا للمحترف بشكل‬
‫يؤدي إلى اختالل التوازن بين حقوق والتزامات األطراف‪. 2‬‬
‫وحسب األستاذ السيد عمران فإن الشرط التعسفي هو الشرط الذي يفرض على غير المهني‬
‫أو على المستهلك من قبل المهني نتيجة التعسف في استعمال األخير لسلطته االقتصادية بغرض‬
‫الحصول على ميزة مجحفة‪. 3‬‬
‫أما األستاذ حمد هللا محمد حمد هللا فيرى أنه ذلك الشرط الذي يترتب عليه اإلضرار‬
‫بالمستهلك بسبب عدم التوازن الواضح "الممقوت" بين حقوق والتزامات كل من المهني والمستهلك‪،‬‬
‫والمترتبة على عقد االستهالك‪. 4‬‬
‫‪ – 159‬أما مشروع قانون االستهالك المغربي‪ ،‬فقد عرفه في المادة ‪ 12‬كما يلي "يعد شرطا تعسفيا‬
‫كل شرط في عقد اإلذعان‪ ،‬والذي رغم ضرورة توفر حسن النية يخلق على حساب المستهلك‪ ،‬عدم‬
‫توازن شاسع بين حقوق وواجبات األطراف"‪. 5‬‬
‫وأول مالحظة تبدو لنا على هذا التعريف‪ ،‬أنه ضيق كثي ار من مجال الشروط التعسفية‪،‬‬
‫حيث حصرها في عقد اإلذعان‪ ،‬مع العلم أنه وإن كان هذا األخير يعتبر المجال الخصب لمثل‬
‫هذه الشروط‪ ،‬إال أنه وبفعل التطورات التي يشهدها العالم لم تعد تنحصر في هذا النوع من العقود‪،‬‬
‫بل تعدته‪ ،‬لدرجة أصبحت منتشرة في جل العقود المبرمة بين المهنيين والمستهلكين ‪.‬‬
‫من خالل مجموع هذه التعاريف‪ ،‬يمكن استخراج أهم العناصر المميزة للشروط التعسفية‪،‬‬
‫وهو ما سنعالجه في الفقرة الموالية ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬عناصر الشرط التعسفي ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Gamal (Hassan) : les clauses abusives dans les droits des pays arabes . actes de la table ,‬‬
‫‪ronde du 12 décembre 1990 , p : 311 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Hélène bricks : les clauses abusives , op.cit , p : 9 .‬‬
‫‪ -‬د‪.‬السيد محمد السيد عمران ‪ :‬حماية المستهلك أثناء تكوين العقد‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 32 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬د‪.‬حمد هللا محمد حمد هللا ‪ :‬حماية المستهلك في مواجهة الشروط التعسفية في عقود االستهالك – دراسة مقارنة –‬ ‫‪4‬‬

‫مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 53 :‬‬


‫‪ - 5‬وفي النص الفرنسي ‪:‬‬
‫‪(est considérée comme abusive toute clause relevant d’un contrat d’adhésion qui en débit de‬‬
‫‪l’exigence de bon foi , crée au détriment du consommateur un déséquilibre significatif entre‬‬
‫‪les droits et obligations des partie.‬‬
‫‪Ghestin(G) : Droit civil , les obligations , les effets du contrat , op.cit , p : 498 .‬‬
‫‪78‬‬
‫‪ – 160‬انطالقا من التعاريف السابق اإلشارة إليها ‪ ،‬يالحظ أن الفقه لم يجمع على‬
‫عناصر موحدة‪ ،‬وقد يكون السبب في ذلك هو تضارب االعتبارات االقتصادية وهاجس استقرار‬
‫المعامالت مع متطلبات العدالة التعاقدية ‪.‬‬
‫غير أن الرأي الراجح في الفقه الفرنسي‪ 1‬يميل إلى تفسير المادة ‪ 35‬من قانون ‪ 10‬يناير‬
‫‪ ،1978‬على أنها تتضمن عنصرين العتبار الشرط تعسفي‪ ،‬وهما ‪:‬‬
‫‪ – 161‬أ – القوة االقتصادية ‪ :‬وتقاس حسب بعض الفقه على ضوء حجم المشروع الذي‬
‫يستغله المهني‪ ،‬وبالنظر إلى الوسائل التي يملكها في ممارسة نشاطه‪ ،‬وكذلك حصة هذا المشروع‬
‫في السوق‪. 2‬‬
‫غير أننا نعتبر هذا العنصر غير ذي فعالية‪ ،‬على اعتبار أن التفوق التقني والقانوني هو‬
‫الذي يتعين أخذه بعين االعتبار أكثر من القوة االقتصادية‪ ،‬ألن الشرط التعسفي الذي يدرجه‬
‫المهني في العقد المزمع إبرامه يأتي نتيجة الحنكة التي يتوفر عليها بسبب تعوده على إبرام‬
‫الصفقات ومعرفته الجيدة لاللتزامات الناشئة عنها ‪ ،‬وأيضا درايته بخبايا مهنته‪ ،‬مما يسمح له‬
‫بفرض الشروط التي يرغب فيها ‪.‬‬
‫وربما يكون السبب الذي دفع المشرع الفرنسي‪ ،‬بتعديل فاتح فبراير ‪ ، 1995‬إلى التراجع‬
‫عن هذا المعيار‪ ،‬حيث لم يعد ضروريا أن يتمتع المحترف بالقوة االقتصادية‪ ،‬حتى يعتبر الشرط‬
‫تعسفيا‪ ،‬وإنما اقتصر على عنصر واحد لتحقق هذا الوصف ‪ ،‬وهو عدم التوازن البين والظاهر بين‬
‫حقوق والتزامات أطراف العقد‪ ،‬أو ما يعبر عنه بالميزة المفرطة ‪ ،‬وهو ما سنتناوله في الفقرة‬
‫الموالية ‪.‬‬
‫‪ – 162‬ب – الميزة المفرطة ‪ :‬تكاد المادة ‪ 12‬من المشروع – لوال العيب الذي أخذناه‬
‫عليها ‪ ، -‬أن تكون موافقة للرأي السديد في الفقه – الذي انتقد المشرع الفرنسي قبل تعديله على‬
‫إدراج المعيار األول المتعلق بالقوة االقتصادية ‪ ، -‬حيث اقتصر على هذا النوع الثاني‪ ،‬لما نص‬
‫على أن ه يعد شرطا تعسفيا كل شرط في عقد اإلذعان ‪ ،‬والذي رغم ضرورة توفر حسن النية يخلق‬
‫على حساب المستهلك‪ ،‬عدم توازن شاسع بين حقوق وواجبات األطراف ‪.‬‬
‫ويرى البعض‪ 3‬أن الميزة المفرطة‪ ،‬تعني عدم التوازن بين االلتزامات المترتبة على العقد‪،‬‬
‫سواء عن طريق المبالغة في تعداد االلتزامات الملقاة على عاتق المستهلــك أو عن طريق التخفيف‬
‫من التزامات المهني ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ghestin (G) : Droit civil , les obligations , les effets du contrat , op.cit , p : 498 .‬‬
‫‪ -‬د‪.‬حمد هللا محمد هللا ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 59 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪- J.P.pizzio : code de la consommation , 1996 , p : 203 .‬‬
‫‪79‬‬
‫ورغم التعديل الذي جاء به قانون ‪ 1‬فبراير ‪ ، 1995‬الذي اقتصر من خاللـه على معيار‬
‫انعدام التوازن‪ ،‬فإن البعض‪ 1‬يرى أن ذلك لم يؤثر على ضرورة وجود العنصر األول المتعلق بالقوة‬
‫االقتصادية‪ ،‬على اعتبار أن هذا األخير مفترض من خالل عنصر الميزة المفرطة‪.‬‬
‫‪ - 163‬واألكثر من ذلك أن هناك من استخلص من المادة ‪ 35‬السالف اإلشارة إليها‪ ،‬على‬
‫أنها تتضمن في طياتها أربعة خصائص‪ ، 2‬وهي ‪:‬‬
‫* يتعين أن يدرج الشرط في عقود مبرمة بين مهنيين ومستهلكين ‪.‬‬
‫* أن يكون الشرط مكتوبا ‪ ،‬بغض النظر عن شكل العقد أو طبيعته ‪.‬‬
‫* لكي يعتبر الشرط كذلك‪ ،‬يلزم أن يكون مشابهــا لتلـك الشـروط الـواردة في المادة ‪. 35‬‬
‫* يجب أن يكون مفروضا بواسطة المهني على المستهلك‪ ،‬بسبب القوة االقتصادية التي‬
‫يتمتع بها األول ‪ ،‬والتي ينتج عنها ميزة مبالغ فيها لصالحه ‪.‬‬
‫غير أننا نعتقد أن هذه اآلراء تبقى مجرد محاوالت فقهية ال تخلو من مزايدات‪ ،‬تحتم علينا‬
‫األمانة العلمية اإلدالء بها إلغناء البحث‪ ،‬وإال فإن المشرع الفرنسي بتعديــل ‪ 1‬فبراير ‪ 1995‬وضع‬
‫حدا لهذا الجدل ‪ ،‬حينما اقتصر على إيراد عنصر واحد لتحقق صفة الشرط التعسفي‪ ،‬وهو اختالل‬
‫التوازن بين حقوق والتزامات األطراف ‪ ،‬ولعله نفس الموقف الذي تبنته المادة ‪ 12‬من مشروع‬
‫قانون االستهالك المغربي ‪.‬‬

‫البند الثاني‪ :‬تمييز الشرط التعسفي عن بعض المفاهيم المشابهة‪.‬‬


‫‪ – 164‬بعد أن ميزنا في المبحث األول بين الشروط التعسفية وعقود اإلذعان‪ ،‬يبقى أن‬
‫نميز بينها وبين كل من العقود النموذجية والشروط الجزائية ‪.‬‬

‫أوال الشرط التعسفي ومضمون العقد النموذجي ‪.‬‬


‫فمن جهة‪ ،‬لم يعمل المشرع البريطاني‪ 3‬على تعريف العقد النموذجي ‪ ،‬وحسنا فعل‪ ،‬ألن‬
‫من شأن ذلك أن يوسع من نطاق مفهومه‪ ،‬حيث ترك أمر تحديده إلى الفقه والقضاء‪ ،‬وذلك كله‬
‫يصب في خانة حماية الطرف الضعيف‪ ،‬الذي ينضم إليه بعد انفراد المحترف بالتفنن في صياغة‬
‫بنوده ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- J.P.pizzio : op.cit , p : 204 .‬‬
‫‪ -‬د‪.‬حمد هللا محمد حمد هللا ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 56 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬د‪.‬أحمد عبد الرحمان الملحم ‪ :‬نماذج العقود ووسائل مواجهة الشروط المجحفة فيها – دراسة تحليليـة مقارنـة في الفقه‬ ‫‪3‬‬

‫والقضاء األنجلو أمريكي مع اإلشارة إلى الوضع في الكويت ‪ ،‬مجلة الحقوق الكويتية ‪ ،‬ع ‪ 1 :‬و ‪ ، 1992 ، 2‬ص ‪107 :‬‬
‫‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫ويمكن تعريفه بأنه عقد معد مسبقا ليتم التعاقد بموجبه في الظروف الموحدة‪ ،‬توفي ار للوقت‬
‫والنفقات في عمليات التعاقد التي تتميز إما باإلذعان من قبل الطرف المنظم للعقد أو بعدم قدرته‬
‫على التفاوض لنقص خبرته وقلة كفاءته‪. 1‬‬
‫‪ – 165‬وإذا كان العقد النموذجي الوسيلة الغالبة‪ ،‬كما رأينا في المبحث األول ‪ ،‬إلبرام‬
‫عقود اإلذعان‪ ،‬فإنه ليس مرادفا له‪ ،‬على اعتبار أن هناك الكثير من عقود المساومة – إن صح‬
‫التعبير – التي يتم استخدام العقود النموذجية فيها ‪ ،‬وذلك بالنظر للمزايا التي تحققها هذه األخيرة‬
‫في ظل التطورات االقتصادية والتكنولوجية التي تشهدها المعامالت في وقتنا الحاضر ‪ ،‬حيث يلجأ‬
‫إليها المهنيون‪ ،‬بالنظر لما ينتج عنها من تبسيط للصفقات المبرمة وتخفيض كلفتها ‪.‬‬
‫وحسب بعض الفقه‪ 2‬فإنها تخدم مصالح الطرفين‪ ،‬المهني حيث يعمل العقد النموذجي إلى‬
‫االرتقاء بمستوى أداء المؤسسات ذات اإلدارة المعقدة ‪ ،‬فال يمنح نموذج العقد البائع مكنة‬
‫التفاوض‪ ،‬وبالتالي ال تستدعي الحاجة إلى تمرين الباعة على أساليب التفاوض مع المشترين‪ ،‬مما‬
‫قد يترك أ ث ار في زيادة نسبة التكاليف ‪ .‬أما المستهلك‪ ،‬فإنه يخلق له إحساسا باألمان ‪ ،‬من خالل‬
‫اعتقاده أنه وقع عقدا لن يضر به‪ ،‬ما دام يوقع عليه أغلبية الجمهور ‪.‬‬
‫‪ – 166‬غير أن العقود النموذجية غالبا ما تحمل بين ثناياها شروطا مجحفة‪ 3‬في حق‬
‫الطرف الضعيف‪ ،‬بالنظر إلى انفراد الطرف القوي بصياغتها‪ ،‬حيث غالبا ما تأتي في شكل معقد‪،‬‬
‫يصعب على المستهلك فهمها‪ ،‬أو من خالل إدراج شروط جوهرية في أماكن ثانوية من الوثيقة‪ ،‬أو‬
‫صياغتها بشكل دقيق‪ ،‬أو بلغة أجنبية كما هو الشأن بالنسبة للشركات الضخمة‪ ،‬وفي ظل سرعة‬
‫المعامالت التي يبرمها المستهلكون‪ ،‬فإنهم غالبا ما يقومون بتوقيع العديد من هذه العقود دون‬
‫تمحيصها بشكل كافي‪. 4‬‬
‫ويذهب األستاذ عبد الرحمان الملحم‪ ،5‬أن الهدف من صياغة العقد بشكل معقد هو تحقيق‬
‫أمرين أساسيين ‪ .‬أولهما‪ ،‬حماية الطرف القوي من خالل زيادة ضماناته‪ ،‬والحد من حقوق الطرف‬
‫الضعيف‪ ،‬وثانيهما أن يولد شعور لدى الطرف الضعيف يزداد يوما بعد يوم بعدم جدوى قراءة هذا‬
‫العقد لما يثيره من صعوبات في فهمه ‪.‬‬

