Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 24

‫نسق القرابة‬

‫نظرية القرابة‬
‫يحتل موضوع القرابة وكل مايتصل به من مشكالت تتعلق بالزواج والعائلة‬
‫مرك زا رئيس يا في الدراس ات االجتماعي ة وبخاص ة االنثروبولوجي ا ال تي تع نى في‬
‫المحل االول بدراسة المجتمع ات التقليدية او المجتمع ات القبل الص ناعية وربما ك ان‬
‫الس بب في اهتم ام العلم اء بدراس ة القراب ة وه و اله ام ال ذي تلعب ه عالق ات ورواب ط‬
‫القراب ة في حياتن ا اليومي ة عالوة على طراف ة الموض وع ذات ه وبخاص ة بم ا يتعل ق‬
‫بعادات الزواج المختلفة واشكال العائلة في مختلف المجتمعات مما يجعل موضوع‬
‫القراب ة من اك ثر موض وعات علم االجتم اع واالنثروبولوجي ا ج ذبا واس ترعاء لإنتب اه‬
‫العلماء واهتمامهم ‪.‬ولكن على الرغم من كثرة ماكتب حول القرابة موضوع وخاصة‬
‫ح ول نظم ال زواج واش كال العائل ة وتطوره ا ومش كالتها فال ي زال مي دان الدراس ات‬
‫القرابية يفتقر بشكل ملحوظ الى نظرية يمكن في ضوئها تحليل وفهم وتفسير انساق‬
‫القراب ة المختلف ة وليس من ش ك في ان ذل ك يرج ع من ناحي ة الى ك ثرة ه ذه األنس اق‬
‫وأختالفها وتنوعها الى حد كبير ومن جهة الخرى الى تقدم نسق القرابة ذات في اي‬
‫مجتم ع من المجتمع ات وأتص اله الوثي ق ببقي ة االنس اق والنظم االجتماعي ة في ذل ك‬
‫المجتمع بحيث يصعب فهمه أال بدراسة أألنساق والنظم ذاتها ومن هنا كان موضوع‬
‫القرابة من أشد الموضوعات أبهاما وغموضا واستغالقا على الفهم رغم كثرة م اكتب‬
‫عن ه وعلى اي ح ال ان االهتم ام بموض وع عالق ات القراب ة اهتم ام ح ديث نس بيا على‬
‫عكس الح ال بالنس بة الى ال زواج والعائل ة على ال رغم من أن دراس ة ال زواج والعائل ة‬
‫تعت بر الم دخل الط بيعي لدراس ة انس اق القراب ة ‪ .‬ومن المالح ظ مثال ان كتب علم‬
‫االجتم اع فب اللغ ة العربي ة التش ير العالق ات القراب ة من ق ريب او بعي د بأعتباره ا‬
‫تؤل ف نس قا متك امال ين درج تحت ه كث ير من النظم والعالق ات الفرعي ة وتكتفي كله ا‬
‫بدراس ة ال زواج والعائل ة‪ .‬والغ ريب في ذل ك ان بن خل دون س بق ل ه بفك ره الث اقب ان‬
‫انتب ه الى نس ق القراب ة في مج ال حديث ه عن العص بية ووض ع ب ذور نظري ة متماس كة‬
‫نقلها عنه كثير من المستشرقين وبخاصة روبرتسون سميث لكى تنتقل بعد ذلك الى‬

‫‪1‬‬
‫علم اء األنثروبولوجي ا البريط انيين وبخاص ة ايف انز بريتش ارد وتالمي ذه ال ذين اهتم وا‬
‫بدراس ة انس اق القراب ة في أفريقي ا والع الم الع ربي ‪.‬ولكن لم ينتج لنظري ة بن خل دون‬
‫وأرائ ه ان تج د من يهتم به ا ويعم ل على تطوره ا نظ را ألكتف اء المش تغلين ب العلوم‬
‫االجتماعي ة في الع الم الع ربي بالكتاب ة عن نظم ال زواج واش كال العائل ة وتردي د‬
‫التقسيمات والتصنيفات التي تمتلئ بها كتب علم االجتماع أألمريكي بوجه خاص وقد‬
‫يك ون العلم اء الغ رب ع ذرهم في أغف ال الكالم عن نظم القراب ة والعالق ات القرابي ة‬
‫وأالكتف اء بدراس ة العائل ة وال زواج على أعتب ار أن القراب ة بمعناه ا الواس ع ال تلعب‬
‫دورهم ا في الحي اة اليومي ة في المجتمع ات الغربي ة وذل ك بعكس الح ال في مجتمعاتن ا‬
‫وبخاص ة في المجتمع ات الريفي ة والبدوي ة ذات التنظيم القبلي‪ .‬والواق ع ان اهتم ام‬
‫علم اء الغ رب بدراس ة أنس اق القراب ة يقتص ر على علم اء االنثروبولوجي ا ال ذين‬
‫يوجه ون اهتم امهم الى المجتمع ات التقليدي ة حيث يدرس ون فيه ا االنس اق أالجتماعي ة‬
‫المختلف ة بم ا فيه ا النس ق الق رابي وم ا يق وم بين ه ذه أالنس اق من تفاع ل ووت داخل‬
‫وتش ابك بقص د فهم البن اء أالجتم اعي الع ام لتل ك المجتمع ات‪ .‬وال ي زال معظم‬
‫المش تغلين ب العلوم أالجتماعي ة عن دنا يش فقون من تط بيق المنهج أألن ثروبولوجي في‬
‫دراس تهم نظ را لم ل يتطلب ه ذل ك من وقت طوي ل يقض يه الب احث في الدراس ة الحقلي ة‬
‫المرك زة عالوة على المجه ود الكب ير ال ذي يحتاج ه التحلي ل أألن ثروبولوجي للبن اء‬
‫أالجتم اعي بك ل تعقيدات ه‪ .‬ومهم ا يكن من ش ي فأن ه من الص عوبة بأمك ان الفص ل بين‬
‫القراب ة من ناحي ة ال زواج والعائل ة والعائل ة من النلحي ة أألخ رى حين ن درس المجتم ع‬
‫التقلي دي ‪ ,‬كم ا أن فهم نس ق القراب ة لن يتيس ر للب احث أال بتحلي ل نظ ام ال زواج في‬
‫المجتمع نظرا ألن نسق القرابة يقوم في اساسه على نوعين من العالقات هما عالقات‬
‫الدم وعالقات المصاهرة ‪ ,‬وهما الموضوعات االساسيات المتعلقات بالعائلة والزواج‬
‫‪.‬ويرج ع معظم الفض ل في تنبي ه أالذه ان الى ض رورة أالهتم ام بدراس ة االنس اق‬
‫القرابي ة الى الع الم أألم ر يكي ل ويس مورج ان في الق رن التاس ع عش ر ‪.‬وه ذا الينفى‬
‫بالطبع في وجود عدد من الكتابات أألخرى التي ظهرت في ذلك الوقت او قبله بقليل‬
‫والتي كانت تدور حول الموضوع نفسه مثل كتابات باخوفن وماكلينان وغيرهما من‬
‫علماء النصف الثاني من القرن التاسع عشر ‪.‬ولكن كتابات مورجان تمتاز على كل‬

‫‪2‬‬
‫تلك الدراسات ألنها كانت الى حد كبير على المعلومات والحقائق التي قام مورجان‬
‫نفس ه بجمعه ا من ع دد من قبائ ل الهن ود الحم ر وبخاص ة القبائ ل أألب رو ك واي ال تي‬
‫اتص ل به ا اتص ال مب اش له ذا الغ رض وض من تل ك المعلوم ات كتاب ه عن (أنس اق‬
‫رواب ط ال دم والمص اهرة في العائل ة البش رية ثم ح اول تطويره ا بع د ذل ك في كتابات ه‬
‫التالية وبخاصة في كتابه المشهور عن المجتمع القديم ولقد كان من الطبيعي ان يتجه‬
‫ه ؤالء العلم اء في نظري اتهم عن القراب ة اتجاه ا تطوري ا ‪ ,‬وذل ك تماش يا م ع التي ار‬
‫الفك ري الع ام الس ائد في ذل ك ال وقت في دراس ة النظم أالجتماعي ة عن طري ق البحث‬
‫عن البداي ة االولى لنل ك النظم ثم تتب ع المراح ل المختلف ة ال تي م رت به ا واالش كال‬
‫أتخ ذتها تل ك النظم في مختل ف المراح ل وعلى ذل ك نج د مورج ان يض ع في كتاب ه‬
‫نظري ة تق وم في اساس ها على تط ور الحي اة العائلي ة وال زواج من البس اطة الى التعقي د‬
‫حسب نسق عقلي تصور ان البشرية سارت تبعا له في تطورها وتقدمها ‪ .‬وتقوم هذه‬
‫النظري ة على اس اس ان ك ل م اهو مختل ف عن النظم األوربي ة يمث ل مرحل ة تطوري ة‬
‫سابقة في الزمن واكثر تأخرا او تخلفا من تلك النظم التي كانت تعتبر في نظر العلماء‬
‫حينذاك قمة التقدم والتطور ‪ .‬ولقد سبق ان رأينا في الفصل الثاني كيف أن مورجان‬
‫في دراس ته للحي اة أالقتص ادية ذهب الى الق ول بتط ور ط رق المعيش ة وانم اط الحي ة‬
‫أألقتصادية حسب خطوات مرسومة بدقة‪ .‬والواقع انه كان يحاول دائما أن يربط تلك‬
‫التغيرات والتطورات في مجال طريقة العيش بتغييرات معينة في شكل العائلة ونظام‬
‫القراب ة وش كل الحكوم ة ‪ ,‬ولكن ه ك ان يعطي أهتمام ا خ اص الموض وع تط ور اش كال‬
‫العائلة بأعتبارها األساس األول الذي تقوم عليه بقية النظم األجتماعية وال يزال كثير‬
‫من علم اء األجتم اع المح دثين يعت برون نظري ة مورج ان عن تط ور العائل ة ونس ق‬
‫القراب ة هي أهم نقط ة في نظريت ه في التط ور األجتم اعي ‪.‬وتتض من نظري ة مورج ان‬
‫في انه كان يرى المجتمع البشري في البداية عبارة عن زمرة أجتماعية بسيطة تعيش‬
‫في حالة بدائية ال تحكمها ضوابط أو قوانين أو قواعد خلقية كان افرادها يحيون حياة‬
‫أباحية متحررة‪ .‬والمعلومات بشكل لم يتوفر في كتابات غيره من العلماء المعاصرين‬
‫ل ه ‪.‬ولم تكن نظري ة مورج ان هي النظري ة الوحي دة في ه ذا الص دد‪ .‬فق د ك انت هن اك‬
‫عدة نظريات لم تكن تقل عنها تماسكا من الناحية المنطقية الصورية على األقل وأن‬

