Professional Documents
Culture Documents
مذكرة أركان الإيمان
مذكرة أركان الإيمان
نب بعده ،أما بعد: الحمد هلل وحده والصالة والسالم عىل من ال ي
فأهال وسهال بطالب منصة زادي يف هذا المساق الجديد( أركان اإليمان).
ََْ ً
هنيئا لكم ببشارة رب العالمي وسيد المرسلي ،فقد قال هللا عز وجل﴿ :يرف ِع
وتوا ْالع ْل َم َد َر َجات﴾ [المجادلة ،]11:وقال نبيه ﷺَ « :منْ ُ ْ َ َّ َ ُ ُ ُ َّ َ َ ُ
ِ هللا ال ِذين آمنوا ِمنكم وال ِذين أ
َر ِّ َ ْ ً ُ َ ِّ ْ ُ ُ
النب ﷺ بّش طالب ي إن بل . ] 1037 :مسلم ،71 : [البخاري » ين
ِ الد ف ي ِ ه ُي ِر ِد هللا ِب ِه خيا يفقه
ْ ً َ ر َ َّ ُ َ ُ َ ً ُ ََْ ً َ َ َ َ ْ َ :
اَّلل له ط ِريقا يه ِعلما سهل ف
ِ ِ س م العلم ببشارات عظيمة فقال «من سلك ط ِريقا يل ِ
ت
ر َ ْ َ ّ
ِإَل الجن ِة »[اليمذي .]2646
:
ْ ً
فهنيئا لكم عىل هذا الذي أقدمتم عليه ،ال سيما باب العلم باهلل عز وجل،
يقتض أن يحيط َي ومعرفة أركان اإليمان فإنه َأشف العلوم عىل اإلطالق؛ فإن اإليمان
ُ َّ
علما بما بعث هللا به نبيه محمد ﷺ ،قال هللا تعاَل﴿ :ه َو ال ِذي أ ْر َس َل َر ُسوله اإلنسان ً
ْ َ ّ ُ ْ ُ َ ِّ ُ ّ ْ َ
ره َعىل الدين كله﴾ [الصف ،]9:فأما الهدى فهو العلم النافع، ِبال ُهدى َو ِدين الحق ِليظ ِه
ينبب عىل َشف المعلوم؛ فلما كان َ
وأما دين الحق فهو العمل الصالح ،وشف العلم ي
هللا سبحانه وتعاَل َأشف معلوم كان العلم به هو َأشف العلوم عىل اإلطالق ،وهو
ما يعرف عند العلماء باسم (علم العقيدة).
والعقيدة إنما سميت بهذا اإلسم من العقد وهو الشد والحزم ،وذلك أن القلب
ويواف يعيش عليها ويموت عليها، ُ ر
الب َ
ي ينعقد عىل جملة من المعارف واليقينيات ي
هللا تعاَل بها.
ً لهذا كان هذا العلم من األهمية بمكان ،وقد أمر هللا به أم ًرا َ ً
مباشا رصيحا ،فقال
ول ِه﴾ وقال نبيه ﷺ ِلوفد عبد القيس حي سألوه قال: س سبحانه﴿ :آم ُنوا باهلل َو َر ُ
ِ ِ ِ ِ
ً
«آمركم أن تؤمنوا باهلل وحده» ،وحي ابتعث معاذا إَل اليمن قال« :فليكن أول ما
تدعوهم إليه :شهادة أن ال إله إال هللا».
وه اإليمان باهلل ومالئكته ،وكتبه، ومادة هذا العلم تتعلق ِبمفرادت اإليمان ،ي
وشه ،ثم ما يتبع ذلك من مسائل تفرعت عليها ورسله ،واليوم اآلخر والقدر خيه َ
ُعرفت بمجموعها باسم (العقيدة أو االعتقاد).
َ َ َ َ َ ْ ر
والمأمول من طالب العلم كما قال هللا عز وجلِ ﴿ :إن ِ يف ذ ِلك ل ِذك َر ٰى ِل َمن كان
ر ُ ر ْ َ َ ُ َ َ ٌ َ ُ َ ْ ٌ َ ْ َ ْ رَ
يلق سمعه ،وأن حض قلبه وأن ي له قلب أو ألق السمع وهو ش ِهيد﴾ [ق ،]37 :أن ي ِ
الب يحصل بها استنارة عقله ،وطمأنينة قلبه. ر
يتفاعل مع هذه المادة المهمة ي
تم تقسيم هذا المساق إَل أرب ع وحدات رئيسة ،ضمن كل وحدة عدد من الدروس.
الوحدة األوَل :مقدمة تمهيدية عن اإليمان ،وفيها ثالثة دروس.
الوحدة الثانية :الركن األعظم اإليمان باهلل ،وفيها ستة دروس.