‫‪ -‬د‪.‬حسن عبد الباسط جميعي ‪ :‬أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 107 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬د‪.‬أحمد عبد الرحمان الملحم ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 260 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪- Hélène bricks : les clauses abusives , op.cit , p : 225 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ghestin (G) : traité de droit civil , les obligations , le contrat , op.cit , p : 40 .‬‬
‫‪ -‬د‪.‬أحمد عبد الرحمان الملحم ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 262 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪81‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الشرط التعسفي والشرط الجزائي ‪.‬‬
‫‪ – 167‬وقد عرف أحد الفقهاء‪ 1‬الشرط الجزائي بأنه اتفاق مسبق بين المتعاقدين على تقدير‬
‫التعويض في حالة عدم تنفيذ االلتزام أو التأخر في ذلك ‪.‬‬
‫في حين عرفه البعض اآلخر‪ 2‬على أنه الوسيلة لتفادي عدم تنفيذ العقد‪ ،‬بحيث يرغم المدين‬
‫بدفع مبلغ جزافي وغالبا ما يكون مضاعفا ‪.‬‬
‫والذي يظهر من هاذين التعريفين‪ ،‬أنهما لم يتفقا على مفهوم موحد للشرط الجزائي‪ ،‬وبالتالي‬
‫فهما يعكسان االتجاه السائد في الفقه والقضاء‪ ،‬حيث لم يتم االستقرار على تصور واحد‪.‬‬
‫‪ – 168‬ذلك أن التعريف الثاني يعكس الرأي الذي يركز على الصفة التهديدية ‪caractère‬‬
‫‪ comminatoire‬للشرط الجزائي‪ ،‬حيث يقع اللجوء إلى هذا الشرط وسيلة لضمان تنفيذ‬
‫االلتزامات‪ ،‬وهو التصور الذي دأب عليه القضاء قبل بداية التسعينات‪ ،‬من ذلك القرار الصادر عن‬
‫محكمة االستئناف بالدار البيضاء‪ 3‬بتاريخ ‪ 19‬يناير ‪ ، 1988‬والذي جاء فيه "وحيث إن األمر‬
‫يتعلق هنا بشرط جزائي تابع اللتزام أصلي‪ ،‬وهو إخالء المحل في وقت محدد‪ ،‬وإال فإن الجزاء‬
‫يكون تعويضا قدره ألف درهم ‪.‬‬
‫وحيث دأب اجتهاد هذه المحكمة ‪ ،‬وذلك سي ار على القانون الفرنسي والقضاء الفرنسي‪،‬‬
‫الذي أكد أن الشرط الجزائي شرط اتفاقي وليس بوقتي وال تهديدي ‪ ،‬وإنما هو اتفاق نهائي قابل‬
‫للتنفيذ على حاله‪ ،‬واألصل فيه عدم التخفيض‪ ،‬وهو ما سار عليه اجتهاد هذه المحكمة ‪. "...‬‬
‫وهذا التصور هو الذي أخذ به المشرع الفرنسي ‪ ،‬من خالل المادة ‪ 1226‬ق‪.‬م‪ ،‬والتي‬
‫عرفت الشرط الجزائي بأنه "هو الذي بموجبه يلتزم شخص ضمانا لتنفيذ العقد بتقديم شيء في حالة‬
‫عدم التنفيذ"‪. 4‬‬
‫وبالرغم من التعديل الذي لحق المادة ‪ 1152‬مدني فرنسي سنة ‪ 1975‬والذي سمح للقاضي‬
‫بإمكانية تعديل الشرط الجزائي‪ ،‬فإن جانبا مهما من الفقه‪ 5‬بقي متمسكا بهذا التصور‪ ،‬مؤكدين على‬
‫أن الصيغة التي جاءت بها المادة السالفة الذكر‪ ،‬تعتبر دليال قاطعا على الطابع اإلكراهي للشرط‬

‫‪ -‬د‪.‬عبد الباسط حسن جميعي ‪ :‬أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 223 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪- Hélène bricks : les clauses abusives , op.cit , p : 81 .‬‬
‫‪ -‬المجلة المغربية للقانون ‪ ،‬ع ‪ ، 17 :‬ص ‪. 138 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ - 4‬والنص األصلي للمادة ‪ 1126‬ورد كما يلي ‪:‬‬


‫‪(la clause pénale est celle par laquelle une personne, pour assurer l’exécution d’une‬‬
‫‪convention, s’engage à quelque chose en cas d’inexécution) .‬‬
‫‪5‬‬
‫)‪ - (ripert) , (planiol‬منهم‬
‫راجع بهذا الخصوص ‪:‬‬
‫‪Eismen : traité pratique de droit civil française , les obligation , L.G.D.J , paris , 1984 , N 869.‬‬
‫‪82‬‬
‫الجزائي‪ ،‬ويتضح ذلك من كون القاعدة هي عدم قابليته للمراجعة طبقا للفقرة الثانية‪ ،‬وهذا الرأي‬
‫يجد له صدى في القضاء الفرنسي‪. 1‬‬
‫‪ – 169‬وهذا بعكس التعريف األول‪ ،‬الذي ينسجم مع التصور القائم على اعتبار الشرط‬
‫الجزائي تعويضا اتفاقيا عن الضرر‪ ،‬إال أننا نؤاخذ عليه عدم اإلشارة إلى ضرورة وجود الضرر من‬
‫جراء عدم التنفيذ أو التأخير فيه‪ ،‬وهو األمر الـذي تداركـه قانـون ‪ ، 95 – 27‬حيث بعد استعماله‬
‫مصطلح التعويض اإلتفاقي‪ ،‬ثالث مرات في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل ‪ 264‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪،‬‬
‫جعل ذلك متوقفا على حدوث الضرر من جراء التأخر في التنفيذ أو انعدامه بالمرة‪ ،‬حيث جاء في‬
‫الفقرة الثانية من الفصل السالف الذكر على أنه "يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على التعويض عن‬
‫األضرار التي تلحق الدائن من جراء عدم الوفاء بااللتزام األصلي كليا أو جزئيا أو التأخير في‬
‫تنفيذه" ‪.‬‬
‫ومن تم فإن الشرط الجزائي ‪ ،‬حسب هذا االتجاه هو اتفاق لتقدير الضرر الذي لحق أحد‬
‫المتعاقدين من جراء عدم تنفيذ المتعاقد اآلخر التزاماته أو التأخير في تنفيذها ‪.‬‬
‫‪ – 170‬وبغض النظر عن حجج كل رأي‪ ،‬فإن الفقه الحديث يأخذ بالطبيعة المزدوجة‪، 2‬‬
‫حيث يشكل الشرط الجزائي‪ ،‬باإلضافة إلى كونه تقدي ار جزافيا للتعويض الناتج عن إخالل أحد‬
‫المتعاقدين بالتزاماته‪ ،‬فإنه يعتبر من ناحية ثانية وسيلة لضمان تنفيذ العقد‪ ،‬وسبب ذلك هو انه‬
‫حتى في حالة قيام القاضي بمراجعة المبالغة الفادحة لهذا الشرط‪ ،‬فإن ذلك ال يصل إلى حد‬
‫معادلته ومماثلته بالضرر المتحقق فعال ‪.‬‬
‫ونعتقد أنه مراعاة لمصلحة االقتصاد الوطني‪ ،‬يتعين ضرورة مراعاة هذا الجانب التهديدي‬
‫في كل مرة يعمل القاضي سلطته في تعديل الشرط الجزائي ‪.‬‬
‫وبالتالي فإننا ال نتفق مع األستاذ الباسط جميعي‪ ، 3‬الذي اعتبر بأن الشرط الجزائي حتى‬
‫وإن لم يتضمن مبالغة في تقدير التعويض فإنه يجب اعتباره شرطا تعسفيا متى كان هناك اختالل‬
‫وعدم التعادل بين طرفي العقد ‪.‬‬
‫وعموما فإن المتتبع ألغلب العقود‪ ،‬يتبين له أن هذا الشرط عرف انتشا ار واسعا في‬
‫الممارسة‪ ،‬للمزايا التي يحققها‪ ،‬فهو يحمل المتعاقد المتعنت على تنفيذ التزاماته‪ ،‬كما أنه يعتبر‬
‫أسلوبا ناجحا في ربح الوقت واقتصاد النفقات التي تترتب عن االلتجاء للقضاء ‪.‬‬
‫‪ – 171‬ومن تم فإن الشرط الجزائي‪ ،‬ال يعتبر شرطا تعسفيا متى اتفق أطراف العقد على‬
‫تعويض عادل ال يتجاوز بشكل كبير الضرر الذي يصيب أحدهما نتيجة عدم التنفيذ أو التأخير‬

‫‪1‬‬
‫‪- Revus . Tr.Droit.civil , 1994 , p : 605 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Mazeaud (D) : la notion de la clause pénale , préface . F.chabas , L.G.D.J , 1992 , N 691 .‬‬
‫‪ -‬أنظر موقفه في مؤلفه ‪ :‬أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 224‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪83‬‬
‫فيه‪ ،‬إال أنه متى كان مبالغا فيه بشكل كبير‪ ،‬فإنه يتحول إلى شرط تعسفي‪ ،‬وهذا ما سارت عليه‬
‫الممارسة التعاقدية ‪ ،‬بسبب استغالل الطرف القوي لمقدرته االقتصادية‪ ،‬وبذلك تحول من أداة‬
‫لتحقيق التوازن العقدي إلى عامل اضطراب واختالل‪. 1‬‬
‫وما يؤكد هذا المسلك‪ ،‬ما أشار إليه أحد الفقهاء‪ 2‬في تعليـق لـه علـى قانـون ‪" 27 – 95‬وقد‬
‫قصد المشرع بهذا الحكم حماية المستهلك من التعسف في الشروط الجزائية في غياب نص عام‬
‫يحمي من الشروط التعسفية بوجه عام‪ ،‬فأعطى للقاضي إمكانية تعديل التعويض المتفق عليه‪ ،‬إما‬
‫بالنقص منه إذا كان مبالغا فيه‪ ،‬أو بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من التنفيذ الجزئي‪ ،‬أو‬
‫بالزيادة فيه إذا كان زهيدا ‪ ،‬بل إن باعث المشرع على إصدار هذا القانون هو هذه الشروط‬
‫التعسفية التي نجدها في عقود الليزنج بالخصوص ‪."..‬‬
‫وعلى حد تعبير األستاذ معالل فؤاد‪ ، 3‬فإن هذا الشرط كان يعرف وال يزال الكثير من‬
‫التجاوزات ‪ ،‬والمبالغة من حيث المبالغ التي ينص عليها‪ ،‬مما أدى إلى انتشار الشروط الجزائية‬
‫المجحفة ‪.‬‬
‫وأكثر من ذلك بولغ في وضيفته التهديدية‪ ،‬مما جعلها تتعرض للتشويه‪ ،‬ويمكن تلمس هذه‬
‫الوضعية بمجرد إلقاء نظرة خاطفة على بعض أنواع العقود‪ ،‬كعقد التمويل بالكراء ‪ ،‬أو عقد إيجار‬
‫المنقول مع التزام المؤجر بالصيانة‪ ،‬حيث تحولت الحرية التعاقدية مطية في إطار الشرط الجزائي‬
‫إلى هيمنة واستغالل الطرف القوي للطرف الضعيف ‪.‬‬

‫المطلب الثاني تعديل القاضي للعقد عند اقترانه بشروط تعسفية ‪.‬‬
‫‪ – 172‬لقد اعتبر القضاء الفرنسي الشروط الجزائية شروطا تعسفية متى وردت في عقود‬
‫االستهالك‪ ،‬وبالتالي قرر استبعادها‪ ، 4‬وذلك خالفا لقانون ‪ 597 – 75‬الذي يقضي فقط بتعديلها‬
‫إما بالزيادة أو النقصان‪ ،‬وقد تبنى قانون االستهالك الفرنسي لسنة ‪ 1995‬موقف القضاء‪.‬‬
‫غير أن هذا القول ال يجب أخذه على إطالقه‪ ،‬ذلك أن الشرط الجزائي ليس بالضرورة‬
‫شرطا تعسفيا‪ ،‬ذلك أن األطراف قد يتفقون على تعويض عادل ال يتجاوز بشكل كبير الضرر الذي‬
‫يصيب أحدهما‪ ،‬غير أنه وخالل السنوات األخيرة شهد الشرط الجزائي انحرافا كبي ار عن وظيفته‬

‫‪ -‬د‪.‬فؤاد معالل‪ :‬الشرط الجزائي في القانون المغربي‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون الخاص ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ .‬جامعة‬ ‫‪1‬‬

‫محمد بن عبد هللا ‪ /‬فاس ‪ ، 1993 – 1992 ،‬ص ‪. 111 :‬‬


‫‪ 2‬د‪.‬أحمد ادريوش ‪ :‬الكراء في المدونة الجديدة للتجارة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 114 :‬‬
‫‪ -‬د‪.‬معالل فؤاد ‪ :‬مستقبل الشرط الجزائي بعد صدور القانون رقم ‪ 27 – 95‬بتاريخ ‪ 13‬يوليوز ‪ ، 1995‬مجلة القانون‬ ‫‪3‬‬

‫واالقتصاد ‪ ،‬العدد ‪ ، 14‬ص ‪. 57 :‬‬


‫‪4‬‬
‫‪- Paisant (Gille) : les clauses pénales et clauses abusives après la loi N 95 – 96 du 1 février‬‬
‫‪1995 recueil Dalloz , 29 cahier chronique , p : 223 .‬‬
‫‪84‬‬
‫األصلية‪ ،‬بانتشار ظاهرة الشروط المجحفة‪ ،‬مما دفع بالقضاء تحت هاجس العدالة إلى التدخل من‬
‫أجل تعديل العقد ‪ ،‬وهو األمر نفسه الذي جعل العديد من التشريعات تعمل على إقرار هذه السلطة‬
‫بنص خاص كما هو الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي والمغربي‪ ،‬وللطابع الخاص للشرط الجزائي‬
‫فإننـا سنخصـص له بند مستقل (البند الثاني) ‪.‬‬
‫ولم تقتصر التشريعات الحديثة علـى معالجـة الشـروط الجزائيـة المجحفـة كما هو الشأن‬
‫بالنسبة للقانون المغربي‪ ،‬وإنما أوردت قوانين خاصة بالشروط التعسفيـة أيا كانت طبيعتها‪ ،‬وإن وقع‬
‫خالف بينها حول السلطة الممنوحة للقاضي في هذا الصدد (البند األول) ‪.‬‬

‫البند األول ‪ :‬أساليب مواجهة القاضي للشروط التعسفية ‪.‬‬


‫‪ – 173‬بداية نود اإلشارة إلى أن سلطة القاضي في مواجهة الشروط التعسفية في معظم‬
‫األنظمة تقتصر على عقود االستهالك‪ ،‬وهو ما يشكل نقصا يتعين تجاوزه‪ ،‬على اعتبار أن الحماية‬
‫ينبغي أن تشمل كل العقود التي اختل توازنها‪ ،‬سواء تعلق األمر بعقـود االسته ـالك أو بغيرها ‪.‬‬
‫كما يتعين اإلشارة إلى أن القضاء وشعو ار منه بضرورة مراعاة العدالة‪ ،‬لم يبقى مكتوف‬
‫األيدي أمام ظاهرة اختالل التوازن‪ ،‬حتى قبل صدور قوانين االستهالك‪ ،‬فقد سبق أن أشرنا في‬
‫الفصل األول للدور الذي قام بت القضاء الفرنسي على وجه الخصوص للوقوف بجانب الطرف‬
‫الضعيف‪ ،‬من خالل مجموعة من المبادئ العامة ‪.‬‬
‫‪ – 174‬وبخصوص القانون األنجلوساكسوني‪ ،‬فقد ابتدع القضاء البريطاني مبدأ عدم‬
‫التكافؤ في المقدرة التعاقدية‪ ،‬وبمقتضاه يصبح العقد قابال لإلبطال‪ ،‬إذا لم يكن المتعاقدان على قدم‬
‫المساواة‪ ،‬فمقتضيات ‪ .‬العدالة كما يقول "لورد دينيغ"‪ 1‬ال تقبل عندئذ أن يترك الطرف القوي يدفع‬
‫الطرف الضعيف إلى الحائط ‪.‬‬
‫وباختصار شديد فإن هذا المبدأ تم ترسيخه بشكل بارز انطالقا مـن قضيـة ‪hloyd bork‬‬
‫‪ V.bundy‬سنة ‪ ،1974‬وخاللها وضعت المحكمة أهم معالم هذا المبدأ‪ ،‬والذي يتضح أن هناك‬
‫شروطا ثالثة‪ ، 2‬ينبغي توفرها لالستجابة لطلب المدعي‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫• أن يتعاقد شخص وفق شروط غير عادلة ‪.‬‬
‫• أن يرجع ضعف مركزه التعاقدي إلى حاجته أو رغبته في السلعة أو الخدمة أو بسبب‬
‫ضعفه أو جهله ‪.‬‬
‫• أن ال يتمكن الطرف الضعيف من الحصول على نصيحة طرف ثالث محايد ‪.‬‬

‫‪ -‬أنظره عند ‪:‬‬


‫‪1‬‬
‫د‪.‬أحمد عبد الرحمان الملحم ‪ :‬نماذج العقود ووسائل مواجهة الشروط المجحفة فيها ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 278 :‬‬
‫‪ -‬نفس المرجع ‪ :‬ص ‪. 286 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪85‬‬
‫وسبب تدخل القضاء المقارن هذا‪ ،‬يرجع بالدرجة األولى إلى إحساسه بعدم قدرة القواعد‬
‫الكالسيكية على مواكبة التحوالت الجذرية التي عرفها العقد ‪.‬‬
‫‪ – 175‬ووعيا منها بهذه الظاهرة الجديدة‪ ،‬بادرت العديد من التشريعات إلى إصدار قوانين‬
‫ذات طابع حمائي‪ ،‬بهدف مجابهة الشروط التعسفية ‪.‬‬
‫غير أن دور القضاء بهذا الخصوص يختلف من تشريع آلخر‪ ،‬بحسب األسلوب الذي تم‬
‫اعتماده‪ ،‬حيث عملت بعضها على جعل السلطة التنفيذية أو التشريعية مختصة بتحديد الشروط‬
‫التعسفية وهو ما يجعل هامش تدخل القضاء ضيق‪ ،‬بينما عملت تشريعات أخرى على تخويل‬
‫القاضي سلطة تقديرية مهمة لدراسة كل حالة على حدة‪ ،‬ومن تم حماية أكبر للطرف الضعيف ‪.‬‬
‫وبالنظر إلى االنتقادات التي وجهت لكال األسلوبين السابقين‪ ،‬فإن دوال أخرى حاولت تجاوز‬
‫ذلك‪ ،‬بتبنيها ألسلوب مختلط ‪.‬‬
‫ولكون معرفة الدور الذي يستطيع القاضي القيام به في مجال مقاومة الشروط التعسفية‬
‫يتوقف على حسب األسلوب المعتمد من طرف القانون الذي يطبقه‪ ،‬فإننا ارتأينا الوقوف بالتفصيل‪،‬‬
‫على كل واحد على حدة ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬األسلوب التقديري ‪.‬‬


