Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 12

‫العدد السادس‬ ‫املجلة الجزائرية للقانون البحري والنقل‬

‫عقد التأمني البحري كآلية إلدارة املخاطر البحرية‬


‫‪1‬‬
‫أعراب كميلة‬

‫مقدمـة‪:‬‬
‫تتعدد املخاطر البحرية وتتزايد هذا ما يعرض البضائع والسفينة للخطر خالل الرحلة‬
‫البحرية‪ ،‬وهذه املخاطر ميكن أن تنشأ من القوة القاهرة كام ميكن أن تنشأ من إهامل اإلنسان‬
‫أو خطئه يف حني ميكن أن تنشأ بفعل الغري‪ ،‬هذا ما أدى للبحث عن وسائل للتقليل أو الوقاية‬
‫من األخطار التي تتعرض لها الرحلة البحرية‪ ،‬وهي التأمني البحري‪.‬‬
‫يعترب التأمني البحري من أبرز أنواع التأمني‪ ،‬إذ يعترب جزء ال يتجزأ عن مختلف العمليات‬
‫التي تتم عرب البحار كام ميثل الركيزة األساسية للتجارة الدولية هذا ما أضفى عليه الصفة‬
‫الدولية‪ ،‬إذ أنه من النادر أن تبحر سفينة أو تنقل بضاعة بطريق البحر دون أن يقوم أصحابها‬
‫بالتأمني عليها ابتغاء األمن واألمان‪.‬‬
‫متتاز الجزائر بحركة اقتصادية واسعة باعتبار الجزائر من الدول املطلة عىل البحر هذا ما‬
‫يؤدي بأصحاب السفن والبضائع التأمني عىل سفنهم وبضائعهم املنقولة بحرا‪ ،‬لكن رغم ذلك‬
‫نجد أن املرشع الجزائري مل يتطرق للتأمني البحري يف التقنني البحري‪ ،‬لذا يتم اللجوء إىل القواعد‬
‫العامة يف هذا الشأن أي أحكام التقنني املدين وكذا قانون التأمينات لتغطية املخاطر البحرية‪.‬‬
‫لذلك نتساءل‪ :‬ما هو مفهوم عقد التأمني البحري‪ ،‬وهل يجب توافر عنرص الخطر يف التأمني‬
‫البحري؟‬
‫نتعرض يف دراستنا هذه لعقد التأمني البحري كآلية إلدارة املخاطر البحرية إىل مفهوم عقد‬
‫التأمني البحري (املبحث األول)‪ ،‬وإىل عنرص الخطر يف عقد التأمني البحري (املبحث الثاين)‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم عقد التأمني البحري‬
‫تتعرض البضائع مهام كانت طبيعتها أو كيفية تغليفها وكذا السفينة أثناء الرحلة البحرية إىل‬
‫العديد من املخاطر لذا يتم التأمني عليها عادة باعتبار التأمني وسيلة إلدارة هذه املخاطر‪ ،‬لذا‬
‫يستوجب علينا التعريف بعقد التأمني البحري (املطلب األول)‪ ،‬ثم إظهار خصائص عقد التأمني‬
‫البحري (املطلب الثاين)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التعريف بعقد التأمني البحري‬
‫يعترب عقد التأمني البحري كوسيلة هامة إلدارة املخاطر البحرية لهذا يستوجب علينا األمر‬
‫‪ - 1‬أستاذة مؤقتة بجامعة مولود معمري ‪ .‬باحثة يف دكتوراه علوم ‪ ،‬كلية الحقوق تيزي وزو‪.‬‬
‫‪265‬‬
‫العدد السادس‬ ‫املجلة الجزائرية للقانون البحري والنقل‬
‫التعرض لنشأة هذا العقد (الفرع األول) وكذا تعريفه (الفرع الثاين)‪ ،‬والخصائص التي يتميز بها‬
‫هذا العقد (الفرع الثالث)‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬نشأة التأمني البحري‬
‫يعترب التأمني البحري أقدم أنواع التأمني‪ ،‬إذ سبق التأمني الربي يف الظهور بوقت بعيد وكذا‬
‫التأمني الجوي‪ ،‬نظرا للمخاطر الجسيمة التي تكتنف املالحة البحرية‪.‬‬
‫يرجع التأمني البحري يف نشأته إىل نظام القرض البحري أو قرض املخاطرة الجسيمة‬
‫‪ Bottonry- Foenus Nauticum‬الذي عرفته الشعوب القدمية‪ ،‬ويتحصل هذا النظام يف أن‬
‫شخصا يقرض مجهز السفينة أو الشاحن ما يحتاجه من نقود حتى إذا انتهت الرحلة البحرية‬
‫بسالم استوىف املقرض مبلغ القرض مع فائدة مرتفعة‪ ،‬أما إذا تحقق الخطر فإن املجهز أو‬
‫الشاحن يحتفظ باملبلغ املقرتض من ما اقرتضه‪.‬‬
‫يقرتب قرض املخاطرة الجسيمة كثريا من التأمني‪ ،‬فاملقرض يقوم يف الواقع بدور املؤمن‪ ،‬إذ‬
‫يدفع تعويض التأمني مقدما يف صورة قرض ثم يستوفيه بعد ذلك مع فائدة مرتفعة تحل محل‬
‫األقساط إذا نجحت الرحلة البحرية ومل يتحقق الخطر‪ ،‬أما إذا تحقق الخطر فإن املجهز أو‬
‫الشاحن يحتفظ باملبلغ املقرض (وال يلزم بدفع فائدة عنه)‪ ،‬مثله يف ذلك مثل املؤمن له الذي‬
‫يحصل من املؤمن عىل تعويض الخسارة التي لحقته‪.1‬‬
‫نالحظ أن قرض املخاطرة الجسيمة ميثل عقد تأمني بحري يف جوهره‪ ،‬ولكنه يختلف يف أن‬
‫القسط ال يسدد مقدما كام يف نظام التأمني بل يسدد يف نهاية الرحلة طبقا لعقد القرض البحري‪،‬‬
‫كذلك القسط ال يسدد يف حالة فقد السفينة أو البضاعة وأيضا التعويض مبقتىض عقد القرض‬
‫البحري أو قرض املخاطرة الجسيمة يدفع مقدما ممثال ذلك يف مبلغ القرض‪.2‬‬
‫أخذ بنظام القرض البحري أو قرض املخاطرة الجسيمة مامرسو العمليات البحرية من بابليني‬
‫وفنيقيني وهنود ورومان وإغريق‪ ،‬ويرجع البعض أصل هذا النظام إىل البابليني ‪ 2250‬قبل امليالد‪،‬‬
‫استنادا إىل نص ورد يف قانون حمورايب‪ ،‬يقيض بأن من يقوم برحلة بحرية يتسلم البضائع من‬
‫تاجر مقابل قامئة مفتوحة تحدد فيها قيمة البضاعة وسعر الفائدة التي ترسي خالل فرتة معينة‪،‬‬
‫فإذا رسقت البضائع خالل الرحلة بغري إهامل أو تواطؤ يعفى من يقوم بالرحلة من رد الدين‬
‫والفائدة‪ ،‬كام جاء يف التلمود أن العرف يجرى بني سكان شواطئ الخليج الفاريس (العريب) عىل‬
‫أن من يفقد سفينته بغري إهامل منه يعوضه عنها املالحون بسفينة أخرى يساهمون جميعا يف‬