الوحدة الثالثة :اإليمان بالمالئكة والكتب والرسل ،وفيها خمسة دروس.
وشه ،وفيها أربعةالوحدة الرابعة :اإليمان باليوم اآلخر والقدر خيه َ
دروس.
الوحدة األوىل :مقدمة متهيدية عن اإلميان.
الدرس األول من الوحدة األولى :تعريف اإليمان وحقائقه.
تمهيد.
رص َب َّ ُ
اَّلل سنتفيأ ف ظل هذه الشجرة الوارفة قال ربنا عز وجلَ ﴿ :أ َل ْم َت َر َك ْي َ
ف َ َ ر
ُ ْ ر ُ ََُ ُ ي
َ َ ا َ َ ا َ ِّ َ ا َ َ َ َ َ ِّ َ َ ْ ُ َ َ ٌ َ َ
ر َ ر َ ُ ْ
ي مث ًْل ك ِلمة طيبة كشجرة طيبة أالها ث ِابت وفرعها ِ يف السم ِاء * تؤ ِ يئ أ كلها كل ِح ٍ
ِب ِإذ ِن َ ِّرب َها﴾ [إبراهيم .]25-24 :إن هذه الشجرة وهذا الغرس الطيب هو كلمة التوحيد،
ر ر
الب تتجذر يف أرض قلب المؤمن ،ويكون لها ساق ،وأغصان ،وفروع ،وأوراق ،وثمار. ي
حب يتفيأ ف ظالله ،وال يزال ر فال ريب أن هذه الشجرة الطيبة ه ربيع المؤمن الذي ر
ي ي
سلمه إَل رضوان ربه. ُ
ي ِ
تمهيد.
وه :دليل ا كنا قد تحدثنا عن دالئل إثبات وجود هللا تعاَل ،وجعلناها ً
أربع
ي
الّشع.الفطرة ،ودليل العقل ،ودليل الحس ،ودليل َ
قوم منكوسون محجوبون عن بإزاء ذلك اقتضت حكمة هللا تعاَل أن يوجد ٌ
الحق ،فحادوا عن سواء السبيل ،وأنكروا المعلومة بالضورة ،أنكروا وجود هللا تعاَل
ً ً الذي هو أبي ِّ
قديما وحديثا .وفيما الواضح ،وهؤالء يف الواقع أنواع
ِ البي ،وأوضح
يىل أشهرهم.
ي
العنض األول :الدهريون.
وت َو َن ْحياَ
َ َ ُ َ ُّ ْ َ َ ُ ُ َ َ َ َ ُ
ه ِإال حياتنا الدنيا نم ُالدهريون نسبة إَل قول هللا تعاَل﴿ :وقالوا ما ِ ي
ر
الد ْه ُر﴾ [الجاثيةُ ]24: َ
ٌ
"أرحام فس ُّموا دهريي لهذه المقالة ،قال قائلهم: َو َما ُي ْه ِلكنا ِإال
ُ َ َ َْ َ
تدفع ،وأرض ت ْبلع ،وما ُي ْه ِلكنا إال الدهر" .هؤالء الدهريون قوم من الفالسفة
ر ً
يعتقدون ِبقدم العالم ،وبخلود العالم ،وال ُيثبتون خالقا؛ بل يعتقدون أن هذا الكون
ً
مستمرا. ر
وسيبق ُو ِجد منذ األزل
أِي الكفرة ،ولم ينقطع َم ْت ُنهم وال نسلهم ر
حب يومنا هذا، هؤالء المالحدة من َ
بالمالحدة الجدد الذين جددوا دعوة أسالفهم فوجد ف هذا العض من ُي َس رمون َ ُ
ي ِ
وكلماتهم البائرة ،وال شك أنهم محجوجون بما تقدم من داللة الفطرة ،والعقل،
َ
والّشع ،والحس.
الثائ :الخلق.