‫‪ – 176‬يخول هذا األسلوب للقاضي إبطال شروط العقد التعسفية استنادا إلى وجود تعريف‬
‫قانوني لها ‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه الطريقة تتميز بالبساطة والمرونة‪ ،‬فإن أهم عيب تم توجيهه لها‪ ،‬يتمثل في‬
‫الخوف من سوء استعمال القضاة للسلطة التقديرية المخولة لهم‪ ،‬وما يترتب عن ذلك من تحكم‬
‫يهدد استقرار المعامالت ‪.‬‬
‫وإذا كان بعض الفقه‪ 1‬يرى أن هذا األسلوب يتفق مع الحل الذي أخذ به القانون المصري‬
‫في المادة ‪ ، 149‬أثناء معالجته لعقد اإلذعان‪ ،‬حيث جاء في هذه األخيرة "إذا تم العقد بطريق‬
‫اإلذعان‪ ،‬وكان قد تضمن شروطا تعسفية‪ ،‬جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط‪ ،‬أو أن يعفي‬
‫ا لطرف المذعن منها‪ ،‬وذلك وفقا لما تقضي به العدالة ‪ ،‬ويقع باطال كل اتفاق على خالف ذلك"‪،2‬‬
‫فإننا نرى أنه نفس الحل الذي تبناه المشرع المغربي بخصوص الشرط الجزائي بمقتضى ق‪– 95 .‬‬
‫‪ ، 27‬حيث جاء في الفق ـرة الثالثــة من الفصل ‪ 264‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪ .‬يمكن للمحكمة تخفيض التعويض‬

‫‪ -‬د‪.‬حمد هللا محمد حمد هللا ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 62 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أنظر بهذا الخصوص ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫د‪.‬إدريس الفاخوري ‪ :‬حماية المستهلك من الشروط التعسفية ‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬م ‪ ،‬ع ‪ ، 3 :‬يونيو ‪ ، 2001‬وجدة ‪ ،‬ص ‪. 77 :‬‬
‫‪86‬‬
‫المت فق عليه إذا كان مبالغا فيه‪ ،‬أو الرفع من قيمته إذا كان زهيدا‪ ،‬ولها أيضا أن تخفض من‬
‫التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي"‪.‬‬
‫وإذا كان القانون الفرنسي لسنة ‪ 1978‬المتعلق بإعالم وحماية المستهلك ‪ ،‬لم يأخذ بهذا‬
‫األسلوب‪ ،‬فإن بعض الفقه‪ 1‬حاول دفع القضاء إلى تقرير ما يعد شرطا تعسفيا ولو لم يرد في‬
‫الالئحة‪ ،‬بحجة غموض المادة ‪ 35‬من هذا القانون ‪ ،‬غير أن الرأي الغالب يميل إلى القول باعتماد‬
‫القانون الفرنسي ألسلوب الالئحة‪ ،‬وهو ما سنعرج عليه في الفقرة الموالية ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أسلوب القائمة ‪.‬‬


‫‪ – 177‬ويتمثل في إعداد الئحة بالشروط التي يمكن اعتبارها تعسفية‪ ،‬وبالتالي يستجيب‬
‫القاضي لطلب إبطالها‪ ،‬إذا ما عمد الطرف المحترف إلى فرضها على الطرف اآلخر – المستهلك‬
‫‪ ، -‬وميزة هذا األسلوب أنه يحقق األمان القانوني للمهنيين‪ ،‬ويتفادى تحكم القضاة ‪.‬‬
‫‪ - 178‬والمالحظ أن هذا األسلوب هو المعتمد في فرنسا‪ ،‬سواء من خالل قانون ‪1978‬‬
‫السالف الذكر ‪ ،‬أو بمقتضى التعديالت التي لحقته‪ ،‬فقد جاء في المــادة ‪ 1/132‬من قانون‬
‫االستهالك لسنة ‪ ، 1993‬على أن تحديد الشروط التعسفية يتم بمرسوم يصدر عن مجلس الدولة‬
‫بعد استشارة لجنة الشروط التعسفية‪. 2‬‬
‫وبالتالي ‪ ،‬فإن سلطة القاضي تكون محدودة‪ ،‬بحيث تقتصر على اعتبار الشروط التي‬
‫تضمنها المرسوم تعسفية فقط وتقرير بطالنها ‪ ،‬دون إمكانية تمديدها إلى باقي الشروط غير الواردة‬
‫ضمنه ‪.‬‬
‫ومنذ إقرار هذا األسلوب بمقتضى قانون ‪ 10‬يناير ‪ 1978‬لم يصدر إال مرسوم واحد‪ ،‬وكان‬
‫ذلك في ‪ 24‬مارس ‪ ، 1978‬الذي نص على ثالثة أنواع من الشروط التعسفية‪ ، 3‬وهي ‪:‬‬
‫• الشروط المعفية أو المحددة لمسؤولية الحرفي في عقود البيع‪ ،‬مع استبعاد عقود أداء‬
‫الخدمات ‪.‬‬
‫• الشروط التي تمنح المهني إمكانية تعديل خصائص السلع أو الخدمات المطلوبـة من جانبه‬
‫فقط ‪.‬‬
‫• الشروط المعفية من الضمان القانوني للعيوب الخفية ‪.‬‬

‫‪ -‬من هذا )‪(G.paisant‬‬ ‫‪1‬‬

‫نقال عن ‪ :‬د‪.‬عبد الباسط جميعي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 278 :‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Auloy (J.C) : op.cit , p : 170 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Auloy (J.C) : op.cit , p : 170 et S .‬‬
‫‪87‬‬
‫‪ – 179‬هـذا وقـد تضـمـن قانـون ‪ 1‬فب ـ اريـر ‪ 1995‬ملحـقـا بمجم ـوعـة من الشروط التعسفي ـة ‪،‬‬
‫‪une liste inducative et non‬‬ ‫عددهـا سبعـة عشـر ‪ ،‬تعتبـر بيانيـة وليسـت حصريـة‬
‫‪ exhaustive‬وذلك بمقتضى الفقرة الثالثة من المـادة ‪ ، 1/132‬غير أن هذا الملحق ليس له قوة‬
‫إلزامية‪. 1‬‬
‫وما ينبغي اإلشارة إليه هو أن هذا الملحق يتضمن جزأين ‪ ،‬األول يتعلق بالشروط‬
‫التعسفية‪ ، 2‬والثاني باالستثناءات الواردة عليها ‪.‬‬
‫‪ – 180‬فبخصوص األولى‪ ،‬فهي حسب المادة ‪ ، 132‬الشروط التي يكون هدفها أو من‬
‫آثارها ‪:‬‬
‫* استبعاد مسؤولية المهني أو تحديدها‪ ،‬في حالة وفاة المستهلك أو إصابته بأضرار‬
‫جسدية‪ ،‬بسبب فعل أو إهمال من المهني ‪.‬‬
‫* النص على التزام قاس على عاتق المستهلك‪ ،‬في حين أن واجبات المهني يتوقف تنفيذها‬
‫على اإلرادة المنفردة للمهني ‪.‬‬
‫* تخويل المهني االحتفاظ بالمبالغ التي دفعها المستهلك‪ ،‬الذي عدل عـن إبرام أو تنفيذ‬
‫العقد ‪.‬‬
‫* استبعاد الحقوق القانونية للمستهلك أو تحديدها‪ ،‬بطريقة غير معقولة لصالـح المهني أو‬
‫لصالح طرف آخر ‪.‬‬
‫* إلزام المستهلك بدفع تعويض مبالغ فيه‪ ،‬عند تراجعه عن تنفيذ التزاماته ‪.‬‬
‫* تخويل المهني دون المستهلك إمكانية فسخ العقد بطريقة تعسفية ‪.‬‬
‫* إمكانية إنهاء المهني للعقد غير محدد المدة‪ ،‬ودون سابق إخطار‪ ،‬ودون وجود سبب‬
‫جدي ‪.‬‬
‫* السماح للمهني بتأجيل تنفيذ العقد محدد المدة‪ ،‬رغما عن إرادة المستهلك ‪.‬‬
‫* النص في العقد على التزام (إذعان) المستهلك لشروط ‪ ،‬بالرغم من أنه لم يعلم بها ‪.‬‬
‫* تخويل المهني إمكانية تعديل عبارات العقد دون وجود مبرر مشروع ‪.‬‬
‫* تخويل المهني الحق في تعديل خصائص السلعة أو الخدمة المقدمة‪ ،‬دون وجود مبرر‬
‫مقبول ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Auloy (J.C) : op.cit , p : 174 .‬‬
‫‪ -‬يمكن الرجوع إلى ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫الباحث أحمد أبران ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 96 :‬‬


‫د‪.‬حمد هللا محمد حمد هللا ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 68 :‬‬
‫‪88‬‬
‫* تأجيل تحديد الثمن إلى تاريخ التسليم‪ ،‬أو السماح للبائع بإمكانية زيادة الثمن رغما عن‬
‫إرادة المستهلك ‪ ،‬ودون أن يكون له الحق في طلب الفسخ إذا شعر بالمبالغة في الزيادة ‪.‬‬
‫* تخويل المهني الحق الكامل في تفسير بعض بنود العقد‪ ،‬وأيضا الحق في تحديد ما إذا‬
‫كانت السلعة أو الخدمة المقدمة ال تتناسب مع شروط العقد ‪.‬‬
‫* التضييق من التزامات المهني‪ ،‬المتعلقة بالتعهدات التي تقع على عاتق تابعية ‪.‬‬
‫* السماح للمهني بالتنصل من االلتزامات المفروضة عليه‪ ،‬بخالف المستهلك الذي يبقى‬
‫ملتزما بها ‪.‬‬
‫* حرمان المستهلك من إمكانية إنهاء العقد‪ ،‬والسماح بعكس ذلك للمهني ‪.‬‬
‫* حرمانه أيضا من اللجوء للقضاء ‪ ،‬أو من بعض الوسائل اإلجرائية التي تقوي حقوقه‪ ،‬أو‬
‫إلزامه بضرورة سلوك مسطرة التحكيم ‪.‬‬
‫والمالحظ أن هذا الملحق يتطابق مع التوجيه الصادر عن االتحاد األوروبي‪ 1‬لسنة ‪1993‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ – 181‬أما الجزء الثاني من الملحق ‪ ،‬فيتضمن قائمة باالستثناءات من الشروط الممكن‬
‫اعتبارها تعسفية‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫* الشروط التي تخول المهني إمكانية إنهاء العقد غير محدد المدة‪ ،‬ولو بدون سابق‬
‫إخطار‪ ،‬بشرط أن يكون هناك مبرر مقبول‪ ،‬وأن يقوم المهني بإعالم الطرف اآلخر ‪.‬‬
‫* الشروط التي تسمح للمهني بإمكانية تعديل سعر الفائدة واألعباء المالية األخرى ‪ ،‬ودون‬
‫سابق إخطار‪ ،‬لكن بشرط أن يكون هناك مبرر مقبول‪ ،‬وأن يقوم المهني بإعالم الطرف اآلخر في‬
‫مدة مالئمة‪ ،‬إضافة إلى أن يكون لهؤالء حق الفسخ الفوري للعقد ‪.‬‬
‫* الشروط المتعلقة بتغيير األسعار‪ ،‬شريطة أن تكون مشروعة‪ ،‬وأن تكون طريقة التغيير‬
‫محددة صراحة ‪.‬‬
‫* الشروط المرتبطة بالعمليات الخاصة بالقيم المنقولة‪ ،‬والسندات المالية‪ ،‬وغيرها من‬
‫اإليرادات أو الخدمات األخرى ‪.‬‬
‫وعموما فإن هذا األسلوب يتميز بالجمود‪ ،‬ألنه يفقد القاضي سلطته في التقصي عن بعض‬
‫الشروط التي تعتبر تعسفية‪ ،‬رغم أنها غير واردة في القائمة‪ ،‬كما أنه يحتم على السلطات العامة‬
‫أن تكون مجندة باستمرار للتدخل في كل مرة تظهر فيها شروطا تعسفية‪ ،‬تبعا للتطور االقتصادي‬
‫واالجتماعي بقصد إدراجها في القائمة‪ ،‬وهو ما يعتبر تكلفا زائدا‪ ،‬حيث يترتب عن ذلك الكثير من‬

‫‪1‬‬
‫‪- Auloy (J.C) : op.cit , p : 171 .‬‬
‫‪89‬‬
‫المصاريف‪ ،‬الدولة في غنى عنها لو أسندت هذه المهمة للسلطة القضائية‪ ،‬السيما بالنسبة لدول‬
‫العالم الثالث ‪.‬‬
‫‪ – 182‬ويبدو أن مشروع قانون االستهالك المغربي‪ ،‬لم يتعظ بهذه االنتقادات‪ ،‬حينما تبنى‬
‫هو اآلخر األسلوب الالئحي ‪ ،‬من خالل المادة ‪ 13‬منه ‪ ،‬والتي جاء فيها ‪:‬‬
‫"ستحدد بمرسوم الئحة توضيحية وغير حصرية للشروط التي يمكن اعتبارها تعسفية" ‪،‬‬
‫وذلك على خالف العديد من القوانين‪ ،‬التي أخذت بعين االعتبار عيوب األسلوبين السابقين ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬األسلوب المختلط‪.‬‬


‫‪ – 183‬يهدف هذا االتجاه إلى العمل باألسلوبين السابقين معا‪ ،‬أي النص على قائمة‬
‫تتضمن مجموع الشروط التي تعتبر تعسفية في نظر السلطات العامة‪ ،‬إضافة إلى تخويل القاضي‬
‫سلطة إبطال الشروط التعسفية‪ ،‬تأسيسا على التعريف الذي وضعه المشرع لها ‪.‬‬
‫‪ – 184‬وتأخذ بهذا النهج العديد من الدول ‪ ،‬السيما األوروبية منها‪ ،‬نقتصر على القانون‬
‫االنجليزي لسنة ‪ ، 1977‬المعروف بقانون بنود العقد المجحفة‪. 1‬‬
‫فبعد أن نص هذا القانون على قائمة قصيرة للشروط التعسفية‪ ،‬حيث حظر من خاللها‬
‫بعض الشروط المعفية أو المحددة لمسؤولية المحترف‪ ،‬التي تنشأ بالخصوص من عقود االستهالك‬
‫والعقود النموذجية‪ ،2‬وضع نصا عاما بمقتضى المادة الثانية منه‪ ،‬يخول للقاضي بمقتضاها سلطة‬
‫واسعة في تقدير ما إذا كان الشرط تعسفيا أم ال‪ ،‬كل ما هناك أن يتأكد من أن الشروط الواردة في‬
‫عقود االستهالك والعقود النموذجية غير معقولة وذلك باالستناد إلى ظروف الحال ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫استعان القاضي بأفكار أخرى للوقوف على مسألة عدم معقولية‪ ،‬إذ‬ ‫ففي دعوى ‪Zinnia‬‬
‫عول القاضي على صغر حجم حروف عبارات العقد‪ ،‬ممــا يتعــذر معه قراءته‪ ،‬كما عول على‬
‫أسلوب صياغة العقد المعقدة ‪ ،‬التي تتطلب شخصا متخصصا في علم القانون لفهمها‪.‬‬
‫لكن ما يؤخذ على القانون البريطاني هذا‪ ،‬أنه يجعل الحماية مقصورة على ما يدرج في‬
‫العقود من شروط إعفاء أو تقييد من المسؤولية‪ ،‬وال تمتد إلى شروط أخرى خارج هذا النطاق ‪،‬‬
‫ولكنها تكون مجحفة ‪.‬‬