‫‪- 1‬مصطفى كامل طه‪ ،‬التأمني البحري الضامن البحري‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1996 ،‬ص ص ‪.6،7‬‬
‫‪- 2‬منى محمد عامر‪ ،‬عيل السيد ديب‪ ،‬التأمني البحري‪ ،‬مركز التعليم املفتوح‪ ،‬القاهرة‪ ،1994 ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪266‬‬
‫العدد السادس‬ ‫املجلة الجزائرية للقانون البحري والنقل‬
‫قيمتها‪ ،‬ونقله عنهم الفينيقيون وطوروا فيه بحسب ما يتالءم مع حاجاتهم ثم انتقل إىل اإلغريق‬
‫عند احتاللهم لجزيرة رودس ومنهم إىل الرومان‪.1‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬تعريف عقد التأمني البحري‬
‫تم تعريف عقد التأمني البحري سواء يف الفقه (أوال)‪ ،‬أو عىل مستوى قوانني بعض الدول‬
‫(ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف فقهي لعقد التأمني البحري‬
‫تعددت التعريفات الفقهية لعقد التأمني البحري نذكر منها‪:‬‬
‫يعرف جورج ريرب عقد التأمني البحري بأنه العقد الذي يقبل مبقتضاه شخص يسمى املؤمن‬
‫أن يقوم بتعويض آخر يسمى املؤمن له عن الرضر الذي يلحقه مبناسبة رسالة بحرية ويتمثل يف‬
‫خسارة حقيقية يف قيمة اليشء نظري قسط ويف حدود مبلغ معني عىل أن ال يتجاوز قيمة األشياء‬
‫الهالكة‪.‬‬
‫ويف تعريف أخر قال به جورج ريرب بأنه العقد الذي يقبل مبقتضاه شخص اسمه املؤمن‬
‫بتعويض طرف آخر اسمه املؤمن له عن رضر يلحق به يف رسالة بحرية نتيجة أخطاء معينة يف‬
‫حدود املبلغ املؤمن عليه‪ ،‬وذلك نظري سداد القسط‪.‬‬
‫تعريف عقد التأمني البحري عىل النحو السابق يربز العنارص الجوهرية للتأمني‪ :‬وهي الخطر‬
‫(‪ )le risque‬والقسط (‪ ،)la prime‬واألداء الذي يلتزم به املؤمن عند تحقق الحادث‬
‫(‪ ،)simistre‬وبهذا ظهر عنرص الخطر يف التعريف الثاين لجورج ريرب عىل حني أغفله التعريف‬
‫األول‪.2‬‬
‫يعرف بدوره محمود سمري الرشقاوي عقد التأمني البحري بأنه عقد يعد مبوجبه أحد‬
‫األطراف وهو املؤمن الطرف اآلخر وهو املؤمن له بأن يقدم له مقابل أداء يسمى قسط التأمني‬
‫عوضا ماليا له أو للغري عندما يتحقق بالنسبة ألموال أو ألشخاص معينة يتفق عليها خطر من‬
‫األخطار التي تعترب عمليات املالحة البحرية أو النقل البحري سببا أو مناسبة أو مكانا لها‪.3‬‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف قانوين لعقد التأمني البحري‬
‫نتعرض لبعض التعريفات القانونية لعقد التأمني البحري‬