العنض ي
شء فليس ثمة يف الكون إال خالق أو مخلوق ،فاهلل هو الخالق هللا خالق كل َ
َ َ َ َ ُ ر ََ ْ َ َ ر َ ْ ي
شء فقد َر ُه تق ِد ًيرا﴾ [الفرقان ،]2 :فال
وما سواه مخلوق ،قال سبحانه﴿ :وخلق كل ي
ْ ر ر َ
بب آدم قد أطبقوا عىل هذا األمر ي إن حب ه، لق
ِ خ يمكن ألحد أن ينازع هللا تعاَل يف
ر ولم ُ
بب آدم أن للخلق أو أن للكون خالقي متكافئي. ي من أحد ع يد ولم فيه، نازعواي
ِ
رَ
غاية ما يوجد ما ادعاه الثن ِوية من المجوس من وجود إله النور يخلق الخي،
الظلمة يخلق َ ُّ
الّش .ومع ذلك فإنهم يجعلون إله النور أعىل وأقوى من إله وإله
ُ ْ َ ر ُّ
بب آدم فإنهمي سائر وأما ث، د ح م الظلمة وإله قديم، النور إله إن ويقولون لمة، الظ
ً
دل عىل هذا رصي ح القرآن وناطق خالقا ال خالق معه سواه ،وقد ر ُيثبتون هللا تعاَل
السنة يف أدلة يطول ذكرها. ُّ
شء ،وهو سبحانه وتعاَل خلق جميع فاهلل تعاَل خالق كل َشء وخلق كل َ
ي ي
َ َّ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُ َ َ
األشياء ،ذواتها وافاتها وحركاتها﴿ ،واَّلل خلقكم وما تعملون﴾ [الصافات.]96 :
ٌ
خالق مع هللا عز وجل ،فمن ادىع ذلك فقد وقع ف َ
الّشك ي وال يجوز أن ُي َثبت
يف الربوبية.
العنض الثالثُ :
الملك.
فاهلل هو المالك وحده ال َشيك له يف ملكه ،كما قال سبحانه وتعاَل يف غي ما
الس ْم َع واأل ْب َص َار﴾ [يونس .]31 :فاهلل تعاَل
َ آية﴿ :له الملك﴾ [فاطرَ ﴿ ،]13 :أ رمن َي ْمل ُك ر
ِ
ر
يملك كل َشء ال َشيك له ف ملكه ،وقد تحدى هللا تعاَل َ
المّشكي الذين يتعلقون ي ي
ْ ُ َّ َ َ َ ْ ُ ِّ ُ
ون
قل ادعوا ال ِذين زعمتم من د ِ سبحانهِ ﴿ : َ
بغيه ،ويتخذون الوسائط سواه فقال
َ ْ َ َ َُ َ
الس َم َاوات َوَّل ف األرض َو َما ل ُه ْ ال َذ ررة ف ر ون م ْث َق ََّ َ َ ْ ُ َ
يه َما ِمن ِشك وما له ف
ِ ِ م ي ِ ِ ي ِ اَّلل َّل يم ِلك ِ
ِ
ُ َ ْ َ ََ ر ُ َ ُ َ َ َ َ ُ ر َ َ ْ ُ ِّ َ
ِمنهم من ظ ِه ٍي وَّل تنفع الشفاعة ِعنده ِإَّل ِلمن أ ِذن له﴾ [سبأ.]22-23 :
متعلقات َ َّ
المّشكي؟! أن يملكوا استقالال تأملوا كيف أن هللا تعاَل أفب جميع
يستغب عنهمَي أو أن يملكوا مشاركة ،أو أن يكونوا بميلة الخدم والحشم الذين ال
ُ َّ
إدالء ووجاهة عىل هللا عز وجل﴿ :قل ْاد ُعوا الذ َ
ين ز َع ْمتم ِ ِ
ٌ سلطان ،أو أن يكون لهم
ََ ر َ َ َ ر َ َ ْ َّ َ َ ْ ُ َ ُ
ات وَّل ِ يف األرض﴾ [سبأ ،]22-23 :أي ال اَّلل َّل يم ِلكون ِمثقال ذرة ِ يف السماو ِ ون ِِ ِّمن د
ً
ملكا ً ً ا
تاما يدىع أنه يملك شيئا من السموات واألرض ي الذي ذا من . استقالَّل يملكون
ً
مطلقا!!
ا
فلربما قال قائل" :نعم ال يملكون استقالَّل ،فلعل لهم نسبة ُمشاعة من
ً
شك﴾ ،فربما قال قائل" :حسنا ال يملكون المشاركة" ،فقالَ ﴿ :و َما َل ُه ْم ِفيه َما ِمن َِ ْ
ِ
استقالَّل وال مشاركة لكنهم بميلة الخدم َ ا
يستغب عنهم
ي ال الذين واألعوان شم والح
بق إال أمر رابع وهو أمر الشفاعة، سلطان" ،فقال هللاَ ﴿ :و َما َل ُه م ْن ُهم ِّمن َظهي﴾ ،وما ر
ِ
َ ُ ر َ ْ َ َ ِ ٍ َ َ َ َي ُ ر َ َ ُ ً ر
جميعا فقال﴿ :وَّل تنفع الشفاعة ِعنده ِإَّل ِلمن أ ِذن فبي سبحانه أن الشفاعة له
المّشكون ،ووجب توحيد رب العالمي. َل ُه﴾ .ففب كل ما يتعلق به هؤالء َ
ي
العنض الرابع :األمر والتدبي.