‫‪ -‬أنظر ‪ :‬د‪.‬أحمد عبد الرحمان الملحم ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 304 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬د‪.‬حسن عبد الباسط جميعي ‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 286 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ويرى األستاذ جميعي ‪ ،‬أن أهم ما يعالجه هذا القانون هو حظر التقييد أو اإلعفاء من مسؤولية المحترف حينما‬
‫ينجم عن خطئه وفاة المستهلك أو إصابته بأضرار جسدية ‪.‬‬
‫‪ -‬د‪.‬أحمد عبد الرحمان الملحم ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 309 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪90‬‬
‫‪ – 185‬وربما يكون للمزايا التي يتمتع بها هذا األسلوب األخير‪ ،‬تأثير على مسلك القضاء‬
‫الفرنسي ‪ ،‬حيث قررت محكمة النقض‪ 1‬بتاريخ ‪ 14‬ماي ‪ 1991‬بأن لقضاة الموضوع سلطة إبطال‬
‫الشروط التعسفية دون ضرورة التقيد في ذلك بصدور مرسوم ‪ ،‬يتضمن مثل هذه الشروط‪ ،‬وهو‬
‫الحل الذي تم اعتماده بمقتضى تعديل ‪ 1‬فبراير ‪.2 1995‬‬
‫‪ – 186‬وإذا كان تحديد نماذج الشروط التعسفية في فرنسا يتم من خالل مراسيم‪ ،‬أوكلت‬
‫لجهاز مجلس الدولة بمقتضى المادة ‪ 132‬من قانون االستهالك الفرنسي‪ ،‬فإن هذا األخير أوجد‬
‫جها از آخ ار ال يستهان به‪ ،‬هو لجنة الشروط التعسفية‪ ،‬التي تقوم بدور هام في البحث والتحري‬
‫للشروط الشائع استعمالها من قبل المحترفين في عقود االستهالك‪ ،‬وبالتالي توصي بتعديلها أو‬
‫عدم إدراجها في العقود أو إلغائها‪ ،3‬إذا كانت تنطوي على التعسف‪. 4‬‬
‫وقد وصف البعض هذه اللجنة بمثابة بوليس تعاقدي ‪ ، la police contractuelle‬نظ ار‬
‫لدور الحماية التي تقوم به تجاه جمهور المستهلكين من هيمنة المحترفين‪ ،‬بالرغم من أن توصياتها‬
‫ليست لها قوة ملزمة‪ ،‬على اعتبار أنها تترك تأثي ار معنويا على هؤالء‪ ،5‬فبالنسبة للمستهلكين‪ ،‬فإنهم‬
‫يتمسكون بها لمطالبة القاضي بإبطالها‪ ،‬لكون هذا األخير يأخذ مثل هذه التوصيات بعين االعتبار‬
‫عند تبنيه للحل الذي يطبقه على النازلة موضوع النزاع‪ ،‬أما بالنسبة للمهنيين فهم اآلخرين يعملون‪،‬‬
‫ومن تلقاء أنفسهم على استبعاد مثل هذه الشروط‪ ،‬حفاظا على سمعتهم التجارية من جهة ‪ ،‬وخشية‬
‫أن يضطروا إلى ذلك بعد تكبد مصاريف القضاء من جهة أخرى‪. 6‬‬
‫‪ – 187‬وبهدف الوقوف بجانب الطرف الضعيف في هذا السياق‪ ،‬عمل المشرع الفرنسي‬
‫الصادر في ‪ 27‬دجنبر ‪ ،1973‬وذلك من أجل‬ ‫‪7‬‬
‫بتاريخ ‪ 5‬يناير ‪ 1988‬على تعديل قانون ‪royer‬‬
‫توسيع دور جمعيات حماية المستهلكين حيث خولها حق رفع دعوى إلغاء الشروط التعسفية‬
‫‪ ، action en suppression de clauses abusives‬وذلك بمقتضى المادة السادسة منه ‪.‬‬
‫ولعل هدف المشرع من تخويل هذه الجمعيات الحق السالف ذكره‪ ،‬يرجع بالدرجة األولى‪،‬‬
‫إلى الحد من عكوف المستهلكين عن رفع القضايا التي تتضمن شروطا مجحفـة في حقهم‪ ،‬وهو ما‬

‫‪1‬‬
‫‪- Cass.civ , 14 mai 1991 , Dalloz , 1991 , p : 449 , not : ghestin (J) .c‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Auloy (J.C) : op.cit , p : 171 .‬‬
‫‪ -‬الباحث عمرو قريوح ‪ :‬الحماية القانونية لمستهلكي السلع والخدمات – دراسة في عقود االستهالك – ر‪.‬د‪.‬دع‪.‬م ‪ ،‬في‬ ‫‪3‬‬

‫قانون األعمال ‪ ،‬جامعة محمد األول ‪ /‬وجدة ‪ ، 2000 – 1999 ،‬ص ‪. 95 :‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Auloy (J.C) : op.cit , p : 171 .‬‬
‫‪ -‬أنظر رأي هذا الفقه عند ‪ :‬د‪.‬حمد هللا محمد حمد هللا ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 134 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬‬
‫‪- Auloy (J.C) : op.cit , p : 172 , N 146‬‬
‫‪ -‬حيث كان قانون "رويير" قبل تعديله‪ ،‬يخول لجمعيات حماية المستهلك حق االلتجاء إلى القضاء بغرض الدفاع عن‬ ‫‪7‬‬

‫المصالح الجماعية للمستهلكين ‪.‬‬


‫‪91‬‬
‫من شأنه أن يساعد على تجميد دور القاضي ‪ ،‬باعتبار أن هذا األخير ال يتدخل من تلقاء نفسه‪،‬‬
‫والسبب في ذلك العكوف حسب جانب من الفقه هو ضعف إمكانيات المستهلكين المادية‪ ،‬بالنظر‬
‫للتكاليف الباهظة والمصاريف التي تترتب عن رفع دعوى قضائية‪ ،‬مقابل النفع الذي قد يحصلون‬
‫عليه‪ ،1‬إضافة لضعف الوعي القانوني لهذه الشريحة ‪.‬‬
‫‪ – 188‬وفي انتظار صدور قانون خاص بحماية المستهلك في التشريع المغربي‪ ، 2‬على‬
‫غرار نظيره الفرنسي‪ ،‬ووعيا منه بدور جمعيات حماية المستهلك‪ ،‬فـإن قانــون ‪ 06 – 99‬المتعلق‬
‫بحرية األسعار والمنافسة‪ ،‬خول لهذه األخيرة ‪ ،‬إمكانية أن تنتصب طرفا مدنيا‪ ،‬أو أن تحصل على‬
‫تعويضات عن الضرر الالحق بالمستهلكين بناء على دعوى مدنية مستقلة بمقتضى المادة ‪ 99‬منه‬
‫‪.‬‬

‫البند الثاني ‪ :‬تعديل القاضي للعقد عند اقترانه بشروط تعسفية ‪.‬‬
‫‪ – 189‬كما سبق أن أشرنا إلى ذلك‪ ،‬فإن الشرط الجزائي شهـد انح ارفـا كبيـ ار عن وظيفته‪،‬‬
‫بانتشار ظاهرة الشروط المجحفة‪ ،‬وبالتالي خرج عن وظيفته األصليـة‪ ،‬وهو ما أثار إمكانية تدخل‬
‫القاضي لمراجعته‪ ،‬إذا كان مبالغا فيه‪ ،‬وذلك بهدف إعادة التوازن للعقد ‪.‬‬
‫والسبب الذي جعلنا نتناول بشكل انفرادي‪ ،‬يعود إلى كون سلطة القاضي تنحصر في‬
‫المراجعة‪ ،‬وال يملك إمكانية إبطال الشروط الجزائية المجحفة كما هو الشأن بالنسبة للشروط‬
‫التعسفية على وجه العموم‪ ،‬التي خولت التشريعات المنظمة لها‪ ،‬كالقانون الفرنسي الفرنسي‪ ،‬سلطة‬
‫حذفها من العقد‪ ،‬واعتبارها كأن لم تكن ‪.‬‬
‫‪ – 190‬وعموما فإن أغلب الدول شهدت مرحلتين‪ ،‬األولى قبل التدخل التشريعي إلقرار‬
‫سلطة القاضي في المراجعة حيث عرفت اضطرابا في مواقف هذا األخير (أوال) ‪ ،‬والمرحلة الثانية‬

‫‪1‬‬
‫‪-Starck (B) , Roland (H) , Boyer (L) : droit civil , les obligations , contrat , sixième édition ,‬‬
‫‪N 695 .‬‬
‫‪ - 2‬خصص مشروع القانون المتعلق بحماية المستهلك الباب السابع (من المادة ‪ 65‬إلى المادة ‪ )96‬لجمعيات حماية‬
‫المستهلك ‪.‬‬
‫وبخصوص مهامها ‪ :‬جاء في المادة ‪ 67‬منه "يمكن للجمعيات المصرح بها بصفة منتظمة‪ ،‬والتي موضوعها‬
‫األساسي ينص بصراحة على الدفاع وحماية مصالح المستهلكين‪ ،‬أن تمارس الحقوق المعترف بها للجهة المدنية من حيث‬
‫األعمال التي تضر بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالمصالح الجماعية للمستهلكين" ‪.‬‬
‫وجاء في المادة ‪" 68‬يمكن لكل جمعية تتوفر فيها الشروط المنصوص عليها في المادة ‪ ، 65‬في حالة تعرض‬
‫مجموعة من المستهلكين‪ ،‬أشخاص ذاتيين ومعروفين‪ ،‬كل على حدة ألضرار بفعل نفس المهني وذات مصدر واحد‪ ،‬أن‬
‫تطالب باسم هؤالء المستهلكين بإصالح الضرر أمام هيئة قضائية إذا كانت موكلة على األقل من طرف عشرة من هؤالء‬
‫المستهلكين المعينين ‪.‬‬
‫يجب أن تعطى الوكالة كتابة من طرف كل مستهلك" ‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫حينما تدخل المشرع تحت تأثير اآلراء الفقهية وبعض الق اررات القضائية لتخويل هذا األخير سلطة‬
‫المراجعة (ثانيا) ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬مرحلة ما قبل التدخل التشريعي ‪.‬‬
‫سنركز بهذا الخصوص على كل من القانون الفرنسي ( أ ) والقانون المغربي (ب)‪.‬‬
‫أ – القانون الفرنسي ‪.‬‬
‫‪ - 191‬إذا كان المشرع‪ ،‬وإلى غاية تعديل ‪ ، 1975‬بقي وفيا لمبدأ سلطان اإلرادة على‬
‫شكله التقليدي‪ ،‬فإن الفقه والقضاء لم يهدأ باله على هذا المسلك‪ ،‬وقام بالعديد من المحاوالت‬
‫لتكريس سلطة القاضي في تعديل الشروط الجزائية المجحفة‪ ،‬والتخفيف بالتالي من قدسية المادة‬
‫‪ 1152‬مدني فرنسي‪ ،‬وهو ما لقي معارضة مطلقة من قبل محكمة النقض الفرنسية‪ ، 1‬التي ضلت‬
‫متمسكة بالمادة السابق اإلشارة إليها ‪.‬‬
‫وتعود أولى المحاوالت الفقهية إلى "بوتييه"‪ ،‬الذي ذهب إلى إمكانية مراجعة القاضي للشرط‬
‫الجزائي عند عدم تنفيذ االلتزام‪ ،‬إذا كان مبالغا فيه‪. 2‬‬
‫إال أن محكمة النقض‪ ،‬ومنذ مدة تصدت لمثل هذه المحاوالت‪ ،‬حيث جاء في قرار لها‬
‫بتاريخ ‪ 14‬فبراير ‪" 1866‬إن الحكم الذي ال ينفي الصفة التعاقدية والملزمة لالتفاق‪ ،‬ومع ذلك‬
‫ينقص المبلغ المنصوص عليه كعطل وضرر ‪ ،‬بداعي أن هذا المبلغ مبالغ فيه بصورة ظاهرة هو‬
‫حكم خاطئ ومخالف للقانون"‪. 3‬‬
‫‪ – 192‬ورغم تمسك محكمة النقض بموقفها هذا‪ ،‬فإن ذلك لم يثني الفقه البحث عن منافذ‬
‫للدفع بالقضاء إلى التدخل لمواجهة ظاهرة استفحال الشروط الجزائية المجحفة والوقوف بجانب‬
‫الضعفاء في العملية التعاقدية ‪.‬‬
‫وهكذا يرى الفقيه ‪ ، boccara‬أنه يتعين التمييز بين عدم التنفيذ اإلرادي وغير اإلرادي‪،‬‬
‫فالمدين الذي تسوء أحواله ألسباب اقتصادية‪ ،‬لدرجة لم يتمكن معها من الوفاء بالتزاماته‪ ،‬يكون من‬
‫غير المعقول إلزامه بشرط جزائي مبالغ فيه‪ ،‬ومن تم فإنه يتعين تخويل القاضي سلطة مراجعة مثل‬
‫هذه الشروط متى كان المدين حسن النية‪. 4‬‬

‫‪ -‬هن اك بعض االستثناءات التي تسمح فيها محكمة النقض بمراجعة الشرط الجزائي ‪ ،‬أهمها حالة تخفيضه في حالة‬ ‫‪1‬‬

‫التنفيذ الجزئي باالستناد إلى المادة ‪ 1231‬من القانون المدني الفرنسي ‪.‬‬
‫راجع بهذا الخصوص ‪ :‬د‪.‬طالل المختار ‪ :‬البند الجزائي في القانون المدني ‪ ،‬أطروحة دكتوراه ‪ ،‬باريس ‪ ، 1974‬ص ‪98 :‬‬
‫‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Hubrecht : la révisibilité juridique des clauses pénales , G.P , 1976 , p : 64‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪D.P , 1866 , 1 p : 194 .‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫‪- Boccara (bruno) : la liquidation du clause pénale et la querelle séculaire de l’article 1231‬‬
‫‪du code civil , J.C.P , 1970 , 1 , 2294 .‬‬
‫‪93‬‬
‫‪ – 193‬وتعددت المحاوالت الفقهية الهادفة إلى إقرار سلطة القاضي في مراجعة هذه‬
‫الشروط‪ ،‬وهو ما وجد له صدى لدى محاكم الموضوع‪ ،‬السيما منذ بداية الستينات‪ ،‬معتمدة في ذلك‬
‫على العديد من األسس‪ ،‬من بينها المادة ‪ 1231‬مدني فرنسي‪ ،‬المتعلقة بإمكانية تعديل الشرط‬
‫الجزائي في حالة التنفيذ الجزئي‪ ،‬فحاولت بعض المحاكم التوسع في تفسير هذه المادة‪ ،‬إلقرار‬
‫سلطة المراجعة القضائية‪ ، 1‬لكن يبقى أهمها هو المبدأ القاضي بعدم إمكانية الجمع بين التنفيذ‬
‫العيني والتنفيذ عن طريق التعويض‪ ،‬وفي ذلك قررت محكمة باريس بتاريخ ‪ 27‬يونيو ‪" 1970‬إن‬
‫هذه الشروط تتناقض في نفس الوقت‪ ،‬مع مقتضيات المادة ‪ ،1184‬التي تخول في عقد المعاوضة‬
‫للدائن االختيار بين التنفيذ الجبري للعقد وبين فسخه مع التعويض‪ ،‬وليس الجمع بين مزايا الحلين‬
‫معا‪ ،‬ومع مقتضيات المادة ‪ 1228‬من نفس القانون ‪ ،‬التي بتركها للدائن هنا أيضا ‪ ،‬الخيار بين‬
‫التنفيذ وبين الجزاء‪ ،‬يفترض بالضرورة أن الجزاء لم يجعل عن طريق التحايل ‪ ،‬مطابقا للتنفيذ‬
‫بالنسبة للمدين"‪. 2‬‬
‫هذا عن الوضع في فرنسا باختصار ‪ ،‬فماذا عنه في المغرب ؟‬