‫‪- 1‬حياة بن عيىس‪ ،‬التأمني عىل هيكل السفينة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة ماجستري‪ ،‬فرع القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق أيب بكر‬
‫بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ،2003 ،‬ص ‪10‬‬
‫‪- 2‬مصطفى كامل طه‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.17 ،16‬‬
‫‪- 3‬محمود سمري الرشقاوي‪ ،‬القانون البحري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1993 ،‬ص ‪.507‬‬
‫‪267‬‬
‫العدد السادس‬ ‫املجلة الجزائرية للقانون البحري والنقل‬
‫‪1-‬تعريف التأمني البحري يف القانون اإلنجليزي‬
‫مر تعريف التأمني البحري يف انجلرتا بعدة تطورات‪ ،‬ساهمت يف إنجاحها األرضية الخصبة‬
‫التي وفرها للعرف والقضاء يف مجال االجتهادات باعتبارها املصدر األول من مصادر القانون‪،‬‬
‫فكان موضوع التأمني يتطور بتطور املالحة البحرية‪ ،‬مام جعل انجلرتا تحتل الريادة يف مجال‬
‫التأمني وإعادة التأمني‪.‬‬
‫كان للقانون اإلنجليزي ‪ 1906‬السبق يف ميدان التأمني البحري إذ عرف يف املادة األوىل «عقد‬
‫التأمني البحري هو عقد مبقتضاه يتعهد املؤمن بتعويض املؤمن له وفقا للطريقة وإىل الحد‬
‫املتفق عليه من خسائر بحرية‪ ،‬وهي الخسائر التي تنشأ عن مخاطرة بحرية»‪.‬‬
‫أصبح هذا القانون مصدرا للقوانني الحديثة يف املجال البحري‪ ،‬واتسم هذا التعريف بالدقة‬
‫والوضوح‪ ،‬فبني طبيعة العقد وأخضعه للنظرية العامة للعقود وذكر أطرافه والتزامات املؤمن‬
‫وبني محله املتمثل يف الخطر إذ يعترب األسبق يف تعريف التأمني البحري بواسطة الخطر‪ ،‬كام‬
‫تفطن إىل أن األخطار البحرية غري قابلة للحرص حيث أنها محل التطور والتغري مام جعله يبتعد‬
‫عن التعريف الحرصي‪.‬‬
‫كام أنه أدخل يف املادة ‪ 2‬من هذا القانون التأمني عن األخطار التي ال تعد بحرية أصال إذا‬
‫كانت تابعة للرحلة البحرية‪ ،‬وما يؤخذ عليه أنه مل يذكر التزامات املؤمن له بدفع القسط‪.1‬‬
‫‪2-‬تعريف املرشع املرصي لعقد التأمني البحري‬
‫تعرف املادة ‪ 340‬من التقنني البحري املرصي الجديد التأمني البحري عىل الوجه التايل‪:‬‬
‫«ترسي أحكام هذا الباب عىل عقد التأمني الذي يكون موضوعه ضامن األخطار املتعلقة برحلة‬
‫بحرية»‪.‬‬
‫يربز هذا التعريف عنرص الخطر البحري باعتباره العنرص الجوهري الذي يخلع عىل التأمني‬
‫البحري املميز وذاتيته املستقلة وقواعده القانونية الخاصة به التي ينفرد بها عن غريها من أنواع‬
‫التأمني األخرى‪.2‬‬
‫‪3-‬تعريف املرشع الجزائري لعقد التأمني البحري‬
‫أخذت الجزائر عقب استقاللها بنظام التأمني الفرنيس‪ ،‬وإن كان املرشع الجزائري قد اتخذ‬
‫بعض التدابري كسن قواعد قانونية جزائرية تتعلق أساسا بفرض التزامات وضامنات عىل رشكات‬
‫التأمني العاملة بالجزائر‪ ،‬وإخضاعها لطلب االعتامد من الوزارة املالية وفقا ملا جاء به القانون‬
‫رقم ‪ 20/63‬املؤرخ يف ‪ 08‬جوان ‪ ،1963‬واعتمدت بعد ذلك تأميم رشكاتها واحتكار العملية‬
‫‪- 1‬حياة بن عيىس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪- 2‬مصطفى كامل طه‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪268‬‬
‫العدد السادس‬ ‫املجلة الجزائرية للقانون البحري والنقل‬
‫التأمينية‪ ،‬وهذا ما نص عليه األمر رقم ‪ 127/ 66‬باحتكار الدولة لجميع عمليات التأمني‪ ،‬وظل‬
‫الفراغ الترشيعي يف مجال تنظيم العملية التأمينية بالجزائر إىل غاية صدور قانون التأمني سنة‬
‫‪ ،1980‬حيث حدد مفهومه وبني أحكامه‪ ،‬وكان قد عرفه قبال وبصفة عامة القانون املدين‬
‫الجزائري يف املادة ‪ 619‬كام ييل‪« :‬التأمني عقد يلتزم املؤمن مبقتضاه بأن يؤدي إىل املؤمن له أو‬
‫الغري املستفيد الذي اشرتط التأمني لصالحه مبلغا من املال أو إيرادا‪ ،‬أو أي أداء مايل آخر يف حالة‬
‫تحقق الخطر املبني يف العقد‪ ،‬وذلك مقابل أقساط أو أية دفوع مالية أخرى»‪.‬‬
‫صدر قانون آخر للتأمني بالجزائر من خالل األمر ‪ 07-95‬املتعلق بالتأمينات واملؤرخ يف ‪25‬‬
‫يناير ‪ 1995‬ومل يغري هذا األمر كثريا من مفهوم العقد وأحكامه‪ ،‬إذ عرفته املادة ‪ 2‬وفقا ملا جاءت‬
‫به املادة ‪ 619‬من القانون املدين الجزائري‪ ،‬وخصص هذا األمر الباب الثاين منه ألحكام التأمني‬
‫البحري إذ نصت املادة ‪ 92‬منه عىل أنه‪« :‬تطبق أحكام هذا الباب عىل أي عقد تأمني يهدف إىل‬
‫ضامن األخطار املتعلقة بأية عملية نقل بحري»‪ ،‬فوسع املرشع الجزائري عىل غرار الترشيعات‬
‫األخرى مجال ونطاق التأمني البحري بذكره العملية التأمينية‪ ،‬واحتوت وثائق التأمني البحري‬
‫سواء املتعلقة بالبضائع أو السفن أحكامه العامة واملتمثلة أساسا يف تحديد اليشء املؤمن عليه‬
‫واألخطار املؤمن ضدها والتزامات األطراف‪.1‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬خصائص عقد التأمني البحري‬
‫يتميز عقد التأمني البحري بعدة خصائص متيزه عن غريه من العقود‪ ،‬تتمثل هذه الخصائص‬
‫يف أن عقد التأمني البحري عقد رضايئ (الفرع األول)‪ ،‬عقد التأمني البحري من عقود اإلذعان‬
‫(الفرع الثاين)‪ ،‬عقد التأمني البحري من عقود حسن النية (الفرع الثالث)‪ ،‬عقد التأمني البحري‬
‫من عقود املعاوضات (الفرع الرابع)‪ ،‬عقد التأمني البحري من العقود الزمنية (الفرع الخامس)‪،‬‬
‫عقد التامني البحري من العقود امللزمة للجانبني ومن العقود التجارية (الفرع السادس)‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬عقد التأمني البحري عقد رضايئ‬
‫يعترب عقد التأمني البحري عقد رضايئ ينعقد مبجرد أن يتبادل املؤمن واملؤمن له التعبري عن‬
‫إرادتني متطابقتني‪ ،2‬أي أنه يكفي يف انعقاده اقرتان القبول باإليجاب‪ ،‬فرضاء املتعاقدين هو الذي‬
‫يكون العقد‪.3‬‬
‫وإذا كان الرتايض كافيا النعقاد عقد التأمني البحري‪ ،‬فإنه يصح مع ذلك للطرفني االتفاق عىل‬
‫جعل الكتابة الزمة لالنعقاد‪ ،‬كأن يتفقا عىل أن العقد ال يتم إال بتوقيع الطرفني عىل وثيقة‬