‫‪3‬‬
‫لم يقدر لهذه النظريات أن تنتشر وتشيع مث نظرية مورجان لسبب أو ألخر ‪ .‬ومع‬
‫أن ه ذه النظري ات تختل ف فيم ا بينه ا في بعض التفاص يل المتعلق ة بالمعلوم ات ال تي‬
‫يستش هد به ا أص حابها بأنه ا تتف ق فيم ا بينه ا ح ول طبيع ة المب دأ ال ذي تق وم علي ه وه و‬
‫م رور األنس انية بع دد من المراح ل ال تي تتم يز بأش كال معين ة من ال زواج والعائل ة‬
‫والقراب ة ‪ ,‬وتتف ق الى ح د كب ير أيض ا في خص ائص بعض ه ذه المراح ل وبخاص ة‬
‫المراحل األكثر تقدما وتطورا ‪ .‬وتعتبر نظرية باخوفن المعروفة بأسم ((حق األم))‬
‫من أهم ه ذه النظري ات ‪.‬وق د لعبت دورا هام ا في توجي ه الفك ر األجتم اعي في الق رن‬
‫التاس ع عش ر وجه ة معين ة بال ذات حين أفترض ت أن الش كل أألول للعائل ة ه و العائل ة‬
‫أألموية وأن نسق القرابة عن طريق النساء كان أسبق في الظهور على نسق القرابة‬
‫األب وي نظ را ألنتس اب أألبن اء الى أمه اتهم ‪ ,‬مم ا أض فى على الم رأة مكان ة أجتماعي ة‬
‫وأقتص ادية وسياس ية أعلى بكث ير مم ا ك انت ومرك ز الرج ل ‪ .‬وق د اس تند ب اخوفن في‬
‫نظريت ه عن س بق األنتم اء األم الى ان طبيع ة أألش ياء تحتم ذل ك ‪.‬فالق انون الط بيعي‬
‫يقض ي بأهمي ة أألم بينم ا لم ت ذهب س يطرة االب وحقوق ه األ بع د ذل ك بكث ير ذل ك أن‬
‫أألنسانية في بدايتها تحتاج الى كثير من الرعاية والعناية وهو مايمكن للمرأة توفيره‬
‫من دون الرج ل كم ا أن الم رأة اق در من الرج ل على توف ير الس الم وتحقي ق المحب ة‬
‫وبذر بذور الخير ‪ .‬ولكن الى جانب األراء او الشخصية يستشهد باخوفن في التدليل‬
‫على نظريت ه بكث ير من الش واهد واألدل ة ال تي يس تمدها على الخص وص من العص ور‬
‫الكالسيكية ‪ .‬وكذلك منبعض المجتمعات البدائية التي كانت معروفة في ذلك الحين ‪.‬‬
‫فالشعوب ذات الحضارة القديمة وبخاصة السابقة على الحضارة الهليلية كانت تمنح‬
‫الم رأة مكان ة عالي ة مرموق ة ‪.‬فلق د ذك ر ه يرودت مثال أن لليقين ك انوا يتبع ون نظ ام‬
‫األنتساب لألم بحيث بحيث كان األبناء يحملون أسماء أمهاتهم كما كانت األم هي التي‬
‫تت ولى ش ؤون ال بيت والدول ة على الس واء ‪ .‬ويالح ظ ب اخوفن أن كث يرا من أألس اطير‬
‫القديم ة تش ير الى المكان ة العالي ة ال تي تتمت ع به ا الم رأة في العص ور القديم ة ‪ ,‬وفس ر‬
‫ذل ك ب أن ه ذه األس اطير تعكس في الواق ع النظ ام األم ومي ال ذي ك ان س ائدا في تل ك‬
‫األحقاب السحيقة ‪ ,‬كما هو الحال مثال في أسطورة ابزيس المصرية التي يستدلمنها‬
‫على المجتمع المصري المبكر كان مجتمعا أموميا وأن أألسطورة هي أحدى رواس ب‬

‫‪4‬‬
‫تلك الحقبة ‪ .‬بل أن لفكرة أسبقية حق األم أساسا دينيا أيضا ‪ .‬ففكرة ((األم األرض))‬
‫ال تي منه ا خرجن ا واليه ا نع ود قديم ة وراس خة في معظم أألدي ان ‪ ,‬ب ل أن ((ال ه))‬
‫األرض يظه ر في معظم األس اطير على أن ه أن ثى وليس ذك ر ‪ ,‬كم ا أن أول مظه ر‬
‫للعبادة كان دائما عبادة االلهة األنثى في كل مجتمعات القديمة المعروف ة ‪ .‬ومهم ا يكن‬
‫من شئ فثمة كثير من المجتمعات البدائية وبخاصة في افلريقيا ال تزال تعترف لألن‬
‫بنظام األنتساب الى أألم ‪ ,‬وهذه تمثل في رأيه ورأى العلماء التطوريين على العموم‬
‫مرحل ة س ابقة قديم ة من تط ور المجتم ع البش ري ‪ .‬فك أن األوض اع الس ائدة اذن في‬
‫المجتمعات البدائية والكالسيكية على السواء (وهي تمثل في رأس العلماء التطوريين‬
‫مرحلةدنيا سابقة في تطور الحياة االجتماعية ) تؤيد أسبقية سيطرة األم على األب في‬
‫الزمن‪ .‬بيد أن باخوفن كان يرى رغم هذا أن (حق األم) وسيطرتها ومركزها العالي‬
‫الممت از في المجتم ع لم يكن في واق ع األم ر ه و المرحل ة األولى في ت اريخ البش رية‬
‫وتط ور النس ق الق رابي ‪ ,‬وانم ا س بقتها مرحل ة أخ رى هي مرحل ة التح رر الجنس ي‬
‫المطل ق أو األباحي ة الجنس ية ولكن ه ذه أألباحي ة لم تظه ر_ في رأي ه _نتيج ة ألغ راق‬
‫الن اس في الش هوات واألنقي اد أله وائهم ‪ ,‬وأنم ا هي عن ده مج رد فك رة منهجي ة تعتم د‬
‫على أل رأي القائ ل ب أن الم رأة لم تخل ق في األص ل لكي ت دفن نفس ها بين ذراعي رج ل‬
‫واحد وقد انتقل باخوفن من ذلك الى القول بأن ملكية الرجل الواحد ألمرأة معينة كان‬
‫يعت بر خروج ا على ارادة األله ة ‪ .‬وه ذه النتيج ة منطقي ة تتب ع من المق دمات ال تي ب دأ‬
‫منها ‪ .‬ومع ذلك فقد ثارت ثائرة النساء في مرحلة تالية من تطور المجتمع البشري‬
‫على ذل ك الوض ع الم زري المهين ‪ ,‬وك انت ه ذه الث ورة أي ذانا بظه ور ال زواج كنظ ام‬
‫أجتم اعي ينظم العالق ات الجنس ية بين الرج ل والم رأة ‪ .‬ولق د ك ان من الط بيعي أن‬
‫تتمسك المرأة الثائرة على أالوضاع بالسلطة والسيطرة في يدها ‪ ,‬وظهر بذلك (حق‬
‫األم)ولقد كرست المرأة المسيطرة نفسها لألغراض السلمية ‪ ,‬فأخترعت الزراعة ‪.‬‬
‫ومع ذلك فلم يكن المجتمع يرضى في البداية لألمر عن هذا الوضع وكان ينظر الى‬
‫ال زواج على ان ه ث ورة على الق انون الط بيعي وخ روج على أرادة األله ة وب ذلك ك انت‬
‫المجتمع ات المبك رة ‪ ,‬وك ذلك بعض المجتمع ات البدائي ة الحالي ة ‪ ,‬ت بيح للم رأة في‬
‫مواسم معينة أن تتصل جنسيا بأي رجل تشاء فيما يعرف بأسم (الزنا الموسمي)الذي‬

‫‪5‬‬
‫يعت بره ب اخوفن تكف يرا من المجتم ع الق ديم المبك ر والمجتم ع الب دائي عن (جريم ة‬
‫ال زواج) وم ع ذل ك فق د س ار النظ ام في طريق ه التط وري وت رتب على ذل ك ظه ور‬
‫اشكال جديدة مختلفة هي أألصل فيما نراه األن من أختالف في نظم القاربة والزواج‬
‫والعائلة ‪ .‬ذلك أن المرأة فقدت سلطانها وسيطرتها في بعض المجتمعات فيما يتعلق‬
‫بشؤون العائلة بينما فقدت مكانتها السياسية فقط في المجتمعات اخرى ‪ ,‬وأدى ذلكعلى‬
‫العموم نظام األنتساب الى األب واألعتراف بالقرابة في خط الذكور وسيطرة الرجل‬
‫في ش ؤون السياس ة واألقتص اد‪ .‬والظ اهر أن فك رة ش يوع األباحي ة الجنس ية (أو‬
‫الشيوعية الجنسية أو شيوعية النساء كما تسمى في بعض األحيان ) في بداية الظهور‬
‫للمجتم ع البش ري وم اترتب عليه ا من ظه ور األنتس اب الى األم والقراب ة في خ ط‬
‫ال ذكور ك انت تلقى كث يرا من التأيي د من علم اء األجتم اع واألنثروبولوجي ا في ذل ك‬
‫الحين تج د النظري ة ذاته ا معروض ة بش كل أو ب أخر في كث ير من الكتب القيم ة مث ل‬
‫كت اب بريف ولت عن األمه ات وكتاب ات ماكلين ان وبخاص ة كتاب ه عن (ال زواج‬
‫الب دائي)وهي كله ا كتب ودراس ات ظه رت ظه رت في أوق ات متقارب ة وانك ان كت اب‬
‫بريف ولت ظه ر مت أخرا بعض الش ئ ‪ .‬وق د تمكن ماكلين ان على الخص وص من‬
‫الوص ول الى نت ائج مش ابهة الى ح د كب ير النت ائج ال تي توص ل أليه ا ب اخوفن رغم ان ه‬
‫ابت دأ من ب دايات مختلف ة ‪ .‬وق د ك ان ماكلين ان مهتم ا في األص ل ب البحث عن اص ل‬
‫الزواج الداخلي أو األندوجامي والزواج الخارجي أو األغترابي أو األكسوجامي ‪,‬وق د‬
‫أغلح ماكلين ان كمعظم علم اء عص ره في وض ع نظريت ه في ق الب منطقي نظ ري‬
‫متماس ك ‪ .‬ولق د ابت دأ ماكلين ان من أف تراض أن األنس انية في مرحلته ا األولى ك انت‬
‫تعيش في حالة فوضى خلقية وأباحية جنسية مطلقة ‪ ,‬وكانت الجماعات القبلية القديمة‬
‫تعيش في حال ة حب دائم ة وأغ ارات مس تمرة ومتبادل ة ‪ .‬وق د أس تلزمت الح رب منهم‬
‫أن يتخلصوا من البنات الالتي كن يعبرن عامال معوقا في الحرب في ناحية ‪ ,‬وخشية‬
‫وق وعهن في األس ر من ناحي ة اخ رى ‪ ,‬وب ذلك ظه ر وأد البن ات في تل ك المجتمع ات‬
‫القبلية المتحاربة ‪ .‬إال ان وأد البن ات خل ق ام ام هذه القبائل ص عوبة بالغة فيما يتعل ق‬
‫ب الزواج حيث تق دمت المجتمع ات االنس انية وتخلص ت من حال ة اإلباحي ة األولى ‪ ,‬فلم‬
‫يكن لدى اي جماعة منها مايكفي لزواج جميع افرادها البالغين من الذكور وعلى ذلك‬