‫ب – القانون المغربي ‪.‬‬


‫‪ – 194‬بخالف الوضع في القضاء الفرنسي‪ ،‬الذي تبين لنا منه أن محكمة النقض‬
‫الفرنسية‪ ،‬ظلت وفية لموقفها الرافض للمراجعة‪ ،‬رغم تأثرها الواضح باالنتقادات الفقهية وبعض‬
‫ق اررات محاكم الموضوع‪ ،‬من خالل تقريرها السنوي لسنة ‪ 1973 – 1972‬والذي طالبت فيه‬
‫بضرورة تدخل المشرع لحل أزمة الشرط الجزائي‪ ، 3‬فإن الوضع في القضاء المغربي مغاير‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن التضارب في المواقف لم يقتصر على محاكم الموضوع‪ ،‬بل تعداه ليشمل المجلس‬
‫األعلى‪ ،‬والسيما مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات‪.‬‬
‫‪ – 195‬فبالنسبة للق اررات التي تمسكت بالتصور التقليدي للقوة الملزمة للعقد‪ ،‬نذكر قرار‬
‫المجلس األعلى بتاريخ ‪ 14‬نونبر ‪ ، 1990‬والذي قضى "لكن حيث إنه ال يضير القرار كونه لم‬
‫يشر إلى النصوص المطبقة‪ ،‬ما دام أنه صدر وفقا للقانون‪ ،‬والقرار المطعون فيه‪ ،‬عندما قضى‬
‫على الطالب بأدائه لفائدة المطلوب ‪ ،‬التعويض المستحق عن التأخير في الوفاء بالتزامه ‪ ،‬فإنه‬
‫يكون قد طبق الفصل ‪ 230‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م"‪. 4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Grenoble.com , 12 mai 1969 , J.C.P , 1970 , 89421 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- J.C.P , Ed.ge , Tome 2 , 1970 , 26576 .‬‬
‫‪ -‬د‪.‬فؤاد معالل ‪ :‬الشرط الجزائي في القانون المغربي ‪ ،‬األطروحة السابقة ‪ ،‬ص ‪. 114 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬قرار عدد ‪ ، 2329‬ملف مدني ‪ ،‬عدد ‪ ، 85/2994‬صادر عن الغرفة المدنية الثانية ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪94‬‬
‫أما بالنسبة لمحاكم الموضوع‪ ،‬التي سارت على نفس النهج‪ ،‬فإننا نستشهد بق اررات مختلفة‬
‫من حيث الحيز الزمني لصدورها ‪ ،‬محاولة منا إلبراز أن نهاية الثمانينات وبداية التسعينات تعتبر‬
‫تحوال شبه جذري في مواقف القضاء المغربي ‪.‬‬
‫فخالل مرحلة االستعمار‪ ،‬ذهبت محكمة االستئناف بالرباط في قرار لها بتاريخ ‪ 20‬أكتوبر‬
‫‪ 1926‬أن القاعدة المقررة في الفصل ‪ 230‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬تجعل الشرط الجزائي الذي بمقتضاه حدد‬
‫الطرفان مسبقا التعويض المتفق عليه في حالة عدم تنفيذ العقد‪ ،‬مشروعا ما دام ال يوجد في‬
‫القانون ما يمنعه ‪.‬‬
‫وقبل حصول المغرب بسنوات قليلة على استقالله‪ ،‬أكدت المحكمة االبتدائية للدار‬
‫البيضاء‪ ،‬أنه ال مجال لمراجعة الشرط الجزائي ولو كان مجحفا‪ ،‬بعلة احترام القوة الملزمة للعقد‪،‬‬
‫وكان ذلك في حكم لها بتاريخ ‪ 18‬دجنبر ‪ ، 1951‬والذي قررت فيه ‪:‬‬
‫"حيث إنه خالفا لما يدعيه المطلوب‪ ،‬فإن األمر ال يتعلق بدعوى عمومية‪ ،‬ولكن فقط‬
‫باحترام الشرط الجزائي‪ ،‬الذي هو تصفية اتفاقية مقدرة بشكل جزافي لحالة عدم تنفيذ االلتزام‪،‬‬
‫وحيث إن الشرط الجزائي يقوم مقام القانون بالنسبة للمتعاقدين"‪. 1‬‬
‫والحق يقال أن االجتهاد القضائي طوال هذه الحقبة‪ ،‬يجد له مبررات في سلوكه هذا‬
‫ا لمسار‪ ،‬على اعتبار أن الشرط الجزائي لم يكن مبالغا في تقديره بالشكل الذي شهده خالل العقود‬
‫األخيرة‪ ،‬بفعل الكثير من العوامل‪ ،‬التي أشرنا إلى أهمها‪ ،‬حيث كانت وظيفته باألساس‪ ،‬رغبة‬
‫المتعاقدين تفادي اللجوء إلى القضاء‪ ،‬وما يترتب عن ذلك من مصاريف ‪ ،‬إضافة إلى كونه أداة‬
‫تهديد لضمان السالمة العقدية دون أن ينطوي على أي تعسف ‪.‬‬
‫وبالرغم من التطور الذي شهدته العالقات التعاقدية‪ ،‬والمتمثلة في اختالل التوازن بين‬
‫أطرافها‪ ،‬وما نتج عن ذلك من تحول في وظيفة الشرط الجزائي‪ ،‬الذي أصبح وسيلة الستغالل‬
‫القوي للضعيف‪ ،‬من خالل الشروط المجحفة التي ينطوي عليها‪ ،‬ومع ذلك فإن محاكم الموضوع‬
‫بقيت متمسكة بمسلكها الذي نهجته منذ بداية القرن العشرين‪ ،‬ولعل أهم الق اررات التي يستشهد بها‬
‫في هذا الصدد قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء الصادر بتاريخ ‪ 19‬يناير ‪ ، 1988‬والذي‬
‫جاء فيه "حيث دأب اجتهاد هذه المحكمة‪ ،‬وذلك سي ار على القانون الفرنسي‪ ،‬الذي أكد أن الشرط‬
‫الجزائي متحقق‪ ،‬حتى ولو لم يثبت الدائن أن ضر ار أصابه‪ ،‬فإن اتفاق الطرفين على الشرط‬
‫الجزائي وتقديرهما مقدما للتعويض المستحق‪ ،‬معناها أنهما مسلمان بأن إخالل المدين بالتزامه‬
‫يحدث ضر ار اتفقا على المقدار الالزم لتعويضه‪ ،‬أي أن يكون الغرض من هذا الشرط منع أي‬

‫أشار إليه د‪.‬أحمد ا دريوش في كتابه ‪ :‬االجتهاد القضائي في ميدان االلتزامات والعقود ‪ ،‬الكتاب الرابع ‪ ،‬من سلسلة المعرفة‬
‫القانونية طبعة ‪ ، 1997‬ص ‪. 159 :‬‬
‫‪ -‬مجلة المحاكم المغربية ‪ ، 1952 ،‬ص ‪. 159 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪95‬‬
‫جدل يدور حول وقوع الضرر ومقدار تعويضه ‪ ....‬فهذا الشرط يجعل الضرر واقعا في تقدير‬
‫المتعاقدين ‪ ،‬ولذلك يفترض وقوعه ‪.‬‬
‫وحيث إن خطأ المستأنف ثابت‪ ،‬وذلك بعدم إخالئه العقار الذي التزم بإخالئه‪ ،‬ولم يكن‬
‫إخالله بذلك ناتجا عن قوة قاهرة أو أسباب أجنبية عنه‪ ،‬وإنما تمسك بخرق التزامه إلى أن صدر‬
‫حكم أجبره على احترام ما التزم به‪ ،‬فوجب بناء على ذلك أن تسري عليه األحكام التي التزم بها‪،‬‬
‫وأصبح الشرط الجزائي واجب النفاذ في حقه‪ ،‬مما يكون معه الحكم المستـأنف في محله عندما‬
‫قضى عليه بألف درهم يوميا من تاريخ االمتناع إلى تاريخ إخالئه المحالت وتنفيذ االلتزام األصلي‬
‫باإلفراغ جب ار ‪.‬‬
‫وحيث إن المبالغ المحكوم بها‪ ،‬هي تعويض حدده المتعاقدان مسبقا في حالة إخالل الملتزم‬
‫باإلفراغ‪ ،‬وبالتالي فإن أي تعويض آخر يعد خرقا لبنود االتفاق المذكور والمحدد وفقا لتقدير‬
‫المتعاقدين اللذين ال يجهالن أهمية ومردودية العقار موضوع النزاع‪ ،‬مما يستوجب إلغاء الحكم‬
‫المستأنف فيما قضى ب من تعويض ثاني والمحدد في خمسة آالف درهم ورفض الطلب بشأنه‪،‬‬
‫ذلك أن الشرط الجزائي شرط اتفاقي وليس بوقتي وال تهديدي وإنما هو اتفاق نهائي قابل للتنفيذ‬
‫على حاله ‪ ،‬واألصل فيه عدم التخفيض‪ ،‬وهو ما سار عليه اجتهاد هذه المحكمة‪ ،‬والتي تؤكد أنه‬
‫إذا ذكر في االتفاق أن الطرف الذي يقصر في تنفيذه يدفع مبلغا معينا من النقود على سبيل‬
‫التعويض‪ ،‬فال يجوز أن يعطي الطرف اآلخر مبلغا أكثر أو أقل"‪. 1‬‬
‫‪ – 196‬وفي اعتقادنا‪ ،‬أنه ومحاولة لترويض الموقف السابق‪ ،‬فإنه صدرت مجموعة من‬
‫الق اررات التي تهدف في جوهرها إلى إزالة التعسف عن الشروط الجزائية‪ ،‬وإن كانت تنكر الوظيفة‬
‫التهديدية التي تميز هذه الشروط‪ ،‬تلك هي الق اررات التي كسرت حاجز الحجية المطلقة عن‬
‫التعويض اإلتفاقي‪ ،‬واشترطت لالمتثال له أن ال يتجاوز مقدار الضرر المحقق‪ ،‬من ذلك قرار‬
‫المجلس األعلى الصادر بتاريخ ‪ 21‬شتنبر ‪ ، 1983‬الذي رفض إعمال الشرط الجزائي بين طرفيه‬
‫استنادا إلى أن أي ضرر لم يلحق الدائن ‪.2‬‬
‫وعلى مستوى محاكم الموضوع‪ ،‬ذهبت محكمة االستئناف بالدار البيضاء في قرار لها‬
‫بتاريخ ‪ 7‬مارس ‪ 1985‬إلى أنه "وحيث إن التعويض المشروط بالعقد مبالغ فيه‪ ،‬وهو كشرط جزائي‬
‫عن عدم تنفيذ االلتزام‪ ،‬وقد استقر االجتهاد على أن الشرط الجزائي يرجع للمحكمة حق تعديله‪،‬‬
‫لجعله مناسبا لتغطية الضرر‪ ،‬وأن الضرورات تقدر بقدرها‬
‫‪......‬وحيث إن المحكمة بما لها من سلطة تقديرية‪ ،‬ترى أن المبالغ المدفوعة والمتمثلة في ‪5500‬‬
‫درهما كافية لتغطية التعويض‪ ،‬ذلك أن استرجاع العقار خير تعويض للبائع الذي ساهم بدوره في‬

‫‪ -‬المجلة المغربية للقانون ‪ ،‬العدد ‪ ، 17‬ص ‪. 138 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬قرار أشار إليه د‪.‬فؤاد معالل في أطروحته ‪ :‬الشرط الجزائري في القانون المغربي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 254 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪96‬‬
‫عرقلة وتشعب النزاع‪ ،‬بادعائه أن األمر يتعلق بكراء فقط‪ ،‬وأخفى واقعة البيع إلى أن دفع المشتري‬
‫بصورة منه فقط"‪. 1‬‬
‫‪ – 197‬ووعيا من القضاء المغربي‪ ،‬بخطورة الوضع الذي أصبحت تنطوي عليه الشروط‬
‫الجزائية‪ ،‬وإيمانه بأن اإلمكانيات التي يضعها القانون – كالفصل ‪ – 230‬ال يجب أن تستعمل رهن‬
‫إشارة المتعاملين استعماال يتنافى مع روحه‪ ،‬ومطية لتكريس اختالل التوازن العقدي‪ ،‬بدأت تطل‬
‫علينا بعض الق اررات‪ ،‬مع مطلع التسعينات‪ ،‬توحي بأن هناك تغي ار واضحا في مسلكه نحو إقرار‬
‫سلطة المراجعة القضائية للتعويض االتفاقي المبالغ فيه ‪.‬‬
‫ولعل أولى اإلرهاصات التي تعبر عن ذلك بشكل جلي‪ ،‬كانت مع محاكم الموضوع‪ ،‬وعلى‬
‫الخصوص حكم المحكمة االبتدائية بفاس بتاريخ ‪ 19‬أبريل ‪ ، 1990‬والذي جاء فيه "أن طبيعة‬
‫التعويض االتفاقي المحدد بالعقد كجزاء عن عدم تنفيذ التزامات الفريق المدعى عليه‪ ،‬هو من جهة‬
‫وسيلة للضغط على الملتزم لتنفيذ التزامه المحدد بالعقد‪ ،‬ومن جهة أخرى وسيلة لجبر األضرار‬
‫الناتجة عن عدم تنفيذ االلتزام في إبانه ‪ ،‬ومن تم في طبيعته ومداه‪ ،‬وأن القول بذلك من شأنه أن‬
‫يصحح المراكز القانونية لألطراف إزاء العقد‪ ،‬ويحد من مبدأ سلطان اإلرادة الوارد بمقتضيات‬
‫الفصل ‪ 230‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬م ‪ ،‬باعتبار أن أحد األطراف قد يتعاقد تحت تأثير ظروف معينة بشروط‬
‫تعسفية في حقه‪ ،‬قد ال تعبر عن إرادته الصحيحة‪ ،‬ومن ثم وجب أن يتدخل القضاء لتصحيح‬
‫المراكز القانونية للطرفين حول العقد‪ ،‬وخصوصا منه الشرط الجزائي"‪. 2‬‬
‫أما على مستوى المجلس األعلى‪ ،‬فإن القرار الذي أحدث تحوال جوهريا بهذا الخصوص‪،‬‬
‫والذي ساعد محاكم الموضوع على التجرؤ في كثير من الحاالت‪ ،‬واعتماد هذا الحل حتى قبل‬
‫صدور قانون ‪ ، 27 – 95‬هو الذي صدر عن الغرفة المدنية بتاريخ ‪ 10‬أبريل ‪ ، 1991‬حيث‬
‫جاء في إحدى حيثياته "لكن لئن كانت محكمة االستئناف ال تملك حق تعديل العقد إال طبقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 230‬ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ ،‬فإنه ليس ثمة ما يمنعها من تعديل تقدير التعويض موضوع‬
‫الشرط الجزائي إذا كان مبالغا فيه ‪...‬‬
‫‪ ....‬وأن عبارة للمحكمة التصرف في التعويض ‪ ،‬وإن كان على شكل شرط جزائي شأنه‬
‫في ذلك شأن الغرامة التهديدية على زائدة يستقيم القرار بدونها ‪. 3"..‬‬

‫‪ -‬قرار أشار إليه د‪.‬أحمد ادريوش في مؤلفه ‪ :‬االجتهاد القضائي في ميدان االلتزامات والعقود‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 174 – 171‬‬


‫‪ -‬حكم غير منشور‪ ،‬أشار إليه د‪.‬معالل فؤاد في مقاله السابق ‪ ،‬ص ‪. 78 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬احميدو أكري ‪ :‬الشرط الجزائي من خالل االجتهاد القضائي المغربي والمقارن ‪ ،‬مجلة اإلشعاع ‪ ،‬ع ‪ ، 10 :‬يناير‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ، 1994‬ص ‪. 90 :‬‬
‫‪97‬‬
‫وكان من الطبيعي أن تتكلل هذه المحاوالت بإرساء مبدأ المراجعة القضائية للشروط‬
‫الجزائية المجحفة بواسطة المشرع‪ ،‬وهو ما دأبت عليه العديد من القوانين في العالم ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬مرحلة ما بعد التدخل التشريعي ‪.‬‬