‫‪- 1‬حياة بن عيىس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬


‫‪- 2‬مصطفى كامل طه‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪- 3‬جامل الحكيم‪ ،‬التأمني البحري –دراسة عملية قانونية‪ ،-‬مكتبة النهضة املرصية‪ ،‬مرص‪ ،1995 ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪269‬‬
‫العدد السادس‬ ‫املجلة الجزائرية للقانون البحري والنقل‬
‫التأمني‪.1‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬عقد التأمني البحري من عقود اإلذعان‬
‫تعترب عقود التأمني عموما أمام القانون من عقود اإلذعان ألنها ال تربم بعد مناقشة حرة من‬
‫الطرفني لرشوطها‪ ،‬كام أن املؤمن له ال ميلك إال قبول وثيقة التأمني دون أدىن مناقشة‪ ،‬وليس لنا‬
‫إال أن نسلم بهذا األمر ألن رشوط التأمني ال تناقش فعال مع املؤمن له قبل إبرام العقد‪ ،‬فهذه‬
‫الرشوط مطبوعة‪ ،‬تزيد وتقل باإلضافة أو باإللغاء حسب رغبة العميل ووفقا لنوع الضامن‬
‫املطلوب‪.2‬‬
‫وإذا كان عقد التأمني البحري من عقود اإلذعان فإنه يخضع ملا تخضع له تلك العقود من‬
‫أحكام نص عليها القانون يف القواعد العامة‪.3‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬عقد التأمني البحري من عقود حسن النية‬
‫يعد حسن النية مبدأ عام يرسي عىل كل العقود وإن كان لهذا املبدأ معنى خاص يف عقد‬
‫التأمني إذ أنه يرافق العقد وقت تكوينه وخالل تنفيذه‪ ،‬وينبني عىل ذلك واجب إدالء املؤمن له‬
‫بكل البيانات املتعلقة بالخطر املؤمن منه بدقة وكل كتامن يبطل العقد‪ ،‬كام يلتزم باملحافظة‬
‫عىل اليشء املؤمن عليه وعدم زيادة املخاطر وإخطار املؤمن بكل ما يستجد من حوادث أثناء‬
‫تنفيذ العقد‪.4‬‬
‫ينبني عقد التأمني البحري عىل حسن النية‪ ،‬وال يعني ذلك أن عقد التأمني البحري يجب‬
‫تفسريه تفسريا ضيقا حرفيا كام ذهب البعض‪ ،‬إذ أن عقد التأمني البحري كغريه من العقود يجب‬
‫تفسريه وفقا للنية املشرتكة للمتعاقدين دون الوقوف عند املعنى الحريف لأللفاظ مع االستهداء‬
‫يف ذلك بطبيعة التعامل ومبا ينبغي أن يتوفر يف أمانة وثيقة بني املتعاقدين وفقا للعرف الجاري‬
‫يف املعامالت‪.5‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬عقد التأمني البحري من عقود املعاوضات‬
‫يعترب عقد التأمني البحري من عقود املعاوضات‪ ،‬حيث أن كل من املتعاقدين يأخذ مقابل ملا‬
‫قدمه‪ ،‬فاملؤمن يأخذ أقساط التأمني التي يدفعها املؤمن له‪ ،‬واملؤمن له يأخذ مقابل ملا دفعه‬
‫وهو تحمل املؤمن لتبعة الخطر املؤمن منه سواء تحقق الخطر أم مل يتحقق‪ ،‬فعقد التأمني‬
‫البحري يهدف إىل جرب الرضر بعد وقوعه ويكون مساوي ملقدار هذا الرضر وإال اعترب من باب‬
‫اإلثراء بال سبب فال يجب أن يضع املؤمن له يف حالة مالية أحسن من تلك التي كان عليها قبل‬