‫‪6‬‬
‫كان النظام السائد هو سرقة النساء وخطفهن بالقوة والغصب في اول األمر ‪ .‬وظل‬
‫األم ر ك ذلك ح تى تق دمت األنس انية م رة اخ رى واص بحت العالق ات بين الجماع ات‬
‫المختلفة اقل عنفًا واكثر مودة ‪ ,‬ومع ذلك ظل الرجل يتزوج من خارج جماعته مما‬
‫يع ني ان ال زواج االكس وجامي ك ان اس بق في الظه ور على ال زواج ال داخلي او‬
‫األن دوجامي ‪ ,‬كم ا ظ ل خط ف الزوج ة قائم ا ولكن ه اص بح مج رد عملي ة رمزي ة فق ط‬
‫تش ير في ال وقت نفس ه الى النظ ام المتب ع في الماض ي وفي تل ك المرحل ة القديم ة حيث‬
‫ك ان يص عب العث ور على نس اء وزوج ات لك ل رج ال الجماع ة الواح دة ‪ ,‬كم ا ك ان‬
‫يح دث كث يرًا ‪ ,‬ك ان الب د من أن يش ترك ع دد من الرج ال في إم رأة واح دة ‪ ,‬واألغلب‬
‫ان ه ؤالء الرج ال ك انوا في اول األم ر من األغ راب ‪ ,‬وظه رت ب ذلك مرحل ة تع دد‬
‫األزواج القديمة المندثرة أو كما يسميها ماكلينان بالبولياندرية (تعدد األزواج) العتيقة‬
‫‪ . archaic polyandry‬وق د دخ ل على ه ذا الش كل بعض التغي ير والته ذيب بتق دم‬
‫المجتمع ‪ ,‬وذلك حين اصبح األزواج الذين يشتركون في امرأة واحدة هم من األخوة‬
‫‪.‬‬
‫ويطلق ماكلينان على هذا الشكل اسم البولياندرية األخوية ‪fraternal polyandry‬‬
‫وعلى اي ح ال فأن ه في كال الن وعين من البولياندري ة (تع دد األزواج) ك ان الب د أن‬
‫ينتس ب األبن اء الى األم م ادامت األب وة غ ير مؤك دة أو غ ير ص ريحة على األق ل ‪.‬‬
‫وكانت الزوجة في البولياندرية العتيقة الزائلة تعيش هي واطفالها مع امها وأخواتها‬
‫كما كان األطفال يحملون اسم عائلتها ‪ ,‬ثم اخذت الزوجة تستقل بعد ذلك عن عائلتها‬
‫في بيت مستقل بحيث يزورها األزواج كل بدوره حسب نظام مرسوم لهم ولكن ظل‬
‫األطفال يعيشون معها ايضًا ‪ .‬اما في البولياندرية األخوية فأن الزوجة كانت تنفصل‬
‫عن عائلتها وتنتقل لتعيش مع عائلة األخوة األزواج ‪ ,‬كما كان أبناؤها يعيشون هناك‬
‫ايض ًا ‪ .‬وبم رور ال زمن وتق دم المجتم ع وانفص ال الزوج ة ش يئًا فش يئًا عن اهله ا اخ ذ‬
‫الميل يزداد نحو انتماء األوالد الى عائلة األزواج األخوة ويحملون على الخصوص‬
‫اسم األخ األكبر ‪ ,‬فك أن األنتس اب الى األب ظهر في مرحلة مت أخرة نسبيًا ونتج عن‬
‫السكنى واألقامة مع األخوة األزواج واهلهم ‪ . patrilocality‬وقد حاول ماكلينان ان‬
‫يستدل على صحة نظريته باألستعانة بمزيد من النظم األجتماعية األخرى مثل نظام‬

‫‪7‬‬
‫ال زواج الليف يراتي (‪ )leviratic marriage, levirate‬ال ذي يتحتم على الرج ل‬
‫بمقتض اة ال زواج من ارمل ة اخي ه ‪ ,‬وه و نظ ام متفش ي بك ثرة في ع دد كب ير من‬
‫المجتماع ات ويعتبره ا ماكلين ان ج زءًا طبيعي ا من النظ ام البوليان دري واح د مخلف ات‬
‫هذا النظام الهامة وكذلك استدل ماكلينان على ذلك ببعض مصطلحات القرابة الش ائعة‬
‫عن د ع دد من قبائ ل الهن ود الحم ر حيث يس تخدم الرج ل مص طلحًا قرابي ًا واح دا ألبي ه‬
‫وأعمام ه على الس واء (‪ . )1‬ولم يظه ر ال زواج األح ادي اال في مرحل ة تالي ة على م ا‬
‫قال موجان ‪.‬‬
‫وتكتفي هذه األمثلة للكشف عن األتجاه العام الذي سارت فيه نظرية القرابة ‪.‬‬
‫في الق رن التاس ع عش ر ‪ ,‬وه و نفس األتج اه ال ذي ح اول علم اء األجتم اع‬
‫واألنثروبولوجي ا في ذل ك الحين االس تعانة ب ه لتفس ير النظم األجتماعي ة عموم ًا على‬
‫مارأينا حين تكلمنا عن النسق األقتصادي ‪ ,‬والذي يفرض وجود مراحل محددة بدقة‬
‫يم ر فيه ا النظ ام األجتم اعي الواح د بحيث يتح ذ ش كًال معين ًا بال ذات في ك ل مرحل ة‬
‫وبحيث يرتك ز ك ل ش كل منه ا على األش كال ال تي س بقته في الظه ور ويمه د الطري ق‬
‫لظهور شكل تال اكثر منه تطورًا ‪ .‬وتصدق هذه المراحل التطورية في نظر علماء‬
‫الق رن التاس ع عش ر على المجتم ع البش ري برمت ه وعلى ك ل مجتم ع ح دة ‪ .‬واختالف‬
‫النظريات التطورية في تحديد هذه المراحل وأشكال الزواج والقرابة وترتيبها دليل‬
‫على ان ه ذه النظري ات ك انت تعتم د في المح ل األول على التفك ير النظ ري المج رد ‪,‬‬
‫فهي جهود شخصية تعكس وجهة نظر أصحابها قبل كل شيء مع محاولة تدعيم هذه‬
‫اآلراء ببعض القرائن واألدلة التي كثيرًا ماكان يساء فهمها وتأويلها كما هو الحال في‬
‫اعتبار استخدام كلمة واحدة لألب واألعمام دليًال على اشتراك اإلخوة في امرأة واحدة‬
‫‪ ,‬وهي مس ألة س وف نع رض له ا فيم ا بع د في ض وء المعلوم ات اإلنثنوجغرافي ة‬
‫المتوفرة األن بكثرة وذلك في معرض كالمنا عن مصطلحات القرابة ‪.‬‬

‫ولم تس لم النظري ة التطوري ة وبخاص ة آراء مورج ان من النق د والتج ريح ‪ .‬ومعظم‬
‫األنتقادات التي وجهت إليها قامت على اساس اخفاقها في األستعانة بالحقائق والوقائع‬
‫اليقينية في التدليل على صحة وجود تلك المراحل التطورية بالفعل وبخاصة المراحل‬

‫‪8‬‬
‫المبك رة ‪ .‬فليس هن اك ماي دل بش كل ق اطع على وج ود مرحل ة اإلباحي ة أو الش يوعية‬
‫الجنسية التي قال بها هؤالء العلماء والتي قبلها انجلز ‪ ENGELS‬بعد ذلك ‪ .‬فهذه‬
‫مرحلة افتراضية بحتة لجأ اليها العلماء التطوريون الستكمال النسق الذهني النظري‬
‫بحيث تبدو عملية التطور من البسيط الى المعقد عملية متكاملة ‪ .‬وهذا نفسه يصدق‬
‫الى ح د كب ير على م ا يس ميه مورج ان ب زواج الجماع ة ‪ .‬واف تراض قي ام ه اتين‬
‫المرحل تين مس ألة طبيعي ة ومنطقي ة الزم ة من نفس المق دمات ال تي ب دأ منه ا ه ؤالء‬
‫العلماء والتي تفترض انه مادام األنسان قد تطور من بعض األشكال الحيوانية األدنى‬
‫منه فال بد من أن يكون قد مر في حياته المبكرة بمرحلة حيوانية لم يكن يخضع فيها‬
‫ألي مق اييس أو مع ايير أو ض وابط خلقي ة تحكم س لوكه وتص رفاته وأن ذل ك انعكس‬
‫بالض ورة في حيات ه وعالقات ه الجنس ية قب ل ان تخض ع للقي ود والتحريم ات ال تي‬
‫ص احبت المراح ل التالي ة من تط وره الف يزبقي ‪ .‬وليس أدل على ته افت النظري ة‬
‫التطورية في هذا الصدد بالذات من انه في الوقت الذي كان باخوفن وماكلينان يناديان‬
‫بنظرية سبق نظام القرابة األمومي كان سير هنري مين ‪ sir henry Maine‬ينادي‬
‫من ناحية اخرى بسبق ظهور نظام القرابة األبوي وذلك في كتابه عن ((القانون القديم‬
‫‪ , ))ancient law‬وق د اعتم د مين في ذل ك على ان الغري زة الطبيعي ة في األنس ان‬
‫تجعله يأبى مشاركة شخص اخر في زوجته ‪ .‬وقد تكون هناك من القرائن ما يكذب‬
‫رأى مين حيث ان البولياندري ة تم ارس في الحقيق ة في بعض مجتمع ات قليل ة مث ل‬
‫التودا ‪ todas‬ولكن الذي يهمنا هنا هو ان العلماء التطوريين في ذلك الق رن لم يكون وا‬
‫يستندون دائم ًا على معلومات اكيدة في اقامة نظرياتهم كذلك اعترض بعض العلماء‬
‫من أمثال وسترمارك ‪ Westermarck‬على الزعم بظهور نظم الزواج التعددي قبل‬
‫ال زواج األح ادي اس تنادًا الى تش ابه حي اة األنس ان المبك ر وأنم اط الحي اة الحيواني ة‬
‫األخ رى وذهب وا ألى أن ال زواج األح ادي ك ان اس بق في الظه ور ‪ .‬ومن الطري ف أن‬
‫وس ترمارك اعتم د في ذل ك على المعلوم ات المؤك دة عن الحي اة الجنس ية ل دى الق ردة‬
‫العلي ا أو بعض ها على األق ل ‪ ,‬حيث يكتفي ال ذكر باألتص ال جنس يًا ب أنثى واح دة ي دافع‬
‫عنه ا ويض ل مخلص ًا له ا ‪ ,‬وعلى ذل ك ذهب وس ترمارك الى ان ال زواج األح ادي او‬
‫المونوج امي ‪ monogamous‬ليس ه و الش كل األول لل زواج فحس ب ب ل والش كل‬