‫‪ – 198‬إن سبب التضارب الذي عرفه االجتهاد القضائي في مرحلة ما قبل تدخل المشرع‬
‫في معظم القوانين‪ ،‬يرجع بالدرجة األولى إلى ثنائية الرؤية التي ينظر منها كل واحد‪ ،‬فهناك من‬
‫يقدس مبدأ القوة الملزمة للعقد‪ ،‬في حين نجد البعض يلتفت العتبارات العدالة واإلنصاف‪ ،‬والتي‬
‫تقضي بتدخل القاضي إلقامة نوع من التوازن بين التزامات األطراف‪ ،‬ولعل هذا السبب األخير هو‬
‫الذي دفع معظم التشريعات للتدخل بقصد تخويل القاضي سلطة المراجعة‪ ،‬يتضح ذلك من خالل‬
‫ما عبر عنه واضعو مقترح ق‪ ، 27 – 95 .‬حيث ورد في المذكرة اإليضاحية "لقد جاء في التقرير‬
‫الحكومي ‪ ،‬الذي تقدم به السيد الوزير األول إلى مجلس النواب خالل دورة أبريل الماضي أن‬
‫الحكومة عاقدة العزم على سن قوانين تهدف إلى تنظيم المنافسة وحماية المستهلك‪ ،‬فإننا نعتبر‬
‫مقترحنا هذا يهدف إلى تحقيق نفس الغاية‪ ،‬أي حماية الطرف الضعيف" ‪.‬‬
‫‪ – 199‬وهكذا وضع قانون ‪ ، 27 – 95‬حد الختالف القضاء حول هذه النقطة‪ ،‬وخول‬
‫بالتالي بمقتضى الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 264‬ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ ،‬للقاضي إمكانية التدخل لتعديل التعويض‬
‫االتفاقي بالزيادة أو النقصان‪ ،‬وقد جاء في هذه الفقرة "للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه‪ ،‬إذا‬
‫كان مبالغا فيه‪ ،‬أو الرفع من قيمته إذا كان زهيدا ولها أيضا أن تخفض من التعويض المتفق‬
‫عليه‪ ،‬بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي" ‪.‬‬
‫‪ – 200‬وبذلك يكون المشرع المغربي قد كرس ما استقر عليه الوضع في القانون المقارن‪،‬‬
‫فبالرجوع للتشريع الفرنسي‪ 1‬نجد ق‪ ، 597 – 75.‬الصادر بتاريخ ‪ 9‬يوليوز ‪ ، 1975‬قد أضاف‬
‫فقرة ثانية للمادة ‪ ، 1152‬جاء فيها ما يلي "مع ذلك يمكن للقاضي تخفيض أو رفع الجزاء المتفق‬
‫عليه‪ ،‬إذا ظهر أنه زهيدا أو مبالغا فيه‪ ،‬وكل اتفاق مخالف يعتبر غير موجود" ‪.‬‬
‫‪ – 201‬ويالحظ من جهة على هذه الفقرة‪ ،‬شأنها في ذلك شأن الفصل ‪ 264‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬أن‬
‫المشرع في كال البلدين لم يجبر القاضي على التدخل‪ ،‬وبالتالي إعمال سلطته في الحاالت التي‬
‫تفترض ذلك‪ ،‬وإنما جعل سلطته في هذا الصدد مجرد رخصة‪ ،‬يتضح ذلك من خالل عبارتي "مع‬
‫ذلك يمكن للقاضي" و "للمحكمة تخفيض التعويض" ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Le tourneau (PH) : le point sur la clause pénale , journale des notaires et des avocats ,‬‬
‫‪1982 , p : 7 .‬‬
‫‪98‬‬
‫وهو ما كرسته محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ ‪ 23‬فبراير ‪ ، 1982‬بقولها "إن‬
‫تعديل االلتزامات الناتجة عن الشرط الجزائي مجرد رخصة‪ ،‬والقاضي غير ملزم بتبرير ق ارره بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬ويطبق بصفة عادية االتفاق عندما يرفض تعديل مقدار الجزاء الجزافي المقدر"‪. 1‬‬
‫‪ – 202‬ومن جهة أخرى ‪ ،‬فإن المشرع الفرنسي استطاع أن يخطو خطوة مهمة من خالل‬
‫‪2‬‬
‫تعديل أدخله على ق‪ ، 597 – 75 .‬بمقتضى ق ‪ 1097 – 85 .‬الصادر بتاريخ ‪ 11‬أكتوبر‬
‫‪ ،1985‬سمح فيه للقاضي بتعديل الشرط الجزائي بصورة تلقائية‪ ،‬متجاو از بذلك محاولة محكمة‬
‫النقض التضييق من سلطته هذه‪ ،‬حينما قررت بتاريخ ‪ 2‬أكتوبر ‪ 1983‬بأن القضاة ملزمون‬
‫بطلبات األطراف وفقا لقانون المسطرة المدنية‪. 3‬‬
‫ونتمنى لو أن المشرع المغربي سلك نفس النهج‪ ،‬لما فيه من حماية للطرف الضعيف‪،‬‬
‫الذي يتصف بقلة الخبرة مع عدم درايته بالقانون‪ ،‬وإال فإننا – في ظل جهله لوجود الفصل ‪264‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع – سنكون نزعنا منه باليسرى ما أعطيناه باليمنى ‪.‬‬
‫‪ – 203‬وإذا كان الهدف من ق ‪ 597 – 75 .‬الفرنسي وق ‪ 27 – 95 .‬المغربي ‪ ،‬هو‬
‫السماح للقاضي بإعادة التوازن للعقد ‪ ،‬فإن ما أثار انتباهي ‪ ،‬وأن أتفحص القوانين المقارنة‪ ،‬هو‬
‫التفسير الذي اعتمده القضاء البلجيكي‪ ،‬بخصوص سلطة القاضي إزاء الشروط الجزائية المجحفة‪،‬‬
‫حيث يرى هذا األخير أن هذه الشروط إذا كان مبالغا فيها‪ ،‬فإنها ال تدخل في مفهوم المادة ‪1152‬‬
‫م‪.‬ب ‪ ،‬وإنما يجوز للقاضي إبطالها لمخالفتها للنظام العام ‪ ،‬لكون سببها غير مشروع ‪ ،‬بناء على‬
‫المادتين ‪ 1131‬و ‪ 1132‬من القانون المدني البلجيكي‪. 4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- R.T.D.civil , 1982 , p : 603 , observation : chaba .‬‬
‫‪ -‬د‪.‬معالل فؤاد ‪ :‬الشرط الجزائي في القانون المغربي ‪ ،‬أطروحة الدولة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 218 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪- J.C.P , 1985 , T 2 . 20433 , observation : paisant .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Thilmany : la clause pénale en droit belge , droit et pratique du commerce internationale ,‬‬
‫‪1982 , T 8 , p : 447 .‬‬
‫‪99‬‬
100
‫"‪....‬أجيبكم كقانوني أن االلتزام ال يكون التزاما إال إذا كان فيه اتزان وتوازن‪ ،‬إذن من‬
‫ناحية فلسفة القانون نجد أنفسنا في حالة ليست عقدا وإنما هي التزام فقط‪ ،‬أما من ناحية التوازن‬
‫واالتزان في العقد فال وجود لها ‪. 1"...‬‬
‫ولقد جاء هذا الخطاب في سياق عام يهيمن على مختلف النظم القانونية‪ ،‬مفاده أن تقدم‬
‫المجتمعات الحديثة مرتبط بتحقيق التوازن بين التزامات أطراف العقد‪ ،‬بهدف إشاعة االستقرار في‬
‫المعامالت من خالل ترسيخ العدالة االجتماعية والوقوف بجانب الطرف الضعيف في المعاملة‬
‫االقتصادية ‪.‬‬
‫وإذا كانت النظرية العامة للعقد في مفهومها التقليدي تتعارض مع إعادة النظر في‬
‫االلتزامات الناتجة عن العقد‪ ،‬الذي تحول من أداة للتعادل وتبادل القيم إلى وسيلة يستعملها أحد‬
‫أطراف العقد لالستغالل واإلثراء على حساب الطرف اآلخر ‪ ،‬مما كان يستوجب معه على القاضي‬
‫في ظل غياب نصوص صريحة ‪ ،‬مواجهة هذا االختالل‪ ،‬حتى يساهم في تطوير القواعد القانونية‬
‫بما يتفق والتطور الذي شهده المجتمع الحديث ‪.‬‬
‫وإذا كنا قد توصلنا إلى إمكانية مساهمة القاضي في تحقيق هذا التوازن ولو عن طريق‬
‫تخريج حلول‪ ،‬انطالقا من القواعد العامة الواردة في قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬فإنه مع ذلك ال زال‬
‫محكوما في تعامله هذا بمبدأ القوة الملزمة للعقد‪ ،‬وهو ما جعله يجانب العدالة في كثير من األحيان‬
‫‪.‬‬

‫‪ -‬مقتطف من خطاب الملك الراحل الحسن الثاني‪ ،‬بمناسبة ثورة الملك والشعب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫جميع الجرائد الوطنية الصادرة في ‪ 22‬غشت ‪. 1980‬‬


‫‪101‬‬
‫وبالرغم من ذلك‪ ،‬فال يتعين أن نلقي بالعيب كله على القضاء‪ ،‬ما دام أن المشرع لم يقم‬
‫بدوره كامال‪ ،‬من خالل وضع نصوص خاصة‪ ،‬تخول لألول ‪ ،‬إمكانية التدخل في مجال الرابطة‬
‫العقدية ‪.‬‬
‫وفي ظل اقتناعنا بذلك‪ ،‬فإننا نتمنى لو تدخل المشرع المغربي‪ ،‬بهدف تقرير وسائل حمائية‬
‫يستطيع القاضي عن طريقها الوصول إلى حماية فعالة للطرف الضعيف‪ ،‬نعتقد أن أهمها يتمثل‬
‫فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬إعادة النظر في الفصل ‪ 230‬ق‪.‬ل‪.‬ع ‪ ،‬بالطريقة التي تؤدي إلى التخفيف من حدة‬
‫وصالبة القوة الملزمة للعقد عندما تط أر ظروف لم يكن للمدين أن يتوقعها أثناء إبرام‬
‫العقد‪ ،‬مما يلحق به خسارة فادحة ‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيم عقود اإلذعان‪ ،‬بما يخول للقاضي سلطة إبطال الشروط المجحفة الواقعة على‬
‫الطرف المذعن ‪.‬‬
‫‪ -‬جعل تفسير العقد الغامض يكون في خدمة الجانب الضعيف عموما ‪.‬‬
‫‪ -‬وضع نصوص‪ ،‬على غرار تلك التي جاء بها قانون حرية األسعار والمنافسة‪ ،‬تهدف‬
‫إلى حماية الطرف الضعيف في المرحلة السابقة على التعاقد‪ ،‬بهدف إرشاده بشكل‬
‫أوسع‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي ‪.‬‬
‫‪ -‬تخويل القاضي سلطة إبطال الشروط التعسفية‪ ،‬التي لم تعد تقتصر على عقود اإلذعان‬
‫‪ ،‬وإنما أصبحت تعتري جل العقود التي تربط المهنيين بالمستهلكين ‪.‬‬
‫وفي هذا السياق نشيد بمشروع قانون حماية المستهلك ‪ ،‬كأفضل عالج لهذا القصور الذي‬
‫تعرفه القواعد العامة‪ ،‬لما يمكن أن يقدمه للقاضي من أدوات مهمة في عالج التعسفات الممارسة‬
‫من قبل األطراف االحتكارية المهيمنة على السوق‪ ،‬نظ ار لتضمنه عدة مقتضيات حمائية‪ ،‬سواء ما‬
‫تعلق منها بإعالم المستهلك أو ما يخص محاربة اإلشهار الكاذب ومواجهة الشروط التعسفية أو‬
‫تفسير الشرط الغامض لمصلحة المستهلك باعتباره الطرف الضعيف ‪.‬‬

‫انتهى بحمد هللا وعونه ‪.‬‬

‫‪102‬‬
103
‫أوال ‪ :‬باللغة العربية ‪.‬‬

‫أ – المراجع العامة ‪:‬‬


‫‪ -‬أحمد شكري السباعي ‪:‬‬
‫* نظرية بطالن العقود في القانون المدني المغربي والفقه اإلسالمي والقانون‬
‫المقارن‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة ‪ ،‬الرباط ‪. 1987 ،‬‬
‫* الوسيط في القانون التجاري المغربي والمقارن ‪ ،‬الجزء الرابع في اإلفالس‪ ،‬بابل‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع – الرباط ‪. 1991 ،‬‬
‫‪ -‬أحمد ادريوش ‪:‬‬
‫* االجتهاد القضائي المغربي في ميدان االلتزامات والعقود‪ ،‬الجزء الرابع من سلسلة‬
‫المعرفة القانونية‪ ،‬مطبعة األمنية ‪ /‬الرباط ‪. 1997 ،‬‬
‫* الكراء في المدونة الجديدة للتجارة‪ ،‬الجزء السادس من سلسلة المعرفة القانونية‪،‬‬
‫البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القنيطرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪. 1998‬‬
‫‪ -‬أحمد عبد الرزاق السنهوري ‪:‬‬
‫* الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪ /‬بيروت ‪،‬‬
‫لبنان ‪. 1998 ،‬‬
‫‪ -‬إدريس العلوي العبدالوي ‪:‬‬
‫* شرح القانون المدني ‪ ،‬نظرية العقد ‪ /‬مطبعة النجــاح الجديــدة‪ ،‬الدار البيضاء ‪،‬‬
‫‪. 1981‬‬
‫‪ -‬محمد حسن قاسم ‪:‬‬
‫* الوجيز في نظرية االلتزام‪ ،‬المصادر واألحكام‪ ،‬طبعة ‪. 1994‬‬
‫‪ -‬مأمون الكزبري ‪:‬‬
‫* نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬مصادر االلتزام‪،‬‬
‫طبعة ‪. 1968‬‬
‫‪ -‬عبد القادر العرعاري ‪:‬‬
‫* النظرية العامة لإللتزامات في القانون المدني المغربي‪ ،‬الجزء األول ‪ :‬مصادر‬
‫االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول ‪ :‬نظرية العقد‪ ،‬طبعة ‪. 1995‬‬
‫‪ -‬عبد السالم أحمد فيغو ‪:‬‬
‫* أحكام عقد التأمين في القانون والشرع اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪.1996 ،‬‬
‫‪ -‬عبد المنعم فرج الصدة ‪:‬‬
‫‪104‬‬
‫* مصادر االلتزام ‪ ،‬طبعة ‪ . 1969‬دون ذكر دار الطبع ‪.‬‬

‫ب – المراجع الخاصة ‪:‬‬


‫‪ -‬أحمد شكري السباعي ‪ :‬نظرية الغلط والتدليس في القانون المغربي‪ ،‬ط ‪. 1972 .‬‬
‫‪ -‬أحمد العمري ‪ :‬االتفاق على تعديل أحكام المسؤولية العقدية وفقا للتشريع المغربي‪ .‬رسالة لنيل‬
‫دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ‪ .‬جامعة الحسن الثاني ‪ .‬الدار البيضاء ‪. 1987‬‬
‫‪ -‬أسامة عبد الرحمان ‪ :‬نظرية الظروف الطارئة بين النظرية والتطبيق ‪ .‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪ ،‬الرباط ‪. 1983‬‬
‫‪ -‬امحمد ابرادة غزيول ‪ :‬عقد االئتمان االيجاري على المنقوالت بين الفقه والقضاء أطروحة‬
‫دكتوراه ‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪ ،‬الرباط ‪. 1998 ،‬‬
‫‪ -‬الحسين بلحساني ‪ :‬األسباب القانونية إلفراغ المحالت السكنية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬األحمدية للنشر ‪.‬‬
‫‪ -‬العربي الشاذلي ‪ :‬حماية الرضا بين النظرية الكالسيكية والحديثة في التشريع المغربي والمقارن ‪.‬‬
‫رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني ‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬الدار البيضاء‬
‫‪. 1999 – 1998 .‬‬
‫‪ -‬اآلم ارني زنطار ‪ :‬أحكام رضائية العقود بين القانون الوضعي والفقه اإلسالمي ‪.‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا في القانون الخاص‪ ،‬جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء ‪. 1989 ،‬‬
‫‪ -‬بلعيد كرومي ‪ :‬سلطة القاضي في تفسير النصوص الشرعية والوضعية ‪.‬أطروحة دكتوراه في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬جامعة الحسن الثاني ‪ ،‬الدار البيضاء ‪. 1990 ،‬‬
‫‪ -‬بوشتى الزياني ‪ :‬الحماية القضائية من الشروط التعسفية ‪ .‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا‬
‫المعمقة في قانون األعمال ‪ ،‬جامعة محمد األول ‪ ،‬وجدة ‪. 2000 – 1999 .‬‬
‫‪ -‬حمد هللا محمد حمد هللا ‪ :‬حماية المستهلك في مواجهة الشروط التعسفية في عقود االستهالك‪،‬‬
‫دراسة مقارنة ‪ .‬دار الفكر العربي ‪ ،‬القاهرة ‪. 1997 .‬‬
‫‪ -‬حمدي أحمد سعد ‪ :‬االلتزام باإلفضاء بالصفة الخطرة للشيء المبيع – دراسة مقارنة بين القانون‬
‫المدني "المصري والفرنسي" والفقه اإلسالمي‪ ،‬المكتب الفني لإلصدارات القانونية‪ ،‬ط ‪. 1999 .‬‬
‫‪ -‬حسن عبد الباسط جميعي ‪ :‬أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد – ظاهرة اختالل‬
‫التوازن بين االلتزامات التعاقدية في ظل انتشار الشروط التعسفية ‪ ، -‬دراسة مقارنة بين القانون‬
‫المصري وقانون دولة اإلمارات العربية المتحدة والقوانين األوروبية مع إشارة للقوانين األنجلوأمريكية‬
‫‪ .‬دار النهضة العربية ‪. 1991 – 1990 ،‬‬
‫‪ -‬حسنة الرحموني ‪ :‬حماية المستهلك ضد مخاطر القـروض االستهالكيـة – رسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني – جامعة محمد الخامس ‪ ،‬أكدال ‪. 1999 – 1998 ،‬‬
‫‪105‬‬
‫‪ -‬حسين عامر ‪ :‬القوة الملزمة للعقد ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬سنة ‪. 1949‬‬
‫‪ -‬حسين فتحي ‪ :‬حدود مشروعية اإلعالنات التجارية لحماية المتجر والمستهلك ‪ ،‬دون ذكر سنة‬
‫الطبع وال دار الطبع ‪.‬‬
‫‪ -‬رمضان علي السيد الشرنباصي ‪ :‬حماية المستهلك في الفقه اإلسالمي – دراسة مقارنة –‬
‫مطبعة األمانة الطبعة األولى ‪ 1404‬هجرية ‪.‬‬
‫‪ -‬رشوان حسن رشوان ‪ :‬أثر الظروف االقتصادية على القوة الملزمة للعقد – عرض لفكرة مالئمة‬
‫العقد للظروف االقتصادية ‪ ، -‬الطبعة األولى ‪. 1994 :‬‬
‫‪ -‬عبد الحكيم فودة ‪ :‬تفسير العقد في القانون المدني المصري والمقارن‪ ،‬منشأة المعارف‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪. 1985 ،‬‬
‫‪ -‬عبد القادر العرعاري ‪:‬‬
‫* ضمان العيوب الخفية في عقد البيع وفقا لقانون االلتزامات والعقود المغربي ‪ ،‬منشورات‬
‫تنمية البحوث والدراسات القضائية ‪. 1996 .‬‬
‫* المسؤولية العقدية للمقاول والمهندس المعماري بالمغرب – أطروحة دكتوراه – كلية‬
‫الحقوق ‪ ،‬الرباط ‪. 1991 .‬‬
‫‪ -‬عمر السيد مؤمن ‪:‬‬
‫* اإلكراه المفسد للرضا في قانون المعامالت المدنية اإلماراتي – دراسة مقارنة بالقانون‬
‫المدني المصري والفقه اإلسالمي – كلية الحقوق القاهرة ‪ ،‬ط ‪. 1998 .‬‬
‫* الغلط المفسد للرضا في قانون المعامالت المدنية اإلماراتي – دراسة مقارنة بالقانون‬
‫المدني المصري والفقه اإلسالمي – كلية الحقوق ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط ‪. 1991 .‬‬
‫‪ -‬عمرو قريوح ‪ :‬الحماية القانونية لمستهلكي السلع والخدمات – دراسة في عقود االستهالك‪،-‬‬
‫رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون األعمال‪ ،‬جامعة محمد األول ‪ ،‬وجدة ‪1999 ،‬‬
‫– ‪. 2000‬‬
‫‪ -‬فؤاد محمد عوض ‪ :‬دور القاضي في تعديل العقد – دراسة مقارنة وتأصيلية في الفقه اإلسالمي‬
‫والقانون المدني المصري – الطبعة األولى ‪– 1999 .‬‬
‫‪ -‬فؤاد معالل ‪ :‬الشرط الجزائي في القانون المغربي ‪ ،‬أطروحة دكتوراه ‪ .‬كلية الحقوق – فاس‪،‬‬
‫‪. 1993 – 1992‬‬
‫‪ -‬سامي الجربي ‪ :‬تفسير العقد ‪ ،‬الطبعة األولى ‪. 2000 .‬‬
‫‪ -‬سامي بديع منصور ‪ :‬عنصر الثبات وعامل التغير في العقد المدني في القانونين اللبناني‬
‫والفرنسي والمقارن‪ ،‬دار الفكر اللبناني ‪ ،‬الطبعة األولى ‪. 1987‬‬

‫‪106‬‬
‫‪ -‬سعيد الدغيمر ‪ :‬تنفيذ االلتزام بمقابل أو بطريق التعويض في التشريع المغربي ‪ ،‬أطروحة لنيل‬
‫دكتوراه الدولة في القانون الخاص ‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪ .‬الرباط ‪.1982‬‬
‫‪ -‬سهير منتصر ‪ :‬االلتزام بالتبصير ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ .‬دون ذكر سنة الطبع ‪.‬‬
‫‪ -‬محمد الكـشبور ‪:‬‬
‫* نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة – دراسة مقارنة من وحي حرب‬
‫الخليج ‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة – الطبعة األولى ‪. 1987 .‬‬
‫* رقابة المجلس األعلى على محاكم الموضوع في المادة المدنية – أطروحة لنيل دكتوراه‬
‫الدولة في القانون الخاص – جامعة الحسن الثاني ‪ ،‬الدار البيضاء‪.1986 .‬‬
‫* الكراء المدني والكراء التجاري ‪ ،‬الطبعة األولى ‪. 1997‬‬
‫‪ -‬محمد السيد عمران ‪ :‬حماية المستهلك أثناء تكوين العقد – دراسة مقارنة – منشأة‬
‫المعارف‪/‬اإلسكندرية ‪ ،‬دون ذكر سنة الطبع ‪.‬‬
‫‪ -‬محمد اإلدريسي ‪ :‬مشكلة اإلفراغ من خالل اجتهاد المجلس األعلى – رسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني ‪ ،‬جامعة محمد الخامس – أكدال – الرباط ‪– 1998 .‬‬
‫‪. 1999‬‬
‫‪ -‬محمد بونبات ‪ :‬الكراء تحت اليد "أو التأجير من الباطن" وفقا ألحكام التشريع المغربي والمقارن‪،‬‬
‫رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬الرباط‪– 1984 ،‬‬
‫‪. 1985‬‬
‫‪ -‬محمد عبدوسي ‪ :‬التعويض اإلتفاقي في التشريعي المغربي‪ ،‬قراءة في القانون رقم ‪. 27/95‬‬
‫رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني ‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪ ،‬أكدال –‬
‫الرباط ‪. 1999 – 1998 ،‬‬
‫‪ -‬محمد علي عمران ‪ :‬االلتزام بضمان السالمة وتطبيقاته في بعض العقود – دراسة فقهية‬
‫وقضائية في كل من مصر وفرنسا ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪. 1980 ،‬‬
‫‪ -‬محمد شكورة ‪ :‬حسن النية في قانون العقارت المحفظة والقانون الخاص بالمنقول في التشريع‬
‫المغربي – رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص – جامعة الحسن الثاني بالبيضاء‬
‫‪. 1986 ،‬‬
‫‪ -‬محمد شيلح ‪:‬‬
‫* مبدأ سلطان اإلرادة في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي – أسسه ومظاهره في‬
‫نظرية العقد –‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص‪ ،‬الرباط ‪. 1983 ،‬‬
‫* تأويل العقود في قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في‬
‫القانون الخاص ‪ /‬الرباط ‪. 1995 ،‬‬
‫‪107‬‬
‫‪ -‬محسن البيه ‪ :‬مشكلتان متعلقتان بالقبول – السكوت واإلذعان – دار النهضة العربية ‪ /‬القاهرة‪،‬‬
‫دون ذكر سنة الطبع ‪.‬‬
‫‪ -‬مفيد الفارسي ‪ :‬حرية األسعار والمنافسة في التشريع المغربي ‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا‬
‫المعمقة في قانون األعمال ‪ ،‬جامعة محمد األول‪ /‬وجدة ‪.2000 – 1999‬‬
‫‪ -‬نور الدين الناصري ‪ :‬دور القاضي في تفسير العقد – دراسة على ضوء قانون االلتزامات‬
‫والعقود المغربي – ‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني‪ ،‬جامعة الحسن‬
‫الثاني ‪ ،‬الدار البيضاء ‪. 1999 – 1998 .‬‬

‫ج – المقاالت ‪.‬‬
‫‪ -‬أحمد الخمليشي ‪ :‬كيف نق أر ظهير االلتزامات والعقود ‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق‪.‬ت ‪ ،‬ع ‪.1984 ،7 :‬‬
‫‪ -‬ادريس الفاخوري ‪ :‬حماية المستهلك من الشروط التعسفية ‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق ‪ ،‬ع ‪ ، 3 :‬يونيو ‪2001‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬الحبيب بيهي ‪ :‬دور قاضي الموضوع في تكييف العالقة التعاقدية ‪ ،‬م ‪.‬اإلشعاع ‪ ،‬ع ‪، 6 :‬‬
‫دجنبر ‪. 1991‬‬
‫‪ -‬الفزاري ‪ :‬أثر الظروف الطارئة على االلتزام العقدي في القانون المقارن ‪ ،‬م‪ .‬العربية للفقه‬
‫والقضاء ‪ ،‬ع ‪. 1986 ، 4 :‬‬
‫‪ -‬أسامة عبد الرحمان ‪ :‬أثر تغير الظروف على السومة الكرائية‪ ،‬م‪.‬الميادين ‪ ،‬ع ‪.1983 ، 8 :‬‬
‫‪ -‬بلحساني الحسين ‪:‬‬
‫* التجديدات األساسية في مسودة المشروع المغربي لقانون حماية المستهلك – آليات تدعيم‬
‫رضا المستهلك – مجلة المحاكم المغربية ‪ ،‬ع‪. 2000 ، 34 :‬‬
‫* قانون المنافسة وحرية األسعار بين المؤثرات الخارجية واإلكراهات الداخليـة ‪ ،‬م ‪.‬‬
‫المغربية لالقتصاد والقانون ‪ ،‬ع ‪ ، 3 :‬يونيو ‪. 2001‬‬
‫‪ -‬بوعبيد صبحي ‪ :‬تأويل العقود بين القضاء والقانون والفقه في المغرب ومصر ‪ ،‬م‪ .‬القضاء‬
‫والقانون ‪ ،‬ع ‪. 1985 ، 134 – 133 :‬‬
‫‪ -‬جواد الغماري ‪ :‬مصادر وخصائص قانون االستهالك (قانون الزجـر عـن الغـش في البضائع)‬
‫م‪.‬ق‪.‬ق ‪ ،‬ع ‪. 10 :‬‬
‫‪ -‬خالد عيد ‪ :‬تأمالت في حدود قانون االلتزامات والعقود ‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬س‪.‬ق‪ ،.‬ع ‪. 1980 ، 10 :‬‬
‫‪ -‬دنيا مباركة ‪ :‬الحماية القانونية لرضا مستهلكي السلع والخدمات ‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق‪ ، .‬ع ‪ ، 3:‬يونيو‬
‫‪. 2001‬‬

‫‪108‬‬
‫‪ -‬رياض فخري ‪ :‬التوازن العقدي بين الواقع والنظرية في عقد التأجير التمويلي ‪.‬م‪.‬المرافعة ‪ ،‬ع ‪:‬‬
‫‪ ، 10‬مارس ‪. 2000‬‬
‫‪ -‬زكي الدين شعبان ‪ :‬الشرط الجزائي في الشريعة والقانون ‪ ،‬م‪.‬الحقوق الكويتية ‪ ،‬ع ‪، 2 :‬‬
‫‪. 1977‬‬
‫‪ -‬زيد قدري الترجمان ‪ :‬الفصل ‪ 230‬من قانون االلتزامات والعقود المغربي ‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق‪.‬ت ‪ ،‬ع ‪:‬‬
‫‪. 1984 ، 7‬‬
‫‪ -‬عبد الحي حجازي ‪ :‬مدى خيار الدائن بين التنفيذ والفسخ ‪ ،‬م‪.‬العلوم القانونية واالقتصادية‪،‬‬
‫جامعة عين شمس ‪ ،‬ع ‪. 1960 ، 2 :‬‬
‫‪ -‬عبد العزيز حضري ‪ :‬مجلس المنافسة وتنظيم السوق ‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق ‪ ،‬ع ‪ ، 3 :‬يونيو ‪. 2001‬‬
‫‪ -‬عبد القادر العرعاري ‪:‬‬
‫* ضمان عيوب السيارات المستعملة – أثر االحتراف على ضمان عيوب السيارات‬
‫المستعملة – م‪.‬القضاء والقانون ‪ ،‬ع ‪. 1992 ، 144 :‬‬
‫* تحديد العيب الموجب للضمان في قانون االلتزامات والعقود المغربي – دراسة نقدية على‬
‫ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي ‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬س‪.‬ق ‪ ،‬ع ‪. 1988 ، 21 :‬‬
‫* إشكالية التأمين اإلجباري في ميدان العقارات المبنية والتي في طور البناء ‪،‬‬
‫م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق‪.‬ت ‪ ،‬ع ‪. 1988 ، 18 :‬‬
‫‪ -‬عبد السالم فيغو ‪ :‬حماية المستهلك في الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬مجلة القانـون واالقتص ـاد (كلية‬
‫الحقوق ‪ ،‬فاس) ‪ ،‬ع ‪ ، 10 :‬ص ‪. 175 :‬‬
‫‪ -‬فائزة بلعسري ‪ :‬نظرية الظروف الطارئة ومدى إمكانية تطبيقها في ظل القانون المغربي‪ ،‬م ‪.‬‬
‫الملحق القضائي ‪ ،‬ع ‪. 3 :‬‬
‫‪ -‬محمد الكشبور ‪:‬‬
‫* مشكلة التنازع بين الفقه المالكي وقانون االلتزامات والعقود المغربي في مجال العقار‬
‫غير المحفظ ‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق‪.‬ت ‪ ،‬ع ‪. 1984 ، 7 :‬‬
‫* الكراء بين اإلنهاء والفسخ ‪ ،‬م ‪ .‬القضاء والقانون ‪ ،‬ع ‪. 1991 ، 143 :‬‬
‫* انطباعات حول المسؤولية والتأمين – ندوة المهن الحرة – م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق‪.‬ت ‪ ،‬ع ‪، 25 :‬‬
‫‪. 1991‬‬
‫‪ -‬محمد الوزاني ‪ :‬األجهزة المكلفة بمراقبة السوق ودورها في حماية المستهلك ‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق ‪ ،‬ع‪3 :‬‬
‫‪ ،‬يونيو ‪. 2001‬‬
‫‪ -‬محمد بن أحمد بن محفوظ ‪ :‬واجب إعالم المستهلك في القانون المدني التونسي ‪ ،‬م ‪ .‬المحاماة‬
‫التونسية ‪ ،‬ع ‪. 1984 ، 2 :‬‬
‫‪109‬‬
‫‪ -‬محمد عبد الجواد ‪ :‬الغبن الالحق ونظرية الظروف الطارئة في القانون الفرنسي والمصري‪،‬‬
‫م‪.‬القانون واالقتصاد ‪ ،‬ع ‪. 1963 ، 33 :‬‬
‫‪ -‬محمد عبد الرحمان الملحم ‪ :‬نماذج العقود ووسائل مواجهة الشروط المجحفة فيها – دراسة‬
‫تحليلية مقارنة في الفقه والقضاء األنجلو أمريكي مع اإلشارة إلى الوضع في الكويت‪ ،‬م‪.‬الحقوق‪ ،‬ع‬
‫‪ 1 :‬و ‪ ، 2‬السنة ‪. )1992( 16‬‬
‫‪ -‬محمد شعيبي المذكوري ‪:‬‬
‫* نظرية الصورية في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق‪.‬ت‪.‬‬
‫ع ‪. 1984 ، 7 :‬‬
‫* الحماية القضائية للمستهلك في مادة زجر الغش في البضائع‪ ،‬محاكم الدار البيضاء‬
‫نموذجا‪ ،‬م‪.‬القانون واالقتصاد ‪ ،‬ع ‪. 10 :‬‬
‫‪ -‬محمد شهيب ‪ :‬قراءة في بعض األحكام الخاصة بزجر الغش ‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق‪ ، .‬ع ‪ ، 3 :‬يونيو‬
‫‪. 2001‬‬
‫‪ -‬محمد لبيب شنب ‪ :‬الجحود المبستر للعقد – دراسة في القانون األمريكي مقارنة بالقانونين‬
‫الفرنسي والمصري – م ‪ .‬العلوم القانونية واالقتصادية ‪ ،‬جامعة عين شمس ‪،‬‬
‫ع ‪. 1960 ، 2 :‬‬
‫‪ -‬محمد مهدي الجم ‪ :‬نظرية الظروف الطارئة ‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق‪.‬ت ‪ ،‬ع ‪. 1991 ، 15 :‬‬
‫‪ -‬محمد اآلمراني زنطار ‪:‬‬
‫*االجتهاد القضائي في المادة المدنية بين الثبات واالستقرار ‪ .‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق‪.‬ت ‪،‬‬
‫ع ‪. 1988 ، 18 :‬‬
‫* الوضعية القانونية للمصاب بداء المناعة (اإليدز)‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ق‪.‬ق‪.‬م ‪ ،‬ع ‪.1992 ،8 :‬‬
‫‪ -‬محي الدين إسماعيل علم الدين ‪ :‬الشرط الصريح الفاسخ في قضاء محكمة النقض المصرية‪،‬‬
‫م‪.‬الميادين ‪ ،‬ع ‪. 1987 ، 2 :‬‬
‫‪ -‬مصطفى كيرة ‪ :‬التكييف القانوني ‪ .‬المجلة العربية للفقه والقضاء ‪ ،‬ع ‪. 1992 ، 11 :‬‬
‫‪ -‬معالل فؤاد ‪ :‬مستقبل الشرط الجزائي بعد صدور قانون ‪ ، 95 – 27‬م‪.‬ق‪.‬ق ‪ ،‬ع ‪.1 :‬‬
‫‪ -‬موسى عبود ‪ :‬االجتهاد القضائي ودوره في النظام القانوني المغربي ‪ ،‬م‪.‬المحاماة‪ ،‬ع‪( 3:‬عدد‬
‫ممتاز)‬