‫‪-‬مصطفى كامل طه‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪-‬جامل حكيم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.53‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪-‬مصطفى كامل طه‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪-‬حياة عيىس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪-‬مصطفى كامل طه‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪270‬‬
‫العدد السادس‬ ‫املجلة الجزائرية للقانون البحري والنقل‬
‫تحقق الخطر املؤمن منه‪.1‬‬
‫ينبني عىل اعتبار عقد التأمني البحري بأنه عقد تعويض ما يأيت من النتائج‪:‬‬
‫‪-‬ال يجوز تقدير قيمة األشياء التي تضمنها عقد التأمني البحري مبا يزيد عن قيمتها الحقيقية‪،‬‬
‫بحيث تجعل املؤمن له يف مركز قانوين أحسن مام كان عليه قبل وقوع الخطر املؤمن منه‪.‬‬
‫‪-‬ال يحق للمؤمن له التأمني عىل األشياء التي تعود له بأكرث من قيمتها الحقيقية‪ ،‬فمثل هذا‬
‫التأمني يكون معرضا لإلبطال عندما يكون هناك غش أو خداع من جانب املؤمن له‪.‬‬
‫‪-‬ال يحق للشخص إذا ما أجرى عدة عقود تأمني ليشء واحد أن يجني من هذه العقود أكرث‬
‫من قيمة هذا اليشء عند هالكه‪ ،‬مبعنى أنه ال يجوز للشخص يف مثل هذه الحالة أن يؤمن عىل‬
‫نفس اليشء لدى عدة مؤمنني مببالغ تزيد قيمتها مجتمعة عىل قيمة اليشء الذي ورد عليه‬
‫التأمني‪ ،‬والسبب يف ذلك ليك ال يحصل املؤمن عىل نفع من هذه العقود تتجاوز الرضر الذي لحق‬
‫به‪.2‬‬
‫الفرع الخامس‪ :‬عقد التأمني البحري من العقود الزمنية (املمتدة)‬
‫يعترب عقد التأمني البحري من العقود املمتدة والعقد املمتد هو الذي ينفذ فيه االلتزام‬
‫بأداءات مستمرة أو أداءات دورية مستمرة‪ ،‬أي أن عقد التأمني ينعقد لفرتة محدودة حيث‬
‫يلتزم املؤمن بتحمل الخطر املؤمن ملدة زمنية محددة يف العقد‪ ،‬فالزمن عنرص جوهري يف عقد‬
‫التأمني البحري‪.‬‬
‫يرتتب عىل ذلك أنه إذا فسخ عقد التأمني البحري فال يكون ذلك بأثر رجعي‪ ،‬فإنه من العقود‬
‫املستمرة التي ال ميكن إعادة الحال إىل ماكان عليه قبل التعاقد فال ميكن عند فسخ عقد التأمني‬
‫البحري إعادة الحال إىل ما كان عليه قبل التعاقد بأن يرجع املؤمن األقساط ويرتد تحمل تبعة‬
‫األخطار عن الفرتة السابقة‪.3‬‬
‫الفرع السادس‪ :‬عقد التأمني البحري من العقود امللزمة للجانبني ومن العقود التجارية‬
‫يعترب عقد التأمني البحري من العقود امللزمة للجانبني إذ أن كل طرف ملزم تجاه الطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬فاملؤمن له يلتزم بدفع القسط واملؤمن يلتزم بدفع مبلغ التعويض إذا وقعت الكارثة‪.‬‬
‫كام يعترب عقد التأمني البحري عقد تجاري بالنسبة للمؤمن الذي يسعى إىل الربح خالل‬
‫العمليات التأمينية التي ينظمها‪ ،‬أما املؤمن له فال يكون تجاري إال إذا كان تابعا لعمل تجاري‪،‬‬

‫‪- 1‬عال عبد الحفيظ نويران املهريات‪ ،‬املصلحة يف التأمني البحري‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة ماجستري‪ ،‬فرع القانون الخاص‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة الرشق األوسط‪ ،2011 ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪- 2‬عادل عيل املقدادي‪ ،‬القانون البحري (السفينة‪ ،‬أشخاص املالحة‪ ،‬النقل البحري‪ ،‬البيوع البحرية‪ ،‬الحوادث البحرية‪،‬‬
‫التأمني البحري)‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬دار الثقافة للنرش والتوزيع‪ ،‬عامن‪ ،2011 ،‬ص ص ‪.251 ،250‬‬
‫‪- 3‬عال عبد الحفيظ نويران املهريات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪271‬‬
‫العدد السادس‬ ‫املجلة الجزائرية للقانون البحري والنقل‬
‫كنقل السفن للبضائع ومساهمتها يف التجارة البحرية ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬عنرص الخطر يف عقد التأمني البحري‬


‫يعترب الخطر عنرصا جوهريا وأساسيا يف عقد التأمني البحري‪ ،‬كام ال ميكن تصور وجود لعقد‬
‫التأمني البحري دون وجود خطر يتعرض له اليشء املؤمن عليه‪ ،‬لذا نعمد إىل التعريف بالخطر‬
‫يف عقد التأمني البحري (املطلب األول)‪ ،‬وكذا األخطار التي ال يضمنها املؤمن وفقا لعقد التأمني‬
‫البحري (املطلب الثاين)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التعريف بالخطر يف عقد التأمني البحري‬
‫تتعدد املخاطر التي تتعرض لها البضائع والسفينة أثناء الرحلة البحرية لذا يستلزم األمر‬
‫علينا تعريف الخطر يف عقد التأمني البحري (الفرع األول)‪ ،‬ثم إىل رشوط الخطر يف عقد التأمني‬
‫البحري (الفرع الثاين)‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف الخطر يف التأمني البحري‬
‫يعترب عنرص الخطر بالنسبة للتأمني بصفة عامة من أهم عنارصه‪ ،‬إن مل يكن أهم العنارص عىل‬
‫اإلطالق‪ ،‬ألن التأمني ليس يف الواقع سوى ضامن تحقق خطر أو أخطار معينة‪ ،‬فالتأمني يدور مع‬
‫الخطر وجودا وعدما‪ ،‬فحيث ال خطر فال تأمني‪.‬‬
‫تستعمل كلمة الخطر للداللة عىل املخاطر التي قد تتعرض لها األشياء محل التأمني (التصادم‬
‫والغرق والجنوح) فيقال بهذا املعنى الخطر البحري مثال باملقابلة للخطر الربي أو الجوي‪.‬‬
‫كام تستعمل كثريا للداللة عىل املسؤولية التي يتحملها املؤمن يف عقد التأمني‪ ،‬فعندما يقال‬
‫عند فقد البضاعة مثال «إن الخطر مل يكن قد بدأ رسيانه»‪ ،‬فهذا يعني أن البضاعة وقت فقدها‬
‫مل تكن تغطيها وثيقة التأمني‪.2‬‬
‫يظهر من هذا أن مصطلح الخطر يف التأمني البحري له عدة معاين وفقا للزاوية التي ينظر‬
‫كل فقيه قانوين إليه‪ ،‬فقد عرف بأنه «الخطر الذي ميكن أن يحدث خالل املالحة البحرية»‪،‬‬
‫ويؤخذ عىل هذا التعريف بأنه عام ومل يحدد ما هو الحدث الذي من املمكن أن يحدث خالل‬
‫املالحة البحرية‪ ،‬فهل هو كارثة بحرية أم رضر قد يصيب اليشء املؤمن عليه‪.‬‬
‫يقصد أيضا بالخطر أنه الحادث الذي ترافق النشاط البحري عادة والتي تؤدي إىل هالك املال‬
‫أو تلفه‪ ،‬أو يقصد به الحادث الذي قد تتعرض له األشياء املؤمن عليها أثناء الرحلة البحرية‪،‬‬
‫ويشمل التعريفني السابقني الحوادث البحرية كافة التي من املمكن لسفينة أو حمولتها أن‬
‫تتعرض لها‪.3‬‬

