Professional Documents
Culture Documents
الفصل الأول
الفصل الأول
وبحكم الضوابط التي تحكم هذا النوع من العقود اإلدارية في ارتباطها بالمال العام و بالمصلحة العامة،
فإنها تتطلب إلبرامها و إنفاذها و تنفيذها و إنهائها اتخاذ جملة من القرارات اإلدارية بإرادة منفردة سواء
خالل مرحلة ما قبل التعاقد أو أثناء التنفيذ أو بمناسبة اإلنهاء.
وإذا كان جوهر هذه العملية التعاقدية هو عقد الصفقة الذي تبرمه اإلدارة ،فإن صدور تلك القرارات
اإلدارية بمناسبة هذا العقد يطرح سؤال إمكانية الطعن باإللغاء ضدها بمعزل عن العقد الذي صدرت
بشأنه و عالقة به ،سيما من لدن األغيار الذين ال يمكنهم الولوج لعالم العقد المغلق على طرفيه إعماال
لمبدأ نسبية العقود المكرس قانونا.
والحقيقة أن هذه اإلمكانية ،أي إمكانية الطعن باإللغاء ضد القرارات اإلدارية الصادرة بمناسبة تعاقد
اإلدارة ،لم يتم إق اررها من لدن القاضي اإلداري إال بمناسبة إرسائه لنظرية القرارات المنفصلة التي
سمح بموجبها أللغيار – و كذا لطرفي العقد في حاالت معينة -بمراجعة قاضي اإللغاء من أجل الطعن
في مشروعية هذه القرارات استقاالل عن العقد الذي صدرت بشأنه و بمناسبته والذي ينعقد اختصاص
المنازعة بشأنه في األصل للقضاء الشامل.
و إذا كان أساس ابتداع النظرية المذكورة هو منح األغيار مكنة قانونية للمنازعة في مشروعية القرار
المنفصل عن العقد أمام القاضي اإلداري -كبديل عن دعوى القضاء الشامل التي ال يمكنهم ممارستها
باعتبارهم أجانب عن العقد -فإن تطبيقها )أي النظرية( أبان عن محدودية الحماية التي كانت من وراء
ابتداعها.
ذلك أنه حتى بعد الحكم بإلغاء الق ارر اإلداري المنفصل ،فإن قاضي العقد )قاضي القضاء الشامل( ال
يرتب تلقائيا أثر هذا اإللغاء على العقد األصلي الذي يحتفظ له باستقالليته و استمراريته.
و لعل هذه المحدودية هي ما دفع القضاء اإلداري خصوصا الفرنسي منه الى استحداث طعن عقدي
جديد يسمح لالغيار بالمنازعة امام قاضي القضاء الشامل في شرعية عقد الصفقة ذاته ،مع ما نتج عن
هذا احداث من التضييق من مجال تطبيق نظرية القرارات المنفصلة.
فماهي اذن األسس و المرتكزات التي قامت عليها نظرية القرارات المنفصلة ؟
و كيف تم تطبيقها في مجال منازعات الصفقات العمومية ؟ و كيف تطورت ؟
و للجواب على هذه التساؤالت نقترح ان يتم من خالل تحليل الفكرتين الرىْيسيتين اللتان تقوم
عليهما نظرية القرارات المنفصلة الصادرة عن محدوديتها .
_ فكرة ضمان حقوق األغيار الذين ال يمكنهم المنازعة في العقد ،
_ و فكرة عدم تأثر العقد بإلغاء القرار االداري المنفصل عنه .
و من ثم ،يتمحور التصميم المعتمد حول المبحثين التاليين :
المبحث األول :نظرية القرارات المنفصلة :نظرية قضاىْية تقوم على فكرة ضمان حقوق األغيار
المتضررين من القرارات الصادرة بحلول عقد الصفقة .
المبحث الثاني :نظرية القرارات المنفصلة :نظرية تقوم على عدم تأثر عقد الصفقة بإلغاء القرار
المنفصل عنها ،مما أبان عن محدوديتها .
المبحث األول :نظرية القرارات المنفصلة :نظرية قضاىْية تقوم على فكرة ضمان حقوق األغيار
المتضررين من القرارات الصادرة بحلول عقد الصفقة .