‫د – المجالت والدوريات ‪:‬‬


‫‪ -‬المجلة المغربية للقانون (جامعة القاضي عياض – مراكش)‬
‫‪ -‬المجلة المغربية للقانون والسياسة واالقتصاد (جامعة محمد الخامس – الرباط)‬
‫‪110‬‬
‫‪ -‬المجلة المغربية للقانون واقتصاد التنمية (جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء)‬
‫‪ -‬المجلة المغربية للقانون واالقتصاد (جامعة محمد بن عبد هللا – فاس)‬
‫‪ -‬المجلة المغربية للقانون (تصدر باللغتين العربية والفرنسية)‬
‫‪ -‬المجلة المغربية للقانون المقارن (جامعة القاضي عياض – مركش)‬
‫‪ -‬المجلة المغربية لالقتصاد والقانون (وجدة)‬
‫‪ -‬الميادين (جامعة محمد األول – وجدة)‬
‫‪ -‬المرافعة (هيئة المحامين بأكادير)‬
‫‪ -‬اإلشعاع (هيئة المحامين بالقنيطرة)‬
‫‪ -‬رابطة القضاة‬
‫‪ -‬قضاء المجلس األعلى‬
‫‪ -‬مجلة القضاء والقانون‬
‫‪ -‬مجلة المحاكم المغربية (هيئة المحامين بالدار البيضاء)‬
‫‪ -‬مجلة الحقوق (الكويت)‬
‫‪ -‬مجلة القضاء والتشريع (تونس)‬
‫‪ -‬مجلة العلوم القانونية واالقتصادية (عين شمس)‬
‫‪ -‬مجموعة ق اررات المجلس األعلى في المادة المدنية‬
‫‪ -‬مجموعة ق اررات محكمة االستئناف ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬باللغة الفرنسية‬


‫‪1 – Ouvrages spéciaux et thèses :‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Amiel Donat : les clauses de non concurrence en droit de travail,‬‬
‫‪librairie de la cour de cassation , 1988 .‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪AZZIMANE (Omar) : droit civil , droit des obligation, le contrat,‬‬
‫‪éd.1995 .‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Berlioz (George) : le contrat d’adhésion, paris . 1973‬‬
‫‪B.starck – H.roland-L.boyer : droit civil , les obligation . contrat,‬‬
‫‪sixième édition .‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Boudahrain (abdellah) : le droit de la consommation au Maroc,‬‬
‫‪édition elmadariss 1999, casa blanca .‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪BOYER (y) : l’obligation de renseignement dans la formation de‬‬
‫‪contrat, 1978 .‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Calais-auloy (jean) : le droit de la consommation, 4ème édition,‬‬
‫‪Dalloz, paris, 1996 .‬‬
‫‪111‬‬
- Chabas : de la déclaration de la volonté, thèse, paris, 1931 .
Decreoux (Paule) : l’autonomie de la volonté et l’ordre public
conventionnel , L.G.D.J, 1952 .
- Durand (Paule) : la tendance à la stabilité du rapport contractuel .
1960 .
- Emerentienne de Gaudin : l’intervention du juge dans le contrat,
thèse-montpellier, 1935 .
- Emmanuel kornprobost : notion de bon foi , L.G.D.J, 1980 .
- Ghèstin (J) et marcel fontaine : la protection de la partie faible dans
les rapports contractuels . Comparaisons franco-belges .
- Ghèstin (J) : droit civil – la formation du contrat - , L.G.D.J , 1993 .
* conformité et garantie dans la vente des produit mobiliers ,
L.G.D.J , 1983 .
* traité de droit civil, les obligation . Le contrat, L.G.D.J, 1980
.
* Le contrat, principes directeurs, consentement . cause et objet
, universit megill – institut de droit comparé .
* Conformité et garanties dans la vente – produits mobiliers - ,
paris, L.G.D.J, 1983 .
* Sécurité des consommateurs et responsabilité du fait des
produits défectueux, colloque des 6 et 7 novembre 1986 , éd .
1987 .
- Gounot : le principe de l’autonomie de la volonté en droit civil, thèse
. Dijon . 1912 .
- Hélène bricks : les clauses abusives, éd . 1982, L.G.D.J .
- JEAN-michel jacquet : le contrat international, Dalloz, 1992 .
- MARUANI Charles : la clause pénale, éd.1935 .
- Mustapha M elgamal : l’adaptation du contrat aux circonstances
économiques . Paris – L.G.D.J .
- Renée galène : la publicité mensongère ou trompeuse, première
édition, 1996 .
- Ripert (géorges) : la règle morale dans les obligations civiles,
deuxième édition, paris, L.G.D.J, 1927 .

2 – LES ARTICLES .
- ANNE sinay-cytermann : la commission des clauses abusives et le
droit commun des obligations, REV.TR.DR.civil, N°3.1985.
- Benêt (A) : indemnité d’immobilisation – dédit et clausse pénale,
J.C.P, T 2 – N°7, 1987 .
- Bihl luc : la loi N°78-23 du 10 Janvier 1978 sur la protection et
l’information du consommateur, J.C.P, T 2 – N° 40 , 1978 .
112
- Bocarra : dol ; silence et réticence, gaz . pale . 1953 .
- Carmet (O) : réflexion sur les clauses abusives au sens de la loi n°78
– 23 du 10 janvier 1978 , REV.TR.DR.com, 1982 .
- Christine hugon : le sort de la clause pénale en cas d’extinction du
contrat, J.C.P,T4.N°40, 1994 .
- Fontaine (M) : la protection du consommateur en droit civil et en
droit commerciale belge, Rev.Tr.Dr.Com , 1974 .
- François : la réforme de la clause pénale (loi n°75-597 du 9 juillet
1975) , recueil Dalloz Sirey , 1976 , N° 2 .
- François xavier testu : le juge et le contrat d’adhésion , J.C.P,
éd.générale, T 2 , 1993 .
- Ghestin (J) et SABELLE marchessaux – van melle : l’application en
France de la directive visant à éliminer les clauses abusives après
l’adoption de la loi N°95 – 96 du 1 février 1995 , J.C.P , T3 – N°25 ,
1995 .
- Gourdet (G) : droit de critique et consommation , REV.TR.DR.com,
1980 .
- Guibal Michel : droit public des contrats et concurrence : le style
européen, J.C.P , T 2 , 1993 .
- JEAN marie Auby : la loi n°90-527 juin 1990 relative aux droits et à
la protection des personnes hospitalisé en raison de trouble mentaux
et à leurs conditions d’hospitalisations, J.C.P, éd.gé, T3. 1990 .
- JEAN calais-auloy : l’influence du droit de la consommation sur le
droit civil des contrats, REV.TR.DR.civil,N°2, 1994 .
- J.j-biolay : blocage et déblocage des prix et concurrence,
REV.TR.DR.com, 1983 .
- J.j-burst et R.Kovor : la distribution sélective et le droit
communautaire de la concurrence , REV.TR.DR.com, 1978 .
- JUGLART (M) : l’obligation de renseignement dans les contrats,
R.T.D.civil, 1945 .
- Lhuilier gilles : le critère jurisprudentiel d’application du droit de la
concurrence, Rev.Tr.DR.commerciale, N°4, 1994 .
- Louis Vogel : droit française de la concurrence, J.C.P, entreprise et
affaires, T1, 1998 .
- Malourie marie : le référé-concurrence, J.C.P, éd.gé, T1.1993 .
- Mallaurie (Philipe) : la révision judiciaire de la clause pénale (loi
n°75-597 du 9 juillet 1975) , répertoire du notariat défrenois, T2,
1976.
- MARIE Josèphe : protection des consommateurs – aperçu rapide sur
la loi n°98-566 du 8 juillet 1998 relative à la protection des
acquéreurs de l’utilisation à temps partiel de bien immobilière, J.C.P,
éd.gé, T3.1998 .

113
- Martin(D) : la défense du consommateur à crédit commentaire de la
loi n°78-22 du 10 janvier 1978, REV.TR.DR.com, 1978 .
- Martin Raymond : la fonction juridictionnelle du conseil de la
concurrence , J.C.P, éd.gé, T4.1990 .
- Nectoux Philipe : la révision judiciaire des clauses pénales-bilan des
premières années d’application de la loi du 9 juillet 1975 par
l’informatique juridique, J.C.P, T2-N°42, 1978 .
- Nivaggioli (A) : les crises économiques et les législations des prix,
Rev.Tr.Dr.Com, 1984 .
- Ounnir abdellah : le droit de la consommation au Maroc entre les
enseignements du passé et les impératifs de l’avenir, R.D.E,
N°10.1995 , recueil Dalloz Sirey, 1995 .
- Paisant gilles : proposition pour une réforme du droit des clauses
abusives (après la directive du 5 avril 1993) , (J.C.P), éd.gé, n°25,
T2, 1994 .
* Les clauses pénales sont-elles encore licite dans les contrats
de bail et de travail , J.C.P, T2-N°16, 1986 .
* suppression des clauses abusives d’un contrat type sur
intervention volontaire d’une association de consommateurs,
J.C.P, T1, 1994 .
* éssai sur la notion de consommateurs en droit positif, J.C.P ,
T1 , 1993 .
* dix ans d’application de la réforme des articles 1152 et 1231
du code civil relative a la clause pénale (loi du 9 juillet 1975) ,
Rev.Tr.Dr.civil, N°4 , 1985 .
* la consécration du pouvoir judiciaire par la loi du 9 juillet
1975 et ses incidences sur la théorie générale de la clause
pénale, REV.TR.DR.civil, 1977 .
- P.ancle : la garantie conventionnalle des viches cachés dans les
conditions générales de vente en matière mobilière,
REV.TR.DR.com, 1979 .
- Peirano facio gorge : nature juridique de la clause pénale dans les
droits français et latino-américain, REV.TR.DR.comparé, 1949 .
- PIERRE billet : le juge et l’équité, études offertes à rené rodières,
Dalloz 1981, 1ér . Trimestre .
- Sériaux alainer : l’interprétation des faits en droit, J.C.P, n°12, T1,
1986 .
- Vincent cottereau : la clause réputée non écrite, J.C.P, éd.gé, T3,
1993 .
- YVES letartre : requiem pour une clause pénale, revue de
jurisprudence commercial, N°3, 1978 .
- Yves picod : l’obligation de coopération dans l’exécution du contrat,
J.C.P, T1-N°6, 1988 .
114
‫الــفــهــرس‬

‫‪01‬‬ ‫مقدمة‬
‫فصل تمهيدي ‪ :‬عدم نجاعة نظرية عيوب اإلرادة في تحقيق التوازن العقدي‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬الغلط‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬اإلكراه‬
‫الفقرة الثالثة ‪ :‬التدليس‬
‫الفقرة الرابعة ‪ :‬الغبن واالستغالل‬
‫الفصل األول ‪ :‬دور القاضي في تحقيق التوازن العقدي من خالل مؤسسة التفسير‬

‫‪115‬‬
‫المبحث األول ‪:‬تحقيق التوازن العقدي عند تفسير القاضي لبنوده‬
‫المطلب األول ‪ :‬دور القاضي السلبي إزاء العقد الواضح العبارة ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬إمكانية تحقيق التوازن العقدي إذا كانت عباراته غامضة ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬مدى التزام القاضي بقواعد التفسير المنصوص عليها ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬سلطة قاضي الموضوع الشبه المطلقة في تفسير العقد الغامض ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬مساهمة القاضي في تحقيق التوازن العقدي عن طريق تفسير النصوص‬
‫القانونية ‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬تعديل القاضي آلجل العقد قد يساهم في توازنه ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مدى مساهمة االلتزام بالتبصير في تحقيق التوازن العقدي ‪.‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬موقف القضاء من االلتزام بالتبصير في إطار النصوص العامة ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬أساس االلتزام بالتبصير في القضاء المقارن‬
‫ثانيا ‪ :‬االلتزام بالتبصير من منظور الفقه اإلسالمي ‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬وعي المشرع بحاجة القاضي لنص خاص يقرر االلتزام بالتبصير‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬تحقيق التوازن العقدي باستبعاد القاضي لشروطه التعسفية‬
‫المبحث األول ‪ :‬سلطة القاضي إزاء بنود عقد اإلذعان التعسفية‬
‫المطلب األول ‪ :‬ماهية عقد اإلذعان‬
‫البند األول ‪ :‬الطبيعة القانونية لعقد اإلذعان‬
‫أوال ‪ :‬أنصار النظرية الالئحية ‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬النظرية العقدية‬
‫البند الثاني ‪ :‬خصائص عقد اإلذعان وتمييزه عن بعض المفاهيم المشابهة ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬خصائص عقد اإلذعان ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تمييز عقد اإلذعان عن المفاهيم المشابهة له ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نطاق سلطة القاضي لمواجهة بنود عقد اإلذعان التعسفية‬
‫المبحث الثني ‪ :‬السماح للقاضي باستبعاد كل شرط تعسفي يساهم في توازن العقد‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬ماهية الشرط التعسفي‬
‫البند األول ‪ :‬مفهوم الشرط التعسفي وعناصره‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الشرط التعسفي ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬عناصر الشرط التعسفي ‪.‬‬
‫البند الثاني ‪ :‬تمييز الشرط التعسفي عن بعض المفاهيم المشابهة ‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫أوال ‪ :‬الشرط التعسفي ومضمون العقد النموذجي ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الشرط التعسفي والشرط الجزائي ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬تعديل القاضي للعقد عند اقترانه بشروط تعسفية ‪.‬‬
‫البند األول ‪ :‬أساليب مواجهة القاضي للشروط التعسفية‬
‫أوال ‪ :‬األسلوب التقديري‬
‫ثانيا ‪ :‬أسلوب القائمة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬األسلوب المختلط‪.‬‬
‫البند الثاني ‪ :‬تعديل القاضي للعقد عند اقترانه بشروط تعسفية ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬مرحلة ما قبل التدخل التشريعي ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مرحلة ما بعد التدخل التشريعي ‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫الئحة المراجع‬
‫بيان الرموز‬
‫الفهرس‬

‫‪117‬‬

You might also like