Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 89

‫مقدمة‪.

‬‬

‫نب بعده‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫الحمد هلل وحده والصالة والسالم عىل من ال ي‬
‫فأهال وسهال بطالب منصة زادي يف هذا المساق الجديد( أركان اإليمان‪).‬‬
‫ََْ‬ ‫ً‬
‫هنيئا لكم ببشارة رب العالمي وسيد المرسلي‪ ،‬فقد قال هللا عز وجل‪﴿ :‬يرف ِع‬
‫وتوا ْالع ْل َم َد َر َجات﴾ [المجادلة‪ ،]11:‬وقال نبيه ﷺ‪َ « :‬منْ‬ ‫ُ ْ َ َّ َ ُ ُ‬ ‫ُ َّ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫هللا ال ِذين آمنوا ِمنكم وال ِذين أ‬
‫َر‬ ‫ِّ‬ ‫َ ْ ً ُ َ ِّ ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫النب ﷺ بّش طالب‬ ‫ي‬ ‫إن‬ ‫بل‬ ‫‪.‬‬ ‫]‬ ‫‪1037‬‬ ‫‪:‬‬‫مسلم‬ ‫‪،‬‬‫‪71‬‬ ‫‪:‬‬ ‫[البخاري‬ ‫»‬ ‫ين‬
‫ِ‬ ‫الد‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ُي ِر ِد هللا ِب ِه خيا يفقه‬
‫ْ ً َ ر َ َّ ُ َ ُ َ ً‬ ‫ُ‬ ‫‪ََْ ً َ َ َ َ ْ َ :‬‬
‫اَّلل له ط ِريقا‬ ‫يه ِعلما سهل‬ ‫ف‬
‫ِ ِ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫العلم ببشارات عظيمة فقال «من سلك ط ِريقا يل ِ‬
‫ت‬
‫ر‬ ‫َ ْ َ ّ‬
‫ِإَل الجن ِة »[اليمذي ‪.]2646‬‬
‫‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫فهنيئا لكم عىل هذا الذي أقدمتم عليه‪ ،‬ال سيما باب العلم باهلل عز وجل‪،‬‬
‫يقتض أن يحيط‬ ‫َي‬ ‫ومعرفة أركان اإليمان فإنه َأشف العلوم عىل اإلطالق؛ فإن اإليمان‬
‫ُ َّ‬
‫علما بما بعث هللا به نبيه محمد ﷺ‪ ،‬قال هللا تعاَل‪﴿ :‬ه َو ال ِذي أ ْر َس َل َر ُسوله‬ ‫اإلنسان ً‬
‫ْ َ ّ ُ ْ ُ َ ِّ ُ ّ‬ ‫ْ َ‬
‫ره َعىل الدين كله﴾ [الصف‪ ،]9:‬فأما الهدى فهو العلم النافع‪،‬‬ ‫ِبال ُهدى َو ِدين الحق ِليظ ِه‬
‫ينبب عىل َشف المعلوم؛ فلما كان‬ ‫َ‬
‫وأما دين الحق فهو العمل الصالح‪ ،‬وشف العلم ي‬
‫هللا سبحانه وتعاَل َأشف معلوم كان العلم به هو َأشف العلوم عىل اإلطالق‪ ،‬وهو‬
‫ما يعرف عند العلماء باسم (علم العقيدة)‪.‬‬
‫والعقيدة إنما سميت بهذا اإلسم من العقد وهو الشد والحزم‪ ،‬وذلك أن القلب‬
‫ويواف‬ ‫يعيش عليها ويموت عليها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫الب‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ينعقد عىل جملة من المعارف واليقينيات ي‬
‫هللا تعاَل بها‪.‬‬
‫ً‬ ‫لهذا كان هذا العلم من األهمية بمكان‪ ،‬وقد أمر هللا به أم ًرا َ ً‬
‫مباشا رصيحا‪ ،‬فقال‬
‫ول ِه﴾ وقال نبيه ﷺ ِلوفد عبد القيس حي سألوه قال‪:‬‬ ‫س‬ ‫سبحانه‪﴿ :‬آم ُنوا باهلل َو َر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫«آمركم أن تؤمنوا باهلل وحده»‪ ،‬وحي ابتعث معاذا إَل اليمن قال‪« :‬فليكن أول ما‬
‫تدعوهم إليه‪ :‬شهادة أن ال إله إال هللا‪».‬‬
‫وه اإليمان باهلل ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪،‬‬ ‫ومادة هذا العلم تتعلق ِبمفرادت اإليمان‪ ،‬ي‬
‫وشه‪ ،‬ثم ما يتبع ذلك من مسائل تفرعت عليها‬ ‫ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر والقدر خيه َ‬
‫ُعرفت بمجموعها باسم (العقيدة أو االعتقاد)‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫ر‬
‫والمأمول من طالب العلم كما قال هللا عز وجل‪ِ ﴿ :‬إن ِ يف ذ ِلك ل ِذك َر ٰى ِل َمن كان‬
‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ر ْ َ َ ُ َ َ ٌ‬ ‫َ ُ َ ْ ٌ َ ْ َ ْ رَ‬
‫يلق سمعه‪ ،‬وأن‬ ‫حض قلبه وأن ي‬ ‫له قلب أو ألق السمع وهو ش ِهيد﴾ [ق‪ ،]37 :‬أن ي ِ‬
‫الب يحصل بها استنارة عقله‪ ،‬وطمأنينة قلبه‪.‬‬ ‫ر‬
‫يتفاعل مع هذه المادة المهمة ي‬

‫تم تقسيم هذا المساق إَل أرب ع وحدات رئيسة‪ ،‬ضمن كل وحدة عدد من الدروس‪.‬‬
‫الوحدة األوَل‪ :‬مقدمة تمهيدية عن اإليمان‪ ،‬وفيها ثالثة دروس‪.‬‬
‫الوحدة الثانية‪ :‬الركن األعظم اإليمان باهلل‪ ،‬وفيها ستة دروس‪.‬‬
‫الوحدة الثالثة‪ :‬اإليمان بالمالئكة والكتب والرسل‪ ،‬وفيها خمسة دروس‪.‬‬
‫وشه‪ ،‬وفيها أربعة‬‫الوحدة الرابعة‪ :‬اإليمان باليوم اآلخر والقدر خيه َ‬
‫دروس‪.‬‬
‫الوحدة األوىل‪ :‬مقدمة متهيدية عن اإلميان‪.‬‬
‫الدرس األول من الوحدة األولى‪ :‬تعريف اإليمان وحقائقه‪.‬‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬


‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬
‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من ثالثة عنارص‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬تعريف اإليمان وحقيقته‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬اإليمان مراتب‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫● العنض الثالث‪ :‬أسباب زيادة ونقص اإليمان‪.‬‬

‫العنض األول‪ :‬تعريف اإليمان وحقيقته‪.‬‬


‫اإليمان اللفظ المحبب الذي يربط العبد بربه سبحانه وتعاَل‪ ،‬فإذا أراد هللا‬
‫ُ‬ ‫‪ُ َ َ َّ َ ُّ َ َ :‬‬
‫تعاَل أن يتحبب إَل عباده وأوليائه خاطبهم بقوله ﴿يا أيها ال ِذين آمنوا﴾‪ ،‬فيعيها‬
‫المؤمن سمعه‪ .‬ما اإليمان؟‬
‫يعب‪ :‬التصديق‪ ،‬لكنه عند‬ ‫● اإليمان من حيث اللغة عند كثي من العلماء ي‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫التحقيق تصديق من نوع خاص؛ إذ أنه ُمض رم ٌن فيه معب االئتمان؛ لهذا‬
‫َ‬
‫ٌ‬
‫قبول‬ ‫كان التعريف المطابق واألقرب أن ُي َع ررف باإلقرار الذي يصحبه‬
‫ً‬
‫انقيادا‪.‬‬ ‫ورضا‪ ،‬ويثمر‬
‫● وأم ا يف االا طالف‪ ،‬ف إن ل يم ان تع ريفي‪ ،‬تعري ف باعتب ار‬
‫ه‪.‬‬ ‫ار حقيقت‬ ‫ف باعتب‬ ‫ه‪ ،‬وتعري‬ ‫مفردات‬
‫أم ا تعريف ه باعتب ار مفردات ه‪ :‬فل ن نج د أعظ م م ن تعري ف نبين ا‬
‫محم د ﷺ‪ ،‬فلق د ابتع ث هللا تع اَل أفض ل رس ول مل ي وه و‬
‫بّش ّي وه و محم د ﷺ‪ ،‬يف‬ ‫جيي ل علي ه الس الم‪ ،‬إَل أفض ل رس ول َ‬
‫ُ‬ ‫ال‪ :‬أخ يئ ع ن اإليم ان‪ .‬ق َ‬ ‫ح ديث طوي ل ج اء في ه ق َ‬
‫ال‪ «:‬اإليم ان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫أن ُت ْؤم َ‬
‫در‬
‫ِ‬ ‫والق‬ ‫‪،‬‬‫ر‬‫ِ‬ ‫اآلخ‬ ‫وم‬
‫ِ‬ ‫والي‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ورس‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫تب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ومالئ‬
‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫اَّلل‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫وشه »[البخ اري‪ ،4777:‬مس لم‪ ،]9:‬فع رد ل ه أرك ان اإليم ان‪.‬‬ ‫ِّكل ِه؛ خ يه َ ِّ‬
‫ِِ‬
‫وأم ا تعري ف اإليم ان باعتب ار حقيقت ه‪ :‬فق د عرف ه أه ل الس نة‬
‫ول باللس ان واعتق ٌاد ر‬ ‫بأن ه ق ٌ‬ ‫ر‬
‫بالجن ان وعم ٌل باألرك ان‪،‬‬ ‫والجماع ة‪:‬‬
‫يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان‪.‬‬
‫قول وعمل‪ .‬فاإليمان له حقيقة مركبة من‬ ‫وبعبارة أخرى‪ ،‬يقولون‪ :‬اإليمان ٌ‬
‫يعب اعتقاده‪،‬‬ ‫القول والعمل‪ .‬أما القول‪ :‬فهو قول القلب وقول اللسان‪ .‬قول القلب‪ :‬ي‬
‫ٌ‬ ‫واليقينيات‪ْ ،‬‬ ‫أي ما ينعقد عليه القلب من المعارف َ‬
‫كاع ِتقاده بأن هللا واحد ال مثيل‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ا‬
‫المحس ُن فيه عىل‬
‫ِ‬ ‫ى‬‫يجاز‬ ‫ليوم‬ ‫الناس‬ ‫أجل‬ ‫قد‬ ‫وأنه‬ ‫‪،‬‬‫رسًل‬ ‫كتبا‪ ،‬وأرسل‬ ‫له وأنه أنزل ً‬
‫والمسء عىل إساءته‪ .‬وأما قول اللسان‪ :‬فالمراد به االستعالن بالشهادتي‪،‬‬ ‫ي‬ ‫إحسانه‪،‬‬
‫عل ًنا قبوله لهذا الدين‪.‬‬ ‫ُ‬
‫بأن ينطق اإلنسان بهما م ِ‬
‫َ‬
‫وأما عمل القلب‪ :‬فالمراد به ما َيتحرك به القلب من النيات واإلرادات‪ :‬كالمحبة‬
‫أعمال قلبية‪ .‬وأما عمل اللسان‪ :‬فهو ما‬ ‫ٌ‬ ‫والخوف‪ ،‬والرجاء‪ ،‬والتوكل‪ ،‬وما أشبه‪ ،‬فهذه‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫زاد عىل مجرد االستعالن بالشهادتي من العبادات القولية كالذكر ِمن ت ْحميد وتهليل‬
‫ُ‬
‫والنه عن المنكر‪ ،‬وعموم الكلم الطيب‪.‬‬ ‫ي‬ ‫بالمعروف‬ ‫واألمر‬ ‫آن‪،‬‬ ‫القر‬ ‫وتالوة‬ ‫وتكبي‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ورم‬
‫وسع‪ ،‬ي‬ ‫ٍي‬ ‫وأما عمل الجوارف‪ :‬فهو ما تتحرك به الجوارف من الطاعات ِمن طواف‬
‫جمار‪ ،‬وإماطة األذى عن الطريق‪ ،‬وإعانة المحتاج‪ ،‬وغي ذلك من األعمال البدنية‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫محيط بجميع أمور الحياة‪ ،‬وهذا معب قول هللا تعاَل‪:‬‬ ‫فت َب ري بهذا أن اإليمان‬
‫َ ََ َ َ ُ‬ ‫اي َو َم َم رائ َّّلل َر ِّب ْال َع َالم َ‬‫ال رئ َو ُن ُسك َو َم ْح َي َ‬ ‫ْ ر َ َ‬
‫شيك له﴾ [األنعام‪.]162 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫*‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫﴿قل ِإن ا ي‬
‫ِ‬
‫الثائ‪ :‬اإليمان مراتب‪.‬‬
‫العنض ي‬
‫وينبع أن نعلم أن اإليمان درجات ومراتب‪ ،‬وأن أهله متفاضلون فيه‪ ،‬كما قال‬ ‫ي‬
‫ُ ر َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُ ْ َ ٌ ِّ َ ْ‬
‫ربنا عز وجل‪ ﴿ :‬ثم أورثنا ال ِكتاب ال ِذين ااطفينا ِمن ِعب ِادنا ف ِمنهم ظ ِالم لنف ِس ِه‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ُ ُّ ْ َ ٌ َ ْ ُ ْ َ ٌ ْ َ‬
‫هللا﴾ [فاطر ‪.]32‬‬
‫‪:‬‬ ‫ات ِب ِإذ ِن ِ‬
‫و ِمنهم مقت ِصد و ِمنهم س ِابق ِبالخي ِ‬
‫فلهذا كان اإليمان يزيد وينقص‪ ،‬وقد ذكر هللا تعاَل مسألة الزيادة يف نحو سبعة‬
‫َ ْ‬
‫اَّلل َو ِجلت‬ ‫ين إ َذا ُذِ َر َّ ُ‬ ‫ون َّالذ َ‬ ‫رَ ُْ ْ ُ َ‬
‫مواضع من كتابه‪ ،‬منها قول هللا تعاَل‪ِ ﴿ :‬إنما المؤ ِمن‬
‫ِ‬ ‫َّ ُ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ىل َ ِّرب ِه ْم َيت َوكلون﴾ [االنفال‪.]2:‬‬ ‫وب ُه ْم َوإ َذا ُتل َي ْت َع َل ْيه ْم َآي ُات ُه َز َاد ْت ُه ْم إ َ‬
‫يم ًانا َو َع َ ٰ‬ ‫ُق ُل ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ر‬ ‫ْ‬ ‫فاإليمان يزيد بأسباب‪َ ،‬‬
‫وينقص بأسباب أخرى‪ .‬واإليمان يزداد بالعمل؛ بل إن‬
‫ً‬
‫العمل من أعظم أسباب زيادة اإليمان‪ .‬ثم إن اإليمان إذا زاد أدى ذلك أيضا إَل استثارة‬
‫‪ ُ ُ َ َ َ َ ْ َ َّ َ :‬ا‬
‫ين اهتد ْوا زاده ْم هدى‬ ‫النفس للعمل الصالح كما قال ربنا سبحانه وبحمده ﴿وال ِذ‬
‫ي اإليمان وبي العمل ارتباط وثيق؛ بل هو ُ‬
‫جزء‬ ‫اه ْم﴾ [محمد‪َ ،]17 :‬ف َب َ‬ ‫َ َ ُ ْ َْ َ ُ‬
‫وآتاهم تقو‬
‫مسماه‪ ،‬فال انفكاك بي اإليمان والعمل‪.‬‬ ‫ر‬
‫وب هذا يتبي اواب مذهب أهل السنة والجماعة‪ ،‬يف اعتبار العمل ُجزئيا‬
‫المرجئة‪ ،‬الذين ُ‬ ‫ً‬
‫خرجون العمل‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫خالفا لمن أخرجه عنه من أاناف ُ‬ ‫ُم َس رَّم اإليمان‪،‬‬
‫عن مسَّم اإليمان‪.‬‬
‫خالصا‪ :‬أي‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫اوابا؛‬ ‫ً‬
‫خالصا‬ ‫وهللا سبحانه وتعاَل ال يقبل من العمل إال ما كان‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫واوابا‪ :‬أي موافقا لهدي نبيه ﷺ‪.‬‬ ‫لوجهه الكريم ال َشك فيه وال رياء‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ َ‬
‫وبالتاَل فإن اإليمان َشط لقبول العمل‪ ،‬فإذا نزع اإليمان من العمل لم يكن‬ ‫ي‬
‫نافعا لصاحبه‪ ،‬كما قال ربنا عز وجل‪َ ﴿ :‬و َقد ْم َنا إ ََل َما َعم ُلوا م ْن َع َمل َف َج َع ْل َن ُاه َه َباءا‬ ‫ً‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورا﴾ [الفرقان‪.]23 :‬‬ ‫رم ُنث ً‬

‫العنض الثالث‪ :‬أسباب زيادة ونقص اإليمان‪.‬‬


‫‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ََُ‬ ‫ٌ‬
‫فمن أعظم أسباب زيادة‬ ‫ِ‬ ‫تنقصه‬ ‫أسباب‬ ‫ه‬ ‫أسباب تزيده‪ ،‬ول‬ ‫واإليمان له‬
‫اإليمان‪:‬‬
‫ُ‬
‫قل انظ ُروا‬ ‫واألرض‪ ،‬ر﴿ ْ ِ‬ ‫‪ -‬التفكر يف كتاب هللا المفتوف يف خلق السموات‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ُْ ْ ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫َم َاذا ف ر‬
‫ض َو َما تغ ِ يب اآل َيات َوالنذ ُر َعن ق ْوم َّل ُيؤ ِمنون﴾‬ ‫ر‬‫األ ْ‬‫و‬ ‫ات‬
‫ِ‬ ‫او‬‫الس َم َ‬
‫ِي‬
‫َ ر َ ِْ َ‬
‫[يونس‪ .]101 :‬فمن شف طرفه يف ملكوت السموات واألرض ازداد إيمانه؛‬
‫المّشكي بالدة أذهانهم‪ ،‬فقال سبحانه وتعاَل‪:‬‬ ‫ولهذا نه هللا تعاَل عىل َ‬
‫َْ‬
‫اجا * َو َج َعلنا‬‫ال َأ ْو َت ًادا * َو َخ َل ْق َن ُاك ْم َأ ْز َو ً‬
‫ض م َه ًادا * َو ْالج َب َ‬ ‫ََ ْ َ ْ َ ْ َ‬
‫األ ْر َ‬ ‫﴿ ألم نجع ِل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ ُ‬ ‫ً‬ ‫َْ ر‬ ‫َ ْ َ ُ ْ ُ َ ً َ َ َ ْ َ َّ‬
‫اسا * َو َج َعلنا الن َه َار َم َعاشا * َو َبن ْينا ف ْوقك ْم‬ ‫الل ْي َل ل َب ً‬
‫ِ‬ ‫نومكم سباتا * وجعلنا‬
‫ضات َم ااء ث رج ً‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اجا * َوأ َنزل َنا م َن ال ُم ْ‬ ‫اجا َو ره ً‬ ‫شً‬ ‫َ‬ ‫َ ًْ َ ً َ َ ََْ‬
‫اجا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫سبعا ِشدادا * وجعل ِ‬
‫ا‬ ‫ن‬
‫ستحثا لهم‬
‫ًّ‬
‫م‬‫* ِّل ُن ْخر َج به َح ًّبا َو َن َب ًاتا * َو َج رنات ألفافا﴾ [النبأ‪ .]16 :6 :‬وقال ُ‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َ َ َ َْ ُ ر ُ ْ ُ َ ََ ُ ْ َ ْ ُ ُ َ ُ َ ْ َ ْ ُ ْ َ ُ َ‬
‫عىل التفكر‪﴿ :‬أفرأيتم ما تمنون * أأنتم تخلقونه أم نحن الخ ِالقون﴾‬
‫ون ُه َأ ْم َن ْحنُ‬ ‫َ َ َ َْ ُ ر َ ْ ُ ُ َ ََ ُ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫[الواقعة‪ ،]59-58 :‬ثم قال‪ ﴿ :‬أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرع‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ّشبون * أأنت ْم‬ ‫الز ِار ُعون﴾ [الواقعة‪ ،]64-63:‬ثم قال‪﴿ :‬أف َرأ ْيت ُم ال َم َاء ال ِذي ت‬ ‫ر‬
‫ون﴾ [الواقعة‪ ،]69-68:‬ثم قال‪َ ﴿ :‬أ َف َ َرأ ْي ُتمُ‬ ‫َ َُْ ُ ُ َ ْ ُ ْ َْ َ ْ ُ ْ ُ ُ َ‬
‫أنزلتموه ِمن المز ِن أم نحن الم ِيل‬
‫ر َ َّ ر ُ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ ُ َ‬
‫نشئون﴾ [الواقعة‪-71 :‬‬ ‫النار ال ِ يب تورون * أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن الم ِ‬
‫‪.]72‬‬
‫ر َ َ ُْ َ‬
‫‪ -‬التفكر يف كتاب هللا المقروء وهو القرآن العظيم‪﴿:‬إن ه ذا الق ْرآن ِي ْه ِدي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ر َ َ ْ‬
‫ه أقوم﴾ [اإلشاء‪ ،]9 :‬فمن تدبر كتاب هللا امتأل قلبه إيمانا‪ ،‬ويقينا‬ ‫ِلل ِ يب ِ ي‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫واعتقادا يف احة ما أنزل فيه‪.‬‬
‫ُّ َ‬ ‫ُ ْ ٌ َ ُْ َ ْ ْ ٌ‬
‫وستون‪،‬‬ ‫‪ -‬االستغراق يف العمل الصالح‪ِ « ،‬اإليمان َبضع وسبعون‪ ،‬أو بضع ِ‬
‫ر‬ ‫األذى َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫فأف َض ُلها َق ْو ُل ال َإل َه رإَّل َّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َْا‬
‫يق‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫الط‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ة‬ ‫إماط‬ ‫ناها‬ ‫د‬ ‫وأ‬ ‫‪،‬‬ ‫اَّلل‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫شعب‬
‫ٌ‬
‫ياء ُش ْع َبة م َ‬ ‫وال َح ُ‬ ‫ْ‬
‫اإليمان »[مسلم‪.]35 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫وألق يف قلبه‬ ‫خيا منه‪ ،‬ر‬ ‫‪ -‬ترك المعصية‪ ،‬فمن ترك شيئا هلل عوضه هللا ً‬
‫حالوة‪ ،‬يجدها يف قلبه‪.‬‬
‫فمن أعرض عن التفكر يف ملكوت‬ ‫ص اإليمان‪َ ،‬‬ ‫ُث رم إن أضداد هذه األسباب ُت ْنق ُ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ََ‬
‫السموات واألرض‪ ،‬نقص إيمانه بقدر إعراضه‪ ،‬كما أن من أعرض عن تدبر كتاب هللا‬
‫تعاَل‪ ،‬ولم يرفع به رأسا‪ ،‬نقص إيمانه بقدر إعراضه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫إيمانه َبقدر تركه‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ََْ‬ ‫ر‬
‫ص ربيك الواجب‬ ‫وينق ُ‬ ‫كما أن من ترك العمل الصالح انثل َم‬
‫وارتكبها نقص إيمانه كذلك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫المعاص‬ ‫غس‬ ‫أعظم من نقصه ربيك المستحب‪ ،‬ومن َ‬
‫ي‬
‫الخ ْم َر ح َ‬ ‫َ َ ْ َ ُ َ ُ ْ ٌ َ َ َ َْ َ ُ َ‬ ‫كما قال نبينا ﷺ‪َ « :‬ال َي ْزئ ر‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ائ ِحي يز ِ يئ وهو مؤ ِمن‪ ،‬وال يّشب‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫الز‬ ‫ُ ِي‬
‫الناسُ‬ ‫َ َ ْ ُ َ ُ َ ُ ْ ٌ َ َ ََْ ُ ُْ َا َْ َ ُ ر‬ ‫ّش ُب َو ُه َو ُم ْؤم ٌن‪َ ،‬و َال َي ْ‬
‫َي َْ َ‬
‫ّشق وهو مؤ ِمن‪ ،‬وال ينت ِهب نهبة‪ ،‬يرفع‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ِ ِ‬‫ق‬ ‫ّش‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ ََْ َُ َ ُ َ ُ ْ‬
‫ِإل ْي ِه ِفيها أبص َارهم ِحي ينت ِهبها وهو مؤ ِمن »[البخاري‪.]2475 :‬‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫الدرس الثاني من الوحدة األولى‪ :‬ثمرات اإليمان‪.‬‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬ ‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬


‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من تمهيد وستة عنارص‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬الطمأنينة والسعادة‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬األمن يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫● العنض الثالث‪ :‬لذة الطاعة‪.‬‬
‫● العنض الرابع‪ :‬استغفار المالئكة للمؤمني‪.‬‬
‫● العنض الخامس‪ :‬اإليمان حصن حصي‪.‬‬
‫● العنض السادس‪ :‬اإليمان مناعة طبيعية‪.‬‬

‫تمهيد‪.‬‬
‫رص َب َّ ُ‬
‫اَّلل‬ ‫سنتفيأ ف ظل هذه الشجرة الوارفة قال ربنا عز وجل‪َ ﴿ :‬أ َل ْم َت َر َك ْي َ‬
‫ف َ َ‬ ‫ر‬
‫ُ ْ ر ُ ََُ ُ‬ ‫ي‬
‫َ َ ا َ َ ا َ ِّ َ ا َ َ َ َ َ ِّ َ َ ْ ُ َ َ ٌ َ َ‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫مث ًْل ك ِلمة طيبة كشجرة طيبة أالها ث ِابت وفرعها ِ يف السم ِاء * تؤ ِ يئ أ كلها كل ِح ٍ‬
‫ِب ِإذ ِن َ ِّرب َها﴾ [إبراهيم‪ .]25-24 :‬إن هذه الشجرة وهذا الغرس الطيب هو كلمة التوحيد‪،‬‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫الب تتجذر يف أرض قلب المؤمن‪ ،‬ويكون لها ساق‪ ،‬وأغصان‪ ،‬وفروع‪ ،‬وأوراق‪ ،‬وثمار‪.‬‬ ‫ي‬
‫حب‬ ‫يتفيأ ف ظالله‪ ،‬وال يزال ر‬ ‫فال ريب أن هذه الشجرة الطيبة ه ربيع المؤمن الذي ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫سلمه إَل رضوان ربه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ي ِ‬

‫العنض األول‪ :‬الطمأنينة والسعادة‪.‬‬


‫َ‬
‫أعظم اآلثار‪ ،‬ولعل من أعظم آثار اإليمان هذه الطمأنينة‬ ‫إن ل يمان يف القلب‬
‫والب َّش‪ ،‬والتفاؤل‪ ،‬والسكينة‪،‬‬
‫الب يجدها أهل اإليمان من الرضا ِ‬
‫ر‬
‫والسعادة الدنيوية‪ ،‬ي‬
‫والمودة‪ ،‬واألنس بكل ما حولهم‪ ،‬ألنهم يرون أنهم عباد هللا‪ ،‬يعيشون يف أرض هللا‪،‬‬
‫يأكلون من رزق هللا‪ ،‬ويسيون إَل هللا‪ ،‬فالطريق أمامهم واضح‪ ،‬والوظيفة معلومة؛‬
‫ً‬
‫فلذلك استقرت قلوب هم واتضحت لهم الرؤيا‪ ،‬فليسوا يف قلق‪ ،‬وليسوا يف شك‪ِ .‬خالفا‬
‫َ ِّ‬ ‫ُ‬
‫قول أحدهم‪:‬‬ ‫لمن نزع منه هذا اإليمان عىل حد ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ولكب أتيت‬ ‫ي‬ ‫أين‬ ‫من‬ ‫أعلم‬ ‫ال‬ ‫جئت‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ام طريقا فمشيت‬ ‫ولقد أبضت ق ي‬
‫د‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫وسأبق ماشيا إن شئت هذا أم أبيت‬
‫ر‬
‫أاحيح أن بعد الموت بعث ونشور‬
‫ور‬ ‫ود ُث ُ‬ ‫ٌ ُ‬
‫فحياة فخلود أم فناء‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫كالم الناس ُ‬ ‫دق أم ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ََ ُ ّ‬
‫زور‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫اس‬ ‫الن‬ ‫أ كالم‬
‫ٌ ر‬
‫أاحيح أن بعض الناس يدري؟‬
‫لست أدري‬
‫ولماذا لست أدري؟‬
‫لست أدري‬
‫ه وظيفته‪ ،‬وإَل أين يسي وما‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫أما المؤمن فإنه يدري‪ ،‬يدري ِلم خلقه هللا‪ ،‬وما ي‬
‫ر‬
‫يورث يف قلبه الطمأنينة والد َعة والسكينة‪ ،‬فال تجد أهل اإليمان‬ ‫ِ‬ ‫هو المصي‪ .‬فهذا‬
‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫حب قال أحدهم‪" :‬إنه لت ُم ُّر ِ يئ الساعات أقول إن كان أهل الجنة يف‬ ‫إال ف حال رص‪ ،‬ر‬
‫ِ‬ ‫ْ ي‬
‫رُ َ‬
‫عيش طيب"‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مث ِل ما أنا فيه اآلن إنهم ل ِ يق‬
‫وقال عبد هللا بن المبارك‪" :‬وهللا لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه‬
‫من لذة العيش‪ ،‬لجالدونا عليه بالسالف" أو قال "بالسيوف"‪.‬‬
‫وت َع ِّي عن هذه الحالة ر‬ ‫ُ‬ ‫فهذه العبارات َت َِ‬
‫الب ال يمكن وافها بالكلمات‪،‬‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ي‬
‫‪ :‬ر َّ َ َ ُ‬
‫وحس ُبهم أن هللا تعاَل ُيحبهم ويرص عنهم‪ ،‬قال هللا عزو جل ﴿ ِإن ال ِذين آمنوا‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُ ُ ْ َ َ ِّ ْ َ ر ُ َ ْ َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ُ َٰ َ ُ ْ َ ُْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ َ ُ‬
‫ات أول ِئك هم خي ال ِيي ِة * جزاؤهم ِعند رب ِه ُۚم جنات عدن تج ِري ِمن‬ ‫وع ِملوا الص ِالح ِ‬
‫َْ ُ َ َ َ ْ َ َ َ َر ُ‬ ‫َ َ َ َ ً ر َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫َ ْ َ ْ َْ َ ُ َ‬
‫س ربه﴾‬ ‫ص اَّلل عنهم ورضوا عنه ذ ِلك ِلمن خ ِ ي‬ ‫تح ِتها األنهار خ ِال ِدين ِفيها أبدا ر ِ ي‬
‫[البينة‪ .]8-7:‬فهذا الرضا المتبادل بي العبد والرب‪ ،‬هو أعظم مفروف به وأعظم مظفور‬
‫وفرحا أن نالوا هذه المرتبة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فخرا‬ ‫به‪ ،‬فكفاهم ً‬
‫وف اآلخرة‪.‬‬ ‫الثائ‪ :‬األمن يف الدنيا ي‬ ‫العنض ي‬
‫ُر ر‬
‫وف اآلخرة‪ ،‬قال ربنا عز‬ ‫َي‬ ‫الدنيا‬ ‫هذه‬ ‫ف‬ ‫األمن‬
‫ُ ْ ي‬ ‫حصول‬ ‫ات‬ ‫ر‬ ‫الثم‬ ‫من‬ ‫يمان‬ ‫ل‬ ‫إن‬ ‫ثم‬
‫َُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ْ‬
‫َ َُ َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أؤلئك ل ُه ْم األ ْم ُن َوه ْم ُم ْهتدون﴾‬
‫وجل‪﴿ :‬ال ِذين آمنوا ولم يل ِبسوا ِإيمانهم ِبظلم ِ‬
‫[األنعام‪ ،]82:‬رلما تالها نبينا ﷺ عىل أاحابه شق عليهم ذلك وقالوا‪" :‬يارسول هللا‬
‫وأينا لم يظلم نفسه؟ فقال‪» :‬ليس الذي تعنون إنما هو قول هللا تعاَل‪ :‬كما قال العبد‬
‫فبي ﷺ أن المقصود بالظلم الظلم األِي‪ ،‬فمن‬ ‫يم﴾«‪ ،‬ر‬ ‫الّش َك َل ُظ ْل ٌم َعظ ٌ‬ ‫الصالح ﴿إ رن َِّ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫بسء من‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫إيمان‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ث‬ ‫ومن‬ ‫األمن‪،‬‬ ‫له‬ ‫حصل‬ ‫ك‬ ‫الّش‬ ‫هو‬ ‫لذي‬ ‫ا‬ ‫األِي‬ ‫الظلم‬ ‫من‬ ‫ص‬‫تخل‬
‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫المعاص‪َ ،‬نق َ‬
‫بقدر ما ثلم‪.‬‬ ‫ص من ْأم ِنه‬ ‫ي‬
‫يستقر به قلبه‪،‬‬ ‫َ‬
‫فثمرة اإليمان أن يحصل لصاحبه يف هذه الدنيا من األمان ما‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ذهب هللا تعاَل به عنه الفزع‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وف اآلخرة ما ي ِ‬ ‫ي‬
‫العنض الثالث‪ :‬لذة الطاعة‪.‬‬
‫ومن ثمرات اإليمان‪ :‬أن يجد اإلنسان حالوة المناجاة ولذة الطاعة‪ ،‬يقول نبينا‬
‫ول ُه َأ َح رب إ َل ْيه ممار‬
‫َ ْ َ َ َّ ُ َ َ ُ ُ‬
‫‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ر َ َ َ َ ْ‬
‫يه وجد ِب ِهن حًلوة ِاإليم ِان من كان اَّلل ورس‬ ‫ر‬ ‫ََ ٌ َ ْ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ﷺ‪« :‬ثًلثَ من كن ِف ِ‬
‫ْ ُ ْ َ ْ َ َ ِ ْ َ ْ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ر‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ ر ْ‬ ‫َ ُ‬
‫َّلل ‪َ ،‬وأن َيك َر َه أن َي ُعود ِ يف الكف ِر بعد أن أنقذه‬ ‫ِسواه َما ‪ ،‬وأن ي ِحب ال َم ْر َء َّل ي ِح ُّبه ِإَّل ِ ِ‬
‫ر‬ ‫ْ َْ ْ َ َ‬ ‫َّ ُ ْ ُ َ‬
‫الن ِار »[البخاري‪ ،16 :‬مسلم‪ .]43 :‬يقول بعض الصالحي‪:‬‬ ‫اَّلل ِمنه ‪ ،‬ك َما َيك َر ُه أن ُيقذف ِ يف‬
‫ر‬
‫ه؟ قال‪ :‬جنة‬ ‫ي‬ ‫وما‬ ‫‪:‬‬‫قيل‬ ‫اآلخرة‪،‬‬ ‫جنة‬ ‫يدخل‬ ‫لم‬ ‫يدخلها‬ ‫لم‬ ‫من‬ ‫جنة‬ ‫الدنيا‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫"إن‬
‫جدية يجدها أهل اإليمان والطاعة من ثمرات‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫مناجاة هللا واألنس به"‪ ،‬فهذه أمور و ِ‬
‫اإليمان ونتائجه الطيبة‪.‬‬

‫العنض الرابع‪ :‬استغفار المالئكة للمؤمني‪.‬‬


‫عزوجل‪َّ ﴿ :‬الذ َ‬
‫ين‬ ‫ومن ثمرات اإليمان‪ :‬استغفار المالئكة للمؤمني‪ ،‬يقول هللا ر‬
‫ِ‬
‫ون ل َّلذ َ‬ ‫ََ ْ َْ ُ َ‬ ‫َ ْ ُ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ ُ َ ِّ ُ َ َ ْ َ ِّ ْ َ ُ ْ ُ َ‬
‫ين‬ ‫ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫يح ِملون العرش ومن حوله يسبحون ِبحم ِد رب ِهم ويؤ ِمن ِ ِ‬
‫ب‬ ‫ون‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ين َت ُابوا َو رات َب ُعوا َسبيل َك َوقه ْم َعذابَ‬ ‫َ ُ َ ر َ َ ْ َ ُ ر ََ ْ ر ْ َ ا َ ْ ً َ ْ‬
‫اغف ْر ل َّلذ َ‬
‫َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫شء رحمة و ِعلما ف ِ ِ ِ‬ ‫ْآمنوا ربنا و ِسعت َ كل ْ ي‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ر‬ ‫َرَ َ ْ ُ ْ َ‬
‫ات َعدن ال ِ ر يب َو َعدت ُه ْم َو َمن َالح ِم ْن َآب ِائ ِه ْم َوأز َو ِاج ِه ْم‬ ‫َ‬
‫الج ِح ِيم * ربنا وأد ِخلهم جن ِ‬
‫َْ َ ََ ْ‬ ‫ر ِّ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ُ ر ِّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ِّ ر ْ ر َ َ َ ْ َ ُ ْ‬
‫ات يوم ِئذ فقد‬
‫ات ومن ت ِق السيئ ِ‬ ‫وذري ِات ِهم ُۚ ِإنك أنت الع ِزيز الح ِكيم * و ِق ِهم السيئ ِ‬
‫َُ‬
‫َر ِح ْمته﴾ [غافر‪.]9-7 :‬‬
‫قيض هللا لك من المالئكة المقربي‪ ،‬من العباد‬ ‫فخرا أيها المؤمن أن ُي ّ‬
‫كفاك ً‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫وفرحا ال يمكن أن تصفه‬ ‫لنعيما‬ ‫المكرمي من يستغفر لك وأنت ال تعلم‪ ،‬إن يف هذا‬
‫ض هللا لك من يستغفر لك يف ظهر الغيب من المالئكة الكرام‬ ‫أن ُي َق ِّي َ‬
‫ْ‬
‫العبارات‪.‬‬
‫الكاتبي‪.‬‬

‫العنض الخامس‪ :‬اإليمان حصن حصي‪.‬‬


‫ر‬ ‫ر َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ر‬ ‫ُ ر‬
‫تدرع به‪ ،‬فإن اإليمان‬ ‫وحصن حصي لمن‬ ‫ثم إن من ثمرات اإليمان‪ :‬أنه ِحرز‬
‫ً‬ ‫إذا ر‬
‫حل يف القلب وانصبغت به الجوارف‪ ،‬كان حرزا من الشيطان‪ ،‬فالشيطان اليقرب‬
‫ر‬
‫وبواباته‬ ‫أن قلبه ُمحصن‪ ،‬ر‬ ‫المؤمن‪َ ،‬بل يخافه وي هابه بقدر ماعنده من اإليمان؛ ذلك‬
‫َْ‬
‫تنعم بحراسة مشددة فال يتمكن الشيطان من النفاذ إليها‪ ،‬فقلب المؤمن يف حال‬
‫‪ ِّ َ ُ ُ َ ْ ُ :‬ر‬
‫اس * َم ِل ِك‬ ‫ِ‬ ‫الن‬ ‫يقظة تامة بذكر هللا تعاَل‪ .‬تأملوا قول هللا عز وجل ﴿قل أعوذ ِبرب‬
‫اس *‬
‫ر‬
‫الن‬ ‫ور‬ ‫د‬
‫ُ ُ‬
‫ا‬ ‫ف‬ ‫ش ْال َو ْس َواس ْال َخ رناس * َّال ِذي ُي َو ْسو ُ‬
‫س‬
‫َ ر‬
‫الناس * ِم ْن ََ ِّ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫*‬ ‫اس‬
‫ر‬
‫الن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِْ ِ‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫اس﴾ [الناس‪ .]6-1 :‬فمن استعاذ باهلل أعاذه هللا‪ ،‬أعاذه رب الناس ملك‬ ‫ِ‬ ‫الن‬‫و‬ ‫ة‬ ‫ِمن ال ِج ِ‬
‫ن‬
‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ر ُ َ ِّ‬
‫الب تكدر َاف َوه وتشوش عليه‬ ‫ي‬ ‫الناس‪ ،‬إله الناس‪ ،‬من هذه الواردات والخطرات‬
‫ر‬
‫ِفكره‪ .‬فهذه منقبة عظيمة ألهل اإليمان‪ ،‬ومن اعتصم باهلل وذكره فإن هللا تعاَل‬
‫ُ ُ‬
‫وي ْح ِرزه من الشيطان‪.‬‬ ‫يحفظه‬

‫العنض السادس‪ :‬اإليمان مناعة طبيعية‪.‬‬


‫ْ‬ ‫ر‬
‫تعط المؤمن مناعة طبيعية من ِغشيان‬ ‫ي‬ ‫ها‬ ‫أن‬ ‫ثم إن من ثمرات اإليمان‪:‬‬
‫ُ َّ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ُ َ‬
‫ومقارفتها‪ ،‬فإن المؤمن يقوم يف قلبه واعظ هللا‪ ،‬فكلما ه رم أن‬ ‫المعاص والمنكرات‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫شيئا من هذه المحرمات‪ ،‬أو يتلطخ َ‬ ‫ً‬
‫بسء من هذه القاذورات‪ ،‬قام واعظ هللا يف‬ ‫ي‬ ‫يطأ‬
‫َْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ويذكره ُ‬ ‫قلبه‪ُ ،‬ي َن ِّب ُه ُه ُ‬
‫فييجر‪.‬‬ ‫ويخوفه باهلل‬
‫ر ا‬
‫ُيقال‪" :‬إن رجًل خال بامرأة يف مكان ال يراهما فيه أحد يف ليلة مقمرة‪ ،‬فقال لها‪:‬‬
‫إئ وهللا أحبك‪ .‬فقالت له‪ :‬وأنا وهللا أحبك‪ .‬فقال‪ :‬وأحب كذا وكذا‪ ،‬يعرض بفعل‬ ‫ي‬
‫الفاحشة‪ ،‬فقالت‪ :‬وأنا أحب ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فما يمنعنا وال يرانا إال الكواِب؟ فقالت‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فأين ُمك ْو ِِ ُبها؟ فخ رر مغشيا عليه"‪ .‬ذلك أن العلم باهلل واإليمان به يورث الخشية‪،‬‬
‫ور﴾ [فاطر‪:‬‬
‫اَّلل م ْن ع َباده ْال ُع َل َم ُاء إ رن َّ َ‬
‫اَّلل َعز ٌيز َغ ُف ٌ‬ ‫﴿إ رن َما َي ْخ ََس َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪.‬‬ ‫‪]28‬‬
‫الدرس الثالث من الوحدة األولى‪ :‬شعب اإليمان ونو اقضه‪.‬‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬


‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬

‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من خمسة عنارص‪.‬‬


‫● العنض األول‪ :‬اإليمان قول وعمل‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬تعلق الكفر بالقلب‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫● العنض الثالث‪ :‬تعلق الكفر باللسان‪.‬‬
‫● العنض الرابع‪ :‬تعلق الكفر بالجوارف‪.‬‬
‫● العنض الخامس‪ :‬أمور مفضية إَل َ‬
‫الّشك‪.‬‬

‫العنض األول‪ :‬اإليمان قول وعمل‪.‬‬


‫ُّ َ‬ ‫ُ ْ ٌ َ ُْ َ ْ ْ ٌ‬
‫وستون‪،‬‬ ‫الصحيح‪ِ « :‬اإليمان بضع وسبعون‪ ،‬أو بضع ِ‬ ‫َ‬
‫نبينا ﷺ قال يف الحديث‬
‫ْ َ ُ ُ ٌَْ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ُ َ ْ ُ َ َ ر َّ‬ ‫ُ َْا‬
‫يق‪ ،‬والحياء شعبة‬ ‫ر‬
‫ِ ِ‬ ‫الط‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ى‬ ‫األذ‬ ‫ة‬‫إماط‬ ‫ناها‬ ‫د‬ ‫وأ‬ ‫‪،‬‬ ‫اَّلل‬ ‫إَّل‬ ‫ه‬‫إل‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫و‬‫ق‬ ‫ها‬ ‫ل‬‫ض‬ ‫فأف‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫شعب‬
‫السنة والجماعة من أن‬ ‫م َن اإليمان »[مسلم‪ ،]35:‬وف هذا دليل لما ذهب إليه أهل ُّ‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإليمان له حقيقة مركبة من القول والعمل‪ ،‬فقوله ﷺ‪« :‬أعالها قول ال إله إال هللا»‬
‫ر‬
‫يتضمن اعتقاد القلب وقول اللسان؛ فإن قول (ال إله إال هللا) المراد به أن يعتقد ذلك‬
‫ً ر‬ ‫ر‬
‫معتقدا بأنه ال معبود بحق إال هللا سبحانه وتعاَل‪.‬‬ ‫يف قلبه‪ ،‬وأن يتلفظ به بلسانه‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حجرا من طريق المسلمي‬ ‫«وأدناها إماطة األذى عن الطريق» أن ييع شوكا أو‬
‫وسابلتهم‪ ،‬وهذا يدل عىل عمل الجوارف‪ .‬وقوله‪« :‬والحياء شعبة من اإليمان»‪ ،‬دليل‬ ‫ِ‬
‫حجزه عن ِغشيان ما ال يليق‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫عىل عمل القلب؛ إذ الحياء حالة تعيي القلب‪ ،‬فت ِ‬
‫ر‬ ‫ََر َ‬
‫فتبي بذلك أن اإليمان يتعلق بالقلب وباللسان وبالجوارف‪ .‬وهذا معب ِ‬
‫قول‬
‫ٌ‬
‫وعمل باألركان"‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫أهل ُّ‬
‫بالجنان‪،‬‬ ‫السنة والجماعة‪" :‬اإليمان قول باللسان‪ ،‬واعتقاد‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫وكما أن اإليمان يتعلق بهذه الثالثة‪ ،‬فنقيضه وهو الكفر يتعلق بها أيضا‪ .‬فقد‬
‫يقع الكفر بالقلب‪ ،‬وقد يقع باللسان‪ ،‬وقد يقع من الجوارف‪ .‬وهذه تسَّم عند العلماء‬
‫بنواقض اإليمان أو المكفرات‪.‬‬

‫الثائ‪ :‬تعلق الكفر بالقلب‪.‬‬


‫العنض ي‬
‫تعلق الكفر بالقلب أي أن يقع يف القلب جحود واستحالل‪ ،‬فينكر ما ثبت‬
‫ُُ‬
‫بخي هللا وخي رسوله‪ ،‬كأن ُينكر وجود هللا‪ ،‬أو أن ُينكر ربوبيته‪ ،‬أو أن ُينكر ألهويته‪،‬‬
‫ً‬
‫شيئا من أسمائه وافاته ر‬
‫الب ثبتت بنص كتابه وعىل لسان نبيهﷺ؛ فهذا‬ ‫ي‬ ‫أو أن ينكر‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫الجحود القلب نوع من أنواع الكفر ُ‬
‫خرج عن الملة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الم‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫ويدخل يف هذا أيضا ما يكون يف القلب من إساءة الظن باهلل تعاَل هللا عن‬
‫َ َ ُ َ ِّ ُ ْ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫َ ُ َ ُّ ُ َّ‬
‫كبيا‪ ،‬قال هللا عز وجل‪َ ﴿ :‬وذ ِلك ْم ظنك ُم ال ِذي ظننتم ِبربكم أرداكم فأابحتم‬ ‫علوا ً‬ ‫ذلك ً‬
‫شء من هذا الشعور من النقمة‪،‬‬ ‫ين﴾ [فصلت‪ .]23 :‬فإذا قام ف القلب َ‬ ‫ِّم ْن ْال َخاش َ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ر‬
‫وإساءة الظن باهلل‪ ،‬والتسخط عليه ف قدره َ‬
‫وشعه؛ فإن هذا من محبطات اإليمان‪.‬‬ ‫ي‬
‫العنض الثالث‪ :‬تعلق الكفر باللسان‪.‬‬
‫وه اإلنسان بكلمة الكفر ولو كان‬ ‫كما أن الكفر ربما جرى عىل اللسان‪ ،‬بأن َي ُف َ‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ر‬ ‫ا‬
‫مازحا‪ ،‬فإن هذا ُيل ِز ُمه بتوابعها‪ .‬قال هللا عز وجل‪َ ﴿ :‬ول ِي َسألت ُه ْم‬ ‫ً‬ ‫هازَّل‪ ،‬ولو كان‬
‫ُ‬ ‫ُ ُْ َ ْ َْ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ ر ر َ ُ ر َ ُ ُ َ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َّ‬
‫ول ِه كنتم تسته ِزئون * َّل تعت ِذروا‬ ‫اَّلل وآي ِات ِه ورس ِ‬ ‫ليقولن ِإنما كنا نخوض ونلعب ُۚ قل أ ِب ِ‬
‫َ ْ َ َ ُْ َ ْ َ َ ُ‬
‫يم ِانك ْم ُۚ﴾ [التوبة‪.]66-65 :‬‬ ‫قد كفرتم بعد ِإ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أما إذا بدرت كلمة الكفر من غي إرادة اإلنسان‪ ،‬كأ ْن ت ْخ ُر َج خطأ أو ً‬
‫سهوا أو يف‬
‫َّ َ ُّ‬ ‫ر‬
‫حال إِراه؛ فإن هذا ال يحصل به كفر‪ ،‬ودليل ذلك ما حدث به نبينا ﷺ «َّلل أشد‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ ُْ َ َ ََ‬ ‫ُ ُ ْ‬ ‫حا ب َت ْوبة َع ْ‬ ‫ََ ً‬
‫ض فالة‪ ،‬فانفلتت‬ ‫ر‬
‫ِ ِّ ٍ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫اح‬‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ىل‬ ‫ع‬ ‫ان‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫يه‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫إ‬‫َ ِ‬‫وب‬ ‫يت‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫فر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س م ْن َها‪ ،‬فأ رئ َش َ‬ ‫وش ُاب ُه فأي َ‬ ‫َ‬
‫م ْن ُه وعل ْ‬
‫س ِم ْن‬ ‫فاض َط َج َع ف ِظل َها‪ ،‬وقد أي َ‬ ‫رة‬ ‫ج‬ ‫ِ‬ ‫طعام ُه َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫َْ ُ ََ‬ ‫ِ‬
‫َ ُر َ َ ْ ر‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ْ َُ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫خطامها ثم قال ِمن ِشد ِة‬ ‫ِ‬ ‫َر ِاح ِلت ِه‪ ،‬فبينما هو كذ ِلك ِإذ هو ِبها ق ِائمة ِعنده‪ ،‬فأخذ ِب‬
‫َ ُّ َ َ ْ َ َ ْ ر‬ ‫ْ‬ ‫َّ ُ ر َ‬ ‫َ‬
‫رف‪ :‬اللهم أنت عب ِدي وأنا ربك‪ ،‬أخطأ ِمن ِشد ِة الفرف »[مسلم‪ ،4927 :‬البخاري‪،]6308 :‬‬ ‫ِ‬ ‫الف‬
‫خرجا له عن الملة‪ ،‬مع أنه قد فاه بكلمة الكفر بلسانه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫فلم يكن هذا الخطأ م ِ‬
‫ً‬ ‫ر‬ ‫ً‬
‫رص هللا عنه وعن‬ ‫ي‬ ‫ياش‬ ‫بن‬ ‫ا‬
‫عمار‬ ‫فإن‬ ‫اه‪،‬‬‫ر‬ ‫اإلِ‬ ‫حال‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫يقع‬ ‫ما‬ ‫ا‬ ‫أيض‬ ‫ومن ذلك‬
‫باِيا وقال‪" :‬يا رسول هللا هلكت"‪ ،‬قال‪« :‬وما أهلكك؟»‬ ‫أبيه وعن أمه‪ ،‬رأئ النب ﷺ ً‬
‫ُ‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫قال‪" :‬أجبتهم إَل بعض ما طلبوا"‪ ،‬وكانت قريش تعذبه حب إنها لتغمس رأسه بالماء‬
‫َ ُ‬
‫وي ْح ِملونه عىل أن يقع يف نبينا ﷺ‪ ،‬فأجابهم إَل بعض ما‬ ‫يّشف عىل الهالك‪،‬‬ ‫حب َ‬ ‫ر‬
‫باِيا‪ ،‬فما كان منه ﷺ إال أن قال‪« :‬كيف تجد قلبك؟»‬ ‫نادما ً‬ ‫وأئ النب ﷺ ً‬ ‫طلبوا‪ ،‬ر‬
‫ي‬
‫ْ ُ َ ْ‬ ‫ً‬
‫قال‪" :‬مطمئنا باإليمان"‪ ،‬قال‪ِ » :‬إن َعادوا ف ُعد‪«.‬‬
‫ر َ ْ ُْ َ َ َُْ ُ‬ ‫اَّلل من َب ْعد إ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ‬
‫يم ِان ِه ِإَّل من أ ِ ِره وقلبه‬ ‫ِِ‬ ‫وهذا معب قول هللا عز وجل‪﴿ :‬من كف َر ِب ِ ِ‬
‫َ ََ َ َ ْ ُ ْ َ ْ‬
‫شف ِبالكف ِر اد ًرا﴾ [النحل‪.]106 :‬‬
‫َ‬
‫يم ِان َول ِكن من‬ ‫ي ب ْاإل َ‬‫ُ ْ َ ٌّ‬
‫م طم ِ ِ ِ‬
‫ُ َ ً‬
‫كرها عىل كلمة الكفر أو عىل فعل الكفر‪ ،‬فإن هللا تعاَل‬ ‫فإذا كان اإلنسان م‬
‫ُ‬
‫َيعذ ُره‪ .‬فاإليمان يتعلق باللسان وكذا الكفر‪ ،‬وب هذا يتبي خطر ما يفوه به بعض‬
‫هوت بهم يف النار سبعي خريفا‪ ،‬كما‬ ‫حسابا‪ُ ،‬ربما َ‬ ‫َ‬ ‫السفهاء من كلمات ال يحسبون لها‬
‫الم َز ِ يئ يف حديثه عن رسول هللا ﷺ‪« :‬إن العبد ليتكلم بالكلمة‬ ‫قال بالل بن الحارث ُ‬
‫ا‬ ‫من سخط هللا تعاَل ال ر‬
‫يلق لها باَّل‪ ،‬يهوي بها يف جهنم‪».‬‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫النب ﷺ يف غزوة تبوك؛ إنما قال قائلهم‪" :‬ما رأينا مثل‬ ‫والنفر الذين كانوا مع ي‬ ‫ُ‬
‫ق ررائنا هؤالء أرغب بطونا‪ ،‬وال أِذب ألسنة‪ ،‬وال أجي عند اللقاء"‪ .‬فكان ذلك دليال‬
‫‪َّ َ ْ ُ :‬‬
‫اَّلل َو َآياته َو َر ُسوله ُك ُنتمْ‬ ‫عىل كفرهم؛ بل كان قولهم هذا ً‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫كفرا لقول هللا تعاَل ﴿ قل أ ِب ِ‬
‫َ ْ َْ ُ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ ُْ َ ْ َ َ ُ‬
‫يم ِانك ْم ُۚ﴾ [التوبة‪.]65 :‬‬ ‫تسته ِزئون * َّل تعت ِذروا قد كفرتم بعد ِإ‬
‫ً‬
‫ويتعلق أيضا بأن يفوه اإلنسان بدعوى علم الغيب‪ ،‬كما يفعل السحرة والكهنة‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ر ََْ‬ ‫وأمثالهم ممن يدعون العلم ُ‬
‫بالم ر‬
‫غيبات‪ ،‬وقد قال هللا عز وجل‪﴿ :‬قل َّل يعلم من ِ يف‬
‫ْ َ ْ َ ر َّ ُ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ ر َ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ر َ َ‬
‫ض الغيب ِإَّل اَّلل وما يشعرون أيان يبعثون﴾ [النمل‪.]65:‬‬ ‫ِ‬ ‫ات واألر‬ ‫السماو ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫فمن فاه بلسانه بدعوى علم الغيب فقد كفر‪ ،‬وكذا ك ُّل من رأئ بكلمة كفرية يف‬
‫أي باب من أبواب االعتقاد‪.‬‬
‫العنض الرابع‪ :‬تعلق الكفر بالجوارف‪.‬‬
‫ً‬
‫ويتعلق الكفر أيضا بالجوارف‪ :‬فإذا ادر من جوارف اإلنسان ما هو من أعمال‬
‫عالما ً‬ ‫ً‬
‫عامدا ً‬
‫ذاِرا فإنه يكفر بذلك‪ .‬ومن ذلك‪ :‬أن يسجد لغي هللا‪ ،‬أو يذبح‬ ‫الكفر‪،‬‬
‫عزوجل‪َ ،‬‬ ‫الب ال ُت َ‬
‫ضف إال هلل ر‬ ‫ا‬
‫فعًل من أمور العبادات ر‬
‫فيضفها‬ ‫ي‬ ‫لغي هللا‪ ،‬أو يفعل‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫فضية إَل‬
‫النب ﷺ جميع الذرائع الم ِ‬‫لغيه‪ .‬فهذا هو الّشك األِي‪ .‬وألجل ذا سد ي‬
‫َ‬
‫الّشك‪.‬‬

‫العنض الخامس‪ :‬أمور مفضية إَل َ‬


‫الّشك‪.‬‬
‫قوما إذا مات فيهم الرجل الصالح‬ ‫منها الغلو ف الصالحي‪ .‬فقد ذم النب ﷺ ً‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ََ‬
‫ر‬
‫دن ْوا عىل قيه وجعلوا له تماثيل واورا‪ ،‬ووافهم بأنهم َِشار الخلق‪ .‬فإن هذا هو ما‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫َُ َ‬ ‫َ ُ َ ََ ر‬
‫الّشك باهلل‪َ ﴿ .‬وقالوا َّل تذ ُرن ِآل َهتك ْم َوَّل‬ ‫أفض َببب آدم زمن نوف عليه السالم إَل َ‬
‫ِي‬
‫ّشا﴾ [نوف‪ .]23 :‬وهؤالء الخمسة هم أسماء‬ ‫َت َذ ُر رن َو ًّدا وَّل سواعا وَّل يغوث ويعوق ون ً‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫لرجال االحي‪ ،‬فل رما ماتوا رأئ الشيطان إَل أاحابهم‪ ،‬وند َب ُهم إَل أن يصنعوا لهم‬
‫ً‬ ‫يع ُمرونها‪ ،‬ر‬ ‫الب كانوا ْ‬ ‫ر‬ ‫ً‬
‫حب يكون ذلك عونا لهم عىل‬ ‫المجالس ي‬ ‫وأنصابا يف‬ ‫تماثيل‪،‬‬
‫رَ‬ ‫َ‬
‫فب ذلك الجيل واندثر العلم‪ ،‬وجاء جيل بعده عبدوهم‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الطاعة ويتذكرونهم‪ .‬فلما ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫من ذلك أيضا االفتتان بالقبور؛ إما برفعها‪ ،‬أو بتدايصها‪ ،‬أو ِب ر ْي ِو ِيقها‪ ،‬أو بوضع‬
‫فإن تعظيم القبور من أعظم األسباب المفضية إَل َ‬ ‫ر‬ ‫ُّ ُ‬
‫الّشك باهلل والتعلق‬ ‫الّشج عليها‪.‬‬
‫ً ُ ُ‬
‫يي وثنا ي ْع َبد »[الموطأ‪.]593 :‬‬ ‫الل ُه رم َال َت ْج َعل َق ْ‬ ‫َّ‬
‫قبور‪ ،‬وقد دىع نبينا ﷺ فقال‪« :‬‬ ‫بالم ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الّشك ونقض عقدة اإليمان ُمشابهة‬ ‫فضية إَل الوقوع ف َ‬
‫ي‬ ‫ِ‬
‫ومن األمور ُ‬
‫الم‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫المّشكي يف ما يفعلون؛ فإن من تش ربه بقوم فهو منهم‪ ،‬فال يجوز لمسلم أن يتلبس‬ ‫َ‬
‫المّشكي‪ ،‬وال أن يحاِيهم فيها؛ بل ينبذها ويأباها وال يجالسهم يف‬ ‫بسء من أعمال َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫أفعالهم‪.‬‬
‫ر‬ ‫ومما ُيفض إَل الوقوع ف َ‬
‫النب ﷺ أمره وحذر‬ ‫ي‬ ‫عظم‬ ‫ولهذا‬ ‫؛‬‫التصوير‬ ‫ك‬ ‫الّش‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وبي أنهم أشد الناس عذابا يوم القيامة‪ ،‬وأنهم يأمرون يوم القيامة بأن‬ ‫ً‬ ‫المصورين‪ ،‬ر‬
‫َ ِّ‬
‫الروف‪ ،‬وليسوا بنافخي‪ .‬والتصوير ُيؤدي إَل تعظيم‬ ‫َ‬ ‫اوروها‬ ‫َي ْن َف ُخوا ف ُك ِّل اورة ر‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ُّ‬
‫ألئ الت رياف‬ ‫ي‬ ‫عنه‬ ‫هللا‬ ‫رص‬
‫ي‬ ‫طالب‬ ‫أئ‬ ‫ي‬ ‫بن‬ ‫عىل‬
‫ي‬ ‫قال‬ ‫ولهذا‬ ‫بأاحابها؛‬ ‫ق‬ ‫والتعل‬ ‫الصور‪،‬‬
‫بعثب عليه رسول هللا ﷺ أال تدع اورة إال طمستها‪ ،‬وال‬ ‫ي‬ ‫األسدي‪" :‬أال أبعثك عىل ما‬
‫ً َ ً‬
‫مّشفا إال سويتهط‪.‬‬ ‫قيا‬
‫البدعية‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫فضية إَل الّشك الوقوع يف بعض َاأللفاظ ِ‬ ‫النب ﷺ م ِ‬ ‫الب جعلها ي‬ ‫ومن ُ األمور ي‬
‫وقع يف النفس َم ْع اب غي احيح من ذلك‪ :‬التسوية بالمشيئة؛ فل رما قال له رجل‬ ‫الب ت ِ‬
‫ي‬
‫ر‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هلل ندا؟ ما شاء هللا وحده» [البخاري يف‬ ‫مرة‪ :‬ما شاء هللا وشئت‪ ،‬فقال‪« :‬أجعلت يب ِ‬
‫((األدب المفرد)) (‪ .])290/1‬ولما أابح ذات يوم إثر مطر‪ ،‬قال ألاحابه‪« :‬أتدرون ماذا‬
‫ْ‬ ‫َ‪َ ْ :‬‬
‫أا َبح ِمن ِع َب ِادي ُمؤ ِم ٌن‬ ‫قال ربكم الليلة؟» قالوا‪" :‬هللا ورسوله أعلم"‪ ،‬قال‪« :‬قال‬
‫َ ٌ َْ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‪ْ َ َ ْ ُ :‬‬ ‫ئ َوكاف ٌر‪ ،‬ر‬
‫ور ْح َم ِت ِه‪ ،‬فذلك ُمؤ ِم ٌن يئ وك ِافر بالكوِ ِب‪،‬‬ ‫اَّلل َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫بف‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ر‬ ‫ط‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫قال‬ ‫ن‬ ‫فأما َ‬
‫م‬ ‫يَ ِ‬
‫ُ ْ ٌ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأ رما َمن َ‬
‫قال‪ :‬بن ْو ِء كذا وكذا‪ ،‬فذلك ك ِاف ٌر يئ ومؤ ِمن بالكوِ ِب‪».‬‬
‫َِّ‬ ‫فإسناد األفعال إَل غي هللا ر‬
‫الّشك‪ ،‬أو سبب من‬ ‫عز وجل لون من ألوان‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫فضية إَل الوقوع ف َ‬ ‫ُ‬
‫الّشك‪ .‬ومن ذلك أيضا أن يتعلق اإلنسان ِبسبب لم‬ ‫ي‬ ‫األسباب الم ِ‬
‫سببا ال ح ًسا وال َش ً‬ ‫يصبه هللا ً‬
‫النب ﷺ‬ ‫ي‬ ‫أى‬
‫ر‬ ‫فقد‬ ‫والحلقة‪،‬‬ ‫الخيط‬ ‫يربطون‬ ‫كالذين‬ ‫ا؛‬ ‫ع‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ا‬
‫رجًل قد ربط يف عضده حلقة‪ ،‬فقال‪ «:‬ما هذا؟»‪ ،‬قال‪" :‬من الواهنة"‪ ،‬قال‪« :‬انزعها‬
‫َ ً‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ُ َ‬
‫وه عليك ما أفلحت أبدا‪».‬‬ ‫ي‬ ‫مت‬ ‫لو‬ ‫فإنك‬ ‫ا‬ ‫وهن‬ ‫إال‬ ‫ك‬ ‫فإنها ال تزيد‬
‫َ َّ‬
‫علق َ‬
‫بسء من‬ ‫ي‬ ‫فتبي بذلك أن العقيدة تصون عقل المؤمن بها‪ِ ،‬من أن يت‬
‫فك ُّل من أثبت ً‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫سببا لم‬ ‫الب ال دليل عليها وال برهان‪،‬‬ ‫األوهام أو األسباب المظنونة‪ ،‬ي‬
‫ً‬ ‫سببا ال ً‬ ‫يصبه هللا ً‬
‫حسا‪ :‬كاألدوية وما أشبه‪ ،‬وال َشعا‪ :‬كالرقية ونحوها‪ ،‬فقد وقع يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الّشك‪ .‬فربما كان َشكا أاغر‪ ،‬وربما كان َشكا أِي بحسب ما قام يف قلبه‪.‬‬ ‫َ‬
‫وم ْن هذا ما وقع فيه كثي من الناس يف اآلونة األخية من االستشفاء بالطاقة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ر َ‬
‫المعالج إَل المعالج‪ ،‬وتؤثر فيه‬ ‫ِ‬ ‫فإنهم يزعمون أن ثمة طاقة كونية تّشي عن طريق‬
‫وتستثي جوانب الصحة يف بدنه إَل آخره‪ .‬وكل هذه دعاوى عريضة غي قابلة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ترويجها‪ ،‬وال تسليكها بي‬ ‫للتفسي وال للتعقل‪ ،‬فال يجوز تصديقها وال‬
‫المسلمي‪.‬‬
‫الوحدة الثانية‪ :‬الركن األعظم‪ :‬اإلميان باهلل‪.‬‬
‫الدرس األول من الوحدة الثانية‪ :‬دالئل وجود هللا‪.‬‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬ ‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬


‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من أربعة أدلة‪.‬‬
‫● الدليل األول‪ :‬الفطرة السليمة‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬العقل الضي ح‪.‬‬‫● الدليل ي‬
‫● الدليل الثالث‪ :‬الحس المشهود‪.‬‬
‫الّشع الضي ح‪.‬‬‫● الدليل الرابع‪َ :‬‬
‫ينبع أن نعلم أنه ال يتم اإليمان باهلل عز وجل إال بتحقيق أربعة أمور‪:‬‬ ‫ي‬
‫‪ -‬أولها‪ :‬اإليمان بوجوده سبحانه‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيها‪ :‬اإليمان بربوبيته‪.‬‬
‫‪ -‬ثالثها‪ :‬اإليمان بألوهيته‪.‬‬
‫‪ -‬رابعها‪ :‬اإليمان بأسمائه وافاته‪.‬‬
‫يتعلق الدرس باإليمان بوجود هللا تعاَل‪ .‬هللا تعاَل هو الحق‪ ،‬بل هو أحق‬
‫ر‬
‫الحق وما سواه باطل من كل آلهة ُمدعاة‪ ،‬ودالئل وجود هللا تعاَل متعددة متوافرة‬
‫ونشي إَل أبرزها‪.‬‬

‫الدليل األول‪ :‬الفطرة السليمة‪.‬‬


‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه ما ُج ِبل عليه اإلنسان من غي سبق تعليم‪ ،‬بمعب أنه أمر بنيوي‬
‫ْ‬
‫إن الفطرة ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اس َعل ْي َها َّل ت ْبد َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ْ َ َّ ر َ َ ر‬
‫الن َ‬ ‫َ‬
‫يل‬ ‫ِ‬ ‫يولد مع اإلنسان‪ ،‬قال هللا عز وجل‪﴿ :‬فطرة ِ‬
‫اَّلل ال ِ يب فطر‬
‫َ َ‬ ‫ين ْال َق ِّ‬ ‫الد ُ‬ ‫َّ َ َ ِّ‬ ‫َ ْ‬
‫وبب‬
‫ي‬ ‫المخلوقات‬ ‫جميع‬ ‫تعاَل‬ ‫هللا‬ ‫ر‬ ‫ط‬ ‫ف‬ ‫فقد‬ ‫‪،‬‬ ‫]‬ ‫‪30‬‬ ‫‪:‬‬‫[الروم‬ ‫﴾‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫اَّلل‬
‫ِ‬ ‫ق‬
‫ِلخ ِ‬
‫ل‬
‫آدم خااة‪ ،‬عىل اإليمان به سبحانه واعتقاد وجوده‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫ويقول نبينا ﷺ يف الحديث الصحيح‪َ « :‬ما ِم ْن َم ْولود ِإَّل ُيولد َعىل ال ِفط َرِة ‪،‬‬
‫َ َ ُ ْ َ ُ ْ َ َ ُ َ َ ا َ ْ َ َ َ ْ ُ ُّ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ َ َ ُ ُ َ ِّ َ َ ُ َ‬
‫فأبواه يهود ِان ِه وينض ِان ِه ويمجس ِان ِه ‪ ،‬كما تنتج الب ِهيمة ب ِهيمة جمعاء ‪ ،‬هل ت ِحسون‬
‫النب ﷺ يف حديثه‪ :‬أو‬ ‫يقل‬ ‫ولم‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫»‬ ‫؟‬ ‫ف َيها م ْن َج ْد َع َ‬
‫اء‬
‫ي‬ ‫]‬ ‫‪2658‬‬ ‫مسلم‬ ‫‪،‬‬ ‫‪1358‬‬ ‫[البخاري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُيأسلمناه؛ ألن اإلسالم هو الفطرة‪ ،‬ولهذا ر‬
‫عرف العلماء الفطرة بأنها‪ :‬اإلسالم‪ .‬ركز هللا‬
‫ىل اإلنسان وشأنه الهتدى إَل العلم بإلهه‬ ‫تعاَل ف قلوب عباده هذه المعرفة‪ ،‬فلو ُخ ِّ ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫وخالقه تلقائيا‪ ،‬لو سلم من المؤثرات الخارجية من شياطي اإلنس والجن‪ ،‬فإن قلبه‬
‫َ‬
‫غب‪ُ ،‬م ْست ِح ٍّق لصفات الكمال ونعوت‬ ‫قادر عليم ي‬ ‫سيقوده إَل العلم بوجود إله خالق ٍ‬
‫أمر فطري‪.‬‬ ‫الجالل‪ُ ،‬م َ ريئ عن النقص والعيب ومماثلة المخلوقي؛ هذا ٌ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ َ ر‬ ‫وألجل هذا ينبع لنا َ‬
‫معّش المؤمني أن نست ِحث هذه الفطرة‪ ،‬وأن ن ِميط عنها‬ ‫ي‬ ‫ِّ َ‬
‫اللثام‪ ،‬ذلك أن الشياطي تفسد هذه الفطرة‪.‬‬
‫ر ُ ْ ََ ْ ُ ُ ر‬ ‫َ َ ُ َّ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫الش َياطيُ‬
‫ِ‬ ‫القدش‪« :‬خلقت ِع َب ِادي ُحنف َاء كل ُه ْم‪ ،‬وإنهم أتتهم‬ ‫ي‬ ‫فق الحديث‬ ‫َ ي‬
‫َْ‬ ‫َف ْ‬
‫وف تحريم ما‬ ‫ك‪،‬‬ ‫الّش‬ ‫اج َتال ْت ُهم عن ِد ِينهم» أي‪ :‬اجتالتهم الشياطي فأوقعتهم ف َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫أحل هللا‪ ،‬وتحليل ما حرم هللا‪.‬‬
‫الجويب رحمه هللا‪- ،‬وكان من كبار المتكلمي الذين‬ ‫ي‬ ‫المعاَل‬
‫ي‬ ‫ويقال‪ :‬إن أبا‬
‫مر يف موكبه يف نيسابور‪ ،‬والناس من بي‬ ‫يقررون مسائل االعتقاد بالطرق العقلية‪ -‬ر‬
‫َّ‬
‫يديه ومن خلفه‪ ،‬وعن يمينه وعن شماله‪ ،‬فخرجت عجوز وأطلت من كوة بابها‬
‫الجويب إمام الحرمي‪ ،‬قالت‪ :‬ومن‬ ‫ي‬ ‫المعاَل‬
‫ي‬ ‫فرأته‪ ،‬فقالت‪ :‬من هذا؟ فقالوا‪ :‬هذا أبو‬
‫الجويب؟ قالوا‪ :‬الذي ُيثبت وجود هللا بألف دليل‪ ،‬فوضعت كمها عىل فيها وجعلت‬ ‫ي‬
‫الجويب لما بلغته‬ ‫ي‬ ‫تضحك‪ ،‬وقالت‪ :‬وهل يحتاج وجود هللا إَل ألف دليل؟! يقال أن‬
‫ليتب أموت عىل‬ ‫هذه المقالة مازالت عالقة يف نفسه‪ ،‬فلما حضته الوفاة‪ ،‬قال‪" :‬يا ي‬
‫الب لم تتلطخ بمقاالت‬ ‫ر‬
‫عقائد عجائز نيسابور"‪ ،‬يشي إَل تلك الفطرة األالية ي‬
‫المتكلمي‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬العقل الضي ح‪.‬‬ ‫الدليل ي‬
‫الب يستبي بها‬ ‫مي اإلنسان عن الحيوان‪ ،‬بأن أعطاه هذه األداة ر‬ ‫إن هللا تعاَل ر‬
‫ير َ ْ َ ْ َ ُ ُ ْ ً‬
‫وه العقل‪ ،‬ولهذا نجد أن ربنا سبحانه تعاَل ُيحيل إَل العقل‪﴿ :‬إنا أنزلناه قرآنا‬ ‫ي‬ ‫األمور‬
‫َ ُْ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ََ ر‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ َ ُ‬
‫َع َر ِب ًّيا ل َعلك ْم ت ْع ِقلون﴾‪﴿ ،‬أفل ْم َيد رب ُروا الق ْو َل﴾‪﴿ ،‬أفال َيتد رب ُرون الق ْرآن﴾‪ ،‬إَل غي ذلك‬
‫ٌ‬ ‫من اآليات ر‬
‫الب فيها استحثاث إلعمال العقل والذهن يف الحقائق والعقائد‪.‬‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫فالعقل ُيث ِبت وجود هللا عز وجل‪ ،‬وذلك أن العقل يقطع بأنه ما من موجود‬
‫وجد‪ .‬إذن هذه الكائنات والمخلوقات العلوية والسفلية ال يمكن أن‬ ‫م‬‫والب رد له من ُ‬
‫إال ُ‬ ‫ر‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫بنفسها‪- ،‬كما يقول بذلك القائلون بالطبيعة‪ ،-‬وال يم ِكن أن تظهر‬ ‫ها‬ ‫َت ْخ ُلق َ‬
‫نفس‬
‫ِ‬
‫وسيأئ لذلك مزيد بيان‪ .‬فالعقل يقطع إذن‬ ‫ر‬ ‫‪،‬‬ ‫‪-‬‬ ‫بالصدفة‬ ‫القائلون‬ ‫يقول‬ ‫كما‬ ‫‪-‬‬ ‫دفة‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ي‬
‫وجد‪.‬‬ ‫ُ‬
‫بأنه ما من موجود إال وله م ِ‬
‫الدليل الثالث‪ :‬الحس المشهود‪.‬‬
‫درك بالحواس من السمع‪ ،‬والبض‪ ،‬واللمس‪ ،‬والذوق‪،‬‬ ‫نقصد بالحس ما ُي َ‬
‫ً‬
‫نعب بها تحديدا السمع والبض‪ .‬فقد توافرت األدلة‬ ‫ي‬ ‫والشم‪ ،‬إَل غي ذلك‪ .‬لكن‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫أعب أن أحدا رأى هللا بعي‬‫الحسية المسموعة والمرئية عىل إثبات وجود هللا‪ ،‬ال ي‬
‫أن يرى الناس أو ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ر‬
‫فئام من الناس‬ ‫رأسه‪ ،‬فإن هذا لم يقع وال لنبينا ﷺ؛ وإنما المقصود‬
‫من اآليات‪ ،‬أو يسمعوا بها‪ ،‬ما يقطع بوجود الرب سبحانه وبحمده‪ ،‬ويتمثل ذلك يف‬
‫أمرين‪:‬‬
‫الب يسميها بعض الناس (المعجزات)‪ .‬فقد أعط‬ ‫ر‬
‫‪ -‬األول‪ :‬آيات األنبياء ي‬
‫هللا موش العصا فانقلبت حية‪ ،‬وأخرج االح من اخرة اماء ناقة‬
‫ّشاء‪ ،‬وابرأ عيس عليه السالم األكمه واألبرص‪ ،‬ونبينا ﷺ أشار إَل‬ ‫ُع ََ َ‬
‫ر‬
‫وتفجر الماء بي‬ ‫أئ قبيس بي فلقتيه‪،‬‬ ‫ر ُ‬
‫القمر فانفلق حب رؤي جبل ي‬
‫يديه‪ ،‬وجرى له ﷺ من اآليات ما يطول المقام بذكره‪.‬‬
‫سندون هذه األمور الخارقة للعادة إَل رب هم و مرسلهم‬ ‫ُ‬
‫هؤالء األنبياء ي ِ‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫وهو هللا عز وجل‪ ،‬فكان ذلك دليًل عىل وجوده؛ إذ لو لم يكن موجودا‪،‬‬
‫حس‬ ‫ٌ‬
‫دليل‬ ‫فهذا‬ ‫والعجائب‪،‬‬ ‫الخوارق‬ ‫هذه‬ ‫أيديهم‬ ‫عىل‬ ‫أجرى‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َل َ‬
‫ي‬
‫حب قال نبينا ﷺ أنه ما بعث‬ ‫فئام من الناس عىل مر العصور‪ ،‬ر‬ ‫شاه َده ٌ‬ ‫َ‬
‫َ ْ‬ ‫نبيا إال وأجرى عىل يديه ما عىل مثله يؤمن َ‬ ‫هللا ً‬
‫ياء‬ ‫البّش‪ «،‬ما ِمن األن ِب ِ‬
‫وح ًيا ْأوحاهُ‬ ‫يت ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ ُ ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ر ُ‬
‫ن ٌّ‬
‫وت‬‫له آمن ْ َعليه البّش‪ ،‬وإنما كان الذي أ ِ‬ ‫ط ما ِمث‬ ‫ي‬ ‫ب إَّل أع ِ‬ ‫ِي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اَّلل ر‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫القيام ِة»[البخاري‪.]4981:‬‬ ‫تابعا يوم ِ‬ ‫إَل‪ ،‬فأرجو أن أِون أِيهم ِ‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫الثائ‪ :‬فهو إجابة الداعي وغوث المكروبي‪ .‬فإن المرء إذا دعا فحصلت‬ ‫ي‬ ‫‪-‬‬
‫ر‬ ‫ًّ‬ ‫ا‬
‫حسيا عىل وجود من دعاه‪ ،‬وما ِمنا ِمن أحد إال‬ ‫له إجابة كان ذلك دليًل‬
‫يوما إَل هللا وقال‪ :‬يارب يارب‪ ،‬فتأتيه اإلجابة‪ ،‬فعالم يدل‬ ‫وقد رفع كفيه ً‬
‫ا‬
‫ذلك؟! يدل عىل من يسمع الصوت ويجيب الدعاء‪ .‬خذ مثاَّل‪ :‬قال هللا‬
‫ْ‬ ‫‪ َ َ َ َ : :‬ر ُ َ ِّ َ ْ ُ ٌ َ َ‬ ‫ر‬
‫عزوجل عن نوف عليه السالم قال ﴿فدعا ربه أ يئ مغلوب فانت ِض﴾‬
‫َ‬ ‫َ ُّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َََ ْ َ َ‬
‫[القمر‪ ]10:‬ثالث كلمات‪ ،‬فماذا كان؟ ﴿ففتحنا أبواب السماء ِبماء منه ِم ٍر‬
‫َ َ ر ْ َ ْ َ ْ َ ُ ُ ً َ ْ َ رَ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ َ‬
‫ات‬ ‫َ* وفجرنا األرض عيونا َفالتق الماء عىل أم ٍر قد ق ِدر * وحملناه عىل ِ‬
‫ذ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫أل َو ٍاف َود ُش* ت ْج ِري ِبأ ْع ُي ِننا َج َزاء ل َمن كان ك ِف َر﴾[القمر‪ ،]14-11:‬فهذا‬
‫ونارصه وهو هللا عز وجل‪.‬‬ ‫رسله‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫دليل عىل وجود م ِ‬
‫النب ا َّىل ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ٌَ‬
‫عليه‬ ‫ِ‬ ‫هللا‬ ‫ي‬ ‫عهد‬ ‫ِ‬ ‫عىل‬ ‫ة‬ ‫أاابت الناس سن‬ ‫ِ‬ ‫ومثال آخر عن نبينا‪:‬‬
‫يخطب ف يوم جمعة قام أعر ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وسل َ‬ ‫اىل ُ‬ ‫ُّ َّ‬ ‫وسل َ‬ ‫َّ‬
‫ائ‬ ‫ي‬ ‫ي ِ‬ ‫م‬ ‫عليه‬
‫ِ‬ ‫هللا‬ ‫النب‬
‫ي‬ ‫فبينما‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وانقطعت السبل فادع‬ ‫ِ‬ ‫هللا هلك المال‪ ،‬وجاع العيال‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬يا رسول ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ٌَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫قزعة قطعة غيم فوالذي‬ ‫السماء‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ى‬ ‫نر‬ ‫وما‬ ‫يه‬ ‫يد‬ ‫فرفع‬ ‫نا‪،‬‬ ‫غيث‬ ‫هللا ي‬
‫الجبال ثم لم يي ْل عن‬ ‫َ‬
‫أمثال‬ ‫السحاب‬ ‫ُ‬ ‫حب ثار‬ ‫بيده ما وضعها ر‬
‫ِ‬ ‫نفس ِ‬ ‫ِ ي‬
‫َّ‬
‫هللا عليه وسل َم ُ‬ ‫حادر عىل لحيته اىل ُ‬ ‫َّ‬ ‫المطر َيت ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫منيه ر‬
‫فم ِطرنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حب رأيت‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الغد والذي يليه ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األخرى وقام‬ ‫حب الجمعة‬ ‫الغد وبعد ِ‬ ‫يومنا ذلك ومن ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ائ أو قال ُ‬ ‫ذلك األعر ُّ‬
‫المال‬ ‫البناء وغرق‬ ‫هللا تهدم‬ ‫غيه فقال‪ :‬يا رسول ِ‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫فادع َ‬ ‫ُ‬
‫اآلكام‬ ‫ِ‬ ‫عىل‬ ‫اللهم‬ ‫علينا‬ ‫وال‬ ‫ينا‬ ‫حوال‬ ‫اللهم‬ ‫«‬ ‫‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫يديه‬ ‫فع‬ ‫فد‬ ‫لنا‬ ‫هللا‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫بيده إَل ناحية من‬ ‫ِ‬ ‫يشي‬ ‫فما‬ ‫‪،‬‬ ‫»‬ ‫الشجر‬‫ِ‬ ‫ومنابت‬
‫ِ‬ ‫األودية‬
‫ِ‬ ‫وبطون‬
‫ِ‬ ‫اب‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫والظ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫المدينة‬ ‫ِ‬ ‫السماء إال انفجرت فتمزق السحاب فما َنرى منه شيئا عىل‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ‬
‫بالجود‬
‫ِ‬ ‫ث‬ ‫حد‬ ‫إال‬ ‫ناحية‬ ‫من‬ ‫أحد‬ ‫يج‬ ‫ولم‬ ‫ا‬
‫شهر‬ ‫ناة‬‫الوادي ق‬
‫ِ‬ ‫وسال‬
‫[البخاري‪ ،933:‬ومسلم‪ ،]897:‬فخرج الناس يمشون يف الشمس‪ .‬فهذا يدل‬
‫َ‬
‫دعاءه وأجابه‪ ،‬فهذا هو المقصود بداللة‬ ‫عىل وجود ُمرسله ألنه سمع‬
‫الحس‪.‬‬
‫ِ‬
‫الدليل الرابع‪َ :‬‬
‫الّشع الصحيح‪.‬‬
‫ضمه المصحف‪ ،‬وما اح عن رسول هللا ﷺ‪ ،‬فما من آية محكمة وال‬‫هو ما ر‬
‫حديث احيح إال هو دليل برأسه عىل وجود هللا تعاَل‪ ،‬وذلك أنه ال يأتيه الباطل‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وعدل يف أحكامه‪،‬‬ ‫عجز‪ ،‬وهو حق‪ ،‬وادق يف أخباره‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫من بي يديه وال من خلفه‪ ،‬هو ُم‬
‫ْ َ ً َ‬ ‫َّ َ َ َ ُ‬ ‫ان م ْن ع ْند َغ ْ‬‫ََْ َ َ‬
‫يه ِاخ ِتًلفا ك ِث ًيا﴾‬
‫ِ ِ‬‫ف‬ ‫وا‬‫د‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫اَّلل‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫قال هللا عز وجل‪﴿ :‬ولو ك ِ‬
‫‪.‬‬ ‫[النساء‪]82:‬‬
‫الدرس الثاني من الوحدة الثانية‪ :‬املنكرون لوجود هللا‪.‬‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬


‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬
‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من تمهيد وثالثة عنارص‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬الدهريون‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬الطبائعيون والصدفيون ورد القرآن عليهم‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫● العنض الثالث‪ :‬الشيوعيون‪.‬‬

‫تمهيد‪.‬‬
‫وه‪ :‬دليل‬ ‫ا‬ ‫كنا قد تحدثنا عن دالئل إثبات وجود هللا تعاَل‪ ،‬وجعلناها ً‬
‫أربع‬
‫ي‬
‫الّشع‪.‬‬‫الفطرة‪ ،‬ودليل العقل‪ ،‬ودليل الحس‪ ،‬ودليل َ‬
‫قوم منكوسون محجوبون عن‬ ‫بإزاء ذلك اقتضت حكمة هللا تعاَل أن يوجد ٌ‬
‫الحق‪ ،‬فحادوا عن سواء السبيل‪ ،‬وأنكروا المعلومة بالضورة‪ ،‬أنكروا وجود هللا تعاَل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫الذي هو أبي ِّ‬
‫قديما وحديثا‪ .‬وفيما‬ ‫الواضح‪ ،‬وهؤالء يف الواقع أنواع‬
‫ِ‬ ‫البي‪ ،‬وأوضح‬
‫يىل أشهرهم‪.‬‬
‫ي‬
‫العنض األول‪ :‬الدهريون‪.‬‬
‫وت َو َن ْحياَ‬
‫َ َ ُ َ ُّ ْ َ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ه ِإال حياتنا الدنيا نم‬ ‫ُالدهريون نسبة إَل قول هللا تعاَل‪﴿ :‬وقالوا ما ِ ي‬
‫ر‬
‫الد ْه ُر﴾ [الجاثية‪ُ ]24:‬‬ ‫َ‬
‫ٌ‬
‫"أرحام‬ ‫فس ُّموا دهريي لهذه المقالة‪ ،‬قال قائلهم‪:‬‬ ‫َو َما ُي ْه ِلكنا ِإال‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ‬
‫تدفع‪ ،‬وأرض ت ْبلع‪ ،‬وما ُي ْه ِلكنا إال الدهر"‪ .‬هؤالء الدهريون قوم من الفالسفة‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫يعتقدون ِبقدم العالم‪ ،‬وبخلود العالم‪ ،‬وال ُيثبتون خالقا؛ بل يعتقدون أن هذا الكون‬
‫ً‬
‫مستمرا‪.‬‬ ‫ر‬
‫وسيبق‬ ‫ُو ِجد منذ األزل‬
‫أِي الكفرة‪ ،‬ولم ينقطع َم ْت ُنهم وال نسلهم ر‬
‫حب يومنا هذا‪،‬‬ ‫هؤالء المالحدة من َ‬
‫بالمالحدة الجدد الذين جددوا دعوة أسالفهم‬ ‫فوجد ف هذا العض من ُي َس رمون َ‬ ‫ُ‬
‫ي‬ ‫ِ‬
‫وكلماتهم البائرة‪ ،‬وال شك أنهم محجوجون بما تقدم من داللة الفطرة‪ ،‬والعقل‪،‬‬
‫َ‬
‫والّشع‪ ،‬والحس‪.‬‬

‫الثائ‪ :‬الطبائعيون والصدفيون ورد القرآن عليهم‪.‬‬


‫العنض ي‬
‫ه‬ ‫األشياء إَل الطبيعة‪ ،‬يزعمون أن الطبيعة ي‬ ‫الطبائعيون هم الذين ينسبون‬
‫ُ‬
‫الب أوجدت جميع ذرات الكون‪ ،‬وأنه ِبتالقحها وبتالقيها ُو ِجد هذا الكون‪ .‬وهؤالء‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫عند المناقشة والتدقيق يتبي زيف مقاالتهم؛ إذ أن هذا الكون هو نفسه الطبيعة‪،‬‬
‫نسء‬ ‫عدما‪ ،‬والعدم ال ُي َ‬ ‫السء ُمنش ًئا لنفسه؟! هو قبل أن يكون كان ً‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫فكيف يكون ي‬
‫ويلتجئون إَل هذه الوهميات؛ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫كل ذلك لما‬ ‫وجودا‪ ،‬لكن القوم ِيف ُّرون من البديهيات‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫يف ادورهم من كي ما هم ببالغيه‪ ،‬فيأبون أن يثبتوا أن هللا تعاَل هو الخالق لألشياء‪،‬‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫ويجعلوا من انم الطبيعة خالقا مزعوما يف كلمات غي متعقلة وال قابلة للتفسي‪.‬‬
‫وقريب منهم وربما أبعد منهم الصنف الثالث وهم الصدفيون القائلون‬ ‫ٌ‬
‫ا‬ ‫ُّ ْ‬
‫بالصدفة‪ ،‬الذين يزعمون أن هذا الكون ُو ِجد ادفة بمعب أنه هكذا فجأة ُوجد‪ ،‬وال‬
‫بمحض‬ ‫الب تقع َ‬ ‫كثيا من االحتماالت ر‬ ‫ينقض العجب من هؤالء إذ رأنهم يأبون ً‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫الصدفة‪ ،‬ويرفضون تصورها‪ ،‬فلو قيل ألحدهم‪ :‬إن مطبعة ما انفجرت وتناثرت‬
‫َ ر‬
‫حروفها يف الهواء‪ ،‬ثم سقطت عىل وجه األرض فااطفت عىل هيئة نص يمثل‬
‫ُّ‬ ‫َّ َ‬
‫ُم َعلقة امرؤ القيس‪ ،‬أو خطبة فالن ابن فالن‪ ،‬أو مقالة فالن بن فالن‪َ ...‬لعدوا ذلك‬
‫وبديع ُانعه‬ ‫ونظامه‬ ‫تناسقه‬ ‫ب‬ ‫الكون‬ ‫هذا‬ ‫أن‬ ‫هؤالء‬ ‫يزعم‬ ‫فكيف‬ ‫الجنون‪،‬‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫ب‬‫ً‬
‫رص‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكي الذي يف قلوب هم‪.‬‬ ‫إال‬ ‫عليها‬ ‫حملهم‬ ‫ما‬ ‫باطلة‬ ‫دعوة‬ ‫هذه‬ ‫!‬ ‫دفة؟‬ ‫ا‬‫رإنما ُوجد ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫أعب القائلي بالطبيعة والقائلي بالصدفة‪ -‬قد رد هللا‬ ‫والواقع أن ِكال الفريقي ‪ -‬ي‬
‫وه قول هللا‬ ‫تعاَل مقالتهم بآية واحدة نسفت هذه الدعاوى الباطلة من جذورها‪،‬‬
‫ي ْ ُ ُ‬ ‫ْ َ ْ ََ ْ َ ْ ُ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫ْ ُ ُ‬
‫‪:‬‬
‫شء أم هم الخ ِالقون﴾ [الطور‪ ،]35 :‬فقوله تعاَل ﴿أم خ ِلقوا‬ ‫ِ ي‬‫ي‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ق‬‫تعاَل‪﴿ :‬أم خ ِل‬
‫شء﴾ رد عىل القائلي بالصدفة‪.‬‬ ‫ِم ْن َغ ْي ََ ْ‬
‫ِ ي‬
‫ٌّ‬ ‫َْ ُ ُ ْ َ ُ َ‬
‫يعب ألنفسهم رد عىل القائلي بالطبيعة‪ ،‬فالجملة األوَل‬ ‫﴿أم هم الخ ِالقون﴾ ي‬
‫السء غي الموجود ‪َ -‬‬ ‫أن َ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫السء ُ‬ ‫َ‬
‫السء‬ ‫َ ي‬ ‫ي‬ ‫إذ‬ ‫ادفة‪،‬‬ ‫د‬ ‫ج‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫تأئ وترفض أن يكون ْ َي‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ينس وجودا‪ .‬وكذلك ﴿أ ْم ه ُم‬ ‫وجودا‪ ،‬المعدوم ال َ ُ‬ ‫المعدوم‪ -‬ال يمكن أن ُين ِشأ‬
‫أيضا ٌ‬ ‫ً‬ ‫ر‬ ‫ٌّ‬ ‫ْ َ ُ َ‬
‫أمر‬ ‫الخ ِالقون﴾ رد عىل القائلي بأن الطبيعة أوجدت نفسها بنفسها‪ ،‬فإن هذا‬
‫غي مقبول‪ ،‬فلهذا جعل هللا تعاَل هاتي الصورتي بصيغة السؤال االستنكاري لبداهة‬
‫رفضه لدى جميع عقول األسوياء‪.‬‬
‫َ‬
‫ول رما سمع أحد الصحابة رسول هللا ﷺ يتلو هذه اآلية يف االة المغرب‪ ،‬حي‬
‫َ ً‬
‫النب ﷺ يف أشى‬ ‫ي‬ ‫ليفاوض‬ ‫جاء‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ك‬
‫مّش‬ ‫الصحائ إذ ذاك‬ ‫ي‬ ‫قرأ سورة الطور‪ ،‬وكان ذلك‬
‫َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ْ ْ ََ ْ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ُ‬
‫شء أم ه ُم الخ ِالقون﴾ [الطور‪:‬‬ ‫ِ ي‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ق‬ ‫بدر‪ ،‬قال‪" :‬فلما بلغ قول هللا تعاَل‪﴿ :‬أم خ ِل‬
‫قلب‪".‬‬ ‫قلب أن يطي وذلك أول ما دخل اإليمان يف ي‬ ‫‪ ،]35‬كاد ي‬
‫ْ‬
‫وهناك من ُمن ِكري وجود هللا ‪-‬أفراد شواذ عىل مر التاري خ‪ -‬يغالطون أنفسهم‪،‬‬
‫ي﴾‬ ‫قال ف ْر َع ْو ُن َو َما َر ُّب ْال َع َالم َ‬ ‫ويكابرون الحقائق‪ ،‬مثل فرعون الذي قال لموش‪َ ﴿ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منكرا لوجود هللا تعاَل‪ ،‬ثم تمادى به األمر أنه ادىع ذلك لنفسه‪ ،‬لعلمه‬ ‫ً‬ ‫[الشعراء‪،]23 :‬‬
‫بأنه البد من بديل‪ ،‬فإن هو أنكر ربوبية هللا فالبد للناس من أن يتعلقوا برب‪ ،‬فمازال‬
‫ََ ُ َ َ‬
‫حب قال‪﴿ :‬أنا َرُّبك ُم األ ْعىل﴾ [النازعات‪ ،]24 :‬ثم أسلمه ذلك إَل رتبة‬ ‫يتجارى به الكفر ر‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َُ‬
‫ثالثة يف االنحطاط فقال‪َ ﴿ :‬ما َع ِل ْمت لك ْم ِم ْن ِإله غ ْ ِيي﴾ [القصص‪ ،]38 :‬وذلك للتالزم‬
‫ً‬
‫بي الربوبية واأللوهية كما سنذكر الحقا‪.‬‬
‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫لكن موش عليه السالم َج َب َهه بالحقيقة‪ ،‬وقال‪ ﴿ :‬لقد ع ِل ْمت َما أ َنز َل ه ٰ ؤَّل ِء‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ ِّ َ َ ُ ُّ َ َ ْ َ ْ ُ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ض بص ِائر و ِإ يئ ألظنك يا ِفرعون مثبورا﴾ [اإلشاء ‪ ،]102‬كأنما‬
‫‪:‬‬ ‫ات واألر ِ‬ ‫ِإَّل رب السماو ِ‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫أضالعه واستخرج خبيئة قلبه‪ ،‬وقال له‪﴿ :‬لقد َع ِل ْمت َما أ َنز َل ه ٰ ؤَّل ِء ِإَّل َر ُّب‬ ‫َ‬ ‫فلق‬
‫َ‬ ‫َ َْ‬
‫ض َب َص ِائ َر﴾‪ .‬وهذا حق‪ ،‬فإن هللا تعاَل قد أثبت بأن فرعون ومأله‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫األ ْ‬ ‫و‬ ‫ات‬‫ِ‬
‫الس َم َ‬
‫او‬ ‫ر‬
‫كانوا يعلمون بوجود هللا‪ ،‬قال هللا تعاَل‪َ ﴿ :‬و َج َح ُدوا ب َها َو ْاس َت ْي َق َن ْت َها َأ ُنف ُس ُه ْم ُظ ْلماً‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫َو ُعل ًّوا ُۚ﴾ [النمل‪.]14 :‬‬
‫ُّ‬
‫الشداد‪ :‬النمرود الذي لقيه إبراهيم عليه السالم وقال له‪:‬‬ ‫ومن هؤالء األفراد‬
‫َ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫﴿ َر ِّ ي َئ ال ِذي ُي ْح ِي ي َو ُي ِميت﴾ [البقرة‪ ،]258 :‬فادىع عىل سبيل المغالطة قال‪ ﴿ :‬قال أنا‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫أح ِي ي وأ ِميت﴾ [البقرة‪ ،]258 :‬ثم دىع بأسيين فقتل أحدهما وأطلق األخر مدعيا أنه‬
‫وأئ له بدليل‬ ‫لكن إبراهيم عليه السالم لم يجاريه ف هذا ر‬ ‫أحيا وأمات وهذه مغالطة؛ ر‬
‫ي‬
‫الش ْمس م َن ْال َم َّْشق َف ْأت ب َها منَ‬
‫ر‬
‫ب‬ ‫ئ‬‫اَّلل َي ْأ ر‬
‫واضح ال يستطيع أن ُيغال َطه قال‪َ ﴿ :‬فإ رن َّ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ْ ْ‬
‫ال َمغ ِر ِب ف ُب ِهت ال ِذي كف َر﴾ [البقرة‪.]259 :‬‬

‫العنض الثالث‪ :‬الشيوعيون‪.‬‬


‫ومازال هؤالء المالحدة لهم أذيال وأذناب يف كل جيل وقبيل‪ ،‬وقد ُوجد يف‬
‫العصور المتأخرة من ُيسمون الشيوعيون الذين يقول قائلهم‪" :‬ال إله والحياة مادة"‪،‬‬
‫َ‬
‫الح ِّسيات‪ ،‬ول رما حاول هؤالء أن ُيقيموا‬
‫فأنكروا وجود هللا ولم يؤمنوا إال بالماديات ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫الم ْه ر ِيئ‪ ،‬لم تدم طويًل‪ ،‬بالكاد َع رمرت سبعي سنة‪ ،‬ثم تحل َل‬
‫دولة عىل هذا األساس ُ‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫يبب ايديولوجيته عىل هذه العقيدة الكفرية ‪-‬عقيدة إنكار‬ ‫السوفيب الذي كان ي‬
‫ي‬ ‫االتحاد‬
‫ً‬
‫جميعا‪ ،‬وال ينازع يف هذا‬ ‫وجود هللا؛ وال ريب أن اإليمان بوجود هللا هو عقيدة َ‬
‫البّش‬
‫مغال ٌط‪.‬‬
‫مكاب ٌر ِ‬
‫إال ِ‬
‫الدرس الثالث من الوحدة الثانية‪ :‬اإليمان بربوبيته‪.‬‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬


‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من أربعة عنارص‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬معب ربوبية هللا‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬الخلق‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫● العنض الثالث‪ :‬الملك‪.‬‬
‫● العنض الرابع‪ :‬األمر والتدبي‪.‬‬

‫العنض األول‪ :‬معب ربوبية هللا‪.‬‬


‫يعب ذلك باختصار‪ :‬االعتقاد الجازم بأن هللا‬
‫يعب أن هللا تعاَل هو الرب؟ ي‬
‫ماذا ي‬
‫تعاَل هو الخالق المالك اآلمر؛ هو الخالق فال خالق سواه‪ ،‬هو المالك فال مالك سواه‪،‬‬
‫رئ عباده بنعمه‪ ،‬ر‬
‫واليبية‬ ‫دبر فال آمر وال مدبر سواه‪ ،‬فالرب هو الذي ر‬
‫الم ِّ‬
‫هو اآلمر ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيها معب التنشئة شيئا فشيئا‪ ،‬وذلك أن هللا سبحانه وتعاَل لم يزل ُي ُحوط عباده‬
‫بألطافه ونعمائه ر‬
‫حب يبلغوا شأنهم ومبتغاهم؛ فمدار الربوبية عىل ثالثة أمور‪ ،‬الخلق‬
‫والملك والتدبي‪.‬‬

‫الثائ‪ :‬الخلق‪.‬‬
‫العنض ي‬
‫شء فليس ثمة يف الكون إال خالق أو مخلوق‪ ،‬فاهلل هو الخالق‬ ‫هللا خالق كل َ‬
‫َ َ َ َ ُ ر ََ ْ َ َ ر َ ْ‬ ‫ي‬
‫شء فقد َر ُه تق ِد ًيرا﴾ [الفرقان‪ ،]2 :‬فال‬
‫وما سواه مخلوق‪ ،‬قال سبحانه‪﴿ :‬وخلق كل ي‬
‫ْ‬ ‫ر ر‬ ‫َ‬
‫بب آدم قد أطبقوا عىل هذا األمر‬ ‫ي‬ ‫إن‬ ‫حب‬ ‫ه‪،‬‬ ‫لق‬
‫ِ‬ ‫خ‬ ‫يمكن ألحد أن ينازع هللا تعاَل يف‬
‫ر‬ ‫ولم ُ‬
‫بب آدم أن للخلق أو أن للكون خالقي متكافئي‪.‬‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫أحد‬ ‫ع‬ ‫يد‬ ‫ولم‬ ‫فيه‪،‬‬ ‫نازعوا‬‫ي‬
‫ِ‬
‫رَ‬
‫غاية ما يوجد ما ادعاه الثن ِوية من المجوس من وجود إله النور يخلق الخي‪،‬‬
‫الظلمة يخلق َ‬ ‫ُّ‬
‫الّش‪ .‬ومع ذلك فإنهم يجعلون إله النور أعىل وأقوى من إله‬ ‫وإله‬
‫ُ ْ َ‬ ‫ر‬ ‫ُّ‬
‫بب آدم فإنهم‬‫ي‬ ‫سائر‬ ‫وأما‬ ‫ث‪،‬‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫الظلمة‬ ‫وإله‬ ‫قديم‪،‬‬ ‫النور‬ ‫إله‬ ‫إن‬ ‫ويقولون‬ ‫لمة‪،‬‬ ‫الظ‬
‫ً‬
‫دل عىل هذا رصي ح القرآن وناطق‬ ‫خالقا ال خالق معه سواه‪ ،‬وقد ر‬ ‫ُيثبتون هللا تعاَل‬
‫السنة يف أدلة يطول ذكرها‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫شء‪ ،‬وهو سبحانه وتعاَل خلق جميع‬ ‫فاهلل تعاَل خالق كل َشء وخلق كل َ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫َ َّ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫األشياء‪ ،‬ذواتها وافاتها وحركاتها‪﴿ ،‬واَّلل خلقكم وما تعملون﴾ [الصافات‪.]96 :‬‬
‫ٌ‬
‫خالق مع هللا عز وجل‪ ،‬فمن ادىع ذلك فقد وقع ف َ‬
‫الّشك‬ ‫ي‬ ‫وال يجوز أن ُي َثبت‬
‫يف الربوبية‪.‬‬
‫العنض الثالث‪ُ :‬‬
‫الملك‪.‬‬
‫فاهلل هو المالك وحده ال َشيك له يف ملكه‪ ،‬كما قال سبحانه وتعاَل يف غي ما‬
‫الس ْم َع واأل ْب َص َار﴾ [يونس‪ .]31 :‬فاهلل تعاَل‬
‫َ‬ ‫آية‪﴿ :‬له الملك﴾ [فاطر‪َ ﴿ ،]13 :‬أ رمن َي ْمل ُك ر‬
‫ِ‬
‫ر‬
‫يملك كل َشء ال َشيك له ف ملكه‪ ،‬وقد تحدى هللا تعاَل َ‬
‫المّشكي الذين يتعلقون‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ْ ُ َّ َ َ َ ْ ُ ِّ ُ‬
‫ون‬
‫قل ادعوا ال ِذين زعمتم من د ِ‬ ‫سبحانه‪ِ ﴿ :‬‬ ‫َ‬
‫بغيه‪ ،‬ويتخذون الوسائط سواه فقال‬
‫َ ْ َ َ َُ‬ ‫َ‬
‫الس َم َاوات َوَّل ف األرض َو َما ل ُه ْ‬ ‫ال َذ ررة ف ر‬ ‫ون م ْث َق َ‬‫َّ َ َ ْ ُ َ‬
‫يه َما ِمن ِشك وما له‬ ‫ف‬
‫ِ ِ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل َّل يم ِلك ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ َ َ‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ر َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ِّ َ‬
‫ِمنهم من ظ ِه ٍي وَّل تنفع الشفاعة ِعنده ِإَّل ِلمن أ ِذن له﴾ [سبأ‪.]22-23 :‬‬
‫متعلقات َ‬ ‫َّ‬
‫المّشكي؟! أن يملكوا استقالال‬ ‫تأملوا كيف أن هللا تعاَل أفب جميع‬
‫يستغب عنهم‬‫َي‬ ‫أو أن يملكوا مشاركة‪ ،‬أو أن يكونوا بميلة الخدم والحشم الذين ال‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫إدالء ووجاهة عىل هللا عز وجل‪﴿ :‬قل ْاد ُعوا الذ َ‬
‫ين ز َع ْمتم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫سلطان‪ ،‬أو أن يكون لهم‬
‫ََ‬ ‫ر َ َ‬ ‫َ ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ات وَّل ِ يف األرض﴾ [سبأ‪ ،]22-23 :‬أي ال‬ ‫اَّلل َّل يم ِلكون ِمثقال ذرة ِ يف السماو ِ‬ ‫ون ِ‬‫ِ‬ ‫ِّمن د‬
‫ً‬
‫ملكا ً‬ ‫ً‬ ‫ا‬
‫تاما‬ ‫يدىع أنه يملك شيئا من السموات واألرض‬ ‫ي‬ ‫الذي‬ ‫ذا‬ ‫من‬ ‫‪.‬‬ ‫استقالَّل‬ ‫يملكون‬
‫ً‬
‫مطلقا!!‬
‫ا‬
‫فلربما قال قائل‪" :‬نعم ال يملكون استقالَّل‪ ،‬فلعل لهم نسبة ُمشاعة من‬
‫ً‬
‫شك﴾‪ ،‬فربما قال قائل‪" :‬حسنا ال يملكون‬ ‫المشاركة"‪ ،‬فقال‪َ ﴿ :‬و َما َل ُه ْم ِفيه َما ِمن َِ ْ‬
‫ِ‬
‫استقالَّل وال مشاركة لكنهم بميلة الخدم َ‬ ‫ا‬
‫يستغب عنهم‬
‫ي‬ ‫ال‬ ‫الذين‬ ‫واألعوان‬ ‫شم‬ ‫والح‬
‫بق إال أمر رابع وهو أمر الشفاعة‪،‬‬ ‫سلطان"‪ ،‬فقال هللا‪َ ﴿ :‬و َما َل ُه م ْن ُهم ِّمن َظهي﴾‪ ،‬وما ر‬
‫ِ‬
‫َ ُ ر َ ْ َ َ‬ ‫ِ ٍ َ َ َ َي ُ ر َ َ ُ‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫جميعا فقال‪﴿ :‬وَّل تنفع الشفاعة ِعنده ِإَّل ِلمن أ ِذن‬ ‫فبي سبحانه أن الشفاعة له‬
‫المّشكون‪ ،‬ووجب توحيد رب العالمي‪.‬‬ ‫َل ُه﴾‪ .‬ففب كل ما يتعلق به هؤالء َ‬
‫ي‬
‫العنض الرابع‪ :‬األمر والتدبي‪.‬‬
‫أما األمر الثالث الذي عليه مدار الربوبية فهو األمر‪ :‬فاهلل تعاَل هو اآلمر هو‬
‫ىع‪.‬‬ ‫كوئ وأمر َش‬ ‫دبر‪ ،‬وأمر هللا تعاَل نوعان‪ ،‬أمر‬ ‫الم ِّ‬
‫ُ‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الكوئ‪ :‬فهو ما يضف هللا تعاَل به ملكوت السموات واألرض‪﴿ ،‬إن َما‬ ‫ي‬ ‫فأما أمره‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ ُ َ ََ ْ َ ْ‬
‫ول له كن ف َيكون﴾ [النحل‪.]40 :‬‬ ‫سء ِإذا أ َردن ُاه أن نق‬ ‫قولنا ِل ي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ودعه يف‬ ‫ىع‪ :‬فما يقضيه من حالل وحرام ييله عىل رسله‪ ،‬وي ِ‬ ‫َوأما أمره الّش ي‬
‫َ‬
‫ىع كما ُيخضع له يف أمره‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫كتبه‪ ،‬فكمال تحقيق الربوبية هو أن يطاع هللا يف أمره الّش ي‬
‫الكوئ‪ ،‬فصار مدار الربوبية عىل هذه األمور الثالثة‪ :‬الخلق‪ ،‬والملك‪ ،‬والتدبي أي‬ ‫ي‬
‫األمر‪.‬‬
‫لسء من ذلك من بب آدم‪ ،‬وأشهر َمن ُعرف ْإن ُ‬
‫كاره‬ ‫وكما أسلفنا أنه ال منكر َ‬
‫َ َ َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ال َرُّبنا ال ِذي‬ ‫وش﴾ [طه‪ ،]49:‬قال‪﴿ :‬ق‬ ‫للربوبية هو فرعون حينما قال‪َ ﴿ :‬ف َمن ررُّب ُك َما َيا ُم َ‬
‫ً‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ُ ر ََ ْ َ ْ َ ُ ُ ر َ َ‬
‫علمها سلفا كما قال‬ ‫شء خلقه ثم هدى﴾ [طه ‪ ]َ 50‬فألجماه الحجة‪ ،‬وقد ِ‬ ‫‪:‬‬ ‫أ عط ك ل‬
‫ي َ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ ُ ُ ْ ُ ْ ً َ ُ ًُّ‬
‫ربنا عز وجل‪﴿ :‬وجحدوا ِبها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا﴾ [النمل‪.]14:‬‬
‫شف طرفه يف ملكوت السموات واألرض‪،‬‬ ‫فيجب عىل كل مؤمن ومؤمنة إذا ر‬
‫وم ِّ‬ ‫ومالكها ُ‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫دبرها‪ ،‬هو هللا وحده‬ ‫جازما‪ ،‬بأن خالق جميع األشياء‬ ‫أن يعتقد اعتقادا‬
‫دون ما سواه‪ ،‬فبهذا تتحقق الربوبية‪.‬‬
‫َ‬
‫قرين بهذه الربوبية كما أخي هللا عنهم بقوله‪َ ﴿ :‬ول ْ‬ ‫المّشكون ُم ِّ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫وقد كان‬
‫ْ‬
‫ي َسأل َت ُه ْم َمنْ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫اَّلل﴾[ الزمر‪َ ﴿ ،]38:‬ول ْ‬ ‫ُ‬
‫ض ل َي ُقول رن َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الس َم َاوات َواأل ْر َ‬ ‫َس َأ ْل َت ُه ْم َم ْن َخل َق ر‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل﴾ [الزخرف‪ ،]87:‬إَل غي ذلك من اآليات ر‬ ‫ول رن َّ ُ‬ ‫َ ََُ ْ ََُ ُ‬
‫الب يقرون فيها بأن هللا‬ ‫ي‬ ‫خلقهم ليق‬
‫ْ َ‬ ‫ويجي وال ُيجار عليه‪ ،‬لكن ذلك لم يكن ً‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫كافيا يف إضفاء واف‬ ‫طعم وال يطعم‪ِ ،‬‬ ‫تعاَل ي ِ‬
‫جمع عليه بنو آدم‪.‬‬ ‫اإليمان عليهم؛ ألن أمر الربوبية أمر فطري‪ُ ٌ ،‬‬
‫أمر ي ِ‬
‫الدرس الرابع من الوحدة الثانية‪ :‬اإليمان بألوهيته‪.‬‬

‫المرئ ( اضغط هنا للمشاهدة )‬ ‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬


‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من ستة عنارص‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬معب ألوهية هللا‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬العبادة وحقيقتها‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫● العنض الثالث‪ :‬العبادات القلبية‪.‬‬
‫● العنض الرابع‪ :‬العبادات القولية‪.‬‬
‫● العنض الخامس‪ :‬العبادات العملية‪.‬‬
‫● العنض السادس‪ :‬مخاطر الوقوع ف َ‬
‫الّشك األِي‪.‬‬ ‫ي‬
‫العنض األول‪ :‬معب ألوهية هللا‪.‬‬
‫ومعيك الياع بي األنبياء‬ ‫ر‬ ‫سوف نتحدث عن أمر ُمهم هو حلبة الضاع‬
‫وأقوامهم؛ ألجله أرسل هللا الرسل وأنزل الكتب‪ ،‬إنه اإليمان باأللوهية‪ ،‬إنه أمر‬
‫العبادة‪.‬‬
‫يعب‪ :‬االعتقاد الجازم بأن هللا وحده هو المستحق‬ ‫واإليمان بألوهية هللا تعاَل ي‬
‫للعبادة دون ما سواه‪ ،‬وهو معب قول‪( :‬ال إله إال هللا)‪ ،‬فإن معب اإلله أي المألوه أي‬
‫ْ‬
‫أن ر‬
‫يأئ ِف َعال‬
‫ي‬ ‫وتعظيما‪ ،‬وهذا سائد يف لغات العرب‬ ‫ً‬ ‫المعبود من تألهه القلوب محبة‬
‫بسوط‪ِ ،‬فراش بمعب‬ ‫ويراد به مفعول كما نقول‪ :‬كتاب بمعب مكتوب‪ ،‬بساط بمعب َم ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َْ‬ ‫ُ‬
‫َمفروش‪ ،‬فإله بمعب مألوه ال بمعب ِآله‪ ،‬فمعب اإلله أي المألوه‪ ،‬وهو الذي تألهه‬
‫ً‬
‫وتعظيما‪.‬‬ ‫القلوب‪ :‬أي تنجذب إليه محبة‬
‫ر‬
‫فإذا قال اإلنسان‪( :‬ال إله إال هللا) أي ال معبود بحق إال هللا‪ ،‬وإنما قلنا بحق‬
‫‪َ ُ ِّ ُ ُ َ ْ َ ٌ َ ْ ُ َ ْ َ :‬‬ ‫لوجود آلهة ُم رد َ‬
‫وننا﴾ [األنبياء‪،]43 :‬‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬‫ه‬ ‫ع‬ ‫ن‬‫م‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ه‬ ‫آل‬
‫ِ‬ ‫م‬‫ه‬‫ل‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫﴿‬ ‫تعاَل‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫اة‬ ‫ع‬
‫ا‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ر َ ُ‬
‫اَّلل ِآل َهة﴾ [مريم‪ ،]81 :‬فتلك آلهة زائفة‪ ،‬أما اإلله بحق فهو هللا‬
‫ون ِ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫وا‬‫ذ‬ ‫﴿واتخ‬
‫سبحانه وحده ال َشيك له‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جازما أن هللا وحده‪ ،‬هو‬ ‫فاإليمان بألوهية هللا‪ ،‬هو أن يعتقد اإلنسان اعتقادا‬
‫شء من أنواعها لغيه‪.‬‬ ‫َ‬
‫المستحق للعبادة ال يجوز رصف ي‬
‫الثائ‪ :‬العبادة وحقيقتها‪.‬‬
‫العنض ي‬
‫والعبادة‪ :‬اسم جامع لكل ما ُيحبه هللا ويرضاه من األقوال واألفعال الظاهرة‬
‫والباطنة‪ ،‬هذا هو تعريف العبادة باعتباره ُ‬
‫الم ر‬
‫تعبد به‪ ،‬أي باعتبار مفردات العبادة‪،‬‬
‫أنها اسم جامع لكل ما يحبه هللا ويرضاه من األقوال واألعمال الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫فه‪ :‬كمال المحبة مع‬ ‫ر‬
‫وأما حقيقة العبادة أي ُّتعريف العبادة باعتبار حقيقتها ي‬
‫كمال التعظيم‪ ،‬أو مع كمال الذل والخضوع‪ .‬فحقيقة العبادة أن يشعر العبد تجاه‬
‫الذل مع كمال المحبة ر‬
‫يقينان ً‬ ‫ُّ‬
‫ه العبادة‪.‬‬
‫ي‬ ‫فتلك‬ ‫ا‪،‬‬ ‫مع‬ ‫معبوده بكمال الخضوع‪ ،‬وكمال‬
‫والعبادات أنواع وأاناف فمنها عبادات قلبية‪ ،‬وعبادات قولية‪ ،‬وعبادات‬
‫عملية‪.‬‬

‫العنض الثالث‪ :‬العبادات القلبية‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫أن َ‬ ‫ر‬
‫أساس لما ِسواها‪.‬‬ ‫ه العبادات القلبية؛ ألنها‬ ‫ي‬ ‫العبادات‬ ‫أنواع‬ ‫ف‬ ‫أش‬ ‫ال ريب‬
‫ُ ُ ُّ ُ َ َ َ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ْ َ ا َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال نبينا ﷺ‪« :‬أَّل َو ِإن ِ يف ال َج َس ِد ُمضغة ِإذا َال َحت َالح ال َج َسد كله َو ِإذا ف َسدت‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ ُ ُ ُّ ُ َ َ َ َ ْ َ ْ‬
‫ه القلب‪[» .‬البخاري‪ ،52 :‬ومسلم‪.]1599 :‬‬ ‫فسد الجسد كله أَّل و ِ ي‬
‫والعبادات القلبية متعددة لكن أمهاتها ثالث‪ :‬المحبة‪ ،‬والخوف‪ ،‬والرجاء‪.‬‬
‫تلتق عندها بقية العبادات‪،‬‬ ‫الب ر‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ه أمهات العبادات القلبية ي‬ ‫فهذه الثالث ي‬
‫كالتوكل واألنس والشوق إَل هللا تعاَل وغي ذلك‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬الحب‪ :‬أفضلها‪ ،‬ألن الحب هو أعظم ما ت ِّ‬
‫عبد هللا تعاَل به‪ ،‬قال هللا عز‬
‫ّ َ َ ً ُ ُّ َ ُ ْ َ ُ ِّ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َر ُ‬ ‫‪ َ َ :‬ر‬
‫اَّلل‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ون‬‫ب‬‫ح‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ادا‬‫ند‬ ‫أ‬ ‫اَّلل‬
‫ِ ِ‬ ‫ون‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫م‬‫اس من يت ِخ ِ‬
‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫الن‬ ‫وجل ﴿و ِمن‬
‫َ‬
‫َ َّ َ َ ُ ْ َ ُّ ً َّ‬
‫آمنوا أشد ُح ّبا َِّلل﴾ [البقرة‪ ،]165 :‬والحب ال ينقطع؛ بل إنه يزيد‪،‬‬ ‫وال ِذين‬
‫فإذا بلغ اإلنسان جنة ربه زاد حبه هلل تعاَل‪ ،‬والحب بي هللا وبي عباده‬
‫ا‬
‫متبادل من الطرفي‪ ،‬لكن هلل محبة تليق به‪ ،‬وللمؤمن محبة تليق به‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ ْ َ َ ْ ر َّ ُ َ ْ ُ ُّ ُ ْ َ ُ ُّ َ‬
‫قال هللا ع رزوجل‪﴿ :‬فسوف يأ ِ يئ اَّلل ِبقوم ي ِحبهم وي ِحبونه﴾ [المائدة‪.]54 :‬‬
‫‪ -‬الخوف‪ :‬ويقال‪ :‬الخشية‪ ،‬وقد ينوب أحدهما عن األخر‪ ،‬وقيل يف‬
‫خس منه؛ لهذا قال‬ ‫َ َ‬
‫بالعلم بالم ِ ي‬ ‫التفريق بينهما أن الخشية خوف مقرون ِ‬
‫ْ َ‬ ‫هللا تعاَل‪ ﴿ :‬رإن َما َي ْخ ََس َ‬
‫هللا ِم ْن ِع َب ِاد ِه ال ُعل َم ُاء﴾ [فاطر‪ .]28 :‬والخوف هو‬
‫َ‬
‫الذي يحجز اإلنسان عن أن يخرج عن طاعة هللا‪ ،‬وهللا تعاَل ُيخاف‬
‫ً‬ ‫وي َخاف لوعيده‪ ،‬فالمؤمن ريت ر‬ ‫لذاته‪ُ ،‬‬
‫المعاص خوفا من هللا‬ ‫ي‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫الوقوع‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ً‬
‫وخوفا من عقابه وعذابه‪.‬‬
‫‪ -‬الرجاء‪ :‬وهو تعلق القلب باهلل تعاَل والطمع فيه‪ ،‬فيجو ربه‪ ،‬ويرجو‬
‫المعائ يف القلب‪ ،‬وقد قيل يف‬ ‫رحمته‪ ،‬ويرجو جنته‪ ،‬وتجتمع هذه‬
‫ي ر‬
‫تصوير هذه الثالثة ‪-‬المحبة والخوف والرجاء‪ -‬بأنها كالطائر له جناحان‪،‬‬
‫فجسم الطائر ورأسه هو المحبة‪ ،‬وجناحاه هما الخوف والرجاء؛ ولهذا‬
‫ا‬ ‫ً‬
‫مستقيما معتدَّل بأن يوازن بي الخوف والرجاء‪،‬‬ ‫ينبع أن يكون طيانه‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ين َيد ُعون َي ْب َتغون إَل َ ِّرب ه ُم ال َوسيلة أ ُّي ُهمْ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ولئ َك الذ َ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َقال هللا تعاَل‪﴿ :‬أ ِ‬
‫َ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ََ‬
‫أق َرب وي ْر ُجون َر ْح َمته ويخافون عذابه﴾ [اإلشاء‪.]57 :‬‬
‫وازن اإلنسان بي الخوف والرجاء‪ ،‬كما يوازن الطائر بي جناحيه‪.‬‬ ‫فاألال أن ُ‬
‫ي‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فلو عظم أحد جناحيه عىل حساب اآلخر لمال يف طيانه‪ .‬ولكن قد يحتاج المؤمن‬
‫َْ‬
‫حصة الرجاء‪ ،‬كما إذا أدل َه رمت الخطوب أو حضته‬ ‫ف وقت من األوقات إَل زيادة ر‬
‫ي‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫عظم الرجاء يف هللا كما يف الحديث الصحيح‪" :‬أنا عند ظن‬ ‫ينبع أن ي ِ‬ ‫ي‬ ‫الوفاة‪ ،‬فإنه‬
‫ُ ِّ‬
‫ينبع أن يغلب جانب الخوف‬ ‫ي‬ ‫وف حال إقبال الدنيا وزخرفها وب هجتها‪،‬‬ ‫عبدي يئ"‪ .‬ي‬
‫معاص هللا‪ ،‬كما ُا ِّور ذلك بمثال آخر‪ :‬بأن المحبة أشبه‬ ‫ي‬ ‫ليحجز نفسه عن الوقوع يف‬
‫َ ُ‬ ‫ر‬
‫الب يستقلها اإلنسان‪ ،‬والرجاء هو الذي يحذوها‪ ،‬والخوف هو الذي‬ ‫ما تكون بالمركبة ي‬
‫يحج ُزها عن أن تخرج عن المسار يمنة أو يّشة‪ ،‬وكل هذا لغرض التقريب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ ََ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫وثم عبادات قلبية َشيفة أخرى‪ :‬كالتوكل‪ ،‬قال هللا عز وجل‪﴿ :‬وعىل ِ‬
‫اَّلل‬
‫َ َ َ َّ َ ْ َ َّ ْ ْ ُ َ‬
‫اَّلل فل َيت َوك ِل ال ُمؤ ِمنون﴾ [التوبة‪،]51 :‬‬ ‫ىل‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫﴿‬ ‫‪،‬‬ ‫﴾‬ ‫َف َت َو َّك ُلوا إ ْن ُك ْن ُت ْم ُم ْؤمن َ‬
‫ي‬
‫ِ‬ ‫]‬ ‫‪23‬‬ ‫‪:‬‬ ‫[المائدة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫عظيم من مقامات العبادة‪ .‬وحقيقة التوكل اعتماد القلب عىل هللا‪ ،‬يف‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مقام‬ ‫فهو‬
‫جلب المصالح ودفع المضار مع فعل األسباب الموالة لذلك‪.‬‬
‫نعش‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫هذه ُجملة من العبادات القلبية ر‬
‫يعتب المؤمن بها‪ ،‬وأن ي ِ‬
‫ي‬ ‫أن‬ ‫ينبع‬
‫ي‬ ‫الب‬
‫ي‬
‫ُ‬
‫أال العبادة ِ ُّ‬
‫وشها‪.‬‬ ‫بها َ‬
‫قلبه فإنها‬