‫‪9‬‬
‫الطبيعي ايضًا بينما صور الزواج األخرى ليست سوى تطورات استثنائية في تاريخ‬
‫البش رية (‪ . )1‬ففي ك ل المجتماع ات ال تي تع ترف بنظ ام التع دد نج د هن اك ميًال ول و‬
‫رمزي ًا الى وحداني ة ال زواج ‪ .‬فحيث يوج د تع دد الزوج ات توج د في األغلب زوج ة‬
‫كبرى مفضلة ‪ ,‬بينما تنزل الزوجات األخريات منزلة ثانوية بالنسبة اليها ‪ .‬كما انه‬
‫حيث يوجد تعدد األزواج فأنه يوجد غالبًا زوج رئيسي هو في العادة األخ األكبر الذي‬
‫ينس ب األوالد الي ه كم ا ه و الح ال عن د الت ودا ‪ .‬وك ذلك خض عت مرحل ة ((العائل ة‬
‫الدموي ة)) ال تي ق ال به ا مورج ان للنق د والتس فيه ‪ .‬وتق وم ه ذه األنتق ادات على ان‬
‫مورجان رغم كل جهوده في تبيين الدالالت األجتماعية لمصطلحات القرابة وقع في‬
‫نفس األخطاء التي كان يعمل على تصحيحها ‪ .‬فقد استدل مورجان على وجود هذا‬
‫الن وع من العائل ة من تحليل ه لمص طلحات القراب ة الش ائعة في ج زر ه اواي على م ا‬
‫ذكرن ا ‪ ,‬وأخط أ في اعتب اره ان اس تحدام المص طلح الواح د لع دد من األش خاص يش ير‬
‫بالضرورة الى وجود عالقات جنسية من نوع ما ‪ ,‬وأن جميع األشخاص الذين يطلق‬
‫عليهم كلم ة ((أب)) هم في واق ع األم ر أش خاص يتص لون جنس يًا ب األم أو على األق ل‬
‫لهم الح ق في األتص ال به ا جنس يًا والواق ع ان العلم اء المح دثين يرفض ون ه ذا ال رأي‬
‫بشدة ويميزون بين نوعين من القرابة هما القرابة الفيزيقية والقرابة األجتماعية ‪ ,‬فقد‬
‫يحت ل الرج ل من ش خص معين منزل ة األب وين ادي بتل ك الكلم ة دون أن يك ون أب ًا‬
‫حقيقيًا له ودون ان يكون له حق األتصال جنسيًا باألم على ما سنرى فيما بعد ‪.‬‬
‫ومع ان النظرية التطورية في القرابة كما كانت تظهر في كتابات القرن التاسع عشر‬
‫لم تعد تحتل مركزًا محترما األن في الكتابات الحديثة ولم تعد تجد لها أنص ارًا من بين‬
‫العلماء المحدثين نظرًا للمأخذ التي تؤخذ عليها ‪ ,‬فهناك بعض المحاوالت في امريكا‬
‫يتزعمه ا األن بعض علم اء األنثروبولوجي ا ال ذين يح اوالن بعث النظري ة التطوري ة‬
‫ولكن في ق الب اخ ر م ع ادخ ال تع ديالت جوهري ة عليه ا ‪.‬ويس لم ه ؤالء العلم اء من‬
‫امث ال ه وايت ب أن نظم العائل ة وال زواج والقرب ة م رت باش كال مختلف ة تمث ل مراح ل‬
‫تطورية ‪ ,‬ولكن هذا يصدق على المجتمع البشري باجمعه وفي تأريخه ككل دون ان‬
‫يستتبع ذلك مروركل مجتمع مجتمع على حدة بتلك المراحل ‪,‬أو ان الزواج في عائلة‬
‫في اي مجتمع معين بالذات البد ان يمر بكل تلك المراحل ‪ .‬فلكل مجتمع ظروفه ال تي‬

‫‪10‬‬
‫تهيئ لظهور شكل معين وللعائلة والقرابة يمثل مرحلة معينة من مراحل تطور النظام‬
‫ككل ‪ ,‬كما ان كل النظم مجتمعة يمكن ان ترتب من البساطة الى التعقيد بحيث تعطينا‬
‫فك رة واض حة عن تط ور ذل ك النظ ام كك ل خالل الت أريخ ‪.‬وه ذا ال رأي في مجمل ه ال‬
‫يختلف اختالفا كبيرا عما يعتنقه على اي حال العلماء الوظيفيون المحدثون فيما عدا‬
‫فكرة ترتيب األشكال األجتماعية في سلسلة تطورية واحدة متماسكة ‪ ,‬وان ك ل اش كال‬
‫منها يمثل مرحلة معينة من مراحل التطور ‪.‬‬
‫ولق د ك ان ألتس اع معرف ة العلم اء المح دثين بالمجتمع ات المختلف ة واتص الهم المباش ر‬
‫بتلك المجتمعات وتعرفهم على مختلف أنماط النسق القرابي واهتمامهم بوجه خاص‬
‫بتحلي ل تل ك األنس اق الى مكوناته ا البس يطة من ناحي ة ‪ ,‬وتحلي ل العالق ات المتبادل ة‬
‫المتشابكة التي تربطها ببقية األنساق السائدة في تلك المجتمعات كل على حدة ‪ ,‬اثره‬
‫الكب ير الواض ح في تخلص النظري ة الحديث ة من ش وائب االتج اه التط وري ‪ .‬فالعلم اء‬
‫المح دثون ي رون ان نفس الوظيف ة الطبيعي ة للعائل ة هي ال تي تح دد بناءه ا ‪ .‬فب دون‬
‫ال زواج الب د من ان يض محل المجتم ع وي زول ‪ ,‬وك ان له ذا أث ره بالض رورة على‬
‫الزواج ‪ .‬وعلى ذلك فاختالف اشكال الزواج واشكال العائلة وأنماط النسق القرابي ال‬
‫يمكن ان يك ون مرجعه ا الى درج ة التط ور ‪ ,‬وانم ا مرجعه ا ه و ب األحرى الى‬
‫الظروف األجتماعية السائدة في كل شعب او في كل مجتمع من تلك المجتمعات على‬
‫ح دة ‪ .‬اي ان الظ روف والمالبس ات المحلي ة الس ائددة في المجتم ع هي ال تي تتض افر‬
‫على ايج اد نظ ام معين لل زواج وللعائل ة ويؤك د من ذل ك أن نظ ام ال زواج األح ادي أو‬
‫المونوج امي ال ذي يجم ع العلم اء التطوري ون على اعتب اره أرقى أش كال ال زواج‬
‫واخرها في الظهور (على ااعتبار انه الشكل الشائع في المجتمعات الغربية ‪ .‬يوجد‬
‫في ال وقت ذات ه في كث ير من اك ثر المجتمع ات ت أخرا وبس اطة من حيث التنظيم‬
‫االجتماعي والحياة والحياة االقتصادية ‪ ,‬مثل سكان جزر األندمان في المحيط الهندي‬
‫الذين ينظرون الى تعدد الزوجات بخوف وفزع ومثل الفيدا والناجا البدائية البسيطة ‪.‬‬
‫فكأن الزواج أألحادي والعائلة البسيطة أو األولية التي تقوم وترتكز عليه توجد في‬
‫مجتمع ات عدي دة تنتمي الى مس تويات حض ارية واجتماعي ة مختلف ة ووجوده ا اذن ال‬
‫يتعلق بمراحل التطور ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وكان معنى ذلك كله ان العلماء ان العلماء المحدثين ‪ ,‬وبخاصة علماء االنثروبولوجي ا‬
‫ال ذين يهتم ون بدراس ة المجتم ع التقلي دي والمجتمع ات األك ثر بس اطة على العم وم ‪,‬‬
‫حين يدرس ون نس ق القراب ة في تل ك المجتمع ات ينظ رون من حيث ه و ص ورة من‬
‫ص ور التنظيم األجتم اعي ‪ ,‬وان ه يقس م المجتم ع الى فئ ات أو جماع ات متم ايزة من‬
‫الن اس ‪ ,‬ولكن ه يرب ط في ال وقت ذات ه اف راد ك ل جماع ة برواب ط من ن وع هي ال تي‬
‫نس ميها رواب ط القراب ة ‪ ,‬كم ا ان ه ذه الجماع ات ذاته ا ق د ترتب ط اح داها ب األخرى‬
‫بروابط من نفس النوع ‪ .‬فتوزع الناس اذن في جماعات عائلية يعتبر عامال من الهم‬
‫العوامل للبناء االجتماعي ‪ .‬وتتفاوت هذه الجماعات العائلية في الحجم ‪ ,‬اي من حيث‬
‫عدد الشخاص واالجيال الذين يدخلون في تكوينها بحيث يبدو بعضها على درجة جدا‬
‫من التعقيد ‪ ,‬وتحتاج الى درجة عالية جدا ايضا من المهارة والمثابرة لتحليلها وتفهم‬
‫طريق ة عمله ا ومعرف ة بناءه ا ال داخلي ‪ ,‬اي العالق ات ال تي تق وم بين األف راد ال ذين‬
‫ي دخلون في تك وينهم ‪ .‬وم ع ان كث يرا كم جه ود العلم اء المح دثين تنص رف نح و‬
‫تصنيف تلك الجماعات العائلية والتمييز بينها ‪ ,‬فأن ذلك يتم بقصد الوصول الى فهم‬
‫أعمق لبناءها ووظيفتها في المجتمع ‪ ,‬وليس بقصد أقامة اية نظريات عن تصورها‬
‫ع بر الت أريخ ‪ .‬وه ذا ال يع ني أن العلم اء الوظيف يين يقف ون موقف ا معادي ا من الدراس ة‬
‫لتأريخ العائلة او أألنساق القرابة ذاتها ‪ ,‬وانما ينصب عداؤهم على الناحية الظنية أو‬
‫التخميني ة أو ألفتراض ية ال تي ك انت تش يع في نظري ات علم اء الق رن التاس ع عش ر‬
‫وتخ رج نظري اتهم ب ذلك من نط اق العلم الص حيح ومن هن ا يقتص ر العلم اء المح دثون‬
‫في دراس تهم ألنس اق القراب ة على تحلي ل ك ل منه ا الى مكونات ه ‪ ,‬وتتب ع العالق ات‬
‫المتبادلة بينه وبين بقية أألنساق التي تشترك في تكوين البناء األجتماعي ‪.‬‬