أما األمر الثالث الذي عليه مدار الربوبية فهو األمر :فاهلل تعاَل هو اآلمر هو
ىع. كوئ وأمر َش دبر ،وأمر هللا تعاَل نوعان ،أمر الم ِّ
ُ
ر ي ي
الكوئ :فهو ما يضف هللا تعاَل به ملكوت السموات واألرض﴿ ،إن َما ي فأما أمره
ُ ُ َ ُ َ
ُ َ ُ ر َ َ َ
َ ْ ُ َ ََ ْ َ ْ
ول له كن ف َيكون﴾ [النحل.]40 : سء ِإذا أ َردن ُاه أن نق قولنا ِل ي
ُ ُ ُ َ
ودعه يف ىع :فما يقضيه من حالل وحرام ييله عىل رسله ،وي ِ َوأما أمره الّش ي
َ
ىع كما ُيخضع له يف أمره َ ُ
كتبه ،فكمال تحقيق الربوبية هو أن يطاع هللا يف أمره الّش ي
الكوئ ،فصار مدار الربوبية عىل هذه األمور الثالثة :الخلق ،والملك ،والتدبي أي ي
األمر.
لسء من ذلك من بب آدم ،وأشهر َمن ُعرف ْإن ُ
كاره وكما أسلفنا أنه ال منكر َ
َ َ َ َّ ِ ي ي
ال َرُّبنا ال ِذي وش﴾ [طه ،]49:قال﴿ :ق للربوبية هو فرعون حينما قالَ ﴿ :ف َمن ررُّب ُك َما َيا ُم َ
ً ر ُ َ ْ َ ْ َ ُ ر ََ ْ َ ْ َ ُ ُ ر َ َ
علمها سلفا كما قال شء خلقه ثم هدى﴾ [طه ]َ 50فألجماه الحجة ،وقد ِ : أ عط ك ل
ي َ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ ُ ُ ْ ُ ْ ً َ ُ ًُّ
ربنا عز وجل﴿ :وجحدوا ِبها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا﴾ [النمل.]14:
شف طرفه يف ملكوت السموات واألرض، فيجب عىل كل مؤمن ومؤمنة إذا ر
وم ِّ ومالكها َُ ر ً ً
دبرها ،هو هللا وحده جازما ،بأن خالق جميع األشياء أن يعتقد اعتقادا
دون ما سواه ،فبهذا تتحقق الربوبية.
َ
قرين بهذه الربوبية كما أخي هللا عنهم بقولهَ ﴿ :ول ْ المّشكون ُم ِّ َ
ي ِ وقد كان
ْ
ي َسأل َت ُه ْم َمنَْ َ
اَّلل﴾[ الزمرَ ﴿ ،]38:ول ْ ُ
ض ل َي ُقول رن َّ ُ َ َ ْ
الس َم َاوات َواأل ْر َ َس َأ ْل َت ُه ْم َم ْن َخل َق ر
َ
ِ ِ
اَّلل﴾ [الزخرف ،]87:إَل غي ذلك من اآليات ر ول رن َّ ُ َ ََُ ْ ََُ ُ
الب يقرون فيها بأن هللا ي خلقهم ليق
ْ َ ويجي وال ُيجار عليه ،لكن ذلك لم يكن ً
ُ ُ َ ُ
كافيا يف إضفاء واف طعم وال يطعمِ ، تعاَل ي ِ
جمع عليه بنو آدم. اإليمان عليهم؛ ألن أمر الربوبية أمر فطريُ ٌ ،
أمر ي ِ
الدرس الرابع من الوحدة الثانية :اإليمان بألوهيته.
تمهيد.
تقدم معنا أنه ال يتم اإليمان بالكتب إال بأمور منها:
ًّ ● اإليمان بأنها ر
ميلة من عند هللا حقا.
● اإليمان بما علمنا اسمه منها باسمه ،وما لم نعلم اسمه فإننا نؤمن به
ا
إجماَّل.
● تصديق ما اح من أخبارها.
ُ
ون ِت ُّم بقية ما ال يتم اإليمان باإليمان بالكتب إال به.
النب والرسول ُيوح إذ . الوالية احل ر بم وبعدها النبوة، مأعىل الدرجات الرسالة ُث ر
ً ي ً إليهما من عند هللا ،ر
النب إن كان وليا حقا. ُ ي أو للرسول تابع فهو الوَل
ي ا أم
ر ر
وه وكذلك ما ادعته الفالسفة ،من أن النبوة تنال باجتماع أوااف سموها ي
ه باطلة ،بل ي القوة الحدسية ،والقوة التخييلية ،والقوة التأثيية؛ فكل هذه مزاعم
ً
من الكفر والزندقة ،فالبد من اإليمان بأن رسالة أنبياء هللاِ ،من عند هللا حقا.