‫‪- 1‬حياة عيىس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬


‫‪- 2‬محمود سمري الرشقاوي‪ ،‬الخطر يف التأمني البحري‪ ،‬الدار القومية للطباعة والنرش‪ ،‬القاهرة‪ ،1966 ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪- 3‬يعقوب رشين عبد الحسن‪ ،‬الطبيعة القانونية للخطر يف التأمني البحري‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة ماجستري‪ ،‬فرع القانون‬
‫‪272‬‬
‫العدد السادس‬ ‫املجلة الجزائرية للقانون البحري والنقل‬
‫بني املرشع الجزائري يف املادة ‪ 92‬من األمر ‪ 07-95‬الخطر البحري بأنه كل ما يتعلق بالعملية‬
‫البحرية‪ ،‬وحدد األخطار التي ميتد لها التأمني رغم كونها ليست بحرية وهو ما نستشفه من نفس‬
‫األمر فيام يخص التأمني عىل البضائع‪ ،‬وبني كذلك األخطار التي ال يؤمن عليها من خالل املادتني‬
‫‪ 102‬و‪ 103‬من نفس األمر‪.1‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬رشوط الخطر يف عقد التأمني البحري‬
‫يجب توفر عدد من الرشوط يف الخطر يف عقد التأمني البحري تتمثل فيام ييل‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن يكون الخطر محتمل الوقوع‬
‫يعترب رشط احتاملية حدوث الخطر يف التأمني البحري العنرص الجوهري فيه‪ ،‬وهو يعني أن‬
‫يكون الخطر املؤمن منه محتمل الوقوع وغري مؤكد‪ ،‬ألنه يف حال كان محقق الوقوع يرتتب عليه‬
‫بطالن العملية التأمينية‪.2‬‬
‫كام أن استحالة الخطر استحالة مطلقة تجعل العقد باطال مطلقا طبقا للامدة ‪ 93‬من القانون‬
‫املدين الجزائري التي تنص عىل ما ييل‪« :‬إذا كان محل االلتزام مستحيال يف ذاته كان العقد باطال‬
‫بطالنا مطلقا»‪ ،‬وكذلك ماجاء يف املادة ‪ 43‬من األمر ‪ 07-95‬املتعلق بالتأمينات التي تنص عىل ما‬
‫ييل‪« :‬إذا تلف اليشء املؤمن عليه وأصبح غري معرض لألخطار عند اكتتاب العقد‪ ،‬يعد هذا‬
‫االكتتاب عديم األثر‪ ،‬ويجب إعادة األقساط املدفوعة للمؤمن له حسن النية‪ ،‬ويف حالة سوء النية‬
‫يحتفظ املؤمن باألقساط املدفوعة»‪ ،‬فيجب إذن أن يكون الخطر املؤمن ضده ممكن الوقوع أو‬
‫محتمال‪.3‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن يكون الخطر البحري مرشوعا‬
‫مبا أن الخطر البحري ميثل ركن املحل يف عقد التأمني البحري‪ ،‬كان ال بد أن يكون هذا الخطر‬
‫غري مخالفا للقانون والنظام العام واآلداب‪ ،‬وأن تحقق الرشوط السابقة يف محل التأمني البحري‬
‫ال يعني أنه أصبح صحيحا‪ ،‬إذ يستوجب لغايات صحة محل التأمني البحري باإلضافة إىل ما ذكر‬
‫من رشوط تحقق رشط املرشوعية‪ 4‬وهو ما نصت عليه املادة ‪ 621‬من القانون املدين الجزائري‬
‫التي تنص عىل ما ييل‪« :‬يكون محال للتأمني كل مصلحة اقتصادية مرشوعة تعود عىل الشخص‬
‫من دون وقوع خطر معني»‪ ،‬ونص املادة ‪ 96‬من نفس القانون التي تنص عىل ما ييل‪« :‬إذا كان‬
‫محل االلتزام مخالفا للنظام العام أو اآلداب العامة كان العقد باطال»‪.‬‬
‫فال يجوز التأمني عىل الخطأ العمدي الذي يرتكبه املؤمن له ألن يف هذه الحالة انتفاء لعنرص‬

‫الخاص‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الرشق األوسط‪ ،2010 ،‬ص ‪.15‬‬