قبل ان نتطرق لتمييز القرارات المنفصلة عن القرارات المتصلة بعقد الصفقة ( المطلب الثاني ) .ال
بد من استحضار العوامل و المرتكزات التي قامت عليها هذه النظرية و أسهمت في نشأتها ( المطلب
األول ) .
_ نظرية الدعوى الموازية أو الدفاع بوجود الدعوى الموازية :و تقوم على فكرة مفادها أن
الطعن باإللغاء هو طعن احتياطي ال يكون مقبوال متى كان ممكنا الوصول الى نفس الحق ( أو نفس
النتيجة ) أمام القضاء الشامل و ذلك بطريقة الطعن العادي أمام القضاء الشامل )2( .
_ نظرية الحقوق المكتسبة :و تجعل جميع القرارات المتداخلة أو المساهمة في تكوين العقد ال تقيل
الطعن باإللغاء بعد اإلبرام ،ألن العملية التعاقدية تكون قد تولد عنها حقوق مكتسية للمتعاقد مع اإلدارة .
و يتقاطع مع هذا االعتبار إعمال مبدأ نسبية العقود الذي يقضي بعدم جواز المساس بالعقد ضمانا
لحقوق المتعاقد حسن النية)3( .
و النتيجة وفق هذه النظريات هي أن المتعاقد مع اإلدارة إذا كان بإمكانه المنازعة أمام قاضي العقد
(قاضي القضاء الشامل ) في القرارات المتخذة بحلول العقد ،فإن األغيار ( غير المتعاقدين مع اإلدارة
بمن فيهم المتنافسين المقصيين من المشاركة في مسطرة اإلبرام ) يحرمون من المنازعة في هذه
القرارات على الرغم من عدم مشروعيتها أحيانا و على الرغم مما قد يترتب عنها من مساس بمراكزهم
القانونية جراء عدم المشروعية هاته.
هوالء األغيار تتم مواجهتهم أمام قاضي العقد أساسا بمبدأ نسبية العقود الذي ال يجيز لغير
و ذلك ألن ْ
المتعاقدين المنازعة في العقد ،كما تتم مجابهتهم أمام قاضي اإللغاء بنظرية اإلدماج أو وحدة العملية
التعاقدية و ما ترتب عنها من عدم جواز الطعن باإللغاء في أي من القرارات المرتبطة بهذه العملية (أي
يالعملية التعاقدية ))4( .
و لتالفي هذه النقاىْص ابتدع القضاء اإلداري الفرنسي نظرية القرارات اإلدارية المنفصلة او
القابلة لالنفصال :و التي فتحت الباب أمام األغيار ( و كذا أمام المتعاقدين مع اإلدارة في الحاالت التي
سنأتي على ذكرها الحقا ) للطعن باإللغاء في القرارات اإلدارية التي تتخدها اإلدارة بصفة منفردة متى
كانت منفصلة عن العقد أو كان ممكنا فصلها عنه ،مع اإلبقاء بطبيعة الحال على االختصاص األصيل
لقاضي العقد في النظر في القرارات المتصلة بهذا العقد ،أي للقضاء الشامل باعتبار الصفقات العمومية
عقودا إدارية .
و على هذا األساس ،فقد تبلورة فكرة القرار اإلداري المنفصل على يد قضاة مجلس الدولة
الفرنسي يمناسبة قبولهم الطعن باإللغاء الذي تقدم به عضو المجلس العام إلقليم " لواريشير " السيد "
مارتان " ضد القرارات التي اتخدها هذا المجلس بالموافقة على منح إحدى الشركات عقود امتياز
استغالل خطوط " الطرامواي " .ذلك أن السيد " مارتان " كان قد التمس إلغاء المقررات التي تداول
بشأنها المجلس المذكور باعتبارها مهدت إلبرام العقود المذكورة دون أن تتوافر لها شروط التداول
الصحيح وفقا للضمانات المقررة في القانون و هي الضمانات التي تفرض على ممثل السلطة ،الذي دعا
المجلس للتداول توزيع مطبوعة على األعضاء قبل ثمانية أيام التي تسبق هذه الدعوة و هو اإلخالل الذي
ترتب عنه بحسب السيد " مارتان " حرمانه كعضو بهذا المجلس من ممارسة عضويته الكاملة من خالل
اإللمام المسبق و الكافي بمالبسات العمليات التعاقدية موضوع التداول.