‫العنض الرابع‪ :‬العبادات القولية‪.‬‬


‫ا‬ ‫ا‬
‫ش ٌء أِرم‬ ‫ي‬
‫مثًل‪ ،‬فإنه ما َ‬ ‫كالدعاء‬ ‫اللسان‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫يلهج‬ ‫قوَّل‬ ‫من العبادات ما يكون‬
‫والرب سبحانه وتعاَل قد جعل الدعاء‬ ‫عىل هللا من الدعاء كما جاء ذلك ف الحديث‪ ،‬ر‬
‫ي‬
‫َ ْ َ ْ َ ُ ْ ر َّ َ َ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫‪ْ ُ ُ ُّ َ َ َ َ :‬‬
‫وئ أست ِجب لكم ِإن ال ِذين يستك ِيون‬ ‫هو العبادة‪ ،‬فقال سبحانه ﴿وقال ربكم ادع ِر ي‬
‫البدل‬ ‫َع ْن ع َب َاد رئ﴾ [غافر‪ ،]40 :‬لم يقل‪ :‬عن ُدعائ؛ فكأنما جعل الدعاء والعبادة بميلة َ‬
‫ي‬ ‫ِ ِي‬
‫ْ ر‬ ‫بدل منه؛ ألنه أرصف َ‬ ‫ُ َ‬
‫شء يدل عىل العبادة؛ إذ أن يف الدعاء من التعلق والرغبة‬ ‫ي‬ ‫والم‬
‫محبوب عند هللا كريم عليه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫والرهبة والطمع والرجاء ما ال يوجد يف غيه‪ ،‬وهو‬
‫يقول الشاعر‪:‬‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ت ُس َؤ َال ُه *** ُ‬ ‫ر ُّ ْ َ ُ ْ َ َ ْ َ‬
‫وب َ يب آدم حي ُي ْسأ ُل يغض ُب‬ ‫الرب يغضب إن ترِ‬
‫نعم وهللا ابن آدم إذا ألححت عليه بالسؤال فإنه يغضب وينفعل‪ ،‬أما الرب‬
‫سبحانه فلو ترك العبد سؤاله لغضب عليه؛ ألنه رب العالمي سبحانه وبحمده‪.‬‬
‫ومن اور العبادات القولية‪ :‬االستعاذة‪ ،‬وهو طلب العوذ من هللا تعاَل‪ ،‬قال‬
‫ر َ‬ ‫َْ َ ر َ‬ ‫َ ر‬
‫الش ْي َطان ر‬ ‫‪َ ْ َ :‬‬
‫وإ رما َييغنك ِم َن الش ْيط ِان‬ ‫ِ‬ ‫﴿‬ ‫‪:‬‬‫وقال‬ ‫﴾‪،‬‬ ‫يم‬ ‫ج‬‫الر‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫اهلل‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫هللا َتعاَل ْ﴿فاس ِ ر ِ‬
‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ت‬
‫يع َعل ٌ‬ ‫اَّلل إن ُه َسم ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َْ ٌ ْ َ‬
‫يم﴾ [األعراف‪.]200 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نزغ فاس ِ ِ ِ‬
‫ب‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ت‬
‫ر‬ ‫فاالستعاذة ه طلب العوذ‪ ،‬وذلك بأن يشعر ُ‬ ‫ْ‬
‫المستعيذ بأنه يهرب إَل هللا‪،‬‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سب ًعا أو‬
‫أعظم من هروب الطفل إَل والده‪ ،‬إذا رأى أو شاهد ُ‬ ‫َ‬ ‫وفزعا‬ ‫هروبا‬ ‫ويفزع إليه‬
‫َْ ر‬ ‫ً ُ َ ِّ ً‬
‫شيئا مخوفا يجري نحوه ويلتصق به‪ .‬فلو حقق المؤمن هذه الكيفية وفزع إَل ربه‬
‫َ ر‬
‫واستعاذ به‪ ،‬فوهللا ُليعيذن ُه‪.‬‬
‫ْ َ َ ُ َ ُ‬ ‫ً‬
‫ومن ذلك أيضا‪ :‬االستعانة واالستغاثة‪ ،‬بأن يستغيث بربه‪ِ ﴿ :‬إذ ت ْست ِغيثون َ رربك ْم‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ َ َُ‬
‫أغثب) فيسأل هللا الغوث‪ ،‬أو‬ ‫ي‬ ‫فاستجاب لكم﴾ [األنفال‪ ،]9 :‬بأن يقول اإلنسان‪( :‬اللهم‬
‫االستعانة‪ :‬بأن يستعي ربه يقول‪( :‬اللهم ِأع ِّ يب)‪( ،‬إياك نعبد وإياك نستعي)‪.‬‬
‫َ َّ‬
‫النب ﷺ ِح ربه معاذا بن جبل فقال له‪:‬‬ ‫ي‬ ‫م‬‫ل‬ ‫فهذه األلفاظ ألفاظ َشعية‪ ،‬وقد ع‬
‫تدعن يف دبر‬ ‫ر‬ ‫حبك‪ ،‬فقال‪ :‬أوايك يا معاذ‪ ،‬ال‬ ‫واَّلل ِّإئ ُأل ُّ‬
‫َّ‬
‫ك‪،‬‬ ‫واَّلل ِّإئ ُأل ُّ‬
‫حب‬
‫َّ‬
‫«يا معاذ‪،‬‬
‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ي‬
‫أعب عىل ذكرك‪ ،‬وشكرك‪ ،‬وحسن عبادتك »[أبوداود‪،1522 :‬‬
‫هم ِّ‬ ‫كل االة تقول‪ :‬الل ر‬ ‫ِّ‬
‫ي‬
‫والنسائ‪.]1303 :‬‬
‫ي‬
‫وقد قيل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫اجتهاده‪.‬‬ ‫فأو ُل ما َي ْج يب عليه‬
‫للفب *** ر‬
‫عون من هللا ر‬ ‫إذا لم يكن‬

‫العنض الخامس‪ :‬العبادات العملية‪.‬‬


‫وه‪ :‬تسخي هذه الجوارف يف مراد هللا تعاَل عىل ما‬ ‫وهناك عبادات بدنية ي‬
‫والسع بي‬ ‫ي‬ ‫َشعه هللا‪ :‬كالركوع‪ ،‬والسجود‪ ،‬والقيام‪ ،‬والقعود‪ ،‬والطواف بالبيت‪،‬‬
‫ورم الجمار‪ ،‬والوقوف بعرفة‪ ،‬وإغاثة الملهوف‪ ،‬وإعانة المحتاج‪،‬‬ ‫الصفا والمروة‪ ،‬ي‬
‫ظهر فيها العبد عبادة جوارحه‬ ‫وإماطة األذى عن الطريق‪ .‬فهذه عبادات بدنية ُ‬
‫ي‬
‫ِ‬
‫وأطرافه هلل رب العالمي‪.‬‬
‫َّ‬
‫ومن أنواع العبادات‪ :‬العبادات المالية‪ ،‬وهو حق هللا ف المال‪َ ﴿ :‬والذ َ‬
‫ين ِ يف‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ر‬ ‫َ ْ َ ْ َ ٌّ ر ْ ُ ٌ ِّ‬
‫وم﴾ [المعارج ‪ ،]24‬فيدخل يف ذلك النفقات‬ ‫‪:‬‬ ‫أمو ِال ِهم حق معلوم للس ِائ ِل والمحر ِ‬
‫الواجبة والمستحبة‪.‬‬
‫ِوية؛ إذا‬ ‫الز ر‬ ‫الب فرضها هللا تعاَل ف األموال ر‬ ‫ِوات ر‬ ‫الز َ‬ ‫‪ -‬فمن النفقات الواجبة‪ :‬ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫بلغت أنصبة معلومة ورصفها ألهلها‪ .‬وهناك نفقات واجبة‪ :‬كالنفقة عىل‬
‫الزوجة والولد والبهائم‪.‬‬
‫َ‬
‫كالصدقات والتيعات‪ ،‬فكل هذه األشياء مما ُيتقرب به إَل‬ ‫‪ -‬ونفقات مستحبة‪ :‬ر‬
‫َ‬ ‫َّ َ ُ ُ ُ‬ ‫عزوجل‪ ،‬قال هللا تعاَل‪﴿ :‬إ رن َما ُن ْطع ُم ُك ْم ل َو ْ‬
‫اَّلل َّل ن ِريد ِمنك ْم َج َزاء َوَّل‬ ‫ه‬
‫ِ ِ ِ‬‫ج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هللا ر‬
‫ورا﴾ [اإلنسان‪.]9 :‬‬‫ُش ُك ً‬
‫ْ َ َ َ ْ‬
‫رصف ِمنها شيئا لغي‬ ‫هذه العبادات يجب رصفها جميعها هلل عز وجل‪ِ ،‬فإن‬
‫المّشكون الذين ُبعث‬ ‫الّشك األ ِي الذي ال يغفره هللا‪ .‬وقد كان َ‬ ‫هللا فقد وقع ف َ‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫فيهم رسول هللا ﷺ يأتون أنواعا من هذه القرب‪ ،‬حب إنهم يطعمون الحجيج‬
‫بالّشك؛ بل‬ ‫ويسقونهم‪ ،‬وييلونهم ف منازلهم‪ ،‬ويكرمونهم‪ ،‬لكنهم ُيفسدون ذلك َ‬
‫ي‬
‫لّشك‪ .‬قال هللا عز‬ ‫رإنهم َي ُح ُّجون بيت هللا‪ ،‬ويقفون ف المواقف‪ ،‬ويفسدون ذلك با َ‬
‫ُ‬
‫ْ َيَ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ا َ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫وجل‪َ ﴿ :‬وق ِد ْمنا ِإَل َما َع ِملوا ِمن عمل فجعلناه هباء منثورا﴾ [الفرقان‪.]23 :‬‬
‫ً‬
‫ً‬ ‫ا‬ ‫ََ‬
‫للنب ﷺ رجًل َشيفا من أهل مكة‪ ،‬يقال له‬ ‫ي‬ ‫عنها‬ ‫هللا‬ ‫رص‬
‫ي‬ ‫عائشة‬ ‫رت‬ ‫ِ‬‫وقد ذ‬
‫ُّ‬
‫العائ‪ ،‬وكان ينض الضعيف‪ ،‬وذكرت من‬ ‫ي‬ ‫عبد هللا بن زيد بن جدعان‪ ،‬وأنه كان َيفك‬
‫ْ‬ ‫ر َ ُ‬
‫النب ﷺ‪ «:‬ال‪ ،‬إنه ل ْم َيق ْل َي ْو ًما‪َ :‬ر ِّب اغ ِف ْر‬ ‫فضائله‪ ،‬هل نفعه ذلك عند هللا؟‪ ،‬فقال ي‬
‫َ َ ر َ َ ِّ‬
‫ين‪».‬‬ ‫ِ‬ ‫الد‬ ‫يَل خ ِطيئ يب يوم‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫فسدونها‬ ‫فالمّشكون كانوا يعملون أعماَّل االحة وقربا متنوعة‪ ،‬لكنهم ي ِ‬
‫َ‬ ‫‪ :‬ر َ‬ ‫ر ر َ ُ‬
‫"لب ْيك اللهم رلب ْيك‪ ،‬رلب ْيك ال‬ ‫حب إن أحدهم إذا خرج إَل الموسم رلب فقال‬ ‫بالّشك؛‬ ‫َ‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫ر َ ً ُ َ َ ََ َْ ُ َ َ َ‬
‫فأه رل رسول هللا ﷺ بالتوحيد قائًل‪:‬‬ ‫وما َملك"‪،‬‬ ‫َشيك لك‪ ،‬إال شيكا هو لك ملكته‬
‫ِّ َ َ َ ْ ْ َ َ‬ ‫َ ر ْ َ َّ ُ ر َ ر ْ َ َ ر ْ َ َ ََ َ َ َ َ َ ر ْ َ‬
‫شيك لك ل رب ْيك‪ِ ،‬إن ال َح ْمد‪َ ،‬والن ْع َمة‪ ،‬لك َوال ُملك‪ ،‬ال‬ ‫(لبيك َاللهم لبيك‪ ،‬لبيك ال ِ‬
‫الّشك‪.‬‬‫يك ل َك)‪ .‬فهذا هو الفرق بي التوحيد‪ ،‬وبي نقيضه وهو‪َ :‬‬ ‫ََ َ‬
‫ش‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫وتخليصه من شوائب الّشك؛ وإال‬ ‫ِ‬ ‫وقد بعث هللا المرسلي لتحقيق التوحيد‪،‬‬
‫البّشية تعرف هللا وتعبده‪ ،‬ألم تروا أن إبراهيم عليه السالم قد قال لقومه‪:‬‬ ‫فقد كانت َ‬
‫ر‬
‫ين﴾ [الزخرف‪ ،]27-26 :‬إذا قلنا إن‬ ‫د‬ ‫ه‬‫ون * إ رَّل َّالذي َف َط َرئ َفإ رن ُه َس َي ْ‬ ‫ر َ َ ِّ ر َ ْ ُ ُ َ‬
‫﴿ ِإن ِ يب براء مما تعبد‬
‫ِ ِ‬ ‫ِي ِ‬
‫ر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫االستثناء ُمت ِصل فهذا يد ُّل عىل أن قومه كانوا يعبدون هللا‪ ،‬فكان من جملة معبوداتهم‬
‫فتيأ إبراهيم عليه السالم من جميع معبوداتهم‪ ،‬واستثب رربه‬ ‫هللا سبحانه وتعاَل‪ ،‬ر‬
‫ومعبوده وهو‪ :‬هللا سبحانه وتعاَل‪.‬‬ ‫َ‬
‫ْ رَ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ‬
‫كذلك الفتية أاحاب الكهف‪ ،‬فإنهم قد قالوا ﴿ َو ِإ ِذ اعيلتموهم وما يعبدون‬
‫إ رَّل َّ َ‬
‫اَّلل﴾ [الكهف‪ ،]16:‬فهذا يدل عىل أنهم كانوا يعبدون هللا ولكنهم يعبدون معه غيه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فما كان منهم إال أن اعيلوا جميع معبوداتهم واستثنوا رب هم عز وجل‪ .‬والواقع أن أمر‬ ‫ر‬
‫الم َحال‪ ،‬ر‬ ‫وأم َح ُ‬ ‫ُّ‬
‫الظلم‪ ،‬وأقبح القبيح‪ْ ،‬‬ ‫َ‬
‫حب قال هللا تعاَل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫الّشك عظيم إذ أنه أظلم‬
‫ٌ‬ ‫ر َِّ ْ َ َ ُ ْ‬
‫عظيم﴾ [لقمان‪.]13 :‬‬ ‫الّشك لظل ٌم‬ ‫﴿ ِإن‬

‫الّشك األِي‪.‬‬ ‫العنض السادس‪ :‬مخاطر الوقوع ف َ‬


‫ي‬
‫أعظم ِم َن‬
‫َ‬ ‫ض هللا بذنب‬ ‫ع‬ ‫أعظم من التوحيد‪ ،‬وال ُ‬ ‫َ‬ ‫بحسنة‬ ‫تعاَل‬ ‫هلل‬ ‫ما ُت ُق ِّر َ‬
‫ب‬
‫ي‬ ‫ِ‬
‫الّشك األِي أمور خطية جسيمة منها‪:‬‬ ‫وييتب عىل الوقوع ف َ‬ ‫الّشك‪ ،‬ر‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ُ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫‪ :‬ر َّ َ َ َ ْ ُ َ ْ ُ َْ َ َ‬
‫ّشك ِب ِه َو َيغ ِف ُر َما دون ذ ِلك لمن‬ ‫‪ -‬عدم غفران الذنوب ﴿إن اَّلل َّل يغ ِفر أن ي‬
‫ِّ‬ ‫يشاء﴾ [النساء‪ .]48 :‬الكبائر‪ :‬كالزنا‪ ،‬والّشقة‪َ ،‬‬
‫والتوَل يوم‬‫ي‬ ‫وشب الخمور‪ ،‬والربا‪،‬‬
‫الزحف إَل غيها تحت المشيئة واإلرادة يوم القيامة‪ .‬إن شاء هللا تعاَل عفا‬
‫ر‬
‫عن ااحبها‪ ،‬وإن شاء عذبه بقدر ذنبه‪ ،‬ومآله إَل الجنة بسبب حسنة‬
‫ين منْ‬ ‫وح إ َل ْيك َوإ ََل َّالذ َ‬ ‫َََ ْ ُ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ل‬‫و‬ ‫﴿‬ ‫‪:‬‬‫ا‬‫أبد‬ ‫الّشك ال يغفره هللا‬ ‫التوحيد‪ .‬فأما َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫ش ِْ َت َل َي ْح َب َطنر‬ ‫ي َأ َْ َ‬‫َق ْبلك﴾‪ ،‬هذا ُيقال لألنبياء وعىل رأسهم محمد ﷺ‪َ ﴿ :‬ل ْ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ ْ َ ُ ْ َ ر‬ ‫َ َ‬ ‫َ َُ َ َََ ُ َ ر َ ْ َ‬
‫اشين * ب ِل اَّلل فاعبد وِن ِمن الش ِاِ ِرين﴾ [الزمر‪-65 :‬‬ ‫عملك ولتكونن ِمن ال ِ ِ‬
‫خ‬
‫الميتبة عىل‬ ‫فرد هللا بالتوحيد‪ .‬فمن اآلثار ر‬ ‫‪ .]66‬هكذا يجب أن يكون وأن ُي َ‬
‫الّشك‪ :‬عدم غفران الذنوب‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬تحريم الجنة والخلود يف النار‪ .‬قال هللا تعاَل عن عبده وكلمته وروحه‬
‫‪ :‬ر ُ َ ُ َْ ْ َّ َ َ ْ َ ر َ َّ ُ َ َ ْ ْ َ ر َ َ َ ْ َ ُ ر‬
‫النارُ‬ ‫اَّلل فقد حرم اَّلل علي ِه الجنة ومأواه‬ ‫ّشك ِب ِ‬ ‫عيس َّ ابن مريم ﴿ ِإنه من ي ِ‬
‫ر‬
‫ي من أنصار﴾ [المائدة‪ .]72 :‬إن هللا ر‬ ‫َو َما للظالم َ‬
‫حرم عىل الجنة أن يدخلها‬ ‫ِ ِِ‬
‫نفس طيبة‪ ،‬وجعل النار مأوى لهؤالء َ‬ ‫ا‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُم َ‬
‫المّشكي الذين‬ ‫ّشك‪ ،‬فال يدخلها إال‬ ‫ِ‬
‫َأشكوا معه يف ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وافاته‪.‬‬
‫َ ْ َ َ ْ َ َْ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ َّ‬ ‫‪ُ -‬‬
‫وح ِإليك و ِإَل ال ِذين ِمن قب ِلك ل ِي أشِت‬ ‫ي‬ ‫حبوط جميع األعمال‪﴿ :‬ولقد أ ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ون رن م َن ْال َخاش َ‬ ‫ََ ْ َ َ ر َ َُ َ َََ ُ َ‬
‫ين﴾ [الزمر‪ ،]65 :‬وقال تعاَل‪َ ﴿ :‬وق ِد ْمنا ِإَل‬ ‫ِ ُِ‬ ‫ِ‬ ‫ليحبطن عملك ولتك‬
‫ً‬ ‫ْ َ َ َ َ َ َ ُ ََ ا َْ‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ما ع ِملوا ِمن عمل فجعلناه هباء منثورا﴾ [الفرقان ‪.]23‬‬
‫‪:‬‬
‫‪ -‬إباحة الدم والمال‪ :‬فإنه ال عصمة إال بالتوحيد‪ ،‬قال نبينا ﷺ‪ُ « :‬أم ْر ُت أن أقاتلَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َُ‬ ‫َ ُ‬ ‫حب َيقولوا‪ :‬ال َإل َه رإَّل َّ ُ‬
‫اَّلل ‪ ،‬فإذا قالوها َعصموا ِّ‬ ‫اس ر‬ ‫ر‬
‫الن َ‬
‫دماءهم وأموالهم‬ ‫مب‬
‫ي‬ ‫َ َّ َ‬ ‫وحساب ُ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬
‫[النسائ‪.]3979 :‬‬
‫ي‬ ‫»‬ ‫عاَل‬ ‫ت‬ ‫اَّلل‬
‫ِ‬ ‫عىل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ها‪،‬‬ ‫بحق‬ ‫إَّل‬
‫الدرس الخامس من الوحدة الثانية‪ :‬اإليمان بأسمائه وصفاته‪.‬‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬ ‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬


‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من أربعة عنارص‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬حقيقة اإليمان بأسماء هللا‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬هلل يف أسمائه المثل األعىل‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫● العنض الثالث‪ :‬أسماء هللا غي محصورة‪.‬‬
‫● العنض الرابع‪ :‬أسماء هللا توقيفية‪.‬‬

‫العنض األول‪ :‬حقيقة اإليمان بأسماء هللا‪.‬‬


‫اإليمان بأسماء هللا وافاته هو‪ :‬االعتقاد الجازم بأن هللا سبحانه وتعاَل له األسماء‬
‫َ ْ َ َ ْ ََ ْ ٌ َ ُ َ ر ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫يع ال َب ِص ُي﴾ [الشورى‪.]11 :‬‬ ‫شء ۖ وهو الس ِم‬ ‫والصفات العال‪﴿ ،‬ليس ك ِمث ِل ِه ي‬ ‫الحسب‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫بمعب أن نثبت ما أثبت هللا لنفسه يف كتابه‪ ،‬أو أثبته له نبيه ﷺ يف ُسنته من‬
‫غي تحريف وال تعطيل‪ ،‬ومن غي تكييف وال تمثيل‪ .‬فالواجب علينا يف هذا الباب‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫العظيم وهذا المقام الخطي‪ ،‬أن نثبت إثباتا بال تمثيل‪ ،‬وأن ن ِّيه هللا تعاَل تيي ًها بال‬
‫تعطيل‪.‬‬
‫ا‬ ‫ر‬
‫بالنق واإلثبات‪ ،‬فتارة ُيثبت لنفسه‬ ‫ي‬ ‫إلينا‬ ‫ف‬ ‫فإن هللا سبحانه وتعاَل قد ر‬
‫تعر‬
‫َ‬ ‫ا َ‬
‫األسماء الحسب والصفات العال‪ ،‬وتارة ُي ِّيه نفسه عن ِسمات المحدثي‪ ،‬وافات‬
‫المخلوقي من‪ :‬العيب والنقص ومماثلة المخلوقي‪.‬‬
‫َْ‬ ‫َّ ُ ر َ ُ‬ ‫‪ٌ َ َ ُ َّ َ ُ ْ ُ :‬‬
‫تأملوا يف قول هللا تعاَل ﴿قل هو اَّلل أحد * اَّلل الصمد﴾ هاتان إثبات‪﴿ ،‬لم‬
‫وف قول هللا تعاَل‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫نق‬ ‫هذا‬ ‫]‬ ‫‪4‬‬ ‫‪:‬‬‫‪1‬‬ ‫‪:‬‬‫[اإلخالص‬ ‫﴾‬ ‫أحد‬ ‫ا‬‫و‬‫ول ْد * َو َل ْم َي ُك ْن َل ُه ُك ُف ً‬
‫َ ْ ََْ ُ َ‬
‫ي ِلد ولم ي‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َي َْ ي‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وم﴾ إثبات‪َّ﴿ ،‬ل تأخذ ُه ِسنة َوَّل ن ْو ٌم﴾‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ج الق ُّي ُ‬ ‫ْ‬
‫نق وإثبات‪﴿ ،‬ال َ ُّ‬ ‫اَّلل ََّل إل ٰ َه إَّل ُه َو﴾ ٌ‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫﴿ َّ ُ‬
‫َ ْ َ ُ َْ ُ ر ْ‬ ‫َ ْ َ َّ‬ ‫ي‬ ‫َْ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض﴾ إثبات‪﴿ ،‬من ذا ال ِذي يشفع ِعنده ِإَّل ِب ِإذ ِن ِه﴾‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫األ‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ات‬ ‫او‬ ‫نق‪َ ﴿ ،‬ل ُه َما ف ر‬
‫الس َم َ‬
‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫ي‬
‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َْ َ َْ ْ َ َ َ ْ َ‬
‫نق‪ ،‬أي ال أحد يشفع عنده إال بإذنه‪﴿ ،‬يعلم ما بي أي ِد ِيهم وما خلفهم﴾ إثبات‪﴿ ،‬وَّل‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ َ ُ ْ ُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ر َ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُي ِحيطون ب َ ْ‬
‫ات واألرض﴾‬ ‫نق‪﴿ ،‬و ِسع كر ِسيه السماو ِ‬ ‫﴾‬ ‫اء‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫َّل‬‫إ‬‫ِ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ء‬‫س‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ْ ي َ ُّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ َ َي ُ ُ ُ ْ ُ‬
‫نق‪﴿ ،‬وهو الع ِ يىل الع ِظيم ﴾ إثبات[البقرة‪.]255 :‬‬ ‫إثبات‪﴿ ،‬وَّل يئوده ِحفظهما﴾ ي‬
‫النق واإلثبات‪ ،‬فلربنا سبحانه وبحمده‬ ‫ي‬ ‫بهذا يتم العلم باهلل بالجمع بي‬
‫األسماء الحسب‪ ،‬ويجب أن نعلم أن أسماء هللا تعاَل قد َس رَّم بها نفسه منذ األزل‪،‬‬
‫الجهمية من أن الناس؛ ااطنعوا له أسماء وأطلقوها عليه‪ ،‬تعاَل هللا‬ ‫ال كما يدعيه َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ ْ ُ ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫علوا ً‬ ‫عن ذلك ً‬
‫َّلل األسماء الحسب فادعوه ِبها﴾‬ ‫كبيا‪ .‬فقد قال سبحانه يف كتابه‪﴿ :‬و ِ ِ‬
‫ُ َٓ َ َ ر ُ َُ َْ ٓ ْ‬
‫ٱهلل ال ِإل ٰ ه ِإَّل ه َو له ٱأل ْس َما ُء ٱل ُح ْس َ ٰب﴾[ طه‪،]8 :‬‬ ‫[األعراف‪ ،]180 :‬وقال يف سورة طه‪﴿ :‬‬
‫ْ‬ ‫َُ َْ‬
‫[الحّش‪ .]24 :‬فيجب أن نعتقد أن‬ ‫َ‬ ‫الحّش‪﴿ :‬له األ ْس َم ُاء ال ُح ْس َ ٰب﴾‬ ‫َ‬ ‫وقال يف آخر سورة‬
‫هلل هذه األسماء‪.‬‬

‫الثائ‪ :‬هلل يف أسمائه المثل األعىل‪.‬‬


‫العنض ي‬
‫َّ‬ ‫ر‬ ‫ومما ينبع أن نعلمه ف هذا المقام َ‬
‫الّشيف‪ ،‬أن أسماء هللا تعاَل كلها قد بلغت‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وه من‬ ‫يف الحسن غايتها؛ كما يدل عليه لفظ (حسب)‪ ،‬فإن (حسب) بمعب فعىل‪ ،‬ي‬
‫ايغ المبالغة‪ .‬فاهلل تعاَل له من كل اسم الواف األعىل والمثل األعىل‪ ،‬يقول هللا‬
‫َْ‬ ‫َْ‬
‫ىل﴾ [الروم‪ ،]27 :‬أي‬ ‫ىل﴾ [النحل‪َ ﴿ ،]60 :‬و َل ُه ْال َم َث ُل األ ْع َ ٰ‬ ‫َّلل ْال َم َث ُل األ ْع َ ٰ‬ ‫َ َّ‬
‫عز وجل‪﴿ :‬و ِ ِ‬
‫ُ‬
‫الواف الكامل‪ ،‬فله من السمع أعاله‪ ،‬وله من البض أعاله‪ ،‬وله من العلم أكمله‪ ،‬هذا‬
‫معب أن هللا تعاَل له األسماء الحسب‪ .‬فاهلل تعاَل سميع والعبد سميع‪ ،‬وهللا تعاَل‬
‫ْ‬ ‫َ ا‬
‫ش ٰى ِب َع ْب ِد ِه ل ْيًل ِّم َن ال َم ْس ِج ِد‬ ‫ان َّال ِذي َأ ْ َ‬ ‫ُ ْ َ َ‬
‫بصي والعبد بصي‪ ،‬قال هللا تعاَل‪﴿ :‬سبح‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ ََْ َ َُْ ُ َُ ْ َ َ رُ ُ‬ ‫ْ َ ْ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ ْ‬
‫الحر ِام ِإَل المس ِج ِد األقض ال ِذي بارِنا حوله ِل ِييه ِمن آي ِاتنا ِإنه هو الس ِميع الب ِصي﴾‬
‫[اإلشاء‪.]1 :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ان من ن ْطفة أ ْم َشاج ن ْب َتليه ف َج َعل َن ُاه َسم ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ً‬
‫يعا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫نس‬ ‫اإل‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫﴿‬ ‫‪:‬‬‫ا‬ ‫أيض‬ ‫وقال‬
‫ْ ٌ َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫كبصي‪ ،‬وال سمع كسمع‪ ،‬وال‬ ‫بصي َ‬ ‫ٌ‬ ‫سميع كسميع‪ ،‬وال‬ ‫ٌ‬ ‫َب ِص ًيا﴾ [اإلنسان‪ .]2:‬لكن ليس‬
‫فس ْم ُع هللا تعاَل ُمحيط بكل األاوات‪ ،‬وسمع المخلوق محدود بما‬ ‫ض َكبض‪َ .‬‬ ‫َب َ ٌ‬
‫رص هللا عنها‪" :‬الحمد هلل الذي وسع سمعه األاوات‪ ،‬لقد‬ ‫حوله‪ .‬تقول عائشة ي‬
‫عىل بعض كالمها‪،‬‬ ‫لق جانب الدار يخق ي‬ ‫وإئ ي‬ ‫المجادلة تجادل رسول هللا ﷺ ي‬ ‫ِ‬ ‫جاءت‬
‫وقد سمعها هللا من فوق سبعة أرقعة"‪.‬‬
‫كذلك البض‪ ،‬هو سبحانه وتعاَل يرى ويسمع دبيب النملة السوداء عىل‬
‫ُ‬ ‫َّ ْ‬
‫الصخرة الصماء يف الليلة الظلماء‪ ،‬وأحدنا ال ُيبض إال ما حوله‪ ،‬وال يرى ما َوراء‬
‫نفذ إَل كل َ‬ ‫رُ َ ُ‬ ‫الجدران إَل غي ذلك‪ .‬رأما َب َ ُ‬ ‫ُ‬
‫شء‪ ،‬فهذا‬ ‫ي‬ ‫ض الرب سبحانه وتعاَل‪ ،‬فإنه ي‬
‫غايت ُه"‪.‬‬
‫َ‬ ‫قد َب َل َغ ْت ف ُ‬
‫الح ْس ِن‬
‫ْ‬
‫تعاَل‪،‬‬ ‫هللا‬ ‫أسماء‬
‫ر‬
‫"إن‬ ‫معب قولنا‪:‬‬
‫ي‬
‫علما؛ َع ِل َم ما كان‪ ،‬وما يكون‪ ،‬وما سوف‬ ‫هللا تعاَل عليم قد أحاط بكل َشء ً‬
‫ي‬
‫يكون‪ ،‬وما لم يكن‪ ،‬كيف لو كان يكون!!‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وتيت ْم ِم ْن ال ِعل ِم ِإال ق ِليًل﴾ [اإلشاء‪ ،]85 :‬رلما‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫وأما علم المخلوق فمحدود‪َ ﴿ :‬و َ‬ ‫ر‬
‫ركب موش والخض السفينة‪ ،‬جاء عصفور فوقع عىل حرف السفينة فنقر يف ماء‬
‫ص‬‫العصفور َن َق َ‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ ُ‬
‫البحر نقرة أو نقرتي فقال الخض لموش‪َ " :‬ما تظن يا ُموش أن هذا‬
‫ْ‬ ‫ر ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫من ماء البحر؟ قال‪َ :‬‬
‫وعل َمك‬ ‫عس أن ينقص من ماء البحر! فقال‪ :‬فإن ِع ِ ي ِ‬
‫َّم‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫وما َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫الب ْحر"‪ .‬وعىل هذا‬ ‫العصفور من ماء َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ص هذا‬ ‫جميعا ف علم هللا‪ ،‬كما نق َ‬
‫ي ِ‬
‫ً‬ ‫وعلم الناس‬ ‫ِ‬
‫ِقس جميع أسماء هللا الحسب‪.‬‬

‫العنض الثالث‪ :‬أسماء هللا غي محصورة‪.‬‬


‫ر‬ ‫ً‬
‫ينبع أن نعلمه أيضا يف هذا المقام‪ ،‬أن أسماء هللا تعاَل غي محصورة بعدد‬ ‫مما ي‬
‫ا‬ ‫َّ‬ ‫ر‬
‫معي‪ .‬قد ورد ف الحديث الصحيح أن النب ﷺ قد قال‪« :‬إن َّلل ت ْس َعة وت ْسع َ‬
‫ي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َا ر ي‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ري َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ ً‬
‫واحدا‪ ،‬من أحصاها دخل الجنة »[البخاري‪. ]2736 :‬ظن بعض الناس أن‬ ‫اسما‪ِ ،‬مائة إَّل ِ‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ٌ‬
‫هذا نوع من الحض‪ ،‬وليس كذلك؛ وإنما المراد أن هلل تسعة وتسعي اسما من توال‬
‫ر‬ ‫بأن ليس له أسما َء َ‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫غيها؛ فإن‬ ‫يقض‬
‫َُ ي‬ ‫ال‬ ‫وهذا‬ ‫‪.‬‬ ‫الجنة‬ ‫بذلك‬ ‫ينال‬ ‫ه‬ ‫فإن‬ ‫إحصائها‬
‫ِ‬ ‫إَل‬
‫َ‬
‫بكل اسم هو لك‪َ ،‬س رميت به‬ ‫رسول هللا ﷺ قد قال ف حديث الكرب‪« :‬أسألك ِّ‬
‫ي‬
‫َْ َ‬ ‫ً‬ ‫َّ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْنف َ‬
‫الغيب‬
‫ِ‬ ‫علم‬
‫ِ‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫به‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫استأث‬ ‫أو‬ ‫ك‬‫خلق‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫أحد‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫عل‬ ‫أو‬ ‫ك‪،‬‬ ‫كتاب‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫لت‬‫أنز‬ ‫أو‬ ‫ك‪،‬‬‫س‬
‫َ‬
‫عندك» [رواه أحمد‪.]3712 :‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َْ‬
‫أعل َم بعض عباده شيئا من أسمائه لم َي ْعل ْم بها‬ ‫فدل ذلك عىل أن هللا ربما‬ ‫ر‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫أحدا‪.‬‬ ‫طلع عليها‬‫آخرون‪ ،‬ربما استأثر هللا تعاَل ببعض األسماء لم ي ِ‬
‫ا‬ ‫ر َّ‬
‫َّلل ِت ْس َعة‬ ‫ّ‬
‫النب ﷺ‪« :‬إن ِ ِ‬ ‫قول ي‬ ‫فأسماء هللا تعاَل غي محصورة بعدد‪،‬؛وإنما‬
‫الجنة »[البخاري‪ ،]2736 :‬من جنس‬
‫َ َ َ َ رَ‬
‫أحصاها دخل‬ ‫ي ْاس ًما‪ ،‬م َائ اة رإَّل واح ًدا‪َ ،‬من ْ‬
‫وت ْسع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ر‬
‫يعب عدم‬ ‫قول أحدنا‪" :‬إن عندي مائة دينار قد أعددتها للنفقة أو للصدقة"‪ ،‬هذا ال ي‬
‫وجود مال له ِسواها‪.‬‬

‫العنض الرابع‪ :‬أسماء هللا توقيفية‪.‬‬


‫ر‬ ‫أيضا مما ُي ر‬‫ً‬
‫قرر يف باب قواعد األسماء‪ ،‬أن أسماء هللا تعاَل توقيفية ال مجال‬
‫سَّم هللا تعاَل بغي ما سَّم به نفسه‪ ،‬كما يفعل‬ ‫ي‬ ‫للعقل فيها؛ أي أنه ليس ألحد أن ُ‬
‫ي‬
‫الفالسفة حينما يقولون‪ :‬العلة الفاعلة‪ ،‬أو المتكلمون حينما يقولون‪ :‬واجب الوجود‪،‬‬
‫فيقال‪ :‬بل أسماء هللا تعاَل توقيفية‪ ،‬نقف فيها‬ ‫أو غيهم ممن يصطنعوا له أسماء‪ُ .‬‬
‫عند موارد النصوص‪ ،‬ال نزيد فيها وال ننقص‪.‬‬
‫ر‬ ‫اسما لم ُي َس ِّم به َ‬ ‫فال يجوز ألحد أن ُيضيف إَل هللا ً‬
‫نفسه‪ ،‬فإن هللا أعلم بنفسه‬
‫ً‬
‫وبغيه‪ ،‬وأادق ِقيال وأحسن حديثا من خلقه؛ فوجب االقتصار عىل ذلك وعدم‬
‫وينسبها إَل هللا عز‬ ‫َ‬ ‫فرض أسماء من تلقاء نفسه‬ ‫الخروج عنه‪ ،‬وليس للعقل أن َ‬
‫ي‬
‫ِ‬
‫فإن هذا من القول عىل هللا بغي علم‪ ،‬وقد قال سبحانه‪ُ ﴿ :‬ق ْل إ رن َما َح رر َم َر ِّئَ‬ ‫ر‬
‫وجل‪،‬‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫اهلل َما ل ْم ُيي ْل‬ ‫ّشكوا ِب ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ع بغ ْي ال َح ِّق َوأن ت َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش َما ظ َه َر ِمن َها َو َما َب َط َن َواإلث َم َوال َب َ‬ ‫ْال َف َو ِاح َ‬
‫ِ‬ ‫ي ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َْ ً ََ َُ ُ ََ‬
‫َ َ ََُْ َ‬
‫هللا ما َّل تعلمون﴾ [األعراف‪.]33 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ىل‬ ‫ِب ِه سلطانا وأن تقولوا ع‬
‫ْ‬ ‫اسما هلل لم ُي َس ِّم به َ‬ ‫فمن رادىع ً‬
‫نفسه فقد قال عىل هللا بغي ِعلم‪ ،‬وقد قال‬
‫ْ ٌ ر ر ْ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ َ ُ ُّ ُ ْ َ َ‬ ‫‪َ َ َ َْ َ ُ َْ َ :‬‬
‫س لك ِب ِه ِعلم ِإن السمع والبض والفؤاد كل أول ِئك‬ ‫سبحانه وتعاَل ﴿وال تقف ما لي‬
‫ُ ا‬ ‫َ َ ُْ‬
‫كان َعنه َم ْسئوَّل﴾ [اإلشاء‪.]36 :‬‬
‫الدرس السادس من الوحدة الثانية‪ :‬أقسام صفات هللا‪.‬‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬


‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬
‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من ستة عنارص‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬أقسام افات هللا عز وجل‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬افة الكالم‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫● العنض الثالث‪ :‬افة االستواء‪.‬‬
‫● العنض الرابع‪ :‬افة المحبة‪.‬‬
‫● العنض الخامس‪ :‬افة الفرف‪.‬‬
‫● العنض السادس‪ :‬موقفنا من األسماء والصفات‪.‬‬

‫العنض األول‪ :‬أقسام افات هللا عز وجل‪.‬‬


‫ا‬
‫الزال الحديث متصًل عن اإليمان بأسماء هللا وافاته‪ ،‬وافات هللا تعاَل‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ذلك أنه تعاَل قد واف نفسه بالصفات الحسب؛ كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬من كان ُي ِريد‬
‫ب‬‫يعا﴾ [فاطر‪ ،]10 :‬والعزة واف‪ ،‬وكما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َرُّب َك ْال َغ ِ ُّ‬ ‫لِلَف ْالع رز ُة َجم ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ر َ َ َّ‬
‫ال ِعزة ِ‬
‫ي‬
‫ر‬
‫الر ْح َم ِة﴾ [األنعام‪ ،]133 :‬والرحمة واف‪ ،‬كما أن أفعاله سبحانه وتعاَل تدل عىل‬ ‫ُذو ر‬
‫ّش﴾ [البقرة‪]185:‬‬
‫اَّلل ب ُك ُم ُ‬
‫الي ْ َ‬ ‫وج َاء ّرب َك﴾ [الفجر‪ُ ﴿ ]22:‬ير ُيد َّ ُ‬
‫قيام الصفات به كقوله‪َ ﴿ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المجء وتدل عىل إثبات اإلرادة‪ ،‬وهكذا يف جميع‬ ‫ي‬ ‫ونحو هذا‪ ،‬فإنها تدل عىل إثبات‬
‫أفعاله سبحانه‪.‬‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وينبع أن ن ْعلم أن افات هللا تعاَل تنقسم إَل قسمي رئيسيي‪ :‬افات ذاتية‪،‬‬ ‫ي‬
‫وافات فعلية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الب ال ُيتصور خلو الرب‬ ‫ر‬
‫فه المالزمة لذاته سبحانه‪ ،‬ي‬ ‫‪ -‬فأما افاته الذاتية‪ :‬ي‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫كصفات‪ :‬العلم والقدرة والسمع والبض والحياة واإلرادة‬ ‫منها‪ ،‬وانفكاِها عنه ِ‬
‫ه مالزمة لذاته سبحانه‪ .‬وال يمكن أن‬ ‫ر‬
‫الب ي‬‫والكالم‪ ،‬ونحو ذلك من الصفات ي‬
‫يخلو الرب منها يف حال دون حال‪.‬‬
‫ر‬
‫فه المتعلقة بمشيئته وحكمته‪ ،‬بمعب أن هللا تعاَل‬ ‫‪ -‬وأما الصفات الفعلية‪ :‬ي‬
‫مب شاء كيف شاء إذا شاء‪ ،‬بما تقتضيه حكمته‪ ،‬وهللا سبحانه‬ ‫ريتصف بها ر‬
‫مب‬ ‫فعال لما يريد كما أخي عن نفسه‪ ،‬فله سبحانه أن يفعل ما شاء ر‬ ‫وتعاَل ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وج َاء ّربك والملك َافا َافا﴾ [الفجر‪]22:‬؛‬ ‫ونمثل لذلك بقول هللا تعاَل‪َ ﴿ :‬‬ ‫شاء‪،‬‬
‫ر‬
‫مجء يكون يوم القيامة لفصل القضاء بي العباد؛ بمعب أنه‬ ‫ي‬ ‫ء‬‫المج‬ ‫هذا‬ ‫فإن‬
‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫‪َ .‬‬ ‫ير‬
‫مشيئته يوم القيامة فدل عىل اتصاف هللا تعاَل‬ ‫ِ‬ ‫بعد لم يقع وإنما يقع حسب‬
‫ً‬
‫بهذا الواف اتصافا يليق بجالله‪ ،‬وال يجوز بحال من األحوال تحريف هذه‬
‫الصفة إَل مجء أمره أو مجء مالئكته‪ ،‬فإن هللا قد قال ف ذات اآلية‪َ ﴿ :‬‬
‫وج َاء‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ُّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫السماء الدنيا ‪ ،‬حي‬
‫ِ‬ ‫إَل‬ ‫ليلة‬ ‫ر‬
‫كل‬ ‫نا‬ ‫رب‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫يي‬ ‫«‬ ‫ﷺ‪:‬‬ ‫النب‬
‫ي‬ ‫قول‬ ‫وكذا‬ ‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫ك‬ ‫ّربك والمل‬
‫ر‬ ‫ثلث الليل اآلخر »[البخاري‪ ،7494 :‬ومسلم‪ ،]785 :‬ر‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫فدل عىل أن ِمن افاته‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يبق‬
‫ر‬
‫الفعلية المتعلقة بمشيئته افة اليول‪ ،‬حب بلغت األحاديث فيها مبلغ‬
‫َّ‬
‫وع من أنواع النقص أو مماثلة‬ ‫ٍ‬ ‫ن‬ ‫أي‬ ‫منه‬ ‫يلزم‬ ‫ال‬ ‫به‬ ‫يليق‬ ‫نزول‬ ‫تعاَل‬ ‫لِلَف‬‫التواتر‪ِ ،‬‬
‫شء‪.‬‬ ‫َ‬
‫كمثله ي‬
‫َ‬
‫المخلوقي‪ ،‬وكل ما خطر ببالك فاهلل ليس كذلك‪ ،‬فاهلل تعاَل ليس‬
‫فالصفات المتعلقة بمشيئته سبحانه يقال عنها‪ :‬افات فعلية‪ ،‬وث رم من‬
‫عىل باعتبار‪.‬‬ ‫ف‬ ‫أو‬ ‫باعتبار‬ ‫ذائ‬‫الصفات ما ُيقال عنه رإنه ر‬
‫ِ ي‬ ‫ي‬
‫الثائ‪ :‬افة الكالم‪.‬‬ ‫العنض ي‬
‫ر‬
‫إن افة الكالم يقال عنها‪ :‬قديمة النوع حادثة اآلحاد؛ أي بمعب أن هللا تعاَل‬
‫مب شاء كيف شاء‪ .‬دليل ذلك‬ ‫متكلما يتكلم ر‬ ‫ً‬ ‫تكلما منذ األزل وال يزال سبحانه‬ ‫لم يزل ُم ً‬
‫دل ذلك‬‫يقات َنا َو َك َّل َم ُه َرُّب ُه﴾ [األعراف‪ ،]143 :‬ف ر‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ل‬ ‫ٰ‬
‫وش‬‫أن هللا تعاَل قد قال‪َ ﴿ :‬و َل رما َج َاء ُم َ‬
‫ِِ ِ‬
‫ُ ُ‬
‫عرئ قح تتىل عليه هذه اآلية أن‬ ‫ي‬ ‫المجء‪ ،‬هكذا يفهم كل‬ ‫ي‬ ‫عىل أن الكالم وقع بعد‬
‫المجء‪ .‬فقد كلم هللا موش عند جبل الطوركما أخي عن نفسه بكالم‬ ‫ي‬ ‫الكالم وقع بعد‬
‫حقيق يليق بجالله وعظمته ال يماثل كالم المخلوقي‪.‬‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫فيقال عن مثل هذه الصفات‪ :‬إنها ذاتية باعتبار‪ ،‬ر‬
‫فعلية باعتبار؛ أي ذاتية من‬
‫حيث أال اتصاف الرب بها‪ ،‬و ِفعلية من حيث تجدد آحادها وأفرادها‪.‬‬

‫العنض الثالث‪ :‬افة االستواء‪.‬‬


‫ر‬
‫لقد أخي هللا يف سبعة مواضع من كتابه بأنه استوى عىل العرش‪ ،‬قال يف ستة‬
‫ش‬ ‫ر‬ ‫الر ْح َم ُن َع َىل َ‬
‫الع ْ‬ ‫الع ْرش﴾ [األعراف‪ .]54:‬وقال ف موضع‪ ﴿ :‬ر‬ ‫منها‪ُ ﴿ :‬ث رم ْاس َت َوى َع َىل َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ْاست َوى﴾ [طه‪ ،]5:‬ومعب استوى أي‪ :‬عال علوا يليق بجالله وعظمته‪ ،‬فيجب أن يثبت‬
‫ًّ‬
‫ٌ‬ ‫ر‬
‫نوع من‬ ‫ٍ‬ ‫بأي‬ ‫النصوص‬ ‫هذه‬ ‫عىل‬ ‫أحد‬ ‫يتجب‬ ‫وأَّل‬ ‫هلل سبحانه وتعاَل ما أثبت لنفسه‪،‬‬
‫أنواع الجنايات سواء كانت من جهة المبالغة يف اإلثبات‪ :‬كالتمثيل والتكييف؛ أو من‬
‫الوسط الذي كان عليه سلف هذه‬ ‫جهة التييه‪ :‬كالتحريف والتعطيل‪ .‬بل يلزم طريق َ‬
‫األمة من‪ :‬إثبات بال تمثيل‪ ،‬وتييه بال تعطيل‪.‬‬
‫ر‬ ‫فال يجوز أن ُي ِّ‬
‫كيف امرؤ افة االستواء بقوله‪ :‬كذا وكذا وكذا‪ .‬فإن العقل ال‬
‫كيف افات رب العالمي‪ ،‬كما أنه ال يجوز يف الجانب المقابل‬ ‫ُيحيط وال ُيطيق أن ُي ِّ‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫تشبيهه بالمخلوقي‬ ‫أن تنق هذه الصفة لدعوة يدعيها ُمد ٍع من أن ذلك يلزم منه‬
‫ش ٌء﴾ [الشورى‪:‬‬ ‫س َك ِم ْث ِل ِه ََ ْ‬‫فإن هذا ليس بالزم‪ .‬فقد أخي هللا تعاَل عن نفسه بأن‪َ ﴿ :‬ل ْي َ‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫َ ُ َ ر ُ ْ‬
‫ر‬
‫يع ال َب ِص ُي﴾ [الشورى‪ ،]11 :‬فكأن مجموع الجملتي يأمر‬ ‫‪ ،]11‬وقال إثرها‪﴿ :‬وهو الس ِم‬
‫َ‬
‫بها العباد أن ُي ِثبتوا ما أثبت لنفسه من سمع أو بض أو غي ذلك عىل وجه ال يماثل‬
‫سَّم وهذا أمر سائغ بي‬ ‫الم ر‬‫المخلوقي؛ فإن االتفاق ف االسم ال يلزم منه االتفاق ف ُ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫المخلوقات‪ ،‬فإن من المخلوقات ما يكون لها يد‪ ،‬ولكنها ال تشبه يد مخلوق آخر مع‬
‫االتفاق يف االسم‪.‬‬
‫وكذلك الصفات األخرى من الصفات الفعلية والمعنوية ال يلزم من االتفاق يف‬
‫سَّم‪ ،‬فإذا كان هذا التفاوت بي المخلوقات نفسها فكيف بي‬ ‫الم ر‬ ‫االسم االتفاق ف ُ‬
‫ي‬
‫الخالق والمخلوق؟!‬
‫العنض الرابع‪ :‬افة المحبة‪.‬‬
‫ين‬ ‫اَّلل ُيح ُّب َّالذ َ‬ ‫محبة حقيقية‪ ،‬فقال سبحانه‪﴿ :‬إ رن َّ َ‬ ‫ا‬ ‫لقد أثبت هللا لنفسه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وص﴾ [الصف‪ ،]4:‬وقال سبحانه‪﴿ :‬إ رن َّ َ‬ ‫ان رم ْر ُا ٌ‬ ‫َ ًّ َ َ ر ُ ُ ْ َ ٌ‬ ‫ون ف َ‬ ‫َُ ُ َ‬
‫اَّلل‬ ‫ِ‬ ‫ي‬‫ن‬‫ب‬ ‫م‬‫ه‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ك‬ ‫ا‬ ‫ف‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫يق ِاتل ِ ي ِ ِ ِ‬
‫يل‬ ‫ب‬‫س‬
‫ي﴾ [الحجرات‪ ،]9 :‬وقال‪:‬‬ ‫ب ْال ُم ْقسط َ‬ ‫ي﴾ [البقرة‪﴿ ،]195 :‬إ رن َّ َ‬
‫اَّلل ُيح ُّ‬ ‫ُيح ُّب ْال ُم ْحسن َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ْ َ َ ْ ر َّ ُ َ ْ ُ ُّ ُ ْ َ ُ ِ ُّ َُ‬
‫﴿فسوف يأ ِ يئ اَّلل ِبقوم ي ِحبهم وي ِحبونه﴾ [المائدة‪.]54 :‬‬
‫الّشيف اللطيف‪ ،‬وهو‬ ‫فن ْثبت هلل تعاَل ما أثبت لنفسه من هذا الواف َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫المحبة عىل وجه ال يلزم منه الزم من لوازم المخلوقي‪ .‬فإذا كانت محبة المخلوق‬
‫الخالق فليس كمثله َ‬ ‫ُ‬ ‫وانعطاف فهذا يتعلق بالمخلوق؛ ر‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫شء‪ ،‬فإذا كانت‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫أم‬ ‫رقة‬ ‫فيها‬
‫وه‬ ‫البغض ي‬ ‫فصفاته ال تشبه الصفات‪ .‬وكذلك افة‬ ‫ذاته سبحانه ال تشبه الذوات‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫ًْ‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ضد المحبة‪ ،‬فإن هللا تعاَل قد أضافها إَل نفسه‪ ،‬قال هللا عز وجل‪﴿ :‬ك ُ َي َمقتا ِعند‬
‫ون﴾ [الصف‪ ،]3 :‬والمقت هو‪ :‬أشد البغض‪ .‬وقال‪َ ﴿ :‬ف َلمار‬ ‫َّ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫اَّلل أن تقولوا ما َّل تفعل‬ ‫ِ‬
‫ََ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َءاسفونا﴾ [الزخرف‪ ]55 :‬أي‪ :‬أغضبونا ﴿انتق ْمنا ِمن ُه ْم﴾ [الزخرف‪ ،]55 :‬فدل ذلك عىل أن‬
‫هللا سبحانه وتعاَل يبغض أعداءه ويغضب عليهم‪.‬‬
‫دا ف َيها َو َغض َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ ْ ً ُ َ َ ِّ ً َ َ َ ُ ُ َ َ ر ُ َ ً‬ ‫ً‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫قال تعاَل َأيضا‪﴿ :‬ومن يقتل مؤ ِمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خ ِال ِ‬
‫يما﴾ [النساء‪ِ .]93 :‬لِلَف تعاَل بغض وغضب يليق‬
‫َّ‬ ‫اَّلل َع َل ْيه َو َل َع َن ُه َوأ َع رد َل ُه َع َذ ًابا َعظ ً‬
‫َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫به سبحانه ال يماثل بغض وغضب المخلوقي‪ .‬فكما نثبت هلل ذاتا ال تشبه الذوات‪،‬‬
‫فإنا ُنثبت له افات ال تشبه الصفات وال يلزم عليها َشء من اللوازم َ‬
‫البّشية‪.‬‬
‫ر‬
‫ي‬
‫العنض الخامس‪ :‬افة الفرف‪.‬‬
‫حا ب َت ْوبة َع ْبده حي ُيتوبُ‬ ‫َّ َ ُّ َ َ ً‬
‫َ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫الحديث الصحيح‪َّ« :‬لل أشد فر ِ ِ‬ ‫َ‬
‫النب ﷺ يف‬ ‫أخي ُ ي‬ ‫ْ َ‬
‫ُ‬
‫وش ُابه فأيسَ‬ ‫ُ‬
‫طعامه َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِْ‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫وعل‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫فلتت‬ ‫فان‬ ‫‪،‬‬ ‫فالة‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫ب‬
‫ِ ِ ِ ِ ِّ ٍ‬ ‫ه‬ ‫ت‬‫ل‬ ‫اح‬
‫ر‬ ‫ىل‬ ‫ع‬ ‫ان‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ك‬‫د‬ ‫ِ‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِإ ِ ِ‬
‫يه‬‫ل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س م ْن َراحلته‪ ،‬ف َب ْينما َ‬ ‫َ‬
‫فاض َط َج َع ف ِظل َها‪ ،‬وقد أي َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْن َها‪ ،‬فأ رئ َش َ‬
‫هو كذ ِلك ِإذ ه َو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫رة‬ ‫ج‬ ‫ِ‬
‫َ ُّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ال من شدة الفرف‪ :‬الله رم أنت ْ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ر َ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عب ِدي وأنا ربك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫خطامها ثم ق ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِبها ق ِائمة ِعنده‪ ،‬فأخذ ِب‬
‫َْ َ َ ْ ر‬
‫أخطأ ِمن ِشد ِة الفرف »[مسلم‪ ،4927 :‬البخاري‪.]6308 :‬‬
‫ً‬
‫وفرحا للخالق‪ ،‬وهو الذي أنزل هللا عليه‪:‬‬ ‫فأثبت رسول هللا ﷺ ً‬
‫فرحا للمخلوق‬
‫ُ‬
‫شء﴾ [الشورى‪ .]11 :‬فحاال ذلك أن نثبت هلل ما أثبت لنفسه‪ ،‬من هذا‬ ‫س كم ْثله َ‬‫َ‬ ‫ي‬‫﴿ َل ْ‬
‫ي‬ ‫ِ ِ‬
‫الّشيف الودود وهو واف الفرف‪ ،‬عىل وجه يليق به ال يماثل فرف‬ ‫الواف َ‬
‫ر َ‬ ‫ر‬
‫المخلوقي؛ فإن فرف المخلوق قد ُيصاحبه ِخفة وطيش ونحو ذلك؛ رأما فرف الخالق‬
‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ُ َرٌ‬
‫فميأ وميه عن جميع هذه اللوازم‪.‬‬

‫العنض السادس‪ :‬موقفنا من األسماء والصفات‪.‬‬


‫َ ُ‬ ‫ر‬
‫هو ل ُزوم ما كان عليه السلف‬ ‫والم ْه َي َع الرشيد‪،‬‬
‫فإن الطريق السليم َ‬ ‫وبالجملة‬
‫الصالح من الصحابة‪ ،‬والتابعي‪ ،‬وتابعيهم بإحسان إَل يومنا هذا‪ ،‬من االعتصام‬
‫ُّ ر‬
‫والسنة وإجر ِائها عىل ظواهرها الالئقة باهلل عز وجل‪ ،‬وعدم‬ ‫بنصوص الكتاب‬
‫بسء من التحريف أو التعطيل أو‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بس رء من التمثيل ٌأو التكييف‪ ،‬أو ي‬ ‫التعرض لها ي‬
‫مدع أننا ال نعلم‬ ‫يدىع ٍ‬ ‫ي‬ ‫التجهيل؛ وذلك أن التجهيل نوع من أنواع التعطيل‪ ،‬وهو أن‬
‫ً‬ ‫ون ِّ‬ ‫ُ‬
‫سَّم فعله هذا تفويضا‪ ،‬والواقع أنه ليس‬ ‫ي‬ ‫معب ما أخي هللا تعاَل عن نفسه‪،‬‬
‫ُّ‬
‫بتفويض‪ ،‬فإن هللا سبحانه وتعاَل أنزل كتابه وأمر بتعقله وإدراك معانيه‪ ،‬فقال‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ٌ َْ َْ َ ُ َ‬
‫يستي هللا شيئا‬ ‫ِ‬ ‫سبحانه‪ِ ﴿ :‬كتاب أنزلناه ِإليك مبارك ِليدبروا آي ِات ِه﴾ [ص‪ .]29 :‬لم‬
‫ً‬ ‫ر َ ْ َ ْ َ ُ ُ ْ ً َ َ ًّ َ َ َّ ُ ْ َ ْ ُ َ‬
‫يستثب شيئا من‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫دون‬ ‫]‬ ‫‪2‬‬ ‫‪:‬‬‫[يوسف‬ ‫﴾‬ ‫ون‬ ‫وقال‪ِ ﴿ :‬إنا أنزلناه قرآنا عر ِبيا لعلكم تع ِقل‬
‫َ‬ ‫ر َ َ ْ َ ُ ُ ْ ً َ َ ًّ َّ َ َّ ُ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫ُّ‬
‫يستي‬
‫ََْ ُ ِ‬ ‫لم‬ ‫]‬ ‫‪3‬‬ ‫‪:‬‬‫[الزخرف‬ ‫﴾‬ ‫ون‬ ‫ل‬‫ق‬‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫آن‬‫ر‬ ‫ق‬ ‫اه‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫﴿‬ ‫‪:‬‬ ‫سبحانه‬ ‫وقال‬ ‫ل‪،‬‬ ‫التعق‬
‫َ‬ ‫َ َ َِ َ َ ر ُ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َ ُ ُ‬ ‫ً‬
‫شيئا‪ ،‬بل نع عىل من لم يتدبر وقال‪﴿ :‬أفال يتدبرون القرآن أم عىل قلوب أقفالها﴾‬
‫َْ‬ ‫َََ ر‬
‫[محمد‪ ،]24 :‬وقال‪﴿ :‬أفل ْم َيد رب ُروا الق ْو َل﴾ [المؤمنون‪.]68 :‬‬
‫معائ ما أخي هللا تعاَل‬ ‫فكان الواجب عىل أهل القرآن وأهل ْاإليمان أن يتدبروا َّ ي‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫في ِثبتوا ألفاظ النصوص‪ ،‬و ُيث ِبتوا معانيها كما دلت عليها لغة العرب‪،‬‬ ‫به عن نفسه‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫فوضوا الكيفية إَل هللا ر‬ ‫و ُي ِّ‬
‫عزوجل؛ وب هذا ت ْح ُصل لهم السالمة‪ ،‬ويحصل لهم الصواب‬
‫يف آن واحد‪.‬‬
‫ْ ُ‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫السلَّم‪ ،‬قال‪" :‬حدثنا الذين كانوا ُيق ِرئوننا القرآن‬ ‫ي‬ ‫الرحمن‬ ‫عبد‬ ‫أبو‬ ‫ث‬ ‫حد‬
‫حب‬ ‫عّشة آيات ر‬ ‫كعثمان بن عفان‪ ،‬وعبد هللا بن مسعود‪ ،‬أنهم كانوا ال يتجاوزون َ‬
‫ُ ُ‬
‫يتعلموه رن‪ ،‬وما فيهن من العلم والعمل" قال‪" :‬فأوتينا القرآن والعلم والعمل"‪ .‬هذه‬
‫طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعي والتابعي لهم بإحسان‪.‬‬
‫ْ‬
‫وأما ما َين ِسبه أهل التجهيل الذين ُيسمون أنفسهم‪ :‬أهل التفويض إَل السلف‪،‬‬ ‫ر‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫ر‬
‫فخطأ محض ودعوة باطلة وتقويلهم بما لم يقولوا؛ حب قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫"فتبي بذلك أن مقالة أهل‬ ‫رحمه هللا بعد أن حك مقالة أهل التفويض‪ ،‬قال‪:‬‬
‫السنة واتباع السلف‪ ،‬من َش مقاالت أهل‬ ‫التفويض الذين يزعمون االنتساب إَل ُّ‬
‫البدع واإللحاد"‪.‬‬
‫ُْ‬ ‫ُْ‬
‫فعلينا أن نث ِبت ما أثبت هللا لنفسه يف كتابه‪ ،‬وأن نن ِ يق ما نق هللا عن نفسه‬
‫ُ ر‬ ‫ُْ‬
‫ننق ما نفاه عنه نبيه ﷺ يف‬‫ي‬ ‫وأن‬ ‫ه‪،‬‬‫ت‬‫ِ‬ ‫ن‬‫س‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ﷺ‬ ‫نبيه‬ ‫له‬ ‫أثبت‬ ‫ما‬ ‫ت‬ ‫ب‬
‫يف كتابه‪ ،‬وأن ن ِ‬
‫ث‬
‫ر‬
‫ُسنته من غي تحريف وال تعطيل‪ ،‬ومن غي تكييف وال‬
‫تمثيل‪.‬‬
‫الوحدة الثالثة‪ :‬اإلميان باملالئكة والكتب والرسل‪.‬‬
‫الدرس األول من الوحدة الثالثة‪ :‬تعريف اإليمان باملالئكة‪.‬‬

‫المرئ ( اضغط هنا للمشاهدة )‬


‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬
‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من أربعة عنارص‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬من هم المالئكة‪.‬‬
‫غيب‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬عالم المالئكة عالم ي‬
‫● العنض ي‬
‫● العنض الثالث‪ :‬خلق المالئكة‪.‬‬
‫● العنض الرابع‪ :‬عمل المالئكة‪.‬‬

‫العنض األول‪ :‬من هم المالئكة‪.‬‬


‫ُ‬
‫الثائ من أركان اإليمان كما قال هللا عز وجل‪﴿ :‬ك ٌّل‬ ‫بالمالئكة هو الركن ي‬ ‫اإليمان‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫الئك ِت ِه َوِ ُت ِب ِه َو ُر ُس ِل ِه﴾ [البقرة‪ ،]285 :‬وكما قال نبيه ﷺ يف حديث جييل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َو َ‬
‫م‬ ‫ِ‬ ‫آمن ِب‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬أخيئ عن اإليمان‪َ .‬‬ ‫« َ‬
‫ورسل ِه‪،‬‬‫ِ‬ ‫تب ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ئ‬
‫ِ‬ ‫ومال‬ ‫‪،‬‬ ‫باَّلل‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ؤ‬‫ت‬ ‫أن‬ ‫اإليمان‬ ‫‪:‬‬‫قال‬ ‫ِ‬ ‫ي ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫خيِه وشه »[البخاري‪ ،4777 :‬مسلم‪. ]9 :‬‬ ‫والقدر كل ِه؛ ِ‬
‫ِ‬ ‫واليوم اآلخر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ِ ِّ‬
‫وسنسلط الضوء عىل هذا الركن الركي من أركان اإليمان‪ ،‬الذي ال يشعر كثي‬
‫ينبع‪.‬‬
‫آثاره كما ي‬ ‫من المسلمي بأهميته‪ ،‬وال يعيشون‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫من المالئكة؟ المالئكة‪ :‬جمع َملك‪ ،‬وأاله يف اللغة‪ :‬مألك‪ ،‬وهو مأخوذ من‬
‫ُ َ‬
‫األلوكة أي‪ :‬الرسالة‪.‬‬
‫يعب‪ :‬االعتقاد الجازم بأن هللا تعاَل‬ ‫وأما يف االاطالف‪ :‬فإن اإليمان بالمالئكة ي‬
‫ً‬
‫قد خلق عبادا ُمكرمي‪ ،‬خلقهم من نور‪ ،‬وسخرهم يف عبادته‪ ،‬وأعطاهم القوة عىل‬
‫ا‬ ‫ر َ ُْ َ‬ ‫َ َّ‬
‫ذلك ﴿ ُي َس ِّب ُحون الل ْي َل َوالن َهار َّل َيف ر ُيون﴾ [األنبياء‪ .]20 :‬وهذا يف الواقع يتضمن جمًل‬
‫غيب‪ ،‬وأنهم مخلوقون من نور‪ ،‬وأنهم اافون‬ ‫ي‬ ‫من مفردات اإليمان‪ ،‬أنهم عالم‬
‫مسبحون‪.‬‬
‫غيب‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬عالم المالئكة عالم ي‬ ‫العنض ي‬
‫غيب أي‬ ‫عالم‬ ‫م‬ ‫ه‬‫عباد مكرمون‪َ .‬ف ُ‬ ‫ٌ‬
‫غيب وأنهم‬
‫ي‬ ‫نعتقد أن هؤالء المالئكة عالم ي‬
‫ر‬
‫ال يقعون تحت الحواس؛ فال نبضهم بأعيننا‪ ،‬وال نسمعهم بآذاننا‪ ،‬ولكنا نؤمن بهم‬
‫ْ ُ‬
‫كرمون خاضعون لرب هم ُمش ِفقون‪ ،‬ليس لهم‬ ‫من باب اإليمان بالغيب‪ ،‬وهم عباد ُم َ‬
‫َُ‬ ‫ًَ‬
‫الر ْح َم ُن َولدا ُس ْب َحانه‬ ‫من خصائص الربوبية واأللوهية َشء‪ ،‬قال تعاَل‪َ ﴿ :‬و َق ُالوا رات َخ َذ ر‬
‫ي‬
‫ي َأ ْيديه ْم َوماَ‬ ‫ون * َي ْع َل ُم َما َب ْ َ‬ ‫َ ْ ُ َ ُ َْ ْ َ ُ َْ َْ َُ َ‬ ‫َ ْ َ ٌ ُّ ْ َ ُ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫و‬‫ق‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ه‬
‫ِ َ ِ‬ ‫ون‬ ‫ق‬‫ب‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫*‬ ‫ون‬ ‫بل ِعباد مكرم‬
‫ْ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ر‬ ‫َ َْ‬
‫خلف ُه ْم َوال َيشف ُعون ِإال ِل َم ِن ْارتض َوهم ِّم ْن خش َي ِت ِه ُمش ِفقون﴾ [األنبياء‪ .]28-26 :‬وقال‬
‫ً‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫سبحانه‪﴿ :‬ك َر ًاما َكاتب َ‬
‫ي * َي ْعل ُمون َما تف َعلون﴾ [االنفطار‪ ،]12-11:‬وقال واافا ما‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َ ر َ ُ ِّ َ َ ُ ُ ْ َ ُ‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫وب ِهم قالوا‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ع‬ ‫ز‬ ‫ف‬ ‫ا‬‫ذ‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫﴿‬ ‫‪:‬‬ ‫وجل‬ ‫عز‬ ‫هم‬ ‫رب‬ ‫من‬ ‫والخشية‬ ‫ع‬ ‫الخضو‬ ‫من‬ ‫هم‬ ‫ي‬
‫يعي‬
‫َ َ َ َ َ ُّ ُ ْ َ ُ ْ َ ر َ ُ َ ْ َ ُّ ْ َ‬
‫ىل الك ِب ُي﴾ [سبأ‪ .]23:‬فهم عباد ليس لهم من‬ ‫ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو الع ِ‬
‫ي ر ُ‬ ‫خصائص الربوبية واأللوهية َ‬
‫شء‪ ،‬ولهذا يتيؤون من عابديهم يوم القيامة حي يقول‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫الء ِإ رياك ْم كانوا َي ْع ُبدون * قالوا ُس ْب َحانك أنت َو ِل ُّينا ِم ْن‬ ‫لهم الرب سبحانه‪﴿ :‬أه ِ‬
‫ؤ‬
‫ُ‬
‫ون ِه ْم﴾ [سبأ‪ .]41-40 :‬فهم يتيؤون من عابديهم الذين َأشكوا بعبادتهم مع هللا عز‬ ‫ِ‬ ‫د‬
‫شء‪ ،‬وإنما هم‬ ‫َ‬
‫ًَْ‬ ‫وجل‪ ،‬ليس لهم من خصائص الربوبية من الخلق والملك والتدبي ي‬ ‫ُ ِّ‬
‫الناز َ‬ ‫‪ َ :‬ر‬
‫ات غرقا *‬ ‫ِ ِ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫﴿‬ ‫وتعاَل‬ ‫سبحانه‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫وجل؛‬ ‫عز‬ ‫هللا‬ ‫به‬ ‫يأمرهم‬ ‫لما‬ ‫ذون‬ ‫نف‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ً‬ ‫َ ر َ‬ ‫َ ْ ً‬ ‫َ ر َ‬
‫ات َس ْبقا * فال ُمد ِّب َرا ِت أ ْم ًرا﴾‬ ‫ات سبحا * فالس ِابق ِ‬
‫َ ْ ً‬ ‫َ ر َ‬
‫ات نشطا * والس ِابح ِ‬ ‫اشط ِ‬
‫والن ِ‬
‫[النازعات‪ ،]5-1 :‬كل ذلك بأمر هللا تعاَل وتوجيهه‪.‬‬

‫العنض الثالث‪ :‬خلق المالئكة‪.‬‬


‫مما يجب أن نعتقده يف المالئكة الكرام‪ ،‬أنهم مخلوقون من نور‪ ،‬وأنهم أولو‬
‫أجنحة عىل هيئات عظيمة متنوعة‪.‬‬
‫دل عىل ذلك ما رواه اإلمام مسلم من حديث‬ ‫رأما أنهم مخلوقون من نور فقد ر‬
‫ر‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ور‪ ،‬وخلق الجان‬‫ٍ‬ ‫ن‬ ‫من‬ ‫المالئكة‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ق‬‫رص هللا عنها أن رسول هللا ﷺ قال‪« :‬خ ِل‬
‫عائشة ي‬
‫لكم »أي‪ :‬من طي [مسلم‪ .]2996 :‬فهم أجسام‬ ‫ف ْ‬ ‫من مارج من نار‪ ،‬و خلق َ‬
‫آدم مما ُوا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫نورانية ليسوا كاآلدميي بل هم خلق مستقل‪ ،‬وال يوافون بذكورة وال أنوثة‪ ،‬هذا‬
‫ليس من شأنهم أي يوافوا بالذكورة واألنوثة‪ ،‬فمن اعتقد أن المالئكة بنات هللا فقد‬
‫المّشكون يزعمون أن هللا‬ ‫الف ْر َية‪ ،‬وقال عىل هللا بغي علم‪ ،‬كما كان َ‬ ‫أعظم عىل هللا ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اتخذ ااحبة من الجن فأنجبت له المالئكة‪َ ﴿ :‬و َج َعلوا له ِم ْن ِع َب ِاد ِه ُج ْز ًءا﴾‬
‫كفر رصي ح‪.‬‬ ‫[الزخرف‪ ،]15:‬دعوة باطلة و ٌ‬
‫ْ َ ْ ُ َّ َ‬
‫اط ِر‬
‫َّلل ِ‬
‫ف‬ ‫كذلك هم أولو أجنحة‪ ،‬أي أاحاب أجنحة‪ ،‬قال هللا تعاَل‪﴿ :‬الحمد ِ ِ‬
‫ْ َ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََْ َ ُ ُ اُ َ‬ ‫َ َْ‬
‫وَل أ ْج ِن َحة رمث َب َوثًلث َو ُرَباع َي ِزيد ِ يف الخل ِق‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ال‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ئ‬
‫ِ‬ ‫ًل‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫اع‬
‫ِ‬ ‫ج‬‫األ ْرض َ‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ات‬
‫ِ‬ ‫او‬‫الس َم َ‬
‫ر‬
‫ُْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِّ َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َما َي َش ُ‬
‫العرش بعد ما‬ ‫ِ‬ ‫ملة‬
‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫مل‬ ‫عن‬ ‫م‬‫ك‬ ‫ث‬ ‫حد‬ ‫أ‬ ‫أن‬ ‫َل‬
‫ي‬ ‫ن‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫أ‬ ‫«‬ ‫ﷺ‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫]‬ ‫‪1‬‬‫‪:‬‬‫[فاطر‬ ‫﴾‬ ‫اء‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫مائة عام »[أبو داود‪ ،]4727 :‬هذا ملك من‬ ‫ِ‬ ‫سبع‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫الط‬ ‫ق‬ ‫مخف‬ ‫ه‬‫ِ ِ‬‫نق‬ ‫وع‬ ‫ه‬ ‫ذن‬
‫ِ ِِ‬ ‫أ‬ ‫حمة‬ ‫ش‬ ‫بي‬
‫ر‬
‫الب خلقه هللا تعاَل‬ ‫النب ﷺ جييل عليه السالم عىل اورته ي‬ ‫مالئكة الرحمن‪ .‬ورأى ي‬
‫ر‬
‫سد األفق‪ ،‬ومرة كما قال هللا تعاَل‪:‬‬ ‫عليه مرتي‪ ،‬مرة بأجياد له ستمائة جناف قد‬
‫ٰ‬ ‫َ َْ ُْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َََ ْ َ ُ َا ُْ‬
‫﴿ولقد رآه ن زلة أخرى ِعند ِسدرِة المنته﴾ [النجم‪.]13 :‬‬
‫ً‬
‫فهم إذا خلق عظيم‪ ،‬لهم هيئات عجيبة هائلة ليس ألحد أن يتخيلها‪ ،‬أو أن‬
‫ََ‬ ‫ْ‬
‫ويق ِض فال يتجاوز ذلك‬ ‫يصفها‪ ،‬وأن يرسمها بل ُيخ ِي بها بما أخي هللا تعاَل به فقط‪،‬‬
‫بغي علم‪.‬‬

‫العنض الرابع‪ :‬عمل المالئكة‪.‬‬


‫مما يجب أن نعتقده يف المالئكة أنهم اافون مسبحون‪ ،‬أي ُمنهمكون يف‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ر ََ‬ ‫َ ر َ َ ْ ُ ر ُّ َ‬
‫الصافون * َو ِإنا لن ْح ُن ال ُم َس ِّب ُحون﴾‬ ‫طاعة هللا عز وجل‪ ،‬قال تعاَل‪﴿ :‬و ِإنا لنحن‬
‫[الصافات‪ .]166-165 :‬فمن شأن المالئكة الكرام االاطفاف عند رب ها‪ ،‬قال هللا عز‬
‫َ ُّ َ‬ ‫َ َ َ َ ُّ َ َ ْ َ َ ُ َ ًّ َ ًّ‬
‫وجل‪﴿ :‬وجاء ربك والملك افا افا﴾ [الفجر ‪ ،]22‬وقال نبيه ﷺ‪« :‬أال تصفون كما‬
‫‪:‬‬
‫ف المالئكة ِع ْن َد ِّرب ها؟ قال‪:‬‬ ‫وكيف َت ُص ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ِّ‬ ‫ُّ‬
‫تصف المالئكة ِعند رب ها؟ فقلنا‪ :‬يا رسول ِ‬
‫هللا‬
‫ر ُّ َ‬
‫وييااون يف الصف »[مسلم‪.]430 :‬‬ ‫يتمون الصفوف األول‬
‫ً‬
‫كما أنهم أيضا ُمنهمكون بالتسبيح‪ ،‬وذلك أن هللا تعاَل استعملهم يف هذه‬
‫َ َ ُ َّ‬
‫مشيكة بينهم‪ ،‬قال هللا تعاَل‪ُ ﴿ :‬ي َس ِّب ُحون له ِبالل ْي ِل‬ ‫ر‬ ‫وه عبادة‬ ‫العبادة العظيمة‪ ،‬ي‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ رَ َ ُ ْ َ َ ْ َُ َ‬
‫والنهار وهم َّل يسأمون﴾ [فصلت‪ ]38 :‬ال يفيون‪ ،‬ال يستحّشون‪ ،‬فلهم زجل بالتسبيح‬
‫ال ينقطع‪.‬‬
‫الدرس الثاني من الوحدة الثالثة‪ :‬أعمال املالئكة‪.‬‬

‫المرئ ( اضغط هنا للمشاهدة )‬


‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬
‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من تمهيد وعنضين‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬أعمال المالئكة ووظائفهم‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬الة المالئكة بنا‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫تمهيد‪.‬‬
‫غيب محجوبون عن‬ ‫حب نعتقد أنهم عالم‬ ‫ال يتم اإليمان بالمالئكة‪ ،‬ر‬
‫ي‬
‫البّشية‪ ،‬ويدل عىل ذلك‪ :‬أن هللا تعاَل قال‪:‬‬‫المشاهدة‪ :‬ليسوا تحت وسائل الحس َ‬
‫َ ََُ ُ َ ْ ر ْ ُ ً‬ ‫﴿ َي ْو َم َي َر ْو َن ْال َمالئ َك َة ال ُب َْ َ َ ْ َ ِّ ْ ُ ْ‬
‫ّشى يوم ِئذ للمج ِر ِمي ويقولون ِحج ًرا محجورا﴾ [الفرقان‪،]22 :‬‬ ‫ِ‬
‫ر‬
‫فهم قد طلبوا رؤية المالئكة ولكن أئ لهم‪ .‬ومما ال يتم اإليمان بالمالئكة إال به أن‬
‫نعتقد بما أوكل هللا تعاَل لهم من أعمال ووظائف‪.‬‬

‫العنض األول‪ :‬أعمال المالئكة ووظائفهم‪.‬‬


‫وه العبادة‪ ،‬عباد مكرمون يسبحون‬ ‫ر‬
‫لمالئكة الرحمن ي‬ ‫َّ‬
‫مشيكة‬ ‫هناك وظيفة‬
‫رُ‬
‫يفيون؛ ولكن ثمة وظائف خااة لبعضهم‪:‬‬ ‫الليل والنهار ال‬
‫‪ -‬أعظم هذه الوظائف ما يتعلق بالحياة‪ ،‬منها حياة القلوب‪ ،‬وذلك‬
‫ر َ‬ ‫َ ََْ ُ ُ ً ر‬ ‫ُّ‬
‫ورا ن ْه ِدي ِب ِه َمن نش ُاء‬‫بالوح‪ ،‬قال هللا تعاَل‪َ ﴿ :‬و ِلكن جعلناه ن‬
‫َ ي‬ ‫ول‬ ‫بالي‬
‫ر‬
‫فالوح هو روف القلوب‪ ،‬ولما كان كذلك‬ ‫‪،‬‬ ‫‪:‬‬ ‫﴾‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫اد‬ ‫م ْن ع َ‬
‫ب‬
‫ي‬ ‫]‬ ‫‪52‬‬ ‫[الشورى‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وأشفهم وهو جييل عليه‬ ‫أسندت هذه الوظيفة إَل سيد المالئكة َ‬
‫السالم‪.‬‬
‫ُ ُ‬ ‫ر‬
‫والب يحصل بها عود الروف إَل البدن حي ينفخ‬ ‫ومن ذلك حياة األبدان‪ ،‬ي‬ ‫‪-‬‬
‫إشافيل عليه السالم يف الصور‪ ،‬فتعود كل روف إَل البدن الذي كانت‬
‫تعمره يف الدنيا‪.‬‬
‫ُ َّ‬ ‫ْ ر‬
‫الموكل‬ ‫وه مهمة ميكائيل‪ ،‬إذ أنه هو‬ ‫ومن ذلك حياة األرض بالنبات‪ ،‬ي‬ ‫‪-‬‬
‫َ ْ‬
‫بالقطر‪ ،‬فيحصل بيول القطر حياة األرض بالنبات؛ فلما كانت هذه‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أاحابها هم سادة المالئكة‪،‬‬ ‫الوظائف الثالث متعلقة بالحياة كان‬
‫(جيائيل‪ ،‬وميكائيل‪ ،‬وإشافيل)‪.‬‬
‫لجمع من المالئكة ملك الموت الذي ُو ِكل إليه‬ ‫سندة‬ ‫ومن األعمال ُ‬
‫الم‬ ‫‪-‬‬
‫ْ‬ ‫ُ ِّ َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َََ ر ُ ٍرَ ُ ْ‬
‫قبض األرواف ‪﴿:‬قل يتوفاكم ملك المو ِت ال ِذي وكل ِبكم﴾ [السجدة‪.]11 :‬‬
‫ر‬ ‫َُ ُ َ َ ُ َ‬ ‫َ رُْ‬
‫وأما قول هللا تعاَل‪﴿ :‬ت َوفته ُر ُسلنا َوه ْم َّل ُيف ِّرطون﴾ [األنعام‪ ،]61:‬فإن‬
‫ً‬ ‫ََ‬
‫قائ ُمهم وسيدهم عليه‬ ‫ِ‬ ‫هو‬ ‫ولكن‬ ‫المالئكة‪،‬‬ ‫من‬ ‫أعوانا‬ ‫الموت‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫ِلم‬
‫السالم‪.‬‬
‫ُ‬
‫ومن مهام المالئكة ما أوكل إَل رضوان‪ ،‬وهو خازن الجنة؛ كما جاء ذلك‬ ‫‪-‬‬
‫يف حديث احيح‪.‬‬
‫َ‬
‫المّشكي يف النار‪ ،‬تعذيب الكفار يف النار ﴿ َعل ْي َها‬ ‫ومن مهامهم تعذيب َ‬ ‫‪-‬‬
‫َ ٌ َ‬ ‫َََْ ََ َ ٌ َ ٌ‬ ‫ِت ْس َع َة َع ََ َ‬
‫ّش﴾ [المدثر‪ ،]30 :‬قال هللا تعاَل‪﴿ :‬عليها مًل ِئكة ِغًلظ ِشداد َّل‬
‫َ ْ ُ َ َّ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ ْ َ ُ َ‬
‫يعصون اَّلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ [التحريم‪.]6 :‬‬
‫حب إذا بلغ أربعة‬ ‫بتخليقه وتخطيطه‪ ،‬ر‬ ‫ِ‬ ‫ومن مهامهم العناية بالجني‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫أشهر تسور عليه الرحم‪ ،‬وأمره هللا تعاَل بكتب أرب ع كلمات‪ :‬بكتب‬
‫وشق أو سعيد"‪.‬‬ ‫"رزقه‪ ،‬وأجله‪ ،‬وعمله‪ ،‬ر‬
‫ُ ِّ‬ ‫ي‬
‫المعقبات الذين قال هللا تعاَل‬ ‫ومن مهام المالئكة حفظ بب آدم‪ ،‬وهم‬ ‫‪-‬‬
‫َ ُ ُ َ ِّ َ ٌ ْ َ ْ ي َ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ُ َ ُ ْ َْ‬
‫هللا﴾‬ ‫ي يدي ِه و ِمن خل ِف ِه يحفظونه ِمن أم ِر ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيهم‪﴿ :‬له معقبات ِمن ب‬
‫َّ‬
‫حب إذا جاء أمر هللا خلوا بينه وبي قدر‬ ‫[الرعد‪َ ،]11 :‬ف ُهم حفظة لبب آدم ر‬
‫ي‬
‫هللا‪.‬‬
‫َ‬
‫وح َرُّبك‬ ‫ْ ُ‬
‫‪ -‬ومن مهامهم تثبيت المؤمني ونضهم‪ ،‬قال هللا تعاَل‪ِ ﴿ :‬إذ ي يِ‬
‫ُ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫ُُ‬ ‫ر‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ِّ َ َ ُ ْ َ َ ِّ ُ َّ َ َ ُ َ ُ ْ‬
‫وب ال ِذين كفروا‬ ‫سأل ِ يق ِ يف قل ِ‬ ‫ِإَل المًل ِئك ِة أ يئ معكم فثبتوا ال ِذين آمنوا‬
‫ل بنان﴾ [األنفال‪.]12 :‬‬
‫ُّ ْ َ َ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ ر َ َ‬
‫ُ‬
‫ارصبوا ِمنهم ك‬ ‫ِ‬ ‫اق و‬
‫ِ‬ ‫ارصبوا فوق األعن‬ ‫ِ‬ ‫الرعب ف‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫‪ -‬وكذلك سؤال الميت يف قيه؛ فإن الميت إذا ُو ِضع يف قيه أتاه ملكان‪،‬‬
‫حسنه بعض أهل العلم‪ ،‬أن اسم أحدهم منكر واآلخر‬ ‫ورد ف حديث ر‬
‫ي‬
‫نكي‪ .‬وأما أال المساءلة‪ ،‬فثابت يف احيح مسلم أنهما يسأالنه عن‪:‬‬
‫ونبب‬‫ي‬ ‫ديب‪،‬‬‫"رئ هللا‪ ،‬واإلسالم ي‬ ‫ربه‪ ،‬ودينه‪ ،‬ونبيه‪ .‬فأما المؤمن فيقول‪ :‬ي‬
‫سيأئ يف باب اإليمان باليوم اآلخر‪.‬‬ ‫ر‬ ‫محمد"؛ كما‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ين َي ْح ِملون‬ ‫أيضا الدعاء للمؤمني واالستغفار لهم‪﴿ :‬الذ َ‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬ومن مهامهم‬
‫ون ل َّلذ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ َْ‬ ‫ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ ُ َ ِّ ُ َ َ ْ َ ِّ ْ َ ُ ْ ُ َ‬
‫ين‬ ‫ش ومن حوله يسبحون ِبحم ِد رب ِهم ويؤ ِمنون ِب ِه ويستغ ِف ُر ِ ِ‬ ‫العر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫آم ُنوا َررب َنا َو ِس ْع َت ك رل َ ْ‬
‫ين ت ُابوا َوات َب ُعوا َس ِبيلك‬ ‫شء رر ْح َمة َوعل ًما فاغف ْر للذ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫َ‬
‫يم﴾ [غافر‪.]7 :‬‬ ‫ح‬ ‫اب ْال َ‬
‫ج‬ ‫َوقه ْم َع َذ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الثائ‪ :‬الة المالئكة بنا‪.‬‬
‫العنض ي‬
‫ر‬
‫بالجملة‪ ،‬المالئكة الكرام ُيخالطوننا يف جميع أمورنا‪ ،‬ويحبون المؤمني ِمنا‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َُ‬ ‫َْ‬
‫ويثبتونهم؛ َب ْل إن الة المالئكة باآلدميي بدأت منذ الوهلة األوَل‪َ ﴿ :‬و ِإذ‬ ‫وين ُضونهم‬
‫ُ‬ ‫َ َ ا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُّ َ ْ َ َ َ ِّ‬
‫ض خ ِليفة﴾ [البقرة ‪ .]30‬ثم لم يزل األمر كذلك‬ ‫‪:‬‬ ‫قال ر ربك ِلل َّمال ِئك ِة ِإ يئ ج ِاعل ِ يف األر ِ‬
‫ر‬ ‫حب إنهم علموا أبانا آدم طريقة السالم‪ ،‬وكان من شأنهم أنهم ر‬ ‫ر‬
‫غسلوه وكفنوه‪ ،‬وما‬
‫وحب بعد‬ ‫وحب ف قيه‪ ،‬ر‬ ‫زالت المالئكة تصحب بب آدم من استيقاظه إَل منامه‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ف َع َل ْي ُكمُ‬ ‫‪ٌ ْ َ َ :‬‬
‫بب آدم من المؤمني‪ ،‬وتتيل عليهم ﴿َّل خو‬ ‫المالئكة تستقبل ي‬ ‫موته‪ ،‬فإن‬
‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َْْ َ ََ َ‬
‫اليوم وَّل أنتم تحزنون﴾ [الزخرف‪ ،]68:‬وحينما يدخلون الجنة‪﴿ :‬يدخلون علي ِهم من‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ ُ ْ ُ ُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ك ِّل َباب﴾ [الرعد‪َ ﴿ ،]23:‬وال َمًل ِئكة َيدخلون َعل ْي ِه ْم ِم ْن ك ِّل َباب َسًل ٌم َعل ْيكم ِب َما َا َ ْيت ْم‬
‫َ ْ َ ُْ َ ر‬
‫ف ِنعم عقب الد ِار﴾ [الرعد ‪.]24-23‬‬
‫‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫فالمالئكة تكت ِنفنا يف جميع أحوالنا وأمورنا‪ ،‬وتحفظ أعمالنا‪ ،‬وتكتب سيئها‬
‫َ‬ ‫وح َس َنها‪ .‬فكان لز ً‬
‫يؤمن بوجودهم‪ ،‬وبما أ ْوكل هللا تعاَل لهم من‬ ‫ِ‬ ‫أن‬ ‫مؤمن‬ ‫كل‬ ‫عىل‬ ‫ا‬ ‫ام‬ ‫َ‬
‫ورسوله‬ ‫عنه‬ ‫هللا‬ ‫أخي‬ ‫مما‬ ‫ذلك‬ ‫وغي‬ ‫وب ِصفاتهم‬
‫ِ‬ ‫أعمال‪،‬‬
‫ﷺ‪.‬‬
‫الدرس الثالث من الوحدة الثالثة‪ :‬تعريف اإليمان بالكتب‪.‬‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬


‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬
‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من ثالثة عنارص‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬حقيقة اإليمان بالكتب‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬من مقتضيات اإليمان بالكتب‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫الحاَل‪.‬‬
‫ي‬ ‫● العنض الثالث‪ :‬موقفنا من الكتب يف العض‬

‫العنض األول‪ :‬حقيقة اإليمان بالكتب‪.‬‬


‫اهلل‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫اإليمان بالكتب أال عظيم من أاول اإليمان‪ ،‬قال تعاَل‪ُ ﴿ :‬ك ٌّل َ‬
‫آم َ‬
‫ِ ِ‬
‫ُُ‬ ‫َ َ َ‬
‫الئك ِت ِه َوِت ِب ِه َو ُر ُس ِل ِه﴾ [البقرة‪ ،]285 :‬وكذا قال نبيه ﷺ يف حديث جييل‪ .‬فما‬
‫وم ِ‬
‫المقصود باإليمان بالكتب؟‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫هو االعتقاد الجازم بأن هللا تعاَل أنزل من عنده ً‬
‫كتبا هداية للناس ورحمة بهم؛‬
‫يأوي إليه الناس ويرجعون إليه عند‬ ‫يبق إَل آماد متطاولة َ‬ ‫وذلك أن الكتاب ر‬
‫ر‬
‫إال بتحقيق جملة من األمور‪.‬‬ ‫االختالف‪ ،‬وال يتم اإليمان بالكتب‬

‫الثائ‪ :‬من مقتضيات اإليمان بالكتب‪.‬‬ ‫العنض ي‬


‫ًّ‬ ‫ٌ‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬أن نعلم بأنها ميلة من عند هللا حقا فهذه الكتب ليست من كالم رسول‬
‫ر‬
‫ه كالم رب العالمي‪ ،‬فقد قال هللا تعاَل‪:‬‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫وإن‬ ‫وال من كالم ملك‪،‬‬
‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫شء َم ْو ِعظة َوتف ِص ْيًل ِلك ِّل َ ْ‬ ‫األ ْل َواف ِم ْن ك ِّل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َََْ َ ُ‬
‫شء فخذها‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫﴿وِتبن ْا ل َ ِ‬
‫ه‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ِبق روة َوأ ُم ْر ق ْو َمك َيأخذ ْوا ِبأ ْح َس ِن َها﴾ [األعراف‪ .]145 :‬وكذا قال‪َ ﴿ :‬وآت ْين ُاه‬
‫َ‬
‫ي * َعىل‬ ‫وف األم ُ‬ ‫يل﴾ [المائدة‪ ،]46:‬وقال عن محمد‪َ ﴿ :‬ن َز َل ب ِه ُّ‬
‫الر ُ‬ ‫ْاإلنج َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َق ْلبك ِلتكون ِمن المن ِذرين * ب ِلسان ع َر ٍّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي﴾ [الشعراء‪،]195 -193 :‬‬ ‫ب‬
‫ِي ِ ٍ‬ ‫م‬ ‫ئ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ‬
‫وهذا االعتقاد يعطيها افة القداسة والعصمة‪ ،‬ويقط َع الطريق عىل كل‬
‫خضعها لمعاول النقد‬ ‫ُ‬
‫من أراد أن ينال منها بوجه من الوجوه‪ ،‬وأن ي ِ‬
‫والظن‪ ،‬وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬اإليمان بما علمنا اسمه منها باسمه‪ ،‬وما لم نعلم اسمه فإننا نؤمن به‬
‫أن هللا تعاَل أنزل العديد من كتبه‪ ،‬لكنه سبحانه لم ِّ‬ ‫ر‬ ‫ا‬
‫يسم‬ ‫إجماَّل‪ :‬وذلك‬
‫بعضها؛ فما َعل ْمنا َ‬ ‫َ‬
‫اسمه وجب علينا أن نؤمن به باسمه‪ ،‬وما لم‬ ‫ِ‬ ‫لنا إال‬
‫به‪.‬‬ ‫المجمل‬ ‫ُ‬ ‫باإليمان‬ ‫نكتق‬ ‫فإننا‬ ‫باسمه‬ ‫نعلم‬
‫ي‬
‫وأعظم كتب هللا عز وجل القرآن العظيم الذي أنزله هللا تعاَل عىل‬
‫ً َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ي َي َد ْ‬ ‫ً‬
‫اب َو ُم َه ْي ِمنا َعل ْي ِه﴾ [المائدة‪. ]48 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫صدقا ل َما َب ْ َ‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫محمد‪ُ ﴿ :‬‬
‫وقبله اإلنجيل وهو الذي أنزله هللا تعاَل عىل عيس عليه السالم‪:‬‬
‫ُ ا‬ ‫ر‬ ‫ُ ا َ ُ ٌ َ ُ َ ِّ ً ِّ َ َ ْ َ َ‬
‫ي َيد ْي ِه ِم َن الت ْو َر ِاة َوهدى‬ ‫يه هدى ونور ومصدقا لما ب‬ ‫ف‬ ‫يل‬‫﴿ َو َآت ْي َن ُاه ْاإلنج َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ر‬ ‫َ ا ْ‬
‫َو َم ْو ِعظة ِلل ُمت ِقي﴾ [المائدة‪. ]46 :‬وقبله‪ :‬التوراة وهو الذي أنزله هللا عىل‬ ‫َ‬
‫ر َ َ ْ َ ر ْ َ َ َ ُ ا َ ُ ٌ َ ْ ُ ُ َ ر ُّ َ‬
‫موش عليه السالم‪ِ ﴿ :‬إنا أنزلنا التوراة ِفيها هدى ونور يحكم ِبها الن ِبيون‬
‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ ُ َّ َ َ ُ َ ر ر ُّ َ َ ْ َ ْ َ ُ َ ْ ُ ْ ُ‬
‫اب‬ ‫ال ِذين َ أ ُسلم َوا ِلل ِذين هادوا والرب ِانيون واألحبار ِبما استح ِفظوا ِمن ِكت ِ‬
‫ُ َ‬
‫هللا َوكانوا َعل ْي ِه ش َهد َاء﴾ [المائدة‪ .]44 :‬كما أنزل هللا تعاَل عىل داود عليه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫السالم الزبور‪ ،‬فقد قال هللا تعاَل‪َ ﴿ :‬وآت ْينا د ُاوود زب ً‬
‫ورا﴾ [اإلشاء‪.]55 :‬‬
‫وف هذه‬ ‫بب آدم بإرسال الرسل وإنزال الكتب‪ ،‬ي‬ ‫إذن لم يزل هللا تعاَل يتعاهد ي‬
‫والّشائع العادلة‪ ،‬واآلداب الرفيعة‪ ،‬واألخالق القويمة ما‬ ‫الكتب من األخبار الصادقة‪َ ،‬‬
‫ً‬
‫تبيانا لكل َ‬ ‫ُ‬
‫كت َ‬ ‫ال غ اب لآلدميي عنه‪ .‬وقد ر‬
‫شء‬ ‫ي‬ ‫العظيم‪،‬‬ ‫آن‬ ‫القر‬ ‫ال‬‫ز‬ ‫بإن‬ ‫ه‬‫ب‬ ‫تعاَل‬ ‫هللا‬ ‫ج‬ ‫تو‬ ‫ِ‬
‫ُّ ُ‬ ‫َ‬
‫ور﴾ [يونس‪]57 :‬؛ فكان القرآن العظيم‬ ‫ِ‬ ‫وهدى ورحمة وموعظة‪َ ﴿ :‬و ِشف ٌاء ِل َما ِ يف الصد‬
‫ً‬ ‫ر‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ومك َر َمة يف الكتب السابقة‪ ،‬كما أنه أيضا قد نسخ أحكامها‪ ،‬فهو‬ ‫جم َع ك رل فضيلة‬ ‫قد‬
‫ومهيمن عىل ما فيها من األحكام‪.‬‬ ‫مصدق لما َي َد ْيه من األخبار‪ُ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الحاَل‪.‬‬
‫ي‬ ‫العنض الثالث‪ :‬موقفنا من الكتب يف العض‬
‫َ‬
‫كتاب معصوم إال القرآن‬ ‫ٌ‬ ‫يبق أن ننظر فيما بي الناس من هذه الكتب؛ لم َي ْبق‬ ‫ر‬
‫تكفل هللا تعاَل بحفظه‪ ،‬ولم يجعله ً‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫نهبا للتحريف‪:‬‬ ‫العظيم؛ فإن القرآن العظيم قد‬
‫ُ َ‬ ‫ر َُ َ‬ ‫َ ْ َ ِّ ْ‬ ‫ر َ‬
‫﴿ ِإنا ن ْح ُن ن رزلنا الذك َر َو ِإنا له ل َح ِافظون﴾ [الحجر‪ .]9 :‬أما الكتب السابقة‪ ،‬فإنها قد‬
‫اب ب َأ ْيديه ْم ُثمر‬ ‫ون ْالك َت َ‬ ‫َ َ ْ ٌ َّ َ َ ْ ُ ُ َ‬
‫امتدت إليها يد التحريف فعبثت بها‪﴿ :‬فويل ِلل ِذين يكتب‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫َ ً َ ا َ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َُ ُ َ َ َ ْ ْ‬
‫هللا ِل َيش ر ُيوا ِب ِه ث َمنا ق ِليًل ف َو ْي ٌل ل ُه ْم ِم رما كت َبت أ ْي ِد ِيه ْم َو َو ْي ٌل ل ُه ْم‬
‫يقولون هذا ِمن ِع ِ ِ‬
‫د‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِم رما َيك ِس ُبون﴾ [البقرة‪.]79 :‬‬
‫الب يتداولها اليهود والنصارى اآلن‪ُ ،‬يسميها أهل اإلسالم‬ ‫ي‬
‫والكتب ر‬
‫بب إشائيل‪ ،‬والموقف منها ال يخلو من ثالثة أمور‪:‬‬ ‫ي‬ ‫باإلشائيليات نسبة إَل‬
‫ر‬ ‫ََ‬ ‫ً‬
‫‪ -‬إما أن يكون ما جاء فيها موافقا لما يف كتابنا‪ :‬فنعتقد أن هذا من الحق‬
‫ُ‬
‫ومن أمثلة‬ ‫ِ‬ ‫‪.‬‬ ‫بذلك‬ ‫د‬ ‫شه‬‫ِ‬ ‫كتابنا‬ ‫ألن‬ ‫يقه‬ ‫تصد‬ ‫الذي أبقاه هللا فيها‪ ،‬فيجب‬
‫هذا‪ :‬ما يوجد يف التوراة من ذكر خلق آدم وإخراجه من الجنة‪ ،‬وما يوجد‬
‫ً‬
‫أيضا من ذكر الطوفان‪ ،‬ومن إغراق فرعون‪ ،‬ومن قصة يوسف عليه‬
‫السالم‪ ،‬بغض النظر عن ما يكتنفها من تفاايل‪ ...‬فهذه مما شهد كتابنا‬
‫فن َصدقه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫بصحته‬
‫ذبها؛ فنعلم أنها مما‬ ‫أن كتابنا ُي َك ُ‬ ‫ر‬
‫مخالفة لما يف كتابنا‪ :‬بمعب‬ ‫‪ -‬أو أن تكون‬
‫ِ‬
‫ْ رَ‬
‫كتبوه بأيديهم وافيوه عىل هللا عز وجل‪ .‬فمن ذلك‪ :‬زعمهم بأن هللا‬
‫ََ‬ ‫ً‬
‫تعاَل اارع يعقوب‪ ،‬وزعمهم بأن لوطا عليه السالم َشب الخمر وزنا‬
‫ْ‬
‫ِب ِبنتيه‪ ،‬ومن ذلك زعمهم أن سليمان عليه السالم عبد األانام‬
‫َ‬
‫شيوت وبعل وغي ذلك‪ ...‬وهكذا من أمور كثية ْأود ُعوها يف كتبهم؛‬ ‫وع ر‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ليشيوا به‬ ‫فنعلم أن هذا من الكذب والتحريف الذي فعلوه بأيديهم‬
‫ا‬ ‫ً‬
‫ثمنا قليًل‪.‬‬
‫فه أن تكون غي موافقة وال مخالفة لما يف كتابنا‪:‬‬ ‫‪ -‬أما القسم الثالث‪ ،‬ي‬
‫بمعب أن ليس يف كتابنا ما يصدقها وال ما يكذبها‪ .‬فالموقف منها حينئذ‬
‫عدم التصديق وعدم التكذيب؛ فقد قال نبينا ﷺ‪« :‬إذا حدثكم بنو‬
‫إشائيل فال تصدقوهم وال تكذبوهم‪ ،‬فعس أن تصدقوهم يف حديث‬
‫َر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫آمنا‬‫كذ ُبوكم فيه‪ ،‬وعس أن تكذبوهم يف حديث َادقوكم فيه وقولوا ﴿‬
‫‪ِّ َ :‬‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫وحدثوا عن‬ ‫اهلل وما أ ِنز َل ِإل ْينا﴾ »[البقرة‪ .]136:‬وقال يف حديث آخر «‬
‫ِب ِ‬
‫حر َج »[البخاري‪ ،]3461:‬فدل ذلك عىل أن ما لم يكن‬ ‫َبب إش َ‬
‫ائيل وال َ‬
‫ً‬ ‫ي ً‬
‫مخالفا لما يف أيدينا إما بكونه موافقا أو بكونه غي موافق وال مخالف‪،‬‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫إن َت َب ر َ‬
‫ْ‬ ‫ر‬
‫ي فيه ُمخالفة فإنه ال يجوز التحديث‬ ‫فإنه يجوز التحديث به‪ ،‬أما‬
‫به‪.‬‬
‫الدرس الرابع من الوحدة الثالثة‪ :‬مقتضيات اإليمان بالكتب‪.‬‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬


‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬
‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من تمهيد وثالثة عنارص‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬العمل َ‬
‫بّشيعة القرآن‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬اإليمان بالكتاب كامال دون تبعيضه‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫● العنض الثالث‪ :‬التحريف واالختالف‪.‬‬

‫تمهيد‪.‬‬
‫تقدم معنا أنه ال يتم اإليمان بالكتب إال بأمور منها‪:‬‬
‫ًّ‬ ‫● اإليمان بأنها ر‬
‫ميلة من عند هللا حقا‪.‬‬
‫● اإليمان بما علمنا اسمه منها باسمه‪ ،‬وما لم نعلم اسمه فإننا نؤمن به‬
‫ا‬
‫إجماَّل‪.‬‬
‫● تصديق ما اح من أخبارها‪.‬‬
‫ُ‬
‫ون ِت ُّم بقية ما ال يتم اإليمان باإليمان بالكتب إال به‪.‬‬

‫بّشيعة القرآن‪.‬‬ ‫العنض األول‪ :‬العمل َ‬


‫ر‬
‫ذلك أنه الكتاب الناسخ ِل َما قبله من الكتب‪ ،‬فقد ذكر هللا تعاَل يف سورة‬
‫‪ِّ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ :‬‬ ‫َّ‬ ‫المائدة التوراة‪ ،‬ر‬
‫اب ِبال َحق‬ ‫وثب باإلنجيل‪ ،‬ثم ثلث يف القرآن فقال ﴿وأنزلنا ِإليك ال ِكت‬
‫‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ َُ ْ ً ََ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ِّ ً ِّ َ َ ْ َ َ َ‬
‫اب ومهي ِمنا علي ِه﴾ [المائدة ‪ ]48‬قال أهل العلم وأهل‬
‫‪:‬‬ ‫مصدقا لما بي يدي ِه ِمن ال ِكت ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وقاضيا وأمينا وشاهدا‪ .‬ومفهوم ذلك أنه ناسخ لما‬ ‫حاكما‬ ‫مهيمنا عليه أي‪:‬‬ ‫التفسي‬
‫ر‬ ‫قبله؛ فما ر‬
‫الغ‪ ،‬وذلك أن هللا سبحانه‬ ‫نافذ‪ ،‬وما نسخه القرآن فهو ٍ‬ ‫أقره القرآن فهو ِ‬
‫يقض ما يشاء ويحكم ما يريد‪ ،‬حسب ما تقتضيه حكمته وعلمه بأحوال‬ ‫ي‬ ‫وتعاَل‬
‫ىل ُكلِّ‬ ‫نس ْخ م ْن َآية َأ ْو ُننس َها َن ْأت ب َخ ْي ِّم ْن َها َأ ْو م ْثل َها َأ َل ْم َت ْع َل ْم َأ رن ّ َ‬
‫اَّلل َع َ َ‬ ‫عباده‪َ ﴿ :‬ما َن َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ ْ َ‬
‫شء ق ِد ٌير﴾ [البقرة‪. ]106 :‬‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫فكان القرآن العظيم ناسخا ِلما قبله من الكتب‪ ،‬وأقر بعض ما فيها‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫الن ْفس َو ْال َع ْيَ‬ ‫‪ َ َ ْ ََْ َََْ َ :‬ر رْ َ ر‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫الن‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫يه‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ي‬‫ل‬‫ع‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ب‬ ‫ت‬‫ِ‬‫و‬‫﴿‬ ‫قال‬ ‫قد‬ ‫تعاَل‬ ‫هللا‬ ‫فإن‬ ‫إقراره للقصاص‪،‬‬
‫وف ق َص ٌ‬ ‫ْ‬
‫الس ِّن َوال ُج ُر َ‬ ‫الس رن ب ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نف باألنف َواألذن باألذن َو ِّ‬ ‫َ‬ ‫األ َ‬‫َْْ َ َ‬
‫اص﴾ [المائدة‪.]45 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يو‬ ‫ِبالع ِ‬
‫ََ‬
‫هكذا أقر هللا تعاَل ما يف التوراة يف َشيعة محمد ﷺ‪ ،‬ثم زاد عليها‪﴿ :‬فمن‬
‫َ َ ر ٌ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت َص ردق ِب ِه ف ُه َو كف َارة ل ُه﴾ [المائدة‪ ،]45 :‬وهذا مما اختصت به َشيعتنا‪.‬‬
‫‪َْ .‬‬
‫رص هللا عنه‪ ،‬يختلف إَل‬ ‫ي‬ ‫عمر‬ ‫كان‬ ‫د‬ ‫فال يجوز العمل يف َشيعة من قبلنا وق‬
‫كتابا ففعل‪،‬‬ ‫يهودي يسمع منه بعض ما ف التوراة فيعجبه ذلك‪ ،‬فطلب منه أن يكتب ً‬ ‫ٍّ‬
‫ي‬
‫ََ ر ُ‬ ‫ر‬
‫فأئ به عمر رسول هللا ليقرأه عليه ‪-‬وكان قارئا‪ ،‬فجعل وجه رسول هللا ﷺ يتلون‬
‫حب قال أبو بكر‪" :‬ثكلتك الثواكل أما ترى وجه رسول‬ ‫غضبا وعمر ال يشعر بذلك‪ ،‬ر‬ ‫ً‬
‫هللا ﷺ؟"‪ ،‬فالتفت عمر فقال‪" :‬أعوذ باهلل من غضب هللا وغضب رسوله"‪ .‬فقال‬
‫َ‬
‫له رسول هللا ﷺ‪ُ « :‬أمت َه ِّوِون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي لقد جئتكم بها بيضاء‬
‫اتباىع»‪ .‬هكذا روي بسند‬ ‫ي‬ ‫نقية‪ ،‬ولو كان موش بن عمران بي ظهرانينا ما وسعه إال‬
‫جيد‪.‬‬

‫الثائ‪ :‬اإليمان بالكتاب كله دون تبعيضه‪.‬‬


‫العنض ي‬
‫ر‬
‫ومما ال يتم اإليمان بالكتب إال به‪ ،‬اإليمان بالكتاب كله وعدم تبعيضه‪ :‬فإنه‬
‫رَْ‬ ‫ُ‬
‫تضمنته‪ ،‬وأن نعتقد أنها‬ ‫يجب أن نؤمن بجميع ما أنزل هللا تعاَل‪ ،‬وأن ن َصدق ما‬
‫ُّ‬
‫َشيعة حقة يف الوقت الذي نزلت فيه‪ ،‬وال يحل قبول بعضه ورد باقيه‪ .‬قال هللا‬
‫ون ب َب ْعض‪َ ،‬ف َما َج َزاءُ‬ ‫ََ ُُْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ََُْ ُ َ‬ ‫تعاَل ً‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اب وتكفر‬ ‫ِ‬ ‫ض ال ِكت‬‫ِ‬ ‫بب إشائيل‪﴿ :‬أفتؤ ِمنون ِببع‬ ‫ي‬ ‫ناعيا عىل‬
‫ُّ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ ُّ َ َ َ َ ِّ ْ َ َ‬ ‫َم ْن َي ْف َع ُل َذل َك م ْن ُك ْم إ رَّل خ ْز ٌي ف ْال َح َ‬
‫اب﴾‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ش‬‫أ‬ ‫َل‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫ون‬ ‫د‬‫ر‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ام‬
‫ِ ِ‬ ‫ي‬‫ق‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ي‬‫ن‬ ‫الد‬ ‫اة‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫[البقرة‪.]85:‬‬
‫َ‬ ‫فال يحل أن ر‬
‫ينتق المرء من َشع هللا ما يوافقه ويالئمه وي هجر باقيه‪ ،‬فقد ن َع‬
‫ي‬
‫آن عض َ‬ ‫َّ َ َ َ ُ ْ ُ ْ َ‬ ‫هللا عىل َ‬
‫ي﴾ [الحجر‪ ،]91:‬ومعب عضي‪:‬‬ ‫المّشكي فقال‪﴿ :‬ال ِذين جعلوا القر ِ ِ‬
‫شء منه‪.‬‬ ‫مجز ًءا‪ ،‬فيجب األخذ به كله وعدم هجر َ‬ ‫ً‬
‫مبعضا ر‬
‫ي‬
‫العنض الثالث‪ :‬التحريف واالختالف‪.‬‬
‫شء مما‬ ‫ومما ال يتم اإليمان بالكتب إال به تحريم كتمانها‪ ،‬فال يجوز كتمان َ‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫معب‪ ،‬كما ال يجوز االختالف‬ ‫لفظا أو ا‬ ‫أنزل هللا‪ ،‬كذلك ال يجوز تحريفها وهو تغييها‬
‫ر‬ ‫احيامها ْ‬ ‫فيها بأن يضب كالم هللا بعضه ببعض؛ بل الواجب ر‬
‫وإجاللها واعتقاد أن‬
‫ً‬ ‫َ ً َُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َر َ َ ْ َ َ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫يث ِكتابا متش ِابها﴾ [الزمر‪:‬‬ ‫بعضها يصدق بعضا‪ ،‬قال هللا تعاَل‪﴿ :‬هللا نزل أحسن الح ِد ِ‬
‫‪ ،]23‬معب متشابها‪ :‬أي يشبه بعضه بعضا‪ ،‬ويصدق بعضه بعضا‪ ،‬متجانس ال‬
‫اختالف فيه‪.‬‬
‫ر‬ ‫َ ُْ‬
‫ويكتم باقيها‪ ،‬كما انعت اليهود‪ .‬فإن اليهود‬ ‫وال يجوز أن ُيبدي اإلنسان بعضها‬
‫‪ :‬ر َّ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ ِّ َ‬ ‫ُْ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ل‬‫نز‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ون‬ ‫م‬ ‫ت‬‫ك‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫﴿‬ ‫وجل‬ ‫عز‬ ‫هللا‬ ‫قال‬ ‫إليهم‪،‬‬ ‫ل‬ ‫ز‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫كتموا ما أ‬
‫ر ُ َ‬ ‫َ َ َْ َ ُُ ُ ُ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ َ َرر ُ ر‬ ‫َو ْال ُه َد ٰ‬
‫هللا َو َيل َعن ُه ُم الًل ِعنون﴾‬ ‫اب أول ِئك يلعنهم‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ف‬ ‫اس‬
‫ِ ِي‬ ‫لن‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫اه‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ى‬
‫[البقرة‪.]159 :‬‬
‫ََ‬
‫كما ال يجوز تحريفها‪ ،‬وهو أن يزعم زاعم أن مراد هللا بكذا كذا وكذا بال أثارة‬
‫المتكلمي يف هذه‬ ‫من علم‪ ،‬بل بمجرد هوى أو اعتقاد فاسد‪ ،‬كما وقع من كثي من ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫لفظيا وتحريفا‬ ‫بب إشائيل قبل ذلك‪ ،‬حينما حرفوا كتابهم تحريفا‬ ‫األمة‪ ،‬وكما وقع من ي‬
‫ً‬
‫معنويا‪.‬‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫وبالجملة فالواجب علينا إِرام كتب هللا وإجاللها؛ ولما زئ يهودي بيهودية‬
‫ر‬
‫زمن رسول هللا ﷺ‪ ،‬قال بعضهم لبعض ‪-‬وقد كانوا يعلمون أن حكم الزئ حال‬
‫ََ‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫نب ُبعث بالتخفيف فلو أنا أتيناه"‪ ،‬فأتوا رسول‬
‫ْ‬
‫َ ُْ ي‬ ‫هذا‬ ‫"إن‬ ‫اإلحصان هو الرجم‪ -‬فقالوا‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ر‬ ‫ُ ْ َ ُْ‬
‫هللا ﷺ فقال‪﴿ :‬قل فأتوا ِبالتور ِاة فاتلوها ِإن كنتم ا ِاد ِقي﴾ [آل عمران ‪ ،]93‬وواعدهم‬
‫‪:‬‬
‫ً‬
‫بيتا يجتمعون فيه‪ ،‬فأتوا بالتوراة محمولة ‪-‬ألنها كانت كبية‪ ،-‬وكان رسول هللا ﷺ‬
‫جالسا عىل وسادة‪ ،‬فيع الوسادة ووضعها عىل األرض‪ ،‬ووضع عليها التوراة وقال‪:‬‬ ‫ً‬
‫بك وبمن أنزلك" ثم جعل القارئ يقرأ‪ ،‬فلما بلغ القارئ موضع آية الرجم‪،‬‬ ‫"آمنت ِ‬
‫وضع أابعه عليها‪ ،‬وقرأ ما قبلها وما بعدها‪ ،‬فقال عبد هللا بن سالم‪" :‬ارفع‬
‫الب كتمتها‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫النب ﷺ برجمهما‪ ،‬وأحيا هذه الّشيعة ي‬ ‫أابعك"‪ ،‬فإذا آية الرجم‪ ،‬فأمر ي‬
‫اليهود وحرفتها عن مراد هللا تعاَل‪.‬‬
‫َ‬
‫‪َ ْ َ ْ ُ َ ُ ََ :‬‬
‫اب‬‫كما أمرناَ ربنا ُبقوله َ ُ﴿وَّل تَج ِادل َوا أ ُهل ال ِك ِ‬
‫ت‬ ‫فهذه كتب هللا يجب اإليمان بها‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ َ ر َّ‬
‫آمنا ِبال ِذي أ ِنز َل ِإل ْينا َوأ ِنز َل ِإل ْيك ْم َو ِإل ُهنا َو ِإل ُهك ْم َو ِاحد﴾‬ ‫إ رَّل ب َّال ِ رب ِ َ‬
‫ه أ ْح َس ُن﴾ ﴿وقولوا‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ ي ي‬
‫[العنكبوت‪ ،]46 :‬أما ما بي أيديهم فلما كان قد دخله التحريف‪ ،‬فإنا ال نؤمن به عىل‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫إطالقه بل من عىل حسب التفصيل السابق يف اإلشائيليات‪.‬‬
‫الب بأيديهم اآلن‪ ،‬بأنها كتب‬ ‫وبالمناسبة فإنه ال يجوز أن ُتواف تلك الكتب ر‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫مقدسة أو أنها كتب سماوية؛ ِلما قد علمنا من طروء التحريف عليها‪ .‬وال يجوز أيضا‬
‫ضم بعضها إَل بعض مع القرآن يف غالف واحد‪ ،‬كما دعا إَل ذلك بعض الضالي‪،‬‬ ‫أن ُي ر‬
‫ُ‬
‫بل الواجب تييه كتاب هللا الخاتم وتيئته عما شاب الكتب السابقة من تحريف‬
‫وعقائد باطلة‪.‬‬
‫الدرس الخامس من الوحدة الثالثة‪ :‬اإليمان بالرسل ومقتضياته‪.‬‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬


‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬
‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من عنضين‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬معب اإليمان بالرسل‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬مقتضيات اإليمان بالرسل‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫العنض األول‪ :‬معب اإليمان بالرسل‪.‬‬
‫الركن الرابع من أركان اإليمان‪ ،‬وهو اإليمان بالرسل كما نص عليه قول هللا‬
‫ُُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫تعاَل‪ُ ﴿ :‬ك ٌّل َ‬
‫الئك ِت ِه َوِت ِب ِه َو ُر ُس ِل ِه﴾ [البقرة‪ ،]285 :‬وكما ررب ع به نبينا ﷺ‬
‫ِ‬ ‫م‬‫و‬ ‫اهلل‬
‫ِ ِ‬‫ب‬ ‫آم َ‬
‫ن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫اإليمان أن تؤم َن باَّلل َ‬
‫ور ُس ِل ِه‪».‬‬
‫ومًلئكته‪ ،‬وكتبه‪ُ ،‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بقوله ف حديث جييل‪َ « :‬‬
‫ي‬
‫َ ْ ُ ا‬
‫يعب االعتقاد الجازم‪ ،‬بأن هللا تعاَل ااطق من خلقه رسًل‪،‬‬ ‫واإليمان بالرسل َّي‬
‫يعب‪ :‬عن علم وحكمة‪ ،‬ووكل إليهم أمر إبالغ عباده برساالته‪.‬‬ ‫ي‬
‫الثائ‪ :‬مقتضيات اإليمان بالرسل‪.‬‬
‫العنض ي‬
‫وال يتم اإليمان بالرسل إال بجملة من األمور‪:‬‬
‫ًّ‬ ‫ر‬
‫أولها‪ :‬اإليمان بأن رسالتهم من عند هللا حقا‪ .‬أي أنهم لم يفتاتوا ذلك من تلقاء‬
‫ُّ‬
‫أنفسهم‪ ،‬وال حصل لهم ذلك بالريادة واالجتهاد والدربة‪ ،‬وال نالوه باجتماع أوااف‬
‫ُ‬
‫كثي من الضالي؛ وإنما اختصهم هللا تعاَل برحمته وفضله‪ ،‬وانتقاهم‬ ‫معينة كما ريدىع ٌ‬
‫ي‬
‫من بي عباده‪ ،‬واختارهم ل ي يكونوا وسطاء بينه وبي خلقه يف تبليغ رساالته‪ ،‬كما‬
‫‪:‬‬ ‫‪ُ َ َ َ ُ َ ْ َ ُ ْ َ ُ َ ْ َ ُ َّ :‬‬
‫قال سبحانه وتعاَل ﴿اَّلل أعلم حيث يجعل ِرسالته﴾ [األنعام ‪ ،]124‬وكما قال ﴿هللا‬
‫‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ُ ا َ ْ ْر‬ ‫َ ْ َ‬
‫اس﴾ [الحج‪ .]75 :‬ول رما قالت قريش‪"ِ :‬ل َم ْلم ُييل‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫ًل‬ ‫س‬‫ر‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫الئ‬
‫ِ‬ ‫الم‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ق‬
‫يص ِ ي‬
‫ط‬
‫هذا القرآن عىل ُ‬
‫الثقق وهما سيدا قريش‬ ‫ي‬ ‫مسعود‬ ‫بن‬ ‫عروة‬ ‫أو‬ ‫ربيعة‬ ‫بن‬ ‫تبة‬ ‫ع‬
‫وثقيف؟"‪ ،‬قال هللا تعاَل‪َ ﴿ :‬و َق ْا ُلوا َل ْو ََّل ُن ِّزل َه َذا ْال ُق ْ َرآ ُن َع َىل َر ُجل م َن ْال َق ْر َي َت ْي َعظ ْيمٌ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫يش َت ُه ْم ف ْال َح ٰ‬ ‫َ ُ ۡ َ ۡ ُ َ َ ْ َ َ َ ِّ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ۡ َ َ‬
‫وة الدن َيا َو َرف ْعنا‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِي‬ ‫* أهم يق ِسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم م ِع‬
‫ض د َر ٰجت﴾ [الزخرف‪.]32-31 :‬‬
‫َ‬ ‫َب ْع َض ُه ْم َف ْو َق َب ْ‬
‫ع‬
‫ٍ‬
‫إذن هو فضل من هللا ورحمة‪ ،‬اختص هللا تعاَل بها من شاء من عباده؛ ولم‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫يكن لهؤالء المصطفي األخيار يد يف ذلك؛ كما تزعم الصوفية أو كما يزعم بعض غالة‬
‫ولم‬ ‫حب رأنه رلما أعياهم األمر ْ‬ ‫والدربة والمجاهدة‪ .‬ر‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫الصوفية أن النبوة تنال بالريادة‬
‫ر‬
‫ََ‬ ‫َّ‬
‫يتمكنوا من بلوغ هذه الرتبة‪ ،‬قل ُبوا األمر فجعلوا الوالية أفضل من النبوة‪ ،‬وقال‬
‫قائلهم‪:‬‬
‫الوَل‬
‫مقام النبوة يف برزخ *** فويق الرسول ودون ي‬
‫ر‬
‫السلم‪ ،‬وجعلوا أدئ درجة أعالها‪ ،‬وأعىل درجة أدناها؛ والصحيح أن‬ ‫فق َل ُبوا ُّ‬ ‫َ‬

‫النب والرسول ُيوح‬ ‫إذ‬ ‫‪.‬‬ ‫الوالية‬ ‫احل‬ ‫ر‬ ‫بم‬ ‫وبعدها‬ ‫النبوة‪،‬‬ ‫م‬‫أعىل الدرجات الرسالة ُث ر‬
‫ً ي ً‬ ‫إليهما من عند هللا‪ ،‬ر‬
‫النب إن كان وليا حقا‪.‬‬ ‫ُ ي‬ ‫أو‬ ‫للرسول‬ ‫تابع‬ ‫فهو‬ ‫الوَل‬
‫ي‬ ‫ا‬ ‫أم‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫وه‬ ‫وكذلك ما ادعته الفالسفة‪ ،‬من أن النبوة تنال باجتماع أوااف سموها ي‬
‫ه‬ ‫باطلة‪ ،‬بل ي‬ ‫القوة الحدسية‪ ،‬والقوة التخييلية‪ ،‬والقوة التأثيية؛ فكل هذه مزاعم‬
‫ً‬
‫من الكفر والزندقة‪ ،‬فالبد من اإليمان بأن رسالة أنبياء هللا‪ِ ،‬من عند هللا حقا‪.‬‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫جميعا‪ .‬وذلك أن رسل هللا دعواهم واحدة‪،‬‬ ‫الثائ‪ :‬اإليمان برسل هللا‬ ‫ي‬ ‫األمر‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ت ق ْو ُم نوف ال ُم ْر َسل َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ي﴾ [الشعراء‪ ،]105 :‬مع أنه أول‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وألجل ذا قال هللا تعاَل‪﴿ :‬كذب‬
‫تكذيبا لجميع المرسلي؛‬ ‫ً‬ ‫رسول أرسل إَل الناس‪ ،‬فجعل هللا تكذيبهم لرسول واحد‬
‫الدين َما َو رص به ُنوحاً‬ ‫‪ِّ َ ِّ ُ َ َ َ ََ :‬‬
‫ِ‬ ‫ألن دعوة األنبياء واحدة‪ ،‬قال هللا عز وجل ﴿شع لكم من‬
‫ْ َ َ َ ُ َ َ َ َ ْ َ ُ ِ ِّ َ َ َ ِ َ َ َ ر ُ‬ ‫َْ َ َْ َْ َ َ َ َ ر َْ‬ ‫َّ‬
‫َوال ِذي أوحينا ِإليك وما واينا ِب ِه ِإبر ِاهيم وموش و ِعيس أن أ ِقيموا الدين وَّل تتفرقوا‬
‫ر‬
‫يه﴾ [الشورى‪ .]13 :‬فالدين واحد‪ ،‬ودعوة األنبياء واحدة‪ ،‬واألنبياء إخوة ِل ِعًلت‪ ،‬دينهم‬ ‫ِف ِ‬
‫ر‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫وشائعهم ر‬
‫شب؛ فمن كذب رسوَّل ِمن ُر ُسل هللا فقد كذب بهم أجمعي‪ .‬فيجب‬ ‫واحد َ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫جميعا‪ ،‬ونؤمن بكل من أرسله هللا تعاَل إَل عباده‪ ،‬وأن نيلهم منازلهم‪،‬‬ ‫أن نؤمن بهم‬
‫ً ر‬ ‫َ‬
‫وال ن ْغ ِم ُط أحدا حقه‪.‬‬
‫وقد كفرت اليهود بإنكارهم رسالة عيس ومحمد عليهما الوات هللا وسالمه‪،‬‬
‫وأما أهل اإلسالم فإنه يؤمنون بجميع‬ ‫وكفرت النصارى بإنكارهم رسالة محمد ﷺ؛ ر‬
‫ر َّ َ ْ ُ َ‬
‫ين َيكف ُرون‬ ‫يفرقون بي أحد من رسل هللا‪ ،‬قال هللا عز وجل‪ِ ﴿ :‬إن ال ِذ‬ ‫أنبياء هللا‪ ،‬وال ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ُْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ُ َ ُ ُ َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ َ ُ ُ َ َ ُ َ ِّ ُ ْ‬
‫ض‬ ‫ض ْو َنكفر ِببع َ ٍ‬ ‫ون نؤ ِ ًّمن َ ِببع َ ٍ‬ ‫هللا ورس ِل ِه ويقول‬ ‫اهلل ورس ِل ِه وي ِريدون أن يفرقوا بي ِ‬ ‫ِب ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي ذل َك َسبيًل * أ ْول ئ َك ُه ُم الكاف ُرون َحقا َوأ ْع َتدنا للكافر َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َو ُيريدون أن َي رتخذوا َب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ين َعذ ًابا‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫ُّم ِهينا﴾ [النساء‪.]151-150 :‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬تصديقهم وقبول ما أخيوا به من عند هللا‪ :‬فما أخيت به رسل‬
‫شء من إلقاء الشيطان‪ ،‬ولو‬ ‫ووح معصوم‪ ،‬ال يمكن أن َيت َط رر َق إليه َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬
‫هللا فهو حق‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫َ َْ‬ ‫َّ‬ ‫وقع َشء من ذلك ر‬
‫ليهه هللا منه وخلصه من شوائبه‪ ،‬قال هللا تعاَل‪َ ﴿ :‬و َما أ ْر َسلنا‬ ‫َ ي‬
‫ُ‬ ‫ر َْ ُ‬ ‫َ َ َ ٍّ ر َ َ َ ر َ ْ رَ‬ ‫َ‬
‫ِم ْن ق ْب ِلك ِمن رسول وَّل ن ِ يب ِإَّل ِإذا تمب ألق الشيطان ِ يف أم ِني ِت ِه﴾ [الحج‪ .]52 :‬ومعب‬
‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ان ُث رم ُي ْحك ُم ُ‬ ‫ر َْ ُ‬ ‫هللا َما ُي ْل ر‬ ‫نس ُخ ُ‬ ‫تمب أي‪ :‬تال‪ ،‬وأمنيته أي‪ :‬تالوته‪َ ﴿ ،‬ف َي َ‬
‫هللا َآي ِات ِه‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫الش‬ ‫ق‬ ‫ِي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َ ْ‬ ‫يم َحك ٌ‬ ‫هللا َعل ٌ‬ ‫َو ُ‬
‫يم﴾ [الحج‪]. 52 :‬وقال يف حق نبيه محمد ﷺ‪﴿ :‬وما ين ِطق ع ِن الهوى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ ر‬
‫ح يوح﴾ [النجم ‪ ]4-3‬فجميع ما أخيوا به عن هللا فهو حق وادق‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫* ِإن هو ِإَّل و ي‬
‫يف أخباره‪ ،‬وهو عدل يف أحكامه يف الوقت الذي نزل فيه‪.‬‬
‫َ َ َ ْ َ َْ‬
‫وأما األمر الرابع‪ :‬وجوب طاعتهم واتباعهم والتحاكم إليهم‪﴿ .‬وما أرسلنا ِمن‬
‫ً‬ ‫ر َ َ ْ‬ ‫ر ُ‬
‫آمرا نبيه محمدا ﷺ أن يعلن‬ ‫هللا﴾ [النساء‪ .]64 :‬وقال سبحانه ً‬ ‫رسول ِإال ِل ُيطاع ِب ِإذ ِن ِ‬
‫َُ‬ ‫ً َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ َ ُّ َ ر ُ ِّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫هللا ِإليكم ج ِميعا ال ِذي له‬ ‫جميعا‪﴿ :‬قل يا أيها الناس ِإ يئ رسول ِ‬ ‫عالميا للناس‬ ‫إعالنا‬
‫األ ِّ ِّ‬ ‫ر ِّ ُ‬ ‫وا باهلل َو َر ُ‬ ‫َُ ُ َ ُ ْ‬ ‫األ ْرض ال إ َل َه إال ُه َو ُي ْ‬ ‫َ َ‬ ‫الس َم َ‬ ‫ر‬ ‫ُْ ُ‬
‫م‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫الن‬
‫ِِ ِي‬ ‫ه‬ ‫ول‬ ‫س‬ ‫ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫آم‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫يت‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ي‬‫و‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ات‬ ‫ِ‬ ‫او‬ ‫ك‬ ‫مل‬
‫َ ر ُ ُ َ َ َ ّ ُ ْ َْ َُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫َّ‬
‫اهلل وك ِلم ِات ِه وات ِبعوه لعلََكم تهتدون﴾ [األعراف ‪ .]158‬وقد جعل هللا‬
‫‪:‬‬ ‫ال ِذي يؤ ِمن ِب ِ‬
‫َ َ ْ َ ُْ‬ ‫ُ ْ ْ ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وئ يح ِببكم هللا ويغ ِفر لكم‬ ‫المحنة قوله‪﴿ :‬قل ِإن كنتم ت ِحبون هللا فات ِبع ِ ي‬ ‫تعاَل آية ِ‬
‫ُُ ُ‬
‫ذنوبك ْم﴾ [آل عمران‪ .]31 :‬والبد من التحاكم إليهم وعدم التحاكم إَل من ِسواهم‪ ،‬قال‬
‫‪ َ َ ُ ُ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ َ َ :‬ر ُ ْ َ ُ َ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ ْ َ‬
‫ربنا عز وجل ﴿ألم تر ِإَل ال ِذين يزعمون أنهم آمنوا ِبما أن ِزل ِإليك وما أن ِزل ِمن قب ِلك‬
‫ان َأ ْن ُيض َّل ُهمْ‬ ‫َُ ُ ر َْ ُ‬
‫وت وقد أ ِمروا أن يكفروا ِب ِه وي ِريد الشيط‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ ُ ُ َْ َ ُْ‬ ‫ُ ُ َ َ ْ ََ َ َُ َ ر ُ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي ِريدون أن يتحاكموا ِإَل الطاغ ِ‬
‫َ َ ُ ُّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يل َل ُه ْم َت َع َال ْوا إ َٰل َما أ َنز َل ُ‬
‫َ‬ ‫يدا َوإ َذا ق َ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬
‫ول َرأ ْيت ال ُمن ِاف ِقي يصدون‬ ‫َ ِ‬ ‫س‬ ‫هللا َوإَل ر‬
‫الر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫الال‬ ‫ض‬
‫ْ ُر َ ُ َ َ ْ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ ُ ً ِ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ ُّ َ ٌ َ ِ َ ر َ ْ‬
‫عنك ادودا * فكيف ِإذا أاابتهم م ِصيبة ِبما قدمت أي ِد ِيهم ثم جاءوك يح ِلفون‬
‫ض َع ْن ُهمْ‬ ‫هللا َما ف ُق ُلوب ه ْم َف َأ ْعر ْ‬ ‫ين َي ْع َل ُم ُ‬ ‫ول ٰ ئ َك َّالذ َ‬ ‫ْ ََ ْ َ ر ْ َ ً َ َ ْ ً ُ َ‬
‫ُِ ي‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ِإن أردنا ِإَّل ِإحسانَا وتو ِفيقا * أ ِ‬ ‫ِب ِ‬
‫ِ ِ َ َ َِ ْ َ َْ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َو ِعظ ُه ْم َوقل ل ُه ْم ِ يف أنف ِس ِه ْم ق ْوَّل َب ِليغا﴾ [النساء‪ .]63-60 :‬ثم قال‪﴿ :‬وما أرسلنا ِمن‬
‫ر َُ َ ْ‬ ‫ر ُ‬
‫هللا﴾ [النساء‪.]64 :‬‬ ‫رسول ِإال ِليطاع ِب ِإ ِ ِ‬
‫ن‬ ‫ذ‬
‫حر ٌّي بمن‬ ‫واألمر الخامس‪ :‬مواالتهم ومحبتهم وتوقيهم والسالم عليهم‪ِ .‬‬
‫سفيا بينه وبي خلقه‪ ،‬أن يكون له من الميلة والمقام ما يستحق به هذه‬ ‫ً‬ ‫اختاره هللا‬
‫األحكام‪ ،‬فالبد من مواالته أي‪ :‬محبته ونضته‪ ،‬والبد من تقديم محبته عىل محبة‬
‫ََ‬
‫وول ِد ِه‬ ‫وال ِد ِه‬ ‫ر ُ َ َ ر َْ‬ ‫َ ُْ ُ َ ُ ُْ‬
‫كل أحد‪ ،‬كما قال نبينا ﷺ‪َّ« :‬ل يؤ ِمن أحدكم‪ ،‬حب أِون أحب إلي ِه ِمن َِ‬
‫أح ُّب‬ ‫اَّلل‪َ ،‬أل ْن َت َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ر‬
‫اس أج َم ِعي »[البخاري‪ ،15 :‬وسلم‪ «،]44 :‬فقال له ع َم ُر‪ :‬يا رسول ِ‬ ‫ِ‬ ‫والن‬
‫َْ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫النب َا َّىل ُ‬ ‫ُّ‬ ‫إَل من ُك ِّل َشء رإَّل من َن ْفس‪َ ،‬ف َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ِ ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫والذي‬ ‫‪،‬‬ ‫َّل‬ ‫‪:‬‬‫م‬ ‫وسل‬ ‫عليه‬ ‫هللا‬ ‫َي‬ ‫قال‬ ‫ِ َ ِ ي‬ ‫ُي‬ ‫ي ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫قال له ع َم ُر‪ :‬فإنه اآلن‪ ،‬واَّلل‪ ،‬ألنت َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫أح رب إل ْيك من نفسك ف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حب أِون َ‬ ‫َبيده‪ ،‬ر‬
‫أح ُّب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هللا عليه وسل َم‪ :‬اآلن يا ُع َم ُر »[البخاري‪.]6632 :‬‬ ‫النب َاىل ُ‬ ‫قال ُّ‬ ‫إَل من نفس‪ ،‬ف َ‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ِ ي‬ ‫ي ِ‬
‫كذلك البد من توقيهم بمعب إجاللهم‪﴿ :‬ل ُت ْؤم ُنوا باهلل َو َر ُسوله َو ُت َع ِّز ُروهُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وه﴾ [الفتح‪.]9 :‬‬ ‫َو ُت َو ِّق ُر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫وكذلك أيضا من حقهم السالم عليهم‪ ،‬فقد قال ربنا عز وجل‪َ ﴿ :‬و َسًل ٌم َعىل‬
‫ي﴾ [الصافات‪ ،]181 :‬وذلك لسالمة ما قالوه من النقص والعيب؛ ِولنبينا ﷺ‬ ‫ْال ُم ْر َسل َ‬
‫ِ‬
‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ ُّ َ َْ‬
‫من ذلك أوفر الحظ وأوفاه‪ ،‬فقد قال هللا عز وجل‪﴿ :‬يا أيها ال ِذين آمنوا الوا علي ِه‬
‫يما﴾ [األحزاب‪ .]56 :‬فجمع هللا له بي الصالة والسالم معا‪.‬‬ ‫َو َس ِّل ُموا َت ْسل ً‬
‫ِ‬
‫فالواجب عىل كل مؤمن إعطاء أنبياء هللا حقهم من المحبة والتوقي والمواالة‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وإعطاءهم فضائلهم‪.‬‬ ‫وعدم التفريق بينهم‪ ،‬وتييلهم منازلهم‪،‬‬
‫ر َ ُّ‬ ‫فاضل وخاير بينهم‪ ،‬لكن ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫خاير بينهم عىل سبيل التنقص‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫هللا‬ ‫بأن‬ ‫والعلم‬
‫فإن ذلك ُم ر‬ ‫ر‬
‫حرم؛‬ ‫كما األ عىل سبيل المباهاة والتفاخر‪ ،‬والسب والتنقص للطرف اآلخر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫ْ َ ُّ ُ ُ َ ر ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ‬ ‫ر‬
‫ض﴾‬ ‫أما وجود الفضل‪ ،‬فقد قال هللا عز وجل‪ِ ﴿ :‬تلك الرسل فضلنا بعضهم عىل بع ٍ‬
‫[البقرة‪.]253 :‬‬
‫الوحدة الرابعة‪ :‬اإلميان باليوم اآلخر‪ ،‬والقدر خريه وشره‪.‬‬
‫الدرس األول من الوحدة الرابعة‪ :‬اإليمان باليوم اآلخرومقتضياته‪.‬‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬


‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من أربعة عنارص‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬معب اإليمان باليوم اآلخر‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬من مقتضيات اإليمان باليوم اآلخر اإليمان بما بعد الموت‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫● العنض الثالث‪ :‬من مقتضيات اإليمان باليوم اآلخر اإليمان بالساعة َ‬
‫وأشاطها‪.‬‬
‫● العنض الرابع‪ :‬من مقتضيات اإليمان باليوم اآلخر اإليمان بالبعث‪.‬‬

‫العنض األول‪ :‬معب اإليمان باليوم اآلخر‪.‬‬


‫قرنه باهلل تعاَل باإليمان به يف‬ ‫ِ‬ ‫اإليمان باليوم اآلخر‪ ،‬هذا الركن العظيم الذي َي‬
‫‪ ْ َ ْ َ :‬ر َ ْ ُ َ ُّ ُ ُ َ ُ ْ َ َ ْ َ َْ‬
‫ّش ِق‬ ‫غي ما موضع‪ ،‬فقد قال هللا تعاَل ﴿ليس ال ِي أن تولوا وجوهكم ِقبل الم‬
‫ر َّ َ َ ُِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َو ْال َم ْغرب َو َل ٰ ك رن ْال ري َم ْن َ‬
‫آم َ‬
‫اهلل َوال َي ْو ِم اآل ِخ ِر﴾ [البقرة‪ ،]177 :‬وقال‪ِ ﴿ :‬إن ال ِذين آمنوا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ ِ ِ َ ُ ْ‬
‫اآلخ ِر﴾ [البقرة‪ .]62 :‬وقال يف‬ ‫اهلل واليو ِم ِ‬ ‫وال ِذين هادوا والنصارى والص ِاب ِئي من آمن ِب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُْ َ ٌ َ َ َ‬ ‫ان َل ُك ْم ف َر ُ‬ ‫ََ ْ َ َ‬
‫هللا أسوة حسنة ِلمن كان يرجو هللا واليوم اآل ِخر﴾‬ ‫ول ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِي‬ ‫موضع‪﴿ :‬لقد ك‬
‫[األحزاب‪.]21 :‬‬
‫فاإليمان بالمعاد أال عظيم جاء به كل رسول‪ ،‬ونطق به كل كتاب‪ ،‬وال يمكن‬
‫كافرا‪ .‬فاإليمان باليوم اآلخر هو االعتقاد الجازم بأن‬ ‫ألحد أن ُينكر المعاد إال أن يكون ً‬
‫إن ً‬ ‫ْ‬ ‫أجل الناس ليوم ُيبعثون فيه بعد موتهم‪ُ ،‬‬ ‫هللا تعاَل ر‬
‫خيا‬ ‫ويجزون عىل أعمالهم‪،‬‬
‫شا َ‬ ‫وإن َ ًّ‬‫ْ‬
‫فّش‪.‬‬ ‫فخي‪،‬‬
‫الثائ‪ :‬من مقتضيات اإليمان باليوم اآلخر اإليمان بما بعد الموت‪.‬‬
‫العنض ي‬
‫ر‬
‫الذي يكون بعد الموت هو فتنة القي وعذاب القي ونعيمه؛ وذلك أن اإليمان‬
‫والقيامة قيامتان‪ :‬قيامة‬ ‫باليوم اآلخر يكون ابتداؤه من حي أن تقوم قيامة اإلنسان‪ِ ،‬‬
‫ُ‬
‫وه‬ ‫وه مفارقة الروف للبدن‪ .‬وقيامة كيى‪ :‬ي‬ ‫اغرى تتعلق بكل إنسان عىل حدة‪ ،‬ي‬
‫الب َي ْح ُصل بها هالك العالم‪ ،‬واندثار نظام الدنيا‪.‬‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫يعب‬ ‫وذلك‬ ‫‪،‬‬‫القي‬ ‫فتنة‬ ‫هو‬ ‫ذلك‬ ‫وأو ُ‬
‫ل‬ ‫فالبد من اإليمان بما يكون بعد الموت‪ .‬ر‬
‫ي‬
‫سؤال الملكي للميت عن ثالثة مسائل‪ :‬عن ربه‪ ،‬وعن دينه‪ ،‬وعن نبيه‪ ،‬كما َاح ذلك‬
‫فيقعدانه فيسأالنه عن ربه ودينه ونبيه؛ فأما‬ ‫ف الحديث الصحيح‪ :‬رأنه يأتيه ملكان ُ‬
‫ي‬
‫ر‬
‫ونبب محمد؛ وأما الكافر أو المرتاب أو الشاك‬ ‫ي‬ ‫ديب‬ ‫رئ هللا‪ ،‬واإلسالم ي‬ ‫المؤمن فيقول‪ :‬ي‬
‫شيئا فقلته‪ُ .‬‬ ‫ً‬
‫فيضب بمرزبة من‬ ‫فيقول‪ :‬ها‪ ،‬ها‪ ،‬ال أدري! سمعت الناس يقولون‬
‫يسمعه كل َشء إال الثقالن‪ ،‬ولو سمعها الثقالن ُ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬
‫لص ِعقوا‪ ،‬ثم‬ ‫ي‬ ‫ايحة‬ ‫حديد فيصيح‬
‫ٌ ََ‬
‫نعيم َيتن رعم به المؤمن إَل أن تقوم الساعة‪ ،‬كما جاء‬ ‫يعقب ذلك إما نعيم وإما عذاب؛‬
‫ُ‬ ‫َُ ر ا‬
‫ذلك مفصًل يف حديث الياء بن عازب "أنه يفتح له باب إَل الجنة‪ ،‬فيأتيه من روحها‬ ‫‪:‬‬
‫ونعيمها‪ ،‬ويأتيه رجل حسن الوجه طيب الري ح يقول‪ :‬أنا عملك الصالح أو عذاب‬
‫َ‬ ‫دائم وهو ما يقع للكافر‪ ،‬فيفتح له فتحة إَل النار‪ ،‬فيأتيه من ُ‬
‫سمومها وقش ِبها‪ ،‬ويأتيه‬
‫ُ‬ ‫رجل بشع المنظر ر‬
‫السء‪ ،‬فال يزال يف عذاب إَل أن تقوم‬ ‫ي‬ ‫عملك‬ ‫أنا‬ ‫‪:‬‬‫ول‬‫يق‬ ‫مني الري ح‬
‫الساعة"‪.‬‬
‫وحدين َش ٌء من العذاب ُ‬ ‫الم ِّ‬ ‫لكن ربما لحق بعض ُعصاة ُ‬ ‫َ‬
‫المؤقت‪ ،‬يدل عىل‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ر‬
‫رص هللا عنهما‪ ،‬أن‬ ‫حديث عبد رهللا بن عمر ر ي‬ ‫ذلك ما رواه مسلم يف احيحه‪ِ ،‬من‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫كبي رثم قال‪:‬‬ ‫بان يف ٍ‬ ‫بان وما يعذ ِ‬
‫ُ‬
‫النب ﷺ بقيين‪ ،‬فقال‪« :‬إنهما ليعذ ِ‬ ‫النب ﷺ‪" :‬مر‬
‫ُْ‬ ‫ُي ر‬ ‫ي‬
‫يعب يف أمر يشق عليهما‪ ،‬ويكي عليهما تالفيه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫بىل» أي‪ :‬أنهما ليعذبان يف كبي‪،‬‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫ر َ ُ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يم ِة أي‪ :‬القال‬ ‫النم َ‬
‫س ِب ِ‬ ‫ان َي ْم َِ‬ ‫ولكنه يف حقيقته كبي عند هللا عز وجل‪ -‬أما أحدهما فك‬
‫ي‬
‫فكّشه باثني ثمر‬ ‫عودا َ‬ ‫ً‬ ‫ر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ر ْ َ ُ‪ُ َْ ْ َ َ َ َ َ :‬‬
‫ِ‬ ‫بي الناس‪ ،-‬وأما اآلخر فكان ال يست ِيئ ِمن البو ِل‪ ،‬ثم أخذ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫قي ثم قال‪ ( :‬لعله يخفف عنهما العذاب ما لم ييبسا »[رواه‬
‫َّ ُ ر ُ‬ ‫ر‬ ‫َ ر‬
‫غرز كل واحد منهما عىل ٍ‬
‫لق باليوم اآلخر‪.‬‬ ‫َ ٌ‬
‫مسلم‪ .]292 :‬فهذا مما يجب اإليمان به‪ِ ،‬مما له تع‬
‫وأشاطها‪.‬‬ ‫العنض الثالث‪ :‬من مقتضيات اإليمان باليوم اآلخر اإليمان بالساعة َ‬
‫ْ َ‬ ‫ٌ‬
‫اإليمان بالساعة حق‪ ،‬عىل كل مسلم أن يعتقد أن الساعة حق‪َ ﴿ ،‬ما ُيد ِريك‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ر َ َ َ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫اع َة َقر ٌ‬ ‫َل َع رل ر‬
‫يب﴾ [الشورى‪َ ﴿ ،]17:‬ي ْسألونك َع ِن الس‬ ‫الس َ‬
‫يم أنت ِمن‬ ‫اع ِة أ ريان ُم ْر َساها * ِف‬ ‫َ ِ‬
‫ر َ َر َ ُ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ َ‬
‫ِذك َراها * ِإَل َربك منتهاها﴾ [النازعات‪ ﴿ ،]44 :42 :‬يسألونك ع ِن الساع ِة أيان مرساها‬ ‫ُ‬
‫ر ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ر‬
‫ق ْل ِإن َما ِعل ُم َها ِعند َر ِّ يئ َّل ُي َجل َيها ِل َوق ِت َها ِإَّل ه َو﴾ [األعراف‪.]187 :‬‬
‫ر ُ‬ ‫وحي سأل جييل رسول هللا ﷺ عن الساعة قال‪ « :‬ر‬
‫الساعة قال ما‬ ‫فمب‬
‫َ َ ر‬ ‫ُ‬
‫خق ال يعلمه‬ ‫ي‬ ‫المسئول عنها بأعلم من السائل »[البخاري‪ ،50 :‬مسلم‪ .]9 :‬فأمر الساعة ِ‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫إال هللا؛ فمن ادىع علم الساعة فقد كذب‪ ،‬فهذا مما استأثر هللا بعلمه بقوله‪﴿ :‬إن‬
‫س»‬ ‫مفاتيح الغيب َخ ْم ٌ‬ ‫ُ‬
‫«‬ ‫ﷺ‪:‬‬ ‫النب‬ ‫قال‬ ‫وقد‬ ‫‪،‬‬ ‫‪:‬‬ ‫﴾‬ ‫ة‬ ‫الس َ‬
‫اع‬ ‫ند ُه ع ْل ُم ر‬ ‫َّ َ َ‬
‫اَّلل ِع‬
‫ِ‬ ‫ْ ي‬ ‫]‬ ‫‪34‬‬ ‫[لقمان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َ‬ ‫ند ُه عل ُم ر‬ ‫‪ :‬ر َّ َ َ‬ ‫ُ‬
‫اع ِة﴾ [لقمان‪ .]34 :‬فمهما ادىع‬ ‫ِ‬ ‫[البخاري‪ ،]7379 :‬ثم تال قوله ﴿إن اَّلل ِع‬
‫أثيم‪.‬‬‫فهو رأفاك ٌ‬ ‫أن خراب العالم ونهاية الدنيا سيكون عام كذا وكذا‪ُ ،‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ُمد ٍع‪،‬‬
‫َ َْ ُ ْ ر َ ْ َا‬ ‫ومن شأن الساعة أنها ر‬
‫ومن‬ ‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫]‬ ‫‪187‬‬ ‫‪:‬‬ ‫اف‬ ‫ر‬ ‫[األع‬ ‫﴾‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫َّل‬‫إ‬ ‫م‬‫يك‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫َّل‬ ‫﴿‬ ‫بغتة‪،‬‬ ‫تأئ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ر َي ر َ َ ْ ْ َ َ َ ْ ُ ِ َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫شأنها أنها شيعة ﴿وما أمر الساعة ِإَّل كلم ِح البضأو هو أقرب﴾ [النحل‪.]77 :‬‬
‫فيجب اإليمان بالساعة‪ ،‬وإذا وقعت الساعة اندثر نظام العالم كما واف ربنا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وم ْان َك َد َر ْت * َوإ َذا ْالج َب ُ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫الن ُج ُ‬ ‫‪ َ :‬ر ْ ُ ُ ِّ َ ْ‬
‫ال ُس ِّ َيت * َو ِإذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ت‬ ‫عز وجل ﴿ ِإذا الشمس كور‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ ُْ ُ ُ ُ َ َ ْ‬ ‫ْ َ ُ ُ ِّ َ ْ‬
‫ّشت * َو ِإذا ال ِب َح ُار ُس ِّج َرت﴾[التكوير‪﴿ ،]6-1 :‬إذا‬ ‫ال ِعشار عطلت * و ِإذا الوحوش ح ِ‬
‫ور ُب ْع ِ َ َيت﴾‬ ‫الس َم ُاء ْان َف َط َر ْت * َوإ َذا ْال َك َواِ ُب ْان َت ََ َي ْت * َوإ َذا ْالب َح ُار ُف ِّج َر ْت * َوإ َذا ْال ُق ُب ُ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عي فليقرأ‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫القيامة كأنه رأي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫حديث‪« :‬من ش ْه َأن ينظر إَل ِ‬
‫يوم‬ ‫[االنفطار‪ .]4-1 :‬جاء يف‬
‫ر‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ ر ْ ُ ُ ِّ َ ْ‬
‫﴿ ِإذا الشمس كورت﴾ و﴿ ِإذا السماء انفطرت﴾ »[أخرجه اليمذي ‪ ،3333‬وأحمد ‪5755‬‬
‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬
‫واللفظ له]‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ ً‬
‫سماها هللا تعاَل‪َ :‬أشاطا‪ .‬قال تعاَل‪﴿ :‬ف َه ْل‬ ‫وبي يدي الساعة تقع عالمات ر‬
‫ْ‬ ‫َ ُ ُ َ ر ر َ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ ا َ َ ْ َ َ َْ َ ُ َ َ َ ر َ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ ْ َ ُ‬
‫ينظرون ِإَّل الساعة أن تأ ِتيهم بغتة فقد جاء أشاطها فأئ لهم ِإذا جاءتهم ِذكراهم﴾‬
‫وأشاط كيى‪.‬‬ ‫وأشاط الساعة نوعان‪َ :‬أشاط اغرى َ‬ ‫[محمد‪ ،]18 :‬ال ينفعهم ذلك‪َ .‬‬
‫لنب ﷺ مما يكون بي يدي‬ ‫فه كل ما أخي به ا‬ ‫األشاط الصغرى‪:‬‬ ‫‪ -‬فأما َ‬
‫َْ َ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫َ‬
‫الساعة‪ ،‬وأول ذلك‪ :‬والدته‪ ،‬ثم مبعثه ﷺ‪ ،‬ثم وفاته‪ ،‬إَل أن تبت ِدأ أشاط‬
‫ا‬
‫العّش‪ ،‬فما بي ذلك كله َأشاط اغرى‪ .‬فمن ذلك مثًل‪:‬‬ ‫الساعة الكيى َ‬
‫طاعون عمواس الذي أااب المسلمي يف بالد الشام‪ ،‬ومنه فتح بيت‬
‫ومنه انحسار الفرات عن جبل من‬ ‫وفتح القسطنطينية‪ِ ،‬‬ ‫المقدس‪،‬‬
‫ُ ُ‬
‫ذهب‪ ،‬ومنه فشو الجهل‪ ،‬وانتشار الزنا والربا‪ ،‬وتقارب األسواق وغي‬
‫العّشات‪.‬‬ ‫الب تبلغ َ‬ ‫ر‬
‫ذلك من العالمات ي‬
‫أئ جحيفة الغفاري‬ ‫ي‬ ‫فه ما دل عليه حديث‬ ‫ي‬ ‫‪ -‬وأما َأشاط الساعة الكيى‪:‬‬
‫ُ ََ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ َّ‬ ‫ر َ‬
‫ونحن نتذاِ ُر فقال «ما‬ ‫وآله وسلم علينا‬ ‫النب اىل هللا عليه ِ‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫قال‪ :‬اط‬
‫قبلها َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ َ‬
‫عّش‬ ‫حب َتروا‬‫تقوم ر‬ ‫تذكرون» قالوا‪ :‬نذك ُر الساعة‪ ،‬قال‪ «:‬إنها لن‬
‫ون َ‬ ‫ُ‬ ‫رَ ُ َ‬ ‫ر‬
‫والدج َ‬ ‫َ ر َ‬
‫زول‬ ‫مغرب ها‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫الشمس‬
‫ِ‬ ‫لوع‬ ‫وط‬ ‫ة‬ ‫والداب‬ ‫ال‬ ‫خان‬ ‫آيات فذكر الد‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ومأجوج وثالث‬ ‫ويأجوج‬ ‫وآله وسلم‬ ‫ابن مريم اىل هللا عليه ِ‬ ‫ُعيس ِ‬
‫بالمغرب وخ ٌ‬ ‫َ‬ ‫سف َ‬ ‫َ‬
‫بالم َّشق وخ ٌ‬ ‫سف َ‬ ‫َ‬
‫خسوف خ ٌ‬
‫العرب‬ ‫ِ‬ ‫بجزيرة‬
‫ِ‬ ‫سف‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ ُ ُ َ َ َ ُُ‬
‫حّشهم »[مسلم‪.]2901 :‬‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫إَل‬ ‫الناس‬ ‫د‬ ‫وآخ ُر ذلك نار تخرج من اليم ِن تطر‬ ‫ِ‬
‫النب ﷺ‪.‬‬ ‫أو كما قال ي‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وهذه َ‬
‫ويأئ‬
‫فكعقد انقطع نظامه؛ أي أنها تت ُّتابع ي‬ ‫األشاط الكيى إذا ابتدأت ِ‬
‫َ ٌ‬
‫تعلق باليوم‬ ‫النب ﷺ‪ ،‬وهذا له‬ ‫بعضها إثر بعض‪ ،‬فالبد من اإليمان بكل ما أخي به ي‬
‫اآلخر‪.‬‬

‫العنض الرابع‪ :‬من مقتضيات اإليمان باليوم اآلخر اإليمان بالبعث‪.‬‬


‫ُ ا‬ ‫ا‬
‫لموئ من قبورهم ُحفاة‪ُ ،‬عراة‪ ،‬غرَّل‪،‬‬ ‫المقصود بالبعث‪ ،‬هو إخراج هللا تعاَل ل ر‬
‫ِ‬
‫س يومَ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫بعث النا ُ‬ ‫ُ‬
‫هما‪ ،‬كما واف النب ﷺ ف حديث عائشة رص هللا عنها‪« :‬ي َ‬ ‫ُب ً‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ ا ُ ا ُ ْ يا‬
‫وف رواية‪« :‬بهما» أي‪ :‬حفاة غي منتعلي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫القيامة حفاة عراة غر َُّل ا»[البخاري‪ ،]6527 :‬ي‬
‫ِ‬
‫ر‬ ‫عراة‪ :‬غي مكتسي‪ ،‬غرَّل‪ :‬أي غي مختوني‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الب تكون عىل رأس‬ ‫بمعب ْأن ُّالقلفة ي‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ َ َ‬
‫يد ُه﴾ [األنبياء‪ُ ،]104 :‬ب ْه ًما‪:‬‬ ‫الذكر عند الوالدة تعود مع ااحبها‪﴿ ،‬ك َما َبدأنا أ رو َل خلق ن ِع‬
‫فت َتشقق األرض عن هذه األجداث ويخرج الناس‪ ،‬يخرجون ً‬
‫قياما‬
‫َ ‪َ .‬‬
‫شء‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ليس معهم ي‬
‫َ‬ ‫الس َم َاوات َو َمن ف األ ْ‬ ‫الصور ف َصع َق َمن ف ر‬ ‫لرب العالمي‪َ ﴿ :‬ونفخ ف ُّ‬
‫ض ِإَّل َمن ش َاء‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِي‬
‫ُْ َ ٰ َ َ ُ ْ َ ٌ َ ُ ُ َ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َّ ُ‬
‫يه أخرى ف ِإذا هم ِقيام ينظرون﴾‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل﴾ [الزمر‪ ،]68:‬هذه نفخة الصعق‪﴿ .‬ث رم ن ِفخ ِف‬
‫األ ْج َداث َك َأ رن ُهمْ‬ ‫َ ْ ُ ُ َ َ َْ‬
‫[الزمر‪ ،]68:‬وقد واف هللا تعاَل هذا المشهد بقوله‪﴿ :‬يخرجون ِمن‬
‫ِ‬
‫فيقاد‬ ‫ّش﴾ [القمر‪ُ .]8-7 :‬‬ ‫ون َه َذا َي ْو ٌم َع ِ ٌ‬ ‫َ َ ر َُ ُ َْ ُ َ‬
‫ّش * ُم ْه ِط ِعي ِإَل الد ِاع يقول الك ِافر‬ ‫َج َر ٌاد ُم ْن َت َِ ٌ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ ُ َ ر ُ ْ َْ ُ َ َْ ْ َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫األ‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫األ‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫و‬‫ي‬ ‫﴿‬ ‫لة‬ ‫مبد‬ ‫المحّش أرض‬ ‫المحّش‪ ،‬وأرض‬ ‫الناس إَل أرض‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َو ر َ ُ َ َ‬
‫َّلل ال َو ِاح ِد الق ره ِار﴾ [إبراهيم‪ .]48 :‬فاهلل تعاَل ُيعيد تخليق األرض‪،‬‬ ‫الس َماوات وب َرزوا ِ ِ‬
‫ُ رَ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ا‬
‫رتق‪،‬‬ ‫فبدَّل من كونها كروية تعود ممدودة ك َمد األديم‪ ،‬ليس فيها َم ْعلم ِأل َحد‪ ،‬ال جبل ي‬
‫نسق‬ ‫كي بها؛ بل الجميع َضاحون لرب العالمي عىل َ‬ ‫وال وادي ُيهبط‪ ،‬وال مغارة ُي ر ُّ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َْْ َ‬ ‫واحد‪ .‬يقول هللا سبحانه وتعاَل‪َ ﴿ :‬و ُنف َخ ف ُّ‬
‫اث ِإَل َ ِّرب ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫األ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ف‬
‫ِ ِ‬ ‫ور‬ ‫الص‬ ‫ِ ِي‬
‫رَْ َ َ َ َ َ ََ ر ْ َ ُ َ َ َ َ ُْْ َ ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ َ‬
‫َين ِسلون * قالوا َيا َو ْيلنا َمن َب َعثنا ِمن مرق ِدنا هذا ما وعد الرحمن وادق المرسلون﴾‬
‫[يس‪. ]52-51 :‬‬
‫النب ﷺ فيجب اإليمان به‪ ،‬ومن أنكر البعث فقد‬ ‫ي‬ ‫فهذا هو البعث الذي وافه‬
‫َُ ُ ر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ىل َو َر ِّئ ل ُت ْب َع َ ر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين َك َف ُروا أ ْن ل ْن ُي ْب َعثوا ق ْل َ‬ ‫كفر‪ ،‬قال تعاَل‪َ ﴿ :‬ز َع َم َّالذ َ‬
‫ي ث رم لتن ربؤن ِب َما‬ ‫ي‬ ‫ٰ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫َ ْ ُ َ َ َ َ َ َّ‬
‫اَّلل َي ِس ٌي﴾ [التغابن‪.]7 :‬‬ ‫ع ِملت ْم وذ ٰ ِلك عىل ِ‬
‫الدرس الثاني من الوحدة الرابعة‪ :‬اإليمان بالقيامة الكبرى ِوبالحساب والجزاء‪.‬‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬


‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬
‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من ثالثة عنارص‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬من مقتضيات اإليمان باليوم اآلخر اإليمان بالقيامة الكيى‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬من مقتضيات اإليمان باليوم اآلخر اإليمان بالحساب‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫● العنض الثالث‪ :‬من مقتضيات اإليمان باليوم اآلخر اإليمان بالجزاء‪.‬‬

‫العنض األول‪ :‬من مقتضيات اإليمان باليوم اآلخر اإليمان بالقيامة الكيى‪.‬‬
‫ر‬
‫قد سبق َم َعنا أنه ال يتم اإليمان باليوم اآلخر‪ ،‬إال باإليمان بما يكون بعد الموت‬
‫وأشاطها‪ ،‬ومن اإليمان‬ ‫من فتنة القي وعذاب القي ونعيمه‪ ،‬ومن اإليمان بالساعة َ‬
‫بالبعث‪ .‬ونضيف إَل ذلك أنه ال يتم اإليمان باليوم اآلخر إال باإليمان بالقيامة الكيى‬
‫ي﴾ [المطففي‪.]6 :‬‬ ‫اس ل َر ِّب ْال َع َالم َ‬
‫َْ َ َُ ُ ر ُ‬
‫ِ‬ ‫وه قيام الناس لرب العالمي‪﴿ ،‬يوم يقوم الن ِ‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ََ‬
‫وإنما سميت القيامة بهذا االسم ألسباب منها ما تلونا آنفا وهو‪ :‬قيام الناس‬
‫‪َ ْ َ َ َْ ُ َ ََ :‬‬
‫ين ال ِق ْسط ِل َي ْو ِم‬ ‫لرب العالمي‪ ،‬ومنها إقامة العدل لقول هللا تعاَل ﴿ونضع المو ِاز‬
‫َ َُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْال ِق َي َام ِة﴾ [األنبياء‪ ،]47 :‬ومنها ما دل عليه قوله تعاَل‪﴿ :‬إ رنا َل َن ُ ُ‬
‫آمنوا‬ ‫نض ُر ُسلنا َوال ِذين‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫‪.‬‬ ‫ُّ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ يف الحي ِاة الدنيا ويوم يقوم األشهاد﴾ [األنبياء ‪ ]47‬فسميت القيامة لقيام األشهاد‪،‬‬
‫‪:‬‬
‫والمقصود بها ما يجري من بعد بعث الناس وانشقاق القبور عنهم إَل أن يدخل أهل‬
‫الجنة الجنة وأهل النار النار‪ .‬وذلك يوم عظيم‪ ،‬ويوم طويل‪ ،‬ويوم مهيب‪ ،‬ويوم عسي‬
‫ر‬ ‫إال عىل من ر‬
‫يّشه هللا عليه‪ ،‬فيجري يف ذلك اليوم أحداث جسام منها‪ :‬أن الناس إذا‬
‫انشقت عنهم قبورهم دنت منهم الشمس قدر ميل أو ميلي‪ ،‬فيلحقهم من جراء‬
‫ر ر‬ ‫ٌ‬
‫حب إن العرق ليسيخ يف األرض سبعي ذراعا‪ ،‬ويعرق‬ ‫ذلك عرق عظيم وحر شديد؛‬
‫ُ‬
‫الناس عىل قدر أعمالهم؛ فمنهم من يبلغ العرق كعبيه‪ ،‬ومنهم من يبلغ ركبتيه‪ ،‬ومنهم‬
‫ُ ُ‬ ‫ْ‬
‫من يبلغ ِحقويه‪ ،‬ومنهم من يبلغ ثدييه‪ ،‬ومنهم من يبلغ ترقوته‪ ،‬ومنهم من يلجمه‬
‫نبينا ﷺ‪.‬‬ ‫العرق إلجاما‪ ،‬وف ظل هذا الحر العظيم الشديد يهرع المؤمنون إَل حوض ِّ‬
‫ي‬
‫َُ‬
‫النب ﷺ قال‪« :‬أنا فرطكم عىل‬ ‫فقد ثبت يف الصحاف والسي والمسانيد أن ي‬
‫ر‬
‫الحوض» [البخاري‪ ،]6575 :‬وأخي أن حوضه مسية شهر كل زاوية من زواياه مسية‬ ‫ِ‬
‫شهر‪ ،‬وأنه أحىل من العسل‪ ،‬ورائحته أطيب من رائحة المسك‪ ،‬وأبيض من اللي‪،‬‬
‫للّشب من حوضه‪،‬‬ ‫فيتهافت الناس من أمته َ‬ ‫وأن عدد كيانه عدد نجوم السماء‪َ ،‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫أبدا‪.‬‬ ‫فيناولهم ﷺ‪ ،‬فمن َشب منه َشبة واحدة لم يظمأ بعدها‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ر‬
‫وأحدث فإنه ُيذاد عنه‪ ،‬كما يف الحديث‪« :‬ليذادن أقوام من أم يب‪،‬‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫وأما من بدل‬ ‫ر‬
‫فبعدا لمن‬
‫‪ً ُ :‬‬
‫أحدثوا بعدك‪ ،‬فأقول‬ ‫فيقال‪ :‬إنك ال تدري ما ْ‬ ‫فأقول‪ُ :‬أ َا ْي َحائ ُأ َا ْي َحائ‪ُ ،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ُ‬
‫أحدث بعدي وسحقا"‪.‬‬
‫ُ‬
‫نّش الدواوين‪ :‬قال هللا سبحانه وتعاَل‪َ ﴿ :‬وك رل إ َ‬ ‫ومما يقع ف ذلك اليوم َ‬
‫نسان‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫َ ُ ْ ُ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ َ ً َْ َ ُ َ ُ ً َْْ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ُُ‬ ‫َْ َ َ‬
‫أل َز ْمن ُاه ط ِآئ َر ُه ِ يف عن ِق ِه ونخ ِرج له يوم ال ِقيام ِة ِكتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كق‬
‫مفتوحا يجد فيه‬ ‫ً‬ ‫يعب‬ ‫‪:‬‬ ‫ا‬
‫ر‬ ‫منشو‬ ‫ومعب‬ ‫‪،‬‬ ‫‪:‬‬ ‫﴾‬ ‫ا‬ ‫اليو َم َع َل ْي َك َحس ً‬
‫يب‬ ‫ب َن ْفس َك ْ‬
‫ي‬ ‫]‬ ‫‪14‬‬‫‪-‬‬ ‫‪13‬‬ ‫اء‬
‫ش‬ ‫[اإل‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫كل ما عمل‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ومما يقع ف ذلك اليوم نصب الموازين‪ :‬قال تعاَل‪َ ﴿ :‬ون َض ُع ال َم َواز َ‬
‫ين ال ِق ْسط‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫َ ْ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ُ َ ْ ٌ َ ْ ً َ َ َ ْ َ َ َ ر ِّ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ٰ َ‬
‫ِليو ِم ال ِقيام ِة فًل تظلم نفس شيئا و ِإن كان ِمثقال حبة من خردل أتينا ِبها وِق ِبنا‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫َحاسب َ‬
‫ي﴾ [األنبياء‪ ،]47 :‬وظاهر اآلية يدل عىل أنها موازين متعددة‪ ،‬وقيل إنها ميان‬ ‫ِ‬
‫ًّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ر‬
‫واحد‪ ،‬وإنما عددت بالنظر إَل مجموع الوزن فيها‪ .‬وأيا كان ذلك‪ ،‬فاألمر قريب ويجب‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حقيقيا من كونه ميانا له لسان وكفتان‪ ،‬كما دل عىل ذلك حديث‬ ‫إثبات الميان إثباتا‬
‫البطاقة‪.‬‬

‫الثائ‪ :‬من مقتضيات اإليمان باليوم اآلخر اإليمان بالحساب‪.‬‬ ‫العنض ي‬


‫َُ‬ ‫ر َ َٓ َ َُ ُ ر َ َ َ‬
‫ذلك اليوم هو يوم الحساب‪ِ ﴿ :‬إن ِإل ْينا ِإيابه ْم ث رم ِإن عل ْينا ِح َسابه ْم﴾ [الغاشية‪:‬‬
‫وينبع أن نعلم أن حساب الخالئق عىل نوعي‪ :‬حساب الكافرين وحساب‬ ‫ي‬ ‫‪.]26-25‬‬
‫المؤمني‪.‬‬
‫في ِق ُّروا‬ ‫وشكهم وأعمالهم‪ُ ،‬‬ ‫قرروا بذنوب هم َ‬ ‫‪ -‬فأما حساب الكافرين‪ :‬فهو أن ُي ر‬
‫ويعيفوا عىل رؤوس الخالئق فضيحة لهم‪ ،‬وإقامة للحجة عليهم‪،‬‬ ‫بها ر‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ثم ُيقذفون يف النار‪.‬‬
‫‪ -‬وأما حساب المؤمني‪ :‬فإنه عىل نوعي‪ :‬عرض‪ ،‬ومناقشة‪ .‬فأما العرض‬
‫فهو ِلمن سبقت له من هللا الحسب‪ ،‬فقد جاء يف حديث عبد هللا بن‬
‫‪ :‬ر َّ َ ْ‬
‫اَّلل ُيد ِ يئ‬ ‫النب ﷺ قال «إن‬ ‫ي‬ ‫رص هللا عنهما‪ ،‬يف احيح مسلم أن‬ ‫ي‬ ‫عمر‬
‫َ َ َ ُ َ ْ رُ ُ ُ َ ُ َ ُ َ ْ َ َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ‬
‫قول‪ :‬أت ْع ِرف ذن َب كذا‪ ،‬أت ْع ِرف‬ ‫المؤ ِم َن‪ ،‬ف َيض ُع عليه كنفه ويسيه‪ ،‬في‬
‫ر‬ ‫َْ‬ ‫ََ‬ ‫ر َ َرَُ ُ ُ‬ ‫أي َر ِّ‬‫قول‪َ :‬ن َع ْم ْ‬
‫في ُ‬ ‫َذ ْن َب َك َذا؟ َ‬
‫وب ِه‪ ،‬ورأى يف نف ِس ِه أنه‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫بذ‬ ‫ه‬ ‫ر‬‫ر‬ ‫ق‬ ‫ا‬‫إذ‬ ‫حب‬ ‫‪،‬‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ْ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ ‪ َ :‬رَ ْ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫ََ َ‬
‫يتها عليك يف الدنيا‪ ،‬وأنا أغ ِف ُرها لك اليوم »[البخاري‪،2441 :‬‬ ‫هلك‪ ،‬قال س‬
‫ومسلم‪ ،]2768 :‬فما أهنأه! وما أسعده! حي يقرع سمعه هذا الكالم من‬
‫رب رحيم‪ ،‬ودود غفور‪ ،‬سبحانه وبحمده‪ .‬هذا إنما يكون لمن أراد‬ ‫َل ُدن ٍّ‬
‫هللا تعاَل أن يغفر له‪ ،‬وأن يرحمه‪ ،‬وأن يعيذه من النار‪ .‬وأما من أراد هللا‬
‫ا‬ ‫ُ َ‬
‫ش مناقشة‪ ،‬والدليل عىل‬ ‫ناق ُ‬ ‫يعذبه ِمن ُعصاة الموحدين‪ ،‬فإنه ي‬ ‫َ‬ ‫تعاَل أن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫وس َب ُعذ َب» قالت َع ِائشة‪ :‬فقلت‬ ‫َ ُ‬
‫ذلك أن رسول هللا ﷺ قال‪« :‬من ح ِ‬
‫ر‬
‫ال‪« :‬إنما‬ ‫اس ُب ح َس ًابا َيس ًيا﴾ َف َق َ‬ ‫ف ُي َح َ‬ ‫ُ َّ ُ َ َ َ ‪َ ْ َ َ :‬‬
‫ليس يقول اَّلل تعاَل ﴿فسو‬ ‫َأو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ر َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ُ َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫اب َي ْه ِلك»‪ ،‬أي‪ :‬إذا دقق معه‪ ،‬فهذا‬ ‫ش الح َس َ‬
‫وق َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ول‬ ‫‪،‬‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫الع‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ذ‬
‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫دليل أنه سيعذب بقدر ذنبه‪ ،‬إقامة للحجة عليه‪ .‬فهذا هو الحساب‪،‬‬
‫الب أخي بها نبينا ﷺ‪.‬‬ ‫ر‬
‫فيجب اإليمان بالحساب عىل هذه الصفة ي‬
‫بق بعد ذلك أن نؤمن بما يجري بعده وهو العبور عىل الضاط‪ :‬فإن الناس‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫ر ر‬
‫أوَل العزم من‬ ‫ي‬ ‫إن‬ ‫ُيؤمرون بجواز الضاط‪ ،‬وهذا من أاعب مواقف القيامة؛ حب‬
‫والضاط‪ :‬هو الجّش المضوب عىل ر‬ ‫مقالت ُهم ْيو َمئذ‪ :‬اللهم سلم سلم‪ِّ .‬‬ ‫ُ‬
‫مي‬ ‫ِ‬ ‫الرسل‪،‬‬
‫جهنم‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫وأحر من الجمر‪،‬‬ ‫جاء يف بعض األحاديث أنه أدق من الشعر‪ ،‬وأحد من السيف‪،‬‬
‫ْ َ ٌ َّ ٌ‬
‫واح عنه ﷺ أنه قال‪« :‬إنه َمد َحضة َم ِزلة»‪ ،‬فيؤمر الناس بالجواز عليه‪ ،‬فمنهم من‬
‫المرسلة‪،‬‬ ‫يمر كلمح البض‪ ،‬ومنهم من يمر كشعشعة اليق‪ ،‬ومنهم من يمر كالري ح ُ‬
‫كركاب اإلبل‪ ،‬ومنهم من يمر يعدو‬ ‫ر‬
‫المضمر‪ ،‬ومنهم من يمر‬ ‫ومنهم من يمر كالجواد‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫يمس عىل مقعدته‪-‬‬ ‫مشيا‪ ،‬ومنهم من يزحف زحفا‪- ،‬أي‪َ :‬‬ ‫ً‬ ‫يمس‬ ‫عدوا‪ ،‬ومنهم من َ‬ ‫ً‬
‫ي‬ ‫َ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ي‬
‫النب ﷺ‬ ‫ر‬
‫وه حديدة معقوفة شبهها ي‬ ‫جنبب الضاط كالليب ‪-‬جمع كلوب ي‬ ‫ي‬ ‫وعىل‬
‫ْ‬
‫فتخ َط ُ‬ ‫بشوك السعدان وهو َ‬
‫ف الناس بأعمالهم‪ ،‬قال‬ ‫شء يعرفونه يف باديتهم‪،-‬‬ ‫ي‬
‫الن ِار »[مسلم‪ ،]195 :‬قال هللا عز وجل‪:‬‬ ‫ر‬ ‫وم ْك ُد ٌ‬
‫وس يف‬ ‫وش ناج‪َ ،‬‬ ‫رسول هللا‪َ « :‬ف َم ْخ ُد ٌ‬
‫الظالميَ‬‫َ ْ ْ ُ ْ ر َ ُ َ َ َ َ َ ٍ َ ِّ َ َ ْ ً َ ْ ًّ ُ ر ُ َ ِّ َّ َ ر َ َ َ َ ُ َّ‬
‫ج ال ِذين اتقوا ونذر ِ ِ‬ ‫﴿و ِإن ِمنكم ِإَّل و ِاردها كان عىل ربك حتما مق ِضيا * ثم نن ي‬
‫ِف َيها ِج ِث ًّيا﴾ [مريم‪.]72 :71 :‬‬
‫جاز أهل اإليمان الضاط‪ ،‬اجتمعوا يف موضع يقال له‪ :‬القنطرة‪ ،‬وذلك ل ي‬ ‫َ‬
‫فإذا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫وشجار يف هذه‬ ‫يتغافروا ويتعافوا ويصفح بعضهم عن بعض؛ ِلما كان بينهم ِمن ِمح ٍن ِ‬
‫حب يدخلوا الجنة عىل أكمل زينة ظاهرة وباطنة‪.‬‬ ‫الدنيا‪ ،‬ر‬

‫العنض الثالث‪ :‬من مقتضيات اإليمان باليوم اآلخر اإليمان بالجزاء‪.‬‬


‫المراد باإليمان بالجزاء اإليمان بأن هللا تعاَل خلق الجنة والنار‪ ،‬خلق الجنة‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ا‬
‫الب أعدها هللا‬ ‫ه الدار ي‬ ‫جزاء للمتقي‪ ،‬وخلق النار جزاء ُ وعقوبة للكافرين‪ .‬فالجنة ي‬
‫بّش‪ .‬فيها من انوف‬ ‫عي رأت وال أذ ٌن سمعت وال خطر عىل قلب َ‬ ‫ألوليائه‪ ،‬فيها ما ال ٌ‬
‫حور وقصور‪ ،‬فيها مآكل ومشارب‬ ‫النعيم الحس والمعنوي ما ال يخطر ببال‪ .‬فيها ٌ‬
‫ّ‬ ‫ِ ي‬
‫ولي لم يتغي طعمه‪ ،‬وخمر لذة للشاربي‪ ،‬وعسل مصق إَل غي‬ ‫من ماء غي آسن ٌ‬
‫ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫َ َ‬
‫ذلك من انوف النعيم‪ .‬فمن دخلها‪ ،‬لم يخرج منها‪.‬‬
‫الب أعدها هللا ألعدائه من الكافرين‬ ‫وأما النار والعياذ باهلل‪ ،‬فه الدار ر‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫‪ُ َ :‬‬ ‫َ‬
‫الحس والمعنوي ما ال يخطر ببال ﴿وهم‬ ‫ي‬ ‫والمّشكي‪ ،‬فيها من انوف العذاب‬
‫َََْ ََ َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُر َ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َ ّ َ َ ْ ْ َ َ ْ َ َ ْ َّ‬
‫يصط ِرخون ِفيها ربنا أخ ِرجنا نعمل غي ال ِذي كنا نعمل﴾ [فاطر‪﴿ ،]37 :‬عليها مًل ِئكة‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ ٌ َ َ ْ ُ َ َّ َ َ ُ‬ ‫َ ٌ‬
‫اَّلل َما أ َم َره ْم َو َيف َعلون َما ُيؤ َم ُرون﴾ [التحريم‪َ ﴿ ،]6 :‬و َما َج َعلنا‬ ‫ِغًلظ ِشداد َّل يعصون‬
‫ُ‬ ‫َ ْ َ َ ر ر َ َ َ ا َ َ َ َ ْ َ ر َ ُ ْ ر ْ َ ا ِّ َّ َ َ َ‬
‫أاحاب الن ِار ِإَّل مًل ِئكة ۙ وما جعلنا ِعدتهم ِإَّل ِفتنة لل ِذين كفروا﴾[المدثر ‪.]31‬‬
‫‪:‬‬
‫‪ ُ :‬ر ْ‬
‫فيجب اإليمان بالجنة والنار‪ ،‬وأنهما مخلوقتان اآلن‪ ،‬لقول هللا تعاَل ﴿أ ِعدت‬
‫ُ‬ ‫ي﴾ أو ﴿ ُأع رد ْت ل ْل َكافر َ‬ ‫ل ْل ُم رتق َ‬
‫النب ﷺ الجنة والنار يف االة الكسوف‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ري‬ ‫أ‬ ‫وقد‬ ‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫ين‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر ر‬
‫حب إنه تقدم وتأخر‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ َ ْ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر ُ‬
‫قطف قطفا من عنب‪ ،‬وتأخر لما رأى النار يه ِضم بعضها‬ ‫تقدم لما أ ِري الجنة ِلي ِ‬
‫بعضا‪ .‬كما يجب االعتقاد بأنهما باقيتان ال تفنيان‪ ،‬وأنهما اآلن ُيزاد فيهما رإما يف نعيم‬
‫وإما يف عذاب النار‪.‬‬ ‫الجنة‪ ،‬ر‬
‫ر‬
‫وال يجوز االعتقاد بأن الجنة والنار تفنيان‪ ،‬بل هما باقيتان ألن هللا تعاَل قد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أثبت يف كتابه ِذكر الخلود‪ ،‬قال خالدين فيها أبدا يف حق المؤمني‪ ،‬وخالدين فيها أبدا‬
‫يف حق الكفار‪.‬‬
‫فبهذه األمور الستة يتم اإليمان باليوم اآلخر‪ .‬نسأل هللا تعاَل أن يجعلنا من‬
‫الفائزين وأن يجنبنا طريق الزائغي‪.‬‬
‫باإليمان بالقضاء والقدر‪.‬‬
‫الدرس الثالث من الوحدة الرابعة‪ :‬تعريف ِ‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬


‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من عنضين‪.‬‬
‫● العنض األول‪ :‬حقيقة اإليمان بالقدر‪.‬‬
‫الثائ‪ :‬مقتضيات اإليمان بالقدر‪.‬‬
‫● العنض ي‬
‫العنض األول‪ :‬حقيقة اإليمان بالقدر‪.‬‬
‫ر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫النب ﷺ لجييل‪َ ،‬وجد فيه ما ُي ِلفت االنتباه‪ .‬فإنه رلما بلغ‬ ‫ي‬ ‫جواب‬ ‫ف‬ ‫ل‬
‫ُ ي‬
‫َم ْن ر‬
‫تأم‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خيه وشه»[البخاري‪ ،50 :‬مسلم‪ ، ]106 :‬فأعاد ذكر العامل‬ ‫ؤمن بالقد ِر ِ‬‫ِ‬ ‫القدر قال‪« :‬وت‬
‫وفصل فيه ما لم ُي َف ِّصل ف غيه‪ ،‬فقال‪« :‬خيه َ ِّ‬ ‫وتؤم َن»‪ ،‬ر‬ ‫ُ‬
‫وشه»‪ .‬وما ذاك‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫بقوله‪ِ « :‬‬
‫لبس لهم فيه‪،‬‬‫إال الشتباه أمر اإليمان بالقضاء والقدر عىل كثي من الناس‪ ،‬وحصول ٌ‬
‫بي ظاهر لمن أراه هللا تعاَل إياه ر‬
‫وبينه له‪.‬‬ ‫وهو بحمد هلل ِّ ٌ‬
‫علم مقادير الخالئق قبل أن‬ ‫اإليمان بالقدر هو‪ :‬االعتقاد الجازم بأن هللا تعاَل ِ‬
‫ََ‬ ‫َُ‬
‫يخلق ُهم‪ ،‬وكتب ذلك يف اللوف المحفوظ‪ ،‬وشاءه منهم وخلقه سبحانه‪.‬‬

‫الثائ‪ :‬مقتضيات اإليمان بالقدر‪.‬‬


‫العنض ي‬
‫وب هذا يتبي أنه ال يتم اإليمان بالقدر إال بعدة أمور‪:‬‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شء‪ ،‬جملة‬ ‫‪ -‬اإليمان ا بعلم هللا‪ :‬االعتقاد الجازم بعلم هللا المحيط بكل ي‬
‫ً‬
‫وجزئيا‪ ،‬ما يتعلق بأفعاله هو سبحانه‪ :‬كالخلق والرزق‬ ‫وتفصيًل‪ً ،‬‬
‫كليا‬
‫‪ْ َ .‬‬
‫عل َم‬
‫والمعاص فق ِ‬
‫د‬ ‫ي‬ ‫واآلجال‪ ،‬وما يتعلق بأفعال عباده‪ :‬من الطاعات‬
‫سبحانه ما كان وما يكون‪ ،‬وما سوف يكون‪ ،‬وما لم يكن‪ ،‬كيف لو كان‬
‫َ‬
‫خق عن هللا عز وجل‪ ،‬كما ادىع‬ ‫شء قد ي‬ ‫يكون‪ .‬فال يمكن أن يكون ي‬
‫ر‬ ‫ُُ‬
‫القدرية أن األمر أنف‪ ،‬وأن هللا تعاَل أمر العباد ونهاهم‪ ،‬وأنه ال يعلم ما‬
‫ر‬ ‫هم عاملون ر‬
‫حب يقع األمر منهم؛ فال ريب أن هذا واف هلل تعاَل‬
‫ُ‬
‫شء‪ .‬ويد ُّل‬ ‫َ‬
‫علم ربنا كل ي‬ ‫عظيما‪ ،‬فقد‬ ‫ً‬ ‫بالجهل سبحانه عما يقولون ًّ‬
‫علوا‬
‫شء ع ِليم﴾ [العنكبوت‪:‬‬
‫اَّلل ب ُك ِّل ََ ْ َ‬ ‫‪ :‬ر َّ‬
‫عىل علم هللا تعاَل‪ ،‬قوله تعاَل ﴿إن‬
‫ِ ر َ َ ِ َ َ ي ْ َْ‬ ‫ال َذ ر‬ ‫‪ََّ ﴿ ،]62‬ل َي ْع ُز ُب َع ْن ُه م ْث َق ُ‬
‫ض﴾ [سبأ‪.]3 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫األ‬ ‫ف‬‫ِي‬ ‫َّل‬ ‫و‬ ‫ات‬
‫ِ‬ ‫او‬ ‫م‬ ‫الس‬ ‫ف‬ ‫ِي‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬اإليمان بكتابة هللا تعاَل للمقادير يف اللوف المحفوظ‪ :‬كما أخي هللا تعاَل‬
‫ر َ َ ْ َ ْ ِۗ ر َ ٰ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ْ َ ر َّ َ َ ْ َ‬
‫ض ِإن ذ ِلك‬ ‫يف كتابه بقوله َ‪﴿ :‬ألم َتعلم أن اَّلل يعلم ما ِ يف السم َّ ِاء واألر ِ‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫يسي﴾ [الحج‪ ،]70 :‬فدلت هذه اآلية عىل‬ ‫ِ يف ِكتاب ِإن ذ ٰ ِلك عىل ِ‬
‫اَّلل‬
‫اب ِمن ُّم ِص َيبة ِ يف‬ ‫معا‪ ،‬وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬ما َأ َا َ‬ ‫إثبات العلم والكتابة ً‬
‫ِّ َ ْ َ ر ْ َ َ َ ر َ ٰ َ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُْ ر‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫اَّلل‬
‫ض وَّل ِ يف أ ْنف ِسكم ِإَّل ِ يف ِكتاب من قب ِل أن نيأها ُۚ ِإن ذ ِلك عىل ِ‬ ‫األر ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ىل َما فاتك ْم َوَّل تف َر ُحوا ب َما آتاك ْم ِۗ َو ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ب ك رل‬ ‫اَّلل َّل ُيح ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َي ِس ٌي * لك ْيًل تأ َس ْوا َع ٰ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫ور﴾ [الحديد‪ .]23-22 :‬فقد علم سبحانه وكتب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫خ‬ ‫ف‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫مخ‬
‫رص‬ ‫بن َالعاص ي‬ ‫جاء يف احيح مسلم‪ ،‬من حديث عبد هللا بن عمرو‬
‫َْ َ َْ‬ ‫َ َ َ َّ ُ َ َ َ َ‬ ‫ر‬
‫هللا عنهما‪ ،‬أن رسول هللا ﷺ قال‪« :‬كتب اَّلل مق ِادير الخًل ِئ ِق قبل أن‬
‫جز‬ ‫حب َ‬
‫الع‬ ‫ف َس َنة‪ .. «،»..‬ر‬ ‫ي َأ ْل َ‬ ‫ض ب َخ ْمس َ‬ ‫األر َ‬ ‫الس َم َوات َو ْ‬ ‫َي ْخ ُل َق ر‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫والك َيس»‪ ،‬أي‪ :‬ر‬ ‫َ‬
‫حب الصفات النوعية للناس من‪ :‬الكياسة والحزم‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫ضدها من العجز والتهاون‪ ،‬قد كتبها هللا تعاَل‪.‬‬
‫‪ -‬اإليمان بمشيئة هللا النافذة وقدرته الشاملة‪ :‬وهو أن يعتقد اإلنسان‬
‫جازما بأن ما شاء هللا كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬قال هللا تعاَل‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اعتقادا‬
‫َ‬ ‫َّ ُ َ ُّ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُ َ ر َ‬
‫﴿وما تشاؤون ِإَّل أن يشاء اَّلل رب العال ِمي﴾ [ التكوير‪ ،]29 :‬وقال قبلها‪:‬‬
‫ون إ رَّل َأن َي َشاء َّ ُ‬ ‫َ َ َ َ ُ َ‬ ‫نك ْم َأن َي ْس َتق َ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫اَّلل َر ُّب‬ ‫اؤ‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫يم‬ ‫ِ‬ ‫﴿ ِلمن شاء ِم‬
‫ِ ر َ َ ْ ُ َ ََ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬
‫سء إذا‬ ‫‪:‬‬
‫‪ُ .]29‬وقال سبحانه وتعاَل ﴿إنما قولنا ِل ي‬ ‫العال ِمي﴾ [التكوير ‪-28‬‬
‫‪:‬‬
‫ََ ْ َ ُ َ ْ َ ُ َ َ ُ ُ ْ َ َ ُ‬
‫معط‬ ‫ي‬ ‫أردناه أن نقول له كن فيكون﴾ [النحل‪ ،]40 :‬فال مانع لما أعط‪ ،‬وال‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫لما منع‪ ،‬وال راد ِلما قض‪ ،‬فمن أنكر مشيئة هللا أو أنه َيقع يف ُمل ِكه ما ال‬
‫َُ‬ ‫ر‬
‫ُيريد فقد واف هللا تعاَل بالعجز‪ .‬فيجب االعتقاد الجازم بأن مشيئته‬
‫َ‬
‫نافذة وقدرت ُه تامة‪.‬‬
‫وبه ِيت ُّم ِاإليمان‬ ‫‪ -‬اإليمان بخلق هللا تعاَل لجميع الكائنات وإيجاده لها‪ :‬ر ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جازما بأن هللا هو الخالق‬ ‫بمراتب القدر‪ ،‬وهو أن يعتقد اإلنسان اعتقادا‬
‫َ َ َ َ ُ ر ََ ْ َ َ ر َ ْ‬
‫شء فقد َر ُه تق ِد ًيرا﴾‬ ‫شء‪﴿ ،‬وخلق كل ي‬
‫َ‬
‫وما سواه مخلوق‪ .‬هللا خالق كل ي‬
‫وافاتها قال‬
‫ِ‬ ‫كاتها‬
‫ذوات األشياء وحر ِ‬‫ِ‬ ‫[الفرقان‪ ،]2 :‬فقد خلق هللا تعاَل‬
‫ون﴾ [الصافات‪ .]96 :‬فال ُي ْمكن أن ُي َ‬ ‫َ َّ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫وجد‬ ‫تعاَل‪﴿ :‬واَّلل خلقكم وما تعمل‬
‫ً‬ ‫ر ً‬ ‫َش ٌء خارج عن خلق هللا‪َ ،‬‬
‫فمن زعم أن أحدا يخلق شيئا دون هللا فقد‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫َأشك ف الربوبية‪ .‬ر‬
‫ولما كانت المعيلة تزعم هذا الزعم‪ ،‬وأن العبد يخلق‬ ‫ي‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِفعل نفسه‪ ،‬ومن قبلهم غالة القدرية سموا‪ :‬مجوس هذه األمة؛ ألنهم‬
‫ً‬
‫أثبتوا خالقا مع هللا‪ ،‬بل أثبتوا خالقي مع هللا عز وجل بعدد الناس‪.‬‬
‫فال يتم اإليمان بالقدر إال بأن نعلم بأنه ال يتحرك متحرك‪ ،‬وال يسكن ساِن‪،‬‬
‫علمه هللا منذ األزل‪ ،‬وكتبه يف اللوف المحفوظ‪ ،‬وشاءه ممن ادر منه وخلقه‪.‬‬ ‫ر‬
‫إال وقد ِ‬
‫فبهذه المراتب األربعة يتم اإليمان بالقدر‪.‬‬
‫اإليمان بالقضاء والقدر‪.‬‬
‫الدرس الرابع من الوحدة الرابعة‪ :‬مقتضيات ِ‬

‫المرئ (اضغط هنا للمشاهدة)‬


‫ي‬ ‫🎥 رابط الدرس‬
‫عنارص الدرس‪ :‬يتكون هذا الدرس من مسائل متعلقة بمقتضيات اإليمان بالقدر‪.‬‬

‫مسائل متعلقة بمقتضيات اإليمان بالقضاء والقدر‪.‬‬


‫تبي لنا آنفا مراتب القدر األربعة‪ :‬العلم‪ ،‬الكتابة‪ ،‬المشيئة‪ ،‬الخلق والتكوين‪.‬‬
‫كلها‪ ،‬ولهذا لم رييدد أهل ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫السنة يف‬ ‫وقد كان غالة القدرية ينكرون هذه المراتب األرب ع‬
‫ُ َ ِّ ُ‬ ‫الم ر‬
‫تكفيهم‪ ،‬ثم جاء من بعدهم‪ُ :‬‬
‫عيلة فأرادوا أن يلطفوا شناعة مقالة القدرية األوَل‪،‬‬
‫َ‬
‫وبإزاء هؤالء القوم قوم يقال لهم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫‪.‬‬ ‫لق‬ ‫والخ‬ ‫فأثبتوا العلم والكتابة‪ ،‬وأنكروا المشيئة‬
‫ر‬ ‫ْ ُ‬ ‫ر‬
‫والفعل‪ ،‬وأنه كالريشة يف‬ ‫الجيية‪ ،‬زعموا ضد ذلك‪ ،‬زعموا أن العبد مسلوب اإلرادة ِ‬
‫س يدور ال‬ ‫ر‬‫َمهب الري ح‪َ ،‬وكالقشة فوق سطح الماء يعلو بها وي هبط‪َ ،‬وكالمسمار ف ُت ْ‬
‫ٍ‬ ‫ي‬
‫طرف قصد األمور ذميم‪.‬‬ ‫ي‬ ‫مشيئة له وال إرادة‪ .‬وكما قيل‪ :‬وكال‬
‫حب سلبوا هللا سبحانه وتعاَل مشيئته‬ ‫فالقدرية َغلوا ف إثبات أفعال العباد ر‬
‫ي‬
‫ر‬
‫حب سلبوا العبد فعله ومشيئته‪ ،‬وتوسط‬ ‫وقدرته‪ ،‬والجيية غلوا ف إثبات أفعال هللا ر‬
‫ا‬ ‫ي‬
‫السنة والجماعة يف هذا األمر‪ ،‬فأثبتوا للعباد مشيئة وفعال تابعي لمشيئة هللا‬ ‫أهل ُّ‬
‫َ‬ ‫‪َ ْ َ َْ ُْْ َ َ ْ َ :‬‬ ‫ا‬
‫وقدره‪ ،‬وذلك موافقة لخي هللا؛ حيث قال هللا تعاَل ﴿ ِلمن شاء ِمنكم أن يست ِقيم﴾‬
‫قيده‬ ‫[التكوير‪ ،]28 :‬فأثبت هللا لنا مشيئة وفعال إذ االستقامة فعل‪ ،‬ثم بعد ذلك ر‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُ َ ر َ ْ َ َ َ َّ ُ َ ُّ ْ َ َ‬
‫وأحاطه بقوله‪﴿ :‬وما تشاءون ِإَّل أن يشاء اَّلل رب العال ِمي﴾ [التكوير ‪.]29‬‬
‫‪:‬‬
‫َ َ ر َ‬ ‫َ َ ر َ ْ َ ْ َ َ ر رَ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫أثبت هللا تعاَل للعباد فعًل وإرادة بقوله‪﴿ :‬فأما من أعط واتق * وادق‬
‫اتق‪،‬‬‫ّشى﴾ [الليل‪ ،]7-5 :‬فالعبد هو الذي أعط‪ ،‬وهو الذي ر‬ ‫ب ْال ُح ْس َب* َف َس ُن َي ِّ ُ‬
‫ّش ُه ِل ْل ُي ْ َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َر َ ْ‬ ‫َ‬ ‫‪ََ :‬ر َ ْ َ َ َ ْ َْ‬ ‫ر‬
‫وهو الذي ادق‪ ،‬وبالمقابل ﴿وأما من ب ِخل واستغب * وِذب ِبالحسب﴾ [الليل‪-7:‬‬
‫ر‬
‫‪ ،]9‬فالعبد هو الذي بخل واستغب وكذب‪ ،‬فأسند هللا األفعال إَل كليهما؛ أسند‬
‫المعاص والتكذيب إَل الكافر‪ ،‬وهذا يدل‬ ‫ي‬ ‫الطاعات والتصديقات إَل المؤمن‪ ،‬وأسند‬
‫ً‬
‫عىل ادوره منهما حقيقة ال مجازا‪.‬‬
‫ٌ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ ُ َ ر‬ ‫ُُ‬ ‫ً‬
‫وقال سبحانه ُمثبتا هذه المشيئة للعبد‪ِ ﴿ :‬ن َسآؤك ْم َح ْرث لك ْم فأتوا َح ْرثك ْم أئ‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ُْ‬
‫فدل عىل إثبات مشيئة حقيقية للناس‪ ،‬بل إن كل واحد فينا‬ ‫ِشئت ْم﴾ [البقرة‪،]223 :‬‬
‫ر‬ ‫يستطيع أن ُي ِّ‬
‫مي بي أفعاله االختيارية وأفعاله االضطرارية‪ ،‬فشتان بي حركة من‬
‫وبي من تتحرك يده من جراء اليد أو‬ ‫يشي بيده للتحية أو يشي إَل ااحبه بأمر ما‪َ ْ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫‪ .‬ر‬ ‫ََْ‬
‫يي ُل من ُعل ِّو البيت إَل ُسفله عتبة عتبة‪ ،‬وبي من‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫بي‬ ‫ان‬ ‫وشت‬ ‫ض‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ت‬‫الخوف تن‬
‫حب يصل إَل القاع‪ .‬شتان بي األمور اإلرادية االختيارية‪ ،‬وبي االضطرارية‬ ‫يتدحرج ر‬
‫القهرية‪ ،‬وكل عاقل يمي بينهما؛ وهذا يدل عىل فساد قول الجيية‪.‬‬
‫لهذا نضيف إَل ما ال يتم اإليمان بالقدر إال به أن ننبه عىل أنه‪:‬‬
‫‪ -‬ال تالزم بي المشيئة والمحبة‪ :‬فقد يشاء هللا ما ال ُي ِحب‪ ،‬وقد يحب ما‬
‫ا‬
‫ال يشاء‪ .‬قد يشاء هللا ما ال يحب‪ ،‬فقد شاء هللا سبحانه وتعاَل مشيئة‬
‫كونية سابقة أن ينقسم الناس إَل مؤمن وكافر‪ ،‬مع أنه سبحانه ال يحب‬
‫غائ رية واعتبارات مآلية‪.‬‬ ‫لحكمة ِ‬ ‫الكفر‪ ،‬لكنه سبحانه وتعاَل شاء ذلك ِ‬
‫ً‬
‫جميعا‪،‬‬ ‫كما أنه سبحانه قد يحب ما ال يشاء؛ فاهلل يحب أن يؤمن الناس‬
‫ر‬ ‫َ َ ْ‬
‫ولكنه لم يشأ ذلك ِلما ييتب عىل ذلك من الحكم الغائية والمقااد‬
‫ا ً‬
‫العظيمة‪ .‬ونضب لذلك مثاَّل ِّبينا‪ :‬قد شاء هللا تعاَل خلق إبليس مع أنه‬
‫سبحانه ال يحب ذلك‪ ،‬وإنما شاءه ِلما رييتب من المصالح العظيمة عىل‬
‫تم ري المؤمنون من الكفار‪ ،‬وال األبرار من‬ ‫خلقه‪ ،‬فلوال خلق إبليس ما َ‬
‫الفجار‪ ،‬وال قام سوق الجنة والنار‪ ،‬وال ُوجدت التوبة‪ ،‬وال النصيحة‪ ،‬وال‬
‫والنه عن المنكر‪ ،‬وال الجهاد يف سبيل هللا‪ ،‬بل وال ما‬ ‫ي‬ ‫األمر بالمعروف‬
‫معائ أسماء هللا الحسب من‪ :‬أسماء الجالل والكيياء أو من‬ ‫ي‬ ‫ظهرت‬
‫أسماء الجمال والكمال‪ ،‬هللف تعاَل حكمة غائية يف مثل هذا‪ .‬وهكذا‪،‬‬
‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫فإنه يجب علينا أن ال نصنع تالز ًما بي المشيئة والمحبة‪ ،‬فإن هذا هو‬
‫ٌ‬ ‫ر‬
‫محبوب هلل تعاَل‪،‬‬ ‫الفخ الذي وقع به الجيية‪ ،‬فظنوا أن كل ما يقع فهو‬
‫سوغوا الكفر والفسوق والعصيان بدعوى شهود الحقيقة‬ ‫حب إنهم ر‬ ‫ر‬
‫الكونية‪.‬‬
‫َ‬
‫الّشع والقدر‪ :‬بمعب أنه ال ُح رجة ألحد بقدر هللا عىل‬ ‫‪ -‬ال تعارض بي َ‬
‫وحديثا من إذا ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مخالفة َشع هللا‪ُ ،‬‬
‫اقيف معصية‬ ‫قديما‬ ‫فو ِجد من الناس‬
‫َ‬
‫وحك هللا مقالتهم‬ ‫المّشكي األوائل‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫تح رجج بالقدر‪ ،‬وقع ذلك من‬ ‫َ‬
‫َ َ ُ ُ َّ َ َ َْ َ ُ َ‬
‫شِوا ل ْو‬ ‫وأجاب عليها بثالث أجوبة‪ ،‬قال هللا تعاَل‪﴿ :‬سيقول ال ِذين أ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َّ ُ َ َ َْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ ر ْ َ ْ ََ‬
‫شء﴾ [األنعام ‪ ،]148‬هذه‬ ‫‪:‬‬ ‫شاء اَّلل ما أشِنا وَّل آباؤنا وَّل حرمنا ِمن ي‬
‫نعم لو شاء هللا ما َأشكوا‪ ،‬وال‬ ‫مقالتهم وه ف ظاهرها تبدو احيحة‪َ ،‬‬
‫ا‬ ‫ي ي‬
‫شء؛ لكن هللا رد عليهم بثالثة ردود فقال أوَّل‪:‬‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫حرموا من َ‬ ‫آباءهم وال ر‬
‫ي‬
‫كذبا‪،‬‬ ‫مقالتهم ً‬ ‫َ‬
‫فس رَّم‬ ‫ين م ْن َق ْبله ْم﴾ [األنعام‪َ ،]148 :‬‬ ‫﴿ َك َ ٰذ ل َك َك رذ َب َّالذ َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب ذاقوا بأ َسنا﴾ [األنعام‪:‬‬ ‫والكذب هو مخالفة الخي للواقع‪ .‬ثم قال‪َ ﴿ :‬ح ر ٰ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫‪ ،]148‬ولو كان لهم حجة ِ يف القدر ما أذاقهم هللا بأسه؛ ألن هللا حكم‬
‫ُ‬
‫عدل مقسط ال يظلم مثقال ذرة‪ .‬ثم جاءت الثالثة الناسفة لدعواهم‬
‫‪ََ ُ ُ ْ َُ ْ ْ ْ ُ َْ ْ َ ْ ُ :‬‬
‫وه لنا﴾‬ ‫من جذورها‪ ،‬قال هللا تعاَل ﴿قل هل ِعندكم ِمن ِعلم فتخ ِرج‬
‫[األنعام‪ ،]148 :‬أي‪ :‬هل اطلعتم عىل كتابكم وقدركم السابق فوجدتم فيه‬
‫وت ِحلون ما ر‬ ‫ُ‬ ‫تّشكون‪ ،‬وأنكم ُت ِّ‬ ‫أنكم َ‬
‫حرم هللا‪ ،‬ففعلتم‬ ‫حرمون ما أحل هللا‬
‫بناء عىل ذلك القدر السابق والكتاب المحفوظ!!‬ ‫ا‬ ‫ما فعلتم‬
‫ر‬
‫الواقع أنهم ال يستطيعون أن يدعوا هذه الدعوة‪ ،‬إذن ما حقيقة األمر؟‬
‫ر‬ ‫َ ر ُ َ ر َّ ر َ ْ َ ُ ْ ر َ ْ ُ ُ َ‬
‫﴿ ِإن تت ِبعون ِإَّل الظن و ِإن أنتم ِإَّل تخراون﴾ [األنعام ‪ ،]148‬فتبي بذلك‬
‫‪:‬‬
‫ّ‬
‫أنه ال حجة ألحد عىل معصية هللا بقدر هللا ِل َم؟ لسبب بسيط جدا‬
‫ً‬
‫وهو‪ :‬أحدا كائنا من كان‪ ،‬ال يعلم بقدره إال بعد وقوع الفعل منه‪ ،‬ال أحد‬
‫ُ ِّ‬
‫يعلم ما قدر عليه قبل وقوع الفعل‪ ،‬لو كان يعلم لكان له بذلك عذر‪،‬‬
‫غيبه عنه‪.‬‬ ‫لكن هللا ر‬
‫كتاب مفتوف‪ ،‬وكتاب مكنون‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫هلل تعاَل كتابان‪:‬‬
‫الّشع‪ ،‬أبان هللا الحالل والحرام‪ ،‬وأن هذا طريق الجنة‬ ‫كتابه المفتوف‪ :‬هو َ‬
‫مستور محجوب‪ ،‬ال يعلمه‬ ‫ٌ‬ ‫غيب‬ ‫وهذا طريق النار‪ .‬وكتابه المكنون‪ :‬وهو القدر‪ ،‬فهو ٌ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان إال بعد ادور الفعل منه‪.‬‬
‫ا‬
‫النب ﷺ مرة مع أاحابه إَل البقيع يف جنازة‪ ،‬فجلسوا فجلس وجلس‬ ‫خرج ي‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ُ َ ر‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫ومق َعد ُه ِم َن‬ ‫النار‪َ ،‬‬
‫وقد ك ِتب مقعده ِمن ِ‬ ‫أحد إَّل‬ ‫الناس حوله وقال‪« :‬ما منكم من َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الج رنة»‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا َ‬ ‫َ‬
‫الع َم َل؟ ‪-‬أي تبادر إَل‬ ‫اَّلل‪ ،‬أفال نتك ُل عىل كتابنا‪ ،‬وندع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سول‬ ‫ر‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ ً‬ ‫أذهانهم هذا الخاطر‪ ،‬أنه ما دام كل َ‬
‫شء مكتوب مفروغا منه مق ِضيا فلماذا ال نتكل‬ ‫ي‬
‫اعملوا َف ُك ٌّل ر ٌ‬
‫ميّش‬ ‫عىل الكتاب السابق والقدر األول‪ ،‬وندع العمل؟‪ -‬فقال النب ﷺ‪َ « :‬‬
‫ي‬
‫ُ ر َ‬ ‫ر َْ ُ ر‬ ‫ون لعمل َأ ْهل ر‬ ‫ُ ر َ‬ ‫لما ُخل َق َل ُه رأما َأ ْه ُل ر‬
‫قاوة فييّشون‬ ‫الش‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫وأم‬ ‫عادة‬
‫ِ‬ ‫الس‬ ‫يّش‬ ‫في‬ ‫عادة‬
‫ِ‬ ‫الس‬
‫َ َ ر َ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ َ َ ر َ ْ َ ْ َ َ ر رَ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ‬
‫قاوة»‪ ،‬ثم تال قول هللا تعاَل‪﴿ :‬فأما من أعط واتق * وادق‬ ‫الش ِ‬ ‫لعمل أه ِل‬ ‫ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ر َ ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ّشه ِللي َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بال ُحسب * فسني ُ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ّشى * وأما من ب ِخل واستغب * وِذب ِبالحسب *‬ ‫ِ‬
‫ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ّشه ِللع َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫فسني ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قنع عند كل عاقل منصف‪،‬‬ ‫ّشى﴾ [الليل‪10]. -5:‬وهذا جواب مطم ِي م ِ‬
‫فال حجة ألحد بقدر هللا عىل معصية هللا‪.‬‬
‫يحتجون بقدر هللا عىل أمورهم الدنيوية‪ ،‬فلو قيل‬ ‫ُّ‬ ‫ولهذا نجد أن هؤالء ال‬
‫ُ‬
‫ألحدهم‪ :‬دع عنك طلب الرزق والضب يف األرض‪ ،‬وما ق ِسم لك سيأتيك! لم يقبل‬
‫اائف ليطلب رزقه‪،‬‬ ‫بهذا وال قام يف اباف كل يوم بارد أو يف نحو الظهية يف كل يوم ِ‬
‫ولم يتكل عىل القدر السابق‪.‬‬
‫يكي طرحه‪ ،‬هل اإلنسان‬ ‫ونختم هذا الدرس بالجواب عن هذا السؤال الذي َ‬
‫خي؟‬ ‫سي أم ُم ر‬ ‫ُم ر ٌ‬
‫مخيا بإطالق‪ ،‬والجواب الصحيح‬ ‫سيا بإطالق وال ر ً‬ ‫والجواب أن يقال‪ :‬ليس ُم ر ً‬
‫ّشى﴾‪،‬‬ ‫ّشى﴾‪َ ﴿ ،‬ف َس ُن َي ِّ ُ‬
‫ّش ُه ِل ْل ُع ْ َ‬ ‫ّش ُه ِل ْل ُي ْ َ‬ ‫يّش ألن هللا تعاَل قد قال‪َ ﴿ :‬ف َس ُن َي ِّ ُ‬ ‫أن نقول‪ُ :‬م ر‬
‫َ ُ َ ُ ٌّ ُ َ ر ٌ َ ُ َ َ ُ‬
‫وقال نبيه ﷺ‪« :‬اعملوا فكل ميّش ِلما خ ِلق له »[البخاري ‪ ،]4949‬فهو لفظ ال يقوم‬
‫‪:‬‬
‫والغناء والكفاية‪.‬‬ ‫ُّ ر‬
‫فينبع أن نعتصم بالكتاب والسنة‪ ،‬ففيهما العصمة ِ‬ ‫ي‬ ‫مقامه غيه‪،‬‬

You might also like