‫(‪)3‬‬
‫س بق ان ذكرن ا أن العلم اء للق رن التاس ع عش ر اس تدلوا من بعض مص طلحات القراب ة‬
‫المس تخدمة في ع دد من المجتمع ات القبلي ة البدائي ة وال تي تطل ق على ع دد كب ير من‬
‫األشخاص في الوقت نفسه على مرور االنسانية بمرحلة كمن التحرر الجنسي المطلق‬
‫ثم بمرحل ة زواج الجماع ة ‪ ,‬وأن نظ ام األنتس اب لألم س بق على ه ذا األس اس نظ ام‬

‫‪12‬‬
‫االنتس اب لألب ‪ .‬فأس تخدام كلم ة قرابي ة واح دة أو مص طلحها قرابي ا واح دا لع دد من‬
‫االش خاص (مث ل اس تخدام كلم ة ((أب))لألعم ام ك ان يع ني عن دهم أذن وج ود عالق ة‬
‫جنسية بين هذه الفئة من االشخاص وامأة واحدة أو عدة نساء ‪ ,‬وباتالي فأن مصطلح‬
‫القرابة يشير بالضرورة الى وجود رابطة دم وقيام بيولوجية بالفعل وعلى الرغم من‬
‫ان للقراب ة ج انبين متك املين هم ا الج انب ال بيولوجي والج انب االجتم اعي ف أن تمس ك‬
‫علماء القرن الماضي بهذا المبدأ ومحاولتهم تطبيقه في كل األحوال وعلى كل النظم‬
‫أدى الى وق وعهم في كث ير من األخط اء ‪ ,‬وت رتب علي ه ظه ور تل ك التفس يرات‬
‫والنظري ات ال تي التس تند في واق ع األم ر الى اي ة حق ائق أو معلوم ات مؤك دة ‪ .‬ويب دو‬
‫ه ذا األتج اه واض حا من نفس عن وان كت اب مورج ان ال ذي ال ذي س بقت األش ارة الي ه‬
‫وه و ((أنس اق رواب ط ال دم والمص اهرة في العدال ة األنس انية )) وك ان يقص د برواب ط‬
‫ال دم ‪ .‬مانقص ده االن من كلم ة (قراب ة) ‪ ,‬وفي ذل ك ماي دل بوض وح على اعتق اده‬
‫واعتق اد غ يره من العلم اء من أن القارب ة تس تند بالض رورة الى رواب ط ال دم وأن‬
‫العنص ر ال بيولوجي ه و بالت الي عنص ر ج وهري في قي ام العالق ات القرابي ة ‪ .‬وم ع‬
‫التس ليم بوج ود العنص ر ال بيولوجي في القراب ة في معظم األح وال فق د دلت األبح اث‬
‫والدراس ات األنثروبولوجي ة ال تي أج ريت في ع دد كب ير من المجتمع ات البدائي ة‬
‫والجماع ات القبلي ة في افريقي ا وأس تراليا وغيره ا وغيره ا على أن هن اك بعض نظم‬
‫القرابة التي التعترف بوجود ذلك العنصر البيولوجي ‪ ,‬وان المجتمع كثيرا مايعتبر‬
‫بعض األشخاص أقارب دون ان تكون بينهم اي صلة أو رابطة من روابط ال دم ‪ ,‬كم ا‬
‫انه في أحيان اخرى ال يعترف المجتمع بوجود روابط وعالقات قرابية بين أشخاص‬
‫تقوم بينهم روابط الدم ‪ .‬ومن هنا نجد ان الرأي السائد االن بين العلماء المحدثين هو‬
‫أسقاط كلمة (رابطة الدم) تماما من كتاباتهم واستخدام كلمة قرابة بدال منها ‪ ,‬على‬
‫اعتب ار أن للكام ة األولى بعض ال دالالت الخط رة ‪ ,‬كم ا انهم في مع الجتهم ألنس اق‬
‫القرابة يغفلون تماما الناحية البيولوجية ويركزون اهتمامهم على الدالالت األجتماعية‬
‫لتلك األنساق فالقرابة تعالج االن في الدراسات األجتماعية واألنثروبولوجيا على انها‬
‫نظام اجتماعي بحت ينظم العالقات األجتماعية بين أفراد معينين في المجتمع يعرفون‬
‫بأنهم أقارب حتى وان لم توجد بينهم صالت بيولوجية والواقع ان بعض المجتمعات‬

‫‪13‬‬
‫البدائي ة الي درك في مس ألة القراب ة ‪ ,‬وبخاص ة العالق ة بين أألب واألبن وج ود الص لة‬
‫البيولوجي ة ‪ .‬فكث ير من الجماع ات القبلي ة األمومي ة في أس تراليا رغم معرفته ا نظ ام‬
‫الزواج التدرك الصلة بين المباشرة الجنسية واألنجاب وانما ترد األنجاب الى تسلس ل‬
‫ارواح األج داد أو االس الف الى رحم الم رأة (المتزوج ة)‪.‬وه ذا االعتق اد نفس ي يش يع‬
‫عن د التروبريان د وي ذكر لن ا مالينوفس كي أن فك رة األب وة الفس يولوجية غ ير معروف ة‬
‫لديهم وأن (كل عملية ظهور أي حياة جديدة في المجتمع تتركز في العالقة بين عالم‬
‫األرواح وأعض اء الم رأة التناس لية‪ ,‬وان ه ليس ثم ة مك ان من اي ن وع االب وة‬
‫الفيزيقي ة))‪ .‬ص حيح ان الفت اة الع ذراء التحم ل والتل د ولكن ذل ك راج ع في رأي‬
‫التروبو يانديين أال ان رحم الفتاة العذراء مغلق امام االرواح فال تستطيع التسلل اليه‬
‫ف الزواج والعالق ة الجنس ية هم ا الوس يلة الوحي دة ال تي يمكن به ا أزال ة العوائ ق ال تي‬
‫تعترض سبيل تلك أالرواح دون ان يكون لهما هما نفسها دخل في عملية األنجاب ‪.‬‬
‫وليس هذا األمر قاصر على المجتمعات االمومية التي يرد نسب الطفل فيها الى االم‬
‫ويس ود فيه ا نظ ام القراب ة االم ومي واليحت ل فيه ا االب س وى مكان ة اجتماعي ة ثانوي ة‬
‫بالنسبة لمكانة االم وانما هناك أمثلة اخرى كثيرة في المجتعات االبوية التي ترتكز‬
‫السلطة فيها بيد الرجال كما يرد النسب فيها في خط الذكور ولكنها مع ذلك التعطي‬
‫اهمي ة كب يرة في بعض الح االت على أألق ل الناحي ة البيولوجي ة وأن ك انت تع ترف‬
‫بوجودها فقد يكون من االفضل ان نذكر هنا بعض األمثلة المستمدة على الخصوص‬
‫من المجتمع ات القبلية في أفريقي ا لتوض يح التفرق ة ال تي يقيمه ا العلم اء المحدثون بين‬
‫الناحيتين البيولوجية واألجتماعية للقرابة‪.‬‬

‫ربما كان افضل األمثلة على ذلك هو التمييز بين نوعي األبوة الذي لعب دوراهاما‬
‫في فهم األنساق القرابية في كثير من المجتمعات وعالقات القرابة المعقدة التي تربط‬
‫أفرادها ‪ ,‬وتعني بذلك التفرقة بين االب الفيزيقي واالب األجتماعي والمقصود باألب‬
‫الف يزيقي ه و األب ال ذي أنجب الطف ل واألب األجتم اعي ه و األب ال ذي ينتس الي ه‬
‫الطفل بالفعل فيحمل اسمه ويرث مكانته ومركزه األجتماعي كما يرث ثروته ‪ .‬ومع‬
‫األب وة المثالي ة هي تل ك ال تي يك ون فيه ا األب الف يزيقي (أو الوال د المنجب)واألب‬

‫‪14‬‬
‫أألجتماعي شخصا واحدا ‪,‬فأن ذلك ليس هو الحال دائما فعند النوير نرى أنه عندما‬
‫يقتل شخصا غير متزوج في احد المعارك فأن اهل القاتل يقدمون ألهل القتيل لكي‬
‫يتم الصلح بين الجماعتين أحدى فتياتهم ليزوجوها الى (اسم القتيل) نفسه‪ ,‬ويقوم احد‬
‫اهل القتيل العاصين بأألتصال بها جنسيا بأعتراف المجتمع واقراره ‪ ,‬على ان ينتس‬
‫األطف ال ال ذين تنجبهم تل ك الم رأة الى القتي ل نفس ه ‪ ,‬فيعت برون أبن اء ش رعيين ل ه‬
‫يحمل ون أس مه ويرث ون مكانت ه األجتماعي ة ويتمتع ون بك ل الحق وق واألمتي ازات ال تي‬
‫كانت ستؤول اليهم فيما لو كان القتيل نفسه قد أنجبهم بالفعل ويعرف هذا النوع من‬
‫ال زواج بأس م (زواج الش بح)‪ ,‬وفي ه ذا الن وع من ال زواج نج د أن القتي ل يق وم ب دور‬
‫أالب (أألب األجتماعي) بينما قريبه العاصب بدولر الوالد (االب االفيزيقي)‪ .‬النظام‬
‫ناشئ من تطور البناء األجتماعي القبلي عند النوير ‪ .‬فالمجتمع النويري يقوم اساسه‬
‫على ض رورة تماس ك القبيل ة ع بر ال زمن ول ذا ف أنهم يحرص ون على ت ذكر اس ماء‬
‫االش خاص ال ذين م اتوا ويفخ رون بهم على اس اس ان ع دد أف راد القبيل ة ل ه أهمي ة في‬
‫حي اتهم اليومي ة ‪ .‬ولم ل ك انت أفض ل طريق ة ل ذلك هي أن ي ترك الم رء من خلف ه من‬
‫يحمل اسمه فأن المجتمع يعمل على تعويض الشخص الذي يموت قبل أن ينجب عن‬
‫الطريق نظام زواج الشبح ‪ ,‬حتى يحرم ذلك الشخص من القرابين وأألضحيات التي‬
‫تق دم الى روح ه وحتى يس تمر في حياته متمثال في ش خص ابن اءه ال ذين انجبهم قريب ه‬
‫العاص ب بأس مه ‪ .‬ومن ناحي ة اخ رى يم ارس الن وير ال زواج الليف راتي ال ذي يم ارس‬
‫الرج ل بمقتض اه ح ق االتص ال جنس يا بأرمل ة أخيهلينجب ل ه اطف ال يحمل ون اس مه ‪.‬‬
‫فكان الشخص الميت في هاتين الحالتين يعتبر أبا ألبناء لم ينجبهم ‪ ,‬في الوقت الذي‬
‫يحرم فيه الوالد الحقيقي لهؤالء األبناء من حق األبوة‪.‬‬
‫ويوجد نظام زواج الشبح عند بعض قبائل جنوب أفريقيا وبخاصة عند الزولو لكنه‬
‫يتخ ذ هن اك ش كلين اساس يين أو على األص ح فأن ه يم ارس في ح التين ائت يين ‪:‬االولى‬
‫حين يم وت الرج ل بع د ان تك ون خطبت ه تمت على فت اة معين ة دون ان ي دخل به ا‬
‫فت تزوج الفت اة من أح د أقارب ه العاص بين لتنجب للميت أوالد يحمل ون أس مه ‪ ,‬وفي‬
‫الحال ة الثاني ة تش به مانج ده عن د الن وير ‪ ,‬حين يم وت الرج ل قب ل أن ي تزوج ف أن أح د‬
‫أقارب ه يق وم بعملي ة (ايق اظ) الميت ب أن ي تزوج [اس مه أم رأة تنجب ل ه اطف ال ‪ .‬ولكن‬