و على الرغم من أن اإلدارة دفعت في هذه القضية بعدم جواز الطعن باإللغاء ضد القرارات
المذكورة بأعتبارها أسهمت في إبرام العقد و بالتالي شكلت جزءا ال يتجزأ من هذا العقد الذي ينعقد
اختصاص البت في المنازعة بشأنه للقضاء الشامل ،تماشيا مع النظريات أعاله الساىْدة أنذاك ،فقد قبل
مجلس الدولة الفرنسي الطعن باإللغاء من الناحية الشكلية مكرسا بذلك مبدأ جواز الطعن باإللغاء ضد
القرارات المنفصلة ( أو القابلة لالنفصال ) عن العقد ،و مسترشدا في ذلك بخالصات مفوض الحكومة
"روميو" الذي دعا في تقريره الى فتح باب الطعن باإللغاء أمام غير المتعاقد مع اإلدارة ضد القرارات
التي تتخدها بحلول إبرام عقودها ،إال أن مجلس الدولة توسع فيما بعد و قبل الطعن المذكور حتى بالنسبة
للمتعاقد مع اإلدارة ،بل و حتى بعد إبرام العقد و سريان تنفيذه كما سنأتي على بيان ذلك الحقا )5(.
وهكذا استثنى مجلس الدولة الفرنسي من مجال المنازعة العقدية القرارات المنفصلة عن هذا العقد
باعتبارها يمكن أن تكون محال للطعن باإللغاء للشطط في استعمال السلطة أمام قضاء المشروعية ،قضاء
اإللغاء.
وقد تبنى ذات التوجه القضاء اإلداري المسترشد بنظيره الفرنسي كما هو الشأن على سبيل المثال
في القضاء اإلداري المغربي.
ولعل من أواىْل القرارات التي تبنى فيها القضاء اإلداري المغربي نظرية القرارات المنفصلة ،القرار
الصادر عن الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) تحت عدد 56وتاريخ 2-3-1964
الشوون اإلسالمية إلى فتح مزايدة من
الذي قضى بقبول الطعن باإللغاء ضد قرار لجوء وزير األوقاف و ْ
أجل كراء ملك حبسي.
وجاء في إحدى حيثيات هذا القرار مايلي:
.لكن حيث ينص التشريع الخاص بكراء األمالك الحبسية على شرط أن يكون أهال للمشاركة في
المزايدات والمناقصات بصفة عامة ( )...وأن اإلدارة ال تنازع في أهلية الطاعن من الناحية .مما يجعله
ذو مصلحة في إقامة دعوى اإللغاء ضد مقرر رفض اإلدارة بموجبة ضمنيا الى اللجوء الى طريقة
المزايدة.
وهذا الموقف تواترت عليه الغرفة اإلدارية في العديد من قراراتها نذكر منها القرار الصادر بتاريخ
03يوليوز 1968والقرار عدد 864وتاريخ 11مارس 1999بخصوص قبول الطعن في قرار إرجاء
مناقصة بقد كراء محالت لالصطياف تابعة للجماعة وكذا قرار عدد 51وتاريخ 20يناير 2000في
ملف عدد 1996-1-5-82بشأن قرار إيقاف حق امتياز استغالل مرفق النقل.
وقد صار على نفس النهج قضاة الموضوع في العديد من األحكام والقرارات منها على سبيل المثال:
-الحكم عدد 1059وتاريخ 10/2004 25/الذي قضت بموجبه المحكمة اإلدارية بالرباط
بإلغاء قرار إقصاء الشركة الطاعنة من المشاركة في مناقصة عمومية؛
-والقرار عدد 272وتاريخ 25/01/2012في الملف عدد 10/8 57/بشأن عدم قبول
.الطعن في قرار الفسخ.
المطلب الثاني :معايير التفرقة بين القرار المتصل و القرار المنفصل عن عقد الصفقة العمومية :
من خالل ما أفرزته تطبيقات نظرية القرار المنفصل امام القضاء اإلداري ،يمكن الوقوف على
معيارين ،معيار زمني يعتمد تاريخ ابرام الصفقة (أوال) ومعيار موضوعي يعتمد فكرة و موضوع
المخاصمة(ثانيا).