ر ً
جميعا .وذلك أن رسل هللا دعواهم واحدة، الثائ :اإليمان برسل هللا ي األمر
ْ ُ
ت ق ْو ُم نوف ال ُم ْر َسل َ َ َ ْ ر َ
ي﴾ [الشعراء ،]105 :مع أنه أول ِ ٍ وألجل ذا قال هللا تعاَل﴿ :كذب
تكذيبا لجميع المرسلي؛ ً رسول أرسل إَل الناس ،فجعل هللا تكذيبهم لرسول واحد
الدين َما َو رص به ُنوحاً ِّ َ ِّ ُ َ َ َ ََ :
ِ ألن دعوة األنبياء واحدة ،قال هللا عز وجل ﴿شع لكم من
ْ َ َ َ ُ َ َ َ َ ْ َ ُ ِ ِّ َ َ َ ِ َ َ َ ر ُ َْ َ َْ َْ َ َ َ َ ر َْ َّ
َوال ِذي أوحينا ِإليك وما واينا ِب ِه ِإبر ِاهيم وموش و ِعيس أن أ ِقيموا الدين وَّل تتفرقوا
ر
يه﴾ [الشورى .]13 :فالدين واحد ،ودعوة األنبياء واحدة ،واألنبياء إخوة ِل ِعًلت ،دينهم ِف ِ
ر ا ر وشائعهم ر
شب؛ فمن كذب رسوَّل ِمن ُر ُسل هللا فقد كذب بهم أجمعي .فيجب واحد َ
ُ ً
جميعا ،ونؤمن بكل من أرسله هللا تعاَل إَل عباده ،وأن نيلهم منازلهم، أن نؤمن بهم
ً ر َ
وال ن ْغ ِم ُط أحدا حقه.
وقد كفرت اليهود بإنكارهم رسالة عيس ومحمد عليهما الوات هللا وسالمه،
وأما أهل اإلسالم فإنه يؤمنون بجميع وكفرت النصارى بإنكارهم رسالة محمد ﷺ؛ ر
ر َّ َ ْ ُ َ
ين َيكف ُرون يفرقون بي أحد من رسل هللا ،قال هللا عز وجلِ ﴿ :إن ال ِذ أنبياء هللا ،وال ِّ
ْ َ ُ ََ ُْ ْ َ ُ َُ ُ َ ُ ُ َ ُْ َ ْ َ َ ُ ُ َ ُ ُ َ َ ُ َ ِّ ُ ْ
ض ض ْو َنكفر ِببع َ ٍ ون نؤ ِ ًّمن َ ِببع َ ٍ هللا ورس ِل ِه ويقول اهلل ورس ِل ِه وي ِريدون أن يفرقوا بي ِ ِب ِ
ْ َ
ي ذل َك َسبيًل * أ ْول ئ َك ُه ُم الكاف ُرون َحقا َوأ ْع َتدنا للكافر َ َ ْ َ ُ ا َ ْ ُ
َو ُيريدون أن َي رتخذوا َب ْ َ َ َ ُ
ين َعذ ًابا ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ً
ُّم ِهينا﴾ [النساء.]151-150 :
األمر الثالث :تصديقهم وقبول ما أخيوا به من عند هللا :فما أخيت به رسل
شء من إلقاء الشيطان ،ولو ووح معصوم ،ال يمكن أن َيت َط رر َق إليه َ ٌ ٌّ
هللا فهو حق
ي ي
َ َْ َّ وقع َشء من ذلك ر
ليهه هللا منه وخلصه من شوائبه ،قال هللا تعاَلَ ﴿ :و َما أ ْر َسلنا َ ي
ُ ر َْ ُ َ َ َ ٍّ ر َ َ َ ر َ ْ رَ َ
ِم ْن ق ْب ِلك ِمن رسول وَّل ن ِ يب ِإَّل ِإذا تمب ألق الشيطان ِ يف أم ِني ِت ِه﴾ [الحج .]52 :ومعب
ر ْ ُ َ ْ
ان ُث رم ُي ْحك ُم ُ ر َْ ُ هللا َما ُي ْل ر نس ُخ ُ تمب أي :تال ،وأمنيته أي :تالوتهَ ﴿ ،ف َي َ
هللا َآي ِات ِه ِ ط ي الش ق ِي
َ َ َ َ َ ُ َ ْ يم َحك ٌ هللا َعل ٌ َو ُ
يم﴾ [الحج]. 52 :وقال يف حق نبيه محمد ﷺ﴿ :وما ين ِطق ع ِن الهوى ِ ِ
َ ُ ٌ ْ َ ْ ُ َ ر
ح يوح﴾ [النجم ]4-3فجميع ما أخيوا به عن هللا فهو حق وادق . : * ِإن هو ِإَّل و ي
يف أخباره ،وهو عدل يف أحكامه يف الوقت الذي نزل فيه.
َ َ َ ْ َ َْ
وأما األمر الرابع :وجوب طاعتهم واتباعهم والتحاكم إليهم﴿ .وما أرسلنا ِمن
ً ر َ َ ْ ر ُ
آمرا نبيه محمدا ﷺ أن يعلن هللا﴾ [النساء .]64 :وقال سبحانه ً رسول ِإال ِل ُيطاع ِب ِإذ ِن ِ
َُ ً َّ َ ْ َْ ُ ُ ُ َ ُ ْ َ َ ُّ َ ر ُ ِّ ً ً ً
هللا ِإليكم ج ِميعا ال ِذي له جميعا﴿ :قل يا أيها الناس ِإ يئ رسول ِ عالميا للناس إعالنا
األ ِّ ِّ ر ِّ ُ وا باهلل َو َر ُ َُ ُ َ ُ ْ األ ْرض ال إ َل َه إال ُه َو ُي ْ َ َ الس َم َ ر ُْ ُ
م ي ب الن
ِِ ِي ه ول س ِ ِ ن آم ِ ف يت مِ يو ي ي
ِ ح ِ ِ ِ و ات ِ او ك مل
َ ر ُ ُ َ َ َ ّ ُ ْ َْ َُ َ َ َ ََ ُ ُْ َّ
اهلل وك ِلم ِات ِه وات ِبعوه لعلََكم تهتدون﴾ [األعراف .]158وقد جعل هللا
: ال ِذي يؤ ِمن ِب ِ
َ َ ْ َ ُْ ُ ْ ْ ُْ ُ ر َ َ ُّ ُ ْ ُ ْ ُ ْ ْ ُ
وئ يح ِببكم هللا ويغ ِفر لكم المحنة قوله﴿ :قل ِإن كنتم ت ِحبون هللا فات ِبع ِ ي تعاَل آية ِ
ُُ ُ
ذنوبك ْم﴾ [آل عمران .]31 :والبد من التحاكم إليهم وعدم التحاكم إَل من ِسواهم ،قال
َ َ ُ ُ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ َ َ :ر ُ ْ َ ُ َ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ ْ َ
ربنا عز وجل ﴿ألم تر ِإَل ال ِذين يزعمون أنهم آمنوا ِبما أن ِزل ِإليك وما أن ِزل ِمن قب ِلك
ان َأ ْن ُيض َّل ُهمْ َُ ُ ر َْ ُ
وت وقد أ ِمروا أن يكفروا ِب ِه وي ِريد الشيط ُ َ َْ ُ ُ َْ َ ُْ ُ ُ َ َ ْ ََ َ َُ َ ر ُ
ِ َ َ ي ِريدون أن يتحاكموا ِإَل الطاغ ِ
َ َ ُ ُّ َ َ ْ َ َ يل َل ُه ْم َت َع َال ْوا إ َٰل َما أ َنز َل ُ
َ يدا َوإ َذا ق َ َ ً َ
ول َرأ ْيت ال ُمن ِاف ِقي يصدون َ ِ س هللا َوإَل ر
الر ُ
ِ ِ ع
ِ ب الال ض
ْ ُر َ ُ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ ُ ُ ً ِ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ ُّ َ ٌ َ ِ َ ر َ ْ
عنك ادودا * فكيف ِإذا أاابتهم م ِصيبة ِبما قدمت أي ِد ِيهم ثم جاءوك يح ِلفون
ض َع ْن ُهمْ هللا َما ف ُق ُلوب ه ْم َف َأ ْعر ْ ين َي ْع َل ُم ُ ول ٰ ئ َك َّالذ َ ْ ََ ْ َ ر ْ َ ً َ َ ْ ً ُ َ
ُِ ي ِ اهلل ِإن أردنا ِإَّل ِإحسانَا وتو ِفيقا * أ ِ ِب ِ
ِ ِ َ َ َِ ْ َ َْ ً ا َ ُ َّ ُ ْ
َو ِعظ ُه ْم َوقل ل ُه ْم ِ يف أنف ِس ِه ْم ق ْوَّل َب ِليغا﴾ [النساء .]63-60 :ثم قال﴿ :وما أرسلنا ِمن
ر َُ َ ْ ر ُ
هللا﴾ [النساء.]64 : رسول ِإال ِليطاع ِب ِإ ِ ِ
ن ذ
حر ٌّي بمن واألمر الخامس :مواالتهم ومحبتهم وتوقيهم والسالم عليهمِ .
سفيا بينه وبي خلقه ،أن يكون له من الميلة والمقام ما يستحق به هذه ً اختاره هللا
األحكام ،فالبد من مواالته أي :محبته ونضته ،والبد من تقديم محبته عىل محبة
ََ
وول ِد ِه وال ِد ِه ر ُ َ َ ر َْ َ ُْ ُ َ ُ ُْ
كل أحد ،كما قال نبينا ﷺَّ« :ل يؤ ِمن أحدكم ،حب أِون أحب إلي ِه ِمن َِ
أح ُّب اَّللَ ،أل ْن َت َ َ َّ َ ُ َ َ َ ْ ر
اس أج َم ِعي »[البخاري ،15 :وسلم «،]44 :فقال له ع َم ُر :يا رسول ِ ِ والن
َْ َّ َ َ النب َا َّىل ُ ُّ إَل من ُك ِّل َشء رإَّل من َن ْفسَ ،ف َ ر َ
س ِ ي ف ن والذي ، َّل :م وسل عليه هللا َي قال ِ َ ِ ي ُي ي ِ
َ ْ َ َ َّ
قال له ع َم ُر :فإنه اآلن ،واَّلل ،ألنت َ َ ر ُ َ ْ
أح رب إل ْيك من نفسك ف َ َ َ َ
حب أِون َ َبيده ،ر
أح ُّب ِ ِ ِ ِِ
َ َّ َّ َ ْ َ َ
هللا عليه وسل َم :اآلن يا ُع َم ُر »[البخاري.]6632 : النب َاىل ُ قال ُّ إَل من نفس ،ف َ ر
ي ِ ي ي ِ
كذلك البد من توقيهم بمعب إجاللهم﴿ :ل ُت ْؤم ُنوا باهلل َو َر ُسوله َو ُت َع ِّز ُروهُ
ِِ ِ ِ ِ ِ
وه﴾ [الفتح.]9 : َو ُت َو ِّق ُر ُ
َ َ ً
وكذلك أيضا من حقهم السالم عليهم ،فقد قال ربنا عز وجلَ ﴿ :و َسًل ٌم َعىل
ي﴾ [الصافات ،]181 :وذلك لسالمة ما قالوه من النقص والعيب؛ ِولنبينا ﷺ ْال ُم ْر َسل َ
ِ
َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ ُّ َ َْ
من ذلك أوفر الحظ وأوفاه ،فقد قال هللا عز وجل﴿ :يا أيها ال ِذين آمنوا الوا علي ِه
يما﴾ [األحزاب .]56 :فجمع هللا له بي الصالة والسالم معا. َو َس ِّل ُموا َت ْسل ً
ِ
فالواجب عىل كل مؤمن إعطاء أنبياء هللا حقهم من المحبة والتوقي والمواالة،
َ َ
وإعطاءهم فضائلهم. وعدم التفريق بينهم ،وتييلهم منازلهم،
ر َ ُّ فاضل وخاير بينهم ،لكن ال ُ َ ر
خاير بينهم عىل سبيل التنقص ِ ي هللا بأن والعلم
فإن ذلك ُم ر ر
حرم؛ كما األ عىل سبيل المباهاة والتفاخر ،والسب والتنقص للطرف اآلخر
ْ َ ٰ ْ َ ُّ ُ ُ َ ر ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ ر
ض﴾ أما وجود الفضل ،فقد قال هللا عز وجلِ ﴿ :تلك الرسل فضلنا بعضهم عىل بع ٍ
[البقرة.]253 :
الوحدة الرابعة :اإلميان باليوم اآلخر ،والقدر خريه وشره.
الدرس األول من الوحدة الرابعة :اإليمان باليوم اآلخرومقتضياته.
العنض األول :من مقتضيات اإليمان باليوم اآلخر اإليمان بالقيامة الكيى.
ر
قد سبق َم َعنا أنه ال يتم اإليمان باليوم اآلخر ،إال باإليمان بما يكون بعد الموت
وأشاطها ،ومن اإليمان من فتنة القي وعذاب القي ونعيمه ،ومن اإليمان بالساعة َ
بالبعث .ونضيف إَل ذلك أنه ال يتم اإليمان باليوم اآلخر إال باإليمان بالقيامة الكيى
ي﴾ [المطففي.]6 : اس ل َر ِّب ْال َع َالم َ
َْ َ َُ ُ ر ُ
ِ وه قيام الناس لرب العالمي﴿ ،يوم يقوم الن ِ ي
ً ََ
وإنما سميت القيامة بهذا االسم ألسباب منها ما تلونا آنفا وهو :قيام الناس
َ ْ َ َ َْ ُ َ ََ :
ين ال ِق ْسط ِل َي ْو ِم لرب العالمي ،ومنها إقامة العدل لقول هللا تعاَل ﴿ونضع المو ِاز
َ َُ َّ َ َ ْال ِق َي َام ِة﴾ [األنبياء ،]47 :ومنها ما دل عليه قوله تعاَل﴿ :إ رنا َل َن ُ ُ
آمنوا نض ُر ُسلنا َوال ِذين ِ
ِّ . ُّ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ ْ َ ُ َ َ ْ
ِ يف الحي ِاة الدنيا ويوم يقوم األشهاد﴾ [األنبياء ]47فسميت القيامة لقيام األشهاد،
:
والمقصود بها ما يجري من بعد بعث الناس وانشقاق القبور عنهم إَل أن يدخل أهل
الجنة الجنة وأهل النار النار .وذلك يوم عظيم ،ويوم طويل ،ويوم مهيب ،ويوم عسي
ر إال عىل من ر
يّشه هللا عليه ،فيجري يف ذلك اليوم أحداث جسام منها :أن الناس إذا
انشقت عنهم قبورهم دنت منهم الشمس قدر ميل أو ميلي ،فيلحقهم من جراء
ر ر ٌ
حب إن العرق ليسيخ يف األرض سبعي ذراعا ،ويعرق ذلك عرق عظيم وحر شديد؛
ُ
الناس عىل قدر أعمالهم؛ فمنهم من يبلغ العرق كعبيه ،ومنهم من يبلغ ركبتيه ،ومنهم
ُ ُ ْ
من يبلغ ِحقويه ،ومنهم من يبلغ ثدييه ،ومنهم من يبلغ ترقوته ،ومنهم من يلجمه
نبينا ﷺ. العرق إلجاما ،وف ظل هذا الحر العظيم الشديد يهرع المؤمنون إَل حوض ِّ
ي
َُ
النب ﷺ قال« :أنا فرطكم عىل فقد ثبت يف الصحاف والسي والمسانيد أن ي
ر
الحوض» [البخاري ،]6575 :وأخي أن حوضه مسية شهر كل زاوية من زواياه مسية ِ
شهر ،وأنه أحىل من العسل ،ورائحته أطيب من رائحة المسك ،وأبيض من اللي،
للّشب من حوضه، فيتهافت الناس من أمته َ وأن عدد كيانه عدد نجوم السماءَ ،
ً ُ
أبدا. فيناولهم ﷺ ،فمن َشب منه َشبة واحدة لم يظمأ بعدها
ُ ر ُ ْ َ ر
وأحدث فإنه ُيذاد عنه ،كما يف الحديث« :ليذادن أقوام من أم يب،
ر ر وأما من بدل ر
فبعدا لمن
ً ُ :
أحدثوا بعدك ،فأقول فيقال :إنك ال تدري ما ْ فأقولُ :أ َا ْي َحائ ُأ َا ْي َحائُ ،
ي ي
ُ
أحدث بعدي وسحقا".
ُ
نّش الدواوين :قال هللا سبحانه وتعاَلَ ﴿ :وك رل إ َ ومما يقع ف ذلك اليوم َ
نسان ِ ي
َ ُ ْ ُ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ َ ً َْ َ ُ َ ُ ً َْْ َ َ َ َ َ َ ُُ َْ َ َ
أل َز ْمن ُاه ط ِآئ َر ُه ِ يف عن ِق ِه ونخ ِرج له يوم ال ِقيام ِة ِكتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كق
مفتوحا يجد فيه ً يعب : ا
ر منشو ومعب ، : ﴾ ا اليو َم َع َل ْي َك َحس ً
يب ب َن ْفس َك ْ
ي ] 14- 13 اء
ش [اإل ِ ِ ِ
كل ما عمل.
َ ْ ْ َ
ومما يقع ف ذلك اليوم نصب الموازين :قال تعاَلَ ﴿ :ون َض ُع ال َم َواز َ
ين ال ِق ْسط ِ ي
َ ْ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ُ َ ْ ٌ َ ْ ً َ َ َ ْ َ َ َ ر ِّ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ٰ َ
ِليو ِم ال ِقيام ِة فًل تظلم نفس شيئا و ِإن كان ِمثقال حبة من خردل أتينا ِبها وِق ِبنا
ر ر َحاسب َ
ي﴾ [األنبياء ،]47 :وظاهر اآلية يدل عىل أنها موازين متعددة ،وقيل إنها ميان ِ
ًّ ِّ ُ ِ ر
واحد ،وإنما عددت بالنظر إَل مجموع الوزن فيها .وأيا كان ذلك ،فاألمر قريب ويجب
ر ً ً
حقيقيا من كونه ميانا له لسان وكفتان ،كما دل عىل ذلك حديث إثبات الميان إثباتا
البطاقة.