‫‪15‬‬
‫كثيرا ما عند الزولو أيضا أن األرملة حين يموت زوجها تتخذ لنفسها (عشيقا) وليس‬
‫زوجا اخر من أقارب زوجها المتوفى ‪ ,‬ويعرف ذلك بأسم (المحظية األرملة) وفيه‬
‫ينتمي االوالد ال ذين ي أتون نتيج ة له ذه العالق ة الى ال زوج االص لي ايض ا‪ .‬ولكن ه ذا‬
‫نادر الحدوث ‪ ,‬ألن األرملة ال تستطيع من الناحية العملية أن تلجأ الى رجل من غير‬
‫أه ل زوجه ا الميت وأأل عرض ته لألض ظهاد والتهدي د واألي ذاء من المجتم ع ‪ ,‬وعلى‬
‫الرغم من أن احد ملوك الزولو وهو املك امباندا أباح ذلك الشرطأن ينتسب األوالد‬
‫الى (األب األجتم اعي ) وان يعطي للوال د حين ت تزوج اح دى البن ات الألتي أنجبنمن‬
‫هذه العالقة ‪ .‬وتعرف هذه البقرة (بقرة الركبتين)نظرا ألن الرجل يركع على ركبتيه‬
‫وهو ينجب الفتاة (اشارة الى العملية الجنسية)‪ .‬بل أن األمر يذهب الى أبعد من ذلك‬
‫عن د الزول و ‪ ,‬اذ كث يرا م ايتزوج الرج ل الغ ني ذو المرك ز الممت از من ع ددكبير من‬
‫النس اء ويس مح ألف راد جماعت ه القرابي ة العاص بة باألتص ال الجنس ي بهن نياب ة عن ه‬
‫بقص د الخلف ة واالنج اب على ان ينتس ب جمي ع االطف ال ل ه ‪ .‬فهن ا أيض ا نج د التفرق ة‬
‫واض حة بين الوال د (األب الف يزيقي) واألب األجتم اعي ‪.‬والواق ع أن هن اك من نظم‬
‫ال زواج أش كاال ت ذهب الى ح د التط رف في توكي د واب راز اهمي ة الناحي ة االجتماعي ة‬
‫وأغف ال أو ح تى انك ار الناحي ة البيولوجي ة في عالق ة االب وة والبن وة وبالت الي في نس ق‬
‫القراب ة كك ل ‪ ,‬بحيث نج د أن االب وة ال تي يف ترض فيه ا انه ا من ص فات وخص ائص‬
‫الرج ل ال ذكر كث يرا ماتنس ب الى االن ثى ‪ .‬وه ذا النظ ام ال ذي يناقص ض االوض اع‬
‫المنطقية القائمة على الفوارق الطبيعية بين الجنسين يوجد عند النوير والزولو ايضا‬
‫وغيرهما من شعوب أفريقيا ‪ .‬ففي هذه الشعوب نجد أن المرأة الغنية التي تنتمي الى‬
‫عائلة قوية كثيرا ماتريد أن تلعب في الحياة االجتماعية دور الرجل فت تزوج من أم رأة‬
‫أخرى وتدفع لها مهرا من الماشية ثم تنيب عنها أحد أقاربها من الرجال للقام بوظيفة‬
‫االنجاب بأسمها لكي تصبح هب (أبا) اجتماعيا لألطفال الذين تنجبهم تلك (الزوجة)‬
‫وبذلك ينتمي االطفال الى بدنة (المرأة المتزوجة) كما لو كانت رجال ‪ .‬ومن الناحية‬
‫أخرى كثيرا مايحدث في الحاالت التي يموت فيها احد الزعماء او الرؤؤساء او أحد‬
‫الرج ال المهين ممن يحتل ون مرك زا ممت ازا في المجتم ع دون انت ي ترك وراءه ابن ا‬
‫ذكرا أن تقوم االبنة الكبرى بالزواج من امرأة اخرى بنفس الطريقة على أن ينتسب‬

‫‪16‬‬
‫االطفال الى الزعيم او الرئيس المتوفى ‪ ,‬وبذلك يحملون اسمه مثلما تحمله هي نفسها‬
‫‪ ,‬وبذلك باالضافة الى انهم يعتبرون في الوقت نفسه أبناءها (بحكم زواجها الرسمي)‬
‫من المهم ‪ .‬وب ذلك تك ون الم رأة (األب) واالبن اء ال ذين (أنجبتهم) به ذه الطريق ة اخ وة‬
‫بعضهم لبعض ‪ .‬والدافع االساسي الى قيام هذا الشكل من الزواج هو الخوف من لعنة‬
‫األس الف حين اليج دون من يق دم ألرواحهم الق رابين وك ذلك الرغب ة في اس تمرار‬
‫الجماعة العاصبة ‪.‬‬
‫والمث ال الث اني ال ذي نستش هد ب ه على ض رورة التفرق ة بين القراب ة الفيزيقي ة‬
‫والبيولوجية ولبقرابة االجتماعية مستمد من نظام اجتماعي اخر قد ‪ .‬يبدو بعيدا كل‬
‫البعد عن نسق القرابة ‪ ,‬ونقصد بذلك النظام المعروف بأسم (طبقات العمر) ويوجد‬
‫ه ذا النظ ام في ع دد من المجتمع ات القبلي ة في افريقي ا وعن د الهن ود وبعض ج زر‬
‫المحيط الهندي وبعض قبائل استراليا ‪ ,‬وهو يقوم اساسه على محاولة ترتيب أعضاء‬
‫المجتم ع‪ -‬وبخاص ة ال ذكور منهم على اس اس الس ن او العم ر ‪ ,‬اي تقس يم أعض اء‬
‫المجتم ع الى جماع ات طبقي ة تنتظم ك ل جماع ة منه ا جمي ع االف راد ال ذين ينتم ون الى‬
‫س ن معين ة ‪ ,‬بحيث ي ترتب الس كان جميع ا في النهاي ة في طبق ات ال تي تعلوه ا او ت أتي‬
‫دونها في السلم االجتماعي ‪ ,‬كما تعمل الطبقة الواحدة وتتصرف في كل شؤون الحياة‬
‫االجتماعية كوحدة متماسكة ‪ .‬وتمتاز كل المجتمعات التي تعرف نظام طبقات العمر‬
‫بأنه ا مجتمع ات انقس امية بمع نى أن االرض للقبيل ة تنقس م الى ع دد من الوح دات‬
‫االقليمية المنقسمة بحيث تعكس كل وحدة منها نفس بناء ووظائف الوحدة الكبيرة التي‬
‫هي جزء منها ولكن دون أن تفقد هذه الوحدات الصغيرة شخصيتها تماما حين تتحد‬
‫لتؤلف الوحدة الكبيرة الشاملة‪ .‬كذلك تنقسم العشيرة وكل الزمر االجتماعية االخرى‬
‫التى تقوم على روابط الدم الى وحدات قرابية منقسمة هي ايضا‪ .‬وليس ألى من هذه‬
‫الوح دات القرابي ة دورواض ح في اج داث الحي اة اليومي ة العادي ة اال في قلي ل من‬
‫االح وال وذل ك نظ را لت وزع افراده ا وتبع ثرهم كم ا ان ه ال توج د حكوم ة او س لطة‬
‫مركزية تشرف على شؤون الضبط والقانون في المجتمع‪ :‬ومن هنا فأن نظام طبقات‬
‫العم ر يق وم بمهم ة التنظيم والض بط والتكام ل االجتم اعي كم ا يعم ل على حف ظ وح دة‬
‫المجتمع وتماسكه في تلك المجتمعات االنقسامية التى ال تتمتع بسلطة مركزية او هيئة‬

‫‪17‬‬
‫أدارية تنفيذية وتتألف طبقة العمر الواحدة في العادة من جميع الذكورالذين يكرسون‬
‫معا في وقت واحد فالتكريس يعتبر عنصرا هاما في تكوين طبقة العمر كما أن (أف راد‬
‫الطبق ة يعط ون اس ما واح دا مش تركا يعرف ون ب ه ويش غلون جميع ا نفس المرك ز‬
‫االجتماعي ويتتبعون نفس أنماط السلوك في معاملتهم بعضهم بعضا ويتخذون موقفا‬
‫واح دا أزاء غ يرهم من الن اس ممن ينتس بون الى طبق ات العم ر طبقتهم او ال تى تك ون‬
‫ادنى منها في المنزلة وتكريس الرجل في طبقة عمرية معينة معناه انتماؤه أليها طيلة‬
‫حيات ه بحيث ال يس تطيع ان يغيره ا على االطالق فطبق ة واعم ال معين ة مرس ومة كم ا‬
‫تتمتع كلها كوحدة بحقوق وامتيازات محددة وتؤدي كوحده ايضا وظائف معينة في‬
‫الحي اة االجتماعي ة بش كل ال يت وفر في مرحل ة العم ر‪ .‬اي ان لطبق ة العم ر مع نى‬
‫اجتماعي ا وذل ك بعكس المفه وم من كلم ة (مرحل ة العم ر) ال تي تص طبغ بص بغة‬
‫فيسيولوجية غالبة‪.‬‬
‫وتكتب طبقة العمر وجودها المستقل وكيانها المتماسك بعد ان يتم بالفعل تكريس كل‬
‫االف راد ال ذين تت ألف منهم ‪,‬اي النظه ر كوح دة وظيفي ة اال بع د التك ريس ‪ .‬وليس هن ا‬
‫مج ال تفص يل الق ول في ش عائر التك ريس ‪ ,‬ول ذا يكفي ان نش ير هن ا الى أن معظم‬
‫حفالت التك ريس تق ام على مس توى الجم اعي على اس اس اك بر الوح دات السياس ية‬
‫االقليمي ة ‪.‬ويعت بر الخت ان اهم عنص ر في تل ك الش عائر ‪ ,‬كم ا كم ا أن الفتي ان ال ذين‬
‫تم ارس عليهم ه ذه الش عائر وال ذين ت تراوح اعم ارهم م ابين الخامس ة عش ر وس ن‬
‫العش رين يتعرض ون الى ج انب ذل ك الى ان واع اخ رى كث يرة من التع ذيب والمحن‬
‫والمتاعب التي تختلف في الشدة والقسوة من مجتمع الى اخر مثل خلع بعض االسنان‬
‫او تشليخ الجبهة والرأس أو الوخز باالشواك والشجيرات الشوكية او الجلد بالسياط‬
‫وهكذا ‪ .‬وتهدف كل هذه العمليات الى اختبار قوة احتمال الشبان على مالقاة الصعاب‬
‫على اعتبار ان تكريس هو والرخصة التي بمقتضاها يعتبر الفرد ألول مرة في حياتة‬
‫عض وا في المجتم ع ويحت ل مرك زا اجتماعي ا مح دداهو مرك ز المح اربين االبط ال ‪,‬‬
‫ويحق له مباشرة وظيفته الجنسية وترتبط كل طبقة بمرتبة اجتماعية معينة ارتباطا‬
‫مؤقت ا ثم تنتق ل بع د ذل ك كوح دة الى مرتب ة اخ رى اعلى منه ا حيث تم ارس وظ ائف‬
‫اخ رى جدي دة وهك ذا ‪ .‬وب ذلك ف ان النظ ام ي تيح لك ل ف رد في المجتم ع المش اركة في‬

‫‪18‬‬
‫وظ ائف الحي اة االتماعي ة الك برى حس ب نظ ام محكم دقي ق في جملت ه وتبع ا لق دراتهم‬
‫الجثمانية وكفايتهم الذهنية وما يكتسبون من خبرة وتجربة نتيجة لتقدمهم في السن ‪.‬‬
‫وأذا ك ان ه ذا النظ ام يعم ل كمب دأ للتم ايزأو التفاض ل أالجتم اعي نظ را ألن س كان‬
‫يتوزعون بين عدد من المستويات والمراتب االجتماعية بحيث تعتبر كل طبقة وحدة‬
‫مستقلة ومتمايزة عن غيرها من الوحدات وتسلك في نفس الوقت ازاء تلك الوحدات‬
‫االخرى سلوك معين يمليه عليها مركزها في ذلك السلم االجتماعي ‪ .‬فان افراد كل‬
‫طبق ة يش عرون بتماس كهم ال داخلي الش ديد ويعت برون انفس هم متس اوون ب المركز وفي‬
‫االمر االجتماعي على السواء ‪ .‬وتمثل ذلك التماسك في ارتباط افراد الطبقة الواحدة‬
‫ببغض الروابط القوية التي تقوم على وحدة الشعوب والنشاط المشترك والتعاون في‬
‫الحي اة اليومي ة والتس اوي في الحق وق واالمتي ازات والواجب ات وهي كله ا ام ور تلعب‬
‫في الحياة اليومية دور اهم بكثير من اسم العشيرة او البدنة ‪.‬‬
‫فأألنتم اء الى طبق ة واح دة ‪ ,‬والم رور بف ترة تك ريس ‪ .‬والخض وع لش عائر التك ريس‬
‫القاسية العنيفة التي تتضمن عزلة افراد الطبقة لفترة زمنية محددة عن بقية المجتمع‬
‫تخل ق بينهم نوع ا من االخ وة (األخ وة) االجتماعي ة ال تي التعتم د على رواب ط ال دم‬
‫(نظرا ألنتماء افراد الطبقة الى العشائر المختلفة) ولكنها مع ذلك تفرض عليهم كثيرا‬
‫من القيود والواجبات واأللتزامات ‪ ,‬وبخاصة فيما يتعلق بالحياة الجنسية والزواج ‪,‬‬
‫تش به تل ك ال تي يفرض ها المجتم ع على األخ وة الحقيقين ويس اعد على خل ق عالق ة‬
‫(األخوة) الجتماعية نفس عملية الختان أو التشليخ الجماعية حيث يمارسها على جميع‬
‫افراد الطبقة شخص واحد في وقت مستخدما في ذلك سالحا واحدا اليقوم بتنظيفه بع د‬
‫كل عملية فتختلط الدماء تبعا لذلك مما يوجد نوعا من الرابطة بينهم‪.‬‬
‫وتتمثل هذه القيود والحقوق والواجبات وااللتزامات‪ -‬في مجال القرابة وحدها‪ -‬في‬
‫تح ريم زواج الرج ل من بن ات (أخوان ه) في الطبق ة نظ را ألنهن يعت برن بن ات ل ه ه و‬
‫نفس ه ‪ ,‬وال زواج منهن يك ون على ه ذا االس اس أق رب الى الزن ا المح ارم _ اي ان‬
‫األخوة الروحية أو ألجتماعية تعتبر مماثلة لروابط القرابة الدموية ‪ .‬والواقع أن افراد‬
‫افراد الطبقة الواحدة يستعملون بالفعل كله (أخ) في االشارة الى بعض هم لبعض ‪ ,‬كم ا‬
‫انهم يعت برون اب اء (اجتم اعيين) ألوالد (اخ وانهم) في الطبق ة وين ادونهم بأس م األب‬

‫‪19‬‬
‫‪.‬يضاف الى ذلك ان أفراد الطبقة الواحدة يسهمون في دفع المهر الذي يقدمه الواحد‬
‫منهم لعروسه حين الزواج ‪ ,‬وهذا في حد ذاته يؤدي الى ظهولر تلك التحريمات على‬
‫العالقات الجنسية وعلى الزوج من ناحية ‪ ,‬وكذلك الى قيام عالقة األبوة والبنوة بين‬
‫اي اح د منهم وابن اء االخ رين ‪ .‬فالع ادة أن ال ذين يش تركوون في دف ع المه ر هم أف راد‬
‫العائلة ‪ ,‬وان المهر يفرض التزامات معينة بين الذين قاموا بدفعه واألبناء الذين أتوا‬
‫نتيجة لذلك الزواج حيث يعتبرون أبناء (اجتماعيين) لهم ‪ .‬فكأن القرابه االجتماعيه‬
‫تمتد اذن الى العالقه بين افراد طبقه العمر وابناء بعضهم بعضا على الرفم من عدم‬
‫وجود عالقه قرابيه فيزيقيه ‪.‬‬
‫والواق ع ان ه ذا الن وع من القراب ه االجتماعي ه ال تي تق وم بين االش خاص ال يرتبط ون‬
‫بعض هم ببعض برواب ط قراب ه فيزيقي ه او دموي ه تنش أ في المجتمع ات البدائي ه نتيج ه‬
‫لكثير من النظم االجتماعيه االخرى وتفرض على أفرادها كثيرا من القيود والحقوق‬
‫والواجبات التي لم تكن لتوجد لوال هذه الروابط االجتماعيه البحته ‪ .‬وهذا هو الحال‬
‫فيم ا يتعل ق باالش خاص ال ذين ينتم ون الى ط وطم ‪ totem‬واح د ق د يك ون حيوان ا‬
‫( وه ذا ه و االغلب ) او نبات ا او اح دى الق وى الطبيعي ه ( وه ذا ن ادر الح دوث)‬
‫ويعتبرون انفسهم من ساللة ذلك الطوطم الذي يحملون اسمه ‪,‬وبذلك يعتبرون اخوه‬
‫وأخوات ويحرم عليهم الزواج فيما بينهم بالتالي ‪ .‬على اعتبار ان الزواج بين االخوه‬
‫واالخ وات ه و ن وع من الزن ا والمح ارم ‪ .‬وم ع ان اف راد الط وطم الواح د يكون ون في‬
‫العادة مبعثرين اشد التبعثر وال تكاد توجد بينهم روابط قرابه دمويه فان ذلك اليقلل‬
‫بحال من قوه الروابط القرابيه االجتماعيه ‪ ,‬ويشير معظم الكتاب المتحدثين الى هذا‬
‫النوع من القرابه باسم القرابه االجتماعيه ‪ .‬ويشير المتوهم ‪ fictitious‬نظرا لعدم‬
‫وجود روابط فيزيقيه حقيقيه تربط بين الناس والطوطم من ناحيه وبين كثير من اف راد‬
‫الجماعه الطوطميه أنفسهم ولكننا نفضل استخدام كلمه (( القرابه االجتماعيه )) لذلك‬
‫‪ ,‬لما تتضمنه من الدالالت ‪.‬‬
‫ويعتبر نظام التبنى ايضا الذي يشيع في معظم المجتمعات القبليه من اهم النظم التي‬
‫تؤدي الى ظهور القرابه االجتماعيه ‪ .‬فحتى في الحاالت التي ال يسمح للشخص ال ذي‬
‫تبنت ه القبيل ه او العش يره ان ي تزوج من اح دى بناته ا ف ان اوالده يعت برون اوالدا لهم‬

‫‪20‬‬
‫بحيث يتن ادون فيم ا بينهم بنفس مص طلحات القرابه ال تي يستخدمها االق ارب الحقيقين‬
‫ومن الطري ف في ه ذا الص دد ان تج د التن وير حين يأس رون او يخطف ون اح د‬
‫االش خاص من ال دنكا فيعيش بينهم دون ان يقوم وا نح وه بش عائر التب ني (وذل ك يظ ل‬
‫غريب ا عنهم تمام ا ) ف انهم اليس محون ل ه في الغ الب ب الزواج من نفس العش يره‬
‫الش خص ق ام باس ره او اختطاف ه ‪ ,‬ف ان قواع د ال زواج االكس وجامي تتطب ق علي ه كم ا‬
‫لوك ان عض وا في العش يره يض اف الى ذل ك انهم يعت برون اوالدا لهم فيح رم عليهم‬
‫ال زواج مثال من بنات ه ‪ ,‬ليس فق ط الن ه يعيش بينهم ب ل وايض ا الن ه ال ذين ق اموا ب دفع‬
‫مهر عروسه وقت الزواج ‪ ,‬وبذلك اصبحت لهم حقوق والتزامات وقيود معينه نحو‬
‫اوالده ‪ .‬وتتمث ل ه ذه الجق وق والواجب ات والقي ود في تح ريم ال تزاوج معهم واس تخدام‬
‫مص طلحات القراب ه الش ائعه في المجتم ع بالنس به لهم ‪ .‬وواض ح من ه ذا الى اي ح د‬
‫تتعق د أم ور القراب ة وتتش ابك في المجتمع ات ال تي يعتبره ا علم اء الأنثروبولوج يين‬
‫واألجتماع مجتمعات بسيطة ‪ ,‬وكيف تدخل عناصر وعوامل كثيرة متنوعة تؤدي الى‬
‫ظهور نظم وعالقات بعيدة كل البعد عن تلك النظم والعالقات المألوفة في المجتمع ات‬
‫الحديث ة ‪ .‬والوس يلة الوحي دة للكش ف عن ه ذه العوام ل والعناص ر وتحلي ل وفهم‬
‫العالق ات والنظم المترتب ة عليه ا هي الدراس ة المرك زة ال تي ال تي تس تغرق ف ترات‬
‫طويلة من الزمن والتي تحاول ات تتبع هذه العالقات في تشابكها وتفرعها وتداخلها‬
‫مع بقية النظم االجتماعية ‪ .‬وان لم يكن لعلماء القرن التاسع عشر كل تلك المعلومات‬
‫المت وفرة االن العلم اء البيولوجي ة والقراب ة الحقيقي ة ال تي تنش أ عنه ا ‪ ,‬وبين أنم اط‬
‫القراب ة االجتماعي ة ال تي تنش أمن أس باب بعي دة ك ل البع د عن رواب ط ال دم ووج ود‬
‫عالقات جنسية واقعية ‪ .‬ومن هنا كان وقوعهم في خطأ الخلط وعدم تمييز بين نوعي‬
‫القرابة ‪ ,‬وبالت الي في ظه ور تل ك النظري ات ال تي ال تس تند الحق ائق الواقعية ‪ ,‬وك ذلك‬
‫ظه ور المراح ل االفتراض ية الناش ئة عن انته اج منهج الت اريخ الظ ني أو الت أريخ‬
‫التخميني لملئ الثغرات التي كانت تعترض قيام نظريات متماسكة متكاملة ‪ .‬والمهم‬
‫االن هو أن العلماء األنثروبولوجيا واألجتماع المحدثين ‪ ,‬وبخاصة الفريق األول من‬
‫العلماء في دراستهم ألنساق القرابة في المجتمعات القبلية البسيطة والتقليدية يضعون‬
‫نصب أعينهم التفرقة بين الناحيتين البيولوجية واالجتماعية ويهتمون بالتعرف بوجه‬

‫‪21‬‬
‫خ اص على ال دالالت االجتماعي ة ال تي تنط وي عليه ا أنس اق القراب ة ‪ .‬فنس ق القراب ة‬
‫نسق اجتماعي كغيره من األنساق وليس نسقا بيولوجيا ‪ ,‬ولن يمكن فهم ه ذا النس ق أال‬
‫في عالقت ه ببقي ة األنس اق الداخلي ة في تك وين البن اء االجتم اعي ب ل الواق ع ان علم اء‬
‫األنثروبولوجي ا االن ي ذهبون الى أن ه من العس ير فهم نس ق القراب ة في ذات ه بعي دا عن‬
‫األنساق االخرى ‪,‬وان مثل هذا المحاولة لن تؤذي اال الى أقامة مثل تلك التصنيفات‬
‫والتقسيمات التي اغرم بها العلماء للقرن التاسع عشر وانتقلت الى كثير من الكتابات‬
‫المعاص رة دون التغلغ ل في فهم المع نى الحقيقي له ذا النس ق ‪ .‬فالقراب ة م زيج من‬
‫رواب ط ال دم وااللتزام ات األقتص ادية والحق وق والواجب ات االجتماعي ة والسياس ة‬
‫والش عائر الديني ة والمع ايير الخلقي ة ‪ .‬ودراس ة القراب ة تقتض ي من ا األهتم ام بك ل ه ذه‬
‫االمور‪.‬‬
‫وعلى ال رغم من أن بعض علم اء الق رن التاس ع عش ر وبخاص ة مورج ان وماكلين ان‬
‫أدرك وا حقيق ة تعق د رواب ط القراب ة وح اولوا ت بين العناص ر والعوام ل االجتماعي ة‬
‫المختلفة التي تتشابك معها فقد جاءت محاوالتهم على درجة كبيرة جدا من السذاجة‬
‫والبس اطة اذا اس تثنينا ل ويس مورج ان ‪ .‬فلم يكن األتج اه ال وظيفي في دراس ة النظم‬
‫واألنس اق االجدتماعي ة تط ور الى الح د ال ذي بلغ ه ابت داء من الرب ع الث اني من الق رن‬
‫العش رين رغم ظه ور ب وادر ذل ك االتج اه في كتاب ات ه ؤالء العلم اء ‪ .‬وق د زاد من‬
‫س ذاجة تحليالتهم أيم انهم بتط ور النظم وأنش غالهم في محاول ة التع رف على اص ل‬
‫النظام ونشأته والمراحل التي م ر به ا ‪ .‬وعلى ذل ك فالفض ل في وضع األسس القوي ة‬
‫لدراس ة نس ق القراب ة بأعتب اره نس قا اجتماعي ا يت أثر ببقي ة األنس اق الس ائدة في‬
‫المجتم ع ويت أثر به ا يرج ع في المح ل االول الى علم اء األنثروبولوجي ا المح دثين‬
‫الذين اتجهوا على الخص وص في دراس اتهم اتجاه ا بنائي ا واض طروا في س بيل ذل ك‬
‫الى القيام بأبحاث حقلية بين الجماعات قبلية صغيرة الحجم نسبيا وعلى درجة عالية‬
‫من البس اطة ‪ ,‬ففي الغالبي ة العظمى من تل ك الجماع ات القبلي ة تلعب رواب ط القراب ة‬
‫دورا جوهري ا في الحي اة االجتماعي ة اليومي ة س واء في تنظيم المناش ط األقتص ادية أو‬
‫تحقي ق الض بط األجتم اعي أو القي ام بالش عائر الديني ة وغ ير ذل ك ‪ .‬وظه رت في رب ع‬
‫الق رن األخ ير على الخص وص دراس ات حقلي ة كث يرة اهتم أص حابها بدراس ة وتحلي ل‬

‫‪22‬‬
‫األنس اق القرابي ة الس ائدة في المجتمع ات ال تي درس وها تحليال بنائي ا وظيفي ا زاد من‬
‫عم ق فهمن ا له ذه األنس اق المعين ة ولنس ق القراب ة على العم وم ولكن على ال رغم من‬
‫كثرة هذه الدراسات فال يزال ميدان االبحاث القرابية مفتقرا الى وجود نظرية عامة‬
‫كم ا ذكرن ا من قب ل ‪ .‬ص حيح ان بعض علم اء األنثروبولوجي ا امكنهم ص ياغة بعض‬
‫النظري ات ال تي أمكن األس تعانة به ا في دراس ة بعض نظم القراب ة مث ل نظري ة أيف انز‬
‫بريتشارد في البداية االنقسامية ونظرية راد كليف براون عن (مكانة الخال) وكذلك‬
‫نظريت ه عن (عالق ات التحاش ي) وص حيح أيض ا أن ه ذه النظري ات أث ارت كث يرا من‬
‫الج دل والمناقش ات في األوس اط العلمي ة كم ا وجهت ع ددا من الدراس ات الحقلي ة ال تي‬
‫ق ام به ا ش باب العلم اء من تالمي ذ أيف انز بريتش ارد وراد كلي ف ب راون وف ورتس في‬
‫بريطاني ا وفري د ايج ان وكروب ر ول وي وغ يرهم في امريك ا ‪ ,‬ولكنه ا كله ا م ع ذل ك‬
‫نظريات جزئية تصدق على انماط معينة من نسق القرابة فحسب ‪ ,‬وان كان هذا ال‬
‫يقل بطبيعة الحال من قيمتها العملية ‪ .‬وربما كانت المحاولة الجادة حقا لوضع نظرية‬
‫علمة في القرابة هي محاولة العلم الفرنسي كلود ليفي ستروس ضمنها كتابه الضخم‬
‫عن (األبني ة األولي ة للقراب ة)‪ .‬ويقص د ليفي س تروس باألبني ة األولي ة ‪ ,‬كم ا يق ول في‬
‫مقدم ة كتاب ه ‪ ,‬األنس اق ال تي يمكن عن طريقه ا أن نح دد ألول وهل ة نط اق األق ارب‬
‫ونطاق األصهار ‪ ,‬وهذا يتعلق بما يعرف االن‬
‫على الخصوص باسم ( الزواج المفضل ) ‪ .‬والكتاب يه دف على العموم الى تبين ان‬
‫القواعد الخاصة بالزواج ومصطلحا القرابه ونسق االلتزامات والتحريمات هي كلها‬
‫مظ اهر مختلف ه لحقيق ه واح دة وال يمكن فص لها بعض ها عن بعض ‪ ,‬وه ذه الحقيق ه‬
‫الواحده او الكيان الواحد هو النسق الذي يقوم الباحث بدراسته ‪ )1( .‬فاالبنيه االوليه‬
‫للقرابه تظهر على العموم من تفضيل الزواج من اشخاص تقوم بينهم روابط الدم كما‬
‫هو الحال بوجه خاص في الزواج بين ابناء العمومه او الخوؤله المتقاطعه (‪ , )2‬اي‬
‫ان له ا اساس ا بيولوجي ه بينم ا ال زواج من اش خاص التق وم بينهم رواب ط دم من قب ل‬
‫ويك ون ال دافع عليه ا اس باب اجتماعي ه او اقتص اديه او سياس يه فتنتمي الى م ا يس ميه‬
‫باالبني ه المعق ده للقراب ه ‪ . structures complexes de la parented‬ويعطى‬
‫ليفي س تروس معظم اهتمام ه لدراس ه الن وع االول من االنس اق القراب ه في مجتمع ات‬

‫‪23‬‬
‫تنتمي الى مس تويات مختلف ه بنظري ه التب ادل واله دايا الملزم ه ال تي وض عها مارس يل‬
‫موس في مقاله عن الهدية الذي سبقت االشاره اليه ‪ .‬ويعتبر كتاب ليفي ستروس اهم‬
‫كت اب في نظري ه القراب ة من كتب مورج ان كتاب ه عن االبني ه االولي ه للقراب ة (انس اق‬
‫روابط الدم والمصاهره) ‪ ,‬وقد وجهت انتقادات عنيفه لذلك الكتاب وجدت بدورها من‬
‫يتص دى له ا بالنق د والتج ريح من العلم اء ال ذين ق اموا فعال بدراس ات حقلي ه بين بعض‬
‫الجماع ات القبلي ه ال تي تعت بر ال زواج بين ابن اء العموم ه والخؤول ه المتقاطع ه من‬
‫االشكال المفضله وامكنهم بذلك اختبار مدى صحه نظريه ليفي ستروس ‪.‬ومهما يكن‬
‫من ش ي فال ي زال الدارس ون والب احثون في مي دان االنثروبولوجي ا – والى ح د اق ل‬
‫مي دان علم االجتم اع – يواص لون جه ودهم لدراس ة المزي د من انس اق القراب ه في‬
‫مختل ف المجتمع ات القبلي ه البس يطه والتقليدي ة في ض وء النظري ات الجزئي ه المختلف ه‬
‫ال تي وض عها االس اتذه وكب ار العلم اء ‪.‬وه ذه الجه ود كله ا س وف ت ؤدي في وقت من‬
‫االوق ات بغ ير ش ك الى ص ياغه نظري ه عام ه للقراب ه باالض افه الى المعلوم ات‬
‫االثنوجرافي ه الهائل ه ال تي تزودن ا به ا ‪ ,‬وال تي يمكن ان تك ون اساس ا متين ا للدراس ات‬
‫المقارنه التي ال تزال قليله بشكل واضح في ميدان القرابه على الخصوص ‪.‬‬

‫‪24‬‬

You might also like