‫‪- 1‬حياة بن عيىس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪- 2‬يعقوب رشين عبد حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.22 ،21‬‬
‫‪- 3‬حياة بن عيىس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪- 4‬يعقوب رشين عبد حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪25‬‬
‫‪273‬‬
‫العدد السادس‬ ‫املجلة الجزائرية للقانون البحري والنقل‬
‫االحتامل وكذا هروب املؤمن له من مسؤوليته املرتتبة عن فعله الشخيص واملرض‪ ،‬وهذا ما يتناىف‬
‫قانونا وعدالة مع مصلحة املجتمع كام ال يجوز مثال تأمني سفينة بها بضائع مهربة أو مخدرات‪.1‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن يكون الخطر البحري غري مرهون مبشيئة أحد طريف العقد‬
‫يجب أن يكون الخطر املؤمن عليه غري مرهون بإرادة أي من طريف العقد‪ ،‬أي خارج عن‬
‫إرادتهام‪ ،‬أي أن يكون الحدث عرضيا‪ ،‬ألن تعلق الحدث بإرادة أحد طريف العقد ينفي عنه الصفة‬
‫االحتاملية محل الرشط األول وسيضحى رهينة مشيئة هذا الطرف أو ذاك‪ ،‬فإذا كان الخطر‬
‫متعلقا بإرادة املؤمن فإنه سيعمل عىل أن ال يقع هذا الخطر حتى ال يدفع مبلغ التأمني ويأخذ‬
‫أقساط التأمني دون مقابل‪ ،‬أما إذا كان وقوعه يتعلق بإرادة املؤمن له فإنه سيعمل عىل إحداث‬
‫هذا الخطر لغرض الحصول عىل مبلغ التأمني‪ ،‬األمر الذي تنتفي معه صفة التأمني‪.2‬‬
‫لذا يستوجب يف عقد التأمني البحري أال يتدخل طرفيه يف حدوث الخطر‪ ،‬فإذا كان الخطر‬
‫يتوقف عىل محض إرادة طرفيه فإن هذا سيؤدي إىل انعدام االحتامل وبالتايل انعدام عنرص من‬
‫عنارص الخطر فيقع عقد التأمني باطال بطالنا مطلقا النعدام املحل‪ ،‬فال يجوز إذن التعويض عن‬
‫األخطار التي تسبب فيها املؤمن له بخطئه العمدي أو بطريق الغش أو التدليس‪ ،‬وهذا طبقا‬
‫للامدة ‪ 110‬من األمر ‪ 07-95‬حيث تنص عىل ما ييل‪« :‬يعترب التأمني الغيا يف جميع حاالت الغش‬
‫الذي يرتكبه املؤمن له»‪.3‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬األخطار التي ال يضمنها املؤمن وفقا لعقد التأمني البحري‬
‫ال يكون املؤمن مسؤوال عن ضامن بعض األخطار التي تتعرض لها البضائع وكذا السفينة‬
‫رغم تعرضها للخطر وتتمثل هذه املخاطر يف الحرب األجنبية كخطر ال يضمنه املؤمن (الفرع‬
‫األول)‪ ،‬الخطأ العمدي للمؤمن له كخطر ال يصمنه املؤمن (الفرع الثاين)‪ ،‬العيب الذايت لليشء‬
‫املؤمن عليه كخطر ال يضمنه املؤمن (الفرع الثالث)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الحرب األجنبية كخطر ال يضمنه املؤمن‬


‫تتمثل الحرب األجنبية يف تلك العمليات الهجومية التي تقوم بها دولة عىل دولة أخرى‬
‫وعمليات الدفاع التي ترد بها الدولة املهاجمة‪.4‬‬
‫تستبعد الحرب األجنبية من نطاق التأمني البحري إال إذا تم االتفاق بني املؤمن واملؤمن له‬
‫عىل التأمني عليها وهو استثناء عىل ما ورد يف املادة ‪ 39‬من األمر املتعلق بالتأمينات التي تنص‬
‫عىل ما ييل‪« :‬ال يتحمل املؤمن مسؤولية الخسائر واألرضار التي تتسبب فيها الحرب األجنبية إال‬
‫‪-‬حياة بن عيىس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.37 ،36‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪-‬يعقوب رشين عبد حسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪ -‬حياة بن عيىس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.36‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪-‬عبد الرزاق بن خروف‪ ،‬التأمينات الخاصة يف الترشيع الجزائري‪ ،‬مطبعة حيدر‪ ،‬الجزائر‪ ،1998 ،‬ص ‪.104‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪274‬‬
‫العدد السادس‬ ‫املجلة الجزائرية للقانون البحري والنقل‬
‫إذا اتفق عىل خالف ذلك»‪.1‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬الخطأ العمدي للمؤمن له كخطر ال يصمنه املؤمن‬
‫استبعد املرشع الجزائري الخطأ العمدي للمؤمن له من التأمني البحري‪ ،‬أما الخطأ غري‬
‫العمدي فيمكن التأمني عليه مهام كانت جسامته‪ ،‬فقد استقر الفقه عىل جواز التأمني من‬
‫الحوادث غري العمدية التي يتسبب فيها املؤمن له بإهامله ورعونته واألساس يف ذلك أنه ال‬
‫يتوقف وقوع الخطر عىل إرادة املؤمن له فيكون احتامليا من حيث تحققه‪.2‬‬
‫يقصد بأفعال املؤمن له إهامله أو تقصريه املتسبب يف تلف البضاعة كام هو الحال يف صورة‬
‫سوء تغليفها أو لفها ولنئ كان األصل هو الضامن بالنسبة ألخطاء املؤمن له فإن القصد يف هذه‬
‫الصورة هي تلك األخطاء الجسيمة أو العمدية وقد نصت عىل ذلك املادة ‪ 102‬من قانون‬
‫التأمينات الجزائري‪.3‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬العيب الذايت لليشء املؤمن عليه كخطر ال يضمنه املؤمن‬
‫يقصد بالعيب الخاص بذات اليشء تلك الطبيعة الخاصة أو باألحرى الحساسية الشديدة‬
‫لألشياء املؤمن عليها والتي تؤدي إىل هالكها وتلفها ومثال ذلك قابلية بعض املواد للتبخر الشديد‬
‫أثناء نقلها‪.‬‬
‫يعترب املؤمن معفى متاما من ضامن كل رضر أو تلف منشأه العيب الذايت لليشء املؤمن عليه‬
‫إال إذا نصت عليه املادة ‪ 103‬من قانون التأمينات الجزائري‪.‬‬
‫يحمل عبئ إثبات العيب الخاص باليشء تبعا لذلك املؤمن عىل فرض أن الخطر تغطيه‬
‫الوثيقة‪ ،‬فاملؤمن يف حالة الفقد الكيل للسفينة ال يكفي بإثبات العيب وإمنا يجب عليه إثبات‬
‫العالقة السببية بني العيب الذايت والرضر‪ ،‬أما إذا تضافرت جملة من األسباب إلحداث الخسارة‬
‫فإن املؤمن وحتى يتخلص من مسؤولية ضامن العيب الذايت عليه إثبات أن ذلك النوع من الخطر‬
‫هو السبب الوحيد إلحداث الرضر‪.4‬‬
‫خامتـة‪:‬‬
‫يعترب التأمني البحري عصب التجارة البحرية وسبب منوها إذ جذب إليها رؤوس األموال التي‬
‫ماكان ميكن أن تقدم عند التعرض ألخطار البحر لو ال الحامية والطأمنينة التي يحققها التأمني‬
‫ألصحاب البضائع والسفن‪.‬‬

‫‪- 1‬القانون ‪ 04/06‬املؤرخ يف ‪ 20‬فيفري ‪ 2006‬املعدل واملتمم لألمر رقم ‪ 07-95‬املتضمن قانون التأمينات‪ ،‬جريدة رسمية‬
‫عدد ‪ 15‬لـ ‪ 12‬مارس ‪.2006‬‬
‫‪- 2‬املادة ‪ 72‬من قانون التأمينات الجزائري‪.‬‬
‫‪- 3‬إميان عبد امللك‪ ،‬مبدأ حسن النية والتعويض يف التأمني البحري يف كل من القانونني الجزائري والتونيس‪ ،‬مذكرة‬
‫ماجستري‪ ،‬فرع القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق بن عكنون‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،2007 ،‬ص ص ‪.59 ،58‬‬
‫‪- 4‬إميان عبد امللك‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.58 ،57‬‬
‫‪275‬‬
‫العدد السادس‬ ‫املجلة الجزائرية للقانون البحري والنقل‬
‫يتميز التأمني البحري بطابعه املميز وذاتيته املستقلة وقواعده القانونية الخاصة التي ينفرد‬
‫بها عن غريها من أنواع التأمني األخرى إذ يعترب من العقود امللزمة لجانبني ومن العقود الرضائية‪.‬‬
‫لكن رغم أهمية عقد التأمني البحري نجد أن املرشع الجزائري مل يفرد لها قواعد خاصة يف‬
‫التقنني البحري لذا نقول أنه كان عىل املرشع الجزائري إبراز قواعد خاصة بالتأمني البحري يف‬
‫التقنني البحري قصد إظهار األحكام والقواعد الخاصة واملنظمة لهذا العقد‪ ،‬لذا يجب عليه‬
‫االهتامم أكرث بهذا املجال نظرا ألهميته وتأثريه املبارش عىل االقتصاد الوطني‪.‬‬
‫قامئـة املراجع‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الكتب‬
‫‪1-‬جامل الحكيم‪ ،‬التأمني البحري –دراسة عملية قانونية‪ ،-‬مكتبة النهضة املرصية‪ ،‬مرص‪.1995 ،‬‬
‫‪2-‬عادل عيل املقدادي‪ ،‬القانون البحري (السفينة‪ ،‬أشخاص املالحة‪ ،‬النقل البحري‪ ،‬البيوع البحرية‪،‬‬
‫الحوادث البحرية‪ ،‬التأمني البحري)‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬دار الثقافة للنرش والتوزيع‪ ،‬عامن‪.2011 ،‬‬
‫‪3-‬عبد الرزاق بن خروف‪ ،‬التأمينات الخاصة يف الترشيع الجزائري‪ ،‬مطبعة حيدر‪ ،‬الجزائر‪.1998 ،‬‬
‫‪4-‬محمود سمري الرشقاوي‪ ،‬القانون البحري‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.1993 ،‬‬
‫‪ 5-‬محمود سمري الرشقاوي‪ ،‬الخطر يف التأمني البحري‪ ،‬الدار القومية للطباعة والنرش‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.1966‬‬
‫‪6-‬مصطفى كامل طه‪ ،‬التأمني البحري الضامن البحري‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪.1996 ،‬‬
‫‪7-‬منى محمد عامر‪ ،‬عيل السيد ديب‪ ،‬التأمني البحري‪ ،‬مركز التعليم املفتوح‪ ،‬القاهرة‪.1994 ،‬‬
‫ثانيـا‪ :‬املذكرات الجامعية‬
‫‪1-‬إميان عبد امللك‪ ،‬مبدأ حسن النية والتعويض يف التأمني البحري يف كل من القانونني الجزائري‬
‫والتونيس‪ ،‬مذكرة ماجستري‪ ،‬فرع القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق بن عكنون‪ ،‬جامعة الجزائر‪،‬‬
‫‪.2007‬‬
‫‪2-‬حياة بن عيىس‪ ،‬التأمني عىل هيكل السفينة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة ماجستري‪ ،‬فرع القانون الخاص‪،‬‬
‫كلية الحقوق أيب بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪.2003 ،‬‬
‫‪3-‬عال عبد الحفيظ نويران املهريات‪ ،‬املصلحة يف التأمني البحري‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة ماجستري‪،‬‬
‫فرع القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الرشق األوسط‪.2011 ،‬‬
‫‪4-‬يعقوب رشين عبد الحسن‪ ،‬الطبيعة القانونية للخطر يف التأمني البحري‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة‬
‫ماجستري‪ ،‬فرع القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الرشق األوسط‪.2010 ،‬‬

‫‪276‬‬

You might also like