أوال :المعيار الزمني
وهو المعيار الذي أرساه قرار "مارتان" الشهير .ويقضي بالتمييز بين القرار المنفصل والقرار
المتصل بعقد الصفقة بحسب التسلسل الزمني لصدور كل منهما بالمقارنة مع تاريخ نشوء العالقة
التعاقدية .أي أنه معيار يقوم على أساس التمييز بين القرارات الصادرة خالل المراحل السابقة على
التعاقد و قبل إبرام العقد و بين القرارات الصادرة عن جهة اإلدارة بعد هذه العملية تنفيذا للعقد.
ومعلوم أن عقد الصفقة يكون ناشئا بمجرد التوقيع عليه من لدن صاحب المشروع وصاحب الصفقة،
إال أنه ال يكون نافذا إال بعد المصادقة عليه من قبل صاحب المشروع.
وهكذا درج القضاء اإلداري على اعتبار جميع القرارات التي ساهمت في تكوين العقد ونشوئه ،سواء
مهدت إلبرامه أو اقترنت بهذا اإلبرام قرارات منفصلة تبقى قابلة للطعن باإللغاء استقاالال عن عقد
الصفقة متى استجمعت أركان القرار اإلداري النهائي و النافذ و توفرت للطاعن في مواجهتها شروط
القبول المعهودة و من بينها المصلحة و بالتبعية الصفة)6(.
وتكون بالمقابل ،جميع القرارت الصادرة بعد انعقاد العقد ،أي بعد مرحلتي اإلبرام والمصادقة،
قرارات متصلة بالغقد مما ال يصح مناقشة مشروعيتها اال أمام قاضي العقد.
ويمكن من خالل استقراء شكليات وطرق و مساطر اإلبرام التي أرساها نظام الصفقات العمومية
بموجب مرسوم 08مارس 2023بأن جميع القرارات التي تصدرها السلطة اإلدارية أثناء مراحل
تحضير واإلعداد للصفقة مرورا بتوقيع العقد واإلنتهاء بالمصادقة عليه ،تخضع ألحكام قضاء اإللغاء.
ومن ذلك بصفة خاصة القرارت اإليجابية والسلبية المرتبطة بالمواضيع التالية:
-اإلشهار اإلعالن عن الصفقة؛
-نظام االستشارة؛
-تأليف لجنة طلب العروض؛
-إعالم المتنافسين؛
-تبرير اإلقصاءات؛
-إسناد الصفقة؛
-إبرام الصفقة؛
-المصادقة على الصفقة.
أما بالنسبة لمرحلة ما بعد العقد والتي تهم تنفيذ العقد وإنهائه ،فيمكن تحديد اهم القرارت
المتصلة الصادرة خالل هذه المرحلة اعتمادا على المعيار الزمني فب الموضيع التالية:
-األمر بالشروع في الخدمة؛
-تعديل بنود الصفقة و مايرتبط بها من مقرارت بالزيادة أو االنتقاص من حجم األشغال
أو األمر بأشغال إضافية أو تغيير مصدر المواد أو توقيف األشغال أو وقففها؛
-أداء مقابل األعمال؛
-إجراءات التسلم والتسليم؛
-االحتفاظ بالضمانات؛
-اإلجراءات القسرية المتخذة نتيجة إخالل المتعاقد مع اإلدارة بالتزاماته التعاقدية ،بما
في ذلك قرار الفسخ.
ولما كانت طبيعة العقود اإلدارية و خصوصيتها تقتضي من اإلدارة اتخاذ بعض القرارت
بوصفها سلطة عامة دون أن تستند في ذلك على بنود العقد ،فإن المعيار الزمني المرسخ بموجب
قرار "مارتان" سرعان ما كشف عن محدوديته في التفرقة بين القرار المتصل و القرار
المنفصل مادم إعتماده ال يفضي مبدئيا سوى للتمييز القرارات المنفصة الصادرة خالل المرحلة
التمهيدية للعقد و المتزامنة مع اإلبرام عن القرارت المتصلة الصادرة بعد ذلك.
لذا اهتدى القضاء اإلداري الى االستناد في التمييز المطلوب على أساس موضوعي أكثر
دقة ،وهو ما سيتم التطرق إليه من خالل:
ثانيا :المعيار الموضوعي: