Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 649

‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ﭧﭨ‬
‫ﲲﱠ‬
‫ﲳ‬ ‫ﱡ ﲬﲭﲮﲯﲰﲱ‬

‫سورة الفاطر‪ ،‬اآلية‪ :‬ﲸ‬

‫‪2‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫اإلهداء‪:‬‬

‫إلى الرعيل األول والالحق‪ ،‬من العلماء حول بحيرة الشط‪،‬‬


‫الذين جعلوا العلم ديدنهم‪ ،‬ولم يكتفوا بذلك‪ ،‬بل جعلوه عمال‬
‫متعديا‪ ،‬تجاوز حيواتهم البرانية‪ ،‬ليصل إلينا حتى جوانيه‪ ،‬فحالفه‬
‫الحفظ والخلود‪ ،‬رغم تحديات البشر والزمن‪.‬‬

‫أهدي العمل‬

‫‪3‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الشكر والتقدير‬
‫الحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪ ،‬الذي وفق الباحث أن يسجل‬
‫هذه الباقة من السطور‪ ،‬عن هؤالء األعالم‪ ،‬الذين أناروا الطرق‪ ،‬لوصول العلم‬
‫إلى العمق اإلفريقي‪ ،‬فمنهم السلطان التقي‪ ،‬والتاجر العفيف‪ ،‬والمبلغ‬
‫المستغني‪ ،‬ولم يعرفوا الحدود الفكرية والعرقية‪ ،‬بل طبقوا التجاوز في اآلفاق‬
‫العرقية واإلقليمية والمكانية‪.‬‬
‫فكانت السموات غطاءهم‪ ،‬واألرضين فراشهم‪ ،‬نشروا التسامح‬
‫والتعامل‪ ،‬وما الدين واللغة العربية عندهم‪ ،‬إال أدوات للتواصل‪ ،‬استفادوا منها‬
‫إلقامة سلطنات‪ ،‬كان لها من المجد‪ ،‬ما لم تستطع العصور المساس به‪.‬‬
‫والشكر موصول لخلفهم‪ ،‬أعضاء المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‬
‫بجمهورية شاد‪ ،‬الذين فهموا رسالة روادهم‪ ،‬فأنشأوا إذاعة القرآن الكريم‬
‫سنة‪2003‬م‪ ،‬فكان من برامجها األولى‪ ،‬التعريف بمن شقوا الطريق قبلهم‪،‬‬
‫تطبيقا لقاعدة‪" :‬من سار على الدرب وصل"‪ ،‬وللباحث شرف تولي عرض سير‬
‫هؤالء الرواد‪ ،‬في برنامج" العلم والعلماء"‪ ،‬فلألخ ‪-‬الدكتور اآلن‪ -‬عبد‬
‫الرحمن إسماعيل‪ ،‬الشكر على االفتتاحية الجميلة‪ ،‬ولألخوة الذين يسجلون‬
‫الحلقات‪ ،‬رغم تعددهم‪ ،‬طيلة حوالي ثالث سنوات‪ ،‬جزيل شكرنا وعظيم‬
‫تقديرنا‪.‬‬
‫وكان للمتابعات من المستمعين‪ ،‬وطلباتهم المتكررة‪ ،‬بإعادة الحلقات‪،‬‬
‫وبعض األسئلة التي طرحوها على اإلذاعة وعلى القائمين عليها وعلى الباحث‪،‬‬
‫كبير األثر في االستمرار في العرض‪ ،‬وما التصميم الحالي لهذه الدراسة‪ ،‬إال‬
‫استجابة طلباتهم لرؤية سير هؤالء الرواد‪ ،‬تطوف في العلى‪ ،‬فلهم الثناء العطر‬
‫على التشجيع واإلشادة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫احملتــــويات‬
‫رقم الصفحة‬ ‫العنوان‬
‫‪3‬‬ ‫اإلهداء‬
‫‪4‬‬ ‫‪-‬الشكر والتقدير‬
‫‪22-14‬‬ ‫‪-‬المقدمة‬
‫‪23‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬وظائف العلماء حول بحيرة الشط‬
‫‪24‬‬ ‫‪-‬التمهيد‬
‫‪51-24‬‬ ‫أوال‪ :‬الوظائف التربوية والتعليمية للعلماء حول بحيرة الشط‬
‫‪54-51‬‬ ‫ثانيا‪ :‬وظائف النشر السلمي لإلسالم‬
‫‪59-54‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الوظائف السياسية واالقتصادية‬
‫‪60‬‬ ‫‪-‬الخالصة‬
‫‪62-61‬‬ ‫‪-‬المصادر والمراجع‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اإلمام أحمد بن فورتو(خطم خطوطاته عام‬
‫‪65‬‬
‫‪1578‬م)نموذج لكتبة البالط السلطاني لكانم‪ -‬برنو‬
‫‪67-66‬‬ ‫‪-‬التمهيد‬
‫‪71-67‬‬ ‫أوال‪-‬نشأة وعصر اإلمام أحمد بن فورتو‬
‫‪74-72‬‬ ‫ثانيا‪ -‬هيئة القلم في بالط كانم‪-‬برنو‬
‫‪89-74‬‬ ‫ثالثا‪-‬أنماط الكتابة الديوانية في سلطنة كانم‪-‬برنو‬
‫‪90-89‬‬ ‫رابعا‪-‬خصائص كتابة اإلمام أحمد بن فورتو‬
‫‪93-91‬‬ ‫خامسا‪-‬المكانة العلمية والمهنية لإلمام أحمد بن فورتو‬
‫‪94‬‬ ‫‪-‬الخالصة‬
‫‪96-95‬‬ ‫‪-‬المصادر والمراجع‬

‫‪5‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل الثالث‪ :‬الشيخ محمد األمين الكانمي(‪1835-1778‬م)‬


‫‪97‬‬
‫من خالل مخطوطاته‬
‫‪102-98‬‬ ‫‪-‬تمهيد‬
‫أوال‪-‬نشأة محمد األمين الكانمي وتكوينه ومدى تأثره وتأثيره في‬
‫‪107-103‬‬
‫وسطه االجتماعي والسياسي‬
‫‪122-107‬‬ ‫ثانيا‪-‬الشيخ محمد األمين الكانمي بعيون المصادر المحلية‪:‬‬
‫ثالثا‪-‬كيف علت الكلمة على الحربة في الحياة السياسية للشيخ‬
‫‪122‬‬
‫محمد األمين الكانمي‬
‫‪130-122‬‬ ‫‪-1‬كتبه ومخطوطاته ووثائقه الداخلية‬
‫‪138-130‬‬ ‫‪ -2‬مخطوطات ووثائق الشيخ محمد األمين الكانمي الخارجية‬
‫‪-3‬المستفاد من الوثائق الداخلية والخارجية للشيخ محمد األمين‬
‫‪144-139‬‬
‫الكانمي‬
‫‪145‬‬ ‫‪-‬الخالصة‬
‫‪149-146‬‬ ‫‪-‬المصادر والمراجع العربية‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الشيخ عبد الحق الترجمي(‪1917-1853‬م) من‬
‫‪150‬‬
‫خالل مخطوطاته ووثائقه‬
‫‪151‬‬ ‫‪-‬التمهيد‬
‫‪170-152‬‬ ‫أوال‪ -‬نشأته االجتماعية والسياسية‬
‫‪186-170‬‬ ‫ثانيا‪ -‬نشأته الثقافية وإنتاجه العلمي‬

‫‪199-186‬‬ ‫ثالثا‪ -‬مظاهر الحوار الحضاري في سلطنة وداي أيام الترجمي‬


‫رابعا‪ -‬الدراسة التحليلية لمخطوطة رسالة تبصرة الحيران من هول‬
‫‪208-200‬‬
‫فتن الزمان‬
‫‪209‬‬ ‫‪-‬الخالصة‬
‫‪211-210‬‬ ‫‪-‬المصادر والمراجع‬

‫‪6‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل الخامس‪ :‬الدور الثقافي والسياسي للشيخ محمد الطاهر‬


‫‪212‬‬
‫الحيمادي (ابن التلب) في دار سال (شاد)‬
‫‪213‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪216-213‬‬ ‫أوال‪ -‬نشأته وتعليمه‬
‫‪217‬‬ ‫ثانيا‪-‬دوره التعليم في سلطنة دار سيال اإلسالمية‬
‫‪219-217‬‬ ‫ثالثا‪-‬مواقف علماء السلطان يوسف في دار وداي‬
‫‪222-220‬‬ ‫رابعا‪-‬دوره الثقافي واالجتماعي في دار سيال‬
‫‪224-223‬‬ ‫خامسا‪-‬هجرته إلى الجهاد مع محمد أحمد المهدي‬
‫‪226-225‬‬ ‫سادسا‪-‬أعماله العلمية واألدبية‬
‫‪227‬‬ ‫‪ -‬الخالصة‬
‫‪229-228‬‬ ‫‪-‬المصادر والمراجع‬
‫الفصل السادس‪ :‬الشيخ القاضي أحمد عبد الكريم‬
‫‪230‬‬ ‫(طبيق)(‪1977-1900‬م) ودوره الثقافي والقضائي في آتيا‬
‫البطحاء‬
‫‪231‬‬ ‫‪-‬التمهيد‬
‫‪231‬‬ ‫‪-1‬مولده‬
‫‪232-231‬‬ ‫‪-2‬تعليمه‬
‫‪234-233‬‬ ‫‪-3‬توليه القضاء في آتيا البحطاء‬
‫‪235-234‬‬ ‫‪-4‬رحالته العلمية خارج البالد‪..‬‬
‫‪236-235‬‬ ‫‪-5‬إنتاجه العلمي‪..‬‬
‫‪242-236‬‬ ‫أ‪-‬الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم‬
‫‪247-245‬‬ ‫ب‪-‬مخطوطة القرآن السفري‪..‬‬
‫‪248‬‬ ‫ج‪-‬مخطوطة إن في النحو‪..‬‬
‫‪248‬‬ ‫د‪-‬منظومة الحروف في (‪ )500‬بيت‪ ،‬وهي ايضا في النحو‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪249-248‬‬ ‫ه‪-‬النواصب (منظومة)‪.‬‬


‫‪250‬‬ ‫‪ -‬الخالصة‪..‬‬
‫‪252-251‬‬ ‫‪ -‬المصادر والمراجع‬
‫الفصل السابع‪ :‬الشيخ محمد المهدي الصمبانـجاي(‪–1325‬‬
‫‪253‬‬
‫‪821400‬هـ ‪19-1907‬م)قاضي قضاة مدينة أنـجمينا‬
‫‪259-254‬‬ ‫التمهيد‬
‫‪271-260‬‬ ‫أوال‪ :‬مكانة العلم والعلماء في السودان الغربي‬
‫ثانيا‪ :‬تأثير القاضي محمد المهدي الصمبانجاي حول بحيرة‬
‫‪271‬‬
‫الشط‬
‫‪275-271‬‬ ‫ب ‪ -‬النشأة العلمية لمحمد المهدي في السودان الغربي (مالي)‪:‬‬
‫‪276-275‬‬ ‫أ‪ -‬استقراره في مدينة فورت المي ‪( 1936‬أنجمينا حاليا)‪:‬‬
‫ج ‪ -‬نشره للعلم والمعرفة (دروسه وحلقاته وفتاويه وحواراته‬
‫‪277-276‬‬
‫ونقاشاته العلمية)‬
‫د ‪ -‬توليه منصب قاضي القضاة في فورت المي (‪– 1953‬‬
‫‪283-277‬‬
‫‪1963‬م)‬
‫‪283‬‬ ‫ثالثا‪ :‬إنتاجه العلمي (مخطوطاته ورسائله)‪:‬‬
‫أ ‪ -‬كتابه المسمى الحصر في الفنون العشر‪ ،‬ولم يعثر الباحث‬
‫‪283‬‬
‫على نسخة منه‪.‬‬
‫‪285-283‬‬ ‫ب ‪ -‬كشف الغوامض عن ذوي الفرائض‪.‬‬
‫‪285‬‬ ‫ج ‪ -‬مبادئ التصوف‪ ،‬ولم يعثر الباحث على نسخة منه‪.‬‬
‫د‪ -‬رسالة في نصوص صوم رمضان سماها كف القناع عن عدم‬
‫‪285‬‬
‫ثبوت رمضان بالمذياع‪.‬‬
‫‪288-285‬‬ ‫ه ‪ -‬وله قصائد عديدة‬
‫‪8‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪290-289‬‬ ‫الخالصة‬
‫‪294-291‬‬ ‫المصادر والمراجع‬
‫الفصل الثامن‪ :‬الشيخ القوني جبريل بركة ودوره في نشر القراءات‬
‫‪295‬‬
‫في شاد‬
‫‪296‬‬ ‫‪-‬التمهيد‬
‫‪300-296‬‬ ‫أوال‪-‬االهتمام بالقراءات في إفريقيا‬
‫‪307-301‬‬ ‫ثانيا‪-‬الشيخ القوني جبريل بركة ومسيج المدينة‬
‫‪309-307‬‬ ‫ثالثا‪-‬تجربة وصول القراءات األزهرية إلى شاد‬
‫‪309‬‬ ‫رابعا‪ -‬النشأة العلمية للشيخ القوني جبريل بركة‬
‫‪310‬‬ ‫خامسا‪ -‬اإلنتاج العلمي للشيخ القوني جبريل بركة‬
‫‪310‬‬ ‫أ‪ -‬كتاب الدرر النضيدة في أوجه عثمان‪:‬‬
‫‪310‬‬ ‫ب‪ -‬رسالة البيان فيما اختص به قالون عن عثمان‪:‬‬
‫‪311-310‬‬ ‫ج‪ -‬الدرر المنثور في تقريب رواية الدوري‪.‬‬
‫د‪ -‬القواعد األدائية فيما خالف فيه شعبة حفصا من طريق‬
‫‪311‬‬
‫الشاطبية‬
‫‪311‬‬ ‫ه‪ -‬رسالة تحرير الراءات في طريق الروايات‬
‫‪312‬‬ ‫سادسا‪ -‬مكانة حفظ القرآن الكريم في المجتمع الشادي‬
‫‪315-312‬‬ ‫‪-1‬حفظ التربية والتعليم‪.‬‬
‫‪117-116‬‬ ‫‪-2‬حفظ الهوية اإلسالمية‬
‫‪318-317‬‬ ‫‪-3‬حفظ األنفس والثروة والسلطة‬
‫‪319‬‬ ‫‪-‬الخالصة‬
‫‪321-12‬‬ ‫‪-‬المصادر والمراجع‬

‫‪9‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل التاسع‪ :‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم القرشي‬


‫‪322‬‬
‫ودوره في نشر القراءات في وسط إفريقيا‬
‫‪323‬‬ ‫‪-‬التمهيد‬
‫‪323‬‬ ‫أوال‪-‬نشأة وتعليم الشيخ حسن عمر طاهر إبراهيم القرشي‬
‫‪329-324‬‬ ‫ثانيا‪ -‬مستويات حفظ القرآن الكريم في شاد‬
‫‪330-329‬‬ ‫ثالثا‪ -‬القواعد المساعدة على حفظ القرآن الكريم في شاد‬
‫‪331‬‬ ‫الفرود في القرآن الكريم‬
‫‪332-331‬‬ ‫المحذوف في القرآن الكريم‬
‫‪332‬‬ ‫المحمول في القرآن الكريم‬
‫‪333‬‬ ‫الهمزتان‬
‫‪334‬‬ ‫عد اآلي‪:‬‬
‫‪335-334‬‬ ‫المدني والمكي‬
‫‪336‬‬ ‫المدني والمكي‬
‫‪341-336‬‬ ‫رابعا‪-‬مظاهر مسيج البادية والقرية‬
‫‪344-341‬‬ ‫خامسا‪ -‬اإلنتاج العلمي للشيخ القوني حسن القرشي‬
‫‪342-341‬‬ ‫‪-1‬دليل الحيران إلى قواعد أبي سعيد عثمان‬
‫‪342‬‬ ‫‪-2‬الفتح الرباني فيما خالف فيه قالون ورشا من حرز األماني‬
‫‪-3‬الهداية الربانية إلى ما خالف فيه الدوري ورشا من طريق‬
‫‪342‬‬
‫الشاطبية‬
‫‪-4‬اإلرشادات الربانية إلى ما خالف فيه عبداهلل بن كثير نافعا من‬
‫‪343‬‬
‫طريق الشاطبية‬
‫‪343‬‬ ‫‪-5‬بيان القراءات الشاذة‬
‫‪343‬‬ ‫‪-6‬إرشاد اإلخوان إلى تفصيل الهمزتين لرواية أبي سعيد عثمان‬
‫‪344‬‬ ‫‪-7‬تاريخ القراء‬

‫‪10‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪345‬‬ ‫‪-‬الخالصة‬
‫‪347-346‬‬ ‫‪-‬المصادر والمراجع‬
‫الفصل العاشر‪ :‬الدور الثقافي للشيخ مكي عبد اهلل‬
‫‪348‬‬
‫التجاني(‪2014-1934‬م) في شاد المعاصرة‬
‫‪350-349‬‬ ‫‪-‬التمهيد‬
‫‪356-350‬‬ ‫أوال‪ -‬الحياة التعليمية للشيخ مكي عبد اهلل التجاني‪:‬‬
‫ثانيا – وصف خزانة المخطوطات والوثائق العربية في دبدب‬
‫‪357-356‬‬
‫وأبشة‬
‫ثالثا‪ -‬أدوار الشيخ مكي عبد اهلل التجاني في المجتمع الشادي‬
‫‪391-368‬‬
‫المعاصر‬
‫‪398-391‬‬ ‫رابعا‪ -‬تزكيته الروحية في خدمة مجتمعه المحلي‬
‫‪399‬‬ ‫‪-‬الخالصة‬
‫‪401-400‬‬ ‫‪-‬المصادر والمراجع‬
‫الفصل الحادي عشر‪ :‬األستاذ الدكتور عبد الرحمن عمر الماحي‬
‫‪402‬‬
‫والريادة في جامعة الملك فيصل بشاد(‪2013-1993‬م)‬
‫‪405-403‬‬ ‫‪-‬التمهيد‬
‫‪410-406‬‬ ‫أوال‪-‬القيادة في المؤسسات الجامعية العربية‬
‫‪418-411‬‬ ‫ثانيا‪-‬نشأة الماحي االجتماعية (‪1937‬م)‬
‫‪421-418‬‬ ‫ثالثا‪-‬نشأة الماحي الثقافية‪ -‬التعليمية‬
‫‪422-421‬‬ ‫رابعا‪-‬الريادة في جامعة الملك فيصل (‪2013-1993‬م)‬
‫‪430-422‬‬ ‫أ‪-‬نشأة جامعة الملك فيصل بشاد (‪1992/1991‬م)‬
‫ب‪-‬مظاهر ريادة الماحي في جامعة الملك فيصل بشاد‬
‫‪439-431‬‬
‫(‪2013-1994‬م)‬
‫‪450-439‬‬ ‫ج‪-‬مظاهر القيادة السلطانية لجامعة الملك فيصل (‪-1994‬‬

‫‪11‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪2013‬م)‬
‫‪451‬‬ ‫‪-‬الخالصة‬
‫‪453-452‬‬ ‫‪-‬المصادر والمراجع‬
‫الفصل الثاني عشر‪ :‬النظام التربوي العربي اإلسالمي في شاد‬
‫‪454‬‬
‫المعاصرة‬
‫‪456-455‬‬ ‫‪-‬التمهيد‬
‫‪463-456‬‬ ‫أوال‪ -‬بنيوية الظاهرة التربوية في التجمعات الشادية‬
‫‪513-464‬‬ ‫ثانيا‪-‬النظام التربوي العربي اإلسالمي ومؤسساته التعليمية‬
‫‪525-514‬‬ ‫ثالثا‪-‬عالقة النظام التربوي الشادي باألنظمة األخرى في المجتمع‬
‫‪538-525‬‬ ‫رابعا‪ -‬مشكالت النظام التربوي العربي اإلسالميفي شاد المعاصرة‬
‫خامسا‪-‬تحديات العولمة للنظام التربوي العربي اإلسالمي في شاد‬
‫‪545-539‬‬
‫المعاصرة‬
‫سادسا‪-‬تكيف النظام التربوي العربي اإلسالمي مع النظام الفصلي‬
‫‪550-545‬‬
‫‪L.M.D‬‬
‫‪551‬‬ ‫‪-‬الخالصة‬
‫‪565-552‬‬ ‫‪-‬المصادر والمراجع‬
‫الفصل الثالث عشر‪ :‬تكيف التعليم العربي اإلسالمي الجامعي مع‬
‫‪566‬‬
‫نظام(‪)L.M.D‬‬
‫‪567‬‬ ‫‪-‬التمهيد‬
‫‪567‬‬ ‫أوال‪-‬المفاهيم‬
‫‪567‬‬ ‫أ‪-‬تحقيق الذات االجتماعية دراسيا‬
‫‪571-568‬‬ ‫ب‪-‬الجامعة كنظام اجتماعي‬
‫‪576-571‬‬ ‫ج‪ -‬نظام (‪)L.M.D‬‬
‫ثانيا‪-‬اإلطار النظري لتحقيق الذات االجتماعية دراسيا لدى‬
‫‪576‬‬
‫طالب األقسام العربية في التعليم العالي الشادي‬
‫‪12‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪577-576‬‬ ‫أ‪-‬نظرية بورديو‬


‫‪577‬‬ ‫ب‪-‬نظرية تريال‪TERRIAL‬‬
‫‪580-577‬‬ ‫ج‪-‬نظرية هاجن‬
‫‪581‬‬ ‫ثالثا‪ -‬دخولنظام(‪ )L.M.D‬في التعليم الجامعي الشادي‬
‫‪587-581‬‬ ‫أ‪-‬تطور التعليم العالي في شاد‬
‫‪588-587‬‬ ‫ب‪-‬منطلقات الدراسة الميدانية‬

‫ج‪-‬أطوار نظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪)L.M.D‬في شاد‬


‫‪603-588‬‬

‫رابعا‪-‬اإلجراءات المنهاجية لدراسة تكيف الطالب الداس بالعربية‬


‫‪604‬‬
‫في جامعة أنجمينا‬
‫‪605-604‬‬ ‫أ‪ -‬أهداف الدراسة‬
‫‪606-605‬‬ ‫ب‪-‬فروض الدراسة‬
‫‪621-606‬‬ ‫ج‪ -‬عمليات جمع البيانات‬
‫‪632-622‬‬ ‫د‪-‬تحليل البيانات‬
‫‪633‬‬ ‫‪-‬الخالصة‬
‫‪635-634‬‬ ‫‪ -‬الخاتمة‬
‫‪649-636‬‬ ‫‪-‬المصادر والمراجع‬

‫‪13‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫املقدمة‬
‫أتيح للباحث‪ ،‬ان يعرض على المستمعين‪ ،‬في إذاعة القران الكريم‪،‬‬
‫بالمجلس األعلى للشؤون اإلسالمية بشاد‪ ،‬مظاهر من حياة العلماء حول‬
‫بحيرة الشط‪ ،‬في حلقات برنامج "العلم والعلماء" في سنوات ‪-2003‬‬
‫‪2005‬م‪ ،‬فجمع مادة علمية لحوالي‪ 400‬عالم‪ ،‬ينتمون إلى منطقة بحيرة‬
‫الشط‪ ،‬فوضع المادة العلمية المجموعة‪ ،‬من مصادر ومراجع متعددة‪ ،‬وفقا‬
‫للمعايير التالية‪:‬‬
‫‪-‬أن يكون للعالم مخطوطات ووثائق مكتوبة‬
‫‪-‬ان يتثبت الباحث من األعمال المكتوبة من مصادر موثوقة‬
‫‪-‬ان يتحصل الباحث على المخطوطات والوثائق بين يديه‪ ،‬لعرضها أمام‬
‫المستمعين‪ ،‬وأتاح لهم فرصة االتصال به‪ ،‬للتأكد من أن األعمال‬
‫للعالم حقيقة‪ ،‬بل طلب من المستمعين‪ ،‬أن يبلغوه بأي معلومات تنفي‬
‫أو تثبت‪ ،‬نسبة هذه المخطوطات والوثائق لعالم معين تم عرضه‪.‬‬
‫‪-‬ان يكون لمحتويات المخطوطات والوثائق المعروضة‪ ،‬دالالت ثقافية‬
‫أو أدبية أو تاريخية أو علمية واضحة‪.‬‬
‫وبناء على هذه المعايير‪ ،‬لم يستطع الباحث أن يعرض امام المستعين‪،‬‬
‫إال لحوالي ‪40‬عالم فقط‪ ،‬من العدد الكلي‪ ،‬أي بنسبة ال تتجاوز ‪%10‬ف‬
‫قط‪ ،‬ولم يستطع أن يحرر كتابيا في هذا الكتاب‪ ،‬إال لحوالي‪ 10‬من العلماء‪،‬‬
‫أي بنسبة‪ ،%1‬وأجل الكتابة عن العلماء اآلخرين‪ ،‬إلى فرص قادمة‪ ،‬تتوفر‬
‫للباحث‪ ،‬أو لغيره من الباحثين‪ ،‬الحدود الدنيا من الشروط الكتابية‪ ،‬عن علماء‬
‫المنطقة‪ ،‬وهم كثر‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫واالشكالية المطروحة في هذه الدراسة‪ ،‬تتمثل في اإلجابة عن األسئلة‬


‫التالية ‪ :‬من هم العلماء حول بحيرة الشط؟ ما هي طبقاتهم الرئيسية؟ ما هو‬
‫نظام التكوين والتدريب‪ ،‬أي النظام التربوي‪ ،‬الذي سمح بظهور هؤالء العلماء؟‬
‫وما هي الوظائف واألدوار االجتماعية والثقافية والسياسية‪ ،‬التي قام بها هؤالء‬
‫العلماء؟ وهل لهؤالء العلماء‪ ،‬اعمال علمية وادبية وثقافية مكتوبة‪ ،‬توضح‬
‫مساهماتهم في الحيوات المختلفة في المنطقة؟‬
‫ومن أسباب االختيار لهذه الدراسة‪ ،‬هو ما الحظه الباحث من غياب‬
‫الدراسات العلمية‪ ،‬للعلماء حول بحير شاد‪ ،‬عن مؤتمر العلماء األفارقة الذي‬
‫عقد بالخرطوم في سبعينيات القرن الماضي‪ ،‬وما تبع ذلك من تجاهل لجهود‬
‫علماء هذه المنطقة‪ ،‬من قبل كتاب يشار إلى أعمالهم بالبنان‪ ،‬في الكتابة عن‬
‫اإلسالم والمسلمين في غرب ووسط افريقيا‪ ،‬مثل‪ :‬إشارات الشيخ االلوري‪،‬‬
‫حينما ذكر الشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬فعقب على ذكره له‪ ،‬بنفي أي عمل‬
‫علمي عنه‪ "،‬كان من العلماء األعالم‪ ،‬لم يعرف له تأليف"‪(.‬األلوري‪)392 ،‬‬
‫فسعى الباحث إلى سد هذه الثغرة‪ ،‬بحيث يكون إلفريقيا علماء في‬
‫الشمال والشرق والغرب والوسط‪ ،‬هذا الوسط اإلفريقي‪ ،‬الذي كانت اإلشارة‬
‫إلى علمائه‪ ،‬غائبة في المؤتمر السابق‪ ،‬وكتابات بعض الباحثين في المنطقة‪.‬‬
‫وفي سعي الباحث لإلجابة على التساؤالت السابقة‪ ،‬وجد أمامه‪،‬‬
‫مجموعة من المشاركات المكتوبة عن هؤالء العلماء‪ ،‬من بيئتهم المحلية‪ ،‬ومن‬
‫باحثين أجانب‪ ،‬إال أن كلها عبارة عن اعمال كتبت عن هؤالء العلماء‪ ،‬والقليل‬
‫منها الذي اعتمد على المخطوطات والوثائق المباشرة عن هؤالء العلماء‪ ،‬مما‬
‫حول هذه األعمال من مصادر‪ ،‬إلى مراجع ثانوية‪ ،‬مما قلل من اعتماد الباحث‬
‫عليها‪ ،‬رغم أنها قدمت له خدمة كبيرة‪ ،‬ساعدته في االنطالق نحو التثبت من‬

‫‪15‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المعلومات التي أوردتها عن العلماء الشاديين‪ ،‬وهذا ما قلل من عدد العلماء‬


‫الذين تم التحرير الكتاب يعنهم‪ ،‬وأرجا الباحث الكتابة عن الكثير من العلماء‪،‬‬
‫إلى مراحل تؤكد الصدق والثبات من المخطوطات والوثائق‪ ،‬لعلماء تمت‬
‫اإلشارة إليهم في دراسات سابقة كثيرة‪.‬‬
‫ويود الباحث أن يشير إلى أهم هذه المصادر والمراجع‪ ،‬ومن المصادر‪،‬‬
‫ما حفظته خزائن المخطوطات والوثائق المحلية‪ ،‬مثل‪ :‬المحارم السلطانية التي‬
‫أجاز فيها سالطين البالد(كانم‪-‬برنو‪ ،‬وبقرمية‪ ،‬ووداي) للعلماء بامتيازات‬
‫معينة‪ ،‬جعلتهم في رعاية وحفظ مادي ومعنوي‪ ،‬يحسدهم عليه‪ ،‬حتي علماء‬
‫اليوم‪ ،‬وعادة المحارم للعلماء‪ ،‬عادة قديمة‪ ،‬ترجع إلى القرن الحادي عشر في‬
‫سلطنة كانم‪-‬برنو‪ ،‬واإلشارة هنا إلى محرم العالم محمد بن‬
‫ماني(حوالى‪1085‬م)‪ ،‬ولكنها استمرت إلى وقت قريب‪ ،‬حيث أورد األستاذ‬
‫الدكتور عبد الرحمن عمر الماحي‪ ،‬في مالحق كتابه " شاد من االستعمار حتى‬
‫االستقالل" إلى محرم سلطان دار وداي للعالمين طه وعووضة‪ ،‬الذي أقرته‬
‫حتى السلطات االستعمارية الفرنسية‪ ،‬وأهم العلماء الذين وثقوا للمحارم‪،‬‬
‫العالم االنجليزي بالمر‪ ،‬وغيره‪ ،‬ومن المصادر أيضا النذر القليل من‬
‫المخطوطات والوثائق األصلية للعلماء الشاديين‪ ،‬التي أتيحت لها فرص‪،‬‬
‫تجاوز العوامل البشرية والطبيعية‪ ،‬التي لم تساعد على وصول أعمال العلماء‬
‫إلى األجيال الالحقة‪.‬‬
‫أما المراجع عن العلم والعلماء في شاد‪ ،‬فعلى رأسها تأتي أعمال‬
‫التونسي(حوالي ‪1807‬م)‪ ،‬في تشحيذ األذهان بمعرفة بالد الغرب والسودان‪،‬‬
‫فقد أشار إلى علماء في وداي وكانم وبقرمية‪ ،‬ثم تأتي إشارات الرحالة‬

‫‪16‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫األوروبيون الذين زاروا المنطقة‪ ،‬منذ منتصف القرن التاسع عشر الماضي‪،‬‬
‫مثل‪ :‬دنهام وبارث ونشتيجال‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ومن المراجع المعاصرة عن العلماء حول بحيرة الشط‪ ،‬مخطوط‬
‫االستذكار لما لعلماء كانم‪ -‬برنو من أخبار‪ ،‬للشيخ إبراهيم صالح النوي‪،‬‬
‫وحول علماء سلطنة دار وداي العباسية‪ ،‬مخطوطة نفحات من تراث أجدادنا‬
‫علماء أبشة‪ ،‬لألستاذ عثمان على محمد‪ ،‬وقريب منه وثيقة األستاذ محمد‬
‫يعقوب دابيو‪ ،‬عن العلماء الذين عاصرهم في سلطنة دار وداي العباسية‪،‬‬
‫تحت عنوان‪" :‬نبذة من تاريخ علماء شاد"‪ ،‬وجاء بعدهم الشيخ المدموري‪،‬‬
‫وكتب عن من قابلهم من علماء أبشة‪ ،‬تحت عنوان‪" :‬بشائر الجوالن بلقائي‬
‫في أبشة من العلماء واألعيان" كتبه بتاريخ‪2016/08/15‬م‬
‫وعن سلطنة بقرمية‪ ،‬أقادنا الدكتور محمد األمين األبقاري بكتابين عن‬
‫علماء المنطقة‪ ،‬خاصة مدينة العلماء في ابقار‪ ،‬التي حرمها أو منحها سالطين‬
‫المنطقة للعلماء وذويهم‪.‬‬
‫ومن بطون هذه المصادر والمرجع‪ ،‬استخلص الباحث‪ ،‬العدد‬
‫األول(‪400‬عالم)‪ ،‬ومنهم انتقى األربعين فقط‪ ،‬الموافقين للحد األدنى من‬
‫المعايير الموضوعة للعرض الشفوي‪ ،‬للعلم والعلماء في شاد‪ ،‬ومن هؤالء انتقى‬
‫مادة هذا الكتاب‪.‬‬
‫اما عن المنهاجية المتبعة في الدراسة‪ ،‬فقد قامت على الوصف الكيفي‪،‬‬
‫المعتمد على تحليل المخطوطات والوثائق التي كتبها العلماء مباشرة‪ ،‬أو عن‬
‫طريق مراجع موثوقة‪ ،‬والمستوى األخير للتحليل اعتمد عليه الباحث‪ ،‬في‬
‫اإلشارة الى علماء لهم عالقة بالعالم المدروس‪ ،‬اما العالم األساسي‪ ،‬فالشرط‬
‫الرئيسي لعرضه كتابيا في هذه الدراسة‪ ،‬هو وجود عمل مكتوب عنهم باشرة‪،‬‬

‫‪17‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وهذا ما جعل االنتقاء لعلماء محدودين فقط في المرحلة الحالية‪ ،‬وبعد التثبت‬
‫من نسبة األعمال العلمية للعالم‪ ،‬نحاول أن نعرض للظروف المحيطة بالعالم‪،‬‬
‫خاصة الظروف الثقافية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬وهذا ما ساعد الباحث‪ ،‬أن‬
‫يوضح المساهمات الثقافية والسياسية‪ ،‬للعلماء الفاعلين في بلدانهم‪،‬‬
‫والمشاركين في األحداث التي كتبوا عنها‪ ،‬أن لم يكونوا الفاعلين والمؤثرين‬
‫فيها‪ ،‬وهذا ما ينفي عن العلماء‪ ،‬تهمة االبتعاد عن القضايا االجتماعية‬
‫والسياسية‪ ،‬في التاريخ القديم والحديث والمعاصر‪.‬‬
‫أما العرض التحريري لمادة الكتاب‪ ،‬فقد اتبع فيه الباحث‪ ،‬أربع قواعد‬
‫هي‪ :‬التسلسل الزمني‪ ،‬واالعتماد على األعمال المكتوبة للعالم المعروض‪،‬‬
‫ومدى ثأثير انتاج العالم في األحداث والوقائع المعاصرة له‪ ،‬وأخيرا مدى سعة‬
‫األفق في انتاج العالم‪.‬‬
‫التطور الزمني‪ ،‬تسلسل العلماء حسب العصور الزمنية التي عاشوا فيها‬
‫قدر اإلمكان‪ ،‬مع االعتراف باإلشكاليات المتعلقة بصعوبة التحديد الدقيق‬
‫لهذه العصور‪ ،‬نظرا النعدام السجالت في األحوال المدنية القديمة‪ ،‬في‬
‫الكثير من المناطق التي عاش فيها العلماء‪ ،‬ولذلك استعان الباحث كثيرا على‬
‫ذلك‪ ،‬باالعتماد على تاريخ األحداث‪ ،‬وكذا تواريخ السالطين‪ ،‬وتقريب بعض‬
‫الوقائع‪ ،‬للداللة على الفترات الزمنية التي عاش فيها العلماء‪ ،‬أو تاريخ‬
‫مخطوطاتهم ووثائقهم‪ ،‬وهذا هو السبب الذي أدى بالباحث‪ ،‬أن يختار في‬
‫هذا الجزء من الدراسة‪ ،‬هذا العدد المحدود من النماذج‪ ،‬وأجل دراسة آخرين‬
‫ألعمال قادمة‪ ،‬حينما تتوفر الحدود الدنيا من هذه الشروط‪.‬‬
‫العناية بعرض العالم من خالل اإلنتاج أو األعمال التي خطها العالم‬
‫مباشرة‪ ،‬أو من عاصروه من العلماء والسالطين والزوار‪ ،‬هذا في حالة العرض‬

‫‪18‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المباشر‪ ،‬أما العرض غير المباشر‪ ،‬مثل اإلشارة إلى التالميذ واالساتذة‪،‬‬
‫والمشاركين للعالم في التعليم والسياسة واالقتصاد‪ ،‬فيمكن االستعانة‬
‫بالمصادر والمراجع الموثوقة‪.‬‬
‫وهذا يعني‪ ،‬أن الباحث في العرض المباشر‪ ،‬يمكنه االعتماد على‬
‫األعمال المكتوبة للعلماء‪ ،‬والتجاوز عن أي جهود أخرى‪ ،‬مهما عظمت‪،‬‬
‫وللتمييز بين الدورين للعلماء‪ ،‬نذكر ما حدث لعلمين من االعالم‪ ،‬متشابهان‬
‫في بعض النواحي‪ ،‬ومختلفين في نواحي اخرى‪ ،‬جعلت الباحث يدرس واحدا‬
‫منهما‪ ،‬ويعرض عن اآلخر‪ ،‬وهما الشيخان؛ الترجمي في سلطنة دار وداي‪،‬‬
‫والشيخ عجلة في كانم ‪ -‬برنو‪ ،‬ففي حوالي‪1900‬م‪ ،‬عاش العالمان جميع‬
‫األحداث السياسية التي مرت على المنطقة‪ ،‬خاصة أحداث السيطرة الفرنسية‬
‫على حصتها من افريقيا‪ ،‬بناء على التقسيم الذي تم في مؤتمر برلين‪1885‬م‪،‬‬
‫فمواقف العالمان‪ ،‬تدل على أنهما من الفاعلين األساسيين في األحداث‬
‫السياسية التي مرت بها المنطقة‪ ،‬خاصة العالقة مع الفرنسيين‪.‬‬
‫فقد وجد الفرنسيون الشيخ عجلة‪ ،‬ضمن القياديين العسكريين‪،‬‬
‫لسلطان كانم ‪ -‬برنو في موقعة كسري الشهيرة‪ ،‬بينما وجدوا الشيخ الترجمي‬
‫سجينا في منطقة مرة بإقليم وداي‪ ،‬نتيجة لمواقفه السياسية من األحداث‬
‫السياسية‪ ،‬التي جرت في سلطنة دار وداي‪ ،‬خاصة موقفه الرافض لسلطان‬
‫وداي دودمرة‪ ،‬والمؤيد للسلطان أصيل‪.‬‬
‫فموقف كال الشيخين‪ ،‬معاصر للسيطرة الفرنسية على المنطقة‪ ،‬ولكن‬
‫التعبير عن هذه المواقف اختلف‪ ،‬حيث عبر الترجمي عن موقفه من خالل‬
‫عمل مكتوب‪ ،‬هو خطه لرسالة تبصرة الحيران من هول فتن الزمان‪ ،‬بينما‬
‫اكتفى الشيخ عجلة‪ ،‬بقبول وظيفة إمام في أنجمينا‪ ،‬ثم سلطان على المنطقة‬

‫‪19‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وضواحيها‪ ،‬ورغم التغير في وظيفة الشيخ عجلة في اإلمامة في الصالة‬


‫الجامعة‪ ،‬إال أن المهمة األخيرة أستمرت في ذريته إلى اليوم‪ ،‬وهذا أوضح‬
‫مثال لتفسير القاعدة التي سار عليها الباحث‪ ،‬في التمييز بين العلماء المنتقين‬
‫للعرض المباشر في هذه الدراسة‪.‬‬
‫أما العرض غير المباشر لبعض العلماء‪ ،‬فتجاوز فيه الباحث‪ ،‬شرط‬
‫العمل المكتوب‪ ،‬مع االحتفاظ بأولوية اإلشارة‪ ،‬إلى العلماء الذين تم ذكرهم‬
‫في اعمال مكتوبة معاصرة‪ ،‬أو قريبة من المعاصرة‪ ،‬مع التشديد على الموثوقية‬
‫في جميع األحوال‪ ،‬مثل‪ :‬أساتذة العالم المعروض‪ ،‬والعلماء المعاصرين له‪،‬‬
‫وتالمذته‪ ،‬إذا ورد ذكرهم في أعماله المكتوبة‪ ،‬وينطبق هذا المثال على عالم‬
‫مدينة منواشي‪ ،‬الشيخ أبو راس‪ ،‬الذي شهد عالمان معروضان في الدراسة‪،‬‬
‫بتلمذتهم على يديه‪ ،‬وهما الشيخان الترجمي في وداي وآدم جبر حلو في‬
‫بقرمية‪ ،‬فأخذ مكانته بجدارة‪ ،‬في اإلشارة إليه بطرق غير مباشرة‪ ،‬أثناء عرض‬
‫كال العالمين‪.‬‬
‫والعرض غير المباشر‪ ،‬أيضا درجات‪ ،‬فبعض العلماء تأثيرهم أكثر من‬
‫غيرهم‪ ،‬على سبيل المثال؛ الدولة الكانمية القديمة بعثت برسل وكتاب إلى‬
‫العالم اإلسالمي‪ ،‬أوردت الكتب التاريخية‪ ،‬اثنان من هموهما؛ إبراهيم الكانمي‬
‫إلى المنصور في المغرب‪ ،‬وادريس بن محمد إلى برقوق في الشرق‪ ،‬وكالهما‬
‫حمل وظائف ورسائل من سالطين الكانم‪ ،‬ولكن أثر ابراهيم الكانمي الكتابي‬
‫اقوى من أثر إدريس ابن محمد‪ ،‬رغم أن االثنين اقتضى انضمامهما إلى كتبة‬
‫البالط السلطاني‪ ،‬اإلشارة اليهما‪ ،‬بطريقة غير مباشرة‪ ،‬ولكن بمستويين‬
‫مختلفين‪ ،‬انطالقا من تأثير كل منهما في عصره‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫العناية باإلنتاج المؤثر ثقافيا وادبيا وسياسيا‪ ،‬وهذا ما يميز األعمال‬


‫الكتابية المتعدية‪ ،‬عن األعمال الكتابية الالزمة‪ ،‬فبعض كتبة الدواوين‬
‫السلطانية وكتاب السير الذاتية‪ ،‬بل حتى كتبة بعض القطع األدبية والفنية‪،‬‬
‫يذوب كتابها‪ ،‬في من كتبوا عنهم أولهم‪ ،‬وينسون أنفسهم‪ ،‬لدرجة ال يكون لهم‬
‫ذكر‪ ،‬فيما كتبوا‪ ،‬وبالتالي ليس لهم وال إلنتاجهم فاعلية أو تأثير‪ ،‬في األحداث‬
‫التي عاشوها‪ ،‬ولسوء الحظ‪ ،‬قبل أو رضي الكثير من العلماء في هذه‬
‫المنطقة‪ ،‬بهذه األدوار الهامشية في الكتابة أو العمل‪ ،‬فال تتجاوز أعمالهم‪،‬‬
‫وجود أسمائهم في سجالت الشهود في المحارم‪ ،‬أو سجالت الكتبة‪ ،‬أو ذكر‬
‫أسمائهم ضمن الحضور لبعض الوقائع‪ ،‬بينما القلة من العلماء الذين انبروا‬
‫وبرزوا في الكتابة‪ ،‬وظهرت شخصياتهم من خالل مواقفهم المتميزة‪ ،‬هم من‬
‫نعتني بأعمالهم‪ ،‬ونحلل أثرها في العصور واألحداث‪ ،‬وبالتالي يأخذون‬
‫الواجهة واإلمامة‪ ،‬وهذا ما نسميه باألعمال العلمية المتعدية لعلماء شاد‪.‬‬
‫فأعمال إبراهيم الكانمي االدبية‪ ،‬رغم أهميتها األدبية‪ ،‬لكن أثرها أقل‪،‬‬
‫إذا ما قيست بأعمال محمد األمين الكانمي‪ ،‬نظر التأثير رسائل وكتابات‬
‫األخير‪-‬السياسي على المنطقة ككل‪ ،‬مما جعل الباحث يعرضه كشخصية‬
‫رئيسية‪ ،‬بينما اكتفى الباحث بذكر الكانمي الشاعر‪ ،‬بطريقة غير مباشرة‪.‬‬
‫أما سمة العرض في إطار سعة األفق‪ ،‬فتظهر في أن العمل المتعدي‪،‬‬
‫الذي له عالقة تاريخية‪ ،‬تدل على االستمرارية‪ ،‬يختلف عن العمل المنقطع أو‬
‫العارض‪ ،‬فاألعمال المرتبطة بتاريخ المنطقة السابق‪ ،‬ولها امتداد نحو‬
‫المستقبل‪ ،‬مع احتفاظها بزخم الحاضر‪ ،‬رغم ندرتها‪ ،‬إال أنها األكثر أهمية عن‬
‫غيرها‪ ،‬وترفع أصحابها إلى الواجهة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فكتابة ابن فورتو‪ ،‬سنة ‪1578‬م‪ ،‬تدل على التواصل التاريخي‪ ،‬بإشارته‬
‫الذكية‪ ،‬على انتمائه للعالم محمد بن ماني‪ ،‬الذي يسبقه بحوالي خمسة قرون‪،‬‬
‫أي حوالي ‪1085‬م‪ ،‬بل عرض لمعلومات عن السلطان دونامة دبالمي‬
‫واصالحاته الفكرية في سلطنة كانم ‪ -‬برنو‪ ،‬وربطها باإلصالحات التي يقوم بها‬
‫السلطان إدريس الومة‪ ،‬المعاصر للشيخ أحمد بن فورتو‪ ،‬وهذا ما جعل‬
‫الباحث‪ ،‬يفرد ال بن فورتو مساحة أكبر‪ ،‬من المساحة التي اتاحها للشيخ‬
‫محمد ينبوع‪ ،‬رغم أن كليهما‪ ،‬كتبا عن سلطنة كانم ‪ -‬برنو‪ ،‬ولم تشفع لمحمد‬
‫ينبوع مكانته الرفيعة‪ ،‬باعتباره سليل العائلة السلطانية في كانم ‪-‬برنو‪ ،‬فعرض‬
‫األول في الصدارة‪ ،‬والثاني في الظل‪ ،‬بناء على هذه القاعدة في التمييز بين‬
‫الكاتبين‪.‬‬
‫مع األخذ في االعتبار‪ ،‬أن الهدف األساسي‪ ،‬من هذه الدراسة‪ ،‬هو‬
‫إبراز مكانة العلماء في المنطقة‪ ،‬والمحاولة العلمية لسد مثل هذه الثغرة‪،‬‬
‫يتطلب السعي نحو توفير الحدود الدنيا من الصدق والثبات في األدلة‬
‫والبراهين التي تعرض عن هؤالء العلماء‪ ،‬وهذا ما نعول عليه في هذا الجهد‬
‫المتواضع الذي نسعى أن يعزز في المستقبل بمخطوطات ووثائق عربية تنشر‬
‫عن علماء المنطقة‪ ،‬وبيد أبنائها األمناء في المقدمة‪ ،‬أو من من يعتنون بالعلم‬
‫للعلم في كل مكان‪ ،‬كما هو سائد اآلن في هذا الميدان‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل األول‪:‬‬
‫وظائف العلماء حول حبرية الشط‬

‫• التمهيد‬
‫أوال‪ :‬الوظائف الرتبوية والتعليمية للعلماء‬
‫حول حبرية الشط‬
‫ثانيا‪ :‬وظائف النشر السلمي لإلسالم‬
‫ثالثا‪ :‬الوظائف السياسية واالقتصادية‬

‫• اخلالصة‬

‫• املصادر واملراجع‬

‫‪23‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬التمهيد‬
‫قام العلماء في هذه المنطقة‪ ،‬بوظائف عديدة‪ ،‬جعلت مكانتهم في‬
‫المجتمع واضحة‪ ،‬لدرجة يصعب على كل مالحظ لحياة المجتمع تجاوزها‪،‬‬
‫منها‪ :‬الوظائف التربوية والتعليمية‪ ،‬التي تمثلت في عنايتهم الفائقة‪ ،‬بتطوير‬
‫نظام تربوي إسالمي في التربية والتعليم‪ ،‬من أجل تكوين وتدريب وتأهيل‪،‬‬
‫األجيال حسب حاجات المجتمع في العصور المختلفة‪ ،‬ساعدت هذه‬
‫الوظائف التربوية‪ ،‬على نشأة واستمرار وظائف النشر السلمي لإلسالم‪ ،‬وفق‬
‫أسس وقواعد منتقاة من المخزون اإلسالمي‪ ،‬جعلت القيام بالوظائف السياسية‬
‫واالقتصادية للعلماء حول بحيرة الشط‪ ،‬يتم بساللة وارتباط‪ ،‬جعلت قيام‬
‫سلطنات إسالمية‪ ،‬مرتكزة على سلطان تقي وعالم مستغن‪ ،‬أمرا مثيرا‬
‫للتساؤل‪ ،‬لدى الكثير من الزوار األجانب للمنطقة‪.‬‬
‫أوال‪-‬الوظائف التربوية والتعليمية للعلماء حول بحيرة الشط‬
‫يقوم التعليم اإلسالمي في كانم‪-‬برنو‪ ،‬على مقومات أهمها‪ :‬وجود نظام‬
‫تربوي متكامل‪ ،‬فيه نظام مرتب بعناية متقنة‪ ،‬ومخرجات لدرجات علمية‬
‫متميزة‪ ،‬تؤدي وظائف ومناصب نظرية وعملية‪ ،‬معتبرة في سلطنة كانم‪-‬برنو‪،‬‬
‫ومن البراهين على دقة التعليم اإلسالمي‪ ،‬إثباته في وثائق تاريخية رسمية‪ ،‬كتبها‬
‫السالطين من أجل تعزيز مكانة العلم والعلماء في قيادة المجتمع‪ ،‬أستمر‬
‫االلتزام بمضمونها وشكلها‪ ،‬ألكثر من ثمانية قرون‪ ،‬من القرن الحادي عشر‬
‫إلى بداية القرن التاسع عشر (‪1806-1086‬م)‪ ،‬وظل تأثيرها في الحياة‬
‫التعليمية والسياسية إلى اليوم‪.‬‬
‫يذكر الباحثون في الشؤون اإلفريقية‪ ،‬أن التاريخ اإلفريقي العام‪ ،‬قد‬
‫استعان بالوثائق التاريخية‪ ،‬التي خطت باللغة العربية واألعجمية بالحرف‬

‫‪24‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫القرآني‪ ،‬وظهر ذلك في أعمال اللجنة العلمية التي شكلت من منظمة التربية‬
‫والعلوم والثقافة(اليونسكو)‪ ،‬فيذكر مختار امبو مدير هذه المنظمة آنذاك‪ ،‬أنها‬
‫عكفت حوالي خمس سنوات(‪1969-1965‬م) من بين أعمال بحثية‬
‫أخرى‪ ،‬لدراسة الوثائق والمخطوطات التاريخية العربية واألعجمية‪ ،‬التي كتبت‬
‫حول التاريخ اإلفريقي‪( .‬أمبو‪،‬ج‪)1،11‬‬
‫وهنا تجدر اإلشارة إلى جهود رجال من المؤرخين الوطنيين المحليين‪،‬‬
‫أرخوا لبالدهم بلغتهم العربية ولغة دينهم اإلسالم‪ ،‬الذي اعتنقوه وأخلصوا له‪،‬‬
‫وكانت جل مؤلفاتهم أصابها الدمار والضياع‪ ،‬ومما وصل إلينا من أعمالهم‬
‫وكتبهم ومخطوطاتهم ووثائقهم‪ ،‬ما أشارت إليه هذه اللجنة الدولية التي أعدت‬
‫أعمالها في ثمان مجلدات‪ ،‬حوت األصالة واألهمية التاريخية للوثائق العربية‬
‫في التاريخ اإلفريقي‪.‬‬
‫ومن أهم الوثائق في سلطنة كانم‪-‬برنو اإلسالمية‪ ،‬المحارم‪ :‬وهي‬
‫المراسيم التي كان يصدرها الحكام في حق العلماء‪ ،‬وقد استفاد المؤرخون‬
‫منها‪ ،‬األمر الذي جعل بالمر ‪ PALMER‬يترجمها إلى اإلنجليزية في كتابه‬
‫صحاري برنو‪ ، The Bornu Sahara and Sudan‬فالقيمة‬
‫التاريخية لهذه الوثائق ال شك فيها‪ ،‬ألن االستفادة مما خلفه هؤالء العلماء من‬
‫معلومات تاريخية‪ ،‬ما تزال جارية إلى الجيل المعاصر‪(.‬سراج الدين‪)1،‬‬
‫والمحرم‪(:‬وجمعها محارم) وهو خطاب امتياز وراثي‪ ،‬كان سالطين‬
‫كانم‪ -‬برنو‪ ،‬يعطونه للعلماء وساللتهم‪ ،‬مقابل خدمات أدوها‪ ،‬يعفون بموجبه‬
‫من الضرائب أو الخدمة العسكرية‪ ،‬مثل‪ :‬واجبات الضيافة للحكام ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬وقد اشتهرت كانم‪-‬برنو بكثرة ما أصدره سالطينها من محارم‪ ،‬إذ كانوا‬
‫يمنحونه لكبار العلماء وأسرهم إظهار لعنايتهم بالعلم والعلماء‪ ،‬وكل المحارم‬

‫‪25‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫صدرت باللغة العربية‪ ،‬وكانت تذاع على الشعب‪ ،‬لكي يعرف ما جاء بها‪،‬‬
‫ويعمل على احترامها وتنفيذها‪(.‬الصاوي‪)378،‬‬
‫والنموذج العملي لألهمية التاريخية للمحارم‪ ،‬باعتبارها وثائق أصلية‬
‫للكتابة التاريخية عن كانم‪ -‬برنو‪ ،‬ما أشار إليه المؤرخ الطيبي‪ ،‬حيث قال‪" :‬‬
‫إن ديوان سالطين برنو‪ ،‬هو التاريخ الرسمي لألسرة السيفية المالكة في كانم‬
‫منذ تأسيسها في حدود عام ‪800‬م‪ ،‬إلى نهاية األسرة سنة‪1846‬م‪ ،‬وجاء في‬
‫هذا الديوان‪ ،‬أن أول من أسلم من ملوك األسرة‪ ،‬هو حمي بن سلمة حكم‬
‫حوالي ‪1097-1085‬م‪ ،‬ويؤيد ذلك‪ ،‬محرم أصدره حمي لشريف اسمه‬
‫محمد بن ماني‪ ،‬الذي كان إسالم السلطان على يديه‪ ،‬وأصبحت ذريته أئمة‬
‫نجيمي ثم قازار جامو‪ ،‬وهو يتعلق بمنح صاحبه امتيازات موروثة‪ ،‬كاإلعفاء من‬
‫الضرائب والخدمة العسكرية واالستضافة‪ ،‬وينص محرم حمي المذكور على أن‬
‫أموال محمد بن ماني "حرام" على أبناء حمي إلى يوم القيامة"‪(.‬الطيبي‪)1،‬‬
‫أقام المسلمون فيكانم‪-‬برنو‪ ،‬نظاما تعليميا إسالميا‪ ،‬ظهرت معالمه مع‬
‫ازدهار السلطنات اإلسالمية في المنطقة في القرن الحادي عشر الميالدي‪،‬‬
‫وله من المراحل التعليمية ما يلي‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬وفيها يتم تعليم النشء المسلم مبادئ القراءة والكتابة‬
‫وحفظ أجزاء من القرآن الكريم‪ ،‬ويستعين الصبيان في هذه المرحلة باأللواح‬
‫الخشبية‪ ،‬وغالبا ما يتلقى األطفال هذا التعليم األولى في الفصول والحلقات‬
‫الملحقة بالجوامع والمساجد‪ ،‬ومن هنا جاءت تسميته بالمسيج‬
‫القرآني(تصغير مسجد)‪.‬‬
‫فنظرا للمكانة التي يوليها السالطين عامة للعلم والعلماء‪ ،‬انبرى جزء‬
‫منهم إلى طلب العلم‪ ،‬وشقوا طريقهم إلى مراكز العلم والثقافة في البلدان‬

‫‪26‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫اإلسالمية سيرا على األقدام‪ ،‬وإذا ما أتموا دراستهم في الدين والشريعة‬


‫اإلسالمية واللغة العربية‪ ،‬رجعوا إلى بالدهم دعاة ومعلمين ينشئون المدارس‬
‫التي يحضر إليها الطالب لحفظ القرآن‪ ،‬والتفقه في الدين وشعائره‪ ،‬والتزود‬
‫بقواعد اللغة العربية‪ ،‬وقد يختلف المنهج الدراسي الذي يعطى للطالب من‬
‫مدرسة إلى أخرى في الزمن السابق‪ ،‬ومن وقت إلى آخر‪ ،‬إال أن إطاره العام‬
‫يتكون من إعطاء الطالب في البداية دروسا في القراءة والكتابة على األلواح‬
‫وهذه الدروس جلها عبارة عن مختارات من القرآن الكريم‪ ،‬وعادة يبدأ‬
‫الطالب قراءته من الصور القصار ثم يتدرج إلى السور الطوال خاصة في‬
‫الختمة األولى للقرآن‪ ،‬ثم يرجع من السور الطوال إلى القصار‪ ،‬ويركز‬
‫المعلمون منذ المرحلة األولى على أن يحفظ الطالب شيئا من القرآن في‬
‫صغره‪ ،‬فهم يرددون كثيرا القول المأثور‪ ( :‬العلم في الصغر كالنقش في‬
‫الحجر)‪ ،‬ولذلك فالطالب النابه هو الذي يستطيع حفظ القرآن في مراحله‬
‫األولى‪ ،‬ثم تأتي في منهجهم علوم القرآن األخرى وأهمها تجويد القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬ويجود القرآن في هذه المنطقة بطريقة خاصة‪ ،‬فمع أن الروآية األكثر‬
‫انتشارا هي روآية ورش عن نافع‪ ،‬إال أن لعلماء القراءات هنا طرقا متعددة‬
‫ومتميزة في التجويد‪ ،‬وهناك طريقة خاصة إلحصاء المعلومات األساسية لكي‬
‫يكون الحافظ مجازا في علوم القرآن الكريم فهو يحتاج إلى حساب لوقف‬
‫القرآن‪ ،‬يوضع في البداية في كل ثمن أو ربع – حسب ما يستطيع المتعلم‬
‫استيعابه وكتابته على لوحه ‪ -‬وقواعد اإلمالء التي يركز عليها كثيرا أثناء النظر‬
‫إلى اللوح من قبل المعلم كل يوم‪ ،‬وعلى مرأى من القراء اآلخرين‪ ،‬الذين لهم‬
‫الحق في التنقيب عن أي خطأ إمالئي أو غيره واإلشارة إليه ليصحح من قبل‬

‫‪27‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المعلم‪ ،‬وهي عملية تطلب الكثير من التدقيق والمنافسة‪ ،‬وحساب السور‪،‬‬


‫وعدد آياتها‪ ،‬والكلمات واآليات الفردية والثنائية والمتكررة‪.‬‬
‫وتتم كل هذه األعمال بحساب الحروف بصورة مضبوطة ومحكمة‪،‬‬
‫وبالتالي فهي تتطلب وقتا طويال‪ ،‬ومقدرة كبيرة على الحفظ‪ ،‬ومن المالحظات‬
‫الهامة أن طريقة القيم العددية للحروف العربية األكثر انتشارا عند القراء حول‬
‫بحيرة الشط هي طريقة ( أبجد ) المنتشرة في سائر البالد العربية في حساب‬
‫الجمل المعروف وليست طريقة ( أبقش ) المنتشرة عند المغاربة‪ ،‬رغم أن‬
‫الخط العربي األكثر انتشارا هو الخط المغربي‪.‬‬
‫أما مرحلة التعليم اإلسالمي الثانية‪ :‬فهي المتوسطة‪ ،‬وتتمثل في العناية‬
‫بتجويد القرآن الكريم‪ ،‬وشيء من الفقه واللغة العربية بفروعها المختلفة‪،‬‬
‫وشيء من الحساب والفلك والسيرة‪ ،‬وقد ينتهي مثل هذا التعليم المتوسط‪،‬‬
‫بإجازة يمنحها المعلم‪ ،‬بعد أن ينال شيئا من التمر أو الحبوب أو الماشية‪،‬‬
‫نظير إيصاله للطفل أو التلميذ إلى هذه المرحلة المتوسطة من التعليم‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫وبعد أن يقطع الطالب شوطا في علوم القرآن ينتقل إلى الفقه اإلسالمي‬
‫وهناك كتب تدرس في هذه المنطقة بالتدريج مثل‪ :‬كتاب العشماوي‬
‫واألخضري ورسالة أبي زيد القيرواني إلى أن يصل الطالب إلى مختصر خليل‪،‬‬
‫ومنهم من يصل إلى مدونة مالك وشرحها‪ ،‬وبعده ينتقل إلى دراسة الحديث‬
‫مبتدئا بحديث األربعين‪ ،‬ثم أبي جمرة ورياض الصالحين إلى الصحاح الستة‪،‬‬
‫وهنا يمكن للطالب أن يتعلم كتب التفسير‪ ،‬ويبدأ عادة بتفسير الجاللين‪ ،‬ثم‬
‫تفسير ابن عباس وابن كثير ويحصل الطالب المجد في إعداده في بعض‬
‫األحيان إلى دراسة النحو وعلوم اللغة العربية المختلفة‪ ،‬فقد لوحظ أن‬

‫‪28‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫للمثقفين بالعربية في هذه المنطقة عناية خاصة بإتقان اللغة العربية‪ ،‬ألنها اللغة‬
‫التي تكتب بها الكتب الدينية‪ ،‬وقد بلغت عندهم حد الغنى والجمال‪ ،‬فمجرد‬
‫إتقانهم لها صبح لغة التخاطب المفضلة للتفاهم داخل شريحة المثقفين‪،‬‬
‫وتستخدم دراسة اللغة العربية كمقدمة لدراسة األدب العربي‪ ،‬بل أدب في حد‬
‫ذاتها‪ ،‬وهي إلى جانب ذلك لغة شريعة وقانون مكتوبة‪.‬‬
‫و في مرحلة التعليم اإلسالمي الثالثة‪ :‬وهي التعليم العالي‪ ،‬فالمتبع في‬
‫النظام التعليمي اإلسالمي في كانم‪-‬برنو‪ ،‬أن يتلقى العلوم اإلسالمية المتاحة‬
‫محليا على يد علماء أتيحت لهم الفرصة في تلقي هذه العلوم من مصادر‬
‫وعلماء من المنطقة أو المناطق المجاورة‪ ،‬أو من علماء زائرون‪ ،‬أو أن يرحل‬
‫طالب العلم اإلسالمي إلى المراكز والجوامع والحلقات الكبرى‪ ،‬مثل األزهر‬
‫وتومبكتو والقيروان والزيتونة‪ ،‬حيث يجلس األستاذ على كرسي عال أو متكئا‬
‫على عمود من أعمدة المساجد‪ ،‬ويجلس حوله الطالب‪ ،‬وفي هذه الحلقات‬
‫الدراسية‪ ،‬يناقش التالميذ كتابا من أمهات الكتب ويعلقون عليه‪ ،‬تحت إشراف‬
‫أستاذهم أو أساتذتهم‪.‬‬
‫يدل على هذا النظام التعليمي اإلسالمي‪ ،‬المحارم السلطانية‪ ،‬أهمها‬
‫محرم خطه سلطان كانم‪-‬برنو حمي جمي(حكم حوالي‪1097 -1086‬م)‪،‬‬
‫للعالم محمد بن ماني‪ ،‬نظير تعلمه منه‪ ،‬لمحتويات من النظام التعليمي‪ ،‬تجسد‬
‫في آيات من القرآن الكريم‪ ،‬ومبادئ العلوم الدينية والسيرة النبوية‪ ،‬وهذا‬
‫المحرم أو المرسوم السلطاني من أقوى األدلة المادية‪ ،‬على وجود نظام تربوي‬
‫إسالمي في سلطنة كانم ‪-‬برنو في ذلك الزمان‪ ،‬لتضمنه معظم مكونات النظام‬
‫التعليمي‪ ،‬من محتوى للمادة التعليمية‪ ،‬ومعلم‪ ،‬ومتعلم‪ ،‬وسلطة سياسية عليا‪،‬‬
‫تقر وترعى هذه المكونات التعليمية‪ ،‬باإلضافة إلى حوافز تربوية‪ ،‬تتضمن رعآية‬

‫‪29‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫مادية ومعنوية للمعلم وورثته‪ ،‬يسعى المعلم للحصول عليها في النظم التعليمية‬
‫الحديثة‪(.‬ابن ماني‪ ،‬المحارم‪ ،‬ورقة أ)‬
‫أوردها بالمر في كتابيه‪The Memoirs, The Bornu :‬‬
‫‪Sahara and Sudan.‬عددا من الوثائق العربية‪ ،‬أهمها ما أطلق عليه‬
‫سالطين كانم –برنو اسم "محارم" ليشيروا إلى تلك االمتيازات التي يمنحونها‬
‫للعلماء عندهم‪.‬‬
‫ونشير هنا إلى واحد منها‪ ،‬وهو محرم السلطان حمي جمي(‪-1086‬‬
‫‪1097‬م)‪ ،‬والذي تضمن‪ :‬محتوى تعليمي‪ ،‬ومعلم‪ ،‬ومتعلم‪ ،‬ومكافآت عينية‬
‫ومعنوية‪ ،‬وتعهد بنقل ونشر المتعلم‪ ،‬لما تعلم من محتوى‪ ،‬ألوسع نطاق‬
‫ممكن‪.‬‬
‫فقد علم ودرس‪ ،‬المعلم محمد بن ماني‪ ،‬خمسة من سالطين كانم‪-‬برنو‬
‫اآلتية أسماؤهم‪:‬‬
‫‪-1‬السلطان بولو(حكم حوالي ‪1020‬م)‪ ،‬علمه القرآن الكريم من‬
‫سورة السلطان إلى الناس‪ ،‬وكافأه بخمسين جمال‪.‬‬
‫‪-2‬السلطان أركي(حكم حوالي ‪1035‬م)‪ ،‬علمه القرآن الكريم من‬
‫سورة يس إلى الناس‪ ،‬وكافأه بستين جمال‪.‬‬
‫‪-3‬السلطان كاد((حكم حوالي ‪1075‬م)‪ ،‬علمه القرآن الكريم من‬
‫سورة يس إلى الناس‪ ،‬كافأه بسبعين جمال‪.‬‬
‫‪-4‬السلطان عبد الجليل(حكم حوالي ‪1077‬م)‪ ،‬علمه القرآن الكريم‬
‫من سور األعراف إلى الناس‪ ،‬كافأه بثمانين جمال‪.‬‬
‫‪-5‬أما السلطان حمي جمي‪ ،‬الموقع على المحرم(حكم حوالي‬
‫‪1097-1086‬م)‪ ،‬فقد علمه القرآن الكريم كله‪ ،‬وزاد عليه سيرة النبي‬

‫‪30‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وقد منح معلمه محمد بن ماني‪ ،‬مكافآت تفوق‬
‫سابقيه‪ ،‬المادية منها والمعنوية‪ ،‬فقد منحه مائة من البعير‪ ،‬ومائة قطعة ذهبية‪،‬‬
‫ومائة قطعة من الفضة‪ ،‬ومائة من الخدم‪ ،‬ومكافآت معنوية‪ ،‬أهمها‪ :‬أمر بحرمة‬
‫أمواله ودمه وأسرته إلى يوم الدين‪ ،‬وأوصى أبناءه والسالطين القادمين في‬
‫سلطنة كانم‪ -‬برنو بااللتزام بهذا المحرم‪ ،‬وتوعد من يتجاوزه بأشد العقوبات‪،‬‬
‫وتحمل السلطان حمي جمي مسؤولية تبليغ ما تعلمه من معلمه إلى الناس‬
‫أجمعين‪ ،‬وقد وفى بما وعد‪ ،‬فقد استشهد في المياه المصرية في أحد عوداته‬
‫من الحج‪ ،‬ودعا على من يعتدي على معلمه محمد بن ماني وأسرته بالحرق‬
‫في نار جهنم‪( .‬طرخان‪ ،69-67،‬و ‪)PALMER.P،13‬‬
‫والمحارم إذن‪ ،‬تعطي امتيازات‪ ،‬وتمنح صاحبها اإلعفاء من الضرائب‪،‬‬
‫في األموال الثابتة والمنقولة والدخول إلى السلطان في اغلب األوقات‪ ،‬وقبول‬
‫بعض الشفاعات‪ ،‬وكلها امتيازات تقوي من مكانة العلماء في السلطنة‪( .‬ابن‬
‫فرطوا‪ ،‬ص ‪) 132‬‬
‫وقد افتخر سالطين كانم –برنو بنظامهم التعليمي اإلسالمي‪ ،‬فأوردوه‬
‫في ديوانهم العظيم‪ ،‬والذي سجلوا فيه أيامهم الخالدة‪( .‬فقرة ب من الديوان‪،‬‬
‫ورقة‪)18‬‬

‫‪31‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ورقة‪ 18‬من مخطوظةديوان سالطين برنو‬

‫‪School of oriental and African studies,‬‬


‫‪LONDON,fol. 18b‬‬
‫وكانت عناية سالطين كانم –برنو‪ ،‬بمدخالت النظام التعليمي اإلسالمي‬
‫لديهم‪ ،‬المتمثلة في طالب العلم ومؤسساته‪ ،‬ال تقل عن عنايتهم بمخرجاته من‬
‫العلماء‪ ،‬المشار إليها سابقا‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فقد أجروا على مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬األموال من بيت‬


‫المال والزكوات واألوقاف والهبات‪ ،‬ومدرسة ابن رشيق التي بناها سلطان‬
‫كانم‪ -‬برنو للعناية بالبعثة التعليمية الكانمية في األزهر الشريف‪ ،‬خير دليل‬
‫على الرعآية السلطانية لمؤسسات التعليم العربي اإلسالمي في كانم‪ -‬برنو‬
‫وخارجها‪.‬‬
‫ويحدثنا المقريزي عن مدرسة ابن رشيق قائال‪ " :‬مدرسة ابن رشيق بخط‬
‫حمام الريس من مدينة مصر‪ ،‬كان الكانم لما حلوا بأرض مصر في سنة بضع‬
‫وأربعين وستمائة قاصدين الحج دفعوا للقاضي علم الدين بن رشيق ماال بناها‬
‫به‪ ،‬ودرس بها فعرفت به‪ ،‬وصار لها في بالدهم سمعة عظيمة‪ ،‬فكانوا يبعثون‬
‫إليها في غالب السنين بالمال"‪( .‬الدكو‪ ،‬ص ص ‪) 115 -114‬‬
‫ومن هذه المؤسسات التعليمية‪ ،‬تخرج علماء من أمثال‪ :‬أحمد بن‬
‫فورتوا‪ ،‬الذي سجل مالحم السلطان إدريس ألومة‪( .‬ابن فوتوا‪ ،‬ص‪)5‬‬
‫والشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬الذي دافع بقلمه وسيفه عن سلطنة‬
‫كانم‪ -‬برنو‪ ،‬من خالل الرسائل المتبادلة بينه وسالطين سكتو‪ ،‬التي أوردها‬
‫محمد بلو في كتابه إنفاق الميسور‪ ،‬ومخطوطه نصيحة الحكام‪( .‬الكانمي‪،‬‬
‫ص‪)2‬‬
‫وهذا يعني‪ ،‬أن هذا البحث قد استفاد من دراسة المحارم في سلطنة‬
‫كانم‪-‬برنو على التدليل على التالي‪:‬‬
‫وجود نظام تربوي عربي إسالمي (طالب ‪ +‬معلم ‪ +‬منهج ‪ +‬سلطة‬
‫سياسية راعية) في سلطنة كانم‪-‬برنو منذ القرن الحادي عشر(‪1087‬م)‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫إثبات مكانة العلم والعلماء في سلطنة كانم‪-‬برنو‪ ،‬في شكل تبني‬


‫ورعاية كاملة للنظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬واعتباره جزء أساسي من الهرم‬
‫السياسي للسلطنة‪.‬‬
‫ج ‪-‬الدليل على وجود طبقة من العلماء‪ ،‬إمتد تأثيرها في هيكل السلطة‬
‫ماني إلى اإلمام أحمد بن‬ ‫السياسية‪ ،‬منذ أيام العالم محمد بن‬
‫فرطوا(‪1591-1087‬م)‬
‫د‪ -‬ظلت مناصب العلماء(معلم‪ ،‬إمام‪ ،‬قاضي‪ ،‬مستشار‪)...‬مرتبطة‬
‫ارتباطا عضويا بالسلطة السياسية في كانم‪-‬برنو‪ ،‬وهذا ما يفسر االنتقال‪-‬شبه‬
‫السلمي‪ -‬للسلطة السياسية في السلطنة‪ ،‬من األسرة السيفية إلى األسرة‬
‫الكانمية‪ ،‬أيام الشيخ‪/‬محمد األمين الكانمي في القرن التاسع عشر؟‬
‫وتعطينا اإلشارات العلمية السابقة‪ ،‬الفرصة إلى التطلع إلى اآلفاق‬
‫العلمية المستقبلية التالية‪:‬‬
‫دراسة لمخطوطات المحارم‪ ،‬لنتتبع فيها قصة مخطوطات المحارم‪ ،‬منذ‬
‫أن عثر عليها الرحالة والمستكشف األلماني هنري بارث ‪Heinrich‬‬
‫‪Barth‬حوالي العام ‪1853‬م‪ ،‬والعالم البريطاني بالمر‪ ،‬حوالي ‪1936‬م‪،‬‬
‫وكيف انتقلت تلك المخطوطات‪ -‬أو باألحرى نسخ منها‪ -‬لبعض المكتبات‬
‫األوروبية‪ ،‬ومن هو أول من اعتمد عليها وأشاعها بين المختصين والمهتمين‪،‬‬
‫تمت ترجمتها للغات األوروبية‪ ..‬إلى غير ذلك من المعطيات المفيدة‬
‫ثم كيف ّ‬
‫في التأصيل التاريخي للمحارم‪ ،‬ومثل هذا العمل‪ -‬في األعراف األكاديمية ‪-‬‬
‫أهم ما‬
‫ولعل ّ‬
‫يندرج ضمن وظائف الكوديكولوجيا (علم دراسة المخطوطات)‪ّ ،‬‬
‫نستخلصه مما تق ّدم‪ :‬أننا ال نتوفر على أصول أو مسودات عن المحارم ؛‬
‫نسخ منها ال غير‪.‬‬
‫وإنما فقط على ٍ‬

‫‪34‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫جمع المحارم وحصرها‪ ،‬وتحديد الخزائن التي تتوفر نسخ عنها‪ ،‬وما‬
‫إذا كانت خزائن عامة أم خاصة‪ ،‬والبلدان التي ترعاها وتحفظها‪ ،‬في محاولة‬
‫جادة‪ ،‬إلحصائها من حيث الكم العدد‪ ،‬والكيف المحتوى‪ ،‬فمن حيث العدد‪،‬‬
‫المحارم عند أول من عثر عليها ال تتجاوز محارم بن فرطوا‪ ،‬وأوصل عددها‬
‫بالمر إلى حوالي ‪ 20‬محرما‪ ،‬بينما لم تتجاوز األعداد التي عرضت في أعمال‬
‫علمية بالعربية‪ ،‬إال محرم واحد عرضه طرخان(‪1975‬م)‪ ،‬ثم عرض الدكو‬
‫محرما آخر(‪1981‬م)‪ ،‬واعترف باحث محلي‪ ،‬هو إدريس أبا‬
‫محمد(‪2006/2005‬م) بوجود نسخة واحدة أمامه بالعربية‪.‬‬
‫بينما اعتمد البحث الحالي على خمسة محارم بالعربية‪ ،‬تم العثور عليها‬
‫في ورشة علمية في جامعة كيب تاون بجنوب إفريقيا سنة ‪2015‬م‪ ،‬من‬
‫باحثين ينتمون إلى جنسيات أوربية (بريطانيا‪ ،‬فرنسا‪ ،‬هوالندا‪ ،‬إيطاليا) مهتمون‬
‫بالمخطوطات العربية حول بحيرة الشط‪ ،‬ومن ثم أودع الباحث‪ ،‬نسخا ورقية‬
‫وإلكترونية في مركز البحوث والدراسات اإلفريقية بجامعة الملك فيصل في‬
‫نفس الفترة‪ ،‬وهذا يدل على إمكانية الحصول على نسخ أخرى من‬
‫مخطوطات المحارم من أوروبا‪ ،‬ومخازن أخرى للوثائق والمخطوطات‪ ،‬خاصة‬
‫في شاد ونيجيريا والكمرون والنيجر ومالي‪.‬‬
‫ج‪ -‬دراسة الجوانب السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية‬
‫للمحارم‪ ،‬باعتبارها من أقدم الموروثات الشادية‪ ،‬التي تتطلب العناية والرعاية‪،‬‬
‫من الجهات الرسمية والشعبية‪ ،‬خاصة الباحثين العلميين في الشؤون الشادية‪،‬‬
‫لالنطالق منها إلزالة الغموض‪ ،‬في اإلرث الثقافي الشادي‪ ،‬الذي يراد له‪ ،‬أن‬
‫ال يرجع‪ ،‬إال إلى الحقبة االستعمارية الفرنسية فقط(‪1900‬م‪ ،)--‬بينما تعطي‬
‫دراسة المحارم‪ ،‬إضاءة على جوانب الحياة المختلفة حول بحيرة الشط‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ألكثر من ثمانية قرون‪ ،‬قبل االحتكاك بالثقافة الفرنسية‪ ،‬ومثل هذا الجهد‪ ،‬من‬
‫الممكن أن يعد استكماال‪ ،‬لجهود علماء مثل‪ :‬ديرك النج‪ ،‬الذي اعتمد على‬
‫الوثيقة والمخطوطة العربية لديوان سالطين كانم‪-‬برنو‪ ،‬لتتبع الحقب التاريخية‬
‫المختلفة لحكم األسرة السيفية‪ ،‬واستدل من خاللها‪ ،‬على أن أطول مدة‬
‫ألسرة واحدة استمرت في الحكم بصورة متصلة‪ ،‬هي ما حصل لألسرة السيفية‬
‫في كانم‪-‬برنو‪(.‬النج‪)271-248 ،‬‬
‫فما الذي يمكن أن تضيفه دراسة مخطوطات المحارم لآلفاق‬
‫المستقبلية‪:‬‬
‫أ‪-‬مظاهر الهوية الثقافية التاريخية حول بحيرة الشط‪.‬‬
‫ب‪-‬النظام السياسي العريق الداعم للتعليم اإلسالمي‪ ،‬بدليل تخرج‬
‫وانتماء أكبر هرم فيه‪ ،‬وهو السلطان إليه‪ ،‬واعترافه بفضل تلقيه العلم والثقافة‬
‫من علماء محليين‪.‬‬
‫ج‪ -‬وضوح أثر مخرجات النظام التربوي‪ ،‬واالعتراف بمكانتهم محليا‬
‫في هذه المحارم‪ ،‬وخارجيا في المناطق المجاورة والبعيدة‪ ،‬ويضرب المثل‬
‫بسفارة األديب‪/‬محمد إبراهيم الكانمي إلى مراكش‪ ،‬وتميزه لدى أقرانه هناك‬
‫في المغرب العربي‪ ،‬وزيوع صيته وإنتاجه األدبي في كتب المشارقة أيضا‪ ،‬منذ‬
‫القرن السادس عشر الميالدي‪( .‬ابن شريفة‪ ،‬ص ص‪) 24-21‬‬
‫د‪ -‬وضع لبنة ونموذج لدراسة الوثائق والمخطوطات العربية األخرى‬
‫مثل‪ :‬أعمال اإلمام أحمد بن فرطوا‪ ،‬والشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬والشيخ‬
‫محمد الوالي بن سليمان الباقرمي‪....‬‬
‫ه‪ -‬دراسة األدوار السياسية واالجتماعية والثقافية التي قام بها العلماء‬
‫في السلطنات اإلسالمية‪ ،‬من خالل إنتاجهم الثقافي والعلمي واألدبي‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومجمل القول‪ ،‬أن النظام التعليمي اإلسالمي في السلطنات اإلسالمية‪،‬‬


‫لم يكن يؤدي أهدافه في التربية الدينية واألخالقية فقط‪ ،‬بل كان يؤدي‬
‫أغراضه العملية في خدمة السلطنات اإلسالمية‪ ،‬من تلبية الحتياجاتها من‬
‫األطر المثقفة‪ ،‬من الكتبة والعاملين في البالط السلطاني‪ ،‬وإعداد األمراء‬
‫الذين هم سالطين المستقبل ومعاونيهم‪ ،‬الذين يشترط فيهم التعليم األولي‬
‫والمتوسط‪ ،‬ولوحظ في هذه السلطنات إعطاء عناية كبيرة‪ ،‬بتكوين طبقة عليا‬
‫من العلماء والمتخصصين‪ ،‬للتعامل مع السلطنات الكبرى في المراكز‬
‫اإلسالمية‪ ،‬التي كان للسلطنات في وسط إفريقيا عالقات قوية معها‪ ،‬ويضرب‬
‫المثل هنا‪ ،‬بالمستوى العلمي الرفيع الذي كان عليه النحوي والشاعر إبراهيم‬
‫الكانمي (ولد في كانم سنة‪550‬ه‪،‬وصل ضمن سفارة كانمية إلى الحضرة‬
‫المراكشية سنة‪594‬ه)‪ ،‬الذي عرف في المغرب واألندلس‪ ،‬وهو من خريجي‬
‫النظام التعليمي اإلسالمي في كانم‪-‬برنو‪ ،‬وكان يحكم في زمنه السلطان سلمي‬
‫الذي حكم سلطنة كانم اإلسالمية من سنة(‪617-591‬ه)‪( .‬ابن شريفة‪ ،‬ص‬
‫ص‪) 24-21‬‬
‫أنتجت الخبرات والتجارب للقائمين على تعليم إسالمي حول بحيرة‬
‫الشط (كانم‪-‬برنو)‪ ،‬تطوير عدد من الطرق لتعليم إسالمي‪ ،‬تبدأ هذه الطرق‬
‫من التلقين‪ ،‬وتتدرج حسب ملكات الطالب إلى اإلمالء الشفوي وطريقة‬
‫العرض‪ ،‬ثم الكتابة من المصحف والمناظرة وطرق تثبيت الحفظ المتنوعة‬
‫والتي أهمها التكرير والمناظرة‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أ‪-‬طريقة التلقين‪.‬‬
‫وهي من أهم الطرق التي تستخدم في التعليم اإلسالمي‪ ،‬وتظهر‬
‫أهميتها في المراحل األولى للتحفيظ‪ ،‬حيث يقوم المعلم أو من يقوم مقامه من‬
‫التالميذ الكبار‪ ،‬بتلقين المبتدئ آيات من القرآن الكريم‪ ،‬ويحفظ منها آية‬
‫آية‪ ،‬وفي الغالب يلقن في البداية السور القصار‪ ،‬وتجزأ هي أيضا إلى آيات أو‬
‫أجزاء صغيرة‪ ،‬وبعد أن تحفظ بالتلقين مجزأة يتم جمعها‪ ،‬ويتم التركيز بشدة‬
‫على مخارج الحروف والنطق السليم لكل حرف أو صوت‪ ،‬ويالحظ بدقة أن‬
‫ال يلقن التلميذ في هذه المرحلة أي جزء من القرآن بطريقة غير مناسبة‪ ،‬وهذا‬
‫ما يجعل بعض الحفاظ يركزون ويسألون عن من علّم أو لقن التلميذ في‬
‫البداية‪ ،‬فإذا عرفوا أن من لقنه في البداية وعرفوا مكانته العلمية‪ ،‬ومدى إتقانه‬
‫لتلقينه األولى لتالميذه‪ ،‬وعدم التهاون في المراحل األولى للتلقين‪ ،‬اطمأنوا‬
‫على مسيرة الطالب‪ ،‬والفرص المتاحة أمامه للتقدم في حفظ القرآن الكريم‪،‬‬
‫والعكس صحيح‪ ،‬فالشيخ الذي يوكل عملية التلقين األولى لغيره‪ ،‬ويتجنب‬
‫صعوبات تلقين طالبه في البداية يصعب عليه تعديل لسانهم فيما بعد‪.‬‬
‫وتصاحب عملية التلقين تعلم الكتابة‪ ،‬فبعد أن يتعلم التلميذ الحروف‬
‫الهجائية والكلمات التي تتكرر اكثر من غيرها في القرآن الكريم‪ ،‬يسمح له أن‬
‫يتدرب على الكتابة‪ ،‬في البداية على األرض‪ ،‬ثم على لوح يصلح للكتابة‬
‫بحروف كبيرة‪ ،‬ويتدرج تلقين الكتابة أيضا‪ ،‬حيث تكتب له آية واحدة‬
‫فيحفظها‪ ،‬مع التركيز على معرفة تركيب الكلمات‪ ،‬وبالذات الكلمات النادرة‬
‫أو التي يكتبها ألول مرة‪ ،‬فتوضح له طبيعتها‪ ،‬وهذا التدرج يجب أن يتبع حتى‬
‫مع الطالب الذين بإمكانهم أن يحفظوا أكثر من آية شفويا‪ ،‬أما الكتابة‬
‫فعليهم أن يتدرجوا مع اإلتقان آية آية‪ ،‬ثم يزيد المعلم حسب قدرات‬

‫‪38‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الطالب‪ ،‬ويفضل أن ال يترك له العنان أن يكتب آيات كثيرة دون إدراك طبيعة‬
‫تركيب الكلمات والجمل بمجرد نطقها من الشيخ‪ ،‬وال يسمح بان ينتقل‬
‫الطالب في هذه المرحلة من شيخ إلى آخر‪ ،‬حتى داخل المسيج الواحد‪،‬‬
‫وبصورة عامة‪ ،‬يتفق المهتمون بالتعليم اإلسالمي‪ ،‬على أن مسيرة الطالب في‬
‫حفظ القرآن الكريم‪ ،‬تتوقف على إتقان هذه المرحلة‪.‬‬
‫ب‪-‬طريقة الرمي‪:‬‬
‫وتقوم طريقة الرمي على اإلمالء الشفوي‪ ،‬والصورة المثلي لها‪ ،‬هي أن‬
‫يجلس الشيخ في مكان واسع نسبيا وفي وقت مختار – يفضل عند البعض‬
‫وقت ما بعد الفجر – ويجلس التالميذ على مسافة مناسبة من الشيخ على أن‬
‫تسمح باتساع الحلقة‪ ،‬ويبدأ الطالب الذين حفظوا ألواحهم السابقة‪ ،‬وسمح‬
‫لهم الشيخ بغسلها بكتابة ألواحهم الجديدة‪ ،‬فبمجرد أن يقرأ الواحد منهم‬
‫الجزء األخير من لوحه السابق‪ ،‬يبدأ الشيخ يرمي له اآليات التالية‪ ،‬وأثناء كتابة‬
‫هذا الطالب‪ ،‬يقرأ زميله اآلخر ويرمي له‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وبإمكان الشيخ الواحد أن‬
‫يرمي إلى عدد كبير من الطالب‪ ،‬إلى أن يكملوا ما هو مقرر لهم أن يكتبوه‪.‬‬
‫وغالبية الطالب الذين يدرسون بهذه الطريقة يكتبون لوحا واحدا‪ ،‬وهو‬
‫عبارة عن ثمن‪ ،‬وعند بعض المشائخ‪ ،‬وخاصة مع ندرة المصاحف‪ ،‬من‬
‫الممكن أن يرمي الشيخ لطالب يختارون المقرى كامال‪ ،‬وهو عبارة عن الربع‬
‫من جزء القرآن الكريم‪.‬‬
‫واهم ما يركز عليه في هذه الطريقة‪ ،‬هو فهم الطالب للكلمات والجمل‬
‫واآليات‪ ،‬وهي ترمى إليه من الشيخ مباشرة‪ ،‬وان يكتبها صحيحة‪ ،‬من حيث‬
‫اإلمالء والرسم والشكل‪ ،‬وبعض العالمات التي يتطلبها النطق‪ ،‬في بعض‬

‫‪39‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الكلمات أو المقاطع‪ ،‬وعلى الطالب أن يقرأ ما كتبه بشكل صحيح على‬


‫الشيخ‪ ،‬قبل أن يرمي له األجزاء األخرى‪.‬‬
‫ونظرا الن األلواح التي تكتب على هذه الطريقة‪ ،‬ال تعرض في الغالب‬
‫على مصححين آخرين‪ ،‬فهذا يعني عدم التسامح مع أي خطإ في الكتابة أو‬
‫النطق‪ ،‬قد يكتشفه الشيخ أثناء الرمي أو القراءة أو حتى أثناء الحفظ‪ ،‬وأي‬
‫طالب يكتشف عليه شئ من هذه األخطاء‪ ،‬قد يعاقب بعدم غسل لوحه‪ ،‬أو‬
‫غسله على أن يعاود نفس اللوح السابق‪ ،‬مع اإلشارات المتكررة في المرة‬
‫الثانية لألماكن التي وقع فيها الخطأ وبأن ال يتكرر‪.‬‬
‫ومعظم الحفاظ‪ ،‬يركزون على انه كلما ظل الطالب أطول فترة ممكنة‬
‫على التعلم والكتابة على هذه الطريقة‪ ،‬كلما كان إتقانه للقرآن أثبت‪ ،‬خاصة‬
‫في اكتساب مهارة شيخه في اإلمالء والرسم والشكل والنطق وبعض أحكام‬
‫التجويد‪ ،‬ألنه يصاحب شيخه في ثالث حاالت أساسية هي‪ :‬الرمي أو اإلمالء‬
‫الشفوي والقراءة والحفظ‪ ،‬على مسمع ومرآي شيخه‪ ،‬وأخيرا عرض ما حفظه‬
‫على شيخه‪ ،‬وهذا اإلشراف على الحفظ الذي توفره هذه الطريقة‪ ،‬يندر أن‬
‫يوجد في غيرها من الطرق‪.‬‬
‫ج‪-‬طريقة النظر‪.‬‬
‫وبعد أن يجتاز طالب القرآن الكريم ويتقن طريقة الرمي‪ ،‬من الممكن‬
‫أن يسمح له أستاذه أن يكتب لوحه من المصحف‪ ،‬ثم يحضره أمام أستاذه في‬
‫نفس مكان الرمي(مرسة الشيخ)‪ ،‬أو في مكان وزمن آخر يحدده الشيخ‪ ،‬فيقرأ‬
‫الطالب لوحه أمام نظر أستاذه‪ ،‬وأمامه الدواه وبيده القلم‪ ،‬ليصحح األخطاء‬
‫التي يمكن أن يقع فيها الطالب‪ ،‬فإذا كثرت أخطاء الطالب يرجعه أستاذه إلى‬
‫الرمي مرة أخرى‪ ،‬وال تحدث مثل هذه الحالة إال من الطالب المنتقلين من‬

‫‪40‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أماكن أخرى‪ ،‬فيظن الشيخ انه من الممكن أن يتعلموا بطريقة النظر‪ ،‬ولكنه‬
‫يكتشف بأنهم يحتاجون إلى مراقبة شديدة في الرمي‪ ،‬وما يتضمنه من إشراف‬
‫دقيق في اإلمالء والشكل والنطق والتجويد‪.‬‬
‫ولذلك ال يسمح أن يتعلم الطالب بطريقة النظر‪ ،‬إال للذين قطعوا شوطا‬
‫كبيرا في الحفظ وإتقان أحكام الحفظ‪ ،‬وهي طريقة مساعدة‪ ،‬للطالب الذين‬
‫تقتضي ظروفهم‪ ،‬االبتعاد عن الشيخ في معظم األوقات‪ ،‬وقد يكونون في‬
‫خدمة الشيخ أو في خدمة أنفسهم‪ ،‬وطريقة النظر هذه هي نفسها التي طورها‬
‫المشائخ الكبار إلى المدرسة والحلقات‪ ،‬التي يتم النظر فيها إلى المتون‬
‫والشروح من الكتب الكبيرة‪ ،‬مع تعليق من األستاذ على الدرس المنظور إليه‬
‫من الطالب‪ ،‬وبالتالي فإن هذه الطريقة‪ ،‬ال يحضرها في الغالب‪ ،‬إال من تقدموا‬
‫كثيرا في الحفظ واإلتقان‪.‬‬
‫د‪-‬طريقة العرض‪.‬‬
‫وجوهرها أن يقرأ الطالب‪ ،‬ما حفظه من القرآن الكريم أو المتن‪ ،‬على‬
‫شيخه عن ظهر قلب‪ ،‬وتختلف كمية ما يعرض‪ ،‬من طالب إلى آخر‪ ،‬فبعض‬
‫الطالب يعرض لوحه فقط أو جزء محدود من متن معين‪ ،‬ليسمح له بكتابة‬
‫لوح آخر‪ ،‬ولكن قد يطلب من بعض الطالب أن يعرضوا أجزاء كاملة من‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬قبل أن يسمح لهم باالستمرار‪ ،‬وفي جميع األحوال‪ ،‬يركز في‬
‫هذه الطريقة أن يكون الحفظ جيدا‪ ،‬فأي تكلؤ أو ترتبة أو تردد في الحفظ‬
‫معناه‪ ،‬إعادة كتابة األجزاء غير المتقنة وحفظها من جديد‪ ،‬ثم عرضها على‬
‫األستاذ أو الشيخ‪.‬‬
‫وطريقة العرض‪ ،‬من الطرق التي يستخدمها حفظة القرآن الكريم‬
‫لإلشراف والمتابعة ومراقبة الطالب النابهين‪ ،‬والجيدي الحفظ‪ ،‬والذين يظهر‬

‫‪41‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫من عملهم‪ ،‬رجاء في حفظ القرآن الكريم‪ ،‬وهي طريقة تحتاج إلى جهد ووقت‬
‫من الشيخ والطالب‪ ،‬وهذا ما يجعل بعض المشائخ‪ ،‬يوزع الطالب على عدد‬
‫من الحفظة في المسيج الواحد‪ ،‬فيعرضون عليهم ألواحهم كل يوم‪ ،‬على أن‬
‫يختار الشيخ من بينهم‪ ،‬وبالصدفة من يعرض عليه‪ ،‬وقد يطلب منه الشيخ‬
‫عرض معظم ما حفظه أو جزء منه‪ ،‬وهي عملية يطمئن الشيخ من خاللها‪،‬‬
‫على حسن أداء من أو كل إليهم‪ ،‬أن يقوموا بتقييم العرض لطالبه من الحفظة‬
‫الجدد‪ ،‬وتختلف طريقة العرض في حفظ القرآن الكريم عن طريقة العرض التي‬
‫يستخدمها بعض العلماء في هذه المنطقة في تدريس الكتب العلمية الكبيــرة‪(.‬‬
‫الدكو‪ ،‬ص ‪)168‬‬
‫ه‪-‬طريقة التكرير (الترتيل)‪.‬‬
‫وتقوم على أن يرتب طالب القرآن الكريم على نفسه‪ ،‬أن ال يغسل لوحه‬
‫قبل تكريره‪ ،‬ويقصدون بتكرير اللوح قراءته‪ ،‬بعدد معين بعد حفظه بالكامل‪،‬‬
‫واقل عدد لتكرير اللوح‪ ،‬مائة مرة في جلسة واحدة‪ ،‬ولذلك يختار معظم‬
‫الذين يقرأون القرآن الكريم‪ ،‬على هذه الطريقة أماكن خاصة‪ ،‬تقل فيها‬
‫الضوضاء‪ ،‬وتنعدم فيها المشوشات على الذهن‪ ،‬حتى يتم الحفظ بدرجة‬
‫كاملة‪ ،‬يصل إتقان بعضهم‪ ،‬إلى أن يقرأ القرآن الكريم‪ ،‬وكــأن لوحـه مكـتـوب‬
‫في ذاكرتـه أو مـوضوع أمامه‪.‬‬
‫ومعظم الذين يدرسون على هذه الطريقة من الحفظة‪ ،‬ولكنهم يريدون‬
‫تجويد حفظهم بهذه الطريقة من التكرير‪ ،‬وتذكرنا عبارة التكرير‪ ،‬بتعبيرات‬
‫المهندسين في علوم األرض‪ ،‬حينما يتحدثون عن استخراج المعادن‪ ،‬ثم عن‬
‫تكريرها‪ ،‬ويقولون أن التكرير‪ ،‬عبارة عن عملية تجويد للمعدن أو المادة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫تكرير النفط‪ ،‬وحينما نناقش حفظة القرآن الكريم‪ ،‬نجد عندهم نفس‬
‫المضمون‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫و‪-‬طريقة التثبيت‪.‬‬
‫ومعناها أن يكتب الحافظ للقرآن الكريم‪ ،‬لوحه من رأسه ويحضره إلى‬
‫مدرسة شيخه‪ ،‬لينظر فيه بمشاركة عدد من طالب القرآن الكريم‪ ،‬إلى أن‬
‫يختم القرآن الكريم عدة مرات‪ ،‬على أن تكون بيضاء‪ ،‬أي خالية من األخطاء‪.‬‬
‫وعند بعض المدارس القرآنية‪ ،‬يعني أي خطا في أي ختمة إلغاء عدد‬
‫ختمات التثبيت وإعادتها من الصفر‪ ،‬وفي الغالب ال تحسب الختمة التي فيها‬
‫خطأ ( الختمة التي وقع فيها الحافظ ) وتعد الختمات األخرى ضمن عدد‬
‫ختمات التثبيت‪ ،‬أما من حيث عدد ختمات التثبيت‪ ،‬فكلما كثرت كان‬
‫أفضل‪ ،‬على أن ال تقل عن ثالث ختمات‪ ،‬ومتوسطها عشر ختمات بيضاء‪.‬‬
‫ويفضل أن يشرف على ختمات التثبيت‪ ،‬اكبر (القواني) أو الماهرين‬
‫في القرآن الكريم في المنطقة‪ ،‬وأي منطقة ينعدم فيها‪ ،‬مثل هذا الماهر‪ ،‬ال‬
‫يسمح لحافظ أن يطبق فيها طريقة التثبيت‪ ،‬فهي طريقة لتجويد القرآن الكريم‬
‫وإتقان حفظه‪ ،‬مع ما يصحبها من تمرين على مسك القلم‪ ،‬حسب تعبيرات‬
‫الحفظة في كانم‪-‬برنو‪ ،‬وهي أن يسمح الشيخ‪ ،‬لبعض الحفظة الذين يدرسون‬
‫عنده على طريقة التثبيت‪ ،‬بان يحلوا محله في مسك القلم‪ ،‬وتصحيح األلواح‬
‫لغيرهم‪ ،‬على أن يضعوا في اللوح جميع الرموز الدالة على الحساب‪ ،‬مثل عدد‬
‫الوقف واآليات وغيرها في كل لوح‪ ،‬ويتبارى الطالب لكي يحظوا بمثل هذا‬
‫الشرف‪ ،‬ألنه الوسيلة األكثر موضوعية‪ ،‬إلتقان أحكام التجويد‪ ،‬وأمام الشيخ‬
‫وكبار الحفظة‪ ،‬بدليل أن ماسك القلم نفسه‪ ،‬حينما يأتي دور لوحه‪ ،‬يتركه آلخر‬
‫حسب تعليمات الشيخ‪ ،‬أو يرجعه إلى أستاذه نفسه‪ ،‬ويخضع لوح ماسك‬
‫القلم‪ ،‬لنفس قواعد التصحيح‪ ،‬التي أجراها على غيره من األلواح السابقة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ز‪-‬طريقة المناظرة (المدارسة)‪:‬‬


‫وتتمثل بأن يختار الحافظ‪ ،‬من بين زمالئه الحفظة‪ ،‬من يقرأ معه القرآن‬
‫الكريم بالتداول‪ ،‬وأن يحدد القسم المخصص لكل واحد منهم‪ ،‬مثل حزب أو‬
‫جزء أو سبع‪ ،‬وبعد أن يكمله بمتابعة زميله بدقة شديدة‪ ،‬يبدأ الزميل اآلخر‬
‫قراءة ما يخصه‪.‬‬
‫ومن حق المناظر أن يصحح لزميله أي خطا يمكن أن يقع فيه‪،‬‬
‫وتحسب هذه الوقعات(األخطاء)‪ ،‬والفائز في المناظرة هو من تقل عنده‬
‫األخطاء‪ ،‬لكن األخطاء عندهم بدرجات‪ ،‬فهناك اخطاء في نطق الحروف أو‬
‫األصوات‪ ،‬وأخطاء في الحركات‪ ،‬وهذه من الممكن إصالحها أو تجاوزها‪،‬‬
‫بدون عيب كبير‪ ،‬أما األخطاء في الحفظ نفسه‪ ،‬وعدم التثبت من‬
‫المتشابهات‪ ،‬أو التوقف وعدم القدرة على وصل اآليات أو السور بعضها‬
‫باآلخر‪ ،‬فهذا ال يغتفر‪ ،‬ومن الممكن أن يرفع إلى الشيخ أو الزمالء اآلخرين‬
‫من الحفظة‪ ،‬ويصل األمر في بعض األحيان إلى الشك في درجة حفظ‬
‫المناظر‪ ،‬وإجباره إلى الرجوع إلى الحفظ من جديد‪.‬‬
‫وطريقة المناظرة‪ ،‬من أهم الطرق‪ ،‬إلبراز التميز في إتقان القرآن الكريم‪،‬‬
‫وبالتالي فهي نادرة‪ ،‬وقليلون هم الذين يخضعون حفظهم‪ ،‬لالختبار بهذه‬
‫الطريقة‪ ،‬إال في حاالت غير طبيعية‪ ،‬مثل المناقشة أو " التربيط "‪ ،‬وغالبا ما‬
‫يجبر الحافظ في الدخول فيها‪ ،‬حينما يتحداه أحد الحفظة الذين ال يعرفون‬
‫قدراته‪ ،‬أو سمعوا بها فقط ويريدون التثبت منها‪ ،‬وتجري المناظرة هنا بصورة‬
‫جماعية في بعض األحيان‪ ،‬ومن الممكن أن تحسم من أول خطأ يقع فيه أحد‬
‫المتناظرين‪ ،‬أما إذا تكافآ‪ ،‬فمن الممكن أن تستمر المناظرة إلى قراءة أجزاء‬
‫كبيرة من القرآن الكريم‪ ،‬فيعترف كل مناظر لآلخر‪ ،‬بمكانته في معرفة القرآن‬

‫‪44‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الكريم‪ ،‬ومن الممكن أن تختم مثل هذه المناظرة بحفل بهيج تذبح فيه‬
‫الذبائح‪ ،‬ويذاع فيه خبر المناظرة‪ ،‬وما انتهت إليه من اعتراف الطرفين بقدرة‬
‫كليهما على معرفة القرآن الكريم‪ ،‬ويتنادر الحفاظ اآلن‪ ،‬ويحكون الكثير من‬
‫المناظرات‪ ،‬التي تمت بين الرعيل األول من الحفظة‪ ،‬بشيء من اإلعجاب‬
‫واالعتبار‪.‬‬
‫‪-‬الدرجات العلمية في التعليم اإلسالمي حول بحيرة الشط‬
‫من أشهر الدرجات العلمية التي يمنحها النظام التربوي للتعليم‬
‫اإلسالمي في كانم‪-‬برنو‪ ،‬درجتي القوني والفقيه‪ ،‬وهي درجات علمية تؤهل‬
‫حاملها لتولي مناصب قيادية في سلطنة كانم‪-‬برنو‪ ،‬مثل‪ :‬معلم القرآن‪ ،‬واإلمام‬
‫والقاضي والمستشار السياسي‪.‬‬
‫أ‪-‬ماهر ( قوني )‪:‬‬
‫وهو المستوى األعلى‪ ،‬الذي يطمح أن يصل إليه حافظ القـرآن الكريم‬
‫في هــذه المنطقة‪ ،‬وهناك آراء مختلفة حول اصل مصطلح " قوني " اشهر‬
‫هذه اآلراء يرجعه إلى اصل من لهجات كانم – برنو‪ ،‬ومعناه " قوي " فهو‬
‫مركبا من ( قو) القوة (ني) للنسبة‪ ،‬أي قوى في القرآن الكريم‪ (.‬الدكو‪ ،‬ص‬
‫‪)198‬‬
‫وقد الحظ الباحث رسما لهذه الكلمة في غرب ليبيا‪ ،‬وبالتحديد في‬
‫منطقة قدامس التي يسكنها في الغالب التوارق‪ ،‬وهي واحة لها عالقات ثقافية‬
‫وتـجارية هامة مع وسط وغرب إفريقيا لوقوعها في طريق القوافل‪ ،‬فهم يكتبونها‬
‫(كوني) وهي لقب شائع لعدد من الحفاظ وأناس آخرين‪ ،‬كما هو سائد في‬
‫كانم‪-‬برنو‪ ،‬فإذا كانوا يقصدون المعنى العربي لهذا اللفظ‪ ،‬فانه يقربنا من‬
‫اصطالح " العالمية "‪ ،‬وهي أعلى شهادة تمنح في اغلب العلوم حتى إلى‬

‫‪45‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وقت قريب‪ ،‬من معظم مراكز الحضارة اإلسالمية مثل األزهر وغيرها‪ ،‬فهل‬
‫نعتبر إن أهل القرآن الكريم اختاروا لهم مصطلحا متميزا‪ ،‬وهو "كوني" أي‬
‫ماهر في علوم الكون؟ أي أن القرآن الكريم‪ ،‬شامل لجميع علوم الكون‪،‬‬
‫وحافظ القرآن الكريم "كوني"‪ ،‬بمعنى انه حائز على الشهادة " الكونية"‪ ،‬التي‬
‫تعادل "العالمية" في العلوم اإلسالمية و"الدكتوراه" في العلوم الالهوتية‬
‫تاريخيا!‬
‫ورغم انه من الشائع في هذه المنطقة الفصل بين حفظ القرآن الكريم‪،‬‬
‫وتعلم العلوم الشرعية‪ ،‬إال أن معظم المشائخ الكبار يشترطون على من يطمح‬
‫للرفع لدرجة قوني اإللمام ببعض الكتب الفقهية واللغوية‪ ،‬خاصة النحو‪،‬‬
‫ويركزون على فقه العبادات والميراث أو الفرائض‪ ،‬على اعتبار أن القوني هو‬
‫إمام أهل منطقته‪ ،‬وبالتالي يتوجب عليه‪ ،‬أن يعرف شيئا عن العبادات‪ ،‬أما‬
‫الفرائض فيرى بعض الحفظة سهولتها عليهم‪ ،‬ألن معظم أحكامها موجودة في‬
‫القرآن الكريم من ناحية‪ ،‬ولمرد ودها المادي من ناحية أخرى‪ ،‬فالحافظ أو‬
‫القوني‪ ،‬الذي يوزع أي ورثة‪ ،‬له نصيب مقدر منها‪ ،‬بحكم العادات والتقاليد‪.‬‬
‫كمل الشروط السابقة‪ ،‬شروط مهنية خاصة بالحفظة‪ ،‬مثل الروح‬ ‫تُ ّ‬
‫القيادية خاصة التحلي بالحكمة وتحمل اآلخرين‪ ،‬والمقدرة على قيادة مدرسة‬
‫قرآنية مستقلة‪ ،‬وكذلك التواضع واالعتراف بفضل المشائخ والحفاظ الذين‬
‫درسوا الطالب في مراحله المختلفة‪ ،‬فمن المالحظ أن الطالب الذي ينكر‬
‫جميل أساتذته‪ ،‬وال يظهر منه التقدير الالزم لحفظة القرآن الكريم عموما‬
‫وخاصة أساتذته الذين درسوه مباشرة أو من لهم عالقة بهم‪ ،‬فانه ال يرفع إلى‬
‫درجة قوني‪ ،‬حتى وان كانت هناك عداوة بين القواني‪ ،‬فنجد بعض الحفظة‬
‫الذين ينتقلون من شيخ إلى آخر‪ ،‬وقد يظلون مع الواحد منهم لفترات طويلة‪،‬‬

‫‪46‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ولكن ظهور أي مظهر يعني عدم االحترام والتقدير ألساتذته السابقين‪ ،‬يعني‬
‫عدم ترقيته بغض النظر عن العالقة بين الحفظة الكبار‪ ،‬وكأن هناك قواعد‬
‫شرف بين الحفظة ال يمكن اختراقها‪ ،‬وال يدخلون في طبقتهم إال من يلتزم‬
‫بها‪ ،‬ويصعب على أي واحد منهم أن يعبر عنها لفظيا‪ ،‬لكنها مراعاة ومطبقة‬
‫بشكل صارم في الجوانب العملية‪.‬‬
‫ب‪-‬الفقيه(اإلمام‪ ،‬القاضي)‪:‬‬
‫ويتم التركيز في هذه البيئة على وظيفتي اإلمام والقاضي‪ ،‬باعتبارهما من‬
‫أهم المناصب التي ال يقوم بها إال العلماء الصلحاء األولياء في هذه المناطق‪.‬‬
‫وسعة علم الفقيه هي المعيار لنمصب اإلمام‪ ،‬فباإلضافة على صفات‬
‫العلم والصالح والمعرفة الشاملة للعلوم الشرعية يجب أن يتصف اإلمام‬
‫بااللتزام بواجبات اإلمامة‪ ،‬ومنها أن ال يتخلف عن أداء الصالة في المسجد‬
‫أبدا‪.‬‬
‫ويضرب المثل باإلمام األكبر أحمد بن فورتو الذي عاش خالل النصف‬
‫ٍ‬
‫علمية‬ ‫عدد من التلميحات أنه ينتمي ٍ‬
‫لعائلة‬ ‫الثاني من القرن ‪16‬م‪ ،‬ويظهر من ٍ‬
‫عريقة‪ ،‬وتم ّكن بفضل مؤهالته الشخصية والعلمية من أن يصبح من أبرز‬
‫رجاالت السلطان الحاج إدريس بن علي الملقب بأل ْوما (‪1596-1564‬م)‪،‬‬
‫يفسر حيازته لقب «اإلمام‬
‫يؤمه وحاشيته في الصلوات‪ ،‬مما ّ‬ ‫حيث كان ّ‬
‫األكبر» بالمملكة (السلطنة)‪ .‬ونستفيد من كتاباته أنه كان كثير الحضور‬
‫بجانب السلطان‪ ،‬سواء تعلّق األمر بالوظائف الدينية أو الدنيوية (مثل‬
‫المشاركة في اجتماعات السلطان مع قادة الجيش أو غيرهم من رجاالت‬
‫الدولة)‪ ،‬لذلك ال نستبعد إقامته بالقصر السلطاني أو قريبا منه‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومن أكبر المناصب التي توالها العلماء وكانت دعامة أساسية من أجل‬
‫تطبيق اإلسالم وظيفة القضاء‪ ،‬فوظيفة القاضي مالزمة لقيام الدولة اإلسالمية‬
‫في هذه المنطقة‪ ،‬بل كانت أثرا مباشرا للحضارة اإلسالمية وأهمية هذه‬
‫الوظيفة من أنه قبل اإلسالم‪ ،‬كان القضاء يتواله السلطان كسلطة عليا والى‬
‫جواره رؤساء القبائل الذين يمارسون سلطة قضائية محدودة‪ ،‬أما السلطان‬
‫فكانت سلطته القضائية مطلقة‪ ،‬وكان القضاء مبنيا على العادات والتقاليد‬
‫السلطانية‪ ،‬وكانت تلك التقاليد تقضي بالصلب حتى الموت للقاتل واللص‬
‫والسارق‪ ،‬وتأخذ غرامة تعدل ثلث المهر المتعارف عليه من الزاني وتعطى‬
‫للزوج المتضرر أو إلى أبوي الفتاة إن لم تكن متزوجة ويرهن المدين ولده عند‬
‫الدائم يخدم له حتى يرد ما عليه من دين‪ ،‬أما في الميراث فيرث االبن األكبر‬
‫تركة األب المتوفى‪ ،‬وال يرث االخوة الصغار شيئا من التركة ويرث االبن‬
‫األكبر مع التركة زوجات أبيه‪ ،‬وليس للزوجات شيئا إال ما تسمح به نفس‬
‫االبن الوارث تفضال‪.‬‬
‫وبتطور الحضارة اإلسالمية في هذه المناطق وقيام السلطنات اإلسالمية‬
‫ظهر القضاء اإلسالمي الذي هو أساس بناء المجتمع المسلم‪ ،‬واستمد القضاة‬
‫المسلمون أحكامهم من القرآن الكريم والسنة المطهرة‪ ،‬واجتهادات علماء‬
‫المذهب المالكي وكانت أحكامهم نافذة لدى السلطان والرعية‪.‬‬
‫ومن هنا ظهرت أهمية منصب القاضي وخطورته كضرورة حتمية‪ ،‬إلعادة‬
‫األمور إلى نصابها‪ ،‬ويشترط في القاضي‪ :‬أن يكون عالما فقيها‪ ،‬متصفا‬
‫بالنزاهة والورع‪ ،‬لذا كان العلماء‪ ،‬هم أصلح من يتولى مناصب القضاء في‬
‫السلطنة‪ ،‬فكان سالطين البالد يولون هذه المناصب للعلماء‪ ،‬ويخولون لهم‬
‫السلطات المطلقة في أمور الدين‪ ،‬وتوكل إلى العلماء كذلك وظيفة شاهد‬

‫‪48‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫القاضي‪ ،‬وهي ذات صلة بالقاضي كما هو واضح من تسميتها‪ ،‬وشهود‬


‫القاضي وأعوانه‪ ،‬هم من العلماء الذين يوقعون مع القاضي على الوثائق الهامة‪،‬‬
‫كوثائق الصلح الذي يعقد بين الجماعات المتخاصمة والقبائل المتحاربة‪،‬‬
‫ولكل قاض شاهدان ( قاضي اليمين وقاضي الشمال ) يرافقان القاضي و‬
‫يستشيرهما في أمور القضاء‪ ،‬كما يستشيرهما السلطان في أمور لدولة مع‬
‫األعيان من كبار رجال الطوائف والعشائر‪.‬‬
‫وكان للقاضي بجانب مهمة القضاء اإلشراف على النواحي التعليمية‬
‫والثقافية في المنطقة التي يمارس فيها عمله‪ ،‬ويتمثل دوره هنا في العناية‬
‫بتوفير السكن للوافدين من طالب العلم‪ ،‬وتوزيع المواد الغذائية وإعانة‬
‫المعلمين بما يمكنهم من القيام بتلك الوظائف‪ ،‬ويتولى القاضي إدارة التعليم‬
‫في قصور الحكام واألمراء وإمامة المساجد‪ ،‬ويقوم بدور الموجه الديني‪،‬‬
‫ويصدر الفتاوى الدينية‪.‬‬
‫ونظرا لخطورة منصب القاضي هذا‪ ،‬كان العلماء ال يتقبلونه إال تحت‬
‫إلحاح وتمسك شديدين من سلطان البالد‪ ،‬وذلك لما كانوا يرونه من تبعة‬
‫ومسئولية خطيرتين أمام ربهم في حالة قبوله‪ ،‬والخوف من اإلخالل فيه بواجب‬
‫األمانة‪ ،‬ولذلك كانوا عند قبوله يتحملونه بأمانة وجدارة‪ ،‬حتى أنه لم يسمع‬
‫أخل مرة بشرف العدالة‪ ،‬وهو يتولى مسؤولية القاضي في‬
‫عن واحد منهم أنه ّ‬
‫هذه البالد‪.‬‬
‫ألن الباحث يلمس هذا االهتمام بمكانة القاضي لدى سالطين كانم‪-‬‬
‫برنو‪ ،‬الذين كانوا حريصين على تقريبه منهم‪ ،‬وخطب ودَّهُ في كل وقت وحين‪،‬‬
‫كما كانوا يتحينون الفرص ليشاركهم القاضي في أسفارهم وتنقالتهم داخل‬
‫أقاليم الدولة – بل داخل المدينة الواحدة‪ ،‬وذلك في أثناء الجوالت التفقدية‬

‫‪49‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫العادية التي كانوا حريصين خالل القيام بها إلى االستماع إلى تظلمات الرعية‪،‬‬
‫ورفعها عنهم بإذن القاضي‪ ،‬وبالتالي جذبت مكانة القاضي هذه‪ ،‬الناس إلى‬
‫اللجوء إليه في مختلف قضاياهم بدال من االتصال المباشر بالسلطات‬
‫الرسمية األخرى للدولة‪ ،‬لذلك كان للقاضي معاونون كثيرون يرسلهم إلى‬
‫الجهات الحكومية إلبالغ رغبات المواطنين وشكاويهم‪.‬‬
‫ويتولي القاضي بجانب الفصل في الخصومات بين الناس‪ ،‬مهمة توجيه‬
‫المراقبة على األحوال المدنية والشؤون األخالقية‪ ،‬ورعاية أموال اليتامى حتى‬
‫البلوغ‪ ،‬وعلى أموال المتوفين لحين حضور ورثتهم الشرعيين أو موكليهم‪ ،‬على‬
‫أن أهم مناصب القاضي كانت تتمثل في اإلشراف على التعليم ومتابعة سير‬
‫مناهجه‪ ،‬كما كان يُعيّن المدرسين في منطقته‪ ،‬ويحصي عدد الطالب ويقدم‬
‫المساعدات إلى المحتاجين منهم ويقوم ببناء المدارس والمساجد‪ ،‬ويهتم‬
‫بتوسيعها وترميمها‪ ،‬وذلك كله من خزينة السلطان أو الدولة ومن فاعلي الخير‪،‬‬
‫وبالتالي فإن سلطات القاضي واسعة نظرا لما يباشر من وظائف كثيرة‪،‬‬
‫ويساعده على أداء واجبه استقامته‪ ،‬وإخالصه في القيام بكل واجباته بأمانة‬
‫وصدق‪ ،‬مما يكسبه احترام السلطة الرسمية (السلطان وأعوانه) وحب العامة‬
‫وتقديرهم‪ ،‬وفي الغالب يحكم القاضي في كانم‪-‬برنو بالمذهب المالكي‪،‬‬
‫ولكل مدينة قاضيها الخاص‪ ،‬أعالهم شأنا قاضي مدينة انجمينا العاصمة‪.‬‬
‫وبشكل عام فإنه نظرا للمكانة الكبيرة التي حازها العلماء في جميع‬
‫السلطنات اإلسالمية الشادية‪ ،‬فإن الحكام يسعون بكل ما يملكون في‬
‫التقرب منهم‪ ،‬ليضفوا الطابع الديني على حكمهم‪ ،‬بالمقابل استغل العلماء –‬
‫من خالل مناصب‪ :‬المعلم‪ ،‬واإلمامة‪ ،‬والقاضي‪ ،‬التي تسمح لهم درجاتهم‬

‫‪50‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫العلمية بتوليها‪ ،‬بتوجيه السالطين نحو تطبيق مظاهر الحضارة اإلسالمية‬


‫ونشرها في المناطق المجاورة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬وظائف النشر السلمي لإلسالم‬
‫ومن الوظائف األساسية للعلماء في كانم‪-‬برنو‪ ،‬األمانة في نقل العلوم‬
‫اإلسالمية إلى األجيال الجديدة‪ ،‬والتسامح في نشر الدعوة اإلسالمية‪،‬‬
‫واإلحسان والتضحية فيما يقومون به من أعمال‪.‬‬
‫أ‪-‬األمانة في نقل العلوم اإلسالمية‪:‬‬
‫يولي العلماء في وسط إفريقيا عناية كبيرة لألمانة والصالح في نقل‬
‫العلوم اإلسالمية‪ ،‬ومن يالحظ إنتاجهم العلمي يكتشف هذه األمانة العلمية‬
‫في نشر العلوم اإلسالمية في أصفي صورها‪.‬‬
‫ومما ساعد علماء وسط إفريقيا في االحتفاظ باألمانة العلمية في نقل‬
‫العلوم اإلسالمية بأمانة‪ ،‬أنما يدرس في المساجد وحلقات العلوم اإلسالمية في‬
‫وسط إفريقيا‪ ،‬مماثل – تقريبا – لنفس المنهج والكتب التي كانت تدرس في‬
‫المراكز اإلسالمية العلمية مثل‪ :‬األزهر‪ ،‬وفاس‪ ،‬والقيروان‪ ،‬وتمبكتو‪.‬‬
‫فمن الكتب المتداول تدريسها عند علماء وسط إفريقيا‪ :‬كتاب الموطأ‬
‫لمالك‪ ،‬والمدونة لسحنون‪ ،‬والمختصر لخليل‪ ،‬واألصول‪ ،‬والبيان‪ ،‬والمنطق‪،‬‬
‫وأصول السبكي‪ ،‬وتلخيص المفتاح‪ ،‬وألفية العراقي‪ ،‬وصغرى السنوسي‪ ،‬وشرح‬
‫الجزرية‪ ،‬وحكم ابن عطاء اهلل مع شرح زروق‪ ،‬ونظم ابن مقرعة للهاشمية في‬
‫التنجيم‪ ،‬وكتب فقه التصوف للغزالي وابن العربي‪.‬‬
‫ومن الكتب التي تدرس عندهم أيضا‪ :‬الرسالة للقيرواني وجامع المعيار‬
‫للدنشريسي‪ ،‬ومدخل ابن الحاج‪ ،‬ومقدمة الباجوري‪ ،‬وصحيح الجوامع‬
‫للسبكي‪ ،‬ودليل القائد والقرطبي‪ ،‬والتوضيح على ابن الحاج‪ ،‬وصحيح‬

‫‪51‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫البخاري ومسلم وصحيح الترمذي‪ ،‬والشفا في التعريف بحقوق المصطفي‬


‫للقاضي عياض‪ ،‬وتحفة الحكام البن عاصم‪ ،‬ورجز المغيلي في المنطق‪،‬‬
‫والمعجزات الكبرى للسيوطي‪ ،‬والجامع الصغير‪ ،‬وإضاءة الدجنة‪ ،‬وعقيدة‬
‫السنوسي المعروفة بأم البراهين‪ ،‬وتسهيل ابن مالك‪ ،‬والخزرجية في العروض‪،‬‬
‫وألفية ابن مالك‪ ،‬وألفية السيوطي في النحو‪ ،‬والمية الزقاق‪ ،‬ومقامات‬
‫الحريري‪ ،‬وال متي العرب والعجم‪.‬‬
‫وبشكل عام فإن العلوم التي يستوجب استيعابها عند طالب العلم في‬
‫وسط إفريقيا هي‪ :‬الفقه‪ ،‬واألصول‪ ،‬وعلوم الحديث‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والقراءات‪،‬‬
‫والعقائد‪ ،‬وعلوم اللغة العربية (النحو والمعاني والبيان واألدب والشعر)‬
‫والحساب والفلك‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والسيرة النبوية‪ ،‬وغير ذلك من العلوم اإلسالمية‬
‫التي كانت تدرس في سائر أنحاء العالم اإلسالمي في ذلك الحين‪.‬‬
‫وكان لهذه المناهج والكتب المدروسة‪ ،‬والعلماء الذين درسوها‪ ،‬كبير‬
‫األثر‪ ،‬في تكوين صفوة من الدعاة والعلماء‪ ،‬ذاع صيتهم في وسط إفريقيا‪،‬‬
‫نقلوا ما حملوه من علوم بأمانة منقطعة النظير‪.‬‬
‫ب‪-‬التسامح والمرونة في نشر العلم والمعرفة‪:‬‬
‫وكان التسامح هو الغالب في نشر علوم اإلسالم من قبل العلماء في‬
‫وسط إفريقيا إلى المناطق األخرى‪ ،‬وتجاوز هذا التسامح الديني القواعد‬
‫والمعامالت الفقهية‪ ،‬ليصل إلى العادات والتقاليد‪ ،‬فقد كان التوجه اإلسالمي‬
‫بين علماء منطقة وسط إفريقيا‪ ،‬يقوم على أن على اإلنسان المسلم اإلفريقي‪،‬‬
‫أن يغير ما بذاته‪ ،‬حتى يكون قادرا على تغيير المجتمع الذي حوله‪ ،‬ولذلك‪،‬‬
‫فقد اهتم علماء وسط إفريقيا‪ ،‬بتعميم التزكية الروحية اإلسالمية‪ ،‬من أجل‬
‫تكوين إنسان منسجم مع المجتمع الذي يطمح إلى إقامته‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ونفس هذه الصورة من التسامح في نشر العلوم اإلسالمية في وسط‬


‫إفريقيا‪ ،‬أشار إليها بوكاري ندياني حينما قال‪ " :‬إن دعاة اإلسالم حرصوا على‬
‫عدم إلغاء كل التقاليد واألعراف التي وجدوها قائمة في عين المكان‪ ،‬ذلك‬
‫أنهم رأوا من المفيد لنشر اإلسالم‪ ،‬التسامح إزاء ما كان سائدا من مظاهر‬
‫السلوك االجتماعي‪ ،‬وذلك حينما ال يالحظ فيها‪ ،‬ما ال يمس بالمبادئ‬
‫األساسية للدين اإلسالمي الجديد‪ ،‬والتي يمكن لموقف التسامح تجاهها‪ ،‬أن‬
‫يخدم انتشار اإلسالم على الشعوب التي لم تؤمن بعد به‪ ،‬وقاعدتهم في ذلك‪:‬‬
‫أن كل تقليد يفوق وجوده أربعين عاما‪ ،‬وال يكون فيه مساس بالمبادئ‬
‫الجوهرية الموجودة في القرآن واألحاديث النبوية‪ ،‬يمكن التسامح تجاهه‪،‬‬
‫ولكن دون األمر به‪ ،‬وهكذا فإننا نجد أنفسنا‪ ،‬أمام مزيج من تعاليم اإلسالم‪،‬‬
‫ومن األعراف المحلية‪ ،‬التي رأى دعاة هذا الدين‪ ،‬التسامح تجاهها‪ ،‬خدمة‬
‫النتشار اإلسالم‪ ،‬الذي كانوا يدعون إليه "‪(.‬ندياني‪)319 ،‬‬
‫ج‪-‬اإلحسان والتضحية‪:‬‬
‫وباإلضافة إلى األمانة العلمية في نقل العلوم اإلسالمية‪ ،‬وسماحة‬
‫صدورهم في تجاوزهم عن بعض العادات المحلية التي ال تخالف تعاليم‬
‫ا ٍإلسالم‪ ،‬اتسم العلماء في وسط إفريقيا بالتضحية واإلحساس‪ ،‬فيما يُعلي كلمة‬
‫اهلل ويرفع العلم‪.‬‬
‫فقد ذكر علي كولوغوديالو أن الشيخ محمد بن عمر‪ ،‬قد أدرك في‬
‫وقت مبكر أهمية امتالك المصادر العلمية اإلسالمية‪ ،‬لذلك بعث إلى السوق‬
‫بقطيع األبقار الذي كان في حوزته‪ ،‬والذي كان يتكون من سبعة وأربعين رأسا‪،‬‬
‫واستخدم ما عاد عليه من ثمنها جميعا في شراء الكتب من تونس والمغرب‪،‬‬

‫‪53‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وهكذا كون خزانته الخاصة التي كانت من أغنى الخزانات في المنطقة‪(.‬ديالو‪،‬‬


‫‪)303‬‬
‫وكان لهذا العالم كبير األثر اإلسالمي في منطقة كانم‪-‬برنو عامة‬
‫وسلطنة دار وداي خاصة‪ ،‬حينما زارها في طريق رحلته إلى الحج‪ ،‬فكان يقيم‬
‫يحل بها‪ ،‬مما جعل العدد الكبير من‬
‫الدروس والمواعظ الدينية‪ ،‬في كل منطقة ّ‬
‫المواليد الذين ازدادوا أو ولدوا بعد زيارته‪،‬أن يُس ّموا باسمه‪ ،‬فلنا اآلن حول‬
‫كانم‪-‬برنو قادة كبار باسم الشيخ ابن عمر‪ ،‬وصل واحد منهم إلى وزير‬
‫للخارجية‪ ،‬وزميله اآلخر إلى رئيس لجامعة شاد سابقا‪ ،‬وتقلد عددا من‬
‫الوزارات منها وزارة التخطيط والتعاون الدولي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الوظائف السياسية واالقتصادية للعلماء‬
‫تشير الدراسات التاريخية حول كانم‪-‬برنو التي نشرت في مجلدات‬
‫التاريخ العام إلفريقيا‪ ،‬الذي أصدرته اليونسكو‪ ،‬أن العلماء شغلوا مناصب‬
‫رسمية في السلطنات اإلسالمية‪ ،‬أهمها‪ :‬مناصب األئمة‪ ،‬والقضاة‪،‬‬
‫والمستشارين في اإلسالم والقانون للماي أو السلطان(الماينين كيندي)‪،‬‬
‫ورؤساء الشرطة(الطالبا)‪ ،‬والخازن(أمين الخزينة)‪ ،‬والوزراء‪ ،‬وكان هؤالء هم‬
‫كبار العلماء‪ ،‬وكانت مناصبهم وراثية ومقصورة على عدد من أسر العلماء‬
‫البارزة‪ ،‬وال توكل هذه المناصب إال إلى العلماء المتميزين بالعلم‬
‫والتقوى‪(.‬باركندو‪)565،‬‬
‫فنظام التعليم اإلسالمي لم يساهم فقط‪ ،‬في حفظ نظام التعليم والتربية‬
‫في معظم مراحل تاريخ المجتمع‪ ،‬باعتباره الحمى الذي احتمى به المجتمع‪،‬‬
‫في الحفاظ على هويته اإلسالمية‪ ،‬وظل ركيزة أساسية من ركائز الثقافة‬

‫‪54‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫اإلسالمية المميزة لهذا الشعب‪ ،‬بل ساهم في الحفاظ على األنفس والثروة‬
‫والسلطة السياسية في المجتمع‪.‬‬
‫فمؤسسات التعليم اإلسالمي‪ ،‬ال يتوقف دورها على حفظ القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬بل يمتد إلى القيام بالتربية والتعليم في المجتمع‪ ،‬وتنفرد في القيام‬
‫بهذا الدور في بعض المناطق البدوية والريفية‪ ،‬وتشارك بشكل فاعل مع غيرها‬
‫من مؤسسات التعليم والتربية في الحياة الحضرية‪.‬‬
‫ففي جميع هذه الكيانات التي أقامها المسلمون حول هذه المنطقة منذ‬
‫دخول اإلسالم‪ ،‬شكل المسيج القرآني نقطة االرتكاز في النظام التعليمي‪.‬‬
‫فذكر (ه‪.‬بارث) في رحلته وجود طبقة من المثقفين بالثقافة اإلسالمية‬
‫في جميع السلطنات اإلسالمية حول بحيرة الشط تخرجوا من مؤسسات‪،‬‬
‫تعليمية محلية في المنطقة‪ (.‬أيوب‪ ،‬ص ‪)40‬‬
‫وخلفه الرحالة (ناشنيجال) فذكر دور مؤسسات تعليم إسالمي في دار‬
‫وداعة بالتحديد‪ ،‬وأشار إلى قوة الجماعة التي تخرجها في شؤون الدين‬
‫والدنيا‪ (.‬أيوب‪ ،‬ص ‪)35‬‬
‫ووجد الفرنسيون المدارس القرآنية تقوم بدور التربية والتعليم في‬
‫المنطقة‪ ،‬ورغم الصورة الصدامية التي واجه بها الفرنسيون هذه المؤسسات‬
‫التعليمية‪ ،‬إال انهم ذكروادورها القوي في سحب األطفال المسلمين من‬
‫التعليم الفرنسي‪ ،‬فرفض المدرسة الفرنسية من قبل المسلمين‪ ،‬شكل العائق‬
‫الثقافي األول للفرنسيين في هذه البالد‪.‬‬
‫وأفضل من عبر عن هذه الصورة من المواجهة بين مؤسسات تعليم‬
‫إسالمي‪ ،‬والمدرسة الفرنسية الدكتور‪ /‬عيسى حسن خيار في دراسته " رفض‬
‫المدرسة الفرنسية" التي أعدت ونشرت في فرنسا‪) Kayar,12(.‬‬

‫‪55‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ولكن لماذا رفض المسلمون في كانم‪-‬برنو التعليم الفرنسي الحديث؟‬


‫لإلجابة على مثل هذا التساؤل‪ ،‬هناك عدة محاوالت‪ ،‬منها؛ ما يراه األهالي‬
‫في هذه المناطق من اختيارهم لنظام التعليم الذي يمكن أن يرسلوا أوالدهم‬
‫إليه‪ ،‬وكان اختيارهم لنظام التعليم القرآني‪ ،‬ألنه يقربهم من ربهم من ناحية‪،‬‬
‫ويحفظ لهم أبناءهم من التنصير من ناحية أخرى‪ ،‬فإلى فترة قريبة – وربما إلى‬
‫اآلن – ينظر معظم المسلمين إلى التعليم الفرنسي بأنه "نصراني"‪ ،‬وهذا ما‬
‫يفسر وجود عدة خالوي كبيرة في حارة من العاصمة أنجمينا وهي حارة رضينا‬
‫تضم الخلوة الواحدة (‪ )350‬تلميذا وتلميذة‪ ،‬يدرسون فيها بالدوام الكامل‪،‬‬
‫ويعني هذا انهم غير مسجلين في التعليم العام‪ ،‬بينما ال تبعد عنهم مدارس‬
‫التعليم العام الفرنسي والعربي إال مئات األمتار‪ ،‬وحينما يستفسر من أولياء‬
‫أمورهم يجزمون‪ ،‬أن النظام التعليمي الذي يوفره المسيج ألبنائهم أفضل‬
‫لحفظهم وحفظ دينهم‪.‬‬
‫فالمجتمع يستخدم مؤسسات تعليم إسالمي للحفاظ على الدين‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ومقاومة الذي يمثله التعليم الفرنسي‪ ،‬واعترافا من الفرنسيين بدور‬
‫مؤسسات تعليم إسالمي في اكتساب رضا المسلمين‪ ،‬وحجز التالميذ بمحض‬
‫إرادة أهلهم وذويهم عن المدرسة الفرنسية‪ ،‬شكل الفرنسيون ما يشبه المسيج‬
‫في المدارس الفرنسية‪ ،‬وقاموا بتعيين معلمين تخرجوا من مؤسسات تعليم‬
‫إسالمي‪ ،‬وذلك من اجل استقطاب أوالد المسلمين إلى التعليم الفرنسي‪ ،‬وقد‬
‫كانت سياسة ناجحة في بعض المناطق‪،‬فالطفل المسلم يرى الشيخ "األستاذ"‬
‫يدرس مثل الفرنسي "النصراني"‪ ،‬وبالتالي فهو في مأمن من التنصير أوال‪ ،‬ثم‬
‫يحفظ بعض تعاليم دينه من ه ــذا الشيخ ثانيا‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وترافق مع هذه السياسة في التقرب من الحفظة‪ ،‬اختيار أعداد من‬


‫خريجي مؤسسات تعليم إسالمي‪ ،‬واالستفادة منهم في القضاء أيام االستعمار‬
‫الفرنسي‪ ،‬وقد ذكر الدكتور عيسى حسن خيار عددا منهم في كتابه " الصفوة‬
‫الوداوية"‪)Kayar, 2(.‬‬
‫ولكن هذا االعتراف الفرنسي لم يقلل من دور مؤسسات تحفيظ‬
‫القرآن في التعليم‪ ،‬بل ظل المسلمون يرسلون أوالدهم إليها كمهاجرين من‬
‫اجل التعليم‪ ،‬وظلوا يقيمونها في بدوهم وريفهم وحضرهم‪ ،‬باعتبارها النظام‬
‫التعليمي والتعليمي الذي يحفظ لهم أبناءهم من التنصير ويعلمهم أمور دينهم‪.‬‬
‫وبعد االستقالل اعترف الرئيس األول لشاد‪ ،‬بالمدارس القرآنية‬
‫باعتبارها أحد مكونات النظام التعليمي في كانم‪-‬برنو المستقلة‪ ،‬وأصدر‬
‫مرسوما رئاسيا بذلك‪ ،‬حدد فيه بعض المدارس القرآنية الرسمية واقر لها‬
‫بمساعدات مادية سنوية‪)Arrêté N° 1096/F.G/E.N(.‬‬
‫وفي الوقت الحاضر‪ ،‬هناك اعتراف من وزارة التربية الوطنية‪ ،‬بما تقوم به‬
‫مؤسسات التعليم اإلسالمي‪ ،‬من محو األمية لقطاع كبير من المسلمين‪.‬‬
‫ومن المالحظ‪ ،‬أن جميع هذه االعترافات‪ ،‬كانت نتيجة لقبول‬
‫المواطنين‪ ،‬للمسيج كمؤسسة للتربية والتعليم‪ ،‬وإرسال أوالدهم إليها‪ ،‬بشكل‬
‫كلي أو جزئي‪ ،‬وعدم قبولهم الدائم للمدرسة الفرنسية‪.‬‬
‫وهذا ما جعل قبول ثنائية النظام التعليمي في شاد عملية ضرورية‪،‬‬
‫فالمسلمون في شاد‪ ،‬ال يقبلون إرسال أوالدهم إلى المدرسة الفرنسية‪ ،‬والدولة‬
‫ال تريد أن تضم النظام التعليمي القرآني بالكامل لنظامها التعليمي‪ ،‬وم َّر قرن‬
‫كامل‪ ،‬والمسلمون مصرون على التمسك بنظامهم التعليمي القرآني‪ ،‬والتعليم‬
‫العام منخفض في البالد‪ ،‬والحل اآلن هو القبول بوجود نظامين للتعليم والتربية‬

‫‪57‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫في البالد‪ ،‬النظام الرسمي(فرنسي‪+‬عربي)‪ ،‬والنظام العربي اإلسالمي األهلي‪،‬‬


‫وواضح أن النظام العربي اإلسالمي‪ ،‬هو تطوير منهجي فقط لمؤسسات التعليم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وإن كان قد تأثر بالنظم التعليمية الحديثة في األزهر والدول‬
‫المجاورة‪.‬‬
‫حينما أمتحن المجتمع الشادي بالغزو االستعماري الفرنسي لم يجد‬
‫مثل مؤسسات تعليم إسالمي مالذا يحتمي به للحفاظ على هويته اإلسالمية‪،‬‬
‫خاصة بعد أن َّنفذ المستعمر الفرنسي‪ ،‬سياسة القتل والتنكيل‪ ،‬فقتل عددا من‬
‫العلماء والمشايخ الذين تخرجوا من المسيج وتوابعه‪ ،‬وحددوا بان المقاومة‬
‫األساسية للثقافة الفرنسية تأتى من هذه المؤسسات‪ ،‬ففي موقعة واحدة في‬
‫مملكة دار وداعة قتلوا أكثر من ( ‪ ) 400‬عالم وشيخ بحجة انهم أفتوا‬
‫بضرورة مقاومة االستعمار الفرنسي" النصراني "‪ ،‬وشمل التنكيل بالحفظة‬
‫والعلماء الطرد من البالد والنفي االختياري‪ ،‬وقطع جميع وسائل الرزق التي‬
‫كانت تقوم عليها هذه المؤسسات‪ ،‬من قبيل منع دفع الزكاة لهم‬
‫ولمؤسساتهم‪.‬‬
‫ولكن هذه المعامالت من الفرنسيين‪ ،‬زادت من قوة مواقف المشايخ‬
‫والعلماء وأصحاب المسيج القرآني‪ ،‬فكتبوا الرسائل التي تحرض على مقاطعة‬
‫الفرنسيين‪ ،‬وعدم تقليدهم والتشبه بهم وعدم التعاون معهم‪(.‬أيوب‪)239 ،‬‬
‫ولهذا ظلت مؤسسات تعليم إسالمي والقائمين عليها‪ ،‬من أهم الوسائل‬
‫التي استخدمها المجتمع الشادي للحفاظ على الهوية اإلسالمية أيام‬
‫االستعمار الفرنسي‪ ،‬وظل يستخدمها في مواجهة التذويب الثقافي الفرنسي‬
‫إلى اليوم‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وفي مؤتمر عن الهوية الشادية أقامته جامعة شاد(سابقا) عام ‪1991‬م‬


‫تم إقرار هذه الوظيفة لمؤسسات التعليم اإلسالمي‪ ،‬فتم اإلقرار من قبل‬
‫المشاركين في المؤتمر بان المجتمع الشادي حافظ على هويته الخاصة‪،‬‬
‫وأحد مكوناتها األساسية اإلسالم‪ ،‬بفعل الدور الهام الذي تقوم به مؤسسات‬
‫التعليم اإلسالمي والمدارس اإلسالمية التي قامت إمدادا لها‪.‬‬
‫من المناصب األساسية لمؤسسات التعليم اإلسالمي في شاد‪ ،‬اتجاه‬
‫المجتمع نحو الربط بين حفظ القرآن الكريم في عائلة معينة أو منطقة معينة‪،‬‬
‫وحفظ األنفس والثروة والسلطة‪ ،‬فالعائلة التي تخلوا من حافظ للقرآن الكريم‪،‬‬
‫ترى بأنها معرضة للهالك دنويا وليس لها من أفرادها شفيع يـوم القيامة‪ ،‬وهـذا‬
‫مـا يوضح إحتفـاء جميع العائـالت– تقريبا– بالحفاظ فيها‪ ،‬واإلفتخار بهم في‬
‫المحافل والمواقف االجتماعية المختلفة‪ ،‬وترتفع مكانة العائالت بارتفاع عدد‬
‫الحفاظ فيها‪ ،‬ويتبع هذا االتجاه‪ ،‬اتجاه آخر يركز على أهمية حفظ القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وربط ذلك بحفظ الثروة‪ ،‬وهذا ما يفسر إرسال البدو وأصحاب‬
‫المواشي ألوالدهم لحفظ القرآن الكريم‪ ،‬اعتقادا منهم بان ذلك يحفظ‬
‫الثروة‪ ،‬وقد الحظنا هذه الظاهرة لدى رجال األعمال في المدينة‪ ،‬حيث يندر‬
‫وجود منزل كبير لرجل أعمال مسلم‪ ،‬يخلو من مسيج بارز لتحفيظ أفراد‬
‫أسرته القرآن الكريم‪ ،‬أمال منه في حفظ أمواله وثروته دنويا‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫طلب الحفظ مــن النار في اآلخرة‪.‬‬
‫أما حفظ السلطة‪ ،‬فقد ارتبط بحفظ القرآن الكريم‪ ،‬خاصة أيام‬
‫السلطنات اإلسالمية والى اليوم‪ ،‬وقد استشهدنا بعدد من المهرة أو الحفظة‬
‫والعلماء والقضاة واأليمة‪ ،‬الذين ساهموا مساهمات فاعلة في الحفاظ على‬
‫السلطة السياسية‪ ،‬لدرجة أن الناس في بعض المناطق‪ ،‬وتقديرا لدور هؤالء‬
‫الحفظة أو العلماء في الحفاظ على النظام السياسي في المجتمع‪ ،‬قد اسندوا‬
‫إليهم القيادة‪ ،‬وهم لها رافضون‪(.‬شلبي‪،‬ص ‪)274‬‬

‫‪-‬‬

‫‪59‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الخاتمة‬
‫ومجمل القول أن هذه الصورة المشرفة لوظائف العلماء حول بحيرة‬
‫الشط‪ ،‬فكان منهم‪ :‬الفقيه واإلمام والقاضي والعالم في هذه المناطق‪ ،‬وكانت‬
‫هذه الوظائف‪ ،‬وليدة لعوامل عديدة اجتماعية وسياسية‪ ،‬جعلت العلماء بصفة‬
‫عامة محط األنظار‪ ،‬ولم يكونوا بمعزل عن الحياة االجتماعية‪ ،‬بل شاركوا‬
‫مشاركة فعالة في األحداث الحاسمة التي مرت بها بلدانهم‪ ،‬وربما كان في‬
‫العديد من هذه الوقائع‪ ،‬شغل العالم دور المحرك األول لتلك األحداث‪،‬‬
‫وضربنا مثال بالشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬الذي انتقل من وظيف الناصح‬
‫في كتابه نصيحة الحكام‪ ،‬إلى فاعل لتطبيق هذه النصائح في كانم‪-‬برنو‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المصادر والمراجع‬
‫المخطوطات العربية‬
‫ديوان سالطين برنو‬
‫‪School of oriental and African studies,‬‬
‫‪LONDON,fol. 18‬‬

‫ب‪-‬محرم اإلمام العالم‪/‬محمد بن ماني وذريته( أوردنا نماذج منها في‬


‫المالحق)‬
‫غزوات إدريس ألومة لإلمام العلم‪/‬أحمد بن فورطوا‬
‫‪School of oriental and African studies, LONDON, fol.‬‬
‫‪003b-004a‬‬
‫‪Arrete N(1095) accordant des subventions aux Ecoles‬‬
‫‪Coraniques sur le Territoire de laRepublique du Tchad,‬‬
‫‪For-Lamy, , le 19/04/1966‬‬

‫‪Kayar,IssaHassan: Le Refuse De l,Ecole‬‬


‫‪,Neuf,PARIS,1976.‬‬

‫‪PALMER,H.R. The Memoirs,3,Vols..Lagos,1928.‬‬


‫باركندو‪ ،‬ب‪.‬م‪ " :.‬كانم بورنو‪ :‬عالقتها بالبحر األبيض المتوسط‬
‫وبجيرمي وسائر حوض الشاد" تاريخ إفريقيا العام‪ ،‬المجلد الخامس‪،‬‬
‫اليونسكو‪ ،‬باريس‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫أيوب‪ ،‬الباحث‪/‬محمد صالح أيوب‪ :‬علم االجتماع التربوي في إفريقيا‪،‬‬
‫دار الفضيلة‪ ،‬القاهرة‪2018 ،‬م‪.‬‬
‫أيوب‪ ،‬الباحث‪/‬محمد صالح أيوب‪ :‬مجتمعات وسط إفريقيا بين الثقافة‬
‫العربية والفرانكفونية منشورات مركز الدراسات اإلفريقية‪،‬سبها‪1992 ،‬م‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الطيبي‪ ،‬د‪ .‬امين‪ ( :‬وصول اإلسالم وانتشاره في كانم‪-‬برنو بالسودان‬


‫األوسط ) مجلة كلية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬طرابلس ‪1987‬م‪.‬‬
‫ابن فرطوا‪ ،‬األمام احمد‪ :‬أخبار وغزوات السلطان إدريس الومة‪،‬‬
‫المطبعة األميرية‪ ،‬كنو‪1931 ،‬م‪.‬‬
‫ابن شريفة‪ ،‬د‪/‬محمد‪" :‬إبراهيم الكانمي أنموذج للتواصل الثقافي بين‬
‫بالد السودان والمغرب" من أعالم التواصل الثقافي بين بالد السودان‬
‫والمغرب‪،‬منشورات معهد الدراسات اإلفريقية‪ ،‬الرباط‪1999،‬م‪.‬‬
‫شلبي‪ ،‬هند‪:‬القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس‬
‫الهجري‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫الدكو‪،‬الدكتور‪ /‬فضل كلود‪ :‬الثقافة اإلسالمية في شاد في العصر‬
‫الذهبي إلمبراطورية كانم‪ ،‬منشورات جمعية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬طرابلس‪،‬‬
‫‪.1988‬‬
‫الصاوي‪ ،‬د‪.‬كرم كمال الدين‪" :‬ديوان الكانموالبرنو نموذج مبكر للعروبة‬
‫واإلسالم في شاد" ندوة اللغة العربية في شاد الواقع والمستقبل‪ ،‬جمعية‬
‫الدعوة اإلسالمية العالمية‪ ،‬طرابلس‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫طرخان‪،‬د‪/‬إبراهيم‪:‬امبراطورية برنو اإلسالمية‪ ،‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫سرج الدين‪ ،‬أدم أديب بو‪ " :‬المؤلفات العربية التاريخية" ندوة دولية‪،‬‬
‫جامعة إفريقيا العالمية‪ ،‬الخرطوم‪-‬السودان‪2013/08/19،‬م‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫مالحق‪ :‬مخطوطات من المحارم بالعربية‬

‫‪63‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪64‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫اإلمام أمحد بن فورتو(خط خمطوطاته عام‬
‫‪1578‬م)منوذج لكتبة البالط السلطاني‬
‫لكامن‪ -‬برنو‬
‫• التمهيد‬
‫أوال‪-‬نشأة وعصر اإلمام أمحد بن فورتو‬
‫ثانيا‪-‬هيئة القلم يف بالط كامن‪-‬برنو‬
‫ثالثا‪-‬أمناط الكتابة الديوانية يف سلطنة كامن‪-‬برنو‬
‫رابعا‪-‬خصائص كتابة اإلمام أمحد بن فورتو‬
‫خامسا‪-‬املكانة العلمية واملهنية لإلمام أمحد بن‬
‫فورتو‬

‫• اخلالصة‬

‫• املصادر واملراجع‬

‫‪65‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -‬التمهيد‬
‫أصحاب القلم والكتبة‪ ،‬أو أصحاب الديوان في سلطنة كانم‪-‬برنو‪،‬‬
‫أنواع‪ :‬فمنهم الكتبة الالزمون‪ ،‬وهم الذين يذوبون في من يكتبون لهم من‬
‫السالطين‪ ،‬وتنطمس شخصياتهم بالكامل‪ ،‬وال يذكر لهم أثر بعد حين‪ ،‬سواء‬
‫أكان ذلك في األحداث الجسام التي تمر بها السلطنة‪ ،‬أو في الظروف‬
‫العادية‪ ،‬وهم كثر‪.‬‬
‫ومنهم أصحاب األقالم المتعدية‪ ،‬وهم الذين يتميزون بالبروز والظهور‪،‬‬
‫من خالل األحداث التي يسجلونها‪ ،‬فتظهر شخصياتهم‪ ،‬بانتقائهم لقضايا‬
‫معينة‪ ،‬يجعلونها معبرا إلظهار براعتهم في التسجيل والكتابة‪ ،‬وإن كان ذلك‬
‫بطرق غير مباشرة في الغالب‪ ،‬وهم قلة‪.‬‬
‫فالكاتب إبراهيم الكانمي‪ ،‬برز من خالل سفارته إلى مراكش‪ ،‬والشعر‬
‫القويم الذي قرضه في حضرة سلطانها‪ ،‬وأبهر به الحضور‪ ،‬ونال المرتبة الرفيعة‬
‫بين أقرانه في المغرب واألندلس‪ ،‬بقلمه ولسانه الفصيح‪ ،‬ووفائه لسلطان‬
‫مراكش المنصور‪ ،‬وخليلته المراكشية الحسناء‪.‬‬
‫والمكانة التي حاذها السفير إدريس بن محمد‪ ،‬حامل خطاب سلطان‬
‫كانم–برنو إلى ملك الديار المصرية برقوق‪ ،‬وخلد ذكراه‪ ،‬ليس بورود اسمه‬
‫في الرسالة فقط‪ ،‬وإنما أيضا –باحتمال‪ -‬تحمله عناء صياغة الرسالة وحملها‬
‫إلى القاهرة‪ ،‬ورئاسة بعثة الحج الكانمية‪ ،‬والرجوع إلى مصر‪ ،‬واستالم الرد من‬
‫سلطان مصر إلى سلطان بالده‪ ،‬واستغرقت منه هذه الرحلة أكثر من سنتين‪،‬‬
‫وهذا ما يؤهله إلى االنضمام إلى أصحاب القلم بجدارة‪.‬‬
‫أما القلم المتعدي الثالث‪ ،‬فهو محمد ينبوع‪ ،‬صاحب مخطوط اإلمارة‪،‬‬
‫ويتميز بقدرته الكتابية‪ ،‬في التعبير عن هيئات الحكم في سلطنة كانم‪-‬برنو‪،‬‬

‫‪66‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ووصفها وصف خبير‪ ،‬من داخل القصر‪ ،‬وبالتالي فهو حالة نادرة‪ ،‬استطاع‬
‫أصحاب القلم‪ ،‬أن يضيفوها إلى هيئتهم المهنية‪ ،‬فهو أمير ابن سلطان‪ ،‬ومن‬
‫ساللة سالطين‪ ،‬وشكل الوصف الذي كتبه عن السلطنة ومكوناتها السياسية‬
‫والخدمية‪ ،‬إضافة حقيقية‪ ،‬تسد النقص‪ ،‬الذي يعتري بعض الكتاب‪ ،‬الذين‬
‫يكتبون من بعيد‪ ،‬في سلطنة يسود بعض شؤونها الغموض والسرية‪ ،‬إن لم‬
‫نقل‪ ،‬األساطير والمحرمات‪ ،‬والتي أخذت بمرور الزمن خصائص القدسية‪،‬‬
‫وغلفتها العادات والتقاليد السلطانية‪ ،‬وهنا جاء دور محمد ينبوع‪ ،‬في تغريداته‬
‫البهية خارج صندوق اإلمارة السلطانية‪ ،‬فرشح لنا بدرر من التجارب‬
‫والخبرات‪ ،‬حتى من داخل هيئة أصحاب القلم نفسها‪ ،‬فصنف هيئة القلم‬
‫الكانمية ‪ -‬البرناوية إلى طبقات ومراتب‪ ،‬يعلو بعضها فوق بعض‪ ،‬وتقوم كل‬
‫طبقة بوظائف تخدم األخرى‪ ،‬وكلها تسعى إلى تنظيم كلم السلطان وإبالغه‪.‬‬
‫ونختم السلسلة المختارة من أصحاب األقالم المتعدية في سلطنة‬
‫كانم‪-‬برنو‪ ،‬بإمام كتبة البالط السلطاني‪ ،‬اإلمام أحمد بن فورتو‪ ،‬الذي سجل‬
‫نفسه في سجل المجد‪ ،‬من خالل وفائه لتسجيله وقائع سلطانه إدريس ألومة‪،‬‬
‫وتركيزه على وصف اإلنجازات الخالدة‪ ،‬أكثر من وصفه للشخصيات المارة‪،‬‬
‫فسيظل ما سجله متعدي الفائدة للمهتمين‪ ،‬إلى أطول فترة ممكنة‪ ،‬من تاريخ‬
‫القارة اإلفريقية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬نشأته وعصره‬
‫اإلمام أحمد بن فورتو(خط كتابه عام‪1578‬م)‪ ،‬هورئيس العلماء‪،‬‬
‫وكاتب بالط كانم‪-‬برنو‪ ،‬وسليل أسرة دينية‪ ،‬لها أثرها الكبير‪ ،‬في نشر اإلسالم‬
‫والعلوم اإلسالمية في حول بحيرة الشط‪ ،‬فهو يذكر في مؤلفاته‪ ،‬أنه ينتسب‬
‫إلى داعية اإلسالم المعرف في المنطقة‪ ،‬العالم محمد بن ماني المشهور‪،‬‬

‫‪67‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫والذي كان يعيش في القرن الحادي عشر(‪1086‬م)‪ ،‬كما توضح المحارم‬


‫السلطانية لكانم–برنو‪ ،‬فيقول في مخطوطه غزوات إدريس ألومة‪" :‬بدأ اإلمام‬
‫أحمد بن فورطوا من قبيلة من قبيلة محمد بن ماني تصنيف هذا الكتاب يوم‬
‫األحد‪ ،‬بشهر اهلل رجب‪ ،‬لثالث بقين منه‪ ،‬في مدينة برني" هذا المخطوط‬
‫الذي يضعه معظم الكتاب على رأس المصادر الموثوقة حول المنطقة‪(.‬ابن‬
‫فورتو‪)2،‬‬
‫تتميز شخصية اإلمام أحمد بن فورتو‪ ،‬بارتباطها الشديد بشخصية‬
‫السلطان الماي الحاج ادريس ألومة العظيمة(‪1603-1570‬م)‪ ،‬والتي غطت‬
‫انجازاتها الدينية والحربية‪ ،‬على معظم من عاصروه‪ ،‬ولكن اإلمام أحمد بن‬
‫فورتو‪ ،‬استطاع بقلمه أن يبرز‪ ،‬ويكون له الفضل على السلطان ادريس ألومة‪،‬‬
‫بأن يخلده بقلمه‪ ،‬الذي سطر بطوالت هذا السلطان‪ ،‬في أعمال مازال الكثير‬
‫منها باقيا إلى اليوم‪،‬وربما ما يفسرذلك‪- ،‬حسب بعض المصادر‪ -‬أن لقب‬
‫فورتو في اللغة الكانورية‪ ،‬يعني "الظبي" بدالالته المتعددة‪( .‬طرخان‪)118،‬‬
‫ومعذلك فهذه الشخصية‪ ،‬غير معروفة في األوساط الثقافية حول بحيرة‬
‫الشط‪ ،‬مثل غيرها من الشخصيات العلمية األخرى‪ ،‬فمن الطريف أن نذكر‬
‫حادثة‪ ،‬حصلت في سنة‪1993‬م توضح‪ ،‬هذا الجهل أو التجاهل‪.‬‬
‫ففي أيام انعقاد المؤتمر الوطني المستقل في شاد(‪1993/01/15‬م)‪،‬‬
‫وظهور قضية رسمية اللغة العربية في الدستور الشادي القادم للبالد من عدمه‪،‬‬
‫اقترحت مدرسة الصداقة الشادية السودانية بأنجمينا‪ ،‬أن تطلق بعض أسماء‬
‫العلماء الكبار من شاد‪ ،‬على بعض الفصول في المدرسة‪ ،‬وطلبت من هيئة‬
‫التدريس وبعض الطالب‪ ،‬أو يحددوا أسماء بعض العلماء‪ ،‬مرفقة ببعض‬
‫المعلومات عن كل عالم‪ ،‬لتكتب على لوحات الفصول الدراسية بالمدرسة‪،‬‬

‫‪68‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فما كان من الجميع‪ ،‬إال أن يقترحوا اسما واحدا فقط‪ ،‬وهو اسم المرحوم‬
‫موسى شوفير‪ ،‬وهو فنان شعبي معاصر‪ ،‬فلما جمعت المدرسة المعلومات عنه‪،‬‬
‫عدلت عن الفكرة تماما‪ ،‬حفاظا على ماء وجه الجهة الشادية‪ ،‬وحفاظا على‬
‫مكانتها الدبلوماسية‪ ،‬كمؤسسة تعليمية تابعة لقنصلية بالدها‪.‬‬
‫وكان من الممكن لألخوة في مدرسة الصداقة الشادية السودانية‪ ،‬وعلى‬
‫المهتمين الشاديين‪ ،‬أن يستفيدوا من تجربة مركز بحوث التنمية ‪ CEFOD‬في‬
‫تاريخ‬ ‫من‬ ‫بدأ‬ ‫الذي‬ ‫الكاثوليكية‪،‬‬ ‫للكنيسة‬ ‫التابع‬ ‫أنجمينا‪،‬‬
‫(‪1978/01/01‬م)‪ ،‬إحياء ذكرى بعض الشخصيات الشادية القديمة‪ ،‬تذكيرا‬
‫للشاديين ببعض أمجادهم‪ ،‬من خالل الكتابة عن العلماء الشاديين السابقين‪،‬‬
‫انطالقا من وثائقهم ومخطوطاتهم العربية‪ ،‬وبدأوها بإحياء الذكرى األربعمائة‪،‬‬
‫لكتابة اإلمام أحمد بن فورتو‪ ،‬لمخطوطه حول كانم‪-‬برنو‪.‬‬
‫فأوكل األمر إلى أهله‪ ،‬حيث استعان المركز بالمستشرق الفرنسي جان‬
‫فكتب مقاال في مجلة المركز المسماة شاد‬ ‫زلتنر‪،J.C.ZELTNER‬‬ ‫كلود‬
‫والثقافة‬
‫العدد ‪ 112‬الصادر بتاريخ‬ ‫‪TCHAD ET CULTURE‬‬
‫‪1978/11/01‬م‪ ،‬فكتب قائال‪ " :‬في عام ‪1578‬م‪ ،‬قبل ‪400‬سنة‪ ،‬كتب‬
‫اإلمام أحمد بن فورتو‪ ،‬كتابه حول كانم‪ ،‬فمن يعرف أحمد بن فورتو؟ لم يظهر‬
‫اسمه في سجل التاريخ؟ لم يسجل في الفتوحات‪ ،‬وال في سجل التكريم‪ ،‬وال‬
‫المحاربين؟ ولم يحكم؟ ولكنه عمل األخلد‪ ،‬إنه كتب‪ .‬ولهذا تحتفل مجلة‬
‫الكبير‬ ‫الكاتب‬ ‫لهذا‬ ‫الرابع‪،‬‬ ‫المئوي‬ ‫بالعيد‬ ‫والثقافة‪،‬‬ ‫شاد‬
‫المجهول"‪)ZELTNER,P.24(.‬‬

‫‪69‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫اسمه أحمد‪ ،‬أبوه فورتو‪ ،‬وأمه صفية‪ ،‬من كبار األيمة في كانم‪-‬برنو‪،‬‬
‫ارتبط ببالط السلطان إدريس ألومة‪ ،‬أتيحت له الفرصة أن يشارك في أحداث‬
‫جسيمة‪ ،‬في سنوات‪1564 ،‬م‪ ،‬و‪1574‬م‪ ،‬ورأى بالده كانم‪-‬برنو‪ ،‬تحتل‬
‫أكبر مساحة في المنطقة‪ ،‬مصحوبة بأكبر تحول سياسي‪ ،‬تبعه تشقق اجتماعي‬
‫في عصب الدولة‪ ،‬حيث ظل جزء من الدولة متمسك بشدة باإلسالم‪ ،‬وجزء‬
‫منسلخ عنه‪ ،‬خاصة الساو أو سكان أمشاكا‪ ،‬ومن الخارج‪ ،‬وسعت كانم–برنو‬
‫عالقاتها التجارية مع طرابلس وازدهرت‪ ،‬وفي سنة ‪1577‬م‪ ،‬بعثتكانم‪-‬برنو‪،‬‬
‫سفيرا لها إلى السلطان العثماني في اسطمبول‪ ،‬وبالمقابل أرسل سلطان تركيا‪،‬‬
‫مبعوثا له إلى عاصمة كانم‪-‬برنو قصر قمو‪.‬‬
‫ومن مظاهر ظهور شخصية ابن فورتو‪ ،‬وتسجيل آرائه وانطباعاته‬
‫الشخصية‪ ،‬ضمن كتاباته الوفية‪ ،‬لتسجيل األحداث السلطانية‪ ،‬في سجالت‬
‫كانم‪-‬برنو‪ ،‬بروز رأيه الخاص‪ ،‬في قضية عقدية‪ ،‬حدثت ضمن اإلصالحات‬
‫العقائدية‪ ،‬التي قام بها السلطان دونامة دبالمي‪ ،‬وأشار أليها المؤرخون بشي ء‬
‫من اإلعجاب‪ ،‬وهي إبطاله العتقادات أهل كانم (بموني)‪،‬وقد كتب ابن فرتو‬
‫عن هذا الحدث قائال‪:‬‬
‫"ومن العجائب والغرائب‪ ،‬ما سمعناه من أكابرنا في خطابهم‪ ،‬الذي‬
‫أطيب من األعاجيب‪ ،‬أنه عند قبيلة بني سيف‪ ،‬شيئا ملفوف مغطى‪ ،‬فيه‬
‫نصرهم في الحرب‪ ،‬يسمى (بمونى)‪ ،‬وال يفتحه أحد من ملوك سيف بن ذي‬
‫يزن‪ ،‬ولم يزل بيدهم غير مفتوح‪ ،‬إلى أن جاءهم عصر السلطان دونامة‬
‫دبالمي‪ ،‬فأراد السلطان المذكور فكه وفتحه‪ ،‬وقال له قومه الذين كانوا معه‪:‬‬
‫ال تفعل هذا‪ ،‬وأن هذا األمر‪ ،‬كان فيه نصر كبائركم الماضين‪ ،‬وال يقدر أحد‬
‫من الكفار‪ ،‬وغيرهم أن يخالفهم‪ ،‬ما دام هذا الشيء‪ ،‬بيدهم ملففا مغطى‪ ،‬إلى‬

‫‪70‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫هذا الزمان‪ ،‬الذي والك اهلل تعالى فيه‪ ،‬بمنه وكرمه على المسلمين‪ ،‬فأبى‬
‫(الملك) وترك قبول قولهم‪ ،‬إلى أن فك األصل القديم‪ ،‬وفتح الملك‪ ،‬متوكال‬
‫على اهلل (جوجو موني)‪ ،‬ولم يجد في المخالة‪ ،‬التي تسمى بموني شيئا‪ ،‬سوى‬
‫هذه المخالة‪ ،‬وما عليها من الجلود المتنوعة األشكال‪ ،‬وأمر بوضعها‪ ،‬بحيث‬
‫يراها‪ ،‬جميع الناس‪ ،‬ليعلموا أن (جوجو موني) هذا‪ ،‬ما هو إال خرافة‪ ،‬وما هو‬
‫إال وهم مضلل‪ ،‬وهذا النجاح‪ ،‬زاد من همة السلطان وعزمه‪ ،‬الرامي إلى إزالة‬
‫جميع العقائد الخرافية‪ ،‬والعادات المنافية لإلسالم"‪( .‬ابن فورتو‪-125 ،‬‬
‫‪)132‬‬
‫والغريب في األمر‪ ،‬استنكار إمام كابن فورتو‪ ،‬لما فعله السلطان دونامة‬
‫بالمي‪ ،‬حيث رأى‪ ،‬أن هذا العمل‪ ،‬كان انتهاكا لحرمة الدين واألعراف‪ ،‬وأنه‬
‫السبب األساسي‪ ،‬في االضطرابات والمتاعب العديدة‪ ،‬التي حدثت فيعهد‬
‫دونمة دبالمي‪ ،‬فهل كان هذا االستنكار‪ ،‬بتأثير من التقاليد السائدة في البالد‬
‫منذ القدم؟ أم ألن موني‪ ،‬كما ذكر أحد الباحثين (ترمنهام)‪ ،‬لم يكن على ما‬
‫يحتمل‪ ،‬سوى مصحف في علبة من الجلد؟(الطيبي‪)181 ،‬‬
‫وخالصة رأي ابن فورتو‪ ،‬في مغلف موني‪ ،‬أنه عبارة عن عادة االستعانة‬
‫بالقرآن الكريم‪ ،‬في شكل علبة أو غيرها في الحرب‪ ،‬وهي عملية عرفتها‬
‫الحضارة اإلسالمية منذ فترة طويلة‪ ،‬إال أن االعتقاد‪ ،‬بأن هذه العلبة فقط‪ ،‬هي‬
‫التي تعين على النجاح في الحرب‪ ،‬هي التي حاربها ونجح فيها السلطان‬
‫دونمة دبالمي‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثانيا‪-‬هيئة القلم في بالط كانم‪-‬برنو‬


‫يذكر مخطوط محلي‪ ،‬أن هيئة القلم في بالط كانم‪-‬برنو أو الكتبة‪،‬‬
‫تتكون من المؤرخين والمسحيين‪ ،‬وكتاب األقطاع‪ ،‬وعلماء المساحة في‬
‫األرض‪ ،‬والمشتغلين بشؤون األرض‪ ،‬وأرباب الكيمياء‪ ،‬وعلماء الكيمياء‬
‫والمنجمون‪ ،‬الذين لهم العلم في النجوم‪ ،‬وعلماء الحساب الذين لهم العلم‬
‫في الحساب‪ ،‬وكانوا كثيرا ما يستعملون في األعداد األرقام العبرانية والهندية‪،‬‬
‫وربما يبالغون في خط العدد بالعبرية والرومية‪ ،‬حتى في مجامعهم‪ ،‬كلزوم‬
‫السلطان أحمد بن على‪ ،‬في خط مصحفه‪ ،‬باألعداد الرومية عند‬
‫الخمس‪(.‬ينبوع‪ ،‬ورقة‪)8-7‬‬
‫وبتحديد أكثر‪ ،‬تتشكل هيئة القلم في بالط كانم‪-‬برنو‪ ،‬من عدد من‬
‫األعضاء‪ ،‬أهمهم ثمانية‪ ،‬يقودهم إمام الهيئة‪ ،‬يليه الخطباء‪ ،‬والمرتبون للكتابة‪،‬‬
‫ومسجلو الكلم‪ ،‬والترجمان‪ ،‬والمعنونون‪ ،‬والرسل‪ ،‬وأخيرا حمال الكتاب‪،‬‬
‫مشكلين هيئات صغرى داخل كل مجموعة‪ ،‬وسنحاول إعطاء نبذة عن كل‬
‫جماعة من هؤالء األعضاء‪ ،‬معتمدين على مخطوط ينبوع "اإلمارة"‪ ،‬مع‬
‫استعمال تعبير سلطان‪ ،‬بدل تعبير ملك‪ ،‬الذي يستخدمه محمد ينبوع كثيرا‪،‬‬
‫وترتيب وصياغة مختلفة عن المخطوط األصلي‪.‬‬
‫‪-1‬إمام الكتبة‪ ،‬أو رئيس هيئة القلم في بالط كانم‪-‬برنو‪ :‬ويعينه‬
‫السلطان ليرأس هيئة القلم في بالط كانم‪-‬برنو‪ ،‬ثم يأمر أهل كل قطر‪ ،‬بأن‬
‫يولوا شؤون دينهم‪ ،‬أهل علم وورع‪ ،‬مستحقين لإلمامة‪ ،‬ليتقدموهم في أمور‬
‫دينهم‪ ،‬وعلماء يختارون في كل ناحية‪ ،‬فيرون أنباء الكل‪ ،‬وينصرون الحق‪،‬‬
‫ومن أكبر األيمة اإلمام أحمد بن فورتو‪ ،‬ويساعده جميع أعضاء الهيئة‬
‫اآلخرون‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-2‬الخطباء‪ :‬وهم زمرة من حذاق العلماء وألسنهم‪ ،‬يتولون الخطب عن‬


‫السلطان‪ ،‬فيما يخصهم من الشؤون العلمية‪ ،‬أما ما يخص خطب السلطان‪،‬‬
‫فال يتولى عليه أحد من الخطباء‪ ،‬بل السلطان يخطب بنفسه‪ ،‬فهؤالء الخطباء‬
‫يعرضون على السلطان دائما‪ ،‬مجمل ما يخطبون فيه موثقا‪ ،‬بدون تفصيل‪،‬‬
‫يرأسهم زنويتلتمة ومواله‪ ،‬وشطيمة وكشلة وغرنمة ومعلمهم‪ ،‬وهو األكبر سنا‬
‫من الجميع‪.‬‬
‫‪ -3‬المرتبون للكتاب‪ :‬وهم أصحاب ترتيب الكتاب‪ ،‬زمرة قليلون‪،‬‬
‫يرتبون ما كتب بين يدي السلطان من الكتاب‪ ،‬يرأسهم مولى بربراتمه‪ ،‬وتحته‬
‫اللوازم‪.‬‬
‫‪ -4‬مسجلو الكلم‪ :‬وهم زمرة من الكتاب‪ ،‬يسجلون كل ما فاه به‬
‫السلطان‪ ،‬حتى ال يعزب حرف واحد‪ ،‬من أول النادي إلى آخره‪ ،‬ثم يعرضون‬
‫له ذلك آخر النهار‪ ،‬ثم ينوب عنهم‪ ،‬كتاب الليل إلى آخر العشاء‪ ،‬فيعرضون‬
‫له أول الصباح‪ ،‬يرأسهم شطيمكلدمة ومواله وغيرهما من بصراء الكتاب‪.‬‬
‫‪ -5‬الترجمان‪ :‬والترجمان جماعة من الناس‪ ،‬السامعين للغات الناس‬
‫األجانب من كل قطر‪ ،‬كلغة الفرس والروم وإلى غيرهما من اللغات األجنبية‪،‬‬
‫يرأسهم زنوي ترجمة وشطيمة ومواله‪ ،‬وغيرهما من الرجال األمناء‪.‬‬
‫‪-6‬المعنونون‪ :‬وهم الذين يعنونون الكتاب‪ ،‬بعد الختم على ظاهر‬
‫الظرف‪ ،‬وهم جماعة قليلون‪ ،‬يرأسهم غرغم ويؤيده من تحت‪.‬‬
‫‪ -7‬الرسل‪ :‬وهم زمرة من الرجال األمناء‪ ،‬يرسلهم السلطان إلى ما شاء‬
‫من الحكام والعمال وغيرهما‪ ،‬يرأسهم زنويكتلومة وكشله وغرنمه وغيرهم من‬
‫األمناء‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -8‬حمال الكتاب‪ :‬وهم زمرة خاصة يتولون حمل كتاب السلطان‪ ،‬إلى‬
‫من شاء من الحكام في الخارج‪ ،‬ويرأسهم زنوي برشا‪ ،‬ومن يليه من كشالي‬
‫وشطائم وغيرهم من الرجال‪(.‬ينبوع‪ ،‬ورقة‪)8-7‬‬

‫ثالثا‪ :‬أنماط الكتابة الديوانية في سلطنة كانم‪-‬برنو‬


‫تدل أساليب الكتابة الديوانية في كانم‪-‬برنو‪ ،‬على أنها بدأت بتدين‬
‫المؤرخين‪ ،‬للسير الذاتية لسالطين األسرة الحاكمة‪ ،‬بعد ما انتقلت من التاريخ‬
‫الشفوي‪ ،‬إلى مرحلة الكتابة‪ ،‬وبالتالي شمل ديوان اإلنشاء والمكاتبات‪ ،‬عملية‬
‫رصد المرحلة المبكرة في عهد األسرةالسيفية في كانم‪ ،‬وضمت أسماء‬
‫وألقاب ماياتالكانموالبرنو‪ ،‬وصيغ المكاتبات مع الدول المجاورة‪.‬‬
‫وقد أسندت سلطنة كانم‪-‬برنو‪ ،‬مهمة الكتابة السلطانية‪ ،‬إلى كتاب‬
‫ذوي خبرة‪ ،‬نجد من بينهم اإلمام أحمد بن فورتو‪ ،‬رئيس العلماء ومؤرخ بالد‬
‫كانم‪-‬برنو زمن الماي إدريس ألومة‪ ،‬وله الفضل في تخليد أعماله‪ ،‬وتسجيل‬
‫أنشطته السياسية‪ ،‬ومما يدل على المكانة السيادية البن فورتو على المكاتبات‬
‫السلطانية‪ ،‬أن نسخة ديوان سالطين كانم‪-‬برنو األخيرة‪ ،‬وضعت في ملحق‬
‫أعمال ابن فورتو عن غزوات ادريس ألومة‪(.‬الصاوي‪)381-367 ،‬‬
‫والنموذج األول لنمط الكتبة في كانم‪-‬برنو‪ ،‬هو العالم إبراهيم‬
‫الكانمي‪ ،‬الذي ولد قبل عام ‪550‬ه في مدينة بلمة بكانم‪ ،‬وتوفي بمدينة‬
‫مراكش المغربية سنة ‪/609‬أو ‪608‬ه الموافق ‪1211‬م أو ‪1212‬م‪.‬‬
‫ويفرد له المستشرق األمريكي‪ ،‬جون هانويك مساحة من موسوعته‪،‬‬
‫حول الوثائق والمخطوطات العربية في وسط وغرب إفريقيا‪ ،‬الصفحات‪،17‬‬
‫‪ ،19 ،18‬ويعرفه بإبراهيم يعقوب الذكوانيالكانمي‪ ،‬ويحدد تاريخ وفاته‪ ،‬كما‬
‫ذكرناه في الفقرة الماضية‪ ،‬معتمدا في سرد أعماله على أبحاث ابن شريفة من‬
‫‪74‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫بالمملكة‬ ‫الخامس‬ ‫محمد‬ ‫جامعة‬ ‫اإلفريقية‬ ‫الدراسات‬ ‫معهد‬


‫المغربية(‪1991‬م)(‪)Hunwick.John 17-19‬‬
‫ويحدده ابن شريفة‪ ،‬في كتابه أعالم التواصل بين إفريقيا والمغرب على‬
‫النحو التالي‪ :‬هو إبراهيم بن محمد بن فارس بن شكله بن عمرو بن عبد اهلل‬
‫السلمي الذكواني بأبي إسحاق النحوي الشاعر‪ ،‬تعلم في كانم‪ ،‬باعتبارها من‬
‫أقدم بالد إفريقيا ما راء الصحراء‪ ،‬دخوال في اإلسالم‪ ،‬ومن أقدمها إقباال على‬
‫التعلم‪ ،‬فاجتهد في طلب العلم وتحصيله‪ ،‬وكان نحويا ماهرا‪ ،‬يحفظ كتاب‬
‫الجمل‪ ،‬وكثيرا من أشعار العرب‪ ،‬وأنه كان عالما باألدب‪(.‬ابن شريفة‪-21 ،‬‬
‫‪)22‬‬
‫يالحظ على سيرة إبراهيم الكانمي‪ ،‬انه أتم تعليمه في كانم‪ ،‬حيث لم‬
‫تذكر المصادر التي بين أيدينا‪ ،‬تلقيه العلم أثناء رحالته الكثيرة‪ ،‬إلى المغرب‬
‫واألندلس‪ ،‬الذي صادف فيها وصول سفير صالح الدين ابن حمويه من‬
‫المشرق‪ ،‬وهو ابن حمويه‪ ،‬وكان الكانمي يتردد على ابن حمويه ويجالسه‬
‫ويذاكره في مراكش‪ ،‬وهذه من اإلشارات القوية في أن الكانمي‪ ،‬كان في‬
‫سفارة إلى المغرب من سلطنة كانم‪ ،‬فراق إليه التواصل مع سفراء آخرين‪،‬‬
‫وكذلك طريقة استقباله من قبل األمير إبراهيم المنصور‪ ،‬أحد ملوك الموحدين‪،‬‬
‫وقرضه الشعر العذب في حضرته‪ ،‬كعربون للعالقات الحسنة بين سلطان‬
‫المغرب وسلطان بالده‪ ،‬ممثال في شخص الكانمي‪ ،‬كما تقول القواعد‬
‫الدبلوماسية إلى اليوم‪ ،‬ومن شعره البليغ هذين البيتين‪:‬‬
‫أزال حجابه عني وعيني تراه من المهابة في حجاب‬
‫بعدت مهابة عند اقتـ ـ ـ ـ ـ ـرابي‬ ‫وقربني تفضله ولكـ ـ ـ ـ ـ ــن‬

‫‪75‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫يذكر ابن شريفة أن الكانمي‪ ،‬لقي بعد هذا االستقبال حفاوة كبيرة‪ ،‬لدى‬
‫السادة الموحدين‪ ،‬وهي حفاوة استحقها الكانمي‪ ،‬بشعره وضلوعه في األدب‪،‬‬
‫وثقافته األصولية والمنطقية‪ ،‬وتبحره في النحو‪ ،‬وحسده أعيان سلطان مراكش‬
‫على هذه الحفاوة‪ ،‬خاصة عندما صاهره السلطان‪ ،‬فزوجه من قريباته‪ ،‬فزاد‬
‫قربه منه‪(.‬ابن شريفة‪)25،32،‬‬
‫فقد ذكر ابن األبار‪ ،‬أن الكانمي تصدر لتدريس اآلداب بمدينة مراكش‬
‫فقال‪ " :‬أقرأ مقامات الحريري تفقها‪ ،‬وال أدري عن من رواها" وتشير هذه‬
‫العبارة إلى أن الكانمي‪ ،‬كان متمكنا من هذا المتن األدبي المتين‪ ،‬لغة ونحوا‬
‫وبالغة‪ ،‬وغير ذلك مما تعنيه كلمة التفقه‪ ،‬ويبدو ان له تعليقات عليها‪ ،‬أشار‬
‫ابن عبد الملك إلى بعضها‪ ،‬وذكر أنه وقف عليها بخط الكانمي نفسه‪( .‬ابن‬
‫شريفة‪)22 ،‬‬
‫وقد قويت عالقة الكانمي باألمير أبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب‬
‫المنصور سلطان الموحدين في مراكش‪ ،‬فانقطع إليه‪ ،‬واختص به‪ ،‬والزمه‬
‫مالزمة استمرت إلى أن زار معه األندلس‪ ،‬وأقاما معا في إشبيلية‪ ،‬وهي الرحلة‬
‫التي ساهمت في حفظ تراث الكانمي‪ ،‬لدى كتاب األندلس‪ ،‬الذين حفظوا‬
‫ترجمته‪ ،‬باإلضافة إلى الدور الذي قام به‪ ،‬صديقه في السفارة والترحل ابن‬
‫حمويه‪ ،‬حيث سجل بعض مظاهر عالقتهما‪ ،‬وما عرفه عن الكانمي في مراكش‬
‫في كتبه‪.‬‬
‫والعالم ابراهيم الكانمي‪ ،‬رغم الصيت الذي حظي به في الخارج‪ ،‬إال‬
‫أنه مجهول في بالده‪ ،‬فحينما أتيح للباحث أن يشير إليه في كتابه‪ ،‬مجتمعات‬
‫وسط إفريقيا بين الثقافة العربية والفرانكفونية (‪ ،)1992‬أثار ذلك حفيظة‬
‫المهتمين بتاريخ األدب العربي في شاد‪ ،‬فاستخسروا على األدب الشادي‪،‬‬

‫‪76‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫هذا البعد التاريخي الذي يمثله الكانمي‪ ،‬حيث أن للشعر العربي الشادي‬
‫امتداد إلى بدايات القرن الثالث عشر الميالدي‪ ،‬السابع الهجري‪ ،‬فما كان من‬
‫أستاذ األدب الشادي القدير األستاذ الدكتور عبد اهلل حمدنا‪ ،‬إال أن يعلق‬
‫على ذلك بالقول‪ ،‬أن ظاهرة إبراهيم الكانمي الشعرية‪ ،‬خاصة النضج األدبي‬
‫الذي تتميز به‪ ،‬ماهي إال أسطورة من أساطير أيوب‪ ،‬وليس أمام الباحث إال‬
‫الصبر والتحمل‪ ،‬ألن المصادر الموجودة بين يديه محدودة‪.‬‬
‫إلى أن من اهلل عليه‪ ،‬بزيارة المغرب عام ‪2001‬م‪ ،‬وفي جامعة محمد‬
‫الخامس‪ ،‬وجد دراسة أ‪.‬د‪.‬ابن شريفة‪ ،‬وحمل نسخ منها إلى مكتبة جامعة‬
‫الملك فيصل‪ ،‬ليطلع عليها طالب الدراسات العليا‪ ،‬وأول من سمع بها‪،‬‬
‫األستاذ حمدنا اهلل‪ ،‬فلم يصدق ما قرأ في البداية‪ ،‬فكلف الطالب‪ ،‬بالتثبت‬
‫من معلومات ابن شريفة في كتب التراث العربي الموجودة بالمكتبة المركزية‬
‫في أنجمينا‪.‬‬
‫فوجد الطالب معلومات عن الكانمي‪ ،‬أكثر من التي ذكرها ابن شريفة‪،‬‬
‫ألنه ركز فقط على ما يتعلق بالعالقة مع المغرب‪ ،‬فأضاف أستاذنا حمدنا اهلل‪،‬‬
‫الشاعر إبراهيم الكانمي‪ ،‬عن قناعة لرواد األدب العربي في شاد‪ ،‬والحمد هلل‬
‫دخل ضمن المنهج الدراسي في البالد‪ ،‬تحت مرحلة سموها المرحلة‬
‫المنقطعة في تاريخ األدب العربي في شاد‪ ،‬مع أنه بإمكانهم‪ ،‬أن يسعوا إلى‬
‫تتبع اإلنتاج األدبي المفقود‪ ،‬قبل الحكم باالنقطاع‪(.‬حمدنا اهلل‪)192-177،‬‬
‫إلبراهيم الكانمي‪ ،‬مساهمات في صياغة األسلوب الكتابي‪ ،‬عرف في‬
‫سفارة كانم‪-‬برنو بالمغرب واألندلس‪ ،‬وفي الشرق من خالل جهود زميله في‬
‫السفارة ابن حمويه‪ ،‬ومساهمات في علم أصول الفقه والمنطق والنحو‪ ،‬إال أن‬
‫الميدان الذي برز فيه بين معاصريه‪ ،‬هو األدب بشكل عام‪ ،‬والشعر بشكل‬

‫‪77‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫خاص‪ ،‬فقد أثنى نقاد عصره على شعره‪ ،‬مثل أبو زيد عبد الرحمان الفازازي‬
‫"يفضله على شعراء عصره"‪(.‬تحفة القادم‪)158،‬‬
‫ويعلق ابن شريفة على هذا الثناء فيقول‪ :‬وناهيك به من تفضيل صادر‬
‫عن أديب كبير‪ ،‬وشاعر مصقع وكاتب بليغ‪ ،‬وشعراء العصر في قوله المذكور‪،‬‬
‫يدخل فيهم أمثال الجراوي وابن مجبر وابن حبوس غيرهم‪ ،‬وابن األبار يصف‬
‫الكانمي في التكملة بأنه‪" :‬كان شاعرا مغلقا"(التكملة‪ ،)1،177،‬ويصفه في‬
‫تحفة القادم‪ ،‬بأنه كان" شاعرا محسنا"(تحفة القادم‪.)157،‬‬
‫أما شيخ الشيوخ ابن حمويه فيقول أن الكانمي‪":‬يعرب عن شعر‬
‫فصيح‪ ،‬ولفظ صحيح‪ ،‬ووزن مستقيم‪ ،‬ومعنى قويم"(قالئد الجمان‪-38 ،:1،‬‬
‫‪ ،)39‬والصفدي يقول عنه‪ ،‬إنه كان" جيد النظم"(الوفي بالوفيات‪،:6 ،‬‬
‫‪ ،)170‬ووصفه ياقوت الحموي بأنه " مشهود له باإلجادة"(معجم البلدان‪،‬‬
‫مادة كانم)‪ ،‬ويصف ابن شريفة الكانمي بالشاعر الفحل‪(.‬ابن شريفة‪-36 ،‬‬
‫‪)39‬‬
‫ولم يتوقف إبراهيم الكانمي‪ ،‬على االعتراف به من قبل معاصريه‪ ،‬بل‬
‫سعى إلى التأثير بعلمه في كبار علماء عصره‪ ،‬من افتخارهم بالرواية عنه‪ ،‬أي‬
‫دخل في سندهم العلمي باعتباره أستاذا لهم‪ ،‬درسوا العلم على يديه‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫أبو الحسن ابن القطان المشهور والد المؤرخ ابن القطان‪ ،‬قال ابن عبد الملك‬
‫في ترجمة األول‪" :‬ووقفت في خطه على روايته عن أبي إسحاق الكانمي‬
‫الشاعر"‪(.‬الذيل والتكملة‪)166 :8،‬‬
‫لم يكن ابن القطان الوالد‪ ،‬رجل دولة الموحدين‪ ،‬الذي روى عن‬
‫الكانمي‪ ،‬فقد روى عنه وتردد عليه في منزله قبل وفاته‪ ،‬رجل الدولة الثاني أبو‬
‫زيد الفازازي‪( .‬تحفىة القادم‪)158،‬‬

‫‪78‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومن بين من خالط الكانمي أيضا‪ ،‬األديب الشاعر أبو عبد اهلل محمد‬
‫بن الصغار‪ ،‬الملقب بالبرنامج‪(.‬الزيل والتكملة‪)293-288 :6 ،‬‬
‫وذكر ابن عبد الملك في ترجمة أبي عبد اهلل بن المناصف‪ ،‬أنه تأدب‬
‫بأبي إسحاق الكانمي‪(.‬الزيل والتكملة‪)345 :8 ،‬‬
‫وقد دونت بعض آثار الكانمي في مراكش‪ ،‬خاصة في الزيل والتكملة‪،‬‬
‫بناء على ما جاء في مسالك األبصار للعمري‪ ،‬فقد أملى الكانمي في مراكش‪،‬‬
‫بعض األخبار عن بلده كانم‪(.‬مسلك األبصار‪ ،‬ج‪ :2‬باب‪)2‬‬
‫ويقرر الذين قاموا بدراسة آثار الكانمي‪ ،‬أنه بأدبيته المتينة‪ ،‬وشاعريته‬
‫الرفيعة‪ ،‬يمثل حالة نادرة‪ ،‬بل فريدة في التاريخ الثقافي إلفريقيا ما وراء‬
‫الصحراء‪ ،‬فإذا كانت هذه البالد‪ ،‬عرفت ثقافة دينية وفقهية على وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬وظهر فيها علماء ومؤلفون‪ ،‬على مر العصور اإلسالمية‪ ،‬فإنها لم‬
‫تعرف مثل الكانمي في ثقافته األدبية‪ ،‬وربما كان هو أول وآخر شاعر عربي‬
‫في مستواه‪ ،‬تنجبه إفريقيا ما وراء الصحراء‪ ،‬وهذا ما يقرره الصفدين إذ‬
‫يقول‪":‬ولم يعرف من أرضه شاعر سواه"(نزهة الحادي‪ ،)89،‬فشعر الكانمي‬
‫يجمع بين مزيتي الطبع والصنعة‪ ،‬ويستند إلى محفوظ شعري غزير‪ ،‬ومحصول‬
‫لغوي كبير‪(.‬ابن شريفة‪)42،‬‬
‫ومن المالحظ ان جميع اآلثار المكتوبة‪ ،‬التي اعتمد عليها الكتاب في‬
‫تقييمهم للكانمي‪ ،‬ترجع إلى سنواته األخيرة‪ ،‬التي قضاها في المغرب وزيارته‬
‫لألندلس وإشبيلية‪ ،‬أي حوالي خمسة عشر عاما أو أقل‪ ،‬أما إنتاجه العلمي‬
‫واألدبي قبل ذلك‪ ،‬فهو مفقود إلى اآلن‪ ،‬وهي ظاهرة توضح عدم العناية‪،‬‬
‫بتسجيل الوقائع واألحداث‪ ،‬واآلثار والمخطوطات األدبية والعلمية‪ ،‬في‬

‫‪79‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫مناطق وسط إفريقيا‪ ،‬لها نتائجها التي تظهر‪ ،‬في عدم إبراز مساهمات العلماء‬
‫في حينها‪.‬‬
‫والنموذج الثاني لنمط الكتبة في كانم‪-‬برنو‪ ،‬هو السفير إدريس بن‬
‫محمد‪ ،‬حامل كتاب سلطان كانم–برنو‪ ،‬الماي عثمان بن إدريس(‪-1392‬‬
‫‪1425‬م)‪ ،‬إلى مصر المملوكية‪ ،‬أيام الملك الظاهر" أبي سعيد برقوق" الذي‬
‫وصل إلى مصر‪ ،‬في شهور سنة أربع وتسعين وسبعمائة‪794(،‬ه‪ ،‬الموافق‬
‫‪1392‬م)‪ (.‬القلقشندي‪)119 :8 ،‬‬
‫هذا الكتاب الذي سطر فيه اسم حامله‪ ،‬ابن عم السلطان‪ ،‬يعطي‬
‫اإلشارة‪ ،‬ليس فقط‪ ،‬انتماء السفير إلى األسرة الحاكمة‪ ،‬وأهمية المهمة التي‬
‫أوكلت إليه‪ ،‬وإنما إلى إمكانية مشاركته في صياغة الخطاب نفسه‪ ،‬كما تفعل‬
‫السلطات الحاكمة إلى اليوم‪ ،‬حيث توكل إلى الجهة المخولة أو المعنية‪،‬‬
‫إعداد وصياغة الكلمات أو الخطابات التي يلقيها الحاكم‪ ،‬وبمجرد اإلعالن‬
‫عنها من قبله‪ ،‬تتحول رسميا‪ ،‬باعتبارها‪ ،‬كلماته وخطاباته‪ ،‬وال يكون للجهة‬
‫المعدة للرسالة ذكر‪ ،‬وإنما تترك للعرف الفني‪ ،‬للمكاتبات والخطابات‬
‫الرسمية‪ ،‬المتعارف عليه‪ ،‬في المراسم والتشريفات الحكومية>‬
‫فما بالنا‪ ،‬إذا كان سفير سلطان كانم‪-‬برنو‪ ،‬إدريس بن محمد‪ ،‬إلى‬
‫برقوق‪ ،‬قد تشرف بورود اسمه وصفته الرسمية في داخل المكاتبة‪ ،‬وتأكد‬
‫ذلك‪ ،‬بذكر درجة عالقته العائلية بالسلطان‪ ،‬فقد نص في الكتاب‪ ":‬وبعد‬
‫ذاك‪ ،‬فإنا قد أرسلنا إليكم رسولنا‪ ،‬وهو ابن عمي‪ ،‬اسمه إدريس بن محمد‪،‬‬
‫من أجل الجائحة التي وجدناها وملوكنا"‪ (.‬القلقشندي‪)119 :8 ،‬‬
‫وهذا على ما يرى الباحث‪ ،‬هو الدور الذي قام به السفير إدريس بن‬
‫محمد‪ ،‬والدليل على ذلك‪ ،‬العناية التي حظي بها هذا الكتاب في الصياغة‬

‫‪80‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫اللغوية واالستشهاد بالنصوص الموثقة من القرآن والسنة‪ ،‬بل حتى الحكم‬


‫المروية‪ ،‬مما أدى إلى االحتفاظ به في الصدارة‪ ،‬في السجالت المصرية‪،‬‬
‫واعتبر النموذج والمثل للمكاتبات بين كانم – برنو ومصر‪ ،‬ومصدرا‬
‫للتعليقات‪ ،‬ودليال على العالقات الكتابية‪ ،‬بين البالطينالكانمي ‪ -‬البرناوي‬
‫والمملوكي‪ ،‬بل واعتبره بعض كبار الكتاب في عصره‪ ،‬مظهرا لنمو وازدهار‬
‫الثقافة العربية في وسط إفريقيا‪.‬‬
‫وتذكر هذه المصادر‪ ،‬أن سفير سلطنة كانم‪-‬برنو‪ ،‬إدريس بن محمد‪،‬‬
‫قدم إلى القاهرة في بعثة الحج الكانمية‪ ،‬حامال مع الكتاب هدية معتبرة إلى‬
‫الملك برقوق‪ ،‬حددها بعضهم بالقول‪ " :‬وأرسل –سلطان كانم‪-‬برنو‪ -‬هدية‬
‫صالحة من زئبق وغيره"‪( .‬القلقشندي‪،‬ج‪)119-116 :8‬‬
‫ورغم أن المصادر لم تشر‪ ،‬ما إذا كان السفير إدريس بن محمد‪ ،‬قد‬
‫أدى مناسك الحج‪ ،‬مع البعثة الكانمية أم ال‪ ،‬إال أنها ذكرت‪ ،‬أنه تسلم رد‬
‫برقوق على رسالة سلطان كانم‪-‬برنو‪ ،‬بعد سنة أو سنتين‪ ،‬فقال‪ ":‬وكتب جوابه‬
‫بخط‪ ،‬زين الدين طاهر‪ ،‬أحد كتاب الدست‪ ،‬وبعث إليه به‪ ،‬مع رسوله الوارد‪،‬‬
‫صحبة الحجيج‪ ،‬فأعيد وقد كتب الجواب على ظهره"‪(.‬القلقشندي‪،‬ج‪:8‬‬
‫‪)119-116‬‬
‫وقد وصف هذا الخطاب القلقشندي‪ ،‬وعلق عليه تعليقات‪ ،‬مما يدل‬
‫على العناية والتركيز الفنيين‪ ،‬الموجودين في ثناياه‪ ،‬وعلى المكانة التي يحظى‬
‫بها هذا الكتاب‪ ،‬وحامله وسلطانهم‪ ،‬لدى السلطات الرسمية في مصر‬
‫المملوكية‪ ،‬فيقول‪ " :‬ورسم مكاتبته‪ ،‬أن يكتب في ورق مربع‪ ،‬بخط كخط‬
‫المغاربة‪ ،‬فإن فضل من المكاتبة شيء‪ ،‬كتب بظاهرها‪ ،‬وتفتح المكاتبة‪ ،‬بخطبة‬

‫‪81‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫مفتتحة بالحمد‪ ،‬ثم يتخلص إلى المقصد ببعديه‪ ،‬ويأتي إلى المقصد إلى‬
‫آخره"‪ ( .‬القلقشندي‪ ،‬ج‪)119 :8‬‬
‫ومن المالحظات الفنية األخرى‪ ،‬على هذا الكتاب‪ ،‬من كتاب اإلنشاء‬
‫في الدولة المملوكية‪ ،‬ما يلي‪:‬‬
‫أ‪-‬ورأيت في الدستور المنسوب للمقر العالئي بن فضل اهلل‪ ،‬أن‬
‫مكاتبته‪ -‬يقصد سلطان كانم‪-‬برنو‪ -‬في قطع الثلث‪ ،‬والعالمة "أخوة"‪،‬‬
‫وتعريفه صاحب برنو‪ ،‬وهي مصطلحات في األرشفة‪ ،‬لها دالالت خاصة‪،‬‬
‫وتعني أن خطابات هذا السلطان معروفة في السجالت الرسمية المصرية‪،‬‬
‫وبمستوى معين "أخوة"‪.‬‬
‫ب‪-‬ورأيته قد ختم مكاتبته‪ ،‬إلى األبواب السلطانية بقوله‪ :‬والسالم على‬
‫من اتبع الهدى‪ ،‬وكأن ذلك جهل من الكاتب‪ ،‬بمقاصد صناعة اإلنشاء‪ ،‬إذ ال‬
‫يهتدون إلى حقائقها‪ ،‬ولم يشفع للسلطان الكانمي هنا‪ ،‬تقليده لرسالة الرسول‬
‫محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬إلى المقوقس عظيم القبط‪ ،‬في أنها كانت‬
‫مصدرة بهذه العبارة‪.‬‬
‫ج‪-‬التعليق على ما ورد في الكتاب‪ ،‬حول الربط بين النسب الحميري‬
‫والقرشي‪ ،‬حيث أورد السلطان الكانمي‪ -‬البرناوي فقال‪ " :‬ونحن بنو سيف‬
‫بن ذي يزن‪ ،‬والد قبيلتنا العربي القرشي‪ ،‬هكذا ضبطناه عن شيوخنا" وهو خطأ‬
‫واضح‪ .‬ولكنه منتشر في عدد من السلطنات اإلسالمية في المنطقة‪ ،‬لدرجة‬
‫التواتر في الرواية التاريخية‪ ،‬مما يدل على أن االتجاه العام في األسر الحاكمة‬
‫في المنطقة‪ ،‬هو سعيها إلى االنتماء إلى الشرق عموما‪ ،‬واليمن والحجاز‬
‫خصوصا‪ ،‬ولكنها تواجه صعوبات شكلية في تحديد صالت هذا النسب‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫هذا بعض ما يقال فنيا‪ ،‬حول خطاب كانم‪-‬برنو إلى مصر‪ ،‬والتي‬
‫لخصها القلقشندي بقوله‪" :‬وهذه نسخة كتاب ورد على الملك الظاهر" أبي‬
‫سعيد برقوق‪ ،‬ووصل في شهور سنة أربع وتسعين وسبعمائة‪ ،‬صحبة ابن عمه‪،‬‬
‫مع هدية بعث بها إلى السلطان‪ ،‬بسبب ما يذكر فيه‪ ،‬من أمر عرب جذام‪،‬‬
‫المجاورة لهم‪ ،‬وهي في ورق مربع‪ ،‬السطر إلى جانب السطر‪ ،‬بخط مغربي‪،‬‬
‫وليس له هامش في أعاله وال جانبه‪ ،‬وتتمة الكتاب في ظهره‪ ،‬من زيل‬
‫الكتاب"‪(.‬القلقشندي‪ ،‬ج‪)119 :8‬‬
‫وتدل اإلشارات الفنية التي أوردها كتاب اإلنشاء في مصر في ذلك‬
‫العصر‪ ،‬على أن هذه الرسالة‪ ،‬تعتبر نموذجا للمكاتبات الصادرة‪ ،‬من صاحب‬
‫برنو وصاحب كانم على السواء‪ ،‬على اعتبار أن المكاتبات الكانمية‪ ،‬تشبه‬
‫المكاتبات البرناوية‪ ،‬نظرا للقرب المكاني"‪(.‬القلقشندي‪ ،‬ج‪)122 :8‬‬
‫ويذكر بعض الكتاب‪ ،‬أن من دالئل قوة العالقات الثقافية والسياسية‬
‫بين كانم‪-‬برنو ومصر‪ ،‬وجود صيغ خاصة في الدواوين المصرية‪ ،‬خاصة‬
‫بالمكاتبات الرسمية التي توجه إلى سالطين كانم‪ ،‬حينما كانوا في عاصمتهم‬
‫األولى إنجمي‪ ،NGIMI‬أو في عواصمهم التالية حينما انتقلوا إلى غرب‬
‫بحيرة الشط‪ ،‬وأشادوا حواضرهم الجديدة مثل‪ :‬كاكا‪ ،‬وقصر قمو‪ ،‬ويتضح من‬
‫الرسائل المتبادلة بين سالطين كانم‪-‬برنو‪ ،‬والدولة المملوكية المصرية‪ ،‬المدى‬
‫الذي وصلت إليه مستويات الكتابة بالعربية‪ ،‬في هذه البالد من وسط إفريقيا‪،‬‬
‫في القرن الرابع عشر الميالدي‪ ،‬خاصة خلو هذه المكاتبات المبادلة‪ ،‬من‬
‫األخطاء النحوية واللحن‪ ،‬مع رصانة األسلوب‪ ،‬ودقة التعبير‪ ،‬واالستدالل‬
‫بآيات من القرآن الكريم‪ ،‬واألحاديث النبوية‪ ،‬والحكم المروية‪(.‬كلو‬
‫الدكو‪)245،‬‬

‫‪83‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫والنموذج الثالث لنمط المخطوطات عنوانه "اإلمارة" مختصرا‪ ،‬وهو من‬


‫تأليف العالم محمد ينبوع (حوالي ‪1717-1650‬م)‪ ،‬ويعرف بأنه محمد‬
‫ينبوع بن علي بن الحاج عمر بن قسام بن دونمة بن علي غاجي باني مدينة‬
‫قصر قمو‪ ،‬ولد داخل القصر السلطاني‪ ،‬في عهد السلطان علي بن‬
‫الحاج(‪1682-1640‬م)‪ ،‬وهو رابع السالطين‪ ،‬بعد السلطان إدريس ألومة‪،‬‬
‫وحج والده ثالث مرات‪(.‬النوي‪)106،‬‬
‫شرع محمد ينبوع في تأليف مخطوطه‪ ،‬في زمن والده‪ ،،‬وأكمله بعد‬
‫وفات والده‪ ،‬بست سنوات‪ ،‬حيث قال‪ ":‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬لسبع‬
‫خلون من المحرم‪ ،‬سنة ‪1100‬ه‪ ،‬الموافق‪1688‬م‪ ،‬وكان لهذا المخطوط‬
‫مكانة خاصة لدى سالطين كانم‪-‬برنو‪ ،‬حيث صار يحفظ في خزائن السلطنة‪،‬‬
‫وتم نسخه عدة مرات‪ ،‬والنسخة المخطوطة التي وصلت إلى مركز البحوث‬
‫بجامعة الملك فيصل‪ ،‬من جامعة ميدوغري‪-‬مركز مخطوطات الصحاري‪،‬‬
‫منسوخة سنة ‪1940‬م‪ ،‬حيث سطر الناسخ فيها ما يلي‪ ":‬أن شاء اهلل تعالى تم‬
‫هذا الجزء‪ ،‬وبالخير عم‪ ،‬عاشر رجب الفرد‪ ،‬سنة ‪1359‬ه‪ ،‬الموافق‬
‫‪1940‬م‪ ،‬وذكر األستاذ البيلي في فهرسته عن المخطوطات العربية في شمال‬
‫نيجيريا‪ ،‬وجود نسخة للمخطوط في جامعة أحمدو بلو‪ ،‬تحت رقم(‪)755‬‬
‫وعرفه بمحمد ينبوع بن على بن الحاج بن على السيفي‬
‫الحميري‪(.‬البيلي‪)78،‬‬
‫وأكد المستشرق األمريكي جون هانويك في موسوعته عن‬
‫المخطوطات والوثائق العربية في وسط وغرب إفريقيا‪ ،‬تعدد نسخ للمخطوط‬
‫بالمراكز والجامعات النيجيرية(‪)Hunwick.John.388-389‬‬

‫‪84‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وأثبت الباحث الفرنسي ريمي دوبير‪ ،‬وجود نسخة من مخطوط اإلمارة"‬


‫في زاريا‪ ،‬مكتبة جامعة محمد بلو‪ ،‬ونسخة أخرى في مكتبة حفيد السلطان‬
‫على بن دونمة(‪1792-1747‬م)‪(.‬شكري‪)3،‬‬
‫ومحتوى المخطوط‪ ،‬بدأ بمقدمة طويلة تضمنت تاريخ السالطين من‬
‫كانم األولى إلى برنو األخيرة‪ ،‬بالتسلسل المتداول لدى كتاب الديوان‬
‫السلطاني‪ ،‬ثم دخل في صلب الكتاب‪ ،‬وعرض فيه الجزء األول من مخطوطه‪،‬‬
‫وقسمه على ثالثة أقسام هي‪ :‬قسم أصحاب أو رجال السلطنة‪ ،‬وقسم‬
‫األماكن المتعلقة بالسلطنة كالمساجد والمحاكم والسجون‪ ،‬وقسم آخر‬
‫لألنشطة االقتصادية في السلطنة‪ ،‬مثل‪ :‬الزراعة والجباية والغنائم‪ ،‬وحوى‬
‫المخطوط الذي بين يدي الباحث‪ ،‬القسم األول فقط‪ ،‬مجزءا على ثالثة‬
‫أجزاء هي‪:‬‬
‫الجزء األول أصحاب أو رجال السلطنة‪ ،‬الذي يشمل الحديث عن‬
‫السلطان أو الملك‪ ،‬وولي عهده‪ ،‬والمقام مقام السلطان‪ ،‬ثم الوزراء والوالة‬
‫وأصحاب الختم‪ ،‬واألزواج‪ ،‬والمعلمون والمعلمات في البالط السلطاني‪.‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬النظام العسكري في السلطنة‪ ،‬ويضم القادة‪ ،‬والجنود‪،‬‬
‫والشرط‪ ،‬والعرفاء وكتبة الجيش‪ ،‬والحراس وأخيرا جباة الزكاة‪ ،‬وتوزيع الوظائف‬
‫داخل كل وحدة من وحدات الجيش والحرس‪.‬‬
‫الجزء الثالث‪ :‬الخدام والخوادم‪ ،‬وتشمل الخدمات السلطانية مثل‬
‫التشريفات والمراسم‪ ،‬ومنهم هيئة كتبة البالط السلطاني‪ ،‬الذي ينتمي إليهم‬
‫كاتب المخطوط العالم محمد ينبوع‪.‬‬
‫ومن المالحظ‪ ،‬أن المخطوط الذي بين أيدينا اآلن‪ ،‬يتناول فقط‪،‬‬
‫القسم األول من مخطط المخطوط‪ ،‬حيث يشير محمد ينبوع إلى تناوله‬

‫‪85‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫لقسمين آخرين هما‪ :‬األماكن المتعلقة بالسلطنة كالمساجد والمحاكم‬


‫والسجون‪ ،‬وقسم آخر لألنشطة االقتصادية في السلطنة‪ ،‬مثل‪ :‬الزراعة‬
‫والجباية والغنائم‪ ،‬وهذين القسمين ساقطين من نسخة المخطوط‬
‫الحالية‪(.‬ينبوع‪ ،‬ورقة رقم‪)1‬‬
‫وأسلوب الكتابة في هذا المخطوط سردي‪ ،‬لغته العربية متوسطة‪ ،‬إعرابه‬
‫ضعيف‪ ،‬وربما يرجع ذلك إلى ما اعترى المخطوط من تعدد النساخ من ناحية‪،‬‬
‫ووجوده بين الخاصة من السالطين‪ ،‬الذين تقل ملكتهم اللغوية‪ ،‬وعدم إتاحة‬
‫الفرصة للعلماء الكبار‪ ،‬ليصيغوه الصياغة اللغوية المناسبة‪ ،‬والدليل على حجر‬
‫هذا المحطوط لدى طبقة ضيقة من السالطين‪ ،‬هو اسقاطهم لألجزاء األخرى‪،‬‬
‫الخاصة باألماكن واألنشطة االقتصادية للبالد‪ ،‬واحتفاظهم بالجزء السياسي‬
‫والحربي والخدمي‪ ،‬الذي يخص السالطين فقط‪.‬‬
‫ولهذا المخطوط اهمية خاصة‪ ،‬باعتباره أول عمل محلي‪ ،‬يشرح فئات‬
‫كتبة السلطان‪ ،‬ويورد أسماء كل فئة على حدة في عصره‪ ،‬ويحدد وظائفها‬
‫وصالحياتها‪ ،‬من خبير لصيق بالبالط السلطاني من ناحية‪ ،‬ورضي بأن يصاحب‬
‫الكتبة‪ ،‬وينضم إليهم مهنيا‪ ،‬بعمله الجليل هذا‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬وأشار فيه‬
‫ألعمال أخرى حول سلطنة كانم–برنو‪ ،‬قام بكتابتها‪ ،‬وأثبتها في مقدمة‬
‫مخطوطه‪ ،‬ولكنها لم تصل إلينا‪.‬‬
‫والنموذج الرابع لنمط المخطوطات عنوانه على النحو التالي " هذا‬
‫الكتاب هو من شأن سلطان إدريس ألومة‪ ،‬وما وقع بينه وبين أمراء بالد كانم‪،‬‬
‫ومؤلفه إمام أحمد البرناوي‪ ،‬الذي سار معه في كل جهة"(المطبعة األميرية‪،‬‬
‫كانو‪1931 ،‬م)‪ ،‬والعمل الرئيسي لإلمام أحمد بن فورتو‪ ،‬هو تسجيله‬

‫‪86‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫لنشاطات السلطان إدريس ألومة‪ ،‬المكون من ‪129‬صفحة‪ ،‬مقياس ‪،18*24‬‬


‫وضم جزئين متوازيين‪:‬‬
‫األول‪ ،‬مخصص للغزوات في الجنوب والشرق من بحيرة الشط‪،‬من‬
‫سنة‪1574-1564‬م‪ ،‬ضد المجموعات الوثنية والمنحرفة والخارجة عن‬
‫الطاعة‪ ،‬ويالحظ على المادة المسجلة في هذا الجزء‪ ،‬أنها سجلت بتأخير عن‬
‫األحداث(‪1576‬م)‪ ،‬وبسرعة شديدة‪.‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬ويالحظ على هذا الجزء أنه سجل في حين وقوع‬
‫األحداث عام‪1578‬م‪ ،‬وهو يعبر عن كامل موهبة الكاتب‪ ،‬سجل فيه‬
‫بموضوعية حمالت كانم‪ ،‬التي تشمل األعوام ‪1578-1574‬م‪ ،‬والتي‬
‫شكلت محتوى هذا الجزء من الكتاب‪ ،‬وقد شارك فيها الكاتب بنفسه‪،،‬‬
‫حامال معه كراسة الطريق‪ ،‬التي سجل فيها محطات الطريق بتواريخها‪ ،‬متضمنة‬
‫ذكرياته وانطباعاته‪ ،‬مما يعطي صورة حية عن ما يشاهده أمام عينيه‪ ،‬فهو‬
‫المصدر عن مواقع شيتاتي‪ ،‬وليلوا‪ ،‬ومواقع البالال والتبو‪ ،‬ومتابعة المهزومين‪.‬‬
‫وسجل لنا ما يحدث عندما تهدأ المعارك‪ ،‬لتفتح المجال للمفاوضات‬
‫السلمية‪ ،‬وتسجيل ابن فورتو لملحمة وصول السلطان إدريس ألومة إلى أطالل‬
‫العاصمة القديمة لسلطنة كانم–برنو "انجمي"‪ ،‬وصالة الغائب التي أقامها مع‬
‫جنوده على قبور أجداده من السالطين السيفيين‪ ،‬وزيارته ألطالل مسجدهم‬
‫القديم‪ ،‬يعتبر بالنسبة لإلمام‪ ،‬الرجوع إلى المصدر وإحياء لالنتساب لجذور‬
‫السلطنة القديمة‪ ،‬واستلهاما ألمجاد التاريخ القديم للرواد األوائل في‬
‫السلطنة‪ ،‬وسعى الكاتب فيه‪ ،‬أن يرينا بدقة‪ ،‬االرتباط بالتاريخ القديم لكانم من‬
‫جذورها ألصلية إلى انتقالها إلى برنو‪)ZELTNER,P.25(.‬‬

‫‪87‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ركز ابنفورتو على تسجيل أحداث سلطان زمانه(إدريس ألومة)‪،‬وتعتبر‬


‫اآلثار التي كتبها عنه‪ ،‬أفضل مرجع لمعرفة جهوده‪ ،‬فيذكر في كتابه( أخبار‬
‫السلطان ادريس ألومة وغزواته) أن التحول الذي حصل في حياة السلطان‪،‬‬
‫ظهر حين اتخذ قرارا‪ ،‬بترك الملك والمجد‪ ،‬والسير إلى بيت اهلل والحج‪،‬‬
‫وزيارة قبر النبي المختار‪ ،‬واشترى في المدينة دارا بها نخيل‪ ،‬وأسكن فيها‬
‫بعض أتباعه‪ ،‬رجاء للثواب الجزيل من المولى الجليل‪ ،‬وبعد أن رجع إلى‬
‫بالده‪ ،‬أخذ يدعو الى دين اهلل فوفقه اهلل‪ ،‬ويسر له أمره‪ ،‬فأصلح حال اهل‬
‫بالده‪ ،‬وزجرهم ونهاهم عن الفحشاء‪ ،‬ومن أعماله اإلصالحية‪ ،‬حمل جميع‬
‫الناس على األحكام الشرعية‪ ،‬في قضاياهم ومعامالتهم‪ ،‬ومن أعماله إزالة‬
‫البغي والحقد والغل والقتال بين المسلمين‪ ،‬حتى صاروا كاإلخوان المتحابين‬
‫في اهلل‪.‬‬
‫ولشدة تمسكه بالكتاب والسنة‪ ،‬صرف جميع أوامره الى العلماء‬
‫والحكام‪ ،‬وعلق بأعناقهم في كل المرام‪ ،‬وكان السلطان إدريس ألومة‪ ،‬جاريا‬
‫على المنهج الواضح للكتاب والسنة‪ ،‬وأقوال العلماء في جميع تصرفاته‪ ،‬وما‬
‫خرج عن الثالثة يرفضه بتاتا‪ ،‬ومما يستدل به على فضله‪ ،‬ما أحدثه في إمارته‪،‬‬
‫من بناء للمساجد بالطين‪ ،‬وكان بناؤه في الزمن السابق بالفصاص‪ ،‬فهدم‬
‫جميع ما بني من المساجد في بلده‪ ،‬وبناها طينا‪ ،‬مع علمه باليسر في الدين‪،‬‬
‫كما تقرر في القرآن والحديث‪ ،‬وما قصد بذلك‪ ،‬إال الثواب الجزيل من‬
‫المولى الجليل‪.‬‬
‫ومن جهود السلطان إدريس ألومة‪ ،‬من أجل تدعيم الحضارة اإلسالمية‬
‫ما دبره في عصره من أمر السفينة الكبيرة‪ ،‬لمصلحة المسلمين‪ ،‬وتيسير‬
‫جوازهم البحار (يقصد األنهار والبحيرات الشادية) على أقرب األوقات‪ ،‬وأهنأ‬

‫‪88‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الحاالت‪ ،‬وذلك لما رأى أن السفن القديمة معمولة من أصول الدوحة‬


‫المنقورة‪ ،‬التي يسقي فيها أرباب المواشي بهائمهم‪ ،‬وإذا أراد السلطان أن‬
‫يقطع البحر بجنوده‪ ،‬فال يمكن له ذلك إال بمقدار يومين أو ثالثة‪ ،‬ولو اجتهد‬
‫النوتيون والمالحون في اإلخراج مبلغ جهدهم‪ ،‬وفي عهد السلطان الحاج‬
‫إدريس‪ ،‬ترك تلك األشجار‪ ،‬وعمل السفائن الكبار‪ ،‬فكان الناس يقطعون‬
‫البحر في غاية السرعة‪ ،‬مع حمل السفينة الواحدة كثيرا من النسمة‪( .‬ابن‬
‫فورتو‪)24-4،‬‬
‫وبالتالي فإن الكاتب أحمد بن فورتو‪ ،‬يشكل عالمة راسخة لشخصية‬
‫أدت مهمتها بنجاح‪ ،‬فأحدث في ثقافة ومؤسسات بلده‪ ،‬عمال معتبرا‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل مكانته كمستشار للسلطان ادريس ألومة‪ ،‬فشكل مجالس دينية‬
‫مستقلة عن السلطة السياسية‪ ،‬ونصح السلطان وذكره بواجباته‪ ،‬وحاول أن‬
‫يضع حدودا لصالحياته المطلقة‪ ،‬ووجهه إلى إعطاء صورة عن المجتمع‬
‫اإلسالمي المثالي‪ ،‬وبهذا وضح الحدود والعصور‪ ،‬وعرف بماضي كانم‪-‬برنو‪،‬‬
‫وبفضله يمكن للمعاصرين أن يكتبوا فصال كامال عن كانم‪-‬برنو‪ ،‬في مجمل‬
‫تاريخ إفريقيا‪)ZELTNER,P.25(.‬‬
‫رابعا‪-‬خصائص كتابة اإلمام أحمد بن فورتو‬
‫يرى بعض الباحثين األفارقة‪ ،‬أنه من الممكن‪ ،‬اعتبار أعمال ابن فورتو‬
‫الكتابية‪ ،‬نوعا من الترجمة الشخصية للسلطان الذي عاصره‪ ،‬وذلك لوجود‬
‫المعاصرة بينه وبين من كتب عنه‪ ،‬وقد صاحب تلك المعاصرة‪ ،‬قيام صلة‬
‫وعالقة جيدة بينهما‪ ،‬أدت إلى توافقهما‪ ،‬وتعمير صدورهما بالصداقة والمودة‪،‬‬
‫وبالرغم من ذلك‪ ،‬فال شك ان المعلومات الواردة في كتاب تاريخ الماي‬
‫إدريس للمؤرخ اإلمام أحمد بن فورتو‪ ،‬قد سلط األضواء على تاريخ إفريقيا‬

‫‪89‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫جنوب الصحراء‪ ،‬ويكفي أن المؤلف‪ ،‬من الذين شاركوا في بعض أحداث‬


‫السلطة المروية في الكتاب‪ ،‬فقد سار المؤلف مع السلطان في كل جهة‪ ،‬وفي‬
‫غزواته التي يروي عنها‪ ،‬ورأى سفينة هذه السلطنة‪ ،‬وما كان يتجاذبها من‬
‫عواصف‪ ،‬من كل جانب‪ ،‬من الداخل والخارج‪ ،‬وما يالحظ من عبارات الثناء‬
‫على السلطان إدريس في هذا العمل‪ ،‬مرده إلى التأثر بأسلوب التراجم‬
‫الصوفية‪ ،‬التي من الممكن أن تحول العالقة بين الكاتب والسلطان‪ ،‬إلى ما‬
‫يشبه العالقة بين الشيخ وتلميذه‪ ،‬وأهم ما يميز التراجم الصوفية‪ ،‬تصوير‬
‫سلوك شيوخهم بشيء من اإليجابية‪ ،‬وال يرون بأسا من الثناء‬
‫عليهم‪(.‬ميغا‪)42-41،‬‬
‫ويظهر للمطلع على معلومات كتاب غزوات إدريس ألومة البن فورتو‪،‬‬
‫بروز شخصية الكاتب‪ ،‬وعدم ذوبانها في شخصية السلطان‪ ،‬ففي الوقت التي‬
‫يصف فيه حياة السلطان وقيادته لشؤون سلطنته‪ ،‬ونجاحه في ذلك إلى حد‬
‫ما‪ ،‬إال أن ذلك لم يمنعه من اإلشارة الذكية لما واجهه السلطان من مشكالت‬
‫سياسية واجتماعية في أرجاء سلطنته الواسعة‪ ،‬وما حيك ضده من ثورات‪،‬‬
‫جعلت الحرب بين أعدائه الداخليين ال مفر منها‪ ،‬واألخطر من هذا توضيحه‬
‫لالنحالل والسياسي واالجتماعي‪ ،‬الذي شمل أجزاء كبيرة‪ ،‬من سكان مناطق‬
‫معينة‪ ،‬وما بذله السلطان من جهد‪ ،‬الستعادة األمن والسلم‪ ،‬وما واجهه من‬
‫صعاب في ذلك‪ ،‬وهذه كلها مؤشرات على المصداقية‪ ،‬التي حاول ابن فورتو‪،‬‬
‫أن يتمسك بها‪ ،‬في عرضه لتاريخ بالد كانم‪-‬برنو في عصره‪(.‬ميغا‪)42-41،‬‬

‫‪90‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫خامسا‪-‬المكانة العلمية والمهنية إلمام كتبة البالط السلطاني في‬


‫كانم‪-‬برنو‬
‫استغل أحمد بن فورتو‪ ،‬من خالل ثقافته ووظيفته‪ ،‬ظروف عمله إماما‬
‫لكتبة البالط السلطاني‪ ،‬أيام إدريس ألومة‪ ،‬ووصل إلى مكانة اجتماعية‪ ،‬تمكنه‬
‫من االستفادة‪ ،‬من العصر االستثنائي‪ ،‬الذي تمر به بالد كانم‪-‬برنو‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ال تظهر شخصيته‪ ،‬إال من خالل أعماله‪ ،‬فهو متواضع‪،‬‬
‫ونادرا ما يتحدث عن نفسه‪ ،‬لكن يصعب على أي كاتب‪ ،‬أن ال يترك أثرا على‬
‫خطوات مسيرته‪ ،‬وبالتالي فإننا أمام شخصية وفية وشجاعة‪ ،‬وقورة باعتدال‪،‬‬
‫وداعية قوي للتوجهات اإلسالمية‪ ،‬المنطلقة من الكتاب والسنة‪ ،‬ثقافته الدينية‬
‫واسعة‪ ،‬فهو دارس لكتب التوحيد‪ ،‬ذو عقيدة أشعرية‪ ،‬لكن تخصصه الفقه‪،‬‬
‫وهذا ناتج عن تكوينه وإعداده في القضاء‪ ،‬الذي رفع من مكانته‪ ،‬ومكنه أن‬
‫يقوم بدور إمام في اإلسالم‪ ،‬ففي ثنايا أعماله‪ ،‬وفي كل صفحة تقريبا‪ ،‬تظهر‬
‫شخصيته الفقهية‪ ،‬سواء في المجال االجتماعي‪ ،‬أو القيادة والمعارك الحربية‪،‬‬
‫الغزوات‪)ZELTNER,P.24(.‬‬ ‫أو فقه‬
‫وتدل مخطوطات احمد بن فورتو‪ ،‬على معرفة عالية باللغة العربية‪،‬‬
‫فمفرداته دقيقة‪ ،‬ومن خالل اسلوبه الخاص في التعبير‪ ،‬تظهر شخصيته‬
‫ككاتب محترف‪ ،‬يفهم فن التركيب والتأليف‪ ،‬ويعرف كيف يصوغ مواضيعه أو‬
‫قضاياه بإتقان‪ ،‬ويسيطر على االنتقاالت والتحوالت األسلوبية بعناية‪ ،‬ويضع‬
‫عليها االنطباع الشخصي الذي يثير االنتباه‪.‬‬
‫ومن المؤشرات‪ ،‬على متانة اصحاب القلم‪ ،‬في البالط السلطاني في‬
‫كانم‪-‬برنو‪ ،‬تعدد القضايا‪ ،‬التي برز في التعبير عنها الكتاب السابقون‪ ،‬ففي‬
‫الوقت التي حتمت فيه ظروف إبراهيم الكانمي‪ ،‬أن تبرز شخصيته من خالل‬

‫‪91‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫األدب‪ ،‬خاصة قرضه للشعر في حضرة سلطان مراكش في المغرب‪ ،‬وما رواه‬
‫عنه علماء المغرب والمشرق واألندلس من علوم لغوية وأدبية‪ ،‬حملها معه من‬
‫بالد كانم‪-‬برنو‪ ،‬باعتراف جميع من نهلوا من معينه من المغاربة وغيرهم‪،‬‬
‫والذين سوف نستشهد ببعض كتبهم في فقرات قادمة ألهميتها‪.‬‬
‫نجد زميله حامل رسالة سلطان كانم‪-‬برنو إلى برقوق‪ ،‬كان يحمل معه‬
‫قضية إنسانية بالدرجة األولى‪ ،‬خالصتها االستنجاد بالسلطان برقوق‪ ،‬ليقف‬
‫في صفه ضد أعدائه من الباللة واألعراب‪ ،‬الذين ساهموا في زحزحت‬
‫االستقرار السياسي في السلطنة‪ ،‬مما أدى إلى نقل مقر السلطنة من شرق‬
‫البحيرة إلى غربها‪ ،‬مع ترأسه لبعثة الحج الكانمية‪ ،‬الشاقة لدرب األربعين‪،‬‬
‫مارة بالديار المصرية‪.‬‬
‫بينما النموذج الثالث لنمط الكتابة في كانم‪-‬برنو‪ ،‬نبع من داخل القصر‬
‫السلطاني‪ ،‬فكاتب كتاب اإلمارة‪ ،‬محمد ينبوع‪ ،‬من ساللة السالطين‪ ،‬أبا عن‬
‫جد‪ ،‬وهو مكسب للكتابة عن كانم‪-‬برنو‪ ،‬نادر الحدوث‪ ،‬فالسالطين في هذه‬
‫المنطقة‪ ،‬لم يورثوا أبناءهم الكتابة‪ ،‬خاصة الكتابة الديوانية‪ ،‬وتركوها للعلماء‬
‫يورثونها ألبنائهم‪.‬‬
‫وهذا ما الحظناه في سيرة اإلمام أحمد بن فورتو‪ ،‬وانتمائه لمحمد بن‬
‫ماني‪ ،‬الذي يبعد عنه بأكثر من خمسة قرون‪ ،‬ولكنه لم يكتف‪ ،‬بالمنزلة التي‬
‫كان عليها جده ابن ماني‪ ،‬بأن ينال محرما‪ ،‬يمنحه امتيازات مادية ومعنوية‬
‫مجزية‪ ،‬بل سعى لفرض وجوده بأسلوب تسجيل الغزوات‪ ،‬بطريقته الخاصة‬
‫التي خلدته في سجل تاريخ المنطقة اإلفريقية‪ ،‬وجعلت عمله يتصدر المصادر‬
‫األصلية عن المنطقة لدى الكثير من الكتاب‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وهذا يعني أن صناعة الكتابة السلطانية في المنطقة‪ ،‬تحولت من العمل‬


‫الفردي‪ ،‬إلى مؤسسة منظمة داخل البالط الكانمي‪ ،‬تعد وتؤهل أعضاءها‬
‫للقيام بوظيفتهم داخل البالد‪ ،‬ولكنها تحاول أن تكسبهم‪ ،‬فنون ومهارات‬
‫الكتابة العربية‪ ،‬التي تسمح لهم بالمنافسة في المحيط العربي اإلسالمي‪ ،‬فهم‬
‫لسان حال السلطنة داخليا وخارجيا‪ ،‬وعلى مستوى متقدم نسبيا‪ ،‬إذا عرفنا أن‬
‫السلطنة‪ ،‬تقع على أطراف المد العربي اإلسالمي‪ ،‬حتى في أوج مجدها‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬الخالصة‬
‫ومجمل القول‪ ،‬أن ظاهرة جماعة كتبة السلطان‪ ،‬في كانم‪-‬برنو‪ ،‬التي‬
‫كان أحمد بن فورتو‪ ،‬يقودها في عصره‪ ،‬ظاهرة عرفتها السلطنة‪ ،‬منذ المراحل‬
‫األولي لتسطير أحوال السالطين‪ ،‬في ديوانهم المشهور‪ ،‬مما أكسبها خبرة‬
‫مهنية‪ ،‬توالها طبقات من الكتبة‪ ،‬للتعبير عن مكانة السلطنة داخليا‪ ،‬ممن‬
‫خالل مبلغين أو خطباء‪ ،‬وللتعريف بها في محيطها العربي واإلسالمي‪ ،‬من‬
‫خالل سفراء‪ ،‬بسجالت مكتوبة‪ ،‬حفظ لنا التاريخ‪ ،‬الحد األدنى منها‪ ،‬وفقد‬
‫الكثير‪.‬‬
‫وهذا ما جعل الباحث يتوقف في هذا البحث‪ ،‬على أربعة نماذج فقط‪،‬‬
‫من أصحاب القلم‪ ،‬لوجود أنماط من إنتاجهم‪ ،‬تدل على أسلوبهم في التعبير‬
‫عن بالدهم‪ ،‬وسالطينهم وشعبهم‪ ،‬وإن كانت شخصياتهم ال تظهر‪ ،‬إال كظهور‬
‫الشمس في يوم غائم‪.‬‬
‫ولكن طالما كتبوا‪ ،‬فإن دراسة ما كتبوه‪ ،‬تنبئونا عن البيئات االجتماعية‬
‫التي خرجوا منها‪ ،‬ألن اإلناء بما فيه ينضح‪ ،‬فالكاتب الصادق‪ ،‬ال يستطيع إال‬
‫أن يعبر عن الواقع الذي يعيشه شعبه‪ ،‬سواء أكان ذلك‪ ،‬باسم السلطان أو‬
‫الرعية‪ ،‬أو االثنين معا‪ ،‬وهذا يعني أن كتاب العربية في البالط الكانمي‬
‫والبرناوي‪ ،‬ال يمكنهم أن يصلوا بتعبيرهم بالعربية‪ ،‬درجات إجادة العربي في‬
‫البيئات العربية‪ ،‬ولكن هذا البحث يوضح‪ ،‬أن اإلمام أحمد بن فوتو‪،‬‬
‫وأصحاب القلم الذين أمهم‪ ،‬قاموا بدورهم في التعبير عن أوطانهم بالعربية‪،‬‬
‫خير قيام‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬المصادر والمراجع‪:‬‬
‫أ‪-‬المصادر‪:‬‬
‫‪-1‬ابن فرتو‪ ،‬األمام احمد‪ :‬أخبار وغزوات السلطان إدريس الومة‪،‬‬
‫المطبعة األميرية‪ ،‬كنو‪1931،‬م‪.‬‬
‫ب‪-‬المراجع‪:‬‬
‫‪-1‬حمدنا اهلل‪ ،‬أ‪.‬د‪.‬عبد اهلل‪":‬اللغة العربية في شاد لغة ابداع" ندوة‬
‫اللغة العربية في شاد الواقع والمستقبل‪ ،‬جمعية الدعوة اإلسالمية العالمية‪،‬‬
‫طرابلس‪2003،‬م‪.‬‬
‫‪-2‬شكري‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ :‬قراءة ريمي دوبير من بحيرة الشط إلى مكة‬
‫عالم سلطنة برنو خالل القرنين ‪16‬و ‪17‬الميالديين‪ ،‬معهد الدراسات‬
‫اإلفريقية‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬الرباط‪2019 ،‬م‪.‬‬
‫‪-2‬الصاوي‪ ،‬د‪.‬كرم كمال الدين‪ ":‬ديوان الكانموالبرنونموذج مبكر‬
‫للعروبة واإلسالم في شاد" ندوة اللغة العربية في شاد الواقع والمستقبل‪،‬‬
‫جمعية الدعوة اإلسالمية العالمية‪ ،‬طرابلس‪2003،‬م‪.‬‬
‫‪-3‬طرخان‪ ،‬د‪.‬إبراهيم على‪ :‬امبراطورية البرنو اإلسالمية‪ ،‬الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1975،‬م‪.‬‬
‫‪-4‬القلقشندي‪ ،‬أحمد بن علي(ت ‪821‬ه)‪ :‬صبح األعشى في صناعة‬
‫اإلنشا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫‪-5‬كلو الدكو‪ ،‬د‪.‬فضل‪ :‬الثقافة اإلسالمية في شاد في العصر الذهبي‬
‫إلمبراطورية كانم من ‪1000-600‬ه ‪1600-1200‬م‪،‬كلية الدعوة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬طرابلس‪1998 ،‬م‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫م‬2021 ‫محمد صالح أيوب‬/‫الباحث‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ تاريخ اإلسالم وحياة العربي‬:‫ الشيخ إبراهيم صالح بن يونس‬،‫النوي‬-6


.‫م‬1976 ،‫ القاهرة‬،‫ مطبعة الباب الحلبي‬،‫في إمبراطورية كانم ـ ـ برنو‬
REFERENCES
1-Hunwick.John O:The Writings Of Central Sudanic
Africa.BillLeiden.New York.Koln.1996.
2-Zeltner,J.C.
"L,IMAM AHMAD IBN FURTU"TCHAD et
CUTURE, N° 112,CEFOD NDJAMENA, JANVIER,du
01,11, 1978.

96
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫الشيخ حممد األمني الكامني(‪1835-1778‬م)‬

‫من خالل خمطوطاته‬


‫• متهيد‬
‫أوال‪-‬نشأة حممد األمني الكامني وتكوينه ومدى‬
‫تأثره وتأثريه يف وسطه االجتماعي والسياسي‬
‫ثانيا‪-‬الشيخ حممد األمني الكامني بعيون املصادر‬
‫احمللية‪:‬‬
‫ثالثا‪-‬كيف علت الكلمة على احلربة يف احلياة‬
‫السياسية للشيخ حممد األمني الكامني‬
‫أ‪-‬كتبه وخمطوطاته ووثائقه الداخلية‬
‫ب‪ -‬خمطوطات ووثائق الشيخ حممد األمني الكامني‬
‫اخلارجية‬
‫ج‪- -‬املستفاد من الوثائق الداخلية واخلارجية للشيخ‬
‫حممد األمني الكامني‬
‫• اخلالصة‬
‫• املصادر واملراجع العربية‬

‫‪97‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -‬تمهيد‬
‫لم يتردد الباحث في الكتابة عن عالم من علماء وسط إفريقيا‪ ،‬كما‬
‫تردد عن الكتابة عن الشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬والشيخ أبو رأس‪.‬‬
‫أما الشيخ ابو راس فقد خلده تلمذاه الشيخ عبد الحق السنوسي‬
‫الترجمي‪ ،‬والشيخ محمد آدم جبر حلو‪ ،‬في عملين ذكرا فيهما صلتهما‬
‫العلمية بالشيخ أبو راس‪ ،‬وذكرا المصادر والمراجع‪ ،‬التي كان يدرسها الشيخ‬
‫أبو راس لهما‪ ،‬وما المستقبل الذي تؤول إليه الحياة العلمية في المنطقة بعد‬
‫ذهابه‪ ،‬وذهاب من يدرس هذه الفنون‪ ،‬ولم تسعفنا الجهود التي بذلت في‬
‫البحث عن المخطوطات و الوثائق العربية عن المنطقة‪ ،‬في العثور عن أعمال‬
‫لهذا العلم إلى اآلن‪ ،‬مما يسمح للباحث ضمه إلى سلسلة األعالم التي‬
‫يعرضها أمام طالبه والمهتمين‪.‬‬
‫ونفس اإلشكالية صادفت الباحث في تناول شخصية الشيخ محمد‬
‫األمين الكانمي‪ ،‬فمجرد أن فكر الباحث في دراسة مجتمعات وسط إفريقيا‬
‫بين الثقافة العربية والفرانكفونية‪ ،‬من سنوات (‪1990-1988‬م)كان في‬
‫الواجهة‪ ،‬بعد الرواد األوائل‪ ،‬مثل‪ :‬محمد بن ماني‪ ،‬والعالمة أحمد بن فورتو‪،‬‬
‫يأتي الشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬في طليعة العلماء الفاعلين في الحياة‬
‫العامة في سلطنة كانم‪-‬برنو والسلطنات المجاورة‪ ،‬ولكن شح المعلومات‬
‫المتوفرة عنه‪ ،‬وعدم توثيقها واعتمادها على أعمال ومخطوطات ووثائق موثوقة‬
‫من الشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬جعل الباحث يتريث طيلة هذه المدة‪.‬‬
‫ووجه التريث‪ ،‬أن معظم ما يتوفر من معلومات مكتوبة عن الشيخ‬
‫محمد األمين الكانمي‪ ،‬جاءت من مصدرين هما‪:‬‬

‫‪98‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المصدر األول‪ ،‬هو ما أورده اإلمام محمد بلو في كتابه إنفاق الميسور‪،‬‬
‫ولهذا المصدر حسب –رأي الباحث‪ -‬إشكاليتان‪:‬‬
‫األولى‪ ،‬أنه يحوي رأي خصمه السياسي فيه‪ ،‬وهذا يدعو إلى الشك‪،‬‬
‫وغالبا ما يبتعد عن الحياد والمصداقية‪ ،‬بل في بعض األحيان قد حوي‪ ،‬على‬
‫شيء من التجني على الشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬مما اضطر الشيخان‬
‫عثمان دان فوديو والد كاتب إنفاق الميسور‪ ،‬والشيخ عبد اهلل دان فوديو‪ ،‬عم‬
‫الكاتب‪ ،‬إلى التدخل في الرد على رسائل الشيخ محمد األمين الكانمي‪،‬‬
‫للتخفيف من تشدد محمد بلو‪ ،‬والمالحظ للردود على رسائل الشيخ محمد‬
‫األمين الكانمي التي كتبها العلماء الثالثة‪ ،‬يجد الفروق ومحاوالت الشيخان‬
‫التخفيف من لهجة إبنهما محمد بلو‪ ،‬وتحامله غير المبرر علميا وسياسيا على‬
‫الشيخ الكانمي‪ ،‬وهذا ما أدى في نهاية المطاف إلى التفاهم والصلح بين‬
‫سلطنة كانم‪-‬برنو بقيادة الشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬واإلمارة اإلسالمية في‬
‫سكتو بقيادة عثمان دان فوديو‪.‬‬
‫بينما اإلشكالية الثانية في معلومات محمد بلو‪ ،‬تتمثل في اآلحادية‬
‫والفردية‪ ،‬حيث لم يتسنى للباحث الوصول إلى األصول‪ ،‬خاصة الرسائل‬
‫المتبادلة بين الطرفين‪ ،‬الكانمي وبلو‪ ،‬وهذا ما ينزل المادة الموجودة في كتاب‬
‫محمد بلو‪ ،‬من درجة المصدر إلى درجة المرجع‪ ،‬ومرجع من خصم سياسي‬
‫شرس‪ ،‬وقعت بين الطرفين صراعات فكرية قوية‪ ،‬وصلت إلى مستوى التكفير‬
‫أو الخروج من ملة اإلسالم‪ ،‬وصراعات حربية خلفت اآلالف من الضحايا من‬
‫كال الطرفين‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المصدر الثاني للمعلومات القديمة عن الشيخ محمد األمين الكانمي‪،‬‬


‫هو ما كتبه الرحالة اإلنجليز الذين زاروا مقر سلطة الشيخ محمد األمين‬
‫الكانمي‪ ،‬واستقبلهم االستقبال الذي يليق بهم‪ ،‬فعبروا عنه في رحالتهم‪،‬‬
‫ووصفوه بأوصاف شخصية ذاتية‪ ،‬جعلته يتمتع بقوى شبه خارقة في النجاحات‬
‫التي حققها في حروبه الفكرية والميدانية‪ ،‬وهي معلومات يوردها الرحالة‬
‫األوروبيون عن بعض الشخصيات اإلفريقية التي قدمت لهم تسهيالت‬
‫للوصول إلى مراميهم في السيطرة على المنطقة‪ ،‬وبدون إبراز لمظاهر القوة‬
‫الواقعية‪ ،‬التي تتمثل في العوامل الموضوعية التي أدت إلى النجاح‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫العناية برفع الروح الوطنية في الدفاع عن األرض والعرض‪ ،‬والمكتسبات‬
‫المادية‪ ،‬مثل األنشطة التجارية والعناية بالثروة الحيوانية والزراعية‪ ،‬واألهم من‬
‫كل هذا‪ ،‬رعاية اإلنسان الوطني والذود عن حماه‪ ،‬بإتباع الدين القويم‪،‬‬
‫والشريعة اإلسالمية السمحة في األحوال الشخصية والمعامالت المالية في‬
‫السلم والحرب‪ ،‬انطالقا من نصوص الشرع المكتوبة‪ ،‬وتفسيراتها المعتمدة‪،‬‬
‫والمعبر عنها في وثائق وكتب ورسائل مكتوبة‪ ،‬وطالما الباحث‪ ،‬لم يتحصل‬
‫على المادة العلمية المكتوبة عن الشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬في هذه‬
‫الرحالت البريطانية‪ ،‬فقد أجله إلى حين‪.‬‬
‫وبعد الرجوع إلى الوطن سنة ‪1990‬م‪ ،‬وااللتحاق بالتدريس في جامعة‬
‫شاد آنذاك‪ ،‬عام ‪1991‬م‪ ،‬سعيت للحصول على مصادر تساعدني على‬
‫الكتابة عن الشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬انطالقا من مخطوطاته ووثائقه‬
‫ورسائله وكتبه في األساس‪ ،‬رغم وجود معلومات من كتاب كبار مثل الشيخ‬
‫آدم عبد اهلل األلوري‪ ،‬الذي يذكر في كتابه اإلسالم في نيجيريا والشيخ عثمان‬
‫دان فوديو‪ ،‬عن الشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬ما نصه‪ " :‬كان من العلماء‬

‫‪100‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫األعالم‪ ،‬لم يعرف له تأليف‪ ،‬غير قصيدة واحدة في التوسل باألسماء‬


‫الحسنى‪ ،‬وأولها (من بحر الطويل)‬
‫أيا طيب األسماء من هو اهلل ومن ال يسمى ذلك االسم إال هو‬
‫وآلت إلى أوالده وأحفاده دولة كانم –برنو‪ ،‬وهم يتلقبون بالشيخ إلى‬
‫اآلن"(األلوري‪)392 ،‬‬
‫واألخطر من هذا‪ ،‬ما ذكرني به الزميل الدكتور ‪ /‬حامد هارون محمد‪-‬‬
‫جزاه اهلل كل خير‪ -‬بتاريخ ‪2014 /04 /26‬م‪،‬بإنه عثر على هذه القصيدة‬
‫مطبوعة في منشور من برنو‪ ،‬باسم كاتب آخر‪ ،‬هو الشيخ سعد الدين‬
‫التفازاني‪ ،‬وصور لي نسخة من القصيدة المطبوعة‪ ،‬وهذا يعني سحب محمد‬
‫األمين الكانمي من سلسلة العلماء الذين تنطبق عليهم شروط الكتابة التي‬
‫وضعها الباحث منذ البداية‪ ،‬وأهمها وجود أعمال مكتوبة عن العالم‪ ،‬تسمح‬
‫للباحث‪ ،‬بإدراجه في األبحاث العلمية‪.‬‬
‫ولكن عزيمة الباحث‪ ،‬لم تهتز‪،‬إلى أن تحصل الباحث على مخطوطة‬
‫كتاب نصيحة الحكام لدى الشيخ على حسن عبد اهلل الكانمي عضو‬
‫المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية في أنجمينا‪ ،‬والذي بدوره أعطاه للشيخ‬
‫على أحمد طه ليشرحها‪ ،‬فرفع من معنويات الباحث‪ ،‬ألن المعلومات السابقة‬
‫عن هذا الكتاب‪ ،‬تتوقف فقط عند ذكر اسمه فقط‪ ،‬دون التدليل على وجود‬
‫النسخة في مكان موثوق‪.‬‬
‫ومن العوامل التي أسهمت في السعي نحو الكتابة عن الشيخ‬
‫الكانمي‪ ،‬وقوف الباحث على مصادر لكتاب محليين وأفارقة‪ ،‬بعضهم معاصر‬
‫للشيخ الكانمي‪ ،‬مثل أعمال محمد بن عمر التونسي‪ ،‬التي أوردت معلومات‬
‫معاصرة للكانمي فيها إشارات لدوره الفاعل في الحركات السياسية حول‬

‫‪101‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫كانم‪-‬برنو‪ ،‬لم توردها المراجع العربية التي كتبت عن الشيخ الكانمي‪ ،‬وكذلك‬
‫المعلومات التي أورده العالمة اإلفريقي كي زيربو عن الشيخ الكانمي‪ ،‬في‬
‫سفره المشهور عالميا عن إفريقيا السوداء‪ ،‬وهي شهادة للكانمي ودوره الوطني‬
‫في كانم‪-‬برنو من علم كبير من أعالم إفريقيا‪ ،‬ساهم في الكتابة في تاريخ‬
‫إفريقيا العام الذي أعدته ونشرته اليونسكو في باريس‪ ،‬وتحصل الباحث أيضا‬
‫على رسالة كتبها الكانمي لهيئة العلماء في سلطنة كانم ‪-‬برنو‪ ،‬ليقدم لهم فيها‬
‫تقريرا عن موقعة عسكرية حصلت له في الميدان‪ ،‬نشرها الباحث الفرنسي‬
‫جان كلود زلتنر في مجلة السيفود سنة ‪1978‬م‪.‬‬
‫والعامل األخير الذي شجع للباحث‪ ،‬ومنحه الثقة في الكتابة عن‬
‫الشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬بكل أمانة‪ ،‬هو جهد الباحثة الدكتورة خديجة‬
‫أباي‪ ،‬التي أعدت أطروحة دكتوراة عن الشيخ محمد األمين الكانمي ونوقشت‬
‫في السودان سنة ‪2018‬م‪ ،‬فوفرت للباحثين ألول مرة‪ ،‬نسخا أخرى للمقارنة‬
‫والتثبت من مخطوطات ورسائل وكتب للشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬من مقر‬
‫مشيخة برنو في مدينة ميدقري بجمهورية نيجيريا الفدرالية‪ ،‬في ظل ظروف‬
‫أمنية غير مشجعة للبحث العلمي‪ ،‬ولكنها ثابرت ونجحت في الوصول إلى‬
‫مصادر أصلية من جهات محلية موثوقة‪ ،‬تؤكد بعض المخطوطات والرسائل‬
‫والكتب التي أشارت إليها أبحاث ودراسات سابقة‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أوال‪-‬نشأة محمد األمين الكانمي وتكوينه ومدى تأثره وتأثيره في‬


‫وسطه االجتماعي والسياسي‬
‫نشأ الكانمي في أسرة علمية‪ ،‬فوالده معلم في المنطقة‪ ،‬للسكان‬
‫والسلطان‪ ،‬لدرجة جعلته يكسب إبنه محمد شغف مهمة القيام بالتعليم العام‪،‬‬
‫الذي يتجاوز تعليم القراءة والكتابة والفقه والعلوم اإلسالمية‪ ،‬وتوصيلها‬
‫للقاعدة والقمة‪ ،‬أو لعامة المسلمين وخاصتهم‪.‬‬
‫ولما الحظ والد محمد األمين الكانمي في ابنه هذا النبوغ‪ ،‬سعي بأن‬
‫يؤهله للقيام بهذه الرسالة‪ ،‬فعرضه إلى منابع المعرفة اإلسالمية المحلية‪،‬‬
‫خاصة قراءة القرآن الكريم ومبادئ العلوم اإلسالمية في المنطقة‪ ،‬ولكن‬
‫الضعف الذي انتشر في سلطنة كانم –برنو في تلك الحقبة سنة ‪1778‬م‪،‬‬
‫وصل إلى الجوانب الثقافية‪ ،‬وهذا ما جعل والد الكانمي‪ ،‬يتجه بابنه نحو‬
‫الشمال اإلفريقي‪.‬‬
‫فهاجر به نحو فزان ومدن عديدة في منطقة ليبيا الحالية‪ ،‬فنهل من‬
‫العلماء المتواجدين فيها‪ ،‬ويذكر على رأس أساتذته من طرابلس الشيخ عبد‬
‫اهلل بن غلبون‪ ،‬ومنها اتجه نحو الشرق‪ ،‬ماكثا في كل منطقة علمية المدة التي‬
‫يحتاجها ابنه للتزود من المعرفة‪ ،‬فدرس في األزهر ومكة والمدينة‪ ،‬وفي‬
‫األخيرة فقد والده (‪1790‬م)‪ ،‬بعد أن كونه وأعده‪ ،‬ليتولى األمانة العلمية‬
‫بعده‪ ،‬ويذكر بعض الباحثين أن الرحالت التكوينية لطلب العلم للكانمي‪ ،‬التي‬
‫كانت بصحبة والده‪ ،‬وما بعده‪ ،‬أخذت منه أكثر من خمسة عشر‬
‫عاما‪)Zeltner,P,96 (.‬‬
‫ولما أكمل الكانمي رحلته العلمية‪ ،‬رجع إلى المنطقة بنفس الطريق‬
‫الذي بدأ به رحلته العلمية‪ ،‬فجلس فترة من الزمن في فزان‪ ،‬ولكن يعرف عنه‬

‫‪103‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫دائما‪ ،‬شعوره باالنتماء إلى وطنه كانم‪-‬برنو‪ ،‬وبالتالي اختار أن ينشر العلم‬
‫والمعرفة في وسطه الطبيعي بين أهله وذويه من الكانمبو والعرب والبرنو‪،‬‬
‫فكون أول مركز تعليمي له في مدينة "أنقاال"‪ ،‬فتجمع حوله عدد من طالب‬
‫العلم‪ ،‬ذكر بعض الكتاب الرواد األوائل منهم‪ :‬المعلم تيراب من أوالد سرار‬
‫بني حسان‪ ،‬والشيح أحمد قوني من بني حسان‪ ،‬والشيخ ابراهيم وداي من‬
‫أوالد حيماد‪ ،‬والحاج سوداني صديق الكانمي من الصغر من مرزق‪.‬‬
‫وبدأت مراكزهم التعليمية تنتشر‪ ،‬إلى كل من انتسب إليهم‪ ،‬من سكان‬
‫المدن والقرى المجاورة‪ ،‬حتى عمت نار القرآن وحلقات التعليم والذكر‪ ،‬إلى‬
‫أجزاء واسعة من سلطنة كانم‪-‬برنو‪ ،‬وشعر الكانمي بوجوده ومكانته في وسطه‬
‫االجتماعي‪ ،‬بين تالمذته وأهله وجيرانه‪ ،‬وأخذت سمعته تصل إلى مواقع اتخاذ‬
‫القرار في سلطنة كانم‪ -‬برنو‪ ،‬ولكن بدون جلبة كبيرة‪ ،‬لدرجة أن بعض‬
‫السكان بدأوا يرجعون إليه في األمور العلمية والدينية‪ ،‬أكثر من علماء‬
‫السلطان في المنطقة‪ ،‬ولكن اختياره لمناطق سكنى له وألتباعه‪ ،‬بعيدة نوعا ما‪،‬‬
‫عن مناطق السلطان وعلماء السلطان‪ ،‬حماه في مراحله األولى‪ ،‬من التصدي‬
‫له‪)Zeltner,P,200-202 (.‬‬
‫وقد ظل الكانمي في مرحلة دعوته الثقافية السرية في كانم –برنو‪ ،‬بعيدا‬
‫عن األضواء فترة تصل إلى حوالي عشر سنوات(‪1808-1798‬م)‪ ،‬ولم‬
‫تتميز حياة الكانمي وأتباعه‪ ،‬في هذه المرحلة من اإلعداد والتدريب الروحي‬
‫والجسدي‪ ،‬بالعزلة المكانية عن السلطة الحاكمة في كانم‪-‬برنو فقط‪ ،‬بل‬
‫كانت تتميز بحياة تقشف وزهد في الكماليات‪ ،‬بعكس ما كانت عليه حياة‬
‫الترف‪ ،‬في عاصمة السلطنة مدينة قصر قمو‪ ،‬التي فشا فيها‪ ،‬تمتع حاشية‬
‫السلطان‪ ،‬بملذات الحياة الرغدة‪ ،‬مما أعطى الفرصة للفالن من مؤيدي عثمان‬

‫‪104‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫دان فوديو‪ ،‬أن يغزو عاصمة السلطنة‪ ،‬الغارقة في متاع الدنيا‪ ،‬ويستولوا عليها‪،‬‬
‫ويطردوا سلطانها‪ ،‬وهنا فقط تذكر السلطان وحاشيته‪ ،‬االستعانة بالشيخ‬
‫الكانمي‪ ،‬الذي استغل هذه الحاجة االجتماعية والسياسية‪ ،‬أفضل استغالل‪،‬‬
‫وبدأ في الجهر بدعوته‪ ،‬واالنطالق من قاعدته الشعبية‪ ،‬التي أعدها طيلة‬
‫سنوات الدعوة السرية‪ ،‬وانطلق بكل قوته لتحرير عاصمة بالده من الغزاة‪.‬‬
‫أدي انتشار الفساد في الطبقة الحاكمة في سلطنة كانم –برنو‪ ،‬وما تبع‬
‫ذلك من انتشار للرزيلة والظلم للرعية‪ ،‬إلى فجوة بين هذه الطبقة والقاعدة‬
‫الشعبية‪ ،‬التي مالت إلى دعوة الشيخ الكانمي إلى التعليم اإلسالمي‪ ،‬وتطبيق‬
‫قواعد الشرع التي لخص جزء منها الكانمي في نصيحته المشهورة للحكام‪،‬‬
‫ورسائله المتعددة للوالة والقضاة برفع الظلم عن الرعية‪ ،‬وترافق ذلك مع‬
‫هجمات الفالن للعاصمة قصر قمو‪ ،‬وتدميرها في سنوات منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬غزوة القوني مختار الفالني بتارخ‪1223/01/13‬ه الذي يوافقه‬
‫‪1808/03/12‬م في زمن السلطان أحمد بن على الذي هرب بعشيرته إلى‬
‫شمال نهر يوبيه‪ ،‬وسكنها القوني مختار مع جيوش الفالني‪ ،‬فتم االستنجاد‬
‫بالشيخ الكانمي وأتباعه‪ ،‬إلنقاذ البالد من الغزو‪ ،‬فما توانى وال هاب الموقف‪،‬‬
‫بل جهز أتباعه وتالمذته بالعدة واإليمان‪ ،‬فاسترد الكانمي العاصمة الكانمية‪،‬‬
‫وقتل قائد الغزاة الفالن القوني مختار‪ ،‬وذلك في ‪11‬صفر ‪1223‬ه‪ ،‬أي بعد‬
‫االحتالل بأربعين يوما‪ ،‬وأرجع سلطان البالد إلى العاصمة قصر قمو‪ ،‬بكل عز‬
‫واحترام‪ ،‬ثم انسحب الكانمي وأتباعه إلى مواقعهم األصلية‪ ،‬مما قوى عزيمة‬
‫وثقة أتباعه بأنفسهم‪ ،‬في النجاحات العملية األولى لهم في المشاركة في‬
‫الشأن العام‪ ،‬في صورة الدفاع عن أرضهم وعرضهم‪ ،‬وليس الدفاع عن السلطة‬
‫السياسية الظالمة‪ ،‬التي هم أنفسهم غير مقتنعين بتصرفاتها‪ ،‬ولكن الشعور‬

‫‪105‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الداخلي بالظلم‪ ،‬شيء مختلف عن رد االعتداء الخارجي‪ ،‬وهذا درس في‬


‫التجاوز السياسي والوطني‪ ،‬أعطاه الكانمي ألتباعه في ذلك القرن‪ ،‬سكان‬
‫كانم‪-‬برنو إلى اليوم‪ ،‬في حاجة إلى فهمه‪ ،‬لتقف بوكو حرام وغيرها‪ ،‬عن‬
‫العبث بالبالد والعباد‪.‬‬
‫ب‪-‬وبعد هذه الواقعة‪ ،‬بعامين فقط (‪1810‬م)‪ ،‬حدثت هزة أخرى‬
‫لعرش سلطان كانم‪-‬برنو‪ ،‬حيث هجمت قوات الفالن مرة أخرى على العاصمة‬
‫قصر قمو‪ ،‬واستولت عليها بقيادة ابراهيم الزاكي‪ ،‬ودمرت العاصمة هذه المرة‬
‫تدميرا شديدا‪ ،‬لدرجة جعلت السلطات الحاكمة‪ ،‬تستغيث بالشيخ الكانمي‬
‫وأتباعه‪ ،‬فقام بدحر الغزاة مرة أخرى‪ ،‬وأرجع السلطان الكانمي (دونمة بن‬
‫أحمد) إلى عرشه‪ ،‬مع اإلشارة إليه هذه المرة بتغيير مقر إدارته للبالد‪ ،‬من‬
‫مكان يسهل الدفاع عنه من ناحية‪ ،‬ويكون في وسط السكان‪ ،‬مما يساعد‬
‫على النفير وربط القيادة بالرعية‪ ،‬فأخذ السلطان بوصية الكانمي‪ ،‬فنقلت‬
‫عاصمة البالد إلى مدينة "كابيلة" وسط جماعات الكانمبو والعرب‪ ،‬الذين‬
‫يشكلون السند القوي لقوات الشيخ الكانمي‪.‬‬
‫ولهذا يرى الكاتب البريطاني بالمر‪ ،‬أن تأثير الشيخ محمد األمين‬
‫الكانمي على الحياة السياسية واالجتماعية‪ ،‬ظهر بشكل جلي خالل الفترة من‬
‫عام ‪1809‬م إلي عام ‪1835‬م تاريخ وفاته‪ ،‬وكأن تاريخ الكانمي في المنطقة‪،‬‬
‫يبدأ بدوره الريادي في هاتين الواقعتين‪)PALMER,P.209(.‬‬
‫وظل الشيخ الكانمي طيلة هذه الفترة في مدينتي"نفرنو" و"كوكوه"‪،‬‬
‫بعيدا عن صخب عواصم الحكم في كانم –برنو‪ ،‬في محاولة منه لخلق‬
‫مجتمع خال من الرزائل المنتشرة في عواصم كانم‪-‬برنو‪(.‬النوي‪-120،‬‬
‫‪)121‬‬

‫‪106‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ج‪-‬ولكن ابتداء من تاريخ‪1835- 1814‬م‪ ،‬بدت األمور في كانم‪-‬‬


‫برنو‪ ،‬تتجه إلى تغيير في هرم السلطة السياسية‪ ،‬فرغم كل الجهد الذي بذله‬
‫الكانمي‪ ،‬في االبتعاد عن القيادة الرسمية للبالد‪ ،‬واالكتفاء بدور المنقذ‬
‫للبالد‪ ،‬من جميع الهجمات الخارجية‪ ،‬إال أن األحداث السياسية في األسرة‬
‫الحاكمة‪ ،‬تشير إلى السماح للكانمي‪ ،‬بتولي السلطة السياسية للبالد بالكامل‪،‬‬
‫مع تغيير طفيف تمثل في االسم‪ ،‬حيث تمسك الكانمي‪ ،‬بلقب الشيخ بدل‬
‫لقب السلطان‪ ،‬فساد األمن بالد كانم‪-‬برنو‪ ،‬وفتح الكانمي البالد أمام التجارة‬
‫العالمية‪ ،‬وأمن التجارة الداخلية‪ ،‬وحفظ للمواطنين حرمة األرض والعرض‪،‬‬
‫وزادت العناية بالتعليم ورعاية المساجد‪ ،‬ورفع المظالم في المحاكم‪ ،‬وأقام‬
‫عالقات سياسية سوية مع الدول والسلطنات المجاورة والبعيدة‪.‬‬
‫ثانيا‪-‬الشيخ محمد األمين الكانمي بعيون المصادر المحلية‬
‫ماذا تقول المصادر المحلية المعاصرة له والتي تلتها عن الشيخ محمد‬
‫األمين الكانمي؟‬
‫من المصادر األصلية المعاصرة للشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬أعمال‬
‫الشيخ محمد ابن عمر التونسي المسماة "تشحيذ األذهان بمعرفة بالد‬
‫الغرب والسودان" والتي نشرها بيردون في جزئين بالفرنسية‪ ،‬هما‪ :‬رحلة إلى‬
‫دارفور‪ ،Voyage au Dar Four‬ورحلة إلى وداي ‪Voyage au‬‬
‫‪ ،Waday‬والتي كتبها التونسي حوالي‪ 1808‬ـ ـ ‪1812‬م‪.‬‬
‫يذكر محققا كتاب تشحيذ األذهان‪ ،‬أن أول من أشارإلى الشيخ‬
‫التونسي أن يكتب هذه الرحلة هو الدكتور‪ /‬بيرون‪،‬ذلك الفرنسي المستشرق‬
‫الذي يعمل لحساب البعثة الفرنسية في القاهرة‪ ،‬وبعد أنأتم التونسي تسجيل‬
‫رحلته‪،‬يبدو انه سلّم نسخة منها إلى الدكتور‪ /‬بيرون‪ ،‬وهنا احتكر بيرون النص‬

‫‪107‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫العربي للرحلة‪ ،‬ووزعه إلى جزأين‪ ،‬نقالهما في البداية إلى الفرنسية‪ ،‬مع تغيرات‬
‫هامة‪ ،‬وتعليقات كثيرة‪ ،‬أهمها ما حصل في عنوان الرحلة‪ ،‬فبدل " بالد الغرب‬
‫" كما هو واضح في المخطوطة األصلية غيّرها إلى "بالد العرب"‪.‬‬
‫ولم يصل لألخوة في مصر‪،‬الذين حققوا الجزء األول من الرحلة ((‬
‫تشحيذ األذهان بمعرفة بالد العرب السودان))‪،‬إال النسخة المترجمة من‬
‫الفرنسية إلى العربية للدكتور‪ /‬بيرون‪ ،‬والتي وصلت القاهرة مطبوعة على‬
‫الحجر ‪ 1950‬بخط بيرون‪،‬بينما أشاروا إلى أن النسخة العربية للمؤلف‬
‫مفقودة‪ ،‬وهي التي كتبها المؤلف قبل عام ‪1945‬م‪.‬‬
‫أما الجزء األخير من الرحلة والذي يتضمن المعلومات عن وداي‪ ،‬فقد‬
‫نشره بيرون بالفرنسية فقط بباريس عام ‪1951‬م‪ ،‬أما النص العربي لهذه الرحلة‬
‫فانه لم ينشر وال يعرف عنه شيء‪ ،‬ولعله في حوزة ورثة بيرون (التونسي‪،‬‬
‫التشحيذ‪.)18 ،‬‬
‫ولألصل العربي لهذا الرحلة‪ ،‬قصته‪ :‬فقد الحظ الباحث غموض‬
‫المعلومات حوله‪ ،‬فسعى إلى الحقيقة‪ ،‬فوجد عند بعض األساتذة في أنجمينا‬
‫–شاد‪ ،‬وهو األستاذ الزميل الدكتور‪/‬محمد مقدم ع ـام ‪ 1991‬م أوراق‬
‫مخطوطة مصورة‪ ،‬فيها نفس المعلومات –تق ـريبا ‪-‬المنشورة عن ـد بيرون‬
‫) فصور نسخة منها‬ ‫‪VOYAGE AU OUADAY‬‬ ‫بالفرنسية في كت ـابه (‬
‫وأودعها‪ ،‬في مكتبة المعهد الوطني للعلوم اإلنسانية‪ ،‬ضمن عدد من‬
‫المخطوطات‪ ،‬وأثناء تصفح الباحث للمخطوط‪ ،‬وجد ختم مخطوطات جامعة‬
‫الرياض‪ ،‬فسعى إلى إيجاد نسخة متكاملة عن المخطوط‪ ،‬فحصل عليها عام‬
‫‪1995‬م‪،‬من زميل صورها من جامعة رياض‪ ،‬واعتقد أنها من مكتبة الدكتور‪/‬‬
‫عبد اهلل آدم أبو نظيفة‪ ،‬الذي كان يحاضر في جامعة الرياض سابقا‪ ،‬ولما‬

‫‪108‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫صور المخطوط بالكامل‪ ،‬اتضح انه يضم الرحلة التونسية كاملة‪ ،‬قبل أن‬
‫يجزئها الدكتور‪ /‬بيرون إلى شقين‪ ،‬وفي نفس هذا العام ‪1995‬م‪ ،‬أو بعده‬
‫بقليل‪ ،‬وصلني باحث من جامعة الخرطوم في أنجمينا‪ ،‬إسمه د‪ .‬عبد الجبار‪،‬‬
‫الذي كان يدرس موضوع الزغاوة‪ ،‬مع البروف‪/‬يوسف فضل‪ ،‬وأخذ نسخة من‬
‫المخطوط األول‪ ،‬رحلة إلى وداي‪ ،‬والباحث هو من كتب هذه العبارة على‬
‫هذا الجزء من الكتاب‪،‬قبل أن يصوره كامال‪ ،‬وهذا هو العنوان الذي خرج في‬
‫تحقيق ألستاذ الدكتور عبد الباقي محمد‪ ،‬ولكن ما يؤخذ على هذا التحقيق‬
‫األخير هو اعتماده هو اآلخر على الترجمة الفرنسية لبيرون‪ ،‬رغم وجود النص‬
‫العربي للمخطوط بين يديه‪ ،‬فخرج مترجما‪ ،‬ولم يخرج األصل العربي‪.‬‬
‫وفي زيارة علمية للباحث إلى جامعة محمد الخامس بالمملكة المغربية‬
‫عام‪ ،2001‬حصل الباحث على نسخة خطية للمخطوط من المكتبة الكتانية‬
‫المودعة في الخـزانة المغربية تحت رقم( ‪ )23535‬نسخ أمين المدني‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪ 26‬بشهر الحجة الختام سنة ‪1303‬هـ‪ ،‬ويحتوي المخطوط على ‪28‬‬
‫كراسة‪ ،‬وبها سقط أربع كراسات هي‪ ،12 ،11 ،10 ،9 :‬وبها مقابالت على‬
‫النسخة الفرنسية وتعديالت‪ ،‬وبالتالي فان هذه الرحلة وغيرها من كتب التراث‪،‬‬
‫تنتظر من يعتني بها من الجهات الثقافية والعلمية‪.‬‬
‫ويذكر التونسي في رحلته‪ ،‬الكانمي في أكثر من موقع‪ ،‬على سبيل‬
‫المثال‪ :‬حينما يتناول موضوع الشجاعة واإلقدام‪ ،‬فقد رتب التونسي الشعوب‬
‫اإلفريقية التي مر بها على ميزان الشجاعة واإلقدام‪ ،‬فقال‪ :‬أشجع الشعوب‬
‫السودانية الوداي والفور ثم البقرمي‪ ،‬وأقلهم شجاعة البرنو‪ ،‬وهنا ضرب المثل‬
‫بالسلطان أحمد البرناوي الذي فر بنفسه من مدينته إلى إقليم كانم‪ ،‬وفي هذا‬
‫اإلقليم استنجد السلطان أحمد البرناوي‪ ،‬بالفقيه الصالح والوزير الناجح‬

‫‪109‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫محمد األمين الكانمي‪ ،‬وبذل معه المجهود في جمع العساكر‪ ،‬ولم يزل معه‬
‫إلى أن رده إلى مقر سلطنته وكرسي مملكته‪ (.‬التونسي‪ ،‬وداي‪ 105،‬ـ ـ ‪)106‬‬
‫ومن النوادر التي يسردها التونسي لكي يقرر القاعدة السابقة في قلة‬
‫شجاعة البرنومايلي‪:‬‬
‫"ومن غريب ما اتفق لعساكر البرنو‪ ،‬أن السلطان أرسل أحد وزرائه‪ ،‬مع‬
‫جيش عظيم لقتال الفالن‪ ،‬فتوجه الجيش وكان معهم بعض المغاربة وأعراب‬
‫البادية‪ ،‬فبينما هم سائرون في صحراء مستوية المهاد‪ ،‬إذ رأوا أمامهم سوادا‬
‫عظيما قد مأل تلك الصحراء‪ ،‬فلما رأوا ذلك السواد‪ ،‬وأيقنوا أنه جيش‬
‫الفالتة‪ ،‬كثر خوفهم‪ ،‬ونزل الرعب في قلوبهم وفشلوا ورجعوا على أعقابهم‪،‬‬
‫وقالوا الطاقة لنا بقتال هذا الجيش‪ ،‬فجاء أحد المغاربة إلى الوزير وقال له‪:‬‬
‫كيف تنصرف العساكر من سواد ال تعلم حقيقته ؟‬
‫فقال الوزير‪ :‬من يكشف لنا عن ذلك‪ ،‬فقال المغربي أنا أقوم بذلك‪،‬‬
‫فقال له الوزير‪ ،‬اذهب‪ ،‬فذهب المغربي وحقق السواد‪ ،‬فرآه نعاما كثيرا قد‬
‫اجتمع ورفرف بأجنحته‪ ،‬وصار من بعد كأنه جيش مصفوف‪ ،‬فرجع ينادي أيها‬
‫الناس‪ ،‬ارجعوا هذا نعام‪ ،‬فلم يلو عليه أحد‪ ،‬وتمادوا في هزيمتهم إلى أن‬
‫دخلوا برني البرنو‪ ،‬وهم في غاية االرتجاف"‪( .‬التونسي‪ 101،‬ـ ـ ـ ‪)106‬‬
‫ويذكر التونسي أن مثل هذه الحكايات والروايات عن الخوف الذي‬
‫انتشروا داخل جيش سلطنة البرنو‪ ،‬هو الذي حرك النخوة واإلقدام في الشيخ‬
‫محمد األمين الكانمي‪ ،‬وحاول أن يغير هذه الصورة القاتمة عن المحارب في‬
‫السلطنة البرناوية‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫يقول التونسي‪" :‬ولما ظهر هذا األمر وفشا‪ ،‬وهو فرار العساكر من‬
‫البرنو من المعارك ومواقع القتال‪ ،‬خاف الفقيه محمد األمين الكانمي أن يشيع‬
‫هذا الخبر‪ ،‬ويسمعه الفالن‪ ،‬فيزيد طعمهم في الدولة البرناوية‪ ،‬ثم طلب رؤساء‬
‫الجيش الذي حصل فيه هذا الفشل‪ ،‬وقتلهم‪ ،‬ثم نادى منادي السلطان في‬
‫العساكر‪ ،‬أن يعد من هذا اليوم‪ ،‬كل من فر من عدو‪ ،‬الجزاء له إال السيف‪،‬‬
‫وجمع العساكر‪ ،‬ورتبها‪ ،‬وخرج لقتال الفالتة‪ ،‬فهزمهم وأخرجهم من بالد‬
‫البرنو‪ ،‬وقتل منهم مقتلة عظيمة"‪ ( .‬التونسي‪ 105 :‬ـ ـ ‪)107‬‬
‫ومن المعلومات المهمة التي يقدمها للبحث مصدر رحلة التونسي‪،‬‬
‫وصفة للطريقة الذكية التي استقبل بها الشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬استيالء‬
‫الفقيه الفالتي إبراهيم الزاكي لعاصمة برنو غسرغمو‪ ،‬فبعد أن استولى الزاكي‬
‫على سلطنات وممالك إسالمية مجاورة‪ ،‬وصل إلى عاصمة برنو التي فر منها‬
‫سلطانها إلى كانم مرة أخرى‪ ،‬ولكن الفقيه محمد األمين الكانمي‪ ،‬حسب‬
‫رواية التونسي تلقى الزاكي الفالتي الغازي‪ ،‬وأنزله هو وعساكره خير نزل‪ ،‬هذا‬
‫من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬صار الكانمي يجمع العساكر من جميع السلطنة‬
‫البرناوية‪ ،‬وصار يرغبهم بالعطايا بعد النصر‪ ،‬ويؤكد لهم هدفه المتمثل في قمع‬
‫العدو الجاشم على أرضهم من البالد‪ ،‬وأخذ الكانمي يعظهم ويحرضهم على‬
‫قتال عدوهم‪ ،‬ويعرفهم أن هذا الفالتي باغ عليهم‪ ،‬ألنهم مسلمون ولم يرتكبوا‬
‫محرما يوجب القتال‪.‬‬
‫وأما ما يقوله من أنهم خالفوا الشرع وتبعوا أهواءهم‪ ،‬إنما هي علة‬
‫اقترحها‪ ،‬ليقال إنما قاتلهم على الدين‪ ،‬وهو في نفس األمر طالب ملك‪،‬‬
‫ومكث على ذلك سنة كاملة‪ ،‬حتى جمع جيشا عظيما‪ ،‬ثم أخذ السلطان‬
‫وتوجه بالعساكر إلى برني برنو‪ ،‬بعد التوبة واالستغفار والتضرع إلى اهلل‪ ،‬وطلب‬

‫‪111‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫النصر على أعدائهم الفجار‪ ،‬ولما وصل إلى البرني‪ ،‬خرج لهم الفالن‪ ،‬ووقع‬
‫القتال‪ ،‬وكان يوما مشهودا‪ ،‬فهزمهم جماعة السلطان‪ ،‬واستلموا منهم ماال ال‬
‫يحصى كثرة‪ ،‬وفر الزاكي بمن بقي معه‪ ،‬ودخل السلطان البرني مؤيدا منصورا‬
‫ببركة الفقيه محمد األمين الكانمي‪ ،‬وصار له األمر والنهي من جميع القواد‬
‫واألمراء‪ ،‬وجدد السلطان ما انهدم من الشرف والمجد‪ ،‬وقد كان سائر ملوك‬
‫السودان خائف من الفالن‪ ،‬ونزل الرعب في قلوبهم‪ ،‬فلما هزمهم البرنو‪،‬‬
‫قويت قلوبهم‪ ،‬وذهب ما كانوا يجدونه من الخوف"‪( .‬التونسي‪ ،‬وداي‪،‬‬
‫‪ 124‬ـ ـ ‪)125‬‬
‫ورغم أهمية المعلومات التي يقدمها مصدر التونسي عن الكانمي‪ ،‬إال‬
‫أن جميع الذين تناولوا دراسة الشيخ الكانمي باللغة العربية واللغات األجنبية‬
‫‪-‬حسب علمي‪ -‬لم يأخذوها بعين االعتبار‪ ،‬حتى وال بإشارة عابرة‪.‬‬
‫بينما معلومات التونسي تتميز في خدمتها للبحث العلمي في نواحي‬
‫خاصة منها‪:‬‬
‫أ‪-‬إنها أول معلومات عن الشيخ محمد الكانمي من كاتب معاصر‬
‫لظهور الحركة اإلسالمية للكانمي‪ ،‬من مصدر محايد‪.‬‬
‫ب‪-‬إنها تدلي بمعلومات خطيرة عن جيش البرنو ( انخفاض روحه‬
‫المعنوية والقتالية‪ ،‬أكدتها مخطوطات للكانمي نفسه‪ ،‬نشرها المسشترق جان‬
‫كلود زلتنر في مجلة شاد والثقافة‪1978‬م‪)Zegtner,P,22-20(.‬‬
‫ج‪-‬ألول مرة يعرف الباحث والكثير من القراء‪ ،‬أن الكانمي لم يستقبل‬
‫بصدر رحب زواره من األوربيين(الرحلة اإلنجليزية) ( دنهام‪ ،‬كالبرتون‪)1823‬‬
‫فقط‪ ،‬بل نفس السياسة الحكيمة استعملها الشيخ محمد الكانمي‪ ،‬في‬
‫استقبال أعدائه المحليين‪ ،‬فقد استقبل في كانم كل من المظلوم سلطان‬

‫‪112‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫كانم‪-‬برنو الفار‪ ،‬والظالم الزاكي الفالتي‪ ،‬ومن طرف خفي‪ ،‬أخذ في‬
‫االستعدادات السرية‪ ،‬ولمدة عام كامل‪ ،‬ثم انقض عليه‪ ،‬وأرجع السلطان‬
‫المظلوم إلى عرشه‪ ،‬ومن هنا اكتسب الود واالحترام‪ ،‬الذي كتب عنه‬
‫الكثيرون‪ ،‬واليدرون منبعه‪.‬‬
‫د‪-‬معلومات التونسي‪ ،‬ال تتعارض مع معلومات معاصرة لها‪ ،‬كتبها‬
‫أعداء الكانمي ونشرها محمد بلو في إنفاق الميسور‪ ،‬بل تعاضدها في‬
‫األفكار األساسية لحركة الكانمي‪ ،‬وأفكار مناوئيه من الفالن‪ .‬وبالتالي يقدم‬
‫هذا المصدر إضافة حقيقة للمعلومات من الكانمي‪ ،‬تساعد على توضيح دوره‬
‫اإلصالحي في السودان األوسط‪.‬‬
‫ه‪-‬ألول مرة نجد مصدرا معاصرا للكانمي يشير إلى اآلثار السياسية‬
‫لدور الكانمي في إنقاذ برنو‪ ،‬وخاصة رفع الروح المعنوية للسلطنات اإلسالمية‬
‫في وسط إفريقيا‪ ،‬في عدم الرهبة من الفالن‪ ،‬ومدى تفسير هذه المالحظة‪،‬‬
‫النحسار التقدم الفالني على األقل نحو الشرق ـ ـ هزيمة حركة القوني مختار‪،‬‬
‫وإبراهيم الزاكي‪ ،‬وانكسار شوكتهما في برنو‪ ،‬وكذلك الخضوع للصلح مع‬
‫دولة الفالنفي سكتو‪ ،‬وتوقف غزوها للبرنو وباجرمي وغيرها‪.‬‬
‫و‪-‬وترجع أهمية مصدر محمد بلو باإلضافة إلى معاصرته للكانمي‪ ،‬أنه‬
‫يقدم لنا الوجه اآلخر‪ ،‬لشخصية الكانمي في جوانبه الثقافية والسياسية‬
‫والدينية والحربية‪.‬‬
‫ويقدم الكانمي في انفاق الميسور لمحمد بلو‪ ،‬وهو المصدر الثاني عن‬
‫الكانمي‪ ،‬باعتبار معوق من معوقات الزحف الفالني بشكل عام‪ ،‬سواء القادم‬
‫من مالي في شكل الشيخ إبراهيم الزاكي أو الفالنيين المجاورين لبرنو‪ ،‬في‬
‫شكل القوني مختار‪ ،‬أو الفالنيين المواطنين أو القاطنين في برنو‪ ،‬الذين أيدوا‬

‫‪113‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الحركات الفالتية التابعة للشيخ عثمان دان فوديو‪ ،‬وهؤالء هم غالبية من‬
‫واجههم سالطين برنو في البداية‪ ،‬والذين أوقف زحفهم محمد األمين الكانمي‬
‫في نهابة المطاف‪.‬‬
‫فيذكر محمد بلو أن الصراع الفالني البرناوي‪ ،‬ظهر أصال بين الفالني‬
‫القاطنين في برنو وسلطان برنو‪ ،‬حينما اتهم سلطان برنو‪ ،‬بدعم بعض سالطين‬
‫الهوسا‪ ،‬الذين غزاهم الفالن المؤدين للشيخ عثمان دان فوديو‪ ،‬فثار بعض‬
‫الفالن في برنو على سلطان برنو‪ ،‬ضد هذا التأييد للكفار‪ ،‬حسب رأي‬
‫الفالن‪ ،‬وبالتالي عدوا بالد برنو‪ ،‬بالد كفر‪ ،‬تجب الهجرة للمسلمين الفالن‬
‫منها‪ ،‬وامتثل ألمر الفالن هذا‪ ،‬أعدادا من رعايا سلطان برنو من الفالن‪،‬‬
‫فكاتب سلطان برنو الحاج آدم مادبو بن الحسن سلطان أمو ( ‪ 1809‬ـ ـ‬
‫‪ )1847‬يستفسر منه عن سبب هجرة الفالن لبالد البرنو‪ ،‬رغم أنه أمير‬
‫المؤمنين فيها ؟ فابلغ الحاج آدم الشيخ عثمان باألمر‪ ،‬وكان هذا أول اتصال‬
‫بهذا الخصوص بين برنو وسلطان الفالن عثمان دان فوديو‪ ،‬فرد عليه محمد‬
‫بلو بإذن من الشيخ عثمان‪ ،‬يوضح له أن أهل الهوسا كفار‪ ،‬وأن مظاهرتهم‬
‫ارتداد عن اإلسالم‪ ،‬وحذره من التعامل معهم‪ ،‬بل وطلب منه أن ينصر جماعة‬
‫الفالن الذين يقاتلونهم‪ ،‬ولكن سلطان برنو رفض هذه المطالب‪ ،‬مما جعل‬
‫الطريق مفتوحة أمام الفالن المجاورين لبرنو لغزوها شرعا‪ ،‬من خالل الرسالة‬
‫الواضحة التي وصلت من قائدهم عثمان دان فوديو‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس باركت السلطة الفالنية في سكتو‪ ،‬جميع الغزوات‬
‫التي قام بها جماعات الفالن المجاورين لبرنو‪ ،‬والقادمين من بعيد‪ ،‬ويذكر بلو‬
‫هنا بتمجيد قوي‪ ،‬جهود إبراهيم الزاك‪ ،‬والماهر مختار التي وصلت إلى‬
‫االستيالء التام على عاصمة برنو‪ ،‬وطرد السلطان أحمد‪ ،‬وابنه دونمه إلى كانم‪،‬‬

‫‪114‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ويذكر بمرارة شديدة التدخل القوي والسريع من الحاج محمد األمين‬


‫الكانمي‪ ،‬والذي أدى إلى تغيير موازين القوي في برنو‪ ،‬وإرجاع السلطان‬
‫البرناوي إلى العاصمة‪ ،‬وتحرير جميع األراضي التابعة لبرنو من الفالن‪ ،‬ووضع‬
‫خطط لحماية المنطقة من الهجمات المتكررة التي يقوم بها الفالن‪ ،‬بتأييد‬
‫ومساندة من سكتو‪ ،‬ولكن بدون دعم مباشر بالجنود والعتاد‪ ،‬بل توقف الدعم‬
‫الفالنى من المركز‪ ،‬على التحريض الفكري والتهديد اللفظي‪ ،‬مما أعطى‬
‫للكانمي‪ ،‬فرصة ألن يدخل الدين والعقل والحكمة والحنكة في قواعد الحرب‬
‫مع الفالن‪ ( .‬بلو‪ 210 ،‬ـ ـ ‪) 232‬‬
‫وقد أدت هذه اآلليات التي استخدمها الكانمي أكلها‪ ،‬حيث عرض‬
‫محمد بلو في المصدر الذي أمامنا ثمان رسائل متبادلة‪ ،‬ثالث منها للكانمي‬
‫موجهة إلى علماء الفالن ورؤسائهم‪ ،‬وخمسة ردود من علماء الفالن‪ ،‬اثنان من‬
‫عثمان دان فوديو واحدة‪ ،‬من عبداهلل دان فوديو‪ ،‬وثالث من محمد بلو‪.‬‬
‫وقد ساهم فتح باب الحوار بين الشيخ محمد األمين الكانمي وعثمان‬
‫دان فوديو‪ ،‬حسب العرض التي قدمه محمد بلو‪ ،‬على تهدئة األوضاع‬
‫السياسية والعسكرية بين البرنو والفالن‪ ،‬وساهمت هذا الرسائل على نشر‬
‫القضايا السياسة للحوار والصراع بين أكبر عدد ممكن من المهتمين‪ ،‬خاصة‬
‫الطبقة المثقفة‪ ،‬وتجاوز الطريقة الضيقة التي يريدها المؤيدون لعثمان دان‬
‫فوديو‪ ،‬في وضع المسلمين بين حدين فقط‪ ،‬مؤيد لهم مسلم‪ ،‬ومعارض لهم‬
‫كافر‪ ،‬بينما في هذه الرسائل‪ ،‬بدت عبارات مثل األدلة متسعة لنا والكم تنتشر‬
‫بين المثقفين‪ ،‬وهذا أخوف ما يخافه محمد بلو وغيره من الفالن‪ ،‬فقد ذكر أنه‬
‫كان يكتب رسالة في كل عام إلى الكانمي يرد فيها على أسئلته‪ ،‬خوفا من‬

‫‪115‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫انتشار آرائه المضادة‪ ،‬على ألسنة المثقفين والمتعلمين في المنطقة‪(.‬بلو‪،‬‬


‫‪)287 ،232‬‬
‫بل هناك معلومات عن استعانة السلطة السياسة والعلمية في سكتو‪،‬‬
‫ببعض العلماء الذين يعرفون برنو‪ ،‬واستخدامهم كرسل وأصحاب بريد‪ ،‬إليصال‬
‫الرسائل إلى محمد األمين الكانمي‪ ،‬وذكر في هذا المصدر اثنان منهم‪ :‬البريد‬
‫عثمان‪ ،‬وعذاب أليم‪ ،‬الذي يذكر العالم األمريكي جون هانويك إنه كان وزيرا‬
‫لمحمد بلو‪ ،‬توفي سنة ‪ 1851‬وله عدة مؤلفات منها‪ :‬الكشف عن أحوال‬
‫محمد بلو‪ ،‬وروض الجنان‪ ،‬وكشف النقاب‪ ،‬وهي كتب مخطوطة في جامعة‬
‫زاريا‪.‬‬
‫واالستعانة بكل هؤالء الرسل ليوصلوا اآلراء واألفكار والردود إلى‬
‫محمد األمين الكانمي‪ ،‬من أجل اتقاء أثر رسائله عن أطروحات حركة عثمان‬
‫دان في فوديو على المثقفين والعامة في بالد الفالن عامة‪ ،‬وبالد برنو خاصة‪،‬‬
‫ألنها أرض المعارك الحربية بين الطرفين من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬إيقاف‬
‫أثرها السلبي على المد الفوالني في العالم اإلسالمي‪(.‬بلو‪)255 ،‬‬
‫وهناك إشارة في هذه الرسائل‪ ،‬إلى انزعاج محمد بلو وعثمان دان‬
‫فوديو وعبد اهلل دان فودي‪ ،‬من مخاطبة محمد األمين الكانمي لعلماء الشرق‪،‬‬
‫يسألهم ويستفتيهم حول القضايا المطروحة للحوار بينهم‪ ،‬ويذكر فيها أنه‬
‫يحتكم إلى علماء الشرق‪ ،‬أن يفتوه فيما لم يفتيه فيه علماء الفالن‪ ،‬وال ترجع‬
‫أهمية هذا المصدر‪ ،‬أنه طرح ألول مرة الجانب الفكري والدبلوماسي من‬
‫المعركة بين محمد األمين الكانمي وعلماء الفالن‪ ،‬ولكنه يعد المصدر األكثر‬
‫غزارة وغني‪ ،‬في الحديث عن الكانمي من جميع المصادر األخرى‪ ،‬بل أنه في‬
‫فترة من الفترات كان المصدر الوحيد الذي أنار الطريق للباحثين حول‬

‫‪116‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫شخصية الكانمي العلمية‪ ،‬فقد طغت الحرب المادية على جميع جوانب‬
‫حياته األخرى‪ ،‬وبدا وكأنه قائد عسكري‪ ،‬ثم بعد فترة داهية سياسي استطاع‬
‫حماية برنو من مصير مظلم‪.‬‬
‫‪-‬يتميز مصدر الشيخ إبراهيم صالح النووي‪ ،‬الذي بعنوان‪ :‬تاريخ‬
‫اإلسالم وحياة العرب في إمبراطورية كانم‪-‬برنو‪ ،‬وبانطالقه من معلومات محلية‬
‫في برنو الحالية‪ ،‬تحاول أن توضح الدور الذي قالم به محمد األمين الكانمي‪.‬‬
‫ويبدأ هذا المصدر حديثه عن الكانمي‪ ،‬باعتباره أحد علماء كانم‪-‬برنو‬
‫البارزين‪ ،‬فيذكر أماكن تعلمه في كل من األزهر ولمدة خمس سنوات‪،‬‬
‫ومجاورته للقدس لمدة عامين‪ ،‬وجلوسه في مكة لمدة ثالث سنوات‪ ،‬ومكوثه‬
‫بالمدينة المنورة لمدة سنتين وفيها توفي والده‪ ،‬ثم رجع الكانمي إلى المغرب‪،‬‬
‫وتعلم خالل هذه السنين التي وصلت قرابة الخمسة عشر عاما علوم الفقه‬
‫المالكي‪ ،‬وأضاف إليها تخصصات أخرى‪ ،‬ذكر منها هذا المصدر التاريخ‬
‫واالجتماع والسير وأخبار الملوك‪ ،‬كل هذا إلى جانب علوم التصوف‬
‫اإلسالمي التي أثرت في حياة الكانمي أكثر من غيرها‪ ،‬كما يبدوا واضحا في‬
‫حياة التقشف واجتماع التالميذ حوله‪ ،‬وإكثاره من االختالء بنفسه واعتزاله عن‬
‫الناس إال في بعض األوقات‪.‬‬
‫ويتميز الكانمي‪ ،‬حسب رأي هذا المصدر‪ ،‬بأنه جمع أنصاره وأعوانه‬
‫من جميع قبائل بالد كانم‪-‬برنو‪ ،‬وإن كان اعتماده األساسي على الكانمبو‬
‫والعرب والكانوري‪ ،‬هذا الثالثي الذي قاد به البرنو إلى النصر والزود على‬
‫حمى برنو‪ ،‬وبالتالي يعتبر الكانمي المخلص األوللشعب برنو من جميع‬
‫أعدائه‪ ،‬مع اكتفائه بلقب الشيخ‪ ،‬وترك األلقاب السلطانية البرناوية األخرى‬
‫لسالطين برنو األصليين من األسرة السيفية‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وقد سرد هذا المصدر دور الكانمي في تخليص برنو من أعدائها في‬
‫ثالثة مواقف هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬خلص الكانمي عاصمة سلطة البرنو مدينة غسرغو من هجوم القوني‬
‫مختار بتاريخ ‪1223 / 01/13‬ه الموافق ‪ 1808 / 03 /12‬م‪ ،‬في زمن‬
‫السلطان أحمد علي‪ ،‬الذي هرب وعشيرته إلى شمال نهر يوبيه‪ ،‬وسكنها‬
‫القوني مختار مع جيوش الفالني‪ ،‬فاستنجد سلطان برنو بمحمد األمين‬
‫الكانمي‪ ،‬فاستخار اهلل‪ ،‬واستعد السترداد العاصمة‪ ،‬فاستردها وقتل قائد الغزاة‬
‫القوني مختار‪ ،‬وذلك في ‪ 11‬صفر ‪ 1223‬هـ‪ ،‬أي بعد االحتالل بأربعين‬
‫يومنا‪ ،‬وأرجع السلطان علي أحمد إلى عرشه في العاصمة غسرغمو‪ ،‬بينما بقي‬
‫الكانمي في مدينة ( نفرنو) خارج العاصمة‪ ،‬مبتعدا عن الحياة السياسية‬
‫الصاخبة في عاصمة برنو‪.‬‬
‫ب‪ -‬أما الخالص الثاني‪ ،‬فكان يعد هجوم القائد الفالني إبراهيم الزاكي‬
‫الذي استولى على عاصمة برنو‪ ،‬وكان االستنجاد في هذه المرة من ابن‬
‫السلطان السابق الماي دونمة‪ ،‬الذي يدين للكانمي بتخليصه من قوات الزاكي‬
‫وتحرير عاصمة سلطنته من جديد‪ ،‬وعند إرجاعه إلى العاصمة المدمرة أوصاه‬
‫الكانمي بضرورة تغيير مقر سلطنة البرنو‪ ،‬باختيار مكان يسهل الدفاع عنه‪،‬‬
‫ويحاط برعايا من السلطنة‪ ،‬يمكن أن يدافعوا عنها عند الهجوم من األعداء‪،‬‬
‫فنقلت عاصمة السلطنة إلى منطقة(كايبلة)‪.‬‬
‫ج‪ -‬فإذا كان الهجومان السابقان من الفالن المجاورين لبرنو‪ ،‬فإن‬
‫الهجوم الثالث الذي خلص الكانمي منه سلطنة البرنو‪ ،‬جاء من دولة أخرى‬
‫مجاورة‪ ،‬هي سلطنة البقرمي‪ ،‬بعد أن استقرت األوضاع السياسية نسبيا مع‬
‫الفالني‪ ،‬حاولت سلطنة الباقرمي‪ ،‬أن تستغل ضعف برنو للقضاء على‬

‫‪118‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الكانمي‪ ،‬مستفيدة من صراعات في األسرة السيفية‪ ،‬حيث قرر سلطان بقرمي‬


‫عثمان بركو منذ عام ‪1818‬م‪ ،‬مهاجمة عاصمة كانم‪-‬برنو‪ ،‬والنيل من‬
‫الكانمي وتالمذته‪ ،‬فكتب وثيقة إلى المتآمرين معه من أفراد األسرة السيفية‪،‬‬
‫إال أن ساعي بريده أخطأ هدفه أو تعمد‪ ،‬فسلم الوثيقة التي تحتوي على‬
‫الترتيبات الحربية بأسرها‪ ،‬إلى الشيخ الكانمي‪ ،‬وتتضمن الترتيبات‪ ،‬بأن يرتدي‬
‫من المتآمرين معه في برنو‪ ،‬هم وجنودهم مالبس مميزة في المواقع العسكرية‪،‬‬
‫ليميزهم عن قوات الكانمي‪ ،‬على أن يخرجوا معهم‪ ،‬لمالقاة الجيوش القادمة‬
‫من سلطنة بقرمي‪ ،‬فاستعد سكان كانم‪-‬برنو للدفاع عن عاصمتهم‪ ،‬فلبس‬
‫الشيخ الكانمي وجنوده اللباس المموه‪ ،‬الموصي به في وثيقة سلطان باقرمي‪،‬‬
‫وتركوا الذين خانوا بمالبسهم العادية‪ ،‬فقلتهم الباقرميون قتاال شديدا‪ ،‬ومعهم‬
‫السلطان الخائن من األسرة السيفية‪ ،‬ظنا منهم أنهم أنصار الكانمي حسب‬
‫الخطة‪ ،‬وانتصر الكانمي في المعركة نصرا كبيرا‪ ،‬فزادت هذه الحادثة من‬
‫مكانة الكانمي لدى سكان كانم‪-‬برنو‪ ،‬وقللت من مكانة السالطين التقليديين‬
‫المنحدرين من األسرة السيفية‪ ،‬وهذا ما جعل السلطان الذي يخلف مكان‬
‫السلطان القتيل‪ ،‬أن يرضى فقط أن يحتفظ بلقب (ماي)‪ ،‬مقابل حماية‬
‫الكانمي للسلطنة من أعدائها المرتقبين‪ (.‬النوي ‪ 119‬ـ ـ ‪)121‬‬
‫يقدم مصدر العالم اإلفريقي الكبير جوزيف كي زيربو‪ ،‬وهو المصدر‬
‫الثالث عن الكانمي‪ ،‬معلومات هامة حول الشيخ محمد األمين الكانمي‪،‬‬
‫يبدأها بأن برنو كانت في نهاية القرن السادس عشر ومطلع القرن السابع عشر‬
‫أقوى دولة في منطقة السودان األوسط بدون منازع‪.‬‬
‫وكان في ذلك بفضل القادة السياسية الكبار الذين حكموا فيها‪،‬‬
‫ويضرب مثال بالسلطان إدريس ألومة ( ‪ 1581‬ـ‪1617‬م(‪ ،‬وأيضا بفضل من‬

‫‪119‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫كان فيها من المعلمين ذوي الفكر القرآني‪ ،‬وبالتالي كانت برنو حسب رأي‬
‫كي زيربو في هذه القرون‪ ،‬تمارس إشعاعات ال تضاها في المجاالت السياسة‬
‫والثقافية والدينية‪ ،‬لكن من نهاية القرن السابع عشر‪ ،‬وبداية القرن الثامن‬
‫عشر‪ ،‬ضعفت إمبراطورية البرنو اإلسالمية‪ ،‬حتى أصبحت مجاال للتنازع بين‬
‫السلطنات اإلسالمية وغيرها‪ ،‬وبتعبير كي زيربو "أن برنو لم تتمكن من البقاء‪،‬‬
‫إال بفضل خلو الساحة من جيران أقوياء"( زيربو‪ 494،‬ـ ـ ‪)496‬‬
‫وما أن وصلت برنو إلى نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين‬
‫حتى أصبحت بمثابة (الرجل المريض) في السودان األوسط‪.‬‬
‫وذلك بفضل الهجمات التي شنت عليها من الدول في الغرب‪ ،‬خاصة‬
‫هجمات القوني مختار ‪ ،1808‬وهجمات إبراهيم الزاكي‪ 1811 ،‬على‬
‫عاصمة السلطنة البرناوية غسرغمو واالستيالء عليها وتدميرها وطرد سلطانها‪.‬‬
‫وهنا يقدم جوزيف كي زيربو‪ ،‬معلومات هامة عن دور محمد األمين‬
‫الكانمي‪ ،‬تحت عنوان (الكانمي ويقظة برنو) ‪ ،‬فيذكر أنه ظهر في برنو في‬
‫ذلك التاريخ رجل شجاع هو محمد األمين الكانمي‪ ،‬فقد أنشأ جيشا خاصا‬
‫من المتطوعين‪ ،‬أخذ عدده يزداد وتدريبه يقوى‪ ،‬فقام بسلسلة من الهجمات‬
‫على البول‪ ،،‬وكان مركزه في نفومو على الشاطئ الغربي لبحيرة الشط‪ .‬وقد‬
‫أخذ أتباعه بالتقشف‪ ،‬بصورة بدت متناقضة‪ ،‬مع ما كانت عليه عاصمة برنو‬
‫من رخاء‪(.‬زيربو‪)499 :‬‬
‫وأول دور مباشر للكانمي يذكره كي زيربو‪ ،‬هو استدعاؤه من قبل الماي‬
‫أحمد‪ ،‬ليكون ندا لعثمان دان فوديو‪ ،‬فتمكن بغارة شديدة الوطأة‪ ،‬أن ينهي‬
‫أمر القوني مختار في عام ‪1809‬م في نفس األماكن التي أحرز فيها النصر‪،‬‬
‫وهكذا أوقف الكانمي مد البول مؤقتا‪ ،‬وعاد السلطان أحمد إلي عاصمته‬

‫‪120‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫حيث توفي ففي عام ‪1810‬م‪ ،‬وخلفه إبنه دونمه‪ ،‬ولم يكن هذا أحسن حظا‬
‫من أبيه‪ ،‬فقد عاد الفقيه إبراهيم الزاكي عام ‪1811‬م إلى الهجوم على برنو‪،‬‬
‫فاستعاد البول بذلك عاصمة البرنو غسرغمو‪ ،‬فاستنجد دونمة مرة أخرى‬
‫بالكانمي‪ ،‬الذي دفع إلى المعرفة جيشه المؤلف من ألفين من الفرسان‬
‫وثالثمائة من المشاة‪ ،‬وانتصر على البول بالقرب من منطقة نفورو‪ ،‬ثم الحقهم‬
‫إلى ما وراء عاصمة برنو‪ ،‬نازعا من يدهم كل الغنائم التي وقعت في أيديهم‬
‫خالل زحفهم األخير‪(.‬زيربو‪)499 ،‬‬
‫وكان الكانمي قد اكتفى بلقب الشيخ‪ ،‬وأنشأ له مدينة خاصة هي كوكا‬
‫في الجنوب الغربي من بحيرة الشط‪ ،‬وحاول التكيف مع العائلة المالكة من‬
‫األسرة السيفية‪ ،‬التي استمرت في حكم كانم‪-‬برنو ألكثر من ألف عام‪.‬‬
‫ويصف كي زيربو‪ ،‬الكانمي بأنه كان مسلما متشددأ ومثقفا‪ ،‬و أقل‬
‫تصوفا وأكثر ميال للحرب من عثمان دان فوديو‪ ،‬وكان قائدا ليس له مثيل‪،‬‬
‫حاول أن يعيد لبرنو مجدها وممتلكاتها‪ ،‬فنجح على األقل‪ ،‬في أن يستعيد‬
‫المناطق التي البول( الفالني) ان يحتلوها‪ ،‬واستعاد نصف سيطرة البرنو على‬
‫بقرمي منا صفة مع سلطنة وداي القوية في حينها‪(.‬زيربو‪ 500 :‬ـ ـ ‪)501‬‬
‫ومجمل القول أن معلومات جوزيف كي زيربو عن الكانمي تشكل‪:‬‬
‫أ‪-‬اعترافا إفريقيا بشخصية الكانمي المنقذ والمعيد للمجد الغابر لبرنو‬
‫من قبل الدراسات الحديثة إلفريقيا السوداء من مرجعية يرجع إليها‪ ،‬في كل‬
‫تاريخ إفريقيا العام‪.‬‬
‫ب‪-‬عرض الكانمي باعتبار أعلى درجات اليقظة في السودان األوسط‪،‬‬
‫بدون إشارة للنزاع حول أصله ومكان ميالده المتداول في بعض المراجع‬
‫العربية‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ج‪-‬يرجع الفضل لجوزيف كي زيربو للتعريف لمحمد األمين الكانمي‬


‫لدى األوساط اإلفريقية والفرانكوفونية‪ ،‬باعتباره حامي حمى برنو الوطنية من‬
‫الغزو الفالني(البول) وبدون تحيز عرقي‪ ،‬أولوني‪ ،‬كما هو سائد عند بعض‬
‫الكتاب األفارقة‪.‬‬
‫د‪-‬حاول كي زيربو في وصفه لجيش محمد األمين الكانمي دائما بأنه‬
‫من المتطوعين‪ ،‬يعمل خارج اإلطار السلطاني المترف بالملذات في البالط‬
‫الملكي‪.‬‬
‫ه‪-‬حددت معلومات كي زيربو عن الكانمي المواقف الثالث األساسية‬
‫التي أنقذ فيها الكانمي عاصمة برنو‪ ،‬وهي هجوم القوني مختار والفقية الزاكي‬
‫وعثمان بركمندا سلطان البقرمي‪.‬‬

‫ثالثا‪-‬كيف علت الكلمة على الحربة في الحياة السياسية للشيخ‬


‫محمد األمين الكانمي‬
‫‪-1‬كتبه ومخطوطاته ووثائقه الداخلية‬
‫أ‪-‬كتاب نصيحة الحكام‪:‬‬
‫وكتاب نصيحة الحكام‪ ،‬هو العمل الذي خلد الشيخ محمد األمين‬
‫الكانمي‪ ،‬حيث استطاع الزمن العصيب الذي مرت به سلطنة كانم ـ برنو‪ ،‬بعد‬
‫األيام الزاهية التي عاشتها تحت قيادته‪ ،‬أن يحجب عن أنظار الباحثين معظم‬
‫األعمال المكتوبة للشيخ الكانمي‪ ،‬إال هذه النصيحة‪ ،‬فال يذكر محمد األمين‬
‫الكانمي‪ ،‬إال وتذكر أبيات منها أو اسم النصيحة‪ ،‬رغم غياب مخطوطاتها‬
‫المباشرة‪ ،‬ولكن وجود الذكرى العطرة للشيخ الكانمي‪ ،‬مع شفعها بهذه‬
‫النصيحة أبقى األمل حيا‪ ،‬بظهور األعمال الكاملة للشيخ الكانمي‪ ،‬وقد وصل‬

‫‪122‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ما تحصل عليه الباحث في هذا البحث إلى أكثر من ‪ 15‬خمسة عشر وثيقة‬
‫ومخطوطة‪ ،‬والنية معقودة على استكمال مالم تشمله هذه الدراسة‪.‬‬
‫وما يميز كتاب نصيحة الحكام‪ ،‬هو المستوى الرفيع الذي صيغ به‪،‬‬
‫ليتناسب مع إثبات األهلية العلمية للكانمي‪ ،‬على مستوى سلطنة كانم ــبرنو‬
‫داخليا‪ ،‬وهو مسعى علمي‪ ،‬من أجل االعتراف الرسمي‪ ،‬من قبل السلطات‬
‫الحاكمة في كانم‪-‬برنو‪ ،‬بمكانته العلمية أوال‪ ،‬ثم السعي للرفع من مطالبه‪،‬‬
‫في تطبيق ما يدرس ويؤمن به‪ ،‬من أحكام شرعية في حلقاته‪ ،‬وبين أتباعه‪ ،‬إلى‬
‫أن يكون ذلك‪ ،‬مطبق بقوة الحكام وقضاتهم‪ ،‬وحكام األقاليم لديهم‪.‬‬
‫وهو تمهيد واضح نحو فرض سلطة الشرع في كانم ـ برنو‪ ،‬وإشارة‬
‫ذكية من الكانمي للحكام‪ ،‬وعلى جميع المستويات‪ ،‬بأن ما يطبقونه على‬
‫السكان من عادات وتقاليد تخالف الشرع‪ ،‬هو السبب في ضعف السلطنة‪،‬‬
‫وأن األخذ بما جاء في هذا الكتاب من نصائح شرعية‪ ،‬شرط لمشاركة الشيخ‬
‫الكانمي وأتباعه‪ ،‬في الدفاع عن السلطنة ضد األعداء المتكالبين عليها من‬
‫جميع الجهات‪ ،‬والمتتبع لألحداث السياسية والدينية في كانم ـ برنو في عصر‬
‫الشيخ‪ ،‬يالحظ أثر هذه النصائح على الحكام في المنطقة‪ ،‬حيث بدأت‬
‫األسرة السيفية‪ ،‬تعترف للكانمي‪ ،‬بضعفها وابتعادها عن الشرع اإلسالمي‪،‬‬
‫وقبولها الرسمي بالتنازل عن السلطة‪ ،‬التي استمرت فيها نحو عشرة قرون‪،‬‬
‫وتسليمها للشيخ الكانمي‪ ،‬مقابل حفظ مكانتها الشرفية والشكلية‪.‬‬
‫ومخطوطة نصيحة الحكام‪ ،‬ال تتميز بالشهرة االسمية فقط‪ ،‬وإنما هي‬
‫من أعمال الكانمي‪ ،‬التي استطاع الباحث أن يجد لها أكثر من نسخة‬
‫مخطوطة‪ ،‬في كل من سلطنة كانم الشادية‪ ،‬وسلطنة برنو في نيجيريا‪ ،‬وهذه من‬
‫أكبر األدلة على اعتزاز السلطنة في شرق البحيرة وغربها بتراثها المشترك‪،‬‬

‫‪123‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الذي حاول المستعمر األوروبي‪ ،‬أن يشتته ويحجبه عن األجيال الصاعدة من‬
‫أبناء المنطقة‪ ،‬ليسهل له توجيههم فقط نحوه‪(.‬الكانمي‪ ،‬النصيحة‪ ،‬أوبع‬
‫ورفات)‬
‫ب‪-‬وثيقة رقية وخديجة‪:‬‬
‫من أولى الوثائق العربية المخطوطة للكانمي‪ ،‬وثيقة خاطب بها شقيقته‬
‫وابنته خديجة‪ ،‬عبرفيها عن أفكاره العميقة‪ ،‬عن الحياة الدنيا في عصره في‬
‫كانم‪ ،‬واعتبر لذائذها ونعيمها كأضغاث األحالم‪ ،‬والسفيه من الناس من اغتر‬
‫بها وركن إليها‪ ،‬وهذا ما جعل الدنيا كلها تصغر في عيني الكانمي‪ ،‬ويزدري ما‬
‫يراه الناس منها جميال‪ ،‬ويعتز بالخروج منها سالما‪.‬‬
‫ويخبر في هذه الوثيقة أخته وابنته‪ ،‬بسعيه نحو تأكيد أفكاره السابقة‪،‬‬
‫ببعث اثنين أو ثالثة من أوالده إلى المدينة المنورة التي دفن فيها والده‪،‬‬
‫ليقرأوا القرآن بجوار قبر المصطفى صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهذا كله في سعي‬
‫من الكانمي‪ ،‬إلى إرسال بعض ذريته من البالد السودانية المظلمة إلى البالد‬
‫اإلسالمية المنورة‪.‬‬
‫ويوصي في خاتمة الوثيقة أخته وابنته‪ ،‬بتقوى اهلل في الخطرات‬
‫واللحظات‪ ،‬وعدم االنشغال بما ابتلي به في كانم من أمور الدنيا‪ ،‬واستشهد‬
‫بمقطع من حديث " الكيس من دان نفسه" و أقر لهما بأنه لوال مراعاة‬
‫الحقوق الشرعية لألهل‪ ،‬وخوف العاقبة ورجاء الوصول لألماكن الطاهرة‪ ،‬ما‬
‫آثر الحياة في كانم وال اختارها‪ ،‬وأشهد اهلل على ما قال‪.‬‬
‫وهي وثيقة مخطوطة تغني الدارس لحياة الكانمي‪ ،‬عن الكثير من اآلراء‬
‫حول فكره الديني والثقافي ومعدنه التربوي‪ ،‬وقناعاته بالحياة السياسية والدينية‬
‫في كانم في عصره‪ ،‬فهو ناكر للوضع الديني والعلمي والسياسي‪ ،‬وفار منه‬

‫‪124‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫نحو المدينة المنورة‪ ،‬التي عرف قراءة القرآن فيها‪ ،‬ومرسل ألوالده‪ ،‬وجزء من‬
‫ذريعة إليها‪ ،‬وهو اتجاه‪ ،‬في االتجاه نحو الشرق ثقافيا‪ ،‬مستمر لدى سكان‬
‫كانم إلى اليوم‪( .‬الكانمي‪ ،‬رقية وخديجة‪ ،‬ورقة‪)1‬‬
‫ج‪-‬وثيقة رقية الكانمي‬
‫وتعبر الوثيقة الداخلية الثالثة للكانمي‪ ،‬عن عالقاته األسرية بأخته رقية‪،‬‬
‫وفي هذه الوثيقة يصف الكانمي بوضوح عيش أخته في فزان‪ ،‬واألوضاع‬
‫االقتصادية الصعبة في هذه المنطقة في ذلك العصر‪ ،‬ويخبرنا فيها عن وفاة‬
‫إحدى أخوات الكانمي‪ ،‬التي كانت تفرز له كل ما يجري حول ميزانية أسرته‬
‫في فزان‪ ،‬ولكن بعد وفاتها لم تستطع شقيقته رقية سد فراغها في العائلة‪ ،‬مما‬
‫جعل بعض أفراد األسرة في فزان يشكون من معاملة رقية لهم‪ ،‬ولكن الكانمي‬
‫يبرز لنا عن شخصيته القيادية داخل عائلته الضيقة‪ ،‬فيذكر أنه لم يصدق ما‬
‫سمع عن أخته‪ ،‬وإنما كان موضوعيا‪ ،‬فذكر نقصان المعلومات‪ ،‬وعدم قدرة‬
‫أخته رقية في تدبير شؤون األسرة االقتصادية‪ ،‬بناء على قاعدة حكيمة‬
‫مفادها‪(:‬إنفاق الكثير‪ ،‬بضبط وعدد‪ ،‬غير إسراف‪ ،‬وإنفاق القليل‪ ،‬بإهمال‬
‫وغير ضبط‪ ،‬سفه وإسراف) ويطمئن أخته رقية بأنه يعفو عن الماضي‪ ،‬ولكن‬
‫يذكرها بأن تفطن للمستقبل‪ ،‬وتنفق بمعروف‪ ،‬وتنتبه للمدخرات والمخرجات‬
‫في ميزاته األسرة‪ ،‬مهما قل أوكثر‪ ،‬وهي وصية‪ ،‬يمكن أن توجه إلى كل أسرة‬
‫في كانم وفزان إلى اليوم‪(.‬الكانمي‪ ،‬رقية الكانمي‪ ،‬ورقة‪)1‬‬

‫‪125‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫د‪-‬وثيقة إلى أهل فاحيبكانم‬


‫وهي وثيقة توجيهية‪ ،‬ووجهها الكانمي إلى أسرته القريبة نسبا‪ ،‬ثم إلى‬
‫جميع المحبين من أهل الفاحي من الطلبة واإلخوان وغيرهم‪ ،‬وهي من أهم‬
‫الوثائق التي تبين نسب الكانمي وتحدد أسرته في كانم‪ ،‬وتزيل اللبس حول‬
‫ذلك‪ ،‬وفي الوثائق الكانمية األخرى ما يؤيدها‪ ،‬وفيها إشارة بأنها الوثيقة الثالثة‬
‫في دعوة األقربين‪ ،‬التي أعدها الكانمي وتركز على‪:‬‬
‫‪-‬االلتزام بالدين اإلسالمي‪ ،‬وعدم االغترار بمباهج الحياة الدنيا‪ ،‬ولكنه‬
‫لم يجد من أسرته من أهل فاحي بكانم سوى االنشغال برعي البقر‪ ،‬واالعتزاز‬
‫بالرأي حسب العادات والتقاليد القديمة التي يدعوهم التي تجاوزها‬
‫واالستيقاظ من الغفلة‪ ،‬ويشير بوضوح إلى ما يستجد من أحداث في كانم‪،‬‬
‫فيقول‪( :‬قد قرب الصبح) ويطلب منهم شد الحزم وجد العزم وقهر النفس‪،‬‬
‫وهذه وثيقة تعطي الدليل على الترتيبات الداخلية‪ ،‬التي اتخذها الكانمي في‬
‫دعوته السرية‪ ،‬انطالقا من محيطه الضيق‪ ،‬تم التوسع في الدعوة مقتديا بسنة‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهو من وثائق الكانمي الداخلية التي تتميز‬
‫بختمها بالتاريخ الهجري وهي سنة‪1223‬ه‪( .‬الكانمي‪ ،‬أهل فاحي بكانم‪،‬‬
‫ورقة‪)1‬‬
‫ه‪-‬وثيقة اإلمام أحمد الطالب‬
‫وهي من الوثائق الداخلية للكانمي‪ ،‬التي تعطي الدليل على التواصل‬
‫السليم بين القاعدة والقمة في عصر الكانمي‪ ،‬حيث يشير إلى حادث وفاة‬
‫والد اإلمام أحمد الطالب والترحم عليه من الكانمي‪ ،‬وتكليفه باإلمامة مكان‬
‫والده بطريقة لطيفة‪ ،‬حيث يقول له‪" :‬وأن تخطب الجمعة بالناس‪ ،‬حتى يأتي‬
‫اهلل بمنه وكرمه‪ ،‬احذر االمتناع والتوقف‪ ،‬ومثلك ال يحتاج لتحريض‪ ،‬على‬

‫‪126‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫قبول ما آمر به‪ ،‬أمر إلزام‪ ،‬كان اهلل لنا ولكم‪ "...‬وهي وثيقة أيضا تدل على‬
‫المكانة السياسية والدينية‪ ،‬ألئمة مساجد الجمعة في العصر‬
‫الكانمي‪(.‬الكانمي‪ ،‬اإلمام أحمد الطالب‪ ،‬ورقة‪)1‬‬

‫و‪-‬وثيقة إلى عقالء سكرت‬


‫وضح الكانمي في بداية هذه الوثيقة‪ ،‬أنها دعوة إلى العقالء من آل‬
‫سكرت وجميع من معهم‪ ،‬وحدد جماعة كبار وصالح‪ ،‬ودعاهم إلى تجاوز‬
‫أحداث سابقة‪ ،‬يبدو من لهجة الوثيقة‪ ،‬أنها أحداث كبيرة‪ ،‬جلبت أضرارا على‬
‫هذه المجموعات من سكان كانم‪ ،‬ولكن الوثيقة تدعوهم مرة أخرى‪ ،‬إلى‬
‫المساهمة في الدفاع عن هذه المنطقة بقوة وحزم‪ ،‬ويذكرهم الكانمي‪ ،‬بأن‬
‫الحرب سجال‪ ،‬فإذا خسرنا األولى‪ ،‬فسوف نربح القادمة‪ ،‬ويحاول الكانمي‬
‫أن يوسع آفاق أتباعه‪ ،‬على المصير المحيط بمنطقتهم بالد كانم‪ ،‬واستهدافها‬
‫من جميع الشعوب المجاورة لها تقريبا‪ ،‬ويذكر في الوثيقة أن الفالته‬
‫يستهدفون كانم من جهتين‪ ،‬وكذلك الطوارق والفزان والوداي والباقرمي‪ ،‬كل‬
‫من جهته‪ ،‬ويقرر أن هذا الوضع السياسي‪ ،‬ال يطاق إال بالصبر على التعب‪،‬‬
‫ومنافسة الشدائد‪ ،‬ويقترح عليهم اللحاق به في الشاطئ الكبير‪ ،‬ليحموا‬
‫أموالهم‪ ،‬وهذه من الوثائق التي تطلب بصريح العبارة‪ ،‬المشاركة في الحرب‬
‫بالنفس‪ ،‬وليس بالمال‪ ،‬بل ويشفع الرسالة بلهجة غير معتادة في وثائق‬
‫الكانمي‪ ،‬فيعدهم باالنتقام في المخالفة‪ ،‬مما يدل على تمكنه من السيطرة‬
‫على مواقع اتخاذ القرارات الحاسمة في كانم‪-‬برنو‪ ،‬وهي دليل قوي من‬
‫الكانمي على الصدع بالدعوة الجهرية‪ ،‬وإن كان يختمها بحكمته المعهودة في‬
‫الرفق واللين‪ ،‬فيرجو من اهلل أن يهديهم بما فيه صالح دينهم ودنياهم‪.‬‬
‫(الكانمي‪ ،‬عقالء سكرت‪ ،‬ورقة‪)1‬‬
‫‪127‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ز‪-‬وثيقة إلى الوكيل المفوض الحاج علي فتيوا‬


‫ويذكره فيها‪ ،‬أنه على تواصل سابق معه حول األحداث في السلطنة‪،‬‬
‫خاصة الصراع بينه وبين الفالنيين‪ ،‬ولكن في هذه الوثيقة‪ ،‬يعرب له عن‬
‫تحوالت حصلت‪ ،‬بات التغلب على الخصوم هو الغالب‪ ،‬ومن مالمح ذلك‪،‬‬
‫أنهم لم يولوا ظهورهم لألعداء‪ ،‬ويخبره بما غنموه‪ ،‬وما فقدوه من المقاتلين‬
‫خاصة على الصغير‪ ،‬مقابل قتلهم أعداد كبيرة من أعدائهم في موقعة (كونا)‪،‬‬
‫واستهدفت الوثيقة ذكر المواقع الحربية التي حصلت فيها األحداث داخل‬
‫بالد الفالن‪ ،‬ووصلوا إلى بلد (كرينمة) وحاصروها أياما‪ ،‬ووصف المعركة‬
‫وصفا دقيقا‪ ،‬وظلوا بجوار السور يحاصرونه‪ ،‬إلى أن تغير ماء النهر الذي‬
‫يشربون منه‪ ،‬وترك األعداء الخروج للقتال وتفرق جمعهم‪ ،‬ولم يتمكن الكانمي‬
‫وأتباعه‪ ،‬من كسر السور لعدم اآللة‪ ،‬وضعف نية الناس‪ ،‬وكانت غيبة الكانمي‬
‫هذه‪ ،‬من أطول الغيبات‪ ،‬فقد ذكر أنها استمرت ثمانية أشهر وثالثة أيام‪ ،‬هزم‬
‫فيها األعداء في مناطقهم‪ ،‬وانتصر فيها عليهم في أراضيهم‪ ،‬وهي من الوثائق‬
‫النادرة التي تصف المعارك الهجومية للكانمي‪ ،‬الذي اشتهر بنجاحه في‬
‫المواقع الدفاعية‪ ،‬عن عاصمة سلطنة كانم –برنو التي يشنها األعداء‪.‬‬
‫(الكانمي‪ ،‬الوكيل المفوض الحاج علي فتيوا‪ ،‬ورقة‪)1‬‬
‫ح‪-‬وثيقة إلى كافة الجماعة ( المجلس األعلى في كوكوا)‬
‫هذه الوثيقة نشرها المستشرق الفرنسي زلتز في مجلة شاد والثقافة‪،‬‬
‫العدد رقم ‪ 106‬بتاريخ ‪ ، 01/01/1978‬يخبر فيها الشيخ الكانمي‪،‬‬
‫المجلس األعلى في العاصمة كوكوا‪ ،‬ما جرى بينه وبين أعدائه في أراضي‬
‫صندو من معارك‪ ،‬كانت الغلبة فيها لألعداء‪ ،‬نظرا لمخالفة الترس لألوامر‪،‬‬
‫ولكن بقيادة الكانمي الحربية‪ ،‬استطاع تدارك الموقف‪ ،‬فقلل الخسائر ووصف‬

‫‪128‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫بدقة مشاركة قواته في تحقيق التوازن على أرض المعركة‪ ،‬وما القوه من‬
‫صعوبات في القتال‪ ،‬وما تتميز به بعض الفرق العسكرية لديه على بعضها في‬
‫الميدان‪ ،‬وأعطى معلومات حول الشهداء من قواته‪ ،‬والموتى من أعدائه‪،‬‬
‫وكذلك المفقودين‪ ،‬وحينما تناول فقد الخيول‪ ،‬في هذه المعركة أشار بذكاء‪،‬‬
‫أن هذه الخيول لم يأخذها عدو ولم يقتلها سالح‪ ،‬وإنما ماتت من شدة‬
‫الجري‪ ،‬وهذه مالحظة تدل على حفاظ القائد على سمعة مقاتليه‪ ،‬حتى في‬
‫اإلشارة إلى هزائمهم‪ ،‬وختمها بالتاريخ والمكان الذي كتبت فيه الوثيقة‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪07/09/1828‬حين التاريخ ببلد‬ ‫يوم األحد أواخر صفر عام ‪/ 1244‬‬
‫كستو‪)ZELTNER.P.20-23 ( .‬‬
‫طـ ـ قصيدة نسيم الصبا‬
‫وهي من األعمال األدبية النادرة للشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬التي‬
‫يصف فيها عاصمة بالده كوكوا‪ ،‬وصفا بديعا‪ ،‬ويعقب على ذلك بافتتاحية‪،‬‬
‫تذكر القارئ بافتتاحيات المعلقات في الجاهلية‪ ،‬ثم يصف المواقع الحربية‬
‫التي خاضها وانتصر فيها بعون اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬ثم بشجاعة مقاتليه‪ ،‬الذين‬
‫تقودهم‪ ،‬ترس يكره األعداد مالقاتهم‪ ،‬ويصف أرض المعركة وصف خبير‬
‫معايش لها‪ ،‬وهي العمل األدبي الفني الثاني له‪ ،‬بعد القطعة الشعرية الصغيرة‬
‫التي عقب بها في رسالة محمد بلو‪ ،‬في وثيقة يكون رسمية له إلى الكانمي‪،‬‬
‫أوردها في كتابه إنفاق الميسور‪ ،‬وجعلته يرد عليه بمثلها‪ ،‬ولكن المستوى‬
‫الفني في هذه القصيدة أعلى من تلك‪( .‬أباي ‪ 196‬ـ ـ ـ ‪.)197‬‬

‫‪129‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫نتوقف في عرض الوثائق الداخلية للشيخ الكانمي في هذا البحث على‬


‫هذا القدر من الوثائق‪ ،‬التي حاولنا أن نتثبت منها في خزائن الوثائق‬
‫والمخطوطات العربية‪ ،‬في كل من سلطنة كانم في شاد‪ ،‬وسلطنة برنو في‬
‫نيجيريا‪ ،‬مع إبقاء الباب مفتوحا للباحثين لنشر األعمال الكاملة الداخلية‬
‫للشيخ الكانمي‪ ،‬في عمل موثق متكامل مستقل‪ ،‬إن شاء اهلل‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫الباحث استبعد بعض األعمال التي نسبت إلى الشيخ الكانمي‪ ،‬ولكن لم تتح‬
‫له الفرص للتثبت من نسبتها إليه‪ ،‬مثل قصيدة طيب األسماء في التوسل‬
‫باألسماء الحسنى‪ ،‬التي ذكرني الزميل الدكتور ‪ /‬حامد هارون مخمد‪-‬جزاه اهلل‬
‫كل خير‪ -‬بتاريخ ‪2014 /04 /26‬م‪ ،‬إنه عثر عليها مطبوعة في منشور من‬
‫برنو‪ ،‬باسم كاتب آخر هو الشيخ سعد الدين التفازاني‪ ،‬والمالحظ أن الزميلة‬
‫الباحثة د‪.‬خديجة أباي قد أوردتها من ضمن أعمال الشيخ الكانمي‬
‫(أباي‪ )139،‬رغم أن رسالتها نوقشت بعد ظهور هذه المعلومة(‪ ،)2018‬مما‬
‫استدعى اإلشارة إلى ذلك في هذا البحث‪.‬‬
‫‪ -2‬مخطوطات ووثائق الشيخ محمد األمين الكانمي الخارجية‬
‫تحوي الوثائق والمكاتبات التي وجهها الشيخ الكانمي إلى الخارج‪،‬‬
‫نفس الطابع الدعوى السلمي‪ ،‬الذي يعلي الكلمة على غيرها من وسائل التأثير‬
‫في اآلخرين‪ ،‬خاصة األعداء‪ ،‬ولكنها تتميز بروح تواضع مليئة بثقة نفس عالية‪،‬‬
‫وتساعد على توضيح مكانة الشيخ الكانمي في الوسط اإلفريقي‪ ،‬وتزيل اللبس‬
‫عن أصله ونشأته‪ ،‬ورحالته العلمية والحياتية‪ ،‬خاصة سكناه وجزء من أسرته في‬
‫فزان‪ ،‬وارتباطه الروحي بالمدينة المنورة مدفن والده‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أ‪-‬والوثيقة األولى للكانمي‪ ،‬هي وثيقة مؤرخة بتاريخ ‪1223‬هـ‪ ،‬وتبدأ‬


‫بالحمد هلل الذي أمر بالتعاون على البر والتقوى‪ ...‬واختتمت بالقول‪ :‬وقد‬
‫أرسلت وثيقة قبل هذه وبعثت بها إليكم مع بعض الفقرا‪ ،‬فأبطأ علي الجواب‪،‬‬
‫فكتبت هذه ثانية‪ ،‬وال أدري أوصلت الورقة األولى أم ال؟ والسالم‪ ،‬كتبت هذه‬
‫الوثيقة يوم السبت سبع عشر خلت من شهر اهلل ربيع األول ‪1223‬هـ‪ ،‬وهي‬
‫الوثيقة الوحيدة التي أشار فيها الشيخ الكانمي إلى أصله الوطني الكانمي‪،‬‬
‫واعترافه أنه نشأ وسكن في فزان‪ ،‬وعرف فيه بمذهبه الفقهي واعتقاده في‬
‫التوحيد وطريقته في التصوف‪ ،‬في سعي واضح من الكانمي في التعريف‬
‫بإسالم المنطقة والمذاهب الفكرية السائدة فيها‪.‬‬
‫ومن المالحظات المهمة‪ ،‬أن بلو قد أهمل هذه الديباجة من هذه‬
‫الوثيقة في عرضه لها في كتابه انفاق الميسور‪ ،‬وبالتالي عرض الرسالة دون‬
‫هذا التحديد المهم للمفاهيم‪ ،‬قبل الدخول في صلب الحوار والتساؤالت‬
‫التي تعرضها الرسالة‪.‬‬
‫ومن المالحظات على هذه الوثيقة –أيضا‪-‬أنها تعرضت إلى اإلشارة‬
‫إلى مكاتبات سابقة للكانمي‪ ،‬دون تحديد المستقبلين الذين وجهت لهم‬
‫الرسائل في األساس‪ ،‬ولم يردوا عليها وأخروها زمنا‪ ،‬ثم أودعوها في األخير‬
‫إلى محمد بلو وعبداهلل دان فوديو‪ ،‬فالوثيقة كانت موجهة إلى السادة الفالته‬
‫المجاورين لكانم‪ ،‬وهم‪ :‬اإلخوان‪ :‬العالم حامد‪ ،‬والماهر المختار‪ ،‬والعالم‬
‫علي‪ ،‬والعالم البخاري‪ ،‬وهؤالء العلماء األربعة هم قادة الفالن المجاورين‬
‫لكانم‪ ،‬وهم الذين قادوا الغزوات المتتالية على كانم‪-‬برنو‪ ،‬وهم من يعطون‬
‫المعلومات لدولة سكتو عن طبيعة الصراع السياسي الدائر في المنطقة‪ ،‬وهم‬
‫من ساهم في إخفاق الكثير من المحاوالت للتقارب السياسي والعلمي بين‬

‫‪131‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫علماء المنطقة‪ ،‬ففي هذه الوثيقة يشيد الكانمي بقائد حركة الفالني عثمان‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬أخبرونا هل لكم اتصال بمن سارت بذكره الركبان الشيخ سيدي‬
‫عثمان بن فوديو أم ال؟ واعلموا أنه بلغنا ( عنه) أحوال حميدة وسير جميلة‪،‬‬
‫لكن أنكرنا‪ ،‬شن الغارات وإباحة الدماء واسترقاق األحرار وحرق الديار‪ ،‬إلى‬
‫غير ذلك مما شوهد من ناحيتكم‪ ،‬وال أدري أصادر هو عن رأيكم أم ال؟‬
‫وركز الكانمي في هذه الرسالة‪ ،‬على تفنيد حكم الغارات‪ ،‬باعتباره‬
‫األساس لجميع المسائل المعروضة في الوثيقة‪ ،‬ولخص رأيه فيها بكل تواضع‪،‬‬
‫حتى أنه يقول‪ :‬ظهر لنا من فهمنا القاصر أن أهل هذا اإلقليم أربعة أصناف‪،‬‬
‫وكلها حسب رأيه ال تصح اإلغارة عليها لصعوبة التمييز‪ ،‬وإذا عسر التمييز عم‬
‫الضرر الجميع‪ ،‬والخطأ في ترك الكافر أهون من الخطأ في قتل المسلم‪ ،‬كما‬
‫هو معلوم لمن ذاق شيئا من العلم‪ ،‬ويختم الكانمي خطابه بالدعوة إلى الرشد‬
‫والتأمل واليقظة‪ ،‬ألن المسلمين في دين اهلل كلهم سواء‪ ،‬ولكنه يعلي الثقة‬
‫بالكلمة على الحربة‪ ،‬فيقول‪ :‬ولوال إنا سمعنا أنكم منتسبون لدين اهلل‪ ،‬لما‬
‫عرضنا لمكاتبكم‪ ،‬وال أكثرنا معكم اإلكثار‪ ،‬وهي خاصية من خصائص وثائق‬
‫الكانمي‪ ،‬فهو يعلي الكلمة على غيرها من وسائل التبليغ‪ ،‬ولكنه يشعر القارئ‪،‬‬
‫أن هذا القرار‪ ،‬اتخذ من نفس معتزة بقوتها المعنوية والمادية‪.‬‬
‫ب‪-‬وثيقة إلى العلماء الفالنيين‬
‫وهذه الوثيقة يمكن أن تأخذ الترتيب الثاني لوثائق الكانمي الخارجية‪،‬‬
‫الشتمالها على أكثر التساؤالت التي طرحها الكانمي على الفالنيين‪ ،‬وابتدأها‬
‫بالحمدهلل فاتح أبوب الهداية‪ ،‬ولم يعرف كثيرا بكاتبها كما فعل في الوثيقة‬
‫األولى‪ ،‬وعممها إلى العلماء الفالنيين‪ ،‬وذكرهم بالوثائق التي كتبها إلخوانهم‬
‫المجاورين لكانم‪-‬برنو‪ ،‬وردوا على وثائقه بردود ركيكة‪ ،‬بل أشار إلى أنهار‬

‫‪132‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫التصدر من عاقل فضال عن عالم أو مجدد‪ ،‬وهذا من أكبر األدلة على عدم‬
‫وصول وثائق الكانمي إلى عثمان دان فوديو‪ ،‬واإلشارة هنا قوية من الكانمي‪،‬‬
‫أنه فهم من األجوبة‪ ،‬أنها لم تصدر من القائد‪ ،‬وهذه تهمة خيانة لألمانة من‬
‫المجاورين لكانم‪ ،‬بأنهم يرتكبون أفعاال قد التقبلها قيادتهم الدينية‪ ،‬ويعتقد‬
‫الباحث أن جزءا كبيرا من كتاب أنفاق الميسور لمحمد بلو‪ ،‬هو محاولة نفي‬
‫هذه التهمة الكبيرة‪ ،‬والتي خلقت إشكاالت فكرية لدولة سكتو‪ ،‬كانت في‬
‫غني عنها‪.‬‬
‫فبدأ الكانمي يفند طبيعة المشكلة الفكرية‪ ،‬من خالل االعتراض على‬
‫المخزون الثقافي الذي اعتمد عليه الفالتة الذين يجارونه‪ ،‬ويبدوا أنهم أشاروا‬
‫إلى بعض الكتب التي للكانمي اطالع على بعضها‪ ،‬ولكن يذكر أنه فهم منها‬
‫مالم يفهمه مجاوروه‪ ،‬وزاد الطين بله‪ ،‬إن هذه الميزة الفكرية قطعتها هجمة‬
‫عسكرية على عاصمة كانم‪ -‬برنو‪ ،‬فاستعمل الكانمي قلمه أوال‪ ،‬فكتب إليهم‪،‬‬
‫ولكن لم يجد ردا‪ ،‬فصد الهجمة العسكرية بمثلها‪ ،‬ورد عاصمة السلطنة‪،‬‬
‫وأرجع السلطان إليها‪ ،‬وفي استراحة المحارب هذه‪ ،‬لم ينسى الكانمي‪ ،‬أهمية‬
‫القلم والكلمة في رد االعتداء‪ ،‬فكتب هذه الوثيقة‪ ،‬حيث يقول‪ :‬وحين وجدنا‬
‫راحة وقتنا هذا‪ ،‬واهلل أعلم بالمستقبل‪ ،‬رأينا المكاتبة‪ ،‬وإن لم تنجح فيكم‪،‬‬
‫أحسن من السكوت‪ ،‬فاعلموا أن العاقل يتلقى الكالم بقبول ليفهمه‪ ،‬فيجيب‬
‫جوابا مستقيما‪ ،‬فأخبرونا عن قتالكم لنا‪ ،‬واسترقاقكم أحرارنا‪....‬؟ (بلو‪،‬‬
‫‪232‬ـ ـ ‪)233‬‬
‫وعدد الكانمي بعد ذلك الحجج التي يسوقها المجارون لكانم من‬
‫علماء الفالنيين للتكفير‪ ،‬وأورد ما يراه مناسبا من الردود العلمية على هذه‬

‫‪133‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الحجج‪ ،‬مستدال بالقرآن والسنة والفقه والتاريخ اإلسالمي‪ ،‬وبعض الخبرات‬


‫والتجارب التي اكتسبها الكانمي من رحالته في العالم اإلسالمي‪.‬‬
‫واألخطر أن الكانمي في هذه الوثيقة انتقد السلوكيات المنافية لإلسالم‬
‫التي صدرت من علماء الفالنيين‪ ،‬أثناء سيطرتهم على عاصمة كانم‪-‬برنو‪،‬‬
‫منها‪ :‬إهانتهم للكتب برميها في الطرق‪ ،‬وفي المواضع المستقذرة وفيها اسم‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬وكذلك نقد المعاهدات واأليمان‪ ،‬ويطرح الكانمي التعجب التالي‪:‬‬
‫في اعجبا منكم‪ ،‬بعد أن كانت لكم التقدمة في العلم والدين‪ ،‬أحببتم الملك‪،‬‬
‫ورغبتم فيه‪ ،‬وسولتكم نفوسكم‪ ،‬وتخيلتم ما تخيلتم‪ ،‬واستدللتم بظواهر‪ ،‬ال‬
‫تنهض لكم دليال‪ ،‬السيما منذ سمعنا من سير الشيخ عثمان بن فوديو‪ ،‬ورأينا‬
‫في تواليفه‪ ،‬ما يخالف فعلكم‪ ( .‬بلو‪)235 ،‬‬
‫ويصرح في ختام الوثيقة‪ ،‬أن التعارض بين أفكار الشيخ عثمان وأفعال‬
‫إتباعه‪ ،‬هو السبب في الصراعات في المنطقة‪ ،‬وهو أسلوب ذكي من الكانمي‬
‫في نقل المعركة الفكرية داخل البيت الفالني‪ ،‬على اعتبار أن األمر واضح‬
‫لدى البيت الكانمي سياسيا‪ ،‬مما أدى إلى رد االعتبار إلى سلطنة كانم‪-‬برنو‬
‫وتحرير عاصمتها من المهاجمين‪.‬‬
‫ج‪-‬وثيقة إلى الشيخ عثمان دان فوديو‬
‫وهي وثيقة تعبر عن صدق قناعة الشيخ الكانمي‪ ،‬بتجاوز نفاذ الكلمة‬
‫المكتوبة للحربة والنشاب‪ ،‬في سعيه لصد هجمات الفالنيين المجاوريين له‪،‬‬
‫فقد وصلت رسائله السابقة إلى التأثير على قيادات دولة سكتو‪ ،‬انطالقا من‬
‫قيادات الصف الثاني السابق ذكرهم‪ ،‬إلى قيادات الصف األول في الخالفة‬
‫السكتية‪ ،‬وهم عثمان وأخيه عبداهلل وابنه محمد بلو‪ ،‬فكل هؤالء الثالثة‬
‫أطلعوا على وثائق الكانمي المتكررة‪ ،‬التي كان يبعثها إليهم كافة‪ ،‬بتحديد إلى‬

‫‪134‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الجهة المرسل إليها أو بدونه‪ ،‬وبدأت هذه المكاتبات‪ ،‬تؤثر في الرأي العام‬
‫في المنطقة‪ ،‬خاصة مشروعية قتال المسلمين المجاورين لدولة الخالفة في‬
‫صكتو‪ ،‬على اعتبار أن األمر يتجاوز‪ ،‬رد االعتداء‪ ،‬الذي كانت عليه جماعة‬
‫الفالنيين‪ ،‬ووصل األمر اآلن إلى التوسع شرقا وشماال‪ ،‬بعيدا عن مواقع‬
‫الصراع الداخلي األول‪ ،‬وظهرت خيانة حجب هذه الوثائق والخطابات عن‬
‫القيادات في الصف األول طيلة ثالث سنوات‪ ،‬واألهم من هذا كله‪ ،‬أن نتائج‬
‫بعض الهجومات كارثية‪ ،‬وتكبدت فيها جماعات الفالنيين خسائر لم تكن‬
‫تتوقعها‪ ،‬وكانت لمحاوالت نجدهم من الخالفة السكتية نتائج غير متوقعة‪،‬‬
‫خاصة التشكيك في مشروعية قتال المسلمين وغير المسلمين المجاورين‬
‫للخالفة السكتية‪.‬‬
‫ترافق ذلك مع اتجاه فكري داخل الدولة السكتية‪ ،‬مفاده‪ ،‬أن األسئلة‬
‫الكبرى التي أثارها الكانمي‪ ،‬في رسائل عديدة‪ ،‬وكانت الردود عليها في‬
‫البداية من قيادات الصفوف المتأخرة غير موفقة‪ ،‬مما اضطر قيادات الصف‬
‫األول إلى التدخل والرد‪ ،‬والتكفل بإرسال بريد خاص إلى كانم –برنو‪ ،‬لتوصيل‬
‫الوثائق والرسائل‪ ،‬مما ساهم في خلق جو سياسي ودبلوماسي‪ ،‬سمح بفتح‬
‫عالقات وتواصل كتابي مباشر‪ ،‬بين الشيخ الكانمي وعثمان وعبداهلل ومحمد‬
‫بلو‪ ،‬متجاوزين آراء قياداتهم الميدانيين من الفالن المجاورين لكانم‪-‬برنو‪،‬‬
‫المسببين للجو السياسي غير الودي الذي أدى إلى التوتر السياسي بين‬
‫المنطقتين لعدة سنوات‪ ،‬وهو تجاوز ذكي من قيادات الصف األول في الدولة‬
‫السكتية‪ ،‬لرأب الصدع وإيقاف الصراع سلميا‪ ،‬وهو الهدف األول‪ ،‬لجميع‬
‫الرسائل والوثائق التي أرسلها الكانمي إلى سكتو‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ويشير الكانمي بوضوح إلى أهمية وصول العالقات بين البلدين إلى هذا‬
‫المستوى‪ ،‬فيقول‪ :‬موجها كالمه لعثمان دان فوديو‪ ،‬فقد بلغنا كتابكم‪،‬‬
‫وتأملناه حرفا حرفا‪( )....‬بلو‪ ،)275 ،‬ثم بدأ يرد على طرح عثمان‪ ،‬الذي‬
‫أشار فيه إلى سبب الصراع وهو شكوة الفالنيين المجاورين لكانم‪-‬برنو‪ ،‬ونفي‬
‫اعتداءه عليهم‪ ،‬بل ارجع جميع ما جرى‪ ،‬إلى دفاع شرعي عن بالده‪ ،‬من‬
‫اعتداء هؤالء عليه المستمر‪ ،‬منذ ثالث سنوات‪ ،‬وذكر بأن دفاعه عن بالده‬
‫عمل مشروع دينيا‪ ،‬والتزم بأنه سيقوم به في كل حين‪ ،‬طالما أجبرته ظروف‬
‫االعتداء على ذلك‪ ،‬واعتبر الكانمي‪ ،‬أي تهديد من عثمان دان فوديو له عن‬
‫الرجوع عن الدفاع عن وطنه تدخل مرفوض‪ ،‬بل طلب منه أن يوجههم بالتوقف‬
‫عن االعتداء على كانم‪-‬برنو بتاتا‪ ،‬إن أرادوا الصلح‪ ،‬وأخبره أن المجاورين‬
‫لهم من الفالنيين‪ ،‬أناس غلب عليهم الجهل والتقليد‪ ،‬همتهم ملك البالد‪،‬‬
‫وقهر العباد بأي وجه‪ ،‬وأن الكانمي غير مستعد ليعطهم ذلك اختيارا‪ ،‬وأوضح‬
‫أن األدلة متسعة له شرعا‪ ،‬كما هي عند ظنهم متسعة لهم‪ ،‬ولكن األسلم‬
‫واألحوط واألصلح‪ ،‬وضع القتال إن وجد إلى ذلك سبيال‪( .‬بلو‪)277 ،‬‬
‫وتتضح ثقة الكانمي بنفسه في هذه الوثيقة‪ ،‬حين يختم الرسالة‪،‬‬
‫بإغراءات وتعهدات‪ ،‬تدل على سيطرته السياسية على أمن المسلمين في‬
‫كانم‪ -‬برنو‪ ،‬حينما يضمن للمسافر والحاج من الفالنيين المرور والعيش في‬
‫بالد كانم‪ -‬برنو‪ ،‬وكذلك أصحاب المصالح الدنيوية‪ ،‬من التجارة والرعي‬
‫والزراعة‪ ،‬وابن السبيل وطالب فضل اهلل‪ ،‬وهذا تعهد من الكانمي‪ ،‬ربما‬
‫اقتضت صياغته‪ ،‬الرد على بعض الحجج التي أثارها المجاورين لكانم‪ -‬برنو‪،‬‬
‫كمبررات لغزوها فأوردها الكانمي‪ ،‬ليزيل أي لبس في العالقة بين المجتمعين‬
‫(البرنو والفالن) المسلمين‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫د‪-‬وثيقة إلى محمد بلو بن الشيخ عثمان بن فوديو‬


‫ويظهر من هذه الوثيقة‪ ،‬أن الخصم الحقيقي من الصف األول في‬
‫القيادة السكتية للشيخ الكانمي هو محمد بلو‪ ،‬فقد أرسل مندوبا خاصا وصل‬
‫إلى الشيخ الكانمي‪ ،‬ولكن رسالة الكانمي‪ ،‬فيها فهم دقيق لمقاصد محمد‬
‫بلو‪ ،‬أولها إبعاد الشيخ الكانمي عن الواجهة في سلطنة كانم‪ -‬برنو‪ ،‬وإتاحة‬
‫الفرصة للفالنيين المجاورين للسلطنة‪ ،‬للتفرد بقتال البرنو‪ ،‬بعيدا عن قوة‬
‫الكلمة والعزيمة التي تتوفر لكانم‪-‬برنو بوجود الشيخ الكانمي على قيادتها‪،‬‬
‫مما يفقد الدولة السكتية المبرر الشرعي الحتالل أراضي كانم‪ -‬برنو‪ ،‬بحجة‬
‫الكفر أو تجاوز بعض الفروض الشرعية‪ ،‬هذه الفرية أو الكذبة التي انبرت‬
‫وثائق الكانمي‪ ،‬على تكذيبها وبيان بطالنها‪ ،‬حتى أنه يذكر في هذه الوثيقة‪،‬‬
‫أن طرق األدلة متسعة وأوجه الشبه بينة‪ ،‬ولكن األسلم ترك القتال‪ ،‬وهنا‬
‫محاولة ذكية من الكانمي لإلشارة بأن المنتسبين إلى الفالته المجاورين له‪،‬‬
‫ليسوا مثل قياداتهم‪ ،‬وهم السبب في تأجج نار الفتنة‪ ،‬ويختم وثيقته‪ ،‬بأن إرادة‬
‫ثبوت الصلح‪ ،‬وفتح الطرق وانتشار التجارة والحركة االقتصادية بين‬
‫المنطقتين‪ ،‬يرتبط بشرط‪ ،‬إيقاف االعتداء على أراضي كانم‪ -‬برنو وقتال‬
‫أهلها‪ ،‬وأن أي سلوك من مجاوريه نحو الملك والسلطة‪ ،‬فسيكون رده قويا‬
‫كالعادة‪ ،‬وذلك جائز بل واجب‪...‬وما قل وكفى خير مما كثر وألهى‪.‬‬
‫وتتميز هذه الوثيقة بتتمة شعرية مليحة‪:‬‬
‫أالعم صباحا واحضر الذهن إنني‬
‫حريص على من يقبل القول بالفهم‬

‫‪137‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫إلى أن يقول‪:‬‬
‫وفي الصلح خير إن أرتم جوابنا‪...‬لننجوا من التأويل والقول بالرجم‬
‫ولكن جيراني الذين يلونكم ‪...‬ذوو خبط ال يرتضون بذي السلم(بلو‪،‬‬
‫‪ 277‬ـ ـ ‪)278‬‬
‫ورغم إيراد محمد بلو في كتابه أنفاق الميسور لهذه الوثيقة ضمن‬
‫الوثائق التي أرسلت إليه باالسم(بلو‪ ،)277 :‬إال أن المخطوطات التي‬
‫تحصلت عليها الباحثة د‪ .‬خديجة من أحفاد الشيخ الكانمي في سلطنة برنوا‪،‬‬
‫توضح أن الرسالة موجهة إلى عثمان دان فوديو باالسم مع ظهور بعض‬
‫االختالفات الطفيفة في المحتوى ( أباي‪ 112 :‬والملحق (‪ )4‬ص ‪)181‬‬
‫ويرى الباحث أن من اإلشارات التي تدعم توجيه الوثيقة إلى الشيخ‬
‫عثمان دان فوديو‪ ،‬هو تذليل رد عثمان دان فوديو على الكانمي‪ ،‬بقصيدة‬
‫شعرية بعدد األبيات التي ذيل الكانمي وثيقته مطلعها‬
‫أال من مبلغ عني األمينا‪....‬رسالة ناصح يبدي اليقينا‬
‫إلى أن يقول‪:‬‬
‫تبين أمرنا هذا أخانا ‪..........‬وفتشه والتعجل علينا‬
‫ويعرف الشيخ عثمان دان بقرض الشعر‪ ،‬أكثر من ابنه محمد بلو‪.‬‬
‫(بلو‪( 181 :‬‬

‫‪138‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-3‬المستفاد من الوثائق الداخلية والخارجية للشيخ محمد‬


‫األمين الكانمي‬
‫أ‪ /‬ارتفاع روحه الدعوية والقيادية‪ ،‬يظهر ذلك من رسائله ألخته وابنته‬
‫ورسائله ألهله من النسب‪ ،‬والسعي إلى حضهم في االمتثال ألوامر اهلل ونواهيه‬
‫وإتباع سنة المصطفى صلى اهلل عليه وسلم والزهد في الدنيا‪ ،‬والترغيب فيما‬
‫عند اهلل من النعيم الباقي‪ ،‬واستمر هذا النهج القيادي الدعوي‪ ،‬وعلى نمط‬
‫متسق‪ ،‬في جميع الوثائق الداخلية التي خطها الشيخ الكانمي‪ ،‬وعرضنا‬
‫محتوياتها في الصفحات السابقة‪ ،‬حيث لم تشذ وال وثيقة واحدة على هذه‬
‫الروح الدعوية‪ ،‬لدرجة جعلت الذين كتبوا عنه يصفونه بالصالح‪ ،‬رغم عدم‬
‫إشارتهم إلى أعماله ووثائقه السابقة‪ ،‬مما يجعل الباحث يقرر أن أفعال‬
‫والتصرفات الشيخ الكانمي‪ ،‬عبرت بصدق عن أقواله المكتوبة السابقة‪ ،‬وهي‬
‫ميزة نادرا ما تكتمل‪ ،‬حتى في رجال اإلصالح الديني المشهورين‪.‬‬
‫ب‪ /‬علو همته وارتباطها بسيرة الرسول محمد صلى اهلل عليه وسلم‬
‫معنويا‪ ،‬ومدينته المنورة ماديا‪ ،‬وهذا ناتج من تأثر الشيخ الكانمي بخطوات‬
‫والده الذي زار معه مدينة الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ومات ودفن فيها‪،‬‬
‫ففي الوثيقة األولى التي عرضناها‪ ،‬يذكر الكانمي أنه بصدد إرسال اثنين أو‬
‫ثالثة من أوالده إلى الدراسة في المدينة المنورة‪ ،‬بجوار قبر جدهم المصطفى‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬تعبيرا منه عن صلته بهذه البقاع الطاهرة‪ ،‬وفرارا بأوالده‬
‫من األراضي الكانمية‪ ،‬التي الحظ فيها االبتعاد عن النهج الحميد لسنته‬
‫المطهرة‪ ،‬خاصة من األسرة الحاكمة في كانم‪ ،‬مما جعل المصائب تنداح إليها‬
‫من الجهات المجاورة‪ ،‬وهذه إشارات قوية من الكانمي‪ ،‬إلى أن اإلصالح‬

‫‪139‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الذي يدعوا إليه‪ ،‬يجب أن يبدأ من الداخل‪ ،‬أي من األسرة الحاكم ثم ينداح‬
‫وينتشر إلى الرعية واألتباع‪.‬‬
‫ج‪ /‬العزيمة والحزم‪ ،‬فمن وثائقه إلى أسرته الضيقة أي أخته رقية وابنته‪،‬‬
‫وأسرته الواسعة أهل فاحى وسكرت في كانم وماو‪ ،‬إلى الجماعة الكبيرة في‬
‫مجلسه العلمي الحاكم‪ ،‬يظهر في ثنايا هذه الوثائق كلها صفات الكانمي‪ ،‬في‬
‫العزم والحزم والشدة في الحياة األسرية الخاصة والحياة السياسية العامة‪ ،‬ففي‬
‫وثيقته العتابية إلى أخته رقية بنت الكانمي يعاتب أخته بتبذيرها في ميزانية‬
‫األسرة فيقول‪" :‬أما ما تم فيك لم أرض به‪ ،‬ألن أختنا المرحومة كانت تقرر لنا‪،‬‬
‫ما دخل وما خرج‪ ،‬فينفتح رأسنا وأن لم يصل إلينا شيء‪ ،‬ومنذ ماتت رحمة‬
‫اهلل عليها‪ ،‬ما رأينا ذلك التقرير‪ ،‬وقد تركت على الناس أرسا ما وبقية في‬
‫البيت‪ ،‬من زيت ودقيق وغيره‪ ،‬فما ذكرت لنا من ذلك شيئا‪ ،‬وعندكم من الغلة‬
‫والزرع ما فيه الكفاية" ( أباي‪)150 ،‬‬
‫ونفس النمط من العزم والحزم في وثائقه لألسرة الضيقة‪ ،‬نالحظه في‬
‫الوثيقة التي بعث بها إلى إخوانه في الفاحي األسرة الواسعة‪ ،‬حيث يذكرهم‬
‫فيقول‪" :‬ولم أسمع منكم ما يسرني سوى االنشغال برعي البقر‪ ،‬وإعجابا كل‬
‫ذي رأي برأيه‪ ،‬واتخاذ كل أحد بمشورته‪ ،‬إلى غير ذلك مما كنتم عليه قبل‬
‫"إلى أن يقول‪" :‬فعندكم كتاب اهلل عز وجل وفيكم بحمداهلل علماء يهدونكم‪،‬‬
‫فشدوا الحزم وجدوا العزم واقهروا النفس"( أباي‪)151 ،‬‬
‫د‪ /‬الكلمة فوق الحربة‪ ،‬صور األوروبيون من أيام البعثة البريطانية التي‬
‫زارت كوكوا عاصمة سلطنة كانم‪-‬برنو أيام الشيح محمد األمين الكانمي‪ ،‬إلى‬
‫وصول الفرنسيين إلى حوض بحيرة الشط‪ ،‬وما كتبوه عن القيادة السياسية‬
‫للسالطين كانم‪ -‬برنو‪ ،‬أن الحياة السياسية تقوم على الحربة والقتال‪ ،‬وليس‬

‫‪140‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫على الكلمة أو العلم‪ ،‬وأصروا على ذلك‪ ،‬حتى في األشكال والصور التي‬
‫عبروا بها عن األوضاع السياسية حول بحيرة الشط‪ ،‬بينما الوثائق الداخلية‬
‫والخارجية‪ ،‬التي بين أيدينا اآلن عن حياة الشيخ محمد األمين الكانمي‪،‬‬
‫توضح أن الكلمة والوثيقة والكتاب والمكاتبة‪ ،‬تسبق الحربة‪ ،‬في جميع‬
‫األحداث الداخلية والخارجية‪ ،‬التي أوردها الشيخ محمد األمين الكانمي‪،‬‬
‫وهذه الوثائق‪ ،‬لحسن الحظ‪ ،‬تحوى معظم الفترات واألحداث التاريخية التي‬
‫أشار إليها اإلنجليز والفرنسيين‪ ،‬في تعبيرهم عن حياة الشيخ محمد األمين‬
‫الكانمي‪ ،‬فعلى ماذا اعتمد األوربيون في كتابتهم عن سيرة الشيخ الكانمي؟‬
‫والباحث يتخوف من اعتمادهم فقط‪ ،‬على الصور الذهنية المسبقة‪،‬‬
‫حول أن اإلسالم‪ ،‬يقوم وينتشر وينتصر‪ ،‬إن لم يكن بالسيف‪،‬كما هو في‬
‫مناطق أخرى‪ ،‬فهو ينتصر ويتغلب بالحربة‪ ،‬داخليا وخارجيا حول بحيرة الشط‪،‬‬
‫المهم أن ما يحرك اإلسالم والمسلمون في وسط إفريقيا‪ ،‬ويجعلهم ينصرون‪،‬‬
‫حتى في حوادثهم الداخلية‪ ،‬هو العنف‪ ،‬انتشر اإلسالم في السابق‪ ،‬بالسيف‬
‫في مواقع الجزيرة العربية والشرق األوسط‪ ،‬ويتم اآلن بالحربة عند الكانمي في‬
‫وسط إفريقيا‪ ،‬في إشارة خبيثة‪ ،‬للتقليل من مكانته ودوره اإلصالحي حول‬
‫بحيرة الشط‪ ،‬وأكبر دليل على دعواهم‪ ،‬هو استبعادهم للكلمة والدعوة بها‪،‬‬
‫واستبعادهم للعلم الشرعي‪ ،‬باعتبار ذلك‪ ،‬السالح األهم الذي اعتمد عليه‬
‫الشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬في إيقاظه للوعي السياسي لدى الكانميين‪ ،‬في‬
‫الدفاع عن أراضيهم ضد الغزاة من جميع الجهات‪ ،‬بناء على القاعدة‬
‫اإلسالمية لصد المعتدي‪ ،‬حتى وإن كان مسلما‪ ،‬مع توضيح األمر اعتماد على‬
‫الشرع اإلسالمي من الكتاب والسنة والفقه المالكي‪ ،‬وتجارب الدول‬

‫‪141‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫اإلسالمية‪ ،‬لألتباع والمؤيدين داخليا أوال‪ ،‬وللمعتدين الخارجين من السلطنات‬


‫المجاورة‪.‬‬
‫فيقول في وثيقته إلى أهله في الدين والنسب سكان فاحي‪":‬وقد كتبت‬
‫لكم أيها اإلخوان وثيقتين قبل هذا‪ ،‬آمرا لكم ما أمر اهلل به عز وجل من‬
‫التعاون على البروالتقوى‪ ،‬امتثاال لقوله عزوجل ( وذكر فإن الذكرى تنفع‬
‫المؤمنين) ( الذريات‪ )55،‬استيقظوا من سنة الغفلة‪ ،‬فقد قرب الصبح‪،‬‬
‫وتداركوا من فرطكم‪ ،‬وأصلحوا ما بقي من العمر‪ ...‬فاهلل في أنفسكم‬
‫فارحموها‪ ،‬وفي عهود اهلل فاحفظوها‪ ،‬وفي سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فاتبعوها‪ ،‬وفي البدع فاهجروها‪ ،‬وفي الفواحش فاتركوها‪ ،‬وأكثروا من الذكر‬
‫واالستغفار وأبكوا بكاء الثكلى‪ ،‬وادعوا دعاء الغريق" ( أباي‪)54 :‬‬
‫وهذا ما تؤكده الوثيقة التي أرسلها إلى عقالء بني سكرت من سكان‬
‫كانم حيث يقول لهم‪" :‬إن هؤالء الطغاة صار قتالهم جهادا في سبيل اهلل‪،‬‬
‫وفرض عين كالصالة والصيام‪ ،‬ألنهم مفسدون معتدون غير متأولين‪ ،‬وقد نوينا‬
‫الخروج إليهم‪ ،‬عند انقضاء هذا الشهر‪ ،‬ودعوناكم إلى الجهاد‪ ،‬فالتأتوا جميعا‬
‫بقصد عزم وعالة وحزم‪ ،‬والتهنوا والتفشلوا‪ ،‬فإن الحرب سجال‪ ،‬يوم لنا ويوم‬
‫علينا‪ ،‬ونرجو من اهلل عز وجل النصر‪ ،‬وأن من منا مات‪ ،‬مات شهيدا‪ ،‬ومن‬
‫مات منهم مات كافرا‪ ،‬والعياذ باهلل‪ ،‬الستحاللهم ما حرم اهلل‪ ...‬ولتعلموا أن‬
‫أرضكم هذه بين أعداء كثيرة‪ ،‬فالته من جهتين‪ ،‬والتوارك من جهة‪ ،‬وأهل‬
‫فزان من جهة‪ ،‬ووداي من جهة‪ ،‬وباقرمي من جهة‪ ،‬وال يطاق هذا األمر‪ ،‬إال‬
‫بالصبر على التعب‪ ،‬ومنافسة الشدائد‪ ،‬وبذلك تفوزوا إن شاء اهلل تعالى بخير‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬اهلل‪ ،‬اهلل ( انفروا خفافا وثقاال) ( التوبة‪ ( .")41:‬أباي‪) 152 :‬‬

‫‪142‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومن المالحظ أن هذا النهج من محاوالت اإلقناع الفكري واستعمال‬


‫الكلمة أوال‪ ،‬قبل الحربة‪ ،‬هو النهج الذي استقام عليه الشيخ الكانمي في‬
‫جميع وثائقه التي عثر عليها إلى اآلن‪ ،‬وتؤكد هذا النهج األحداث التاريخية‬
‫التي كتبها معاصروه‪ ،‬وبالتالي باإلمكان إقرار صورة أخرى‪ ،‬ترفع الكلمة فوق‬
‫الحربة‪ ،‬لسيرة وحياة الشيخ الكانمي من خالل الوثائق والمخطوطات‪،‬‬
‫المتوفرة عن مسيرته إلى اآلن‪ ،‬والتي عرضنا لمقتطفات منها في الفقرات‬
‫السابقة‪ ،‬مقابل صورة الحربة أوال‪ ،‬التي عرضها المستشرق الفرنسي جان كلود‬
‫زلتنر‪ ،‬على غالف كتابه دولة شاد على مفترق الطرق‪)Zeltner,J.C.(.‬‬
‫ورغم سيادة التوجه نحو الكلمة للدعوة‪ ،‬وفض النزاعات في سيرة‬
‫الكانمي النضالية‪ ،‬إال أن مراسالته مع ابن فودي‪ ،‬يذكرها الكتاب نموذجا‬
‫لنجاعة الكلمة في الوصول إلى التفاهم بين العلماء في إفريقيا‪.‬‬
‫فقد ذكر الباحث المالي د‪.‬هارون المهدي ميغا‪ ،‬في مقال له بعنوان "‬
‫المراسالت العلمية وأثرها التعليمي والدعوي بغرب إفريقيا"‪ ،‬أن المراسالت‬
‫بين الكانمي وابن فودي‪ ،‬بلغت عشرات الرسائل باللغة العربية‪ ،‬ودامت ست‬
‫سنوات‪ ،‬يدافع كل واحد منهما عن مواقفه‪ ،‬حول الجهاد وأسبابه‪ ،‬وبمن‬
‫يجاهد‪ ،‬فكان الكانمي يأخذ على ابن فودي وأتباعه‪ ،‬تكفير أهل القبلة بسبب‬
‫بعض الكبائر‪ ،‬كالتبرج‪ ،‬وأخذ الرشوة‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬والجور في الحكم‪،‬‬
‫ومن القضايا‪ :‬اتهام الكانمي البن فودي بالخروج على اإلمام‪ ،‬واتهامه وأتباعه‬
‫بحب الملك والسعي وراءه باسم الدين‪ ،‬واتهامه لبعض أتباعه بنقض العهود‪،‬‬
‫ولقد رد ابن فودي على تلك القضايا كلها‪ ،‬بكتابات‪ ،‬توالها بأمر منه‪ ،‬أخيه‬
‫عبد اهلل‪ ،‬وابنه محمد بلو‪ ،‬وكان لهذه المراسالت المتبادلة بين العالمين‪ ،‬أثرها‬
‫التعليمي والدعوي‪ ،‬بتصحيح المفهومات‪ ،‬والرد على التهم‪ ،‬ووزن الوقائع‬

‫‪143‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫بالكتاب والسنة وأقوال العلماء‪ ،‬وبالتالي أعطت للباحثين والمهتمين‬


‫المنصفين‪ ،‬صورة مصغرة‪ ،‬مما يتمتع به كال الرجلين في المزية العلمية‪ ،‬بل هي‬
‫نموذج لحوار العلماء األقدمون في إفريقيا‪ ،‬ومن رسوخ القدم في العلوم‪،‬‬
‫والمناظرة والجدال‪ ،‬والتواصل العلمي والدعوي‪ ،‬حتى في أصعب المواقف‬
‫القتالية‪ ،‬ونموذج لجهودهم في نشر التعليم اإلسالمي بين الناس‪(.‬ميغا‪)6-5،‬‬

‫‪144‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬الخالصة‬
‫أدت دراسة شخصية محمد األمين الكانمي من خالل مخطوطاته‪ ،‬إلى‬
‫التوصل إلى معلومات عن نشأته التعليمية‪ ،‬التي غرسها فيه والده المعلم‪،‬‬
‫والرحالت التعليمية‪ ،‬التي أكسب من خاللها إلبنه ثروة‪ ،‬من المعرفة والخبرات‬
‫والتجارب المكتسبة من العالم االسالمي‪ ،‬جعلته يواصل مسيرته التعليمية‪،‬‬
‫رغم فقده لوالده في المدينة المنورة‪ ،‬ثم رجوعه إلى الوطن وتكوينه وإعداده‬
‫لصفوة من األتباع والمناصرين‪ ،‬في العملية التعليمية أوال‪ ،‬ثم استخدام‪ ،‬ما‬
‫اكتسبوه من معارف‪ ،‬في خدمة بالدهم في السلم والحرب‪ ،‬فشاركوا في جميع‬
‫األنشطة االجتماعية والتربوية والسياسية التي تمر بها سلطنة كانم‪-‬برنو‪ ،‬حتى‬
‫قبل أن يصلوا إلى مواقع اتخاذ القرار بشكل مباشر‪.‬‬
‫ساهم الكانمي‪ ،‬من سنوات(‪1835-1814‬م) في قيادة مشيخة‬
‫كانم‪-‬برنو‪ ،‬نحو االستقرار السياسي الداخلي في البالد‪ ،‬واألمن للمواطنين‬
‫والزوار‪ ،‬والذي أدى بدوره إلى ازدهار في التجارة‪ ،‬ونمو في العالقات السلمية‬
‫بين السلطنات اإلفريقية في المنطقة‪ ،‬والدول المجاورة‪ ،‬مثل‪ :‬مناطق فزان‬
‫وطرابلس‪ ،‬وسكتو وباقرمي ووداي‪ ،‬وخارجيا مثل‪ :‬تركيا وبريطانيا التي استقبل‬
‫الكانمي قناصلها‪ ،‬ووقع معهم المعاهدات الدبلوماسية‪.‬‬
‫وساعدنا في التوصل لهذا العرض‪ ،‬ما تم الوصول إليه من مخطوطات‬
‫ووثائق ومكاتبات للشيخ الكانمي‪ ،‬وكذلك ما استطاع معاصروه أن يسجلوه‪،‬‬
‫من مواقف وأحداث ساهم فيها الكانمي‪ ،‬وجدت في كتابات‪ ،‬كتاب أفارقة‪،‬‬
‫لم تعرض من قبل‪ ،‬في بعض األبحاث السابقة‪ ،‬خاصة أعمال التونسي في‬
‫تشحيذ األذهان بمعرفة بالد الغرب والسودان‪ ،‬والعالمة كي زيربو في موسوعته‬
‫لتاريخ إفريقيا السوداء‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬المصادر والمراجع العربية‬


‫أ‪-‬المصادر‬
‫‪-1‬الكانمي‪ ،‬الشيخ محمد األمين‪ :‬نصيحة الحكام‪ ،‬مخطوطة‪ ،‬خزانة‬
‫أيوب للمخطوطات والوثائق العربية‪+‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪-‬‬
‫جامعة الملك فصل‪+‬المكتبة الوطنية‪ ،‬أنجمينا‪.‬‬
‫‪-2‬الكانمي‪ ،‬الشيخ محمد األمين‪ :‬وثيقة إلى كافة الجماعة ( المجلس‬
‫األعلى في كوكوا)‪ ،‬أوردها‪:‬‬
‫; ‪3-Zeltner,J.C‬‬
‫‪"Lettre d,AL AMIN AL KANEMI" TCHAD et‬‬
‫‪CUTURE, N° 106, NDJAMENA, JANVIER, 1978.‬‬

‫‪-4‬الكانمي‪ ،‬الشيخ محمد األمين‪ :‬وثيقة إلى محمد بلو بن الشيخ‬


‫عثمان بن فوديو‪ ،‬أوردها محمد بلو في كتابه‪ :‬انفاق الميسور في تاريخ بالد‬
‫التكرور‪ ( ،‬تحقيق‪ :‬بهجة الشاذلي) منشورات معهد الدراسات اإلفريقية‪،‬‬
‫الرباط‪1996،‬م‪.‬‬
‫‪-5‬الكانمي‪ ،‬الشيخ محمد األمين‪ :‬وثيقة إلى الشيخ عثمان دان‬
‫فوديو‪ ،‬أوردها محمد بلو في كتابه‪:‬انفاق الميسور في تاريخ بالد التكرور‪( ،‬‬
‫اإلفريقية‪،‬‬ ‫الدراسات‬ ‫معهد‬ ‫منشورات‬ ‫الشاذلي)‬ ‫بهجة‬ ‫تحقيق‪:‬‬
‫الرباط‪1996،‬م‪.‬‬
‫‪-6‬الكانمي‪ ،‬الشيخ محمد األمين‪ :‬وثيقة إلى العلماء الفالنيين‪،‬أوردها‬
‫محمد بلو في كتابه‪:‬انفاق الميسور في تاريخ بالد التكرور‪ ( ،‬تحقيق‪ :‬بهجة‬
‫الشاذلي) منشورات معهد الدراسات اإلفريقية‪ ،‬الرباط‪1996،‬م‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-7‬الكانمي‪ ،‬الشيخ محمد األمين‪ :‬الوثيقة األولى للكانمي‪،‬إلى عثمان‬


‫دان فوديو‪ ،‬هي وثيقة مؤرخة بتاريخ ‪1223‬ه‪،‬أوردها محمد بلو في‬
‫كتابه‪:‬انفاق الميسور في تاريخ بالد التكرور‪ ( ،‬تحقيق‪ :‬بهجة الشاذلي)‬
‫منشورات معهد الدراسات اإلفريقية‪ ،‬الرباط‪1996،‬م‪.‬‬
‫‪-8‬الكانمي‪ ،‬الشيخ محمد األمين‪ :‬وثيقة إلى أهل فاحيبكانم‪ ،‬أوردتها‬
‫الباحثة‪ ،‬خديجة موسى أباي‪ ،‬في أطروحتها‪ :‬مملكة كانم‪-‬برنو اإلسالمية في‬
‫عهد الشيخ محمد األمين الكانمي في الفترة ما بين‪1250-1229‬ه‬
‫الموافق ‪1835-1814‬م‪ ،‬بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراة في التاريخ‬
‫الحديث‪ ،‬جامعة السودان المفتوحة‪ ،‬الخرطوم‪2018،‬م‪.‬‬
‫‪-9‬الكانمي‪ ،‬الشيخ محمد األمين‪ :‬وثيقة رقية الكانمي‪ ،‬أوردتها‬
‫الباحثة‪ ،‬خديجة موسى أباي‪ ،‬في أطروحتها‪ :‬مملكة كانم‪-‬برنو اإلسالمية في‬
‫عهد الشيخ محمد األمين الكانمي في الفترة ما بين‪1250-1229‬ه‬
‫الموافق ‪1835-1814‬م‪ ،‬بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراة في التاريخ‬
‫الحديث‪ ،‬جامعة السودان المفتوحة‪ ،‬الخرطوم‪2018،‬م‪.‬‬
‫‪-10‬الكانمي‪ ،‬الشيخ محمد األمين‪ :‬وثيقة رقية وخديجة‪،‬أوردتها‬
‫الباحثة‪ ،‬خديجة موسى أباي‪ ،‬في أطروحتها‪ :‬مملكة كانم‪-‬برنو اإلسالمية في‬
‫عهد الشيخ محمد األمين الكانمي في الفترة ما بين‪1250-1229‬ه‬
‫الموافق ‪1835-1814‬م‪ ،‬بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراة في التاريخ‬
‫الحديث‪ ،‬جامعة السودان المفتوحة‪ ،‬الخرطوم‪2018،‬م‪.‬‬
‫‪-11‬الكانمي‪ ،‬الشيخ محمد األمين‪ :‬وثيقة اإلمام أحمد الطالب‪،‬‬
‫أوردتها الباحثة‪ ،‬خديجة موسى أباي‪ ،‬في أطروحتها‪ :‬مملكة كانم‪-‬برنو‬
‫اإلسالمية في عهد الشيخ محمد األمين الكانمي في الفترة ما بين‪-1229‬‬

‫‪147‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪1250‬ه الموافق ‪1835-1814‬م‪ ،‬بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراة في‬


‫التاريخ الحديث‪ ،‬جامعة السودان المفتوحة‪ ،‬الخرطوم‪2018،‬م‪.‬‬
‫‪-12‬الكانمي‪ ،‬الشيخ محمد األمين‪ :‬وثيقة إلى عقالء سكرت‪ ،‬أوردتها‬
‫الباحثة‪ ،‬خديجة موسى أباي‪ ،‬في أطروحتها‪ :‬مملكة كانم‪-‬برنو اإلسالمية في‬
‫عهد الشيخ محمد األمين الكانمي في الفترة ما بين‪1250-1229‬ه‬
‫الموافق ‪1835-1814‬م‪ ،‬بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراة في التاريخ‬
‫الحديث‪ ،‬جامعة السودان المفتوحة‪ ،‬الخرطوم‪2018،‬م‪.‬‬
‫‪-13‬الكانمي‪ ،‬الشيخ محمد األمين‪ :‬وثيقة إلى الوكيل المفوض الحاج‬
‫علي فتيوا‪ ،‬أوردتها الباحثة‪ ،‬خديجة موسى أباي‪ ،‬في أطروحتها‪ :‬مملكة كانم‪-‬‬
‫برنو اإلسالمية في عهد الشيخ محمد األمين الكانمي في الفترة ما‬
‫بين‪1250-1229‬ه الموافق ‪1835-1814‬م‪ ،‬بحث مقدم لنيل درجة‬
‫الدكتوراة في التاريخ الحديث‪ ،‬جامعة السودان المفتوحة‪ ،‬الخرطوم‪2018،‬م‪.‬‬
‫‪-14‬الكانمي‪ ،‬الشيخ محمد األمين‪ :‬قصيدة نسيم الصبا‪ ،‬أوردتها‬
‫الباحثة‪ ،‬خديجة موسى أباي‪ ،‬في أطروحتها‪ :‬مملكة كانم‪-‬برنو اإلسالمية في‬
‫عهد الشيخ محمد األمين الكانمي في الفترة ما بين‪1250-1229‬ه‬
‫الموافق ‪1835-1814‬م‪ ،‬بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراة في التاريخ‬
‫الحديث‪ ،‬جامعة السودان المفتوحة‪ ،‬الخرطوم‪2018،‬م‪.‬‬
‫ب‪ -‬المراجع‪:‬‬
‫‪ -1‬أباي‪،‬د‪/‬خديجة موسى‪ :‬مملكة كانم‪-‬برنو اإلسالمية في عهد‬
‫الشيخ محمد األمين الكانمي في الفترة ما بين‪1250-1229‬ه الموافق‬
‫‪1835-1814‬م‪ ،‬بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراة في التاريخ الحديث‪،‬‬
‫جامعة السودان المفتوحة‪ ،‬الخرطوم‪2018،‬م‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -2‬بلو‪ ،‬إبراهيم محمد‪ :‬انفاق الميسور في تاريخ بالد التكرور‪( ،‬‬


‫اإلفريقية‪،‬‬ ‫الدراسات‬ ‫معهد‬ ‫منشورات‬ ‫الشاذلي)‬ ‫بهجة‬ ‫تحقيق‪:‬‬
‫الرباط‪1996،‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬التونسي الشيخ محمد بن عمر‪ :‬رحلة إلى وداي‪ ( ،‬تحقيق أ‪.‬د‪.‬‬
‫عبدالباقي محمد )‪ ،‬العتاكب‪ ،‬الخرطوم‪2001،‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬زيربو‪ ،‬جوزيف كي‪:‬تاريخ إفريقيا السوداء القسم األول‪( ،‬الترجمة‪:‬‬
‫يوسف شلب الشام)‪ ،‬وزارة الثقافة السورية‪ ،‬دمشق‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬محمد‪ ،‬د‪.‬عبد اهلل نجيب‪ " :‬محمد األمين الكانمي زعيم برنو‬
‫المجاهد" األزهر‪ ،‬مجلة شهرية جامعة‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬السنة الثامنة والستون‪،‬‬
‫صفر‪1416‬ه‪-‬يوليو ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬النوي‪ ،‬الشيخ إبراهيم صالح بن يونس‪ :‬تاريخ اإلسالم وحياة‬
‫العربي في إمبراطورية كانم ـ ـ برنو‪ ،‬مطبعة الباب الحلبي‪ ،‬القاهرة‪1976 ،‬م‪.‬‬
‫‪References‬‬
‫‪Hunwick.John O:The Writings Of Central Sudanic‬‬
‫‪Africa.Bill Leiden.New York.Koln.1996.pp.384-387.‬‬
‫‪PALMER,H.R.The Bornu Sahara and Sudan.‬‬
‫‪3,Vols..Lagos,1928.‬‬
‫‪2-Zeltner,J.C.Les Pays du Tchad et la montée des‬‬
‫‪perils 1795-1850,L,Harmattan,Paris,1997.‬‬
‫‪3-Zeltner,J.C. "Lettre d,AL AMIN AL KANEMI‬‬
‫‪"TCHAD et CUTURE, N° 106, NDJAMENA, JANVIER,‬‬
‫‪1978.‬‬

‫‪149‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫الشيخ عبد احلق الرتمجي(‪1917-1853‬م)‬
‫من خالل خمطوطاته ووثائقه‬
‫• التمهيد‬
‫أوال‪ -‬نشأته االجتماعية والسياسية‬
‫ثانياً‪-‬نشأته الثقافية وإنتاجه العلمي‬
‫ثالثا‪ -‬مظاهر احلوار احلضاري يف سلطنة وداي أيام‬
‫الرتمجي‬
‫رابعا‪ -‬الدراسة التحليلية ملخطوطة رسالة تبصرة احلريان‬
‫من هول فنت الزمان‬
‫• خلالصة‬
‫• املصادر واملراجع‬

‫‪150‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -‬التمهيد‬
‫يهتم هذا الفصل بتحليل مخطوط تبصرة الحيران من هول فتن الزمان‬
‫للشيخ عبد الحق السنوسي الترجمي (‪1917-1853‬م)‪ ،‬الذي يدور محتواه‬
‫حول التعايش بين المسلمين والنصارى‪ ،‬وقد خطه المؤلف في البدايات‬
‫األولى‪ ،‬لالحتكاك سلطنة وداي بالنصارى الفرنسيين بعد عام ‪1900‬م‪.‬‬
‫وينقسم إلى جزأين‪:‬يتناول الجزء األول‪ ،‬النشأة االجتماعية والسياسية‬
‫والثقافية للمؤلف‪ ،‬نظرا لما تشير إليه الدراسات الحديثة‪ ،‬من أهمية ألثر‬
‫الحياة االجتماعية على إنتاج العالم‪ ،‬وانطالقا من ذلك نحاول أن نعطي صورة‬
‫عن حياة العالم عبد الحق السنوسي الترجمي‪ ،‬مبتدئين بالجو السياسي‬
‫واالجتماعي الذي نشأ فيه‪ ،‬ومولده ولقب أسرته‪ ،‬ومكانته االجتماعية‪ ،‬ساعين‬
‫في تقديم صورة متكاملة عن الحياة االجتماعية للشيخ عبد الحق السنوسي‪،‬‬
‫تساعدنا على دراسة أعماله العلمية‪.‬‬
‫ويدرس الجزء الثاني من البحث‪ ،‬المظاهر العامة للتعايش بين‬
‫المسلمين والنصارى‪ ،‬المنبثقة من المصادر اإلسالمية‪ ،‬المتجسدة في القرءان‬
‫الكريم والسنة النبوية‪ ،‬واجتهادات العلماء المعاصرين لكاتب المخطوط‪،‬‬
‫خاصة أعمال العلماء المحليين من أفريقيا‪ ،‬أمثال عثمان دان فوديو‪ ،‬وعبد اهلل‬
‫دان فوديو من سكتو‪ ،‬وهذا دليل على انسياب المعرفة العلمية بين علماء‬
‫أفريقيا‪ ،‬قبل االستعمار األوروبي لمنطقة بحيرة الشط‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أوال ‪-‬نشأته االجتماعية والسياسية‪:‬‬


‫واجهت سلطنة وداي مشكالت عديدة في موطنها األصلي في وارة‪،‬‬
‫مما اضطر السلطان الشريف أن ينقلها إلى أبشة (أبشر) عام ‪1850‬م‪ ،‬وحين‬
‫االنتقال ولد الشيخ عبد الحق السنوسي الترجمي‪ ،‬وقامت السلطنة بتنظيم‬
‫نفسها سياسيا‪ ،‬فشكلت القيادات على أساس العقداء مثل عقيد راشد‪ ،‬عقيد‬
‫المحاميد‪ ،‬وعقيد الجعاتنة‪ ،‬وعقيد شاواية‪ ...‬الخ‪ .‬وظل ملوك المناطق‬
‫المجاورة والمراكز الصغيرة‪ ،‬خارج المدينة‪ ،‬وكذلك شيوخ القبائل‪ ،‬على والئهم‬
‫للسلطة والسلطان في أبشة على نفس الدرجة السابقة‪.‬‬
‫أما من الناحية االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬فقد استطاعت السلطنة في‬
‫مكانها الجديد‪ ،‬أن تبني قصرا متينا للسلطنة بمساعدة بعض المهندسين من‬
‫البالد اإلسالمية مثل مصر وليبيا وتركيا‪ ،‬وأقامت عالقات خارجية تجارية‬
‫كبيرة‪ ،‬فازدهرت الحياة االقتصادية بشكل عام في السلطنة‪ ،‬وتبع ذلك‬
‫استقرار في الجوانب االجتماعية‪.‬‬
‫ولكن الضغوط الخارجية بدأت تؤثر على وضع السلطنة السابق‪ ،‬خاصة‬
‫وقوعها بالقرب من فكي االستعمار الفرنسي القادم من الغرب واالستعمار‬
‫االنجليزي القادم من الشرق‪ ،‬وصحب هذه الضغوط الخارجية‪ ،‬توترات‬
‫داخلية هامة في السلطنة‪ ،‬بعضها كما تشير بعض المخطوطات‪ ،‬كانت السبب‬
‫في نقل السلطان شريف للملكة إلى العاصمة الجديدة‪ ،‬وظهرت في شكل‬
‫صراعات داخل األسرة الحاكمة أخيرا‪ ،‬ونتجت عنها حروب دامية عاصر عبد‬
‫الحق السنوسي سبعا منها‪.‬‬
‫وهذا يعني‪ ،‬أن األوضاع السياسية واالجتماعية‪ ،‬كانت غير مستقرة في‬
‫سلطنة وداي‪ ،‬في فترة مولد الشيخ عبد الحق السنوسي‪ ،‬وإن كانت السلطنة‬
‫تشهد تقدما اقتصاديا وتنظيميا‪ ،‬ساهم في تماسكها طيلة الفترات الصعبة التي‬
‫مرت بها‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -1‬مولده‪:‬‬
‫تشير المصادر المحلية أن الشيخ‪ /‬عبد الحق ولد بقرية ترجم التابعة‬
‫لمدينة أبشة‪ ،‬وقد اختلفت الروايات حول تاريخ ميالده‪ ،‬ولكن معظمها يؤكد‬
‫تاريخ عام ‪1853‬م وتاريخ عام ‪ 1855‬وهو االبن الثاني للشيخ السنوسي‬
‫صاحب الجامع الكبير بمدينة أبشة‪ ،‬والذي يقع بشق الفقهاء؛ ألنه يتميز‬
‫بضمه للفئة المثقفة من أهل وداي‪ ،‬خاصة رجال الدين والعلماء‪ ،‬وهم موزعون‬
‫إلى شعب أصغر أهمها‪ :‬مجموعة صاحب الجامع‪ ،‬وهم أهل التفسير ومن أهم‬
‫من شغل هذا المنصب يعقوب أبوكويسة جد عبد الحق السنوسي‪ ،‬والشيخ‬
‫الوالي قبله‪ ،‬وهم أهل الترجم عموما‪ ،‬ومجموعة اإلمامية‪ ،‬ومن أهم من تواله‬
‫اإلمام الجزولي‪ ،‬ومجموعة القضاء ومن أهم من تولى منصب القضاء‪ ،‬القاضي‬
‫الرخيص‪( .‬إدريس‪ ،‬الشيخ موسى‪ :‬مقابلة حول موضوع العلم والعلماء في‬
‫أبشة‪ ،‬مدينة انجمينا‪1992/3/15 ،‬م)‬
‫ومما سبق يتضح لنا أن الشيخ‪ /‬عبد الحق السنوسي ينحدر من أصل‬
‫ترجمي‪ ،‬وهي إحدى القبائل الهامة في سلطنة وداي‪ ،‬اشتهر أفرادها بميولهم‬
‫إلى العلم وتميزهم فيه‪ ،‬فرجال هذا البيت لهم تاريخ طويل في تولي المناصب‬
‫العلمية في سلطنة وداي‪ ،‬وبالتالي برزوا في منتديات العلم وتصدروا مجالس‬
‫الفتوى وقاموا بدور هام في الحياة الفكرية في هذه المنطقة باإلضافة إلى‬
‫الذين تم ذكرهم من أفراد هذه العائلة العلمية‪ ،‬الفقيه النجيب‪ ،‬وعبد الرحيم‪،‬‬
‫وأحمد األزهري‪.‬‬
‫ومن المالحظ أن الذين تم ذكرهم أخيرا قد نبغوا وعاشوا في المدن‬
‫السودانية المتاخمة لشاد‪ ،‬وقد نزحوا إليها بعد النكبة التي أصابت العلماء في‬
‫موقعة الكبكب عام‪1917‬م‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -2‬لقبه‪:‬‬
‫يلقب الشيخ عبد الحق السنوسي أو الترجمي‪ ،‬والسنوسي‪ ،‬اسم والده‬
‫الموصوف بصاحب الجامع كما ورد ذلك في مخطوطه (تبصرة الحيران من‬
‫هول فتن الزمان) فقال‪ :‬عبد الحق بن صاحب الجامع ابن ولي اهلل يعقوب‪.‬‬
‫(الترجمي‪)1،‬‬
‫وأبوه محمد السنوسي من علماء منطقة ترجم غرب أبشة المشهورين‪،‬‬
‫ولكن شهرت جديه يعقوب والوالي فاقته‪.‬‬
‫فجده الشيخ يعقوب الملقب بأبي كويسه برع في العلوم الدينية في‬
‫منطقته ثم هاجر إلى المغرب لطلب العلوم الشرعية فنهل منها الكثير‪ ،‬ويعرف‬
‫عنه أنه من قادة الطريقة التجانية في المنطقة وفي مجال التصوف عموما‪ ،‬وله‬
‫أعمال نثرية وشعرية‪.‬‬
‫أشهرها كتاب " مسألة التوحيد " الذي نورد الصفحة األولى منه‪ ،‬وهناك‬
‫صورة طبق األصل منها في مركز البحوث والدراسات األفريقية بجامعة الملك‬
‫فيصل‪ ،‬وهذه النسخة من خزانة أيوب للمخطوطات والوثائق العربية في شاد‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الصفحة األولى من مخطوطة مسألة التوحيد ليقعوب إدريس (أبو‬


‫كويسة)‬
‫ثم رجع إلى بالده وانضم إلى أسرة صاحب الجامع بجوار السلطان في‬
‫أبشة وأخذ يدرس العلم ونبغ في مجاالت عدة في العلوم اللغوية والشرعية‪،‬‬
‫ولما توفي والده إدريس رثاه باألبيات الشعرية التالية‪:‬‬
‫تجارا‬ ‫ربحوا‬ ‫أهله‬ ‫ولكن‬ ‫أال يا قوم أن الصبر مر‬
‫لفقدي سيدي علم الخيارا‬ ‫بكت عيني وحق لها بكاها‬
‫نهارا‬ ‫أو‬ ‫ليال‬ ‫اهلل‬ ‫كتاب‬ ‫يتلو‬ ‫تلقاه‬ ‫جئته‬ ‫ما‬ ‫إذا‬
‫على األفدان في ايك حيارا‬ ‫بكى سرب الحمام على هديلي‬

‫‪155‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫حزين القلب مذ يتلو جهارا‬ ‫متى سمع القراءة منه شخص‬


‫فدارا‬ ‫غنى‬ ‫حمامة‬ ‫كفحل‬ ‫وارتياح‬ ‫سرور‬ ‫لذا‬ ‫أراه‬
‫البشارا‬ ‫نعم‬ ‫عروبة‬ ‫بليل‬ ‫بيج مات من أخرى جماد‬
‫عشارا‬ ‫به‬ ‫يعرف‬ ‫بتاريخ‬ ‫برمز‬ ‫فاعرفه‬ ‫العام‬ ‫وأما‬
‫مع المائتين والسبعين صارا‬ ‫وألف‬ ‫أربعة‬ ‫الرمز‬ ‫وهذا‬
‫المشارا‬ ‫ذا‬ ‫يوافق‬ ‫واأللم‬ ‫وعشارا‬ ‫منبع‬ ‫العين‬ ‫بترك‬
‫اختيارا‬ ‫كنوه‬ ‫يعقوب‬ ‫أبا‬ ‫يسمى‬ ‫إدريس‬ ‫الشيخ‬ ‫هذا‬
‫دارا‬ ‫الفردوس‬ ‫من‬ ‫وأسكنه‬ ‫وعفوا‬ ‫مغرفة‬ ‫اهلل‬ ‫حباه‬
‫مجارا‬ ‫محفوظا‬ ‫النيران‬ ‫من‬ ‫بمحض الفضل فاجعله إلهي‬

‫وكان والده الشيخ إدريس حسن الصوت جيد القراءة‪ ،‬فإذا شرع في‬
‫تالوة القرآن يلتف الناس حوله ليسمعوا قراءته‪.‬‬
‫وهناك مالحظة هامة على أفراد أسرة الشيخ عبد الحق الترجمي‪ ،‬وهو‬
‫حبهم للسعي نحو العلم‪ ،‬فهذا جده الوالي صاحب الجامع األكبر الذي درس‬
‫على أبيه الشيخ إدريس فاخذ القرآن ومبادئ العلوم الشرعية ثم هاجر لطلب‬
‫العلم فوصل مصر والتحق باألزهر فدرس على الشيخ الباجوري مدة منتظما‬
‫في األزهر حتى تخرج فيه‪ ،‬ثم رجع إلى بالده شاد‪ ،‬وصار يدرس العلم فتخرج‬
‫على يديه جمع من العلماء‪ ،‬وقد أوصله ذلك ألن يتولى مشيخة الجامع العتيق‬
‫بأبشة‪.‬‬
‫وهو من مؤسسي المدارس العلمية بالجامع العتيق‪ ،‬وعين بالجامع‬
‫العتيق أيام السلطان يوسف بن محمد شريف‪ ،‬الذي تولى السلطنة سنة‬
‫‪1874‬م‪1899-‬م وكان الشيخ الوالي صاحب الجامع األكبر مشهودا له‬

‫‪156‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫بالوالية والبركة والصالح‪ ،‬وقبره واضح بالجامع العتيق بأبشة (التجاني‪،‬‬


‫‪.)105‬‬
‫ولقب الترجمي هو نسبة إلى بلدته وأصله العرقي‪ ،‬وهو ما نختاره في‬
‫هذه الدراسة‪ ،‬فرغم أن لقب الترجمي قد نجد مجموعة من أهل المنطقة‬
‫ينتسبون إليه‪ ،‬إال أنه مميز أكثر من السنوسي‪ ،‬خاصة إذا عرفنا أن الباحث‬
‫عيسى حسن خيار‪ ،‬قد ركز في دراسته عن الصفوة الوداوية على شخصية‬
‫دينية معاصرة تحمل نفس االسم واللقب أي شخصية باسم عبد الحق‬
‫السنوسي وهو رجل قاض يعيش في قرية أدرع‪ ،‬وقابله الباحث في السبعينات‬
‫وأجرى معه دراسته(‪.)Khayar,115-123‬‬
‫‪ -3‬أسرته‪:‬‬
‫خرج عبد الحق الترجمي من أسرة ميالة إلى العلم والعلماء‪ ،‬وقد درجوا‬
‫على ذلك سواء في منطقتهم األصلية (ترجم) التي تقع غرب مدينة أبشة‬
‫عاصمة سلطنة وداي بنحو (‪ )55‬كلم أو في مناطق المهجر األخرى التي‬
‫عاشوا فيها‪.‬‬
‫فقد دأب األفراد داخل هذه العائلة على العلم‪ ،‬فكان الواحد منهم‬
‫يعتبر حفظ القرآن في الصغر من الواجبات األساسية للصبي والفتى‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك تأتي العلوم الشرعية التي من كثرة مواظبتهم عليها صارت بالميراث‪،‬‬
‫فاألب يعلم أو يورث العلوم الشرعية التي لديه إلى أبنائه وتالمذته بدون‬
‫حدود‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -4‬بيئته العائلية والثقافية‬


‫نشأ الشيخ عبد الحق السنوسي الترجمي‪ ،‬وسط بيئة يمكن أن نطلق‬
‫عليها البيئة العلمية الثقافية المتينة‪ ،‬فالعائلة والمدينة التي نشأ فيها‪ ،‬تمثل‬
‫الصفوة التي كانت تتصدر الحياة العلمية والثقافية واالجتماعية في زمانه‪،‬‬
‫فتلقفته أيادي والده بمدرسته الزاهرة‪ ،‬في مجال تعليم القرآن الكريم وعلوم‬
‫الشرع‪ ،‬وساعده على نهل ما لدى والده من معرفة‪ ،‬ذكاؤه وسرعة خاطره‬
‫وملكة الحفظ لديه‪ ،‬مما لفت األنظار إليه من خالل تقدمه على أقارنه‪.‬‬
‫فالمنهج الدراسي التقليدي في تلك الفترة يقوم على التلقين والحفظ‪،‬‬
‫وكل من يتمتع بقوة في هذه الملكات يكون له الحظ الوفير في استيعاب‬
‫العلوم المعروضة أمامه‪ ،‬مثل القرآن وعلومه‪ ،‬والحديث وعلومه‪ ،‬والتفسير‬
‫والفقه والسيرة النبوية‪ ،‬وشيء من التصوف واآلداب العامة‪.‬‬
‫وبمجرد أن استوعب هذه العلوم بمساعدة والده‪ ،‬استرعى أنظار زمالئه‪،‬‬
‫بما يتمتع به من شخصية قوية‪ ،‬ونظرة نافذة تؤثر في محدثيه‪ ،‬خاصة في‬
‫المناظرات األولية التي كان يقيمها الطالب والتالميذ‪ ،‬للتباري فيما استوعبوه‬
‫من علوم شرعية وكالمية‪.‬‬
‫ومما أثر في نشأته‪ ،‬أن والده سمح له بعد أن رأى منه النبوغ‪ ،‬أن يحاور‬
‫من هم في سنه في العلم والمعرفة‪ ،‬وأن يستزيد ما شاء منها من كبار العلماء‪،‬‬
‫خاصة أبيه يعقوب وجده الوالي‪ ،‬ثم انتقل إلى مدرسة اإلمام الجزولي‪ ،‬والشيخ‬
‫أبو رأس في منواشي‪ ،‬ثم بعد ذلك سمح له والده بالهجرة خارج بالده‪،‬‬
‫الستكمال تعليمه‪ ،‬فذهب إلى األزهر في مصر‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومجمل القول أن البيئة الفكرية التي عاش فيها الشيخ عبد الحق‬
‫السنوسي الترجمي قد أثرت تاثيرا كبيرا‪ ،‬في صقل شخصيته الفذة‪ ،‬ثم طورها‬
‫بنفسه فيما بعد ونماها‪ ،‬إلى ما وصلت إليه من سمو ورفعة‪.‬‬
‫‪ -5‬مكانته االجتماعية‪:‬‬
‫للشيخ عبد الحق السنوسي الترجمي‪ ،‬مكانة اجتماعية عالية بين قومه‬
‫منذ نعومة أظافره كما رأينا‪ ،‬فهو منذ البداية‪ ،‬كان يتمتع بذاكرة قوية وذكاء‬
‫وقاد‪ ،‬مما جعله يتفوق على أقرانه في تلقي العلم‪ ،‬هذا باإلضافة إلى المكانة‬
‫الموروثة التي حازها من مكانة أجداده وآبائه في العلم‪ ،‬باعتبارهم يحتلون‬
‫منصب صاحب الجامع‪ ،‬وهي مكانة تخول صاحبها لالحتكاك باألوضاع‬
‫االجتماعية والسياسية والثقافية في البالد بشكل مباشر‪.‬‬
‫ولكن يالحظ أن الشيخ عبد الحق تجاوز هذه المكانة الموروثة‪ ،‬بعد‬
‫عودته من األراضي المقدسة وتخرجه من األزهر الشريف‪ ،‬فرغم أننا ال نعرف‬
‫بالتحديد تاريخ عودته إال أن الحوادث التاريخية التي كتب عنها الشيخ عبد‬
‫الحق الترجمي‪ ،‬واألحداث السياسية التي برزت فيها شخصيته القيادية توضح‬
‫أنه عاد إلى البالد أيام السلطان يوسف بن محمد شريف‪ ،‬الذي حكم من‬
‫تاريخ ‪1899-1874‬م‪.‬‬
‫فالشيخ عبد الحق أورد مخطوطة تبصرة الحيران‪ ،‬إجابة عن حادثة‬
‫حصلت أيام السلطان يوسف‪ ،‬وهي وصول طالئع المهدية إلى سلطنة وداي‬
‫بقيادة عثمان جانو‪ ،‬وظهور الشيخ عبد الحق برأي خالف فيه معظم حاشية‬
‫السلطان‪ ،‬وهو تأييده الضمني لمحمد أحمد المهدي‪ ،‬باعتباره منقذا لألمة‬
‫اإلسالمية وهاديا لها‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وإن كانت ال تتوفر فيه شروط المهدي المنتظر‪ ،‬المذكورة في اآلثار‬


‫واألحاديث‪ ،‬فمناصرته أفضل من معاداته‪(.‬الترجمي‪.)4 ،‬‬
‫ومن المالحظ أن عبد الحق السنوسي‪ ،‬لم يقدم رأيه باعتباره من جملة‬
‫العلماء الكبار‪ ،‬الذين يستشيرهم السلطان في األمور العظام فقط‪ ،‬بل أراد أن‬
‫ينشر رأيه إلى عامة الناس‪ ،‬انطالقا من مكانته العلمية واالجتماعية‪ ،‬متجاوزا‬
‫في ذلك حاشية السلطان العادية‪ ،‬وهذه الجرأة في الرأي‪ ،‬هي ديدن هذا‬
‫الرجل التي الزمته طيلة حياته‪ ،‬وسنرى لها شواهد كثيرة في مواقفه المستقبلية‪.‬‬
‫فبعد حديث له عن الجهاد وقتال الكفار استطرد قائال‪( :‬وإذا نظرت‬
‫إلى هذا الكالم وهذه اآليات العظام‪ ،‬وعلمت يا ابن هذا الزمان‪ ،‬بالخبر‬
‫المتواتر الوارد بالمهدي‪ ،‬وبعده الدجال قطعا‪ ،‬وعلمت أيضا بإشاعة الخبر‬
‫بادعاء محمد أحمد للمهدية‪ ،‬بين الحاضر والبادي‪ ،‬وقوله في كتابته المنشورة‬
‫ألهل البلدان‪ ،‬أنه المهدي المنتظر‪ ،‬وقال ال يضر‪ ،‬تخلف بعض أوصاف‬
‫األحاديث الواردة في المهدية عن بعض أوصافه أو مكانه‪ ،‬ألن الحضرة‬
‫اإللهية أو النبوية‪ ،‬كانت على ما كانت عليه‪ ،‬وحكم النسخ جار فيها إلى اآلن‪،‬‬
‫والمتخلف من األحاديث المذكورة‪ ،‬إما نسخ أو لفقد شرط أو وجود مانع أو‬
‫لتقديم أو تأخير‪ ،‬أو لوقوع في لحظة أو لجملة أو مؤونة أو على طريق المجاز‬
‫أو الكناية أو التعريض أو الرمز‪ ،‬وال يعد فيها إال الخواص أو كما قال‪ ،‬وقد‬
‫علمت أنه اشتهر من قبل تلك الدعوة بالعدالة‪ ،‬وفي ألفية العراقي‪:‬‬
‫وصححوا استغناء ذي الشهرة عن تزكية كمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالك نجم السنن‬

‫‪160‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وشهد الجمع الفقير بعدالته وأنه المهدي‪ ،‬قال في سرية الجيش‪:‬‬


‫الفان‬ ‫نفاه‬ ‫ولو‬ ‫ينتفي‬ ‫ال‬ ‫العدالن‬ ‫أثبته‬ ‫ما‬ ‫وكل‬

‫وفيه أيضا‪:‬‬
‫فاصحبه ثم إن بدت رذيلة‬
‫*‬ ‫فضيلة‬ ‫له‬ ‫تحققت‬ ‫فمن‬
‫توحشه منها فاإلله قد عال‬
‫*‬ ‫وال‬ ‫لفعلها‬ ‫توافقه‬ ‫فال‬
‫بل شرطه أن ال تدوم ذلته‬
‫*‬ ‫إذ ليس من شرط الولي عصمته‬

‫فال سبيل إلى اإلنكار عليه‪ ،‬في أمر جائز ادعاءه‪ ،‬مع اإلقرار بعدالته‪،‬‬
‫فقبوله أقرب‪ ،‬كما قيل‪ :‬وأقبل زيادات الثقات منهم‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫الحتمال أن المهدي‪ ،‬اسم جنس‪ ،‬يصدق على الواحد والكثير‪ ،‬لما‬
‫ادعاها من قبله‪ ،‬وذكر ابن خلدون منهم جماعة‪ ،‬راجعه أن شئت‪ ،‬ولكن ليس‬
‫هو ركنا في الدين‪ ،‬حتى يكفر من أنكره‪ ،‬بل هو كبقية الخلفاء‪ ،‬يحرم الخروج‬
‫عليه لغير المتأول‪ ،‬واعتقاد كفر منكره‪ ،‬من الغلو في الدين‪ ،‬ألن المتواتر‪،‬‬
‫الذي كان هو من الدين ضرورة‪ ،‬يكفر جاحده‪ ،‬هو نفس حديث المهدية‬
‫الوارد عن خير البرية‪ ،‬ال تعيين نفس المهدي‪ ،‬وعدم صالة أصحابه خلف‬
‫المنكر‪ ،‬وصالة المنكر خلفهم‪ ،‬تجري على مسألة‪ ،‬صحة الصالة بال اقتداء‪،‬‬
‫والمخالف في الفروع الفقهية‪ ،‬ألنه مجتهد مستقل‪ ،‬فما كان شرطا في صحة‬
‫الصالة‪ ،‬فالتأويل فيه على مذهب اإلمام‪ ،‬وما كان شرطا في االقتداء‪ ،‬فالعبرة‬
‫بمذهب المأموم‪ ،‬أو تجري على مسألة‪ ،‬وأعاد بوقت‪ ،‬في كحروروي وقدري‪.‬‬
‫وال سبيل إلى تكفير بعضهم بعضا‪ ،‬مع إقرار الجميع بقواعد اإلسالم‪،‬‬
‫وال سبيل إلى قتال بعض المسلمين بذلك الوجه‪ ،‬مع قوله تعالى‪( :‬فإن تابوا‬

‫‪161‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وأقاموا الصالة وآتوا الزكوة فخلوا سبيلهم)‪ ،‬وفي آية أخرى‪( :‬فإخوانكم في‬
‫الدين) وحديث‪( :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ال إله إال اهلل ويقيموا‬
‫الصالة ويؤتوا الزكاة فإن قالوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إال بحقها‬
‫وحسابهم على اهلل)‪ .‬اللهم إال أن يكون قتالهم‪ ،‬لحرابة أو بغي أو صيالة‪،‬‬
‫فيجوز على وجه‪ ،‬من غير تكفير مسلم وال سبيه‪ ،‬أو يظهر بوجه من وجوه‬
‫الردة المنصوصة في كتب الفقه فيجري عليها‪.‬‬
‫والحاصل إذا علمت أنه ال سبيل إلى إنكار المهدي المذكور‪ ،‬فتوقفت‬
‫وصدقت‪ ،‬فعلى فرض تصديقه‪ ،‬فانظر بعين الحاذق الفطن‪ ،‬وال تكن من‬
‫الغافلين"‪( .‬الترجمي‪.)4-5،‬‬
‫وهذا الرد الذي قدمه عبد الحق السنوسي حول حادث ظهور المهدي‬
‫محمد أحمد‪ ،‬رغم األدلة التي صاغها لم يقنع حاشية السلطان‪ ،‬وهذا ما جعله‬
‫يتجه برأيه إلى عامة الناس انطالقا من مكانته االجتماعية لديهم‪ ،‬فكان لهذا‬
‫الرأي وقعة في آذان الكثير من أبناء وداي الذين استجابوا للدعوة المهدية‪،‬‬
‫إال أن ذلك لم يتم في حملة عثمان جانو نفسها‪ ،‬ألن هذه الحملة لم تحقق‬
‫نجاحا يذكر‪ ،‬نتيجة للطريقة التي واجهه بها السلطان يوسف سلطان وداي‪.‬‬
‫وتذكر بعض المصادر‪ ،‬أن استخدام سلطان وداي لبعض علماء‬
‫األسرار‪ ،‬وعلى رأسهم الحاج محمد سمنوي‪ ،‬ساهم في الحد من أثر الطالئع‬
‫الرسمية للمهدية على وداي‪ ،‬فدخلوا الخلوة وسألوا اهلل أن ينجيه من عثمان‬
‫جانو وجيوشه‪ ،‬فدخل الحاج محمد سمنوي في شعبان‪ ،‬وبعد مرور مدة من‬
‫شعبان‪،‬رآى رؤيا‪ ،‬تقول‪ :‬أن ارض برقو كلها في حصن من نحاس‪ ،‬وجاء قوم‬
‫بجنازة األمير عثمان جانو‪ ،‬وقالوا أنه مات وتفرق جيشه‪ ،‬بداء يقال له أبو‬
‫دمن‪ ،‬فاخبر السلطان يوسف بذلك‪ ،‬فقال السلطان لمحمد سمنوي‪ ،‬في‬

‫‪162‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫بالدنا علماء وصالحون‪ ،‬فكيف رأيت ولم يروا؟‪ ،‬فإذا تحققت رؤياك‪ ،‬فإني‬
‫سأمأل جيبك ماال حتى ينشق ثوبك‪ ،‬ثم جاء الخبر بذلك‪ ،‬ووفى السلطان‬
‫بوعده (التجاني‪.)99-98 ،‬‬
‫ومما يدل على مكانة الشيخ عبد الحق االجتماعية الرفيعة في سلطنة‬
‫وداي‪ ،‬مشاركته الفعالة في مجريات األحداث السياسية الداخلية‪ ،‬فقد رجع‬
‫الشيخ عبد الحق من مصر‪ ،‬وشاهد صراع العائلة الحاكمة في وداي على‬
‫السلطنة‪ ،‬فهو بجرأته المعروفة في األمور العلمية‪ ،‬انتقل بنفس الحماس إلى‬
‫األمور السياسية‪ ،‬خاصة بعد وفاة السلطان يوسف عام ‪1899‬م‪ ،‬حيث‬
‫اضطربت األحوال السياسية‪ ،‬فتنازع أفراد البيت الحاكم على السلطة‪ ،‬وبدأ‬
‫كل واحد يحشد األنصار إلى جانبه‪ ،‬بغض النظر على الكفاءة والقدرة على‬
‫تسيير أمور البالد‪.‬‬
‫ونقطة الخالف لدى األسرة الحاكمة‪ ،‬أن السلطان يوسف أوصى قبل‬
‫موته‪ ،‬أن يتولى ابنه عبد العزيز‪ ،‬الذي كان أحب أوالده إلى قلبه الحكم‪ ،‬فقد‬
‫رأى فيه والده أنه يتمتع بصفات‪ ،‬تجعل منه أهال لتولي قيادة الحكم‪ ،‬إال أن‬
‫وصية السلطان هذه لم تنفذ‪ ،‬وظهرت الخالفات وتمحورت حول اتجاهات‬
‫ثالثة‪:‬‬
‫االتجاه األول‪ :‬يرى أن تنفذ وصية السلطان‪ ،‬كرمز وفاء للسلطان‬
‫الراحل‪ ،‬وثقة في حسن اختياره‪ ،‬وإيقافا للنزاع‪.‬‬
‫االتجاه الثاني‪ :‬يفضل أن ينصب ابن السلطان اآلخر وهو إبراهيم‪،‬‬
‫مبررين موقفهم‪ ،‬باعتبارات ذات طابع عائلي‪ ،‬ودعم هذا االتجاه عقيد‬
‫المحاميد وجرمة عثمان كبير الوزراء‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫االتجاه الثالث‪ :‬يدعو إلى مبايعة الغزالي‪ ،‬وهو ابن السلطان األسبق‬
‫أخو السلطان يوسف‪ ،‬وقد تزعم هذا االتجاه عقيد السالمات شرف الدين‪.‬‬
‫وقد نتج عن الصراع بين االتجاهات الثالثة السابقة‪ ،‬نتائج مريرة‪ ،‬شلت‬
‫أداء البالد لوظائفها‪ ،‬وحصل عدم استقرار في الجو السياسي‪.‬‬
‫أما رموز الصراع‪ ،‬فقد تعرض عبد العزيز لسمل العينين‪ ،‬لقطع أمله في‬
‫السلطة‪ ،‬وقتل إبراهيم في قتاله مع الغزالي‪ ،‬وقد قتل الغزالي أيضا في نهاية‬
‫المعارك حول السلطة‪.‬‬
‫وقد وقف الشيخ عبد الحق موقفا إيجابيا‪ ،‬تجاه هذه التطورات‬
‫السياسية واالجتماعية العنيفة‪ ،‬التي كادت أن تهدد البالد‪ ،‬بالتمزق واالنفجار‪،‬‬
‫فحزم الشيخ عبد الحق أمره‪ ،‬وحدد موقفه بوضوح من هذا الصراع‪ ،‬وأعلن‬
‫مناصرته العلنية للسلطان الغزالي‪ ،‬متجاوزا في ذلك القواعد المتوارثة‪ ،‬التي‬
‫توجب إسناد السلطنة إلى من ينتمي إلى الوداي أو الصليحيين أما وأبا‪،‬‬
‫وحصرها في هؤالء دون غيرهم‪ ،‬ألن أم الغزالي من غير الصليحيين‪.‬‬
‫وتذكر الروايات المحلية‪ ،‬أن هناك أسبابا معينة جعلت الشيخ عبد‬
‫الحق السنوسي الترجمي‪ ،‬يقف هذا الموقف الجريء واإليجابي‪ ،‬تجاه‬
‫األحداث السياسية التي تجري في سلطنة وداي‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬تأثره بالثقافة اإلسالمية التي تلقاها في األزهر‪ ،‬واألزهر طلبته على‬
‫مذهب أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهو مذهب يرى أن الحكم في اإلسالم يجب‬
‫أن يسند إلى من تتحقق فيه الشروط التي تؤهله للقيام بشؤون المسلمين‬
‫فالحكم بمقتضى الشرع الحنيف ال يعرف الحقوق المتوارثة‪ ،‬وال الدماء‬
‫الملكية‪ ،‬بل األمر فيه راجع إلى الجماعة اإلسالمية‪ ،‬وأن ما لحق بتاريخ‬
‫المسلمين من إسناد الحكم إلى من ينتمون إلى أسر معينة ما هو إال انحراف‬

‫‪164‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫عن اإلسالم الصحيح‪ ،‬مرة باسم المحافظة على وحدة المسلمين‪ ،‬ومرة باسم‬
‫تحاشي الفتن‪ ،‬وما هي في الحقيقة إال حجج واهية لتبرير االستئثار بالسلطة‬
‫واحتكار الملك‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الفترة التي عاشها الشيخ عبد الحق في مصر كانت ذاخرة‬
‫بالتيارات السياسية واألفكار التحررية التقدمية‪ ،‬وأنها كانت تمثل بوادر ثورة‬
‫فكرية سياسية واجتماعية‪ ،‬وهذا ما جعله يقف مع الغزالي‪ ،‬باعتباره األكثر‬
‫أهلية من اآلخرين للقيام بمهمة الحكم في تلك الفترة‪ ،‬وكان همه األول هو‬
‫أن يساهم الغزالي في خلق أوضاع صحيحة‪ ،‬تعيد للسلطنة قوتها‪ ،‬وترد لها‬
‫تدب في‬
‫تماسكها وتسير بها قدما للحاق بركب العالم اإلسالمي‪ ،‬الذي ُّ‬
‫أوصاله روح النهضة وبشائر التحرر(عبد العزيز ‪.)12-11 ،‬‬
‫وقد ساعد موقف الشيخ عبد الحق على أن يتولى الغزالي حكم‬
‫السلطنة‪ ،‬ولكنه لم يشف غليل الشيخ الترجمي‪ ،‬فيما يطمح أن يقدم من‬
‫أعمال لشعبه وأمته‪.‬‬
‫وعندما تولى محمد دود مرة السلطة في وداي‪ ،‬لم يجد الشيخ عبد‬
‫الحق فيه الشخصية المناسبة‪ ،‬وبالتالي سعى بكل ما لديه‪ ،‬ألن يكون لوداي‬
‫سلطانا يلبي متطلبات شعبه‪.‬‬
‫وظل يبحث إلى أن عثر أخيرا على شخصية قيادية‪ ،‬كان يأمل أن تمأل‬
‫الفراغ وتنقذ الموقف‪ ،‬وهو األمير آدم أصيل عبد المحمود أبو كيومه الذي‬
‫كان يشغل في ذلك الوقت منصب عقيد الدبابة وهي منطقة البطحاء‪ ،‬فاتجه‬
‫الشيخ بوالئه إليه‪ ،‬ألنه كان يرى فيه الشجاعة والذكاء‪ ،‬مما يمكنه من إحداث‬
‫ثورة إصالحية‪ ،‬تجدد شباب السلطنة وتعيد إليها عهودها الزاهية‪ ،‬وكان أصيل‬

‫‪165‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫من األسرة المالكة‪ ،‬ولكنه اندفع من تيار اإلصالح الذي دعا إليه الشيخ عبد‬
‫الحق‪.‬‬
‫ولكن السلطان دود مرة‪ ،‬اكتشف فيه روحه اإلصالحية‪ ،‬واعتبره عدوا‬
‫خطيرا‪ ،‬فغضب عليه وأراد أن ينزل عليه العقاب التقليدي في مثل هذه‬
‫الحالة‪ ،‬وهو سمل العينين‪ ،‬حتى يقطع كل أمل له في السلطنة‪ ،‬وعلم أصيل‬
‫بما يدبر له فهرب على وسط البالد في منطقة الباللة‪ ،‬وانضم إليهم في‬
‫الحرب ضد الفرنسيين‪ ،‬ولكن بعد انحياز سلطان باقرمية مع الفرنسيين ضد‬
‫رابح ظل أصيل معهم‪.‬‬
‫وهكذا تحطم أمل الشيخ عبد الحق مرة أخرى‪ ،‬في إيجاد شخصية‬
‫منقذة لشعبه‪ ،‬ورغم إدراك السلطان دود مرة لمكانة الشيخ عبد الحق‬
‫االجتماعية هذه‪ ،‬ودوره غير المؤيد له‪ ،‬إال انه لم يتخذ ضده أي إجراء‬
‫تعسفي‪ ،‬تقديرا لعبقريته‪ ،‬ورغبة منه في االحتفاظ به كأحد دعائم الدولة‬
‫الفكرية‪.‬‬
‫ولكن بمجرد أن ظهرت حادثة مكاتبة الفرنسيين لسلطان وداي‪ ،‬أن‬
‫يدخل تحت حمايتهم سلميا‪ ،‬بعد احتاللهم لباقرمية وكانم‪ ،‬حتى ظهر رأي‬
‫الشيخ عبد الحق جليا‪ ،‬حينما دعا السلطان دود مرة جمعا من العلماء‪ ،‬وطرح‬
‫عليهم كتابات الفرنسيين‪ ،‬فانقسم العلماء إلى فريقين‪:‬‬
‫األول‪ :‬يرى أن الحرب ضد الفرنسيين‪ ،‬هو الحل الوحيد الذي يفرضه‬
‫الدين والكرامة‪ ،‬والتاريخ الطويل من كفاح أهل وداي‪ ،‬للمحافظة على السلطنة‬
‫والدفاع عن القيم اإلسالمية‪ ،‬التي أسست البالد عليها‪.‬‬
‫أما الفريق الثاني‪ ،‬فكان يرى تحكيم العقل والمنطق‪ ،‬ويدعو إلى‬
‫االستجابة لدعوة الفرنسيين للتفاوض‪ ،‬على األقل في الظروف الحالية التي‬

‫‪166‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫تمر بها سلطنة وداي‪ ،‬التي خرجت من حوالي سبع سنين من الحرب‪ ،‬وذلك‬
‫ألسباب موضوعية تحتم هذا االختيار‪.‬‬
‫ومن المالحظ‪ ،‬أن هذا الموقف‪ ،‬هو الذي دعا الشيخ الترجمي‪ ،‬إلى‬
‫كتابة مخطوطة تبصره الحيران من هول فتن الزمان‪ ،‬ففي هذا المخطوط يفند‬
‫رأيه بالتفصيل وباألدلة العقلية والنقلية‪.‬‬
‫وانطالقا من ذلك‪ ،‬فقد أخذ الصدارة في تأييد الفريق الثاني‪ ،‬وأبدى‬
‫حججا قوية‪ ،‬كانت على األقل كافية‪ ،‬ألن تنفي عنه تهمة‪ ،‬عدم اإلخالص في‬
‫رأيه‪ ،‬ولكن الفريق األول‪ ،‬أخذ يشكك في رأي الشيخ عبد الحق ووقوفه مع‬
‫الغزالي‪ ،‬وهو من ألد أعداء السلطان دود مرة وموقفه مع آدم أصيل‪ ،‬مما‬
‫حمل السلطان إلى االستجابة للفريق األول‪.‬‬
‫وتتلخص حجج الشيخ عبد الحق في اتخاذ موقفه في التالي‪:‬‬
‫‪-1‬أن الفرنسيين يملكون من األسلحة الحديثة المدمرة‪ ،‬ما ال عهد‬
‫لسلطنة وداي بمواجهته‪ ،‬فليس هناك تكافؤ في القوة بين الجيشين من ناحية‬
‫السالح‪.‬‬
‫‪ -2‬أن البالد قد خاضت غمار حروب أهلية‪ ،‬قرابة السبع سنوات‪،‬‬
‫وقد استهلكت هذه الحروب طاقات البالد البشرية واالقتصادية‪ ،‬وخرجت‬
‫منها منهكة القوى‪ ،‬وتحتاج إلى فترة تأخذ فيها أنفاسها‪ ،‬وتعيد تنظيم نفسها‪،‬‬
‫وهذا ما تتيحه لها الهدنة مع الفرنسيين‪ ،‬فإذا اعترفنا بوضعنا هذا‪ ،‬فال يليق بنا‬
‫أن نزج بالبالد في حرب ستجر عليها الوبال‪ ،‬وتجهز على البقية الباقية من‬
‫مقوماتها االقتصادية والعسكرية‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-3‬إن اإلسالم نفسه يعترف بالواقع‪ ،‬ويعطي الحاكم الحق في مهادنة‬


‫األعداء‪ ،‬لفترة يستطيع فيها أن يلتقط أنفاسه‪ ،‬ويعيد بناء قوته ويستعد‬
‫لمواجهة المستقبل‪.‬‬
‫لكل هذه األسباب رأى الشيخ عبد الحق ومؤيدوه‪ ،‬تفضيل المفاوضة‬
‫والسلم مع الفرنسيين الذين طلبوا ذلك من سلطنة وداي‪.‬‬
‫ولم يتوقف الشيخ عبد الحق على عرض الخيار السابق‪ ،‬بجميع‬
‫حججه التي ساقها باألدلة والبراهين‪ ،‬في كتابه تبصرة الحيران من هول فتن‬
‫الزمان‪ ،‬بل أعطى خيارا آخر للسلطان وجماعته‪ ،‬فقال‪ :‬إذا أبيتم هذا‪ ،‬ورأيتم‬
‫فيه دعوة انهزامية ال تليق بسلطنة وداي‪ ،‬فإنني أنصحكم كمخرج أخير‪ ،‬أن‬
‫تطلبوا من مصر المعونة‪ ،‬وتعقدوا معها معاهدة حماية‪ ،‬وتحاربوا تحت حماية‬
‫العلم المصري (االسطمبولي)‪.‬‬
‫وتذكر المصادر أن جميع آراء عبد الحق الترجمي السابقة‪ ،‬لم يؤخذ‬
‫بها‪ ،‬واستطاع المنافسون‪ ،‬أن يثيروا الشكوك حولها‪ ،‬مما جعل آراءه في مهب‬
‫الريح‪ ،‬وشعر معظم مؤيديه أن البالد مقدمة على كارثة‪ ،‬نتيجة النتشار اآلراء‬
‫المتعصبة‪.‬‬
‫وأدى رفض الشيخ الترجمي هذا‪ ،‬بالسلطان دود مرة‪ ،‬إلى أن يحكم‬
‫على الشيخ عبد الحق الترجمي بالسجن‪ ،‬الذي ظل فيه قرابة العامين‪ ،‬وفيه‬
‫أنتج بعض األعمال العلمية‪ ،‬دعا فيها على دود مرة بذهاب ملكه‪ ،‬وأن يذله‬
‫كما أذل عباده‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫بر كمندة‬ ‫وأجعلهم كمثل‬
‫*‬ ‫يا رب ذل ملكهم وجندهم‬

‫‪168‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومن المالحظ أن اهلل استجاب دعاء الشيخ الترجمي السجين‪ ،‬فعزل‬


‫السلطان دود مرة‪ ،‬وألقي القبض عليه‪ ،‬وسجن حتى مات في المنفى (فورت‬
‫المي‪ -‬انجمينا)‪.‬‬
‫وقد رجعت للشيخ عبد الحق مكانته االجتماعية في سلطنة وداي من‬
‫جديد‪ ،‬بعد أن استولى أصيل على السلطنة سنة ‪1909‬م‪ ،‬فأخرج من‬
‫السجن‪ ،‬وعاد ليتبوأ مكانته األولى‪ ،‬نظرا لصالت الود التي كانت تربط‪ ،‬بين‬
‫أصيل والشيخ عبد الحق‪ ،‬وأيضا للمكانة االجتماعية التي اكتسبها‪ ،‬من صدق‬
‫حدسه‪ ،‬لما آلت إليه األمور في البالد‪،‬‬
‫وقد أنتج إنتاجا أدبيا‪ ،‬يعبر عن ابتهاجه بأصيل‪ ،‬باعتباره منقذا له من‬
‫السجن فقال‪:‬‬
‫يا واحدا في عصره يدعونا‬ ‫أبشر وطب نفسا وقر عيونا‬
‫في عمر نوح أو غنى قارونا‬ ‫وتهن بالملك المؤثل وانبسط‬
‫من ملك أو نسب به يعنونا‬ ‫تاهلل ما افتخر الملوك بخصلة‬
‫ولذلك سميت األصيل شؤونا‬ ‫إال وأنت جمعت ذلك كله‬

‫وهي قصيدة من تسعة عشر بيتا‪ ،‬سجل فيها موقفه من أصيل‪ ،‬وهو‬
‫موقف تأييد وتعزيز‪ ،‬وموقفه من السلطان دود مرة‪ ،‬واستمر الشيخ عبد الحق‪،‬‬
‫مع أصيل في مواقفه السياسية‪.‬‬
‫إال أن االستعمار الفرنسي‪ ،‬أظهر له أنيابه‪ ،‬وظهر له بوضوح‪ ،‬أن‬
‫الفرنسيين‪ ،‬ليس كما توقع‪ ،‬أمة متحضرة‪ ،‬يمكن أن تعقد معها الهدنة وتلتزم‬
‫بها‪ ،‬وتراعي فيها حقوق المواطنين وعاداتهم وأعرافهم‪ ،‬بل رأى منهم كل‬
‫منكر‪ ،‬وكل غلو‪ ،‬في إهانة الوطن والمواطن‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فأخذ يلتفت يمينا وشماال‪ ،‬عله يجد مخرجا أو بارقة أمل‪ ،‬ليتعلق بها‪،‬‬
‫ويحيا على هداها‪ ،‬ولكن االستعمار الفرنسي‪ ،‬سد أمامه كل السبل‪ ،‬وحتى‬
‫صديقه السلطان أصيل‪ ،‬لما تبين للفرنسيين‪ ،‬حبه لوطنه ومواطنيه‪ ،‬خلعوه بعد‬
‫سنتين فقط في الحكم‪ ،‬واستبد الفرنسيون بكل شيء‪ ،‬واستأثروا بكل صغيرة‬
‫وكبيرة في شؤون البالد‪.‬‬
‫وهنا مر الشيخ عبد الحق السنوسي بأسوأ أيام حياته‪ ،‬حيث انطوى‬
‫على نفسه‪ ،‬وبدأ يعيش في الماضي‪ ،‬يتذكر أيام صباه وأيام لهوه وشبابه‪ ،‬يعيش‬
‫بخياله‪ ،‬حياة العز‪ ،‬بعد أن قسي عليه االستعمار الفرنسي‪ ،‬وحرمه من كل‬
‫شيء‪ ،‬وقد سجل كل آالمه ومشاعره الحزينة هذه في أعمال شعرية‪ ،‬أهمها‬
‫قصيدته النونية الكبرى‪ ،‬ومطلعها‪:‬‬
‫وأرو الحديث لهم عن الجدران‬
‫*‬ ‫سائل ديار أبشة عن جيران‬

‫ثانيا‪ :‬نشأته الثقافية وإنتاجه العلمي‬


‫‪ -1‬تعليمه‪:‬‬
‫ذكرنا في الفقرة السابقة أن الشيخ عبد الحق نشأ في وسط علمي‪ ،‬كان‬
‫يمثل الصفوة العلمية في سلطنة وداي‪ ،‬فأسرته اتصفت بوراثة العلم وتبوأت‬
‫منصب صاحب الجامع الكبير‪ ،‬ولهذا فقد تلقى الشيخ‪ /‬عبد الحق تعليمه‬
‫األولي والمتوسط بالمدارس التقليدية التي كان يملكها والده‪ ،‬فتعلم القرآن‬
‫الكريم والفقه والنحو والتوحيد وعلوم اللغة العربية مثل البالغة والصرف وعلوم‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬ابتداء من التجويد إلى التفاسير المتنوعة‪ ،‬وعلم الحديث‪.‬‬
‫وهذا مما يجعلنا نقرر أن الشيخ عبد الحق اجتاز مراحل التعليم العربي‬
‫اإلسالمي التي كانت متاحة في زمانه‪ ،‬في بلده‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وتذكر المصادر المحلية‪ ،‬أن أول مكان انطلق منه التعليم اإلسالمي في‬
‫هذه المنطقة كان المسجد‪ ،‬الذي أواله أهل هذه البلدة عناية خاصة‪ ،‬فيؤكد‬
‫الدكتور‪ /‬فضل كلود‪ ،‬أن هذه المساجد خرجت كبار العلماء الذين أناروا‬
‫الطريق أمام مواطنيهم (كلود الدكو‪.)165 ،‬‬
‫ومن أهم دور التعليم في هذه المنطقة أيضا (المسيج) ويقوم مقام‬
‫المسجد في القرى الصغيرة ومنازل البدو‪ ،‬وهو مكان لحفظ القرآن الكريم‬
‫وفيه يجلس المعلمون يلقنون الناس القرآن الكريم وهو ال يختلف كثيرا عن‬
‫(الكتاب) غير أنه مخصص أساسا لتعليم األطفال القراءة والكتابة وأجزاء من‬
‫القرآن الكريم ويصفه لنا أحد الكتاب المحليين على النحو التالي‪:‬‬
‫(يلتف الصغار عندما يعودون من أعمالهم اليومية الشاقة رعي البقر‬
‫والغنم والجمال وإحضار الحطب والقش في حلقات لحفظ القرآن الكريم‬
‫حول المعلم طوال أيام األسبوع ما عدا الخميس والجمعة وأيام العطل‬
‫الموسمية أهمها عطلة عيد الفطر وعيد األضحى وهي خمسة عشرة يوما‪ ،‬أما‬
‫عيد المولد النبوي الشريف‪ ،‬فمخصص له عشرة أيام)(الماحي‪.)103 ،‬‬
‫ومن األماكن التي استغلت لنشر التعليم العربي‪ ،‬منازل العلماء فمن‬
‫عادات بعض العلماء أن ال يذهبوا إلى المسجد أو المسيج (الكتاب) إلعطاء‬
‫العلم بل يجعلوا من بيوتهم مدارس يلتقون فيها بتالميذهم وهي الطريقة التي‬
‫كان يدرس بها والد الشيخ عبد الحق وكذلك جده باإلضافة إلى األماكن‬
‫األخرى باعتبارها وسيلة تعطي المعلم والمتعلمين حرية اختيار وقت الدراسة‬
‫والمدة الزمنية المخصصة ألي علم من العلوم‪ ،‬وهذه الميزة ربما ال تتوفر في‬
‫المسجد أو المسيج باعتبارها أماكن عامة‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أما عن منهج الدراسة وأساليب التعليم في تلك الفترة فإن األبحاث‬


‫المحلية تذكر لنا أن ذلك يتوقف على الوضعية االجتماعية والمعيشية للعالم‪،‬‬
‫فالمعلم الذي يتعاطى أعماال معينة مثل التجارة والزراعة فإنه يدخل في‬
‫برنامجه التعليمي تعديالت تتمشى مع هذه المهن‪ ،‬أما العالم المتفرغ‪ ،‬خاصة‬
‫الذي يجد رعاية من أحد الملوك أو األمراء وبعض األثرياء –كوضعية أسرة‬
‫الشيخ عبد الحق فهي أسرة تتولى وظيفة صاحب الجامع ولها مكانتها لدى‬
‫سلطان وداي‪ -‬فإن برنامجه الدراسي أكثر انتظاما‪ ،‬وفي الغالب يخصص‬
‫للدراسة وقت النهار ويستغل في بعض األحيان جزءا من الليل خاصة الذين‬
‫يثابرون على حفظ القرآن الكريم ويتولون القراءة على ضوء نار الحطب‪ ،‬أما‬
‫علوم الدين األخرى غير القرآن الكريم‪ ،‬فإنها تدرس في النهار ما عدى أوقات‬
‫الصالة(كلود الدكو‪.)176-175،‬‬
‫ومن األساليب التعليمية التي اتبعت في التعليم العربي في سلطنة وداي‬
‫في تلك الفترة‪ ،‬التلقين والكتابة والعرض‪ ،‬حيث يجري اختيار التلقين في حالة‬
‫التالميذ المبتدئين فيقوم المعلم بتكرار الدرس على تالميذه حتى يتأكد من‬
‫حفظهم له‪.‬‬
‫بينما أسلوب الكتابة يأتي بعد التلقين وهو للطالب الذين أجادوا‬
‫القراءة والكتابة‪ ،‬وهنا يكون دور المعلم هو اإلمالء على التالميذ سواء أكان‬
‫ذلك آيات قرآنية أم أي علوم أخرى‪.‬‬
‫ويعتبر أسلوب القراءة على الشيخ‪ ،‬وهو أن يقرأ الطالب على الشيخ ما‬
‫حفظه عن ظهر قلب‪ ،‬أو من كتاب أو لوح ويتابعه الشيخ معتمدا على حفظه‬
‫أو مقابال على أصل الكتاب الذي يقرأ منه الطالب وهذه المرحلة يصل إليها‬
‫الطالب الذين تلقوا قدرا كبيرا من الحفظ والكتابة وتوسعت مداركهم فيقوم‬

‫‪172‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫األستاذ بعد عرض الطالب بشرح النص والتعليق عليه بما لديه من معلومات‬
‫حول الموضوع من شروح أخرى(كلود الدكو‪.)183-176 ،‬‬
‫ومن المالحظ أن التعليم العربي في منطقة وداي ال يتوقف عن مستوى‬
‫معين‪ ،‬ولكن بشكل عام بعد أن يتجاوز الطالب تعلم القراءة والكتابة ويحفظ‬
‫القرآن الكريم كله أو أجزاء كبيرة منه‪ ،‬ويتلقى بعض العلوم الفقهية‪ ،‬وإن تيسر‬
‫بعض علوم الحديث والنحو على يد علماء أكفاء‪ ،‬يكون هذا الطالب قد‬
‫وصل إلى مرحلة التعليم العالي في الثقافة اإلسالمية والعربية‪ ،‬ويكون بإمكانه‬
‫االلتحاق بالمعاهد اإلسالمية القريبة منه أو البالد اإلسالمية المجاورة والبعيدة‬
‫من أجل االستزادة في العلم‪ ،‬وقد وجد الشيخ عبد الحق‪ ،‬أن السنة قبله‪ ،‬هي‬
‫أن يتجه الذين وصلوا إلى مرحلة علمية معينة إلى فاس بالمغرب وهذا كان‬
‫دأب مشايخه‪ ،‬ولكن بعد أن نهل منهم علومهم‪ ،‬اختار طريقا جديدا‪.‬‬
‫ومن المالحظ‪ ،‬حسب منهج التعليم المحلي في سلطنة وداي‪ ،‬أن‬
‫الطالب الذي يصل إلى المستوى العالي‪ ،‬يكون حرا بعد ذلك في اختيار‬
‫العلوم الذي يريد التخصص فيها‪ ،‬وله الحرية أيضا في اختيار المنطقة والعلماء‬
‫الذين يتقنون هذه العلوم‪ ،‬ومن هنا نشأت ظاهرة الترحال من أجل العلم‬
‫والبحث عن العلماء في كل مكان‪.‬‬
‫ولما وصل الشيخ عبد الحق إلى الدرجة العالية من التعليم في منطقته‬
‫واجتاز االختبارات المعهودة‪ ،‬وأجيز في تدريس العلوم الدينية‪ ،‬أخذ العزم على‬
‫استكمال المشوار الديني‪ ،‬ولكنه لم ينو الذهاب حيث ذهب معظم العلماء‬
‫الذين درس على أيديهم‪ ،‬وكانت وجهتهم فأس ببالد المغرب‪ ،‬فهو من ذكائه‬
‫اختصر المسافة‪ ،‬فذهب إلى منطقة منواشي التي يوجد بها بعض العلماء الذين‬

‫‪173‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫درسوا على المنهج المغربي‪ ،‬وعلى رأس هؤالء العلماء العالمة أبو رأس‪ ،‬فأخذ‬
‫على يديه العلم وبعد أن أجازوه‪.‬‬
‫قرر الشيخ عبد الحق االتجاه نحو المشرق لطلب العلم‪ ،‬فمر في‬
‫طريقه بليبيا ومصر وسوريا‪ ،‬متجها إلى األراضي الحجازية‪ ،‬ثم رجع إلى مصر‬
‫والتحق باألزهر الشريف‪.‬‬
‫ويبدو أن اختيار الشيخ عبد الحق لألزهر‪ ،‬كمكان الستكمال علمه كان‬
‫نتيجة للرأي السائد في تلك اآلونة‪ ،‬وهو اعتبار األزهر قبلة العلماء من شتى‬
‫أنحاء العالم‪ ،‬لما كان يتمتع به من ثقة راسخة في نفوس الجميع في العالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فقد كان بمثابة المنهل الذي يرده طالب العلم ليتلقوا على يدي‬
‫شيوخه ما هم في حاجة إليه من علوم الفقه والعقيدة واللغة واألدب وغيرها من‬
‫فروع الثقافة المعروفة في ذلك العصر‪.‬‬
‫هذا باإلضافة إلى أن سلطنة وداي كانت لها صلة قديمة باألزهر‪ ،‬فقد‬
‫أسس رواق صليح باألزهر منذ فترة طويلة‪ ،‬وهو رواق خاص بأبناء سلطنة‬
‫وداي‪ ،‬ورتب له سالطين وداي أوقافا تدر عليه دخال‪ ،‬ينفق على الطلبة الذي‬
‫يفدون لتلقي العلم في مصر وخاصة في األزهر‪.‬‬
‫ويذكر بعض الكتاب أن التحاق الشيخ عبد الحق باألزهر يرجع إلى عام‬
‫‪1868‬م تقريبا‪ ،‬وقضى فيه بضع سنوات قد تصل إلى الثمانية‪ ،‬تلقي خاللها‬
‫العلم على يد كبار العلماء والمشايخ‪ ،‬وتزود بكل ما كان متاحا من العلم في‬
‫ذلك الوقت‪(.‬حسين‪)18-17 ،‬‬

‫‪174‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -2‬شيوخه‬
‫تلقى الشيخ عبد الحق السنوسي تعليمه على الطريقة العلمية‪ ،‬التي‬
‫كانت سائدة في زمانه‪ ،‬والتي قدمنا وصفا عنها في فقرتنا السابقة وبالتالي‬
‫تعددت مشاربه ومناهله‪ ،‬بشكل جعل من المتعذر على الباحث اإللمام بكل‬
‫شيوخه وأساتذته‪ ،‬ولكن على سبيل التمثيل ال الحصر نقول‪ :‬درس الشيخ عبد‬
‫الحق على أبيه وجده في البداية ثم اتسعت دائرته لتشمل العلماء القريبين‬
‫منه‪ ،‬ومنهم على الخصوص‪:‬‬
‫أ‪ -‬الشيخ‪ /‬الوالي صاحب الجامع‪:‬‬
‫وهو الوالي بن إدريس شيخ المعهد العلمي بالجامع العتيق‪ ،‬وهو شقيق‬
‫يعقوب أبو كويسة جد الشيخ عبد الحق‪ ،‬وقد ُولد بقرية ترجم ونشأ بها وقرأ‬
‫القرآن على أبيه الشيخ إدريس‪ ،‬وبعد ذلك هاجر لطلب العلم فوصل إلى‬
‫مصر والتحق باألزهر الشريف فدرس على الشيخ الباجوري مدة منتظما في‬
‫األزهر حتى تخرج منه‪(.‬التجاني‪)106 ،‬‬
‫ثم رجع إلى بالده وأخذ يدرس العلم ويشحذ همم الطالب على تلقي‬
‫المعرفة من مصادرها األصلية‪ ،‬ومن المالحظ أنه أثر على تلميذه الشيخ عبد‬
‫الحق في عملية الذهاب إلى األزهر الستكمال تعليمه وذلك اقتداء بشيخه‬
‫واستكماال لمشوار األخذ بيد الناس إلى التعليم الصحيح‪ ،‬خاصة وأن الشيخ‬
‫الوالي اشتهر في فترة صبا عبد الحق ووالية السلطان يوسف الرغدة التي‬
‫يصفها عبد الحق في نونيته الكبرى بشيء من العز والزهو حيث يقول‪:‬‬
‫بنا نبكي ليالي يوسف السلطان‬
‫*‬ ‫وأمرر على السوق القديم وقف‬
‫شغلي وال لي الئم شان‬
‫*‬ ‫أيام كان اللهو ديني والهوى‬
‫وأسود غاب لي من الخالن‬
‫*‬ ‫والعيش أرغد بين أنس غزائل‬

‫‪175‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫السودان‬ ‫هالة‬ ‫توسط‬ ‫بدر‬


‫*‬ ‫أكرم به ملكا عهدت كأنه‬
‫ذهب المجالس وانتزاه امان‬
‫*‬ ‫فأعكف بمنزله ونح وأندب به‬

‫فعهد السلطان يوسف ‪1899-1874‬م هو العهد الذي ازدهرت فيه‬


‫العلوم في السلطنة‪ ،‬وعلى رأس الذين تولوا هذه المهمة العالم الوالي بن‬
‫إدريس صاحب الجامع الشيخ المؤثر على الحياة العلمية لعبد الحق‬
‫السنوسي‪.‬‬
‫ب) اإلمام محمد الجزولي بن اإلمام حبيب‪:‬‬
‫وهو أمام المسجد العتيق أو إمام مسجد السلطان‪ ،‬كما يقول العامة‬
‫درس في البداية على المنهج التقليدي الذي ذكرناه سابقا‪ ،‬ثم سافر‬
‫الستكمال تعليمه إلى دار برنو (كيكوا) ثم إلى المغرب حيث درس كتب اللغة‬
‫وتبحر فيها‪ ،‬ثم قصد األراضي المقدسة من المغرب‪ ،‬وقد سلك في هذه‬
‫الرحلة العلمية طريق والده اإلمام حبيب‪ ،‬حيث يعتبر من األوائل الذين تلقوا‬
‫العلم في المغرب‪ ،‬ثم مر بتونس ومصر في طريقه للحج‪.‬‬
‫وبمجرد رجوعه إلى بالده رحب به العلماء ووضعوه في الصدارة‬
‫لتدريس الفنون العلمية المرغوبة مثل كتب اللغة‪ ،‬وكتب الفقه وعلوم القرآن‬
‫خاصة التجويد والتفسير وكتب التوحيد‪.‬‬
‫وبعد أن أختبر في مجال إتقان هذه العلوم‪ ،‬أوكل إليه منصب المفتي‬
‫العام‪ ،‬باإلضافة إلى دوره كمستشار للسلطان في األمور العظام مثل العالقات‬
‫مع الدول والجماعات المجاورة في السلم والحرب‪.‬‬
‫وقد أخبرني حفيده الشيخ اإلمام علي محمد أبكر الجزولي حبيب أن‬
‫لجده مصنفات في العلوم التي كان يدرسها‪ ،‬وقد استولى عليها الفرنسيون بعد‬
‫حادثة الكبكب‪ ،‬وأخرجت من البيت مع كتبه األخرى في أربعة صناديق كبيرة‪،‬‬
‫‪176‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وحسب رأيه أن جزءا كبيرا منها أحرق‪ ،‬والبعض القليل أرسل إلى المتاحف‬
‫الفرنسية‪ ،‬وفي هذا اإلطار أخبرني‪ ،‬بأن أحد طالب الدراسات العليا في فرنسا‬
‫رأى جزءا منها هناك‪ ،‬ولكنه لم يستطع تصويرها(حبيب‪ ،‬الشيخ اإلمام علي‬
‫محمد أبكر الجزولي‪ :‬مقابلة حول المكانة العلمية للشيخ اإلمام الجزولي‪،‬‬
‫تمت في منزله بانجمينا‪ ،‬عصر يوم ‪1993/6/12‬م)‪.‬‬
‫ج) الشيخ‪ /‬محمد آدم الشهير بابي رأس‪:‬‬
‫وهو من مواليد قرية منواشي من قرى برنو بوداي أبو كبد غرب أبشة‪،‬‬
‫فنشأ بهذه القرية وحفظ القرآن المجيد مع والده‪ ،‬وتلقى العلوم األولية في‬
‫مسقط رأسه‪ ،‬ثم هاجر إلى بالد المغرب لطلب العلوم من مشايخه األجالء‬
‫الراسخين‪ ،‬فتبحر في سائر العلوم من أصول وفروع وتفسير وأحاديث ولغة‬
‫بجميع فنونها‪ ،‬حتى صار إماما في كل فن من هذه الفنون‪ ،‬وقد ذهب إليه‬
‫الشيخ عبد الحق في قريته منواشي‪ ،‬وتلقى منه العلم في الفنون التي يتقنها فنا‬
‫فنا‪.‬‬
‫وأفضل من عبر عن مكانة الشيخ أبو رأس العلمية وعالقته مع تالميذه‪،‬‬
‫هو تلميذه عبد الحق السنوسي نفسه‪ ،‬في قصيدة رثاء نادرة‪ ،‬وهي في نفس‬
‫الوقت‪ ،‬تعتبر نموذجا للعالقات الحميمة بين األستاذ وتالميذه‪ ،‬والوفاء للعطاء‬
‫العلمي وهي‪:‬‬
‫يبكي لفرقة أحبابي وجالسي‬ ‫أضحى مريضا فؤادي ناكس الراس‬

‫‪177‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -3‬ثقافته العامة‪:‬‬
‫يالحظ الدارس للحياة العلمية للشيخ عبد الحق السنوسي‪ ،‬أنه أمام‬
‫شخصية ثقافية‪ ،‬حوت الكثير من المميزات والخصائص‪ ،‬التي كان من‬
‫الصعب اجتماعها في فرد واحد‪ ،‬عاش ظروف وتطورات البيئة االجتماعية‬
‫والثقافية لسلطنة وداي في ذلك العصر‪ ،‬ولكن يرجع الفضل إلى البيئة الخاصة‬
‫العلمية‪ ،‬التي وفرتها أسرة الترجمي عموما‪ ،‬البنها عبد الحق ثم لوالده وجده‬
‫وأعمامه‪ ،‬الذين اكتشفوا في ابنهم النبوغ العلمي المبكر‪ ،‬الذي ظهر في سرعة‬
‫حفظه وإدراكه لمعاني العلوم التي كانت تلقن له‪ ،‬واستفاد عبد الحق من هذه‬
‫الرعاية العلمية فوائد جمة‪ ،‬بدليل أنه لم يقنع بها لوحدها‪ ،‬ولم يركن للدعة‬
‫والخمول الذي كان بإمكانه أن يجده من خالل الغطاء الذي توفره مكانة‬
‫األسرة االجتماعية والعلمية‪ ،‬كما فعل الكثير من أبناء بلدته ومكانته فأخذ عبد‬
‫الحق يسعى في طلب العلم في كل ناحية‪ ،‬وبدأ بالمناطق القريبة منه‪ ،‬إلى أن‬
‫وصل إلى قرية منواشي حيث أخذ العلم من أستاذه أبو رأس وغيره‪ ،‬وبعد أن‬
‫أجازوه في العلوم التي درسها لديهم سعى في طريق العلم والثقافة‪ ،‬فنوى‬
‫الذهاب إلى المراكز العلمية اإلسالمية الكبيرة‪.‬‬
‫وكانت أمامه فرصتان‪ :‬الذهاب إلى المغرب (فاس بالذات) والذهاب‬
‫إلى مصر (األزهر بالذات)‪ ،‬فاختار األزهر ونرجح أن يكون بتأثير من أساتذة‬
‫الوالي فذهب إلى هناك ودرس عدة سنوات اكتسب فيها الكثير من الخبرات‬
‫العلمية والتجارب الثقافية التي برزت آثارها في آرائه وأفكاره التي صبغت ‪-‬‬
‫ربما‪ -‬كل حياته الفكرية والثقافية والسياسية فيما بعد‪ ،‬وظهرت بشكل واضح‬
‫في آرائه السياسية وموقفه من األحداث السياسية الجسام التي مرت بسلطنة‬
‫وداي بعد رجوعه إليها‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وقد جسد هذه اآلراء في أعماله العلمية الهامة‪ ،‬مثل‪ :‬نونيته الكبرى‬
‫وكتابه عن تاريخ سلطنة وداي‪ ،‬وكتابه تبصرة الحيران من هول فتن الزمان‪ ،‬وأما‬
‫عن اتساع ثقافته وشمولها‪ ،‬فقد عبر عن ذلك أحد معاصريه وهو الشيخ‬
‫الرماسي فوصفه ببحر العلوم‪ ،‬حيث قال‪ :‬بهرام سعد الدين عبد الحق يا بحر‬
‫العلوم(الرماسي‪ ،‬القصيدة‪.)1،‬‬

‫‪179‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الورقة األولى من مخطوطة قصيدة أصحاب الكبكب‬


‫وبحر العلوم كناية عن اتساع ثقافته وشموله للفنون العلمية المختلفة‪،‬‬
‫وفي المجال األدبي وصفه الكتاب المحليون بأنه أمير الشعراء بالقطر الشادي‬
‫فأعماله الشعرية التي مازالت مخطوطة تظهر مدى نضجه األدبي وأحاطته‬
‫بعلوم اللغة العربية‪ ،‬وتعبيره المتميز عن الجوانب المتنوعة للحياة االجتماعية‬
‫التي عايشها‪ ،‬وهي ميزة يفتقر إليها األدب الشادي وخاصة الشعر إلى اليوم‪،‬‬
‫فالباحث في األدب الشادي قد ال يجد من بين العديد من األعمال األدبية‬
‫من يتجاوز األغراض الشعرية الشائعة كالمدح والرثاء إلى الشعر السياسي‬
‫والوصفي كما هو الحال لدى شعر الشيخ عبد الحق الترجمي‪(.‬التجاني‪،‬‬
‫‪.)113‬‬
‫وبشكل عام فإن ثقافة الشيخ عبد الحق كانت عالية وشملت أجزاء‬
‫واسعة من العلوم والخبرات والمعارف التي قل اإللمام بها في عصره‪.‬‬
‫‪ -4‬آثاره العلمية‪:‬‬
‫للشيخ عبد الحق الترجمي إنتاج علمي أشار إليه أغلب الذين تناولوا‬
‫دراسة منطقة دار وداي‪ ،‬فقد ذكر االستاذ عثمان علي محمد في مخطوطه‬
‫الذي خصصه لشرح قصيدته النونية‪ ،‬أن للشيخ عبد الحق الترجمي مؤلفات‬
‫كثيرة في شتى الفنون العلمية‪ ،‬إال أنه لألسف الشديد لم يصلنا من هذه‬
‫المؤلفات إال القليل‪ ،‬وأن هذا القليل لم يطبع بعد بل ظل في شكل‬
‫مخطوطات محفوظة في أيدي بعض األفراد الذين ال يهتمون كثيرا بمثل هذه‬
‫الكتب وال يعلمون أن لهذه المؤلفات أهميتها وقيمتها وأثرها وتأثيرها في‬
‫نفوس األجيال القادمة‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فأي شعب من شعوب العالم‪ ،‬ال يمكن أن يتقدم ثقافيا وأدبيا وعلميا‬
‫ما لم يحتفظ بتراث أجداده‪ ،‬ليتزود به الجيل التالي ويعلمه ألبنائه ألن الطبيعة‬
‫البشرية تميل إلى ما خلفه األجداد‪ ،‬أكثر من ميلها إلى تراث غيرها الذي‬
‫يختلف معها في البيئة واللغة والدين‪ ،‬ويذكر األستاذ‪ /‬عثمان علي محمد عدة‬
‫أسباب لهذه الظاهرة منها‪:‬‬
‫أ‪-‬أن المتقدمين من أجدادنا لم يقوموا بطبع هذا التراث ولو في‬
‫مجموعة واحدة ليكون محفوظا ألحفادهم‪.‬‬
‫ب‪-‬ومما ساعد على ذلك أن المطابع الحديثة لم تنتشر في تلك‬
‫األزمنة حتى في المناطق المجاورة المتقدمة نسبيا‪.‬‬
‫ج‪-‬ومن هذه األسباب أن المسئولين في السلطنة القديمة لم يولوا أية‬
‫عناية بهذه الكتب وأنهم كانوا يتابعون أهواءهم فقط ولم يعتنوا بهذه الكتب‬
‫بدليل أن السلطة لم تطبع أي كتاب حتى في عصورها الزاهية ليكون حامال‬
‫لتاريخهم وتاريخ بالدهم‪ ،‬وليعرفوا العالم اإلسالمي بموقعهم منه‪.‬‬
‫د‪-‬ومنها أن المستعمر الفرنسي وبناء على مسعاه لطمس هوية هذا‬
‫الشعب وتراثه قام بحرق تلك المؤلفات وفي فترات ومواقف متعددة أهمها‬
‫موقعة الكبكب‪(.‬محمد‪ ،‬األستاذ عثمان علي‪ :‬نفحات من تراث أجدادنا‬
‫علماء أبشة‪ ،‬كتبت بتاريخ ‪1963/1/13‬م‪ ،‬مخطوطة المعهد الوطني للعلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬جامعة شاد‪ ،‬انجمينا‪ ،‬ص ص‪)9-7‬‬
‫ومن المالحظ إنه ال االستعمار وال التكاسل والعجز الذي أبداه‬
‫سالطين دار وداي‪ ،‬استطاع أن يحجب جميع إنتاج عبد الحق السنوسي‪،‬‬
‫فوصلتنا عنه معلومات في البداية‪ ،‬ثم دعمتها مخطوطات مادية تشهد بمتانة‬
‫إنتاج هذا العالم في المجاالت والفنون المختلفة نورد منها ما يلي‪:‬‬

‫‪181‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أ‪ -‬كتاب تاريخ دولة وداي اإلسالمية‪:‬‬


‫وهو عبارة عن كتاب تاريخ اجتماعي يسرد فيه الحياة االجتماعية‬
‫لسكان وداي وسالطينهم ونمط حياتهم االجتماعي واالقتصادي والسياسي‪.‬‬
‫(محمد‪ ،‬األستاذ عثمان علي‪ :‬لمحات من تاريخ شاد اإلسالمي‪ ،‬مخطوطة‬
‫المعهد الوطني للعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة شاد‪ ،‬انجمينا)‪.‬‬
‫ب‪ -‬النونية الكبرى‪:‬‬
‫وهي قصيدة كبرى تتجاوز المائة والخمسين بيتا‪ ،‬عبر فيها عن مكنون‬
‫أفكاره وآرائه حول الظروف التي مرت بها بالده دار وداي‪ ،‬ومن المالحظ أن‬
‫هذه القصيدة‪ ،‬كتبها الشيخ عبد الحق في فترة عصيبة من تاريخ حياته‪ ،‬بعد أن‬
‫أسودت الدنيا أمام عينيه‪ ،‬وواجهته المشكالت الجسام‪ ،‬من أجل تطوير‬
‫بالده‪.‬‬
‫ولكن جهوده لم تكلل بالنجاح في الواقع العملي‪ ،‬رسم فيها الشيخ‬
‫عبد الحق صورة واضحة عن الفترة التاريخية التي عاش فيها‪ ،‬وما خلقت من‬
‫أحداث‪ ،‬وسجل أهم الشخصيات السياسية والدينية التي خاضت الصراع‪ ،‬ثم‬
‫خلت منهم ساحة المعركة‪ ،‬بعد أن أطاحت بهم الكوارث‪ ،‬فبكاهم كلهم بغض‬
‫النظر عن موقفه السياسي تجاه بعضهم‪.‬‬
‫وبعد ذلك عقد مقارنة بين ماضي سلطنة وداي المزدهر‪ ،‬أيام‬
‫شبابه ورغد العيش ورسوخ الدولة‪ ،‬وبين أيامه الحاضرة التي فقد فيها كل‬
‫شيء‪ ،‬شبابه وأحبابه وجاهه‪ ،‬وأدت به المقارنة إلى االستدالل‪ ،‬باألمجاد‬
‫اإلسالمية والبطوالت والمواقف الرائعة في حياة اإلسالم‪.‬‬
‫وبعد أن أفاض في تسجيل تاريخ اإلسالم‪ ،‬بما يمكن أن نسميه‬
‫ملحمة إسالمية كاملة‪ ،‬نجده يختم القصيدة بخاتمة هي استمرار منطقي لحالته‬

‫‪182‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫النفسية التي أثارتها ذكريات البطوالت اإلسالمية والمعجزات النبوية والعون‬


‫اإللهي للمسلمين‪ ،‬وال شك أن هذه المعاني‪ ،‬هي التي مألت نفس الشاعر‪،‬‬
‫بأحاسيس التقي‪ ،‬وأن يعد نفسه‪ ،‬في عداد هؤالء الذين رضي اهلل عنهم‪ ،‬وأن‬
‫يختم له بالقبول والمغفرة‪( .‬حسين‪.)77-73 ،‬‬

‫المصدر ‪ /‬المعهد الوطني بأنجمينا‪ :‬الصفحة األولى من النونية الكبرى‬


‫للشيخ عبد الحق الرجمي‬

‫‪183‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ج‪ -‬النونية الصغرى‪:‬‬


‫وهي قصيدة سياسية قالها الشاعر عندما أخرجه السلطان أصيل من‬
‫السجن‪ ،‬بدليل أنه يذكر فيها نيته في أن يرى السلطان أصيل على كرسي‬
‫السلطة ليفرح وينعم بذلك‪ ،‬فهذه القصيدة وإن كانت تركز على الترحيب‬
‫بالسلطان أصيل‪ ،‬وتذكر بمناقبه وبطوالته‪ ،‬إال أنها ركزت على هجاء السلطان‬
‫دود مرة أيضا‪ ،‬نظرا لما لقي في عهده من سجن وعذاب محمال إياه‪ ،‬جريمة‬
‫تعريض السلطنة إلى الهزيمة‪ ،‬أمام المستعمر الفرنسي الذي كان من الممكن‪،‬‬
‫التعاهد معه‪ ،‬بدل المجابهة الخاسرة‪ ،‬وختم قصيدته بالدعاء ألصيل‪ ،‬بأن‬
‫يساعده اهلل في ملكه‪ ،‬ويسلك سبيل جده صابون المشهور بالعدالة والحكمة‪،‬‬
‫وهو الذي وصلت في زمانه سلطنة وداي إلى عصرها الذهبي‪ ،‬وقد أورد‬
‫الباحث جزء منها في الحديث عن عالقة عبد الحق بالسلطان أصيل‪.‬‬
‫د‪ -‬القصيدة الدالية في االستغاثة‪:‬‬
‫ُكتِبت هذه القصيدة بعد تنفيذ الحكم على الشيخ عبد الحق بالسجن‬
‫من قبل السلطان دود مرة‪ ،‬فوصف فيها حالته وحال أعدائه الذين ال يعرفون‬
‫الرحمة وال الشفقة‪ ،‬ويمثل على ذلك بحال األوالد واألطفال البائسة‪ ،‬وهذا ما‬
‫جعله ال يقبل المبايعة بالمال والسلطة في سبيل التنازل عن رأيه‪ ،‬باعتباره رأي‬
‫واقعي وصائب‪ ،‬وبعد ذلك يقوم يسأل اهلل أن ينجيه منهم‪ ،‬ويرفع البؤس عنه‬
‫وعن المسلمين‪ ،‬وخاصة األعمال الشنيعة التي يقوم به السالطين وأعوانهم‪،‬‬
‫مما سهل دخول المستعمر الفرنسي إلى البالد‪ ،‬وهذه النكبة األخيرة أيضا‪ ،‬لم‬
‫يستطيعوا التعامل معها بحكمة فأوقعوا الهزيمة بالعباد والبالد‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ه‪ -‬السينية الكبرى في رثاء الشيخ أبو رأس‪:‬‬


‫وهي قصيدة مكونة من تسعة وثالثين بيتا وضَّح فيها مكانة شيخه‬
‫العلمية وقد تقدم ذكرها أثناء الحديث عن شيوخه‪.‬‬
‫و‪ -‬ديوان المدائح النبوية والصوفية‪:‬‬
‫ورد الحديث عن هذا الديوان‪ ،‬لدى ترجمة الشيخ عبد الحق السنوسي‬
‫التي قدمها الحاج مكي عبد اهلل التجاني‪ ،‬وذكر بأن األديب محمد الحافظ‬
‫أبكر هو الذي أكد له وجود هذا الديوان‪ ،‬وهو ديوان كبير يحتوي على اثنين‬
‫وسبعين قصيدة(التجاني‪.)113 ،‬‬
‫ز‪ -‬رسالة الكنز المدخر‪:‬‬
‫وهي عبارة عن وصفات وأدعية لتوجيه الجنود‪ ،‬من أجل االنتصار على‬
‫األعداء‪ ،‬ويقسمها إلى أربعة أنواع‪ :‬وصفات وأدعية مشروعية من الكتاب‬
‫والسنة وأقوال العلماء‪ ،‬ووصفات وأدعية فلكية‪ ،‬ووصفات وأدعية حسابية‬
‫وأخيرا وصفات على شكل خواتم مربعة‪ ،‬وهي رسالة تدل على الجهد الذي‬
‫كان يبذله عبد الحق الترجمي من أجل مواجهة النصارى على المدى‬
‫الطويل(الترجمي‪ ،‬الكنز‪.)1،‬‬

‫‪185‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المصدر‪ :‬خزانة أيوب‪ :‬الصفحة األولى من الكنز المدخر للشيخ عبد‬


‫الحق الترجمي‬
‫ثالثا‪ :‬مظاهر الحوار الحضاري في سلطنة وداي أيام الترجمي‬
‫يتميز المجتمع الحضري في سلطنة دار وداي اإلسالمية العباسية‪،‬‬
‫الذي يعيش في العاصمة أبشة‪ ،‬بالتنوع االجتماعي والفكري‪ ،‬فجماعات‬
‫العلماء والفقهاء‪ ،‬التي يتصورها الناظر من الخارج‪ ،‬أنها جماعة واحدة‪ ،‬هي‬
‫في الواقع‪ ،‬تتضمن جماعات متعددة‪:‬‬
‫‪186‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أ‪-‬ففي داخلها جماعة صاحب الجامع‪ ،‬ودورها يتمثل في أنها المسؤولة‬


‫عن التفسير سواء أكان تفسير القرآن الكريم أم األحاديث الشريفة أم الكتب‬
‫الدينية الهامة‪ ،‬ومن خالل منبرها التفسيري هذا توجه أتباعها ونؤطرهم للتأثير‬
‫في مجريات األحداث االجتماعية والسياسية في البالد‪ ،‬فإليها يرجع في‬
‫تفسير األحكام الكثيرة التي تعرض على السلطان أو على الرعية ولها مقعدها‬
‫في جلسات السلطان الرسمية‪.‬‬
‫ب‪-‬ومنها جماعة اإلمامية وتتولى العناية بالمساجد وإمامة الصلوات‬
‫المفروضة وغيرها‪ ،‬وبصلي السلطان خلفها‪ ،‬ومكانتها تأتي من أن السلطان‬
‫غالبا ال يرد لها طلبا في الشؤون العامة أو الخاصة‪ ،‬وهي التي تعد األئمة في‬
‫األقاليم الذين يتمتعون بكل االمتيازات التي تتمتع بها جماعة اإلمامية في‬
‫حاضرة السلطان وتعتبر الجماعة الوحيدة الي لها حضور وممثلون في جميع‬
‫األقاليم يعينون بمراسيم تعدها جماعة اإلمامية في المركز‪ ،‬وهذه الميزة غير‬
‫متوفرة للجماعات الدينية األخرى التي وإن كان لها حضور في األقاليم إال أنه‬
‫اليشترط تعيين ممثليهم من قبل الجماعة المركزية في حاضرة السلطان‪.‬‬
‫ج‪ -‬وتتميز جماعات القضاة‪ ،‬بأنها محدودة التأثير االجتماعي‬
‫والقيادي‪ ،‬باعتبارها جماعات مكروهة نوعا ما‪ ،‬الرتباط علمها بالسلطة‬
‫والسلطان‪ ،‬وما يتبع ذلك من جفاء وقسوة تنفر األتباع عنها‪ ،‬فجماعة القضاة‬
‫في سلطنة ال يرجع إليها إال في حاالت نادرة واضطرارية وهذا ما جعل دورها‬
‫في قيادة األحداث االجتماعية والسياسية محدودا‪ ،‬فلم تظهر منها مشاركة‬
‫فعالة في األحداث إلي مرت بها سلطنة وداي إال حادثة تنصيب السلطان‬
‫الغزالي‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وهذا الوصف في التنوع والتمايز في اجتماع سلطنة وداي اإلسالمية‬


‫يجعلها مماثلة لدار اإلسالم التي استطاع فيها النص اإلسالمي في تأسيس‬
‫تمايزات وخصوصيات‬ ‫اجتماع شامل وموحد‪ ،‬ولكن هذه الوحدة تضمنت‬
‫وفئات اجتماعية مختلفة كان موقف الجماعة الشاملة منها وموقفها من‬
‫الجماعة يتحدد في النهاية بمدى االقتراب أو التنائي عن السنة الجامعة التي‬
‫شكلت مجرى النص في الجماعة اإلسالمية امتدادها داخل أركان السلطة‬
‫واألسرة الحاكمة‪ ،‬ولها مؤيدوها ومناصروها وأتباعا من حكام األقاليم فجماعة‬
‫صاحب الجامع على سبيل المثال أيدت األمير (أصيل ) حاكم إقليم الدبابة‬
‫في منطقة البطحاء‪ ،‬وقبله وقفت مع السلطان الغزالي في صراعه مع إخوته‬
‫داخل األسرة الحاكمة‪ .‬بينما أيدت جماعة القضاة األمير عبدالعزيز ابن‬
‫السلطان يوسف باعتبار أن ذلك يمثل تنفيذا لوصية ابيه من ناحية‪ ،‬وإيقافا‬
‫للنزاع داخل األسرة الحاكمة من ناحية أخرى‪ (.‬السيد‪)7 ،‬‬
‫وبشكل عام فإن الجماعة الدينية التي تم ذكرها تعتبر جماعات رسمية‬
‫منظمة تنظيما رسميا داخل هياكل سلطنة وداي‪ ،‬بينما هناك جماعات أخرى‬
‫يمكن أن نسميها جماعات غير رسمية‪ ،‬وتمثلت خالل الفترة التي نهتم‬
‫بدراستها في جماعة المثقفين في الخارج وهي الجماعات التي تلقت تعليمها‬
‫الديني والثقافي في الخارج وتشكلت في هيئة جماعات إصالحية‪.‬‬
‫وإثبات صفة الرسمية من غيرها على الحركات االجتماعية من‬
‫الموضوعات التي ناقشها الباحثون في علم االجتماع بكل تفصيل‪ ،‬فالحركات‬
‫االجتماعية حسب رأي راولفتهيبرل ‪ R.Heberle‬يمكن أن تشمل جماعات‬
‫رسمية ذات بناء خاص‪ ،‬إال أنها في أحيان أخرى تضم جماعات غير رسمية‬
‫(علي‪)438 ،‬‬

‫‪188‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وانطالقا من أن أغلب الجماعات في سلطنة وداي تأخذ مكانتها‬


‫االجتماعية بالوارثة‪ ،‬فإن كل جماعة تسعى من أجل إعداد جيل متميز بكل‬
‫الخصائص الالزمة لشغل الوظيفة المعنية‪ ،‬فجزء من التنافس العلمي في‬
‫سلطنة وداي يرجع إلى هذه الناحية‪ ،‬وهذا ما جعل جماعة المثقفين في‬
‫الخارج وأتباعهم تستفيد من وضعها العائلي كما حدث بالنسبة للشيخ عبد‬
‫الحق السنوسي الترجمي بقبوله عضوا فاعال في جماعة صاحب الجامع‬
‫الرسمية‪.‬‬
‫إال أن ما يميز جماعة المثقفين في الخارج هو أنهم بدءوا يتجاوزون‬
‫حدود جماعتهم التقليدية وذلك من خالل نبنيهم ألفكار واتجاهات جديدة‬
‫قد ال تقبلها جماعاتهم األصلية التقليدية‪ ،‬وهذا ما جعلهم يسعون إلى تأييد‬
‫القادة داخل حاضرة السلطان ومن خارجها‪ ،‬من األسرة الحاكمة ومن قادة‬
‫األقاليم‪ ،‬وأخيرا وجهوا خطابهم العام نحو عامة الناس ومثقفيهم بوجه خاص‪،‬‬
‫وهذه نقطة جوهرية في حركة الشيخ عبد الحق السنوسي الترجمي وأتباعه في‬
‫مقابل جماعة العلماء من حاشية السلطان التقليدية‪.‬‬
‫وقد ظهرت أهمية التعليم والثقافة الخارجية لحركة الشيخ عبد الحق‬
‫السنوسي الترجمي في ثالثة مواقف اجتماعية وسياسية تجاه أحداث واجهتها‬
‫سلطنة وداي هي‪:‬‬
‫الموقف األول‪ :‬خروج حركته باتجاه جديد في السلطنة يفتح الباب بأن‬
‫يتولى الحكم في السلطنة من هو أكثر كفاءة وجدارة‪ ،‬فالحكم في اإلسالم‬
‫حسب نظر حركة الشيخ عبد الحق الترجمي يجب أن يسند إلى من تتحقق‬
‫فيه الشروط التي تؤهله للقيام بشؤون المسلمين‪ ،‬فالحكم بمقتضى الشرع‬
‫اإلسالمي الحنيف ال يعرف الحقوق المتوارثة وال الدماء الملكية‪ ،‬بل األمر فيه‬

‫‪189‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫راجع إلى الجماعة اإلسالمية تبايع بالخالفة من ترى فيه الصالحية للنهوض‬
‫بالحكم وتوطيد دعائم اإلسالم‪ ،‬وإنما ألحق بتاريخ المسلمين من إسناد‬
‫الحكم إلى أسرة معينة ما هو إال انحراف عن اإلسالم الصحيح مرة باسم‬
‫المحافظة على وحدة المسلمين ومرة باسم تحاشي الفتن‪ ،‬وما هو في الحقيقة‬
‫إال حجج واهية لتبرير االستئثار بالسلطة واحتكار الملك‪.‬‬
‫وهذا رأي ثوري في مجتمع تقليدي وراثي أوردته وصاغته حركة الشيخ‬
‫عبد الحق السنوسي لتقيم الدليل على أهمية اإلصالح في المجتمع لكل من‬
‫يجد في نفسه الكفاءة‪ ،‬وقد رشحت الحركة بموجب هذا الرأي األمير‬
‫الغزالي الذي ال تتوفر في كل الشروط التقليدية‪ :‬لتولي السلطة في وداي‪،‬‬
‫واستطاع أتباع الشيخ عبد الحق السنوسي أن يؤكدوا هذا الرأي ويشرحه‬
‫للمثقفين وعامة الناس وقادة األقاليم‪ ،‬مما أدى في النهاية إلى فوز الغزالي‪ ،‬إال‬
‫أن القوى التقليدية تجمعت وتعاضدت في مسعى إلعادة األمور إلى الحياة‬
‫التقليدية فلم يستمر الغزالي في السلطة إال لفترة وجيزة‪ ،‬ولكنها كانت هامة‬
‫أظهرت لحركة الشيخ عبد الحق الترجمي وأتباعه إمكانية إنزال أفكارهم إلى‬
‫الحياة العامة‪.‬‬
‫وتتفق جهود حركة الشيخ عبد الحق الترجمي هذه مع ما ذهب إليه‬
‫هيربرت بلومر‪ H.Blumer‬حين عرف الحركة االجتماعية‪ ،‬باعتبارها ذلك‬
‫الجهد الجماعي الرامي إلى تغيير طابع العالقات االجتماعية المستقرة في‬
‫مجتمع معين‪( .‬الحسيني‪)40-30 ،‬‬
‫الموقف الثاني‪ :‬هو رأي حركة الشيخ عبد الحق السنوسي الترجمي في‬
‫وصول طالئع محمد أحمد المهدي إلى سلطنة وداي‪ ،‬فقد استشار السلطان‬
‫الجماعات األساسية في السلطنة حول ذلك الحدث فكان رأي حاشية‬

‫‪190‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫السلطان من العلماء هو محاربة طالئع المهدية بكل الوسائل‪ ،‬بينما رأت حركة‬
‫الشيخ عبد الحق السنوسي أن الرجوع إلى النص الشرعي اإلسالمي في هذا‬
‫األمر أفضل من الرد المتسرع والخالي من األدلة والبراهين‪.‬‬
‫وقد توصلت الحركة من خالل النصوص الشرعية إلى أنه رغم عدم‬
‫توافر الشروط المهدي المنتظر المذكورة في اآلثار واألحاديث في محمد‬
‫أحمد المهدي إال أن مناصرته أفضل من محاربته‪ ،‬خاصة وأنه رجل عرف‬
‫بالهداية والصالح‪ ،‬بل إن حركة عبد الحق السنوسي الترجمي سعت بكل‬
‫جهدها أن توصل رأيها إلى المثقفين في السلطنة وإلى عامة الناس متجاوزة في‬
‫ذلك حاشية السلطان العادية‪ ،‬وهذه ميزة قيادية تميزت بها حركة الشيخ عبد‬
‫الحق الترجمي عن غيرها من الجماعات وهي االحتكام إلى القاعدة الشعبية (‬
‫الترجمي‪)5-4 ،‬‬
‫بينما رجع العلماء من حاشية السلطان إلى وسائل أخرى في الرد على‬
‫هذا الحدث منها األسرار ودخول الخلوة واستعانوا في هذه بالحاج الفالتي‬
‫محمد سمبوي الذي دخل الخلوة ومن ثم رأى فيها أن بالد برقو كلها محاطة‬
‫بحصن من نحاس‪ ،‬وقد فسر هذه الرؤيا أمام السلطان وحاشيته بأنها تدل على‬
‫عدم مقدرة طالئع المهدية الدخول إلى سلطنة وداي‪ ،‬وبالمصادقة أصيبت‬
‫الحملة التي كان يقودها عثمان جانوا بوباء عضال توفي قائدها بسببه وتفرق‬
‫اآلخرين‪ ،‬وهذا ما جعل السلطان يفي بوعده للحاج الفالتي محمد سمبوي‪،‬‬
‫بأن يكافئه مكافأة مجزية‪.‬‬
‫وواضح الفرق بين موقف االتجاهين فموقف الشيخ الترجمي وجماعته‬
‫موقف علمي مبني على النص) وواقعي صيغت فيه الكثير من األدلة النقلية‬

‫‪191‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫والعقلية‪ ،‬بينما موقف حاشية السلطان موقف قائم على األسرار والمصادقات‬
‫وتصديق الكهان‪.‬‬
‫الموقف الثالث‪ :‬طلب الفرنسيين الهدنة مع سلطنة وداي‪:‬‬
‫تنطلق أفكار حركة عبد الحق الترجمي تجاه هذا الموقف من عدة‬
‫معطيات أهمها‪:‬‬
‫نتيجة الصراعات الطويلة التي تمت داخل األسرة الحاكمة في وداي‪،‬‬
‫خاصة بعد رجوعها من الصواب ومقتل السلطان العزالي‪ ،‬وتولي محمد دود‬
‫مرة المعادي ألطروحات حركة الشيخ الترجمي اإلسالمية في سلطنة وداي‪،‬‬
‫تتبع السلطان محمد دود مرة ألنصار حركة الشيخ عبد الحق السنوسي‬
‫الترجمي ومالحقته لهم وعلى جميع المستويات أهمها الحكم الذي أصدره‬
‫بسمل عيني أبرز قادتها وهو األمير آدم أصيل أبو كيومة قائد منطقة البطحاء‪،‬‬
‫وهو الشخص المناسب‪ ،‬من قبل حركة الترجمي لتميزه بالشجاعة والذكاء مما‬
‫يمكنه من إحداث ثورة إسالمية تجدد شباب السلطنة وتعيد إليها عهودها‬
‫الزاهية‪.‬‬
‫وكان آدم أصيل أبو كيومة من األسرة الحاكمة ولكنه اندفع في تيار‬
‫اإلصالح الذي دعا إليه الشيخ عبد الحق الترجمي‪ ،‬والحكم عليه بالنفي‬
‫الدائم أمر هدد أركان السلطنة وأفقدها أكثر قادتها فاتجه آدم أصيل أبو‬
‫كيومة بأتباعه غربا إلى سلطنة الباللة‪ ،‬ثم إلى سلطنة باقرمية وعاش معها كل‬
‫أحداثها التالية‬
‫سدت حركة حاشية السلطان جميع قنوات الحوار العلمي التي كانت‬
‫مفتوحة أمام الجماعات المختلفة ليصل رأيها إلى مركز اتخاذ القرار في‬
‫السلطنة‪ ،‬فاستأثرت بالمشورة السلطانية لوحدها‪ ،‬وبالتالي ظهرت قرارات‬

‫‪192‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫السلطان الهامة وهي ال تأخذ في االعتبار االتجاهات المختلفة للجماعات‪،‬‬


‫خاصة اآلراء التي تمثلها حركة الشيخ عبد الحق السنوسي وأتباعه‪ ،‬رغم أنها‬
‫تمثل الرأي األكثر واقعية ومنطقية من ناحية األدلة العقلية والنقلية التي ترتكز‬
‫عليها قرارات السلطان في السابق‪.‬‬
‫وبدأ االهتمام بالخلفيات السابقة للمدلي برأيه بغض النظر عن إيجابية‬
‫أو سلبية الرأي‪ ،‬فالشيخ عبد الحق السنوسي الغزالي في السابق والذي كان‬
‫يهدف إلى إحداث تغيير جذري في تركيبه السلطنة الوراثية‪ ،‬أو أن حركة‬
‫الشيخ الترجمي‪ ،‬تؤيد ظهور المهدي في السودان الشرقي‪ ،‬ثم إنهم أخيرا ضد‬
‫الحكم على أصيل‪ ،‬بسمل عينه دون ذنب ارتكبه‪.‬‬
‫إن هذه المعطيات االجتماعية الواقعية المحلية هي ما يفسر المواقف‬
‫االجتماعية لحركة عبد الحق السنوسي في التعايش السلمي والهدنة مع‬
‫الفرنسيين كما طلبوها‪ ،‬وكذلك المواقف المعارضة التي أيدتها جماعة العلماء‬
‫في حاشية السلطان‪ ،‬وليس الحدث بحد ذاته مجردا‪.‬‬
‫وعلى كل حال فبمجرد احتالل الفرنسيين لكل من باقرمية وكانم‪ ،‬كاتبوا‬
‫سلطان وداي بشأن عقد معاهدة معه تكون بموجبها سلطنة وداي محمية‬
‫فرنسية ضد الغزو اإلنجليزي القادم من الشرق‪ ،‬فجمع سلطان وداي مؤدي‬
‫كال الحركتين في السلطنة واستشارهم في الموضوع فكان رأي فريق حركة‬
‫حاشية السلطان من العلماء معارضا لالستجابة لطلب الفرنسيين أخذين في‬
‫االعتبار جميع المعطيات السابقة خاصة حماية الفرنسيين لألمير أصيل الفار‬
‫من وداي بعينه والذي من المحتمل أن ينصبوه سلطانا على وداي إن تعاهدت‬
‫السلطنة معهم‪ ،‬بينما رأت حركة الشيخ عبد الحق الترجمي السنوسي تحكيم‬
‫العقل والمنطق ودعت إلى االستجابة والتفاوض على األقل في الظروف‬

‫‪193‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الحالية التي تمر بها سلطنة وادي‪ ،‬والتي خرجت من حروب داخلية طويلة‪،‬‬
‫وذلك ألسباب موضوعية هذا الخيار‪ ،‬وانطالقا من ذلك فقد أخذت حركة‬
‫الشيخ عبد الحق الترجمي الصدارة في تأييد هذا الرأي وأيدت حججا قوية‬
‫كانت على األقل كافية ألن تنفي عنها عدم اإلخالص في الرأي‪.‬‬
‫وتتلخص حجج حركة الشيخ عبد الحق الترجمي وأتباعه في اتخاذهم‬
‫لهذا الموقف في التالي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إن النص اإلسالمي يعطي الحاكم الحق في عقد هدنة مع األعداء‬
‫لفترة يستطيع فيها التقاط أنفاسه وإعادة قوته ويستعد للمواجهة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن سلطنة وداي خاضت غمار حروب أهلية طويلة مزقت فيها‬
‫بنيتها االجتماعية واالقتصادية والسياسية فخرجت منها منهكة القوى‪ ،‬وتحتاج‬
‫إلى هدنة زمنية مناسبة تعيد فيها تنظيم نفسها‪ ،‬وبالتالي فإن الهدنة مع‬
‫الفرنسيين لها سببها الشرعي ولها سببها الواقعي الظرفي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬يملك الفرنسيون من األسلحة الحديثة المدمرة ما ال طاقة‬
‫لسلطنة وداي بمواجهته في الوقت الحاضر‪.‬‬
‫لكل هذه المبررات رأى الشيخ عبد الحق السنوسي الترجمي وأنصاره‬
‫تفضيل التفاوض والسلم الذي جنح له الفرنسيون قبل غيرهم على األقل في‬
‫الظروف الحالية‪.‬‬
‫وبعد أن طرح الشيخ عبد الحق كل حججه السابقة وعرف من خالل‬
‫المعطيات السابقة تعارض أفكاره مع حاشية من العلماء‪ ،‬وتأكد أن آراءه ال‬
‫يؤخذ بها‪ ،‬طرح أمام السلطان وحاشيته خيارا أخيرا‪ ،‬تمثل في طلب المساعدة‬
‫والعون من مصر وأسطمبول‪ ،‬عن طريق عقد معاهدة حماية معها والمحاربة‬
‫تحت علمها وحمايتها‪ ،‬وهذا رأي ناجم عن تأثر الشيخ عبد الحق بالوضع في‬

‫‪194‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫مصر أثناء دراسته في األزهر‪ ،‬فقد حمل معه أشياء كثيرة منها إيمانه بقوة‬
‫مصر‪ ،‬الذي تمثل في موقفه بالمطالبة بالحماية المصرية‪.‬‬
‫فإذا عقدنا موازنة بين موقف كال الحركتين‪ ،‬حركة الشيخ عبد الحق‬
‫الترجمي المتأثرة بالثقافة الخارجية‪ ،‬وحركة حاشية السلطان من العلماء‬
‫التقليديين‪ ،‬نجد أن المثقفين في الخارج من علماء سلطنة وداي والذين‬
‫تشكلوا في حركة إصالح اجتماعي وسياسي قادها الشيخ عبد الحق السنوسي‬
‫الترجمي‪ ،‬اتخذوا مواقف اجتماعية مغايرة للمواقف التي اتخذها الحركة‬
‫التقليدية لعلماء وداي الذين تلقوا تعليمهم في الداخل‪.‬‬
‫والمقياس في ذلك هو معطيات اجتماعية وسياسية انطلقت في البداية‬
‫من خالل الجماعات الدينية التقليدية مثل جماعة صاحب الجامع في حالة‬
‫الشيخ عبد الحق السنوسي الترجمي‪ ،‬ولكن هذه الحركة اإلصالحية تجاوزت‬
‫هذه الجماعات التقليدية والوراثية‪ ،‬فكسبت أعضاء جددا من جماعات‬
‫مختلفة وبالتالي صار رأيها‪ ،‬ال يعبر بالضرورة عن جماعة معينة تقليدية بل‬
‫تحرر من جميع الجماعات وأصبح مستقال وله مناصروه ومؤيدوه من أغلب‬
‫أعضاء الجماعات وقادة األقاليم في وداي‪.‬‬
‫وأهم ظاهرة تميزت بها حركة اإلصالح الجديدة‪ ،‬مخاطبة أعضائها‬
‫باألدلة النقلية والعقلية التي قام عليها االجتماع اإلسالمي في سلطنة وداي‬
‫منذ إنشائها وكأنها رجعت بأعضائها إلى الجذور االجتماعية الجتماعهم وإلى‬
‫األصول الشرعية التي كانت األساس لتكوينها االجتماعي في منطقة وداي‪،‬‬
‫وهي التي جعلت هذه السلطنة تصهر القبائل المختلفة والجماعات المتميزة‬
‫والعناصر المتباينة في وحدة اجتماعية متماسة أساسها االجتماع اإلسالمي‪،‬‬
‫وهذه الظاهرة تطلبت ظهور الكتابة الحديثة للرد على أسئلة أعضاء الجماعة‬

‫‪195‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وتوجيه التوصيات إلى عامة الناس وذلك من أجل تبصيرهم بقضايا الزمان‬
‫الراهنة والملحة‪.‬‬
‫وما وجهة النظر في العالقة مع أهل الكتاب وعقد الهدنة معهم في‬
‫حركة الشيخ عبد الحق الترجمي‪ ،‬إال عارض ولم تكن األصل في الحركة‬
‫بدليل معارضة الحركة للفرنسيين بمجرد تجاوزهم ألصول االجتماع‬
‫اإلسالمي(الشرع)‪ ،‬فجاءت المعارضة مبنية على النص اإلسالمي‪ ،‬كما كانت‬
‫المواقف بالهدنة قائمة عليه‪ ،‬إن ثبات مواقف حركة عبد الحق السنوسي‬
‫اإلصالحي يوضحها موقفهم من ممارسات الفرنسيين الال شرعية في االحتالل‬
‫ومقاومتهم لذلك بكل الوسائل‪ ،‬إلى أن وصل األمر إلى التصادم معهم في‬
‫حادثة الكبكب الشهيرة التي استشهد فيها حوالي أربعمائة من أعضاء الحركة‬
‫على رأسهم قائد الحركة عبد الحق السنوسي الترجمي‪.‬‬
‫ولكن آراء الحركة االجتماعية والسياسية ظلت في صدور أتباعه‬
‫وحواريه تورثوها عبر األجيال‪ ،‬فكان لها صداها في األنشطة االجتماعية‬
‫والسياسية والثقافية التي قام بها الشيخ محمد عليشعووضة وتأسيسه للمعهد‬
‫العلمي في أبشة حاضرة سلطنة وديي عام ‪1943‬م‪ ،‬والصراعات االجتماعية‬
‫التي خاضها مع الفرنسيين والجماعة التقليدية من علماء وداي‪ ،‬حتى شبهوا‬
‫دوره بدور الشيخ عبد الحق السنوسي الترجمي الذي يتفق معه بأنه من‬
‫خريجي األزهر أيضا إال أنه يختلف عنه في أنه خرج من جماعة صاحب‬
‫الجامع في السابق ولكنهما يتفقان في الخط الفكري لحركة اإلصالح‬
‫االجتماعي التي تهدف إلى تجاوز الوضعية االجتماعية في سلطنة وداي من‬
‫اإلصالح العملي من داخل جماعة العلماء الموجه الحقيقي للسلطنة في‬
‫وداي‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فصالح تركيبة جماعة العلماء‪ ،‬حسب رأي هذه الحركة‪ ،‬هو المنطلق‬
‫لصالح التركيبة السياسية واالجتماعية في وادي‪ ،‬باعتبارها الجماعة األولى‪،‬‬
‫وهي األساس‪ ،‬فالسلطنة إسالمية ال يتوالها إال عالم‪ ،‬ولكن دخول الوراثة‬
‫كمحدد لالستيالء على الحكم أوصل سالطين جهالء أو نصف متعلمين إلى‬
‫الحكم‪ ،‬ويساعدهم علماء على شاكلتهم‪ ،‬وصلوا إلى مناصبهم العلمية‬
‫بالوراثة‪ ،‬فال أقل من أن يصلح علماء المنطقة‪ ،‬ومنهم ينتقل الصالح إلى‬
‫القمة‪ ،‬ثم ينعكس على الرعية‪.‬‬
‫أما عن مستويات الصراع بين الحركتين‪ ،‬فمن المالحظ أن الجماعات‬
‫الدينية التقليدية في سلطنة وداي مثل جماعة اإلمامية‪ ،‬وجماعة صاحب‬
‫الجامع وجماعة القضاة‪ ،‬وغيرها‪ ،‬باعتبارها جماعات وراثية تحاول االحتفاظ‬
‫بمكانتها لدى السلطان وعامة الناس عن طريق حشد األهل واألتباع خاصة‬
‫األبناء الذين يدربون للقيام بعمليات شغل مناصب اآلباء بعد وفاتهم‪ ،‬فإن هذه‬
‫الجماعات تعج بالصراعات االجتماعية الداخلية بين أفراد األسرة الواحدة‪،‬‬
‫خاصة حينما تتسع األسرة‪ ،‬وتقل المناصب المراد شغلها‪.‬‬
‫هذا باإلضافة إلى العمليات التي يقوم بها السلطان الستبعاد من ال يراه‬
‫مواليا من أفراد األسر أو العلماء التقليدين‪ ،‬فالسلطان له الحق في إبعاد أسرة‬
‫معينة من مكانها الديني وتنصيب أخرى‪ ،‬رغم أن هذا ما يبرر خوفها وترصدها‬
‫الشديد للحركات الجديدة التي يقودها علماء تلقوا تعليمهم في الخارج‪ ،‬فهم‬
‫غالبا يتميزون بعدم القبول بالتقاليد القديمة المقبولة حسب ما تعارف عليه‬
‫الناس محليا‪ ،‬ولهذه التقاليد القوة بحيث يصعب على المتعلم الذي لم يخرج‬
‫من دائرة تأثيرها الشعور بعدم إلزاماتها الدينية‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫إذن هناك صراع اجتماعي داخلي بين الجماعات الدينية التقليدية‬


‫مجتمعة وبين أبنائها الذين تلقوا تعليمهم في الخارج فهم غالبا ما يحملون‬
‫بذور التغيير االجتماعي في أيديهم‪ ،‬ولذلك فهم مشكوك في آرائهم ومواقفم‬
‫وإن صاحبها النص أو الشرع والبرهان‪ ،‬فمن السهل أن تحاك حولها الشبهات‬
‫من قبل الجماعات الدينية التقليدية‪ ،‬مما يجعل الجماعات اإلصالحية تظهر‬
‫نفسها وتتجاوز الطرق التقليدية المتبعة من قبل الجماعة الدينية في التعبير‬
‫والمعززة باستنطاق المخزون الثقافي واالجتماعي لالجتماع اإلسالمي في‬
‫سلطننة وداي‪ ،‬وهذا الدور يمثله عبد الحق السنوسي في مخطوطه‪ :‬تبصرة‬
‫الحيران من هول فتن الزمان‪ ،‬فهو يمثل قيادة فكرية لهذه الحركة رجع إليها‬
‫الناس في دار وداي لتقديم النصح والمعلومات والمعرفة المطلوبة‪.‬‬
‫ومن أهم مظاهر الصراع االجتماعي والفكري‪ ،‬التي خاضها الشيخ عبد‬
‫الحق السنوسي الترجمي‪ ،‬تجاوزه لوضعه العادي في جماعة صاحب الجامع‪،‬‬
‫ورأيه في أن يتجاوز الحكم واستالم السلطة في سلطنة وداي اإلسالمية األسرة‬
‫الحاكمة الوراثية‪ ،‬وذلك بأن تعطي الفرصة ألبناء السلطنة من جميع السالالت‬
‫تولي قيادتها كل حسب مقدرته‪ ،‬بينما االتجاه اآلخر من جماعة حاشية علماء‬
‫السلطان‪ ،‬حاول التمسك بالحكم الوراثي للسلطنة وترك األمور كما هي عليه‬
‫من تدهور في الحياة االجتماعية‪ ،‬ومن أبرز مظاهره عادة سمل عيون األمراء‬
‫المتميزين‪ ،‬لقطع طمعهم في السلطة‪ ،‬وقتل وسجن وإبعاد من يدلي برأي‬
‫مخالف لذلك‪ ،‬ويتم ذلك كله من حاضرة سلطنة دار وداي العباسية في مدينة‬
‫أبشة‪ (.‬ايوب‪ ،‬الترجمي‪.)266-255 ،‬‬
‫أما البناء األيكولوجي لمدينة أبشة‪ ،‬فإنه يتكون من مجمع سكني‬
‫للسلطان وحاشيته‪ ،‬ومجموعة من الحارات‪ ،‬أهمها حارات الفقهاء‪ ،‬الذين‬

‫‪198‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫عرضنا لنمط أفكارهم‪ ،‬ومكانتهم في مجتمع سلطنة دار وداي العباسية‪،‬‬


‫والمسجد الكبير‪ ،‬ومؤسسات تعليمية تابعة له‪ ،‬والسوق الكبير‪ ،‬الذي تحفه‬
‫منازل التجار الكبار‪ ،‬والفئات الخدمية التي تعيش على خدمتهم‪ ،‬والتبادل‬
‫التجاري النشط في المدينة‪ ،‬وتتكون مواد البناء من الطوب األحمر منذ فترة‪،‬‬
‫ولكن الطين والحجارة‪ ،‬تستغل في البناء‪ ،‬نظرا لتوفرها وسهولة الحصول عليها‬
‫من الضواحي والمناطق القريبة‪ ،‬ويلعب التباين العرقي والساللي دورا كبيرا‪ ،‬في‬
‫التمييز بين سكان مدينة أبشة‪ ،‬حتى أن بعض حاراتها تسمى بعشائر ساكنيها‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫رابعا‪-‬الدراسة التحليلية لمخطوطة رسالة تبصرة الحيران من هول فتن‬


‫الزمان‪:‬‬

‫نسخة خزانة أيوب‪ :‬الصفحة األولي من رسالة تبصرة الحيران من هول‬


‫فتن الزمان للشيخ عبد الحق الرجمي‬

‫‪200‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-1‬وصف رسالة تبصرة الحيران من هول فتن الزمان‪:‬‬


‫أ) عنوانها‬
‫يبرز عنوان هذه الرسالة بشكل واضح في المخطوط الذي بين أيدينا‬
‫والذي تحصلنا عليه من األستاذ عباس عبد الواحد مدير الشئون بوزارة‬
‫الداخلية الشادية آنذاك‪ ،‬وقد خط على النحو التالي‪ :‬وهذه تبصرة الحيران‬
‫من هول فتن الزمان ألفقر الخلق إلى ربه عبد الحق بن صاحب الجامع بن‬
‫ولي اهلل يعقوب بن والي ((الترجمي‪ ،‬التبصرة‪.))1،‬‬
‫وعن سبب وضعه لهذه الرسالة بهذا العنوان‪ ،‬يقول المؤلف‪ ،‬سألني‬
‫بعض اإلخوان أصلح لي وله الشأن‪ ،‬أن أكتب له رسالة بديعة البيان فيما البد‬
‫من عمله لصاحب اإليمان‪ ،‬لما تغلب النصارى على أكثر البلدان واختلطت‬
‫(اختلط) أهلها والتبست األديان‪ ،‬فأجبته إلى ذلك‪ ،‬وسميتها تبصرة الحيران‬
‫من هول فتن الزمان(الترجمي‪ ،‬التبصرة‪.)10،‬‬
‫وهو عنوان معبر عن مضمون الرسالة التي تعرض لمسائل هامة‪ ،‬حاول‬
‫المؤلف أن يبصر فيها قادة العلم في وداي‪ ،‬خاصة السياسيين والعلماء‪ ،‬بما‬
‫عليهم أن يعلموه بطريقة واقعية‪ ،‬بعد أن تغلب عليهم النصارى‪ ،‬بصورة ال‬
‫تخرج عن اإلطار الشرعي اإلسالمي‪ ،‬باعتبار أن دار وداي‪ ،‬دار إسالم‪ ،‬حتى‬
‫وإن استولى عليها الكفار‪.‬‬
‫ب‪ -‬موضوعها‪:‬‬
‫يظهر من مراجعة مخطوط رسالة تبصرة الحيران من هول فتن الزمان‬
‫للشيخ عبد الحق الترجمي‪ ،‬أن موضوعه األساسي كان الرد على مسائل‬
‫محددة في الفكر اإلسالمي واجهت قادة الفكر في دار وداي بعد أن سيطر‬

‫‪201‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫عليها الفرنسيون فاختلف العلماء هل بلدهم دار حرب أم دار إسالم بعد أن‬
‫دخلها الكفار؟ وبالتالي هل تجب الهجرة منها إلى البالد األخرى أم يجوز‬
‫البقاء فيها؟ وما حكم من لم تجب عليه الهجرة اإلسالمية وأقام فيه بلده‬
‫وحصلت له مخالطة مع الكفار؟ وحكم قتال الكفار والحالة هذه من عودة‬
‫اإلسالم غريبا كما أخبر به الصادق المصدوق والمشاهدة أكبر دليل على‬
‫ضعف المسلمين؟‬
‫ثم أجاب على أسئلة عامة أخرى واجهت الفكر اإلسالمي في وداي‬
‫منها مناقشة ظهور المهدي في السودان الشرقي ورأي علماء دار وداي‬
‫الشرعي في ذلك وختم الكتاب بحض العلماء على التمسك بالعلم ونبذ البدع‬
‫والسحر وااللتجاء إلى اهلل بالتقوى‪.‬‬
‫والخالصة أن موضوع الكتاب الحقيقي‪ ،‬هو التعبير عن رأي الشيخ‬
‫عبد الحق السياسي‪ ،‬في األوضاع التي كانت تعيشها دار وداي‪ ،‬فهو معروف‬
‫برأيه‪ ،‬في مناصرة السلطان أصيل‪ ،‬الذي فتح الحوار مع الفرنسيين‪ ،‬بعد أن فر‬
‫من بالده من بطش السلطان دود مرة‪ ،‬هذا السلطان الذي بطش أيضا بالشيخ‬
‫عبد الحق‪ ،‬وحكم عليه باإلعدام‪ ،‬ولكن وسيلة التنفيذ التي أختيرت‪ ،‬أمهلته‬
‫إلى أن وصل السلطان أصيل وأخرجه من السجن‪ ،‬وفي هذه الفترة بالذات‪ ،‬تم‬
‫كتابة هذا الكتاب‪ ،‬ردا على بعض المعترضين على السلطان أصيل‪ ،‬في تعامله‬
‫مع الفرنسيين الكفار‪.‬‬
‫ولكن هذا الموقف السياسي‪ ،‬لم يُّعم الشيخ عبد الحق من استخراج‬
‫المسائل الفقهية‪ ،‬كما يقتضي االستدالل الفقهي‪ ،‬بل ناقش المسائل‬
‫بموضوعية‪ ،‬وأعطى في بعض األحيان الحق لمنتقدي السلطان أصيل وبقية‬
‫أهل وداي‪ ،‬الذين اختلطوا مع الكفار الفرنسيين‪ ،‬حتى في الهجرة من هذا‬

‫‪202‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫البلد‪ ،‬إذا تبين لهم وجهة الحق في ذلك‪ ،‬وهذه ميزة في االحتكام إلى الشرع‬
‫واالجتهاد العلمي‪ ،‬نجدها بارزة في أعمال الشيخ عبد الحق‪ ،‬رغم وقوفه في‬
‫صف السلطان أصيل سياسيا‪.‬‬
‫ج‪ -‬محتوياتها‪:‬‬
‫حدد الشيخ‪ /‬عبد الحق السنوسي الترجمي محتويات رسالته على النحو‬
‫اآلتي فقال‪:‬‬
‫وحصرتها في سبع من المسائل‪ ،‬وهي لبلوغ المنى كالوسائل‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬في حكم البلد بعد دخول الكفار عليه هل هي دار‬
‫حرب أم دار إسالم؟‬
‫المسألة الثانية في الهجرة اإلسالمية منها وإليها؟‬
‫المسألة الثالثة في حكم من لم تجب عليه الهجرة اإلسالمية وأقام في‬
‫بلده أو سافر إلى مثلها وحصلت لهم مخالطة مع الكفار؟‬
‫المسألة الرابعة في حكم مصالحة الكفار بمال ودفعه لهم من إمام أو‬
‫من يقوم مقامه إن لم يكن‪.‬‬
‫المسالة الخامسة في حكم قتال الكفار والحالة هذه من عود اإلسالم‬
‫غريبا كما أخبر به الصادق المصدق والمشاهدة أكبر دليل؟‬
‫المسألة السادسة في حكم الشكوى إلى الكفار أي االحتكام إليهم؟‬
‫المسألة السابعة إذا دعي األمر؟‬
‫‪ -‬وخاتمة قال فيها‪ :‬ينبغي للعاقل في هذا الزمان‪ ،‬أن يشتغل قبل كل‬
‫شيء بالعلم‪ ،‬ويعتزل كل الفرق‪ ،‬ويعمل بعلمه ما استطاع‪ ،‬ويحذر الجمود على‬
‫البدع‪ ،‬لقولهم‪ :‬عمل قليل في سنة خير من كثير من بدعة‪ ،‬وسبحان من ال‬
‫يتقيد ثوابه بقلة وال بكثرة‪ ،‬والعلم والعمل به‪ ،‬هو رأس التقوى والغاية القصوى‬

‫‪203‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫في الوصول إلى الحضرة العليا لقوله تعالى‪( :‬إن أكرمكم عند اهلل‬
‫أتقاكم)(سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪ ،)13‬وهو أيضا كرامة أوليائه الكبرى لما‬
‫وصفهم اهلل تبارك وتعالى بقوله‪( :‬الذين آمنوا وكانوا يتقون)(سورة يونس‪ ،‬اآلية‬
‫‪.)63‬‬
‫ونالحظ أنه رغم الجو السياسي‪ ،‬الذي تشبع به المؤلف في كتابته لهذه‬
‫الرسالة‪ ،‬فقد شملت محتوياتها الصبغة المحلية في االنطالق‪ ،‬ولكنه أظهر‬
‫البعد الحضاري‪ ،‬التساع أفق الكاتب‪ ،‬فلم يتوقف على الرد على القضايا‬
‫المحلية الملحة‪ ،‬والتي تتعلق بالوضع السياسي الداعم للسلطان أصيل‪،‬‬
‫وتعامله مع النصارى‪ ،‬وتنفيذه التجاهات الجماعات المعارضة‪ ،‬بإيراد أدلتهم‬
‫وشرحها‪ ،‬بل تجاوز الكاتب ذلك‪ ،‬إلى قضايا عالمية أخرى‪ ،‬مثل موضوع‬
‫ظهور المهدي في السودان الشرقي‪ ،‬ورجوعه إلى قاعدته الشعبية وهم طالب‬
‫العلم والمعرفة‪ ،‬وتوجيههم نحو العلم والمعرفة باعتبار ذلك هو الطريق إلى‬
‫التقوى‪ ،‬وكأن لسان حاله من خالل محتويات هذه الرسالة‪ ،‬يقول ألتباعه‪ ،‬أن‬
‫العلم الفقيه مهما شارك في المجال السياسي‪ ،‬إال أن أصل عمله العلم‬
‫والمعرفة المؤدية إلى التقوى‪ ،‬فالعمل السياسي للعالم الفقيه‪ ،‬ليس غاية في‬
‫حد ذاته‪ ،‬بل وسيلة لتأكيد العلم والمعرفة التي يعمل في حقلها‪.‬‬
‫د‪ -‬منهجها (الرسالة) العام‪:‬‬
‫اتبع الشيخ‪ /‬عبد الحق في رسالته تبصرة الحيران من هول فتن الزمان‪،‬‬
‫منهجا وصفيا‪ ،‬ركز فيه على استقراء الحقائق‪ ،‬في المسائل الفكرية التي‬
‫تناولها‪ ،‬فهو يذكر المسألة بوضوح في البداية‪ ،‬ثم يحاول مناقشتها‪ ،‬من خالل‬
‫ما ورد فيها من أدلة من القرآن والحديث‪ ،‬وكتب الفقه واجتهادات كبار‬
‫العلماء‪ ،‬وهذا ما جعله يكثر من ذكر أمهات كتب التفاسير والحديث السائدة‬

‫‪204‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫في دار وداي‪ ،‬مثل الصاوي في حاشيته للجالل والبخاري ومسلم‪ ،‬والكتب‬
‫المشهورة في المذهب المالكي‪ ،‬مثل حاشية الدسوقي للدردير وفتاوي عليش‪.‬‬
‫وقد ساقه هذا المنهج‪ ،‬إلى أن يناقش مسائل شائكة في الجوانب‬
‫الفكرية والسياسية واالجتماعية‪ ،‬خاصة قواعد مخالطة الكفار‪ ،‬بشيء من‬
‫الموضوعية‪ ،‬التي جنبته الوقوع في التحيز السياسي‪ ،‬الذي كان من المتوقع أن‬
‫يقع فيه‪ ،‬لوال هذا التَّحوط المنهجي الذي اتبعه‪.‬‬
‫ه‪ -‬أهمية الرسالة‪:‬‬
‫ترجع أهمية رسالة الشيخ‪ /‬عبد الحق السنوسي الترجمي‪ ،‬إلى أنها من‬
‫المأثورات النادرة‪ ،‬التي عثر عليها الباحث(عام ‪ ،)1991‬من أعمال علماء‬
‫دار وداي‪ ،‬وتعطي صورة حقيقية عن مدى تقدم العلوم والعلماء في هذه‬
‫المنطقة‪ ،‬وتبرز الدور المهم‪ ،‬الذي ساهم من خالله العلماء والفقهاء‪ ،‬في‬
‫القضايا السياسية واالجتماعية‪ ،‬التي مر بها المجتمع في دار وداي‪.‬‬
‫فالدارس للتراث العلمي والسياسي واالجتماعي في دار وداي‪ ،‬يالحظ‬
‫صورة قاتمة يعطيها المثقفون باللغة الفرنسية لجماعة الفقهاء‪ ،‬من خالل‬
‫إلصاق تهمة االبتعاد عن القضايا العامة عليهم‪ ،‬وتصويرهم على أنهم أهل‬
‫المسجد فقط‪ ،‬ال يعرفون إال الصالة والصوم والزكاة‪ ،‬أما الشؤون العامة‪ ،‬فهي‬
‫من اختصاص الحكام والمثقفين باللغة الفرنسية‪.‬‬
‫وترتب على ذلك‪ ،‬النظر إلى أي عالم أو فقيه يدلي برأيه‪ ،‬في الشئون‬
‫العامة‪ ،‬السياسية واالجتماعية‪ ،‬على أنه متجاوز لحدوده‪ ،‬ومتدخل فيما ال‬
‫يعنيه‪ ،‬وكأن في اإلسالم فصل بين الدين والدولة‪.‬‬
‫وهذه نقطة جوهرية يعطينا سفر الشيخ‪ /‬عبد الحق السنوسي ردا علميا‬
‫عليها‪ ،‬ويضحضها بالحجج والبراهين الفكرية‪ ،‬وهناك ميزة أخرى في الرسالة‪،‬‬

‫‪205‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫تعطيها أهمية خاصة‪ ،‬وهي اعتمادها الموضوعية التامة‪ ،‬حتى وإن خالفت‬
‫الحقيقة العلمية‪ ،‬وجهة نظر الكاتب نفسه‪ ،‬فقد أورد الكاتب العديد من اآلراء‬
‫الصائبة حول أفكار فقهية‪ ،‬ال يؤيدها الشيخ الترجمي من الناحية‬
‫السياسية‪،‬كتجويزه للهجرة من دار وداي‪ ،‬بعد خضوعها تحت سلطة‬
‫النصارى‪ ،‬رغم أنه من الناحية السياسية‪ ،‬يؤيد السلطان أصيل الذي تعاون في‬
‫مراحل حكمه مع الفرنسيين‪ ،‬وهذا تجرد علمي‪ ،‬حري بكل باحث علمي‪ ،‬أن‬
‫يقتدي به‪.‬‬
‫ومما يؤدي إلى االهتمام بهذه الرسالة‪ ،‬أنها تعطي النموذج عن مدى‬
‫تقدم الحضارة اإلسالمية في هذه المنطقة‪ ،‬فالكثير من الكتاب يشير إلى‬
‫وجود تقدم فيها في دار وداي‪ ،‬ولكن ال أحد منهم ‪-‬حسب علمي‪ -‬أعطى‬
‫نموذجا حيا‪ ،‬عن مدى هذا التقدم‪ ،‬خاصة في الجوانب الفكرية والسياسية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬من مصادر محلية‪ ،‬مثل معالجة المخطوطات العربية التي كتبها‬
‫علماء المنطقة‪ ،‬ولكنها ظلت في أيدي خاصة األسر واألحفاد‪ ،‬ولم تحفظها‬
‫من التلف عناية مؤسسة أو مركز أو مكتبة عامة‪.‬‬
‫و‪ -‬مصادر الرسالة‪:‬‬
‫استعان الشيخ‪ /‬عبد الحق السنوسي في رسالته بمصادر عديدة‬
‫ومتنوعة‪ ،‬ومن حسن الحظ أنه ذكر في متن رسالته بعضها‪ ،‬بينما أورد أقوال‬
‫اآلخرين بدون تحديد المصادر‪.‬‬
‫ولكن أهمها يتركز في المصادر التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬تفاسير القرآن الكريم مثل‪ :‬حاشية الصاوي على الجالل وضياء‬
‫التأويل لعبد اهلل بن فودي‪.‬‬
‫‪ -2‬كتب األحاديث‪ :‬مثل البخاري ومسلم وكتاب أبي جمزة‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -3‬كتب الفقه‪ :‬مثل مختصر خليل وحاشية الدسوقي للدردير‪ ،‬ونجم‬


‫األخوان لعثمان بن فودية‪ ،‬وفتاوي عليش‪.‬‬
‫‪-4‬مصادر أخرى‪ :‬مثل سرية الجيش‪ ،‬وألفية العراقي واإلضاءة وشرح‬
‫عبد السالم للجوهرة وغيرها‪.‬‬
‫هذا بعض اإلنتاج العلمي واألدبي للشيخ عبد الحق السنوسي‪ ،‬وهو‬
‫إنتاج حفظته لنا ذاكرة بعض الذين نجوا من حادثة الكبكب‪ ،‬وكان لهم اتصال‬
‫بالشيخ عبد الحق نفسه أو بعض تالميذه المقربين‪ ،‬خاصة الشيخ طاهر بن‬
‫آدم واإلمام محمد بن أبكر في شكل أعمال مخطوطة‪.‬‬
‫ومما يميز جميع اإلنتاج الذي عرضاه هو أنه يمثل إنتاج الشيخ عبد‬
‫الحق في سنواته األخيرة‪ ،‬خاصة بداية المشكالت بينه والسلطان دود مرة‬
‫وهذا مما يجعلنا نجزم بأن للشيخ الترجمي‪ ،‬أعمال أخرى لم تصلنا بعد‪ ،‬فقد‬
‫ذكر لنا الكتاب ( آراء األستاذ عثمان على محمد ) قبل هذه الدراسة العديد‬
‫من األسباب‪ ،‬ففي نفس الوقت الذي نأخذ فيه بأهمية هذه األسباب‪ ،‬إال أننا‬
‫نعتقد أنه من الممكن‪ ،‬تتبع أعمال الشيخ عبد الحق الترجمي‪ ،‬والتنقيب عنها‪،‬‬
‫بحيث ال نقطع األمل‪ ،‬في أن نرى في يوم ما‪ ،‬األعمال الكاملة له‪ ،‬في شكل‬
‫يثري المكتبة العربية اإلسالمية‪ ،‬عن وسط إفريقيا عامة وشاد خاصة‪.‬‬
‫نظرا لما يتمتع به الشيخ عبد الحق‪ ،‬من أفق ثقافي واسع‪ ،‬فقد تعددت‬
‫أساليبه الكتابية‪ ،‬حسب الفن الذي يكتب فيه‪ ،‬فعلي سبيل المثال نراه‬
‫يستخدم األسلوب التقريري‪ ،‬في كتاباته العلمية والتاريخية‪ ،‬ولكنه يستخدم‬
‫األسلوب التصويري‪ ،‬حينما يقرض الشعر‪.‬‬
‫ففي األسلوب التقريري‪ ،‬نراه واضحا في كتابه التاريخي "دولة وداي‬
‫اإلسالمية" ففي هذا الكتاب‪ ،‬التزم التقرير وسرد الحقائق التاريخية‪ ،‬خالية من‬
‫أي محسانات تصويرية‪ ،‬ونفس الطريقة في الكتابة اتبعها الشيخ عبد الحق في‬
‫‪207‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫رسالته تبصرة الحيران من هول فتن الزمان‪ ،‬حيث ناقش جميع المسائل‬
‫العلمية والفقهية والثقافية‪ ،‬باألدلة العقلية والنقلية والبراهين التقريرية فاثبت كل‬
‫مسألة‪ ،‬كما يقرها القرآن والحديث واجتهادات العلماء‪ ،‬وسرد أسماء الكتب‬
‫التي استقى منها معلوماته‪ ،‬ذاكرا اسم الكتاب والمؤلف والشارح وصاحب‬
‫الحاشية‪ ،‬بشكل يجعل القارئ أمام عالم‪ ،‬يقرر حقائق علمية مستندا على‬
‫األدلة والمصادر الموثقة‪.‬‬
‫بينما نرى الشيخ عبد الحق‪ ،‬استخدم األساليب الفنية المناسبة في‬
‫أعماله األدبية األخرى خاصة الشعر‪ ،‬فاستخدم األساليب الفنية المتعارف‬
‫عليها في بيئته‪ ،‬وهي القيم الفنية التقليدية أو القديمة في كتابة الشعر‪ ،‬فكان‬
‫يقسم القصيدة إلى مطلع‪ ،‬وفيه يتغزل بمحبوته الحقيقية أو المتخيلة‪ ،‬ويقف‬
‫على أطالل منازلها‪ ،‬ويبكي أيامها‪ ،‬ويشم رائحتها في كل هبة نسيم‪ ،‬ويظل‬
‫كذلك حتى ينتقل للتعبير عن شجونه‪ ،‬ويبث ما في نفسه من مشاعر مع‬
‫سياقها‪ ،‬وهذا األسلوب هو ما كان متعارف عليه في الشعر العربي‪ ،‬في سلطنة‬
‫وداي في ذلك الوقت‪.‬‬
‫ومجمل القول‪ ،‬أ ّن التعبير الكتابي الذي استخدمه الشيخ عبد الحق في‬
‫كتاباته‪ ،‬كان سليما من الناحية اللغوية‪ ،‬وخاليا من األلفاظ األعجمية‪ ،‬التي كان‬
‫من المتوقع أن تتسرب إلى كتاباته‪ ،‬بفعل االحتكاك البيئي‪ ،‬وهذه ظاهرة توضح‬
‫لنا المكانة الجيدة التي وصلتها اللغة العربية‪ ،‬والتي جعلت منها أداة للتعبير‬
‫ووسيلة للتخاطب والمعامالت والمراسلة والتأليف والتعليم‪ ،‬والواقع أن‬
‫االرتباط العضوي بين اإلسالم واللغة العربية‪ ،‬هو الذي أدى إلى أن تنتشر‬
‫اللغة العربية ويستعملها السكان‪ ،‬ألنهم وجدوا في أنفسهم حاجة إلى االتصال‬
‫بالحضارة اإلسالمية والثقافة العربية‪ ،‬واألسلوب اللغوي التي برزت به كتابات‬
‫عبد الحق السنوسي‪ ،‬هو خير معبر عن مكانة الحضارة اإلسالمية في سلطنة‬
‫وداي‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الخالصة‪:‬‬
‫وعلى الجملة‪ ،‬قام البحث في جزئه األول‪ ،‬على تتبع حياة الشيخ عبد‬
‫الحق الترجمي‪ ،‬من ميالده وتعليمه‪ ،‬وإنتاجه العلمي‪ ،‬وفي الجزء األخير‪،‬‬
‫قدمتحليال لمخطوطة تبصرة الحيران‪ ،‬التي أبرز فيها الشيخ الترجمي‪ ،‬عناية‬
‫فائقة برد األقوال إلى أصحابها‪ ،‬وذكر المصادر‪ ،‬بل وفي بعض األحيان حتى‬
‫الفصل‪ ،‬مما يسهل على الباحث التثبت من هذه المعلومات‪ ،‬بالرجوع إلى‬
‫مصادرها األصلية‪ ،‬ولكن هذه القاعدة لم تكن ثابتة لديه دائما‪ ،‬فهو في بعض‬
‫األحيان يذكر المعلومة‪ ،‬بدون اإلشارة إليها‪ ،‬إال باسم العالم فقط‪،‬بدون ذكر‬
‫اسم الكتاب أو الكتب‪ ،‬هذا في الكتب‪ ،‬أما اآليات واألحاديث‪ ،‬فإنه يوردها‬
‫بدون أي إشارة إلى سورة أو مصدر الحديث أو إسناده‪ ،‬وفي الحالة األخيرة‬
‫تتطلب الرسالة من القارئ تحري الدقة التامة‪ ،‬في تمييز األحاديث من اآليات‪،‬‬
‫وتمييز األقوال‪ ،‬أو حتى حديث الكاتب نفسه‪ ،‬من نص األحاديث واآليات‬
‫القرآنية‪ ،‬وهذه الحالة ربما يفسرها‪ ،‬أن الرسالة موجهة إلى صفوة العلماء في‬
‫دار وداي‪ ،‬وقادة الفكر فيها‪ ،‬وهم ال يعوذهم تمييز األحاديث عن اآليات‪،‬‬
‫وال إرجاع كل منها إلى أصله‪ ،‬وبالتالي اعتبر المؤلف ذلك من باب المعلوم‪،‬‬
‫وهو حشو يجب تجنبه‪ ،‬عند مخاطبة ِعلْية القوم‪ ،‬أما القارئ الجديد أو‬
‫المحقق‪ ،‬فعليه أن يسعى للتشبه بهم‪ ،‬ألن التشبه بالكرام فالح‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المصادر والمراجع‪:‬‬
‫أ‪-‬المصادر‬
‫‪-1‬الترجمي‪ ،‬عبد الحق السنوسي‪ :‬تبصرة الحيران في هول فتن الزمان‪،‬‬
‫مخطوط المعهد الوطني للعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة شاد‪ ،‬انجمينا‪.‬‬
‫‪-2‬الترجمي‪ ،‬عبد الحق السنوسي‪ :‬الكنز المدخر من استخدمه فاز‬
‫وانتصر‪ ،‬محطوط المعهد الوطني للعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة انجمينا ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪-3‬الرماسي‪ ،‬يعقوب بن محمد الترجمي‪ :‬قصيدة رجال الكبكب‪،‬‬
‫مخطوطة المعهد الوطني للعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة شاد‪ ،‬انجمينا‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪-4‬محمد‪ ،‬األستاذ عثمان علي‪ :‬لمحات من تاريخ شاد اإلسالمي‪،‬‬
‫مخطوطة المعهد الوطني للعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة شاد‪ ،‬انجمينا‪.‬‬
‫‪-5‬محمد‪ ،‬األستاذ عثمان علي‪ :‬نفحات من تراث أجدادنا علماء‬
‫أبشة‪ ،‬كتبت بتاريخ ‪1963/1/13‬م‪ ،‬مخطوطة المعهد الوطني للعلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬جامعة شاد‪ ،‬انجمينا‪.‬‬
‫ب‪-‬المراجع‬
‫‪_1‬إدريس‪ ،‬الشيخ موسى‪ :‬مقابلة حول موضوع العلم والعلماء في‬
‫أبشة‪ ،‬مدينة انجمينا‪1992/3/15 ،‬م‪.‬‬
‫‪_3‬التجاني‪ ،‬الحاج مكي عبد اهلل‪ :‬طريق الهدي والرشاد‪ ،‬دار التضامن‪،‬‬
‫الخرطوم‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪Khayar, Issa Hassan: Tchad, regards‬‬ ‫‪sur les -4‬‬
‫‪elitesOuadaiennes, C.N.R.S. Paris, 1984.‬‬
‫‪5-Hunwick.John O:The Writings Of Central Sudanic‬‬
‫‪Africa.BillLeiden.New York.Koln.1996.pp.431-432‬‬

‫‪210‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-6‬عبد العزيز‪ ،‬حبيب عمر‪:‬الشيخ عبد الحق الترجمي‪ ،‬بحث قدم لنيل‬
‫الكفاءة في التدريس‪ ،‬معهد المعلمين العالي‪ ،‬انجمينا (ب‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪-7‬الدكو‪ ،‬فضل كلود‪ :‬الثقافة اإلسالمية في شاد في العصر الذهبي‬
‫إلمبراطورية كانم‪ ،‬منشورات جمعية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬طرابلس‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪-8‬الماحي‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحمن‪ :‬شاد م االستعمار حتى االستقالل‪ ،‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة ‪1982‬م‪.‬‬
‫‪-9‬أيوب‪ ،‬محمد صالح‪( :‬جذور الثقافة العربية في وسط إفريقيا) مجلة‬
‫الثقافة العربية‪ ،‬مطابع الثورة‪ ،‬بنغازي‪ ،‬العدد األول‪ ،‬السنة السابعة عشرة‪،‬‬
‫‪1990‬م‪.‬‬
‫‪-10‬حسين‪ ،‬عبد الرحمن‪ :‬الشيخ عبد الحق‪ ،‬حياته األدبية‪ ،‬بحث‬
‫مضروب على اآللة الكاتبة‪ ،‬ص‪.18-17‬‬
‫‪-11‬حبيب‪ ،‬الشيخ اإلمام علي محمد أبكر الجزولي‪ :‬مقابلة حول‬
‫المكانة العلمية للشيخ اإلمام الجزولي‪ ،‬تمت في منزله بانجمينا‪ ،‬عصر يوم‬
‫‪1993/6/12‬م‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل اخلامس‪:‬‬
‫الدور الثقايف والسياسي للشيخ حممد الطاهر‬
‫احليمادي (ابن التلب)يف دار سال (شاد)‬
‫• متهيد‬
‫أوال‪ :‬نشأته وتعليمه‬
‫ثانيا‪ :‬دوره التعليم يف سلطنة دار سيال اإلسالمية‬
‫ثالثا‪-‬مواقف علماء السلطان يوسف يف دار وداي‬
‫رابعا‪ :‬دوره الثقايف واالجتماعي يف دار سيال‬
‫خامسا‪ :‬هجرته إىل اجلهاد مع حممد أمحد املهدي‬
‫سادسا‪ :‬أعماله العلمية واألدبية‬

‫• اخلالصة‬

‫• املصادر واملراجع‬

‫‪212‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -‬تمهيد‬
‫نتناول في هذا الفصلمن الدراسة‪ ،‬علما من أعالم الحضارة اإلسالمية‪،‬‬
‫طلع نجمه في دار سال‪ ،‬في الجزء الشرقي الجنوبي – الشرقي من دولة شاد‬
‫المعاصرة‪ ،‬وهو العالم الشيخ محمد الطاهر الحيمادي الملقب بابن التلب‪،‬‬
‫(وهو لقب يطلقه العرب رعاة اإلبل على فحل اإلبل‪ ،‬وغالبا ما يكون أقواها‬
‫وأكثرها تحمال وقدرة على العطاء)‪ ،‬وتناول الباحث مولده ونسبه ورحلته‬
‫لطلب العلم‪ ،‬وركز على وصوله إلى بعض مراكز العلوم المشهورة‪ ،‬ويذكر أن‬
‫من بينها األزهر الشريف‪ ،‬مما أهله ليقوم بأدوار تعليمية وثقافية واجتماعية‪،‬‬
‫تجاوزت سلطنة دار سال اإلسالمية‪ ،‬لتصل إلى حوارات ولقاءات علمية مع‬
‫علماء مملكة وداي اإلسالمية‪ ،‬ورغم المكانة العلمية واالجتماعية التي وصل‬
‫إليها الشيخ محمد الطاهر بن التلب في بالده‪ ،‬فانه قام بتلبية نداء الجهاد‬
‫التي أطلقه محمد احمد المهدي في السودان الشرقي‪ ،‬فرحل إليه مجاهدا في‬
‫سبيل اهلل‪ ،‬إلى أن وفاه األجل هناك‪.‬‬
‫أوال‪-‬نشأته وتعليمه‬
‫ولد الشيخ محمد الطاهر بن عيسى في قرية مراية سنة ‪1819‬م‪ ،‬وقرية‬
‫مراية تبعد عن أم التيمان عاصمة محافظة السالمات بحوالي ‪ 85‬كلم‪ ،‬وهي‬
‫قرية تقع بجوار وادي أزوم‪ ،‬تحفها غابات كثيفة وأراضيها صالحة للزراعة‬
‫والرعي‪ ،‬مما جعلها من المناطق المناسبة لسكني قبائل عربية عديدة‪ ،‬منها‬
‫من يقوم بالزراعة‪ ،‬ومنها من يهتم بالرعيز‬
‫ومن أهم القبائل التي تسكن في هذه المنطقة‪ ،‬منذ زمن بعيد‪،‬‬
‫جماعات الحيماد‪ ،‬التي ينتمي إليها الشيخ محمد الطهر بن التلب‪ ،‬وقبائل‬

‫‪213‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أوالد راشد والسالمات‪ ،‬باإلضافة إلى القبائل غير العربية‪ ،‬مثل‪:‬الداجو والدقل‬
‫والكبيد‪ ،‬ويعيشون على الزراعة‪.‬‬
‫ويعرف ابن التلب‪ ،‬بأنه العارف باهلل الشيخ الحاج الشريف محمد‬
‫الطاهر بن عيسى الحيمادي‪ ،‬الملقب بالتلب‪ ،‬والده هو الشيخ عيسى‪ ،‬رحمه‬
‫اهلل‪ ،‬تميز ابن التلب‪ ،‬بتفوقه على علماء عصره في العلوم الدينية وكان شيخا‬
‫تقيا‪ ،‬وقد لقب بالتلب‪ ،‬كناية عن قوته في مجال العلوم الدينية‪ ،‬وتوفى والده‬
‫بقرية الشخارة‪ ،‬التي تبعد عن مراية بحوالي تسعة كيلومترات‪ ،‬وقبره معروف‬
‫في هذه المنطقة‪.‬‬
‫وتذكر الروايات المحلية‪ ،‬أنه قبل وفاته ترك وصية‪ ،‬موجهة البنه محمد‬
‫الطاهر‪ ،‬الذي لم يولد بعد‪ ،‬وتركها لدى زوجته الحامل واسمها زمزم‪ ،‬ومحتوى‬
‫الوصية المكتوبة هو‪( :‬يا محمد الطاهر‪ ،‬يا حيمادي‪ ،‬إذا أردت العلوم‪ ،‬فسح‬
‫في الديار‪ ،‬تجد العلوم في صدور الرجال)‪ ،‬فعرف األهالي من هذه الوصية‪،‬‬
‫أنه أمر بأن يسمى ابنه محمد الطاهر الحيمادي‪ ،‬وفيها أمر ألمه بان تسلمه‬
‫إلى معلم يعلمه القرآن الكريم‪ ،‬وأوصى أمه‪ ،‬بان تسلمه الوصية عند ما يعرف‬
‫القراءة والكتابة‪.‬‬
‫رعت السيدة زمزم والدة الشيخ محمد الطاهر الحيمادي ابنها رعاية‬
‫خاصة‪ ،‬وطبقت وصية زوجها‪ ،‬بان ألحقته بحلقات القرآن والعلوم‪ ،‬حتى أجاد‬
‫القراءة والكتابة‪ ،‬وعندها‪ ،‬سلمته وصية والده‪ ،‬فسافر إلى دار فور لحفظ‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬فحفظ أجزءا من القرآن الكريم‪ ،‬على يد أستاذه الشيخ‬
‫محمد الميرغني الحيمادي‪ ،‬وهو من حفظة القرآن على رواية ورش‪ ،‬ثم‬
‫استأذن من أستاذه‪ ،‬ليرجع إلى منطقته وقريته مراية‪ ،‬لتقام له حفلة الختامة‬
‫هناك‪ ،‬فأذن له‪ ،‬ولم تتجاوز سنه السبع سنوات‪ ،‬وقد الحظ أستاذه الشيخ‬

‫‪214‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الميرغني الحيمادي‪ ،‬نبوغ تلميذه محمد الطاهر‪ ،‬وحفظه للقرآن وبعض العلوم‬
‫بسرعة وسهولة‪ ،‬وتوقع بان يكون له مستقبل طيب‪.‬‬
‫وفي رحلته الثانية إلى دار فور‪ ،‬تتلمذ على يد الشيخ الكبير‪ ،‬عالم زمانه‬
‫الشيخ محمد المختار الشريف الشنقيطي‪ ،‬فأكمل على يديه تجويد وحفظ‬
‫القران الكريم وهو ابن عشر سنوات‪ ،‬وبدأ دراسة الفقه وعلم العربية والنحو‬
‫والصرف واألدب والسيرة‪.‬‬
‫وقد الحظ الشيخ الشنقيطي أيضا ذكاء تلميذه محمد الطاهر‪،‬‬
‫واهتمامه الشديد بالعلم‪ ،‬وتساؤالته الكثيرة عن حقائق علوم الدين‪ ،‬والتي‬
‫تفوق سنه الدراسية‪ ،‬كما كان يشكل مع زمالئه حلقات للنقاش في كثير من‬
‫األمور الدينية العميقة‪ ،‬وكان يقود هذه الحلقات بذكائه وقوة حفظه‪ ،‬حتى‬
‫سماه شيخه الشنقيطي(أمير الحفاظ)‪ ،‬فكان يحيل إليه الطالب الذين‪،‬‬
‫ليطرحون األسئلة عليه في المسائل الفقهية والنحوية‪ ،‬ويقول لهم‪ ،‬ارجعوا‬
‫وادخلوا في حلقات نقاش شيخ أو أمير الحفاظ‪.‬‬
‫وبعد أن جود القران الكريم وعلومه‪ ،‬واتبع ذلك بإتقان علوم الفقه‬
‫والعربية والسيرة‪ ،‬رشحه أستاذه الشنقيطي للذهاب إلى األزهر للتبحر في‬
‫العلوم اإلسالمية‪ ،‬كما يفعل معظم العلماء في الممالك اإلسالمية في أفريقيا‪،‬‬
‫وكان ترشيح الشيخ الشنقيطي‪ ،‬بأمر من السلطان تيراب سلطان دار فور‪ ،‬بان‬
‫يختار من تالميذه من يثق فيه‪ ،‬ليكون ضمن المرسلين إلى األزهر‪ ،‬فسافر‬
‫محمد الطاهر الحيمادي‪ ،‬إلى مصر عبر درب األربعين‪ ،‬وقد قضى في األزهر‬
‫عامين‪ ،‬نهل خاللهما من علماء األزهر‪ ،‬من العلم ما استطاع أن ينهل‪ ،‬واعتبر‬
‫من ضمن الحفاظ والمجودين في األزهر‪ ،‬وأثناء وجوده باألزهر‪ ،‬تعرف على‬
‫علماء من اليمن‪ ،‬وأعجب بهم وأعجبوا به‪ ،‬وذلك خالل المسابقات التي تقام‬

‫‪215‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫في األزهر بين الدارسين‪ ،‬في حفظ القرآن الكريم والتجويد والفقه وعلوم‬
‫العربية‪ ،‬فكون صداقات علمية معهم‪ ،‬فحجوا سوية إلى األراضي المقدسة‪،‬‬
‫وبعد انقضاء موسم الحج‪ ،‬سافر معهم إلى اليمن‪ ،‬حتى وصلوا إلى صنعاء‪،‬‬
‫وهناك التقى بالشيخ احمد بن إدريس‪ ،‬صاحب الطريقة االدريسية‪ ،‬وتتلمذ‬
‫على يديه مدة من الزمن‪ ،‬وصلت إلى أربع وعشرين سنة‪ ،‬جمع فيها من العلم‬
‫واألسرار الشيء الكثير‪ ،‬واعتكف خالل هذه المدة أربع وسبعين خلوة‪ ،‬سعيا‬
‫منه للوصول إلى مراتب عليا في التصوف‪ ،‬وبعدها أذن له شيخه احمد بن‬
‫إدريس بالسفر إلى بالده‪ ،‬رغم تردد الشيخ محمد الطاهر الحيمادي في‬
‫السفر‪ ،‬رغبة منه في المكوث مع أستاذه في اليمن‪ ،‬فلما علم الشيخ احمد بن‬
‫إدريس بتردد تلميذه‪ ،‬قال له‪ :‬إن فتحك الكبير تجده عند رجل تلتقي به في‬
‫دار فور‪ ،‬وعندها رجع إلى دار فور في طريقه إلى بالده‪ ،‬وازداد شوقه لرؤية‬
‫هذا الرجل الذي وعد به‪.‬‬
‫وبمجرد رجوعه‪ ،‬التقى في دار فور‪ ،‬بشيخه محمد المختار الشنقيطي‪،‬‬
‫شيخ‪ ،‬يا طاهر‪ ،‬يا‬ ‫يا‬ ‫وبمجرد أن رآه‪ ،‬وقبل أن ينزل من دابته‪ ،‬قال له‪:‬‬
‫حيمادي‪ ،‬هلم إلي‪ ،‬أنا الذي أخبرك به الشيخ احمد إدريس‪ ،‬وتصافحا وتمت‬
‫البيعة‪ ،‬ويعتر الشيخ الشنقيطي‪ ،‬من أقطاب الطريقة التجانية في هذه المنطقة‪،‬‬
‫وبمجرد دخول محمد الطاهر الحيمادي في الطريقة التجانية على يدي‬
‫الشنقيطي‪ ،‬حصل له الفتح األكبر‪ ،‬حسب تعبيرات الطرق الصوفية‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثانيا‪-‬دوره التعليم في سلطنة درا سيال اإلسالمية‬


‫عاد الشيخ محمد الطاهر الحيمادي إلى قريته مراية في محافظة‬
‫السالمات في شاد‪ ،‬وانشأ المسيج القرآني‪ ،‬وأقام حلقات العلم‪ ،‬واشتهر‬
‫بعلمه‪ ،‬وتزوج من نساء قريته‪ ،‬واخذ في نشر الدعوة اإلسالمية في المناطق‬
‫المجاورة‪ ،‬وبدت مكانته االجتماعية تظهر‪ ،‬ومما ساعد على علو مكانته ما‬
‫تركه له والده من ثروة كبيرة من األموال واألبقار واألغنام‪ ،‬وجدها محفوظة‬
‫لدى أعمامه وأخواله‪ ،‬فساعدته في القيام بأعباء الطالب والعلماء والمهتدين‬
‫الذين تجمعوا حوله‪ ،‬فتخرج على يديه الكثير من العلماء والحفظة‪.‬‬
‫ثالثا‪-‬مواقف علماء السلطان يوسف في دار وداي‬
‫وكانت أمور الدعوة والتعليم‪ ،‬تسير بهدوء‪ ،‬ولكن تجمع الجماعات‬
‫العربية وغيرها حوله وتعلقهم الروحي والثقافي به‪ ،‬قد الحظه السلطان يوسف‬
‫سلطان وداي‪ ،‬خاصة بعد ما سمع‪ ،‬بتعلق الناس بهذه القيادة الدينية‪ ،‬وما‬
‫ترتب عن ذلك من إمكانيات مادية‪ ،‬ومعدات تقدم للطالب والعلماء‬
‫والمحتاجين والمهتدين‪ ،‬فخشي السلطان يوسف من أن يتحول هذا الوالء‬
‫الروحي‪ ،‬إلى والء سياسي‪ ،‬يتمثل في االمتناع عن دفع الضرائب لسلطان‬
‫وداي‪ ،‬وما يتبع ذلك من عصيان مدني وخروج عن طاعته‪ ،‬وقد ساعد على‬
‫تفاقم هذا المالحظة من السلطان ما أبداه علماء السلطان في ابشه‪ ،‬من‬
‫تخوف على مكانتهم خاصة‪ ،‬بعدما سمعوا عن التفوق العلمي والمادي الذي‬
‫يتميز به الشيخ محمد الطاهر بن التلب‪.‬‬
‫فأرسل إليه السلطان يوسف نفرا من أعوانه‪ ،‬يطلب أمواال وهدايا‪،‬‬
‫فجمع الشيخ أمواال وهدايا اكبر مما طلب السلطان وجهزها مع الرسل‪،‬‬
‫وحمل الوفد السلطاني رسالة منه يوضح فيها دوره في المنطقة‪ ،‬وانه ال يطمع‬

‫‪217‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫في ملك أو رياسة‪ ،‬وإنما هو عالم ينشر كلمة التوحيد ويعلم أهله وسكان‬
‫المنطقة أمور دينهم‪ ،‬وان المحبة التي يجدها من المواطنين‪ ،‬هي هبة ودرجة‬
‫من عند اهلل‪ ،‬وليست محبة زعامة من أجل الملك‪ ،‬وهي محبة في اهلل وهلل‪،‬‬
‫وعندما عاد الوفد إلى السلطان يوسف محمال بالهدايا واألموال من أبقار‬
‫وجمال ونقود‪ ،‬فاقت الحد الذي من المعتاد أن يجبيه عماله من المنطقة‪،‬‬
‫وحكوا له ما شاهدوه من أمر الشيخ محمد الطاهر ابن التلب‪ ،‬خاصة احترام‬
‫القوم له وحبهم الشديد وطاعتهم له‪.‬‬
‫خشي منه السلطان أكثر من ذي قبل‪ ،‬واعتبر هذه العالمات خروجا‬
‫من السكان عن عاداتهم في منح ذلك للشيخ محمد الطاهر وحده‪ ،‬فهذه‬
‫عالمات وخواص السلطنة‪ ،‬ومن هنا حاول أن يعيد األمور إلى سابقها‪ ،‬وذلك‬
‫بان يبعد الناس عن حب العلماء وتوجيه حبهم وطاعتهم إلى السلطان فقط‪،‬‬
‫ومن سار على نهجه من العلماء‪ ،‬كما هو عادة السالطين دائما‪ ،‬ولذلك دبر‬
‫السلطان يوسف حيلة‪ ،‬إلستدعاء ثالثة من علماء المنطقة ليعمم الموضوع‪،‬‬
‫رغم أن المقصود هو الشيخ محمد الطاهر‪ ،‬وهؤالء العلماء الثالثة هم‪ :‬هم‬
‫الشيخ عبد الرحيم‪ ،‬زميل الشيخ محمد الطاهر بن التلب‪ ،‬والشيخ عبد العزيز‪،‬‬
‫باإلضافة إلى المقصود من العملية‪ ،‬وهو الشيخ محمد الطاهر بن التلب‪،‬‬
‫وهدف االستدعاء هو البطش بهؤالء العلماء‪.‬‬
‫وتتمثل الخطوة األولى في هذه العملية‪ ،‬في اختبار المكانة العلمية‬
‫للشيخ محمد الطاهر بن التلب‪ ،‬فقال السلطان لحاشيته من العلماء فلنختبره‪،‬‬
‫وإذا كان ما يقال عنه صحيحا‪ ،‬تركناه وشانه وطلبنا منه مغادرة المنطقة‪ ،‬وإذا‬
‫كان القول عنه كذبا قتلناه‪ ،‬فاجتمع جمع غفير من حاشية السلطان واحضر‬
‫المشايخ‪ ،‬فسأل في األول الشيخ عبد الرحيم‪ ،‬ثم احضر الشيخ محمد‬

‫‪218‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الطاهر بن التلب و سئل‪ ،‬وكانت إجابته في البداية ظنها الحضور خاطئة‪،‬‬


‫ففرح السلطان‪ ،‬وقال لجنوده اربطوه‪ ،‬وأرسل آخرين إلى أم التيمان‪ ،‬لمصادرة‬
‫ممتلكات الشيخ الطاهر بن التلب وأمواله‪ ،‬وجهز نفر من الجنود لقطع رأسه‪،‬‬
‫بعد أن ينتهي االختبار‪ ،‬بعد أن يزاع أمر خطأ الشيخ الطاهر بن التلب في‬
‫الناس‪ ،‬ويظهر السلطان أمام الجميع بأنه لم يقتله ظلما‪.‬‬
‫ولكن المفاجأة ان الشيخ أنتصرفي االختبار النهائي‪ ،‬وأمام الجميع‪،‬‬
‫فرأى السلطان والناس أجمعين نجاحه‪ ،‬وعرفوا أن للشيخ الطاهر بن التلب‬
‫كرامات من عند اهلل‪ ،‬فأطلق السلطان سراح المشايخ‪ ،‬وأرسل إلى جنوده‬
‫الذين أرسلهم ألخذ أموال الشيخ محمد الطاهر بن التلب من أم التيمان‪ ،‬بان‬
‫يعدوا بسرعة‪ ،‬وان ال يأخذوا شيئا من أمواله‪.‬‬
‫والقضية األساسية التي تهمنا كباحثين هي محتوى القصة‪ ،‬وخالصتها‬
‫أن السلطان شعر بالدور الذي يقوم به محمد الطاهر بن التلب في دار سال‪،‬‬
‫وأرسل إليه الستجوابه في حاضرة السلطان عاصمة مملكة وداي‪ ،‬واستجوبه‬
‫أمام علماء وداي‪ ،‬وقد نجح الشيخ محمد الطاهر بن التلب‪ ،‬في هذا‬
‫االستجواب‪ ،‬بغض النظر عن التفاصيل‪ ،‬التي حذفنا أجزاء كبيرة منها‪،‬‬
‫فاسترجع الشيخ الطاهر مكانته العلمية‪ ،‬بل إن هذا االستجواب‪ ،‬زاد من مكانة‬
‫الشيخ لدى سلطان منطقته‪ ،‬فغادر الشيخ محمد الطاهر ابشه عاصمة وداي‪،‬‬
‫مكرما معززا‪ ،‬بدرجة أكبر من التي كان يتمتع بها قبل أن يحضر إليها‪ ،‬وجهز‬
‫نفسه راجعا إلى مسقط رأسه قرية مراية بأم التيمان‪(.‬محي الدين‪ :‬سيرة الشيخ‬
‫محمد الطاهر ابن التلب)‬

‫‪219‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫رابعا‪-‬دوره الثقافي واالجتماعي في دار سيال‬


‫وفي طريق الشيخ محمد الطاهر بن التلبي إلى بلدته مراية‪ ،‬سمع بدعوة‬
‫سلطان وداي له‪ ،‬سلطان دار سيال السلطان ابو ريشة‪ ،‬سلطان الداجو‪ ،‬وكانت‬
‫بينه وبين سلطان وداي‪ ،‬منازعات سياسية‪ ،‬وكان هذا السلطان رجال تقيا‪ ،‬قد‬
‫ثبت أركان سلطنته‪ ،‬وأحبه أهل بالده‪ ،‬نظير عدله وأمانته‪ ،‬وحبه للدين ورجال‬
‫العلم‪ ،‬وعندما سمع بما حدث للشيخ محمد الطاهر من سلطان وداي‪ ،‬أرسل‬
‫وفودا الستقباله في سلطنته‪ ،‬مقابل أن يوفر له األمان والطمأنينة – لجوء‬
‫سياسي بالتعبير الحديث – خاصة وانه كان يسمع به من قبل‪ ،‬ويريد مقابلته‪،‬‬
‫فانتهز هذه الحادثة‪ ،‬فقابل وفد السلطان أبو ريشة الشيخ محمد الطاهر في‬
‫منطقة أبكر‪ ،‬وهي حدود سلطنة الداجو مع وداي‪ ،‬واستنفروا سكان منطقة‬
‫أبكر‪ ،‬الستقبال الشيخ محمد الطاهر‪ ،‬في احتفال كبير‪ ،‬وذلك تنفيذا‬
‫لتوصيات السلطان أبو ريشه‪ ،‬ورافق الوفد الشيخ الطاهر وسط هذه‬
‫االحتفاالت‪ ،‬من قرية إلى قرية‪ ،‬وكان على سكان كل قرية‪ ،‬أن يرافقوا الوفد‬
‫الذي فيه الشيخ الطاهر‪ ،‬من قريتهم إلى القرية التي تليهم‪.‬‬
‫وهكذا إلى أن وصل الركب الكبير إلى دار سيال‪ ،‬وعاصمتها قوز‬
‫بيضا‪ ،‬وهي منطقة محاطة بالجبال وأراضيها رملية يتوسطها واد كبير‪ ،‬أما‬
‫المركز(الكاربيه) سال القديمة‪ ،‬وهي منطقة السلطان‪ ،‬فهي وسط الجبال في‬
‫منطقة تقع غرب المدينة‪ ،‬لها مدخل واحد تحيط بها الجبال من كل جانب‪،‬‬
‫إال المدخل الضيق الذي يقع شرق المنطقة‪ ،‬أما في الوقت الحاضر‪ ،‬فقد نقل‬
‫مقر السلطان داخل مدينة جوز بيضاء‪ ،‬وظلت سال القديمة مدينة أثرية حتى‬
‫اآلن‪ ،‬وهي حالة شبيهة بالمقر القديم أو العاصمة القديمة لدار وداي في‬
‫وعرة‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وقد استقبل السلطان ابو ريشة الشيخ محمد الطاهر التلب خارج‬
‫المدينة‪ ،‬ورافقه حتى داخل مكان الضيافة‪ ،‬وأكرمه أيما إكرام‪ ،‬وضيفه خير‬
‫ضيافة‪ ،‬واقترح عليه بعد ذلك‪ ،‬أن يعيش معه في سلطنته دار سيال‪ ،‬ليعلم‬
‫شعبه أمور دينهم‪ ،‬كما طلب منه أن يساعده في نشر الدعوة اإلسالمية لدى‬
‫الجماعات والقبائل الوثنية‪ ،‬وحتى في حدود كل من أفريقيا الوسطى المجاورة‬
‫لسلطنة الداجو‪ ،‬وتقع اآلن في حدود كل من أفريقيا الوسطى والسودان‪،‬‬
‫وكانت هذه المناطق تابعة للسلطان أبو ريشة في ذلك الوقت‪ ،‬فقبل الشيخ‬
‫محمد الطاهر هذا االقتراح‪ ،‬وجلس في حاضرة دار سيال‪ ،‬يعلم الناس العلم‬
‫وينشر الدعوة اإلسالمية في القبائل الوثنية‪ ،‬وذلك بان يحضر أبناء هذه‬
‫الجماعات إلى حاضرة السلطنة قوز بيضاء‪ ،‬ويقوم بتعليمهم وتثقيفهم‪ ،‬ويتولى‬
‫السلطان‪ ،‬بعد ذلك إرسالهم إلى أهاليهم‪ ،‬ليدعوهم إلى اإلسالم‪ ،‬فساهم‬
‫الشيخ محمد الطاهر بذلك‪ ،‬في نشر اإلسالم داخل السلطنة ومناطقها‬
‫الحدودية‪ ،‬ولكنه باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬ساعد السلطان‪ ،‬في حل مشاكله مع‬
‫األهالي‪ ،‬خاصة الجماعات العربية الرعوية التي تمر بالمنطقة‪ ،‬وتتلف مزارع‬
‫المزارعين بالمنطقة‪ ،‬وما ينتج عن ذلك من مشاكل‪ ،‬فقام الشيخ محمد الطاهر‬
‫بن التلب بجهود سياسية واجتماعية‪ ،‬جمع من خاللها جميع مشايخ العرب‬
‫التي تسكن مناطق السلطان أبو ريشة‪ ،‬و التي تمر بأرضيه في رحلتها‪،‬‬
‫وأسفرت جهوده السياسية هذه عن توقيع اتفاقية بين السلطان أبو ريشة‬
‫والجماعات العربية‪ ،‬شملت الكثير من األمور‪ ،‬ومن اهم بنودها ما يلي‪-:‬‬
‫أوال‪ :‬للعرب الحق في العيش بسالم في أراضي دار سيال‪ ،‬وعليهم‬
‫المحافظة على مواشيهم ومنعها من إتالف مزارع الداجو‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثانيا‪ :‬تشجيع الزواج بين القبائل العربية وجماعات الداجو وغيرهم‪،‬‬


‫وذلك بان تعطي حرية االختيار للشباب‪ ،‬ليختار من أي األطراف شاءوا بدون‬
‫تفاضل‪ ،‬سعيا منه نحو االمتزاج والتالف بين سكان السلطنة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬رفع الدية عن أي قتيل الخطأ من الداجو والعرب‪.‬‬
‫ومن المالحظ أن هذه االتفاقية سارية المفعول إلى الوقت الحاضر‪،‬‬
‫وبدون أي تعديل في بنودها‪ ،‬واحتفظ بها السلطان سعيد سلطان دار‬
‫سيال‪،‬وهو حفيد السلطان أبو ريشة‪ ،‬وسلمها إلى من خلفه‪.‬‬
‫ومكث الشيخ محمد الطاهر بن التلب في حاضرة دار سيال‪ ،‬يقوم‬
‫بدوره الثقافي والعلمي والدعوي والسياسي خير قيام‪ ،‬وقد لحق به بعض‬
‫أوالده وجزء من عشيرته وكثير من مريديه‪ ،‬وبعض القبائل بكاملها‪ ،‬حيث‬
‫استطاع أن ينقلها من حياة الرعي والبداوة والريف‪ ،‬إلى السكني في المدن‬
‫والتحضر‪ ،‬فظلت هذه القبائل تشكل احد ركائز مدينة جوز بيضاء إلى الوقت‬
‫الحاضر‪ ،‬وقد استغرقت هذه األعمال الحضرية من الشيخ محمد الطاهر بن‬
‫التلب قرابة العشر سنوات قضاها في العمل الثقافي والحضاري في دار سيال‪،‬‬
‫وبعدها أستأذن من السلطان في أن يرجع إلى مسقط رأسه قرية مراية‪ ،‬بعد ان‬
‫ترك في حاضرة السلطان أسسا متينة من األتباع والعلماء والمريدين والمهتدين‬
‫المزودين بالقرآن والعلم‪ ،‬واستقرارا سياسيا بين أهم مجموعتين تسكنان دار‬
‫سيال وهما الداجو والعرب‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫خامسا‪-‬الهجرة إلى الجهاد مع محمد احمد المهدي في‬


‫السودان الشرقي‪:‬‬
‫وأثناء قيام الشيخ محمد الطاهر بن التلب بدوره الثقافي والعلمي في‬
‫قريته مراية‪ ،‬سمع نداء الجهاد والتجديد الذي رفعه محمد احمد المهدي‪ ،‬من‬
‫خالل النداءات التي بثها ابن عم الشيخ محمد الطاهر‪ ،‬المسمى الشيخ عبد‬
‫اهلل محمد نور الشين التعايشي الحيمادي‪ ،‬الذي ينتمي هو أيضا إلى مديرية‬
‫السالمات‪ ،‬وكانت له عالقات مع محمد احمد المهدي‪ ،‬وعندما أعلن ثورته‬
‫قام بتأييده وإرسال الرسائل إلى مملكتي وداي ودارفور‪ ،‬وإلى العلماء والمردين‬
‫من اجل مناصرته‪ ،‬فكتب الشيخ محمد الطاهر رسالة إلى سلطان دار سيال‬
‫يخبره بنيته‪ ،‬االنضمام إلى الجهاد مع محمد احمد المهدي‪ ،‬من خالل‬
‫الدعوة التي وصلته من ابن عمه عبد اهلل التعايشي‪ ،‬وقد ذكر الشيخ محمد‬
‫الطاهر سلطان دار سيال‪ ،‬بأهمية المحافظة على االتفاقية التي ساهم فيها بين‬
‫القبائل العربية والداجو‪.‬‬
‫واخذ العزم في الهجرة إلى الجهاد مع جمع كبير من الناس‪ ،‬شمل‬
‫بعض أبناء الشيخ ومريديه‪ ،‬واخذ طريقه من قرية مراية حراز‪ ،‬إلى أم دافون‪،‬‬
‫وأم دخن جوز الفرس‪ ،‬إلى رهيد البردي في الحدود السودانية الحالية‪ ،‬وترك‬
‫الشيخ بعض أبنائه الصغار في جوز الفرس وبعضهم في رهيد البردي‪ ،‬وبعضهم‬
‫في كردفان في شركيال‪ ،‬ولهم أحفادهم في هذه المناطق إلى الوقت الحاضر‪.‬‬
‫وقد توجه الشيخ محمد الطاهر نفسه‪ ،‬وجمع من مريديه وأتباعه‬
‫وتالمذته إلى قدير‪ ،‬حيث انضم إلى األنصار‪ ،‬لمواصلة القتال ضد الطغيان‬
‫والكفر‪ ،‬وقد قاتل الشيخ محمد الطاهر بن التلب مع محمد احمد المهدي‪،‬‬
‫حتى سقوط الخرطوم عام ‪1885‬م‪ ،‬وبعد وفاة المهدي تولى الخليفة عبد اهلل‬

‫‪223‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫التعايشي الحكم‪ ،‬وبدا في تنظيم الدولة وتوسيعها‪ ،‬وكان الشيخ محمد الطاهر‬
‫من ابرز العلماء الذين أتوا من الغرب لمساعدة الثورة المهدية‪ ،‬واستمر في‬
‫عمله‪ ،‬وأثناء فتنة األشراف وموقفهم من الراتب‪ ،‬صار الخليفة عبد اهلل‪ ،‬يشدد‬
‫على إلزام الجميع بالراتب‪ ،‬وعندما وقف في وجهه الشيخ محمد الطاهر‪،‬‬
‫وقال له‪ " :‬إن طريقتي هي التجانية‪ ،‬وأنا قاتلت وبايعت المهدي على الجهاد‬
‫في سبيل اهلل‪ ،‬وليس في سبيل قراءة الراتب فاألنصارية طريقة‪ ،‬والتجانية‬
‫طريقة‪ ،‬وكلها طرق صوفية‪ ،‬مثل‪ :‬القادرية واالدريسية‪ ..‬الخ‪ ،‬فما الذي يضرنا‬
‫إذا ذكرنا بطريقتنا التجانية؟"‪ ،‬وهنا اتهمه الخليفة عبد اهلل التعايشي بالتآمر مع‬
‫األشراف‪ ،‬فسجنه الخليفة‪ ،‬مقيدا بالجنازير‪ ،‬فقال له الشيخ محمد الطاهر ابن‬
‫التلب‪ ،‬قولته المشهورة لدى تالمذته وأتباعه وهي‪ ( :‬واهلل‪ ،‬سوف تشهد عليك‬
‫جنازيرك هذه‪ ،‬يوم القيامة أمام اهلل‪ ،‬على ظلمك لعباد اهلل الصالحين )‪ ،‬وفد‬
‫سمي الشيخ محمد الطاهر بن التلب(أبو جنزير)‪ ،‬من هذا التاريخ إلى أن‬
‫توفى‪.‬‬
‫ظل الشيخ محمد الطاهر بن عيسى التلبي في السجن بأم درمان‪ ،‬مدة‬
‫عامين من ‪1889 – 1887‬م‪ ،‬مقيدا بالجنازير طيلة هذه الفترة‪ ،‬وقد ألف‬
‫كثيرا من القصائد في مدح الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ومدح الشيخ احمد‬
‫التجاني‪ ،‬وكان يرسل هذه القصائد إلى مريديه لقراءتها في مجالسهم وحلقات‬
‫ذكرهم‪ ،‬وقد توفى رحمه اهلل عام ‪1889‬م‪ ،‬بسجن الخليفة بأم درمان‪ ،‬حيث‬
‫نقل جثمانه إلى مقابر أم درمان القديمة‪ ،‬حيث يوجد ضريحه وقبته إلى اآلن‪،‬‬
‫وهي مزار لكثير من مريديه من شاد والسودان ونيجيريا والنيجر وأفريقيا‬
‫الوسطى‪ ،‬ويسمى الشيخ محمد الطاهر بن التلب في ضريحه‪ ،‬باسم ( الغريب‬
‫أبو فرجا قريب )‪ ،‬كناية عن استجابة دعائه‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫سادسا‪-‬أعماله األدبية‪:‬‬
‫من أهم أعماله األدبية‪ ،‬ديوانه الكبير الذي يحوي القصائد التالية‪-:‬‬
‫‪-1‬الكافية‪.‬‬
‫‪ -2‬الهمزيتان‪.‬‬
‫‪ -3‬الدالية‪.‬‬
‫‪ -4‬الميميتان‬
‫‪ -5‬الدرجات العلى أوالميمية الصغرى‪.‬‬
‫‪ -6‬الرائية‪.‬‬
‫‪- -7‬لحائية‪.‬‬
‫‪-8‬البائية‪.‬‬
‫‪-9‬الوسيلة بأصحاب بدر‪ ،‬المسماة‪ ،‬بأربعين فارسا من أهل بدر‪.‬‬
‫‪-10‬البندقة الغدارة‪.‬‬
‫وغيرها من األعمال المتفرقة‪ ،‬وقد قام كاتب السطور بجمع بعض‬
‫أعمال الشيخ محمد الطاهر بن التلب المخطوطة‪ ،‬وأودع بعضها في قسم‬
‫المخطوطات بالمكتبة المركزية لجامعة قاريونس بليبيا عام ‪1988‬م‪ ،‬ونشر‬
‫أجزاء منها في نفس الفترة في مجلة الثقافة العربية‪ ،‬وأودع نسخة من ديوانه‬
‫المذكور سابقا في مكتبة المعهد الوطني للعلم اإلنسانية بجامعة انجمينا سنة‬
‫‪1992‬م‪(.‬أيوب‪،‬أ‪)60 -54 ،‬‬
‫ويمكن ذكر بعض النماذج من أعماله‪.‬‬
‫وقصيدته األولى تسمى الوسيلة‪ ،‬ومطلعها‪:‬‬
‫إني توسلت إلى الرحمن بالمصطفى وصحبه األعيان‬
‫وهي مكونة من(‪ )34‬بيتا‪ ،‬يذكر فيها أسماء الخلفاء الراشدين‬
‫ومجموعة كبيرة من الصحابة المشهورين‪ ،‬ثم يتبعهم بذكر شيخه احمد‬

‫‪225‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫التجاني‪ ،‬إلى أن يصل إلى موضوع القصيدة‪ ،‬وهو االستنجاد بهؤالء جميعا في‬
‫نصرته على عدو هاجمه‪ ،‬وهذا القصد ظاهر في هذين البيتين‪:‬‬
‫فأهلكوا عدونا المحاربا أقسمتكم فأنزلوا المصائبا‬
‫في ذاته وماله جمـ ـ ـ ــعيا حتى يـ ـ ـ ــموت موتة شنيعا‬
‫ومن مخطوطاته أيضا الكافية‪ ،‬وهي من النظم المخمس من احد‬
‫تالميذه ومطلعها‪:‬‬
‫يا سيدا أنت المناجى صرمـ ـ ـ ـدا‬ ‫يا سيدا قبل الخالئق ساجدا‬
‫يا سيد السادات جئتك قاصدا‬ ‫سماك ربك أحمدا ومحمدا‬
‫نرجو رضاك ونحتمي بحماك‬
‫وهي أيضا من (‪ )34‬بيتا مخمسا على النمط السابق‪ ،‬وفي هذا العمل‬
‫يستعمل الشيخ محمد الطاهر بن التلب الكثير من المحسنات البديعية‪،‬‬
‫ويذكر عددا كبيرا من أوصاف الرسول صلى اهلل عليه وسلم وصحبه‪ ،‬وجهادهم‬
‫في سبيل إعالء كلمة اإلسالم‪ ،‬وبعد ذلك يشرع في موضوع القصيدة‪ ،‬وهو‬
‫حض أصحابه وأتباعه على االقتداء بالرسول وأصحابه في الجلد والمثابرة‪ ،‬في‬
‫مواجهة أعداء الدين‪ ،‬وهذا العمل األدبي يدل على ملكة الشيخ محمد‬
‫الطاهر بن التلب بناصية اللغة العربية‪ ،‬ومعرفته الكبيرة بإحداث السيرة النبوية‬
‫والوقائع العظام في صدر اإلسالم‪.‬‬
‫والمخطوطة الثالثة في مدح شيخه احمد التجاني‪ ،‬سماها (الدرجات‬
‫العلى) ومطلعها‪:‬‬
‫من مثلكم يا أبا العباس يشبهكم قد نلتم الفضل واألنوار والحكما‬
‫وهي تضم (‪ )21‬بيتا‪ ،‬وهي تدل من بدايتها على تركيزها على أمور‬
‫التصوف والدور الذي لعبه الشيخ احمد التجاني في هذا المجال‪ ،‬وفيها‬
‫الكثير من النصائح والحكم‪.‬‬
‫ونفس المنحى نجده في قصيدته (التائية الصغرى)‪ ،‬ومطلعها‪:‬‬
‫يا أحمد التجاني قد نلت رفعة وحزت المقامات المعالي السمية‬
‫وهي مكونة من (‪ )11‬بيتا‪ ،‬وهي في مدح الشيخ احمد التجاني‪،‬‬
‫وتحديد بعض مزاياه ومناقبه (أيوب‪،‬ب‪.)75-74 ،‬‬
‫‪226‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الخالصة‪:‬‬
‫ومجمل القول أن هذه الصفحات غير كافية إلبراز مناقب الشيخ‬
‫محمد الطاهر‪ ،‬نظرا ألدواره التعليمية واالجتماعية المختلفة من ناحية‪ ،‬والن‬
‫معظم أعماله األدبية التي وصلتنا‪ ،‬تتعلق فقط بأيامه األخيرة في سجن أم‬
‫درمان‪ ،‬وبالتالي فمن المتوقع أن تكون له أعمال أخرى‪ ،‬تساعد على فهم‬
‫الكثير من جهوده الدعوية والتعليمية والسياسية‪ ،‬خاصة أدواره في سلطنة دار‬
‫سال‪ ،‬وتأليفه بين السكان في المنطقة‪ ،‬بتحالفات اجتماعية وسياسية‪،‬‬
‫المعلومات عنها محدودة إلى اآلن‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المصادر والمراجع‪:‬‬
‫أ‪-‬المصادر‬
‫‪ -1‬الكافية‪.‬‬
‫‪ -2‬الهمزيتان‪.‬‬
‫‪ -3‬الدالية‪.‬‬
‫‪ -4‬الميميتان‬
‫‪ -5‬الدرجات العلى أوالميمية الصغرى‪.‬‬
‫‪ -6‬الرائية‪.‬‬
‫‪ -7‬لحائية‪.‬‬
‫‪ -8‬البائية‪.‬‬
‫‪ -9‬الوسيلة بأصحاب بدر‪ ،‬المسماة‪ ،‬بأربعين فارسا من أهل بدر‪.‬‬
‫‪ -10‬البندقة الغدارة‪.‬‬
‫ب‪-‬المراجع‪:‬‬
‫‪-1‬قام األستاذ ‪/‬أحمد الحبيب محي الدين‪ :‬بجمع معظم المعلومات‬
‫عن حياة الشيخ محمد الطاهر بن التلب‪ ،‬وقد زار مسقط رأس الشيخ في قرية‬
‫مراية‪ - ،‬وهو النائب البرلماني اآلن عن هذه المناطق ‪ ،-‬وتتبع مسيرة الشيخ‪،‬‬
‫والمناطق التي ترك فيها آثاره‪ ،‬وبعض أفراد أسرته‪ ،‬وكذلك الحظ ما استمر من‬
‫العالقات التي أقامها الشيخ الطاهر مع سلطنة دار سال‪ ،‬وسلم الباحث نسخة‬
‫منها‪ ،‬استفاد منها في السيرة الذاتية للعالم‪ ،‬فله جزيل الشكر‪.‬‬
‫‪-2‬أيوب‪ ،‬محمد صالح‪ " :‬حوض شاد وانتشار الثقافة العربية في وسط‬
‫أفريقيا " مجلة الثقافة العربية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬السنة (‪ ،)17‬مطابع الثورة العربية‪،‬‬
‫بنغازي‪1989 ،‬م‪ ،‬ص ص ‪.60 -54‬‬

‫‪228‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-3‬أيوب‪ ،‬محمد صالح‪ :‬مجتمعات وسط أفريقيا بين الثقافة العربية‬


‫والفرانكفونية‪ ،‬مركز البحوث والدراسات األفريقية‪ ،‬سبها‪1992 ،‬م‪ ،‬ص ص‬
‫‪.75-74‬‬
‫‪-4‬أعد الطالب الماتريدي محمد التجاني‪ ،‬رسالة ماجستير عن الشيخ‬
‫محمد طاهر بن التلب – حياته وشعره‪ ،‬تحت إشراف األستاذ الدكتور عبد اهلل‬
‫حمدنا اهلل‪ ،‬كلية اللغة العربية‪ ،‬جامعة الملك فيصل بشاد‪2009 ،‬م‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل السادس‪:‬‬
‫الشيخ القاضي أمحد عبد الكريم‬
‫(طبيق) (‪1977-1900‬م) ودوره الثقايف‬
‫والقضائي يف آتيا البطحاء‬
‫‪-‬التمهيد‬
‫‪-1‬مولده‬
‫‪-2‬تعليمه‬
‫‪-3‬توليه القضاء يف آتيا البحطاء‬
‫‪-4‬رحالته العلمية خارج البالد‪..‬‬
‫‪-5‬إنتاجه العلمي‪..‬‬
‫أ‪-‬الناسخ واملنسوخ يف القرآن الكريم‬
‫ب‪-‬خمطوطة القرآن السفري‪..‬‬
‫ج‪-‬خمطوطة إن يف النحو‪..‬‬
‫د‪-‬منظومة احلروف يف (‪ )500‬بيت‪ ،‬وهي ايضا‬
‫يف النحو‪.‬‬
‫ه‪-‬النواصب (منظومة)‪.‬‬
‫‪ -‬اخلالصة‪..‬‬
‫‪ -‬املصادر واملراجع‬

‫‪230‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬تمهيد‪..‬‬
‫من العلماء الذين أدوا أدوارهم االجتماعية خير أداء القاضي احمد بن‬
‫عبد الكريم الحسيني المعروف بطبيك‪ ،‬كما هو مكتوب في ختمه على بعض‬
‫كتبه‪ ،‬أو طبيق كما هو متداول‪ ،‬وهو شخصية علمية برزت في مجال العلوم‬
‫الشرعية في األساس‪ ،‬ولكنه خلف لنا مؤلفات عديدة في علوم القرآن الكريم‬
‫أهمها‪ :‬القرآن السفري‪ ،‬ومخطوطته الناسخ والمنسوخ‪ ،‬وترك لنا أعماال علمية‬
‫في النحو العربي‪ ،‬مثل‪ :‬الحروف النحوية‪ ،‬والنواصب‪ ،‬وكلها مخطوطة‪ ،‬وصلت‬
‫إلى يد الباحث من ابنه البار األستاذ‪ /‬زين الدين احمد عبد الكريم‪.‬‬
‫‪-1‬مولده‬
‫ولد الشيخ القاضي احمد بن الكريم الحسيني التجاني في مطلع القرن‬
‫العشرين‪ ،‬ويحدد أوالده مولده‪ ،‬بحوالي سنة ‪1900‬م‪ ،‬في البدو في دار‬
‫العرب السيارة (العرب الرحل) في منطقة أم كوارم بالبطحاء وسط شاد‪ ،‬فنشأ‬
‫وترعرع في البادية العربية الشادية‪ ،‬وقام يرعى المواشي خاصة األبقارالكثيرة‬
‫التي تمتاز بها هذه المنطقة إلى اليوم‪.‬‬
‫‪-2‬تعليمه‬
‫تلقى تعليمه األولي في البادية‪ ،‬والذي تركز في األساس على حفظ‬
‫القرآن الكريم وتجويده‪ ،‬فحفظ احمد بن عبد الكريم القرآن الكريم في صغره‬
‫على يده والده عبد الكريم الحسيني‪ ،‬كما هو عادة علماء شاد الذين يورثون‬
‫أوالدهم حفظ القرآن الكريم وتجويده‪ ،‬ويعتبرونه األساس الذي ال يكتسب‬
‫اكتسابا في الكبر‪ ،‬وإنما يسعى العالم إلى تحفيظ ابنه القرآن منذ الصغر‪ ،‬ثم‬
‫يحاول أن يساعده في اكتساب العلوم الدينية األخرى‪ ،‬بعد أن يكبر‪ ،‬وذلك‬
‫على قاعدتهم المأثورة (الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر)‪ ،‬وأهم ما‬

‫‪231‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫يحفظ لدى المسلم في شاد عامة‪ ،‬وابن العالم الذي اكتسب تجربة شخصية‬
‫في ذلك خاصة‪ ،‬أن يحفظ القرآن الكريم في الصغر‪.‬‬
‫ولما حفظ القرآن الكريم وجوده لدى أبيه‪ ،‬سمح له بان يهاجر لطلب‬
‫االستزادة في العلم‪ ،‬فهاجر إلى منطقة البطحاء‪ ،‬فتلقى علوم الفقه عن شيخه‬
‫الجليل صالح أبي شرف الدين الخذامي‪ ،‬والشيخ الخذامي تلقى علمه عن‬
‫شيخه الكبير العالم العالمة عامر المنصور الراشدي (من قبيلة أوالد راشد‬
‫الشادية)‪ ،‬ولما أتم تعليمه لدى شيخه صالح الخذامي‪ ،‬أذن له بان ينتقل إلى‬
‫دار الشيخ الكبير السوقي أبي الحرم‪ ،‬الذي تلقى علمه عن شيخه العالمة‬
‫محمد جبر الملقب بابي راس (كناية عن كبر رأسه‪ ،‬ومقدرته على استيعاب‬
‫العلوم الدينية واللغوية المختلفة )‪ ..‬والشيخ أبو راس أستاذ في العلوم‬
‫المختلفة لعدد كبير من علماء شاد في القرن التاسع عشر‪ ،‬ثم واصل الشيخ‬
‫احمد بن عبد الكريم تنقله في رياض العلماء‪ ،‬حتى وصل إلى يد المعلم‬
‫الماهر السيد حديد‪ ،‬وهو يتميز بإجادته لألحاديث الشريفة‪ ،‬فقرأ على يديه‬
‫صحيح البخاري ومسلم‪ ،‬والصحاح األخرى‪ ،‬وعلم مصطلح الحديث‪ ،‬ومعرفة‬
‫رجال الحديث والرواة واألسانيد‪ ،‬وغيرها من علوم الحديث‪.‬‬
‫وتلقى الشيخ احمد بن عبد الكريم علوم التوحيد‪ ،‬وثبت علوم اللغة‬
‫العربية والعلوم الفقهية‪ ،‬على يد شيخه أبي حمزة المصقلي‪ ،‬ثم اتصل بعد‬
‫ذلك بالشيخ السائح احمد الداح الفالتي الذي مر بمدينة آتيا متوجها إلى‬
‫الحجاز‪ ،‬وهو قرأ على شيخه العالمة الفا هاشم الفالني المتوفي في المدينة‬
‫المنورة‪ ،‬وأهم ما تلقى عن شيخه احمد الداح الفالتي تثبيت األحاديث النبوية‬
‫الشريفة رواية وشرحا‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-3‬توليه القضاء في آتيا البحطاء‬


‫وبعد أن أشتهر الشيخ احمد بن عبد الكريم الحسيني‪ ،‬بإجادته للعلوم‬
‫التي درسها على أساتذته السابقين‪ ،‬وتميزه فيها على جميع أنداده وزمالئه‬
‫العلماء في منطقة البطحاء‪ ،‬وعرف أيضا باتساع معارفه ومداركه العلمية‬
‫والفكرية‪ ،‬ونبغ وأصبح من الذين يشار إليهم بالبنان‪ ،‬اختير لتولي القضاء في‬
‫مدينة آتيا عاصمة محافظة البطحاء وسط شاد‪ ،‬وكان ذلك في سنة ‪1935‬م‬
‫تحت الحكم االستعماري الفرنسي‪ ،‬وذلك بعد أن قربه السلطان محمد‪،‬‬
‫سلطان الباللة‪ ،‬وقدمه إلى السلطات الفرنسية‪ ،‬باعتباره األكثر كفاءة لتولي‬
‫القضاء في مدينة آتيا التي تعتبر المرج المرجع للقضاء في جميع المراكز‬
‫اإلدارية التابعة لها‪ ،‬ولهذا فان جميع القضايا الهامة والمستأنفة من المناطق‬
‫األخرى يتم الفصل فيها في آتيا العاصمة‪ ،‬فاقر الفرنسيون هذا االختيار من‬
‫قبل السلطان محمد سلطان الباللة‪ ،‬وعينوا الشيخ احمد بن عبد الكريم‬
‫الحسيني قاضيا شرعيا في آتيا رسميا سنة ‪1935‬م‪.‬‬
‫وهذا من أهم األدلة على استعانة السلطات الفرنسية أيام االستعمار‪،‬‬
‫بعلماء ومثقفين محليين في تسيير إدارة البالد‪ ،‬وهو ما ينفي االدعاء بأنها‬
‫الوحيدة التي أعدت المثقفين الذين أداروا السلطة أيام االستعمار وما بعده‪،‬‬
‫بل ساهمت المؤسسات اإلسالمية التعليمية الشادية‪ ،‬في إعداد نخبة من‬
‫العلماء والمثقفين الذين ساهموا ويساهمون إلى اليوم في إدارة البالد‪ ،‬وظل‬
‫الشيخ احمد بن عبد الكريم في هذا المنصب أطول فترة من عام ‪1935‬م‬
‫إلى ‪1948‬م‪ ،‬حيث نقل بعدها نقال إداريا‪ ،‬إلى القضاء في منطقة أم حجر‪،‬‬
‫حيث ظل في القضاء فيها عدة سنوات‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وبعد ذلك اخذ الشيخ احمد بن عبد الكريم الحسني‪ ،‬يميل نحو واجبه‬
‫األساسي‪ ،‬والذي لم يتخل عنه لحظة‪ ،‬وهو نشر العلوم الدينية لتي يعرفها‪ ،‬من‬
‫الفقه والحديث وتفسير القرآن الكريم واللغة العربية إلى تالميذه الذين بدءوا‬
‫يكثرون بالتدرج‪ ،‬ولكن القضاء يأخذ من وقته‪ ،‬الذي أراد أن يبذله كله‪ ،‬في‬
‫تعليم الناس وتثقيفهم‪ ،‬فقدم إلى السلطات الفرنسية استقالته عن القضاء سنة‬
‫‪1958‬م‪ ،‬من اجل التفرغ للتعليم واإلفتاء واإلرشاد‪.‬‬
‫ويروي أن السلطات الفرنسية رفضت قبول االستقالة االختيارية منه‬
‫باعتبار انه موظف رسمي‪ ،‬واإلدارة والقضاء في حاجة إلى جهوده‪ ،‬فأصر‬
‫الشيخ احمد عبد الكريم على موقف‪ ،‬فساومته السلطات الفرنسية‪ ،‬بان يرد‬
‫إليها جميع المبالغ المالية التي تقاضها طيلة عمله معها من سنة ‪1935‬م إلى‬
‫سنة ‪1958‬م‪ ،‬فأرسل احد تالمذته‪ ،‬ليحمل إليه الجراب الذي وضعه في‬
‫مكان معين من منزله‪ ،‬فأخذه إلى مكتب الحاكم العسكري الفرنسي‪ ،‬ففتحه‬
‫ووجد جميع النقود التي كان يتقاضاها الشيخ منهم كاملة‪ ،‬وبدون أن يتصرف‬
‫في شيء منها‪ ،‬فتعجب الحاكم العسكري واإلداري الفرنسي‪ ،‬ولم تبق له‬
‫حجة في رفض استقالة الشيخ عن القضاء‪ ،‬وعندها تحرر الشيخ من العمل في‬
‫القضاء‪ ،‬وبذل كل جهده في إعداد طالبه وتالمذته‪.‬‬
‫‪-4‬رحالته العلمية خارج البالد‪..‬‬
‫وبعد االستقالة من القضاء‪ ،‬سمح له ذلك الفراغ‪ ،‬بالقيام بعدة رحالت‬
‫خارجية أهمها‪ :‬رحلته إلى الجنينة بالسودان ولقائه بالشيخ الكبير أبو القاسم‬
‫والعديد من العلماء‪ ،‬هذا اللقاء الذي سمح له باالحتكاك بشيوخ الطريقة‬
‫التجانية في الجنينة‪ ،‬وسافر في سنة ‪1965‬م‪ ،‬إلى األراضي المقدسة للحج‬
‫والعمرة‪ ،‬فاستغل هذه الرحلة للتزود بالعلم‪ ،‬والتحاور مع عدد من العلماء‬

‫‪234‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الذين التقى بهم في الطريق إلى الحج‪ ،‬أو في األراضي المقدسة خاصة في‬
‫مكة والمدينة‪.‬‬
‫وبعد رجوعه من الحج‪ ،‬مال الشيخ احمد بن عبد الكريم إلى التصوف‬
‫عامة وإلى الطريقة التجانية بشكل خاص‪ ،‬فتاقت نفسه إلى زيارة مدينة فاس‬
‫بالمغرب‪ ،‬حيث مثوى وضريح الشيخ أبي العباس احمد بن محمد التجاني‬
‫رضي اهلل عنه‪ ،‬فوصل إلى هناك سنة ‪1967‬م‪ ،‬حيث التقى مع جميع الخلفاء‬
‫والمقدمين‪ ،‬والسيما الشيخ الخليفة إدريس العراقي‪ ،‬فاخذ عنهم من العلوم‬
‫الدينية عامة والصوفية خاصة ما شاء اهلل له أن يأخذ‪ ،‬فتعلق بهذه المدينة‬
‫وعلمائها اشد التعلق‪ ،‬بعد رجوعه منها‪ ،‬واخذ األمل يراوده في أن يزورها‪،‬‬
‫ويزور ساكنيها لمرات األخرى‪ ،‬فزارها للمرة الثانية سنة ‪1975‬م‪ ،‬وعاش مع‬
‫أهل المدينة من العلماء والمشايخ عيشة وصفها بكثير من اإلعجاب‪.‬‬
‫ومن المعروف أن مدينة فاس والمغرب عموما من المنابع الثقافية‬
‫الهامة في شاد عموما‪ ،‬فال يذكر عالم من علماء شاد‪ ،‬إال وله عالقات بفاس‪،‬‬
‫سواء قام هو نفسه بزيارتها واستفاد من علمائها‪ ،‬أو تلقى العلم من الذين‬
‫زاروها واستفادوا من علمائها‪ ،‬وهذا المالحظة تصدق أكثر ما تصدق في‬
‫السادة التجانية في شاد‪.‬‬
‫‪-5‬إنتاجه العلمي‪..‬‬
‫أثرت الطريقة الشادية في التواضع العلمي‪ ،‬والذي يبعد أهله عن الكتابة‬
‫والتأليف‪ ،‬باعتبار ذلك من عالمات التكبر والتعالي‪ ،‬على حياة الشيخ احمد‬
‫بن عبد الكريم الحسيني‪ ،‬ومع ذلك فقد ترك للمكتبة العربية اإلسالمية في‬
‫شاد عددا من المخطوطات النفيسة‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وتعميما للفائدة‪ ،‬وسعيا من الباحث إلشراك باحثين آخرين معه‬


‫لالستفادة من إنتاج الشيخ أحمد عبد الكريم طبيك‪ ،‬فسيحاول أن يعرض أمام‬
‫الباحثين‪ ،‬صورا من أعماله‪ ،‬كما أعطاها للباحث إبنه المرحوم زين العابدين‬
‫أحمد طبيق في حياته‪ ،‬ومبينا في كل عمل‪ ،‬عنوانه وعدد صفحاته وتاريخ‬
‫وصوله إلى مكتبة الباحث‪.‬‬
‫أ‪-‬الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم‪ ،‬وهي منظومة مكونة من (‪)63‬‬
‫بيتا مطلعها‪:‬‬
‫حرره ـ ـ ـ ــا الس ـ ـ ـ ــيوطي ذو الرس ـ ـ ـ ــوخ‬ ‫عشـ ـ ـ ـ ـرون آي ـ ـ ـ ــة م ـ ـ ـ ــن المنس ـ ـ ـ ــوخ‬
‫وص ـ ـ ـ ـ ــية للوال ـ ـ ـ ـ ــدين ق ـ ـ ـ ـ ــد ثب ـ ـ ـ ـ ــت‬ ‫أوله ـ ـ ــا ف ـ ـ ــي س ـ ـ ــورة البك ـ ـ ــر أت ـ ـ ــت‬
‫ف ـ ـ ـ ــي س ـ ـ ـ ــورة النس ـ ـ ـ ــاء ب ـ ـ ـ ــاكتراث‬ ‫منسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوخة بآيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة المي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراث‬
‫اهلل أعطـ ـ ـ ـ ــى كـ ـ ـ ـ ــل حـ ـ ـ ـ ــق للـ ـ ـ ـ ــذي‬ ‫أو بح ـ ــديث المص ـ ــطفى للترم ـ ــذي‬
‫مـ ـ ـ ـ ــن الصـ ـ ـ ـ ــحابة كـ ـ ـ ـ ــذا األتبـ ـ ـ ـ ــاع‬ ‫أو كـ ـ ـ ــان نسـ ـ ـ ــخها بـ ـ ـ ــه إجمـ ـ ـ ــاع‬
‫وفضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلها تعبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالوة‬ ‫ونسـ ـ ـ ـ ــخها للحكـ ـ ـ ـ ــم ال الـ ـ ـ ـ ــتالوة‬
‫واختتم المؤلف كتابه الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم بقوله‪:‬‬
‫قد نسخت أكثر آيات ترى‬ ‫برا‬ ‫بسورة‬ ‫السيف‬ ‫وآية‬
‫والخلق في ذا ثابت يقينا‬ ‫عشرينا‬ ‫أربعا‬ ‫آي‬ ‫ماية‬
‫ال تعجلن عليهم يا خلي‬ ‫وولي‬ ‫اعرض‬ ‫اصفح‬ ‫فمثل‬
‫واختتم المنظومة بقوله‪:‬‬
‫القرآن‬ ‫آية‬ ‫عليه‬ ‫وافتح‬ ‫يا رب سهل للضعيف الجاني‬
‫ويالحظ أن هذا العمل المنظوم قام به الشيخ احمد بن عبد الكريم‪،‬‬
‫ليقدم خدمة لطالب العلم‪ ،‬خاصة علماء علوم القرآن‪ ،‬فقد ساد اعتقاد لدى‬

‫‪236‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫طالب العلم في هذه المناطق‪ ،‬بان النظم يسهل الحفظ ويقرب العلوم‪،‬‬
‫ويجمع العلوم المشتتة في قيد بسيط يسهل حفظه وتداوله لدى الطالب‪.‬‬
‫وهذه صورة طبق األصل عن المخطوط‪ ،‬لنسهل عمل الباحثين‬
‫المتخصصين والمهتمين بدراسة وتحقيق مثل هذه األعمال‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪238‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪239‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪240‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪241‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪242‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-2‬مخطوطة القرآن السفري‪..‬‬


‫وهي أيضا منظومة على طريقة الناسخ والمنسوخ مكونة من (‪ )61‬بيتا‬
‫ابتدأها المؤلف بقوله‪:‬‬
‫في حضر وسفر بيان‬ ‫القرآن‬ ‫لمنزل‬ ‫الحمد‬
‫وترك الحضر من كثرته‬ ‫قلته‬ ‫من‬ ‫السفر‬ ‫فعدد‬
‫واختتم الشيخ احمد بن عبد الكريم مخطوطه عن القرآن السفري‬
‫بقوله‪:‬‬
‫إلى المدينة بهجرة الكبر‬ ‫وسورة المطففين في السفر‬
‫وسورة المصر بنعن منهية‬ ‫وصورة الكوثر في الحديبية‬
‫وقد تميز الشيخ احمد بن عبد الكريم في تأليفه هذا بالمبادرة‪ ،‬حيث‬
‫لم يعتمد فيه كثيرا على احد من العلماء بعينه‪ ،‬كما فعل في الناسخ والمنسوخ‪،‬‬
‫واعتماده على السيوطي‪ ،‬رغم أن األول منثور‪ ،‬وأضاف إليه النظم وبعض‬
‫التعديالت والتفسيرات‪.‬‬
‫وأورد هنا نسخة طبق األصل تعميما للفائدة‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪244‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪245‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪246‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪247‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-3‬مخطوطة إن في النحو‪..‬‬
‫‪-4‬منظومة الحروف في (‪ )500‬بيت‪ ،‬وهي ايضا في النحو‪.‬‬
‫‪-5‬النواصب (منظومة)‪.‬‬
‫وقد وجدت أسماء هذه المخطوطات الثالث‪ ،‬في نهاية المخطوطتين‬
‫السابقين‪ ،‬والتي توجد أصولهما لدى ابن الشيخ احمد بن عبد الكريم‬
‫األستاذ‪ /‬زين الدين احمد عبد الكريم‪ ،‬وخط بجانب هذه المخطوطات‬
‫معلومات هامة‪ ،‬تفيد بان هذه المخطوطات أصولها لدى الشيخ احمد‬
‫الشريف بميدغري نيجيريا‪ ،‬وذلك على قول األستاذ يوسف عبد الهادي‬
‫بتاريخ ‪1988‬م‪.‬‬
‫وحينما زار الشيخ احمد الشريف انجمينا عام ‪1992‬م قابله الباحث‬
‫وسأله عن صحة هذه المالحظة ووجود هذه المخطوطات في مكتبته‪ ،‬فقال له‬
‫أنها موجودة لديه‪ ،‬أخذها بنفسه من الكاتب وتوجد في مكتبته في بيته‬
‫القديم‪ ،‬وهو يجهز مكتبته في منزله الجديد وأعطاه االنطباع‪ ،‬باستعداده‬
‫لتسليم هذه المخطوطات لمن يريدها بمجرد انتقال الكتب إلى المقر‬
‫الجديد‪.‬‬
‫وبدأ بعض الباحثين العناية بدراسة وتحقيق مساهمات الشيخ أحمد عبد‬
‫الكريم‪ ،‬حيث أعد الباحث عيسى حسن جمعة رسالة ماجستير حول‬
‫مساهماته النحوية‪ ،‬كلية اللغة العربية جامعة الملك فيصل بشاد‪.‬‬
‫‪-6‬المنظومة المخمسة لمنية المريد وهي من مصادر الطريقة التجانية‬
‫المتداولة في شاد‪.‬‬
‫‪-7‬رحلة إلى فاس لزيارة سيدي احمد ابي العباس‪ ..‬وهي رحلة تحوي‬
‫معلومات هامة تصف طريقه إلى فاس‪ ،‬ومعلومات عن العلماء الذين قابلهم‬

‫‪248‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫هناك‪ ،‬وما صادفه من صعاب في الطريق‪ ،‬وما جمعه من معلومات هامة‪ ،‬وما‬
‫خبره من تجارب روحية‪ ،‬أثرت على تفكيره‪ ،‬وجعلته يزور فاس في آخر أيام‬
‫حياته‪ ،‬وقد تم طبع هذه الرحلة في كتاب‪ ،‬في الفترة األخيرة‪(.‬الحسيني‪،‬‬
‫القرآن السفري)‬
‫وما طمأن الباحث قليال هو وعد ابنه األستاذ‪ /‬زين الدين احمد‪ ،‬بأنه‬
‫بصدد جمع تراث والده الذي تركه في قريتهم في البطحاء‪ ،‬ونقله إلى المدينة‬
‫وجمعه في مكان يسهل االطالع العلمي عليه‪(.‬الحسيني‪ ،‬الناسخ والمنسوخ)‬
‫ومن المالحظ أن المعلومات عن الشيخ احمد بن عبد الكريم تفيد بان‬
‫له كتبا ومؤلفات أخرى لم نعثر عليها بعد‪.‬‬
‫وبعد رجوع الشيخ احمد بن الكريم الحسيني من زيارته العلمية‬
‫والروحية من فاس بالمغرب‪ ،‬انقطع للتدريس والتصوف‪ ،‬في آتيا البطحاء‪،‬‬
‫يعلم ويربي تالميذه على السلوك القويم‪ ،‬وينهاهم عن حب مظهر الدنيا‪،‬‬
‫واالنشغال بالعلم فهو األهم‪ ،‬إلى أن أصابه المرض‪ ،‬فاخذ يتألم منه‪ ،‬حتى‬
‫وافته المنية‪ ،‬فانتقل إلى رحمة ربه سنة ‪1977‬م بمدينة آتيا البطحاء‪ ،‬حيث‬
‫دفن بها‪ ،‬وقد بلغ من العمر (‪ )77‬سنة قضاها في خدمة العلم واألمة‬
‫والحضارة اإلسالمية‪ ،‬وبرز هذا الدور بشكل واضح في أعماله التي علقنا على‬
‫بعضها في السابق‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -‬الخالصة‪..‬‬
‫هذه معلومات متواضعة حول حياة القاضي احمد بن عبد الكريم‬
‫الحسيني الملقب بطبيك‪ ،‬حاولنا أن نوضح من خاللها بعض الجهود التي‬
‫بذلها هذا العالم في تلقي العلم اإلسالمي ونشره‪ ،‬وفي القضاء والتدريس‬
‫والكتابة‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المصادر والمراجع‬
‫أ‪-‬المصادر‬
‫‪ - 1‬الحسيني‪ ،‬أحمد (طبيك) عبد الكريم‪ :‬الناسخ والمنسوخ في‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬مركز مخطوطات المعهد الوطني للعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة‬
‫شاد‪+،‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬جامعة الملك فيصل بشاد‪ ،‬خزانة‬
‫أيوب للمخطوطات والوثائق العربية‪.‬‬
‫‪ -2‬الحسيني‪ ،‬أحمد (طبيك) عبد الكريم‪ :‬مخطوطة القرآن السفري‪،‬‬
‫مركز مخطوطات المعهد الوطني للعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة شاد‪+،‬مركز البحوث‬
‫والدراسات اإلفريقية‪ ،‬جامعة الملك فيصل بشاد‪ ،‬خزانة أيوب للمخطوطات‬
‫والوثائق العربية‪.‬‬
‫‪ -3‬الحسيني‪ ،‬أحمد (طبيك) عبد الكريم‪ :‬مخطوطة إن في النحو‪،‬‬
‫مركز مخطوطات المعهد الوطني للعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة شاد‪+،‬مركز البحوث‬
‫والدراسات اإلفريقية‪ ،‬جامعة الملك فيصل بشاد‪ ،‬خزانة أيوب للمخطوطات‬
‫والوثائق العربية‪.‬‬
‫‪ -4‬الحسيني‪ ،‬أحمد (طبيك) عبد الكريم‪ :‬منظومة الحروف في‬
‫(‪ )500‬بيت‪ ،‬وهي ايضا في النحو‪ ،‬مركز مخطوطات المعهد الوطني للعلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬جامعة شاد‪+،‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬جامعة الملك‬
‫فيصل بشاد‪ ،‬خزانة أيوب للمخطوطات والوثائق العربية‪.‬‬
‫‪ -5‬الحسيني‪ ،‬أحمد (طبيك) عبد الكريم‪ :‬النواصب (منظومة)‪ ،‬مركز‬
‫مخطوطات المعهد الوطني للعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة شاد‪+،‬مركز البحوث‬
‫والدراسات اإلفريقية‪ ،‬جامعة الملك فيصل بشاد‪ ،‬خزانة أيوب للمخطوطات‬
‫والوثائق العربية‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪- 6‬الحسيني‪ ،‬أحمد (طبيك) عبد الكريم‪ :‬رحلة إلى فاس لزيارة‬
‫سيدي احمد أبي العباس األولى والثانية‪ ،‬ويليها كتاب التربية التجانية‪ ،‬وشرح‬
‫صالة الفاتح وجوهرة الكمال‪( ،‬ب‪.‬د) القاهرة‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫ب‪ -‬المراجع‪:‬‬
‫‪ -1‬عبد الكريم‪ ،‬أستاذ‪/‬زين الدين احمد (طبيك)‪ :‬مقابلة حول (حياة‬
‫والده وإنتاجه العلمي) في منزله حارة شارع أربعينأنجمينا‪ ،‬الساعة التاسعة‬
‫صباحا بتاريخ‪1993/10/15 :‬م‪ ،‬وقد سجل هذه المعلومات حول والده‪،‬‬
‫في ورقات بخط يده وصلتني نسخة منها في الفترة األخيرة‪ ،‬وهي ال تختلف‬
‫كثيرا عن المعلومات التي أعطاني إياها شفويا‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل السابع‪:‬‬
‫الشيخ حممد املهدي الصمبانـجاي(‪821400–1325‬هـ‬
‫‪19-1907‬م)قاضي قضاة مدينة أنـجمينا‬
‫• التمهيد‬
‫أوال‪ :‬مكانة العلم والعلماء يف السودان الغربي‬
‫ثانياً‪ :‬تأثري القاضي حممد املهدي الصمباجناي حول حبرية‬
‫الشط‬
‫أ‪ -‬استقراره يف مدينة فورت المي ‪( 1936‬أجنمينا حالياً)‪:‬‬
‫ب ‪ -‬النشأة العلمية حملمد املهدي يف السودان الغربي (مالي)‪:‬‬
‫ج ‪ -‬نشره للعلم واملعرفة (دروسه وحلقاته وفتاويه وحواراته‬
‫ونقاشاته العلمية)‬
‫د ‪ -‬توليه منصب قاضي القضاة يف فورت المي (‪– 1953‬‬
‫‪1963‬م)‬
‫ثالثا‪ :‬إنتاجه العلمي (خمطوطاته ورسائله)‪:‬‬
‫أ ‪ -‬كتابه املسمى احلصر يف الفنون العشر‪ ،‬ومل يعثر‬
‫الباحث على نسخة منه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬كشف الغوامض عن ذوي الفرائض‪.‬‬
‫ج ‪ -‬مبادئ التصوف‪ ،‬ومل يعثر الباحث على نسخة منه‪.‬‬
‫د‪ -‬رسالة يف نصوص صوم رمضان مساها كف القناع عن‬
‫عدم ثبوت رمضان باملذياع‪.‬‬
‫ه ‪ -‬وله قصائد عديدة‬
‫• اخلالصة‬
‫• املصادر واملراجع‬

‫‪253‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -‬التمهيد‬
‫ينطلق بحث تأثر الشيخ القاضي محمد المهدي الصمبانجاي‬
‫(‪1400 –1325‬هـ) حول بحيرة الشط‪ ،‬من فرضية أساسية مفادها‪ ،‬أن‬
‫الميراث العلمي والثقافي الذي أزدهر في مدينة تنبكتو‪ ،‬قد ظل يشع بأنوارها‬
‫في المناطق المجاورة لها في الغرب والشمال والوسط اإلفريقي‪.‬‬
‫وقد أتيح للباحثين أن يدرسوا هذه اآلثار في كل من غرب إفريقيا‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫دراسة الشيخ موسى كمرا‪ ،‬التي بعنوان‪ :‬أشهى العلوم وأطيب الخبر في سيرة‬
‫الحاج عمر‪ ،‬التي أشار فيها إلى تأثر علماء السودان الغربي (مالي) على‬
‫الحياة العلمية والثقافية والسياسية على سكان غرب إفريقيا(كمرا‪.)5،‬‬
‫وقد أتيح للباحث أن يطلع على عدد من اآلثار الثقافية والعلمية‬
‫لعلماء تنبكتو على شمال إفريقيا والمغرب‪ ،‬مثل أعمال أحمد بن القاضي‬
‫التنبكتي‪ :‬مصلح فوالني في بالد المغرب‪ ،‬التي أشار فيها إلى مالحظات هامة‬
‫حول الحياة االجتماعية والعلمية والثقافية والسياسية في المغرب ورأيه العلمي‬
‫)‬
‫حولها‪(.‬التنبكتي‪12 ،‬‬
‫وما أشار إليه البرتلي في فتح الشكور في معرفة علماء تكرور‪ ،‬من‬
‫أدوار لبعض علماء المدرسة التنبكتية ومحاوراتهم مع زمالئهم من علماء‬
‫المغرب العربي(البرتلي‪.)23،‬‬
‫وما كتبه أحمد بابا في معراج الصعود‪ ،‬وغيره من الكتب التي كتبها في‬
‫المغرب أثناء تواجده هناك‪ ،‬يدل داللة هامة على مدى التواصل العلمي بين‬
‫علماء المدرسة التنبكتية وعلماء المغرب(بابا‪.)25 ،‬‬
‫ولكن الدراسات العلمية محدودة حول دور علماء المدرسة التنبكتية‬
‫على وسط إفريقيا ومنطقة حوض بحيرة الشط خاصة‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومن هنا جاءت أهمية هذه الدراسة لتلقي الضوء على بعض جهود‬
‫علماء منطقة السودان الغربي (مالي) الذين تم تكوينهم وإعدادهم على‬
‫األسس التربوية للمدرسة التنبكتية‪.‬‬
‫وقد وجد الباحث أنه من المناسب أن يعرض في بداية هذه الجهود‬
‫أعمال الشيخ القاضي محمد المهدي الصمبانجاي (‪1400 – 1325‬م)‬
‫الذي نقل جميع خصائص الجو التعليمي والثقافي في المجتمع التنبكتي‪،‬‬
‫الذي قام على إعالء مكانة العلم والعلماء‪ ،‬وركز البحث على بعض مظاهر‬
‫هذا الجو ومنها‪:‬‬
‫العناية باألمانة العلمية في نقل تراث العلوم اإلسالمية‪ ،‬خاصة التي‬
‫تطورت في المغرب العربي‪ ،‬ولكن علماء تنبكتو لم ينكفئوا عليه فقط‪ ،‬بل‬
‫اتصلوا بالعلوم اإلسالمية في المشرق العربي ودعوا كبار علمائهم لنشر العلم‬
‫والمعرفة في مراكزهم ومدنهم‪ ،‬خاصة في جامعة سنكري وغيرها‪ ،‬ويمكن‬
‫اإلشارة هنا إلى االستفادة من أعمال الشيخ السيوطي وغيره من علماء‬
‫المشرق اإلسالمي‪.‬‬
‫ومن خصائص كمال العلم والعلماء في هذه المنطقة حكمتهم في‬
‫التسامح والمرونة في التعامل مع عادات وتقاليد شعوب المنطقة‪ ،‬وما تال ذلك‬
‫من رفع لروح اإلحسان والتضحية في جميع سلوك العلماء واإلكبار من‬
‫اإلحسان والتضحية إذا وقعت من المسلمين واعتبار ذلك من شعائر اإلسالم‪،‬‬
‫فقد أشارت الكتابات المحلية إلى أن األساس في انتشار مدن مثل تنبكتو‬
‫وجنى في السودان الغربي كان التضحية واإلحسان ليس من الرجال بالدرجة‬
‫األولى‪ ،‬بل من محسنات من النساء اإلفريقيات في البداية‪ ،‬ثم تزكية هذه‬
‫األعمال من العلماء والرجال‪ ،‬بل ومن الحكام‪ ،‬مما أعطى مكانة خاصة‬

‫‪255‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫لجهود اإلحسان والتضحية وارتباطها بالعلم والعلماء‪ ،‬وهنا يمكن اإلشارة إلى‬
‫السيدة الغاللية العظيمة التي ساهمت في إنشاء المراحل األولى من جامعة‬
‫سنكري العظيمة‪.‬‬
‫ثم جاءت جهود القضاة والعلماء والحكام لتأييد أعمالها وإكمال ما‬
‫بدأته من تضحية بمالها من أجل رفع راية العلم والمعرفة في تنبكتو بعد ذلك‪،‬‬
‫ثم ذاع صيت هذه الجامعة بعدما تـبـنّى مشروعها الملوك والسالطين في جميع‬
‫مراحل دولة مالي اإلسالمية‪ ،‬وال تكتمل صورة الخصائص المميزة لتنبكتو‬
‫وعلمائها إال باإلشارة إلى ما أولوه من عناية بمكانة القضاة واإلمامة تمكينا‬
‫وتثبيتا للقيم اإلسالمية السابق ذكرها‪ ،‬حيث كان للقاضي صالحيات رعاية‬
‫التعليم‪ ،‬ودور العبادة‪ ،‬والذكر‪ ،‬وداخليات طالب العلم‪ ،‬وحماية األرامل‬
‫لقصر حتى يكبروا‪.‬‬
‫واأليتام‪ ،‬ورعاية أموال اليتامى‪ ،‬وا ّ‬
‫وللقضاة في القيام بهذه األعمال والوظائف اليد الطولى المسموح لهم‬
‫بها من قبل الملوك والسالطين‪ ،‬ناهيك عن االستقالل في الشؤون المالية‬
‫برعاية الزكاة واألوقاف وهبات المحسنين مع المخصصات الرسمية الممنوحة‬
‫لهم من المال العام للدولة والمملكة‪ ،‬ولهذا رأى الكتاب أن القاضي في‬
‫تنبكتو هو الذي يعين األئمة في المساجد الكبيرة‪ ،‬ويرعى شؤون المساجد‪،‬‬
‫وبالتالي ال يُسمح عادة بالجمع بين القضاء واإلمامة إال في حالة واحدة نادرة‪.‬‬
‫وما يميز خصائص هذه المنطقة في رعايتها للعلم والعلماء والقيم‬
‫السامية المصاحبة لهذه المكانة‪ ،‬ليس نشأتها وثباتها في الكتابات والروايات‬
‫المحلية التي وصلت إلينا عن طريق كتب ومخطوطات موثوقة‪ ،‬وإنما قدرتها‬
‫على االستمرار عبر العصور‪ ،‬رغم الظروف والتيارات الجارفة التي هبّت عليها‪،‬‬
‫وأهمها الغزو األوربي خاصة الفرنسي للسودان الغربي‪ ،‬حيث الحظ الباحث‬

‫‪256‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫في هذه الدراسة أن الشيخ القاضي محمد المهدي الصمبانجاي قد حافظ في‬
‫جهوده وأعماله على معظم الخصائص العامة للثقافة التنبكتية العلمية التي‬
‫أشرنا إليها في الجزء األول من ثنايا هذا البحث‪.‬‬
‫أما الجزء الثاني فخصص لتأثير الشيخ محمد المهدي على المجتمع‬
‫الشادي عامة‪ ،‬وسلطنة بقرمية خاصة‪ ،‬مستفيدا من نشأته في أسرة دينية‬
‫ساهمت في تكوينه العلمي األولي لدرجة حفظ أكبر قدر من القرآن الكريم‬
‫والكتب األولية في الفقه والنحو واللغة العربية‪ ،‬ثم شجعته إلى الرحلة العلمية‬
‫إلكمال تعليمه العالي في بالد شنقيط (موريتانيا حاليا) وكان نعم الطالب حيث‬
‫استطاع استيعاب علوم أساتذته بأدب جم‪ ،‬ووالء تام‪ ،‬إلى أن استأذن من‬
‫أستاذه العلمي والروحي بتلك الطريقة الذكية بكتابته لتلك القصيدة البهية‪،‬‬
‫التي أعطت االنطباع ألستاذه والطالب النابهين لديه‪ ،‬أنه يستحق اإلجازة‬
‫واإلذن له بالسفر إلى األراضي المقدسة (الحجاز)‪ ،‬وكانت رحلته رحلة عالم‬
‫حل في منطقة إال وكان للدروس حظ منها‪ ،‬فنشر العلم‬
‫عامل بعلمه‪ ،‬فما ّ‬
‫والمعرفة وزكاها‪.‬‬
‫إلى أن وصل إلى منطقة أنجمينا‪ ،‬فورت المي عام ‪1936‬م‪ ،‬ووجد‬
‫فيها من األتباع والتالميذ‪ ،‬من هم في حاجة ماسة لعلمه وثقافته الواسعة‪،‬‬
‫فأكرموه وأعزوا العلم الذي يحمله‪ ،‬وكان لهذا اإلكرام واإلعزاز كبير األثر في‬
‫شخصية القاضي محمد المهدي‪ ،‬في أن يتخذ قراره الحازم‪ ،‬بأن يُـفضِّل هذه‬
‫ودرس فيها العلم‪ ،‬ووجد‬
‫المنطقة على غيرها من بالد اإلسالم‪ ،‬التي عرفها ّ‬
‫فيها الحفاوة وحرارة االستقبال ما ال يحصى‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وكان لرعاية تلميذه اإلمام حسن دمان‪ ،‬ابن شيخ القبيلة العربية‬
‫المشهورة في بوطة الفيل‪ ،‬شأنه في استقرار محمد المهدي في فورت المي‪،‬‬
‫وتعيينه فيما بعد قاض للقضاة في العاصمة فورت المي أيام الفرنسيين‪.‬‬
‫ولم يكتف الشيخ محمد المهدي بهذه الوظيفة‪ ،‬بل ظل محافظا لإلرث‬
‫الثقافي لقضاة تنبكتو‪ ،‬فظل يرعى التعليم اإلسالمي ويدرس بعض الفنون‬
‫بنفسه‪ ،‬واشتهر منها‪ :‬بالتفسير‪ ،‬وأصول الحديث رواية ودراية‪ ،‬وقواعد العربية ـ‬
‫رغم العجمة القليلة البادية على لسانه ـ‪ ،‬وعلوم الفقه المالكي‪ ،‬خاصة‬
‫الميراث‪ ،‬الذي لنا منه كتاب كامل بعنوان‪ :‬كشف الغوامض عن ذوي الفرائض‬
‫على مذهب اإلمام مالك بن أنس‪ ،‬وعلوم األدب العربي‪ ،‬التي له منها قصائد‬
‫كادت أن تكون ديوانا‪ ،‬كما يذكر الشيخ إبراهيم صالح في كتابه‪ :‬االستذكار‬
‫لما لعلماء كانم‪-‬برنو من أخبار‪.‬‬
‫وقد ذكر للباحث بعض تالميذه وأهمهم‪ ،‬الشيخ موسى عمر عبد العزيز‬
‫(عميرة) عضو المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية في أنجمينا حاليا‪ ،‬أن‬
‫الشيخ محمد المهدي كان له جدول في الدروس والعلوم السابق ذكرها‪،‬‬
‫صعُب حتى على تالميذه متابعته فيه من دقته‪ ،‬وطول المدة التي يقضيها فيه‪،‬‬
‫فيومه كله موزع تقريبا بين القضاء والتدريس‪ ،‬لدرجة أن تالميذه تدخلوا في‬
‫منح أستاذهم بعض الوقت للراحة‪ ،‬خاصة في أيامه األخيرة‪ ،‬فكان ال يوافقهم‬
‫على تعديل جدوله إال مرغما‪.‬‬
‫وتميزت حياته العامة بالمشاركة‪ ،‬في الشؤون الثقافية واالجتماعية‬
‫والسياسية‪ ،‬كعالم عامل بعلمه‪ ،‬رغم ما ذكره بعضهم من تأثره بالتصوف‪،‬‬
‫ولكنه تصوف عمل وجهاد‪ ،‬ولم تعرف عليه العزلة والخلوة‪ ،‬حتى في أصعب‬
‫أيام حياته السياسية‪ ،‬حيث اتهم بالدخول في صراعات بين المسلمين‬

‫‪258‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫والمسيحيين‪ ،‬من أصحاب األحزاب السياسية‪ ،‬وساعد في ذلك رجوع تيار‬


‫المثقفين باللغة العربية من مصر الناصرية‪ ،‬فرأوا في منهج الشيخ محمد‬
‫المهدي مهادنة للفرنسيين أو أتباعهم‪ ،‬وع ّدوه ضمن علماء السلطان‪ ،‬بينما‬
‫هو متصف بخاصية التسامح المعروف في المدرسة التنبكتية‪.‬‬
‫وظل مرفوع الرأس‪ ،‬مكابرا مجاهدا بعلمه وثقافته‪ ،‬على طريقته الخاصة‬
‫التي شرحناها في ثنايا البحث‪ ،‬مستدال باألدلة الشرعية المنتقاة من المذهب‬
‫المالكي‪ ،‬والمضاف إليها و ْعيهُ المعروف عنه بأصول الحديث النبوي‪،‬‬
‫واالستفادة منه رواية ودراية‪ ،‬فعلّم عددا من التالميذ على الطريقة التنبكتية‬
‫المعتمدة على حفظ المتون على المذهب المالكي‪ ،‬مع عناية ملحوظة باألدب‬
‫العربي‪ ،‬خاصة الشعر الذي اعتبره علماء السودان الغربي عنوان ثقافتهم‪.‬‬
‫فكلَّما استطاع العالم من منطقة السودان الغربي التعبير عن أفكاره‬
‫وآرائه شعرا‪ ،‬كلما دل ذلك على إلمامه بالعربية والعلوم اإلسالمية‪ ،‬وتجاوزه‬
‫للعجمة واللهجات المحلية‪ ،‬التي هي لغة عامة الناس‪ ،‬وارتقائه إلى لغة كبار‬
‫المثقفين‪ ،‬وهي اللغة العربية‪ ،‬وأعلى إتقان للعربية عندهم هو القدرة على قرض‬
‫الشعر بها على حسب بحوره وقوافيه‪ ،‬واستعمال ما استصعب فهمه وبـعُد‬
‫استخدامه من كلمات العرب‪ ،‬وقصيدة الشيخ محمد المهدي الصمبانجاي‬
‫التي أوردناها في هذا البحث هي أهم دليل على هذه الثقافة وهذا اإلتقان‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -1‬مكانة العلم والعلماء في السودان الغربي‬


‫ورثت مجتمعات السودان الغربي عددا من المميزات والخصائص التي‬
‫تبجل مكانة العلم والعلماء من أسالفهم األوائل الذين أنشأوا وأداروا مراكز‬
‫ومدنا إسالمية‪ ،‬مثل‪ :‬تمبكتو وجنى‪ ،‬ومساجد وجامعات إسالمية‪ ،‬مثل‪ :‬جامعة‬
‫سنكري العظيمة‪.‬‬
‫ونظرا للظروف الموضوعية لهذا البحث الذي يركز على أثر عالم واحد‬
‫من علماء السودان الغربي في الفترة التي سبقت دخول االستعمار الفرنسي‬
‫إلى هذه المناطق وهو العالم محمد المهدي الصمبانجاي من علماء السودان‬
‫الغربي (مالي) الذي ساهم في نشر العلوم اإلسالمية في السودان األوسط‬
‫(بحيرة الشط)‪ ،‬فإننا سوف نركز على مظاهر معينة لمكانة العلم والعلماء في‬
‫السودان الغربي (مالي) وهي المظاهر التي لها أثر واضح على نشأة وحياة‬
‫الشيخ محمد المهدي الصمبانجاي‪ ،‬مثل‪ :‬دور علماء السودان الغربي في نقل‬
‫العلوم اإلسالمية إلى إفريقيا ما وراء الصحراء بأمانة علمية مشهودة‪ ،‬وكذلك‬
‫مظاهر التسامح في نشر اإلسالم‪ ،‬واإلحسان والتضحية في ذلك‪ ،‬مع اإلشارة‬
‫إلى تركيزهم الشديد على القضاء واإلمامة كوظائف أساسية من وظائف العلم‬
‫والعلماء في المنطقة‪.‬‬
‫يولي العلماء في السودان الغربي عناية كبيرة لألمانة والصالح في نقل‬
‫العلوم اإلسالمية‪ ،‬فقد ذكر موالي أحمد بابيراألوراني في كتابه السعادة األبدية‬
‫في التعريف بعلماء تنبكتو البهية‪ ،‬نقال عن الفقيه القاضي محمد الكابري أنه‬
‫قال «أدركت من صالحي سنكري من ال يـ ْق ُدم عليهم أحد في الصالح والعلم‬
‫إال أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم»(األوراني‪.)79 ،‬‬

‫‪260‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ويشير في موقع آخر إلى أن هؤالء العلماء تميزوا بنقل العلوم اإلسالمية‬
‫التي على مذهب اإلمام مالك رحمه اهلل دون غيره من المذاهب اإلسالمية مما‬
‫جعل «أهلها كلهم مالكيون‪ ،‬وعقيدتهم عقيدة أهل السنة‪ ،‬مطهرون من النوايا‬
‫المنحرفة الواهية‪ ،‬والعقائد الفاسدة العنكبوتية»( األوراني‪.)50،‬‬
‫ومن يالحظ إنتاجهم العلمي يكتشف هذه األمانة العلمية في نشر‬
‫العلوم اإلسالمية في أصفى صورها‪.‬‬
‫ويمكن االستشهاد هنا بعمل الشيخ أحمد بابا التنبكتي‪ :‬معراج‬
‫الصعود‪ ،‬فهو عمل علمي فقهي سياسي مكمل للقواعد الشرعية‪ ،‬التي كتبها‬
‫محمد بن عبد الكريم المغيلي (ت ‪1503‬م) وجالل الدين السيوطي (ت‬
‫‪1505‬م)‪ ،‬والعملين العلميين اآلخرين كانا إجابات ألسئلة قدمها األمير الحاج‬
‫محمد أسكيا السنغاي لكال العالمين‪ ،‬بينما كتاب معراج الصعود ألحمد بابا‬
‫التنبكتي ُكتِب بعد ذلك بزمن طويل‪ ،‬ولكنه حافظ على المنهج العلمي في‬
‫النقل والتوثيق وتحليل األدلة الشرعية بنفس نسق صاحبيه المغيلي‬
‫والسيوطي(بابا‪.)5 ،‬‬
‫ومما ساعد علماء السودان الغربي (مالي) في االحتفاظ باألمانة العلمية‬
‫في نقل العلوم اإلسالمية بأمانة‪ ،‬أن ما يدرس في جامعة سنكري ومساجد‬
‫وحلقات العلوم اإلسالمية في السودان الغربي‪ ،‬مماثل – تقريبا – لنفس‬
‫المنهج والكتب التي كانت تدرس في المراكز اإلسالمية العلمية مثل األزهر‪،‬‬
‫وفاس‪ ،‬والقيروان‪.‬‬
‫فمن الكتب المتداول تدريسها عند علماء السودان الغربي (مالي)‪:‬‬
‫كتاب الموطأ لمالك‪ ،‬والمدونة لسحنون‪ ،‬والمختصر لخليل‪ ،‬واألصول‪،‬‬
‫والبيان‪ ،‬والمنطق‪ ،‬وأصول السبكي‪ ،‬وتلخيص المفتاح‪ ،‬وألفية العراقي‪،‬‬

‫‪261‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وصغرى السنوسي‪ ،‬وشرح الجزرية‪ ،‬وحكم ابن عطاء اهلل مع شرح زروق‪،‬‬
‫ونظم ابن مقرعة للهاشمية في التنجيم(بابا‪.)3 ،‬‬
‫ومن الكتب التي تدرس عندهم أيضا‪ :‬الرسالة للقيرواني وجامع المعيار‬
‫للدنشريسي‪ ،‬ومدخل ابن الحاج‪ ،‬ومقدمة التاجوري‪ ،‬وصحيح الجوامع‬
‫للسبكي‪ ،‬ودليل القائد والقرطبي والتوضيح على ابن الحاج‪ ،‬وصحيح البخاري‬
‫ومسلم وصحيح الترمذي‪ ،‬والشفا في التعريف بحقوق المصطفى للقاضي‬
‫عياض‪ ،‬وتحفة الحكام البن عاصم‪ ،‬ورجز المغيلي في المنطق‪ ،‬والمعجزات‬
‫الكبرى للسيوطي‪ ،‬والجامع الصغير‪ ،‬وإضاءة الدجنة‪ ،‬وعقيدة السنوسي‬
‫المعروفة بأم البراهين‪ ،‬وتسهيل ابن مالك‪ ،‬والخزرجية في العروض‪ ،‬وألفية ابن‬
‫مالك‪ ،‬وألفية السيوطي في النحو‪ ،‬والمية الزقاق‪ ،‬ومقامات الحريري‪ ،‬والمتي‬
‫العرب والعجم‪.‬‬
‫وبشكل عام فإن العلوم التي يستوجب استيعابها عند طالب العلم في‬
‫السودان الغربي هي‪ :‬الفقه‪ ،‬واألصول‪ ،‬وعلوم الحديث‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والقراءات‪،‬‬
‫والعقائد‪ ،‬وعلوم اللغة العربية (النحو والمعاني والبيان واألدب والشعر)‬
‫والحساب والفلك‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والسيرة النبوية‪ ،‬وغير ذلك من العلوم اإلسالمية‬
‫التي كانت تدرس في سائر أنحاء العالم اإلسالمي في ذلك الحين(البرتلي‪،‬‬
‫‪.)94-30‬‬
‫وكان لهذه المناهج والكتب المدروسة والعلماء الذين درسوها كبير‬
‫األثر في تكوين صفوة من الدعاة والعلماء ذاع صيتهم في السودان الغربي‪،‬‬
‫وبرز تأثيرهم في الشمال اإلفريقي اإلسالمي‪ ،‬وهنا يمكن االستشهاد بدور‬
‫أحمد بن القاضي التنبكتي الذي زار تونس والمغرب في ذهابه ورجوعه من‬

‫‪262‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الحج إلى بيت اهلل الحرام‪ ،‬فكتب رسالتين تدالن على متانة منبعه في العلم‬
‫والدعوة إلى اهلل على بصيرة‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫هتك الستر عما عليه سودان تونس من الكفر‪.‬‬
‫وشكاية الدين المحمدي إلى رعاية الموكلين به‪.‬‬
‫ويعلق المحققان لهاتين الرسالتين على تأثيرهما بقولهما‪:‬‬
‫«ويمثل النصان تجاوز الحركة اإلصالحية بالسودان الغربي إلطارها‬
‫الجغرافي وامتداد أثرها شماال إلى تونس والمغرب‪ ،‬ولهذا فهذان النصان‬
‫يمثالن مساهمة في تأريخ المجتمعات المغربية وتأثير العناصر السودانية في‬
‫ثقافتها وهو تأثير أعمق مما نتصوره عادة»(التنبكتي‪.)49-47 ،‬‬
‫وكان التسامح هو الغالب في نشر علوم اإلسالم من قبل العلماء في‬
‫السودان الغربي إلى المناطق األخرى‪ ،‬فقد أشار األوراني‪ ،‬إلى أن التسامح كان‬
‫دأب سكان هذه المناطق‪ ،‬فعلى سبيل المثال ذكر أن «تنبكت لها فضائل ال‬
‫تحصى منها‪ :‬أن كل من كان خائفا أو هاربا يأمن‪ ،‬ومن سكن فيها عاما أو‬
‫أكثر نسي مكانه وال يرجع‪ ،‬ومن نوى ألهلها سوء قبل دخوله فيها فمتى دخل‬
‫ينساه أو يتوب‪ ،‬فهي مدينة لم تزل من حين أسست دار فقه وعلم وصالح‬
‫ودين ووالية‪ ،‬وال يخفى ما في أهلها من السماحة وحسن السياسة والرياضة‪،‬‬
‫ال غلظة فيهم وال فظاظة‪ ،‬ال ينكرون عادة غريبا‪ ،‬وال ينقصون أجنبيا‪ ،‬وكل‬
‫ذلك مما ُش ِحنُوا من الخيرات وعاد من رجالها من البركات‪ ...‬مقامها من‬
‫السودان مقام الوجه من اإلنسان»(األوراني‪.)49 ،‬‬
‫وتجاوز هذا التسامح الديني القواعد والمعامالت الفقهية ليصل إلى‬
‫العادات والتقاليد‪ ،‬فقد كان التوجه اإلسالمي بين علماء منطقة السودان الغربي‬
‫يقوم على أن على اإلنسان المسلم اإلفريقي أن يغير ما بذاته حتى يكون قادرا‬

‫‪263‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫على تغيير المجتمع الذي حوله‪ ،‬ولذلك فقد اهتم علماء السودان الغربي‬
‫بتعميم التربية اإلسالمية‪ ،‬من أجل تكوين إنسان منسجم مع المجتمع الذي‬
‫يطمح إلى إقامته(سيسي‪.)311 ،‬‬
‫ونفس هذه الصورة من التسامح في نشر العلوم اإلسالمية في السودان‬
‫الغربي أشار إليها بوكاري ندياي حينما قال‪« :‬إن دعاة اإلسالم حرصوا – عند‬
‫بداية دخول المنطقة التي تشكل دولة مالي الحالية – على عدم إلغاء كل‬
‫التقاليد واألعراف التي وجدوها قائمة في عين المكان‪ ،‬ذلك أنهم رأوا من‬
‫المفيد لنشر اإلسالمي التسامح إزاء ما كان سائدا من مظاهر السلوك‬
‫االجتماعي‪ ،‬وذلك حينما ال يالحظ فيها ما يمس بالمبادئ األساسية للدين‬
‫الجديد‪ ،‬والتي يمكن لموقف التسامح تجاهها أن يخدم انتشار اإلسالم على‬
‫الشعوب التي لم تؤمن بعد به‪ ،‬وقاعدتهم في ذلك‪ :‬أن كل تقليد يفوق وجوده‬
‫أربعين عاما‪ ،‬وال يكون فيه مساس بالمبادئ الجوهرية الموجودة في القرآن‬
‫واألحاديث النبوية يمكن التسامح تجاهه‪ ،‬ولكن دون األمر به‪ ،‬وهكذا فإننا‬
‫نجد أنفسنا أمام مزيج من تعاليم اإلسالم‪ ،‬ومن األعراف المحلية التي رأى‬
‫دعاة هذا الدين التسامح تجاهها خدمة النتشار اإلسالم الذي كانوا يدعون‬
‫إليه‪(.‬ندياني‪.)319 ،‬‬
‫وباإلضافة إلى األمانة العلمية في نقل العلوم اإلسالمية وسماحة‬
‫صدورهم في تجاوزهم عن بعض العادات المحلية التي ال تخالف تعاليم‬
‫ا ٍإلسالم‪ ،‬اتسم العلماء في السودان الغربي بالتضحية واإلحساس فيما يُعلي‬
‫كلمة اهلل ويرفع العلم‪.‬‬
‫فقد ذكر علي كولوغوديالو أن الشيخ محمد بن عمر المرجي (ت‬
‫‪1946‬م) قد أدرك في وقت مبكر أهمية امتالك المصادر العلمية لذلك بعث‬

‫‪264‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫إلى السوق بقطيع األبقار الذي كان في حوزته‪ ،‬والذي كان يتكون من سبعة‬
‫وأربعين رأسا‪ ،‬واستخدم ما عاد عليه من ثمنها جميعا في شراء الكتب من‬
‫تونس والمغرب‪ ،‬وهكذا كون خزانته الخاصة التي كانت من أغنى الخزانات‬
‫في المنطقة‪(.‬ديالو‪)303 ،‬‬
‫وكان لهذا العالم كبير األثر اإلسالمي في منطقة شاد‪ ،‬حينما زارها في‬
‫طريق رحلته إلى الحج فكان يقيم الدروس واإلرشاد والمواعظ الدينية في كل‬
‫يحل بها‪ ،‬مما جعل العدد الكبير من المواليد الذين ازدادوا أو ولدوا‬
‫منطقة ّ‬
‫بعد زيارته أيام االستعمار الفرنسي أن يُس ّموا باسمه‪ ،‬فلنا اآلن في شاد قادة‬
‫كبار باسم الشيخ ابن عمر‪ ،‬وصل واحد منهم إلى وزير للخارجية الشادية‬
‫وزميله اآلخر إلى رئيس لجامعة شاد‪ ،‬وتقلد عدداَ من الوزارات منها وزارة‬
‫التخطيط‪.‬‬
‫ويظهر من التاريخ االجتماعي لمنطقة السودان الغربي أن األساس في‬
‫إنشاء أكبر مدينتين إسالميتين في المنطقة وهما تنبكتو وجنى‪ ،‬وأكبر مؤسسة‬
‫تعليمية إسالمية هي جامعة سنكري‪.‬‬
‫كان األساس في إنشاء هذه المؤسسات اإلسالمية اإلحسان والتضحية‬
‫ليس من رجال المنطقة فحسب بل من نسائها المحسنات‪.‬‬
‫فحول إنشاء مدينة تنبكتو تؤكد الروايات والكتب المحلية أخذ اسم‬
‫هذه المدينة العظيمة من امرأة كانت تقوم بخدمة الطوارق أثناء ورودهم لبئر‬
‫الماء التي تسكن حولها‪ ،‬وتحرس لهم أمتعتهم وحوائجهم التي ال يريدون‬
‫حملها معهم لثقلها أو للضمان والحفظ الذي توفره لهم هذه السيدة‬
‫المحسنة‪ ،‬فنحت اسم المدينة من اسمها «بكتو» و«توم» وتعني «البئر»‬
‫وبذلك أصبحت المنطقة ترمز إلى االرتواء واألمانة‪ ،‬فالسيدة «بكتو» تحرس‬

‫‪265‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫البئر وتتوالها‪ ،‬فتوفر في المنطقة الماء واألخالق‪ ،‬ثم تحولت المنطقة من‬
‫مجرد استراحة بسيطة للقبائل الرحل إلى مركز تجاري هام ومن ثم جذبت‬
‫العلماء والفقهاء من كل بلدان العالم يتلقون العلوم اإلسالمية في جامعتها‬
‫سنكري(الوريقاتي‪.)190 ،‬‬
‫وذكرت بعض الكتب تضحية والد بابنته من أجل إنشاء مدينة جنى‪،‬‬
‫حيث تشير القصة المأثورة حول تأسيس المدينة في التاريخ القديم إلى أن‬
‫كاهنة أشارت إلى الملك أنه قبل بناء السد والسور للمدينة القديمة عليه‬
‫بالتضحية بفتاة شابة‪ ،‬فتطوع حاكم المدينة الذي يسمى جنور بابنته الشابة‪،‬‬
‫فانبرى أحد أفراد رعيته‪ ،‬ففدى بنت الحاكم بابنته الشابة‪ ،‬بحجة أن قدره‬
‫وقدر قبيلته دون قدر الملك جنور‪ ،‬فسعى بالتضحية بابنته الشابة للرفع من‬
‫مكانته ومكانة قبيلته‪ ،‬وذلك بسبب إسهامهم بالتضحية بابنتهم من أجل إنشاء‬
‫سور المدينة بسالم وطمأنينة(الدالي‪.)43 ،‬‬
‫وهكذا استمرت التضحية واإلحسان من أهل السودان الغربي‪ ،‬حيث‬
‫أشار الكتاب ومن بينهم السعدي إلى أن الذي قام ببناء جامعة السنكري‬
‫سيدة غاللية فاضلة كانت ذات ثروة وحسب ونسب‪ ،‬وقد ذاع صيت هذه‬
‫الجامعة لما بلغته من مستوى علمي رفيع‪ ،‬وجعلت من مدينة تنبكتو عاصمة‬
‫من عواصم الدين والعلم واألدب في بالد السودان‪ ،‬وكانت جامعة سنكري‬
‫تقوم بنفس المهمة التي تقوم بها معاهد ومدارس وجامعات فاس ومراكش‬
‫والقاهرة الدينية من حيث أساليب التدريس وغيرها‪ ،‬وكذلك المنهج والكتب‬
‫المقررة‪ ،‬والتدقيق في نوعية األساتذة ومدى إجادتهم للفنون العلمية التي‬
‫يدرسونها(شعبان‪.)12 ،‬‬

‫‪266‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وفي مجال العطاء والبذل واإلحسان الذي كان األساس في التطور‬


‫العلمي في السودان الغربي‪ ،‬البد من اإلشارة إلى جهود سالطين هذه البالد‬
‫في رحالتهم إلى الحج التي كانت مناسبات للبذل والعطاء في جميع ميادين‬
‫البر واإلحسان‪ ،‬فيذكر أن السلطان أسكيا محمد في رحلته إلى الحج تصدق‬
‫بمائة ألف مثقال من الذهب‪ ،‬واشترى في المدينة قطعة أرض ومبنى إليواء‬
‫حجاج بالد السودان الغربي‪ ،‬كما اشترى بساتين وجعلها وقفا على أهل بالده‪،‬‬
‫وفي مكة ابتاع ضيعة وبنى عليها دارا‪ ،‬ثم حبسها على بيت اهلل الحرام‪ ،‬ثم‬
‫اشترى سلعا وهدايا مختلفة من أسواق مكة‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن الكتاب يشيرون إلى أن رحلته كانت أقل لفتا لالنتباه من‬
‫رحلة حج السلطان موسى بعده باعتباره أقل سخاء من موسى(علي‪.)69 ،‬‬
‫وحدد األوراني إحسان وعطايا الحاج محمد أسكيا على النحو التالي‪:‬‬
‫«تصدق على فقراء الحرمين بمائة ألف دينار ذهبا‪ ،‬واشترى بمثله جنانا وبيوتا‬
‫وحبسها على الفقراء والعلماء والمساكين ومن أتى من السودان الغربي في‬
‫تلك األرض المباركة‪ ،‬وهي معروفة هناك إلى اآلن‪ ،‬واشترى السلع وجميع ما‬
‫يحتاج إليه بمائة ألف»(األوراني‪.)66 ،‬‬
‫وذكر الكتاب ما أورده ابن بطوطة من مآثر السلطان منسا موسى أنه‬
‫سخي كريم يحب العلماء ويجذل لهم العطاء‪ ،‬وهو الذي منح أبا إسحاق‬
‫الساحلي مبلغا ضخما وقدره أربعة آالف مثقال‪ ،‬ويذكر ابن خلدون أن المبلغ‬
‫أكثر من ذلك بكثير‪ ،‬فما حمله الشيخ الساحلي حسب رأي ابن خلدون من‬
‫الذهب مائة حمل من التبر كل حمل ثالثة قناطير‪ ،‬وما حمله السلطان منسا‬
‫قدره بعض الباحثين بثمانين حمال من التبر في كل حمل‬
‫موسى معه إلى الحج ّ‬

‫‪267‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثالثة قناطير‪ ،‬أهدى منها الكثير في طريقه إلى الحج للملوك والسالطين‬
‫والعلماء والمساكين‪(.‬الدالي‪.)36 – 33 ،‬‬
‫التركيز على القضاء واإلمامة لتأمين تثبيت العلوم اإلسالمية‪:‬‬
‫وال يمكن إنهاء مظاهر البيئة العلمية والسياسية واالقتصادية التي‬
‫اتصفت وتميزت بها بالد السودان الغربي التي نشأ وترعرع فيها القاضي‬
‫محمد المهدي الذي نكتب عنه إال بإعطاء بسطة موجزة عن التركيز الذي‬
‫أولته هذه البيئة لوظيفتي القاضي واإلمام‪ ،‬باعتبارهما من أهم الوظائف التي ال‬
‫يقوم بها إال العلماء الصلحاء األولياء في هذه المناطق‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى المصادر والمراجع التي تناولت المنطقة نجد األوراني قد‬
‫ذكر من قضاة المنطقة األتقياء ثالثين قاضيا‪ ،‬بدأهم بالقاضي محمد الكابر‪،‬‬
‫وأنهاهم بالقاضي عمر شرف بن القاضي أحمد بابا التنبكتي المشهور‪.‬‬
‫وذكر من األئمة تسعة وعشرون إماما‪ ،‬هذا في المسجد الجامع في‬
‫تنبكتو فقط‪ ،‬وأقر الشيخ األوراني أن القاضي هو الذي ينصب اإلمام في‬
‫المسجد الكبير‪ ،‬واستشهد بحادثة وفاة اإلمام صديق بن محمد تعلي‪ ،‬حيث‬
‫تنازع أهل الجامع الكبير بين الفقيه كداك الفالني والفقية أحمد بن صديق‪،‬‬
‫فاختار القاضي العاقب الفقيه كداك لسعة علمه إماما للمسجد‪ ،‬فباإلضافة‬
‫على صفات العلم والصالح والمعرفة الشاملة للعلوم الشرعية يجب أن يتصف‬
‫اإلمام بااللتزام بواجبات اإلمامة‪ ،‬ومنها أن ال يتخلف عن أداء الصالة أبدا‪،‬‬
‫واستشهد الشيخ األوراني في هذه الميزة باإلمام كاتب موسى الذي مكث في‬
‫اإلمامة أربعين سنة‪ ،‬لم يتخلف ولو في صالة واحدة ألجل صحة البدن‪ ،‬وذكر‬
‫بأن اإلمام سيد أبو القاسم التواتي سكن بجوار المسجد من جهة القبلة ليس‬
‫بين المسجد وداره إال الطريق الضيق‪ ،‬بعدما ابتنى محضرا (محضرة) قبالة‬

‫‪268‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المسجد الصقة به‪ ،‬وفيها يعلّم األطفال‪ ،‬وال يُسمح بأن تجتمع وظيفتي‬
‫القضاء واإلمامة عادة‪ ،‬إال في حالة نادرة‪ ،‬ذكرها األوراني‪ ،‬وهي حالة القاضي‬
‫اإلمام العاقب بن العاقب بن العاقب بن محمود‪ ،‬حيث إنه لما مات القاضي‬
‫محمد كلفه األمير أسكيا داود بحمل القضاء فجمع بين المرتبتين إلى أن‬
‫ب في صالة من الصلوات‪ ،‬إال في مرض موته رحمه اهلل‪،‬‬
‫توفي‪ ،‬ولم يُ ْستـن ْ‬
‫ووقعت هذه الحالة الفريدة في مسجد سنكري الجامع فقط(علي‪91 ،38 ،‬‬
‫– ‪.)96‬‬
‫ونظرا لخطورة منصب القاضي هذا‪ ،‬كان العلماء ال يتقبلونه إال تحت‬
‫إلحاح وتمسك شديدين من سلطان البالد‪ ،‬وذلك لما كانوا يرونه من تبعة‬
‫ومسئولية خطيرتين أمام ربهم في حالة قبوله‪ ،‬والخوف من اإلخالل فيه بواجب‬
‫األمانة‪ ،‬ولذلك كانوا عند قبوله يتحملونه بأمانة وجدارة‪ ،‬حتى أنه لم يسمع‬
‫أخل مرة بشرف العدالة وهو يتولى مسؤولية القاضي في‬
‫عن واحد منهم أنه ّ‬
‫هذه البالد‪ ،‬ويذكر أنه منذ زمن السلطان أسكيا محمد فإن السلطة في مدينة‬
‫تنبكتو في الواقع في يد القاضي المعين من قبله‪ ،‬وله استقالل تام من حاكم‬
‫المدينة‪ ،‬فالقاضي هو الحاكم األعلى فيها‪ ،‬والمشرف على النظام‪ ،‬والمراقب‬
‫للعادات‪ ،‬وكانت له اعتراضات كثيرة على بعض قرارات الموظفين اإلداريين‬
‫للدولة‪ ،‬والواقع أن عناية الحاكم بالقاضي في بالد السودان الغربي لم تكن‬
‫كما هو معلوم من ابتكار سلطان سنغاي‪ ،‬ألن الباحث يلمس هذا االهتمام‬
‫بمكانة القاضي لدى سالطين دولة مالي السابقين له والالحقين‪ ،‬الذين كانوا‬
‫حريصين على تقريبه منهم وخطب ودَّهُ في كل وقت وحين‪ ،‬كما كانوا يتحينون‬
‫الفرص ليشاركهم القاضي في أسفارهم وتنقالتهم داخل أقاليم الدولة – بل‬
‫داخل المدينة الواحدة‪ ،‬وذلك في أثناء الجوالت التفقدية العادية التي كانوا‬

‫‪269‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫حريصين خالل القيام بها إلى االستماع إلى تظلمات الرعية‪ ،‬ورفعها عنهم بإذن‬
‫القاضي‪ ،‬وبالتالي جذبت مكانة القاضي هذه‪ ،‬الناس إلى اللجوء إليه في‬
‫مختلف قضاياهم بدال من االتصال المباشر بالسلطات الرسمية األخرى‬
‫للدولة‪ ،‬لذلك كان للقاضي معاونون كثيرون يرسلهم إلى الجهات الحكومية‬
‫إلبالغ رغبات المواطنين وشكاويهم‪ ،‬وتولي القاضي بجانب الفصل في‬
‫الخصومات بين الناس مهمة توجيه المراقبة على األحوال المدنية والشؤون‬
‫األخالقية ورعاية أموال اليتامى حتى البلوغ‪ ،‬وعلى أموال المتوفين لحين‬
‫حضور ورثتهم الشرعيين أو موكليهم‪ ،‬على أن أهم وظائف القاضي كانت‬
‫تتمثل في اإلشراف على التعليم ومتابعة سير مناهجه‪ ،‬كما كان يُعيّن المدرسين‬
‫في منطقته‪ ،‬ويحصي عدد الطالب ويقدم المساعدات إلى المحتاجين منهم‬
‫ويقوم ببناء المدارس والمساجد‪ ،‬ويهتم بتوسيعها وترميمها وذلك كله من خزينة‬
‫السلطان أو الدولة ومن فاعلي الخير‪ ،‬وبالتالي فإن سلطات القاضي واسعة‬
‫نظرا لما يباشر من وظائف كثيرة‪ ،‬ويساعده على أداء واجبه استقامته وإخالصه‬
‫في القيام بكل واجباته بأمانة وصدق‪ ،‬مما يكسبه احترام السلطة الرسمية‬
‫(السلطان وأعوانه) وحب العامة وتقديرهم‪ ،‬وفي الغالب يحكم القاضي في‬
‫السودان الغربي بالمذهب المالكي‪ ،‬ولكل مدينة قاضيها الخاص‪ ،‬أعالهم شأنا‬
‫قاضي مدينة تنبكتو‪.‬‬
‫ومما يميز القاضي في هذه المناطق ويكسبه قوة ومتانة في إصدار‬
‫أحكامه وتنفيذها استقالله االقتصادي باعتماده في تسيير أموره على أموال‬
‫الوقف التي كان هو المسئول المباشر عن اإلشراف عليها‪ ،‬وتحديد أوجه‬
‫(النوين‬
‫صرفها بمساعدة معاونين له يخضعون في كل تصرفاتهم لقيادته وأوامره‬
‫‪.)45‬‬

‫‪270‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فهل كان لمثل هذه البيئة الثقافية والسياسية التي سادت في السودان‬
‫الغربي اثر في نشأة الشيخ القاضي محمد المهدي الصمبانجاي الذي ندرس‬
‫تأثيره على حوض بحيرة الشط؟‬
‫ثانيا‪ :‬تأثير القاضي محمد المهدي الصمبانجاي حول بحيرة‬
‫الشط‪:‬‬
‫أ‪-‬النشأة العلمية لمحمد المهدي في السودان الغربي (مالي)‪:‬‬
‫كان للجو العلمي والثقافي والسياسي في مناطق السودان الغربي في‬
‫بداية القرن العشرين‪ ،‬وظهور االستعمار كعامل مهدد للتراث اإلسالمي الذي‬
‫ذكرت نبذة عنه في الفقرات السابقة‪ ،‬كبير األثر في نشأة الشيخ محمد‬
‫المهدي في بالد السودان الغربي‪.‬‬
‫ذكر الشيخ محمد المهدي الصمبانجاي في السيرة الذاتية التي كتبها‬
‫عن نفسه‪ ،‬وسلّم نسخة منها إلى الشيخ إبراهيم صالح الحسيني الذي نشر‬
‫أجزاء منها في مخطوطه المسمى‪ :‬االستذكار لما لعلماء كانم‪-‬برنو من أخبار‪،‬‬
‫أن الشيخ محمد المهدي من مواليد ليلة الجمعة ‪ 25‬ذو القعدة ‪1325‬هـ‬
‫الموافق ‪1907/12/31‬م بمدينة سومن ِ‬
‫كيد بأرض السودان الغربي سابقا‪،‬‬
‫المعروف اليوم بجمهورية مالي حاليا(الحسيني‪.)77-45،‬‬
‫وقد عرفه الشيخ إبراهيم صالح بأنه‪ :‬الشيخ الجليل والفقيه األصيل‬
‫المحدث الكبير العالمة النحرير القاضي محمد المهدي بن إبراهيم بن فودي‬
‫صمبانجاي بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر السيونكيالمالوي‪ ،‬نشأ في وسط‬
‫علمي‪ ،‬فقد تعلم القرآن على والده إبراهيم‪ ،‬وبعد وفاة والده‪ ،‬وكان عمره عشر‬
‫وجوده في سنتين‪،‬‬
‫سنوات‪ ،‬واصل قراءة القرآن مع شقيقه محمد حبيب اهلل ّ‬
‫وبعد إتمام تعليم القرآن شرع في دراسة الفقه المالكي على يد شقيقه اآلخر‬

‫‪271‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫هدية اهلل‪ ،‬ودرس عليه رسالة أبي زيد القيرواني‪ ،‬في ثمانية عشر شهرا‪ ،‬وأخذ‬
‫عنه مختصر خليل في سنتين‪ ،‬والعاصمية في أربعين يوما‪ ،‬وغيرها من كتب‬
‫الفقه المالكي‪ ،‬وأخذ عنه في اللغة المثلثات والدالية والمقامات وابن دريد‪،‬‬
‫والمقصور والممدود البن مالك وغير ذلك من كتب اللغة واألدب‪.‬‬
‫وقال صاحب الترجمة (محمد المهدي) أن شيخه بايعه على التقوى‬
‫واإلخالص وأوصاه بالنصيحة ومالزمة األذكار والصمت واالعتزال في آناء‬
‫الليل وأطراف النهار وقيام الليل وصيام النهار وتعليم العلم وتدريسه ومالزمة‬
‫الخلوات في الكهوف والمغارات‪ ،‬وأذن له في الصادر والوارد من أهل اهلل‪،‬‬
‫ثم أنه تربى بين يدي شيخه تربية حسنة مدة من السنين‪.‬‬
‫ومن المالحظ أن الشيخ محمد المهدي تلقى علوم الفقه واللغة العربية‬
‫في بالد السودان الغربي ثم أتم منهجه في علوم اللغة العربية في بالد شنقيط‬
‫ولكنه أضاف إليها التصوف‪ ،‬وهو فن يغلب أن يكمل به علماء المنطقة‬
‫تعليمهم باعتباره مقربا إلى التقوى‪ ،‬فعندهم العلم بال ِعقال التقوى يقود إلى‬
‫الحسد والتكبر‪.‬‬
‫ولما رأى الشيخ محمد المهدي أنه استكمل بعض ما كان يرجو تعلمه‬
‫من علماء شنقيط‪ ،‬استأذن من أستاذه الشيخ أحمد بن ِسيدي بن الشيخ‬
‫يدي محمد بن الشيخ ِسيدي الكبير‪ ،‬يطلب منه القيام برحلة أخرى‪ ،‬وهذه‬
‫ِس ِ‬
‫المرة إلى األراضي المقدسة‪ ،‬ولكن طلب هذا اإلذن كان بطريقة ذكية وطريفة‬
‫يحسن بنا أن نذكرها‪ ،‬وهي أنه من اآلداب المرعية بين الطالب وأستاذه أن ال‬
‫مل منه أو أنهى علومه‪،‬‬
‫يذكر له أنه يريد مغادرته‪ ،‬لكي ال يعطي االنطباع بأنه ّ‬
‫ورأى أن هناك علماء أكثر علما منه‪ ،‬وغير ذلك من عوامل الصرف التي قد‬
‫يتصورها األستاذ أو الزمالء‪ ،‬وتثير لدى األستاذ شيء من الريبة أو الغضب‬

‫‪272‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫على طالبه‪ ،‬فكان الطالب األذكياء يلجأون إلى حيلة التورية التي تعلموها من‬
‫أساتذتهم‪ ،‬ويطبقونها من خالل قرض قصيدة متميزة فيها من اإلشارات الذكية‬
‫ما يوحي بطلب اإلذن بالرحيل للطالب من أستاذه‪ ،‬وهذا يعني أن تكون‬
‫القصيدة متميزة ودالة على المقصود‪ ،‬وال يُخبر بها كاتبها إال من يثق به من‬
‫المقربين إلى شيخه‪ ،‬وأن تصله بطريقة غير مباشرة وال مقصودة‪.‬‬
‫واختار الشيخ محمد المهدي قصيدة من البحر الطويل وقافية الالم‪،‬‬
‫وصرح فيها بطلب الرحيل بحجة زيارة األماكن المقدسة (مكة والمدينة)‬
‫ومطلعها‪:‬‬
‫على صدر شمالل تئلُّ ِ‬
‫وتألل‬ ‫حيل ُمشرقا‬
‫الر ُ‬
‫ول وقد ج ّد ّ‬
‫أقُ ُ‬

‫وهي قصيدة دالة على أدب طالب العلم في مطالبتهم بالرحيل من‬
‫أساتذتهم‪ ،‬وفيه من األدلة ما يستفاد منه بلوغ الطالب لدرجة معينة من إجادة‬
‫اللغة العربية مما يسمح له باإلذن بنشرها وتعليمها بعد هذه المرحلة‪.‬‬
‫ومن المالحظ أن أستاذه قد فهم مقصود طالبه من قرض هذه‬
‫القصيدة‪ ،‬بعد أن تم تداولها بين المقربين له وذاع صيتها بين كبار طالب‬
‫س ِمح للشيخ محمد المهدي بالسفر من‬ ‫الشيخ‪ ،‬وفهم الجميع ما يراد منها‪ ،‬ف ُ‬
‫بالد شنقيط التي كان لتتلمذه على شيوخها وتأثره بثقافتها كبير األثر في حياته‬
‫في المستقبل‪ ،‬فقد أشار طالب وتالميذ الشيخ محمد المهدي في فورت‬
‫المي (شاد)‪ ،‬ومن بقي على قيد الحياة منهم إلى اليوم أن منزله كان قبلة‬
‫الزوار من األشراف من المغرب‪ ،‬وأغلبهم من بالد شنقيط‪ ،‬وسنذكر في ثنايا‬
‫هذه الورقة البحثية حادثة لزوار من شنقيط حضرها الشيخ إبراهيم صالح‬
‫الحسيني في منزل الشيخ محمد المهدي في فورت المي‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫مر‬
‫وفي رحلته راجعا من بالد شنقيط إلى الشرق‪ ،‬في طريقه إلى الحج‪َّ ،‬‬
‫بعدد من بالد اإلسالم مثل‪ :‬السنغال ونيجيريا‪ ،‬وجلس فيهما مدرسا للعلوم‬
‫الشرعية والعربية‪ ،‬ولكنه لما وصل إلى فورت المي العاصمة الشادية مكث‬
‫ودرس‬
‫فيها أكثر من إقامته في العواصم والبلدان السابقة‪ ،‬وحلى له المقام َّ‬
‫فيها أصنافا من العلوم واشتهر بتفسيره المطول للقرآن الكريم في رمضان‬
‫وغيره‪ ،‬حتى أنه يذكر البعض أن الشيخ محمد المهدي ظل يفسر سورة واحدة‬
‫من القرآن الكريم ولم يكملها في ثالثة أعوام وهي سورة البقرة‪ ،‬ثم سافر إلى‬
‫السودان الشرقي وسكن في أم درمان مدرسا بالمعهد العلمي فيها‪ ،‬وذلك‬
‫بطلب من شيخ المعهد الشيخ أحمد أبو ذقن‪ ،‬ومكث في التدريس بالمعهد‬
‫سنة كاملة‪ ،‬مشاركا في األنشطة الثقافية والدينية‪ ،‬ثم رحل إلى بور سودان وظل‬
‫فيها سنة كاملة أيضا لم يذكر فيها نشاطه العلمي‪.‬‬
‫ومن مواقفه أنه لما كان في أم درمان تحاور مع الشيخ حسنونة من‬
‫علماء أم درمان حول أفكاره في الذكر بأعداد معينة‪ ،‬والتوسل‪ ،‬ودليل لفظ‬
‫الحديث وعترتي بدل وسنتي‪ ،‬فرد مستدال بالكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫ولما وصل إلى أرض الحجاز درس على إمامها الوهابي أبو السمح عبد‬
‫الظاهر‪ ،‬وقرأ عليه في منزله البالغة ومصطلح الحديث ودواوين العرب والمية‬
‫العرب والمية العجم والصحاح الستة إجازة‪ ،‬فهو وإن كان لم يذكر المدة التي‬
‫قضاها معه‪ ،‬فإن الدراسة عند إمام مكة الوهابي من قبل شيخ متصوف مثل‬
‫الشيخ محمد المهدي يدل على سعة األفق والتسامح الديني الذي عرفناه من‬
‫البيئة العلمية لعلماء السودان الغربي‪ ،‬الذين استفادوا من علوم السيوطي وهو‬
‫شافعي المذهب‪ ،‬رغم ما يعرف عن علماء هذه المنطقة من تمسكهم الشديد‬
‫بالمذهب المالكي‪.‬‬

‫‪274‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫والتقى الشيخ محمد المهدي في مكة الشريف الحسيني الخطابي‬


‫اإلدريسي السنوسي وأخذ عنه األربعين وطرق متفرقة حسب طلبه‪ ،‬ثم زار‬
‫مدينة جده‪ ،‬وقرأ على العالمة الشيخ عبد الرءوف بمنزله البديع والبيان‬
‫والمعاني والسيرة والمنطق‪ ،‬وذلك مدة وجيزة‪.‬‬
‫وفي المدينة المنورة اجتمع الشيخ محمد المهدي بالمعتزلي محمد‬
‫الصويلي‪ ،‬ولما سأل رجل الشيخ محمد المهدي عن ولد صغير مات قبل‬
‫البلوغ‪ ،‬هل يسأل في القبر أم ال؟ فقال الشيخ محمد المهدي‪ :‬ال‪ ،‬وسمعه‬
‫المعتزلي‪ ،‬فقال‪ :‬لم؟ فقال الشيخ محمد المهدي‪ :‬لعدم التكليف‪ ،‬والتكليف‬
‫موجب للسؤال‪ ،‬ومن لم يبلغ فليس عليه سؤال‪ .‬وحصلت بينهما مناقشة‬
‫شديدة‪ ،‬فيمن ال يعذب في القبور‪ ،‬وأنكر محمد الصويلي حديث أبي نعيم في‬
‫الحلية‪ ،‬ورد عليه الشيخ محمد المهدي بأسانيد صحاح‪ ،‬كما رد عليه في‬
‫المتشابهات في الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وكان للشيخ محمد المهدي عالقات وطيدة مع فضيلة الشيخ محمد‬
‫الحافظ بالقاهرة‪ ،‬وذكر الشيخ إبراهيم صالح الحسيني دليال على هذه‬
‫العالقة‪ ،‬أن الشيخ محمد الحافظ ل َّما زار مدينة كانو بنيجيريا كان أول من‬
‫سأل عنه الشيخ محمد المهدي إبراهيم‪.‬‬
‫ب‪-‬استقراره في مدينة فورت المي ‪( 1936‬أنجمينا حاليا)‪:‬‬
‫ولما أتم الشيخ محمد المهدي إبراهيم رحلته إلى الحج‪ ،‬رجع واستقر‬
‫في فورت المي وتوطن فيها – حسب تعبيره – من سنة ‪ 1355‬حتى سنة‬
‫‪1378‬هـ الذي يوافق ‪1967 – 1936‬م‪ ،‬وهنا ظهرت ملكات الشيخ‬
‫درس العلوم الشرعية واللغوية في منزله والجامع‬
‫العلمية والثقافية‪ ،‬فكان يُ ِّ‬
‫الكبير‪ ،‬فذاع صيته وكثر تالميذه‪ ،‬فعُيِّن على منصب قاضي القضاة بالمحكمة‬

‫‪275‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الشرعية بفورتالمي من سنة ‪1963 – 1952‬م‪ ،‬وظل يؤدي دوره التعليمي‬


‫في الحلقات باإلضافة إلى القضاء‪ ،‬ويقسم وقته بشكل يسع وظيفته القضائية‬
‫ويوزع الزمن الباقي على تالميذه‪ ،‬كل يقرأ العلم الذي يريد قراءته‪ ،‬ويدخل‬
‫الكتاب الذي يستطيع فهمه‪ ،‬من فقه ولغة وأدب وأصول وحديث‪ ،‬ويفتخر‬
‫بأنه من أوائل العلماء الذين يُد ِّر ُسون الصحاح الستة رواية‪ ،‬وهذا كله باإلضافة‬
‫إلى تفسيره للقرآن الكريم بالشكل الذي ذكرناه سابقا‪ ،‬مما أعطاه ميزة على‬
‫أقرانه‪ ،‬في اإلحاطة بعلوم الغرب اإلسالمي باإلضافة إلى علوم الشرق التي‬
‫نالها من علماء الحجاز كما أسلفنا‪.‬‬
‫ج‪-‬نشره للعلم والمعرفة (دروسه وحلقاته وفتاويه وحواراته‬
‫ونقاشاته العلمية)‬
‫ويمتاز مجلس درس الشيخ محمد المهدي بفورتالمي بالحكايات‬
‫وال ُْمل ِح والنوادر‪ ،‬وكان يتوسع في الدرس بحيث ينقل جميع ما يتعلق بالقضية‪،‬‬
‫وهي طريقة ناجحة في التدريس بالنسبة للمنتهين – حسب رأي الشيخ‬
‫إبراهيم صالح الحسيني – أما المبتدئين فال تفيد معهم‪ ،‬وهذا واهلل أعلم من‬
‫األسباب التي جعلت انتفاع الناس بعلوم صاحب الترجمة محدودا ولم يُـر في‬
‫هذه البالد أحد ألم ببعض فنون علم الحديث على قاعدة المحدثين مثل‬
‫رسوا‬
‫صاحب الترجمة‪ ،‬ألن غاية علماء هذه البالد في علم الحديث أن ي ْد ُ‬
‫مر‬
‫الموطأ والشفاء واألربعين النووية‪ ،‬وإذا توسع أحدهم مر على الصحيحين ّ‬
‫الكرام‪ ،‬دون رواية محررة وال دراية معتبرة‪ ،‬وال يصير اإلنسان محدثا بمجرد‬
‫ذلك‪ ...‬ولوال أن صاحب الترجمة لم يتجه إلى هذا الفن وحده‪ ،‬واشتغاله‬
‫بالقضاء‪ ...‬وتعرضه للمحن والمناصب الكثيرة‪ ،‬لكان فيه بالمنزلة الرفيعة التي‬
‫ال تنكر‪ ،‬فهو على ثقافة عالية في رواية الحديث‪ ،‬مع أن الغالب على أهل‬

‫‪276‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫هذه البالد أنهم يقولون‪ :‬إن األحاديث تقرأ للتبرك‪ ،‬وإنما تؤخذ األحكام من‬
‫المختصرات في الفقه والفروع‪ ،‬ولقد أدى ذلك إلى عزل المجتمع تماما عن‬
‫السنة ومعرفة علومها‪ ،‬وتسبب في إكباب جهلة الوعاظ على كتب القصص‬
‫مثل قصص األنبياء والمجالس العصفورية ودرة الناصحين‪ ،‬ودقائق األخبار في‬
‫ذكر الجنة والنار ونزهة المجالس‪ ،‬وما ضاهاها‪ ،‬مما ال يعده أهل المعرفة في‬
‫كتب الحديث‪ ،‬ال في القديم وال في الحديث‪.‬‬
‫والشيخ محمد المهدي مالكي المذهب كما هو عادة سكان السودان‬
‫الغربي أشعري العقيدة‪ ،‬يميل إلى مذاهب المحدثين فيما وفيه خالف من‬
‫المسائل بين العلماء‪ ،‬ويعرف الشيخ محمد المهدي ما بين أقرانه بأنه شديد‬
‫المحبة ألهل البيت النبوي‪ ،‬يعظمهم ويكرمهم‪ ،‬لذلك ال يخلو بيته في فورت‬
‫المي منهم في أغلب األحيان‪ ،‬وهذا ما يسهل فهم موقفه من الحادثة التي‬
‫ذكرها الشيخ إبراهيم صالح الحسيني في منزل الشيخ محمد المهدي‪ ،‬حيث‬
‫صلى لهم الفريضة أحد األشراف‪ ،‬فأسرع في الصالة‪ ،‬ولم يذكره القاضي‬
‫محمد المهدي في حينه‪.‬‬
‫د‪-‬توليه منصب قاضي القضاة في فورت المي (‪1963 – 1953‬م)‬
‫ولكن اعتبارا من الفترة التي تولى فيها الشيخ محمد المهدي القضاء‬
‫ظهرت جماعات من بين أبناء السودان الغربي ينادون بالعمل السياسي في‬
‫داخل الجماعة الفرنسية اإلفريقية‪ ،‬وفي أحزاب معينة مثل حزب (‪)M.S.A‬‬
‫و(‪ ،)R.D.A‬وظهر قادة سياسيين مثل سليمان ناي‪ ،‬وجالو‪ ،‬وساكو‪،‬‬
‫وغيرهم‪ ،‬وكان للشيخ محمد المهدي أثره في التوجيه السياسي للمسلمين‬
‫نحو حزب أو قائد دون آخر‪ ،‬فاستقطبته جميع قادة األحزاب السياسية‪،‬‬
‫ولكن حياده السياسي الظاهر لم يشفع له‪ ،‬بعد احتدام الصراع السياسي‬

‫‪277‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫واستقالل البالد من االستعمار الفرنسي عام ‪1960‬م‪ ،‬وتولي الرئيس فرانسوا‬


‫تمبلباي السلطة‪ ،‬وتبع ذلك قمع واضطهاد للقادة السياسيين المسلمين عامة‬
‫والقادة السياسيين من جالية السودان الغربي خاصة‪ ،‬وكانوا يتميزون بالحنكة‬
‫والدراية وارتفاع المستوى التعليمي والخبرة السياسية‪ ،‬باعتبارهم وصلوا إلى‬
‫هذه المناطق أصال كمواطنين معاونين لإلدارة االستعمارية الفرنسية‪ ،‬فكانت‬
‫حظوظهم السياسية ال تقل عن حظوظ أقرانهم من سكان المنطقة بل تفوتها‪،‬‬
‫فلم تـ ْقبل الصفوة السياسية منهم هذا السطو من المسيحيين لتولي قيادة‬
‫الدولة من الفرنسيين‪ ،‬واعتبروا ذلك مؤامرة تُ ِ‬
‫خفي وراءها مظهرا دينيا‪ ،‬حيث‬
‫تـرك الفرنسيين النصارى للمسيحيين الشاديين السلطة السياسية عُ ْنـوة‬
‫ودعموهم على ذلك بكل قوة‪.‬‬
‫وما االنتخابات أو أي شكل من أشكال نقل السلطة السياسية إليهم إال‬
‫خداع سياسي انكشف أخيرا‪.‬‬
‫ويبدو أن الشيخ محمد المهدي خرج في بعض خطبه العامة أو قضاياه‬
‫الشرعية عن حياده السياسي‪ ،‬فأشار إلى هذا الظلم الذي وقع على المسلمين‬
‫في شاد عامة‪ ،‬وعلى قادة الجالية التي ينتمي إليها بوجه خاص‪ ،‬فقام الرئيس‬
‫تومبلباي بتدبير مؤامرة سمحت له بإبعاد الشيخ محمد المهدي ونفيه سياسيا‬
‫عن البالد‪.‬‬
‫وخالصة هذه المؤامرة أن وصية وصلت إلى الرئيس تومبلباي بأن‬
‫يتقرب من جالية السودان الغربي (مالي)‪ ،‬وذلك بأن يتزوج من أحد بناتهم‪،‬‬
‫وبذل الرئيس تومبلباي المسيحي كل ما في وسعه من دهاء ومال ووعود‬
‫للوصول إلى هدفه بأن خطب بنت أحد أفراد هذه الجالية المشهورين‪،‬‬
‫وأغراها بكل ما ذكرنا‪ ،‬ثم تزوجته على طريقتها‪ ،‬ولكن ليتم الرئيس مبتغاه في‬

‫‪278‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫إبعاد الشيخ محمد المهدي عن الساحة السياسية الشادية‪ ،‬أقام الرئيس حفل‬
‫عشاء رئاسي دعى إليه ِعلْية القوم وكان من بينهم الشيخ محمد المهدي‬
‫بحكم وظيفته كرئيس للمحكمة الشرعية‪ ،‬وحضر الحفل الوزراء والسفراء‬
‫وكبار رجال الدولة وجزء من قادة األحزاب السياسية في البالد‪.‬‬
‫وفي نهاية الحفل طلب أحد الخبثاء من القاضي محمد المهدي إبراهيم‬
‫أن يختم الحفل بالفاتحة فعرف الشيخ بفطنته الفخ الذي زرع له‪ ،‬فقام فقرأ‬
‫قطعة من الشعر‪.‬‬
‫ونظرا ألهمية هذه الحادثة في حياة الشيخ محمد المهدي ودوره حول‬
‫بحيرة الشط‪ ،‬أترك المجال للشيخ إبراهيم صالح الحسيني الذي حاور‬
‫صاحب القصة شخصيا بعد حدوث الحادثة ودونها في االستذكار بقوله‪:‬‬
‫«امتحن محمد المهدي – رحمه اهلل – كثيرا بأمور وقعت له في حياته‬
‫بعضها أشد من بعض منها‪ :‬حضوره مجلس عقد زواج بين رئيس جمهورية شاد‬
‫السابق (فرانسوا تومبلباي) الذي ارتد من المسيحية إلى الوثنية‪ ،‬ببنت أحد‬
‫المسلمين من أهل مالي وهو أمر أثار غضب المسلمين جميعا في داخل‬
‫وخارجها‪ ،‬ولما سألته عن حقيقة ما نقل في ذلك من توليه العقد لهذا الكافر‪،‬‬
‫علي بقوله‪ :‬إنني حضرت الحفل فعال‪ ،‬وقرأت شيئا من المية امرئ القيس‪،‬‬
‫فرد َّ‬
‫ثم قال‪ :‬أنت تعرف الظروف الصعبة التي أمر بها في ذلك البلد‪ ،‬ولم أكن‬
‫على علم بشيء من أمر هذا الزواج‪ ،‬وعلمت أنهم فعلوا ذلك كيدا ومكرا‪،‬‬
‫ليجدوا إلى النيل مني سبيال‪ ،‬فحضرت مع من حضر‪ ،‬وعقد القران غيري‪،‬‬
‫وإنما طلبوا مني بعد إتمامهم كل شيء‪ ،‬أن أقرأ لهم الفاتحة‪ ،‬فقرأت عشر‬
‫أبيات من المية امرئ القيس التي مطلعها‪:‬‬
‫بسقط اللوى بين الدخول فحومل‬ ‫قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل‬

‫‪279‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫واستطاع أن يتخلص من شر الرئيس وأعوانه‪ ،‬أليس اهلل بكاف عبده‪،‬‬


‫وهكذا تعرض رحمه اهلل في آخر عمره إلى مشاكل كثيرة»(الحسيني‪-45،‬‬
‫‪)77‬‬
‫وكان من آثار هذه الحادثة تفاقم الغضب لدى بعض فئات المسلمين‬
‫الذين انطلت عليهم هذه الحيلة‪ ،‬وعدوا قاضي القضاة من علماء السلطان‬
‫الكافر‪ ،‬وبدأ التذمر يصل إلى الجهات الرسمية سعيا منها إلى تغييره‪ ،‬باعتباره‬
‫ليس أهال لتولي منصب قاضي القضاة‪ ،‬ولكن لرئيس الجمهورية التي دبر‬
‫الحادثة رأي آخر‪ ،‬تجسد في اتخاذ قرار رئاسي بإبعاد الشيخ محمد المهدي‬
‫إلى السودان الغربي‪ ،‬وتعيين قاض آخر مكانه‪ ،‬وكان النفي من فورت المي‬
‫سنة ‪1963‬م‪ ،‬حيث نفي عن البالد‪ ،‬ووجهت إليه تهمة الخيانة العظمى‬
‫للدولة‪ ،‬ومما يؤكد تلفيق هذه الحادثة أن الرئيس نفسه قد اتخذ بعد سنوات‬
‫قليلة مرسوما بالعفو عنه وعاده إلى البالد دون القضاء‪.‬‬
‫ويذكر الشيخ إبراهيم صالح الحسيني أن الشيخ محمد الحافظ من‬
‫أوائل من غضبوا عن الشيخ محمد المهدي حينما أخبر بالقضية‪ ،‬ولما أخبره‬
‫الشيخ إبراهيم صالح الحسيني بتفسير الشيخ محمد المهدي للحادث من‬
‫صاحبها استغرب جدا‪ ،‬ولم يره كافيا‪ ،‬وقال‪ :‬لما لم يفعل إمام المسلمين في‬
‫البلد؟‪.‬‬
‫وكان للشيخ القاضي محمد المهدي آراؤه واجتهاداته وترجيحاته‬
‫الفقهية والعلمية التي اشتهر بها‪ ،‬سواء أثناء أدائه لوظائفه كرئيس للقضاة‬
‫الشرعيين بمدينة فورت المي أو في فتاويه ومناقشاته العلمية التي يعقدها‬
‫داخل البالد شاد وخارجها‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومما عرفنا عنه أن له رأي خاص في ترجيح الصوم بالمطالع‪ ،‬عارضه‬


‫فيه كثير من علماء عصره من أهل بلده شاد وغيرهم‪ ،‬فكان صاحب الترجمة‬
‫يؤيد رأي العالمة سحنون في حاشيته على شرح الزرقاني على خليل‪ ،‬في‬
‫جنوحه على رأي القرافي في الصوم بالمطالع‪.‬‬
‫وللشيخ محمد المهدي رأي وفتوى بحرمة الوقف في القراءة في‬
‫الصلوات المفروضة‪ ،‬باعتباره يُـ ْب ِع ُد الخشوع‪ ،‬وهو رأي لم يُسبق إليه من قبل‪.‬‬
‫ومن المالحظ على الشيخ محمد المهدي تساهله تجاه ضيوفه من أهل‬
‫البيت النبوي‪ ،‬فنظرا لحبه الشديد لهم‪ ،‬يعظمهم ويكرمهم كثيرا‪ ،‬لذلك ال‬
‫يخلو منزله منهم في أغلب األحيان‪ ،‬وحكى الشيخ إبراهيم صالح الحسيني –‬
‫كما ذكرت سابقا – ما الحظه في زيارة له في منزل الشيخ محمد المهدي في‬
‫فورت المي سنة ‪1380‬هـ‪ ،‬حينما وجد ضيوفا من موريتانيا‪ ،‬وحينما أقيمت‬
‫الصالة المفروضة‪ ،‬توقع الجميع أن يؤمهم الشيخ القاضي‪ ،‬ولكنه كلّف أحد‬
‫ضيوفه باإلمامة‪ ،‬فأسرع في صالته لدرجة الحظ فيها الشيخ إبراهيم صالح‬
‫خلو الصالة من الطمأنينة‪ ،‬ولكن الشيخ محمد المهدي تجاوز عن‬
‫الحسيني ّ‬
‫هفوات هذا اإلمام الضيف‪ ،‬خاصة السرعة في الصالة المفروضة‪ ،‬لدرجة‬
‫جعلت الشيخ إبراهيم صالح الحسيني يعيد صالته بعد رجوعه إلى منزله‪ ،‬ومما‬
‫أكد للشيخ إبراهيم صالح‪ ،‬هذا التجاوز غير المبرر‪ ،‬أن اإلمام الضيف‬
‫الموريتاني لما انتهى من صالته السريعة توجه إلى المأمومين بالسؤال التالي‪:‬‬
‫ما هو أول واجب على المكلف عندكم في شاد؟ فلم يرد عليه الشيخ‬
‫محمد المهدي تأدبا معه‪ ،‬مع أن اإلجابة من المعلوم بالضرورة أمور الدين‪،‬‬
‫فأجاب اإلمام الضيف‪ ،‬أن أول واجب على المكلف عندهم في موريتانيا هو‬
‫حفظ متون األشعار‪ ،‬وعلى رأسها‪:‬‬

‫‪281‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل‪.....‬‬


‫ولم يعقب القاضي محمد المهدي على هذا الجواب الطريف‪.‬‬
‫(الحسيني‪)77-45،‬‬
‫وساهم الجهد العلمي الذي بذله الشيخ محمد المهدي في نشر العلوم‬
‫كون مدرسة لها أتباعها‬
‫والمعارف اإلسالمية القادمة من الغرب اإلسالمي‪ ،‬و ّ‬
‫ومؤيدوها‪ ،‬مقابل المدرسة التي تلفت تعليمها من المشرق‪ ،‬خاصة الذين‬
‫تخرجوا من المعاهد العلمية في كل من أم درمان والقاهرة‪ ،‬فالقاضي محمد‬
‫المهدي من مدرسة المتون والحديث‪ ،‬مقابل المدرسة المشرقية التي تعتمد‬
‫على المختصرات والملخصات‪ ،‬وفيها شيء من االتجاهات الفكرية اإلسالمية‬
‫مثل جماعة اإلخوان في مصر‪ ،‬وجماعة محمد بن عبد الوهاب في الحجاز‪.‬‬
‫وللشيخ محمد المهدي من التالميذ في مدينة فورت المي منهم‪ :‬اإلمام‬
‫حسن التوم بن دمان الذي أخذ عنه صحيح البخاري رواية‪ ،‬وراجع عليه تفسر‬
‫الجاللين والموطأ وأبي جمرة‪ ،‬حتى أجادها‪ ،‬ونظرا للمكانة االجتماعية التي‬
‫يتمتع بها تلميذه هذا‪ ،‬فقد وجد الشيخ محمد المهدي رعاية من والد تلميذه‬
‫وهو الشيخ دمان الذي كان إماما للجامع الكبير في فورت المي‪ ،‬وكان زعيما‬
‫وشيخا لقبيلة بابيلية الكبيرة في بوطة الفيل‪ ،‬وكان على عالقة مع الفرنسيين‪،‬‬
‫حيث تبنوه بمرسوم من قبل السلطات الفرنسية في منصبه منذ تاريخ‬
‫‪1905/8/3‬م‪ .‬وكان اإلمام حسن التوم محبوبا من قبل والده‪ ،‬وكان يقدمه‬
‫على باقي إخوانه في رعاية شؤون القبيلة والمنطقة‪ ،‬ويقدمه في الصالة في‬
‫المسجد الكبير ويقتدي به‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومن تالميذه الشيخ عبد الرحمن آدم حلو والشيخ موسى عمر عبد‬
‫العزيز (عميرة) عضو المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية بجمهورية شاد‬
‫حاليا‪ ،‬وغيرهم كثير‪ ،‬خاصة من الذين أتيحت لهم فرصة اإلقامة في فورت‬
‫المي في زمنه‪.‬‬
‫وله عالقات متميزة مع العلماء في المنطقة‪ ،‬فقد عرض عليه الشيخ‬
‫إبراهيم صالح الحسيني بعض كتبه لمراجعتها‪ ،‬ذكر منها‪ :‬فجر التحقيق في‬
‫تخريج األحاديث الدائرة بين أهل الطريق‪ ،‬ففرح بالكتاب وقرظه‪ ،‬وهكذا قرظ‬
‫له كتاب‪ :‬اإلسالم وآراء المحرفين العصريين‪ ،‬وأثنى على الكتابين خيرا‪،‬‬
‫وطالب بالتعجيل بنشر هما‪.‬‬
‫ثالثا‪-‬إنتاجه العلمي (مخطوطاته ورسائله)‪:‬‬
‫وللشيخ محمد المهدي مصنفات ورسائل وقصائد كادت أن تكون‬
‫ديوانا‪.‬‬
‫وقد أحصى الشيخ إبراهيم صالح الحسيني في كتابه المخطوط‪:‬‬
‫االستذكار لما لعلماء كانم‪-‬برنو من أخبار‪ ،‬من مصنفات الشيخ محمد‬
‫المهدي التالي‪:‬‬
‫أ‪-‬كتابه المسمى الحصر في الفنون العشر‪ ،‬ولم يعثر الباحث على‬
‫نسخة منه‪.‬‬
‫ب‪-‬كشف الغوامض عن ذوي الفرائض‪.‬‬
‫وهو كتاب عظيم في علم الميراث‪ ،‬عثر الباحث على نسخة مخطوطة‬
‫منه في مدينة أنجمينا عام ‪1991‬م من يد اإلمام المرحوم محمد علي إمام‪،‬‬
‫إمام وخطيب الجمعة ورئيس المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية بمدينة أبشة‬
‫يدرس هذا الكتاب في حلقته المشهورة في علم الميراث في‬
‫دار وداي‪ ،‬وكان ِّ‬

‫‪283‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الجامع الكبير في العاصمة أنجمينا‪ ،‬وحينما أعطاني الكتاب ألصور نسخة‬


‫منه‪ ،‬أخبرني أنه لو عرف الناس ما في هذا المصنف من توضيح للميراث لما‬
‫قرأوا الرحبية‪ ،‬وأودع الباحث نسخة منه ضمن مخطوطات المعهد الوطني‬
‫للعلوم اإلنسانية بجامعة شاد آنذاك‪ ،‬جامعة أنجمينا حاليا‪ ،‬وهو تحت رقم‬
‫(‪ )28‬سنة ‪1991‬م‪.‬‬
‫ويحتوي هذا المخطوط على تسعة أبواب هي‪ :‬أسباب الميراث‪،‬‬
‫والحاجب والمحجوب‪ ،‬والوارثون والوارثات‪ ،‬وما يمنع التوارث وذكر ميراث‬
‫ولد الزنا واللعان‪ ،‬والباب الخامس خصصه لشروط الميراث‪ ،‬والسادس في‬
‫ذكر اعتراف الميت بدين لوارث واعتراف وارث ألحد أو لنفسه والزوجة‬
‫بصداقها واعتراف وارث بوارث والباقين على اإلنكار‪ ،‬والباب السابع في ذكر‬
‫ميراث الطارئين والمتنازعين والوليين ومجهول الحال ومن ال يرث من ذوي‬
‫األرحام بأرحامهم شيئا وتناول في الباب الثامن ميراث أهل الملل‪ ،‬والباب‬
‫األخير في ذكر الفضل بعد ذوو الفرائض كأحد الزوجين مع وجود ذوي‬
‫األرحام‪ ،‬وناقش في الخاتمة حقوق الميراث الشرعية وأهميته‪.‬‬
‫ومن المالحظ في هذا المخطوط تأثره بالمدرسة السائدة في السودان‬
‫الغربي حيث ختم المؤلف بسرد يلخص الكتاب كله تقريبا ويضيف إليه مسائل‬
‫جديدة في شكل سؤال وجواب تسهيال لطالب العلم كما يذكر المؤلف‪،‬‬
‫ويذ ِّكر هذا المخطوط القارئ بأجوبة المغيلي والسيوطي على ملوك مالي‬
‫السابقين‪.‬‬
‫كمله اهلل‪ ...‬محمد‬
‫وقد بدأه بالبسملة والحمدلة‪ ،‬أما بعد‪ ،‬فيقول الفقير ّ‬
‫المهدي بن الشيخ إبراهيم بن فودي صمبانجاي‪ ...‬أن المقصود في هذه‬
‫األوراق تبيان أهل الفرائض من الرجال والنساء وذوي العصبة والوالء‪ ،‬وسميته‬

‫‪284‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫كشف الغوامض عن ذوي الفروض في مذهب اإلمام مالك بن أنس‪...،‬‬


‫وختمه بالتالي‪ ...:‬وهذا آخر ما أردنا جمعه وتوضيحه‪ ،‬وكان الفراغ منه في‬
‫الساعة الواحدة وخمس وخمسين دقيقة بعد الزوال‪ ،‬يوم االثنين سادسة‬
‫جمادي الثاني ‪1377‬هـ ‪ 28‬ديسمبر سنة ‪1957‬م‪.‬‬
‫ج‪-‬مبادئ التصوف‪ ،‬ولم يعثر الباحث على نسخة منه‪.‬‬
‫د‪-‬رسالة في نصوص صوم رمضان سماها كف القناع عن عدم ثبوت‬
‫رمضان بالمذياع‪ .‬ويذكر الشيخ إبراهيم صالح الحسيني أن الشيخ محمد‬
‫المهدي استعرض في هذه الرسالة آراء المذاهب األربعة وتفسير اآليات‬
‫واألحاديث المؤيدة لما ذهب إليه‪ .‬ولم يعثر الباحث على نسخة منه‪.‬‬
‫ه‪-‬وله قصائد عديدة منها قصيدته التي كتبها إلى شيخه في شنقيط‬
‫المسمى الشيخ أحمد بن سيدي بن الشيخ ِسيدي محمد بن الشيخ ِسيدي‬
‫الكبير يطلب اإلذن منه إلى زيارة األماكن المقدسة والقصيدة من بحر الطويل‬
‫وقافية الالم‪ ،‬وقد أوردناها في فقرة سابقة من هذا البحث‪.‬‬
‫وقد علق عليها الشيخ إبراهيم صالح الحسيني بأنها تتكون من اثنتان‬
‫وعشرون بيتا‪ ،‬ثم قال‪ :‬انتهت بتعديل طفيف‪ ...‬ولقد تركت منها ما لم يستبن‬
‫لي معناه‪ ،‬أو كان ركيكا فاحشا‪ ،‬وهي أول قصائده كما قال‪ ،‬وهي دالة على‬
‫نبوغه ومستقبله في الشعر لوال أنه قطعه‪ ،‬ولقد أنشد كثيرا من األشعار‬
‫المتفرقة‪ ،‬وكلها لم تصلني سالمة من االنكسار الموجب لإلعراض عن ذكرها‪،‬‬
‫على الرغم من أن صاحب الترجمة هو بنفسه ناولني إياها عندما كتب لي‬
‫ترجمته‪ ،‬والكالم للشيخ إبراهيم صالح الحسيني في كتابه‪ :‬االستذكار لما‬
‫لعلماء كانم‪-‬برنو من أخبار‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ورأى الشيخ إبراهيم صالح الحسيني سابق الذكر لم يمنعه عن إيراد‬


‫أحد قصائد الشيخ محمد المهدي في زيارة له لمدينة ميدغري حاضرة الشيخ‬
‫إبراهيم صالح الحسيني‪ ،‬فتبادال الزيارات المنزلية‪ ،‬وقرأ له شيئا من أحاديث‬
‫الموطأ من حفظه‪ ،‬وفي أحد زياراته للشيخ إبراهيم صالح الحسيني قرأ بعضا‬
‫من أشعاره مرتجال من غير تريث ما يلي‪:‬‬
‫ألهل غنفي من اآليات مثبتة تنبي عن الشيخ إبراهيم في النجبا‬
‫وكلما يقال عن األعمال العلمية واألدبية للشيخ محمد المهدي‪ ،‬هو‬
‫أنها متعددة شملت علوم الفقه وأصوله‪ ،‬والحديث وأصوله‪ ،‬والتفسير‬
‫وشروحه‪ ،‬والعربية وآدابها وأشعارها‪ ،‬ونتج عن هذا كله فكر خصب شارك به‬
‫صاحبه في جميع األنشطة العلمية والثقافية والسياسية التي كانت سائدة في‬
‫عصره‪ ،‬سواء في رحالته العلمية إلى كل من مسقط رأسه في السودان الغربي‬
‫(مالي) وإلى بالد شنقيط‪ ،‬ومنها في رحلة إلى األراضي المقدسة‪ ،‬شملت‬
‫نقاشات وحوارات علمية من السودان األوسط والشرقي إلى الحجاز مكة‬
‫والمدينة وجده‪.‬‬
‫ولكن ما القاه الشيخ محمد المهدي من تقدير وحفاوة عند أهل‬
‫فورت المي‪ ،‬خاصة من قبل تلميذه الوفي اإلمام حسن دمان وغيره من سكان‬
‫العاصمة الشادية‪ ،‬وما وجده من عطف ورعاية من الجالية التي تسمى عموما‬
‫بالسنغالية‪ ،‬وأغلبهم من سكان مالي الحالية‪ ،‬كان لكل ذلك كبير األثر في‬
‫استقراره في العاصمة الشادية‪ ،‬وبعد اكتشاف قدراته العلمية والثقافية عُيّن‬
‫رئيسا للقضاة الشرعيين في العاصمة‪ ،‬وهو منصب يوازي قاضي القضاة في‬
‫المناطق اإلسالمية األخرى‪( .‬الحسيني‪)77-45،‬‬

‫‪286‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وقد أدى وظيفته تحت ظروف سياسية وثقافية شديدة الحساسية‪،‬‬


‫حركتها نشاطات األحزاب السياسية نحو االستقالل وما تبع ذلك من‬
‫تجاذبات سياسية بين الشمال المسلم‪ ،‬والجنوب المسيحي‪ ،‬وما وقفه بعض‬
‫أبناء غرب إفريقيا في هذه الحوادث عدها بعض القادة السياسيين بأنها‬
‫منحازة نحو الشمال المسلم‪ ،‬مقابل مواقف تتقرب من األحزاب الجنوبية‪،‬‬
‫التي ظهر أنها األكثر تنظيما‪ ،‬واستفادة من اإلرث االستعماري الفرنسي الذي‬
‫ينوي ترك البالد في يد القلة من أبناء البالد المسيحيين‪.‬‬
‫وترافق هذا التدافع السياسي مع رجوع فئات من المثقفين باللغة العربية‬
‫من السودان ومصر متأثرين بأفكار الثورة العربية في كل من مصر والسودان‪،‬‬
‫والمنادية بحقوق المسلمين السياسية في شاد‪ ،‬بحكم أغلبيتهم السكانية‪.‬‬
‫وكان لرد الرئيس الشادي تومبلباي القوي والعنيف على هذه الفئات‬
‫المسلمة أثر كبير على الحياة الوظيفية والسياسية للشيخ محمد المهدي فيما‬
‫بعد‪.‬‬
‫حيث أنه حاول أن يتكيف مع السلطة السياسية ويتعايش معها‪ ،‬ولكن‬
‫مطالب المسلمين ازدادت وارتفعت المناداة بها في جميع المنابر السياسية‪،‬‬
‫وظهرت بعض محاوالت قادة األحزاب السياسية المسلمين ليستفيدون من‬
‫مكانة المثقفين بالعربية العائدين من مصر‪ ،‬وعلى رأسهم الشيخ محمد‬
‫عليشعووضه وأتباعه‪ ،‬خاصة وأن رأيهم السياسي معارض وشديد الكراهية‬
‫لسيطرة المسيحيين على السلطة‪ ،‬مما جعله في صدام مباشر مع الحكومة‬
‫وعلمائها وعلى رأسهم الشيخ محمد المهدي وتلميذه اإلمام حسن دمان‪.‬‬
‫فبدأت السلطات االستعمارية في إبعاد بعض المثقفين باللغة العربية‬
‫المعارضين لها عام ‪1953‬م وعلى رأسهم الشيخ محمد عليشعووضه معاقبة‬

‫‪287‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫له على مواقفه تجاه النهج السياسي الذي تريده فرنسا لمستعمراتها بعد‬
‫االستقالل‪.‬‬
‫وقد أدت عمليات النفي واإلبعاد هذه مفعولها في البداية حيث خمدت‬
‫الحمالت المنادية باالستقالل النهائي عن فرنسا‪ ،‬وهذا ما جعل الرئيس‬
‫تومبلباي يطبق نفس نهج النفي واإلبعاد على القادة الدينيين اآلخرين الذين‬
‫كانوا في الفترات السابقة من المتكيفين مع الحكم بل المؤيدين له في بعض‬
‫مواقفه‪.‬‬
‫ومنها نفي الشيخ محمد المهدي هو أيضا عام ‪1963‬م بعد عشر‬
‫سنوات من نفي زميله الشيخ محمد عليشعووضه‪ ،‬ولكن إلى غرب إفريقيا‪،‬‬
‫لفترة من الزمن ثم عُفي عنه‪ ،‬من نفس الرئيس تومبلباي‪ ،‬بمرسوم رئاسي أعاد‬
‫إليه حقوقه في المواطنة دون وظيفة رئيس القضاة‪.‬‬
‫وظل الشيخ محمد المهدي يدرس العلوم الشرعية في منزله في‬
‫العاصمة أنجمينا بصورة منتظمة بحارة أمبسطنا إلى آخر أيام حياته‪ ،‬حتى أن‬
‫بعض تالميذه أشاروا إليه بالتدخل في تغيير جدوله الدراسي لكي يتيحوا‬
‫ألستاذهم قليال من الراحة‪ ،‬وانتقل إلى جوار مواله في عام ‪1400‬هـ‪ ،‬بعد أن‬
‫ترك سنة حسنة له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة إن شار اهلل‪ ،‬وهي‬
‫علم ينتفع به‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬الخالصة‬
‫هذه بعض اللمحات من مساهمات الشيخ القاضي محمد المهدي‬
‫الصمبانجاي‪ ،‬الذي نشأ وترعرع في البيئة الثقافية التنبكتية في السودان‬
‫الغربي (مالي) ثم رحل في طلب العلم غربا إلى بالد شنقيط‪ ،‬فعاش بها حياة‬
‫علمية حافلة بالتلقي والحفظ واإلتقان واألدب العلمي والروحي (التصوف)‬
‫الذي كان سائدا في عصره‪ ،‬فارتوى من هذه الينابيع العلمية في الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ثم سعى في رحلة طويلة إلى األراضي المقدسة مكة والمدينة‪ ،‬وفي‬
‫طريقه نقل العلم وبنفس الروح واألمانة العلمية في نشر العلم والمعرفة التي‬
‫تميزت بها الثقافة التنبكتية في االعتزاز بالعلم ورفع شأنه والتضحية من أجل‬
‫نشره بروح من التسامح والمرونة الموروثة بالنقل والعقل في المذهب المالكي‬
‫السائد في الغرب اإلسالمي‪.‬‬
‫ولكن مواقف معينة من قبل عرب بوطة الفيل وعلى رأسهم ابن‬
‫سلطانهم تلميذ الشيخ محمد المهدي المسمى حسن دمان‪ ،‬ساهم في ربطه‬
‫علميا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا بالعاصمة الشادية فورت المي‪ ،‬فرجع من‬
‫الحج إليها واستقر فيها بروحه العلمية المرحة‪ ،‬وصالبته التي ال تعرف المهادنة‬
‫في األحكام الشرعية‪ ،‬فعيّن رئيس القضاة في العاصمة‪ ،‬ولكنه قام بهذه‬
‫الوظيفة على نهج أهل تنبكتو‪ ،‬فاعتبرها منبرا إلعالء كلمة اهلل ونشر العلم‬
‫والمعرفة‪ ،‬وليس كما اعتاد ملوك وسكان هذه البالد بأن ال يتولى القضاء‬
‫عندهم إال من هو أقرب العلماء إلى السلطان وربما األقرب أيضا لجماعته‬
‫وأطماع رعيته‪.‬‬
‫فأعطى القليل من وقته للقضاء‪ ،‬والكثير منه للتدريس واإلفتاء‬
‫والمطالعة‪ ،‬وخدمة الضيوف من أهل العلم وطالبه والزوار من بالد المسلمين‪،‬‬

‫‪289‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫خاصة زوار المغرب العربي من األشراف الذين درس الشيخ محمد المهدي‬
‫على يديهم وفاء وعرفانا بجميلهم نحوه‪ ،‬ونظرا لمكانته كعالم عامل بعلمه‬
‫واجه صعوبات علمية وسياسية عديدة تعامل معها بكل موضوعية‪ ،‬حتى نفي‬
‫من الموطن الذي اختاره لنفسه سنة ‪1963‬م إلى غرب إفريقيا نظرا لمواقفه‬
‫السياسية بعد استقالل شاد‪ ،‬ولكن وفاءه لوطنه الذي اختاره بنفسه جعله‬
‫يطلب العفو من رئيس الجمهورية ويجده‪ ،‬ثم يعود إلى العاصمة الشادية من‬
‫جديد ويلتف حوله تالميذه‪ ،‬مع تفرغ تام لهم هذه المرة‪ ،‬فظل يعطي العلم‬
‫بدون مقابل إلى أن ارتفعت روحه إلى باريها‪ ،‬وواصل تالميذه دروسهم بعده‪،‬‬
‫يتدارسونها على مخطوطاته ومنهجه الذي تراوح بين الترويح عن النفس بعرض‬
‫الملح والحكايات وبين المفيد من آيات األحكام والمواريث‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المصادر والمراجع‪:‬‬
‫أ‪-‬المصادر‬
‫أ‪-‬كتابه المسمى الحصر في الفنون العشر‪ ،‬ولم يعثر الباحث على‬
‫نسخة منه‪.‬‬
‫ب‪-‬كشف الغوامض عن ذوي الفرائض‪.‬‬
‫ج‪-‬مبادئ التصوف‪ ،‬ولم يعثر الباحث على نسخة منه‪.‬‬
‫د‪-‬رسالة في نصوص صوم رمضان سماها كف القناع عن عدم ثبوت‬
‫رمضان بالمذياع‪.‬‬
‫ه‪-‬وله قصائد عديدة‬

‫ب‪-‬المرجع‪:‬‬
‫‪-1‬كمرا‪ ،‬الشيخ موسى‪ :‬أشهى العلوم وأطيب الخبر في سيرة الحاج‬
‫عمر‪( ،‬تحقيق وتقديم وتعليق‪ :‬خديم محمد سعيد امباكي‪ ،‬وأحمد شكري)‬
‫منشورات معهد الدراسات اإلفريقية‪ ،‬الرباط‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪-2‬التنبكتي‪ ،‬أحمد بن القاضي‪ :‬مصلح فوالني في بالد المغرب‪،‬‬
‫نصيحة أحمد بن القاضي التنبكتي إلى أولي األمر بتونس والمغرب‪( ،‬تحقيق‬
‫وتقديم‪ :‬محمد المنصور وفاطمة الحراق)‪ ،‬منشورات معهد الدراسات‬
‫اإلفريقية الرباط‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪-3‬البرتلي‪ ،‬أبو عبد اهلل الطالب محمد بن أبي بكر الصديق‬
‫البرتليالوالئي (‪1219 – 1140‬هـ)‪ :‬فتح الشكور في معرفة أعيان علماء‬
‫التكرور‪( ،‬تحقيق‪ :‬محمد إبراهيم الكتاني‪ ،‬ومحمد جحا) دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪1981 ،‬م‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-3‬بابا‪ ،‬أحمد (ت ‪1627‬م)‪ :‬معراج الصعود‪ ،‬أجوبة أحمد بابا حول‬


‫االسترقاق‪( ،‬تحقيق وترجمة‪ :‬فاطمة الحراق‪ ،‬وجون هانويك) منشورات معهد‬
‫الدراسات اإلفريقية‪ ،‬الرباط ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪-4‬األوراني‪ ،‬موالي أحمد بابير‪ :‬السعادة األبدية في التعريف بعلماء‬
‫تنبكت البهية‪( ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬الهادي المبروك الدالي) جمعية الدعوة‬
‫اإلسالمية العالمية‪ ،‬طرابلس‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪-5‬بابا‪ ،‬أحمد‪ :‬معراج الصعود‪( ،‬تحقيق وترجمة‪ :‬فاطمة الحروق‪،‬‬
‫وجون هانويك) معه الدراسات اإلفريقة الرباط ‪2000‬م‪.‬‬
‫بابا‪ ،‬أحمد‪ :‬تحفة الفضالء ببعض فضائل العلماء‪( ،‬تحقيق‪ :‬سعيد‬
‫سامي) معهد الدراسات اإلفريقة‪ ،‬الرباط‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪-6‬البرتلي‪ ،‬أبو عبد اهلل الطالب محمد بن أبي إسحاق البرتليالوالتي‪:‬‬
‫فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور‪( ،‬تحقيق محمد إبراهيم الكتاني‪،‬‬
‫ومحمد جحى) دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪1981 ،‬م‪.‬‬
‫‪-7‬التنبكتي‪ ،‬أحمد بن القاضي‪ :‬مصلح فوالني في بالد المغرب‪،‬‬
‫نصيحة أحمد بن القاضي التنبكتي إلى أولي األمر بتونس والمغرب‪( ،‬تحقيق‬
‫وتقديم‪ :‬محمد المنصور وفاطمة الحراق) منشورات معهد الدراسات‬
‫اإلفريقية‪ ،‬الرباط ‪.2000‬‬
‫‪-8‬سيسي‪ ،‬سيدو‪« :‬التربية اإلسالمية» الحضارة اإلسالمية في مالي‪،‬‬
‫المنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة‪ ،‬الرباط‪.‬‬
‫‪-9‬الوريقاتي‪ ،‬علي محمد‪« :‬تومبكتو المدينة لم يسجد أحد فيها إال هلل‬
‫تعالى» مجلة التواصل‪ ،‬العدد الثامن‪ ،‬جمعية الدعوة اإلسالمية العالمية‪،‬‬
‫طرابلس‪2004 ،‬م‪ ،‬ص ‪.190‬‬

‫‪292‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-10‬الدالي‪ ،‬د‪ .‬الهادي المبروك‪ :‬مملكة مالي اإلسالمية‪ ،‬مطابع‬


‫الوحدة العربية‪ ،‬الزاوية‪ ،‬ط‪1999 ،2‬م‪.‬‬
‫‪-11‬شعبان‪ ،‬د‪ .‬ماهر عطية‪« :‬جامعة سنكري في تنبكت ودورها‬
‫الحضاري والثقافي في القرن السادس عشر‪1590 -1492‬م»‪ ،‬معهد‬
‫البحوث اإلفريقية‪ ،‬القاهرة‪.2002 ،‬‬
‫‪-12‬علي‪ ،‬فاي منصور‪ :‬أسكيا الحاج محمد وإحياء دولة السنغاي‬
‫اإلسالمية ‪935 – 889‬هـ ‪1529 – 1493 -‬م‪ ،‬منشورات كلية الدعوة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬طرابلس‪.1997 ،‬‬
‫الحسيني‪ ،‬الشيخ إبراهيم صالح‪ :‬االستذكار لما لعلماء كانم‪-‬برنو من‬
‫أخبار‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مخطوط‪ ،‬مكتبة مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‬
‫والترجمة‪ ،‬أنجمينا شاد‪.‬‬
‫‪-13‬الجمل‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬شوقي‪« :‬تمبكتو كمركز ثقافي وعلمي في القرن‬
‫العاشر الهجري‪ ،‬السادس عشر الميالدي»‪ ،‬ندوة جمعية اتحاد المؤرخين‬
‫العرب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬نوفمبر ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪-14‬محمد‪ ،‬عثمان علي‪ :‬لمحات من تاريخ شاد اإلسالمي‪ ،‬مخطوط‪،‬‬
‫مركز البحوث والدراسات اإلفريقية والترجمة‪ ،‬جامعة الملك فيصل بشاد‪،‬‬
‫أنجمينا‪ .‬وله أيضا كتاب منشور تحت عنوان‪ :‬طريق الحق واإلسالم‪ ،‬مطبعة‬
‫التمدن‪ ،‬الخرطوم‪1963 ،‬م‪ ،‬وأعمال الشيخ محمد يعقوب دابيو‪ ،‬نبذة من‬
‫علماء شاد‪ ،‬مخطوط‪ ،‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية والترجمة‪ ،‬جامعة‬
‫الملك فيصل بشاد‪ ،‬أنجمينا‪ ،‬وكلها أعمال كتبها مثقفون تعلموا في المعاهد‬
‫العلمية بالسودان واألزهر الشريف‪ ،‬وفيها آراء مختلفة عن نهج الشيخ محمد‬
‫المهدي‪ ،‬بل ومعارضة له بشدة في بعض المواقف‪.‬‬

‫‪293‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-15‬قادرنيه‪ ،‬دافيد‪ ،‬أ‪« :‬محمد عليشعووضه في أبشة‪ ،‬تحدي‬


‫اإلصالح اإلسالمي ضد المطامع الفرنسية والزعماء التقليديين في وداي شاد‬
‫‪1947‬م – ‪1956‬م» اإلسالم والمجتمعات في جنوب الصحراء‪( ،‬ترجمة‪:‬‬
‫محمد حسب الرسول) بيت العلوم اإلنسانية‪ ،‬باريس‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪-16‬عميرة‪ ،‬الشيخ موسى عمر عبد العزيز‪ :‬عضو المجلس األعلى‬
‫للشؤون اإلسالمية بجمهورية شاد حاليا‪ ،‬مقابلة في منزل الباحث‪ ،‬في حي‬
‫رضينا‪ ،‬بالعاصمة أنجمينا‪ ،‬بتاريخ ‪2006/05/15‬م اجتماعات عقدت مع‬
‫أحد تالميذ الشيخ محمد المهدي بمناسبة قرب انعقاد ندوة اإلسالم دين‬
‫الوسطية‪ ،‬التي أقامها المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية بجمهورية شاد‬
‫بتاريخ ‪ 29 – 26‬مايو ‪2006‬م‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل الثامن‪:‬‬
‫الشيخ القوني جربيل بركة ودوره يف‬
‫نشر القراءات يف شاد‬
‫• التمهيد‬
‫أوال‪-‬االهتمام بالقراءات يف إفريقيا‬
‫ثانيا‪-‬الشيخ القوني جربيل بركة ومسيج املدينة‬
‫ثالثا‪-‬جتربة وصول القراءات األزهرية إىل شاد‬
‫رابعا‪ -‬النشأة العلمية للشيخ القوني جربيل بركة‬
‫خامسا‪ -‬اإلنتاج العلمي للشيخ القوني جربيل بركة‬
‫‪-1‬كتاب الدرر النضيدة يف أوجه عثمان‪:‬‬
‫‪-2‬رسالة البيان فيما اختص به قالون عن عثمان‪:‬‬
‫‪-3‬الدرر املنثور يف تقريب رواية الدوري‪.‬‬
‫‪ -4‬القواعد األدائية فيما خالف فيه شعبة حفصاً من‬
‫طريق الشاطبية‬
‫‪-5‬رسالة حترير الراءات يف طريق الروايات‬
‫سادسا‪-‬وظائف حفظ القرآن الكريم يف اجملتمع‬
‫الشادي‬
‫أ‪-‬حفظ الرتبية والتعليم‪.‬‬
‫ب‪-‬حفظ اهلوية اإلسالمية‬
‫ج‪-‬حفظ األنفس والثروة والسلطة‬
‫• اخلالصة‬
‫• املصادر واملراجع‬

‫‪295‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫التمهيد‬
‫رغم ثبوت العالقة بين انتشار اإلسالم‪ ،‬وعمليات تحفيظ القرآن الكريم‬
‫في جميع البلدان التي وصلها نور اإلسالم‪ ،‬إال أن االهتمامات المتزايدة‬
‫بتحفيظ القرآن الكريم ووصولها إلى درجة وصول القراء والقراءات تختلف من‬
‫قطر لآلخر‪.‬‬
‫أوال‪-‬االهتمام بالقراءات في إفريقيا‬
‫وحول وصول االهتمام بتحفيظ القرآن الكريم بقراءاته اإلفريقية‪ ،‬هناك‬
‫محاولة علمية رائدة تمت في جامعة القيروان بعنوان " القراءات بإفريقية "‬
‫للباحثة هند شلبي‪ ،‬وضحت فيها بتتبع دقيق وصول الصحابة الذين يحفظون‬
‫أجزاء من القرآن الكريم إلى الذين يحفظون الكثير‪ ،‬إلى أن وصلت إلى من‬
‫وصل إلى إفريقية من القراء‪ ،‬ثم تتبعت وصول األجزاء المكتوبة في الحوامل‬
‫المختلفة للمصحف الشريف‪ ،‬إلى أن وصلت إلى من أوصل المصحف كله‬
‫مكتوبا إلى إفريقية‪ ،‬ثم ركزت بحثها على أول من أقام حلقة لتحفيظ أجزاء من‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬إلى أن وصلت إلى من تصدى لتحفيظ القرآن كله‪ ،‬وألعداد‬
‫كبيرة من أهل إفريقية‪ ،‬إلى أن وصلت ببحثها إلى أهل القراءات المشهورة في‬
‫إفريقية‪ ،‬وكيفية انتشارها‪ ،‬وبالتحديد قراءة اإلمام نافع‪ ،‬وكيفية رسوخها في‬
‫إفريقية إلى نهاية القرن الخامس الهجري‪ ،‬وضربت أمثلة عديدة بالرواد األوائل‬
‫من األفارقة الذين تولوا مهمة نشر هذه القراءة برواياتها وطرقها‬
‫المعروفة‪(.‬شلبي‪)276-267 ،‬‬
‫والدراسة العلمية الثانية التي أصلت لوصول االهتمام بتحفيظ القرآن‬
‫وانتشار القراءات في إفريقية‪ ،‬هي الدراسة الموسعة للدكتور‪ /‬محمد المختار‬

‫‪296‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ولد أباه تحت عنوان‪ " :‬تاريخ القراءات في المشرق والمغرب " والتي تولت‬
‫المنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة نشرها مشكورة – عام ‪1422‬هـ‪.‬‬
‫وخالصة رأيه انه في الفترة التي كانت حركة جمع القرآن متواصلة في‬
‫المدينة المنورة في عهد الخليفة عثمان بن عفان‪ ،‬فتحت إفريقية على يد‬
‫عبداهلل بن سعد أبى السرح سنة(‪27‬هـ)‪ ،‬في حملة اشترك فيها آالف الصحابة‬
‫من بينهم مجموعة من القراء‪ ،‬كان منهم عبداهلل بن عباس وابن عمر‪ ،‬وابن‬
‫الزبير‪ ،‬فدخل أهل إفريقية في اإلسالم ومعهم كتاب اهلل العزيز‪ ،‬كانت بعد‬
‫ذلك الحملة األولى التي قام بها عقبة بن نافع الفهري منتصف القرن األول‪،‬‬
‫وشارك فيها عدد من قراء الصحابة الذين أسسوا رباطات الجهاد‪ ،‬ويذكر أن‬
‫تالوتهم لكتاب اهلل تسمع كدوى النحل‪.‬‬
‫ثم تلتها مسيرة ثانية لقبة الفاتح وفيها اصطحب معه خمسة وعشرون‬
‫من الصحابة عرف منهم أبو منصور الفارسي القارئ والد يزيد بن أبي منصور‬
‫التابعي الجليل‪ ،‬ولقد توفي أبو منصور في إفريقية‪ ،‬وخلف بنين أوصاهم أن ال‬
‫يملؤوا صدورهم بالشعر‪ ،‬وان ال يتركوا القرآن‪ ،‬ألنه دليل إلى اهلل‪ ،‬واستمرت‬
‫بعد ذلك البعثات القرآنية من حاضرة الخالفة اإلسالمية إلى إفريقية‪ ،‬كانت‬
‫البعثات تضم مجموعة من المتخصصين في تعليم القرآن والقراءات إلى أن‬
‫تأسست مدرسة القيروان في القراءات ورسخت فيها قراءة اإلمام نافع على يد‬
‫ابن خيرون حتى صارت القراءة الرسمية‪ ،‬وابن خيرون هــو اصل التحقيق في‬
‫األداء مـن ورش‪(.‬ولد أباه‪)189-186 ،‬‬

‫‪297‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫يرجع تاريخ وصول الدعوة اإلسالمية حول بحيرة الشط‪ ،‬إلى وصول‬
‫طالئع عقبة بن نافع الفهري إلى جبال كوار شمال البحيرة في القرن األول‬
‫الهجري السابع الميالدي‪ ،‬ومع اإلسالم جاءت بعثات تعليم القرآن الكريم‬
‫والقراءات‪.‬‬
‫ولكن نظرا لعدم االهتمام الكافي بالمخطوطات اإلسالمية في هذه‬
‫المنطقة‪ ،‬فان المعلومات عن الرواد األوائل الذين قاموا بتعليم القرآن الكريم‬
‫محدودة‪ ،‬إلى أن نصل إلى القرن الحادي عشر الميالدي من ( ‪-479‬‬
‫‪549‬هـ) الموافق (‪1094-1085‬م) حيث اتضح من مرسوم ملكي أصدره‬
‫سلطان دولة كانم عام ( ‪480‬هـ ‪1086 -‬م)‪ ،‬للمعلم محمد بن ماني نظير‬
‫تعليمه للملك حمى جمى عددا من سور القرآن الكريم‪ ،‬وجهوده التي بذلها‬
‫في نشر القرآن والعلوم اإلسالمية بالمملكة‪.‬‬
‫وينص المرسوم الذي يسمي ( بالمحرم ) على منح السلطان لمعلمه‬
‫محمد بن ماني امتيازات عديدة تقديرا له وإقرارا واعترافا بفضله‪ ،‬وشرح‬
‫المحرم الجهد الذي بذله المعلم ابن ماني والتوفيق الذي أصابه في العمل مع‬
‫السلطان ( حمى جمي أو محمد بن عبدالجليل بن عبداهلل ) في نشر الدين‬
‫اإلسالمي إلى خارج حدود برنوح ليبقي اإلسالم إلى يوم الدين‪ ،‬وفى جزء من‬
‫هذا المرسوم يضع السلطان في عنقه دينا لمعلمه األول محمد بن ماني الذي‬
‫اخذ عليه قراءة القرآن والرسالة وتعاليمها السمحة البد من الوفاء به‪ ،‬فجعل‬
‫أرواح وأمالك محمد بن ماني وذريته من بعده في حصانة تامة‪ ،‬بحيث ال يصح‬
‫المساس بها إلى يوم القيامة‪ ،‬واختتم المرسوم بتحذير منه وتخويف شديد لكل‬
‫من تحدثه نفسه بالتالعب وتغيير بنود هذا المرسوم الملكي‪(.‬السراج‪-61 ،‬‬
‫‪)63‬‬

‫‪298‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ويبدو أن ملوك وسالطين كانم – برنوح قد حافظوا على وصايا أبيهم‬


‫وجدهم‪ ،‬حيث وجد في مخطوط متأخر أن اإلمام احمد بن فرطوا الذي عمل‬
‫مع السلطان إدريس الومة سلطان كانم – برنوح يشير إلى انه من قبيلة محمد‬
‫بن ماني وانتهي من تأليف كتابه بتاريخ يوم الجمعة ‪ 9‬جمادي اآلخرة‬
‫‪1269‬هـ‪(.‬ابن فرطوا‪)129،‬‬
‫وينتظر الدارس لتراث رواد القرآن الكريم لحوالي خمسة قرون لتسعفه‬
‫المخطوطات بآثار لمعلمي القرآن الكريم‪ ،‬حيث تكثر المعلومات عن الشيخ‬
‫جامع الملقب بالصالح والصليح في دار وداعة في المنطقة الشرقية لشاد‬
‫الحالية‪.‬‬
‫وقد بدأ الداعية جامع‪ ،‬ولد عبدالكريم مؤسس سلطنة دار وداعة‬
‫العباسية حوالي ‪1632 – 1611‬م بدأ دعوته من قرية قريبة من جبل (فسل)‬
‫ولم يستجب له أحد‪ ،‬ووصل إلى قرية مجاورة اسمها (بكس) وكانت‬
‫كسابقتها‪ ،‬ثم انتقل إلى قرية أخرى تسمى ( مولون ) قريبة من بلتن‪،‬‬
‫فاستجاب لدعوته نفر قليل‪ ،‬وبعد ذلك شرح لهم كيفية حفظ القرآن ابتداء‬
‫من فاتحة الكتاب‪ ،‬ثم أسس لهم مسجدا ( مسيجا ) ثم ارتحل إلى قرية‬
‫أخرى‪ ،‬وترك في كل قرية من يقوم بتحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬ويتخير أن يكون‬
‫كبيرهـم ( أمامهم ) ممن حفظ القرآن حفظا جيدا ال خلط فيه والت حريف‬
‫ليستطيع أن يقوم بالواجب المعلق على عاتقه‪.‬‬
‫وهكذا انتشرت الدعوة عن طريق تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬مما جعل‬
‫قبائل دار وداعة‪ ،‬تقرأ القرآن الكريم قراءة جيدة كما انزل الن الملقن كان‬
‫عربيا فصيحا‪ ،‬وكان شديد الحرص على تلقين القرآن لهؤالء الناس الذين لهم‬
‫لهجات خاصة بهم‪ ،‬ولكنه أمرهم أن يعلموا أوالدهم بلغته العربية خوفا من‬

‫‪299‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫انحراف اللسان‪ ،‬ثم انتقل الداعية جامع إلى قرية قريبة من جبل أب طيور‬
‫(أب طيور )‪ ،‬وأسس مسجدا (مسيجا) لتحفيظ القرآن ألطفال القرية كما هو‬
‫دأبه في بث الدعوة في كل قرية يحل فيها‪ ،‬إلى أن وصل بدعوته إلى قرية‬
‫(دنبه ) واستقر فيها لمدة تقرب من تسع سنوات حتى أن بعض الناس قد‬
‫حفظوا القرآن حفظا جيدا‪.‬‬
‫ويتذكر الباحث انه حضر مع فضيلة الدكتور‪/‬عبداهلل بن على بصفر‪،‬‬
‫األمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬حفل تخريج (‪ )41‬حافظا‬
‫من خلوة دار السالم‪ ،‬القريبة من عاصمة مملكة دار وداعة حينما القي شيخ‬
‫الخلوة كلمة أشار فيها إلى أن منطقتهم كانت تسمي بالد القرآن‪ ،‬من كثرة‬
‫تالوة القرآن الكريم فيها وكثرة حفاظه‪.‬‬
‫وكان شيخ الدار يشير إلى مسيرة تحفيظ القرآن الكريم التي بدأها‬
‫الشيخ جامع والتي أتمها ابنه عبدالكريم بن جامع الذي قاد دعوة لتصحيح‬
‫اإلسالم في المنطقة حتى سمى بمجدد اإلسالم‪ ،‬أقام دولة حكمت شرع اهلل‬
‫في العباد‪ ،‬واستمر سالطين دار وداعة على هداه إلى وصول طالئع االستعمار‬
‫الفرنسي‪ ،‬وقد وجدوا سلطنة إسالمية قوامها القرآن الكريم ويقودها العلماء‪،‬‬
‫وهذا ما جعل الفرنسيون يرتكبون الجرائم بذبح العلماء وحفاظ القرآن الكريم‬
‫في عدد من المواقع أهمها موقعة ( الكبكب ) عام ‪1917‬م محاولة منهم‬
‫للحد من تأثير العلماء والحفاظ على المجتمع‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثانيا‪-‬الشيخ القوني جبريل بركة ومسيج المدينة‬


‫ويعرف عن الشيخ القوني جبريل بركة‪ ،‬عنايته بمسيج المدينة‪ ،‬خاصة‬
‫مدينة أنجمينا‪ ،‬وهناك نوعان من المسيج في المدينة؛ األول هو المسيج العام‬
‫ويشمل عددا كبيرا من التالميذ يلتفون حول معلم أو شيخ واحد أو مجموعة‬
‫من المعلمين يرأسهم حافظ واحد على األقل‪ ،‬يتخذون من منزل الشيخ أو‬
‫المقرئ مكانا للقراءة وقد يختارون ظل شجرة كبيرة أو أي مظلة كبيرة في‬
‫ساحة من ساحات الحارات‪ ،‬بل يالحظ وجود المسيج العام في المدينة في‬
‫جانب مناسب من جوانب الطريق العام‪ ،‬ويغلب على تالميذ مثل هذه‬
‫المؤسسات أن يكونوا من سكان الحارة‪ ،‬يأتون لحفظ أجزاء من القرآن الكريم‬
‫في أوقات معينة من النهار أو الليل‪.‬‬
‫ومن هنا فان عالقة أوالء أمور التالميذ بشيخ المسيج في المدينة‬
‫ليست بنفس القوة والتأثير عليهم كما الحظناه في مسيج البادية والقرية‪،‬‬
‫فالعالقة بين معلم المسيج وأهل الحارة قد ال تتجاوز االلتزام بدفع بعض‬
‫الرسوم الشهرية‪ ،‬إال إذا كانت لشيخ المسيج أدوار أخرى يؤديها في الحارة‬
‫مثل إمامة الناس في الصالة‪ ،‬فهذه قد تتضمن االلتزام ببعض الهدايا‪ ،‬واألولوية‬
‫في بعض الصدقات مثل زكاة الفطر وغيرها‪ ،‬وال يبحث التالميذ في مسيج‬
‫المدينة العام عن الصدقات‪ ،‬ألنهم يعيشون مع أهلهم‪ ،‬أما إذا وجد من بينهم‬
‫من هم ليسوا من سكان المدينة أو ما يسمون عامة بالمهاجرين فنالحظ فيهم‬
‫ظاهرة جمع الصدقات‪ ،‬ومنبع هؤالء المهاجرين هو البادية في الغالب‪،‬‬
‫ويحضرون مع شيوخهم الذين يريدون إتمام تعليمهم مع المشائخ الكبار‪.‬‬
‫وبالتالي يقومون بقيادة مسيج تعليم األطفال القرآن الكريم فيجدون‬
‫منه ما يسد رمقهم (الرسوم) ويبحث تالمذتهم عن الصدقات‪ ،‬وقد يقومون‬

‫‪301‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ببعض األعمال التي تجلب دخال يكون لشيخهم منه نصيب‪ ،‬وبذلك يتأخرون‬
‫في تعليمهم للقرآن الكريم ويقضى المهاجر منهم وقتا طويال قبل أن يحفظ‬
‫أجزاء من القرآن الكريم ناهيك عن حفظ القرآن كله‪.‬‬
‫فال توجد فئة من فئات تعليم القرآن الكريم تحتاج إلى معالجة واهتمام‬
‫خاص مثل فئة المهاجرين في المدن الشادية فكفالة معلمهم الترفع عن‬
‫كاهلهم أعمال جمع الصدقات التي ال تليق بطالب القرآن أصال‪ ،‬وال‬
‫األعمال الشاقة األخرى التي تأخذ الكثير من وقتهم‪ ،‬وتعرضهم لالحتكاك‬
‫بفئات اجتماعية منحرفة‪ ،‬تجعل من احتمال تأثرهم بهم أمرا متوقعا‪ ،‬ولذلك‬
‫يكثر في المدينة فرار المهاجرين من معلميهم‪ ،‬ويعلن المعلمون عن هذا‬
‫الفقدان في البالغات العادية في اإلذاعة المسموعة الشادية‪ ،‬وهناك أسباب‬
‫عديدة لهذه الظاهرة ؛ أهمها تأثر التالميذ بأجواء المدينة التي يكثر تجوالهم‬
‫فيها سواء في عملية جمع الصدقات أو العمل‪ ،‬و ارتفاع قيمة الضريبة التي‬
‫يجب أن يحضرها التلميذ إلى شيخه نهاية كل يوم‪ ،‬و االستفادة من أنظمة‬
‫التعليم األخرى المتاحة في المدينة‪.‬‬
‫وال تطبق إال تقاليد محدودة للمسيج في المدينة‪ ،‬فمن الممكن أن يبدأ‬
‫التلميذ في أي يوم حضر فيه إلى المسيج‪ ،‬ومن الممكن أن يحضره والده أو‬
‫أي فرد من أفراد األسرة وفى بعض األحيان يحضر التلميذ بنفسه‪ ،‬وال اهتمام‬
‫شديد بالعطالت مثل العطلة األسبوعية أو عطالت األعياد‪ ،‬ومن الممكن أن‬
‫يكتب التلميذ على اللوح‪ ،‬ولكن من الممكن أن يقرأ من المصحف‪ ،‬وهذه‬
‫عملية من الصعب أن يصل إليها التلميذ في القرية أو البادية إال بعد أن يجتاز‬
‫مراحل معينة‪ ،‬كما سنشرح ذلك أثناء حديثنا عن النظام التعليمي في المسيج‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ولكن أهم ما يميز خلوة المدينة هو العدد‪ ،‬فمسيج المدينة العام يكثر‬
‫فيه التالميذ فمتوسطه من مائة فما فوق ويصل بعضها إلى ‪ 350‬تلميذا‪،‬‬
‫ولهذا قلنا أن المعلم يختار مساعدين له ليقوموا بمتابعة هؤالء الطالب في‬
‫شكل مجموعات صغيرة‪ ،‬وان كان على الجميع أن يمروا على الشيخ لمعرفة‬
‫التقدم الذي أحرزوه في الحفظ‪ ،‬ويصدر بشأنهم التوجيهات المناسبة‪.‬‬
‫أما النوع الثاني من مسيج المدينة فهو المسيج الخاص‪ ،‬وخالصته إن‬
‫رب األسرة الكبيرة في المدينة يعتبر أن من أهم مكونات المنزل المحترم أن‬
‫يحوى مسيجا لتعليم القرآن الكريم‪ ،‬فيختار لقيادة هذا المسيج اكثر من‬
‫يجده حفظا للقرآن الكريم‪ ،‬وقد يستشار في هذا االختيار اكثر الناس معرفة‬
‫بالقرآن الكريم " شيخ المشائخ " في المدينة‪ ،‬ويفضل أن يكون رئيس‬
‫المسيج الخاص أو مسيج األسرة من الحفظة‪ ،‬ولكن من الممكن أن يقبل من‬
‫هو أقل من الحافظ في ظروف معينة‪.‬‬
‫ومن التقاليد المرعية في مسيج األسرة‪ ،‬أن الشيخ يتم التعريف به‬
‫لمعظم أفراد األسرة قبل أن ينتقل إلى المنزل‪ ،‬وهذا يعني إن معظم الذين‬
‫يفتحون مثل هذه المؤسسات لتحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬يخصصون أجنحة من‬
‫مساكنهم لسكن شيخ المسيج‪ ،‬ليكون قريبا من التالميذ من ناحية‪ ،‬ولتقديم‬
‫بعض الخدمات إليه بطريقة مباشرة مثل السكن واإلعاشة والمالبس وجميع‬
‫متطلبات اإلقامة من ناحية أخرى‪.‬‬
‫ورغم أن تقليد مسيج األسرة وجدت له آثار في تاريخ تعليم القرآن‬
‫الكريم في شاد‪ ،‬خاصة في الممالك اإلسالمية مثل كانم – برنوح‪ ،‬والبقرمية‪،‬‬
‫ودار وداعة‪ ،‬وقد أشرنا إلى بعضها في فقرات سابقة‪ ،‬إال أن انتشار هذه‬
‫الظاهرة في الوقت الحاضر يثير االنتباه‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فيندر أن يخلوا بيت رجل أعمال متوسط إلى كبير‪ ،‬وبيوت المدراء‬
‫العامون والوزراء‪ ،‬من وجود مسيج داخل بيت األسرة‪ ،‬ويالحظ االهتمام‬
‫بمسيج األسرة باعتباره أحد مكونات المنزل الكبير حتى لدى األسر التي‬
‫يتعلم معظم أبنائها باللغة الفرنسية‪ ،‬وحينما يستفسر منهم عن ذلك‪ ،‬يجيبون‬
‫بان مسيج القرآن هو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامهم لنقل الثقافة العربية‬
‫اإلسالمية إلى أجيالهم الالحقة‪ ،‬وكان لهذا المسيج القرآني داخل األسرة ذات‬
‫الثقافة الفرنسية األثر الكبير في المحافظة على الهوية اإلسالمية في مواجهتها‬
‫للتأثير الفرنسي‪.‬‬
‫فرغم التفوق الذي يبديه أبناء المسلمين في شاد في التعليم الفرنسي‬
‫إال أن انتماءهم لإلسالم يظهر في أي احتكاك مع الثقافة الفرنسية يمس‬
‫الحضارة اإلسالمية‪ ،‬وقد الحظ جميع الشاديين ردود وزير التربية الوطنية‪،‬‬
‫حينما تمت مساءلته من قبل بعض البرلمانيين‪ ،‬من جدوى قرض ممنوح من‬
‫البنك اإلسالمي للتنمية ينص في بند منه على دعم المدارس القرآنية في شاد‬
‫وهي بلد علماني‪ ،‬حتى تجرأ البعض باإلشارة إلى وجوب دعم المدارس‬
‫الكنسية‪ ،‬إذا تم إقرار دعم المدارس القرآنية‪ ،‬بل بعض النواب شككوا في‬
‫جدوى المدارس القرآنية‪ ،‬فدافع الوزير عن هذا البند بكل ما يستطيع إلى أن‬
‫وصل إلى االستشهاد بنفسه‪ ،‬وطرح عليهم السؤال التالي ؛ هل تشككون‬
‫بكفاءتي كوزير للتربية الوطنية‪ ،‬رغم أنني مررت بالمدارس القرآنية الخاصة‪،‬‬
‫وتعلمت فيها في مرحلة من مراحل تعليمي ؟(مساءلة وزير التربية الوطنية‪ ،‬عبد‬

‫الرحيم بريمة حامد‪ ،‬أمام البرلمان الشادي‪ ،‬الميزانية المالية لعام ‪2002‬م)‬

‫‪304‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وحول اثر المسيج الخاص باألسرة على جميع الطبقات حتى تلك التي‬
‫تلقت تعليما فرنسيا‪ ،‬يمكن االستشهاد بظاهرة‪ ،‬معرفة القراءة والكتابة العربية‬
‫لديهم‪ ،‬وكل هذه العملية تمت داخل المسيج‪ ،‬بدليل إن اغلبهم يكتب العربية‬
‫باتجاه صدره‪ ،‬وليس من اليمين إلى اليسار كما هو العادة في الكتابة العربية‪.‬‬
‫وهذه العملية اإلمالئية في االتجاه من اليمين إلى الصدر أو البطن ال توجد إال‬
‫في المسيج ومستمرة إلى اليوم‪ ،‬وهي ظاهرة شائعة في معظم المثقفين بالعربية‬
‫في شاد‪ ،‬حتى أن الباحث بإمكانه أن يكتشف مكان تعلم الطالب في‬
‫المراحل من خالل اتجاه كتابته‪.‬‬
‫وهناك مظهر آخر للمسيج القرآني يكثر في المدينة رغم وجوده في‬
‫القرية والبادية‪ ،‬وهو مسيج القوني‪ ،‬ومعظمهم يطلق عليه اسم (( مدرسة‬
‫القوني ))‪ ،‬وتوصف بأنها عبارة عن تصحيح أللواح الطالب الكبار نسبيا‪،‬‬
‫والذين تجاوزوا مراحل معينة من حفظ القرآن‪ ،‬على األقل حفظوا أجزاء كبيرة‪،‬‬
‫وان لم يحفظوه بالكامل‪ ،‬ويختلف زمن جمع األلواح حسب عدد المترددين‬
‫على المدرسة‪ ،‬فإذا كانوا كثرا‪ ،‬فقد يتم وصول األلواح مبكرا قبل بداية‬
‫التصحيح‪ ،‬وفى الحاالت العادية يحمل كل طالب لوحه إلى المدرسة بعد‬
‫صالة العصر‪ ،‬وأمام الشيخ أو من ينوب عنه دواة وقلم‪ ،‬فينظر هو ومن معه‬
‫من الطالب إلى اللوح ويقومون بتصحيح المتن والشكل والقواعد اإلمالئية‬
‫وبإمكان أي حاضر أن يشير بيده إلى أي خلل في اللوح مهما صغر‪.‬‬
‫أما العلوم المساعدة على الحفظ األخرى‪ ،‬فمن حق الشيخ أو من‬
‫ينوب عنه فقط اإلشارة إليها‪ ،‬ووضعها في أول اللوح أو بين السطور أو في‬
‫آخره‪ ،‬فال يخرج اللوح من هذه العملية‪ ،‬أال وهو ملئ بالمالحظات‬
‫والتعليقات واإلشارات‪ ،‬والتي قد يقتضي األمر االستفسار عن بعضها في نهاية‬

‫‪305‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الدرس‪ ،‬وكلما كان صاحب الدرس أو من ينوب عنه بارعا في معرفة القيود –‬
‫(مفردها قيد) أو الحبال‪ ،‬وهي قواعد الضبط للمتشابهات في مفردات القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬كلما أدى ذلك إلى الرفع من مكانته بين الحفظة أو القواني‬
‫وتالمذتهم‪ ،‬وبالتالي تكبر حلقته أو مدرسته‪ ،‬ولذلك قد تجد في قرية أو بادية‬
‫أو حارة من حارات المدينة عدد من الحفاظ أو القواني‪ ،‬ولكنك ال تجد إال‬
‫عددا محدودا من الذين لهم مدارس أو حلقات مثل التي وصفناها‪.‬‬
‫تركز وصفنا لمؤسسات تحفيظ القرآن الكريم في الفقرات السابقة على‬
‫الجهود التي بذلت من قبل الحفظة المحليين وبرواية ورش عن نافع – على‬
‫األغلب – ولكن ابتداء من استقالل البالد من االستعمار الفرنسي عام‬
‫‪1960‬م والسنوات التي تلت ذلك‪ ،‬وانفتاح البالد على العالم العربي‬
‫واإلسالمي‪ ،‬بدأت بعض تيارات التغيير تهب على النظام التعليمي لتحفيظ‬
‫القرآن الكريم وطرق الحفظ ووسائله‪ ،‬والعالقات االجتماعية السائدة داخل‬
‫مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم‪.‬‬
‫فبدأ الحافظ الجديد يطمح إلى إضافة قراءة أخرى أو اكثر إلى قراءته‬
‫التي حفظ بها القرآن‪ ،‬وبدأ السعي إلى إضافة علوم العربية‪ ،‬وكذلك العلوم‬
‫اإلسالمية‪ ،‬بل والعلوم العصرية إلى حفظ القرآن الكريم مظهرا مألوفا لدى‬
‫الحفظة الجدد‪ ،‬بينما هذه التغييرات كانت غير مفضلة لدى الطبقات األولى‬
‫من الحفظة التقليديين " السابقين " أو الكبار‪ ،‬فما هي العمليات االجتماعية‬
‫التي اتبعت لتسهيل عملية التحول هذه ؟‬
‫يستفاد من بعض الروايات الشفوية إن هذه العملية بدأت حينما احتك‬
‫الحفاظ بعد االستقالل بزمالئهم في البلدان العربية‪ ،‬وظهر لهم انهم يحفظون‬
‫القرآن الكريم بإتقان شديد‪ ،‬ولكن برواية واحدة فقط‪ ،‬إن لم يكن بطريق‬
‫واحد أيضا‪ ،‬بينما يقتضي الحفظ في المجتمعات اإلسالمي األخرى‪ ،‬االنفتاح‬

‫‪306‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫نحو قراءات وطرق وروايات متنوعة‪ ،‬زيادة على انفتاح الحفظة على العلوم‬
‫العربية اإلسالمية بل والعصرية أيضا أي العلوم التقنية‪.‬‬
‫ثالثا‪-‬تجربة وصول القراءات األزهرية إلى شاد‬
‫وكانت البدايات األولى لالحتكاك مع علماء في القراءات قدموا من‬
‫المغرب الع ـربــي ( المغرب ‪ +‬موريتانيا )‪ ،‬وتوقف المعلومات عن هذه‬
‫االحتكاكات األولية بالمغاربة عن الروايات الشفوية‪ ،‬وسعي الباحث إلى‬
‫درسوا بعض‬
‫الحصول على أسانيد أو وثائق مكتوبة عن هؤالء القراء الذين ّ‬
‫الحفظة بعض القراءات فلم يقف على اثر مكتوب‪.‬‬
‫والتحول الواضح هو الذي حصل بعد زيارة قام بها أحد أبناء العلماء‬
‫من جمهورية مصر العربية وهو الشيخ محمد لطفي عامر ابن رئيس القراء في‬
‫مصر الشيخ عامر عثمان‪ ،‬وهي زيارة غير رسمية عبر عنها معظم الذين رووا‬
‫قصتها أنها كانت عفوية‪ ،‬ونزل هذا الضيف عند منزل اإلمام الشيخ موسى‬
‫إبراهيم بقرب السوق الكبير‪ ،‬وأقام حلقة في هذا المنزل حضرها عدد من‬
‫الحفظة ولفترة وجيزة‪ ،‬وبعد كبر الحلقة في منزل اإلمام انتقلت إلى المسجد‬
‫الكبير‪ ،‬وتم ختم القرآن الكريم بالقراءات المتنوعة في عشرين يوما‪ ،‬ثم وزعت‬
‫الشهادات على بعض الحفظة الذين تميزوا في اكتساب مهارة القراءات‬
‫المتنوعة‪ ،‬وبعدها رجع الزائر‪.‬‬
‫ورغم قصر مدة هذه الزيارة‪ ،‬لكن تمخضت عنها نتائج هامة‪ ،‬غيرت‬
‫مسار تحفيظ القرآن الكريم في شاد بالكامل تقريبا‪ .‬فقد اظهر هذا الضيف‬
‫للحفظة عمليا مدى حاجتهم للتجويد الحديث "الذي يشمل قراءات متعددة"‬
‫من جهة‪ ،‬واظهر ضرورة إرسال عدد من الحفظة إلى المعاهد األزهرية‬

‫‪307‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫للقراءات من جهة أخرى‪ ،‬ويبدو أن الرجل حاول أن يسهل إرسال هؤالء‬


‫الحفظة إلى المعاهد األزهرية من خالل معارف في إدارات األزهر الشريف‪.‬‬
‫ويحكي هؤالء الحفظة سيرة تجاربهم األولى في االحتكاك بالحفظة في‬
‫مصر بشيء من فرحة االكتشاف‪ ،‬حيث ظهر للجان في المعاهد األزهرية‬
‫للقراءات دقة حفظهم للقرآن الكريم‪ ،‬ومدى حاجتهم إلى اإللمام بالقراءات‬
‫األخرى‪(.‬مقابلة مع الشيخ القوني جبريل بركة‪ :‬حول "تطور القراءات في شاد"‬
‫في منزله بأنجمينا – شاد‪ ،‬حارة أم رقيبة‪ ،‬الساعة الرابعة بعد العصر‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪2002/4/28‬م‪.‬والشيخ جبريل بركة من األوائل الذين حضروا هذه الحلقة‬
‫ومن الذين أجيزوا بعدها‪ ،‬ثم التحق باألزهر بعد ذلك)‬
‫وساهمت عملية إرسال حفظة لهم مكانتهم العلمية في البالد‪،‬‬
‫واكتسابهم للقراءات المتنوعة‪ ،‬في تقبل الحفظة المحليين للتحول الذي‬
‫حصل بعد ذلك‪ ،‬وهي عملية معروفة في نشر األفكار الحديثة لدى‬
‫الجماعات‪ ،‬فالجماعات عادة تتقبل األفكار التي تنقل إليها بواسطة‬
‫مجموعات بشرية تثق بها‪ ،‬ولها صالت اجتماعية أو معرفية بها‪ ،‬ولهذا يعتبر‬
‫رجوع الدفعات األولى من الرواد المعاصرين من الحفظة الشاديين الذين تم‬
‫إعدادهم في معاهد القراءات في األزهر‪ ،‬نقطة البداية في عمليات التحول‬
‫داخل مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم‪.‬‬
‫وساهمت عملية نقل هذه التغييرات بواسطة جماعات من الحفظة لها‬
‫مكانتها العلمية المعترف بها‪ ،‬في عملية التكييف االجتماعي‪ ،‬وقبول الحفظة‬
‫المحليين لهذه التحوالت‪ ،‬وقد ضمت الدفعة األولى التي أرسلت إلى األزهر‬
‫عام ‪1975‬م أربعة من الحفظة وهم‪ :‬القوني حسن عمر طاهر‪ ،‬الشيخ طه‬

‫‪308‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫عباس‪ ،‬والشيخ يوسف إسحاق‪ ،‬والشيخ محمد احمد‪ ،‬ولحقت بهم الدفعة‬
‫الثانية بعد اشهر‪ ،‬وضمت القوني جبريل بركة والقوني محمد الحر‪.‬‬
‫رابعا‪ -‬النشأة العلمية للشيخ القوني جبريل بركة‬
‫ومن الرواد األوائل الذين قادوا حركة التحول في تحفيظ القرآن الكريم‬
‫الشيخ جبريل بركة‪ ،‬ولد الشيخ جبريل بركة بن محمد بن حسين الميقني سنة‬
‫‪1941‬م في بيكرو غرب شاد‪ ،‬فبعد أن قرأ القرآن الكريم على يد والده ثم‬
‫أخيه األكبر القوني أبو بكر بركة في قريته صاح الزراف في بيكرو‪ ،‬هاجر‬
‫كعادة أقرانه من اجل إتقان تجويد القرآن الكريم‪ ،‬فذهب إلى آتيا البطحاء‬
‫فادخل لوحه على القوني عبداهلل التمير والشيخ القوني الغالي والشيخ القوني‬
‫عبدالرحمن‪.‬‬
‫ثم رحل إلى قرية بتكن‪ ،‬فقرأ على الشيخ آدم عمر‪ ،‬ثم على الشيخ‬
‫موسى صالح المعروف بالقوني موسى ابن الفالتية‪ ،‬ثم ارتحل إلى منطقة‬
‫دربالي وقرأ على الشيخ القوني حسين آدم المعروف بالغرباوي‪ ،‬ثم على‬
‫الشيخ القوني صالح بن الشيخ أبو بكر اشيقر‪ ،‬إلى أن وصل إلى العاصمة‬
‫الشادية ( فورت المي آنذاك )‪ ،‬فالتحق بمدرسة الشيخ القوني عيسى ولد‬
‫كندلة إلى أن أجازه في القراءة واإلقراء ومنحه درجة ولقب " قوني " في سنة‬
‫‪1964‬م‪.‬‬
‫وفى سنة ‪1975‬م سافر في الدفعة الثانية من الحفظة إلى األزهر‬
‫الشريف فسجل في معهد القراءات بشبر الحزاندارة‪ ،‬وتلقى القراءات العشر‬
‫على شيوخه‪ ،‬أهم الشيخ عبدالصبور منصور والشيخ فتحي قنديل والشيخ‬
‫داود فتحي‪ ،‬ونال من معهد القراءات الشهادة العالية في القراءات العشرة من‬
‫طريق الدرة الشاطبية سنة ‪1979‬م وعاد إلى وطنه عام ‪1980‬م‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫خامسا‪ -‬اإلنتاج العلمي للشيخ القوني جبريل بركة‬


‫وبجرد رجوعه انضم إلى الرواد األوائل في تحمل مسؤولية نشر‬
‫القراءات المجودة‪ ،‬والتنوع في التجويد‪ ،‬سواء أكان ذلك في معهد القراءات‬
‫أو في حلقته العامرة في منزله‪ ،‬وكذلك في رحالته المتعددة داخل الوطن‪،‬‬
‫والى الدول المجاورة‪ ،‬نيجيريا وإفريقيا الوسطى والكمرون‪ .‬وله من التأليف‬
‫األعمال اآلتية‪-:‬‬
‫أ‪-‬كتاب الدرر النضيدة في أوجه عثمان‪:‬‬
‫وهو مؤلف يقع في (‪ )92‬صفحة مخطوطة بيد المؤلف‪ ،‬تناول أوجه‬
‫ورش العامة‪ ،‬ثم أوجهة الرواية في كل سورة من سور القرآن على حدة‪ ،‬ومن‬
‫الواضح انه يقدم مادة هامة في الرواية التي يقرأ بها معظم الحفظة والطالب‬
‫في شاد‪،‬تم االنتهاء من تأليفه في انجمينا في ‪ 2‬رجب ‪1404‬هـ الموافق‬
‫‪1985/3/27‬م ونظرا لحاجة حفاظ القرآن الكريم لهذا العمل‪ ،‬فقد صورت‬
‫أو كثرت منه نسخ عديدة ووزعت على شكل كتاب‪(.‬بركة‪)2،‬‬
‫ب‪ -‬رسالة البيان فيما اختص به قالون عن عثمان‪:‬‬
‫وتحتوي (‪ )30‬صفحة بخط اليد‪ ،‬كاتبها الناسخ الماهر القوني احمد‬
‫الجد‪ ،‬بدأها بسيرة اإلمام قالون‪ ،‬ثم بين أصول قالون العامة في الرواية‬
‫والقضايا التي يختلف فيها عن عثمان أي ورش‪ .‬انتهي منه في ‪ 6‬رمضان‬
‫‪1404‬هـ الموافق ‪1984/9/9‬م‪(.‬بركة‪)5،‬‬
‫ج‪ -‬الدرر المنثور في تقريب رواية الدوري‪.‬‬
‫وهو كتاب كبير يقع في (‪ )216‬صفحة مخطوطة باليد‪ ،‬الناسخ عباس‬
‫محمد احمد عباس‪ ،‬تناول فيه بالتفصيل رواية الدوري التي ذكرنا أن الجزء‬
‫الشرقي من شاد يقرأ بها‪ ،‬خاصة المدن والقرى الكبيرة " الحالل "‪ ،‬فأورد‬
‫‪310‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫األحكام العامة‪ ،‬في الرواية مثل‪:‬ما جاء بين السورتين‪ ،‬والمد المتصل‬
‫والمنفصل الخ‪ ،‬إلى أن وصل إلى القواعد التفصيلية للرواية في كل أية وسورة‪،‬‬
‫وكان الفراغ منه يوم ‪1405/2/3‬هـ الموافق ‪1983/8/2‬م‪(.‬بركة‪)1،‬‬
‫د‪ -‬القواعد األدائية فيما خالف فيه شعبة حفصا من طريق الشاطبية‪.‬‬
‫وهو كتاب متوسط الحجم‪ ،‬يقع (‪ )27‬صفحة‪ ،‬مخطوط بيد المؤلف‪،‬‬
‫تناول فيه ما يميز قراءة شعبة عن حفص‪ ،‬لما الحظه المؤلف من خلط من‬
‫الطالب‪ ،‬بين الروايتين‪ .‬بدأ الكتاب باعطاء نبذة عن حياة شعبة الكوفي‪،‬‬
‫واوضح ما يميز قراءته من االحكام عامة‪ ،‬ثم ما يميزه في كل سورة من سور‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬من البقرة الى سورة االخالص‪ ،‬وكان الفراغ من تاليفه يوم ‪/12‬‬
‫من جمادي االولى ‪1414‬هـ الموافق ‪1993/10/27‬م‪( .‬بركة‪)3،‬‬
‫هـ‪ -‬رسالة تحرير الراءات في طريق الروايات‪ :‬وهي رسالة مكونة من‬
‫(‪ )21‬صفحة متوسطة الحجم عرض فيها أحكام الراء اتفاقا واختالفا‪ ،‬وبين‬
‫حكم الراء مع حروف االستعالء‪ ،‬ثم راء ذكرا وأخواتها‪ ،‬والراء المفخمة‬
‫والمكسورة والساكنــة بعد أكبر‪ ...‬الخ‪ .‬تـم تبيض هـذه الرسالة في ‪/11‬صفر‬
‫‪1420‬هـ‪(.‬بركة‪)20،‬‬
‫يسند المجتمع الشادي إلى مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم بمختلف‬
‫مسمياتها – العديد من األدوار االجتماعية‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫سادسا‪-‬وظائف حفظ القرآن الكريم في المجتمع الشادي‬


‫فالمسيج هو المؤسسة األساسية في حفظ نظام التعليم والتربية في‬
‫معظم مراحل تاريخ المجتمع الشادي‪ ،‬وهو الحمى الذي احتمى به المجتمع‬
‫في الحفاظ على هويته اإلسالمية أثناء االستعمار الفرنسي‪ ،‬وظل ركيزة أساسية‬
‫من ركائز الثقافة اإلسالمية المميزة لهذا الشعب‪ ،‬وساهمت مؤسسات تحفيظ‬
‫القرآن في الحفاظ على األنفس والثروة والسلطة السياسية في المجتمع‪.‬‬
‫‪.1‬حفظ التربية والتعليم‪.‬‬
‫فمؤسسات تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬ال يتوقف دورها على حفظ القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬بل يمتد إلى القيام بالتربية والتعليم في المجتمع‪ ،‬وتنفرد في القيام‬
‫بهذا الدور في بعض المناطق البدوية والريفية‪ ،‬وتشارك بشكل فاعل مع غيرها‬
‫من مؤسسات التعليم والتربية الحديثة في جميع األقاليم الشادية‪.‬‬
‫ولم يكن هذا الدور جديدا على مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم في‬
‫شاد‪ ،‬فقد كانت المؤسسة الوحيدة للتربية والتعليم في السلطنات والممالك‬
‫اإلسالمية التي قامت حول بحيرة الشط‪ ،‬ابتداء من سلطنة كانم – برنوح‪ ،‬إلى‬
‫سلطنة بقرمية‪ ،‬إلى دار وداعة‪ ،‬ودار سيال‪ ،‬ودار تاما‪ ،‬وسلطنة لوغون‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ففي جميع هذه الكيانات التي أقامها المسلمون حول هذه المنطقة‬
‫منذ دخول اإلسالم‪ ،‬شكل المسيج القرآني نقطة االرتكاز في النظام التعليمي‪.‬‬
‫وعند وصول طالئع االستعمار الفرنسي وجدوا هذه المؤسسات‬
‫التعليمية‪ ،‬أعدت الحفظة والعلماء والمثقفين بالثقافة العربية اإلسالمية‪ ،‬وقد‬
‫أشاد جميع األوروبيين بريادة هذه المؤسسات واعتماد المجتمع عليها في‬
‫التربية والتعليم‪ .‬فذكر (بارث) في رحلة وجود طبقة من المثقفين بالثقافة‬

‫‪312‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫اإلسالمية في جميع السلطنات اإلسالمية حول بحيرة الشط تخرجوا من‬


‫مؤسسات‪ ،‬تعليمية محلية في المنطقة‪.‬‬
‫وخلفه الرحالة (ناشنيجال) فذكر دور مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم‬
‫في دار وداعة بالتحديد‪ ،‬وأشار إلى قوة الجماعة التي تخرجها في شؤون‬
‫الدين والدنيا‪.‬‬
‫ودور هذه المؤسسات ظهر بشكل واضح أثناء االحتكاك بالغزو‬
‫الفرنسي المباشر حوالي سنة (‪1900‬م)‪ ،‬فقط وجد الفرنسيون المدارس‬
‫القرآنية تقوم بدور التربية والتعليم في المنطقة‪ ،‬ورغم الصورة الصدامية التي‬
‫واجه بها الفرنسيون هذه المؤسسات التعليمية‪ ،‬إال انهم أشادوا بدورها القوي‬
‫في سحب األطفال المسلمين من التعليم الفرنسي‪ ،‬فرفض المدرسة الفرنسية‬
‫من قبل المسلمين‪ ،‬شكل العائق الثقافي األول للفرنسيين في هذه البالد‪.‬‬
‫وافضل من عبر عن هذه الصورة من المواجهة بين مؤسسات تحفيظ‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬والمدرسة الفرنسية الدكتور‪ /‬عيسى حسن خيار في دراسته "‬
‫رفض المدرسة الفرنسية " التي أعدت ونشرت في فرنسا‪)Khayar,15(.‬‬
‫ولكن لماذا رفض المسلمون في شاد التعليم الفرنسي الحديث ؟‬
‫لإلجابة على مثل هذا التساؤل‪ ،‬هناك عدة محاوالت‪ ،‬منها ؛ ما يراه األهالي‬
‫في هذه المناطق من اختيارهم لنظام التعليم الذي يمكن أن يرسلوا أوالدهم‬
‫إليه‪ ،‬وكان اختيارهم لنظام التعليم القرآني‪ ،‬ألنه يقربهم من ربهم من ناحية‪،‬‬
‫ويحفظ لهم أبناءهم من التنصير من ناحية أخرى‪ ،‬فإلى فترة قريبة – وربما إلى‬
‫اآلن – ينظر معظم المسلمين إلى التعليم الفرنسي بأنه "نصراني"‪ ،‬وهذا ما‬
‫يفسر وجود عدة خالوي كبيرة في حارة من العاصمة أنجمينا وهي حارة رضينا‬
‫تضم الخلوة الواحدة (‪ )350‬تلميذا وتلميذة‪ ،‬يدرسون فيها بالدوام الكامل‪،‬‬

‫‪313‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ويعني هذا انهم غير مسجلين في التعليم العام‪ ،‬بينما ال تبعد عنهم مدارس‬
‫التعليم العام الفرنسي والعربي إال مئات األمتار‪ ،‬وحينما يستفسر من أولياء‬
‫أمورهم يجزمون‪ ،‬أن النظام التعليمي الذي يوفره المسيج ألبنائهم افضل‬
‫لحفظهم وحفظ دينهم‪.‬‬
‫فالمجتمع يستخدم مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم للحفاظ على‬
‫الدين اإلسالمي‪ ،‬ومقاومة الذي يمثله التعليم الفرنسي‪ .‬واعترافا من الفرنسيين‬
‫بدور مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم في اكتساب رضى المسلمين‪ ،‬وحجز‬
‫التالميذ بمحض إرادة أهلهم وذويهم عن المدرسة الفرنسية‪ ،‬شكل الفرنسيون‬
‫ما يشبه المسيج في المدارس الفرنسية‪ ،‬وقاموا بتعيين معلمين تخرجوا من‬
‫مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬وذلك من اجل استقطاب أوالد المسلمين‬
‫إلى التعليم الفرنسي‪ ،‬وقد كانت سياسة ناجحة في بعض المناطق‪ ،‬فالطفل‬
‫المسلم يرى الشيخ "األستاذ" يدرس مثل الفرنسي "النصراني"‪ ،‬وبالتالي فهو‬
‫في مأمن من التنصير أوال‪ ،‬ثم يحفظ بعض تعاليم دينه من ه ــذا الشيخ ثانيا‪.‬‬
‫وترافق مع هذه السياسة في التقرب من الحفظة‪ ،‬اختيار أعداد من‬
‫خريجي مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬واالستفادة منهم في القضاء أيام‬
‫االستعمار الفرنسي‪ ،‬وقد ذكر الدكتور عيسى حسن خيار عددا منهم في كتابه‬
‫" الصفوة الوداوية"‪)Khayar,10 (.‬‬
‫ولكن هذا االعتراف الفرنسي لم يقلل من دور مؤسسات تحفيظ‬
‫القرآن في التعليم‪ ،‬بل ظل المسلمون يرسلون أوالدهم إليها كمهاجرين من‬
‫اجل التعليم‪ ،‬وظلوا يقيمونها في بدوهم وريفهم وحضرهم‪ ،‬باعتبارها النظام‬
‫التربوي والتعليمي الذي يحفظ لهم أبناءهم من التنصير ويعلمهم أمور دينهم‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وبعد االستقالل اعترف الرئيس األول لشاد‪ ،‬بالمدارس القرآنية‬


‫باعتبارها أحد مكونات النظام التربوي في شاد المستقلة‪ ،‬واصدر مرسوما‬
‫رئاسيا بذلك‪ ،‬حدد فيه بعض المدارس القرآنية الرسمية واقر لها بمساعدات‬
‫مادية سنوية‪)37(.‬‬
‫وفى الوقت الحاضر هناك اعتراف من وزارة التربية الوطنية بما تقوم به‬
‫مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم من محو األمية لقطاع كبير من المسلمين‪.‬‬
‫ومن المالحظ أن جميع هذه االعترافات كانت نتيجة لقبول المواطنين‬
‫للمسيج كمؤسسة لتربية والتعليم وإرسال أوالدهم إليها‪ ،‬بشكل كلي أو جزئي‪،‬‬
‫وعدم قبولهم الدائم للمدرسة الفرنسية‪.‬‬
‫وهذا ما جعل قبول ثنائية النظام التربوي في شاد عملية ضرورية‪،‬‬
‫فالمسلمون في شاد ال يقبلون إرسال أوالدهم إلى المدرسة الفرنسية‪ ،‬والدولة‬
‫– كانت – ال تريد أن تضم النظام التعليمي القرآني بالكامل لنظامها التربوي‪،‬‬
‫وم َّر قرن كامل‪ ،‬والمسلمون مصرون على التمسك بنظامهم التعليمي القرآني‪،‬‬
‫والتعليم العام منخفض في البالد‪ ،‬والحل اآلن هو القبول بوجود نظامين‬
‫للتعليم والتربية في البالد النظام الرسمي‪ ،‬والنظام العربي اإلسالمي األهلي‬
‫الرسمي‪ ،‬وواضح أن النظام العربي اإلسالمي هو تطوير منهجي فقط‬
‫لمؤسسات تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬وإن كان قد تأثر بالنظم التعليمية الحديثة‬
‫في األزهر والدول المجاورة‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-2‬حفظ الهوية اإلسالمية‬


‫حينما أمتحن المجتمع الشادي بالغزو االستعماري الفرنسي لم يجد‬
‫مثل مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم مالذا يحتمي به للحفاظ على هويته‬
‫اإلسالمية‪ ،‬خاصة بعد أن َّنفذ المستعمر الفرنسي‪ ،‬سياسة القتل والتنكيل‪،‬‬
‫فقتل عددا من العلماء والمشائخ الذين تخرجوا من المسيج وتوابعه‪ ،‬وحددوا‬
‫بان المقاومة األساسية للثقافة الفرنسية تأتى من هذه المؤسسات‪ ،‬ففي موقعة‬
‫واحدة في مملكة دار وداعة قتلوا اكثر من ( ‪ ) 400‬عالم وشيخ بحجة انهم‬
‫أفتوا بضرورة مقاومة االستعمار الفرنسي " النصراني"‪ ،‬وشمل التنكيل بالحفظة‬
‫والعلماء الطرد من البالد والنفي االختياري‪ ،‬وقطع جميع وسائل الرزق التي‬
‫كانت تقوم عليها هذه المؤسسات‪ ،‬من قبيل منع دفع الزكاة لهم‬
‫ولمؤسساتهم‪.‬‬
‫ولكن هذه المعامالت من الفرنسيين زادت من قوة مواقف المشائخ‬
‫والعلماء وأصحاب المسيج القرآني‪ ،‬فكتبوا الرسائل التي تحرض على مقاطعة‬
‫الفرنسيين‪ ،‬وعدم تقليدهم والتشبه بهم وعدم التعاون معهم‪.‬‬
‫ولهذا ظلت مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم والقائمين عليها‪ ،‬من أهم‬
‫الوسائل التي استخدمها المجتمع الشادي للحفاظ على الهوية اإلسالمية أيام‬
‫االستعمار الفرنسي‪ ،‬وظل يستخدمها في مواجهة التذويب الثقافي الفرنسي‬
‫إلى اليوم‪.‬‬
‫وفى مؤتمر عن الهوية الشادية أقامته جامعة شاد (سابقا) عام ‪1991‬م‬
‫تم إقرار هذه الوظيفة لمؤسسات تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬فتم اإلقرار من قبل‬
‫المشاركين في المؤتمر بان المجتمع الشادي حافظ على هويته الخاصة‪،‬‬
‫واحد مكوناتها األساسية اإلسالم‪ ،‬بفعل الدور الهام الذي تقوم به مؤسسات‬

‫‪316‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫تحفيظ القرآن الكريم والمدارس اإلسالمية التي قامت إمدادا لها‪.‬‬


‫( ‪Conférence sur l’identité Tchadienne, N’Djaména,‬‬
‫‪)université du Tchad, 1991‬‬
‫‪-3‬حفظ األنفس والثروة والسلطة‬
‫من الوظائف األساسية لمؤسسات تحفيظ القرآن الكريم في شاد‪،‬‬
‫اتجاه المجتمع نحو الربط بين حفظ القرآن الكريم في عائلة معينة أو منطقة‬
‫معينة‪ ،‬وحفظ األنفس والثروة والسلطة‪ ،‬فالعائلة التي تخلوا من حافظ للقرآن‬
‫الكريم‪ ،‬ترى بأنها معرضة للهالك دنويا وليس لها من أفرادها شفيع يـوم‬
‫القيامة‪ ،‬وهـذا مـا يوضح إحتفـاء جميع العائـالت – تقريبا – بالحفاظ فيها‪،‬‬
‫واإلفتخار بهم في المحافل والمواقف االجتماعية المختلفة‪ ،‬وترتفع مكانة‬
‫العائالت بارتفاع عدد الحفاظ فيها‪ ،‬ويتبع هذا االتجاه‪ ،‬اتجاه آخر يركز على‬
‫أهمية حفظ القرآن الكريم‪ ،‬وربط ذلك بحفظ الثروة‪ ،‬وهذا ما يفسر إرسال‬
‫البدو وأصحاب المواشي ألوالدهم لحفظ القرآن الكريم‪ ،‬اعتقادا منهم بان‬
‫ذلك يحفظ الثروة‪ ،‬وقد الحظنا هذه الظاهرة لدى رجال األعمال في المدينة‪،‬‬
‫حيث يندر وجود منزل كبير لرجل أعمال مسلم يخلو من مسيج بارز لتحفيظ‬
‫أفراد أسرته القرآن الكريم‪ ،‬أمال منه في حفظ أمواله وثروته دنويا‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى طلب الحفظ مــن النار في اآلخرة‪.‬‬
‫أما حفظ السلطة فقط ارتبط بحفظ القرآن خاصة أيام السلطنات‬
‫اإلسالمية منذ دخول اإلسالم إلى هذه المناطق والى اليوم‪ ،‬وقد استشهدنا‬
‫بعدد من المهرة أو الحفظة الذين ساهموا مساهمات فاعلة في الحفاظ على‬
‫السلطة السياسية لدرجة‪ ،‬أن الناس في بعض المناطق‪ ،‬وتقديرا لدور هؤالء‬
‫الحفظة أو العلماء في الحفاظ على النظام السياسي في المجتمع‪ ،‬قد اسندوا‬

‫‪317‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫إليهم القيادة‪ ،‬وهم لها رافضون‪ ،‬كما حصل للشيخ عبدالكريم بن جامع في‬
‫دار وداعة‪ ،‬والشيخ محمد األمين الكانمي في كانم – برنوح‪.‬‬
‫ومجمل القول أن هذه الصورة المشرفة للحافظ لكتاب اهلل في هذه‬
‫المناطق كانت وليدة لعوامل عديدة اجتماعية وسياسية جعلت العلماء بصفة‬
‫عامة محط األنظار‪ ،‬ولم يكونوا بمعزل عن الحياة االجتماعية والمشاركة‬
‫الفعالة في أحداثها الحاسمة‪ ،‬وربما كان في العديد من الفرص مثَّل العالم أو‬
‫الحافظ دور المحرك األول لتلك األحداث‪( .‬شلبي‪ ،‬هند‪)275-274 :‬‬

‫‪318‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الخالصة‪:‬‬

‫ومجمل القول أن كل ما قيل عن الشيخ جبريل بركة ودوره في تطوير‬


‫حفظ القرآن الكريم‪ ،‬يعتبر محاولة أولية لدراسة النظام التعليمي العربي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬الذي حافظ عليه المجتمع الشادي‪ ،‬ألنه يقدم له خدمات تعليمية‬
‫وثقافية واجتماعية وسياسية‪ ،‬زيادة على دوره العقدي في حفظ الدين‬
‫اإلسالمي في الصدور وفى الحياة اليومية للمسلم‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المصادر والمرجع‬
‫أ‪-‬المصادر‪:‬‬
‫‪-1‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪:‬الدرر النضيدة في أوجه عثمان‪،‬‬
‫مخطوطة‪ ،‬خزانة الباحث‪،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-2‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪:‬رسالة البيان فيما اختص به قالون عن‬
‫عثمان‪ ،‬مخطوطة‪ ،‬خزانة الباحث‪،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-3‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪:‬الدرر المنثورة في تقريب رواية الدوري‪،‬‬
‫مخطوطة‪ ،‬خزانة الباحث‪،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-4‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪:‬القواعد االدائية فيما خالف فيه شعبة‬
‫حفظا من طريق الشاطبية‪ ،‬مخطوطة‪ ،‬خزانة الباحث‪،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-5‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪:‬رسالة تحرير الراءات في طريق‬
‫الروايات‪ ،‬مخطوطة‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‬

‫ب‪-‬المراجع‬
‫‪-1‬شلبي‪ ،‬هند‪:‬القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس‬
‫الهجري‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪1983 ،‬م ص ص ‪.276-267‬‬
‫‪-2‬ولد أباه‪،‬د‪.‬محمد المختار‪:‬تاريخ القراءات في المشرق‬
‫والمغرب‪،‬منشورات االيسيسكو‪ ،‬الرباط‪1422/2002 ،‬هـ‪ ،‬ص ص ‪-186‬‬
‫‪.189‬‬
‫‪-3‬السراج‪ ،‬زين العابدين عبدالحميد‪:‬دولة كانم اإلسالمية‪ ( ،‬رسالة‬
‫ماجستير‪ ،‬كلية األدب جامعة القاهرة‪ ،‬غير منشورة ‪1975‬م ) ص ص ‪-61‬‬
‫‪.63‬‬

‫‪320‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-4‬ابن فرطوا‪،‬اإلمام احمد‪:‬أخبار السلطان إدريس الومة‪ ،‬المطبعة‬


‫األميرية‪،‬كنو‪1930 ،‬م‪ ،‬ص ‪.129‬‬
‫‪-5‬أيوب‪،‬د‪.‬محمد صالح‪:‬الدور االجتماعي والسياسي للشيخ عبدالحق‬
‫السنوسي الترجمي في دار وداي (شاد)‪ ،‬منشورات جمعية الدعوة اإلسالمية‪،‬‬
‫طرابلس‪2001 ،‬م‪ ،‬ص ص ‪.130-124‬‬
‫‪-6‬أيوب‪ ،‬محمد صلح أيوب‪:‬مجتمعات وسط إفريقيا بين الثقافة‬
‫العربية والفرانكفونية منشورات مركز الدراسات اإلفريقية‪،‬سبها‪1992 ،‬م‬
‫‪-7‬أيوب‪،‬د‪.‬محمدصالح‪:‬جماعات التحديث االجتماعي في وسط‬
‫إفريقيا‪،‬مطبعة المعرفة القاهرة‪1991 ،‬م‪ ،‬ص ص ‪.145 – 134‬‬
‫‪-8‬شلبي‪ ،‬هند‪:‬القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس‬
‫الهجري مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.275-274 :‬‬
‫‪9-Khayar Issa Hassan: Refuse de l’ecole,neuf‬‬
‫‪,paris ,1976‬‬
‫‪10-Arrêté N° 1096/F.G/E.N accordant des‬‬
‫‪subventions aux ecoles coraniques sur le territoire de‬‬
‫‪la Republique du Tchad, For-Lamy, le 19/04/1966‬‬
‫‪11-Khayar Issa Hassan ,Regard sur les élites‬‬
‫‪ouaddaïennes,Paris,1984‬‬

‫‪12-Conference sur l’identité Tchadienne ,‬‬


‫‪N’Djaména , université du Tchad , 1991.‬‬

‫‪321‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل التاسع‪:‬‬
‫الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم القرشي‬
‫ودوره يف نشر القراءات يف وسط إفريقيا‬
‫• التمهيد‬
‫أوال‪-‬نشأة وتعليم الشيخ حسن عمر طاهر إبراهيم القرشي‬
‫ثانيا‪ :‬مستويات حفظ القرآن الكريم يف شاد‬
‫ثالثا‪ :‬القواعد املساعدة على حفظ القرآن الكريم يف‬
‫شاد‬
‫رابعا‪ :‬مظاهر مسيج البادية والقرية‬
‫خامسا‪ :‬اإلنتاج العلمي للشيخ القوني حسن القرشي‬
‫أ‪ -‬دليل احلريان إىل قواعد أبي سعيد عثمان‬
‫ب‪ -‬الفتح الرباني فيما خالف فيه قالون ورشا من حرز‬
‫األماني‬
‫ج‪ -‬اهلداية الربانية إىل ما خالف فيه الدوري ورشا من‬
‫طريق الشاطبية‬
‫د‪ -‬اإلرشادات الربانية إىل ما خالف فيه عبداهلل بن كثري‬
‫نافعا من طريق الشاطبية‬
‫ه‪-‬بيان القراءات الشاذة‬
‫و‪ -‬إرشاد اإلخوان إىل تفصيل اهلمزتني لرواية أبي سعيد‬
‫عثمان‬
‫ز‪ -‬تاريخ القراء‬
‫• اخلالصة‬
‫• املصادر واملراجع‬

‫‪322‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫التمهيد‬
‫تناول البحث حول الشيخ حسن عمر طاهر إبراهيم القرشي‪ ،‬عددا من‬
‫المحاور‪ ،‬مثل‪ :‬النشأة التعليمية‪ ،‬التي تلتها عناية بالمستويات التي قطعها في‬
‫حفظ ونشر القرآن الكريم في البادية والريف الشادي‪ ،‬مما استدعى وصفا‬
‫تقريريا للمسيج الشادي في البيئة البدوية والريفية‪ ،‬مع إشارة خاصة للقواعد‬
‫المساعدة على الحفظ في مثل هذه البيئات‪ ،‬وهذا ما سمح للباحث أن‬
‫يتعرض للمساهمات العلمية للشيخ حسن عمر طاهر إبراهيم القرشي‪ ،‬وهي‬
‫رغم تنوعها‪ ،‬إال أن البحث هنا ركز على أهمها‪ ،‬والتي تناولت بالتحديد‪،‬‬
‫عمليات تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬الذي يعتبر الميدان الذي أفنى فيه الشيخ‬
‫حسن عمر طاهر إبراهيم القرشي عمره‪.‬‬
‫أوال‪-‬نشأة وتعليم الشيخ حسن عمر طاهر إبراهيم القرشي‬
‫هو من مواليد قرية شاور بمدير البطحاء وسط البالد حوالي ‪1935‬م‪،‬‬
‫تلقي تعليمه حسب نظام تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬على يد شقيقه األكبر‪ ،‬وكان‬
‫من عادة أقرانه أن يهاجر الحافظ منهم إلى منطقة بعيدة عن موطنه األصلي‪،‬‬
‫ليتفرغ لتجويد القرآن الكريم‪ ،‬فهاجر إلى بحر الغزال‪ ،‬والتحق بالشيخ القوني‬
‫محمد أبو شيب‪ ،‬والزمه بضع سنوات‪ ،‬ليتجاوز جميع مستويات الحفظ‬
‫واإلتقان المتعارف عليها‪ ،‬إلى أن رفعه إلى درجة ماهر ( قوني ) في القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬
‫وهو من الدفعة األولى للرواد المعاصرين لحفظة القرآن الكريم الذين‬
‫ابتعثوا إلى معاهد القراءات األزهرية سنة ‪1975‬م‪ ،‬ومن شيوخه في مصر‬
‫الشيخ عامر السيد عثمان‪ ،‬والشيخ عطاء رزق‪ .‬وعاد إلى البالد عام ‪1978‬م‪،‬‬
‫وتولى إدارة معهد القراءات في الفترة من ‪1982 – 1981‬م‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثانيا‪ -‬مستويات حفظ القرآن الكريم في شاد‬


‫من المالحظ إن حفاظ القرآن الكريم في شاد‪ ،‬وعلى رأسهم الشيخ‬
‫القوني حسن عمر‪ ،‬يتدرجون حسب مستويات معينة‪ ،‬حيث ال يعد كل من‬
‫حفظ القرآن الكريم مباشرة حافظا‪ ،‬إال بعد أن يجتاز هذه المستويات‪ ،‬ويعرف‬
‫الحفاظ بعضهم بعضا كأي جماعة وظيفة أو مهنة أخرى‪ ،‬فيحددون درجة أو‬
‫مستوى كل حافظ حسب ما أوتي من علم أو تجربة وخبرة مكتسبة عن طريق‬
‫التلمذة المباشرة‪ ،‬وهذه الجماعات مثلها مثل كل الجماعات المهنية تحتفظ‬
‫لنفسها بمهارات وتجارب عملية وطقوس للمهنة‪ ،‬يصعب أن يدرك فحواها من‬
‫يراها من الخارج‪ ،‬وإذا أراد الباحث أن يكتشف هذه العالقات المهنية‬
‫المنظمة‪ ،‬فعليه أن يالحظها بالمشاركة المباشرة‪ ،‬عن طريق العيش المشترك‬
‫داخل هذه الجماعات‪ ،‬فكل من حفظ القرآن الكريم ألول مرة‪ ،‬يوضع عندهم‬
‫في المستوى اللين أو النيئ‪ ،‬ويسمونه ( لم أية فقط ) أي أن حفظه لم يتجاوز‬
‫وصل اآليات القرآنية بعضها ببعض‪ ،‬بينما المستوى الذي يلي ذلك هو‬
‫مستوى مسير‪ ،‬ويليه المجود‪ ،‬ثم الماهر ( القوني ) ولكل مستوى من هذه‬
‫المستويات األربع خصائص تميزه عن غيره‪.‬‬
‫الحفظ اللين ( لم آية )‪:‬‬
‫وهذا هو المستوى األول للحفظ وعبارة لين أو نيئ هي اصدق تعبير‬
‫عن المكانة التي اختارها الحفاظ لهذا المستوى‪ ،‬فهم ال يعدونه حافظا ونادرا‬
‫ما يحظى بمكانة الحفظة من المستويات التالية‪ ،‬فرغم الفرحة التي تعتري‬
‫دارسي القرآن الكريم حينما يستطيع قراءة القرآن الكريم كله من رأسه‪ ،‬إال أن‬
‫معظم الحفظة المتمرسين ينصحون من يصلون إلى هذا المستوى بالتواضع‪،‬‬
‫وكأنهم يدربونهم على تحمل المسئولية في المحافظة على أمانة حفظ القرآن‬

‫‪324‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الكريم‪ ،‬فقد يستغرب المالحظ من موقف شيخ المسيج عندما يصل أحد‬
‫طالبه إلى هذا المستوى‪ ،‬ويالحظ على جهة الوجوم وعدم االنشراح‪ ،‬وكأنه‬
‫يتخوف من أن ال يجتاز طالبه هذه المرحلة‪ ،‬ويغتر بنفسه‪ ،‬وربما هذه حال‬
‫عدد البأس به من الطالب‪ ،‬وبالتالي ال تجد من يفرح بالوصول إلى هذا‬
‫المستوى من الحفظ‪ ،‬وال تصاحبه أي احتفاالت‪ ،‬إال إذا حفظ الطالب في‬
‫الختمة األولى‪ ،‬وعندها يكون االحتفال بالختمة‪ ،‬وال يذكر الحفظ‪ ،‬للسبب‬
‫الذي ذكرناه سابقا من جهة‪ ،‬وللخوف على الطالب من العين من جهة أخرى‪.‬‬
‫وغالبا ما يعقب الوصول إلى هذا المستوى جلسات توجيهية توجه إلى‬
‫الحافظ من اكثر الشيوخ تأثيرا عليه وقد يستغل الجانب االجتماعي‪ ،‬حيث‬
‫تبلغ أسرته بأهمية أن يوجه إلى استكمال المستويات المتبقية من الحفظ‪ ،‬وان‬
‫ال يتوقف عند هذا المستوى الذي من الممكن أن يفلت القرآن منه فيه‪،‬‬
‫وتستعمل الحوافز المعنوية والمادية لتوصيل وتأكيد هذه التوجيهات والوصايا‪.‬‬
‫‪-2‬مسير‪:‬‬
‫ويتميز هذا المستوى بان صاحبه قد ختم القرآن الكريم ثالث مرات‬
‫على األقل‪ ،‬وعشر في المتوسط على شيخ معروف بإتقانه ألدوات الحفظ‬
‫المعروفة‪ ،‬بدون أن يقع في خطأ كبير أثناء عرض لوحه أمام زمالئه الحفظة في‬
‫الدرس كل يوم‪ ،‬بعد اجتيازه للمستوى األول للحفظ " لم أية "‪.‬‬
‫ويركز الحفظة على هذا المستوى باعتباره نقطة اختبار للحافظ فهو‬
‫يبذل جهدا مضاعفا‪ ،‬ففي نفس الوقت الذي يظل فيه يكتب لوحه كبقية‬
‫الطالب في المسيج‪ ،‬فهو يحافظ على ترتيب معين لتالوة القرآن الكريم‪،‬‬
‫فبعضهم يختمه من رأسه في األسبوع مرة‪ ،‬وهذا ما يسمونه ترتيب (سبع)‪،‬‬
‫وهو الشائع‪ ،‬أما ختم القرآن الكريم في اقل من ذلك أو اكثر فهو الطارئ‪،‬‬

‫‪325‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فبعض الحفظة الذين يعيشون في مناطق تضمن لهم قوت يومهم وتقيمهم عناء‬
‫البحث عن الغذاء قد يختمون القرآن في ثالثة أيام‪ ،‬ولكن الذين تقتضي‬
‫ظروفهم المادية العمل أو البحث عن الغذاء فان هؤالء يكتفون بكتابة اللوح‬
‫وعرضه عصرا على الشيخ في المدرسة‪ ،‬أما ختم القرآن فيتركونه للظروف‪ ،‬مع‬
‫التركيز على أن ال تزيد مدة الختمة في الظروف الصعبة على أسبوعين أو شهر‬
‫واحد‪.‬‬
‫وحالَّ لهذه اإلشكاالت نجد المسير يبحث عن كفيل يؤمن له قوت‬
‫يومه‪ ،‬أو عن عدد من المهاجرين يوفرون له من الصدقات جزءا من قوته‪.‬‬
‫ويقولون إن آفة المسير االنشغال عن الترتيب‪ ،‬أما كتابة اللوح وإخراجه‬
‫ابيضا‪ ،‬فهذه ميزة ال يتسامح فيها المشائخ مع أي مسير‪ ،‬يضاف إلى ذلك‬
‫ميزة إتقانه لألدوات المساعدة في الحفظ التي توضع على لوحه كل مرة‪ ،‬وأن‬
‫يسأل عنها كل نهاية درس‪ ،‬فهناك جلسة خاصة بالمسيرين بعد الدرس‪ ،‬تعقد‬
‫لهذا الغرض‪ ،‬ومستوى المسير في الحفظ حسب وصفنا السابق يختلف عن‬
‫المسير أو الممرن التي تطلق مجازا حتى على غير الحافظ في بعض المناطق‬
‫الشادية‪.‬‬
‫‪-3‬مجود‪:‬‬
‫ويتميز هذا المستوى بإتقان الحافظ لجميع األدوات المساعدة في‬
‫الحفظ‪ ،‬ولكنه يظل محافظا على كتابة لوحه وترتيبه للترتيل‪ ،‬وان يكون‬
‫مستعدا ليحل محل شيخه سواء للتدريب على القيادة أو الختبار ملكاته في‬
‫الحفظ والتذكر أو المتحان قدراته في تحمل مسؤولية رسالة تحفيظ القرآن‪،‬‬
‫حينما يأذن له شيخه بالرفع إلى درجة ماهر (قوني)‪ ،‬ويتنافس الحفظة في هذا‬
‫المستوى على اإلجادة في كل عمل يقومون به‪ ،‬والشيوخ يثقون بهم‪ ،‬ولكن‬

‫‪326‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثقة المتتبع والمتريث‪ ،‬ويالحظون عدم ظهور أي بوادر من المجود لطلب‬


‫لقب الماهر‪ ،‬وبالتالي قد يظل الماهر لفترات طويلة‪ ،‬انتظار رفعه‪ ،‬فيمانع‬
‫أستاذه وقد يرسله إلى شيخ آخر اكثر منه علما‪ ،‬أو لعله الحظ بعض األمور‬
‫العملية والمهنية في سلوك المجود‪ ،‬فيريد أن يشارك في حكمه أستاذه أو أي‬
‫خبير آخر‪ ،‬فإذا استمر المجود مع األستاذ الجديد فترة من الزمن قد يرجعه‬
‫إلى أستاذ األول ليرفعه‪ ،‬وقد يرفعه إذا ظهر منه تميز واضح حسب المعايير‬
‫القيادية والفنية ومدى تحمله ألمانة تحفيظ القرآن الكريم‪.‬‬
‫وفى هذه المرحلة من تقييم الحفظة‪ ،‬يركز كثيرا على الموضوعية في‬
‫التقييم فمن النادر أن يشتكي مجود شيخه على تأخيره‪ ،‬ولكن المشائخ‬
‫أنفسهم يدركون خطورة مالحظة هذه القضية من زمالئهم في المهنة اآلخرين‪،‬‬
‫فيحافظون على شرفهم ومكانتهم بعدم حبس مجود لفترة زمنية غير مبررة‬
‫موضوعيا‪ ،‬وهنا يتحدث بعض الحفاظ عن سير شيوخهم وتعاملهم العلمي‬
‫معهم‪ ،‬كما يتحدث طالب الدراسات العليا عن أساتذتهم في الجامعات‪.‬‬
‫‪-4‬ماهر ( قوني )‪:‬‬
‫وهو المستوى األعلى الذي يطمع أن يصل إليه حافظ القـرآن الكريم‬
‫في هــذه المنطقة‪.‬‬
‫وهناك آراء مختلفة حول اصل مصطلح " قوني " اشهر هذه اآلراء‬
‫يرجعه إلى اصل من لهجات كانم – برنو‪ ،‬ومعناه " قوي " فهو مركبا من ( قو)‬
‫القوة (ني) للنسبة‪ ،‬أي قوى في القرآن الكريم‪(.‬كلود الدكو‪)198 ،‬‬
‫وقد الحظ الباحث رسما لهذه الكلمة في غرب ليبيا‪ ،‬وبالتحديد في‬
‫منطقة قدامس التي يسكنها في الغالب التوارق وهي واحة لها عالقات ثقافية‬
‫وتجارية هامة مع وسط وغرب إفريقيا لوقوعها في طريق القوافل‪ ،‬فهم يكتبونها‬

‫‪327‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫(كوني) وهي لقب شائع لعدد من الحفاظ وأناس آخرين‪ ،‬كما هو سائد في‬
‫شاد‪ .‬فإذا كانوا يقصدون المعنى العربي لهذا اللفظ فانه يقربنا من اصطالح "‬
‫العالمية " وهي أعلى شهادة تمنح في اغلب العلوم حتى إلى وقت قريب من‬
‫معظم مراكز الحضارة اإلسالمية مثل األزهر وغيرها‪.‬‬
‫فهل نعتبر إن أهل القرآن الكريم اختاروا لهم مصطلحا متميزا وهو‬
‫"كوني" أي ماهر في علوم الكون ؟ أي أن القرآن الكريم شامل لجميع علوم‬
‫الكون‪ ،‬وحافظ القرآن الكريم "كوني" بمعنى انه حائز على الشهادة "‬
‫الكونية" التي تعادل "العالمية" في العلوم اإلسالمية و"الدكتوراه" في العلوم‬
‫الالهوتية تاريخيا؟‬
‫وفى جميع األحوال يحرص الحفظة في هذه المنطقة أن ال يمنح هذا‬
‫اللقب إال لمن توفرت فيه الشروط التالية‪:‬‬
‫أ‪-‬المرور أو التدرج على جميع طرق تحفيظ القرآن الكريم التي‬
‫ذكرناها سابقا‪ ،‬من التلقين تم الرمي والنظر والعرض والترتيل وتطبيق طرق‬
‫تثبيت الحفظ المتنوعة‪ ،‬وأخيرا تجاوز المناظرات أو التحديات واالختبارات‬
‫التي يمكن أن تواجه الحافظ في طريقه إلتقان القرآن الكريم‪.‬‬
‫ب‪ -‬الخضوع لنظام تحفيظ القرآن الكريم بالصورة التي وصفناها في‬
‫العرض السابق‪ ،‬واستيعاب جميع متطلبات هذا النظام‪ ،‬وإمكانية أن يطبقه‬
‫على آخرين حينما يسمح له بعد رفعه بفتح مدرسة قرآنية للحفظة ومن في‬
‫حكمهم‪ ،‬أو مسيجا للتالميذ‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن يجتاز الحافظ المترشح لمرتبة " قوني " جميع مستويات‬
‫الحفظ التراكمية التي شرحناها‪ ،‬حيث يستحيل على أي طالب أن يصل إلى‬
‫مستوي مسير وهو لم يتجاوز المستوي األول للحفظ‪ ،‬وهو وصل آيات‬

‫‪328‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫القرآن الكريم بعضها ببعض " لم أية "‪ ،‬وكذلك مستوى المجود وهو مستوى‬
‫تال لمستوى المسير‪ ،‬ومن مستوى المجود يترشيح طالب القرآن الكريم في‬
‫هذه المنطقة إلى لقب "قوني "أو قوي في علوم القرآن الكريم‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬القواعد المساعدة على حفظ القرآن الكريم في شاد‬
‫معرفة القواعد والحساب والحبال المساعدة على الحفظ‪ ،‬وهي تبدأ‬
‫من معرفة عد أي القرآن الكريم‪ ،‬ثم الوقف والقواعد اإلمالئية والمتشابهات‪،‬‬
‫والمكي والمدني‪ ،‬والمحذوف والمحمول‪ ....‬الخ‪ ،‬وهو ما سنتناوله في‬
‫الفقرات التالية‪ ،‬وال يقل التركيز على هذه القواعد عن التركيز على الحفظ‬
‫نفسه‪ ،‬بل الجهد األكبر الذي يبذله طالب القرآن بعد التجويد ينصب على‬
‫هذه القواعد‪.‬‬
‫رغم انه من الشائع في هذه المنطقة الفصل بين حفظ القرآن الكريم‪،‬‬
‫وتعلم العلوم الشرعية‪ ،‬ال أن معظم المشائخ الكبار يشترطون على من يطمح‬
‫للرفع لدرجة قوني اإللمام ببعض الكتب الفقهية واللغوية (خاصة ) النحو‪.‬‬
‫ويركزون على فقه العبادات والميراث أو الفرائض‪ ،‬على اعتبار أن القوني هو‬
‫إمام أهل منطقته وبالتالي يتوجب عليه أن يعرف شيئا عن العبادات‪ ،‬أما‬
‫الفرائض فيرى بعض الحفظة سهولتها عليهم‪ ،‬ألن معظم أحكامها موجودة في‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬من ناحية‪ ،‬ولمرد ودها المادي من ناحية أخرى‪ ،‬فالحافظ أو‬
‫القوني الذي يوزع أي ورثة له نصيب مقدر منها بحكم العادات والتقاليد‪.‬‬
‫كمل الشروط السابقة شروط مهنية خاصة بالحفظة‪ ،‬مثل الروح‬ ‫تُ ّ‬
‫القيادية خاصة التحلي بالحكمة وتحمل اآلخرين‪ ،‬والمقدرة على قيادة مدرسة‬
‫قرآنية مستقلة‪ ،‬وكذلك التواضع واالعتراف بفضل المشائخ والحفاظ الذين‬
‫درسوا الطالب في مراحله المختلفة‪ ،‬فمن المالحظ أن الطالب الذي ينكر‬

‫‪329‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫جميل أساتذته‪ ،‬وال يظهر منه التقدير الالزم لحفظة القرآن الكريم عموما‬
‫وخاصة أساتذته الذين درسوه مباشرة أو من لهم عالقة بهم‪ ،‬فانه ال يرفع إلى‬
‫درجة قوني‪ ،‬حتى وان كانت هناك عداوة بين القواني‪.‬‬
‫فنجد بعض الحفظة الذين ينتقلون من شيخ إلى آخر‪ ،‬وقد يظلون مع‬
‫الواحد منهم لفترات طويلة‪ ،‬ولكن ظهور أي مظهر يعني عدم االحترام‬
‫والتقدير ألساتذته السابقين‪ ،‬يعني عدم ترقيته بغض النظر عن العالقة بين‬
‫الحفظة الكبار‪ ،‬وكأن هناك قواعد شرف بين الحفظة ال يمكن اختراقها‪ ،‬وال‬
‫يدخلون في طبقتهم إال من يلتزم بها‪ ،‬وبصعب على أي واحد منهم أن يعبر‬
‫عنها لفظيا‪ ،‬لكنها مراعاة ومطبقة بشكل صارم في الجوانب العملية‪.‬‬
‫هناك مجموعة من القواعد التي يستخدمها الحفظة في هذه المنطقة‬
‫لتثبيت حفظ القرآن الكريم‪ ،‬وتختلف تسميتها من منطقة إلى أخرى‪ ،‬ففي‬
‫بعض المناطــق تسمـى ( قيود أو قيد ) وبعضهم يسميها ( حبال )‪ ،‬وقد شاع‬
‫أخيرا تعبير (حساب )‪ ،‬وتشمل هذه القواعد عد اآلي‪ ،‬ورسم المصحف‬
‫والمحذوف والمحمول والمتشابهات والوقف‪.‬‬
‫وحسب التراث المكتوب والمخطوط الذي استقى منه الحفظة في هذه‬
‫المنطقة معظم القواعد المنظمة للحفظ‪ ،‬نجد على رأسه الكتب المعروفة في‬
‫القراءات مثل الشاطبية وغيرها‪ ،‬ومنها أيضا مخطوط الدرر اللوامع في اصل‬
‫مقرأ اإلمام نافع‪ ،‬ويأخذون منه التركيز الذي يوليه لرواية ورش‪ ،‬ثم الحظ‬
‫الباحث مجموعة من المخطوطات المحلية التي كتبها حفاظ المنطقة متضمنة‬
‫بعض القواعد‪ ،‬استفاد منها الشيخ القوني حسن عمر‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫‪330‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أ‪-‬الفرود في القرآن الكريم‬


‫وندرسها من خالل أعمال الشيخ العباس بن فاضل المعروف عندهم‬
‫بالدنفاسي وهو من عرب الهبانية الذين يسكنون بجوار مدينة ابشة عاصمة‬
‫السلطنة العباسية شرق شاد‪ ،‬وقد نظم عددا من األعمال أهمها مخطوطة "‬
‫الفرود " والتي يقول فيها بعد البسملة والحمدلة‪:‬‬
‫اثنا عشر معدودة في الكتب‬ ‫إن الحياة قد أتت بالنصب‬
‫وهود وإبراهيم فافهم ق ـ ـ ـولي‬ ‫في البكر والنساء ثم النحل‬
‫ويستمر في تعدادها في السور‪ ،‬ويقول في موقع آخر من المخطوطة‪:‬‬
‫خيرا لكم مفتوحة حرفان وجدتهم في سورة النسوان‬
‫ومعنى حرفان عندهم اثنان‪ ،‬وسورة النسوان هي سورة النساء‪ ،‬وهي‬
‫منظومة على الطريقة السابقة نحو (‪ )265‬بيتا‪ ،‬في معظم النسخ المخطوطة‬
‫التي في خزانة الباحث‪(.‬الدنفاسي‪)2 ،‬‬
‫وللدنفاسي حبال أو قيود أخرى لبعض القواعد أهمها كتاب الجاري‬
‫على كل قارئ‪ ،‬وهي اكثر تعقيدا مما هو في المنظومة السابقة‪ ،‬وال يعرف‬
‫بعضها إال خاصة الحفظة‪ ،‬وال يوجد عنوان واضح في النسخة التي بين يدي‬
‫الباحث‪(.‬الدنفاسي‪)1،‬‬
‫ب‪-‬المحذوف في القرآن الكريم‬
‫ونناقشه من خالل أعمال الشيخ عبدالواحد شيخ المشائخ‪ ،‬من‬
‫سالمات أم حجر آتيا عائلة والد أبو ضوء‪ ،‬وسط شاد‪ ،‬وله مخطوط كبير‬
‫بعنوان " المحذوف في القرآن " والمقصود بالمحذوف عندهم حذف األلف‬
‫من الكلمة مع وجود عالمة مائلة إلى فوق تدل على صوت األلف‪ ،‬ويسمونها‬
‫األلف الحمراء وبدأها بالترتيب الهجائي‪ ،‬ورصد جميع الكلمات في القرآن‬

‫‪331‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫التي أتت فيها األلف محذوفة بعد الهمزة‪ ،‬ثم ما بعد الباء‪ ،‬ثم التاء إلى‬
‫المحذوف بعد الياء‪ ،‬وهي منظومة في حوالي (‪ )410‬بيتا‪ ،‬وهي غنية في‬
‫رصدها لأللف الحمراء والكلمات التي وردت فيها‪ ،‬وترتيبها بناء على حرف‬
‫الهجاء الذي يرد قبل األلف الحمراء‪ ،‬أمثلة‪ :‬برءؤا‪ ،‬الطيبت‪ ،‬كتب‪ ،‬ميثق‪،‬‬
‫جهدوا‪ ،‬الصلحت‪ ،‬الخشعون‪ ،‬يسجدن‪ ،‬الذكرين‪ ،‬الصرط‪ ،‬الزرعون‪،‬‬
‫السجدين‪ ،‬شكرين‪ ،‬االبصر‪ ،‬يضعف‪ ،‬استطعوا‪ ،‬ظهرين‪ ،‬العلمون‪ ،‬الغرمين‪،‬‬
‫فلهين‪ ،‬استقموا‪ ،‬الكظمين‪ ،‬الهكم‪ ،‬الرحمن‪ ،‬منفع‪ ،‬األنهر‪ ،‬ازوجكم‪ ،‬يعباد‪.‬‬
‫ومن الواضح أننا استقينا من كل حرف مثاال واحدا فقط‪ ،‬مع أن الكلمات في‬
‫كل حرف تزيد وتنقص حسب ورودها في القرآن الكريم‪.‬‬
‫وهــذا الرسم المحذوف في القرآن الكريم‪ ،‬ورد في هذه المنظومــة على‬
‫رواية ورش عن نافع‪(.‬عبدالواحد‪)3 ،‬‬
‫ج‪ -‬المحمول في القرآن الكريم‬
‫وهو يهتم بالكلمات التي تثبت فيها األلف في القرآن الكريم‪ ،‬وقد‬
‫ألف فيه الشيخ المهاجر شين محمد العربي المسيري‪ ،‬مخطوطة منظومة يذكر‬
‫في بدايتها‪:‬‬
‫وهو خفي اللفظ في اللسان‬ ‫يقول المحم ـ ـ ـ ـول في الق ـ ـ ـ ـ ـرآن‬
‫اسئواتبوءوا قد أتى حـ ـ ـ ـ ـرفان‬ ‫في الوصل ال في الوقف للبيان‬
‫والتسبوا ويسبوا حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرفان‬ ‫في الروم والحشر فخذ مع ـ ـ ـ ـان‬
‫ويبدو أن كاتب المخطوط قد اتبع نفس طريقة الرصد التي‬
‫استخدمها عبدالواحد شيخ المشائخ في المحذوف‪ ،‬بحيث رصد الكلمات‬
‫التي تثبت فيها األلف حسب الترتيب الهجائي من الهمزة إلى الياء‪ ،‬في‬
‫حوالي (‪ )147‬بيتا على الطريقة السابقة‪( .‬المسيري‪)12 ،‬‬

‫‪332‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫د‪-‬الهمزتان‪:‬‬
‫ويولي الحفاظ عناية خاصة إلمالء الهمزة‪،‬كما الحظنا في القواعد‬
‫السابقة‪ ،‬ولكن المخطوط الذي بين أيدينا يركز على الهمزتين وأحكام‬
‫إمالئهما في القرآن الكريم على رواية ورش‪.‬‬
‫وهذا المخطوط رغم انتشاره لدى معظم الحفظة‪ ،‬إال أن النساخ أهملوا‬
‫ذكر اسم مؤلفه‪ ،‬وهو منثور‪ ،‬وهذا على غير عادة كتاب القواعد المساعدة‬
‫على الحفظ‪ ،‬فقد رأيناهم يضعون معظم القواعد بالنظم‪ ،‬على أمل سهولة‬
‫حفظها‪.‬‬
‫ومطلع هذا المخطوط‪:‬‬
‫" اعلم أن الهمزتين على قسمين ؛ في كلمة وفى كلمتين‪ .‬فالهمزتان في‬
‫كلمة على ثالثة أنواع النوع األول أن تكون مفتوحتين‪ ،‬فالحكم فيهما أن‬
‫تحقق األولى وتبدل الثانية ألف مد‪ ،‬وعددها في القرآن إحدى وعشرون‪،‬‬
‫موضعان في البقرة‪ ،‬ءانذرتهم‪ ،‬ءانتم‪ ،‬وموضعان في آل عمران‪ ...‬الخ "‪.‬‬
‫ويستمر المخطوط في توضيح كل قسم وأنواعه ويذكر جميع المواضع‬
‫التي يقع فيها كل نوع في كل سورة على حدة‪.‬‬
‫وهذه القواعد ضرورية للحافظ‪ ،‬خاصة في مستوى المجود ألنه من‬
‫المتوقع أن يحظى بشرف نيابة شيخه في مسك القلم‪ ،‬وعندها يتطلب موقفه‬
‫أن يعرف مواضع الهمزتين وحكمها في كل موضع‪ ،‬وتتم هذه العملية في‬
‫جلسات خاصة بعد نهاية عرض األلواح في المدرسة‪ ،‬حيث يكون من حق أي‬
‫حافظ أن يسأل عن هذه المواضع وعلى شيخ المدرسة أو المسيج ضرورة‬
‫الرد على جميع هذه القواعد المسؤول عنها‪ ،‬ويقع هذا المخطوط في حوالي‬
‫(‪ )22‬صفحة من الحجم المتوسط‪(.‬مجهول (المؤلف)‪،‬الهمزتان‪)3،‬‬

‫‪333‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ه‪ -‬عد اآلي‪:‬‬


‫ومن القواعد المساعدة على الحفظ في هذه المنطقة معرفة اآليات في‬
‫كل سورة‪ ،‬لدرجة أن الحافظ يحفظ آيات السورة قبل السورة نفسها‪ ،‬ويرتل‬
‫عدد اآليات قبل أن يبدأ في قراءة سور القرآن الكريم‪ ،‬وقد يستغرب الزائر‬
‫العادي حينما يسمع أحد القراء الشاديين‪ ،‬يبدأ في قراءة لوحه بعد التعويذة‬
‫والبسملة – بقوله سورة فاتحة الكتاب‪ ....‬وهــي سبع آيات‪ ،‬بسم اهلل الرحمن‬
‫الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ....‬الخ‪.‬‬
‫وهذا دأبهم في بداية كل السور إلى الناس وقد كتب في حصر عد‬
‫اآلي عدد من الحفظة‪ ،‬ولكني اضرب مثال‪ :‬بمخطوطة القوني الجليل‬
‫عبدالكريم الزيودي‪ ،‬بعنوان " الفصل األنور في تمثيل السور " وهي منظومة‬
‫حاول الكاتب أن يجمع السور بعضها مع بعض حسب عدد اآليات التي فيها‬
‫فعلى سبيل المثال العدد (‪ )76‬أية ورد في سورتان هما‪ :‬األنفال والحج حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫وسورة الحج لها مثال‪.‬‬ ‫ست وسبعون خذ األفعال *‬
‫بينما العدد (‪ )44‬أية هو في فقط في سورتي الرعد وسال‪ ،‬والعدد‬
‫(‪ )111‬في سورتي يوسف واألنبياء‪ ،‬بينما العدد (‪ )99‬أية هو في ثالث سور‬
‫هي الحجر ومريم والواقعة‪ ،‬وهكذا يحصى الكاتب جميع سور القرآن في‬
‫مجموعات على حسب عدد اآليات في كل سورة‪ .‬والمنظومة في(‪ )44‬بيتا‬
‫فقط‪(.‬الزيودي‪)4،‬‬
‫و‪ -‬المدني والمكي‪:‬‬
‫على الحافظ في هذه المناطق أن يستوعب قاعدة المدني والمكي في‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬منذ مراحله األولى للحفظ وان يستمر في التثبت منها طيلة‬

‫‪334‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫مراحل حفظه‪ ،‬فمعلومة المدني والمكي عن كل سورة تحفظ لدى القارئ‬


‫الشادي بعد اسم السورة مباشرة‪ ،‬وتكتب على اللوح ويحفظها القارئ كجزء‬
‫أساسي من حفظ اللوح‪.‬‬
‫فيبدأ القارئ بإحصاء السور المدنية وهي البقرة وآل عمران والنساء إلى‬
‫آخره‪ .‬وعددهـا (‪ )27‬ثم باقي السور وهي مكية وعددها (‪.)87‬‬
‫وللشيخ الزيودي منظومة ذكر فيها المدنيات فقط ويحصرها في رمز‬
‫البيت التالي‪ :‬عددها (كز) بضبط الحساب والباقي (فز) خذ بال ارتياب‪،‬‬
‫وبحساب الطريقة المغاربية (أيقش) ستجد أن العدد هو كما ذكرنا‬
‫سابقا‪(.‬الزيودي‪)22،‬‬
‫وقريب من اهتمامهم بالمدني والمكي‪ ،‬اهتمامهم بالقرآن السفري حيث‬
‫عثرت على مخطوطة متداولة بين أيديهم عن القرآن السفري أي اآليات التي‬
‫نزلت في السفر‪ ،‬وهذه المخطوطة للشيخ احمد عبدالكريم الحسيني الملقب‬
‫بطبيك‪ .‬يقول فيها‪:‬‬
‫في حضر وسف ِر بيان‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫الحمد لمنزل‬
‫وترك الحضر من كثرته‬ ‫فع ّدد السفر من قلته‬
‫ثم يبدأ يذكر جميع اآليات التي زلت في السفر وأماكن نزولها‪،‬‬
‫والمنظومة ت ـح ــوي (‪ )124‬بيتا‪(.‬طبيك‪)4،‬‬
‫ز‪ -‬الوقف‬
‫يركز الحافظ الشادي على قواعد الوقف تركيزه على الحفظ نفسه‪،‬‬
‫فنجد على راس اللوح رمز الوقف‪ ،‬وفى التراث المتوارث للحفظة أن الحافظ‬
‫منهم ينطق برمز الوقف لكل لوح و(مقرا)‪ ،‬قبل بداية حفظه‪ ،‬وال يميز الحفاظ‬
‫كثيرا بين أنواع الوقف‪ ،‬فعالمة الوقف عندهم واحدة فقط لكل نوع من أنواع‬

‫‪335‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الوقف‪ ،‬ولهذا بدأ بعض الحفاظ بمحاوالت للتمييز بين أنواع الوقف‪ ،‬منذ‬
‫منتصف القرن الماضي‪ ،‬أي بعد رجوع الدفعات األولى من الحفاظ الذين‬
‫أرسلوا إلى األزهر لدراسة القراءات‪ ،‬لكن الوقف عموما ظل من القواعد‬
‫الضرورية للحفظ‪.‬‬
‫رابعا‪-‬مظاهر مسيج البادية والقرية‬
‫ويعرف عن الشيخ القوني حسن عمر‪ ،‬عنايته بمسيج البادية والقرية‪،‬‬
‫التي ينحدر منهما‪ ،‬حيث يفضل معظم أهل البادية في شاد‪ ،‬أن تكون بداية‬
‫المسيج عندهم‪ ،‬برجوع أحد أبنائهم من المهجر حافظا للقرآن الكريم‪،‬‬
‫وبالتالي من حقه أن يؤسس مسيجا مستقال به‪ ،‬فيستقبله أهل الفريق أو‬
‫الفرقان في البادية باالحتفاالت الكبيرة لالحتفاء به تقديرا للجهود التي بذلها‬
‫في رفع رأسهم بالصبر على حفظ القرآن واالبتعاد عن األهل والبالد لمدة ال‬
‫تقل في الغالب عن عشر سنوات وقد تزيد‪ ،‬ومن العادات المرعية في مثل هذا‬
‫االستقبال‪ ،‬أن يكرم الحافظ من قبل شيخ القبيلة أو كبير الفريق أو ما يسمى‬
‫بالشيخ الصغير‪ ،‬بان يوجه أفراد مجموعته بان يزوج القوني الجديد في المرة‬
‫األولى هذه من افضل بنات البادية‪ ،‬هذا إذا لم يزوج مباشرة من التي كانت‬
‫مدفوعة له منذ إن كان في المهجر لحفظ القرآن‪ ،‬على أن يتكفل والد‬
‫العروسة أو الشيخ أو من يأمره بسداد جميع تكاليف الزواج‪ ،‬وال تكتمل هذه‬
‫االحتفاالت بالحافظ الجديد قبل أن يدفع بعض أفراد البادية أوالدهم إلى‬
‫القوني الجديد لتعليمهم القرآن الكريم‪ ،‬فيكونون النواة األولى للمؤسسة‬
‫الناشئة‪ ،‬وهذه المجموعة تحظى بعناية خاصة من قبل المعلم حتى بعد أن‬
‫يكثر التالميذ في مسيجه وقد يكافئهم على ذلك بان ال يجلبوا الحطب أو‬

‫‪336‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الماء للمسيج مثال‪ ،‬ولهم األولوية بطبيعة الحال – إذا بذلوا الجهد الكافي‬
‫في الحفظ بان يرأسوا المنضمين الجدد إلى المسيج‪.‬‬
‫ومن عادات مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم في البادية‪ ،‬أن ال يبدأ‬
‫التعليم في المسيج الجديد إال يوم األربعاء‪ ،‬والحكمة في ذلك هو األخذ بيد‬
‫التالميذ بالتدرج لفهم طبيعة المؤسسة الجديدة‪ ،‬حيث يلي يوم األربعاء العطلة‬
‫األسبوعية في المسيج‪ ،‬والتستأنف القراءة عندهم إال بعد ظهر يوم الجمعة‪.‬‬
‫والبداية في تحفيظ القرآن الكريم في البادية غالبا ما تكون تلقين‬
‫السور القصار‪ ،‬ويركز على النطق السليم لآليات مقطعة‪ ،‬ثم تجمع اثنان اثنان‪،‬‬
‫ثم يجمع بينها‪ ،‬إلى أن تكتمل السورة‪ .‬ومعظم الحفظة الجدد يشددون –‬
‫خاصة في المجموعات األولى – على أن يكون الحفظ متينا‪ ،‬وان يعرض‬
‫لمرات عديدة لتثبيته في ذهن التلميذ من ناحية‪ ،‬وإلثبات جدوي المسيج‬
‫الجديد والمعلم الجديد من ناحية أخرى‪ ،‬فالتالميذ الجدد يرددون ما حفظوه‬
‫على أفراد أسرهم باستمرار‪ ،‬ليثبتوا أنهم نجحوا في بداية مسيرتهم‪ ،‬وليؤكدوا‬
‫بأنهم قطعوا الشوط األول في مسيرتهم للوصول إلى التقدير والتشريف الذي‬
‫الحظوا أن معلمهم الجديد يحظى به لدى أفراد القبيلة‪.‬‬
‫ثم تبدأ بعد ذلك عمليات تعليم الكتابة وقواعد اإلمالء الخاصة بحفظ‬
‫القرآن‪ ،‬وهو ما سنشرحه الحقا في فقرة النظام التعليمي الخاص بمؤسسات‬
‫تحفيظ القرآن الكريم‪.‬‬
‫ومن مميزات المسيج في البادية ظاهرة المهجر‪ ،‬وهى ظاهرة تتمثل في‬
‫ابسط صورها بان يأخذ المعلم تالميذه ويتجول بين الفرقان والبوادي‪ ،‬وهذه‬
‫العملية تتم ألسباب مختلفة ؛ فقد تكون ألسباب دعوية وتعليمية حيث يأخذ‬
‫بعض المعلمين على عاتقهم أن يتنقلوا بين أهل البادية لتوعيتهم وتعليمهم‬

‫‪337‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أمور دينهم وحضهم على إرسال أوالدهم لحفظ القرآن الكريم‪ ،‬ولكن قد‬
‫يصاحب هذه العملية‪ ،‬ترصد وقبول للزكوات والصدقات والهبات‪ ،‬وطلب‬
‫لبعض الخدمات مثل قراءة القرآن الكريم لبعض القادرين‪ ،‬وبالتالي قد يرجع‬
‫المعلم من بعض الرحالت بمكاسب مادية في شكل مواش أو غيرها‪ ،‬وقد‬
‫تدفع له زوجة جديدة‪ ،‬وفي هذه الحالة ال يشترط أن تكون من ِعلْية القوم وال‬
‫من اجمل نساء الفريق أو البادية‪ ،‬بل الغالب أن تكون من النساء العاديات أو‬
‫معاقة أو عانس‪.‬‬
‫ويصاحب ظاهرة المهجر في البادية بحث المهاجرين ( التالميذ‬
‫الصغار) للصدقات‪ ،‬وتتضمن القيام بتأمين الغذاء لجماعة المسيج من جمع‬
‫الصدقات من البيوتات المجاورة‪ ،‬وغالبا ما تكون مما تجود به ربت المنزل‪،‬‬
‫ومن فضالت موائد الرجال‪ ،‬ومن المالحظ أن عملية المهجر ال يقوم بها‬
‫التالميذ الصغار إال حينما يبتعد بهم المعلم عن أسرهم‪.‬‬
‫ومن أسباب المهجر أيضا استكمال المعلم لحفظه أو طلب بعض علوم‬
‫ضبط اآلي والرسم والشكل‪ ،‬وبالتالي يسعى المعلم للبحث عن متخصص في‬
‫مثل هذه العلوم ويتابعه في البادية أو يذهب إليه في قرية أو مدينة‪ ،‬ويسكن‬
‫بجواره‪ ،‬على أن يتحمل تالمذته الصغار البحث عن الطعام والماء والحطب‪،‬‬
‫وهي عمليات متعبة وتأخذ وقتا كبيرا من زمن التالميذ‪ ،‬وهو ما يزيد مدة‬
‫حفظهم للقرآن الكريم‪ ،‬وبعدهم عن ذويهم‪.‬‬
‫ومن التقاليد المتبعة في مسيج البادية االهتمام الشديد بعملية "‬
‫الشرافة " ويسمونها كرامة في بعض المناطق‪ ،‬وهى في الغالب عبارة عن‬
‫ذبيحة يذبحها أهل التلميذ حينما يصل إلى سورة معينة من سور القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬ورغم اختالفها من بادية إلى أخرى‪ ،‬إال أن حفظ سورة الفاتحة غالبا‬

‫‪338‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ما يتطلب ذبح شاة أو دجاجة كبيرة‪ ،‬ثم تعلو الذبيحة كلما حفظ التلميذ سورا‬
‫أطول‪ ،‬مثل شرافة البينة واألعلى‪ ،‬ويركز على شرافة ياسين‪ ،‬ومريم‪ ،‬أما الختمة‬
‫فشرافتها أو كرامتها في الغالب كبيرة‪ ،‬مثل ذبح ثور وعمل وليمة كبيرة وتقديم‬
‫هدايا كبيرة من والد التلميذ إلى المعلم ال تقل عن البقرة أو الناقة أو شياه‬
‫عديدة‪ ،‬وبعض المالبس للمعلم وأسرته‪.‬‬
‫ونظرا ألهمية مراعاة هذا التقليد قد يرجع المعلم بالمهاجرين من مكان‬
‫بعيد إلى ذويهم إلتمام هذه المراسم خاصة إذا كان أهلهم من المستطيعين‪،‬‬
‫أما في حالة األسر العادية‪ ،‬فقد تتم عملية الشرافة في المهجر‪ ،‬وعندها على‬
‫التلميذ أن يطلب من أهل البادية المجاورين له أن يعملوا له الشرافة‪ ،‬ويعتز‬
‫بعض البدو بهذه العملية‪ ،‬ويستبشرون بها‪ ،‬خاصة حينما يخبرهم بعض‬
‫المعلمين أن تكريمهم للتالميذ وعمل الشرافة نيابة عن ذويهم يعد مشاركة لهم‬
‫في اجر الدفع بأوالدهــم لطلب القرآن الكريم‪.‬‬
‫ونظرا لندرة التعليم في البادية فان حافظ القرآن الكريم ومتعلميه‬
‫يحظون بمكانة هامة لدى أفراد أسرهم‪ ،‬توقعا منهم أن حافظ القرآن يدعو إلى‬
‫حفظ جميع أفراد أسرته من المصائب في الدنيا ويشفع لهم في اآلخرة‪ ،‬ويقبل‬
‫اهلل منه الدعاء في طرح البركة في المال واألعمال‪ ،‬وبناء على هذه المكانة‬
‫العالية التي يحظى بها أهل القرآن في البادية‪ ،‬فان الناس هناك يرجعون إليهم‬
‫في الكثير من شؤون حياتهم اليومية فيستشارون من قبل الشيوخ ( شيوخ‬
‫القبائل ) في األمور السياسية الهامة‪ ،‬ويرجع إليهم في الصلح بين‬
‫المتخاصمين وحل النزاعات والفصل في األمور الدينية‪ ،‬والخالصة انه يندر‬
‫أن نجد نشاطا من أمور الدين والدنيا في البادية ليس لمعلم القرآن وتالمذته‬
‫أثر فيه‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أما مكان المسيج في البادية‪ ،‬فقد يكون منزل المعلم أو الفقير‪ ،‬وفى‬
‫البوادي الكبيرة نوعا ما‪ ،‬يوضع المسيج وسط البادية‪ ،‬ويبنى له بيت كبير من‬
‫المواد المتاحة للبيوت في البادية‪ ،‬وبجواره مساحة كبيرة تخصص للتالميذ‪،‬‬
‫ومساحة أخرى ألداء الصالة جماعة‪ ،‬وهذه المساحة نفسها تستغل لعقد‬
‫االجتماعات في البادية‪ ،‬ومكان لتناول الطعام جماعة‪ ،‬والستقبال الضيوف‪،‬‬
‫وغير ذلك من الخصائص التي ستظهر بشكــل أوضح في مسيج القرية‪.‬‬
‫ويتميز مسيج القرية عن مسيج البادية بأنه مستقر‪ ،‬فمن المالحظ على‬
‫القرى الشادية المسلمة ندرة وجود قرية بدون مسيج‪ ،‬إن لم يكن األساس‬
‫الذي تبنى عليه القرية قبل أي شئ آخر‪.‬‬
‫فالمسيج في القرية ليس مقتصرا على تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬بل يتعاداه‬
‫إلى أن يشكل رمزا لقيادة القرية‪ ،‬فشيخ المسيج هو إمام القرية في الصالة‬
‫الجامعة‪ ،‬وفي المسيج وعلى يد شيخه يتم حل معظم األمور الدينية‪ ،‬ويستشار‬
‫في معظم األمور الدنيوية‪ ،‬ويحوى المسيج في القرية‪ ،‬سكن لجميع التالميذ‪،‬‬
‫ينامون فيه‪ ،‬وان كانوا يأكلون عند ذويهم‪ ،‬خاصة أوالد القرية‪ ،‬ومكان للطعام‬
‫الجماعي‪ ،‬وعلى جانبيه أو بقربه أجنحة لسكن الشيخ وبعض نوابه في التعليم‪،‬‬
‫وبالمسيج أماكن الستضافة الضيوف وعابري السبيل‪ ،‬وحوالي المسيج تقام‬
‫أنشطة أخرى مثل عرض البضائع التجارية واإلعالن من المفقودات‪ ،‬وساحة‬
‫للمناسبات االجتماعية مثل حاالت عقد الزيجات وإقامة المآتم‪.‬‬
‫ونظرا للظروف المحيطة بطبيعة المسيج في القرية‪ ،‬وكثرة المتعلمين‬
‫للقرآن الكريم نسبيا إذا ما قيسوا بالبادية‪ ،‬فان شيخ المسيج توفر له‬
‫اإلمكانات المادية من قبل أهل القرية والخدمات التي يؤديها له تالميذ‬
‫المسيج بشكل مستمر اكثر من شيخ المسيج في البادية‪ ،‬في نفس الوقت‬

‫‪340‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الذي تدفع عنه غالبا تكاليف الزواج األول‪ ،‬ومن الممكن أن يكون مرتبا على‬
‫أن تكون من اجـمل بنات القرية وربما بنت الملك أو السلطــان نفسه أو من‬
‫يقوم مقامه‪ ،‬وهذه هي حال المتميز من الحفظة‪ ،‬أما عامة قراء القرآن الكريم‬
‫فقد يقبلون من تدفع لهم من النساء والغالب أن تكون من عامة الناس وقد‬
‫تكون معاقة جزئيا أو ثيب أو عانس‪ ،‬وهذه عملية ينظر إليها المجتمع القروي‬
‫باعتبارها مظهرا من مظاهر التكافل والتضامن االجتماعي‪ ،‬وخدمة يقدمها قراء‬
‫القرآن الكريم في قبول التقرب من األسر والفئات االجتماعية بغض النظر‬
‫عن الفوارق االجتماعية‪ ،‬وباإلضافة إلى ذلك تدفع إلى شيخ المسيج وتالمذته‬
‫جميع الزكوات والصدقات‪ ،‬على اعتبار أهل المسيج من الفقراء‪ ،‬ومن هنا‬
‫شاع هذا االصطالح على معلمي القرآن الكريم‪ ،‬باإلضافة إلى معلم " ملومة "‬
‫وسيدنا وشيخ‪ ،‬وقوني‪(.‬الدكو‪)200-195 ،‬‬
‫خامسا‪ -‬اإلنتاج العلمي للشيخ القوني حسن القرشي‬
‫وما يميز الشيخ عمر حسن طاهر‪ ،‬ليس فقط اهتمامه بتبليغ رسالته في‬
‫ـل‪ ،‬وإنما بتأليفه المبسط في علوم‬
‫نشر القراءات والعلوم اإلسالمية أنى ح ّ‬
‫القراءات وغيرها‪ .‬وسأحول أن اعرض لبعض أعماله المكتوبة‪.‬‬
‫أ‪ -‬دليل الحيران إلى قواعد أبي سعيد عثمان‪.‬‬
‫وهو كتاب منثور يقع في حوالي أربعين صفحة بخط اليد‪ ،‬تناول شرح‬
‫أوجه رواية ورش عن نافع من طريق األزرق‪ ،‬اتبع فيه طريقة السؤال والجواب‪،‬‬
‫وهذا المخطوط من اكثر مؤلفات الشيخ انتشارا بين يدي الحفظة في شاد‪،‬‬
‫لسهولته‪ ،‬من جهة‪ ،‬ولتناوله لرواية تعتبر األكثر انتشارا في البالد‪ ،‬ولكنها‬
‫األقل شرحا وتوضيحا من جهة أخرى‪ .‬وتم تأليف هذا المخطوط في‬

‫‪341‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪/26‬محرم ‪1407‬هـ الموافق ‪1986/9/30‬م‪ ،‬ولتسهيل تداوله بين القراء‬


‫والحفظة تم تصوير أعداد من المخطوطة عام ‪1983‬م‪(.‬القرشي‪)1 ،‬‬
‫ب‪ -‬الفتح الرباني فيما خالف فيه قالون ورشا من حرز األماني‪.‬‬
‫وهو كتاب منثور يقع في حوالي (‪ )24‬صفحة مخطوطة باليد‪ ،‬تناول‬
‫فيه الخالف بين قالون وورش وهما راويا قراءة نافع المدني‪ ،‬فأوضح في‬
‫البداية كلما انفرد به قالون‪ ،‬مع بيان أوجه روايته‪ ،‬تم بسط القول في الخالف‬
‫بين الراويين حسب ترتيب السور في القرآن الكريم كله‪ .‬فرغ من تأليفه في ‪7‬‬
‫شوال ‪1405‬هـ الموافق ‪1985/6/24‬م‪ .‬ونظرا لحاجة الحفظة إلى هذه‬
‫المقارنات فقد صورت منه نسخ عديدة في مطبعة مدينة ميدغري بنيجيريا عام‬
‫‪1407‬هـ‪(.‬القرشي‪)3،‬‬
‫ج‪ -‬الهداية الربانية إلى ما خالف فيه الدوري ورشا من طريق الشاطبية‪.‬‬
‫وهو كتاب كبير نسبيا فهو يقع في نحو (‪ )60‬صفحة مخطوط باليد‪،‬‬
‫تناول فيه الخالف بين رواية الدوري عن أبى عمر البصري وهي الرواية التي‬
‫تلي رواية ورش في شاد‪ ،‬ويقرأ بها في المنطقة الشرقية خاصة المدن والقرى‬
‫الكبيرة في سلطنة دار وداعة العباسية‪ ،‬وبين رواية ورش عن نافع المدني‪،‬‬
‫وعلى طريقة تأليف الشيخ حسن عمر في النثر‪ ،‬فانه يقسم أعماله إلى فصول‬
‫وفرش‪ ،‬وترجع أهمية هذا الكتاب باعتباره العمل األول لتوضح رواية الدوري‬
‫والفرق بينها وبين ورواية ورش‪ ،‬تم تأليف هذا الكتاب حوالي ‪1982‬م‪ ،‬ونظرا‬
‫لحاجة الطالب إلى نسخ منه فقد صورت منه نسخ عديدة مخطوطة في‬
‫مطبعة يأوندي بالكمرون سنة ‪1990‬م‪(.‬القرشي‪)33 ،‬‬

‫‪342‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫د‪ -‬اإلرشادات الربانية إلى ما خالف فيه عبداهلل بن كثير نافعا من طريق‬
‫الشاطبية‪.‬‬
‫وتزيد صفحات هذا العمل عن (‪ )70‬صفحة مخطوطة باليد‪ ،‬ناقش فيه‬
‫الخالف بين قراءة عبداهلل بن كثير المكي وقراءة نافع بن عبدالرحمن المدني‪،‬‬
‫وبدأه بترجمة لكال القارئين‪ ،‬ثم وضح نقاط الخالف بين قراءاتهما‪ ،‬وقسم‬
‫الكتاب كعادته إلى فصول وفرش‪ ،‬ألف الكتاب سنة ‪1989‬م‪(.‬القرشي‪)4 ،‬‬
‫هـ‪ -‬بيان القراءات الشاذة‪.‬‬
‫وهو عمل يقع في حوالي (‪ )50‬صفحة مخطوطة باليد‪ ،‬وضح فيه‬
‫المؤلف اشهر القراءات الشاذة‪ ،‬وتطرق إلى أحكامها بإيجاز‪ ،‬وقد التقي‬
‫الباحث مع الشيخ حسن عمر في مدينة سار جنوب شاد في سنة ‪1996‬م‬
‫وكان الباحث في مهمة رسمية لفتح المعهد األزهري بسار‪ ،‬وزاره في‬
‫استضافته‪ ،‬واخبره بانتهائه من تأليف هذا الكتاب‪ ،‬ولما طلب منه الباحث‬
‫نسخة‪ ،‬وعده بواحدة‪ ،‬ولكن بعد مراجعتها وتدقيقها‪ ،‬وقد فعل جزاه اهلل خيرا‪.‬‬
‫(القرشي‪)23 ،‬‬
‫و‪ -‬إرشاد اإلخوان إلى تفصيل الهمزتين لرواية أبي سعيد عثمان‪:‬‬
‫وهي رسالة صغيرة مخطوطة باليد في حوالي (‪ )14‬صفحة‪ ،‬وصاغها‬
‫على طريقة السؤال والجواب‪ ،‬وتطرق فيها ألنواع الهمزات من كلمة ومن‬
‫كلمتين‪ ،‬حالة اتفاقهما وحالة اختالفهما‪ ،‬وعدد كل قسم وأحكامه‪ .‬ألف هذا‬
‫العمل في مدينة أم التيمان سنة ‪1997‬م‪(.‬القرشي‪)21 ،‬‬

‫‪343‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ز‪ -‬تاريخ القراء‬


‫وهو مؤلف يقع في (‪ )40‬صفحة مخطوطة باليد‪ ،‬تناول فيه أماكن‬
‫القراء وتواريخهم‪ ،‬ومدى انتشار قراءاتهم وأماكنها الحالية وقد ألف سنة‬
‫‪1997‬م‪)28(.‬‬
‫وللشيخ القوني حسن عمر طاهر مؤلفات في مواضيع أخرى‪ ،‬مثل علم‬
‫الفرائض وعمل في التاريخ والحوادث العظام التي وقعت في شاد‪ ،‬وديوان في‬
‫الشعر‪ ،‬وجميع أعماله تقريبا مخطوطة باليد‪ ،‬والجزء اليسير الذي نشر‪ ،‬فهو‬
‫بطريقة التصوير أو التكثير في مطابع محلية في نيجيريا والكمرون‪(.‬القرشي‪،‬‬
‫‪)22‬‬

‫‪344‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الخالصة‬
‫أتيح للباحث أن يلتقي بالشيخ حسن عمر طاهر إبراهيم القرشي‪ ،‬في‬
‫مدينة سار‪ ،‬جنوب الدولة الشادية‪ ،‬في بعثة للمجلس األعلى للشؤون‬
‫اإلسالمية‪ ،‬الفتتاح فرع المعهد األزهري‪ ،‬سنة ‪1995‬م فحاوره حول جوالته‬
‫على البوادي والقرى والمدن لتعليم القرآن الكريم ونشر علومه‪ ،‬وشفع ذلك‬
‫كله بتسجيل أعماله العلمية‪ ،‬ونشرها بين القراء في البلدان المجاورة لشاد‪،‬‬
‫مثل الكمرون ونيجيريا وإفريقيا الوسطى‪ ،‬فزود الباحث بأعماله العلمية‪،‬‬
‫ومعلومات حول نشأته التعليمية‪ ،‬ومستويات حفظ ونشر القرآن الكريم في‬
‫البادية والريف الشادي وغيره‪ ،‬وأعطاه وصفا تقريريا عن المسيج الشادي في‬
‫البيئة البدوية والريفية‪ ،‬مع إشارة خاصة للقواعد المساعدة على الحفظ في‬
‫مثل هذه البيئات‪ ،‬وهذا ما سمح للباحث‪ ،‬أن يتعرض للمساهمات العلمية‬
‫للشيخ حسن عمر طاهر إبراهيم القرشي‪ ،‬فهي رغم تنوعها‪ ،‬إال أن البحث هنا‬
‫ركز على أهمها‪ ،‬والتي تناولت بالتحديد‪ ،‬عمليات تحفيظ القرآن الكريم‪،‬‬
‫الذي يعتبر الميدان الذي أفنى فيه الشيخ حسن عمر طاهر إبراهيم القرشي‬
‫عمره‪ ،‬رغم أن الباحث وجد لديه عناية كبيرة باألحداث التاريخية التي مرت‬
‫بها البالد الشادية‪ ،‬وسلمه منشور مطبوع عن ذلك‪ ،‬فيه معظم األحداث‬
‫الجسام التي مر بها المجتمع الشادي‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المصادر والمراجع‪:‬‬
‫أ‪-‬المصادر‬
‫‪-1‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬دليل الحيران إلى‬
‫قواعد أبى سعيد عثمان‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-2‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬الفتح الرباني فيما‬
‫خالف فيه قالون ورشا من حرز األماني‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا –‬
‫شاد‪.‬‬
‫‪-3‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪:‬الهداية الربانية إلى‬
‫ما خالف فيه الدوري ورشا من طريق الشاطبية‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪،‬‬
‫أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-4‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬اإلرشادات الربانية‬
‫إلى ما خالف فيه عبداهلل بن كثير نافعا من طريق الشاطبية‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة‬
‫الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-5‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬بيان القراءات‬
‫الشاذة‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-6‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬إرشاد األخوان إلى‬
‫تفصيل الهمزتين لرواية أبي سعيد عثمان‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا –‬
‫شاد‪.‬‬
‫‪-7‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬تاريخ القراء‪،‬‬
‫مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫ب‪-‬المرجع‬

‫‪346‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-1‬الدكو‪،‬الدكتور‪ /‬فضل كلود‪ :‬الثقافة اإلسالمية في شاد في العصر‬


‫الذهبي إلمبراطورية كانم‪ ،‬منشورات جمعية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬طرابلس‪،‬‬
‫‪.1988‬‬
‫‪-2‬الدنفاسي‪،‬الشيخ العباس بن فاضل‪:‬الفرود في القرآن الكريم‪،‬‬
‫مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪،‬أنجمينا‪ ،‬شاد‪.‬‬
‫‪-3‬الدنفاسي‪،‬الشيخ العباس بن فاضل‪:‬الجاري على قارئ‪،‬مخطوط‪،‬‬
‫خزانة الباحث‪،‬أنجمينا‪ ،‬شاد‪.‬‬
‫‪-4‬شيخ المشائخ عبدالواحد‪:‬المحذوف في القرآن الكريم‪ ،‬مخطوط‪،‬‬
‫خزانة الباحث‪،‬أنجمينا‪ ،‬شاد‪.‬‬
‫‪-5‬المسيري‪ ،‬الشيخ الماهر شين محمد العربي‪:‬التجويد المحمول‪،‬‬
‫مخطوط‪ ،‬خزانة المؤلف‪،‬أنجمينا – شاد‬
‫‪-6‬مجهول (المؤلف)‪،‬الهمزتان‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪،‬أنجمينا‪،‬‬
‫شاد‪.‬‬
‫‪-7‬الزيودي‪ ،‬القوني عبدالجليل عبدالكريم‪:‬الفصل االنور في تمثيل‬
‫السور‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪،‬أنجمينا‪ -‬شاد‪.‬‬
‫‪-8‬الزيودي‪ ،‬القوني عبدالجليل عبدالكريم‪ :‬المدنيات‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة‬
‫الباحث‪،‬أنجمينا‪ -‬شاد‪.‬‬
‫‪-9‬طبيك‪ ،‬الشيخ احمد عبدالكريم الحسيني‪:‬القرآن السفري‪،‬‬
‫مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل العاشر‪:‬‬
‫الدور الثقايف للشيخ مكي عبد اهلل‬
‫التجاني(‪2014-1934‬م) يف شاد املعاصرة‬

‫• التمهيد‬
‫أوال‪ :‬احلياة التعليمية للشيخ مكي عبد اهلل‬
‫التجاني‪:‬‬
‫ثانيا – وصف خزانة املخطوطات والوثائق العربية‬
‫يف دبدب وأبشة‬
‫ثالثا‪ :‬أدوار الشيخ مكي عبد اهلل التجاني يف‬
‫اجملتمع الشادي املعاصر‬
‫رابعا‪ :‬تزكيته الروحية يف خدمة جمتمعه‬
‫احمللي‬
‫• اخلالصة‬
‫• املصادر واملراجع‬

‫‪348‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -‬التمهيد‬
‫صادف رجوع الباحث من الدراسة‪ ،‬إلى البالد عام ‪1990‬م‪ ،‬وتعيينه‬
‫عضو هيئة تدريس بجامعة شاد آنذاك‪ ،‬زيارة الشيخ مكي عبد اهلل التجاني إلى‬
‫العاصمة أنجمينا‪.‬‬
‫فالحظ تردد الطالب الجامعيين عليه‪ ،‬لالستعانة به إلعداد أبحاثهم‬
‫الجامعية‪ ،‬حول العلماء وآدابهم في بحيرة الشط‪ ،‬وأنشطتهم التعليمية‪،‬‬
‫والتزكية الروحية وخالفاتهم الفكرية‪.‬‬
‫فأثارت هذه المالحظة شغف الباحث‪ ،‬وتساءل‪ :‬ما الذي جعل شيخا‬
‫تقليديا صوفيا‪ ،‬ال يحمل مؤهالت جامعية‪ ،‬ليكون أحد المصادر للباحثين‬
‫الجامعيين؟ فهل عدم وجود المخطوطات والوثائق العربية‪ ،‬التي كتبها العلماء‬
‫واألدباء حول بحيرة الشط‪ ،‬في مراكز ومكتبات وخزائن‪ ،‬تكون في متناول‬
‫الباحثين الجامعيين هو الذي اضطرهم إلى اللجوء‪ ،‬إلى هذا الشيخ وغيره‪،‬‬
‫لكتابة أبحاثهم؟ أم أن صدور وخزائن العلماء التقليديين الصوفيين في هذه‬
‫المنطقة‪ ،‬ترجع إليها الناس في طلب المعرفة وتثق بها‪ ،‬وأكثر جدوى للحصول‬
‫على المعلومات‪ ،‬من المكتبات الحديثة‪ ،‬ومعلومات األساتذة الجامعيين؟‬
‫فاتصل الباحث بحلقة الدرس التي يقيمها الشيخ مكي عبد اهلل التجاني‬
‫في المنزل المستضاف فيه في العاصمة أنجمينا‪ ،‬فوجده منفتح الفكر‪،‬‬
‫ومتعاون‪ ،‬ومقبل على األفكار الجديدة التي ال تتوفر لديه‪ ،‬خاصة بعد أن‬
‫عرض عليه الباحث بعض المقاالت التي نشرها عن جذور الثقافة العربية حول‬
‫بحيرة الشط‪ ،‬مع ما لدى الشيخ مكي‪ ،‬من خبرات وتجارب حول‬
‫المخطوطات والوثائق العربية‪ ،‬والعلماء الذين شاركوا في كتابة هذه الوثائق أو‬

‫‪349‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫نسخها أو العناية بها‪ ،‬مما أهله أن يكون المصدر المناسب للطالب‬


‫الجامعيين في مجاله‪.‬‬
‫وهذا ما جعل الباحث‪ ،‬يهتم بدراسة خزانته للمخطوطات والوثائق‬
‫العربية‪ ،‬لفترة استمرت لربع قرن في فترات متقطعة‪ ،‬ولكن بمتابعة مستمرة‬
‫لتجربة الشيخ مكي في نشر تجاربه الثقافية‪ ،‬والتزكية الروحية لتالميذه‪ ،‬من‬
‫خالل إنتاجه الثقافي والتعليمي‪ ،‬ومؤلفاته العلمية‪ ،‬ومخطوطاته ووثائقه العربية‪،‬‬
‫التي اعتمد عليها في دروسه‪ ،‬ومذكراته الشخصية التي خطها بيده أو بيد‬
‫تالميذه‪ ،‬خاصة تأثيره على الرسائل واألبحاث الجامعية‪ ،‬التي كتبت عن األدب‬
‫العربي في شاد في الفترة من ‪2011-1990‬م‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الحياة التعليمية للشيخ مكي عبد اهلل التجاني‪:‬‬


‫ولد الشيخ مكي عبد اهلل التجاني في قرية دبدب عام ‪ 1934‬م وتوفي‬
‫بتاريخ‪2014/11/05‬م بمدينة أبشة‪ ،‬ورقد في قبره في مقر ميالده‪ ،‬وكانت‬
‫مراحله التعليمية على النحو التالي‪:‬‬
‫أ‪-‬المرحلة األولى‪ :‬وفيها تعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ أجزاء من‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وكان معظما على يد شيخه الحبو راشد في قرية دبدب‪.‬‬
‫ويستعين الصبيان في هذه المرحلة باأللواح الخشبية‪ ،‬وغالبا ما يتلقى‬
‫األطفال هذا التعليم األولي في الفصول والحلقات الملحقة بالجوامع‬
‫والمساجد‪ ،‬وهو ما يسمي بالمسيج القروي‪ ،‬في سلطنة دار وداي العباسية‬
‫خاصة‪ ،‬وحول بحيرة الشط عامة‪.‬‬
‫يتميز مسيج القرية بأنه مستقر‪ ،‬فمن المالحظ على القرى الشادية‬
‫المسلمة ندرة وجود قرية بدون مسيج‪ ،‬إن لم يكن األساس الذي تبنى عليه‬
‫القرية قبل أي شيء آخر‪ ،‬فالمسيج في القرية ليس مقتصرا على تحفيظ‬
‫‪350‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫القرآن الكريم‪ ،‬بل يتعاداه إلى أن يشكل رمزا لقيادة القرية‪ ،‬فشيخ المسيج هو‬
‫إمام القرية في الصالة الجامعة‪ ،‬وفي المسيج وعلى يد شيخه يتم حل معظم‬
‫األمور الدينية‪ ،‬ويستشار في معظم األمور الدنيوية‪ ،‬ويحوى المسيج في القرية‪،‬‬
‫سكنا لجميع التالميذ‪ ،‬ينامون فيه‪ ،‬وان كانوا يأكلون عند ذويهم‪ ،‬خاصة أوالد‬
‫القرية‪ ،‬ومكانا للطعام الجماعي‪ ،‬وعلى جانبيه أو بقربه أجنحة لسكن الشيخ‬
‫وبعض نوابه في التعليم‪ ،‬وبالمسيج أماكن الستضافة الضيوف وعابري السبيل‪.‬‬
‫وحوالي المسيج تقام أنشطة أخرى مثل عرض البضائع التجارية‬
‫واإلعالن من المفقودات‪ ،‬وساحة للمناسبات االجتماعية مثل حاالت عقد‬
‫الزيجات وإقامة المآتم‪ ،‬ونظرا للظروف المحيطة بطبيعة المسيج في القرية‪،‬‬
‫وكثرة المتعلمين للقرآن الكريم نسبيا إذا ما قيسوا بالبادية‪ ،‬فان شيخ المسيج‬
‫توفر له اإلمكانات المادية من قبل أهل القرية والخدمات التي يؤديها له‬
‫تالميذ المسيج بشكل مستمر أكثر من شيخ المسيج في البادية‪ ،‬في نفس‬
‫الوقت الذي تدفع عنه غالبا تكاليف الزواج األول‪ ،‬ومن الممكن أن يكون‬
‫مرتبا على أن تكون من أجمل بنات القرية وربما بنت الملك أو السلطــان‬
‫نفسه أو من يقوم مقامه‪ ،‬وهذه هي حال المتميز من الحفظة‪ ،‬أما عامة قراء‬
‫القرآن الكريم فقد يقبلون من تدفع لهم من النساء والغالب أن تكون من عامة‬
‫الناس وقد تكون معاقة جزئيا أو ثيبا أو عانسا‪.‬‬
‫وهذه عملية ينظر إليها المجتمع القروي باعتبارها مظهرا من مظاهر‬
‫التكافل والتضامن االجتماعي‪ ،‬وخدمة يقدمها قراء القرآن الكريم في قبول‬
‫التقرب من األسر والفئات االجتماعية بغض النظر عن الفوارق االجتماعية‪،‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك تدفع إلى شيخ المسيج وتالمذته جميع الزكوات‬
‫والصدقات‪ ،‬على اعتبار أهل المسيج من الفقراء‪ ،‬ومن هنا شاع هذا‬

‫‪351‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫االصطالح على معلمي القرآن الكريم‪ ،‬باإلضافة إلى معلم‪ ،‬وسيدنا‪،‬‬


‫وشيخ‪(.‬أيوب‪2008 ،‬م‪)62،‬‬
‫ب‪ -‬أما مرحلة التعليم المتوسط في وسط أفريقيا‪ ،‬فتتمثل في العناية‬
‫بتجويد القرآن الكريم وشيء من الفقه واللغة العربية بفروعها المختلفة وشيء‬
‫من الحساب والفلك والسيرة‪ ،‬وقد ينتهي مثل هذا التعليم المتوسط‪ ،‬بإجازة‬
‫يمنحها المعلم‪ ،‬بعد أن ينال شيئا من التمر أو الحبوب أو الماشية‪ ،‬نظير‬
‫إيصاله للطفل أو التلميذ إلى هذه المرحلة من التعليم‪ ،‬هذا في حالة التعليم‬
‫المتوسط الذي يعطي خارج األسرة‪ ،‬تلقى الشيخ مكي هذه المرحلة في‬
‫المعهد العلمي بأم درمان في حلقات الشيخ محمد النور عثمان‪.‬‬
‫ج‪ -‬أما في مرحلة التعليم العالي‪ ،‬فإن الغالب أن يرحل الطالب أو‬
‫يخرج إلى المراكز والجوامع والحلقات الكبرى‪ ،‬حيث يجلس األستاذ على‬
‫كرسي عال أو متكئا على عمود من أعمدة المساجد‪ ،‬ويجلس حوله الطالب‪،‬‬
‫وفي هذه الحلقات الدراسية‪ ،‬يناقش التالميذ كتابا من أمهات الكتب ويعلقون‬
‫عليه‪ ،‬تحت إشراف أستاذهم أو أساتذتهم‪.‬‬
‫وتلقى الشيخ مكي هذه المرحلة لدى شيخه محمد سعيد الرباطابي‪،‬‬
‫خاصة علوم الشريعة والحقيقة‪ ،‬واستكماال لهذه المرحلة سافر الشيخ مكي‬
‫إلى مصر والتقى بعلمائها منهم العالمة المشهور الشيخ‪/‬محمد الحافظ‬
‫المصري التجاني وأجازه في كتب الشريعة والقراءات‪ ،‬ثم التقى بالشيخ إدريس‬
‫العراقي‪ ،‬وأخذ منه العلوم الشرعية‪ ،‬وأجازه في كتب الطريقة التجانية إجازة‬
‫مطلقة‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وبرجوعه من مراحله التعليمية السابقة‪ ،‬استفاد من ميراث مجتمعات‬


‫وسط أفريقيا‪ ،‬لعدد من المميزات والخصائص‪ ،‬التي تبجل مكانة العلم‬
‫والعلماء من أسالفهم األوائل‪ ،‬الذين أنشئوا وأداروا مراكز ومدنا إسالمية‪.‬‬
‫وهي المظاهر التي لها أثر واضح على نشأة وحياة الشيخ مكي عبد‬
‫اهلل التجاني‪ ،‬مثل‪ :‬دور علماء وسط أفريقيا في نقل العلوم اإلسالمية إلى‬
‫إفريقيا ما وراء الصحراء‪ ،‬بأمانة علمية مشهودة‪ ،‬وكذلك مظاهر التسامح في‬
‫نشر الدعوة اإلسالمية‪ ،‬واإلحسان والتضحية في ذلك‪ ،‬مع اإلشارة إلى‬
‫تركيزهم الشديد على التزكية الروحية للطريقة التجانية‪ ،‬كوظائف أساسية من‬
‫وظائف العلم والعلماء في المنطقة‪.‬‬
‫يولي العلماء في وسط أفريقيا عناية كبيرة لألمانة والصالح في نقل‬
‫العلوم اإلسالمية‪ ،‬ومن يالحظ إنتاجهم العلمي يكتشف هذه األمانة العلمية‬
‫في نشر العلوم اإلسالمية في أصفي صورها‪.‬‬
‫ومما ساعد علماء وسط أفريقيا‪ ،‬في االحتفاظ باألمانة العلمية في نقل‬
‫العلوم اإلسالمية بأمانة‪ ،‬أن ما يدرس في المساجد وحلقات العلوم اإلسالمية‬
‫في وسط أفريقيا‪ ،‬مماثل – تقريبا – لنفس المنهج والكتب التي كانت تدرس‬
‫في المراكز اإلسالمية العلمية مثل‪ :‬معهد أمدرمان العلمي‪ ،‬واألزهر‪ ،‬وفاس‪،‬‬
‫والقيروان‪.‬‬
‫فمن الكتب المتداول تدريسها عند علماء وسط أفريقيا‪ :‬كتاب الموطأ‬
‫لمالك‪ ،‬والمدونة لسحنون‪ ،‬والمختصر لخليل‪ ،‬واألصول‪ ،‬والبيان‪ ،‬والمنطق‪،‬‬
‫وأصول السبكي‪ ،‬وتلخيص المفتاح‪ ،‬وألفية العراقي‪ ،‬وصغرى السنوسي‪ ،‬وشرح‬
‫الجزرية‪ ،‬وحكم ابن عطاء اهلل مع شرح زروق‪ ،‬ونظم ابن مقرعة للهاشمية في‬
‫التنجيم‪ ،‬وكتب فقه التصوف القويم للطريقة التجانية‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومن الكتب التي تدرس عندهم أيضا‪ :‬الرسالة للقيرواني وجامع المعيار‬
‫للدنشريسي‪ ،‬ومدخل ابن الحاج‪ ،‬ومقدمة الباجوري‪ ،‬وصحيح الجوامع‬
‫للسبكي‪ ،‬ودليل القائد والقرطبي والتوضيح على ابن الحاج‪ ،‬وصحيح البخاري‬
‫ومسلم وصحيح الترمذي‪ ،‬والشفا في التعريف بحقوق المصطفي للقاضي‬
‫عياض‪ ،‬وتحفة الحكام البن عاصم‪ ،‬ورجز المغيلي في المنطق‪ ،‬والمعجزات‬
‫الكبرى للسيوطي‪ ،‬والجامع الصغير‪ ،‬وإضاءة الدجنة‪ ،‬وعقيدة السنوسي‬
‫المعروفة بأم البراهين‪ ،‬وتسهيل ابن مالك‪ ،‬والخزرجية في العروض‪ ،‬وألفية ابن‬
‫مالك‪ ،‬وألفية السيوطي في النحو‪ ،‬والمية الزقاق‪ ،‬ومقامات الحريري‪ ،‬وال متي‬
‫العرب والعجم‪.‬‬
‫وبشكل عام فإن العلوم التي يستوجب استيعابها عند طالب العلم في‬
‫وسط أفريقيا هي‪ :‬الفقه‪ ،‬واألصول‪ ،‬وعلوم الحديث‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والقراءات‪،‬‬
‫والعقائد‪ ،‬وعلوم اللغة العربية (النحو والمعاني والبيان واألدب والشعر)‬
‫والحساب والفلك‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والسيرة النبوية‪ ،‬وغير ذلك من العلوم اإلسالمية‬
‫التي كانت تدرس في سائر أنحاء العالم اإلسالمي في ذلك الحين‪.‬‬
‫وكان لهذه المناهج والكتب المدروسة‪ ،‬والعلماء الذين درسوها‪ ،‬كبير‬
‫األثر‪ ،‬في تكوين صفوة من الدعاة والعلماء‪ ،‬ذاع صيتهم في وسط أفريقيا‪،‬‬
‫ذكر بعضهم الشيخ مكي في كتبه‪.‬‬
‫وكان التسامح هو الغالب في نشر علوم اإلسالم من قبل العلماء في‬
‫وسط أفريقيا إلى المناطق األخرى‪،‬‬
‫وتجاوز هذا التسامح الديني القواعد والمعامالت الفقهية‪ ،‬ليصل إلى‬
‫العادات والتقاليد‪ ،‬فقد كان التوجه اإلسالمي بين علماء منطقة وسط أفريقيا‪،‬‬
‫يقوم على أن على اإلنسان المسلم اإلفريقي‪ ،‬أن يغير ما بذاته‪ ،‬حتى يكون‬

‫‪354‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫قادرا على تغيير المجتمع الذي حوله‪ ،‬ولذلك‪ ،‬فقد اهتم علماء وسط‬
‫أفريقيا‪ ،‬بتعميم التزكية الروحية اإلسالمية‪ ،‬من أجل تكوين إنسان منسجم مع‬
‫المجتمع الذي يطمح إلى إقامته‪.‬‬
‫ونفس هذه الصورة من التسامح في نشر العلوم اإلسالمية في وسط‬
‫أفريقيا‪ ،‬أشار إليها بوكاري ندياني حينما قال‪ " :‬إن دعاة اإلسالم حرصوا على‬
‫عدم إلغاء كل التقاليد واألعراف التي وجدوها قائمة في عين المكان‪ ،‬ذلك‬
‫أنهم رأوا من المفيد لنشر اإلسالم‪ ،‬التسامح إزاء ما كان سائدا من مظاهر‬
‫السلوك االجتماعي‪ ،‬وذلك حينما ال يالحظ فيها‪ ،‬ما ال يمس بالمبادئ‬
‫األساسية للدين اإلسالمي الجديد‪ ،‬والتي يمكن لموقف التسامح تجاهها‪ ،‬أن‬
‫يخدم انتشار اإلسالم على الشعوب التي لم تؤمن بعد به‪ ،‬وقاعدتهم في ذلك‪:‬‬
‫أن كل تقليد يفوق وجوده أربعين عاما‪ ،‬وال يكون فيه مساس بالمبادئ‬
‫الجوهرية الموجودة في القرآن واألحاديث النبوية‪ ،‬يمكن التسامح تجاهه‪،‬‬
‫ولكن دون األمر به‪ ،‬وهكذا فإننا نجد أنفسنا‪ ،‬أمام مزيج من تعاليم اإلسالم‪،‬‬
‫ومن األعراف المحلية‪ ،‬التي رأى دعاة هذا الدين‪ ،‬التسامح تجاهها‪ ،‬خدمة‬
‫النتشار اإلسالم‪ ،‬الذي كانوا يدعون إليه "‪(.‬ندياني‪)319 ،‬‬
‫وباإلضافة إلى األمانة العلمية في نقل العلوم اإلسالمية وسماحة‬
‫صدورهم في تجاوزهم عن بعض العادات المحلية التي ال تخالف تعاليم‬
‫ا ٍإلسالم‪ ،‬اتسم العلماء في وسط أفريقيا بالتضحية واإلحساس‪ ،‬فيما يُعلي‬
‫كلمة اهلل ويرفع العلم‪.‬‬
‫فقد ذكر علي كولوغوديالو أن الشيخ محمد بن عمر المرجي (ت‬
‫‪1946‬م) قد أدرك في وقت مبكر أهمية امتالك المصادر العلمية‪ ،‬لذلك‬
‫بعث إلى السوق بقطيع األبقار الذي كان في حوزته‪ ،‬والذي كان يتكون من‬

‫‪355‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫سبعة وأربعين رأسا‪ ،‬واستخدم ما عاد عليه من ثمنها جميعا في شراء الكتب‬
‫من تونس والمغرب‪ ،‬وهكذا كون خزانته الخاصة التي كانت من أغنى‬
‫الخزانات في المنطقة‪(.‬ديالو ‪)303‬‬
‫وكان لهذا العالم كبير األثر اإلسالمي في منطقة شاد عامة وسلطنة دار‬
‫وداي خاصة‪ ،‬حينما زارها في طريق رحلته إلى الحج‪ ،‬فكان يقيم الدروس‬
‫يحل بها‪ ،‬مما جعل العدد الكبير‬
‫واإلرشاد والمواعظ الدينية‪ ،‬في كل منطقة ّ‬
‫من المواليد الذين ازدادوا أو ولدوا بعد زيارته‪ ،‬أيام االستعمار الفرنسي‪ ،‬أن‬
‫يُس ّموا باسمه‪ ،‬فلنا اآلن في شاد قادة كبار باسم الشيخ ابن عمر‪ ،‬وصل واحد‬
‫منهم إلى وزير للخارجية الشادية‪ ،‬وزميله اآلخر إلى رئيس لجامعة شاد سابقا‪،‬‬
‫وتقلد عددا‪ ،‬من الوزارات منها وزارة التخطيط والتعاون الدولي‪.‬‬
‫ثانيا – وصف خزانة المخطوطات والوثائق العربية للشيخ مكي في‬
‫دبدب وأبشة‬
‫‪-1‬طبيعتها‬
‫تتميز خزانة المخطوطات للشيخ الحاج مكي عبد اهلل التجاني بالتنوع‬
‫في المحتويات‪ ،‬ففيها مخطوط مصحف برواية الدوري‪ ،‬ومخطوطات في الفقه‬
‫المالكي‪ ،‬والتوحيد األشعري‪ ،‬و التاريخ والتصوف اإلسالمي‪ ،‬وتم توزيعها في‬
‫ثالثة أماكن هي‪ :‬مدينة أبشة وقرية دبدب‪ ،‬ومدينة أم حجر‪.‬‬
‫ولم تتح للباحث التعمق قليال‪ ،‬إال في خزانة قرية دبدب وبانتقاء‬
‫شديد‪ ،‬رغم أنه الحظ بأم عينه داخل الحجرة التي توفي فيها الشيخ مكي في‬
‫مدينة أبشة‪ ،‬الصناديق الحديدية التي يحفظ فيها العلماء‪ ،‬في هذه المناطق‬
‫عادة خزائن مخطوطاتهم‪ ،‬ولكن قرب وفاة الشيخ كان أحد األعذار‪ ،‬في عدم‬
‫السماح للباحث بفتح هذه الصناديق‪ ،‬إال أن الخليفة وهو ابن الشيخ األكبر‬

‫‪356‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫سمح للباحث باالطالع على نماذج من خزانة المخطوطات منتقاة بعناية‬


‫شديدة‪.‬‬
‫وبالتالي فإن وصف خزانة مخطوطات الشيخ مكي‪ ،‬سيعتمد في‬
‫األساس على نماذج قرية دبدب‪ ،‬والنماذج المنتقاة من خزانة أبشة‪ ،‬ويخلو‬
‫الوصف من ذكر لخزانة مدينة أم حجر‪ ،‬التي من المتوقع أن تحوي‬
‫مخطوطات لعلماء في المنطقة‪ ،‬مثل‪ :‬الشيخ أحمد عبد الكريم طبيق الذي‬
‫وجد الباحث سيرته العطرة في خزانة دبدب‪ ،‬ونقل للباحث بعض أعماله من‬
‫أم حجر إلى أنجمينا ابنه البار عز الدين احمد طبيق‪ ،‬ونشر رحالته إلى فاس‪،‬‬
‫والشيخ أبوراس‪ ،‬والشيخ آدم جبر حلو‪.‬‬
‫وضعت خزانة المخطوطات للشيخ مكي في دبدب‪ ،‬في الديوان‬
‫الداخلي الخاص للشيخ مكي الكائن داخل مركزه التعليمي‪ ،‬والذي فيه مثواه‬
‫األخير اآلن‪.‬‬
‫والمخطوطات متناثرة بشكل غير مرتب في دواليب‪ ،‬أعدت في‬
‫األساس لحفظ الكتب المطبوعة‪ ،‬ولكن وضع المخططات في جوانب‬
‫ومخابئ‪ ،‬يوحي بوجود نظام معين من الشيخ مكي أو معاونيه – للتمويه ‪،-‬‬
‫ويقوي هذا االعتقاد‪ ،‬الحصول على عدد كبير من الطالسم واألسرار الخاصة‬
‫بالشيخ مكي‪ ،‬منحت له بإذن من شيوخه‪ ،‬أو انتقاها من قراءاته واطالعه‪.‬‬
‫ومعظم مخطوطات خزانة الشيخ مكي‪ ،‬كتبها خطاطون ونساخون مهرة‪،‬‬
‫وبالتالي تقل فيها األخطاء اإلمالئية‪ ،‬ولكن يالحظ تأثير الرسم العثماني على‬
‫كتاباتهم خارج النص‪ ،‬خاصة األحمر واألزرق مثل‪ :‬كتابة الحاج بدون األلف‬
‫في الوسط‪..‬‬

‫‪357‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وأدوات الخط إلي استعملت في الخزانة‪ ،‬هي الدواة وقلم العدار‪ ،‬أو‬
‫البوص‪ ،‬واستخدام األلوان المتعددة‪ ،‬كان بارزا‪ ،‬خاصة األحمر واألصفر‪،‬‬
‫باإلضافة إلى األسود طبعا‪ ،‬مما يدل على وجود صناعيين وفنيين‪ ،‬في حرف‬
‫النسخ والخطوط المتميزة‪ ،‬لهم مكانتهم لدى العلماء والسالطين وكبار القوم‬
‫من التجار وغيرهم‪ ،‬خطوطهم تباع بأغلى األثمان‪ ،‬ولكن التكسب بها يحاط‬
‫بكثير من التكتم والتستر‪ ،‬مخافة الرياء والتكسب بالدين‪ ،‬من ناحية‪ ،‬وحفظ‬
‫سر المهنة أو أسرار المخطوطات‪ ،‬ومن تكتب لهم من ناحية أخرى‪.‬‬
‫‪-2‬محتوياتها‬
‫يجدر بالذكر‪ ،‬أن خزانة الشيخ مكي موزعة في ثالثة مراكز أو زوايا‪،‬‬
‫هي‪ :‬زاوية قرية دبدب‪ ،‬مسقط رأس الشيخ ومثواه‪ ،‬ومركز أم حجر‪ ،‬وهي‬
‫المدينة التي يتبع لهل المركز األول في قرية دبدب‪ ،‬وأخيرا مركز مدينة أبشة‪.‬‬
‫وتحوي حوالي(‪ )550‬مخطوطة ووثيقة عربية مكتوبة باليد أو مرقونة‬
‫على اآللة الكاتبة فقط‪ ،‬ويستثنى من ذلك الكتب المطبوعة الموجودة في‬
‫الخزانة‪ ،‬وهي كثيرة‪ ،‬وتوجد في محتويات خزانة الشيخ مكي المخطوطات‬
‫والوثائق العربية التي يمكن تصنيفها على النحو التالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬المخطوطات من مصاحف نادرة‪ ،‬وتراث الطريقة التجانية القديم‪،‬‬
‫وبعض مخطوطات التوحيد والفقه واللغة العربية والتصوف واألسرار والطالسم‬
‫الفلكية والحسابية‪.‬‬
‫ب‪ -‬وفيها الوثائق العربية الخاصة برسائل الشيخ مكي مع شيوخه‪ ،‬في‬
‫كل من السودان الشرقي ومصر والمغرب والجزائر‪ ،‬ورسائله إلى تالميذه‬
‫ومحبيه في جميع األراضي الشادية‪ ،‬وقد قام تلميذه كبيرو‪ ،‬بجمع جزء كبير‬

‫‪358‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫منها في سفر موحد‪ ،‬وجد الباحث نسخة خطية منه من خليفة الشيخ مكي في‬
‫زاوية أبشة‪ ،‬ووثقه بالتفصيل في حواشي هذا البحث‪.‬‬
‫ج‪ -‬وفي محتويات هذه الخزانة توثيق لبعض رحالت الشيخ مكي‬
‫الخارجية والداخلية‪ ،‬بصورة أدبية تصلح أن تجله في مصاف كتاب أدب‬
‫الرحالت‪ ،‬خاصة شمولها لمعلومات مفصلة عن المناطق والشخصيات‬
‫واألحداث واألحوال التي مر بها الشيخ مكي في ترحاله‪ ،‬بدرجة وصف دقيق‬
‫للظروف الطبيعية للمناطق التي مر بها‪ ،‬وكذلك حياة السكان واتجاهاتهم‬
‫الثقافية واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬بل هناك إشارات للعالقات بين التجمعات‬
‫المحلية والسلطات التقليدية والرسمية‪ ،‬وكيفية التعامل معها في تسيير رحالته‪،‬‬
‫مما يعطي االنطباع للقاريء بالقدرات القيادية للشيخ مكي‪ ،‬خاصة في تأثيره‬
‫في حل المشكالت والخالفات الطائفية‪ ،‬ومدى حاجة السلطات لدوره الفعال‬
‫في فض النزاعات‪ ،‬وقد عرض الباحث نموذجا وحدا منها في ثنايا هذا‬
‫البحث‪.‬‬
‫د‪ -‬وبالخزانة عدد كبير من وثائق األسانيد للطريقة التجانية‪ ،‬منها ما‬
‫خاص بالشيخ مكي‪ ،‬لتدل على أسانيده المختلفة‪ ،‬ومدى قربها أو بعدها من‬
‫الشيخ أحمد التجاني‪ ،‬وهي توضح بجالء سعي الشيخ مكي لتأصيل ارتباطه‬
‫بأحفاد الشيخ التجاني في عين ماضي‪ ،‬رغم اعتزازه بأسانيده األخرى‪ ،‬وهي‬
‫وثائق نفيسة تفيد الباحث في دراسة التأصيل لعالقة ا=علماء شاد بالعلماء في‬
‫المغرب العربي‪ ،‬مع تمسكهم بريادة علماء األزهر في الفقه المالكي والعقيدة‬
‫األشعرية‪.‬‬
‫ه‪-‬وفي الخزانة وثائق عربية بالردود على بعض األسئلة الخاصة بالفقه‬
‫المالكي‪ ،‬وفقه الطريقة التجانية القادمة إلى الشيخ مكي من فرع المجلس‬

‫‪359‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫األعلى للشؤون اإلسالمية بدار وداي‪ ،‬وبعض األفراد والشخصيات الرفيعة‪،‬‬


‫خاصة طالب المعاهد والجامعات الشادية‪.‬‬
‫و‪ -‬وأخيرا هناك عدد من الوثائق التي تتعلق بتاريخ سالطين داروداي‪،‬‬
‫خاصة اكتشاف الباحث للنسخة األصلية للشذرات الذهبية‪ ،‬التي كان‬
‫االعتماد في الدراسات السابقة‪ ،‬على نسخة مصورة فقط‪ ،‬وتدعمها وثيقة‬
‫أخرى حول سلسلة نسب السلطان على السليك‪ ،‬التي كتبت قبل الشذرات‪،‬‬
‫ولكن مضمون الوثيقتين واحد‪ ،‬يدل داللة قوية على قيام الشيخ مكي‪ ،‬بدور‬
‫كاتب سلسلة سالطين سلطنة دار وداي العباسية‪ ،‬وهو دور مشابه لدور العالم‬
‫أحمد بن فورتو‪ ،‬في صياغته األخيرة لديوان سالطين كانم – برنو‪.‬‬
‫وبشكل عام‪ ،‬يمكن االستشهاد ببعض النماذج من خزانة الشيخ مكي‪،‬‬
‫حسب أهميتها على النحو التالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬مصحف الدوري‪:‬‬
‫أهم ما يميز محتويات خزانة المخطوطات للشيخ مكي‪ ،‬وجود مصحف‬
‫مخطوط باليد‪ ،‬برواية أبي عمر الدوري في قريته بدبدب‪ ،‬وهي أبعد منطقة‬
‫يجد فيها الباحث مخطوطا باليد لرواية الدوري‪ ،‬التي كانت قد وصلت إلى‬
‫سلطنة دار وداي العباسية من سلطنة دارفور في الشرق‪ ،‬قبل الحقبة‬
‫االستعمارية ‪1909‬م‪ ،‬وهي منطقة التقاء بالمخطوطات المغربية برواية ورش‪،‬‬
‫والمخطوطات السودانية المشرقية برواية الدوري‪.‬‬
‫والمصحف مخطوط بالخطوط المتعارف عليها في وسط أفريقيا‪ ،‬من‬
‫حيث الشكل والرسم‪ ،‬ولكنها ملتزمة تماما بقواعد الرسم المعتمدة في رواية‬
‫الدوري المتواترة في السودان الشرقي‪.‬‬

‫‪360‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الصفحة األخيرة من مصحف الشيخ مكي برواية الدوري‬


‫وذكر في نهاية مخطوط المصحف‪ ،‬كاتب المخطوط ومالكه‪ ،‬وفي هذا‬
‫إشارات هامة‪،‬األولى‪ :‬أن الكاتب سليل أجيال من الفقهاء في المنطقة‪ ،‬ومالك‬
‫المخطوط كذلك‪ ،‬والمالحظة الثانية أنه رغم عدم ذكر للوراق والناسخ بأجر‬
‫أو بدونه‪ ،‬إال أن الحرفية ودقة الضبط في هذا المصحف‪ ،‬تدل على وجود‬
‫نساخ ووراقين يعتنون بالمخطوطات العربية في هذه المنطقة حتى بدايات‬
‫القرن العشرين‪ ،‬واإلشارة األخيرة أن مخطوط هذا المصحف من أهم‬
‫المؤشرات على العالقات الثقافية‪ ،‬بين وسط وشرق أفريقيا قبل االستعمار‬

‫‪361‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫األوروبي للمنطقتين‪ ،‬فهذا اإلتقان الذي أمامنا في هذا المخطوط‪ ،‬ال يأتي‬
‫بين ليلية وضحاها‪ ،‬وال يستورد دفعة واحدة هكذا‪ ،‬بل يحتاج إلى زمن ليس‬
‫بالقليل‪.‬‬
‫ب‪ -‬مخطوط كتاب الجزاري‪:‬‬
‫والنموذج الثاني من خزانة الشيخ مكي‪ ،‬مخطوط كتاب الجزاري‪ ،‬وهو‬
‫في موضوع التوحيد األشعري‪ ،‬ويحوي(‪ )34‬صفحة‪ ،‬وهو مخطوط مكتمل‪،‬‬
‫وبدايته‪ :‬الحمد هلل وهو الواحد األذلي‪...‬وآخره‪:‬عن الحق واإلحسان لم يحل‪،‬‬
‫وناسخه‪:‬الحب خرش‪ ،‬عثر عليه الباحث في خزانة قرية دبدب‬

‫الصفحة األولى من مخطوط كتاب الجزاري في التوحيد‬

‫‪362‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ج‪ -‬نظم اليماني‬


‫النموذج الثالث من مخطوطات خزانة الشيخ مكي نظم اليماني في‬
‫الغسل والتكفين‪-‬فقه مالكي‪ ،‬و هو مخطوط في (‪)9‬صفحات من نسخ‬
‫الحب بن خرشي أيضا‪ ،‬ووجده الباحث من خزانة الشيخ مكي في قرية‬
‫دبدب‪.‬‬

‫الصفحة األولى من مخطوط نظم اليمان في الغسل والتكفين‬

‫د‪ -‬الشذرات الذهبية‬


‫والنموذج الرابع من خزانة مخطوطات الشيخ مكي هو الشذرات‬
‫الذهبية في تعريف المملكة القديمة والمملكة العباسية‪ ،‬وهو مخطوط في‬
‫‪363‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫التاريخ‪ ،‬وجده الباحث في خزانة الشيخ مكي في مدينة أبشة حارة مومية‪،‬‬
‫سلمه له ابنه الخليفة وعدد من معاونيه‪ ،‬في العدد المنتقى من خزانته في‬
‫ابشة‪ ،‬التي لم يسمح للباحث بارتيادها بنفسه‪ ،‬بحجة وجودها في الديوان‬
‫الخاص بالشيخ مكي‪ ،‬والذي توفي فيه‪ ،‬وان الزمن بين الوفاة وزيارتنا للديوان‬
‫قصير‪ ،‬حيث اخبرنا بأن الدار لم تفتح منذ وفاة الشيخ إال بمناسبة زيارتنا لهم‬
‫للتعزية‪.‬‬
‫ولهذه الشذرات قصة‪ ،‬فهي تدل على تعاون الشيخ مكي مع سالطين‬
‫سلطنة دار وداي العباسية‪ ،‬وألجيال عديدة‪ ،‬مما جعلهم يستكتبونه لرواية‬
‫تاريخ سلطنتهم‪ ،‬نظرا لما يتوفر لديه من معلومات تاريخية عن السلطنة‬
‫وسالطينها السابقين‪ ،‬وعلى فترات متتالية‪ ،‬بدليل وجود عدد من األعمال‬
‫التاريخية‪ ،‬التي كان الباحث قد وجد صورا منها في خزانة السلطان الحالي‪،‬‬
‫بينما األصل عثر عليه الباحث في خزانة الشيخ مكي‪ ،‬وهذا يعني أن معظم‬
‫المعلومات التاريخية عن األصول القديمة لسلطنة دار وداي العباسية‪،‬‬
‫وتسلسل سالطينها صاغها الشيخ مكي‪ ،‬من مصادر ومراجع ال توجد إال في‬
‫خزانته‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ويدعم الرأي بقيام الشيخ مكي بدور كاتب البالط السلطاني‬


‫المخطوطة اآلتية‪ ،‬وفيها يحاول الشيخ التأريخ لسلسلة سالطين وداي من‬
‫خالل السلطان علي السليك‪ ،‬فيورد سلسلته المتصلة بالعباس‪ ،‬محاولة في‬
‫محاولة منه‪ ،‬لتفسير نسبة السلطنة العباسية‪ ،‬وهذه المخطوطة‪ ،‬تم الحصول‬
‫على نسختها األصلية في خزانة الشيخ مكي بقرية دبدب‪ ،‬وهي نسخة نادرة‬
‫تعضد الرأي المتداول في قصر سلطنة دار وداي العباسية‪ ،‬وأصل المخطوط‬
‫الذي وجد في دبدب‪ ،‬مستخلص من مخطوطات أخرى منها‪ :‬مخطوطة‬
‫الشيخ عبد الحق السنوسي الترجمي‪ ،‬التي أشار إليها أكثر من مرجع ولكنها‬
‫لم تظهر إلى اآلن‪(.‬أيوب‪2002 ،‬م‪)،‬‬
‫ه‪ -‬أسانيده في الطريقة التجانية‬
‫ومن مخطوطات خزانة الشيخ مكي في قرية دبدب نماذج عديدة من‬
‫أسانيده في الطريقة التجانية‪ ،‬وهذا النموذج أقصر نماذجه في الوصول إلى‬
‫الشيخ أحمد التجاني‪ ،‬رغم أنه أشار في أكثر من موقع أن له عدد من‬
‫األسانيد المعتبرة تربطه بالشيخ أحمد التجاني‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪366‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪367‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثالثا‪ :‬أدوار الشيخ مكي عبد اهلل التجاني في المجتمع الشادي‬


‫المعاصر‬
‫يمكن اإلشارة إلى ثالثة أنماط من األدوار التي تشير إلى جهود الشيخ‬
‫مكي عبد اهلل التجاني في المجتمع الشادي المعاصر‪ ،‬التوجيه العام‪ ،‬وجهوده‬
‫نحو المتطرفين من الجانيين والوهابيين‪ ،‬وجهوده الخاصة نحو السلطات‬
‫التقليدية خاصة سلطان سلطنة دار وداي العباسية‪ ،‬والردود على أسئلة‬
‫الطالب الجامعيين والباحثين العلميين‪:‬‬
‫من أوضح األدوار التي قام بها الشيخ مكي عبد اهلل التجاني في‬
‫المجتمع الشادي المعاصر في التوجيه واإلرشاد العام‪.‬‬
‫أ‪-‬نشره للفقه المالكي لعامة المسلمين‪ ،‬ولكنه برز في مناقشة القضايا‬
‫الفقهية المختلف عليها في الساحة الفقهية المحلية‪ ،‬مثل‪ :‬الخالف حول‬
‫السدل والقبض في الصالة‪ ،‬وسنة الترك‪ ،‬والبدعة‪ ،‬والرفع من الركوع‪.‬‬
‫(مكي‪)41-1 ،1993،‬‬
‫تميزت سيرة الشيخ مكي التعليمية‪ ،‬بعنايته الفائقة بأصول الفقه‪ ،‬خاصة‬
‫الفقه المالكي‪ ،‬مبتدئا إياه بالعشماوي واألخضري‪ ،‬ومتوسطا بالرسالة والعزية‪،‬‬
‫ومنتهيا بمختصر خليل بشروحه المختلفة‪ ،‬كاتبا ذلك عقب لوح القرآن متنا‪،‬‬
‫في المسيج تارة‪ ،‬وفي الحلقات العلمية‪ ،‬متنا وشرحا‪ ،‬مرات ومرات‪.‬‬
‫والمبارزات الداخلية ال تكون ‪-‬غالبا ‪-‬في األصول الفقهية‪ ،‬وإنما في‬
‫الفروع‪ ،‬على نمط القضية التالية‪ :‬أن المالكية يسدلون أيديهم في الصالة بال‬
‫دليل‪ ،‬وأن النبي صلى اهلل ليه وسلم كان يقبض يديه في الصالة‪ ،‬ووردت‬
‫األحاديث الصحيحة بذلك‪ ،‬والصحابة والتابعين كانوا يقبضون أيديهم في‬
‫الصالة‪ ،‬ولم ينقل أنهم أرسلوا أيديهم في الصالة قط‪ ،‬وحتى اإلمام مالك بن‬

‫‪368‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أنس صاحب المذهب كان قابضا في الصالة‪ ،‬إلى أن حدث له حادث‬


‫الضرب‪ ،‬فشلت يده‪ ،‬فلم يستطع القبض فتركه‪ ،‬وصار يرسل يديه في الصالة‪،‬‬
‫فقلده أصحابه في إرسال اليدين في الصالة‪ ،‬وكرهوا القبض في مذهبهم بال‬
‫دليل؟‬
‫من الواضح أن هذه القضية الفرعية من الفقه‪ ،‬قد أثيرت بشكل‬
‫انفعالي‪ ،‬أكثر منه عقالني‪ ،‬من قبل مستجدين على االختالفات الفقهية في‬
‫األمور الفرعية‪ ،‬خاصة نكران السدل جملة وتفصيال‪ ،‬ونكران أدلته الفعلية من‬
‫السنة وأفعال الصحابة‪ ،‬بادعاءات فيها الكثير من التعالي‪ ،‬وكأن المذهب‬
‫المالكي‪ ،‬يبني قضاه الفقهية على المزاج‪ ،‬وعلى مدى صحة واعتالل صاحبه‪،‬‬
‫وهذا طعن‪ ،‬ليس فقط في هذا الفرع الفقهي‪ ،‬وإنما يجر إلى التشكيك في‬
‫أصوله الفقهية األخرى‪.‬‬
‫وكان رد الشيخ مكي على هذه المسألة‪ ،‬أن األصوليين عرفوا السنة‪،‬‬
‫بأنها قول النبي صلى اهلل عليه وسلم وفعله وتقريره‪ ،‬وقبض اليدين في الصالة‪،‬‬
‫سنة قولية‪ ،‬أخذ بها الجمهور‪ ،‬وإرسال اليدين سنة فعلية‪ ،‬أخذ بها اإلمام‬
‫مالك‪ ،‬وعنده السنة الفعلية أقوى من السنة القولية‪.‬‬
‫والدليل على سنية السدل في الصالة‪ ،‬هو عمل أهل المدينة‪ ،‬من‬
‫الصحابة والتابعين‪ ،‬وليس بين مالك وأصحاب الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫الذين أخذوا باآلخر فاآلخر من أمره صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬إال واسطة واحدة‪،‬‬
‫وهم علماء التابعين الذين شاهدوا عمل أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ونقلوه إلى من بعدهم‪.‬‬
‫وعمل أهل المدينة‪ ،‬أصل من أصول المذهب المالكي‪ ،‬ويقدمه على‬
‫األحاديث الصحيحة‪ ،‬ألنه دال على آخر األمرين‪ ،‬من أمر رسول اهلل صلى اهلل‬

‫‪369‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫عليه وسلم‪ ،‬حيث ثبت في الموطإ وفي صحيح البخاري‪ ،‬أن أصحابه صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬كانوا يأخذون باآلخر فاآلخر من أمره‪ ،‬فهو يعتبر ما جرى عليه‬
‫عمل الفقهاء في المدينة المنورة‪ ،‬هو السنة العملية‪ ،‬التي ترك النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم عليها أصحابه‪ ،‬وهي أقوى من السنة القولية‪(.‬مكي‪-1 ،1993،‬‬
‫‪)2‬‬
‫ثم أورد الشيخ مكي‪ ،‬نماذج من الصحابة السادلين في الصالة‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫عبد اهلل بن الزبير‪ ،‬ومن التابعين سعيد بن المسيب‪ ،‬ومن العلماء الكبار‬
‫السادلين‪ ،‬الحسن البصري‪ ،‬والنخعي‪ ،‬وابن سيرين‪.‬‬
‫وأورد من العلماء من يخير المصلين بين اإلرسال والقبض في الصالة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬قال الليث بن سعد‪ ،‬يرسلهما فإن طال عليه‪ ،‬وضع اليمنى على اليسرى‬
‫لالستراحة‪ ،‬وقال األوزاعي‪ ،‬هو مخير بين الوضع واإلرسال‪ ،‬وقال اإلمام‬
‫الشافعي في األم‪ ،‬وإن أرسلهما ولم يعبث بهما‪ ،‬فال بأس‪( .‬مكي‪،1993،‬‬
‫‪)3‬‬
‫وخالصة رده‪ ،‬أن السدل هو األصل في الصالة‪ ،‬ثم طرأ القبض‪ ،‬ثم‬
‫رجعت السنة إلى األصل‪ ،‬بدون تعارض وال جزاء في الصالة‪ ،‬من حيث‬
‫الصحة والكمال‪ ،‬حيث لم يقل أحد بجبر صالة غير القابض أو السادل‪،‬‬
‫بسجدة قبلية أو بعدية‪ ،‬وهذا يعني فقهيا‪ ،‬أن سنة القبض القولية‪ ،‬وسنة السدل‬
‫الفعلية‪ ،‬ليست سنة مؤكدة‪ ،‬يجبر تاركها صالته بسجدة‪(.‬مكي‪)20 ،1993،‬‬
‫ب‪-‬نشره للعقيدة األشعرية‪ ،‬خاصة األجوبة على القضايا المثارة في‬
‫البيئة المحلية‪ ،‬وربما على مستوى العالم اإلسالمي‪ ،‬وهي قضايا مثل‪:‬‬
‫في حق الذات اإللهية‪ ،‬وتنزيه اإلله عن المكان‬ ‫االستواء والحلول‪،‬‬
‫والجهة‪(.‬مكي‪)149-129 ،1988،‬‬

‫‪370‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫كتب الشيخ مكي‪ ،‬رسالة نفيسة في تنزيه اهلل عن المكان والجهة‪،‬‬


‫نشرها ضمن كتاب سبيل السالم‪ ،‬في الدفاع عن طريق السادة الصوفية‬
‫الكرام‪ ،‬اعتمد فيها على المنهاج ألنقلي والعقلي المعتمد على النصوص‬
‫الشرعية المتفق عليها من معظم المذاهب اإلسالمية‪ ،‬خاصة المذاهب الفقهية‬
‫األربعة‪ ،‬والمؤسسات والمراكز اإلسالمية المعتبرة‪ ،‬خاصة األزهر الشريف‪.‬‬
‫أما عن المصادر األخرى التي اعتمد عليها‪ ،‬فإذا استثنينا الفقرات‬
‫القليلة التي استشهد بها بحجة اإلسالم الغزالي‪ ،‬فمعظم حديثة‪ ،‬وكأنه يريد أن‬
‫يثبت لمحاججيه‪ ،‬أنه يخاطبهم‪ ،‬بلغة العصر الذي هم فيه‪ ،‬وال يرجعهم‬
‫للتراث الذي قد ال يفهمونه‪ ،‬فها هو يعرض لهم القضايا من خالل فتاوي‬
‫الشيخ حسنين محمد مخلوف‪ ،‬مفتي الديار المصرية سابقا‪ ،‬في تفسيره صفوة‬
‫البيان‪ ،‬وآراء الشيخ يوسف الدجوي‪ ،‬عضو جماعة كبار العلماء باألزهر‬
‫الشريف‪ ،‬من خالل كتابه فتاوي ومقاالت‪ ،‬وكذلك الحجج والبراهين التي‬
‫عرضها الشيخ محمد عبده في حاشيته على العقائد العضدية‪ ،‬وأتبع كل ذلك‪،‬‬
‫بتأكيدات شيخه محمد الحافظ التجاني‪ ،‬في عمله أهل الحق العارفون باهلل‬
‫السادة الصوفية‪ ،‬وآرائهم النيرة النقلية والعقلية حول‪ :‬الحق سبحانه وتعالى‬
‫منزه عن األمكنة والجهات‪.‬‬
‫ولكن أطرف ما يميز هذه الرسالة‪ ،‬هو تضميها لنص إجابة لألمين العام‬
‫لمجمع الفقه اإلسالمي التابع لرابطة العالم اإلسالمي‪ ،‬بمكة المكرمة الشيخ‬
‫الحبيب بن الخوجة‪ ،‬وهي تستقيم مع االتجاه العام عند أهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫حول المسائل المطروحة‪ ،‬تم التقاط اإلجابة خالل مقابلة الشيخ الحبيب بن‬
‫الخوجة‪ ،‬لوفد من جمهورية شاد في مدينة فاس المغربية سنة ‪1986‬م‪.‬‬

‫‪371‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وخالصة رسالته‪ ،‬ما ورد في تفسير صفوة البيان لمعاني القرآن‪ :‬ومن‬
‫المتشابهات‪ ،‬آيات الصفات‪ ،‬نحو "الرحمن على العرش استوي" ( طه‪،) 5،‬‬
‫"كل شيء هالك إال وجهه" (القصص‪" ،) 88،‬ولتصنع على عيني " (‬
‫طه‪،‬ي‪" ،) 39‬يد اهلل فوق أيديهم"( الفتح‪ " ،)10،‬والسموات مطويات‬
‫بيمينه" ( الزمر‪ ،) 67،‬ومنه أحاديث الصفات‪.‬‬
‫ومذهب جمهور أهل السنة‪ ،‬ومنهم‪ :‬سفيان الثوري وابن المبارك وابن‬
‫عيينة ووكيع‪ ،‬واألئمة األربعة‪ ،‬أنه يجب األيمان بها‪ ،‬وتفويض علم معناها‬
‫المراد منها إلى اهلل‪ ،‬وترك تأويلها‪ ،‬مع تنزيه اهلل تعالى عن حقيقتها‪ ،‬الستحالة‬
‫مشابهته تعالى للحوادث‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬ليس كمثله شيء وهو السميع‬
‫البصير"( الشورى‪ ،)11،‬عن أم سلمة رضي اهلل عنها‪ ،‬في تفسير "الرحمن‬
‫على العرش استوي "( طه‪ ،) 5،‬الكيف غير معقول‪ ،‬واالستواء غير مجهول‪،‬‬
‫واإلقرار به من اإليمان والجحود به كفر‪.‬‬
‫وعن مالك فيه الكيف غير معقول‪ ،‬واالستواء غير مجهول‪ ،‬واإليمان به‬
‫واجب‪ ،‬والسؤال عنه بدعة‪ ،‬وعن محمد بن الحسن‪ ،‬اتفق الفقهاء كلهم على‬
‫اإليمان بآيات الصفات من غير تفسير وال تشبيه‪ ،‬وقال ابن الصالح‪ :‬على‬
‫هذه الطريقة مضى صدر األمة وسادتها‪ ،‬وإياها اختار أئمة الفقهاء وقادتها‪،‬‬
‫وإليها دعا ائمة الحديث وأعالمهم‪ ،‬وقال إمام الحرمين أخيرا‪ ،‬في الرسالة‬
‫النظامية‪ " :‬الذي نرتضيه دينا وندين به عقدا إتباع سلف األمة‪ ،‬فإنهم درجوا‬
‫على ترك التعريض لمعانيها"‪ ،‬وممن ذهب إلى ذلك كثير من المفسرين‪،‬‬
‫كالبغوي والرازي والجاللين واأللوسي وصاحب فتح البيان وغيرهم‪.‬‬
‫وذهبت طائفة من أهل السنة إلى تأويل هذه اآليات واألحاديث الواردة‬
‫في الصفات بما يليق بجالله تعالى مع تنزيهه عن حقيقتها‪ ،‬وهو مذهب‬

‫‪372‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الخلف‪ ،‬وقال اإلمام الرازي‪" :‬أن الذي اختاره األئمة المحققون من السلف‬
‫والخلف‪ ،‬ترك الخوض في تعيين التأويل بعد إقامة الدليل القاطع على أن‬
‫حمل اللفظ على ظاهره محال"‪.‬‬
‫وقال أيضا في صفوة البيان لمعان القرآن‪ ،‬في تفسير سورة األعراف‪،‬‬
‫عند قوله تعالى‪ ":‬ثم استوي على العرش" عرش اهلل تعالى كما قال الراغب‪:‬‬
‫مما ال يعلمه البشر إال باالسم وليس كما تذهب إليه أوهام العامة‪ ،‬فإنه لو كان‬
‫كذلك لكان حامال له‪ ،‬تعالى عن ذلك‪ ،‬ال محموال‪ ،‬واهلل تعالى يقول‪ " :‬إن‬
‫اهلل يمسك السموت واألرض أن تزوال ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من‬
‫بعده " (فاطر‪ ،) 41،‬وقد ذكر العرش في إحدى وعشرين آية‪ ،‬أما االستواء‬
‫على العرش‪ ،‬فذهب سلف األمة ومنهم األئمة األربعة إلى أنه صفة هلل تعالى‪،‬‬
‫بال كيف وال انحصار وال تشبيه وتمثيل‪ ،‬الستحالة اتصافه تعالى بصفات‬
‫المحدثين‪ ،‬ولوجوب تنزيهه تعالى عما ال يليق به‪ " ،‬ليس كمثله شيء وهو‬
‫السميع البصير" (الشورى‪ ،) 11،‬وأنه يجب اإليمان بها كما وردت‪ ،‬وتفويض‬
‫العلم بحقيقتها إليه تعالى‪ ،‬وقال اإلمام الرازي‪ " :‬أن هذا المذهب هو الذي‬
‫نختاره ونقول به ونعتمد عليه"‪.‬‬
‫وذهب جمهور المتكلمين إلى وجوب صرفه عن ظاهره الستحالته‪ ،‬إلى‬
‫تأويله على التفصيل‪ ،‬وأن المراد منه كما قال اإلمام القفال‪ :‬أنه استقام ملكه‬
‫واطرد أمره ونفذ حكمه تعالى في مخلوقاته‪ ،‬واهلل تعالى دل على ذاته وصفاته‬
‫وكيفية تدبيره للعالم على الوجه الذي ألفوه من ملوكهم‪ ،‬واستقر في قلوبهم‬
‫تنبيها على عظمته وكمال قدرته‪ ،‬وذلك مشروط بنفي التشبيه‪ ،‬ويشهد بذلك‬
‫قوله تعالى‪ " :‬ثم استوي على العرش يدبر األمر" ( يونس‪) 3،‬‬

‫‪373‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وختم الشيخ مكي عرضه للرد على المتشابهات‪ ،‬بإجابة األمين العام‬
‫لمجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬التابع لرابطة العالم اإلسالمي‪ ،‬بمكة المكرمة الشيخ‬
‫الحبيب بن الخوجة‪ ،‬لسؤال الوفد الشادي بمدينة فاس المغرب سنة‬
‫‪1986‬م ونصها‪ " :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬قال تعالى‪" :‬الرحمن على العرش‬
‫استوي " (طه‪ ،) 5،‬هذه اآلية من متشابه القرآن‪ ،‬وقد تكلم عليها علماء‬
‫المسلمين كثيرا‪ ،‬وورد عن مالك بشأنها‪ :‬أن االستواء معلوم‪ ،‬والكيف مجهول‪،‬‬
‫والسؤال عنه بدعة‪ ،‬وأولت طائفة‪ ،‬االستواء بالسلطان‪ ،‬وسكت السلفيون‪،‬‬
‫شأنهم في آيات الصفات التي يمرون بها‪ ،‬وال يتأولونها‪ ،‬والقول بأن االستواء‪،‬‬
‫عبارة عن الجلوس كفر‪ ،‬ألنه يثبت هلل الحيز والمكان‪ ،‬ويشبهه بغيره‪ ،‬وقد‬
‫ورد عن أهل القعيدة‪ :‬أن اهلل ليس بجوهر وال عرض‪ ،‬وأنه ال يشبهه أحد من‬
‫مخلوقاته‪ ،‬وأن الزمان والمكان من خلقه‪ ،‬فال يمكن بحال‪ ،‬أن يحل القديم‬
‫في الحديث‪ ،‬وكل ما ورد ببالك‪ ،‬فاهلل على خالف ذلك "‪(.‬مكي‪،1988،‬‬
‫‪)149-146‬‬
‫ج‪-‬نشر فقه الطريقة التجانية‪ ،‬وهذا من الميادين التي اشتهر فيها‬
‫الشيخ مكي‪ ،‬وتجسدت أعماله فيها في عدد من الكتب والرسائل والدروس‬
‫والرحالت إلى سادات الطريقة‪ ،‬للتلقي العلمي‪ ،‬وإلى األتباع المريدين‪ ،‬لنشر‬
‫ما اكتسبه من فقه الطريقة التجانية‪ ،‬فال تفوته مناسبة‪ ،‬إال وانتهزها‪ ،‬للتعريف‬
‫بفقه الطريقة التجانية من مصادرها األصلية‪ ،‬حتى عرف باألصولي داخل أتباع‬
‫الطريقة التجانية في شاد والدول المجاورة‪ ،‬ومن أوائل العلماء الذين وقفوا في‬
‫وجه المحرفين‪ ،‬من داخل الطريقة التجانية أوال‪ ،‬ثم الدفاع عنها أمام‬
‫معارضيها من خارجها‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫(‪-)1‬فأول عمل نشره في فقه الطريقة التجانية‪ ،‬هو الدرر السنية في‬
‫شروط وأحكام أوراد الطريقة التجانية‪ ،‬تأليف شيخه محمد سعد بن عبد اهلل‬
‫الرباطابي‪( .‬الرباطابي‪1955،‬م‪)37-4،‬‬
‫يفيد المطلع عليه‪ ،‬بمعرفة األسس التي قامت عليها الطريقة التجانية‬
‫في تزكية النفوس‪ ،‬على بينة من اآلداب اإلسالمية‪ ،‬المنطلقة من الكتاب‬
‫والسنة المرعية‪ ،‬معتمدا في ذلك على مصادر أساسية في فقه الطريقة‬
‫التجانية‪ ،‬مثل‪ :‬كتاب منية المريد‪ ،‬وجواهر المعاني‪ ،‬والرماح‪ ،‬والحصن‬
‫الحصين في األدعية‪.‬‬
‫(‪-)2‬كتاب الصراط المستقيم في الرد على ما نسب للسادة التجانية‬
‫بأن صالة الفاتح أفضل من القرآن الكريم‪ ،‬ضم عدد من الردود على‬
‫مشكالت التصوف في المنطقة منها‪ :‬الرد على أكاذيب المفترين على أهل‬
‫اليقين‪ ،‬لفضيلة العارف باهلل الشيخ محمد الحافظ المصري‪ ،‬ودفاع عن‬
‫التصوف علماء تزكية النفس‪ ،‬وأصفى مناهل الصفا في مشرب خاتم األولياء‬
‫وسيد األصفياء للمحدث الشيخ محمد الحافظ المصري‪ ،‬نشر الشيخ مكي‬
‫هذه األعمال بعد الموافقة التامة من أبني المؤلفين بتاريخ‬
‫‪2012/02/27‬م‪(.‬الرباطابي‪2012،‬م‪)80-46 ،‬‬
‫(‪ -)3‬نشر الشيخ مكي فقه الطريقة التجانية من تأليفه‪ ،‬فكتب كتابه‬
‫اليواقيت والجواهر المضيئة في التعريف بسيدي أحمد التجاني وسيرته‬
‫الرفيعة‪ ،‬وذكر من تولى بعده الخالفة العظمى من ذريته الطاهرة النفيسة إلى‬
‫اآلن‪ ،‬ويليه رسالتان نفيستان‪:‬األولى سراج المريدين في األجوبة عن أسئلة‬
‫المقدم محمد األمين‪ ،‬الثانية طرق المنفعة في األجوبة على أسئلة‬
‫متفرقة‪(.‬مكي‪1993،‬م‪)88-4 ،‬‬

‫‪375‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -2‬جهوده نحو المتطرفين من التجانيين والوهابيين‪:‬‬


‫أ‪-‬قام الشيخ مكي بجهود كبيرة لمواجهة المتطرفين من داخل الطريقة‬
‫التجانية‪ ،‬خاصة شطحات أهل التربية‪ ،‬ومدعي المهدي المنتظر من التجانيين‪،‬‬
‫وذلك في كتابه طريق الهدى والرشاد في التصوف القويم وتاريخ دخول‬
‫اإلسالم والطريقة التجانية في شاد‪ ،‬وبيان دور الطريقة التجانية في نشر الدعوة‬
‫اإلسالمية ومحاربة أهل الشرك واإللحاد‪( ،‬مكي‪،‬ط‪1990 ،1‬م‪)163-3 ،‬‬
‫فحول التربية داخل الطريقة التجانية‪ ،‬رأي الشيخ مكي‪ ،‬على نهج‬
‫شيخه محمد الحافظ المصري‪ ،‬ومفاده أن التربية موجودة في الطريقة‬
‫التجانية‪ ،‬ولكنها ال تتجاوز الورد والوظيفة وهيللة الجمعة‪ ،‬فكل من أخذ‬
‫الطريقة‪ ،‬فقد أخذ سر التربية‪ ،‬وما زاد على ذلك فهو اختياري‪ ،‬وضح ذلك في‬
‫رسالة وجهها الشيخ محمد الحافظ إلى أخيه هارون‪ ،‬سنة ‪1975‬م‪ ،‬تحصل‬
‫الباحث على نسخة منها في خزانة الشيخ مكي في قرية دبدب‪(.‬الحافظ‪،‬‬
‫‪1975‬م‪ ،‬وثيقة)‬
‫ولكن الشيخ مكي ذهب في البحث في الرد على التربية ومدعيها إلى‬
‫أبعد من ذلك‪ ،‬حينما نشر وثيقة من أبناء الشيخ أحمد التجاني‪ ،‬صادرة من‬
‫عين ماضي‪ ،‬بتاريخ السبت ‪ 11‬جمادي الثاني سنة‪1400‬ه‪ ،‬الموافق‬
‫‪1980/04/26‬م‪ ،‬صدرها بإعالم تالمذته بوصول رسالة تبين لهم الحقيقة في‬
‫الطريقة التجانية‪ ،‬وأن الدعاوي األخرى كلها أصبحت هباء منثورا‪ ،‬والرسالة رد‬
‫على سؤال تقدمت به وفود زائرة‪ ،‬وأورد أسماء عدد من أعضائها‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وأما السؤال فهو‪ :‬أن أحد المقدمين قد ادعى بأنه اطلع على الكناش‬
‫المكتوم‪ ،‬وأخذ منه أورادا خصوصية‪ ،‬لم يسبقه أحد إليها‪ ،‬ووضعها منهاجا‪،‬‬
‫وسماها التربية في الطريقة التجانية‪ ،‬فنرجو من سيادتكم أن نفاد عن صحة‬
‫هذا االدعاء؟‬
‫وكان الجواب كما يلي‪ :‬الحمد هلل وبعد‪ ،‬أقول قولي هذا واهلل‬
‫المستعان‪ ،‬إن الكناش المكتوم‪ ،‬هو عندنا في الخلوة التي كان يتعبد فيها‬
‫سيدنا محمد الحبيب بن سيدنا الشيخ أحمد بن محمد التجاني رضي اهلل عنه‬
‫في زاويته‪ ،‬ووضعه بيده بإذن من أبيه‪ ،‬ومحفوظ لصاحبه‪ ،‬وال رآه أحد‪ ،‬وما‬
‫عرف ما هو إلى اآلن‪ ،‬وقد حاول بعض ذرية سيدنا الشيخ أحمد بن محمد‬
‫التجاني رضي اهلل عنه‪ ،‬وهم سيدنا عالل و سيدنا محمد الكبير و سيدنا‬
‫محمود‪ ،‬مجتمعون‪ ،‬أن يطلعوا على ما في الكناش المكتوم‪ ،‬وعندما وصلوا‬
‫لباب الخلوة التي يحفظ فيها الكناش المكتوم‪ ،‬وقبل الدخول خرج إليهم‬
‫مزراق من المنار‪ ،‬ورجعوا‪ ،‬وصارت هذه الرواية معروفة عند أهل عين ماضي‪،‬‬
‫وهذا هو التحقيق‪ ،‬أما كثير من التقوالت عن التربية المشار إليها في هذا‬
‫السؤال‪ ،‬فال أصل لها عندنا‪.‬‬
‫موقع وخاتم على الرسالة‪ :‬التجاني محمد بن سيدنا محمود بن سيدنا‬
‫البشير بن سيدنا محمد الحبيب بن سيدنا أحمد التجاني رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫وختمها بتعليق من الوفد السائل‪ ،‬مفاده‪ :‬أن الدعاوي بأن هذه التربية‪،‬‬
‫مأخوذة من الكناش المكتوم‪ ،‬باطلة كما هو واضح من رد سيدنا أعاله‪ ،‬ونرد‬
‫أيضا لمن يقول من أتباع هذه الدعوى‪ ،‬بأنها أخذت من الحضرة المحمدية‪،‬‬
‫فإن صح ذلك فال ننكره‪ ،‬ذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء‪ ،‬لكن بذلك تكون‬
‫طريقة مستقلة‪ ،‬خاصة بصاحبها ومن اتبعه‪ ،‬وال عالقة لها بالطريقة التجانية‪،‬‬

‫‪377‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وعليه من أخذها من أصحاب الشيخ التجاني رضي اهلل عنه‪ ،‬فيكون قد أخذ‬
‫طريقا على طريق‪ ،‬وبذلك ينسلخ‪ ،‬كما هو مبين في الشروط‪ (.‬كبير‪2014،‬م‬
‫‪)43-42‬‬
‫ويبدو أن تأييد هذه الرسالة لرأي الشيخ مكي لتأصيل التربية في‬
‫الطريقة التجانية‪ ،‬وربطها بمصادرها العقلية والنقلية (كتب الطريقة التجانية‬
‫األساسية )‪ ،‬والمكانية (عين ماضي)‪ ،‬والجسدية(أبناء الشيخ أحمد التجاني)‪،‬‬
‫سنة ‪1980‬م‪ ،‬كان المبرر لزيارات الشيخ مكي المتكررة لعين ماضي وفاس‪،‬‬
‫ومبايعته ألحفاد الشيخ التجاني هناك مباشرة‪ ،‬وتجاوز بعض المدعين من غرب‬
‫أفريقيا‪-‬حسب رأيه‪ ،-‬خاصة أتباع الشيخ إبراهيم الكولخي في شاد‪ ،‬والذين‬
‫ال ترتفع مستوياتهم الثقافية إلى أبعد من ذلك‪ ،‬في فقه الطريقة التجانية‪.‬‬
‫مما جعله ينضم إلى تيار كبير في جميع أنحاء العالم‪ ،‬يسعى إلى وجود‬
‫قيادة موحدة للطريقة التجانية‪ ،‬ويفضل أن تقاد من قبل أحفاد الشيخ التجاني‬
‫من عين ماضي بالجزائر‪ ،‬بالتنسيق مع الزاوية الكبرى في فاس‪ ،‬وقد تحقق‬
‫ذلك في لقاءات عديدة تبنتها الدولة الجزائرية‪ ،‬على غرار الملتقى الدولي‬
‫للتجانيين‪ ،‬المنعقد بالجزائر‪ ،‬في الفترة ما بين ‪2006/11/25-23‬م‪ ،‬وعلى‬
‫جانبه قدم الوفد الشادي برئاسة السيخ مكي عبد اهلل التجاني‪ ،‬البيعة للخليفة‬
‫األعظم لسائر التجانيين في العالم‪ ،‬سيدنا الحاج محمد بن سيدنا محمود بن‬
‫سيدنا محمد البشير بن سيدنا محمد الحبيب بن القطب األكبر والختم‬
‫المحمدي األشهر شيخنا أحمد التجاني الحسني‪ ،‬ونصها‪:‬‬
‫"‪...‬أننا باسم الشاديين عموما والتجانيين خصوصا‪ ،‬نبايع قدوتنا وإمامنا‬
‫وسيدنا وشيخنا ووجهتنا إلى اهلل‪ ،‬السيد السند‪ ،‬والقدوة المعتمد‪ ،‬الخليفة‬
‫المطلق العام لسائر التجانيين‪ ،‬في مشارق األرض ومغاربها‪ ،‬موالنا الشيخ‬

‫‪378‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫محمد بن سيدنا محمود بن سيدنا محمد البشير بن سيدنا محمد الحبيب بن‬
‫خليفة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬على الخصوص والعموم‪ ،‬الشيخ‬
‫األكبر والعلم األشهر‪ ،‬شيخنا أحمد بن محمد التجاني الرباني النور والظهور‪،‬‬
‫سقانا من بحره بأعظم األواني‪ ،‬آمين‪...‬نبايعكم يا سيدنا على السمع والطاعة‪،‬‬
‫واقفين خلفكم في كل سراء وضراء‪ ،‬ونبايعكم على العهد والوعد‪ ،‬وعلى‬
‫الميثاق المأخوذ‪ ،‬أوال على سائر التجانيين‪ ،‬لسيدنا الشيخ األكبر‪ ،‬القطب‬
‫المكتوم رضي اهلل عنه‪ ،‬بما عهد إليه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قد‬
‫بايعناكم على هذه الخالفة العامة للطريقة التجانية "‬
‫حررت البيعة بعين ماض بتارخ ‪/09‬ذي القعدة ‪1427‬ه‪ ،‬الموافق‬
‫‪2006/12/01‬م‪ ،‬ومختوم عليها بختم الشيخ مكي عبد اهلل التجاني‪.‬‬
‫ولكن السؤال الذي يطرح نفسه‪ ،‬ما الذي جعل الشيخ مكي يتجه إلى‬
‫عين ماضي‪ ،‬ويبايع الخالفة التجانية هناك؟ رغم ما عرفنا عنه من اتجاهه نحو‬
‫الشرق‪ ،‬خاصة السودان (أستاذه األساسي البرباطابي)‪ ،‬ومصر من خالل‬
‫احتكاكه بالشيخ محمد الحافظ المصري‪ ،‬وتأثره بمجلة الطريق التجاني‪ ،‬التي‬
‫وجد الباحث مجموعاتها الكاملة في خزانة الشيخ مكي في قرية دبدب؟‬
‫هناك تفسيرات عديدة لهذا الموقف‪:‬األول أن الشيخ مكي استفاد من‬
‫أعمال شيوخه في الشرق‪ ،‬في الرد على الخصوم من الخارج خاصة الوهابية‪،‬‬
‫ولكنه وجد صعوبات عديدة في االستعانة بآراء وأفكار الرباطابي ومحمد‬
‫الحافظ المصري‪ ،‬في معالجة األفكار المطروحة من قبل خصومه في الداخل‪،‬‬
‫خاصة أهل التربية من التجانيين الكولخيين‪ ،‬كما يصفهم الشيخ مكي بأنهم‪:‬‬
‫الزاعمين أن شيخهم إبراهيم الكولخي‪ ،‬صاحب الوقت‪ ،‬وكل من خالفه منقطع‬
‫عن الطريق‪ ،‬ويوهمون الناس‪ ،‬بقولهم من أنكر على ولي زمانه‪ ،‬فكأنما أنكر‬

‫‪379‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫على نبي زمانه‪ ،‬ولديهم أذكار يفرضونها على الناس‪ ،‬زيادة على الورد الالزم‪،‬‬
‫ومن خالفهم يسمونه منكرا‪ ،‬وهذا دأبهم‪ ،‬حتى أن بعضهم تجاسر بجمع‬
‫(‪)96‬ستة وتسعين سندا من أسانيد سيدي بنعمر رضي اهلل عنه‪ ،‬وأحرقها‪،‬‬
‫وأعطى أصحابها سند الشيخ إبراهيم‪ ،‬زاعما أنه السند الصحيح‪ ،‬وما عداه‬
‫غير صحيح‪ ،‬ألنه صاحب الوقت‪(.‬كبير‪2014 ،‬م‪)47‬‬
‫التفسير الثاني التجاه الشيخ مكي نحو الوالء ألسرة التجاني (شجرة‬
‫عين ماضي)‪ ،‬يرجع إلى قناعة لدى الشيخ مكي بسريان سر الشيخ أحمد‬
‫التجاني في أوالده وأحفاده المباشرين‪ ،‬كمسعى منه للتأصيل‪ ،‬وربط الطريقة‬
‫التجانية والتجانيين بالجذور‪ ،‬خاصة شجرة األشراف المباركة‪ ،‬وقطعا منه‬
‫أيضا‪ ،‬إلدعاء أهل التربية في بالده‪ ،‬بقضية ولي الزمان المنسوبة للشيخ‬
‫إبراهيم الكولخي‪ ،‬ومن يتبعه من تجانيي غرب أفريقيا‪ ،‬وقد الحظ الباحث أن‬
‫زاوية الشيخ مكي في أبشة‪ ،‬تكسوها صور الخلفاء السابقين من الشيخ أحمد‬
‫التجاني‪ ،‬إلى اآلن‪ ،‬بالترتيب الذي يخلو من أي دخيل على الشجرة الشريفة‪.‬‬
‫التفسير الثالث أن الشيخ مكي يريد تنظيم الطريقة التجانية‪ ،‬في دولة‬
‫شاد‪ ،‬في خالفة فرعية واحدة‪ ،‬مربوطة بالخالفة العامة في عين ماضي‪ ،‬وقد‬
‫وجد ضالته في إعالن الجزائر‪ ،‬المتبني لعقد لقاءات دولية للتجانيين في‬
‫جميع أنحاء العالم‪ ،‬ويمثل التجانيين في شاد الشيخ مكي نقسه‪ ،‬تحت ما‬
‫سماهم ( األخوة التجانيين المخلصين)‪ ،‬وذكرت في فقرة سابقة صيغة البيعة‬
‫التي وقعها الشيخ مكي عام‪2006‬م‪ ،‬نيابة عن كل التجانيين في شاد‪.‬‬
‫ورغم أن الباحث‪ ،‬لم يجد ما يفيد بتعيين أو ادعاء الشيخ مكي‪ ،‬زعيما‬
‫وحيدا للتجانيين في شاد‪ ،‬إال أن التقارير والزيارات المتبادلة بينه وبين الخليفة‬
‫في عين ماضي‪ ،‬تشير إلى تكليف رسمي‪ ،‬بتمثيل الخالفة العامة للتجانيين‬

‫‪380‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫عين ماضي‪ ،‬للشيخ مكي‪ ،‬في القيام بالدعوة واإلرشاد والتوجيه‪ ،‬على نهج‬
‫القيادة الموجودة في الجزائر‪ ،‬مدعومة بخطوط عريضة من المركز العام في‬
‫عين ماضي‪(.‬كبير‪2014 ،‬م‪)47‬‬
‫ب‪-‬أما تعامله مع المتطرفين من الوهابية في شاد‪ ،‬فكان على أنواع‪،‬‬
‫رجع في جزء منها إلى أعمال شيخه محمد الحافظ المصري‪ ،‬خاصة نشره‬
‫لكتاب رد أكاذيب المفترين على أهل اليقين‪ ،‬وكتابه أصفى مناهل الصفا في‬
‫مشرب خاتم األولياء وسيد األصفياء‪ ،‬وعزز الشيخ مكي ردوده على الوهابية‬
‫بكتابه سبيل السالم في الدفاع عن طريق السادة الصوفية الكرام‪(.‬مكي‬
‫‪1988‬م ‪)149-20‬‬
‫جهوده الخاصة نحو السلطات التقليدية‪ ،‬خاصة سلطان سلطنة دار‬
‫وداي العباسية‪ ،‬والردود على أسئلة الطالب الجامعيين والباحثين العلميين‪:‬‬
‫أ‪-‬قام الشيخ مكي بدور كاتب البالط السلطاني –تقريبا‪ -‬للتأريخ‬
‫لسلطنة دار وداي العباسية‪ ،‬من خالل المصادر القديمة التي توفرت لديه‪،‬‬
‫فصاغ سلسة السالطين منذ تأسيس السلطنة إلى اليوم‪ ،‬وأقنع البالط‬
‫السلطاني بها‪ ،‬وبدأت تأخذ الصفة الرسمية‪ ،‬وما كان أحد يعرف قبل عثور‬
‫الباحث على خزانة الشيخ مكي في أبشة ودبدب بهذه األصول‪ ،‬نظرا لعدم‬
‫ذكر كاتبها في النسخ المصورة قبل ذلك‪.‬‬
‫ب‪-‬أما الردود على أسئلة الطالب الجامعيين والباحثين العلميين‪:‬‬
‫(‪-)1‬فقد وردت إلى الشيخ مكي في بداية سنة ‪1990‬م مجموعة من‬
‫األسئلة متعلقة بالتصوف عامة والطريقة التجانية خاصة‪ ،‬وجهها طالب من‬
‫معهد المعلمين العالي بأنجمينا عاصمة شاد‪ ،‬من بينهم األستاذ‪/‬حبيب عمر‬
‫عبد العزيز‪ ،‬واألستاذ‪/‬أحمد بكر عثمان واألستاذ‪ /‬جمعة القوني بنية‬

‫‪381‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫واألستاذ‪/‬محمد األول حسب النبي واألستاذ‪ /‬عبد الرحمن عبد اهلل‪ ،‬وكانت‬
‫األساس لكتاب طريق الهدى والرشاد‪(،‬مكي‪1990،‬م‪)153-11،‬‬
‫واألسئلة هي‪:‬‬
‫في التعريف بالشيخ سيدي أحمد التجاني رضي اهلل عنه وذكر شيء من‬
‫سيرته؟‬
‫ما هو مذهب الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي اهلل عنه من األئمة‬
‫األربعة؟‬
‫ما هو دور الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي اهلل عنه في المجتمع‬
‫اإلسالمي؟‬
‫ما هو منهج الطريقة التجانية وموقفها من الكتاب والسنة؟‬
‫ما هو دور الطريقة التجانية في نشر الدعوة اإلسالمية؟‬
‫ما هي األوراد الالزمة في الطريقة التجانية التي تحقق نسبة المريد إليها؟‬
‫كيف تمارس هذه الطريقة نشاطها؟‬
‫هل هناك اصطالح عند أهل الطريقة التجانية لتمييز مراتبهم؟‬
‫هل هناك اختالف بين أصحاب الطريقة التجانية والطرق األخرى؟‬
‫بين لنا تاريخ دخول اإلسالم والطريقة التجانية في شاد وأسماء المشايخ‬
‫الذين نشروها أوال في شاد؟‬
‫هل للشيخ أحمد التجاني رضي اهلل عنه أحفاد موجودون اآلن وأين‬
‫مقرهم؟‬
‫كم عدد الزوايا الرئيسية في شاري باقرمي وعدد المقدمين في شاد؟‬
‫هل للطريقة التجانية مصدر دخل مادي؟‬
‫كيف يحتفلون أصحاب الطريقة التجانية بالمولد النبوي الشريف؟‬

‫‪382‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أذكر لنا شيئا من شروط الطريقة التجانية؟‬


‫ورغم األهمية الثقافية ألجوبة الشيخ مكي عن جميع األسئلة الخمسة‬
‫عشر‪ ،‬إال أن اإلجابة عن السؤال العاشر‪ ،‬تتميز بإيرادها لمعلومات نادرة عن‬
‫العلماء واألدباء الشاديين الذين نشروا الطريقة التجانية في ربوع البالد‪ ،‬وقاموا‬
‫بدور الوصل بين منابع الطريقة التجانية في شمال أفريقيا‪ ،‬ومناطق انتشارها في‬
‫غرب ووسط وشرق أفريقيا‪ ،‬من خالل أعمالهم المخطوطة‪ ،‬التي تميزت‬
‫خزانة الشيخ مكي باإلنفراد بها في المنطقة‪ ،‬مما جعل الباحثين عن الثقافة‬
‫العربية‪ ،‬يعتمدون على ما أورده الشيخ مكي من معلومات‪ ،‬فيما كتب عن‬
‫الثقافة العربية في شاد عامة‪ ،‬واألدب العربي ورواده بشكل خاص‪.‬‬
‫وقد اشتملت اإلجابة عن هذا السؤال العاشر‪ ،‬الصفحات (‪-91‬‬
‫‪ )125‬أورد فيها‪ ،‬ترجمات متميزة ونادرة‪ ،‬لمجموعة من العلماء‪ ،‬كان غرضه‬
‫األساس أن يشير إلى دورهم في نشر الطريقة التجانية في األراضي الشادية‪،‬‬
‫خاصة مدى قرب سندهم من مؤسس الطريقة التجانية‪ ،‬ولكن عرضه شمل‪،‬‬
‫بطريقة غير مباشرة –وأعتقد – أنها غير مقصودة‪ ،‬اإلشارة إلى جزء من‬
‫إنتاجهم األدبي والثقافي‪ ،‬ونظرا لندرة المعلومات عن هؤالء األعالم في‬
‫المجاالت األدبية والتاريخية والثقافية‪ ،‬فقد شكل ما أورده من معلومات‪ ،‬مادة‬
‫خصبة للباحثين الجامعيين‪.‬‬
‫ومن العلماء الذين أشار إليهم الشيخ مكي في ثنايا عرضه‪ ،‬ولهم أعمال‬
‫أدبية وثقافية الشيخ أحمد الحبوه‪ ،‬فذكر مكان ميالده وحدده بالكيلومتر‪،‬‬
‫وأشار إلى منظومته النفيسة المسماة بضراعة الملهوف‪ ،‬وأورد مطلعها‪:‬‬
‫والشكر هلل الرءوف ذي الكرم‬ ‫الحمد هلل اللطيف ذي الكرم‬
‫ثم صالة اهلل ربي والسالم على النبي محمد نور الظالم‬

‫‪383‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫من شبهوا بأنجم بين الظلم‬ ‫وآله وصحبه ذوي الكرم‬


‫ويذكر أنها منظومة طويلة في أكثر من ‪200‬بيت‪،‬ثم أثبت مكان وفاته‬
‫بقريته‪ ،‬وأن قبره يزار‪.‬‬
‫وترجم أيضا للشيخ يعقوب أبو كويسة‪ ،‬فحدد مكان ميالده ووفاته بقرية‬
‫ترجم‪ ،‬وأشار إلى بعض أعماله‪ ،‬خاصة مرثيته لوالده المشهورة‪ ،‬ومطلعها‪:‬‬
‫ولكن أهله ربحوا تجـ ـ ـ ــارا‬ ‫أال يا قوم أن الصـ ـ ـ ـبر مـ ـ ـ ــر‬
‫لفقدي سيدي علم الخيارا‬ ‫بكت عيني وحق لها بكاها‬
‫وأتبعه بسيرة الشيخ طاهر بن التلب الحيمادي‪ ،‬ورغم أنه لم يورد من‬
‫أعماله األدبية‪ ،‬وال نموذجا واحدا‪ ،‬مع العلم بوجود مخطوطات من قصائده‬
‫تصلح ألن تجمع في ديوان كامل‪ ،‬إال أن ما وثقه من سيرته يدعم المعلومات‬
‫القليلة عن حياته‪.‬‬
‫وانفرد الشيخ مكي بذكر معلومات هامة عن الشيخ عبد الحميد بن أبي‬
‫بكر الراشدي‪ ،‬وأشار بوضوح في صفحة(‪ ،)110‬أن لديه أعماال بخط يد‬
‫الشيخ عبد الحميد الراشدي السابق‪ ،‬وهي للشيخ عمر الفوتي من علماء‬
‫غرب أفريقيا‪ ،‬مما يدل على اتصاالت لعلماء شاد باألوساط العلمية في هذه‬
‫األنحاء‪ ،‬مما يجعل الشيخ مكي‪ ،‬يمثل حلقة وصل هام‪ ،‬بين علماء غرب‬
‫أفريقيا ووسطها وشرقها وشمالها‪ ،‬المقر األصلي للطريقة التجانية‪.‬‬
‫وظهرت مساهمات الشيخ مكي في الحياة الثقافية واألدبية في ترجمته‬
‫النيرة للشيخ محمد نبراس آدم المشهور بأبي رأس‪ ،‬كناية عن متانة حفظه‬
‫للعلوم‪ ،‬وذلك من خالل اإلشارات التي أوردها تالميذه‪ ،‬مثل مرثية الشيخ عبد‬
‫الحق السنوسي الترجمي له‪ ،‬ومطلعها‪:‬‬
‫يبكي لفرقة أحبابي وجـ ـ ـ ـ ـ ــالسي‬ ‫أضحى مريضا فؤادي ناكس الرأس‬

‫‪384‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫عيني‬ ‫عن‬ ‫النوم‬ ‫شتت الحاجات من أملي وشتت‬ ‫تشتيتهم‬


‫بإخالصي‬
‫إلى أن يقول‪:‬‬
‫ناعي إمام الهدى محمد نب ـ ـراس‬ ‫وهاج بلبل أشجاني على شجـ ـ ـ ـن‬
‫وتلك حجتنا في كوكب البـ ـ ـ ـاس‬ ‫فوا لشمس هدى من أفقها أفلت‬
‫سقاه من عين خضر خير غراس‬ ‫كأن في صدره بستان مع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرفة‬
‫وأفرد الشيخ مكي فسحة من كتابه لإلشارة إلى الشيخ عبد الحق‬
‫السنوسي الترجمي‪ ،‬خاصة سرد جزء من حياته األدبية بالتمثيل بقصيدته النونبة‬
‫الكبرى‪ ،‬ومطلعها‪.‬‬
‫واروي الحديث لهم عن الجدران‬ ‫سائل ديار أبشـ ـ ـ ـة عن جيـ ـ ـ ـران‬
‫نقضي لبان ـ ـ ـ ـ ـات الفؤاد العـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاني‬ ‫وأطل وقوفك لي برمل أمكامل‬
‫إلى أن يقول‪:‬‬
‫نبكي ليالي يوسف السلطان‬ ‫وامرر على السوق القديم وقف بنا‬
‫أيام كان اللهو ديني والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهوى شغلي وال لي الئم أو شان‬
‫ونقل عن األديب محمد الحافظ أبكر‪ ،‬بأن للشيخ عبد الحق السنوسي‬
‫الترجمي‪ ،‬ديوان في المدائح‪ ،‬يحتوي على اثنين وسبعين قصيدة وهو الوحيد‪،‬‬
‫من أصحاب التراجم‪ ،‬الذين ذكرهم الشيخ مكي‪ ،‬الذي حدد تاريخ وفاته‬
‫بسنة ‪1336‬ه‪.‬‬
‫ثم ترجم للشيخ محمد حلو بن آدم‪ ،‬وهو الوحيد من بين من ترجم‬
‫لهم‪ ،‬حدد تاريخ ميالده‪ ،‬بسنة ‪1864‬م بقرية منواشي‪ ،‬وأشار إلى أعماله‬
‫العلمية واألدبية‪ ،‬منها منظومته الطويلة‪ ،‬ومطلعها‪:‬‬
‫ال خير في نوم وحب سعاد‬ ‫ذهبت سعاد بنومتي ورقادي‬

‫‪385‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وهي قصيدة تبلغ نحو ‪100‬بيت‪ ،‬وكذلك مرثيته ألستاذه أبوراس‪،‬‬


‫ومطلعها‪:‬‬
‫لمن في األرض ليس له ثناء‬ ‫بكت عيني وحق لها البك ـ ـاء‬
‫أخي حقا وصدقا ال م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراء‬ ‫لفقدي سيدي سندي حبيبي‬
‫إلى أن قال‪:‬‬
‫ومختصر البخاري والشفاء‬ ‫ويبكيه المحيط بكل صوت‬
‫وكوكب والعقود لها القف ـاء‬ ‫وكافية الخالصة والفريـ ـ ـ ـ ـدة‬
‫(‪-)2‬وقد عثر الباحث في خزانة مخطوطات الشيخ مكي بقرية دبدب‪،‬‬
‫على رسالة خطية من الباحث محمد مدني فضل طالب في مرحلة الدكتوراة‬
‫في األدب العربي‪ ،‬يطلب من الشيخ مكي عبد اهلل التجاني‪ ،‬اإلجابة عن‬
‫مجموعة من األسئلة الخاصة بأدباء من شاد‪ ،‬ظنا منه أن الشيخ مكي‪ ،‬من‬
‫أكثر المؤهلين للكتابة عن العلماء واألدباء في شاد‪ ،‬نظرا لما تتوفر لديه من‬
‫مصادر وخبرات بالعلم والعلماء في هذه المنطقة‪ (.‬فضل‪ ،‬غرة محرم‬
‫‪1421‬ه‪ ،‬الموافق ‪2000/04/06‬م‪ ،‬أربع صفحات)‬
‫بدأها بالبسملة والحمدلة والصالة والسالم على النبي وآله وصحبه‬
‫األعالم‪ ،‬فقال‪ " :‬فضيلة شيخنا الجليل الهمام المحقق النحرير الحاج مكي‬
‫عبد اهلل التجاني‪ ،‬حفظه اهلل ورعاه‪ ،‬وسدد في الدارين خطاه‪ ،‬وأبقاه ذخرا‬
‫للمسلمين ومرجعا لطالب العلم والباحثين‪ ..‬وبعد‪:‬‬
‫فلقد تشرفت باالطالع على مصنفكم القيم‪ ،‬الموسوم بطريق الهدى‬
‫والرشاد في التصوف القويم وتاريخ دخول اإلسالم والطريقة التجانية في شاد‪،‬‬
‫فوجدته فريدا في مجاله رائعا في فنه محييا لما أندرس من العلم‪ ،‬انتظمت فيه‬
‫الحجج وتألألت فيه الدرر اللوامع‪ ،‬فقد صغر حجما وعظم معنى وجوهرا‪ ،‬مع‬

‫‪386‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫إبداع في التنسيق وطرافة في االختيار‪ ،‬وقديما قيل اختيار الرجل نصف عقله‪،‬‬
‫وقد استفدت منه فوائد عظمى في بحثي عن األدب العربي الشادي في منطقة‬
‫وداي الذي أنوي التقدم به للحصول على درجة دكتوراة الحلقة الثالثة من‬
‫جامعة الملك فيصل بأنجمينا‪ ،‬فوجدت فيه معلومات جمة وفريدة‪ ،‬وكشف لي‬
‫عن علم غزير وافر آثركم اهلل به في هذا المجال‪.‬‬
‫مما يشجعني اآلن على التوجه صوبكم طالبا أن تتكرم فضيلتكم‬
‫وتتفضل بكتابة ثبت آخر من علمكم الغزير عن الحياة العلمية وأخبار العلماء‬
‫والشيوخ األفاضل األجالء في مملكة وداي منذ نشأتها إلى سنة ‪1960‬م عام‬
‫استقالل بالدنا من االستعمار البغيض بما يبرز الصورة المشرقة المشرفة‬
‫لمملكة وداي اإلسالمية‪ ،‬ويدفعني لإللحاح على هذا الطلب ما لمسته من‬
‫غزارة العلم وأصالة المعرفة في هذه المملكة أثناء بحثي‪ ،‬ومع إن األدلة‬
‫شاهدة والشواهد دامغة إال أنه لم يكتب عنها بما يوفيها حقها ويبرزها بما‬
‫يليق برفيع مكانها وعلو شأنها‪.‬‬
‫ومع إن هدفي‪ -‬الذي اعتبره هامشيا اآلن –هو االستفادة من هذه‬
‫المعلومات في البحث المشار إليه آنفا‪ ،‬إال أني أرغب أن يؤدي عملكم‬
‫الجليل إلى تسجيل مآثر أجدادنا األماجد وصون تراثهم النبيل عن الضياع‬
‫واالندثار‪ ،‬فجيلكم المبارك نهل من علماء تتلمذوا على شيوخ فطاحل ممن‬
‫أعدموا في مجزرة الكبكب الرهيبة التي نصبها المستعمر الفرنسي الحاقد‬
‫للعلماء‪ ،‬فأنتم الحلقة الوحيدة الباقية لتسجيل مآثر هؤالء العلماء األفذاذ في‬
‫مملكة وداي اإلسالمية وبيان جهودهم ومكانتهم ومساهماتهم في تطوير‬
‫المملكة وازدهارها‪ ،‬بما وصل إليكم من أخبار ونقل لكم من أنباء‪ ،‬ربما تكون‬

‫‪387‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫معرضة للضياع –ال سمح اهلل – إن لم يتداركها الخط والتقييد‪ ،‬راجيا أن‬
‫تضمن اإلجابة ما يلي‪:‬‬
‫ما هي مراكز اإلشعاع العلمي في مملكة وداي مع تعريف كل مركز‪،‬‬
‫وعلمائه المشاهير‪ ،‬وأبرز الذين تلقوا العلم فيه‪.‬‬
‫ما هي المناطق والشيوخ والعلماء الذين كانوا مقصدا لطالب العلم في‬
‫وداي‪ ،‬وأرجو أن يحوي ذلك المناطق العلمية في الممالك اإلسالمية الشادية‬
‫والمراكز اإلسالمية األخرى في شتى أنحاء العالم اإلسالمي‪ ،‬مع ذكر نماذج‬
‫من علماء وداي الذين درسوا في تلك المناطق وجابوا اآلفاق للتزود بالعلم‪،‬‬
‫ومن هم أبرز شيوخهم في تلك المناطق‪.‬‬
‫ذكر أسماء العلماء وأنسابهم وأزمانهم ومشايخهم وتالميذهم وجهودهم‬
‫في مجال التعليم والتربية والتوجيه‪.‬‬
‫ذكر آثارهم العلمية ومؤلفاتهم ومصنفاتهم في شتى الفنون نثرا ونظما‬
‫مع إثبات فقرات من فواتح وخواتم هذه اآلثار والمؤلفات التي اطلعتم عليها‪،‬‬
‫أو سمعتم عنها‪ ،‬مع ذكر أشهر الذين نبغوا في بعض الفنون‪.‬‬
‫بيان الشعراء واألدباء مع إيراد قصائدهم وأخبارهم‪.‬‬
‫ما هي مكانة العلماء في مملكة وداي لدى السالطين المملكة‬
‫وحاشيتهم‪ ،‬ولدى الشعب عامة مع تدعيم ذلك بأخبار حية من واقع تلك‬
‫الفترة‪.‬‬
‫التطرق إلى الوظائف والوظائف التي توكل للعلماء في حالة السلم‬
‫والحرب وعادات العلماء في المناسبات الدينية والسياسية‪ ،‬ومدى مساهمتهم‬
‫في تسيير شؤون المملكة‪ ،‬وما هي المصادر التي يتعيشون منها‪.‬‬
‫ما ألقاب الدرجات العلمية واإلجازات التي تمنح للمتدرجين في العلم‪.‬‬

‫‪388‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫التحدث عن صناعة الكتابة في المملكة من ناحية أدواتها‪ ،‬وهل‬


‫أصبحت مهنة‪ ،‬وأبرز المشهورين بذلك‪ ،‬وهل هناك مصادر أخرى تجلب منها‬
‫الكتب‪ ،‬وما هي المؤلفات المشهورة والمستخدمة في التدريس في دار وداي‬
‫في تلك الفترة في شتى الفنون‪.‬‬
‫وغير ذلك مما ترونه بثاقب فكركم ضروريا في هذا المجال‪،‬‬
‫ولفضيلتكم بالطبع ترتيب األجوبة على النسق الذي ترونه مناسبا‪ ،‬وأرجو أن‬
‫تتمكنوا من اقتطاع جزء من وقتكم الثمين والمشحون بجليل األعمال‬
‫لالستفاضة حول هذا الجانب الحيوي حتى تقف األجيال الحاضرة والالحقة‬
‫عن هذا الماضي المشرق الذي اجتهد االستعمار في طمسه وتشويهه‪ ،‬وبهذا‬
‫تكونوا قد ساهمتم في إنارة الطريق لتكون نهضتنا مبنية على جذورنا المتينة‪،‬‬
‫ويسلك الالحق خطى السابق معتزا به ومفاخرا‪ (.".‬فضل‪ ،‬غرة محرم‬
‫‪1421‬ه‪ ،‬الموافق ‪2000/04/06‬م‪ ،‬أربع صفحات)‬

‫وهذه هي الصفحة األخيرة من رسالة مدني إلستفادة من خزانة الشيخ‬


‫مكي‬

‫‪389‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪390‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫(‪-)3‬وهذا نموذج آخر لالستفادة من الشيخ مكي‪ ،‬متجسدا في بعض‬


‫الرسائل العلمية للماجستير والدكتورة‪ ،‬المودعة فقط بمركز البحوث‬
‫والدراسات األفريقية والترجمة‪ ،‬في الفترة الممتدة مابين(‪20011-2004‬م)‬
‫هناك (‪)100‬من الطالب‪ ،‬استفادة من أعمال الشيخ مكي‪ ،‬توجد في‬
‫عينة صغيرة من أبحاث الباحثين الجامعيين‪ ،‬في الفترة ما بين (‪-2004‬‬
‫‪2011‬م)فقط‪ ،‬توجد نسخ منها في مركز البحوث والدراسات األفريقية‬
‫بجامعة الملك فيصل بشاد‪ ،‬وشمل المسح (‪ ) 8‬أبحاث‪ ،‬بنسبة استفادة‬
‫وصلت إلى (‪ )%8‬في كل بحث‪ ،‬رغم التفاوت الواضح في االستفادة من‬
‫بحث إلى آخر‪ ،‬حسب النسب المشار إليها في الجدول أمام كل بحث‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة بأن االستفادة لم تتوقف عند درجة الماجستير فقط‪ ،‬بل‬
‫وصلت إلى الدكتوراة‪ ،‬ولم تتوقف على الجامعات الشادية‪ ،‬بل تعدتها إلى‬
‫الجامعات والبلدان األخرى‪ ،‬وكذلك لم تتوقف عند األدب العربي الشادي‪،‬‬
‫بل تجاوزته إلى الحضارة في سلطنة دار وداي العباسية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬تزكيته الروحية في خدمة مجتمعه المحلي‬
‫تتميز حياة الشيخ مكي‪ ،‬بسيادة التزكية الروحية عليها‪ ،‬فتعليمه لتقليدي‬
‫لعلوم الدين في الداخل والخارج‪ ،‬أشبعه بروح صوفية‪ ،‬رفعت من روحه‬
‫التي أعطاها‬ ‫المعنوية‪ ،‬وجعلت همته تسمو على المتطلبات الدنيوية‪،‬‬
‫المتعلمون في النظام الحديث جل اهتمامهم‪ ،‬ولكنها لم تغنهم عن الرجوع‪،‬‬
‫إلى عالم تقليدي في أبحاثهم في المؤسسات الحديثة‪ ،‬وأتاح له علو همته‬
‫الصوفية أن ينشر المعارف شفويا وكتابيا‪ ،‬بصورة تفوق معظم أنداده في القرى‪،‬‬
‫بل حاول منازلة أهل الحضر‪ ،‬في المسائل العلمية والثقافية‪ ،‬المعروضة في‬
‫الساحة الوطنية والعلمية‪ ،‬خاصة مناهضة الدعوات المتطرفة من التربية من‬

‫‪391‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫داخل الطريقة التجانية‪ ،‬أو مواجهة هجمات المتطرفين الوهابيين القادمين من‬
‫الخارج‪.‬‬
‫فلم تكن تزكيته الروحية‪ ،‬تتوقف عند الذكر والخلوة‪ ،‬بل سعى بكل‬
‫همة‪ ،‬إلى خدمة مجتمعه المحلي‪ ،‬ومنه انطلق إلى اآلفاق الرحبة‪ ،‬يبحث عن‬
‫من ينمي روحه من السادة الصوفية‪ ،‬ثم أخذ على عاتقه خدمة مجتمعه‬
‫القريب‪ ،‬وتوسع بالتدريج‪ ،‬فربط نشاطه الروحي والثقافي بالتيارات الفكرية‬
‫المعاصرة له‪ ،‬وبدأ بتوجيه من الخالفة العامة للطريقة التجانية‪ ،‬بقيادة أحفاد‬
‫الشيخ أحمد التجاني بمسقط رأسه مدينة عين ماضي بالجزائر‪ ،‬في القيام‬
‫بجوالت تعليمية وروحية وتربوية واجتماعية‪ ،‬يحل فيها المشكالت التي‬
‫تعترض أتباع الطريقة التجانية في مختلف األقاليم الشادية‪.‬‬
‫وسنحاول أن نعرض لنموذج واحد من الخدمات التي يقدمها الشيخ‬
‫مكي لمجتمعه المحلي‪ ،‬مع العلم أن خدمات الشيخ مكي تنطلق من ثالثة‬
‫مراكز أو زوايا هي‪ :‬مركز قرية دبدب مسقط رأس الشيخ ومثواه‪ ،‬ومركز أم‬
‫حجر‪ ،‬وهي المدينة التي يتبع لها المركز األول في قرية دبدب‪ ،‬وأخيرا مركز‬
‫مدينة أبشة‪ ،‬الذي يبعد قليال عن مسقط رأس الشيخ مكي‪ ،‬ولكن وجود مقر‬
‫سلطان سلطنة دار وداي العباسية في هذه المدينة‪ ،‬والعناية التي وجدها‬
‫الشيخ مكي من السالطين المتعاقبين على السلطنة‪ ،‬أعطى لمركزه وزاويته فيها‬
‫مكانة خاصة‪.‬‬
‫بدأ الشيخ مكي خدماته التربوية والتثقيفية في هذه الرحلة‪ ،‬من مركزه‬
‫في مدينة أمحجر‪ ،‬بتاريخ ‪ 28‬صفر‪1421‬ه‪ ،‬وكان في صحبته كل من‪:‬‬
‫الشيخ إبراهيم عنبر‪ ،‬والقوني خميس الضي‪ ،‬مرورا بالمدن والقرى التالية‪:‬‬
‫"مقرن"‪" ،‬أمدم"‪" ،‬حجير إبيض"‪" ،‬وعبدي"‪" ،‬أمجداول"‪" ،‬دور كومون"‪،‬‬

‫‪392‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫"أمدقيق"‪ ،‬قرية "بارك اهلل"‪ " ،‬خلوة دار السالم لتحفيظ القرآن الكريم"‪،‬‬
‫"بيضة " السودانية‪" ،‬قوز بيضا" بدار سال‪" ،‬مدوهينه"‪" ،‬جبلين"‪ ،‬و"أديه"‪.،‬‬
‫وفي مدينة عبدي‪ ،‬طلب منه اإلخوان أن يشرح لهم كتاب الياقوتة‬
‫الفريدة في فقه الطريقة التجانية للشيخ محمد النظيفي‪ ،‬فشرحها لهم شرحا‬
‫وافيا‪ ،‬استفاد منه الناس فائدة كبيرة‪ ،‬مما أدي بملك منطقة عبدي كلها‪،‬‬
‫الملك عبيد دودين‪ ،‬أن يطلب من الشيخ مكي‪ ،‬أن يرشد شعبه لما فيه صالح‬
‫دينهم ودنياهم‪ ،‬فقسم الملك المذكور‪ ،‬دائرة مملكته إلى أربعة أجزاء‪ ،‬وأمر‬
‫الخلفاء أن ينبهوا أهل القرى‪ ،‬أن يتجمعوا في أقرب منطقة لهم‪.‬‬
‫فبدأ الشيخ مكي خدماته‪ ،‬بالجزء األول‪ ،‬المتمثل في منطقة‬
‫"أمجداول"‪ ،‬بعد أن زود الملك الشيخ مكي ورفاقه‪ ،‬بشرطيين مسلحين‬
‫بالبنادق‪ ،‬لتنظيم الزوار‪ ،‬من ناحية‪ ،‬ولألمن من النهب المسلح‪ ،‬من ناحية‬
‫أخرى‪ ،‬فباتوا ب "امجداول" يوما كامال‪ ،‬استقبلهم فيه اإلخوان على مسافات‬
‫تربو على الكيلو متر ونصف‪ ،‬وهم ينشدون القصائد النبوية‪ ،‬وتضمن برنامج‬
‫خدمات الشيخ مكي في "أم جداول"‪ ،‬لقاءات بالمواطنين واإلخوان‪ ،‬عرض‬
‫فيها الشيخ مكي سيرة الشيخ أحمد التجاني‪ ،‬وشروط الدخول إلى الطريقة‬
‫التجانية‪ ،‬فأخذ الطريقة على يديه جمع كبير‪ ،‬وجدد العهود لعدد من اإلخوان‬
‫التجانيين في المنطقة‪ ،‬وأحييت الليلة بمديح المصطفى صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن "أمجداول"‪ ،‬انتقل وفد الشيخ مكي إلى الجزء الثاني‪ ،‬وهو منطقة‬
‫"دور كومون"‪ ،‬فمكث معهم يوما كامال‪ ،‬اجتمع له فيها السكان من القرى‬
‫القريبة والبعيدة‪ ،‬حتى قرية "عالشة "التابعة لمحافظة أدري‪ ،‬قام الشيخ فيها‬
‫بشرح فقه الطريقة التجانية‪ ،‬فدخل جمع من الناس في الطريقة وجدد آلخرين‪.‬‬

‫‪393‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وغادرها متجها نحو قرية "أمدقيق"‪ ،‬وهي الجزء الثالث من أراضي‬


‫الملك المذكور‪ ،‬فبات بها ليلة كاملة واستقبله فيها اإلخوان في تجمع كبير‪،‬‬
‫حتى ضاق بهم المكان‪ ،‬فبنوا للشيخ مكي مكانا خارج القرية من كثرة‬
‫االزدحام‪ ،‬فأقيمت لهم محاضرات شملت قواعد اإلسالم‪ ،‬وجزء من فقه‬
‫الطريقة التجانية‪ ،‬ثم عرض عليهم شروطها‪ ،‬فأخذ الطريقة على يديه جمع‬
‫غفير‪ ،‬وجدد الطريقة لمثلهم‪ ،‬ثم غادرها متجها نحو قرية "بارك اهلل"‪ ،‬فوصلها‬
‫وأدى فيها صالة الجمعة‪ ،‬وأقام لهم محاضرة وجيزة‪ ،‬حاثا فيها على أفعال‬
‫الخير‪ ،‬وبعدها عرض عليهم شروط الطريقة التجانية‪ ،‬لمن يرغب الدخول‬
‫فيها‪ ،‬فسلك اإلخوان في الطريقة‪ ،‬وجدد العهد لمن أراد‪.‬‬
‫ومنها اتجه الشيخ مكي إلى "خلوة دار السالم لتحفيظ القرآن‬
‫الكريم"‪ ،‬وهي الجزء الرابع من أراضي الملك المذكور‪ ،‬وفي الطريق ظهر‬
‫للوفد قطاع الطرق والنهب المسلح‪ ،‬من غابة على الطريق‪ ،‬راكبين على خيول‬
‫وجمال‪ ،‬فواجههم عساكر الحراسة المرافقين لوفد الشيخ بالسالح‪ ،‬فأبوا‬
‫المواجهة وانسحبوا بالذلة والمسكنة‪ ،‬وأعلنوا أنهم لم يقصدوهم بالسوء أبدا‪،‬‬
‫ثم انصرفوا عن الطريق ومر الوفد بسالم إلى أن وصل إلى الخلوة في العصر‪،‬‬
‫فذكر مع اإلخوان فيها هيللة عصر الجمعة ألفا فصاعدا‪ ،‬وهذا إقرار منه لنقطة‬
‫خالف داخل الطريقة‪ ،‬مفادها‪ :‬أنه يمكن االكتفاء بأي عدد لهيللة الجمعة‬
‫جماعة‪ ،‬بينما الشيخ مكي يأخذ برأي زاوية عين ماضي في هذه المسألة‪،‬‬
‫فجاءته وفود من جهات متعددة‪ ،‬فألقى لهم الشيخ محاضرات قيمة‪ ،‬وذكرهم‬
‫بأمر دينهم ودنياهم‪ ،‬ثم شرح لهم شروط الدخول في الطريقة التجانية‪،‬‬
‫فدخلت على يديه أعداد كبيرة‪ ،‬وجدد العهد لمثلها‪ ،‬وهنا انتهت أجزاء مملكة‬
‫الملك عبيد دودين المذكور‪.‬‬

‫‪394‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وفي نهايتها وجد سيارة متجهة إلى اإلخوان في "بيضة " السودانية‪،‬‬
‫فوصلها واستقبله المقدم في الطريقة التجانية الفقيه الحاج‪ /‬محمد على بركة‬
‫رئيس اللجنة التجانية هناك‪ ،‬فظل الشيخ مكي معهم ثالثة أيام يرشد ويوجه‬
‫اإلخوان التجانيين في المناطق الحدودية‪ ،‬التي تتميز التجمعات االجتماعية‬
‫فيها‪ ،‬بأنها عابرة للحدود الجغرافية للدول الحديثة‪ ،‬ختم هذه الزيارة لمدينة‬
‫"بيضة " بمحاضرة شاملة‪ ،‬شارك فيها كل من فضيلة الشيخ بحر الدين رحمة‬
‫األمين العم للجنة التجانية بالجنينة السودانية‪ ،‬وفضيلة الشيخ الحاج إبراهيم‬
‫عنبر عضو لجنة الفقه والعقيدة بالمجلس األعلى للشؤون اإلسالمية بأبشة‬
‫محافظة سلطنة دار وداي‪.‬‬
‫وفي مدينة "بيضة"‪ ،‬تم التنسيق مع خليفة السلطان سعيد على كتابة‬
‫وثائق للمسؤولين للمناطق التابعة لدار سال‪ ،‬بأن يقوموا بكل همتهم للعناية‬
‫بزيارة الشيخ مكي لدار سال‪ ،‬وذلك بمساهمة أعضاء المجالس اإلسالمية‬
‫الفرعية بدار سال‪ ،‬وذكر باالسم الفقيه‪ /‬محمد نافع‪ ،‬والفقيه الحافظ محمد‬
‫بركة حبيب‪ ،‬فوصل الشيخ مكي إلى مركز "أديه"‪ ،‬فتجمع التجانيون‪ ،‬وشرح‬
‫لهم الشيخ مكي كتب السادة التجانية‪ ،‬خاصة مؤلفات ابن بابا‪ ،‬فبدأ لهم‬
‫الدروس بمنزل‪ ،‬فضاق بهم المنزل‪ ،‬فنقل الدرس إلى رحاب المسجد العتيق‪،‬‬
‫وختم فيها أيضا كتاب منية المريد‪.‬‬
‫وفي ختام الكتب‪ ،‬أقام الشيخ مكي محاضرة‪ ،‬بين فيها الكثير من سيرة‬
‫الشيخ أحمد التجاني‪ ،‬وأجلى لهم ما كان خافيا منها‪ ،‬وحث الجميع على‬
‫الترابط والتكاتف والتضامن‪ ،‬وجمع الشمل‪ ،‬ونبذ الخالفات والفتن والتفرقة‬
‫بين خلفاء الشيخ التجاني مع مختلف أسانيدهم ومشاربهم‪ ،‬وجمع الكلمة‬
‫على الحق‪ ،‬تمسكا بقوله تعالى "واعتصموا بحبل اهلل جميعا وال تفرقوا" (آل‬

‫‪395‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫عمران‪ )103،‬وقول المصطفي صلى اهلل عليه وسلم‪ " ،‬المؤمن لمؤمن‬
‫كالبنيان يشد بعضه بعضا" الحديث‪ ،‬وختم الشيخ المحاضرة بوصية سيدي‬
‫الحفيد الشريف عالل بن حميدة‪ ،‬حفيد الشيخ أحمد التجاني‪ ،‬وذكرهم بأن‬
‫رحلته إليهم تمت بأمر من الشيخ عالل بن حميدة‪ ،‬لما علم بخالفات‬
‫التجانيين حول األسانيد‪.‬‬
‫وفي مدينة "قوز بيضا" بدار سال واصل الشيخ مكي خدماته الدعوية‪،‬‬
‫وذلك بمساعدة الشيخ الحافظ محمد بركة‪ ،‬حيث تطرق في محاضراته لجزء‬
‫من سيرة الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ووصايا إسالمية عامة‪ ،‬وبعد أداء‬
‫فريضة الجمعة في المسجد العتيق‪ ،‬ألقى الشيخ مكي كلمة‪ ،‬وضح فيها‬
‫فضائل الطريقة التجانية‪ ،‬وحضهم على االعتصام بحبل اهلل المتين‪ ،‬وعدم‬
‫التفرقة بين خلفاء الشيخ التجاني ومقدميه‪ ،‬باختالف أسانيدهم‪ ،‬فكلهم من‬
‫مشرب واحد‪ ،‬وأيدهم أيادي تنوب عن الشيخ أحمد التجاني‪ ،‬والكل تالميذ‬
‫له‪ ،‬وتحت إمرته‪ ،‬وذكر الجميع هيللة الجمعة في المسجد العتيق‪ ،‬وبعد صالة‬
‫المغرب‪ ،‬استمر الشيخ مكي في محاضرة أخرى‪ ،‬في فقه الطريقة التجانية‪،‬‬
‫وفتح المجال لتقديم األسئلة‪ ،‬واالستفسار عن المسائل الغامضة في الطريقة‬
‫التجانية‪ ،‬فبين ما كان مخفيا من قبل‪ ،‬وصار الكل إخوة أحباء‪ ،‬ال تفاضل‬
‫بينهم أال بالتقوى‪ ،‬وامتثال أوامر الشيخ في الطريقة التجانية‪.‬‬
‫ثم اتجه وفد الشيخ مكي إلى مركز "مدوهينه"‪ ،‬برفقة اإلمام‪/‬سبيل‬
‫عيسى والحاج عثمان محمد زين‪ ،‬فقدم فيها الشروح والتوضيحات حول‬
‫اإلسالم والطريقة التجانية‪.‬‬
‫ثم واصل الشيخ مكي السير حتي وصل إلى قرية "بلديك"‪ ،‬وقاموا فيها‬
‫بالوعظ واإلرشاد‪ ،‬ومنها إلى قرية "كيلوي" فصلوا فيها العصر ووجدوا استقباال‬

‫‪396‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫عظيما من قاطني القرية‪ ،‬حيث اصطف الجميع في الشارع العمومي إلى‬


‫المسجد العتيق‪ ،‬وكذلك إلى محل الضيافة‪ ،‬فألقى عليهم الشيخ مكي كلمات‬
‫حث فيها الجميع على الترابط واالعتصام بحبل اهلل المتين‪ ،‬والوفاء بالعهد‬
‫التجاني‪ ،‬واحترام كل من انتسب للشيخ أجمد التجاني‪ ،‬وأخبرهم بخالصة‬
‫زيارة الحفيد عالل بن حميدة‪.‬‬
‫وفي مدينة "مدوهينه" نزل الشيخ مكي في بيت الملك الحاج‪/‬محمد‬
‫مصطفى بخيت‪ ،‬فأكرم الوفد غاية اإلكرام‪ ،‬وفي الصباح اجتمع اإلخوان من‬
‫جميع الضواحي‪ ،‬فخاطبهم الشيخ مكي خطابا جامعا وضح فيه الغرض من‬
‫زيارته لهم‪ ،‬والمتمثل في حل النزاعات التي وقعت بين األخوة المقدمين في‬
‫الطريقة التجانية ومريديهم في فهم فقه الطريقة التجانية‪ ،‬وهما المقدم‪/‬محمد‬
‫مكي والمقدم‪/‬الفقيه صالح‪ ،‬فبحمد اهلل تعالى تم الصلح بين المقدمين‬
‫المتخاصمين‪ ،‬وقدم الشيخ مكي للجميع وصايا وفتاوي حول المسائل التي‬
‫يختلفون فيها‪ ،‬وبدأ لهم الدرس بكتاب الياقوتة الفريدة في فقه الطريقة‬
‫التجانية‪.‬‬
‫وفي طريق الشيخ مكي من "مدوهينه" إلى "أديه"‪ ،‬توقف عند قرية‬
‫"جبلين" مقدار ساعة ونصف‪ ،‬فتجمع الناس حوله تبركا‪ ،‬فوعظهم وأرشدهم‪،‬‬
‫وعندما وصل إلى مركز "أديه"‪ ،‬وجد الناس متجمعون في انتظاره‪ ،‬خاصة شيخ‬
‫الزاوية التجانية الكبرى ببيضة السودانية‪ ،‬وترافقهم الفرق المدحية ومعهم‬
‫الشباب والشيوخ يهللون ويكبرون وينشدون األناشيد الدينية والقصائد النبوية‬
‫والتجانية‪(.‬حبيب‪)10-1 ،2000،‬‬
‫استغرقت هذه الرحلة الدينية من الشيخ مكي حوالي ‪ 24‬يوما‪ ،‬من‬
‫العمل المتواصل في الشرح والتوضيح‪ ،‬غطت الكثير من المدن والقرى‪،‬‬

‫‪397‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أحصى فيها مرافقيه حوالي (‪ )1873‬إذن بسند الشيخ مكي في الدخول في‬
‫الطريقة التجانية‪ ،‬وذكروا أنه يصعب عليهم حصر حاالت تجديد العهد في‬
‫الطريقة التجانية التي منحها الشيخ مكي في هذه الرحلة من كثرتها‪ ،‬وعدم‬
‫وجود الحاجة لسند مكتوب للتجديد‪ ،‬مهما اختلف المقدمون الذين منحوا‬
‫اإلذن بالدخول للمريد أول مرة‪ ،‬وهذا اتجاه تسامحي في الطريقة التجانية‪،‬‬
‫سنه الشيخ مكي‪ ،‬شاع لدى بعض المقدمين في الطريقة التجانية المتعصبين‬
‫عدم صحته‪ ،‬ولكن تأصيل الشيخ لهذا المبدأ ساهم في وحدة الطريقة‬
‫التجانية‪ ،‬مهما اختلف مقدميها‪ ،‬وبعدت مسافاتهم‪ ،‬وهذا يدل على انفتاحه‬
‫وتجاوزه‪ ،‬لنقاط الخالف الداخلية‪ ،‬بين المقدمين في الطريقة التجانية في‬
‫بعض المناطق الشادية‪ ،‬مما أثار الكثير من الخالفات‪ ،‬كما هو واضح في‬
‫إشارات الشيخ مكي في هذه الرحلة‪ ،‬وفي أبعد المناطق عن مصادر معرفة‬
‫فقه الطريقة التجانية‪.‬‬

‫‪398‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬الخالصة‬
‫فإذا اعتبرنا أن ناتج خدمات المجتمع للشيخ مكي في كل منطقة مر‬
‫بها في هذه الرحلة فقط‪ ،‬وهي (‪ )14‬منطقة مذكورة باالسم في الرحلة‬
‫السابقة‪ ،‬أدت إلى دخول( ‪ ) 1873‬مريدا اقتنعوا بالشروط واألفكار الجديدة‬
‫التي طرحها عليهم الشيخ مكي‪ ،‬وطلبوا السلوك في الطريقة التجانية‪ ،‬وافترضنا‬
‫أن عددا مماثال جددوا ثباتهم وبيعتهم في الطريق القويم للتصوف الذي‬
‫وضحه لهم الشيخ مكي في هذه الرحلة‪ ،‬فإن الباحث أمام (‪)3746‬مريدا‪،‬‬
‫صحح مساره في الطريقة التجانية‪ ،‬بمعدل(‪ )268‬مريدا في كل مدينة أو قرية‬
‫أرشد ووجه فيها الشيخ تالميذه في هذه الرحلة‪.‬‬

‫‪399‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المصادر والمراجع‬
‫المصادر‪:‬‬
‫‪-1‬مكي‪ ،‬الشيخ مكي عبد اهلل التجاني‪ :‬طريق الهدى والرشاد في‬
‫التصوف القويم وتاريخ دخول اإلسالم والطريقة التجانية في شاد‪ ،‬مطبعة‬
‫حجازي‪ ،‬القاهرة‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪-2‬مكي‪ ،‬الشيخ مكي عبد اهلل التجاني‪:‬رسالة الجواب الشافي والقول‬
‫الفصل في الرد على من أنكر سنة السدل‪،‬مطبعة المروة‪ ،‬الخرطوم‪1993،‬م‪.‬‬
‫‪-3‬مكي‪ ،‬الشيخ مكي عبد اهلل التجاني‪:‬كتابه اليواقيت والجواهر‬
‫المضيئة في التعريف بسيدي أحمد التجاني وسيرته الرفيعة‪،‬مطبعة المروة‪،‬‬
‫الخرطوم‪1993،‬م‪.‬‬
‫‪-4‬مكي‪ ،‬الشيخ مكي عبد اهلل التجاني‪:‬كتاب سبيل السالم في الدفاع‬
‫عن طريق السادة الصوفية الكرام‪ ،‬مطبعة حجازي‪ ،‬القاهرة‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫ب‪-‬المراجع‬
‫‪1-‬‬
‫‪BRITISH_LIBRARY_ENDANGERED_ARCHIVES_PRO‬‬
‫‪GRAMME_EAP_472‬‬
‫‪-2‬أيوب‪،‬د‪.‬محمد صالح‪:‬الدور االجتماعي والسياسي للشيخ عبد‬
‫الحق السنوسي الترجمي‪ ،‬منشورات جمعية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬طرابلس‪،‬‬
‫‪.2002‬‬
‫‪-3‬حبيب‪ ،‬الشيخ‪/‬محمد الحافظ بن محمد بركة المشهور بأب عينه‬
‫في قلبه‪ ،‬األمين العام للمجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬فرع قوز بيضا دار‬
‫سال‪ :‬نبذة وجيزة عن الرحلة التي قام بها الشيخ‪/‬مكي عبد اهلل التجاني‪،‬‬

‫‪400‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫حررت بأمحجر البطحاء بتاريخ ‪/21‬ربيع األول‪1421/‬ه الذي‬


‫يوافق‪2000/08/26‬م‬
‫‪-3‬الحافظ‪ ،‬الشيخ محمد الحافظ المصري‪:‬كتاب رد أكاذيب‬
‫المفترين على أهل اليقين‪ ،‬مطبعة حجازي‪ ،‬القاهرة‪2012،‬م‬
‫‪-4‬الحافظ‪ ،‬الشيخ محمد الحافظ المصري‪:‬كتاب في الدفاع عن‬
‫التصوف القويم علماء تزكية النفس السادة الصوفية من حملة الشريعة في كل‬
‫عصر‪ ،‬مطبعة حجازي‪ ،‬القاهرة‪2012،‬م‬
‫‪-5‬ديالو‪ ،‬علي كولوغو‪« :‬محمد بن عمر المرجي (‪1366‬هـ‬
‫‪1946‬م)» الحضارة اإلسالمية في مالي‪ ،‬المنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم‬
‫والثقافة‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪-6‬الرباطابي‪ ،‬الشيخ محمد سعد بن عبد اهلل الرباطابي‪ :‬الدرر السنية‬
‫في شروط وأحكام أوراد الطريقة التجانية‪ ،‬مطبعة حجازي‪ ،‬القاهرة‪1955 ،‬م‬
‫‪-6‬الرباطابي‪ ،‬الشيخ محمد سعد بن عبد اهلل الرباطابي‪ :‬كتاب الصراط‬
‫المستقيم في الرد على ما نسب للسادة التجانية بأن صالة الفاتح أفضل من‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬مطبعة حجازي‪ ،‬القاهرة‪1955 ،‬م‬
‫‪-7‬الحافظ‪ ،‬الشيخ محمد الحافظ المصري‪:‬أصفى مناهل الصفا في‬
‫مشرب خاتم األولياء وسيد األصفياء‪ ،‬مطبعة حجازي‪ ،‬القاهرة‪2012،‬م‬
‫‪-8‬فضل‪ ،‬محمد مدني‪:‬مخطوط خطاب‪ ،‬أنجمينا –شاد‪ ،‬غرة محرم‬
‫‪1421‬ه‪ ،‬الموافق ‪2000/04/06‬م‪.‬‬
‫‪-9‬ندياني‪ ،‬بوكاري‪« :‬حفالت الميالد» الحضارة اإلسالمية في مالي‪،‬‬
‫المنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة‪ ،‬الرباط‪،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪319‬‬

‫‪401‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل احلادي عشر‪:‬‬


‫األستاذ الدكتور عبد الرمحن عمر املاحي والريادة‬
‫يف جامعة امللك فيصل بشاد(‪2013-1993‬م)‬

‫• التمهيد‬
‫أوال‪ :‬املوروث االجتماعي يف إفريقيا‬
‫ثانيا‪ :‬نشأة املاحي االجتماعية (‪1937‬م)‬
‫ثالثا‪ :‬نشأة املاحي الثقافية‪ -‬التعليمية‬
‫رابعا‪ :‬الريادة يف جامعة امللك فيصل (‪2013-1993‬م)‬
‫أ‪ -‬نشأة جامعة امللك فيصل بشاد (‪1992/1991‬م)‬
‫ب‪ -‬مظاهر ريادة املاحي يف جامعة امللك فيصل بشاد‬
‫(‪2013-1994‬م)‬
‫ج‪ -‬مظاهر القيادة السلطانية جلامعة امللك فيصل‬
‫(‪2013-1994‬م)‬
‫• اخلالصة‬
‫• املصادر واملراجع‬

‫‪402‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬التمهيد‬
‫يقوم نظام االتصاالت القديم‪ ،‬في وسط أفريقيا‪ ،‬على التقاليد والعادات‪،‬‬
‫فالتجمعات األفريقية‪ ،‬يتجه والؤها نحو الساللة‪ ،‬التي يمثلها رؤساء القبائل‬
‫والسالطين و الملوك والشيوخ التقليديين‪ ،‬وهم يقومون بالعمل في الموطن‬
‫األصلي‪ ،‬ويؤدون الخدمات العامة‪ ،‬التي يمكن أن يقوم محافظ المنطقة في‬
‫الوقت الحاضر‪ ،‬وبالتالي فهم يؤدون جميع المسؤوليات االجتماعية‬
‫واالقتصادية‪.‬‬
‫والساللة والقبيلة في التجمعات األفريقية‪ ،‬تقوم مقام الممثل الشرعي‬
‫لحقوق اإلنسان‪ ،‬مثل‪ :‬حقه في األرض‪ ،‬والحريات بصورها المختلفة‪ ،‬وقد‬
‫يتألف مجلس الرؤساء‪ ،‬من ممثلين عن التجمعات الساللية التي تضمها‬
‫المنطقة‪ ،‬أو ربما يتقرر أن تكون فئة من الرجال‪ ،‬هم األرفع مقاما‪ ،‬ولهم الرأي‬
‫والكلمة‪ ،‬بناء على إجراءات خاصة‪ ،‬تحدد تسلسل المراتب االجتماعية‪ ،‬وان‬
‫تختار كل جماعة من بين أعضائها من يمثلها‪.‬‬
‫وسيادة السلطات التقليدية في التجمعات األفريقية‪ ،‬ال يتوقف على‬
‫الجوانب السياسية واالقتصادية واالجتماعية الحديثة في دول وسط أفريقيا‪،‬‬
‫بل يشمل مؤسسات الدولة التنفيذية‪ ،‬كالمؤسسات التعليمية‪ ،‬مثل المدارس‬
‫والجامعات‪ ،‬ندرس في هذا البحث ريادة الماحي في جامعة الملك فيصل‬
‫بشاد‪.‬‬
‫أما التركيز على نموذج الماحي وريادته لجامعة الملك فيصل بشاد‪،‬‬
‫فيرجع إلى اهتمام الباحث‪ ،‬بالعلم والعلماء في شاد‪ ،‬من سنة ‪ 1973‬م‪،‬‬
‫حينما كان طالبا بالمعهد العلمي بأبشة‪ ،‬فجمع عددا من أعملهم ووثائقهم‬
‫ومخطوطاتهم‪ ،‬نشر بعضها في حلقات في إذاعة القرآن الكريم بالمجلس‬

‫‪403‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫األعلى للشؤون اإلسالمية في شاد‪ ،‬واإلذاعة الوطنية الشادية‪ ،‬ثم عرض‬


‫بعضها في ندوات علمية شارك في بعضها الماحي في حياته‪ ،‬خاصة ندوة‬
‫المثقفين باللغة العربية في شاد واقعهم الوظيفي وطموحاتهم المستقبلية‪ ،‬في‬
‫مركز المنى الثقافي‪.‬‬
‫وكان للجهود التي بذلها الماحي‪ ،‬العلمية والتعليمية والتنظيمية‪ ،‬نصيب‬
‫من اهتمام الباحث‪ ،‬فجمع جزءا من أنشطته وأعماله‪ ،‬وآراء واتجاهات‬
‫اآلخرين نحوه‪ ،‬ولكن في هذا البحث اعتمد فقط‪ ،‬على األعمال المنشورة‪،‬‬
‫والمنتشرة انتشارا واسعا في حياته‪ ،‬سواء له أو عليه‪ ،‬واستبعد الباحث لذلك‪،‬‬
‫بعض األعمال المكتوبة حول الماحي‪ ،‬في شكل تقارير ورسائل‪ ،‬كتبها من‬
‫عملوا معه لفترة طويلة‪ ،‬ولكنها تتميز بمحدودية االنتشار‪ ،‬رغم أهميتها في‬
‫سبر غور‪ ،‬شخصية الماحي األخرى‪ ،‬تلك الشخصية التي عاشت ‪ 76‬عاما‪،‬‬
‫مليئة باإلنتاج العلمي والثقافي واالجتماعي والسياسي‪.‬‬
‫أما بالنسبة لحياة الماحي‪ ،‬فهناك خمس محطات لرحلة الماحي‬
‫الحياتية‪ ،‬أهمها النشأة األولى‪ ،‬في القرى العربية حول بحيرة الشط‪ ،‬التي‬
‫يحكمها سالطين متأثرين‪ ،‬بالسلطنات الكبرى في المنطقة‪ ،‬مثل سلطنة كانم‬
‫–برنو‪ ،‬وسلطنة باقرمي‪ ،‬ولكنها كانت مستقلة‪ ،‬أيام السيطرة الفرنسية‪ ،‬وفي‬
‫هذه القرى حفظ الماحي القرآن الكريم وعلوم الدين‪ ،‬وعلى منوال هذه القرى‬
‫أيضا عاش في فورت المي‪ ،‬وتردد على المركز اإلسالمي للقوني دريدمي‪،‬‬
‫لتلقي العلوم الحديثة‪.‬‬

‫‪404‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وتتمثل الخطوة الثانية في حياة الماحي‪ ،‬في قبوله في سلك التدريس‬


‫في المدارس العربية‪ ،‬وفيها وصل‪ ،‬بالتدريب المستمر‪ ،‬إلى الحصول على‬
‫شهادة الكفاءة التربوية‪ ،‬في أبشة وأنجمينا (‪1968 ،1966‬م)‪ ،‬من معاهد‬
‫تدريب المعلمين أثناء الخدمة‪.‬‬
‫والمحطة الثالثة من حياة الماحي‪ ،‬هي رحالته العلمية إلى الخارج‪،‬‬
‫وكانت األولى إلى السودان‪ ،‬جامعة أم درمان اإلسالمية‪ ،‬والثانية إلى مصر‪،‬‬
‫جامعة عين شمس‪ ،‬وانتهت الرحلتان‪ ،‬بنيله لدرجة الدكتورة عام ‪1984‬م‪،‬‬
‫ونشر فيها رسالته القيمة للماجستير‪ ،‬والتي كانت تحت عنوان‪ :‬شاد من‬
‫االستعمار حتى االستقالل‪.‬‬
‫بينما المحطة الرابعة‪ ،‬هي العمل مدرسا للتاريخ والحضارة بجامعة‬
‫األمير عبد القادر بالجزائر‪ ،‬والتي امتدت من سنة ‪1994-1984‬م‪ ،‬وكتب‬
‫خاللها‪ ،‬كتابه الهام الدعوة اإلسالمية في أفريقيا الواقع والمستقبل‪.‬‬
‫وانتهت رحلة حياة الماحي‪ ،‬بقيادته لجامعة الملك فيصل بشاد‪ ،‬والتي‬
‫تواصلت من عام ‪2013-1994‬م‪ ،‬وفيها نشر أطروحته للدكتوراه التجمعات‬
‫األفريقية‪ ،‬وكتابه أحداث القرن العشرين‪.‬‬
‫ورغم استفادت الماحي‪ ،‬من تجاربه العلمية والعملية‪ ،‬إال أن حياته‬
‫اإلدارية والتنظيمية‪ ،‬اتسمت بروح القيادية السلطانية‪ ،‬التي اكتسبها‪ ،‬من تربيته‬
‫األولي في القرى العربية حول بحيرة الشط‪ ،‬والكفالة التامة التي وجدها من‬
‫الوزير بابا حسن‪ ،‬في العاصمة فورت المي (أنجمينا) وهذه الروح السلطانية‪،‬‬
‫رافقت الماحي طيلة حياته‪ ،‬حتى حينما كان طالبا في السودان ومصر‪ ،‬حسب‬
‫ما رووا زمالء الدراسة الذين رافقوه‪ ،‬وكانت من أبرز مظاهر إدارته لجامعة‬
‫الملك فيصل بشاد‪.‬‬

‫‪405‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أوال‪-‬الموروث االجتماعي في إفريقيا‬


‫تدل الدراسات في علم اإلنسان ( االنتربولوجيا )‪ ،‬أن مجتمعات وسط‬
‫إفريقيا‪ ،‬عرفت الحكم التقليدي العشائري‪ ،‬وأشكاال مختلفة من تبادل السلع‬
‫والمنافع االقتصادية‪ ،‬فعاشت التجمعات فيها ردحا من الزمن على نظام‬
‫الجمع وااللتقاط‪ ،‬حيث يعيش أفراد القبيلة‪ ،‬على ما يجمعونه من فواكه‬
‫وخضروات وحبوب‪ ،‬وبعد ذلك عرفت هذه التجمعات‪ ،‬نظام المقايضة‪،‬‬
‫الذي يتم على أساسه التبادل‪ ،‬في جميع السلع المعروضة‪ ،‬فالذي يملك لبنا‪،‬‬
‫يستبدله بحبوب بحد معين‪ ،‬والذي في حوزته بقرة‪ ،‬يقايضها بناقة أو جمل‬
‫مثال‪ ،‬وفق تمايزات وقيم محددة‪ ،‬وتتم عملية المقايضة بالتراضي بين الطرفين‪،‬‬
‫وغالبا ما تكون بحضور شهود من القبائل ومندوبي القبائل في السوق‪.‬‬
‫ولم تظهر العالقات السياسية واالقتصادية الواسعة في وسط إفريقيا‪ ،‬إال‬
‫بظهور السلطنات والممالك اإلفريقية اإلسالمية‪ ،‬خاصة في القرن الحادي‬
‫عشر الميالدي‪ ،‬حيث انتشرت العالقات اإلقليمية في وسط إفريقيا‪ ،‬التي‬
‫تحوي عددا من التحالفات القبلية والساللية والمكانية‪ ،‬فظهرت تبادالت‬
‫اقتصادية وسياسية‪ ،‬بين أجزاء من وسط إفريقيا‪ ،‬كأقاليم محددة‪ ،‬قامت فيها‬
‫أنظمة سياسية قوية‪ ،‬حفظت األمن وشجعت التجارة‪ ،‬وضمنت للتجار ومنتجي‬
‫المحصالت حقوقهم‪ ،‬فساد تبادل للسلع االقتصادية بين المناطق الواقعة‪،‬‬
‫حول نهر الكونغو والمناطق الواقعة حول بحيرة الشط‪ ،‬إلى الفترة التي وصلت‬
‫فيها الطالئع األولى للسيطرة األوربية‪ ،‬على وسط إفريقيا في نهاية القرن‬
‫التاسع عشر الميالدي‪.‬‬
‫على الرغم من تأثيرات التغيرات االجتماعية الكبرى التي مر ت على‬
‫دول وسط أفريقيا‪ ،‬والتي تمثلت في انتشار األديان السماوية‪ ،‬خاصة اإلسالم‬

‫‪406‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الذي اعتبره الباحثون المهتمون بدراسة الهوية‪ ،‬جزء من البناء االجتماعي‬


‫للتجمعات األفريقية‪ ،‬وكذلك الديانة المسيحية بفروعها المختلفة التي جاءت‬
‫في عشرينات القرن العشرين‪ ،‬واالستعمار الفرنسي الذي وصل إلى شاد في‬
‫بداية القرن العشرين‪ ،‬واثر تأثيرا متفاوتا على التجمعات األفريقية‪.‬‬
‫كل هذه التحوالت االجتماعية‪ ،‬لم تفلح في عدم بروز ظاهرة‬
‫اجتماعية‪ ،‬تعتبر (قديمة – جديدة) على التجمعات األفريقية‪ ،‬وهي ظاهرة‬
‫القيادة التقليدية لمؤسسات دول وسط أفريقيا‪ ،‬فرئيس جمهورية شاد فرانسوا‬
‫تومبالباي‪ ،‬رجع إلى اليوندو‪ ،‬وهي طقوس تقليدية لالستعانة بها في قيادة‬
‫الدولة الشادية سنة ‪1973‬م‪ ،‬تحت مسمى الثورة الثقافية‪ ،‬ونفس الظاهرة‬
‫تكررت في جمهورية أفريقيا الوسطي‪ ،‬حينما استعان بوكاسا بالتقاليد األفريقية‬
‫ورجع إلى اإلمبراطورية األفريقية التقليدية‪ ،‬وفعل الشيء نفسه موبوتو في زائير‪،‬‬
‫فهل بروز هذه الظاهرة االجتماعية‪ ،‬على المسرح األفريقي في تلك السنوات‪،‬‬
‫وبشكل حاد في الوقت الحاضر‪ ،‬يمكن اعتباره رجوعا للهوية األفريقية‬
‫ألصالتها أو ميراثها لشعبي التقليدي‪ ،‬الذي يقوم أساسا على نظام السالالت‪،‬‬
‫وبالتالي يمكننا أن نقول‪ ،‬أن التجمعات األفريقية حافظت على خاصية من‬
‫خصائصها‪ ،‬رغم تأثرها بكل التحوالت االجتماعية الكبرى السابقة ذكرها‪ ،‬وان‬
‫جميع هذه التأثيرات لم تؤثر‪ ،‬إال على شكل التجمعات األفريقية‪ ،‬وظل‬
‫جوهرها يدين للنظام الساللي‪ ،‬ويعتبره الملجأ الوحيد‪ ،‬حينما يواجهه عواصف‬
‫قاهرة؟‬
‫أم أن بروز ظاهرة القبيلة‪ ،‬ما هو إال ستار يغطي مشكالت اجتماعية‬
‫حادة‪ ،‬تواجهها التجمعات األفريقية‪ ،‬وال تجد التجمعات األفريقية قنوات‬
‫واضحة‪ ،‬للتنفيس عن متطلبات الحياة االجتماعية المعاصرة في اآلفاق‬

‫‪407‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المستقبلية‪ ،‬وبالتالي تحدث عملية النكوص االجتماعي‪ ،‬والرجوع إلى‬


‫المخزون الشعبي‪ ،‬فتستغل القبيلة‪ ،‬لتحقيق أهداف اجتماعية أو اقتصادية أو‬
‫سياسية في التجمعات األفريقية المعاصرة ؟‬
‫وفي جميع األحوال‪ ،‬فان بروز ظاهرة القبيلة‪ ،‬وتأثيرها على التجمعات‬
‫األفريقية المعاصرة‪ ،‬وفي إطار الدولة األفريقية الحديثة‪ ،‬وهذا واقع سياسي‪،‬‬
‫يحتم على التجمعات األفريقية الوالء للوطن‪ ،‬ويجعل األولوية للوحدة‬
‫السياسية والوطنية‪ ،‬والتي ينبغي أن تدور العالقات االجتماعية حولها ومن‬
‫اجلها (صابر‪.)18-17 ،‬‬
‫وهذا ما يجعل بعض الكتاب‪ ،‬يشير إلى أن سيادة النظام القبلي‪ ،‬وتأثيره‬
‫ولو بدرجات متفاوتة على المؤسسات الحديثة‪ ،‬يمنعها من النجاح في سياسة‬
‫التنمية االقتصادية‪ ،‬وبالتالي على الدولة األفريقية‪ ،‬أن تعمل على تطوير الحياة‬
‫القبلية فيها‪ ،‬وتحاول االنتقال من نظام العشائر‪ ،‬إلى مرحلة الدولة المنظمة‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫وحسب رأي هؤالء الباحثين‪ ،‬فمن أهم العوائق التنموية‪ ،‬التي يخلقها‬
‫التنظيم القبلي‪ ،‬هو اتجاه والء الفرد فيه لشيخ القبيلة أو السلطان والملك‪،‬‬
‫وذلك وفق التكوين االجتماعي للقبائل والسالالت‪ ،‬الذي تتمخض عنه قواعد‬
‫فكرية وعقلية‪ ،‬من نوع خاص‪ ،‬فالفرد في النظام القبلي‪ ،‬يشعر بأنه حامي‬
‫القبيلة‪ ،‬وأن القبيلة‪ ،‬هي المسؤولة عنه أدبيا وماديا مسؤولية جماعية‪ ،‬وبالتالي‬
‫فان هذه العقلية‪ ،‬تميل إلى التواكل واالعتماد على الغير وتقتل روح اإلقدام‬
‫واالبتكار‪ ،‬الفتقادها الحافز الشخصي‪ ،‬فانجاز الفرد يشاركه فيه اآلخرون من‬
‫قبيلته‪ ،‬بغض النظر عن إنتاجهم‪( .‬أيوب‪)252 ،‬‬

‫‪408‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وفي ظل انتشار ظاهرة القبيلة‪ ،‬وسيادتها على التجمعات األفريقية‪،‬‬


‫تنعدم الكفاءة في أجهزة الدولة الرسمية‪ ،‬وذلك الن العالقات االجتماعية في‬
‫هذه الحالة‪ ،‬تكون جهوية وقائمة على الوالء إلفراد القبيلة‪ ،‬وبالتالي تنتشر‬
‫المحسوبية والرشوة واستغالل النفوذ‪ ،‬وغير ذلك من العوامل‪ ،‬التي تحد من‬
‫كفاية العمل اإلداري واالجتماعي لمؤسسات الدولة الحديثة‪.‬‬
‫وقد أشارت دراسات اقتصادية واجتماعية‪ ،‬إلى أن النجاح في حل مثل‬
‫هذه المشكلة‪ ،‬يتوقف على االهتمام بالبدو والريف‪ ،‬فهذه التجمعات‪ ،‬هي‬
‫منبع النظام القبلي أو محل تصدير ظاهرة القبيلة إلى المدينة األفريقية الكبيرة‬
‫أو العاصمة‪ ،‬فالمالحظ للمدن األفريقية الكبيرة‪ ،‬يتبين له أن أعداد كبيرة من‬
‫البدو‪ ،‬نزحت إلى هذه المدن في السنوات األخيرة‪ ،‬وهي نفس السنوات التي‬
‫برز فيها االستخدام السلبي للقبيلة‪ ،‬وإذا نظرنا إلى تركيبة فئات النازحين هذه‪،‬‬
‫نجدها تتكون من فئتين‪-:‬‬
‫الفئة األولى‪ :‬فئة المعدمين‪ :‬ويتكون أساسا من البدو أو سكان الريف‬
‫العاطلين عن العمل‪ ،‬سواء من الذين انتهت مواشيهم‪ ،‬أو الذين لم تستطع‬
‫أراضيهم سد حاجاتهم االقتصادية‪ ،‬وبالتالي سكنوا في إطراف المدن الكبيرة‪،‬‬
‫ويعملون في النهار داخل المدينة‪ ،‬في األعمال اليدوية البسيطة‪ ،‬ونظرا لعدم‬
‫وجود أي برامج اجتماعية‪ ،‬لدمج هؤالء السكان في ثقافة المدينة‪ ،‬تظل‬
‫عقلياتهم وأفكارهم‪ ،‬تستعمل نفس القواعد القبلية في التفكير‪ ،‬وهم ساكنون‬
‫في المدينة‪ ،‬ففي الواقع هؤالء المواطنون يسكنون بأجسادهم في المدينة‪،‬‬
‫وعقولهم وسلوكياتهم‪ ،‬تظل بدوية وريفية‪ ،‬أي تتصرف بقواعد النظام الساللي‬
‫أو القبلي‪.‬‬

‫‪409‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفئة الثانية‪ :‬هي فئة سالطين أو شيوخ أو ملوك القبائل والعشائر‪ ،‬التي‬
‫سعى االستعمار الفرنسي لتوطينها في المدن‪ ،‬ليسهل له استغاللها في السيطرة‬
‫على أتباعها‪ ،‬وهذه الفئة يؤهلها مركزها االجتماعي والمادي المرتفع‪ ،‬الن‬
‫تتشرب القيم االجتماعية الحضرية‪ ،‬ولكن يجب أن نعرف أن هذه القيم ال‬
‫تتجاوز الجوانب المادية‪ ،‬مثل‪ :‬السكن الالئق بالشيخ أو الملك‪ ،‬والمالبس‬
‫المدنية الجيدة‪ ،‬ورعاية األوالد‪ ،‬خاصة االهتمام بتعليمهم‪ ،‬لكي يحافظوا على‬
‫مكانة آبائهم في المستقبل‪.‬‬
‫ولكن هذا‪ ،‬ال يعني أن هذه الفئة تتخلى عن ظاهرة القبيلة‪ ،‬بل‬
‫بالعكس‪ ،‬أن الدراسات الميدانية تشير إلى أن هذه الفئة (السالطين والملوك‬
‫والشيوخ) الذين اختاروا السكن في المدينة‪ ،‬هم من أكثر الفئات الوطنية أو‬
‫المحلية‪ ،‬تأكيدا لسيادة ظاهرة القبلية‪ ،‬ألنهم وحدهم المستفيدين منها‬
‫اقتصاديا‪ ،‬فهم يتقاضون مرتبات شهرية‪ ،‬مقابل هذه الريادة السلطانية أو‬
‫المشيخة أو الملوكية‪.‬‬
‫هذا من جانب‪ ،‬ومن جانب آخر‪ ،‬لسيادة ظاهرة القبلية فائدة سياسية‪،‬‬
‫فمن هذه الفئة غالبا‪ ،‬يختار النواب في البرلمان عن سكان القرى والبوادي‪،‬‬
‫فنادرا ما تسعى األحزاب السياسية‪ ،‬إلي اختيار النواب من البوادي والقرى‬
‫مباشرة‪ ،‬ومن ثم تكتفي باختيار أحد أفراد القبيلة‪ ،‬ممن سكنوا في المدينة‪،‬‬
‫وفي هذه الحالة‪ ،‬تواصل السلطات السياسية الحالية‪ ،‬نفس النهج الذي كانت‬
‫تقوم به السلطات الفرنسية أيام االستعمار‪ ،‬في االستفادة من هذه الفئة البدوية‬
‫الريفية الشبه حضرية‪( .‬حمزة‪)180-178،‬‬

‫‪410‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثانيا‪-‬نشأة الماحي االجتماعية (‪1937‬م)‬


‫ولد الماحي بقرية كرل العربية‪ ،‬التي تقع على ضفاف بحيرة الشط‬
‫الجنوبية‪ ،‬عام ‪1937‬م‪ ،‬في وسط اجتماعي‪ ،‬يقوم على نظام السلطنات‬
‫العربية التقليدية‪ ،‬المتأثرة بعادات السلطنات اإلسالمية‪ ،‬في كل من كانم‪-‬برنو‬
‫وباقرمي‪.‬‬
‫أ‪ -‬بحيرة الشط أيام االستعمار الفرنسي (‪1944-1900‬م)‬
‫بحيرة الشط من أكبر البحيرات العذبة في وسط أفريقيا‪ ،‬يغذيها نهر‬
‫شاري ولغون‪ ،‬وبعض الشالالت األخرى القادمة من الجنوب والشرق‪ ،‬وقد‬
‫عرفت هذه البحيرة تاريخيا قيام ثالث سلطنات إسالمية كبرى على حدودها‬
‫وهي‪:‬كانم ‪ -‬برنو‪ ،‬وبقرمية‪ ،‬ودار وداي‪ ،‬وكان لهذه السلطنات السبق في‬
‫نشر الحضارة اإلسالمية في أنحاء كثيرة من أفريقيا‪.‬‬
‫وقد أخذت جمهورية شاد اسمها من البحيرة‪ ،‬التي أطلق عليها العرب‬
‫منذ القدم بحيرة "الشط "‪ ،‬وهذه البحيرة تقع في الوقت الحاضر‪ ،‬على حدود‬
‫كل من نيجيريا والكمرون والنيجر وشاد‪ ،‬ومن المالحظ أن دولة شاد‪ ،‬وحدها‬
‫من الدول المجاورة أخذت تسميتها من هذه البحيرة‪(.‬البيلي‪) 12 ،‬‬
‫تعتبر وسط إفريقيا‪ ،‬من أواخر األقاليم اإلفريقية‪ ،‬التي وصلها االستعمار‬
‫األوربي‪ ،‬وكانت البداية وصول رحالت استطالعية أو استكشافية‪ ،‬مثل رحالت‬
‫ستانلي البريطاني إلى نهر الكونغو‪ ،‬فقد أثارت التقارير التي كان يرسلها إلى‬
‫المجالت والجرائد األوربية‪ ،‬موضحا فيها ما تتميز به منطقة وسط إفريقيا من‬
‫خيرات‪ ،‬وما استطاع أن يحققه من معاهدات واتفاقيات‪ ،‬يعترف فيها الزعماء‬
‫التقليديين األفارقة بالمنطقة التجارية األوربية في الكونغو‪.‬‬

‫‪411‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فقد استطاع في فترة وجيزة‪ ،‬أن يبرم أكثر من (‪ )450‬معاهدة مع‬


‫الزعماء التقليديين في وسط إفريقيا‪ ،‬تنازلوا فيها عن حقوقهم المطلقة في‬
‫امتالك األرض وثرواتها‪ ،‬بالمفهوم األوربي للتنازل‪ ،‬وليس بالمفهوم اإلفريقي‬
‫(حق االنتفاع فقط)‪ ،‬حيث ظهر أخيرا‪ ،‬أن هؤالء الزعماء األفارقة‪ ،‬ما كانوا‬
‫يتصورون أن الواحد منهم يستطيع‪ ،‬أن يعطي شبرا واحدا من األرض‪ ،‬كملكية‬
‫شخصية‪ ،‬حتى ألحد أفراد تجمعاته اإلفريقية‪ ،‬فما بالك بإعطائها لألوربي‬
‫األجنبي‪.‬‬
‫ورغم ذلك‪ ،‬أثارت نجاحات ستانلي حفيظة الفرنسيين‪ ،‬فأرسلوا برازا‪،‬‬
‫ليلعب نفس الدور في المناطق الواقعة في الضفة اليمنى لنهر الكونغو‪،‬‬
‫فاستولى على هذه المناطق‪ ،‬بنفس أسلوب ستانلي‪ ،‬فوقع عددا من‬
‫المعاهدات مع الزعماء األفارقة‪ ،‬وتبع ذلك إنشاء شركة تجارية فرنسية‪ ،‬وهذه‬
‫بدورها تطلبت الحماية العسكرية من فرنسا‪ ،‬فسميت المناطق التي حازها في‬
‫الكونغو بفرانس فيل‪ ،‬ثم حولت إلى برازافيل‪ ،‬اعترافا بدوره في السبق إلى‬
‫هذه المناطق من وسط إفريقيا‪ ،‬ثم اتجهت المسيرة الفرنسية في وسط إفريقيا‪،‬‬
‫من مركزها في فرانس فيل نحو بحيرة الشط‪ ،‬ولم تتعرض ألي مقاومة واضحة‪،‬‬
‫إال من قبل سلطان كانم‪-‬برنو‪ ،‬السلطان (رابح بن فضل اهلل)‪ ،‬وتم القضاء‬
‫عليه عسكريا عام ‪1900‬م‪.‬‬
‫وبعد هذا التاريخ‪ ،‬كونت فرنسا مستعمرتها في وسط إفريقيا‪ ،‬تحت اسم‬
‫إفريقيا االستوائية الفرنسية (‪ (،A,E,F‬وكان معظم حكامها من العسكريين‬
‫الفرنسيين‪ ،‬وانتشرت فيها الشركات الفرنسية‪ ،‬مثل شركة القطن‪ ،‬والسكر‪،‬‬
‫واللحوم‪ ،‬وشركات منتجات التصدير األخرى‪.‬‬

‫‪412‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ونظرا لطبيعة الحكم المركزي الفرنسي لمنطقة وسط إفريقيا‪ ،‬فقد كانت‬
‫تحكم من عاصمة واحدة هي مدينة (برازافيل)‪ ،‬فجميع القرارات اإلدارية‪،‬‬
‫تتخذ في باريس‪ ،‬وتنفذ في المنطقة من برازافيل‪ ،‬وهذا ما أدى إلى أن تربط‬
‫المنطقة كلها سياسيا واقتصاديا‪ ،‬لتخدم الوجود الفرنسي في إفريقيا االستوائية‪.‬‬
‫ولم تظهر بوادر الحكم المدني لوسط إفريقيا‪ ،‬إال بعد عام ‪1944‬م‪،‬‬
‫إثر مؤتمر عقد في برازافيل‪ ،‬وصدرت منه عدة قرارات‪ ،‬أهمها القانون اإلطاري‬
‫(‪ ،)Lois cadre‬الذي أعطى للصفوة السياسية اإلفريقية في وسط إفريقيا‪،‬‬
‫القليل من الحقوق‪ ،‬وأهمها حق تكوين مؤسسات سياسية‪ ،‬وإن كان يشترط أن‬
‫تتبع مثيالتها في المركز (باريس)‪ ،‬ورغم ضيق المساحة الممنوحة لهذه‬
‫الفئات‪ ،‬إال أنها استطاعت‪ ،‬أن تكون جماعات إفريقية ذات ثقافة فرنسية‪،‬‬
‫مثل جماعات المبادرات االقتصادية اإلفريقية‪ ،‬وهي مكونة من رجال األعمال‬
‫اإلفريقيين الساعين لدعم التجارة األوربية في وسط إفريقيا‪ ،‬و التجمعات‬
‫اإلدارية اإلفريقية‪ ،‬خاصة الصفوة السياسية التي تدربت على يد الفرنسيين‪،‬‬
‫وربطت مصيرها ومستقبلها بالفرنسيين‪ ،‬و التجمعات العسكرية خاصة األفارقة‬
‫الذين تدربوا في القوات الفرنسية وشاركوا في الحروب التي خاضتها‪،‬‬
‫فاحترفت الحياة العسكرية‪ ،‬وتنورت بعمليات الخدمات التثقيفية واالنضباط‬
‫في المؤسسة العسكرية الفرنسية‪ ،‬ورأت أن تنقل شيئا منها إلى المجتمعات‬
‫في وسط إفريقيا‪(.‬أيوب‪) 120 ،‬‬
‫وبالجملة فإن التغييرات التي أحدثتها فرنسا في الحياة االجتماعية‬
‫واإلدارية واالقتصادية‪ ،‬خلقت وضعا مضطربا من الناحية السياسية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬ساعد على أن تخرج فرنسا من إفريقيا االستوائية‪ ،‬ولكن بعد أن‬
‫كونت فيها جماعات إفريقية ذات ثقافة فرنسية ترعى مصالحها‪.‬‬

‫‪413‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أخذت دولة شاد تظهر ككيان سياسي وحديث بتاريخ‬


‫‪1958/11/28‬م‪ ،‬حينما أعلن النظام الجمهوري في شاد‪ ،‬ولم تلبث بعد‬
‫ذلك أن أعلنت استقاللها الكامل عن فرنسا بتاريخ ‪1960/8/11‬م‪.‬‬
‫نشأ الماحي وترعرع في ظل االستعمار الفرنسي في آخر نسخه‪ ،‬التي‬
‫لم يطبق فيها االستيعاب الفرنسي الجماعي‪ ،‬الذي يعني السعي من فرنسا‪،‬‬
‫لجعل جميع األفارقة فرنسيين‪ ،‬وذلك بنشر التعليم والتثقيف والتوعية بالحرية‬
‫الشكلية لألفارقة وغيرها من الوسائل‪ ،‬بل عاش الماحي نسخة االستيعاب‬
‫الفرنسي النخبوي‪ ،‬حيث تنازلت فرنسا عن جعل األفارقة فرنسيين‪ ،‬ولكنها‬
‫سعت بأن تكون صفوة من األفارقة يتولون الحفاظ على مصالحها في‬
‫المستعمرات األفريقية‪ ،‬والواضح أن الماحي قد خضع لهذا النوع من‬
‫االستيعاب الفرنسي‪ ،‬الذي يقوم على السيطرة التامة على الرعايا األفارقة‪ ،‬من‬
‫خالل من ينوبون عنها‪ ،‬من األفارقة المنتقين بعناية شديدة‪ ،‬خاصة الفترة من‬
‫‪1960 -1944‬م‪ ،‬التي كان فيها عمر الماحي حوالي (‪23‬سنة)‪.‬‬
‫فالخضوع للسيطرة المركزية الفرنسية‪ ،‬وتطبيق سياسة فرنسية جديدة‪،‬‬
‫لتكوين الطبقات االجتماعية األفريقية‪ ،‬لتحل محل الفرنسيين في حماية‬
‫المصالح الفرنسية‪ ،‬أثرت على جميع الرعايا في وسط أفريقيا‪ ،‬دون استثناء‬
‫يذكر‪ ،‬وما جرى من اختيار معلمين رسميين‪ ،‬من حفظة القرآن الكريم‪ ،‬في‬
‫المدارس الرسمية بعد هذا بقليل‪ ،‬خير مؤشر لشمول االستيعاب النخبوي‬
‫الفرنسي‪.‬‬

‫‪414‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ب‪-‬السلطنات العربية حول بحيرة الشط(‪1960-1944‬م)‬


‫وينتمي سكان القرى العربية‪ ،‬التي نشأ فيها الماحي حول بحيرة الشط‪،‬‬
‫إلى فروع عديدة‪ ،‬ذكر منها الماحي في سيرته‪ ،‬التجمعات التالية‪ :‬األصالعة‪،‬‬
‫وبني وائل‪ ،‬وبني عامر‪ ،‬وعلوان‪ ،‬والدقنة‪ ،‬وأوالد علي‪ ،‬وأوالد سرار وأوالد‬
‫محارب‪ ،‬وكل هذه القائل تنسب إلى جد واحد هو‪ :‬عواد بن قالم بن حسونه‪،‬‬
‫وبناء على ذلك يقرر الماحي في سيرته‪ ،‬يطلق على أفراد هذه القبائل اسم‬
‫القوالمة‪ ،‬الذين ينتشرون في أماكن عديدة‪ (.‬الماحي‪)1 ،‬‬
‫وقوام الحياة االجتماعية‪ ،‬في السلطنات العربية حول بحيرة الشط‪،‬‬
‫على العالقات القرابية‪ ،‬ونواة العالقات القرابية‪ ،‬األسرة‪ ،‬والتي غالبا ما تكون‬
‫كبيرة‪ ،‬بحيث تشمل الزوج والزوجة واألوالد والجد والجدة واألعمام واألخوال‬
‫واإلخوة‪ ،‬وما تفرع عن هذه األصول والفروع من أفراد‪ ،‬والعالقات داخل هذه‬
‫األسرة قوية وملزمة للجميع‪ ،‬بحيث تتطلب من الفرد االلتزام الشديد بالضبط‬
‫االجتماعي وااللتزامات االجتماعية واالقتصادية المختلفة‪ ،‬لدرجة أن أي‬
‫تقدم أو نجاح يحرزه فرد من أفراد هذه ا ألسرة الكبيرة‪ ،‬يعتبر نجاحا لهذه‬
‫األسرة كلها‪ ،‬وتتوقع أن يعود ناتج نجاح هذا الفرد المادي والمعنوي‪ ،‬لهذه‬
‫األسرة الكبيرة‪.‬‬
‫وبالمقابل‪ ،‬تتحمل هذه األسرة الكبيرة تبعات فشل أو إحباط‪ ،‬أو أي‬
‫التزام من أحد أعضائها بصورة جماعية‪ ،‬ولهذا يحافظ األفراد في إطار هذه‬
‫العالقات علي نمط حياة موروث أو مألوف‪ ،‬يقوده في أغلب األحيان كبار‬
‫السن‪ ،‬وإذا وصل أحد األعضاء من صغار السن إلي تولي قيادة األسرة‬
‫الشادية‪ ،‬فإنه يحرص علي إتباع توجيهات كبار السن‪ ،‬وهي عملية نادرة‪ ،‬وال‬
‫تحدث إال في حالة نجاح الشاب أو الفتاة في الجانب المالي أو السياسي‬

‫‪415‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أو الوظيفي‪ ،‬و حتى في هذه الحالة النادرة فإن الجيل الجديد داخل األسرة‬
‫الشادية‪ ،‬غالبا ما يُوكل هذه المهمة ألحد أفراد األسرة الكبار شكليا‪ ،‬ويتولى‬
‫هو قيادتها وتوجيهها من خالله‪.‬‬
‫كل هذه العوامل جعلت من غير المقدور علي بعض األسر الكبيرة‪ ،‬أن‬
‫تحافظ علي حجمها وعيشها المشترك‪ ،‬مما جعلها تسمح لبعض أفرادها‬
‫باالستقالل بأنفسهم وتكوين أسر صغيرة‪ ،‬تشمل‪ :‬الزوج والزوجة واألوالد‬
‫فقط‪ ،‬مع التشديد علي المحافظة على االلتزام بالشعور المشترك تجاه األسرة‬
‫الكبيرة‪ ،‬وذلك من خالل الزيارات المتكررة والوقوف مع أي فرد من أفراد‬
‫األسرة الكبيرة‪ ،‬كلما دعت الحاجة إلي ذلك‪.‬‬
‫وينتشر نظام االنتساب إلي صلب األب لدي األسر الشادية‪ ،‬ولكن‬
‫لألم واالنتساب إليها دور هام في العالقات األسرية‪ ،‬حيث يسود االعتقاد‬
‫بأهمية الخال والخالة بالنسبة للفتي والفتاة‪ ،‬وتقوم عالقات مادية ومعنوية‬
‫مبنية علي عالقات الخؤولة‪.‬‬
‫وتفضل األسرة الشادية‪ ،‬الزواج الداخلي بين أبناء األعمام‪ ،‬ولكن في‬
‫بعض مناطق الشمال الشادي تفضل بعض األسر الزواج الخارجي‪.‬‬
‫ومن أهم العالقات القرابية التي تنتشر داخل األسر الشادية‬
‫العالقات القبلية‪ ،‬وهي التي تشمل عددا كبيرا من األسر الكبيرة‪ ،‬تجمعها‬
‫رابطة الدم واللغة‪ ،‬وربما المكان أو األرض‪ ،‬وفي حالة العالقات القبلية يشعر‬
‫األعضاء فيها‪ ،‬بأنهم يعرفون يقينا أصلهم المشترك‪ ،‬في شكل جد قريب و‬
‫معروف‪ ،‬وهذا االعتراف يجب أال يتوقف علي أفراد القبيلة فقط‪ ،‬بل يتوجب‬
‫أن تقر به القبائل المجاورة‪ ،‬وربما السلطات الرسمية‪.‬‬

‫‪416‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ويوجه العالقات القبلية داخل القبيلة‪ ،‬شيخ القبيلة أو السلطان وأعوانه‬


‫ونوابه‪ ،‬وغالبا ما يصل الشيخ إلي رئاسة القبيلة بالوراثة‪ ،‬ولكن في حاالت‬
‫معينة يتوجب علي القبيلة‪ ،‬أن تختار من بين أعضائها‪ ،‬من يتولى قيادتها‪ ،‬وفي‬
‫هذه الحالة يتطلب االعتراف بمكانة الشيخ الجديد من جميع أعضاء القبيلة‬
‫من جانب‪ ،‬واالعتراف به من القبائل المجاورة من جانب آخر‪ ،‬ثم يتبع ذلك‬
‫اإلقرار من السلطات الرسمية‪.‬‬
‫ومن المعروف أن العالقات القبلية‪ ،‬امتداد لعالقات األسرة الكبيرة فهي‬
‫تلزم صاحبها بجميع قرارات شيخ القبيلة‪ ،‬وبالمقابل تتحمل القبيلة الدفاع عن‬
‫أفرادها في جميع الحاالت‪.‬‬
‫ونظرا لهذه العالقات الملزمة داخل القبيلة‪ ،‬يسود تصور لدي‬
‫الدارسين‪ ،‬بأن العالقات القبلية‪ ،‬من الممكن أن تستغل‪ ،‬لتجاوز اللوائح‬
‫والنظم والقواعد‪ ،‬التي يقوم عليها المجتمع الحديث‪ ،‬ولهذا يتم الحديث عن‬
‫بعض التصرفات‪ ،‬التي يمكن اعتبارها استغالال للعالقات القبلية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫المحاباة‪ ،‬وخدمة األقارب‪ ،‬وتفضيلهم علي غيرهم‪ ،‬في الوظائف والخدمات‬
‫الرسمية‪( .‬أيوب أ‪)6 ،‬‬
‫وهناك مستوى آخر للعالقات القرابية‪ ،‬هو مستوي العالقات الساللية‪،‬‬
‫ومن الممكن اعتبار العالقات الساللية‪ ،‬جزءا من العالقات القبلية‪ ،‬إال أنما‬
‫يميز العالقات الساللية‪ ،‬هو اتساعها وبعدها الزمني لدرجة أن بعض األعضاء‬
‫الداخلين فيها‪ ،‬قد ال يعرفون بالضبط صلة النسب التي تربطهم بالجد‬
‫الحقيقي أو األسطوري للساللة‪.‬‬

‫‪417‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وعلي كل حال‪ ،‬فإن العالقات الساللية‪ ،‬تقوى أو تضعف‪ ،‬بناء علي‬


‫عوامل معينة‪ ،‬منها‪ :‬إدراك األصل الواحد‪ ،‬واألرض المشتركة‪ ،‬والعالقات‬
‫التاريخية القائمة داخل الساللة‪ ،‬ويتم التعامل داخل العالقات الساللية‪،‬‬
‫انطالقا من شيوخ القبائل‪ ،‬التي تنتمي إلي ساللة واحدة‪ ،‬ومن خاللهم توزع‬
‫االلتزامات‪ ،‬إلي األسر الكبيرة أو الصغيرة‪ ،‬وبصفة عامة‪ ،‬فإن العالقات‬
‫القرابية‪ ،‬أقوى ما تكون لدى األسرة الصغيرة‪ ،‬ثم داخل األسرة الكبيرة‪،‬‬
‫وتضعف بالتدريج‪ ،‬كلما اتجهنا نحو العالقات الساللية‪(.‬لويد‪)204 -202 ،‬‬
‫ثالثا‪ -‬النشأة الثقافية‪ -‬التعليمية (‪1940‬م‬
‫أشار الماحي في أكثر من مناسبة‪ ،‬إلى مراحل تعليمه الديني في‬
‫مؤسسات التعليم السائدة في شاد‪ ،‬ومن بينها مروره بمسيج البادية والقرية‬
‫والمدينة‪ ،‬وهي المؤسسات التي حفظ فيها القرآن الكريم‪ ،‬في سن العاشرة من‬
‫عمره‪ ،‬وكذلك تردده على المركز اإلسالمي للقوني دريدمي‪ ،‬ثم معاهد‬
‫المعلمين في الفترات ما بين ‪1966‬م في أبشة‪ ،‬وسنة ‪1968‬م في فورالمي‬
‫(أنجمينا )‪(.‬الماحي‪) 2-1،‬‬
‫ونظرا ألهمية‪ ،‬أثر مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬على شخصية‬
‫الماحي‪ ،‬الثقافية والتعليمية والمهنية فيما بعد‪ ،‬سوف نعطي القارئ الكريم‬
‫صورة تقريرية عنها‪.‬‬
‫أ‪-‬المسيج القرآني في البادية (‪1947-1940‬م)‬
‫ويصوره لنا األستاذ الدكتور عمر عبد الرحمن الماحي‪ ،‬على النحو‬
‫التالي‪ ":‬يلتف الصغار عندما يعودون من أعمالهم الشاقة – رعي البقر والغنم‬
‫واإلبل وإحضار الحطب والقش – في حلقات لحفظ القرآن الكريم حول‬
‫المعلم طوال أيام األسبوع‪ ،‬ماعدا الخميس والجمعة‪ ،‬وأيام العطل الرسمية‪،‬‬

‫‪418‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أهمها عطلة عيد الفطر وعيد األضحى المبارك ‪ 15‬يوما‪ ،‬أما عيد المولد‬
‫النبوي الشريف فمخصص له عشرة أيام "( الماحي‪)103 ،‬‬
‫ب‪-‬تعليم الماحي العربي اإلسالمي بفورتالمي (المركز اإلسالمي القوني‬
‫دريدمي) (‪1958-1950‬م)‬
‫مر الماحي في تعليمه العربي اإلسالمي‪ ،‬بعد حفظه للقرآن الكريم في‬
‫مؤسسة المسيج القرآني السابق عرضها‪ ،‬بعدد من المراحل‪ ،‬منها المدارس‬
‫األهلية العربية في فور المي (أنجمينا )‪ ،‬حيث أشار الماحي للباحث أكثر من‬
‫مرة‪ ،‬تردده على المركز اإلسالمي للقوني دريدمي‪ ،‬ومن المالحظ عدم اإلشارة‬
‫إلى المراحل الدراسية التي اجتازها في هذه المؤسسة‪ ،‬والشهادات التي نالها‬
‫وتاريخ نيلها‪ ،‬خاصة الشهادة الثانوية‪.‬‬
‫ج‪-‬التأهيل بمعاهد المعلمين (أبشة ‪ +‬فورت المي)(‪1966‬م‪،‬‬
‫‪1968‬م)‬
‫تأهل الماحي في المعاهد التربوية الحكومية العربية‪ ،‬وذلك بعد توظيفهم‬
‫في سلك التعليم العام‪ ،‬معلمين بدون شهادات أكاديمية أو تربوية‪ ،‬وهذه‬
‫المعاهد التربوية‪ ،‬أنشئت لمعالجة هذا الخلل التربوي‪ ،‬وهي جديدة نسبيا‪ ،‬إذ‬
‫سعت اإلدارة الفرنسية والشادية بعد االستقالل ‪ -‬اعترافا منها بمكانة اللغة‬
‫العربية في المجتمع الشادي – إلى إنشاء مؤسسات تربوية‪ ،‬تتولى تدريب‬
‫المعلمين لتدريس اللغة العربية‪ ،‬باإلضافة إلى اللغة الفرنسية‪.‬‬
‫وقد نال منها الماحي شهادة الدراسات العربية والتربوية‪ ،‬عام‬
‫‪1966‬م‪ ،‬من معهد المعلمين بأبشة‪ ،‬وشهادة الكفاءة التربوية بفورتالمي‪ ،‬سنة‬
‫‪1968‬م‪ (.‬الماحي‪)2-1،‬‬

‫‪419‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫د‪-‬البعثات العلمية نحو الدول العربية واإلسالمية (‪1984-1972‬م )‬


‫أرسل الماحي للدراسة بالخارج‪ ،‬إلى عدد من البلدان و الدول العربية‬
‫واإلسالمية‪ ،‬أولها كان إلى الجامعة اإلسالمية بالبيضاء (ليبيا )‪ ،‬ولكنها لم‬
‫تذكر في سيرته‪ ،‬نظرا لعدم نيله منها شهادة علمية‪ ،‬ويبدو أن الفترة التي‬
‫قضاها فيها كانت قصيرة أيضا‪ ،‬وقد أحجم الماحي عن اإلدالء بسبب مباشر‪،‬‬
‫لقطع دراسته بليبيا‪ ،‬أخذ الباحث هذه المعلومة من الماحي نفسه‪ ،‬مؤيدا‬
‫حديثه بإبراز بطاقة جامعية‪ ،‬من الجامعة اإلسالمية بالبيضاء‪ ،‬مما يؤكد حسه‬
‫القوي باالحتفاظ بالوثائق التاريخية‪ ،‬مهما طال عليها الزمن‪.‬‬
‫ثم بعث إلي السودان‪ ،‬وفيها أيضا انضم إلي أكثر من تخصص‪ ،‬ذكر‬
‫منها شهادة الدراسات الجامعية في الشريعة والقانون في كلية الدراسات‬
‫اإلسالمية والعربية‪ ،‬بجامعة أم درمان اإلسالمية عام ‪1974‬م‪ ،‬إلي أن رست‬
‫سفينته التعليمية‪ ،‬على التاريخ‪ ،‬فنال اإلجازة العالية في التاريخ والحضارة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬من جامعة أم درمان اإلسالمية عام ‪1977‬م‪.‬‬
‫ثم بعث إلى مصر‪ ،‬حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا في التاريخ‬
‫عام ‪1979‬م‪ ،‬بكلية اآلداب جامعة عين شمس بالقاهرة‪ ،‬وبعدها على درجة‬
‫الماجستير عام ‪1981‬م‪ ،‬والدكتوراه عام‪1984‬م في التاريخ الحديث‬
‫والمعاصر من نفس الجامعة والكلية‪.‬‬
‫وتميز الماحي في بعثته العلمية إلى مصر‪ ،‬بسنه لسنة حسنة‪ ،‬وهي‬
‫السعي لنشر الرسائل العلمية بعد مناقشتها‪ ،‬حيث حظي بنشر رسالته‬
‫للماجستير‪ ،‬بأكبر دار نشر في القاهرة وهي الهيئة المصرية‪( ،‬الماحي‪ ،‬عبد‬
‫الرحمن عمر‪ :‬تشاد من االستعمار حتى االستقالل‪ ،‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1982 ،‬م ) والتي ال يحظى بالنشر فيها من الكتاب‬

‫‪420‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المصريين إال المتميزين‪ ،‬وربما كان لتوصية اللجنة العلمية‪ ،‬التي ناقشت‬
‫الرسالة دور في هذا اإلنجاز‪ ،‬الذي حظي به أول إفريقي وشادي _حسب علم‬
‫الباحث‪ ،-‬مما أتاح للماحي الفرصة‪ ،‬ألن يدخل إلى األوسط العلمية‬
‫المصرية‪ ،‬من أوسع األبواب‪ ،‬فقد عرفته األوساط العلمية بعمله‪ ،‬قبل أي جهد‬
‫آخر فيما بعد‪ ،‬وهذه ميزة مصر تاريخيا‪ ،‬في احتضانها لإلعمال اإلبداعية‬
‫للمبدعين‪ ،‬ومن ثم استقطابهم‪ ،‬للعيش والعمل‪ ،‬فيها ولها‪.‬‬
‫وبعد فترة ليست بالطويلة‪ ،‬أتيحت للماحي فرصة للعمل – يالحظ أن‬
‫دور أساتذة وزمالء الماحي المصريين في الحصول عليها كبير‪ -‬بجامعة األمير‬
‫عبد القادر اإلسالمية بالقسطنطينية ‪/‬الجرائر‪ ،‬وأظن أنها تمتد من حوالي‬
‫(‪1994-1984‬م)‪ ،‬أي حوالي عشر سنوات‪ ،‬قضاها عضوا لهيئة التدريس‬
‫في التاريخ والحضارة‪ ،‬نشر فيها عمله الخالد‪ ،‬الدعوة اإلسالمية في أفريقيا‬
‫الواقع والمستقبل‪ ،‬وغيره من األبحاث‪ ،‬وهذا يدل على أن الفترة التي قضاها‬
‫في جامعة األمير عبد القادر اإلسالمية بالقسطنطينية‪ ،‬من أخصب مراحل‬
‫اإلنتاج العلمي للماحي‪.‬‬
‫فيصل بشاد (‪2013-1993‬م)‬ ‫رابعا‪-‬قيادة الماحي لجامعة الملك‬
‫وصل الماحي في زيارة خاطفة من الجزائر عام‪1993‬م‪ ،‬بدعوة من‬
‫رئيس جامعة الملك فيصل بشاد‪ ،‬الشيخ حسين حسن أبكر‪ ،‬رئيس المجلس‬
‫األعلى للشؤون اإلسالمية بجمهورية شاد‪ ،‬للتشاور حول وظيفة مدير لجامعة‬
‫الملك فيصل‪ ،‬بتمويل من هيئة اإلغاثة اإلسالمية العالمية‪ ،‬بناء على اتفاق‬
‫للتعاون مع الجامعة‪.‬‬
‫ونظرا لخبرته في العمل في الخارج‪ ،‬فقد الحظ أن المبلغ المتفاهم‬
‫عليه مع الهيئة‪ ،‬لوظيفة مدير لجامعة غير مناسب له‪ ،‬وبالتالي اقتضى األمر‪،‬‬

‫‪421‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أن يكتب له رئيس الجامعة‪ ،‬خطابا إلى الهيئة بالمملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫للنظر في إمكانية زيادة المرتب‪.‬‬
‫وهذا ما كان‪ ،‬بموافقة جميع األعضاء المؤسسين والهيئة اإلدارية‬
‫بالجامعة‪ ،‬ألن الهدف األساسي للمؤسسين والهيئة اإلدارية آنذاك‪ ،‬كان‬
‫استدراج جميع الشاديين بالخارج‪ ،‬الذين يحملون درجة الدكتوراه إلى الوطن‪،‬‬
‫لحماية مكتسب جامعة الملك فيصل بشاد‪.‬‬
‫ونظرا ألهمية نظرة المؤسسين لجامعة فيصل يشاد‪ ،‬وظروف تأسيسها‪،‬‬
‫نورد بعض المالمح من ذلك‪ ،‬لتتضح بعض القضايا‪ ،‬التي طرأت بعد ذلك‪.‬‬
‫أ‪-‬تأسيس جامعة الملك فيصل بشاد(‪1991‬م)‬
‫بعد التطور الكبير‪ ،‬الذي شهده المركز اإلسالمي للملك فيصل‬
‫بأنجمينا‪ ،‬في جميع المجاالت‪ ،‬خاصة تطور مؤسسات التعليم العربي داخله‪،‬‬
‫وما أحدثته من تأثير في بنية التعليم العربي خارجها‪.‬‬
‫وأهم مؤسسة تعليمية لمس الشاديون عملية تطورها‪ ،‬هي ثانوية الملك‬
‫فيصل‪ ،‬لتصدرها للمؤسسات التعليمية العربية في البالد‪ ،‬وضم المركز‬
‫اإلسالمي مؤسسا ت تعليمية متعددة‪ ،‬غطت معظم احتياجات المسلمين‬
‫التعليمية في العلوم الدينية والدنيوية‪ ،‬وفيها تم تطوير التعليم الثانوي بشكل‬
‫منهجي حديث‪.‬‬
‫على اعتبار أن الثانوية في هذا المركز‪ ،‬منذ إنشائها أخذت بالمنهج‬
‫األزهري باالتفاق مع وزارة التعليم الشادية‪ ،‬وبالتالي فإن الشهادة الثانوية لهذا‬
‫المركز‪ ،‬أول من اعترف بها هو األزهر الشريف‪ ،‬ثم رأت اللجان المختلفة‬
‫التي شكلتها وزارة التعليم الشادية‪ ،‬أهمية تنظيم شهادة ثانوية عربية شادية‬

‫‪422‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫لهذه الثانوية‪ ،‬ثم تعميمها إلى الثانويات األخرى‪ ،‬بعد أن وجدت االعتراف من‬
‫الخارج‪.‬‬
‫فقد أشارت هذه اللجان في تقاريرها‪ ،‬إلى أنه من غير المناسب‪ ،‬أن ال‬
‫تعترف الدولة الشادية‪ ،‬بهذا التطور الذي حدث في التعليم العربي في شاد‪،‬‬
‫خاصة بعد أن اعترفت به‪ ،‬أكبر مؤسسة تعليمية في العالم اإلسالمي‪ ،‬وهي‬
‫األزهر الشريف‪ ،‬وعـندها بدأت الدولة الشادية‪ ،‬سن القوانين واللوائح التي‬
‫تنظم‪ ،‬الشهادة الثانوية العربية الشادية‪ ،‬سنة ‪1984‬م وانطلقت من ثانوية‬
‫الملك فيصل‪.‬‬
‫ولكن مسيرة استعادة الهوية اإلسالمية العربية للمجتمع الشادي‪ ،‬أبت‬
‫أن ال تتوقف عند مستوى الشهادة الثانوية العربية‪ ،‬فسعى المهتمون بالتعليم‬
‫العربي اإلسالمي‪ ،‬وعلى رأسهم المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬إلى‬
‫االستجابة لحاجات المسلمين للتعليم العالي‪ ،‬ما بعد الثانوية العامة‪ ،‬طالما‬
‫استجابت الدولة الشادية‪ ،‬لهذا المطلب وحمل عدد كبير من أبناء المسلمين‬
‫الشهادة الثانوية العامة العربية‪ ،‬واتجهوا نحو الدول العربية واإلسالمية‪،‬‬
‫لمواصلة تعليمهم الجامعي‪ ،‬ولكن هذه البلدان‪ ،‬ال تستطيع تلبية‪ ،‬جميـع‬
‫االحتياجات الشادية في التعليم العالي‪.‬‬
‫ففكر المهتمون في إنشاء مؤسسة تعليمية عليا‪ ،‬توفر لهؤالء الطالب‬
‫من حملة الشهادة الثانوية العامة العربية‪ ،‬التعليم الجامعي‪ ،‬وقد اتجه التفكير‬
‫في البداية‪ ،‬إلى إنشاء معهد عالي للغة العربية‪ ،‬واستمرت الفكرة لفترة من‬
‫الزمن‪ ،‬دون أن تعد دراسة جدوى معمقة لها‪.‬‬
‫وبوصول الشيخ حسن حسين أبكر إلى رئاسة المجلس األعلى للشؤون‬
‫اإلسالمية عام ‪1991‬م‪ ،‬بدأ التفكير جديا في إنشاء كلية للغة العربية‬

‫‪423‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫والدراسات اإلسالمية‪ ،‬وصادف رجوع الباحث من الدراسة في الخارج‪،‬‬


‫وتعيينه أستاذا مساعدا بجامعة شاد هذا التاريخ‪ ،‬فالتقى برئيس المجلس‬
‫األعلى للشؤون اإلسالمية بعد تعيينه مباشرة‪ ،‬وتناقشا‪ ،‬حول إعداد دراسة‬
‫جدوى معمقة‪ ،‬حول مشروع إنشاء كلية للدراسات العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫فاتصل الباحث بجميع المهتمين بتطور اللغة العربية في شاد‪ ،‬خاصة‬
‫أعضاء المجلس األعلى للشـؤون اإلسالمية‪ ،‬واألسـاتذة بالمركز اإلسالمي‬
‫للملك فيصل‪ ،‬وأساتذة من جامعة شاد‪ ،‬وبعض المهتمين من المعهد العالي‬
‫للعلوم التربوية‪ ،‬وبعض الخبراء بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي‪،‬‬
‫واستشيرت إدارة التعليم العربي آنذاك‪.‬‬
‫وتم االتصال بالخبرات الشادية العاملة في الخارج‪ ،‬ومن ضمنها‬
‫الدكتور فضل كلود الدكو‪ ،‬عميد كلية اللغة العربية والدراسات اإلسالمية‪،‬‬
‫بالجامعة اإلسالمية بالنيجر آنذاك‪ ،‬والذي أمد الباحث بالوثائق األساسية‬
‫لكليته‪ ،‬والدكتور عبد الرحمن عمر الماحي‪ ،‬الذي يعمل بجامعة األمير عبد‬
‫القادر اإلسالمية بالجزائر‪ ،‬والدكتور عبد اهلل آدم أبو نظيفة‪ ،‬الذي كان يعمل‬
‫بجامعة الرياض‪.‬‬
‫وبعد فترة‪ ،‬تم إعداد مشروع كلية اللغة العربية والدراسات اإلسالمية‪،‬‬
‫وعقدت في المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬عدة جلسات عمل‪ ،‬لدراسة‬
‫الجوانب المختلفة‪ ،‬ضمت هذه االجتماعات معظم المهتمين بأمر اللغة‬
‫العربية والدراسات اإلسالمية في شاد‪ ،‬خاصة االجتماعات النهائية في تواريخ‬
‫‪1991\ 01\17 ،4،5‬م‪ ،‬فدرس المشروع من جميع جوانبه‪ ،‬سواء من‬
‫حيث وضوح األهداف‪ ،‬والمبررات والبرامج والمنهج والنظم واللوائح والقواعد‬

‫‪424‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫األساسية المقترحة للكلية وتحديد جهات التمويل‪ ،‬إلى غير ذلك من قضايا‬
‫اإلنشاء‪.‬‬
‫فقام الباحث بتقديم المشروع في كل هذه االجتماعات‪ ،‬باعتباره مقررا‬
‫ومكلفا‪ ،‬من قبل المجلس األعلى اإلسالمية‪ ،‬إلتمام المشروع‪ ،‬فساهم جميع‬
‫أعضاء اللجنة بآرائهم وخبراتهم ومالحظاتهم على المشروع‪ ،‬والتزم الباحث‬
‫دور المسجل لهذه المالحظات‪ ،‬سعيا منه ليأخذ المشروع جميع آراء‬
‫المهتمين في هذا البلد‪ ،‬فجمعت جميع اآلراء المطروحة‪ ،‬وما كان يرد رأيا‬
‫تقدم به أحد‪ ،‬إال إذا رأى أنه يسعى إلى هدم فكرة إنشاء الكلية‪ ،‬ولحسن‬
‫الحظ‪ ،‬أنه لم يحضر هذه االجتماعات من لديه معارضة واضحة لفكرة إنشاء‬
‫الكلية‪ ،‬رغم كبر حجم هذه الفئة في هذه البالد‪.‬‬
‫أما بعض اآلراء المتخوفة والمترددة‪ ،‬فقد تم الرد عليها وطمأنتها‪ ،‬بأن‬
‫هذه الكلية‪ ،‬ال تضر بموقع أحد‪ ،‬وأن تسييرها سيعتمد على جهود المجلس‬
‫األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬وتسهيالت الدولة الشادية‪ ،‬عبر وزارة التعليم‬
‫العالي والبحث العلمي‪ ،‬ومساعدات الهيئات والمنظمات اإلسالمية‪.‬‬
‫وبعد هذه الجلسات المكثفة والمناقشات المستفيضة‪ ،‬عقدت عدت‬
‫اجتماعات مع رئيس المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية لتقييم المالحظات‪،‬‬
‫والدرس المستفاد من االجتماعات السابقة‪ ،‬فخرجنا بكتابة جديدة لمشروع‬
‫الكلية‪ ،‬واتفق على تشكيل مجلس أمناء للكلية‪ ،‬وتم اختيار المرشحين‪،‬‬
‫ودعاهم رئيس المجلس إلى اجتماع جامع بتاريخ ‪1991\2\9‬م‪.‬‬
‫وفي اجتماع مجلس أمناء كلية اللغة العربية والدراسات اإلسالمية‬
‫األول‪ ،‬هذا‪ ،‬قام الباحث بعرض مشروع الكلية في صورته النهائية إلقراره‬
‫واعتباره الوثيقة األساسية إلنشاء الكلية‪ ،‬وبعد مناقشات هامة‪ ،‬خاصة وأن‬

‫‪425‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫االجتماع‪ ،‬ضــم عددا كبيرا من رموز العمل اإلسالمي والثقافي في البالد‪،‬‬


‫لمثل‪ :‬رئيس المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬وبعض أعضاء المجلس‪،‬‬
‫ومد راء بعض المنظمات اإلسالمية‪ ،‬مثل‪ :‬هيئة اإلغاثة اإلسالمية العالمية‬
‫بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬ومنظمة الدعوة اإلسالمية‪ ،‬ومدير إدارة التعليم‬
‫العربي بوزارة التربية ولتعليم‪ ،‬وأساتذة من جامعة شاد‪ ،‬وأساتذة من المعهد‬
‫العالي للعلوم التربوية‪ ،‬وأساتذة من مركز فيصل اإلسالمي‪ ،‬وأسـاتذة من البعثة‬
‫المصرية‪ ،‬وأستاذ من بعثة المنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة‪.‬‬
‫فرغم أن بعض أعضاء مجلس األمناء‪ ،‬قد أعجب بالمشروع في صيغته‬
‫النهائية‪ ،‬ألنه ضم جميع المالحظات التي أدلى بها البعض في اجتماعات‬
‫سابقة‪ ،‬إال أن بعـض األعضـاء أثار تسـاؤالت من نوع آخر‪ ،‬ولكن تم توضيحها‬
‫والتصدي لها من بعض األعضاء‪ ،‬إلى أن أقتنع الجميع بإقرار مشروع إنشاء‬
‫كلية اللغة العربية والدراسات اإلسالمية بجمهورية شاد‪.‬‬
‫وبعد اجتماع مجلس األمناء األول‪ ،‬وإقرار الوثيقة األساسية إلنشاء كلية‬
‫اللغة العربية والدراسات اإلسالمية‪ ،‬عقدت عدة اجتماعات في المجلس‬
‫األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬حول الخطوات التالية إلنشاء الكلية بشكل‬
‫رسمي‪ ،‬وأهمها خطوة طلب األذن‪ ،‬من وزارة التربية والتعليم‪ ،‬فقدم طلب‬
‫لمقابلة الوزير وتقديم الطلب إليه‪ ،‬وفعال قوبل الوزير‪ ،‬ورحب بالفكرة‪ ،‬وشكر‬
‫المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬الهتمامه بالتعليم العالي في البالد‪ ،‬ولكنه‬
‫عقب على ذلك بمالحظة هامة‪ ،‬مفادها‪ :‬أنه‪ ،‬ولكي ينجح المشروع‪ ،‬على‬
‫المجلس أن يحذف كلمة ( الدراسات اإلسالمية ) من اسم الكلية‪.‬‬
‫وهذه المالحظة‪ ،‬عبارة عن شرط مبدئي‪ ،‬لموافقة الوزارة في االستمرار‬
‫في دراسة الملف‪ ،‬فكانت هذه المالحظة أو الشرط أول عقبة رسمية تواجه‬

‫‪426‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫هم بعض أعضاء وفد الكلية أن يدلي بمعارضته‬ ‫فكرة إنشاء الكلية‪ ،‬وقد ّ‬
‫مباشرة أمام الوزير‪ ،‬فتدخلنا وطلبنا من الوزير‪ ،‬بأن يسمح لنا ببعض الوقت‬
‫لمناقشة اقتراحه حول تغيير االسم من ناحية‪ ،‬وإتاحة الفرصة للوزير لدراسة‬
‫الملف بتكامله من قبل المختصين لديه‪ ،‬من ناحية أخرى‪.‬‬
‫وبمجرد الرجوع إلى المجلس اجتمعنا‪ ،‬وتدارسنا العقبة األولى نحو‬
‫تأسيس الكلية وكيفية التعامل معها‪ ،‬فكان رأي البعض منا أن نتمسك باالسم‬
‫الذي أتفق عليه المؤسسون‪ ،‬واعتماد مجلس األمناء لذلك‪ ،‬وبالتالي نرفض‬
‫التعديل الذي أقترحه الوزير بحذف كلمة الدراسات اإلسالمية من مشروع‬
‫الكلية‪ ،‬وكان رأي األغلبية أن نتحلى بالحكمة وننظر إلى المضمون‪ ،‬فالوزير‬
‫إلى اآلن يقترح علينا تغييرا في الشكل فقط‪ ،‬ولم يصل إلى أي تعديل في‬
‫المنهج‪ ،‬وبالتالي فلنقبل هذا التعديل بسماحة ووسع أفق‪ ،‬عسى أن يقودنا إلى‬
‫نتائج أفضل‪ ،‬بدل الوقوف في أول الطريق‪ ،‬والدخول في معركة مع الوزارة‪ ،‬مع‬
‫علمنا بكل المعوقات التي تقف في طريق تطور اللغة العربية في هذه البالد‪،‬‬
‫فوافق الجميع على هذا الرأي‪ ،‬في األخير‪ ،‬وأبلغنا الوزير في اجتماع الحق‬
‫بقبولنا القتراحه‪ ،‬فترك ذلك أثرا طيبا في نفسه‪.‬‬
‫وعندها أقترح الوزير تشكيل لجنة علمية لدراسة الملف‪ ،‬والغريب أن‬
‫القرار الوزاري الخاص بهذه اللجنة‪ ،‬حدد مهمتها في دراسة إمكانية إنشاء‬
‫معهد عالي للغة العربية‪ ،‬وهي فكرة قديمة‪ ،‬وأقل من فكرة إنشاء كلية اللغة‬
‫العربية‪ ،‬التي وافق عليها الوزير أصال‪ ،‬واعتبر ذلك العقبة الرسمية الثانية التي‬
‫تواجه الكلية‪ ،‬فاقترح على األخوة الذين كانوا يعترضون على ذلك‪ ،‬بأن هذا‬
‫غير مهم‪.‬‬

‫‪427‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ولكنهم أشاروا بأن هذا قرار وزاري‪ ،‬وال يمكن للجنة أن تتجاوز‬
‫الوظائف الرسمية المحددة فيه‪ ،‬وهذا يعني أن دراسة اللجنة‪ ،‬تتوقف عند‬
‫المعهد العالي للغة العربية المحدد في القرار‪ ،‬وليس إنشاء كلية للغة العربية‪،‬‬
‫ومع ذلك قرر أعضاء اللجنة‪ ،‬بأن ال يستبقوا األحداث‪ ،‬وترك األمر لمداوالت‬
‫‪ARETE,‬‬ ‫اللجنة الوزارية‪ ،‬خاصة وأن بعض أصحاب المشروع‪ ،‬يتمتع بعضويتها‪.‬‬
‫‪N 431\MEN\DG\91;portant création d,une commission chargée de l,Examan création‬‬
‫‪d,un Institut Supérieur de Langue Arabe‬‬

‫وقد عقدت اللجنة عددا من االجتماعات داخل وزارة التربية والتعليم‪،‬‬


‫وركزت منذ البداية‪ ،‬على المقترح المقدم من المجلس األعلى للشؤون‬
‫اإلسالمية من جميع جوانبه‪ ،‬وبالتالي تم تجاوز مسألة المهد العالي للغة‬
‫العربية‪ ،‬منذ البداية‪ ،‬وركزت اللجنة اهتمامها على كلية اللغة العربية‪.‬‬
‫ولكن المشكلة‪ ،‬أن اللجنة وصلت إلى طريق مسدود‪ ،‬حينما تمسك‬
‫بعض أعضائها‪ ،‬وفي صفهم رئيس اللجنة‪ ،‬بأنه ال يمكن السماح بإقامة كلية‬
‫مستقلة‪ ،‬دون االعتماد على جامعة أو مؤسسة تعليمية كبرى تتبناها‪ ،‬واستندوا‬
‫في تعزيز رأيهم على التجربة الفرانكفونية‪ ،‬وأصر أعضاء اللجنة اآلخرون‪ ،‬على‬
‫أن تجارب البلدان اإلسالمية والعربية‪ ،‬التي تسمح بإنشاء كلية مستقلة‪،‬‬
‫وعندها انشقت اللجنة إلى فرقتين‪ ،‬وتمسك كل فريق برأيه‪ ،‬ودعم أدلته‬
‫بالشواهد والبراهين التي يعرفها‪ ،‬وشمل ذلك اقتراح‪ ،‬بأن تتبع الكلية جامعة‬
‫شاد الوطنية‪ ،‬أو أن تتبع جامعة أمد رمان اإلسالمية‪ ،‬ولكن هذا االقتراح رفض‬
‫جملة وتفصيال من رئيس اللجنة‪ ،‬وكاد عمل اللجنة أن يتوقف‪.‬‬
‫من اهلل بفرج من عنده‪ ،‬ففي أحد الجلسات التي خيم عليها‬ ‫إلى أن ّ‬
‫اليأس‪ ،‬في مكتب المدير العام النائب بوزارة التربية والتعليم األستاذ أحمد‬
‫تم تدارس الصعوبات التي تقف أمام عمل اللجنة‪ ،‬فانبرى أحد األعضاء‪،‬‬
‫بين‪ّ ،‬‬

‫‪428‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وهو األستاذ يونس عبيدو‪ ،‬و كان أقل أعضاء اللجنة مشاركة‪ ،‬في السابق‪،‬‬
‫وحاول أن يدلي برأي محايد‪ ،‬علّه يساهم في نجاح عمل اللجنة‪ ،‬وطرح رأيه‬
‫في شكل تساؤل مفاده‪ :‬ما المانع من تطوير المركز اإلسالمي للملك فيصل‪،‬‬
‫بأنجمينا إلى مؤسسة جامعية ؟ تحمل نفس االسم‪ ،‬طالما أنه المؤسسة األكثر‬
‫؟( ‪PROCESVERBAL de la Reunion du‬‬ ‫تطورا في التعليم العربي في البالد اآلن‬
‫‪)Samedi 23 November 1991\men\dg\ NDJAMENA‬‬

‫فكان رد رئيس اللجنة‪ ،‬بأن ال مانع من ذلك‪ ،‬فاندهش الجميع‪ ،‬خاصة‬


‫أصحاب المشروع‪ ،‬لهذا االنفراج في المسألة من ناحية‪ ،‬ولوصول أعمال‬
‫اللجنة‪ ،‬إلى هدف‪ ،‬كانوا يحسبون أنهم لن يصلوا إليه‪ ،‬إال بعد سنوات طويلة‬
‫من ناحية أخرى‪.‬‬
‫فوافق الجميع بسرعة على هذا االقتراح‪ ،‬الذي يعني‪ :‬إذا أجازه الوزير‪،‬‬
‫إنشاء أول جامعة باللغة العربية في شاد‪ ،‬فاتفق الجميع على توصية‪ ،‬ترفعها‬
‫اللجنة إلى الوزير‪ ،‬توصي بإنشاء مؤسسة تعليمية عليا‪ ،‬تحت اسم (جامعة‬
‫الملك فيصل ) وبعد فترة أصدرت الوزارة قرارها رقم (‪ )299‬بتاريخ‬
‫‪1992\3\21‬م يقـر هذه التوصية‪.‬‬
‫‪ARETEE,N299\men\seers\dg\92,Portant Overtured,un‬‬ ‫‪Establishment‬‬
‫‪d,EnseignementSuperieur‬‬
‫وبعد صدور القرار جلسنا في المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪،‬‬
‫نتدارس الهدية الكبرى للمسلمين التي جاءت قـبل توقعها‪ ،‬وكيـفية المحافظة‬
‫على هذا المكتسب الحضاري الهام‪ ،‬وهنا شعر الجميع بثقل المسؤولية‪،‬‬
‫ودعي مجلس األمناء الجتماع غير عادي‪ ،‬فأقر مجلس األمناء القرار الوزاري‬
‫بترقية مشروع الكلية‪ ،‬إلى جامعة‪ ،‬على أن تبدأ الدراسة في العام الجامعي‬
‫‪92\91‬م‪ ،‬بكلية اللغة العربية‪ ،‬وقبول اقتراح الوزير‪ ،‬بحذف عبارة (‬
‫الدراسات اإلسالمية ) من اسـم الكلية‪ ،‬شكال‪ ،‬وتجسيدها في المنهج‬
‫‪429‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫والمضمون‪ ،‬ومن القرارات الهامة التي خرج بها هذا االجتماع‪ ،‬هو المحافظة‬
‫على الحكمـة والتدرج في تطور هذه المؤسسة الناشئة‪.‬‬
‫ثم بدأت الكلية قبول الطالب‪ ،‬والدراسة في فصول وقاعات مستعارة‪،‬‬
‫من مركز فيصل اإلسالمي‪ ،‬ولجنة مسلمي أفريقيا‪ ،‬وسعت في نفس الوقت‬
‫لدى الجهات الرسمية في الدولة الشادية‪ ،‬ألخذ قطع أرض للبناء فيها‬
‫مستقبال‪ ،‬فمنحت الدولة للجامعة قطع أرض كبيرة في العاصمة أنجمينا‪،‬‬
‫إلنشاء كلياتها ومؤسساتها المختلفة‪.‬‬
‫وبتخريج أول دفعة من الجامعة‪ ،‬عام ‪1995‬م‪ ،‬وكانت الجامعة تحت‬
‫القيادة السلطانية للماحي‪ ،‬ولكنها في أيامها األولى‪ ،‬واجهة جامعة الملك‬
‫فيصل‪ ،‬صعوبات تتعلق بوضعها القانوني‪ ،‬مما استدعى من وزارة التعليم‬
‫العالي‪ ،‬أن تشكل عددا من اللجان لدراسة حالتها القانونية‪ ،‬وقد كان الباحث‬
‫عضوا في معظم هذه اللجان‪ ،‬وفي جلسات معينة احتد النقاش بين األعضاء‪،‬‬
‫بين مؤيدين ومعارضين لوضع الجامعة‪ ،‬إلى وصل األمر ببعض األعضاء إلى‬
‫طلب قفل الجامعة‪ ،‬وضم طالبها إلى جامعة شاد سابقا‪ ،‬فطلب األعضاء‬
‫المؤيدين‪ ،‬لضرورة وجود جامعة الملك فيصل‪ ،‬رفع الجلسات للتشاور‪ ،‬فطرح‬
‫الموضوع على أعلى الجهات في الدولة‪ ،‬ومن ثم البحث عن عالج‪ ،‬يحمي‬
‫مكتسب جامعة الملك فيصل‪.‬‬
‫فعقدت لقاءات‪ ،‬مع جهات أكاديمية وإدارية وقانونية‪ ،‬فكان الحل‪ ،‬هو‬
‫إصدار مرسوم رئاسي يحمي جامعة الملك فيصل من المتربصين بها‪ ،‬على أن‬
‫تبدأ الجامعة في استكمال الشروط العلمية والقانونية‪ ،‬لسير عملها حسب‬
‫النظم القانونية المعمول بها في الدولة الشادية‪.‬‬

‫‪430‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ب‪-‬مظاهر ريادة الماحي في جامعة الملك فيصل بشاد (‪-1994‬‬


‫‪2013‬م)‬
‫استلم الماحي عمله بشكل فعلي‪ ،‬مديرا لجامعة الملك فيصل بشاد‬
‫عام ‪1994‬م‪ ،‬وذلك بعد أن أتم جميع إجراءاته العملية والعلمية بالجزائر‪،‬‬
‫أهمها ترقيته إلى أستاذ كرسي في التاريخ والحضارة‪ ،‬من جامعة األمير عبد‬
‫القادر‪ ،‬التي اقتضت التأخر إلى نهاية عام ‪1993‬م‪ ،‬رغم تعاقده مع جامعة‬
‫الملك فيصل منذ أشهر‪.‬‬
‫وكان مكتب الماحي‪ ،‬في مقر المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬في‬
‫المنزل المخصص في مركز الملك فيصل اإلسالمي سكنا إلمام مسجد‬
‫الملك فيصل‪ ،‬ولكن جرت العادة منذ افتتاح المركز‪ ،‬أن يترك لسكن البعثة‬
‫المصرية األزهرية‪ ،‬وبعد تأسيس كلية اللغة العربية للدراسات الجامعية‪ ،‬أتخذ‬
‫مقرا إلدارة الكلية‪ ،‬فضم مكاتب العميد واألمين العام ومكتبة الكلية ومكتب‬
‫الدراسة واالمتحانات‪ ،‬وبوصول الماحي‪ ،‬تنحى عميد الكلية عن مكتبه لمدير‬
‫الجامعة الجديد‪ ،‬وكان يتردد على مكتبه متنقال بالتاكسي‪ ،‬وهذا أول أمر أثار‬
‫المؤسسين‪ ،‬فكان البحث عن سيارة للمدير قبل كل شيء‪ ،‬فاشتريت سيارة‬
‫لمدير جامعة الملك فيصل‪ ،‬من أول دعم خارجي يصل للجامعة‪.‬‬
‫(‪ -)1‬الريادة التنظيمية واإلدارية‬
‫وجد الماحي‪ ،‬جامعة الملك فيصل‪ ،‬تقوم على ثالث وثائق تنظيمية‪،‬‬
‫هي وثيقة التأسيس‪ ،‬والنظام األساسي للجامعة‪ ،‬والالئحة الداخلية‪.‬‬
‫حيث تضمنت وثيقة التأسيس‪ ،‬رسالة ورؤية الجامعة وأهدافها ووسائل‬
‫وتاريخه‪(.‬وثيقة تأسيس‬ ‫تحقيقها‪ ،‬وقائمة بأسماء المؤسسين‪ ،‬ومكان التأسيس‬
‫جامعة الملك فيصل‪1992 /02/09،‬م‪)2-1 ،‬‬

‫‪431‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وتناول النظام األساسي لجامعة الملك فيصل‪ ،‬النقاط التنظيمية الهامة‪،‬‬


‫لمجالس الجامعة‪ ،‬خاصة المجلس التأسيسي‪ ،‬ومجلس األمناء‪ ،‬ومجلس‬
‫اإلدارة التنفيذية‪ ،‬ومجلس األساتذة‪ ،‬ومن من تتكون هذه المجالس‪ ،‬وشروط‬
‫أعضائها‪(.‬النظام األساسي لجامعة الملك‬ ‫عضويتها‪ ،‬وفترات انعقادها‪ ،‬وصالحيات‬
‫فيصل‪1992،‬م)‬
‫بينما الالئحة الداخلية لجامعة الملك فيصل‪ ،‬فصلت فيما أجملته وثيقة‬
‫تنفيذية‪(.‬الالئحة الداخلية لجامعة‬ ‫الـتأسيس والنظام األساسي من أحكام ومبادئ‬
‫الملك فيصل‪1992 ،‬م)‬
‫وقد تمثلت ريادة الماحي‪ ،‬في تفعيله للنظام جامعة الملك فيصل‪،‬‬
‫خاصة النظام األساسي والالئحة الداخلية‪ ،‬بأن أجرى تغييرا في عدد من‬
‫الفقرات‪ ،‬التي تعزز مكانة رئيس الجامعة من ناحية‪ ،‬وإبعاد المجلس التأسيسي‬
‫من ناحية أخرى‪.‬‬
‫باإلضافة إلى تعديالت هامة في النظام األساسي‪ ،‬تسمح لرئيس الجامعة‬
‫بتغيير أعضاء مجلس األمناء‪ ،‬واقتراح تنظيم إداري خاص‪ ،‬يتيح لرئيس‬
‫الجامعة تعيين اإلداريين‪ ،‬في المناصب العليا في الجامعة‪ ،‬بدون رجوع‬
‫لمجلس األمناء‪.‬‬
‫وهذه تعديالت أتاحت للماحي‪ ،‬حرية العمل دون قيود‪ ،‬طيلة الفترة‬
‫التي قاد فيها جامعة الملك فيصل‪ ،‬ووفرة له مرونة إدارية‪ ،‬ال تعطيها له النظم‬
‫واللوائح األولى في جامعة الملك فيصل‪.‬‬
‫(‪ -)2‬الريادة في تكوين األطر األكاديمية والمهنية‬
‫عمل الماحي جهده في االستمرار في تكوين األطر المثقفة باللغة‬
‫العربية‪ ،‬من خالل الكليات واألقسام‪ ،‬التي ساهم في افتتاحها‪ ،‬حيث لم يجد‬
‫أمامه في الجامعة إال طالب الشعبة العامة من كلية اللغة العربية‪.‬‬
‫‪432‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-1‬كلية اللغة العربية (شعبة عامة ) ‪1992/1991‬م‬


‫وهي الكلية األم لجامعة الملك فيصل‪ ،‬حيث افتتحت في العام‬
‫الجامعي ‪1992/1991‬م‪ ،‬ولكن بشعبة واحدة هي الشعبة العامة‪ ،‬أضاف‬
‫إليها الماحي شعبتا هما‪ :‬القراءات والدراسات اإلسالمية‪ ،‬والصحافة واإلعالم‪،‬‬
‫وهي أقسام كان من المقترح أن تكون من مكونات الكلية منذ إنشائها‪ ،‬على‬
‫غرار التجربة األزهرية‪.‬‬
‫‪-2‬كلية الشارقة للعلوم التربوية(التاريخ والجغرافيا) ‪1995/1994‬م‬
‫وكلية الشارقة للعلوم التربوية (التاريخ والجغرافيا) التي افتتحت في العام‬
‫الجامعي ‪1995/1994‬م‪ ،‬قد أتمت الجامعة دراسات الجدوى الفتتاحها‪،‬‬
‫قبل وصول الماحي بسنة واحدة‪ ،‬ولكن وصول الماحي جعلها تخرج حسب‬
‫إرادته‪ ،‬وتكون على غرار أقسام التاريخ في كليات اآلداب‪ ،‬وهذا األمر لم‬
‫يكن في الدراسات الجامعية فقط‪ ،‬ولكن تم في الدراسات العليا أيضا‪ ،‬حيث‬
‫لم تناقش رسالة واحدة في العلوم التربوية من بداية الدراسات العليا‪.‬‬
‫‪-3‬كلية الدراسات العليا ‪1997/1996‬م‬
‫وظهرت ريادة الماحي بشكل واضح‪ ،‬في كلية الدراسات العليا‪ ،‬التي‬
‫افتتحت‪ ،‬في العام الجامعي ‪1997/1996‬م‪ ،‬فجل الرسائل واألطروحات‬
‫العلمية التي نوقشت بالجامعة‪ ،‬في التاريخ الحديث والمعاصر‪ ،‬تخصص‬
‫الماحي‪ ،‬وقليل من الرسائل في الحضارة اإلسالمية‪ ،‬و خصص الباقي من‬
‫الرسائل للغة العربية‪ ،‬بحكم أقديمتها‪ ،‬وحاجة البالد والمؤسسات‬
‫للمتخصصين فيها‪.‬‬

‫‪433‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-4‬كلية هندسة الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات التي افتتحت في‬


‫العام الجامعي‪2000/1999 ،‬م‬
‫وكلية هندسة الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات‪ ،‬التي افتتحت في العام‬
‫الجامعي‪2000/1999 ،‬م‪ ،‬تعبر عن حاجة ملحة‪ ،‬للتطورات العلمية التي‬
‫تمر بها البالد‪ ،‬وهي تطوير من الماحي لمركز المدينة للتدريب‪ ،‬الذي أهدي‬
‫من هيئة اإلغاثة اإلسالمية بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬إلى جامعة الملك‬
‫فيصل‪ ،‬فسعى الماحي إلى تطويره إلى كلية‪ ،‬بمساعدة الخبرات المصرية‬
‫والشادية‪ ،‬فكونت الكلية الرعيل األول‪ ،‬من المهندسين في الحاسوب‪ ،‬ومما‬
‫شجع على وجودهم‪ ،‬الدعم في التكوين للدراسات العليا من الجامعة الماليزية‬
‫للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬التي أعدت عددا من أعضاء هيئة التدريس من خريجي‬
‫الكلية‪ ،‬ويسمح وجود هذه الكلية‪ ،‬بالسعي إلى فتح كلية العلوم والتكنولوجيا‬
‫في المستقبل‪.‬‬
‫‪-5‬المعهد العالي للعلوم والتقنيات الصحية ‪2004/2003‬م‬
‫والمعهد العالي للعلوم والتقنيات الصحية‪ ،‬الذي افتتح في العام‬
‫الجامعي‪2004/2003 ،‬م‪ ،‬من المساهمات الهامة للماحي في جامعة الملك‬
‫فيصل‪ ،‬ودعمه بتعاون علمي ومهني مع وزارة الصحة‪ ،‬لقبول طالب المعهد‬
‫في التدريبات العملية في المستشفيات الرسمية من جانب‪ ،‬وتوظيف‬
‫الخريجين من جانب آخر‪.‬‬
‫ووجود هذا المعهد‪ ،‬يدعم الجانبين التقني والطبي بالجامعة‪ ،‬مما‬
‫يخرجها من النظرة النظرية أو العمومية‪ ،‬التي من الممكن أن يالحظها‬
‫المراقب‪ ،‬من غلبة التخصصات النظرية‪ ،‬على التخصصات العملية أو‬
‫التطبيقية‪ ،‬بجامعة الملك فيصل‪.‬‬

‫‪434‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-6‬كلية قطر لإلدارة واالقتصاد ‪2003-2002‬م‬


‫وكلية قطر لإلدارة واالقتصاد‪ ،‬التي افتتحت في العام الجامعي‪،‬‬
‫‪2003-2002‬م‪ ،‬كانت ثمرت جهود بذلها الماحي‪ ،‬ورئيس المجلس‬
‫األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬مع وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بدولة قطر‬
‫الشقيقة‪ ،‬وتلبي احتياجات المجتمع الشادي في الجوانب اإلدارية‬
‫واالقتصادية‪.‬‬
‫ويخبرنا رئيس المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬الشيخ الدكتور‬
‫‪/‬حسين حسن أبكر‪ ،‬أنه حضر مع أحد القياديين في الشؤون اإلسالمية‪ ،‬من‬
‫دولة قطر أحد المؤتمرات اإلسالمية في مصر‪ ،‬وفي نقاش حاد حول أوضاع‬
‫المسلمين في شاد‪ ،‬شخص فيه القطري‪ ،‬أن مشكالت المسلمين في شاد‪،‬‬
‫تتمثل في نقص األطر اإلدارية واالقتصادية‪ ،‬والحل لديه هو إنشاء كلية‪،‬‬
‫لإلعداد هذه األطر في شاد‪ ،‬فكان ميالد كلية قطر لإلدارة واالقتصاد‪ ،‬بجامعة‬
‫الملك فيصل‪.‬‬
‫‪-7‬كلية إدريس ديبي إتنو للحقوق ‪2007/2006‬م‬
‫أما كلية إدريس ديبي إتنو للحقوق‪ ،‬التي افتتحت في العام الجامعي‪،‬‬
‫‪2007/2006‬م‪ ،‬فإن إنشاءها كان بإرادة محلية‪ ،‬حيث عرض رئيس‬
‫المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬في احتفال تسليم مباني كلية العلوم‬
‫التربوية‪ ،‬أن يبني رئيس الجمهورية كلية للحقوق‪ ،‬كمساهمة منه في تطوير‬
‫جامعة الملك فيصل‪ ،‬وجاءت استجابة الرئيس فورية‪ ،‬وشرعت إدارة الجامعة‪،‬‬
‫بقيادة الماحي في تنفيذ المشروع‪ ،‬وكان لمساهمات خريجي هذه الكلية في‬
‫سلك القضاء الشادي‪ ،‬بصمات سريعة‪ ،‬رغم أنها من آخر الكليات التي‬
‫أنشئت بالجامعة‪.‬‬

‫‪435‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫(‪ -)3‬ريادة المشاركة في المحافل والمؤتمرات العلمية الداخلية‬


‫والخارجية‪.‬‬
‫يعرف عن الماحي‪ ،‬قدرته الفائقة‪ ،‬في المشاركة المحافل والمؤتمرات‬
‫العلمية‪ ،‬الداخلية والخارجية‪ ،‬فهو عضو دائم في المؤتمرات التي يقيمها‬
‫المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية بجمهورية مصر العربية‪ ،‬والمائدة‬
‫المستديرة التي تقيمها جامعة ناصر بليبيا‪ ،‬وجميع فعاليات الهيئات المختلفة‬
‫لرابطة العالم اإلسالمي بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬ووزارة األوقاف بالمملكة‬
‫العربية السعودية‪ ،‬والمجلس األعلى للشؤون اإلسالمية بالجزائر‪ ،‬والمؤتمرات‬
‫العلمية التي يقيمها الصندوق العربي للمعونة الفنية للدول األفريقية التابع‬
‫لجامعة الدول العربية‪ ،‬والندوة العلمية للشباب اإلسالمي بالرياض‪ ،‬والرحالت‬
‫التدريبية التي تنظمها السفارة األمريكية‪ ،‬للقيادات الشادية في الواليات‬
‫المتحد األمريكية‪...‬وغيرها من المؤسسات والجامعات النشطة‪.‬‬
‫وساهم الماحي في عقد خمس ندوات علمية دولية في الداخل هي‪:‬‬
‫ندوة ‪/‬األصول التاريخية للعالقات العربية واألفريقية في منطقة السحل‪،‬‬
‫سنة ‪1998‬م‬
‫ندوة ‪/‬اللغة العربية في شاد الواقع والمستقبل‪ ،‬سنة ‪2001‬م‬
‫ندوة ‪/‬عالمية األدب اإلسالمي‪ ،‬سنة ‪2002‬م‬
‫ندوة ‪/‬التعليم العربي اإلسالمي وأثره في التنمية والتطور في أفريقيا‪ ،‬سنة‬
‫‪2004‬م‬
‫ندوة ‪/‬الديمقراطية والسالم والتنمية في شاد في عهد فخامة السيد‬
‫الرئيس إدريس ديبي إتنو رئيس الجمهورية رأس الدولة‪ ،‬سنة ‪2010‬م‪.‬‬

‫‪436‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وفي الخارج مشاركات الماحي تأخذ الرقم القياسي‪ ،‬فقد ذكر الماحي‬
‫في سيرته‪ ،‬أنه شارك في ندوات ومؤتمرات‪ ،‬أقيمت في أكثر من ‪ 77‬دولة في‬
‫العالم‪.‬‬
‫ساهم الماحي في إنشاء عد من المراكز المخصصة في الجامعة أهمها‪:‬‬
‫مركز المدينة المنورة للتدريب‪ ،‬أفتتح عام ‪1994‬م‪ ،‬مهمته التدريب‬
‫على الحاسوب باللغة العربية والفرنسية‪.‬‬
‫مركز الخدمات الجامعية الذي افتتح عام ‪1999‬م‬
‫مركز الوثائق والدراسات األفريقية والترجمة‪ ،‬الذي أفتتح عام ‪2000‬م‬
‫مركز الوسائل التعليمية‪ ،‬الذي أفتتح عام ‪2000‬م‬
‫مركز المعلوماتية‪ ،‬الذي أفتتح عام ‪2005‬‬
‫مركز اللغات والترجمة‪ ،‬الذي افتتح عام ‪2007‬م‬
‫وأضاف وطور الماحي عددا من المرافق للجامعة‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫تطويره للمكتبة المركزية‬
‫مستوصف التضامن اإلسالمي‬
‫مطبعة الجامعة‬
‫مسجد الجامعة‬
‫تضمن التعريف بجامعة الملك فيصل الذي صدر في العام الجامعي (‬
‫‪2011/2010‬م )‪ ،‬جميع إنجازات الماحي في قيادته السلطانية لجامعة‬
‫الملك فيصل‪ (.‬العريف بجامعة الملك فيصل‪1432/1431 :‬ه الموافق‬
‫‪2011/2010‬م‪ ،‬ص ‪)18‬‬

‫‪437‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫(‪-)4‬الريادة في اإلنتاج العلمي‬


‫تتمثل الريادة في اإلنتاج العلمي للماحي‪ ،‬في الكتب واألبحاث العلمية‬
‫التي نشرها‪ ،‬وكانت البداية بنشره لرسالة الماجستير‪ ،‬التي نالها من جامعة عين‬
‫شمس تحت عنوان‪ :‬تشاد من االستعمار حتى االستقالل (‪-1894‬‬
‫‪1960‬م)‪ ،‬نشرها في أكبر دار نشر بالقاهرة‪ ،‬وهي الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬وهو رائد في ميدان االهتمام بالرسائل الجامعية‪ ،‬من خالل العناية‬
‫بنشرها لتعم الفائدة‪ ،‬وهي ميزة الباحثين العلميين في الجامعات الكبيرة‪ ،‬حتى‬
‫أن بعض الجامعات اآلن‪ ،‬توصي بنشر الرسائل المبتكرة‪ ،‬وتتحمل نفقات‬
‫النشر في أعمال علمية معينة‪ ،‬ترى الجامعة أهمية تبادلها مع الجامعات‬
‫األخرى‪.‬‬
‫بعد ذلك نشر الماحي عمله الخالد‪ ،‬الدعوة اإلسالمية في أفريقيا‬
‫الواقع والمستقبل‪ ،‬فقد سد هذا العمل العلمي‪ ،‬فراغا في المعلومات عن‬
‫الدعوة اإلسالمية في أفريقيا‪ ،‬ظلت تعاني منه الدراسات العلمية‪ ،‬في هذا‬
‫الموضوع لفترة طويلة من الزمن‪ ،‬وأكبر خدمة قدمها هذا الكتاب‪ ،‬ليس في‬
‫انتشاره في الجزائر واإلمارات‪ ،‬وأجزاء كبيرة من أفريقيا‪ ،‬وإنما في اعتماده‪ ،‬في‬
‫مقررات الشهادة العالمية السودانية‪ ،‬التي تقيمها جامعة أفريقيا العالمية‪،‬‬
‫لجميع الطالب األفارقة الذين يواجهون صعوبة‪ ،‬في تنظيم شهادة ثانوية عربية‬
‫إسالمية في بلدانهم‪.‬‬
‫وتلي ذلك‪ ،‬نشر أطروحته للدكتوراه التي بعنوان‪ :‬المجتمع التشادي في‬
‫عهد االحتالل الفرنسي (‪1960-1918‬م)‪ ،‬قدم وصفا تقريريا لحياة‬
‫المجتمع التشادي في ظل االحتالل الفرنسي‪ ،‬عارضا ألهم التأثيرات‬

‫‪438‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية‪ ،‬التي أحدثا االستعمار الفرنسي‬


‫في البناء االجتماعي الشادي‪.‬‬
‫وختم أعماله بكتاب تاريخي‪ ،‬تناول أحداث القرن العشرين‪ ،‬ساهم فيه‬
‫بتحليالت تاريخية لألحداث الهامة في القرن العشرين‪.‬‬
‫هذه هي الكتب األربعة للماحي‪ ،‬التي بين يدي الباحث‪ ،‬أما األبحاث‬
‫العلمية‪ ،‬فهناك بحث عن رحالت القوافل نحو أفريقيا‪ ،‬نشر في حولية الجامعة‬
‫اإلسالمية بالنيجر‪ ،‬وقد أشارت بعض المطويات والسيرة الذاتية للماحي إلى‬
‫عناوين كثيرة‪ ،‬ولكن دون توثيق علمي لها‪ ،‬يحدد جهات نشرها واألماكن‬
‫والتواريخ‪ ،‬مما يصعب على الباحث إثباتها في هذا البحث‪.‬‬
‫ج‪-‬مظاهر القيادة السلطانية لجامعة الملك فيصل (‪-1994‬‬
‫‪2013‬م)‬
‫وكان أولى خطوات الماحي في القيادة السلطانية‪ ،‬البحث عن األعوان‬
‫واألعيان والموالين‪ ،‬من داخل الهيئات التي وجدها أمامه‪ ،‬ومنها المجلس‬
‫األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬والمجلس التأسيسي‪ ،‬ومجلس األمناء‪ ،‬والمجلس‬
‫اإلداري للجامعة‪ ،‬ونقابة األساتذة والباحثين‪ ،‬واتحاد طالب جامعة الملك‬
‫فيصل‪ ،‬فماذا كانت مواقف هذه الهيئات‪ ،‬من قيادة الماحي السلطانية‪،‬‬
‫لجامعة الملك فيصل بشاد؟‪.‬‬
‫(‪ -)1‬المجلس التأسيسي لجامعة الملك فيصل ( العام‬
‫الجامعي‪1992-1991‬م)‬
‫استقر الماحي في مدينة أنجمينا‪ ،‬عام ‪1994‬م‪ ،‬والتي غادرها‪ ،‬منذ عام‬
‫‪1972‬م‪ ،‬أو قبله بقليل‪ ،‬وهي فترة تزيد عن العشرين عاما‪ ،‬ولكنه كان يتردد‬

‫‪439‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫عليها في اإلجازات‪ ،‬وما بين البعثات التعليمية‪ ،‬ولم يذكر أنه استقر طويال في‬
‫أنجمينا خالل هذه الفترة‪.‬‬
‫واستمر الماحي‪ ،‬في التعرف على مضامين المهمة الجديدة‪ ،‬الملقاة‬
‫على عاتقه‪ ،‬وهي قيادة مؤسسة ناشئة‪ ،‬في وسط اجتماعي وسياسي كان يعرفه‪،‬‬
‫ويعرف البيئة االجتماعية المحيطة بالجامعة‪ ،‬خاصة وضعيتها مع المجلس‬
‫األعلى للشؤون اإلسالمية بجمهورية شاد‪ ،‬وطبيعة الذين أسسوها‪ ،‬والهيئات‬
‫التي تقوم بتسييرها‪ ،‬والعالقات الخارجية للجامعة‪ ،‬مع المنظمات والجامعات‬
‫والدول العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫ومن المالحظ أن الماحي‪ ،‬استفاد من التجربة السلطانية للجماعات‬
‫العربية حول بحيرة الشط‪ ،‬التي نشأ وترعرع فيها‪ ،‬خاصة أسلوب تكوين‬
‫األعيان والمساعدين المؤيدين‪ ،‬والعالقات القرابية التي تدعم هذا النسيج‬
‫السلطاني‪ ،‬في قيادة المناطق والمدن والبلدان‪ ،‬خاصة أنه وجد نموذجا‪،‬‬
‫جاهزا في قيادة سلطان مدينة أنجمينا لجميع سكانها‪ ،‬قيادة تقليدية ناجحة‪،‬‬
‫جعلت الدولة الشادية الحديثة تستعين به‪ ،‬في حل بعض المسائل االجتماعية‪،‬‬
‫في إطار االتفاقية التحالفية التي تربط جميع القاطنين في مدينة أنجمينا‬
‫وضواحيها‪ ،‬بعالقات اجتماعية‪ ،‬لتنظيم العيش المشترك‪ ،‬بقيادة سلطان‬
‫أنجمينا وضواحيها‪.‬‬
‫ونظرا ألهمية هذه االتفاقية التحالفية في القيادة السلطانية لسلطان‬
‫أنجمينا وضواحيها‪ ،‬في تسييره ألمور الناس التقليدية في العاصمة‪ ،‬ومدى‬
‫مساعدتها لنا في فهم القيادة السلطانية للماحي لجامعة الملك فيصل‪ ،‬نود‬
‫إعطاء نبذة عنها‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ظهرت العالقات التحالفية في التجمعات األفريقية‪ ،‬نتيجة الضغوط‬


‫الخارجية‪ ،‬وظروف العيش في مناطق جذب سكاني‪ ،‬تفد إليها مجموعات‬
‫سكانية متباينة‪ ،‬بين وقت وآخر‪ ،‬وما تبع ذلك من تكوين للمدن الكبيرة‪،‬‬
‫أستدعى كل هذا‪ ،‬قيام تجمعات أكبر حجما من الناحية العددية‪ ،‬ولهذا‬
‫ظهرت الضرورة إلى قبول اآلخرين‪ ،‬سواء أكانوا قبائل أخري أم مجموعات‬
‫مكانية‪ ،‬وهذا ما أدي‪ ،‬إلي ظهور التجمعات التحالفية‪ ،‬التي يقودها‪ ،‬ممثلو‬
‫القبائل والسالالت‪ ،‬والتجمعات المكانية‪(.‬أيوب‪)23 ،‬‬
‫ويدعم المجتمع الشادي‪ ،‬العالقات التحالفية‪ ،‬ألنها تسمح بقيام‬
‫عالقات اجتماعية‪ ،‬تتجاوز العالقات القبلية والساللية والمكانية واإلقليمية‪،‬‬
‫وذلك من أجل إرساء دعائم التجمع الكبير‪ ،‬الذي من طبيعته التسامح‪ ،‬وأكبر‬
‫مثال يشار إليه للعالقات التحالفية في شاد‪ ،‬ما عقدته التجمعات المتحالفة‬
‫في العاصمة أنجمينا من اتفاقية تشمل‪ -‬تقريبا – جميع القبائل والسالالت‬
‫والتجمعات المكانية‪ ،‬تحت قيادة سلطان أنجمينا وضواحيها‪ ،‬بهدف تنظيم‬
‫العالقات االجتماعية فيما بينها‪.‬‬
‫ومن أهم بنود هذه االتفاقية التحالفية‪ ،‬أن رؤساء القبائل والسالالت‬
‫والتجمعات المكانية‪ ،‬الموقعون علي هذه االتفاقية والمنضمون إليهم‪ ،‬تحالفوا‬
‫علي رفض عادة الثأر‪ ،‬التي كانت سائدة في العالقات القبلية والساللية‬
‫والمكانية‪ ،‬وتحويلها إلي ال ّدية – حسب قواعد التحالف المنصوص عليها في‬
‫هذه االتفاقية – وقد وصل األمر ببعض التجمعات المتحالفة إلى إلغائها‬
‫تبادليا‪ ،‬خاصة في قتل حوادث السيارات‪ ،‬والتي أضيف إليها فيما بعد جميع‬
‫أنواع القتل غير العمد‪ ،‬وكذلك األضرار واإلصابات في الحوادث المختلفة‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫واستغلتها سلطان مدينة أنجمينا وضواحيها‪ ،‬في التأثير في جميع أمور‬


‫المدينة االجتماعية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬فللسلطان حضور في جميع‬
‫المناسبات‪ ،‬بأخذه لموقع الصدارة في جميع االجتماعات الرسمية التي تعقد‬
‫في العاصمة وضواحيها‪ ،‬ويستشار في األمور العامة التي تجري حدود قيادته‬
‫السلطانية‪.‬‬
‫وقد وجدت هذه االتفاقية‪ ،‬تصديقا رسميا من الدولة والقضاء الشادي‪،‬‬
‫مما جعل األعضاء المتحالفون‪ ،‬يتمتعون بالحماية من السلطات الرسمية‪،‬‬
‫والطريقة التي رسمها المستفيدون من هذه االتفاقية‪ ،‬تتمثل في أنه حينما يقع‬
‫حادث –يدخل ضمن بنود االتفاقية – فما علي شيخ قبيلة الجاني‪ ،‬أو‬
‫مندوب أو ممثل التجمع االجتماعي‪ ،‬إال االتصال بشيخ القبيلة المتضرر أحد‬
‫أفرادها‪ ،‬وزيارة المتضرر‪ ،‬وتقديم التعازي في حالة الوفاة‪.‬‬
‫وهذه العملية‪ ،‬تمثل االعتراف بالخطأ‪ ،‬وتحمل كامل المسؤولية‪ ،‬ويتبع‬
‫هذه العمليات الشكلية‪ ،‬التدخل ماديا‪ ،‬وذلك عن طريق المساهمة في‬
‫تكاليف العزاء بمبلغ‪ ،‬نص عليه في اتفاقية التحالف‪ ،‬وهو أربعون ألف لاير‬
‫شادي وهو ما يعادل أقل من أربعمائة دوالر أمريكي وقد يزيد أو ينقص‬
‫حسب العادات المتبادلة بين التجمعات االجتماعية‪ ،‬باإلضافة إلي تحمل‬
‫نفقات العالج واإلعاشة‪ ،‬إذا كان المتضرر مصابا بإصابات بالغة‪ ،‬وال دخل‬
‫للعالقات الشخصية بين المتخاصمين أو المتضررين‪.‬‬
‫ونظرا للدور الكبير الذي لعبته هذه االتفاقية التحالفية في فض‬
‫النزاعات بين المتحالفين‪ ،‬فقد سعت جميع القبائل والسالالت والتجمعات‬
‫المكانية لتوقيعها واالستفادة من مزاياها االجتماعية‪.‬‬

‫‪442‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وآخر المنضمين أليها تجمع أوالد سنغال‪ ،‬وهي جماعة مكانية‪ ،‬ثم‬
‫تحولت إلى تحالفية‪ ،‬تضم كل سكان غرب أفريقيا الذين وفدوا إلي شاد‪ ،‬أيام‬
‫االستعمار الفرنسي للعمل في الدوائر الحكومية االستعمارية‪ ،‬وظلوا في شاد‬
‫بعد االستعمار‪ ،‬وما تبعهم من مجموعات‪ ،‬وإنهم ولكي يتمتعوا بمزايا االتفاقية‬
‫التحالفية‪ ،‬توجب عليهم أن يكونوا جماعة اجتماعية مكانية تضمهم وتدافع‬
‫عنهم‪ ،‬في إطار التحالفات القائمة حتى وإن افتقدوا الرابط القبلي والساللي‬
‫أو المكاني السابق‪.‬‬
‫وقد قبلت السلطات الرسمية‪ ،‬هذا التجمع السنغالي المكاني‬
‫المصطنع‪ ،‬وكذلك التجمعات االجتماعية الشادية األخرى المماثلة له‪ ،‬بكثير‬
‫من التسامح‪ ،‬رغم اعتراف الجميع‪ ،‬بأن ال رابط بين هؤالء الناس‪ ،‬إال هدف‬
‫االستفادة من المزايا التي توفرها اتفاقية التحالف‪ ،‬للعيش في العاصمة أنجمينا‬
‫وضواحيها‪.‬‬
‫وقد استفاد الماحي من األرضية السلطانية في الريادة‪ ،‬التي يمارسه‬
‫سلطان أنجمينا العاصمة‪ ،‬على جميع القاطنين فيها‪ ،‬باختالف أعراقهم‬
‫ودياناتهم وثقافاتهم التقليدية‪ ،‬وأضافها الماحي إلى تجاربه السابقة في القرى‬
‫العربية على ضفاف بحيرة الشط التي تربى فيها‪ ،‬فحاول إجراء تجربة للقيادة‬
‫السلطانية‪ ،‬في مؤسسة جامعية‪ ،‬طالما رآها ناجحة في قيادة قرى كاملة‪،‬‬
‫وعاصمة وضواحيها‪ ،‬إن لم تكن ناجحة في بلدان بكاملها‪.‬‬
‫فبدأ الماحي بحل المجلس التأسيسي بالكامل‪ ،‬وذلك بحذف الفقرات‬
‫التي تخصه من النظام األساسي لجامعة الملك فيصل‪ ،‬ومن ثم التشكيك في‬
‫والء أعضائه وإبعادهم عن الجامعة جملة وتفصيال‪ ،‬وبعد فترة وجيزة من‬
‫استالمه الوظيفة فعليا‪.‬‬

‫‪443‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وكان التبرير الذي أورده الماحي أن المجلس التأسيسي‪ ،‬ال يؤثر على‬
‫سير عمل الجامعة إيجابا أو سلبا‪ ،‬وال يتواجد أعضاؤه في العمل اليومي‬
‫للجامعة‪ ،‬وقد أخذ ذلك‪ ،‬مما ال حظه‪ ،‬من انشغال لمعظم أعضاء المجلس‬
‫التأسيسي‪ ،‬بأعمال ووظائف خارج الجامعة‪ ،‬وما الذين يوجدون مع الماحي‬
‫داخل الجامعة‪ ،‬إال ممثلين لهم‪ ،‬وهذه مالحظة ذكية من الماحي‪ ،‬للوضع‬
‫الذي كان عليه المجلس التأسيسي‪.‬‬
‫(‪ -)2‬مجلس األمناء‬
‫أما مجلس األمناء بالجامعة‪ ،‬فقد استخدم معه سياسة مختلفة نوعا ما‪،‬‬
‫باعتباره أعلى هيئة إلقرار قرارات الجامعة‪ ،‬وكانت البداية‪ ،‬بسحب األعضاء‬
‫المؤسسين لجامعة الملك فيصل من عضويته‪ ،‬فلم يحضر منهم‪ ،‬إال رئيس‬
‫المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬بحكم منصبه كرئيس للمجلس األعلى‬
‫للشؤون اإلسالمية‪ ،‬اجتماعات مجلس األمناء‪ ،‬بعد تولي الماحي إلدارة‬
‫الجامعة‪.‬‬
‫وبعد ذلك اتخذ الماحي بالتدريج‪ ،‬تكوين مجلس أمناء للجامعة‪،‬‬
‫حسب الرؤية السلطانية‪ ،‬فكون أعضاء من الداخل من الموالين‪ ،‬ال تتوفر في‬
‫أغلبهم شروط عضوية مجلس األمناء‪ ،‬ثم أضاف إليهم آخرين من الخارج‪ ،‬ال‬
‫تنطبق على الكثير منهم‪ ،‬المعايير المنصوص عليها في النظام األساسي‬
‫للجامعة‪.‬‬
‫بل أصر الماحي‪ ،‬أن ال يحسب اجتماعات مجلس األمناء التي وقعت‬
‫قبله‪ ،‬بما فيها االجتماع التأسيسي األول‪ ،‬الذي أنشأ الجامعة‪ ،‬وحسب فقط‪،‬‬
‫االجتماعات التي تمت على الطريقة السابقة‪ ،‬ويبدأها‪ ،‬من اجتماع عمان‬
‫عاصمة المملكة األردنية الهاشمية‪ ،‬باعتباره االجتماع األول لمجلس أمناء‬

‫‪444‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫جامعة الملك فيصل بتاريخ ‪1999/11/18-14‬م‪ ،،‬وحسب هذا الرأي‬


‫للماحي‪ ،‬لم ينعقد اجتماع لمجلس أمناء الجامعة منذ تأسيسها‪ ،‬إال بعد حوالي‬
‫ثمان سنوات‪ ،‬وعلى هامش اجتماعات رابطة العالم اإلسالمي‪ ،‬واالجتماع‬
‫الثاني لمجلس األمناء الذي عقد في مدينة أنجمينا‪ ،‬على هامش ندوة اللغة‬
‫العربية التي أقامتها جامعة الملك فيصل‪ ،‬في الفترة ‪2001/01/25-21‬م‪.‬‬
‫واألهم من كل ذلك‪ ،‬السرية التامة‪ ،‬حول مواعيد وأماكن انعقاد مجلس‬
‫األمناء‪ ،‬وشملت السرية أيضا‪ ،‬نتائج أعمال مجلس األمناء‪ ،‬خاصة فيما يتعلق‬
‫بالتعيينات‪ ،‬للمناصب العليا بالجامعة‪ ،‬وكذلك الموازنة السنوية والحساب‬
‫الختامي لميزانية الجامعة‪ ،‬الذي يفترض أن يقدمه مدير الجامعة‪ ،‬في نهاية‬
‫الموازنة السنوية أمام مجلس األمناء‪ ،‬وانعقاده في هوامش اجتماعات‬
‫المؤتمرات والندوات‪ ،‬التي تقيمها رابطة العالم اإلسالمي أو جامعة الملك‬
‫فيصل‪ ،‬وعدم تخصيص وقت كاف‪ ،‬لعرض قضايا الجامعة بموضوعية‪.‬‬
‫وكان السبب في إبعاد بعض أعضاء مجلس األمناء المحليين‪ ،‬هو‬
‫مطالبتهم بالشفافية في عمل مجلس األمناء‪ ،‬خاصة مدى قيام مجلس األمناء‬
‫بدوره األساسي‪ ،‬وهو توفير ميزانية ودعم لمشاريع الجامعة المستقبلية‪.‬‬
‫(‪ -)3‬نقابة األساتذة والباحثين بالجامعة‬
‫يرجع تأسيس فرع نقابة األساتذة والباحثين بالجامعة إلى‬
‫‪2011/01/24‬م‪ ،‬وذلك بهدف الدفاع عن حقوقهم المشروعة‪ ،‬من الدولة‬
‫الشادية أوال‪ ،‬ثم من الجامعة التي يعملون فيها‪ ،‬وقد صرح أول أمين عام‬
‫للفرع‪ ،‬أن حقوقهم كانت مهضومة من الدولة والجامعة‪ ،‬ويرجع ذلك لفترات‬
‫ليست بالقريبة‪ ،‬خاصة بعد تنامي ظهور القيادة السلطانية للماحي في الجامعة‪،‬‬

‫‪445‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وتذمره الشديد‪ ،‬من كل مناداة بالحقوق‪ ،‬سواء من قبل األساتذة أو غيرهم‪،‬‬


‫من الموظفين والعمال بالجامعة‪..‬‬
‫ويتكون مكتب‪ ،‬فرع نقابة األساتذة والباحثين بالجامعة‪ ،‬من األساتذة‪،‬‬
‫األستاذ‪/‬سليمان إبراهيم األمين العام‪ ،‬والدكتور‪/‬محمد على عيسى حميدة‬
‫نائب الفرع‪ ،‬واألستاذ‪/‬عبد اهلل بشارة األمين المالي‪ ،‬واألستاذ‪/‬محمد إدريس‬
‫حسن أمين العالقات الخارجية‪ ،‬ود‪/‬محمد بشر أمين االتصاالت‪،‬‬
‫واألستاذ‪/‬الصادق أحمد األمين األكاديمي‪ ،‬واألستاذ‪/‬عثمان أحمد عثمان‬
‫مندوبا لفرع النقابة‪ ،‬لدى نقابة األساتذة والباحثين في التعليم العالي‪،‬‬
‫واألستاذ‪/‬محمد الحبيب الغالي‪ ،‬الممثل الثاني لفرع نقابة الجامعة لدى النقابة‬
‫األم‪.‬‬
‫ولكن إدارة جامعة الملك فيصل‪ ،‬واجهت الفرع بالتخوف‪ ،‬والرفض‬
‫التام لوجود فرع للنقابة بالجامعة‪ ،‬ومن ثم بدأت في طرد معظم أعضاء النقابة‬
‫من الجامعة‪ ،‬وكان رفض الجامعة يقوم على خلفية‪ ،‬أن النقابة ستأخذ الجامعة‬
‫إلى اإلضرابات المعهودة في جامعة أنجمينا‪ ،‬من قبل األساتذة للمطالبة‬
‫بحقوقهم‪ (.‬يوسف‪ ،‬األستاذ سليمان إبراهيم‪ :‬مقابلة مع األمين العام لفرع نقابة األساتذة والباحثين في‬
‫التعليم العالي‪ ،‬أنجمينا الجديدة‪ ،‬العدد ‪2011/03/29 ،133‬م‪،‬ص ‪)7‬‬
‫وزاد الطين بلة الصد المتكرر‪ ،‬لجميع محاوالت أعضاء النقابة للتفاهم‬
‫مع إدارة الجامعة‪ ،‬وإصدار النقابة لبيانها (‪ )001‬والذي أشارت فيه بوضوح‪،‬‬
‫إلى عدم اعتراف رئيس الجامعة بفرع النقابة بالجامعة‪ ،‬وتمسك فرع النقابة‬
‫بحقه في التفاهم‪ ،‬وطلب احترام الحقوق النقابية‪ ،‬التي يقرها الدستور‬
‫الشادي‪ ،‬في بنوده من ‪ 30-28‬الخاصة‪ ،‬بالحريات والحقوق األساسية‬
‫للمواطنين الشاديين‪ ،‬واألساتذة والباحثين في جامعة الملك فيصل‪ ،‬جزء من‬

‫‪446‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أخرى‪(.‬أنجمينا‬ ‫زمالئهم في التعليم العالي من ناحية‪ ،‬ومواطنين شاديين من ناحية‬


‫الجديدة‪ ،‬العدد ‪ ،140‬بتاريخ ‪2011/05/09‬م)‬
‫بينما في البيان رقم (‪ )002‬الذي أصدره فرع النقابة‪ ،‬أتضح ما تخبئه‬
‫إدارة الجامعة‪ ،‬من نية لطرد‪ ،‬ستة من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة‪،‬‬
‫المنتسبين إلى فرع النقابة بالجامعة‪ ،‬وبالتالي فإن النقابة تندد بذلك‪ ،‬وتطلب‬
‫االعتذار عنه من إدارة الجامعة‪ ،‬وتطلب دفع مستحقات األعضاء دون‬
‫تسويف‪(.‬أنجمينا الجديدة‪ ،‬العدد ‪ ،145‬بتاريخ ‪2011/06/13‬م)‬
‫وقد عبرت صحيفة أنجمينا الجديدة‪ ،‬عن هذه العالقات السلطانية‬
‫للماحي‪ ،‬مع نقابة األساتذة بكاريكاتير‪ ،‬يرسم األعضاء الستة للنقابة‬
‫المستهدفين‪ ،‬وهم يقولون للقائد السلطاني‪ :‬اسحب الرسالة‪ ..‬ادفع‬
‫المستحقات واعتذر‪ ،‬سنواصل ممارسة ديمقراطيتنا في مؤسستنا‪ ،‬ويقف‬
‫أمامهم الماحي وبيده سيف مسلول‪ ،‬وهو يوجه خطابه ألعلى جهة في الدولة‪،‬‬
‫اسمح لسيفي يا سيدي‪ ،‬ببتر رؤوس الستة‪ ،‬يقولون بالحقوق النقابية‪ ،‬وهذا‬
‫يتعارض مع طبيعتنا االستبدادية‪ ،‬وترد عليه أعلى جهة في الدولة‪ ،‬آسف‪ .‬أمس‬
‫سلختهم واحد واحد‪ ،‬والساعة تسلخ ستة مرة واحدة!! تعلم ما لم تعلمه من‬
‫‪ (.477‬أنجمينا الجديدة‪ ،‬العدد ‪ ،145‬بتاريخ ‪2011/06/13‬م )‬ ‫المرسوم‬

‫(‪ )4‬اتحاد الطالب بالجامعة‬


‫ظل اتحاد طالب جامعة الملك فيصل‪ ،‬قلبها النابض منذ تأسيسها‪،‬‬
‫وقد تعايشت القيادة السلطانية للماحي‪ ،‬مع هذا المكون األساسي للجامعة‬
‫بذكاء شديد‪ ،‬وبأسلوب يتسم بكثير من الميكافيلية‪ ،‬فكان االتحاد‪ ،‬يراعي‬
‫مصالح القيادة السلطانية‪ ،‬وبالتالي تستغله القيادة السلطانية‪ ،‬في تحقيق‬
‫أغراضها الدعائية‪ ،‬وهو يستغلها في تلبية احتياجاته‪ ،‬وتنفيذ برامجه‪ ،‬التي ال‬

‫‪447‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫تتعارض صراحة‪ ،‬مع تصورات القيادة السلطانية لألعيان واألتباع‪ ،‬إلى أن‬
‫وصل األمر‪ ،‬إلى إيقاف عمل اتحاد طالب الجامعة نهائيا‪ ،‬حينما تعارضت‬
‫برامجه مع القيادة السلطانية‪ ،‬وقد تزامن ذلك مع رفض الجامعة‪ ،‬لنقابة أعضاء‬
‫هيئة التدريس بالجامعة‪ ،‬كما ذكرنا سابقا‪.‬‬
‫وقد انبرى عدد من النقابيين السابقين‪ ،‬من الخريجين األوائل الذين‬
‫عملوا في الدورات السابقة‪ ،‬التحاد طالب جامعة الملك فيصل‪ ،‬الستنكار‬
‫تجميد االتحاد‪ ،‬واتخذوا من المجالت السيارة‪ ،‬منبرا للتعبير عن آرائهم‪،‬‬
‫حول أهمية وجود اتحاد للطالب في جامعة الملك فيصل‪.‬‬
‫ونظرا ألهمية هذه اآلراء نعرض لبعضها‪ ،‬ونبدأ برأي الخريج محمد‬
‫األمين مهدي فضلة‪ ،‬الذي يتساءل‪ ،‬هل هناك جامعة بدون اتحاد للطالب ؟‬
‫سؤال له أهمية بالغة في النظام التربوي للمؤسسات التربوية التي تهتم بتربية‬
‫األجيال لقيادة األمم‪ ،‬فالمؤسسة التي يكون هدفها تكوين القادة‪ ،‬ينبغي أن‬
‫يكون من وسائلها‪ ،‬إيجاد اتحاد للطالب‪ ،‬ومعه روافد أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬الجمعيات‬
‫الرياضية والثقافية والمسرحية واإلبداعية‪.‬‬
‫ويذكر كاتب المقال‪ ،‬القراء بتجربته في االتحاد السابق‪ ،‬فيقول‪ :‬أن‬
‫جامعة الملك فيصل في بدء أمرها سجلت في دستورها ولوائحها وجود إتحاد‬
‫للطالب‪ ،‬وأن رئيس االتحاد عضو في مجلس األمناء‪ ،‬ويحضر جميع‬
‫جلساته‪ ،‬وقد اتخذت اإلدارة السابقة قرارا‪ ،‬بإشراك رئيس اإلتحاد في عضوية‬
‫مجلس إدارة الجامعة السابق‪.‬‬
‫وهذه سابقة تحسب لإلدارة السابقة ( رئاسة الشيخ حسين حسن أبكر‬
‫‪1994-1991‬م)‪ ،‬في إطار الشفافية والموضوعية‪ ،‬والهدف منها تدريب‬
‫الشباب على القيادة والريادة‪ ،‬ألن المحاضرات والدروس تغذي جانبا‪ ،‬وتترك‬

‫‪448‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫جانبا ال يمكن تحقيقه‪ ،‬إال من خالل النشاط الطالبي الحر‪ ،‬وينبغي أن يكون‬
‫حرا‪ ،‬ألن وجود الخطأ‪ ،‬ينبغي أن يكون هدفا‪ ،‬في حد ذاته‪ ،‬ألن الذي لم‬
‫يتعلم من خالل الخطأ والصواب‪ ،‬يكون تعليمه –عمليا‪ -‬ناقصا‪ ،‬وهذه سنة‬
‫اهلل في خلقه‪ ،‬حتى الطفل الصغير‪ ،‬يتعلم من خالل الخطأ والصواب‪ ،‬أفضل‬
‫مما يتعلم من خالل التلقين‪.‬‬
‫وأي تربوي‪ ،‬يرى أن وجود إتحاد للطالب‪ ،‬مضر بالجامعة أو يؤخر‬
‫التدريس‪ ،‬فهو ال يعرف فوائد النشاط الطالبي‪ ،‬على الطالب‪ ،‬أن يتعلم اتخاذ‬
‫القرارات بنفسه‪ ،‬وعليه أن يتحمل مسؤولية هذا القرار‪(.‬فضلة‪)12 ،‬‬
‫وعبرت طالبة في مقالة لها فقالت‪ :‬ال أرى في تحنيط اتحاد الطالب‬
‫بجامعة الملك فيصل‪ ،‬فائدة تعود على الجامعة‪ ،‬وال أتوقع خطرا يجره إليها‬
‫إذا ما عاد إلى الحياة مرة أخرى‪ ،‬متى كان االتحاد يشكل خطرا على الجامعة‬
‫؟ ألم يكن بريئا وديعا يعكس النسخة الكربونية عن الجامعة‪ ،‬بل النسخة طبق‬
‫األصل منها‪ ،‬حتى وأدته ولم تسترح ؟ وكالم صاحبة المقال موجه إلى رئيس‬
‫الجامعة الذي له من التجربة وسعة األفق والحلم ما يجعله يعرف كيفية‬
‫التعاطي مع هذا النقد‪ ،‬باستثناء كبار الحاشية الذين تجانبهم هذه األخالق‬
‫العالية‪ ،‬ويواجهون هذا النقد بصدر ضيق حرج مع أفق محدود‪ ،‬يقضون وقتهم‬
‫كله في التهم إلى تلك المؤسسة اإلسالمية‪ ،‬أو إلى ذلك الشخص (الغول)‪،‬‬
‫الحملة‪ (.‬أنجمينا الجديدة‪ ،‬العدد‪)10 ،140‬‬ ‫هو من اصطنع هذه‬
‫ومواقف القيادة السلطانية للماحي من اتحاد الطالب بالجامعة‪ ،‬أقل‬
‫حدة‪ ،‬إذا ما قيست بمواقفه من نقابة األساتذة‪ ،‬على األقل ليس فيها ضحايا‬
‫مباشرين مثل النقابة‪.‬‬

‫‪449‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وقد عبرت صحيفة أنجمينا الجديدة‪ ،‬عن عالقة القيادة السلطانية‬


‫للماحي باتحاد الطالب ونقابة األساتذة‪ ،‬بكاريكاتير معبر جدا‪ ،‬حيث رسم‬
‫رمز القيادة السلطانية الماحي واقفا وبيديه سيفين مسلولين‪ ،‬وأمامه صفان من‬
‫الجلوس‪ ،‬الواحد يمثل الطالب‪ ،‬واآلخر يمثل األساتذة‪ ،‬ويومئ القائد‬
‫السلطاني إلي االثنين‪ ،‬بأن لكل مجموعة سيف مسلط على رأسها‪ ،‬ويحمي‬
‫القائد السلطاني اثنين من أعيانه‪ ،‬يقول من على يمينه‪ ،‬ويحمل كمية من النقود‬
‫على ثوبه‪ :‬أنا في أمان‪ ،‬ألني كاتم سر األموال الممنوحة جهرا المصروفة سرا‪،‬‬
‫ويقول معاونه على اليسار‪ ،‬وبيده سوط‪ ،‬الصالة فيها جهر وسر‪ ،‬وكذلك‬
‫مؤسستنا‪ ،‬بينما القائد السلطاني‪ ،‬يقول‪ :‬ال تتحدوا‪ ،‬ألن وجودي اتحاد لكم‪،‬‬
‫أنا عالم المشرقين والمغربين‪ ،‬بيدي السلطة والثروة والجاه‪ ،‬أبعد من أشاء‬
‫‪(.‬أنجمينا الجديدة‪ ،‬العدد‪ ،135‬بتاريخ‬ ‫وأقرب من أشاء‪ ،‬ألني ببساطة على كل شيء قدير‬
‫‪2011/04/11‬م‪ ،‬ص ‪)1‬‬

‫‪450‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬الخالصة‬
‫ومجمل القول‪ ،‬أن ريادة الماحي‪ ،‬في جامعة الملك فيصل‪ ،‬قد‬
‫حصدت للجامعة في قيادته الفعلية‪ ،‬التي امتدت قرابة العشرين عاما(‬
‫‪ ،)2013-1994‬حصيلة من التجارب المحلية الداخلية‪ ،‬وعالقات من‬
‫التعاون الخارجي‪ ،‬التي اكتسب من ورائها‪ ،‬أبناء شاد‪ ،‬وبعض األفارقة الكثير‪،‬‬
‫من السمعة والتكوين األكاديمي والعلمي والمهني‪ ،‬الذي ما حققه رائد‪ ،‬إال‬
‫لقي اإلشادة في حياته قبل وفاته‪.‬‬

‫‪451‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أوال‪ :‬المصادر والمراجع العربية‬


‫‪-1‬أنجمينا الجديدة‪ ،‬العدد ‪ ،145‬بتاريخ ‪2011/06/13‬م‬
‫‪-2‬أيوب‪ ،‬د‪/‬محمد صالح‪ :‬جماعات التحديث االجتماعي في وسط‬
‫أفريقيا‪ ،‬مطبعة المعرفة‪ ،‬القاهرة‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪-3‬أم خالد‪،‬طالبة بجامعة الملك فيصل‪" :‬جامعة الملك فيصل‪:‬كلوا‬
‫ولكن اعملوا فسيرى اهلل عملكم " أنجمينا الجديدة‪ ،‬العدد‪ ،140‬بتاريخ‪،‬‬
‫‪2011/05/09‬م‪.‬‬
‫‪-4‬البيلى‪،‬أ‪.‬د‪.‬عثمان سيد أحمد‪:‬فهرست المخطوطات العربية‪،‬مشروع‬
‫بحث شمال نيجيريا‪ ،‬دار جامعة الخرطوم للنشر‪ ،‬الخرطوم‪.1984 ،‬‬
‫‪-5‬فضلة‪ ،‬محمد األمين‪" :‬االتحاد سبيل تكوين القادة " أنجمينا‬
‫الجديدة‪ ،‬العدد‪ ،134‬بتاريخ ‪2011/04/04‬م‬
‫‪-6‬صابر‪ ،‬د‪ .‬محي الدين‪ ( :‬تقديم ) البداوة والبدو‪ ،‬دراسة ألحوالهم‬
‫االجتماعية واالقتصادية ووسائل توطينهم‪ ،‬سرس الليان‪1962 ،‬م‪.‬‬
‫‪-7‬الماحي‪ ،‬أ‪.‬د‪.‬عبد الرحمن عمر‪:‬شاد من االستعمار حتى االستقالل‪،‬‬
‫الهيئة المصرية العامة للكتاب ’ القاهرة‪.1982 ،‬‬
‫‪-8‬لويد‪ ،‬ب‪.‬س‪ :.‬أفريقيا في عصر التحول االجتماعي‪ ( ،‬ترجمة‪:‬‬
‫شوقي جالل ) علم المعرفة‪ ،‬الكويت‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪-9‬يوسف‪ ،‬األستاذ سليمان إبراهيم‪ :‬مقابلة مع األمين العام لفرع نقابة‬
‫األساتذة والباحثين في التعليم العالي‪ ،‬أنجمينا الجديدة‪ ،‬العدد ‪،133‬‬
‫‪2011/03/29‬م‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬الوثائق والنظم واللوائح العربية‬
‫‪-1‬وثيقة تأسيس جامعة الملك فيصل‪ ،‬أنجمينا‪ ،‬بتاريخ‬
‫‪1992\2\9‬م‬
‫‪-2‬النظام األساسي لجامعة الملك فيصل‪ ،‬أنجمينا‪1993 ،‬م‬

‫‪452‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-3‬الالئحة الداخلية لجامعة الملك فيصل‪ ،‬أنجمينا‪1993 ،‬م‬


‫‪-4‬السيرة الذاتية لألستاذ الدكتور ‪/‬عبد الرحمن عمر الماحي‬
‫‪-5‬العريف بجامعة الملك فيصل‪1432/1431 :‬ه الموافق‬
‫‪2011/2010‬م‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬الوثائق الفرنسية‬
‫‪ARETE,‬‬ ‫‪N 431\MEN\DG\91;portantcréationd,une‬‬
‫‪1-commission chargée de l,Examancréationd,un‬‬
‫‪InstitutSupérieur de Langue Arabe.‬‬
‫وكانت اللجنة مكونة من‪:‬‬
‫‪-‬عكاشة عبد الرحيم‪ :‬من إدارة جامعة أنجمينا رئيس مكتب الشؤون‬
‫األكاديمية والتعاون الدولي‪،‬رئيسا‪.‬‬
‫‪-‬أحمد بين‪:‬المدير العام النائب لوزارة التربية الوطنية‪،‬عضوا‬
‫‪-‬يونس عبيده‪:‬مدير التعليم الثانوي‪،‬عضوا‪.‬‬
‫‪-‬محمد صالح أيوب‪:‬أستاذ بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬عضوا‪.‬‬
‫‪-‬إبراهيم إسحاق‪:‬أستاذ بالمعهد العالي للعلوم التربوية‪ ،‬عضوا‪.‬‬
‫‪-‬حسن حسين أبكر‪:‬رئيس المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬عضوا‪.‬‬
‫‪-‬أحمد محمد موسى‪ :‬أستاذ بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬عضوا‪.‬‬
‫صدر القرار بتاريخ ‪1991\11\19‬م‬
‫‪2-ARETEE,N299\men\seers\DG\92,Portant Overture‬‬
‫‪d,un Establishment d,EnseignementSuperieur.‬‬
‫‪3-PROCES VERBAL de la Reunion du Samedi‬‬
‫‪23Novenbre 1991\men\dg\NDJAMENA‬‬
‫‪4=DECREE‬‬ ‫‪,N017\PR\MEN\95‬‬ ‫‪PORTANT‬‬
‫‪RECONESSANCE‬‬ ‫‪DU‬‬ ‫‪UTILITE PUBLIQUE‬‬ ‫‪D,UN‬‬
‫‪ETABLISSEMENT PRIVE‬‬ ‫‪DENOME‬‬ ‫‪UNIVERSITE ROI‬‬
‫‪FAYCAL (U.R.F.).‬‬

‫‪453‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل الثاني عشر‪:‬‬


‫النظام الرتبوي العربي اإلسالمي يف شاد املعاصرة‬

‫• التمهيد‬
‫أوال‪ :‬بنيوية الظاهرة الرتبوية يف التجمعات الشادية‬
‫ثانيا‪ :‬النظام الرتبوي العربي اإلسالمي ومؤسساته التعليمية‬
‫ثالثا‪ :‬عالقة النظام الرتبوي الشادي باألنظمة األخرى يف‬
‫اجملتمع‬
‫رابعا‪ -‬مشكالت النظام الرتبوي العربي اإلسالمي يف شاد‬
‫املعاصرة‬
‫خامسا‪ :‬حتديات العوملة للنظام الرتبوي العربي اإلسالمي يف‬
‫شاد املعاصرة‬
‫سادسا‪-‬تكيف النظام الرتبوي العربي اإلسالمي مع النظام‬
‫الفصلي ‪L.M.D‬‬
‫• اخلالصة‬
‫• املصادر واملراجع‬

‫‪454‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -‬التمهيد‬
‫قام النظام التربوي العربي اإلسالمي في شاد عامة‪ ،‬وحول بحيرة الشط خاصة‪،‬‬
‫لنقل قيم الدين اإلسالمي على ركيزتين هما‪:‬‬
‫‪-‬التجمعات االجتماعية‪ ،‬من خالل التنشئة التربوية‪ ،‬التي تقوم بها التجمعات‬
‫القرابية والمكانية والتحالفية‪ ،‬المنطلقة من تلبية حاجات األسرة المسلمة‪ ،‬فيما تريد‬
‫أن تنقله إلى أجيال المستقبل‪.‬‬
‫فحددت ما تريده‬ ‫‪-‬والركيزة الثانية‪ ،‬تمثلت في المؤسسات التعليمية‪،‬‬
‫التجمعات المسلمة‪ ،‬في محتوى أو منهج‪ ،‬ينطلق من القرآن الكريم والسيرة النبوية‬
‫والعلوم الحديثة‪ ،‬مرتبة على مستويات تعليمية‪ ،‬تتناسب مع قدرات المتعلمين‪،‬‬
‫وأوكلت مهمة إيصال هذا المحتوى إلى معلمين‪ ،‬ترعاهم األسرة والمجتمع‪ ،‬من‬
‫خالل نظام اقتصادي وسياسي‪ ،‬يبذل مكافآت معنوية ومادية مجزية‪ ،‬لمن يتولون‬
‫مهمة نقل هذه القيم إلى النشء الجديد‪.‬‬
‫ظهر النظام التربوي العربي اإلسالمي في السلطنات اإلسالمية التي قامت حول‬
‫بحيرة الشط‪ ،‬خاصة سلطنة كانم –برنو أيام ازدهارها في القرن الحادي عشر‬
‫الميالدي عام‪1087‬م على يد العالم محمد بن ماني‪ ،‬ومن ثم امتد في سلطنات‪:‬‬
‫باقرمي ووداي‪ ،‬قبل االستعمار الفرنسي عام‪1900‬م‪ ،‬الذي أعاق مسيرة النظام‬
‫التعليمي العربي اإلسالمي‪ ،‬ولكن لم يستطع القضاء عليه‪ ،‬حيث بدت بشائر‬
‫اإلصالح تظهر في محاوالت الشيخ محمد عليش عووضة‪ ،‬التي تمثلت في إنشاء‬
‫المعهد اإلسالميبأبشةعام‪1943‬م‪ ،‬على منوال المعاهد األزهرية بمصر‪.‬‬
‫وببزوغ شمس االستقالل‪ ،‬ردت دولة شاد الحديثة‪ ،‬االعتبار لمؤسسات‬
‫التعليم العربي اإلسالمي عام ‪1966‬م‪ ،‬باعتراف الرئيس الشادي فرانسوا تومبالباي‬
‫بالمدارس القرآنية‪ ،‬ودعمها بميزانيات من خزينة الدولة‪ ،‬وما أن وصلنا إلى عام‬

‫‪455‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪1987‬م‪ ،‬حتى تم االعتراف بمخرجات التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬الشهادة الثانوية‬


‫العربية‪ ،‬تبعها دخول ألبناء المسلمين في الجامعة الوطنية (جامعة شاد)‪ ،‬وبحلول عام‬
‫‪1991‬م‪ ،‬أنشئت جامعة الملك فيصل بشاد‪ ،‬لتتولى تكوين مستخرجات النظام‬
‫التعليمي العربي اإلسالمي‪.‬‬
‫ودعم المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬كل ذلك‪ ،‬بتوقيع اتفاقية مع وزارة‬
‫التربية الوطنية عام‪2000‬م‪ ،‬ترعى جميع مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي في شاد‪،‬‬
‫مشاركة مع الدولة الشادية‪ ،‬والشركاء المساعدين من العالم العربي واإلسالمي‪،‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وقد واجه النظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬العديد من المشكالت التربوية‪،‬‬
‫أهمها‪ :‬قضية االعتراف الرسمي بوجوده‪ ،‬وبمدخالته ومخرجاته‪ ،‬تبع ذلك مشكالت‬
‫المنهج واإلدارة التسلطية للمؤسس‪ ،‬وإعداد المعلم الكفء‪ ،‬واالستجابة لحاجات‬
‫التلميذ المسلم المتجددة‪ ،‬وما صاحب هذه المشكالت من قضايا التأقلم مع‬
‫العولمة‪ ،‬وتحدياتها لمرتكزات النظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬المتجسدة في محاربة‬
‫األسرة المسلمة‪ ،‬والقيم اإلسالمية السمحة‪ ،‬والصعوبة في المحافظة عليها‪.‬‬
‫أوال‪ -‬بنيوية الظاهرة التربوية في التجمعات الشادية‬
‫يقوم النظام االجتماعي التربوي للمسلمين في شاد‪ ،‬علي مجموعة مركبة من‬
‫العالقات االجتماعية‪ ،‬تجري داخل تجمعات اجتماعية‪ ،‬تربي أفرادها على نماذج من‬
‫العالقات اجتماعية التربوية‪ ،‬تحدد اتجاهاتهم ومواقفهم وآراءهم‪ ،‬حول القيم‬
‫والمعايير‪ ،‬التي تنتقل من جيل إلى آخر‪ ،‬نحاول في هذه الفقرة أن نتناول بالتحليل‬
‫أربعة أنماط من هذه التجمعات وهي‪:‬‬

‫‪456‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أ‪-‬التجمعات القرابية‬
‫ونواة العالقات القرابية في التجمعات الشادية‪ ،‬األسرة‪ ،‬والتي غالبا ما تكون‬
‫كبيرة‪ ،‬بحيث تشمل الزوج والزوجة واألولىاد والجد والجدة واألعمام واألخوال‬
‫واإلخوة‪ ،‬وما تفرع عن هذه األصول والفروع من أفراد‪ ،‬والعالقات داخل هذه األسرة‬
‫قوية وملزمة للجميع‪ ،‬بحيث تتطلب من الفرد االلتزام الشديد بالضبط االجتماعي‬
‫وااللتزامات االجتماعية واالقتصادية المختلفة‪ ،‬لدرجة أن أي تقدم أو نجاح يحرزه‬
‫فرد من أفراد هذه ا ألسرة الكبيرة‪ ،‬يعتبر نجاحا لهذه األسرة كلها‪ ،‬وتتوقع أن يعود‬
‫ناتج نجاح هذا الفرد المادي والمعنوي‪ ،‬لهذه األسرة الكبيرة‪.‬‬
‫وبالمقابل‪ ،‬تتحمل هذه األسرة الكبيرة تبعات فشل أو إحباط‪ ،‬أو أي التزام‬
‫من أحد أعضائها بصورة جماعية‪ ،‬ولهذا يحافظ األفراد في إطار هذه العالقات علي‬
‫نمط حياة موروث أو مألوف‪ ،‬يقوده في أغلب األحيان كبار السن‪ ،‬وإذا وصل أحد‬
‫األعضاء من صغار السن إلي تولي قيادة األسرة الشادية‪ ،‬فإنه يحرص علي إتباع‬
‫توجيهات كبار السن‪ ،‬وهي عملية نادرة‪ ،‬وال تحدث إال في حالة نجاح الشاب أو‬
‫الفتاة في الجانب المالي أو السياسي أو الوظيفي‪ ،‬و حتى في هذه الحالة النادرة‬
‫فإن الجيل الجديد داخل األسرة الشادية‪ ،‬غالبا ما يُوكل هذه المهمة ألحد أفراد‬
‫األسرة الكبار شكليا‪ ،‬ويتولى هو قيادتها وتوجيهها من خالله‪.‬‬
‫هذه هي الصورة النمطية‪ ،‬للعالقات القرابية‪ ،‬داخل األسرة الشادية‪ ،‬لكن من‬
‫المالحظ أن هذه العالقات حدثت فيها بعض التغييرات في الوقت الحاضر‪ ،‬فهناك‬
‫تغيير من حيث حجم األسرة الكبير‪ ،‬فقد ساعدت عوامل اجتماعية واقتصادية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫الهجرة والتحضر وتغير المهن من الرعي والزراعة إلي العمل أو الوظيفة ذات الدخل‬
‫المحدود‪.‬‬

‫‪457‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫كل هذه العوامل جعلت من غير المقدور علي بعض األسر الكبيرة‪ ،‬أن‬
‫تحافظ علي حجمها وعيشها المشترك‪ ،‬مما جعلها تسمح لبعض أفرادها باالستقالل‬
‫بأنفسهم وتكوين أسر صغيرة‪ ،‬تشمل‪ :‬الزوج والزوجة واألولىاد فقط‪ ،‬مع التشديد علي‬
‫المحافظة على االلتزام بالشعور المشترك تجاه األسرة الكبيرة‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫الزيارات المتكررة والوقوف مع أي فرد من أفراد األسرة الكبيرة‪ ،‬كلما دعت الحاجة‬
‫إلي ذلك‪.‬‬
‫وينتشر نظام االنتساب إلي صلب األب لدي األسر الشادية‪ ،‬ولكن لألم‬
‫واالنتساب إليها دور هام في العالقات األسرية‪ ،‬حيث يسود االعتقاد بأهمية الخال‬
‫والخالة بالنسبة للفتي والفتاة‪ ،‬وتقوم عالقات مادية ومعنوية مبنية علي عالقات‬
‫الخؤولة‪.‬‬
‫وتفضل األسرة الشادية‪ ،‬الزواج الداخلي بين أبناء األعمام‪ ،‬ولكن في بعض‬
‫مناطق الشمال الشادي تفضل بعض األسر الزواج الخارجي‪.‬‬
‫العالقات‬ ‫ومن أهم العالقات القرابية التي تنتشر داخل األسر الشادية‬
‫القبلية‪ ،‬وهي التي تشمل عددا كبيرا من األسر الكبيرة‪ ،‬تجمعها رابطة الدم واللغة‪،‬‬
‫وربما المكان أو األرض‪ ،‬وفي حالة العالقات القبلية يشعر األعضاء فيها‪ ،‬بأنهم‬
‫يعرفون يقينا أصلهم المشترك‪ ،‬في شكل جد قريب و معروف‪ ،‬وهذا االعتراف يجب‬
‫أال يتوقف علي أفراد القبيلة فقط‪ ،‬بل يتوجب أن تقر به القبائل المجاورة‪ ،‬وربما‬
‫السلطات الرسمية‪.‬‬
‫ويوجه العالقات القبلية داخل القبيلة‪ ،‬شيخ القبيلة أو الملك وأعوانه ونوابه‪،‬‬
‫وغالبا ما يصل الشيخ إلي رئاسة القبيلة بالوراثة‪ ،‬ولكن في حاالت معينة يتوجب‬
‫علي القبيلة‪ ،‬أن تختار من بين أعضائها‪ ،‬من يتولى قيادتها‪ ،‬وفي هذه الحالة يتطلب‬

‫‪458‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫االعتراف بمكانة الشيخ الجديد من جميع أعضاء القبيلة من جانب‪ ،‬واالعتراف به‬
‫من القبائل المجاورة من جانب آخر‪ ،‬ثم يتبع ذلك اإلقرار من السلطات الرسمية‪.‬‬
‫ومن المعروف أن العالقات القبلية‪ ،‬امتداد لعالقات األسرة الكبيرة فهي تلزم‬
‫صاحبها بجميع قرارات شيخ القبيلة‪ ،‬وبالمقابل تتحمل القبيلة الدفاع عن أفرادها في‬
‫جميع الحاالت‪.‬‬
‫ونظرا لهذه العالقات الملزمة داخل القبيلة‪ ،‬يسود تصور لدي الدارسين‪ ،‬بأن‬
‫العالقات القبلية‪ ،‬من الممكن أن تستغل‪ ،‬لتجاوز اللوائح والنظم والقواعد‪ ،‬التي يقوم‬
‫عليها المجتمع الحديث‪ ،‬ولهذا يتم الحديث عن بعض التصرفات‪ ،‬التي يمكن‬
‫اعتبارها استغالال للعالقات القبلية‪ ،‬مثل‪ :‬المحاباة‪ ،‬وخدمة األقارب‪ ،‬وتفضيلهم علي‬
‫غيرهم‪ ،‬في الوظائف والخدمات الرسمية‪( .‬أيوب أ‪)6 ،‬‬
‫وهناك مستوى آخر للعالقات القرابية‪ ،‬هو مستوي العالقات الساللية‪ ،‬ومن‬
‫الممكن اعتبار العالقات الساللية‪ ،‬جزءا من العالقات القبلية‪ ،‬إال أنما يميز العالقات‬
‫الساللية‪ ،‬هو اتساعها وبعدها الزمني لدرجة أن بعض األعضاء الداخلين فيها‪ ،‬قد ال‬
‫يعرفون بالضبط صلة النسب التي تربطهم بالجد الحقيقي أو األسطوري للساللة‪.‬‬
‫وعلي كل حال‪ ،‬فإن العالقات الساللية‪ ،‬تقوى أو تضعف‪ ،‬بناء علي عوامل‬
‫معينة‪ ،‬منها‪ :‬إدراك األصل الواحد‪ ،‬واألرض المشتركة‪ ،‬والعالقات التاريخية القائمة‬
‫داخل الساللة‪ ،‬ويتم التعامل داخل العالقات الساللية‪ ،‬انطالقا من شيوخ القبائل‪،‬‬
‫التي تنتمي إلي ساللة واحدة‪ ،‬ومن خاللهم توزع االلتزامات‪ ،‬إلي األسر الكبيرة أو‬
‫الصغيرة‪ ،‬وبصفة عامة‪ ،‬فإن العالقات القرابية‪ ،‬أقوى ما تكون لدى األسرة الصغيرة‪،‬‬
‫ثم داخل األسرة الكبيرة‪ ،‬وتضعف بالتدريج‪ ،‬كلما اتجهنا نحو العالقات‬
‫الساللية‪(.‬لويد‪)204 -202 ،‬‬

‫‪459‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ب‪-‬التجمعات المكانية‬
‫تتداخل العالقات المكانية‪ ،‬مع العالقات القرابية‪ ،‬في التجمعات األفريقية‬
‫تداخال كبيرا‪ ،‬خاصة إذا اشترك أفراد األسرة والقبيلة والساللة في األرض‪ ،‬لدرجة أنه‬
‫من الصعب علي الباحث االجتماعي‪ ،‬أن يالحظ التمييز بينهما‪ ،‬ولكن يحدث في‬
‫بعض األحيان‪ ،‬أن تتكون عالقات اجتماعية قوية‪ ،‬نتيجة للعيش المشترك بين‬
‫الجماعات‪ ،‬بغض النظر عن روابط الدم‪ ،‬ويسميها العلماء بالعالقات المكانية‪ ،‬أو‬
‫المحليات أو البلديات‪.‬‬
‫ويشعر الداخلون في مثل هذه العالقات‪ ،‬بالمصير المشترك لبعضهم البعض‪،‬‬
‫ويتعزز هذا الشعور بعالقات الزواج والمصاهرة‪ ،‬وبعالقات الجيرة‪ ،‬وتظهر أهمية‬
‫العالقات المكانية‪ ،‬في التجمعات الشادية‪ ،‬بأنها وصلت ببعض الجماعات أن تنتمي‬
‫إليها انتماء قويا‪ ،‬يتجاوز روابط القرابة‪ ،‬ويتيح الحرية لقبول جماعات داخل األراضي‬
‫الساللية‪ ،‬بغض النظر عن االنتماءات العرقية‪ ،‬وقد عرفت التجمعات الشادية‪،‬‬
‫العالقات المكانية‪ ،‬منذ إنشاء القرى والحالل الصغار‪ ،‬وكذلك المدن الكبيرة‪ ،‬وقد‬
‫لعبت هذه العالقات‪ ،‬دورا هاما في عملية قبول الوافدين الجدد‪ ،‬داخل هذه‬
‫األماكن‪.‬‬
‫ج‪ -‬التجمعات اإلقليمية‬
‫وتعرف العالقات اإلقليمية في التجمعات الشادية‪ ،‬بأنها مجموعة العالقات‪،‬‬
‫التي تشمل عددا من التحالفات القبلية والساللية والمكانية والتحالفية‪ ،‬وقد عرفت‬
‫هذه العالقات‪ ،‬حينما نشأت السلطنات اإلسالمية الكبيرة‪ ،‬مثل‪ ،‬دار فور وكانم‬
‫وبقرمية ودار وداعة‪ ،‬فالعالقات االجتماعية التي كانت تسود داخل هذه السلطنات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬هي عالقات إقليمية‪ ،‬حيث يشعر جميع األفراد الداخلين فيها‪ ،‬بأهمية‬
‫اإلقليم الكبير الذي يضم مجموعة كبيرة من القبائل والسالالت والتجمعات المكانية‬

‫‪460‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫والتحالفية‪ ،‬فالناس تعبر عن انتمائها لإلقليم دون غيره من االنتماءات األخرى‪ ،‬بعدة‬
‫مظاهر‪ ،‬مثل‪ :‬إضافته إلي أسمائهم مثل الكانمي أو البقرمي‪ ،‬بدل إضافة أسماء‬
‫القبائل والسالالت واألماكن الصغيرة‪ ،‬وكذلك التعبير عن ذلك بالدفاع عن اإلقليم‪،‬‬
‫في حاالت الغزو وغير ذلك‪ ،‬وفي الوقت الحاضر تشكل العالقات اإلقليمية‪ ،‬أهم‬
‫مكون من مكونات التجمعات األفريقية‪ ،‬والذي ينعكس إيجابا أو سلبا‪ ،‬علي النظام‬
‫السياسي واالقتصادي للتجمعات األفريقية‪.‬‬
‫د‪ -‬التجمعات التحالفية‬
‫ظهرت العالقات التحالفية في التجمعات األفريقية‪ ،‬نتيجة الضغوط الخارجية‪،‬‬
‫وظروف العيش في مناطق جذب سكاني‪ ،‬تفد إليها مجموعات سكانية متباينة‪ ،‬بين‬
‫وقت وآخر‪ ،‬وما تبع ذلك من صراع حول المراعي واآلبار‪ ،‬واألرض الزراعية والمدن‬
‫الكبيرة‪ ،‬أستدعى كل هذا‪ ،‬قيام تجمعات أكبر حجما من الناحية العددية‪ ،‬ولهذا‬
‫ظهرت الضرورة إلى قبول اآلخرين‪ ،‬سواء أكانوا قبائل أخري أم مجموعات مكانية‪،‬‬
‫وهذا ما أدي‪ ،‬إلي ظهور التجمعات التحالفية‪ ،‬التي يقودها‪ ،‬ممثلو القبائل والسالالت‬
‫والتجمعات المكانية‪(.‬أيوب ب‪)23 ،‬‬
‫ويدعم المجتمع الشادي‪ ،‬العالقات التحالفية‪ ،‬ألنها تسمح بقيام عالقات‬
‫اجتماعية‪ ،‬تتجاوز العالقات القبلية والساللية والمكانية واإلقليمية‪ ،‬وذلك من أجل‬
‫إرساء دعائم المجتمع الوطني‪ ،‬الذي من طبيعته التسامح‪ ،‬وأكبر مثال يشار إليه‬
‫للعالقات التحالفية في المجتمع الشادي ما عقدته التجمعات المتحالفة في العاصمة‬
‫أنجمينا من اتفاقية تشمل‪ -‬تقريبا – جميع القبائل والسالالت والتجمعات المكانية‪،‬‬
‫بهدف تنظيم العالقات االجتماعية فيما بينها‪.‬‬
‫ومن أهم بنود هذه االتفاقية التحالفية أن رؤساء القبائل والسالالت‬
‫والتجمعات المكانية الموقعون علي هذه االتفاقية والمنضمون إليهم‪ ،‬تحالفوا علي‬

‫‪461‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫رفض عادة الثأر التي كانت سائدة في العالقات القبلية والساللية والمكانية‪ ،‬وتحويلها‬
‫إلي ال ّدية – حسب قواعد التحالف المنصوص عليها في هذه االتفاقية – وقد وصل‬
‫األمر ببعض التجمعات المتحالفة إلى إلغائها تبادليا‪ ،‬خاصة في قتل حوادث‬
‫السيارات‪ ،‬والتي أضيف إليها فيما بعد جميع أنواع القتل غير العمد‪ ،‬وكذلك األضرار‬
‫واإلصابات في الحوادث المختلفة‪.‬‬
‫وقد وجدت هذه االتفاقية‪ ،‬تصديقا رسميا من الدولة والقضاء الشادي‪ ،‬مما‬
‫جعل األعضاء المتحالفون يتمتعون بالحماية من السلطات الرسمية‪ ،‬والطريقة التي‬
‫رسمها المستفيدون من هذه االتفاقية‪ ،‬تتمثل في أنه حينما يقع حادث –يدخل ضمن‬
‫بنود االتفاقية – فما علي شيخ قبيلة الجاني‪ ،‬أو مندوب ممثل التجمع االجتماعي‪،‬‬
‫إال االتصال بشيخ القبيلة المتضرر أحد أفرادها‪ ،‬وزيارة المتضرر‪ ،‬وتقديم التعازي في‬
‫حالة الوفاة‪ ،‬وهذه العملية‪ ،‬تمثل االعتراف بالخطأ‪ ،‬وتحمل كامل المسؤولية‪ ،‬ويتبع‬
‫هذه العمليات الشكلية‪ ،‬التدخل ماديا‪ ،‬وذلك عن طريق المساهمة في تكاليف العزاء‬
‫بمبلغ‪ ،‬نص عليه في اتفاقية التحالف‪ ،‬وهو أربعون ألف لاير شادي وهو ما يعادل أقل‬
‫من أربعمائة دوالر أمريكي وقد يزيد أو ينقص حسب العادات المتبادلة بين‬
‫التجمعات االجتماعية‪ ،‬باإلضافة إلي تحمل نفقات العالج واإلعاشة‪ ،‬إذا كان‬
‫المتضرر مصابا بإصابات بالغة‪ ،‬وال دخل للعالقات الشخصية بين المتخاصمين أو‬
‫المتضررين‪.‬‬
‫ونظرا للدور الكبير الذي لعبته هذه االتفاقية التحالفية في فض النزاعات بين‬
‫المتحالفين‪ ،‬فقد سعت جميع القبائل والسالالت والتجمعات المكانية لتوقيعها‬
‫واالستفادة من مزاياها االجتماعية‪.‬‬
‫وآخر المنضمين أليها تجمع أوالد سنغال‪ ،‬وهي جماعة مكانية‪ ،‬ثم تحولت‬
‫إلى تحالفية‪ ،‬تضم كل سكان غرب شاد الذين وفدوا إلي شاد‪ ،‬أيام االستعمار‬

‫‪462‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفرنسي للعمل في الدوائر الحكومية االستعمارية‪ ،‬وظلوا في شاد بعد االستعمار‪ ،‬وما‬
‫تبعهم من مجموعات‪ ،‬وإنهم ولكي يتمتعوا بمزايا االتفاقية التحالفية‪ ،‬توجب عليهم‬
‫أن يكونوا جماعة اجتماعية مكانية تضمهم وتدافع عنهم‪ ،‬في إطار التحالفات القائمة‬
‫حتى وإن افتقدوا الرابط القبلي والساللي أو المكاني السابق‪.‬‬
‫وقد قبلت السلطات الرسمية هذا التجمع المكاني التحالفي المصطنع‪،‬‬
‫وكذلك التجمعات االجتماعية الشادية‪ ،‬بكثير من التسامح‪ ،‬رغم اعتراف الجميع‪،‬‬
‫بأن ال رابط بين هؤالء الناس‪ ،‬إال هدف االستفادة من المزايا التي توفرها اتفاقية‬
‫التحالف للعيش في العاصمة أنجمينا وضواحيها‪.‬‬
‫من الوظائف التربوية للتجمعات السابقة‪ ،‬أن دورها ال يتوقف على التأثير على‬
‫تحديد نوعية التربية المطلوبة ألعضائها‪ ،‬وإنما يوجهون العملية التربوية بالكامل‪ ،‬نحو‬
‫آفاق معينة‪ ،‬يختارونها دون غيرها‪ ،‬ال يحق للتالميذ الخروج عنها‪ ،‬وهذه التجمعات‪،‬‬
‫هي من يساهم‪ ،‬في اختيار المؤسسات التربوية الجديدة‪ ،‬التي يتعلم فيها أبناؤهم‪ ،‬من‬
‫تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬إلى التعليم العالي العربي اإلسالمي‪.‬‬
‫وهذا ما يفسر‪ ،‬صمود معظم مظاهر مؤسسات التربية العربية اإلسالمية في‬
‫المنطقة‪ ،‬رغم غياب الدعم المحلي من السلطنات اإلسالمية‪ ،‬التي أوقف الفرنسيون‬
‫دورها‪ ،‬منذ عام‪1900‬م‪ ،‬وكذلك الدعم الخارجي من العالم اإلسالمي‪ ،‬والتحديات‬
‫من المؤسسات الفرنسية‪-‬اإلسالمية أو عربية‪ ،‬الضرار‪ ،‬التي أنشأها الفرنسيون منذ‬
‫عام‪1923‬م‪.‬‬
‫بل بادر الرواد األوائل منهم‪ ،‬منطلقين من التجمعات السابقة‪ ،‬ومستجيبين‬
‫لطموحاتها‪ ،‬إلى إنشاء مؤسسات تربوية‪ ،‬تتناسب مع العصر‪ ،‬مثل المعهد العلمي‬
‫بابشة‪ ،‬الذي أنشأه الشيخ محمد عليش عووضة عام ‪1943‬م‪ ،‬على غرار المعاهد‬
‫األزهرية‪ ،‬لدعم التربية العربية اإلسالمية في المنطقة‪ ،‬وما تاله من تكوين مدارس عربية‬
‫إسالمية نظامية حديثة إلى اليوم‪.‬‬
‫‪463‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثانيا‪-‬النظام التربوي العربي اإلسالمي ومؤسساته التعليمية‬


‫للنظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬مؤسسات تمثله على أرض الواقع‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫أ‪-‬المسيج القرآني‬
‫أقام المسلمون حول بحيرة الشط‪ ،‬نظاما تربويا إسالميا‪ ،‬ظهرت معالمه مع‬
‫ازدهار السلطنات اإلسالمية في المنطقة في القرن الحادي عشر الميالدي‪.‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬وفيها تعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ أجزاء من القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬ويستعين الصبيان في هذه المرحلة باأللواح الخشبية‪ ،‬وغالبا ما يتلقى‬
‫األطفال هذا التعليم األولىي في الفصول والحلقات الملحقة بالجوامع والمساجد‪،‬‬
‫حول بحيرة الشط عامة‪.‬‬
‫أما مرحلة التعليم المتوسط في شاد‪ ،‬فتتمثل في العناية بتجويد القرآن الكريم‪،‬‬
‫وشيء من الفقه واللغة العربية بفروعها المختلفة‪ ،‬وشيء من الحساب والفلك‬
‫والسيرة‪ ،‬وقد ينتهي مثل هذا التعليم المتوسط‪ ،‬بإجازة يمنحها المعلم‪ ،‬بعد أن ينال‬
‫شيئا من التمر أو الحبوب أو الماشية‪ ،‬نظير إيصاله للطفل أو التلميذ إلى هذه‬
‫المرحلة من التعليم‪ ،‬هذا في حالة التعليم المتوسط الذي يعطي خارج األسرة‪.‬‬
‫يدل على ذلك وثيقة عربية خطها سلطان كانم ‪ -‬برنو حمي جمي(حكم‬
‫حوالي‪1097 -1086‬م)‪ ،‬للعالم محمد بن ماني‪ ،‬نظير تعلمه منه‪ ،‬لمحتويات من‬
‫النظام التربوي‪ ،‬تجسد في آيات من القرآن الكريم‪ ،‬ومبادئ العلوم الدينية والسيرة‬
‫النبوية‪ ،‬وهذا المحرم أو المرسوم السلطاني من أقوى األدلة المادية‪ ،‬على وجود نظام‬
‫تربوي إسالمي في سلطنة كانم ‪ -‬برنو في ذلك الزمان‪ ،‬لتضمنه معظم مكونات النظام‬
‫التربوي‪ ،‬من محتوى للمادة التربوية‪ ،‬ومعلم‪ ،‬ومتعلم‪ ،‬وسلطة سياسية عليا‪،‬تقر وترعى‬
‫هذه المكونات التربوية‪ ،‬باإلضافة إلى حوافز تربوية‪ ،‬تتضمن رعاية مادية ومعنوية‬

‫‪464‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫للمعلم وورثته‪ ،‬يسعى المعلم للحصول عليها في النظم التربوية الحديثة‪(.‬ابن ماني‪،‬‬
‫المحارم‪ ،‬ورقة أ)‬
‫أوردها بالمر في كتابيه‪The Memoirs, The Bornu Sahara :‬‬
‫‪and Sudan.‬عددا من الوثائق العربية‪،‬أهمها ما أطلق عليه سالطين كانم –برنو‬
‫اسم "محارم" ليشيروا إلى تلك االمتيازات التي يمنحونها للعلماء عندهم‪.‬‬
‫ونشير هنا إلى واحد منها‪ ،‬وهو محرم السلطان حمي جمي(‪-1086‬‬
‫‪1097‬م)‪ ،‬والذي تضمن‪ :‬محتوى تعليمي‪ ،‬ومعلم‪ ،‬ومتعلم‪ ،‬ومكافآت عينية ومعنوية‪،‬‬
‫وتعهد بنقل ونشر المتعلم‪ ،‬لما تعلم من محتوى‪ ،‬ألوسع نطاق ممكن‪.‬‬
‫فقد علم ودرس‪ ،‬المعلم محمد بن ماني‪ ،‬خمسة من سالطين كانم‪-‬برنو اآلتية‬
‫أسماؤهم‪:‬‬
‫‪-1‬السلطان بولو(حكم حوالي ‪1020‬م)‪ ،‬علمه القرآن الكريم من سورة‬
‫الملك إلى الناس‪ ،‬وكافأه بخمسين جمال‪.‬‬
‫‪-2‬السلطان أركي(حكم حوالي ‪1035‬م)‪ ،‬علمه القرآن الكريم من سورة يس‬
‫إلى الناس‪ ،‬وكافأه بستين جمال‪.‬‬
‫‪-3‬السلطان كاد((حكم حوالي ‪1075‬م)‪ ،‬علمه القرآن الكريم من سورة يس‬
‫إلى الناس‪ ،‬كافأه بسبعين جمال‪.‬‬
‫‪-4‬السلطان عبد الجليل(حكم حوالي ‪1077‬م)‪ ،‬علمه القرآن الكريم من‬
‫سور األعراف إلى الناس‪ ،‬كافأه بثمانين جمال‪.‬‬
‫‪-5‬أما السلطان حمي جمي‪ ،‬الموقع على المحرم(حكم حوالي ‪-1086‬‬
‫‪1097‬م)‪ ،‬فقد علمه القرآن الكريم كله‪ ،‬وزاد عليه سيرة النبي محمد صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وقد منح معلمه محمد بن ماني‪ ،‬مكافآت تفوق سابقيه‪ ،‬المادية منها‬
‫والمعنوية‪ ،‬فقد منحه مائة من البعير‪ ،‬ومائة قطعة ذهبية‪ ،‬ومائة قطعة من الفضة‪ ،‬ومائة‬

‫‪465‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫من الخدم‪ ،‬ومكافآت معنوية‪ ،‬أهمها‪ :‬أمر بحرمة أمواله ودمه وأسرته إلى يوم الدين‪،‬‬
‫وأوصى أبناءه والسالطين القادمين في سلطنة كانم ‪ -‬برنو بااللتزام بهذا المحرم‪،‬‬
‫وتوعد من يتجاوزه بأشد العقوبات‪ ،‬وتحمل السلطان حمي جمي مسؤولية تبليغ ما‬
‫تعلمه من معلمه إلى الناس أجمعين‪ ،‬وقد وفى بما وعد‪ ،‬فقد استشهد في المياه‬
‫المصرية في أحد عوداته من الحج‪ ،‬ودعا على من يعتدي على معلمه محمد بن ماني‬
‫وأسرته بالحرق في نار جهنم‪( .‬طرخان‪)PALMER.P،13 ،69-67،‬‬
‫والمحارم إذن تعطي امتيازات‪ ،‬وتمنح صاحبها اإلعفاء من الضرائب‪ ،‬في‬
‫األموال الثابتة والمنقولة والدخول إلى السلطان في اغلب األوقات‪ ،‬وقبول بعض‬
‫الشفاعات‪ ،‬وكلها امتيازات تقوي من مكانة العلماء في السلطنة‪( .‬ابن فرتو‪ ،‬ص‬
‫‪) 132‬‬
‫وقد افتخر سالطين كانم – برنو بنظامهم التربوي اإلسالمي‪ ،‬فأوردوه في‬
‫ديوانهم العظيم‪ ،‬والذي سجلوا فيه أيامهم الخالدة‪(.‬فقرة ب من الديوان‪ ،‬ورقة‪)3‬‬
‫وكانت عناية سالطين كانم – برنو‪ ،‬بمدخالت النظام التربوي اإلسالمي لديهم‪،‬‬
‫المتمثلة في طالب العلم ومؤسساته‪ ،‬ال تقل عن عنايتهم بمخرجاته من العلماء‪،‬‬
‫المشار إليها سابقا‪.‬‬
‫فقد أجروا على مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬األموال من بيت المال‬
‫والزكوات واألوقاف والهبات‪ ،‬ومدرسة ابن رشيق التي بناها سلطان كانم ‪ -‬برنو‬
‫للعناية بالبعثة التعليمية الكانمية في األزهر الشريف‪ ،‬خير دليل على الرعاية السلطانية‬
‫لمؤسسات التعليم العربي اإلسالمي في كانم‪ -‬برنو وخارجها‪.‬‬
‫ويحدثنا المقريزي عن مدرسة ابن رشيق قائال‪ " :‬مدرسة ابن رشيق بخط حمام‬
‫الريس من مدينة مصر‪ ،‬كان الكانم لما حلوا بأرض مصر في سنة بضع وأربعين‬
‫وستمائة قاصدين الحج دفعوا للقاضي علم الدين بن رشيق ماال بناها به‪ ،‬ودرس بها‬

‫‪466‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فعرفت به‪ ،‬وصار لها في بالدهم سمعة عظيمة‪ ،‬فكانوا يبعثون إليها في غالب السنين‬
‫بالمال"‪( .‬الدكو‪ ،‬ص ص ‪) 115 -114‬‬
‫ومن هذه المؤسسات التربوية‪ ،‬تخرج علماء من أمثال‪ :‬أحمد بن فورتوا‪ ،‬الذي‬
‫سجل مالحم السلطان إدريس ألومة‪( .‬ابن فوتوا‪ ،‬ص‪)5‬‬
‫والشيخ محمد األمين الكانمي‪ ،‬الذي دافع بقلمه وسيفه عن سلطنة كانم ‪-‬‬
‫برنو‪ ،‬من خالل الرسائل المتبادلة بينه وسالطين سكتو‪ ،‬التي أوردها محمد بلو في‬
‫كتابه إنفاق الميسور‪ ،‬ومخطوطه نصيحة الحكام‪(.‬الكانمي‪ ،‬ص ‪)2‬‬
‫وانتقلت آثار النظام التربوي اإلسالمي‪ ،‬من كانم‪ -‬برنو إلى سلطنة باقرمي‬
‫المجاورة حوالي‪1611‬م‪ ،‬حيث عرفت بارتفاع مكانة تحفيظ القرآن الكريم والعناية‬
‫بحفظته‪ ،‬في البوادي واألرياف والمدن‪ ،‬تبع ذلك عناية كبيرة بالفقه اإلسالمي‪ ،‬لحاجة‬
‫الناس إليه في العبادات واألحوال الشخصية‪ ،‬مع تركيز على كتب التوحيد والعقيدة‬
‫اإلسالمية األشعرية‪ ،‬وخير شاهد على ذلك كتاب المنهل لعالم سلطنة بقرمي‪ ،‬الشيخ‬
‫محمد الوالي بن سليمان‪(.‬ابن سليمان‪ ،‬مخطوط المنهل‪ ،‬ورقة‪)1‬‬
‫وقد وصف الرحالة األلماني هنريش بارث(‪1865-1821‬م)المجلس العلمي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بالبالط السلطاني بباقرمي أيام السلطان عبد القادر(‪1852‬م) في عاصمة‬
‫السلطنة مدينة ماسينيا‪ ،‬الذي يتكون من عدد من العلماء‪ ،‬ذكر بعضهم باالسم‪ ،‬على‬
‫رأسهم الحاج أبوبكر صادق‪ ،‬من أهل باقرمي‪ ،‬كان يحسن العربية‪ ،‬وقد سهل للرحالة‬
‫بارث الكثير من أموره‪ ،‬وساعده في شدائد كثيرة حدثت له‪ ،‬يليه العالم الحاج أحمد‪،‬‬
‫أصله من البامبرا‪ ،‬على ساحل البحر المحيط في غرب شاد‪ ،‬كان يتاجر بين تمبكتو‬
‫والتوات‪ ،‬ثم قصد المدينة المنورة‪ ،‬ومنها وصل إلى بر الشام وحضر حصار إبراهيم‬
‫باشا بن محمد على عكا‪ ،‬ثم إلى بغداد والبصرة‪ ،‬وأخيرا عاد إلى المدينة المنورة‪،‬‬
‫ومنها جاء إلى باقرمي‪ ،‬ومن العلماء الذين قابلهم الرحالة في باقرمي‪ ،‬الفقيه سامبو من‬

‫‪467‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفالته‪ ،‬وكان كفيف البصر‪ ،‬لكنه كان في غاية النباهة‪ ،‬قرأ في األزهر الشريف‪،‬‬
‫وتبحر في اآلداب والفلسفة‪ ،‬وكان قصد مدينة زبيدة في اليمن لدراسة الحساب‬
‫والجبر‪ ،‬الشتهار زبيدة بهذه العلوم‪ ،‬فحال دون وصوله إلى زبيدة‪ ،‬حروب الوهابية‪،‬‬
‫فجاء إلى دار فور‪ ،‬ومنها إلى وداي‪ ،‬واتصل بسلطانها عبد العزيز‪ ،‬ثم بعد وفاة هذا‬
‫السلطان توجه إلى باقرمي‪ ،‬وكان الفقيه سامبو يروي للرحالة األلماني‪ ،‬تاريخ الخالفة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ويحدثه عن عظمتها‪ ،‬من بغداد إلى األندلس‪ ،‬ويعرف ذلك حق المعرفة‪.‬‬
‫ومن بين العلماء في باقرمي الذين قابلهم الرحالة‪ ،‬العالم المصري سليمان‪،‬‬
‫ووصفه بأنه في غاية التهذيب‪ ،‬وقد عرف هذا العالم المصري اسطنبول ومكة وغيرها‪،‬‬
‫ولم يدرك هذا الرحالة أهمية هؤالء العلماء في باقرمي‪ ،‬إلى أن حدث له حادث‪،‬‬
‫أظهر له مكانة هؤالء الصفوة من العلماء‪ ،‬ومدى نضج الثقافة العربية اإلسالمية في‬
‫المنطقة‪ ،‬فقص الرحالة أنه أثناء وجوده في باقرمي‪ ،‬وردت إليه رسائل من الحكومة‬
‫اإلنجليزية‪ ،‬تشكره فيها على عمله‪ ،‬وكتاب من سلطان برنو يلتمس منه الرجوع إليه‪،‬‬
‫فوقعت هذه الرسائل والكتاب في أيدي رجال الحكومة الباقرمية‪ ،‬فحصلت لهم فيه‬
‫شبهة‪ ،‬وأرادوا أن يعتقلوه‪ ،‬وطلبوا منه كتاب الرحلة‪ ،‬الذي كان يحرره‪.‬‬
‫ولكن الظاهرة الحضارية المهمة التي أشاد بها هذا الرحالة‪ ،‬هي أن هذه‬
‫الرسائل والكتاب‪ ،‬أحيلت إلى لجنة علمية مكونة من علماء باقرمي‪ ،‬السابق ذكرهم‬
‫وغيرهم‪ ،‬وقامت هذه اللجنة ببحث الرسائل والكتاب ومسودة الرحلة‪ ،‬وأصدرت بعد‬
‫ذلك توصية إلى الحكومة الباقرمية‪ ،‬تفيد بأن ال شيء في هذه المكاتبات والكتب‬
‫وكتاب الرحلة‪ ،‬يتطلب الحذر‪ ،‬وأن هذا الرجل (الرحالة بارث) إنما غايته العلم‬
‫واإلطالع‪ ،‬وبعد ذلك أمكن للسائح األلماني الذي يعمل باسم اإلنجليز‪ ،‬مقابلة‬
‫سلطان البالد السلطان عبد القادر‪(.‬فرانكة‪ ،‬ص ص‪)46-30،‬‬

‫‪468‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ووصف الرحالة محمد بن عمر التونسي‪ ،‬بعض مظاهر النظام التربوي في‬
‫سلطنة دار وداي العباسية‪ ،‬فمما الحظه في رحلته إلى دار وداي‪ ،‬العناية الكبيرة التي‬
‫يوليها الناس عامة والسالطين خاصة‪ ،‬للعلم والعلماء القادمين من العالم العربي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فكل من يحمل شيئا متميزا من العلم‪ ،‬يجل ويكبر في أعين األفارقة‪ ،‬وإذا‬
‫كان من العرب ترفع درجته إلى شريف‪ ،‬وتسمح له هذه الدرجة‪ ،‬بتولي المناصب‬
‫الوزارية‪ ،‬في معظم الممالك اإلسالمية التي كتب عنها التونسي في رحلته‪ ،‬خاصة‬
‫مملكة دارفور ومملكة وداي‪( .‬التونسي‪ ،‬ورقات ‪)105-104‬‬
‫فالسلطان صابون سلطان دار وداي‪ ،‬يصفه التونسي بأنه من السالطين األفارقة‬
‫الذين وفد إليهم العلماء والشعراء من األمصار‪ ،‬ومن مظاهر اعتناء هذا السلطان‬
‫بالعلماء‪ ،‬انه يقدمهم في الزكاة على غيرهم‪ ،‬ويغمرهم بأفضاله‪ ،‬ويتفقد أحوالهم‪،‬‬
‫وينتقم ممن نال منهم‪ ،‬ويغض الطرف عن مساوئهم‪ ،‬ويهتم بقضاء حوائجهم إذا‬
‫رفعت إليه‪.‬‬
‫وقد وصف لنا التونسي في رحلته‪ ،‬انه لما قدم إلى عاصمة دار وداي‪،‬‬
‫استضافه السلطان صابون ثالثة أيام‪ ،‬ثم استقبله بعدها‪ ،‬وسمح له بإلقاء السالم عليه‪،‬‬
‫ولما استوثق من انه ابن الشيخ عمر التونسي‪ ،‬الذي كان وزيرا عنده‪ ،‬قبل أن يغادر‬
‫رحب به السلطان في بالده‪ ،‬ونـظرا لصغر سن محمد بن عمر‬ ‫إلى وطنه تونس‪ّ ،‬‬
‫التونسي‪ ،‬طلب منه السلطان إتمام تعليمه‪ ،‬لدى العلماء في دار وداي‪ ،‬وذكر باالسم‬
‫الشيخ احمد الفاسي‪ ،‬ويروي التونسي انه استجاب لوصية السلطان صابون‪ ،‬وقرأ‬
‫بعض كتب السادة المالكية‪ ،‬لدى الشيخ احمد الفاسي‪ ،‬وغيره من العلماء في حاضرة‬
‫دار وداي مدينة وارة‪.‬‬
‫وكان إمام السلطان صابون خالل فترة وجود التونسي في واره‪ ،‬هو اإلمام‬
‫األعظم الفقيه محمد بدر الدين‪ ،‬وهو فقيه ضليع في فقه مذهب اإلمام مالك‪ ،‬يذكر‬

‫‪469‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫التونسيانه لم تر عينه‪ ،‬في أقاليم السودان كلها أهيب منه‪ ،‬وال أفصح في الخطبة‪،‬‬
‫فكان نادرة عصره ووحيد دهره‪( .‬التونسي‪ ،‬ورقة ‪ 198‬ب)‬
‫ومن الفقهاء في وارة الفقيه محمد العريقي‪ ،‬وهو رئيس تراجمة السلطان‬
‫صابون‪ ،‬وكان من الفصاحة بأعلى مكان‪ ،‬ووصفه بأنه جميل الهيئة‪( .‬التونسي‪ ،‬ورقة‬
‫‪ 198‬ب)‪.‬‬
‫ومن العلماء في وداي الفقيه نور قاضي القضاة بإقليم وداي‪ ،‬ويشير التونسي‬
‫بأنه عربي األصل‪ ،‬ومنهم احمدوه المهيدي‪ ،‬ويليهم الوزير األجل المحترم الفقيه‬
‫محمد جميل الزعف‪ ،‬والفقيه علي ود مهيدي‪ ،‬ومنهم األديب الكامل الفقيه الوالي‬
‫الباقرمي‪ ،‬وكان شاعرا بليغا‪ ،‬امتدح حضرة السلطان صابون بعدة قصائد‪ ،‬غير أن‬
‫التونسي ذكر انه نظرا لعدم اعتنائه بالشعر حينئذ ‪ -‬كما يقول‪-‬لم ينقل عنه شيئا‪.‬‬
‫أما الشريف احمد الفاسي‪ ،‬فيدل اسمه على انه من المغرب العربي‪ ،‬ويقول‬
‫محمد بن عمر التونسي عنه‪ :‬انه يعرف الشريعة والحديث والسيرة‪ ،‬ويعرف بعمق‬
‫مبادئ المذهب المالكي‪ ،‬إذ كان يحفظ عن ظهر قلب الموطأ‪ ،‬وكان يشرح الحديث‬
‫على بصيرة‪ ،‬إذ يدرك غاياته وأحكامه‪ ،‬وكان قد تلقى تربية رفيعة في وسط روحاني‪،‬‬
‫يعرف أسس ومبادئ العقيدة‪ ،‬وقد تلقى معرفة غزيرة في العلوم الشرعية واألحكام‪،‬‬
‫وقد لقب في فاس ببابا‪ ،‬تشبيها له بأحمد بابا التنبكتي‪.‬‬
‫وصل الشيخ احمد الفاسي الى دار وداي في طريقه من الحج أيام السلطان‬
‫صابون‪ ،‬ويعتقد التونسي أن وصوله كان عام ‪1224‬هـ‪ ،‬وقد سمع بمكانة السلطان‬
‫صابون في الحج‪ ،‬وبالتالي قرر المرور ببالده‪ ،‬ولما وصل اسكنه السلطان في قرية‬
‫نمرو‪ ،‬وبعد سفر الشيخ عمر التونسي والد محمد التونسي إلى تونس‪ ،‬تم انتخاب‬
‫الشيخ احمد الفاسي في الوزارة لدى السلطان صابون‪( .‬التونسي‪ ،‬ورقات ‪– 222‬‬
‫‪.)232‬‬

‫‪470‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومجمل القول‪ ،‬أن النظام التربوي العربي اإلسالمي في السلطنات اإلسالمية‪،‬‬


‫لم يكن يؤدي أهدافه في التربية الدينية واألخالقية فقط‪ ،‬بل كان يؤدي أغراضه‬
‫العملية في خدمة السلطنات اإلسالمية‪ ،‬من تلبية الحتياجاتها من األطر المثقفة‪ ،‬من‬
‫الكتبة والعاملين في البالط السلطاني‪ ،‬وإعداد األمراء الذين هم سالطين المستقبل‬
‫ومعاونيهم‪ ،‬الذين يشترط فيهم التعليم األولىي والمتوسط‪ ،‬ولوحظ في هذه السلطنات‬
‫إعطاء عناية كبيرة‪ ،‬بتكوين طبقة عليا من العلماء والمتخصصين‪ ،‬للتعامل مع‬
‫السلطنات الكبرى في المراكز اإلسالمية‪ ،‬التي كان للسلطنات في شاد عالقات قوية‬
‫معها‪ ،‬ويضرب المثل هنا‪ ،‬بالمستوى العلمي الرفيع الذي كان عليه النحوي والشاعر‬
‫إبراهيم الكانمي (ولد في كانم سنة‪550‬ه‪،‬وصل ضمن سفارة كانمية إلى الحضرة‬
‫المراكشية سنة‪594‬ه)‪ ،‬والذي عرف في المغرب واألندلس والمشرق العربي‪ ،‬أكثر‬
‫من وطنه‪ ،‬وهو من خريجي النظام التربوي اإلسالمي في كانم‪-‬برنو‪،‬وكان يحكم في‬
‫زمنه السلطان سلمي الذي حكم سلطنة كانم اإلسالمية من سنة(‪617-591‬ه)‪.‬‬
‫(ابن شريفة‪ ،‬ص‪) 24-21‬‬
‫ومن مظاهر مستوى الكانمي العلمي والتربوي‪ ،‬ما روته عنه كتب التراث العربي‬
‫(وردت في قالئد الجمان‪ ،‬ووفيات األعيان‪ ،‬ونفح الطيب‪ ،‬واالستقصا ) من أشعار‬
‫نذكر منها‪:‬‬
‫أزال حجابه عني وعينـ ـ ـ ـي**** تراه من المهابة في حجاب‬
‫وقربني تفضل‪،،‬ه ولكـ ــن ****بعدت مهابة عند اقت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرابي‬
‫‪-1‬مراحل حفظ القرآن الكريم‪:‬‬
‫أنتجت تجارب حفظة القرآن الكريم في شاد‪ ،‬إلى التوصل لنظام تعليمي‬
‫متكامل لحفظ القرآن الكريم‪ ،‬يبدأ من مرحلة محو األمية أو تعلم القراءة والكتابة‪،‬‬
‫إلى إتقان المهارة في حفظ القرآن واألدوات أو القواعد المساعدة لتثبيت الحفظ‪،‬‬

‫‪471‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ونظرا لتميز هذه النظام التعليمي عن غيره من األنظمة التعليمية حسب البيئة الشادية‪،‬‬
‫فقد رأي الباحث انه من المناسب‪ ،‬الرجوع إلى الحفظة أو القوانى لتفصيل الجوانب‬
‫المختلفة لهذه العملية‪ ،‬واستنتجت من خالل اتصاالت متكررة معهم‪ ،‬أن معظمهم‬
‫يتلقى هذا النظام شفويا‪ ،‬وبطرق مباشرة من مشايخهم‪ ،‬ويندر وجود الوصف‬
‫المكتوب لهذه النظام‪ ،‬إلى أن انبري أحد الحفظة الذي وفقه اهلل أن يجمع بين حفظ‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬والدراسات الجامعية حتى الدراسات العليا بكلية اللغة العربية جامعة‬
‫الملك فيصل بأنجمينا‪ ،‬ورشح للدكتوراة في الجامعات السودانية‪ ،‬وهو القوني إدريس‬
‫عثمان‪،‬فذكر في بحث له أنه من الممكن تقسيم النظام التعليمي للمسيج القرآني في‬
‫شاد إلى ثالث مراحل تعليمية هي‪:‬‬
‫المبتدي( أمبدي )‪ :‬وهي مرحلة األساس تبدأ من يوم التحاق التلميذ‬
‫ْ‬ ‫أ‪-‬مرحلة‬
‫بالمسيج ويكون التلميذ في الغالب بين الخامسة والسابعة من عمره‪ ،‬وتضم هذه‬
‫المرحلة عنصرين أساسيين العنصر األولى‪ :‬تعليم الحروف الهجائية وأمهات الكتابة‪،‬‬
‫العنصر الثاني‪ :‬تعليم الرسم واإلمالء وبداية الحفظ‪ ،‬أما تعليم الحروف الهجائية‬
‫فتكتب للتلميذ أوال في األرض أو في اللوح بخط واضح ويختار لذلك من هو‬
‫أحسن خطا‪،‬ليعتاد التلميذ هذا الخط ألنه قد يبقي معه مدة من الزمن حتى يحفظه‬
‫حفظا جيدا‪ ،‬وقد تختلف طريقة الكتابة للحروف الهجائية بتقديم بعض الحروف‬
‫وتأخير أخرى‪ ،‬ولكن الطريقة المعهودة هي أن تكتب كلها بخط واضح إلى أن يصل‬
‫إلى حرف العين (ع) وهنا يوضح للتلميذ الفرق بين العين في صدر الكلمة ووسطها‪،‬‬
‫] وهكذا حرف‬ ‫فاألولى عين ( شعبة) (عـ) والثانية عين (ركاب أو دوال ) [‬
‫الفاء‪ ،‬فالمتصدرة للكلمة تنقط نقطة واحد أسفل الحرف‪ ،‬أما الفاء التي تقع وسط‬
‫الكلمة فإنها مهملة‪ ،‬أما القاف فالمتصدر ينقط نقطة واحدة في األعلى‪ ،‬ويهمل في‬
‫حالة التطرف‪ ،‬وكذلك النون ال تنقط إذا تطرفت‪.‬‬

‫‪472‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وفي اإلجمال تكتب متطلبات هذا الجزء من المرحلة األولى هكذا‪ (:‬ا بـ تـ ثـ‬
‫ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ال يـ ى ه ة‬

‫)‬
‫ثم يبدأ التلميذ في حفظها تدريجيا حتى يحفظها كاملة‪ ،‬وطريقة الحفظ أن‬
‫يلقنه المعلم حرفين أو ثالثة أو أربعة‪ ،‬وفي يد التلميذ قلم يشير به إلى كل حرف‬
‫ينطقه‪ ،‬فإذا حفظها يؤمر بكتابتها عن ظهر قلب بعد أن تمحي من لوحه‪ ،‬ويجلس‬
‫أمام المعلم ويكتبها فإذا كتبها ولم يخطئ في شئ منها يبدأ في تعلم الشكل وهو ما‬
‫ب أبْـ‪ ،‬ونطقه هكذا‪( :‬‬ ‫ب ُ‬ ‫صبه ) ويكتب هكذا‪-:‬با بِيبُوا با ٍ‬ ‫يعرف في المسيج بـ ( با ن ْ‬
‫الف‬
‫ت ْ‬ ‫ت واو ق َّدم ْ‬
‫ت ياء‪( ،‬بُواْ) ُرفْـعه جاب ْ‬ ‫الف‪( ،‬بي) ٍخ ْفضة جاب ْ‬
‫ت ْ‬ ‫صبه جاب ْ‬
‫بـا ) ن ْ‬
‫(ب َُ) ُرفـ ْعتـ ْين (أبْـ) جزمه‪.‬‬ ‫(ب) ِخ ِف ْ‬
‫ضتن ُ‬ ‫الف ٍ‬
‫ُمك ْدملة‪( ،‬با) نصبتين جاب ْن ْ‬
‫ويستمر التلميذ في حفظها من حرف إلى حرف آخر‪ ،‬حتى يكمل كل‬
‫الحروف الهجائية‪ ،‬مع المحافظة على اإلشارة لكل حرف بقلمه حتى يتقن حفظه‪ ،‬ثم‬
‫يؤمر بكتابتها بعد محوها أمام المعلم‪ ،‬فان أجاد كتابتها كاملة بدون خطأ يختبره‬
‫المعلم فيها بحيث يملي عليه الحروف الهجائية عشوائيا مع شكلها‪ ،‬فإذا نجح في‬
‫ذلك تكتب له أمهات الكتابة‪ ،‬وهي عبارة عن الكلمات التي تتكرر كثيرا في القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬
‫وتكتب هكذا ((قال‪ ،‬قالوا‪ ،‬كان‪ ،‬كانوا‪ ،‬يأيها الذين أمنوا‪ ،‬الذين كفروا‪ ،‬اهلل‪،‬‬
‫هلل‪ ،‬له‪ ،‬إلى‪ ،‬على‪ ،‬عليهم‪ ،‬عليه‪ ،‬عليكم‪ ،‬عليك‪ ،‬عليها‪ ،‬أولئك‪ ،‬له‪ ،‬انه‪ ،‬على اهلل‪،‬‬
‫في سبيل اهلل… ))‪.‬‬

‫‪473‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ب‪-‬مرحلة اإلمالء والرسم وبداية المحفظ‪:‬‬


‫هذه المرحلة تعتبر هامة جدا في حياة التلميذ في المسيج‪ ،‬يستطيع المعلم أن‬
‫يقيم فيها التلميذ‪ ،‬ويختبر مدى ذكائه وقدراته االستيعابية‪ ،‬فهو قد عرف الحروف‬
‫الهجائية والشكل الذي يميزها وتراكيبها‪.‬‬
‫واهم ما يالحظه المعلم في هذه المرحلة أثناء إمالء اآليات القرآنية المقررة‬
‫للحفظ‪ ،‬طريقة اإلمالء‪ ،‬وفي األغلب في بداية هذه المرحلة تكون سورة واحدة من‬
‫السور القصار‪ ،‬أو خمس آيات يوميا‪ ،‬وقد تزيد أو تنقص عنها حسب قدرات التلميذ‬
‫االستيعابية‪ ،‬فيراعي المعلم أثناء التملية حسن الخط‪ ،‬واستقامة السطور التي تتجه من‬
‫اليمين إلى الصدر أو البطن في الغالب‪ ،‬وفي اللفظ يراعي حسن النطق بالحروف‪،‬‬
‫كالتمييز بين مخارج الحروف وصفاتها‪ ،‬وهكذا حتى القراءة والكتابة‪ ،‬وتتميز هذه‬
‫المرحلة بان التلميذ فيها ال يسمح له بالنظر إلى المصحف البتة إلى أن يجيد القراءة‬
‫والكتابة بحيث إذا أمره المعلم بعد التملية بقراءة ما كتبه يقرأه قراءة جيدة يميز فيها‬
‫الحركات والمخارج فعند إذ يسمح له بالكتابة من المصحف بنفسه أحيانا وقد ال‬
‫يسمح له بالكتابة من المصحف إلى أن يحفظ القرآن الكريم كله‪.‬‬
‫وبمعرفة التلميذ للقراءة والكتابة جيدا تبدأ المرحلة الفعلية للحفظ‪ ،‬ألنه‬
‫يستطيع كتابة لوحه بنفسه من المصحف مباشرة ويشكله ثم يراجعه‪ ،‬وفي األغلب‬
‫يكتب ثمن الحزب وهو ما يسمى ((لوحا)) في اصطالح المسيج‪ ،‬وهذا للتلميذ‬
‫المتوسط‪ ،‬ثم يأتي إلى المعلم ليصحح له األخطاء وينبهه إلى قواعد اإلمالء والرسم‬
‫والمحمول والمحذوف والمقطوع والموصول … وهكذا يستمر إلى أن يختم القرآن‬
‫(الم َّرة)‪.‬‬
‫الكريم الختمة األولى وتمسى بالختمة ُ‬

‫‪474‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ج‪ -‬مرحلة التسيير والتمرين‪-:‬‬


‫ويسمى صاحبها ُمم ِّرن‪ ،‬أو مسير وهي المرحلة التي تلي مرحلة األساس‪،‬‬
‫ويدرس التلميذ في هذه المرحلة مع شيخ مأذون له بالقراءة واإلقراء أي نال درجة (‬
‫القوني) يطرح لوحه مع ألواح كثيرة في مدرسة الشيخ الذي يقرأ عنده‪ ،‬والجميع‬
‫ينظرون إلى كل لوح فإذا رأي أحدهم أي خطأ أشار إليه بقلم أو بأي شيء‪ ،‬فيصحح‬
‫الشيخ الخطأ وقد ال يظهر في اللوح أي خطأ وهكذا‪ ،‬حتى يخرج اللوح من وسط‬
‫الحلقة وقد صحح كل ما فيه من زلة قلم ومن أخطاء إمالئية ورسم ونقط إلى آخره‪،‬‬
‫وعادة يجتمع في المدرسة جمع من الحفاظ المجودين والمسيرين وغيرهم‪ ،‬ويواصل‬
‫التلميذ سيره مع الشيخ القوني الذي اختاره إلى أن يتقن حفظه إتقانا جيدا بحيث‬
‫يعرف الرسم وقواعد اإلمالء ويعرف المقطوع والموصول والمحمول والمحذوف‬
‫ويعرف الحساب القرآني‪ ،‬ومعرفة عدد وقف كل ربع ومده إلى آخر ذلك‪.‬‬
‫فإذا أجاد كل ذلك يأذن له شيخه ( القوني ) في ترك المصحف والكتابة عن‬
‫ظهر قلب‪ ،‬أو من رأسه دون الرجوع إلى المصحف‪ ،‬ويستمر بعرض كل ما يكتبه على‬
‫الشيخ في المدرسة‪ ،‬بحضور جمع من الحفاظ فيأخذون عليه كل المالحظات إلى أن‬
‫يختم ختمات من القرآن الكريم على هذا المنوال حتى يصير ماهرا متقنا‪ ،‬ويشترط‬
‫أن تكون ((بيضاء)) بان ال يشار إلى أي خطإ في ختماته كلها‪ ،‬وكلما كثرت كلما‬
‫تميز المسير‬
‫د‪-‬مرحلة التجويد‪-:‬‬
‫ويسمي صاحبها مجودا وهذه هي مرحلة ما قبل القوني لذلك يطلق عليه ((‬
‫مجود عديل القوني )) ألنه يستطيع أن يحل محل القوني في حال غيابه‪ ،‬بحيث‬
‫يستطيع تسيير المدرسة بدون الرجوع إلى القوني‪ ،‬فيمكث المجود فترة من الزمن مع‬
‫هذا الشيخ حتى يأذن له ويجيزه اإلجازة الكبرى ويخلع عليه لقب((القوني))‪.‬‬

‫‪475‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وهذا اللقب يعطي في حفل كبير يدعوا إليه الشيخ الذي يجيز فيحضره‬
‫مشاهير القواني واعيان الناس والجمهور‪.‬‬
‫ثم يخطب فيه اكبر القواني في المنطقة موصيا المجاز بتقوى اهلل والصبر على‬
‫التعليم وان يعلم لوجه اهلل تعالى‪ ،‬ويوصى الحضور باحترام المجاز وتقديره وخدمته‪،‬‬
‫ويشيد بمكانته ومعرفته للقرآن الكريم‪ ،‬وانه استحق هذا اللقب بجدارة‪ ،‬ثم يعممه‬
‫بعمامة تعد لهذا الغرض‪ ،‬ثم يوقفه أمام الحضور‪ ،‬ليسلم عليهم ويأخذ تهانيهم‬
‫وتبريكاتهم‪ ،‬وبعد ذلك يكتب له السند المسلسل إلى الرسول ‪،‬فإذا لم يكتب له‬
‫سند فالشهادة كافية‪(.‬عثمان‪)6،‬‬
‫وقد يرفع عدد من الحفظة في حفل جماعي‪ ،‬وذكر عدد من الحفظة الذين‬
‫التقي بهم الباحث‪ ،‬أن الرفع قد يتم بدون هذه المراسم‪ ،‬خاصة لدى الحفظة‬
‫الموسومين بالتواضع‪.‬‬
‫‪ -2‬طرق تحفيظ القرآن الكريم‪:‬‬
‫أنتجت الخبرات والتجارب للقائمين على تحفيظ القرآن الكريم حول بحيرة‬
‫الشط (شاد)‪ ،‬تطوير عدد من الطرق لتحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬تبدأ هذه الطرق من‬
‫التلقين‪ ،‬وتتدرج حسب ملكات الطالب إلى اإلمالء الشفوي وطريقة العرض‪ ،‬ثم‬
‫الكتابة من المصحف والمناظرة وطرق تثبيت الحفظ المتنوعة والتي أهمها التكرير‬
‫والمناظرة‪.‬‬
‫أ‪-‬طريقة التلقين‪.‬‬
‫وهي من أهم الطرق التي تستخدم في تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬وتظهر أهميتها‬
‫في المراحل األولى للتحفيظ‪ ،‬حيث يقوم المعلم أو من يقوم مقامه من التالميذ‬
‫الكبار‪ ،‬بتلقين المبتدئ آيات من القرآن الكريم‪ ،‬ويحفظ منها أية أية‪ ،‬وفي الغالب‬
‫يلقن في البداية السور القصار‪ ،‬وتجزأ هي أيضا إلى آيات أو أجزاء صغيرة‪ ،‬وبعد أن‬

‫‪476‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫تحفظ بالتلقين مجزأة يتم جمعها‪ ،‬ويتم التركيز بشدة على مخارج الحروف والنطق‬
‫السليم لكل حرف أو صوت‪ ،‬ويالحظ بدقة أن ال يلقن التلميذ في هذه المرحلة أي‬
‫جزء من القرآن بطريقة غير مناسبة‪ ،‬وهذا ما يجعل بعض الحفاظ يركزون ويسألون عن‬
‫من علّم أو لقن التلميذ في البداية‪ ،‬فإذا عرفوا أن من لقنه في البداية وعرفوا مكانته‬
‫العلمية‪ ،‬ومدى إتقانه لتلقينه األولى لتالميذه‪ ،‬وعدم التهاون في المراحل األولى‬
‫للتلقين‪ ،‬اطمأنوا على مسيرة الطالب‪ ،‬والفرص المتاحة أمامه للتقدم في حفظ القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬فالشيخ الذي يوكل عملية التلقين األولى لغيره‪ ،‬ويتجنب‬
‫صعوبات تلقين طالبه في البداية يصعب عليه تعديل لسانهم فيما بعد‪.‬‬
‫وتصاحب عملية التلقين تعلم الكتابة – كما ذكرنا في النظام التعليمي للمسيج‬
‫– فبعد أن يتعلم التلميذ الحروف الهجائية والكلمات التي تتكرر اكثر من غيرها في‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬يسمح له أن يتدرب على الكتابة‪ ،‬في البداية على األرض‪ ،‬ثم على‬
‫لوح يصلح للكتابة بحروف كبيرة‪ ،‬ويتدرج تلقين الكتابة أيضا حيث تكتب له أية‬
‫واحدة فيحفظها مع التركيز على معرفة تركيب الكلمات وبالذات الكلمات النادرة أو‬
‫التي يكتبها ألول مرة‪ ،‬فتوضح له طبيعتها‪ ،‬وهذا التدرج يجب أن يتبع حتى مع‬
‫الطالب الذين بإمكانهم أن يحفظوا أكثر من أية شفويا‪ ،‬أما الكتابة فعليهم أن‬
‫يتدرجوا مع اإلتقان أية أية‪ ،‬ثم يزيد المعلم حسب قدرات الطالب‪ ،‬ويفضل أن ال‬
‫يترك له العنان أن يكتب آيات كثيرة دون إدراك طبيعة تركيب الكلمات والجمل‬
‫بمجرد نطقها من الشيخ‪ ،‬وال يسمح بان ينتقل الطالب في هذه المرحلة من شيخ إلى‬
‫آخر حتى داخل المسيج الواحد‪ ،‬وبصورة عامة يتفق المهتمون بتحفيظ القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬على أن مسيرة الطالب في حفظ القرآن الكريم تتوقف على إتقان هذه‬
‫المرحلة‪.‬‬

‫‪477‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ب‪-‬طريقة الرمي‪.‬‬
‫وتقوم طريقة الرمي على اإلمالء الشفوي‪ ،‬والصورة المثلي لها‪ ،‬هي أن يجلس‬
‫الشيخ في مكان واسع نسبيا وفي وقت مختار – يفضل عند البعض وقت ما بعد‬
‫الفجر – ويجلس التالميذ على مسافة مناسبة من الشيخ على أن تسمح باتساع‬
‫الحلقة‪ ،‬ويبدأ الطالب الذين حفظوا ألواحهم السابقة وسمح لهم الشيخ بغسلها‬
‫بكتابة ألواحهم الجديدة‪ ،‬فبمجرد أن يقرأ الواحد منهم الجزء األخير من لوحه‬
‫السابق‪ ،‬يبدأ الشيخ يرمي له اآليات التالية‪ ،‬وأثناء كتابة هذا الطالب‪ ،‬يقرأ زميله اآلخر‬
‫ويرمي له‪ ،‬وهكذا‪ ،‬بإمكان الشيخ الواحد أن يرمي إلى عدد كبير من الطالب إلى أن‬
‫يكملوا ما هو مقرر لهم أن يكتبوه‪.‬‬
‫وغالبية الطالب الذين يدرسون بهذه الطريقة يكتبون لوحا واحدا‪ ،‬وهو عبارة‬
‫عن ثمن‪ ،‬وعند بعض المشائخ وخاصة مع ندرة المصاحف‪ ،‬من الممكن أن يرمي‬
‫الشيخ لطالب يختارون المقرى كامال‪ ،‬وهو عبارة عن ربع‪ .‬واهم ما يركز عليه في‬
‫هذه الطريقة هو فهم الطالب للكلمات والجمل واآليات وهي ترمى إليه من الشيخ‬
‫مباشرة‪ ،‬وان يكتبها صحيحة من حيث اإلمالء والرسم والشكل وبعض العالمات التي‬
‫يتطلبها النطق في بعض الكلمات أو المقاطع‪ ،‬وعلى الطالب أن يقرأ ما كتبه بشكل‬
‫صحيح على الشيخ قبل أن يرمي له األجزاء األخرى‪.‬‬
‫ونظرا الن األلواح التي تكتب على هذه الطريقة ال تعرض في الغالب على‬
‫مصححين آخرين‪ ،‬فهذا يعني عدم التسامح مع أي خطإ في الكتابة أو النطق‪ ،‬قد‬
‫يكتشفه الشيخ أثناء الرمي أو القراءة أو حتى أثناء الحفظ‪ ،‬وأي طالب يكتشف عليه‬
‫شئ من هذه األخطاء قد يعاقب بعدم غسل لوحه‪ ،‬أو غسله على أن يعاود نفس‬
‫اللوح السابق‪ ،‬مع اإلشارات المتكررة في المرة الثانية لألماكن التي وقع فيها الخطأ‬
‫وبأن ال يتكرر‪.‬‬

‫‪478‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومعظم الحفاظ يركزون على انه كلما ظل الطالب أطول فترة ممكنة على التعلم‬
‫والكتابة على هذه الطريقة‪ ،‬كلما كان إتقانه للقرآن اثبت‪ ،‬خاصة في اكتساب مهارة‬
‫شيخه في اإلمالء والرسم والشكل والنطق وبعض أحكام التجويد‪ ،‬ألنه يصاحب‬
‫شيخه في ثالث حاالت أساسية هي الرمي أو اإلمالء الشفوي والقراءة والحفظ على‬
‫مسمع ومرآي شيخه وأخيرا عرض ما حفظه على شيخه‪ ،‬وهذا اإلشراف على الحفظ‬
‫الذي توفره هذه الطريقة‪ ،‬يندر أن يوجد في غيرها من الطرق‪.‬‬
‫ج‪-‬طريقة النظر‪.‬‬
‫وبعد أن يجتاز طالب القرآن الكريم ويتقن طريقة الرمي من الممكن أن يسمح‬
‫له أستاذه أن يكتب لوحه من المصحف‪ ،‬ثم يحضره أمام أستاذه في نفس مكان‬
‫الرمي أو في مكان وزمن آخر يحدده الشيخ‪ ،‬فيقرأ الطالب لوحه أمام نظر أستاذه‪،‬‬
‫وأمامه الدواه وبيده القلم ليصحح األخطاء التي يمكن أن يقع فيها الطالب‪ ،‬فإذا‬
‫كثرت أخطاء الطالب يرجعه أستاذه إلى الرمي مرة أخرى‪ ،‬وال تحدث مثل هذه الحالة‬
‫إال من الطالب المنتقلين من أماكن أخرى‪ ،‬فيظن الشيخ انه من الممكن أن يتعلموا‬
‫وبطريقة النظر‪ ،‬ولكنه يكتشف بأنهم يحتاجون إلى مراقبة شديدة في الرمي وما‬
‫يتضمنه من إشراف دقيق في اإلمالء والشكل والنطق والتجويد‪.‬‬
‫ولذلك ال يسمح أن يتعلم الطالب بطريقة النظر‪ ،‬إال للذين قطعوا شوطا كبيرا‬
‫في الحفظ وإتقان أحكام الحفظ‪ ،‬وهي طريقة مساعدة للطالب الذين تقتضي‬
‫ظروفهم االبتعاد عن الشيخ في معظم األوقات‪ ،‬وقد يكونون في خدمة الشيخ أو في‬
‫خدمة أنفسهم‪ ،‬وطريقة النظر هذه هي نفسها التي طورها المشائخ الكبار إلى‬
‫المدرسة‪ ،‬والتي ال يحضرها في الغالب إال من تقدموا كثيرا في الحفظ واإلتقان‪.‬‬

‫‪479‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫د‪-‬طريقة العرض‪.‬‬
‫وجوهرها أن يقرأ الطالب ما حفظه من القرآن على شيخه عن ظهر قلب‪،‬‬
‫وتختلف كمية ما يعرض من طالب إلى آخر‪ ،‬فبعض الطالب يعرض لوحه فقط‪،‬‬
‫ليسمح له بكتابة لوح آخر‪ ،‬ولكن قد يطلب من بعض الطالب أن يعرضوا أجزاء‬
‫كاملة من القرآن الكريم قبل أن يسمح لهم باالستمرار‪ ،‬وفي جميع األحوال‪ ،‬يركز‬
‫في هذه الطريقة أن يكون الحفظ جيدا‪ ،‬فأي تكلؤ أو ترتبة أو تردد في الحفظ معناه‪،‬‬
‫إعادة كتابة األجزاء غير المتقنة وحفظها من جديد‪ ،‬ثم عرضها على األستاذ أو‬
‫الشيخ‪.‬‬
‫وطريقة العرض من الطرق التي يستخدمها حفظة القرآن الكريم لإلشراف‬
‫والمتابعة ومراقبة الطالب النابهين والجيدي الحفظ‪ ،‬والذين يظهر من عملهم رجاء‬
‫في حفظ القرآن الكريم‪ ،‬وهي طريقة تحتاج إلى جهد ووقت من الشيخ والطالب‪،‬‬
‫وهذا ما يجعل بعض المشائخ يوزع الطالب على عدد من الحفظة في المسيج‬
‫الواحد‪ ،‬فيعرضون عليهم ألواحهم كل يوم‪ ،‬على أن يختار الشيخ من بينهم وبالصدفة‬
‫من يعرض عليه‪ ،‬وقد يطلب منه الشيخ عرض معظم ما حفظه أو جزء منه‪ ،‬وهي‬
‫عملية يطمئن الشيخ من خاللها على حسن أداء من أو كلهم أن يقوموا بتقييم العرض‬
‫لطالبه من الحفظة الجدد‪.‬‬
‫وتختلف طريقة العرض في حفظ القرآن الكريم عن طريقة العرض التي‬
‫يستخدمها بعض العلماء في هذه المنطقة في تدريس الكتب العلمية الكبيــرة‪(.‬‬
‫الدكو‪ ،‬ص‪)168 :‬‬

‫‪480‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ه‪-‬طريقة التكرير (الترتيل)‪.‬‬


‫وتقوم على أن يرتب طالب القرآن الكريم على نفسه‪ ،‬أن ال يغسل لوحه قبل‬
‫تكريره‪ ،‬ويقصدون بتكرير اللوح قراءته بعدد معين بعد حفظه بالكامل‪ ،‬واقل عدد‬
‫لتكرير اللوح مائة مرة في جلسة واحدة‪ ،‬ولذلك يختار معظم الذين يقرأون القرآن‬
‫الكريم على هذه الطريقة أماكن خاصة‪ ،‬تقل فيها الضوضاء‪ ،‬وتنعدم فيها المشوشات‬
‫على الذهن‪ ،‬حتى يتم الحفظ بدرجة كاملة‪ ،‬يصل ببعضهم إلى أن يقرأ القرآن الكريم‬
‫وكــأن لوحـه مكـتـوب في ذاكرتـه أو مـوضوع أمامه‪.‬‬
‫ومعظم الذين يدرسون على هذه الطريقة من الحفظة‪ ،‬ولكنهم يريدون تجويد‬
‫حفظهم بهذه الطريقة من التكرير‪ .‬وتذكرنا عبارة التكرير‪ ،‬بتعبيرات المهندسين في‬
‫علوم األرض حينما يتحدثون عن استخراج المعادن ثم عن تكريرها‪ ،‬ويقولون أن‬
‫التكرير عبارة عن عملية تجويد للمعدن أو المادة مثل تكرير النفط‪ ،‬وحينما نناقش‬
‫حفظة القرآن الكريم نجد عندهم نفس المضمون‪.‬‬
‫و‪-‬طريقة التثبيت‪.‬‬
‫ومعناها أن يكتب الحافظ للقرآن الكريم لوحه من رأسه ويحضره إلى مدرسة‬
‫شيخه لينظر فيه بمشاركة عدد من طالب القرآن الكريم‪ ،‬إلى أن يختم القرآن الكريم‬
‫عدة مرات على أن تكون بيضاء‪ ،‬أي خالية من األخطاء‪.‬‬
‫وعند بعض المدارس القرآنية‪ ،‬يعني أي خطا في أي ختمة إلغاء عدد ختمات‬
‫التثبيت وإعادتها من الصفر وفي الغالب ال تحسب الختمة التي فيها خطأ ( الختمة‬
‫التي وقع فيها الحافظ ) وتعد الختمات األخرى ضمن عدد ختمات التثبيت‪.‬‬
‫أما من حيث عدد ختمات التثبيت‪ ،‬فكلما كثرت كان أفضل‪ ،‬على أن ال تقل‬
‫عن ثالث ختمات‪ ،‬ومتوسطها عشر ختمات بيضاء‪.‬‬

‫‪481‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ويفضل أن يشرف على ختمات التثبيت اكبر (القواني) أو الماهرين في القرآن‬


‫الكريم في المنطقة‪ ،‬وأي منطقة ينعدم فيها مثل هذا الماهر ال يسمح لحافظ أن يطبق‬
‫فيها طريقة التثبيت‪ ،‬فهي طريقة لتجويد القرآن الكريم وإتقان حفظه‪ ،‬مع ما يصحبها‬
‫من تمرين على مسك القلم حسب تعبيرات الحفظة في شاد‪ ،‬وهي أن يسمح الشيخ‬
‫لبعض الحفظة الذين يدرسون عنده على طريقة التثبيت بان يحلوا محله في مسك‬
‫القلم‪ ،‬وتصحيح األلواح لغيرهم‪ ،‬على أن يضعوا في اللوح جميع الرموز الدالة على‬
‫الحساب‪ ،‬مثل عدد الوقف واآليات وغيرها في كل لوح‪ ،‬ويتبارى الطالب لكي‬
‫يحظوا بمثل هذا الشرف‪ ،‬ألنه الوسيلة األكثر موضوعية إلتقان أحكام التجويد وأمام‬
‫الشيخ وكبار الحفظة‪ ،‬بدليل أن ماسك القلم نفسه حينما يأتي دور لوحه‪ ،‬يتركه آلخر‬
‫حسب تعليمات الشيخ أو يرجعه إلى أستاذه نفسه ويخضع لوح ماسك القلم لنفس‬
‫قواعد التصحيح التي أجراها على غيره من األلواح السابقة‪.‬‬
‫ز‪-‬طريقة المناظرة (المدارسة)‪.‬‬
‫وتتمثل بأن يختار الحافظ من بين زمالئه الحفظة من يقرأ معه القرآن الكريم‬
‫بالتداول‪ ،‬وأن يحدد القسم المخصص لكل واحد منهم مثل حزب أو جزء أو سبع‪،‬‬
‫وبعد أن يكمله بمتابعة زميله بدقة شديدة‪ ،‬يبدأ الزميل اآلخر قراءة ما يخصه‪.‬‬
‫ومن حق المناظر أن يصحح لزميله أي خطا يمكن أن يقع فيه‪ ،‬وتحسب هذه‬
‫الوقعات‪ ،‬والفائز في المناظرة هو من تقل عنده األخطاء‪ ،‬لكن األخطاء عندهم‬
‫بدرجات‪ ،‬فهناك اخطاء في نطق الحروف أو األصوات‪ ،‬وأخطاء في الحركات‪ ،‬وهذه‬
‫من الممكن إصالحها بدون عيب كبير‪ ،‬أما األخطاء في الحفظ نفسه وعدم التثبت‬
‫من المتشابهات‪ ،‬أو التوقف وعدم القدرة على وصل اآليات أو السور بعضها باآلخر‪،‬‬
‫فهذا ال يغتفر‪ ،‬ومن الممكن أن يرفع إلى الشيخ أو الزمالء اآلخرين من الحفظة‪،‬‬

‫‪482‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ويصل األمر في بعض األحيان إلى الشك في درجة حفظ المناظر‪ ،‬وإرشاده إلى‬
‫الرجوع إلى الحفظ من جديد‪.‬‬
‫وطريقة المناظرة من أهم الطرق إلبراز التميز في إتقان القرآن الكريم‪ ،‬وبالتالي‬
‫فهي نادرة‪ ،‬وقليل هم الذين يخضعون حفظهم لالختبار بهذه الطريقة إال في حاالت‬
‫غير طبيعية‪ ،‬مثل المناقشة أو " التربيط "‪ ،‬وغالبا ما يجبر الحافظ في الدخول فيها‬
‫حينما يتحداه أحد الحفظة الذين ال يعرفون قدراته‪ ،‬أو سمعوا بها فقط ويريدون‬
‫التثبت منها‪ ،‬وتجري المناظرة هنا بصورة جماعية في بعض األحيان‪ ،‬ومن الممكن أن‬
‫تحسم من أول خطأ يقع فيه أحد المتناظرين‪ ،‬أما إذا تكافآ فمن الممكن أن تستمر‬
‫المنظرة إلى قراءة أجزاء كبيرة من القرآن الكريم‪ ،‬فيعترف كل مناظر لآلخر بمكانته‬
‫في معرفة القرآن الكريم‪ ،‬ومن الممكن أن تختم مثل هذه المناظرة بحفل بهيج تذبح‬
‫فيه الذبائح‪ ،‬ويذاع فيه خبر المناظرة‪ ،‬وما انتهت إليه من اعتراف الطرفين بقدرة‬
‫كليهما على معرفة القرآن الكريم‪ ،‬ويتنادر الحفاظ اآلن‪ ،‬ويحكون الكثير من‬
‫المناظرات التي تمت بين الرعيل األولى من الحفظة بشيء من اإلعجاب واالعتبار‪.‬‬
‫‪ -3‬مستويات حفظ القرآن الكريم‪:‬‬
‫من المالحظ إن حفاظ القرآن الكريم في شاد يتدرجون حسب مستويات‬
‫معينة حيث ال يعد كل من حفظ القرآن الكريم مباشرة حافظا إال بعد أن يجتاز هذه‬
‫المستويات‪ ،‬ويعرف الحفاظ بعضهم بعضا كأي جماعة وظيفة أو مهنة أخرى‪،‬‬
‫فيحددون درجة أو مستوى كل حافظ حسب ما أوتي من علم أو تجربة وخبرة‬
‫مكتسبة عن طريق التلمذة المباشرة‪ ،‬وهذه الجماعات مثلها مثل كل الجماعات‬
‫المهنية تحتفظ لنفسها بمهارات وتجارب عملية وطقوس للمهنة‪ ،‬يصعب أن يدرك‬
‫فحواها من يراها من الخارج‪ ،‬وإذا أراد الباحث أن يكتشف هذه العالقات المهنية‬
‫المنظمة‪ ،‬فعليه أن يالحظها بالمشاركة المباشرة‪ ،‬عن طريق العيش المشترك داخل‬

‫‪483‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫هذه الجماعات‪ ،‬فكل من حفظ القرآن الكريم ألول مرة‪ ،‬يوضع عندهم في المستوى‬
‫اللين أو النيئ‪ ،‬ويسمونه ( لم أية فقط ) أي أن حفظه لم يتجاوز وصل اآليات‬
‫القرآنية بعضها ببعض‪ ،‬بينما المستوى الذي يلي ذلك هو مستوى مسير‪ ،‬ويليه‬
‫المجود‪ ،‬ثم الماهر ( القوني ) ولكل مستوى من هذه المستويات األربع خصائص‬
‫تميزه عن غيره‪.‬‬
‫أ‪-‬الحفظ اللين ( لم آية )‪:‬‬
‫وهذا هو المستوى األولى للحفظ وعبارة لين أو نيئ هي اصدق تعبير عن‬
‫المكانة التي اختارها الحفاظ لهذا المستوى‪ ،‬فهم ال يعدونه حافظا ونادرا ما يحظى‬
‫بمكانة الحفظة من المستويات التالية‪ ،‬فرغم الفرحة التي تعتري دارسي القرآن الكريم‬
‫حينما يستطيع قراءة القرآن الكريم كله من رأسه‪ ،‬إال أن معظم الحفظة المتمرسين‬
‫ينصحون من يصلون إلى هذا المستوى بالتواضع‪ ،‬وكأنهم يدربونهم على تحمل‬
‫المسئولية في المحافظة على أمانة حفظ القرآن الكريم‪ ،‬فقد يستغرب المالحظ من‬
‫موقف شيخ المسيج عندما يصل أحد طالبه إلى هذا المستوى‪ ،‬ويالحظ على وجهه‬
‫الوجوم وعدم االنشراح‪ ،‬وكأنه يتخوف من أن ال يجتاز طالبه هذه المرحلة‪ ،‬ويغتر‬
‫بنفسه‪ ،‬وربما هذه حال عدد ال بأس به من الطالب‪ ،‬وبالتالي ال تجد من يفرح‬
‫بالوصول إلى هذا المستوى من الحفظ‪ ،‬وال تصاحبه أي احتفاالت‪ ،‬إال إذا حفظ‬
‫الطالب في الختمة األولى‪ ،‬وعندها يكون االحتفال بالختمة‪ ،‬وال يذكر الحفظ‪،‬‬
‫للسبب الذي ذكرناه سابقا من جهة‪ ،‬وللخوف على الطالب من العين من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫‪484‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وغالبا ما يعقب الوصول إلى هذا المستوى جلسات توجيهية توجه إلى الحافظ‬
‫من أكثر الشيوخ تأثيرا عليه وقد يستغل الجانب االجتماعي‪ ،‬حيث تبلغ أسرته بأهمية‬
‫أن يوجه إلى استكمال المستويات المتبقية من الحفظ‪ ،‬وان ال يتوقف عند هذا‬
‫المستوى الذي من الممكن أن يتفلت القرآن منه فيه‪ ،‬وتستعمل الحوافز المعنوية‬
‫والمادية‪ ،‬لتوصيل وتأكيد هذه التوجيهات والوصايا‪.‬‬
‫ب‪-‬مسير‪:‬‬
‫ويتميز هذا المستوى بان صاحبه قد ختم القرآن الكريم ثالث مرات على‬
‫األقل‪ ،‬وعشر في المتوسط على شيخ معروف بإتقانه ألدوات الحفظ المعروفة‪ ،‬بدون‬
‫أن يقع في خطأ كبير أثناء عرض لوحه أمام زمالئه الحفظة في الدرس كل يوم‪ ،‬بعد‬
‫اجتيازه للمستوى األولى للحفظ " لم أية "‪.‬‬
‫ويركز الحفظة على هذا المستوى باعتباره نقطة اختبار للحافظ فهو يبذل‬
‫جهدا مضاعفا‪ ،‬ففي نفس الوقت الذي يظل فيه يكتب لوحه كبقية الطالب في‬
‫المسيج‪ ،‬فهو يحافظ على ترتيب معين لتالوة القرآن الكريم‪ ،‬فبعضهم يختمه من‬
‫رأسه في األسبوع مرة‪ ،‬وهذا ما يسمونه ترتيب (سبع)‪ ،‬وهو الشائع‪ ،‬أما ختم القرآن‬
‫الكريم في اقل من ذلك أو أكثر فهو الطارئ‪ ،‬فبعض الحفظة الذين يعيشون في‬
‫مناطق تضمن لهم قوت يومهم وتقيمهم عناء البحث عن الغذاء قد يختمون القرآن‬
‫في ثالثة أيام‪ ،‬ولكن الذين تقتضي ظروفهم المادية العمل أو البحث عن الغذاء فان‬
‫هؤالء يكتفون بكتابة اللوح وعرضه عصرا على الشيخ في المدرسة‪ ،‬أما ختم القرآن‬
‫فيتركونه للظروف‪ ،‬مع التركيز على أن ال تزيد مدة الختمة في الظروف الصعبة على‬
‫أسبوعين أو شهر واحد‪ ،‬وحالَّ لهذه اإلشكاالت نجد المسير يبحث عن كفيل يؤمن‬
‫له قوت يومه‪ ،‬أو عن عدد من المهاجرين يوفرون له من الصدقات جزءا من قوته‪.‬‬

‫‪485‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ويقولون إن آفة المسير االنشغال عن الترتيب‪ ،‬أما كتابة اللوح وإخراجه ابيضا‪،‬‬
‫فهذه ميزة ال يتسامح فيها المشائخ مع أي مسير‪ ،‬يضاف إلى ذلك ميزة إتقانه‬
‫لألدوات المساعدة في الحفظ التي توضع على لوحه كل مرة‪ ،‬وأن يسأل عنها كل‬
‫نهاية درس‪ ،‬فهناك جلسة خاصة بالمسيرين بعد الدرس‪ ،‬تعقد لهذا الغرض‪ ،‬ومستوى‬
‫المسير في الحفظ حسب وصفنا السابق يختلف عن المسير أو الممرن التي تطلق‬
‫مجازا حتى على غير الحافظ في بعض المناطق الشادية‪.‬‬
‫ج‪-‬مجود‪:‬‬
‫ويتميز هذا المستوى بإتقان الحافظ لجميع األدوات المساعدة في الحفظ‪،‬‬
‫ولكنه يظل محافظا على كتابة لوحه وترتيبه للترتيل‪ ،‬وان يكون مستعدا ليحل محل‬
‫شيخه سواء للتدريب على القيادة أو الختبار ملكاته في الحفظ والتذكر أو المتحان‬
‫قدراته في تحمل مسؤولية رسالة تحفيظ القرآن‪ ،‬حينما يأذن له شيخه بالرفع إلى‬
‫درجة ماهر (قوني)‪ ،‬ويتنافس الحفظة في هذا المستوى على اإلجادة في كل عمل‬
‫يقومون به‪ ،‬والشيوخ يثقون بهم‪ ،‬ولكن ثقة المتتبع والمتريث‪ ،‬ويالحظون عدم ظهور‬
‫أي بوادر من المجود لطلب لقب الماهر‪ ،‬وبالتالي قد يظل الماهر لفترات طويلة‪،‬‬
‫انتظار رفعه‪ ،‬فيمانع أستاذه وقد يرسله إلى شيخ آخر أكثر منه علما‪ ،‬أو لعله الحظ‬
‫بعض األمور العملية والمهنية في سلوك المجود‪ ،‬فيريد أن يشارك في حكمه أستاذه‬
‫أو أي خبير آخر‪ ،‬فإذا استمر المجود مع األستاذ الجديد فترة من الزمن قد يرجعه‬
‫إلى أستاذ األولى ليرفعه‪ ،‬وقد يرفعه إذا ظهر منه تميز واضح حسب المعايير القيادية‬
‫والفنية ومدى تحمله ألمانة تحفيظ القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪486‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وفي هذه المرحلة من تقييم الحفظة‪ ،‬يركز كثيرا على الموضوعية في التقييم‬
‫فمن النادر أن يشتكي مجود شيخه على تأخيره‪ ،‬ولكن المشائخ أنفسهم يدركون‬
‫خطورة مالحظة هذه القضية من زمالئهم في المهنة اآلخرين‪ ،‬فيحافظون على شرفهم‬
‫ومكانتهم بعدم حبس مجود لفترة زمنية غير مبررة موضوعيا‪ ،‬وهنا يتحدث بعض‬
‫الحفاظ عن سير شيوخهم وتعاملهم العلمي معهم‪ ،‬كما يتحدث طالب الدراسات‬
‫العليا عن أساتذتهم في الجامعات‪.‬‬
‫د‪-‬ماهر ( قوني )‪:‬‬
‫وهو المستوى األعلى الذي يطمع أن يصل إليه حافظ القـرآن الكريم في هــذه‬
‫المنطقة‪ ،‬وهناك آراء مختلفة حول اصل مصطلح " قوني " اشهر هذه اآلراء يرجعه‬
‫إلى اصل من لهجات كانم – برنو‪ ،‬ومعناه " قوي " فهو مركبا من ( قو) القوة (ني)‬
‫للنسبة‪ ،‬أي قوى في القرآن الكريم‪ (.‬الدكو‪ ،‬ص ‪)198‬‬
‫وقد الحظ الباحث رسما لهذه الكلمة في غرب ليبيا‪ ،‬وبالتحديد في منطقة‬
‫قدامس التي يسكنها في الغالب التوارق‪ ،‬وهي واحة لها عالقات ثقافية وتـجارية هامة‬
‫مع وسط وغرب شاد لوقوعها في طريق القوافل‪ ،‬فهم يكتبونها (كوني) وهي لقب‬
‫شائع لعدد من الحفاظ وأناس آخرين‪ ،‬كما هو سائد في شاد‪ ،‬فإذا كانوا يقصدون‬
‫المعنى العربي لهذا اللفظ فانه يقربنا من اصطالح " العالمية " وهي أعلى شهادة‬
‫تمنح في اغلب العلوم حتى إلى وقت قريب من معظم مراكز الحضارة اإلسالمية مثل‬
‫األزهر وغيرها‪ ،‬فهل نعتبر إن أهل القرآن الكريم اختاروا لهم مصطلحا متميزا وهو‬
‫"كوني" أي ماهر في علوم الكون ؟ أي أن القرآن الكريم شامل لجميع علوم الكون‪،‬‬
‫وحافظ القرآن الكريم "كوني" بمعنى انه حائز على الشهادة " الكونية" التي تعادل‬
‫"العالمية" في العلوم اإلسالمية و"الدكتوراه" في العلوم الالهوتية تاريخيا‪.‬‬

‫‪487‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-4‬شروط حفظ القرآن الكريم‪:‬‬


‫وفي جميع األحوال‪ ،‬يحرص الحفظة في هذه المنطقة‪ ،‬أن ال يمنح هذا‬
‫اللقب‪ ،‬إال لمن توفرت فيه الشروط التالية‪:‬‬
‫ا‪-‬المرور أو التدرج على جميع طرق تحفيظ القرآن الكريم التي ذكرناها‬
‫سابقا‪ ،‬من التلقين تم الرمي والنظر والعرض والترتيل وتطبيق طرق تثبيت الحفظ‬
‫المتنوعة‪ ،‬وأخيرا تجاوز المناظرات أو التحديات واالختبارات التي يمكن أن تواجه‬
‫الحافظ في طريقه إلتقان القرآن الكريم‪.‬‬
‫ب‪ -‬الخضوع لنظام تحفيظ القرآن الكريم بالصورة التي وصفناها في العرض‬
‫السابق‪ ،‬واستيعاب جميع متطلبات هذا النظام‪ ،‬وإمكانية أن يطبقه على آخرين حينما‬
‫يسمح له بعد رفعه بفتح مدرسة قرآنية للحفظة ومن في حكمهم‪ ،‬أو مسيجا‬
‫للتالميذ‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن يجتاز الحافظ المترشح لمرتبة " قوني " جميع مستويات الحفظ‬
‫التراكمية التي شرحناها‪ ،‬حيث يستحيل على أي طالب أن يصل إلى مستوي مسير‬
‫وهو لم يتجاوز المستوي األولى للحفظ‪ ،‬وهو وصل آيات القرآن الكريم بعضها‬
‫ببعض" لم أية "‪ ،‬وكذلك مستوى المجود وهو مستوى تال لمستوى المسير‪ ،‬ومن‬
‫مستوى المجود يترشح طالب القرآن الكريم في هذه المنطقة إلى لقب "قوني "أو‬
‫قوي في علوم القرآن الكريم‪.‬‬
‫د‪ -‬معرفة القواعد والحساب والحبال المساعدة على الحفظ‪ ،‬وهي تبدأ من‬
‫معرفة عد أي القرآن الكريم‪ ،‬ثم الوقف والقواعد اإلمالئية والمتشابهات‪ ،‬والمكي‬
‫والمدني‪ ،‬والمحذوف والمحمول‪ ....‬الخ‪ ،‬وهو ما سنتناوله في الفقرات التالية‪ ،‬وال‬
‫يقل التركيز على هذه القواعد عن التركيز على الحفظ نفسه‪ ،‬بل الجهد األكبر الذي‬
‫يبذله طالب القرآن بعد التجويد ينصب على هذه القواعد‪.‬‬

‫‪488‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ه‪-‬رغم انه من الشائع في هذه المنطقة الوحدة بين حفظ القرآن الكريم‪،‬‬
‫وتعلم العلوم الشرعية‪ ،‬ال أن معظم المشائخ الكبار يشترطون على من يطمح للرفع‬
‫لدرجة قوني اإللمام ببعض الكتب الفقهية واللغوية (خاصة ) النحو‪ ،‬ويركزون على فقه‬
‫العبادات والميراث أو الفرائض‪ ،‬على اعتبار أن القوني هو إمام أهل منطقته وبالتالي‬
‫يتوجب عليه أن يعرف شيئا عن العبادات‪ ،‬أما الفرائض فيرى بعض الحفظة سهولتها‬
‫عليهم‪ ،‬ألن معظم أحكامها موجودة في القرآن الكريم‪ ،‬من ناحية‪ ،‬ولمرد ودها‬
‫المادي من ناحية أخرى‪ ،‬فالحافظ أو القوني الذي يوزع أي ورثة له نصيب مقدر منها‬
‫بحكم العادات والتقاليد‪.‬‬
‫كمل الشروط السابقة شروط مهنية خاصة بالحفظة‪ ،‬مثل الروح القيادية‬‫و‪ -‬تُ ّ‬
‫خاصة التحلي بالحكمة وتحمل اآلخرين‪ ،‬والمقدرة على قيادة مدرسة قرآنية مستقلة‪،‬‬
‫وكذلك التواضع واالعتراف بفضل المشائخ والحفاظ الذين درسوا الطالب في‬
‫مراحله المختلفة‪ ،‬فمن المالحظ أن الطالب الذي ينكر جميل أساتذته‪ ،‬وال يظهر منه‬
‫التقدير الالزم لحفظة القرآن الكريم عموما وخاصة أساتذته الذين درسوه مباشرة أو‬
‫من لهم عالقة بهم‪ ،‬فانه ال يرفع إلى درجة قوني‪ ،‬حتى وان كانت هناك عداوة بين‬
‫القواني‪ ،‬فنجد بعض الحفظة الذين ينتقلون من شيخ إلى آخر‪ ،‬وقد يظلون مع الواحد‬
‫منهم لفترات طويلة‪ ،‬ولكن ظهور أي مظهر يعني عدم االحترام والتقدير ألساتذته‬
‫السابقين‪ ،‬يعني عدم ترقيته بغض النظر عن العالقة بين الحفظة الكبار‪ ،‬وكأن هناك‬
‫قواعد شرف بين الحفظة ال يمكن اختراقها‪ ،‬وال يدخلون في طبقتهم إال من يلتزم‬
‫بها‪ ،‬ويصعب على أي واحد منهم أن يعبر عنها لفظيا‪ ،‬لكنها مراعاة ومطبقة بشكل‬
‫صارم في الجوانب العملية‪.‬‬

‫‪489‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-5‬القواعد المساعدة على حفظ القرآن الكريم‪:‬‬


‫هناك مجموعة من القواعد التي يستخدمها الحفظة في هذه المنطقة لتثبيت‬
‫حفظ القرآن الكريم‪ ،‬وتختلف تسميتها من منطقة إلى أخرى‪ ،‬ففي بعض المناطــق‬
‫تسمـى ( قيود أو قيد ) وبعضهم يسميها ( حبال )‪ ،‬وقد شاع أخيرا تعبير (حساب )‪،‬‬
‫اآلي‪ ،‬ورسم المصحف والمحذوف والمحمول‬ ‫وتشمل هذه القواعد عد‬
‫والمتشابهات والوقف‪.‬‬
‫وحسب التراث المكتوب والمخطوط الذي استقى منه الحفظة في هذه‬
‫المنطقة معظم القواعد المنظمة للحفظ‪ ،‬نجد على رأسه الكتب المعروفة في‬
‫القراءات مثل الشاطبية وغيرها‪ ،‬ومنها أيضا مخطوط الدرر اللوامع في أصل مقرأ‬
‫اإلمام نافع‪ ،‬ويأخذون منه التركيز الذي يوليه لرواية ورش‪ ،‬ثم الحظ الباحث مجموعة‬
‫من المخطوطات المحلية التي كتبها حفاظ المنطقة متضمنة بعض القواعد أهمها‪:‬‬
‫أ‪-‬الفرود في القرآن الكريم‪:‬‬
‫وندرسها من خالل أعمال الشيخ العباس بن فاضل المعروف عندهم‬
‫بالدنفاسي وهو من عرب الهبانية الذين يسكنون بجوار مدينة ابشة عاصمة السلطنة‬
‫العباسية شرق شاد‪ ،‬وقد نظم عددا من األعمال أهمها مخطوطة " الفرود " والتي‬
‫يقول فيها بعد البسملة والحمدلة‪:‬‬
‫اثنا عشر معدودة في الكتب‬ ‫إن الحياة قد أتت بالنصب‬
‫وهود وإبراهيم فافهم قول ـ ـ ـ ـي‬ ‫في البكر والنساء ثم النحل‬
‫ويستمر في تعدادها في السور‪ ،‬ويقول في موقع آخر من المخطوطة‪:‬‬
‫خيرا لكم مفتوحة حرفان وجدتها في سورة النسوان‬

‫‪490‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومعنى حرفان عندهم اثنان‪ ،‬وسورة النسوان هي سورة النساء‪ ،‬وهي منظومة‬
‫على الطريقة السابقة نحو (‪ )265‬بيتا‪ ،‬في معظم النسخ المخطوطة التي في خزانة‬
‫الباحث‪ (.‬الدنفاسي‪)1،‬‬
‫وللدنفاسي حبال أو قيود أخرى لبعض القواعد أهمها كتاب الجاري على كل‬
‫قارئ‪ ،‬وهي اكثر تعقيدا مما هو في المنظومة السابقة‪ ،‬وال يعرف بعضها إال خاصة‬
‫الحفظة‪ ،‬وال يوجد عنوان واضح في النسخة التي بين يدي الباحث‪ (.‬الدنفاسي‪)2،‬‬
‫ب‪-‬المحذوف في القرآن الكريم‪:‬‬
‫ونناقشه من خالل أعمال الشيخ عبد الواحد شيخ المشائخ‪ ،‬من سالمات أم‬
‫حجر آتيا عائلة والد أبو ضوء‪ ،‬وسط شاد‪ ،‬وله مخطوط كبير بعنوان" المحذوف في‬
‫القرآن" والمقصود بالمحذوف عندهم حذف األلف من الكلمة مع وجود عالمة مائلة‬
‫إلى فوق تدل على صوت األلف‪ ،‬ويسمونها األلف الحمراء وبدأها بالترتيب‬
‫الهجائي‪ ،‬ورصد جميع الكلمات في القرآن التي أتت فيها األلف محذوفة بعد‬
‫الهمزة‪ ،‬ثم ما بعد الباء‪ ،‬ثم التاء إلى المحذوف بعد الياء‪ ،‬وهي منظومة في حوالي‬
‫(‪ )410‬بيتا‪ ،‬وهي غنية في رصدها لأللف الحمراء والكلمات التي وردت فيها‪،‬‬
‫وترتيبها بناء على حرف الهجاء الذي يرد قبل األلف الحمراء‪ ،‬أمثلة‪ :‬برءؤا‪ ،‬الطيبت‪،‬‬
‫كتب‪ ،‬ميثق‪ ،‬جهدوا‪ ،‬الصلحت‪ ،‬الخشعون‪ ،‬يسجدن‪ ،‬الذكرين‪ ،‬الصرط‪ ،‬الزرعون‪،‬‬
‫السجدين‪ ،‬شكرين‪ ،‬االبصر‪ ،‬يضعف‪ ،‬استطعوا‪ ،‬ظهرين‪ ،‬العلمون‪ ،‬الغرمين‪ ،‬فلهين‪،‬‬
‫استقموا‪ ،‬الكظمين‪ ،‬الهكم‪ ،‬الرحمن‪ ،‬منفع‪ ،‬األنهر‪ ،‬ازوجكم‪ ،‬يعباد‪ ،‬ومن الواضح أننا‬
‫استقينا من كل حرف مثاال واحدا فقط‪ ،‬مع أن الكلمات في كل حرف تزيد وتنقص‬
‫حسب ورودها في القرآن الكريم‪ ،‬وهذا الرسم المحذوف في القرآن الكريم‪ ،‬ورد في‬
‫هذه المنظومة على رواية ورش عن نافع‪ (.‬شيخ المشايخ عبد الواحد‪)6،‬‬

‫‪491‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ج‪-‬المحمول في القرآن الكريم‪:‬‬


‫وهو يهتم بالكلمات التي تثبت فيها األلف في القرآن الكريم‪ ،‬وقد ألف فيه‬
‫الشيخ المهاجر شين محمد العربي المسيري‪ ،‬مخطوطة منظومة يذكر في بدايتها‪:‬‬
‫وهو خفي اللفظ في اللسان‬ ‫يق ـ ـ ـ ـول المحم ـ ـ ـ ـول في القــرآن‬
‫اسئوا تبوءوا قد أتى حرفـ ـ ـان‬ ‫في الوصل ال في الوقف للبيان‬
‫والتسبوا ويسب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوا حرف ـان‬ ‫في الروم والحشر فخذ مع ـ ـ ـان‬
‫ويبدو أن كاتب المخطوط قد اتبع نفس طريقة الرصد التي استخدمها عبد‬
‫الواحد شيخ المشايخ في المحذوف‪ ،‬بحيث رصد الكلمات التي تثبت فيها األلف‬
‫حسب الترتيب الهجائي من الهمزة إلى الياء‪ ،‬في حوالي (‪ )147‬بيتا على الطريقة‬
‫السابقة‪( .‬المسيري‪)2،‬‬
‫د‪-‬الهمزتان‪:‬‬
‫ويولي الحفاظ عناية خاصة إلمالء الهمزة‪ ،‬كما الحظنا في القواعد السابقة‪،‬‬
‫ولكن المخطوط الذي بين أيدينا يركز على الهمزتين وأحكام إمالئهما في القرآن‬
‫الكريم على رواية ورش‪.‬‬
‫وهذا المخطوط رغم انتشاره لدى معظم الحفظة‪ ،‬إال أن النساخ أهملوا ذكر‬
‫اسم مؤلفه‪ ،‬وهو منثور‪ ،‬وهذا على غير عادة كتاب القواعد المساعدة على الحفظ‪،‬‬
‫فقد رأيناهم يضعون معظم القواعد بالنظم‪ ،‬على أمل سهولة حفظها‪.‬‬
‫ومطلع هذا المخطوط‪:‬‬
‫" اعلم أن الهمزتين على قسمين؛ في كلمة وفي كلمتين‪ ،‬فالهمزتان في كلمة‬
‫على ثالثة أنواع النوع األولى أن تكون مفتوحتين‪ ،‬فالحكم فيهما أن تحقق األولى‬
‫وتبدل الثانية ألف مد‪ ،‬وعددها في القرآن إحدى وعشرون‪ ،‬موضعان في البقرة‪،‬‬
‫ءانذرتهم‪ ،‬ءانتم‪ ،‬وموضعان في آل عمران‪ ...‬الخ "‪ ،‬ويستمر المخطوط في توضيح‬

‫‪492‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫كل قسم وأنواعه ويذكر جميع المواضع التي يقع فيها كل نوع في كل سورة على‬
‫حدة‪.‬‬
‫وهذه القواعد ضرورية للحافظ‪ ،‬خاصة في مستوى المجود ألنه من المتوقع أن‬
‫يحظى بشرف نيابة شيخه في مسك القلم‪ ،‬وعندها يتطلب موقفه أن يعرف مواضع‬
‫الهمزتين وحكمها في كل موضع‪ ،‬وتتم هذه العملية في جلسات خاصة بعد نهاية‬
‫عرض األلواح في المدرسة‪ ،‬حيث يكون من حق أي حافظ أن يسأل عن هذه‬
‫المواضع وعلى شيخ المدرسة أو المسيج ضرورة الرد على جميع هذه القواعد‬
‫المسؤول عنها‪ ،‬ويقع هذا المخطوط في حوالي (‪ )22‬صفحة من الحجم المتوسط‪(.‬‬
‫الهمزتان‪)1،‬‬
‫ه‪-‬عد اآلي‪:‬‬
‫ومن القواعد المساعدة على الحفظ في هذه المنطقة معرفة اآليات في كل‬
‫سورة‪ ،‬لدرجة أن الحافظ يحفظ آيات السورة قبل السورة نفسها‪ ،‬ويرتل عدد اآليات‬
‫قبل أن يبدأ في قراءة سور القرآن الكريم‪ ،‬وقد يستغرب الزائر العادي حينما يسمع‬
‫أحد القراء الشاديين‪ ،‬يبدأ في قراءة لوحه بعد التعويذة والبسملة – بقوله سورة فاتحة‬
‫الكتاب‪ ....‬وهــي سبع آيات‪ ،‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪....‬‬
‫الخ‪.‬‬
‫وهذا دأبهم في بداية كل السور إلى الناس وقد كتب في حصر عد اآلي عدد‬
‫من الحفظة‪ ،‬ولكني اضرب مثال‪ :‬بمخطوطة القوني الجليل عبدالكريم الزيودي‪،‬‬
‫بعنوان " الوحدة األنور في تمثيل السور " وهي منظومة حاول الكاتب أن يجمع‬
‫السور بعضها مع بعض حسب عدد اآليات التي فيها فعلى سبيل المثال العدد (‪)76‬‬
‫أية ورد في سورتان هما‪ :‬األنفال والحج حيث يقول‪:‬‬
‫وسورة الحج لها مثال‪.‬‬ ‫ست وسبعون خذ األفعال‬

‫‪493‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫بينما العدد (‪ )44‬أية هو في فقط في سورتي الرعد وسال‪ ،‬والعدد (‪ )111‬في‬


‫سورتي يوسف واألنبياء‪ ،‬بينما العدد (‪ )99‬أية هو في ثالث سور هي الحجر ومريم‬
‫والواقعة‪ ،‬وهكذا يحصى الكاتب جميع سور القرآن في مجموعات على حسب عدد‬
‫اآليات في كل سورة‪ ،‬والمنظومة في (‪ )44‬بيتا فقط(الزيودي‪)1،‬‬
‫و‪ -‬المدني والمكي‪:‬‬
‫على الحافظ في هذه المناطق أن يستوعب قاعدة المدني والمكي في القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬منذ مراحله األولى للحفظ وان يستمر في التثبت منها طيلة مراحل حفظه‪،‬‬
‫فمعلومة المدني والمكي عن كل سورة تحفظ لدى القارئ الشادي بعد اسم السورة‬
‫مباشرة‪ ،‬وتكتب على اللوح ويحفظها القارئ كجزء أساسي من حفظ اللوح‪.‬‬
‫فيبدأ القارئ بإحصاء السور المدنية وهي البقرة وآل عمران والنساء إلى آخره‪،‬‬
‫وعددهـا (‪ )27‬ثم باقي السور وهي مكية وعددها (‪ ،)87‬وللشيخ الزيودي منظومة‬
‫ذكر فيها المدنيات فقط ويحصرها في رمز البيت التالي‪:‬‬
‫والباقي (فز) خذ بال ارتياب‬ ‫عددها (كز) بضبط الحساب‬
‫وبحساب الطريقة المغاربية (أيقش) ستجد أن العدد هو كما ذكرنا سابقا‪(.‬‬
‫الزيودي‪)2،‬‬
‫وقريب من اهتمامهم بالمدني والمكي‪ ،‬اهتمامهم بالقرآن السفري حيث عثرت‬
‫على مخطوطة متداولة بين أيديهم عن القرآن السفري أي اآليات التي نزلت في‬
‫السفر‪.‬‬
‫وهذه المخطوطة للشيخ احمد عبدالكريم الحسيني الملقب بطبيك‪ ،‬يقول‬
‫فيها‪:‬‬
‫في حضر وسف ِر بيان‬ ‫الحمد لمنزل القر ِ‬
‫آن‬
‫وترك الحضر من كثرته‬ ‫فع ّدد السفر من قلته‬

‫‪494‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثم يبدأ يذكر جميع اآليات التي زلت في السفر وأماكن نزولها‪ ،‬والمنظومة‬
‫ت ـح ــوي (‪ )124‬بيتا‪( .‬طبيك‪)1،‬‬
‫ز‪-‬الوقف‪:‬‬
‫يركز الحافظ الشادي على قواعد الوقف تركيزه على الحفظ نفسه‪ ،‬فنجد على‬
‫راس اللوح رمز الوقف‪ ،‬وفي التراث المتوارث للحفظة أن الحافظ منهم ينطق برمز‬
‫الوقف لكل لوح و(مقرا)‪ ،‬قبل بداية حفظه‪ ،‬وال يميز الحفاظ كثيرا بين أنواع الوقف‪،‬‬
‫فعالمة الوقف عندهم واحدة فقط لكل نوع من أنواع الوقف‪ ،‬ولهذا بدأ بعض‬
‫الحفاظ بمحاوالت للتمييز بين أنواع الوقف‪ ،‬منذ منتصف القرن الماضي‪ ،‬أي بعد‬
‫رجوع الدفعات األولى من الحفاظ الذين أرسلوا إلى األزهر لدراسة القراءات‪ ،‬لكن‬
‫الوقف عموما ظل من القواعد الضرورية للحفظ‪.‬‬
‫‪ -6‬مساهمات الحفظة المعاصرين في تطوير القراءات‪:‬‬
‫تركز وصفنا لمؤسسات تحفيظ القرآن الكريم في الفقرات السابقة على‬
‫الجهود التي بذلت من قبل الحفظة المحليين وبرواية ورش عن نافع – على األغلب‬
‫– ولكن ابتداء من استقالل البالد من االستعمار الفرنسي عام ‪1960‬م والسنوات‬
‫التي تلت ذلك‪ ،‬وانفتاح البالد على العالم العربي واإلسالمي‪ ،‬بدأت بعض تيارات‬
‫التغيير تهب على النظام التعليمي لتحفيظ القرآن الكريم وطرق الحفظ ووسائله‪،‬‬
‫والعالقات االجتماعية السائدة داخل مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬فبدأ الحافظ‬
‫الجديد يطمح إلى إضافة قراءة أخرى أو اكثر إلى قراءته التي حفظ بها القرآن‪ ،‬وبدأ‬
‫السعي إلى إضافة علوم العربية‪ ،‬وكذلك العلوم اإلسالمية‪ ،‬بل والعلوم العصرية إلى‬
‫حفظ القرآن الكريم مظهرا مألوفا لدى الحفظة الجدد‪ ،‬بينما هذه التغييرات كانت‬
‫غير مفضلة لدى الطبقات األولى من الحفظة التقليديين " السابقين " أو الكبار‪ ،‬فما‬
‫هي العمليات االجتماعية التي اتبعت لتسهيل عملية التحول هذه؟‬

‫‪495‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫يستفاد من بعض الروايات الشفوية إن هذه العملية بدأت حينما احتك الحفاظ‬
‫بعد االستقالل بزمالئهم في البلدان العربية‪ ،‬وظهر لهم انهم يحفظون القرآن الكريم‬
‫بإتقان شديد‪ ،‬ولكن برواية واحدة فقط‪ ،‬إن لم يكن بطريق واحد أيضا‪ ،‬بينما يقتضي‬
‫الحفظ في المجتمعات اإلسالمي األخرى‪ ،‬االنفتاح نحو قراءات وطرق وروايات‬
‫متنوعة‪ ،‬زيادة على انفتاح الحفظة على العلوم العربية اإلسالمية بل والعصرية أيضا أي‬
‫العلوم التقنية‪.‬‬
‫وكانت البدايات األولى لالحتكاك مع علماء في القراءات قدموا من المغرب‬
‫الع ـربــي ( المغرب ‪ +‬موريتانيا )‪ ،‬وتوقف المعلومات عن هذه االحتكاكات األولىية‬
‫بالمغاربة عن الروايات الشفوية‪ ،‬وسعي الباحث إلى الحصول على أسانيد أو وثائق‬
‫درسوا بعض الحفظة بعض القراءات فلم يقف على اثر‬
‫مكتوبة عن هؤالء القراء الذين ّ‬
‫مكتوب‪.‬‬
‫والتحول الواضح هو الذي حصل بعد زيارة قام بها أحد أبناء العلماء من‬
‫جمهورية مصر العربية وهو الشيخ محمد لطفي عامر ابن رئيس القراء في مصر‬
‫الشيخ عامر عثمان‪ ،‬وهي زيارة غير رسمية عبر عنها معظم الذين رووا قصتها أنها‬
‫كانت عفوية‪ ،‬ونزل هذا الضيف عند منزل اإلمام الشيخ موسى إبراهيم بقرب السوق‬
‫الكبير‪ ،‬وأقام حلقة في هذا المنزل حضرها عدد من الحفظة ولفترة وجيزة‪ ،‬وبعد كبر‬
‫الحلقة في منزل اإلمام انتقلت إلى المسجد الكبير‪ ،‬وتم ختم القرآن الكريم‬
‫بالقراءات المتنوعة في عشرين يوما‪ ،‬ثم وزعت الشهادات على بعض الحفظة الذين‬
‫تميزوا في اكتساب مهارة القراءات المتنوعة‪ ،‬وبعدها رجع الزائر‪ ،‬ورغم قصر مدة‬
‫هذه الزيارة‪ ،‬لكن تمخضت عنها نتائج هامة‪ ،‬غيرت مسار تحفيظ القرآن الكريم في‬
‫شاد بالكامل تقريبا‪.‬‬

‫‪496‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فقد اظهر هذا الضيف للحفظة عمليا مدى حاجتهم للتجويد الحديث " الذي‬
‫يشمل قراءات متعددة " من جهة‪ ،‬واظهر ضرورة إرسال عدد من الحفظة إلى المعاهد‬
‫األزهرية للقراءات من جهة أخرى‪ ،‬ويبدو أن الرجل حاول أن يسهل إرسال هؤالء‬
‫الحفظة إلى المعاهد األزهرية من خالل معارف في إدارات األزهر الشريف‪ ،‬ويحكي‬
‫هؤالء الحفظة سيرة تجاربهم األولى في االحتكاك بالحفظة في مصر بشيء من فرحة‬
‫االكتشاف‪ ،‬حيث ظهر للجان في المعاهد األزهرية للقراءات دقة حفظهم للقرآن‬
‫الكريم‪ ،‬ومدى حاجتهم إلى اإللمام بالقراءات األخرى‪.‬‬
‫وساهمت عملية إرسال حفظة لهم مكانتهم العلمية في البالد‪ ،‬واكتسابهم‬
‫للقراءات المتنوعة‪ ،‬في تقبل الحفظة المحليين للتحول الذي حصل بعد ذلك‪ ،‬وهي‬
‫عملية معروفة في نشر األفكار الحديثة لدى الجماعات‪ ،‬فالجماعات عادة تتقبل‬
‫األفكار التي تنقل إليها بواسطة مجموعات بشرية تثق بها‪ ،‬ولها صالت اجتماعية أو‬
‫معرفية بها‪ ،‬ولهذا يعتبر رجوع الدفعات األولى من الرواد المعاصرين من الحفظة‬
‫الشاديين الذين تم إعدادهم في معاهد القراءات في األزهر‪ ،‬نقطة البداية في عمليات‬
‫التحول داخل مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬وساهمت عملية نقل هذه التغييرات‬
‫بواسطة جماعات من الحفظة لها مكانتها العلمية المعترف بها‪ ،‬في عملية التكييف‬
‫االجتماعي‪ ،‬وقبول الحفظة المحليين لهذه التحوالت‪ ،‬وقد ضمت الدفعة األولى التي‬
‫أرسلت إلى األزهر عام ‪1975‬م أربعة من الحفظة وهم‪ :‬القوني حسن عمر طاهر‪،‬‬
‫الشيخ طه عباس‪ ،‬والشيخ يوسف إسحاق‪ ،‬والشيخ محمد احمد‪ ،‬ولحقت بهم‬
‫الدفعة الثانية بعد اشهر‪ ،‬وضمت القوني جبريل بركة والقوني محمد الحر‪ ،‬وسنحصر‬
‫جهدنا لدراسة مساهمات اثنين من الرواد المعاصرين هما‪:‬‬
‫القوني حسن عمر والشيخ جبريل بركة‪ ،‬لما يتميزان به من إنتاج مكتوب في‬
‫القراءات‪.‬‬

‫‪497‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ب‪-‬مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي أيام االستعمار الفرنسي(‪-1900‬‬


‫‪1960‬م)‪:‬‬
‫سعى الفرنسيون بمجرد وصولهم إلى منطقة شاد‪ ،‬إلى تطبيق نظام الفرنسة‬
‫بجميع مستوياته‪ ،‬على سكان السلطنات اإلسالمية‪ ،‬فحاولوا من خالل ذلك‪ ،‬إحالل‬
‫نظامهم التربوي‪ ،‬محل النظام التربوي اإلسالمي‪ ،‬فاالستعمار الفرنسي للمجتمع‬
‫الشادي لم يأخذ إطارا واحدا‪ ،‬بل اتخذ أساليب متعددة‪ ،‬يمكن تلخيصها في‬
‫السياسات الفرنسية المسماة باالستيعاب الفرنسي (‪ )assimilation‬بمستوياته‬
‫الثالثة‪ ،‬وهي‪ :‬الفرنسية االجماعية‪ ،‬وفرنسية النخبة أو التذويب الفرنسي‪ ،‬واالرتباط‬
‫الفكري والدستوري بفرنسا‪ ،‬وقد طبقت فرنسا برنامجها االستعماري على جميع هذه‬
‫المستويات‪ ،‬من اجل تحقيق هدف واحد وهو تغيير الهوية األفريقية والشادية‪.‬‬
‫وتمثل المستوى األولى الفرنسية االجماعية‪ ،‬في استغالل الساسة والعساكر‬
‫الفرنسيين ألدبيات الثورة الفرنسية كدافع أساسي‪ ،‬لجعل الفرنسيين يؤمنون بواجبهم‬
‫اإلنساني تجاه الشعوب األفريقية‪ ،‬وتحويلها إلى فرنسية بالكامل‪ ،‬بينما اخذ المستوى‬
‫الثاني‪ ،‬بتعديالت عديدة في المستوى األولى‪ ،‬أهمها االستفادة من تجاوز الفشل‬
‫التي القاها المنفذون لسياسات المستوى األولى‪.‬‬
‫وبالتالي اتجهت الجهود نحو مستوى آخر من االستيعاب‪ ،‬هو مستوى فرنسة‬
‫النخبة أو تذويب جزء من األفارقة بدل المجموع الكلي (بعد أن عجزت عنه السياسة‬
‫السابقة وبقى من األحالم الفرنسية)‪ ،‬ومحاولة جعل هذه النخبة األفريقية فرنسية من‬
‫الداخل‪ ،‬في نفس الوقت الذي يجب إعالم هذه الفئة من األفارقة‪ ،‬بان تبقى على‬
‫اتصال ببيئاتها المحلية‪ ،‬وعدم االنسالخ منها‪ ،‬إال في حدود معينة ال تضر بدورها‪،‬‬
‫كناقلة للحضارة الفرنسية نحو شعوبها‪.‬‬

‫‪498‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ولكن نتائج تطبيق هذا المستوى من االستيعاب الفرنسي‪ ،‬أدت في بعض‬


‫األحيان إلى خروج جماعات تنصلت من القيم الفرنسية‪ ،‬بعد أن وعت الدور الذي‬
‫يريد لها الفرنسيون أن تقوم به‪ ،‬وانضمت إلى إطارها االجتماعي األفريقي‪ ،‬وهنا شعر‬
‫الفرنسيون أن مصالحهم‪ ،‬يجب أن ال تبقى في يد فئة معينة‪ ،‬احتمال والئها دائما‬
‫غير مضمون‪ ،‬وبالتالي سعوا إلى خلق سياسة استيعابية جديدة‪ ،‬ال ترتبط باألفراد‬
‫وحدهم‪ ،‬بل بالمؤسسات األساسية للدولة األفريقية‪ ،‬وهي سياسة االستيعاب عن‬
‫طريق االرتباطات الدستورية والفكرية والثقافية‪ ،‬وهذه السياسة هي التي ضمنت وجود‬
‫فرنسا في أجزاء واسعة من شاد‪ ،‬رغم تغير نمط الجماعات والنخبة‪(.‬أيوب‪ ،‬ص ص‬
‫‪.)19 -11‬‬
‫وحينما أبدى المسلمون في المنطقة رفضا تربويا وثقافيا‪ ،‬للنظام التربوي‬
‫الفرنسي‪ ،‬تم قمعهم بقوة‪ ،‬وصلت إلى التصفية الجسدية لرموز النظام التربوي‪،‬‬
‫المتمثلة في العلماء‪ ،‬فيما عرف تاريخيا‪ ،‬بمذبحة الكبكب عام‪1917‬م‪ ،‬في سلطنة‬
‫دار وداي العباسية‪ ،‬وقفل مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي‪.‬‬
‫ويضرب المثل هنا بمحاوالت الفرنسيين عرقلة تجربة المعهد العلمي اإلسالمي‬
‫بأبشة (‪1952-1943‬م)‪ ،‬حيث أسس الشيخ محمد عليش عووضة‪ ،‬معهدا علميا‬
‫على هدى المعاهد األزهرية‪ ،‬والمعهد العلمي بأمدرمان‪ ،‬بعد تخرجه من األزهر‪.‬‬
‫فهو أول مؤسسة للتعليم اإلسالمي‪ ،‬تجري اختبارات لتحديد المستوى‬
‫لمنتسبيها‪ ،‬وتدريس منهج إسالمي‪ ،‬يقوم برنامجه الدراسي على المواد الدراسية‪،‬‬
‫وليس على الكتب والمتون فقط‪ ،‬وأضيفت المواد العلمية‪ ،‬مثل‪ :‬الرياضيات والمنطق‬
‫الرياضي إلى مقرراته الدراسية‪ ،‬وكذلك المواد الثقافية العامة‪ ،‬التي كانت تنقص‬
‫الدارس في النظام التربوي اإلسالمي‪ ،‬خاصة حينما يلتحق المبعوث من هذه المناطق‬
‫باألزهر أو المعهد العلمي بأمدرمان‪ ،‬مثل‪ :‬التاريخ والجغرافيا واإلنشاء والخط العربي‬

‫‪499‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫والنحو‪ ،‬باإلضافة المواد الدينية األساسية‪ ،‬كالقرآن وعلومه‪ ،‬والحديث وعلومه‪ ،‬واللغة‬
‫العربية وآدابها‪.‬‬
‫بل سن الشيخ محمد عليش عووضة‪ ،‬في معهده العلمي اإلسالمي بأبشة‪ ،‬أيام‬
‫االستعمار الفرنسي‪ ،‬سنة تأليف الكتب المدرسية المقررة للدراسة في المعهد‪ ،‬فأصدر‬
‫كتبه‪ :‬المنحة األزهرية في فقه السادة المالكية‪ ،‬سنة‪1943‬م‪ ،‬و األسلوب الجديد‬
‫في النحو المفيد‪ ،‬والموجز في علم التوحيد‪ ،‬وترجم عن الفرنسية مقررات تاريخ‬
‫وجغرافية شاد اإلستوائية‪/‬شاد‪.‬‬
‫وظهرت أولى التحديات لهذه التجربة‪ ،‬بمحاولة فرنستها‪ ،‬ومن ثم الضغط على‬
‫المؤسس للتنازل عن التدريس بالنظام التربوي اإلسالمي‪ ،‬وبجرد أن أبدى لهم‬
‫المؤسس المقاومة والرفض‪ ،‬قرر الفرنسيون فقل المؤسسة سنة‪1952‬م‪ ،‬وإبعاد‬
‫مؤسسها‪ ،‬وإنشاء مؤسسة تعليمية ضرار‪ ،‬فكانت بداية نشأة التعليم الفرنسي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ليحل محل التعليم العربي اإلسالمي المتجذر في المنطقة‪ ،‬وروجوا له في‬
‫البداية‪ ،‬كنواة الستيعاب التالميذ الذين كانوا يتعلمون في المعهد اإلسالمي‪ ،‬للشيخ‬
‫محمد عليش عووضة وغيره‪.‬‬
‫‪De MIRAS,‬‬ ‫واستدعى الفرنسيون الخبير المستعرب (دمراس‬
‫‪ )Michel Daniel‬لينفذ المشروع على أرض الواقع‪ ،‬فظل فترة من الزمن لدراسة‬
‫المنطقة‪ ،‬ثم اختار مجموعة من علماء المنطقة للعمل معه‪ ،‬وليحلوا محل الشيخ‬
‫محمد عليش عووضة في عيون التالميذ الجدد‪ ،‬ولكن التجربة واجهت رفضا قويا من‬
‫أولياء أمور التالميذ‪ ،‬مما استدعى االستعانة بالسلطات التقليدية(السلطان‪ ،‬والملوك‪،‬‬
‫والشيوخ‪ ،‬األعيان)‪ ،‬ولكن خاب أمل كل من صدق الفكرة‪ ،‬حينما اكتشفوا شرط‬
‫الشهادة االبتدائية الفرنسية‪ ،‬للدخول إلعداد يتهم وثانويتهم التي افتتحوها‪ ،‬وبالتالي‬

‫‪500‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫استبعاد جميع مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي من الصعود في سلم التعليم‬


‫الفرنسي اإلسالمي الجديد‪.‬‬
‫وشكل ذلك المذبحة الثانية بعد الكبكب‪ ،‬شملت اإليقاف الفعلي‪ ،‬لحركة‬
‫التقدم العلمي إلى المستويات العليا‪،‬في جميع المؤسسات التي تطبق النظام التعليمي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بل بدأ التضييق عليها في الداخل‪ ،‬وعدم السماح بالبعثات الدراسية‬
‫لطالب شاد‪ ،‬إلى المراكز الكبرى في التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬مثل األزهر‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد أشار الماحي في كتابه‪ ،‬شاد من االستعمار حتى االستقالل‪ ،‬أن‬
‫أعداد الطالب الشاديين قد ارتفعت بعد قفل الفرنسيين للمعهد العلمي في أبشة وما‬
‫بعده من( ‪ )15‬طالبا إلى (‪ )150‬طالبا‪ ،‬مما يدل على حركة انتقال لطالب التعليم‬
‫العربي اإلسالمي من شاد إلى األزهر‪ ،‬وهذا اتجاه معاكس لمحاوالت الفرنسيين‪،‬‬
‫ودليل على عدم تقبل أولياء أمور التالميذ إرسال أوالدهم إلى المؤسسات البديلة‬
‫اإلسالمية الفرنسية‪ ،‬التي يحاول الفرنسيون جر التالميذ إليها‪(.‬الماحي‪ ،‬ص ص‬
‫‪)102-101‬‬
‫حاول ‪ De MIRAS‬وضع برنامج للتعليم الفرنسي العربي‪ ،‬خاص بشمال‬
‫شاد‪ ،‬الذي يحوي جغرافيا‪ ،‬ثمان محافظات‪ ،‬التي يسكنها في الغالب المسلمون‪،‬‬
‫وهي‪ :‬شاري بقرمي‪ ،‬وكانم‪ ،‬وبركو‪ ،‬والبطحاء‪ ،‬وقيرا‪ ،‬وبلتن‪ ،‬ووداي‪ ،‬وسالمات‪De (.‬‬
‫‪)MIRAS,p.8‬‬
‫وأورد في مقدمة هذا البرنامج‪ ،‬أن السكان في هذه المناطق‪ ،‬منذ السيطرة‬
‫الفرنسية إلى عام‪1954‬م يرفضون إرسال أوالدهم إلى المدرسة الفرنسية‪ ،‬وابتداء من‬
‫هذه التاريخ وبسبب السماح للفقهاء بتدريس القرآن الكريم في المدارس الفرنسية‪،‬‬
‫بدأ الناس يرسلون أوالدهم ببطء للمدارس الفرنسية‪ ،‬وبحلول عام‪1959‬م بدأ‬
‫التدرب على النظام التربوي الجديد فرنسي‪-‬عربي بمدرسة أبشة‪ ،‬بمعدل ‪15‬ساعة‬

‫‪501‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فرنسي‪ ،‬و‪15‬ساعة عربي قي األسبوع‪ ،‬يخرج التلميذ في نهاية البرنامج بشهادة‬


‫الدروس المكثفة(‪ ،)C.E.A‬يستطيع حاملها‪ ،‬التحدث والقراءة والكتابة والحساب‪،‬‬
‫بالفرنسية والعربية‪ ،‬والمهم أنها تسمح لحاملها بالعمل في الدوائر العامة للدولة‪،‬‬
‫وهذه هي الفئات التي أوكل إليها الفرنسيون قيادة هذه المناطق بعد االستقالل‪.‬‬
‫والمالحظ في هذه التحديات للتعليم اإلسالمي‪ ،‬استعانة فرنسا بالتجربة‬
‫اللبنانية‪ ،‬رغم أنها استخدمت –عسكريا وإداريا وخدميا‪-‬في سعيها لفرنسة هذه‬
‫المنطقة‪ ،‬الخبرة السنغالية والجزائرية‪ ،‬أما في التعليم الفرنسي اإلسالمي‪ ،‬فقد‬
‫استعارت المنهج والكتب والخبرة اللبنانية‪ ،‬ربما الستفادة منها في إبعاد اللغة العربية‬
‫عن الدين اإلسالمي‪ ،‬ومما يرجح ذلك اختيار الجناح العربي من الكنيسة الكاثوليكية‬
‫في لبنان‪ ،‬ليتولى صياغة التعليم العربي في شاد‪ ،‬حيث أسست لها مؤسسات تعليمية‬
‫وثقافية ومراكز لرعاية الشباب واألطفال‪ ،‬إدارتها بيد المسيحيين العرب اللبنانيين‪،‬‬
‫خاصة في أبشة وأنجمينا‪ ،‬مثل إدارة األخت ناديا كاراكي للثانوية الفرنسية اإلسالمية‪،‬‬
‫التي عدلت أخيرا إلى الفرنسية العربية‪ ،‬وتدريسها وعنايتها باللغة العربية في شاد‪،‬‬
‫ألكثر من ربع قرن‪ ،‬باإلضافة إلى تأسيس نفس الفرع العربي من الكنيسة لمركز المنى‬
‫الثقافي بأنجمينا‪ ،‬والعناية والرعاية المادية والمعنوية والخدمية‪ ،‬من خالل نادي وبيت‬
‫الشباب بأبشة الذي كان يشمل داخلية متكاملة‪ ،‬لمن يدرس بالمؤسسات الفرنسية‬
‫من سكان المناطق المجاورة‪.‬‬
‫وقد نتج عن الجهود الفرنسية في التحدي للمؤسسات التعليمية العربية‬
‫اإلسالمية‪ ،‬تشكيل جماعات من الناطقين بالعربية والفرنسية‪ ،‬من الشاديين الذين‬
‫يدينون بالفضل للخدمات الثقافية والتعليمية والمعونات المادية والخدمية الفرنسية‪،‬‬
‫ليس فقط أثناء تدريبهم وتكوينهم العلمي والثقافي‪ ،‬بل ظلوا سندا قويا مدافعا عن‬
‫الفرنسة في المنطقة بلسان عربي‪.‬‬

‫‪502‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ج‪-‬مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي بعد االستقالل(‪1990-1960‬م)‬


‫تنفس الصعداء المرتادون للتعليم العربي اإلسالمي في شاد‪ ،‬بخروج منطقتهم‬
‫الرسمي من االستعمار الفرنسي عام ‪1960‬م‪ ،‬وكان ذلك على مراحل‪ ،‬كانت المرحلة‬
‫األولىي السماح لمؤسسات التعليم العربي اإلسالمي فتح أبوابها‪ ،‬خاصة التي قفلها‬
‫الفرنسيون‪ ،‬مثل المعهد العلمي اإلسالمي بأبشة منذ‪1952‬م‪ ،‬وفي المرحلة التالية‪،‬‬
‫فتحت مؤسسات مماثلة للتعليم اإلسالمي في كل من فورت المي العاصمة وغيرها‬
‫من المدن الكبيرة‪ ،‬الستقطاب التالميذ من أبناء المسلمين الذين رفضوا الذهاب إلى‬
‫المدارس الفرنسية الضرار‪ ،‬التي أنشأها الفرنسيون‪) Kayar,12(.‬‬
‫تبع ذلك انفتاح من الدولة الحديثة على المثقفين باللغة العربية‪ ،‬للتعاون معهم‬
‫على معالجة النظام التربوي اإلسالمي‪ ،‬فتم التدريب السريع لعدد منهم ليكونوا‬
‫معلمين بالمؤسسات العربية اإلسالمية‪ ،‬تبع ذلك قبولهم الرسمي في سلك الوظيفة‬
‫العامة‪ ،‬الذي كان حكرا على المتفرنسين منذ أكثر من نصف قرن‪( .‬قرار التوظيف‬
‫رقم(‪ )787‬فورت المي‪ ،‬بتاريخ ‪1960/03/10‬م)‬
‫وعزز هذا المكسب صدور قرار رئاسي من الرئيس فرانسوا تومبالباي‪ ،‬ينص‬
‫على االعتراف صراحة بالمدارس القرآنية‪ ،‬في النظام التربوي الشادي الجديد‪،‬‬
‫ويخصص لنماذج منها ميزانيات مالية معتبرة في حينها‪.‬‬

‫‪503‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫جدول رقم( ‪ ) 6‬يوضح عدد المدارس القرآنية المسجلة في شاد عام‪1966‬م‬


‫عدد‬
‫دعم الدولة السنوي‬ ‫التالميذ‬ ‫المدير‬ ‫المدينة‬ ‫اسم المدرسة القرآنية‬ ‫م‬
‫المواظبين‬
‫اإلمام موسى‬
‫‪500,000 Frs=4000*125‬‬ ‫‪125‬‬ ‫فورالمي(العاصمة)‬ ‫مدرسة مسجد فورالمي‬ ‫‪1‬‬
‫إبراهيم‬
‫‪500,000 Frs=4000*125‬‬ ‫‪125‬‬ ‫دهب حمزة‬ ‫مدرسة المركز اإلسالمي بفورالمي فورالمي(العاصمة)‬ ‫‪2‬‬
‫السيدة‬
‫‪400,000 Frs=4000*100‬‬ ‫‪100‬‬ ‫فرغلية كفلي‬ ‫فورالمي(العاصمة)‬ ‫مدرسة النهضة العربية بفورالمي‬ ‫‪3‬‬
‫شكري‬
‫‪400,000 Frs=4000*100‬‬ ‫‪100‬‬ ‫سالم مبروك‬ ‫فورالمي(العاصمة)‬ ‫مدرسة الثقافة العربية بفورالمي‬ ‫‪4‬‬
‫المركز الديني للدراسات‬
‫‪Frs300,000=4000*75‬‬ ‫‪75‬‬ ‫فورالمي(العاصمة) حميدة داوود‬ ‫‪5‬‬
‫اإلسالمية بفوالمي‬
‫‪400,000 Frs=4000*100‬‬ ‫‪100‬‬ ‫محمد طيب‬ ‫فورالمي(العاصمة)‬ ‫معهد التربية اإلسالمية بفورالمي‬ ‫‪6‬‬
‫اإلمام سعد‬
‫‪200,000 Frs=4000*50‬‬ ‫‪50‬‬ ‫أبشة‬ ‫مدرسة المسجد الكبير بأبشة‬ ‫‪7‬‬
‫زين العابدين‬
‫مصطفى‬
‫‪200,000 Frs=4000*50‬‬ ‫‪50‬‬ ‫أبشة‬ ‫مدرسة شق الفقرا بأبشة‬ ‫‪8‬‬
‫محمد‬
‫اإلمام حسن‬
‫‪100,000 Frs=4000*25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫فيا‬ ‫مدرسة مسجد فيا الرجو‬ ‫‪9‬‬
‫جدوي‬
‫اإلمام الحاج‬
‫‪100,000 Frs=4000*25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫موسورو‬ ‫مدرسة مسجد موسورو‬ ‫‪10‬‬
‫محفوظ عمر‬
‫فكي دناع‬
‫‪100,000 Frs=4000*25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫فيا‬ ‫المدرسة القرآنية بفايا الرجو‬ ‫‪11‬‬
‫حسن‬
‫‪100,000 Frs=4000*25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫جبريل موسى‬ ‫موسورو‬ ‫‪ 12‬المدرسة القرآنية الثقافة بموسورو‬
‫‪3,300,000Frs‬‬ ‫‪825‬‬ ‫المجموع‬

‫المصدر‪ :‬قرار رئاسي رقم( ‪ ،)1095‬فورت المي‪ ،‬بتاريخ‪)1966/04/19‬‬


‫الذي يحدد الدعم المالي من الدولة للمدارس القرآنية في جميع أراضي الجمهورية‬
‫الشادية‬

‫‪504‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ونظرا لألهمية التي يشكلها قرار الرئيس الشادي فرانسوا تومبالباي باالعتراف‬
‫بالمدارس القرآنية في جميع األراضي الشادية‪ ،‬فسنورد نصه في المالحق باعتباره‬
‫أول دليل مكتوب لرعاية الدولة للتعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬منذ السيطرة الفرنسية على‬
‫السلطنات اإلسالمية عام‪1900‬م تقريبا‪.‬‬
‫وبالتالي حاولت أن أورد المدارس القرآنية التي تضمنها كلها‪ ،‬والتفاصيل‬
‫الخاصة بكل مدرسة‪ ،‬مع إشارة إلى الدعم المالي المقدم من الدولة‪ ،‬والذي اعتمد‬
‫فيه على عدد التالميذ المواظبين في المدرسة‪ ،‬وموجه لصيانة المباني‪ ،‬ومكافآت‬
‫المدرسين‪ ،‬وشراء المعدات المدرسية‪.‬‬
‫والباحث الحظ أن هذا القرار‪ ،‬صدر في وقت متزامن تقريبا مع إعالن ثورة‬
‫فرولينا ‪1966/06/22‬م‪ ،‬مما يعد محاولة ذكية من الرئيس تومبالباي لالستجابة‬
‫لحاجات المسلمين الذين يعدون العدة إلعالن ثورة عليه‪ ،‬من مطالبها األساسية‪،‬‬
‫إرجاع التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬واالعتراف بمؤسساته ومخرجاته‪.‬‬
‫وقد دعم جهاز المسلمين في شاد‪ ،‬اتجاه الدولة الشادية للعناية بمؤسسات‬
‫التعليم العربي اإلسالمي المذكورة في المرسوم الرئاسي السابق‪ ،‬خاصة عند ما أوكل‬
‫معظمها لأليمة الكبار للمساجد الرئيسية في العاصمة واألقاليم‪ ،‬وسلم الدعم مباشرة‬
‫لهم‪ ،‬بعيدا عن أعين الفرنسيين في البداية‪ ،‬فسعت اللجنة اإلسالمية العليا للفتوى‪،‬‬
‫بأن ال يتوقف اعتراف الدولة بمؤسسات التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬ومدخال ته من‬
‫التالميذ‪ ،‬والعاملين والمعلمين واإلداريين‪.‬‬
‫بل سعت أن يشمل أيضا االعتراف بمخرجاتها من الشهادات‪ ،‬خاصة‬
‫الشهادة الثانوية‪ ،‬التي تسمح ألبناء المسلمين اللتحاق بالتعليم العالي الداخلي‬
‫والخارجي‪ ،‬واستدعى ذلك الدخول في صراعات ثقافية وسياسية‪ ،‬خاصة مع‬
‫الفرنسيين أو المتفرنسين الذين اعتبروا أسبقيتهم في التوظيف الحكومي مكتسبا‬

‫‪505‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫خاصا بهم‪ ،‬وبالتالي عدوا أي اعتراف بالشهادات العربية اإلسالمية‪ ،‬قد يفتح المجال‬
‫للمشاركة معهم في التوظيف أو أي حقوق أخرى من المثقفين بالعربية المتخرجين من‬
‫المؤسسات العربية اإلسالمية في الداخل والخارج‪ ،‬رغم حصول المتخرجين من‬
‫مدارس اإلرساليات الكنسية في شاد على هذه الحقوق منذ تخرجهم‪.‬‬
‫وبعد صراعات ومجاهدات‪ ،‬كان لها من الضحايا ما تستحق‪ ،‬في سبيل‬
‫االعتراف بمخرجات مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬توصلت اللجان المشكلة‬
‫لهذا الغرض‪ ،‬ولفترات متكررة‪ ،‬إلى إصدار قرار وزاري نص على إجراءات تنظيم‬
‫التعليم العربي اإلسالمي بمستوياته المختلفة في رحاب مسجد الملك فيصل‬
‫بأنجمينا‪ ،‬سنة ‪1986‬م‪ ،‬ثم عممت نتائج هذه اللجان على جميع مؤسسات التعليم‬
‫العربي اإلسالمي في شاد‪(.‬القرار الوزاري رقم"‪ "1412‬في أنجمينا‪،‬‬
‫بتاريخ‪1986/08/25‬م)‬
‫ومن النتائج المباشرة لهذا القرار‪ ،‬حصول مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي‪،‬‬
‫على االعتراف بجميع مخرجاته من الشهادات‪ ،‬خاصة الشهادة الثانوية العربية العامة‪،‬‬
‫عام ‪1987‬م‪،‬من خالل إصدار مرسوم رئاسي رقم(‪)060‬بتاريخ‪1987/06/06‬م‪،‬‬
‫القاضي بإنشاء وتنظيم الثانوية العربية‪ ،‬لطالب المؤسسات العربية اإلسالمية‪.‬‬
‫ومما يؤخذ على هذا المرسوم‪ ،‬أن الممتحن للشهادة الثانوية العامة على‬
‫أساسه‪ ،‬يدخل االمتحان المواد من (‪)20‬درجة‪ ،‬ولكن ال يحق له أن‬
‫يتجاوز(‪ ،)20/16‬مما حرم الكثير من الممتحنين‪ ،‬من االلتحاق ببعض التخصصات‪،‬‬
‫التي تحتاج إلى نسب أعلى في التعليم الجامعي في الداخل والخارج‪ ،‬وهو خلل في‬
‫التقويم األكاديمي‪ ،‬وضعه المعرقلون لمسيرة التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬أحتاج إلى ربع‬
‫قرن آخر ليعدل‪.‬‬

‫‪506‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫د‪ -‬حاضر مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي (‪2018-1990‬م)‬


‫حدث ارتفاع في مستويات ونوعية التعليم العربي اإلسالمي في شاد‪ ،‬بعد عام‬
‫‪1990‬م‪ ،‬حيث زاد عدد المؤسسات ومرتاديها‪ ،‬من تالميذ ومعلمين وإداريين‪ ،‬نظرا‬
‫لالنفتاح في النظام التربوي في شاد‪ ،‬مما سمح للهيئات والمنظمات واألشخاص‪ ،‬أن‬
‫يساهموا في تأسيس مؤسسات تربوية‪ ،‬ويذكر بإعجاب في هذا المقام‪ ،‬انشاء جهاز‬
‫يرعى شؤون المسلمين‪ ،‬تمثل في المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬الذي سعي‬
‫إلى تنظيم التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬من حيث المباني‪ ،‬والمناهج الدراسية‪ ،‬وتدريب‬
‫المعلمين‪ ،‬وتوفير المعدات الالزمة من مختبرات علمية وأدوات ووسائل تعليمية‪،‬‬
‫وربط النظام التربوي اإلسالمي بحاجات المجتمع المسلم‪ ،‬مما اقتضى‪ ،‬عرض ذلك‬
‫على الجهات المعنية داخل البالد أوال‪ ،‬ثم طلب السماح للمجلس أن يعبر عن هذه‬
‫االحتياجات إلى الجهات الداعمة في العالم العربي واإلسالمي‪.‬‬
‫ويمكن أن يناقش حاضر التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬من خالل حجم الدارسين‬
‫باللغة العربية في شاد‪ ،‬حيث تشير اإلحصاءات التي أجراها البنك الدولي عن حالة‬
‫التعليم والتربية في شاد عام ‪1988‬م‪ ،‬أنه يوجد في شاد (‪ )40,000‬طالب وطالبة‬
‫يترددون على المدارس العربية‪ ،‬و هي تمثل نسبة (‪ ) %15‬من عدد الطالب الكلي‬
‫في البالد في ذلك التاريخ‪( .‬وزارة التربية الوطنية الشادية‪ ،‬ص‪)43‬‬
‫واستمرت هذه الزيادة في عدد الطالب الدارسين باللغة العربية في اطراد‬
‫مستمر‪ ،‬حيث وصل عدد الطالب في المدارس العربية عام ‪1993‬م‪ ،‬إلى‬
‫(‪ )193000‬طالب وطالبة‪ ،‬والمقارنة واضحة في العاصمة الشادية أنجمينا‪ ،‬فقد‬
‫أظهرت نتائج مفتشية التعليم فيها أن نسبة المدارس العربية تفوق نسبة المــدارس‬
‫الفـ ـرنسيـة ( ‪ %59‬مقابل ‪(.) %41‬الحبو‪ ،‬ص ‪) 5‬‬

‫‪507‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومن المالحظات الهامة على إحصاءات عم‪1993‬م‪ ،‬أن نسبة أو معدل الذين‬
‫محو أميتهم بالعربية‪ ،‬قد انخفض‪ ،‬بالمقارنة مع إحصاء عام ‪1964‬م‪ ،‬حيث وصل‬
‫المعدل في تلك السنة إلى (‪ ،3‬مقابل (‪ ) % 7 )% 7،،2‬عام ‪1993‬م‪ ،‬وهو‬
‫انخفاض من الصعب تفسيره‪ ،‬إذا نظرنا إلى تطور ونمو المؤسسات التعليمية العربية‬
‫اإلسالمية في السنوات األخيرة‪ ،‬ولكن ما يمكن اإلشارة إليه‪ ،‬أن اإلحصاء أجري في‬
‫ظروف معينة‪ ،‬أهمها السعي بأن ال تكون اللغة العربية لغة رسمية في شاد‪ ،‬وذلك أثناء‬
‫انعقاد المؤتمر الوطني المستقل في إبريل عام ‪1993‬م‪ ،‬وهو نفس تاريخ إجراء‬
‫اإلحصاء‪ ،‬فنسبة متدنية للذين يتلقون تعليمهم بالعربية‪ ،‬قد تكون مساعدة‪ ،‬في‬
‫القول‪ :‬بأن ال مكانة إحصائية للغة العربية في شاد‪ ،‬تؤهلها للوصول إلى لغة رسمية‬
‫للبالد‪.‬‬
‫جدول رقم ( ‪ )7‬للمقارنة بين نسب محو األمية بالعربية والفرنسية بين عام‬
‫‪1964‬م وعام ‪1993‬م حسب النوع (ذكر‪ /‬أنثى )‬
‫‪1993‬‬ ‫‪1964‬‬
‫اللغة‬
‫مجموع‪%‬‬ ‫نساء ‪%‬‬ ‫رجال ‪%‬‬ ‫مجموع‪%‬‬ ‫نساء ‪%‬‬ ‫رجال‪%‬‬
‫‪11,2‬‬ ‫‪4,7‬‬ ‫‪18,6‬‬ ‫‪2,1‬‬ ‫‪0,4‬‬ ‫‪4,3‬‬ ‫الفرنسية‬
‫‪2,7‬‬ ‫‪0,6‬‬ ‫‪5,1‬‬ ‫‪3,5‬‬ ‫‪0,2‬‬ ‫‪7,8‬‬ ‫العربية‬

‫المصدر‪ :‬جمهورية شاد‪ ،‬اإلحصاء العام للسكان‪ ،‬عام ‪1993‬م‪ ،‬المجلد‬


‫الثاني‪ ،‬الجزء السادس‪ ،‬أنجمينا‪ ،‬مارس ‪1995‬م‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫ولهذا الجدول داللة إحصائية هامة وهي تطور ملحوظ لمحو األمية بالفرنسية‪،‬‬
‫وهي التي كانت منخفضة عن العربية في إحصاء ‪1964‬م‪ ،‬مقابل انخفاض ملحوظ‬
‫لمحو األمية بالعربية التي كانت تفوق الفرنسية (‪) % 2,1 / %3,5‬عام ‪1964‬م‪،‬‬
‫بينما التطور في الفرنسية ظهر في ارتفاعها من (‪ )%2,1‬عام‪ 1964‬م إلى (‪11,2‬‬

‫‪508‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪) %‬عام ‪1993‬م‪ ،‬واالنخفاض في العربية واضـح من تدنيها من (‪) % 3,5‬عام‬


‫‪1964‬م إلى (‪ )% 2,7‬عام ‪1993‬م‪.‬‬
‫ونفس هذه اإلشكالية‪ ،‬نجدها في مقارنة الدين ومحو األمية في شاد‪ ،‬حيث‬
‫ساهمت البعثات الدينية في محو األمية في شاد‪ ،‬بل يالحظ أن اللغتين العربية‬
‫والفرنسية انتشرتا في شاد نتيجة الرتباطها بالدين في بعض األحيان‪ ،‬وزادت الفرنسية‬
‫على ذلك بتركيز اإلدارة الفرنسية على تعليمها ونشرها‪.‬‬
‫ولذلك فإن نظرة أولية للبيانات المتعلقة بعالقة الدين بمحو األمية‪ ،‬تبين أن‬
‫اإلحصاءات تشير إلى ارتباط كبير بين الفرنسية والمسيحية‪ ،‬حيث أن الفرنسية تنتشر‬
‫لدى المسيحيين أكثر من المسلمين‪ ،‬ويتصدر النسبة البروتستانت‪ ،‬حيث أنهم من‬
‫أكثر المجموعات الدينية محوا لألمية بنسبة تصل إلى (‪ ) % 20,4‬يليهم أصحاب‬
‫الديانات األخرى بنسبة (‪ ،) % 15,0‬ثم الكاثــولي ــك ( ‪ ،) % 13,3‬ولم تصل‬
‫نسبة محو األمية لدى المسلمين إال إلى (‪ ) %7,9‬وهي نسبة ضعيفة إذا ما قورنت‬
‫بأهل الديات السابقة‪.‬‬
‫وتظهر هذه اإلحصاءات‪ ،‬أنه ال فرق كبير بين التعلم باللغتين العربية والفرنسية‬
‫لدي المسلمين (‪ ) % 3,6‬مقابل (‪ ، )% 4,0‬ويمكن أن يعزى انخفاض نسبة‬
‫المسلمين المتعلمين بالفرنسية‪ ،‬إلى رفض المدرسة الفرنسية المعروف لدى‬
‫المسلمين منذ أيام االحتالل وإلى في الكثير من المناطق‪ ،‬ولكن السؤال الذي‬
‫تصعب اإلجابة عليه هو انخفاض نسبة تعلم المسلمين بالعربية‪.‬‬

‫جدول رقم ( ‪ ) 8‬يبين نسب لغات محو األمية وعالقتها بالدين في شاد‬

‫‪509‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫لغ ــات محــو األمي ــة‬


‫الدين‬
‫فرنسي ‪ +‬عربي ‪ %‬لغات أخرى‪ %‬جميع اللغات‪%‬‬ ‫العربية ‪%‬‬ ‫الفرنسية ‪%‬‬
‫‪7,0‬‬ ‫‪0,2‬‬ ‫‪0,0‬‬ ‫‪0,1‬‬ ‫‪6,8‬‬ ‫الوثنية‬
‫‪13,6‬‬ ‫‪0,3‬‬ ‫‪0,0‬‬ ‫‪0,1‬‬ ‫‪13,3‬‬ ‫الكاثوليك‬
‫‪7,9‬‬ ‫‪0,4‬‬ ‫‪0,2‬‬ ‫‪4,0‬‬ ‫‪3,6‬‬ ‫المسلمون‬
‫‪20,4‬‬ ‫‪0,6‬‬ ‫‪0,0‬‬ ‫‪0,1‬‬ ‫‪19,8‬‬ ‫البروتستانت‬
‫‪15,0‬‬ ‫‪0,6‬‬ ‫‪0,0‬‬ ‫‪0,1‬‬ ‫‪14,4‬‬ ‫أديان أخرى‬
‫‪9,2‬‬ ‫‪0,3‬‬ ‫‪0,0‬‬ ‫‪0,0‬‬ ‫‪8,8‬‬ ‫بدون دين‬
‫‪9,6‬‬ ‫‪0,4‬‬ ‫‪0,1‬‬ ‫‪2,3‬‬ ‫‪7,0‬‬ ‫غير محدد‬
‫‪10,8‬‬ ‫‪0,4‬‬ ‫‪0,1‬‬ ‫‪2,2‬‬ ‫‪8,3‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬جمهورية شاد‪ ،‬اإلحصاء العام للسكان‪ ،‬عـام ‪1993‬م‪ ،‬أنجمينا‪،‬‬
‫مارس‪1995،‬م‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫ولم نصل إلى عام ‪1995‬م‪ ،‬حتى كان حاضر التعليم العربي اإلسالمي على‬
‫النحو التالي‪:‬‬
‫جدول رقم (‪) 9‬يبين عدد المؤسسات التعليمية العربية وعدد طالبها في‬
‫المديريات الشادية في العام الدراسي ‪1995/1994‬م‬
‫ع ــدد الطــالب‬ ‫عدد المـؤسسـات العـربية اإلسـالمـية‬
‫نسـبة‬
‫المديرية‬
‫بنين بنات مجموع البنات‪%‬‬ ‫ابتدائ اعدا ثانو مهني عالي مجمو‬
‫ع‬ ‫ي‬ ‫دي‬ ‫ي‬
‫‪35,8‬‬ ‫‪1039‬‬ ‫‪372‬‬ ‫‪668‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪5‬‬ ‫البطحاء‬
‫‪32,9‬‬ ‫‪149‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫تبستي‬
‫‪45,8‬‬ ‫‪1367‬‬ ‫‪626‬‬ ‫‪741‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪6‬‬ ‫بلتن‬
‫‪43,3‬‬ ‫‪13142 5695‬‬ ‫‪7447‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪49‬‬ ‫بقرمية‬

‫‪510‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪19,2‬‬ ‫‪790‬‬ ‫‪152‬‬ ‫‪638‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫قيرا‬
‫‪16,3‬‬ ‫‪1374‬‬ ‫‪224‬‬ ‫‪1150‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪5‬‬ ‫كانم‬
‫‪41,6‬‬ ‫‪1468‬‬ ‫‪612‬‬ ‫‪856‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪6‬‬ ‫البحيرة‬
‫‪19,8‬‬ ‫‪374‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪300‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ل‪.‬غربية‬
‫‪24,8‬‬ ‫‪151‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪115‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ل‪.‬شرقية‬
‫‪18,5‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫مايوكيبي‬
‫‪30,9‬‬ ‫‪998‬‬ ‫‪309‬‬ ‫‪689‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪7‬‬ ‫ش‪.‬وسط‬
‫‪36,1‬‬ ‫‪6130‬‬ ‫‪2214‬‬ ‫‪3916‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪12‬‬ ‫وداي‬
‫‪24,7‬‬ ‫‪425‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪320‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫سالمات‬
‫‪32,6‬‬ ‫‪230‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪155‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫تنجلي‬
‫‪38,1‬‬ ‫‪27729‬‬ ‫‪10560‬‬ ‫‪17169‬‬ ‫‪138‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪99‬‬ ‫مجموع‬
‫المصدر‪ :‬إحصاءات إتحاد المدارس العربية للعام الدراسي ‪95/94‬م‪ ،‬وبعض‬
‫المعلومات التي جمعها الباحث عن التعليم العالي‪.‬‬
‫ومن هذا الجدول يضح أن عدد مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي قد ارتفع‬
‫من (‪ ،)12‬كما هو في الجدول رقم(‪ ) 1‬إلى (‪ ،)134‬والتالميذ والطالب وصل‬
‫عددهم إلى (‪ ،)27729‬بينما كان عددهم أقل من ألف‪ ،‬في السجالت السابقة‪،‬‬
‫وظهر في هذا الجدول االتجاه نحو تعليم الفتاة المسلمة‪ ،‬فكانت بوادره في هذا‬
‫الجدول بنسبة (‪ ،)%38,1‬وهو اتجاه إيجابي في التعليم العربي اإلسالمي سنالحظ‬
‫ارتفاعه في اإلحصاءات المستقبلية‪.‬‬
‫وأكثر اإلحصاءات داللة على التطور في التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬ما نالحظه‬
‫في إحصاءات العام الدراسي الماضي ‪2017/2016‬م‪ ،‬وهي على النحو التالي‪:‬‬

‫‪511‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫جدول رقم ( ‪ ) 10‬يوضح عدد مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي في‬


‫جميع األراضي الشادية بما فيها المدارس القرآنية‪ ،‬وعدد التالميذ المواظبين فيها في‬
‫العام الدراسي ‪2017/2016‬م‬
‫عدد المؤسسات‬
‫عدد التالميذ المواظبين‬ ‫المرحلة التعليمية‬
‫التعليمية‬
‫‪85505‬‬ ‫‪199‬‬ ‫االبتدائية‬
‫‪32236‬‬ ‫‪149‬‬ ‫اإلعدادية‬
‫‪19189‬‬ ‫‪60‬‬ ‫الثانوية‬
‫الجامعية (فيصل‪+‬كلية‬
‫‪4565‬‬ ‫‪2‬‬
‫الدراسات العربية اإلسالمية)‬
‫‪141495‬‬ ‫‪410‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬إدارة التعليم بالمجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬تقرير‬
‫المدير‪/‬أ‪.‬دينار إبراهيم بتاريخ ‪2018/02/21‬م‪ ،‬والتقرير السنوي لجامعة الملك‬
‫فيصل بشاد‪ ،‬إعداد‪ /‬أ‪.‬د‪.‬عبد اهلل بخيت صالح بتاريخ‪2018/02/21‬م‬
‫بمعدل ‪ 344‬تلميذا وطالبا في كل مؤسسة‪ ،‬مما يدل على نمو غير متوازن‬
‫لهذه المؤسسات‪ ،‬أي أن بعضها قليل المواظبين‪ ،‬بينما يدل جدول المؤسسات‬
‫النموذجية على تركز للتالميذ في بعض المدن والمؤسسات التعليمية‪ ،‬مثل أنجمينا‬
‫وأبشة‪.‬‬
‫ورغم التحول الذي طرأ على التعليم العربي اإلسالمي في شاد‪ ،‬من عدد‬
‫المؤسسات والطالب والمعلمين والتخصصات ووسائل التدريب والتأهيل‪ ،‬إال أنه ما‬
‫زال يحافظ على الوضع العام لعنق الزجاجة‪ ،‬حيث يكبر ويتضخم المستوى‬
‫االبتدائي‪ ،‬بشكل يفوق جميع ما في المستويات األخرى من المتعلمين‪ ،‬وهو وضع‬
‫يدل على بداية الوعي بأهمية التعليم في التجمعات المسلمة‪ ،‬وهذا يتطلب جهود‬

‫‪512‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫إضافية الستقبال األعداد القادمة‪ ،‬نحو المراحل العليا المحدودة العدد في الوقت‬
‫الحاضر‪ ،‬خاصة الجامعية‪ ،‬مؤسسة وطنية واحدة( جامعة الملك فيصل بشاد)‪.‬‬
‫ونظرا لكبر حجم مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬فسنكتفي باإلشارة‬
‫اإلحصائية السابقة‪ ،‬ولكن للوصف التقريري المناسب‪ ،‬حاولت أن أعرض لنماذج من‬
‫هذه المؤسسات‪ ،‬من حيث العدد‪ ،‬والتوزيع النوعي للتالميذ‪ ،‬ونسبة الفتيات بينهم‪،‬‬
‫لدالالتها التربوية في المجتمع المسلم‪ ،‬وهذا ما سيوضحه الجدول التالي‬
‫جدول رقم( ‪ ) 11‬يوضح عشرة نماذج من مؤسسات التعليم العربي‬
‫اإلسالمي في شاد وعدد تالميذها من البنين والبنات ونسبة البنات في كل مؤسسة‬
‫في العام الدراسي ‪2017/2016‬م‬
‫أعداد التالميذ المواظبين‬
‫نسبة‬ ‫المؤسسة التعليمية‬
‫المجموع‬ ‫بنات‬ ‫بنين‬
‫البنات‬
‫‪%62.80‬‬ ‫‪2022‬‬ ‫‪1270‬‬ ‫‪752‬‬ ‫‪-1‬المعهد العلمي بأبشة‬
‫‪%66.62‬‬ ‫‪3745‬‬ ‫‪2495‬‬ ‫‪1250‬‬ ‫‪-2‬معهد بستان العارفين‬
‫‪%69.84‬‬ ‫‪1081‬‬ ‫‪755‬‬ ‫‪326‬‬ ‫‪-3‬مركز الملك فيصل بأنجمينا‬
‫‪%54.43‬‬ ‫‪1543‬‬ ‫‪840‬‬ ‫‪703‬‬ ‫‪-4‬معهد مسجد النور‬
‫‪%44.53‬‬ ‫‪1053‬‬ ‫‪469‬‬ ‫‪359‬‬ ‫‪-5‬المعهد العلمي بأنجمينا‬
‫‪%60.36‬‬ ‫‪777‬‬ ‫‪469‬‬ ‫‪308‬‬ ‫‪-6‬المدرسة الشعبية‬
‫‪%37.18‬‬ ‫‪433‬‬ ‫‪161‬‬ ‫‪272‬‬ ‫‪-7‬المركز اإلسالمي بأنجمينا‬
‫‪%56.68‬‬ ‫‪1593‬‬ ‫‪903‬‬ ‫‪690‬‬ ‫‪-8‬معهد السالم األزهري بأنجمينا‬
‫‪%57.88‬‬ ‫‪653‬‬ ‫‪378‬‬ ‫‪275‬‬ ‫‪-9‬معهد األبرار األزهري بسار‬
‫‪%65.44‬‬ ‫‪816‬‬ ‫‪534‬‬ ‫‪282‬‬ ‫‪ -10‬المعهد األزهري بأبشة‬
‫‪%43.80‬‬ ‫‪4392‬‬ ‫‪1924‬‬ ‫‪2468‬‬ ‫جامعة الملك فيصل بشاد‬
‫‪%57.56‬‬ ‫‪18108‬‬ ‫‪10423‬‬ ‫‪7685‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬إدارة التعليم بالمجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬تقرير المدير‪/‬أ‪.‬دينار‬
‫إبراهيم بتاريخ ‪2018/02/21‬م‪ ،‬والتقرير السنوي لجامعة الملك فيصل بشاد‪،‬‬
‫إعداد‪/‬أ‪.‬د‪.‬عبد اهلل بخيت صالح بتاريخ‪2018/02/21‬م‪.‬‬

‫‪513‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثالثا‪ -‬عالقة النظام التربوي الشادي باألنظمة األخرى في المجتمع‬


‫للنظام التربوي العربي اإلسالمي عالقة بالنظم األخرى للمسلمين في شاد‪،‬‬
‫خاصة النظام االقتصادي والسياسي‪ ،‬الذين يؤثران على التربية بمظاهرها المختلفة‪.‬‬
‫أ‪-‬النظام االقتصادي‬
‫يقوم النظام االقتصادي للمسلمين في شاد علي عدة أنظمة اقتصادية‪ :‬مثل‬
‫نظام الرعي ونظام الزراعة ونظام التجارة ونظام العمل باألجرة ‪ ،‬وهذه األنظمة‬
‫بمجموعها تعبر عن النظام االقتصادي للمسلمين‪ ،‬ولفهم كل نظام من هذه األنظمة‬
‫وعالقته باألنظمة األخرى‪ ،‬نعطي نبذة قصيرة عن كل نظام من هذه األنظمة‪.‬‬
‫(‪)1‬الرعي‬
‫وهو نظام اقتصادي تكاد تتميز به في شاد الجماعات المسلمة‪ ،‬ويقوم علي‬
‫العيش في البادية مع االهتمام برعي المواشي المختلفة مثل اإلبل والبقر والغنم وغير‬
‫ذلك من الحيوانات والدواب التي تقتضي تربيتها حياة التنقل والترحال‪ ،‬وقد ذكرت‬
‫في فقرة سابقة حجم وأعداد هذه الثروة الحيوانية في شاد وأهميتها االقتصادية مما‬
‫يجعلها في الدرجة الثانية بعد الزراعة في االقتصاد الوطني‪.‬‬
‫ورغم الظروف الصعبة التي تواجه نظام الرعي في شاد‪ ،‬خاصة الظروف الطبيعية‬
‫من تصحر وشح مياه وقلة كأل وضيق في المساحة المتاحة من األرض للرعي‪ ،‬إال أن‬
‫نظام الرعي ظل يضم أعدادا كبيرة من القوة البشرية االقتصادية المسلمة في شاد‪،‬‬
‫ويواجه نظام الرعي في شاد مشكالت بشرية أخري خاصة ُسوء العالقة بين المزارعين‬
‫والرعاة‪ ،‬وهي عملية زاد من تضخيمها مجمل الظروف الطبيعية السابقة‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى انتقال الرعاة إلي أماكن أخري كانت في السابق ملكا لجماعات أخري‪ ،‬وفي‬
‫الغالب جماعات زراعية‪ ،‬وزاد من سوء العالقات بين المجموعتين الدعايات التي‬
‫يشنها بعض سكان األقاليم الجنوبية الزراعية من المسيحيين ومن خلفهم الكنائس‬

‫‪514‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫األوربية واألمريكية‪ ،‬علي اعتبار أن البدو من المسلمين يحملون معهم في تنقالتهم‬


‫اإلسالم إلى هذه المناطق‪ .‬وتعتبر فئة البدو من أكثر فئات المسلمين ضعفا في‬
‫التعليم والصحة واالستفادة من الخدمات االجتماعية األخرى وذلك لبعدهم عن‬
‫جميع مؤسسات التنمية االجتماعية‪ ،‬في الوقت نفسه الذي لم تأخذ فيه الدولة بنظام‬
‫توطين البدو نظرا لعدم وجود المقومات األساسية له‪ ،‬مثل توفير المياه والرعاية‬
‫البيطرية وغيرها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الزراعية‬
‫ويعيش على النشاط الزراعي جزء كبير من المسلمين ولكن يشاركهم في هذا‬
‫النظام مجموعات دينية أخرى في شاد‪ ،‬خاصة في المناطق الجنوبية حيث تنتشر‬
‫المزارع النقدية لكل من القطن وقصب السكر‪.‬‬
‫ويتميز المسلمون في شاد باعتمادهم على الزراعة اإلستهالكية مثل زراعة‬
‫الحبوب والفول السوداني وتقل عندهم الزراعة التجارية‬
‫ولكن في الفترات األخيرة بدأت بع ــض الجماعات المسلمة تهتم بالزراعة‬
‫الكبيرة أو النقدية مثل زراعة الصمغ العربي الرتفاع أسعاره محليا ودوليا‪ ،‬وزراعة األرز‬
‫وبعض أنواع الغالل مثل الذرة الشامية المسماة محليا بالمصر‪.‬‬
‫وهذا يعني عدم إهتمام المسلمين بالزراعة ‪ ،‬خاصة الزراعة المتجهة نحو‬
‫التصدير‪ ،‬وترك الساحة للجماعات األخرى للسيطرة على المنتوج األولى للتصدير في‬
‫البالد‪)5(.‬‬

‫‪515‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫(‪ )3‬التجارة‬
‫يتجه المسلمون في شاد من البداوة إلى التجارة مباشرة دون المرور بالضرورة‬
‫بنمط الزراعة‪ ،‬وهذا ما يجعل أعداد المسلمين التجار تتزايد بمعدالت كبيرة‪ ،‬فهم‬
‫يسيطرون على جميع األنشطة التجارية في شاد تقريبا‪ .‬رغم أن االستعمار الفرنسي قد‬
‫أعاق تطور جماعة المبادرات االقتصادية في البداية‪ ،‬ألنها تتكون أساسا من‬
‫المسلمين‪ ،‬حيث أعطت اإلدارة الفرنسية حق التعامل التجاري للفرنسيين فقط ومن‬
‫تتولى البرجوازية الفرنسية حمايتهم‪ ،‬وسمحت للتجار الشاديين بتجارة التجزئة‬
‫الصغرى‪ ،‬واحتكرت تجارة التصدير والتوريد للرأسماليين الفرنسيين‪ ،،‬وهذا ما جعل‬
‫بعض الكتاب يميز جماعات المبادرات االقتصادية المسلمة في نيجيريا على سبيل‬
‫المثال بأنها استطاعت أن تشكل برجوازية أفريقية منذ أيام االستعمار اإلنجليزي‪،‬‬
‫بينما لم تترك اإلدارة الفرنسية نشوء برجوازية شادية مسلمة أيام االستعمار‪ ،‬وهذا ما‬
‫أ ّخر تطور هذه الجماعات في شاد إلى ما بعد االستقالل بقليل‪.‬‬
‫لكن من المالحظ أن هذه الجماعات برغم تأخر ظهورها في شاد إال أنها‬
‫نمت بسرعة‪ ،‬وشعرت اإلدارة الفرنسية بخطرها‪ ،‬حيث تعارضت مصالحهما في مواقع‬
‫كثيرة‪ ،‬فالتجار في شاد وإن كانوا يستهدفون بصورة مباشرة الربح إال أنهم ولكي‬
‫يحققوا الربح يحتاجون إلى السيطرة على أسواقهم المحلية الخاصة وإلى توسع كبير‬
‫في تلك األسواق‪ ،‬لدرجة أن طموحات بعضهم وصلت إلى إقامة مشاريع وصناعات‬
‫خاصة‪ ،‬وكل هذه التدابير تتعارض مع أهداف الرأسماليين الفرنسيين في شاد‪ .‬وأول‬
‫وسيلة استخدمت ضد تقدم التجار في شاد هي إغراق السوق الشادية بالمواد‬
‫المصنعة في أوربا وذلك إلرغامهم بأن يبيعوا بثمن رخيص ويشتروا بثمن غال لكي‬
‫تواصل الرأسمالية الفرنسية احتكارها للسوق الشادية‪ ،‬وقد شكلت هذه الخطوة أولى‬

‫‪516‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫نقاط االحتكاك التي جعلت التجار الشاديين في صراع مباشر مع الرأسماليين‬


‫الفرنسيين‪.‬‬
‫وبعد االستقالل بفترة بدأت الجماعات التجارية من المسلمين الشاديين تتحرر‬
‫من السيطرة الفرنسية وذلك من خالل االتصال بأسواق تجارية أخرى غير السوق‬
‫طور التجار في شاد عالقاتهم التجارية مع السوق‬ ‫الفرنسية‪ ،‬وفي هذا اإلطار ّ‬
‫السعودية فاستوردوا منها جميع احتياجات السوق الشادية تقريبا‪ ،‬حيث أن المالحظ‬
‫للسوق الشادية اليوم يقف أمام محالت كاملة تحمل أسماء سعودية ومنتجات‬
‫سعودية أو قادمة من السوق السعودية‪ ،‬وهذا االنفتاح على السوق السعودية‪ ،‬وفّر‬
‫مناخا تجاريا مرتبطا بالحج والعمرة وزيارة األماكن المقدسة‪ ،‬وسهل أيضا االنفتاح‬
‫نحو بعض دول الخليج‪ ،‬مثل اإلمارات العربية المتحدة وقطر‪ ،‬واالتجاه أيضا نحو‬
‫السوق المصرية فيما يتعلق باألدوية والصناعات الصيدلية والدوائية‪ ،‬هذا باإلضافة‬
‫إلى االتجاه نحو الدول المجاورة مثل نيجيريا وغيرها‪.‬‬
‫(‪ )4‬الوظيفة‬
‫يتميز النظام الوظيفي في شاد بأنه ال يضم إال عددا محدودا من المسلمين‪،‬‬
‫فرغم أن المسلمين هم األغلبية إال أن نسبتهم في الوظيفة العامة يذكر بأنها ال‬
‫تتجاوز عشرة في المائة من موظفي الدولة الشادية‪ ،‬ولهذه النسبة الضعيفة تفسيرها‬
‫الذي يتجسد في اإلرث االستعماري الفرنسي‪ ،‬حيث ركز اإلستعمار منذ البداية‬
‫على إعداد وتدريب موظفين من الجنوب المسيحي ليتولوا مساعدته أثناء االستعمار‪،‬‬
‫بينما أبعد المسلمين عن العمل اإلداري‪ ،‬وابتعدوا هم بدورهم أيضا خوفا على دينهم‬
‫عن العمل مع الفرنسيين بعد ما ظهرت عداوتهم للمسلمين‪ ،‬فظنوا تأثيرهم على من‬
‫يعمل معهم في عقيدته اإلسالمية‪.‬‬

‫‪517‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وعبر المسلمون عن ذلك برفضهم للتعليم الفرنسي‪ ،‬والتعليم الفرنسي بدوره‬


‫يعتبر الوسيلة الوحيدة لتولي الوظائف الحكومية‪ ،‬وبعد االستقالل أدخل المسلمون‬
‫أوالدهم للدراسة باللغة الفرنسية‪ ،‬ولكن بحذر شديد‪ ،‬بعد أن سبقتهم المجموعات‬
‫األخرى في التعليم والوظيفة بأكثر من نصف قرن‪.‬‬
‫وبشكل عام ال يولي المسلمون كثير اهتمام بالعمل في الدوائر الحكومية نظرا‬
‫لعملية االحتكارات والصراعات التي تخلقها الجماعات الوظيفية المسيحية الحالية‪،‬‬
‫والتي تظن أن المسلمين يسعون إلى احتالل مكانتها الوظيفية‪ ،‬ونظرا أيضا ألن‬
‫الوظيفة العامة غير منافسة من الناحية المادية لألعمال التجارية من حيث الدخل‬
‫والحرية في الحركة‪ ،‬ولما تحتاج إليه الوظيفة الحكومية من إعداد مهني وعلمي‬
‫يتطلب الكثير من الجهد‪.‬‬
‫وساعد على هذا االتجاه إقفال الوظيفة العامة أبوابها أمام الخريجين الجدد في‬
‫السنوات األخيرة‪ ،‬مما أعطى الفرصة لبعض المتشككين في جدوى الخدمة‬
‫الحكومية من المسلمين بأن ال يبذلوا فيها الجهد والوقت والمال‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫النظام االقتصادي للمسلمين في شاد يتميز بسيادة األنشطة الرعوية والتجارية‪ ،‬وتقل‬
‫فيه األنشطة الزراعية الموجهة للسوق واألعمال الوظيفية والخدمية والمهنية‪ ،‬ومن‬
‫الواضح أن العامل التعليمي يلعب دورا أساسيا في تغيير النظام االقتصادي للمسلمين‬
‫في شاد مستقبال‪.‬‬
‫ب‪-‬النظام السياسي‬
‫من المناسب أن نشير في بداية هذه الفقرة إلى أن المسلمين في شاد‬
‫من أوائل الجماعات حول بحيرة الشط عرفت التنظيم السياسي المنطلق من وقعها‬
‫االجتماعي –كما ذكرنا سابقا – والمستفيد كثيرا من تأثيرات الحضارة اإلسالمية‬
‫على المجتمع الشادي‪ ،‬وذلك من خالل إقامتهم للسلطنات والممالك‬

‫‪518‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫واإلمبراطوريات اإلسالمية الكبيرة مثل إمبراطورية كانم اإلسالمية‪ ،‬وظل األمر كذلك‬
‫إلى بدايات القرن العشرين من ميالد المسيح عليه السالم‪ ،‬حيث واجهت السلطنات‬
‫اإلسالمية الغزو الفرنسي الذي سبقته رحالت واستطالعات قام بها رجال االستطالع‬
‫األوربي مثل الرحالة األلماني فونج ونشتيغال وبارث‪ ،‬والرحالة الفرنسي ذو األصل‬
‫اإليطالي برازا‪ ،‬فجمعوا المعلومات األساسية عن السلطنات اإلسالمية في شاد‪ ،‬ثم‬
‫استخدمتها السلطات الفرنسية اإلدارية والعسكرية في السيطرة على المجتمع‬
‫الشادي‪.‬‬
‫وقد لقي الغزو الفرنسي لهذه السلطنات اإلسالمية مقاومة من قبل السالطين‬
‫المسلمين‪ ،‬وعلى رأسهم السلطان رابح بن فضل اهلل سلطان كانم‪ ،‬والذي ناضل حتى‬
‫مر الحرب‪ ،‬وذلك‬ ‫استشهد في ساحة المعركة‪ ،‬بعد أن أذاق المستعمر الفرنسي ّ‬
‫بقتل قائد الحملة الفرنسية (المي) والذي سميت العاصمة الشادية باسمه بعد‬
‫احتاللها‪( .‬إبراهيم‪ ،‬ص ‪)300‬‬
‫أما النظام السياسي أيام االستعمار الفرنسي‪ ،‬فقد خضعت شاد للسيطرة‬
‫الفرنسية المباشرة على شؤون الحكم‪ ،‬كما هو شأن فرنسا في جميع مستعمراتها‪،‬‬
‫وكانت منطقة شاد تحكم من خالل ما سمته فرنسا بشاد االستوائية‪ ،‬وكانت تدار من‬
‫إقليم الكونغو برازافيل‪ ،‬إال أن فرنسا قد غّيرت من سيطرتها على مستعمراتها نتيجة‬
‫لما لحق بها من خسائر في الحرب العالمية الثانية‪ ،‬فغيرت من سيطرتها المباشرة على‬
‫مررت فرنسا هذه العملية‬
‫مستعمراتها في شاد‪ ،‬وذلك من أجل تقليل التكاليف‪ ،‬وقد ّ‬
‫من خالل استفتاء أجري على المستعمرات‪ ،‬بعد أن عملت فرنسا كل شيء على أن‬
‫تبقى األمور لصالحها داخل هذه المستعمرات‪ ،‬وقد أجري االستفتاء عام ‪ 1958‬م‬
‫فاستجابت جميع المستعمرات األفريقية – ماعدا غينيا –للرغبة في البقاء ضمن‬

‫‪519‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الرابطة الفرنسية األفريقية‪ ،‬وهو ما يعبر عنه بقبول دستور (ديغول) وهو ما كانت‬
‫تريده اإلدارة الفرنسية ‪.‬‬
‫ومن هذا التاريخ إلى عام ‪ 1960‬م وهو عام االستقالل ظلت شاد تمر‬
‫بمراحل سياسية نشطة تقودها أحزاب سياسية ذات توجه فرنسي يرأسها إداريون‬
‫بعضهم من مستعمرات أخرى فرنسية الهدف منها خلق صفوة محلية لضمان والئها‬
‫لفرنسا بعد االستقالل‪ ،‬وفي هذه المرحلة تم استبعاد المسلمين في عملية اإلحالل‬
‫محل اإلداريين الفرنسيين‪ ،‬وتم ترشيح مسيحيين من شاد وغيرها ليحلوا محلهم‪ ،‬وفي‬
‫البداية كان المرشح جبريل ليزيت‪ ،‬وهو مسيحي إداري في اإلدارة الفرنسية من الهند‬
‫الغربية‪ ،‬فكون حـزب ( الشاديـين التقدميين )‪ ،‬ولكن هذا الزعيم شعر بأنه غير مواطن‬
‫في هذه المنطقة‪ ،‬فأفسح المجال لعضو من حزبه من أبناء البالد المسيحيين هو‬
‫(فرانسوا تومبالباي) ليتولى رئاسة الوزراء ورضي هو بأن يكون نائبا للرئيس مع‬
‫احتفاظه بزعامة الحزب‪ (.‬شلبي‪ ،‬ص ‪) 619‬‬
‫وفي هذه األثناء سعى الفرنسيون لتكوين مجلس وطني أو برلمان محلي‬
‫اختاروا أعضاءه من األعيان وبعض الموالين لفرنسا ‪ ،‬وبتاريخ ‪ 1960/ 8/ 11‬م عيّن‬
‫هذا المجلس (فرانسوا تومبالباي) رئيسا للجمهورية‪ ،‬وذلك بعد أن وقع مع فرنسا‬
‫اتفاقيتان‪ :‬األولى تؤكد بقاء شاد في الرابطة الفرنسية األفريقية‪ ،‬واألخرى تحدد‬
‫العالقة الخاصة بين شاد المستقلة وفرنسا في مجاالت معينة مثل الدفاع واألمن‬
‫والعملة واللغة الرسمية‪( .‬الماحي‪)248-246 ،‬‬
‫وبعد ذلك بفترة وجيزة سعى الرئيس تومبالباي إلى طرد رئيس حزبه ليزيت من‬
‫البالد‪ ،‬ولم يبذل أي جهد نحو المشاركة السياسية‪ ،‬بل سعى إلى تثبيت النظام‬
‫حل األحزاب‬
‫السياسي القائم على اإلمالءات الخارجية‪ ،‬فأعلن في ‪1962/1/19‬م ّ‬

‫‪520‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫السياسية نهائيا‪ ،‬وأبقى حزبه الحزب الوحيد في البالد‪ ،‬وبتاريخ‪ 1962/4/16‬م أقام‬
‫نظاما رئاسيا متسلطا تولى فيه رئاسة الحكومة والدولة والحزب‪ (.‬الماحي‪)246 ،‬‬
‫وقد أدت هذه السياسة إلي شعور المسلمين في شاد بالظلم السياسي‪ ،‬فقاموا‬
‫بعدة مظاهرات داخل العاصمة وخارجها‪ ،‬أشهرها مظاهرة عام ‪1963‬م والتي انتهت‬
‫بمذبحة قتلت فيها القوات الحكومية مدعومة بالمرتزقة الفرنسيين عددا كبيرا من‬
‫المسلمين‪ ،‬وبعد هذه الحوادث السياسية انسدت أمام المسلمين جميع المنافذ‬
‫السياسية للتعبير عن طموحاتهم في المشاركة في مصير بالدهم داخل البالد وبالطرق‬
‫السياسية السلمية‪ ،‬وعندها ف ّكر بعض القادة السياسيين في إيجاد مخرج للمأزق‬
‫السياسي الذي وضعهم فيه االستعمار الفرنسي وأتباعه في بالدهم‪.‬‬
‫وكان أول تعبير عن مشاعر المسلمين السياسية أتى من الطالب الشاديين‬
‫الدارسين في األزهر الشريف بمصر‪ ،‬حيث عبّروا عن ذلك بمظاهرات ومنشورات‬
‫استنكروا فيها النظام السياسي في بالدهم‪ ،‬ثم تبع ذلك تكوين جبهة تحرير شاد‬
‫بقيادة الشيخ عبد الكريم كدرمي وهو في نفس الوقت رئيس رواق الطلبة الشاديين‬
‫باألزهر‪ ،‬ثم أنضم إلى هؤالء الطالب عدد كبير من المواطنين‪ ،‬خاصة الذين فروا من‬
‫واقعة عام ‪1963‬م بالعاصمة وكذلك بعض الالجئين الشاديين المقيمين بشاد‬
‫الوسطى والسودان ونيجيريا‪.‬‬
‫وقد اتفق جميع المسلمين المعارضين للنظام السياسي في بالدهم على جمع‬
‫شمل كلمتهم في حركة موحدة تطالب بتحرير بالدهم من الحكم الجائر‪ ،‬وكان من‬
‫نتائج هذه الجهود اجتماع عدد من القادة السياسيين الشاديين بتاريخ‬
‫‪ 1966\6\22‬م في مدينة نياال بالسودان وتكوينهم لجبهة التحرير الوطني‬
‫الشادي (فرولينا)‪ ،‬واالتفاق باعتبارها المنظمة السياسية الوحيدة المعبرة عن‬

‫‪521‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫طموحات الشاديين عموما والمسلمين بشكل خاص‪ ،‬في المجاالت السياسية‬


‫واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫ومن أهم نتائج هذه الثورة رجوع الحق السياسي للمسلمين في شاد عام‬
‫‪1989‬م‪ ،‬وتحقيق طموحاتهم في المشاركة السياسية واإلدارية والعسكرية‪.‬‬
‫وقد شهدت الساحة السياسية الشادية تطورا كبيرا عام ‪1992‬م‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل إقرار التعددية الحزبية‪ ،‬وتوفر شروط التعبير السياسي‪ ،‬وما تبع ذلك من إقامة‬
‫للمؤتمر الوطني المستقل عام ‪1993‬م والذي حدد الخطوط العريضة للسياسة العامة‬
‫للبالد‪ ،‬ومنها إقرار دستور للبالد باالنتخاب الشعبي‪ ،‬وانتخاب رئيس للجمهورية‬
‫وبرلمان وطني‪ ،‬وغير ذلك من اإلجراءات المنظمة للنشاط السياسي في البالد‪.‬‬
‫وبشكل عام فإن األهداف السياسية للمسلمين في شاد تتجه إلى تقليل‬
‫االرتباط بفرنسا‪ ،‬وزيادة االرتباط بالدول العربية واإلسالمية‪ ،‬وذلك من أجل‬
‫مساعدتهم في نشر دينهم اإلسالمي وتعميق فهمه‪ ،‬والمحافظة علي الشريعة‬
‫اإلسالمية في األحــوال الشخصية‪(.‬الماحي‪)616،‬‬
‫ج‪-‬العالقة بين األنظمة المختلفة‪:‬‬
‫يتضح مما سبق‪ ،‬أن أوضاع المسلمين في شاد‪ ،‬تعيش في حالة تغير وتش ّكل‬
‫جديد‪ ،‬بعد خروج المجتمع الشادي من الصدمة االستعمارية‪ ،‬ودخوله في معركة‬
‫التخلف التي هي نتيجة طبيعية لالستعمار الفرنسي‪ ،‬ففي المجال االجتماعي لم‬
‫يشفع وجود عالقات مركبة‪ ،‬قبلية ومكانية وتحالفيك وإقليمية‪ ،‬لحماية المجتمع‬
‫من تأثر البناء االجتماعي للمجتمع المسلم‪ ،‬بحيث يتكيف مع األوضاع الجديدة‪،‬‬
‫من نمو للتحضر وانتشار للثقافة الفرنسية‪ ،‬وما تبعه من تذويب للشخصية المسلمة‬
‫الشادية‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أما النظام االقتصادي للمسلمين فظهر اتجاههم الكبير نحو نظامي الرعي‬
‫والتجارة‪ ،‬وابتعادهم قليال عن الزراعة والعمل اإلداري‪ ،‬وهذا وضع يجعل المسلم‬
‫بعيدا عن المصدر األولى لإلنتاج في شاد وهو الزراعة‪ ،‬وعن القيادة والريادة في‬
‫المجتمع الحديث‪ ،‬وهذا ما يؤثر على النظام السياسي الذي سعى االستعمار‬
‫الفرنسي إلى إبعاد المسلمين عنه باعتبارهم الفئة الوحيدة التي واجهته بالمقاومة‬
‫وظلت على موقفها في رفض ثقافته‪ ،‬وهذا ما أوقع المسلم الشادي المعاصر في‬
‫وضع ثقافي جعله في آخر السلم الثقافي للمجموعات الدينية الشادية رغم تراثه‬
‫اإلسالمي العربي العريق‪.‬‬
‫يظهر من الدراسات السابقة ألوضاع المسلمين في شاد‪ ،‬أنهم شعب خام‪ -‬إذا‬
‫جاز استخدام هذا المصطلح االقتصادي‪-‬مكون من مواد أولية‪ ،‬وبالتالي فهو غير‬
‫ُمعد للتعامل مع معطيات العصر الحديث‪ ،‬إال إذ أخضع لعمليات تكوين وتصنيع‬
‫كبيرة‪ ،‬وهذا ما يجعل العالقة بين األنظمة المختلفة‪ ،‬لخوض هذه المرحلة متعددة‪،‬‬
‫أهمها‪:‬‬
‫ودلت اإلحصاءات الرسمية في شاد عام ‪1993‬م‪،‬أن جماعة المسلمين تعتبر‬
‫من أقل الجماعات الدينية حظا في المستوى الثقافي والعلمي‪ ،‬فالجماعات‬
‫المسيحية بشقيها البروتستانتي والكاثوليكي‪ ،‬تتصدر الجماعات الدينية‪ ،‬في المستوى‬
‫الثقافي والعلمي‪.‬‬
‫وتدني المستوى الثقافي للمسلمين‪ ،‬هو الذي يجعلهم يعتمدون على مهن‬
‫معينة‪ ،‬مثل الرعي والتجارة‪ ،‬ويكون حاجزا أمامهم للصعود إلى قمة السلم المهني أو‬
‫الوظيفي‪ ،‬خاصة المهن التخصصية واإلدارية العليا‪ ،‬وقد شعر جميع المهتمين بالعمل‬
‫اإلسالمي في شاد بهذه االحتياجات المتمثلة في تدني المستوى الثقافي والعلمي‬
‫للمسلمين‪ ،‬فالمجلس األعلى للشؤون اإلسالمية يستهدف في خطته الخمسية إنشاء‬

‫‪523‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫(‪)50‬مدرسة عربية إسالمية خالل خمس سنوات‪ ،‬وقد بدأ في تطبيق خطته بالتعاون‬
‫مع األزهر الشريف‪ ،‬وافتتح بالفعل ثالثة معاهد أزهرية في كل من مدينة أبشة وسار‬
‫وأنجمينا‪ ،‬وهي معاهدة متكاملة‪ ،‬يتحمل بناءها وتسييرها المجلس‪ ،‬ويتكفل األزهر‬
‫باألساتذة والمنهج الدراسي‪ ،‬وتشمل هذه المعاهد المراحل الثالث للتعليم األولي‪،‬‬
‫االبتدائية واإلعدادية والثانوية‪ ،‬بشقين بنين وبنات‪ ،‬وبمساقين علمي وأدبي‪ ،‬وهي‬
‫تجربة متميزة في التعاون والتنسيق بين المجلس واألزهر الشريف‪ ،‬لتلبية احتياجات‬
‫المسلمين في الرفع من المستوى الثقافي والعلمي‪.‬‬
‫ونفس هذا الجهد نجده في المنظمات اإلسالمية العاملة في شاد‪ ،‬مثل منظمة‬
‫الدعوة اإلسالمية التي جهزت بالكامل مجمع ابن سينا التعليمي‪ ،‬ولجنة مسلمي شاد‬
‫التي أنشأت مدرسة متكاملة في المركز اإلسالمي الكويتي بأنجمينا‪ ،‬وهيئة اإلغاثة‬
‫اإلسالمية التي تبنت ورعت الثانوية الصناعية التي تعد الطالب في الكهرباء والنجارة‬
‫والحدادة والسمكرة‪.‬‬
‫وشجع هذا االهتمام المسلمين في جميع المناطق الشادية بالشعور بتدني‬
‫مستواهم الثقافي والعلمي‪ ،‬أي الشعور بالمشكلة ثم المطالبة والعمل من أجل رفع‬
‫مستواهم الثقافي والعلمي‪ ،‬ففي السابق كانت الجهات اإلسالمية تحث المسلمين‬
‫إلى أهمية الرفع من مستواهم الثقافي والعلمي وتبذل في ذلك الكثير من الجهد‪ ،‬أما‬
‫اآلن فإن االحتياج تحول إلى مطلب شعبي عام من جميع المناطق والفئات‪ ،‬مما‬
‫جعل الجهات المهتمة بأمر المسلمين‪ ،‬تعجز عن تلبيته في الكثير من المناطق‪.‬‬
‫وهذا يتطلب زيادة الجهد في العمل على فتح مؤسسات تعليمية وثقافية‬
‫وتدريبية‪ ،‬مثل‪ :‬مدارس التعليم األساسي والمعاهد الفنية المتخصصة‪ ،‬والتي ال يوجد‬
‫منها إال الثانوية الصناعية التي ترعاها هيئة اإلغاثة اإلسالمية العالمية بالمملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬ولكنها غير كافية إلعداد المهنيين في المستوى المتوسط الذين تحتاج‬

‫‪524‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫إليهم البالد‪ ،‬خاصة وأن المجتمع الشادي مقبل على عصر استخراج النفط‪ ،‬وما يتبع‬
‫ذلك من حاجة إلى المهنيين المتوسطين‪ ،‬وأهمية المعاهد الفنية المتوسطة تأتي من‬
‫أنها الحل الوحيد ألعداد المسلمين للدخول في العمل الفني التطبيقي‪ ،‬ونقلهم من‬
‫المهن النظرية العامة التي هم فيها اآلن‪ ،‬مع العلم أن الكنائس العالمية لديها معاهد‬
‫عديدة لإلعداد المهني في كل من أنجمينا وسار منذ فترة طويلة‪ ،‬وقد أعدت هذه‬
‫المعاهد الفنية الكنسية فنيين ومهنيين كثر‪ ،‬ودخلوا سوق العمل وأحدثوا خلال كبيرا‬
‫في التوازن الذي كان سائدا من قبل‪ ،‬وهؤالء الفنيين هم الذين يسيرون اآلن بعض‬
‫شركات المسلمين التي تعمل في مجال البناء والعقارات والصناعات الصغيرة‪ ،‬وشعر‬
‫الفنيون التقليديون من المسلمين بهذا التحدي‪ ،‬وأظهروا رغبة ملحة لتجاوز هذا‬
‫التطور والتحدي الفني‪ ،‬والذي يخشى أن يتحول إلى سيطرة على جميع المهن الفنية‬
‫في المستقبل‪.‬‬
‫رابعا‪ -‬مشكالت النظام التربوي العربي اإلسالمي في شاد المعاصرة‬
‫للتعليم اإلسالمي مشكالت محددة‪ ،‬أهمها‪ :‬قضية االعتراف من الدولة‬
‫الوطنية‪ ،‬يلي ذلك مشكلة مقرات الدراسة من مدارس وفصول وإدارات ومعدات‬
‫ومختبرات‪ ،‬ثم قضية العناية بالمتعلم أو التلميذ‪ ،‬وتأهيل المعلمين‪ ،‬والمنهج الدراسي‬
‫األجنبي‪ ،‬وإدارة المؤسس الفرد لمؤسسات العليم اإلسالمي‪.‬‬
‫‪-1‬هوية التعليم العربي اإلسالمي‬
‫سعى الفرنسيون منذ استيالئهم على منطقة شاد‪ ،‬على التعامل مع المسلمين‬
‫باعتبارهم رعايا ‪ Indijana‬وليسوا مواطنين ‪ ،Citoyen‬خاصة في مجالي‬
‫األحوال الشخصية والتعليم‪.‬‬
‫وهذا ما جعلهم يعتبرون جميع مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي التي‬
‫وجدوها في السلطنات اإلسالمية أجنبية‪ ،‬وحددوا في بعض المناطق نسبتها إلى مصر‬

‫‪525‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫والسودان الشرقي وليبيا والسعودية‪ ،‬بل وحتى تركيا‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وبالطبع عم االعتراف‬
‫مخرجات هذه المؤسسات من التالميذ والمعلمين والعلماء‪.‬‬
‫وبالتالي ترك الفرنسيون للدولة الوطنية في شاد‪ ،‬خبرات سيئة في النظر إلى‬
‫التعليم العربي اإلسالمي والقائمين بشؤونه‪ ،‬جعلتهم ينظرون إليه بعين الريبة والحذر‪،‬‬
‫ونادرا ما تتخذ القرارات بشأنه إيجابيا‪.‬‬
‫وهذا ما الحظناه في تجربة التعليم العربي اإلسالمي في شاد‪ ،‬خاصة التعامل‬
‫مع المعهد العلمي في أبشة الذي أسسه الشيخ محمد عليش عووضة في العام‬
‫الدراسي‪1944-1943‬م‪ ،‬على منهاج المعهد العلمي بأمدرمان واألزهر الشريف‪،‬‬
‫والذي شمل برنامجه الدراسي‪ ،‬مواد غير دينية كالتاريخ والجغرافيا والرياضيات‬
‫والكيمياء والفيزياء‪ ،‬وله عطلة أسبوعية وفصلية وسنوية‪ ،‬والذي حورب وقفل وطرد‬
‫مؤسسه إلى مصر والسودان عام‪1952‬م‪.‬‬
‫وأنشأ الفرنسيون على موازاته المعهد الفرنسي اإلسالمي عام‪1951‬م وفتح‬
‫أبوابه للدراسة بالفرنسية عام ‪1952‬م‪ ،‬والذي عدل فيما بعد إلى الثانوية الفرنسية‬
‫العربية‪ ،‬وذلك لعرقلة التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬وجذب طالب المعهد العلمي المقفل‬
‫وأساتذته‪ ،‬ليتعلموا بالفرنسية‪ ،‬واستدعي الفرنسي (دي ميراس)‪ ،‬ليقود تجربة المعهد‬
‫الضرار‪ ،‬وكانت األهداف المعلنة من تأسيسه هي‪:‬‬
‫‪-1‬مراعاة توجهات النشأ الشادي المسلم‬
‫‪-2‬منع هؤالء من السفر إلى الخارج‬
‫‪-3‬محاربة الدعايات الموجهة ضد فرنسا اآلتية من مصر والسودان‬
‫‪-4‬فتح المجال أمام الشباب لتعلم اللغة الفرنسية‬
‫ولم يقبل في عامه الدراسي األولى إال (‪ )150‬تلميذا‪ ،‬مقابل (‪ )350‬هم‬
‫طالب المعهد العلمي الذي تم قفله‪(.‬صابر‪)72-62،‬‬

‫‪526‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ظلت تهمة "أجنبية" التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬تالحق المهتمين به طالبا‬


‫ومعلمين ومسؤولين‪ ،‬وكانت الجهود نحو معالجة هذه المشكلة محفوفة دائما‪،‬‬
‫بالتوجس من الخارج‪ ،‬بل حتى الخيانة للوطن األم‪ ،‬فكل من يتبنى التعليم العربي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬أو يدافع عن مؤسساته ومنتسبيه‪ ،‬يخشى عليه من الرمي بمحاربة فرنسا‬
‫ولغتها وثقافتها‪ ،‬بل حتى دولته اإلفريقية التي ولد فيها‪.‬‬
‫‪-2‬مقر الدراسة للتعليم العربي اإلسالمي‬
‫من المشكالت التربوية التي ألصقت بالتعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬ارتباط مقر‬
‫الدراسة فيه بالمساجد والزوايا والخالوي‪ ،‬التي أعدت في األساس للعبادة بمعناها‬
‫التقليدي‪ ،‬وهذا ما برر تسميتها في أول قرار رئاسي لالعتراف بها في شاد ‪1966‬م‬
‫بالمدارس القرآنية‪.‬‬
‫ورغم أن األمر طبيعي‪ ،‬في ارتباط التعليم تاريخيا‪ ،‬باألديرة والكنائس في‬
‫اليهودية والمسيحية‪ ،‬حتى في فرنسا نفسها‪ ،‬إال أنها خلقت منها مشكلة في‬
‫مستعمراتها في شاد‪ ،‬متهمة التعليم العربي اإلسالمي بالتعارض مع علمانية الدولة‪،‬‬
‫وهذا ما أدى ببعض المهتمين بالتعليم العربي اإلسالمي في هذه المنطقة‪ ،‬إلى السعي‬
‫إلى إبعاده عن المسجد‪ ،‬باتخاذ بيوت المعلمين مقرات للدراسة‪ ،‬فكانت التجارب‬
‫التالية كأمثلة‪:‬‬
‫‪ -‬أسس األستاذ‪/‬محمد الطيب الطاهر‪ ،‬القادم من األزهر الشريف‪ ،‬معهد‬
‫التربية اإلسالمية‪ ،‬في عام‪1950‬م‪ ،‬بحارم امبسطنة في فورت المي العاصمة‪ ،‬واتخذ‬
‫من منزل والده المتوفى مقرا للمعهد‪ ،‬وكان ينفذ توصية أساتذته باألزهر‪ ،‬والموجهة‬
‫بإنشاء معهد يعلم أبناء المسلمين في شاد برسوم بسيطة‪.‬‬
‫وهذا االبتعاد عن المسجد لم يخرجه عن دائرة المتابعة المخابراتية‪ ،‬فأمر في‬
‫البداية بتدريس اللغة الفرنسية لطالب المعهد‪ ،‬كعربون للسماح له باالستمرار في‬

‫‪527‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫العمل‪ ،‬ولكن وصلت المتابعة إلى االعتقال والسجن والتعذيب‪ ،‬والتهم بأنه جاسوس‬
‫لمصر والسودان أيام االستعمار وبعد االستقالل‪ ،‬وسلط عليه الخبير(إيدي عكاري)‪،‬‬
‫فاشترط على مؤسس المعهد شروط تعجيزية‪ ،‬من بينها أن يكون مقر الدراسة الذي‬
‫هو منزل األستاذ‪ ،‬مبني باألسمنت المقوى‪ ،‬الذي كان فوق القدرات المادية‬
‫للمؤسس‪ ،‬فاطر المؤسس إلى بيع المقر األولى للمعهد‪ ،‬ومن ثم نقله إلى مقر جديد‪،‬‬
‫وتواصلت الضغوط عليه من سجن ونفي داخلي(منطقة السالمات‪ ،‬أبعد منطقة عن‬
‫العاصمة تقريبا‪ ،‬ولمدة ثالث سنوات)‪ ،‬وطلبات إدارية من (إيدي عكاري) فوق‬
‫قدراته المادية والمعنوية‪ ،‬فاطر إلى قفل المعهد عام‪1980‬م‪(.‬الطاهر‪ ،‬ص ص ‪)5-4‬‬
‫العربية‬ ‫الثقافة‬ ‫مدرسة‬ ‫الجهني‬ ‫مبروك‬ ‫سالم‬ ‫األستاذ‬ ‫‪-‬أسس‬
‫بتاريخ‪1954/08/24‬م في منزله بحي غاردولي في فورالمي العاصمة‪ ،‬بجوار السوق‬
‫الكبير‪ ،‬بمباركة السلطان كاسر‪ ،‬سلطان فورالمي وضواحيها‪ ،‬وكانت يعطي دروسا‬
‫لمحو األمية‪ ،‬واقتبس منهج األزهر في المواد الدينية والثقافية‪ ،‬وطوره فقبل تالميذ‬
‫في الصف األولى إلى الرابع االبتدائي‪ ،‬لكنه توقف عام ‪1982‬م‪.‬‬
‫‪-‬ثم أنشأت السيدة‪/‬فرغلية ذو الكفل في منزلها‪ ،‬مدرسة النهضة العربية‪ ،‬في‬
‫حي مرجان دفق بفورت المي العاصمة‪،‬عام‪1955‬م‪ ،‬لتعليم البنات في البداية‪ ،‬ثم‬
‫اتسعت لتشمل البنين والبنات‪ ،‬وكانت تعتمد على المنهج الدراسي السوداني‪ ،‬ولكن‬
‫هذا لم يشفع لها من المتابعة المخابراتية‪ ،‬من (أيدي عكاري) وغيره من معاوني‬
‫السلطات التعليمية والعسكرية‪ ،‬مما جعل المؤسسة تخضع للمساءلة‪ ،‬والمدرسة‬
‫للمداهمة العسكرية أكثر من مرة‪ ،‬ومع ذلك تعتبر المدرسة من المؤسسات العربية‬
‫التي تلقت دعما ماليا من الدولة‪ ،‬واستمرت إلى عام ‪1971‬م‪ ،‬ولحسن حظ طالبها‪،‬‬
‫أن الرئيس السوداني جعفر نميري فتح مدرسة الصداقة السودانية الشادية‪ ،‬في نفس‬
‫التاريخ‪ ،‬مما أتاح لهم الفرصة بالدراسة فيها‪(.‬صالح‪)53-46،‬‬

‫‪528‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومع أن جميع التجارب التي أوردناها لمؤسسات التعليم العربي اإلسالمي التي‬
‫أقيمت‪ ،‬في منازل المعلمين‪ ،‬قد فشلت‪ ،‬إال أن هذا ال يقلل من مشكلة ارتباط‬
‫مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي بالمسجد‪ ،‬ليس ألنه موقع عبادة فقط‪ ،‬ولكن عدم‬
‫توفر مقومات العملية التعليمية فيه هو المشكلة‪ ،‬فنادرا ما تكون المساحة الخاصة‬
‫بالمسجد كافية‪ ،‬لبناء الفصول الدراسية الصحية‪ ،‬وكذلك عدم توفر الساحات‬
‫المناسبة لطابور الصباح وغيره من األنشطة الال صفية والرياضية‪ ،‬الالزمة للعملية‬
‫التعليمية المعاصرة‪.‬‬
‫فالمسجد الكبير للملك فيصل‪ ،‬كان مقرا لعدد كبير من مؤسسات التعليم‬
‫العربي اإلسالمي في شاد‪( ،‬معهد القراءات ‪ +‬المعهد العلمي‪ +‬جامعة الملك فيصل‪،‬‬
‫إضافة إلى االبتدائية واإلعدادية والثانوية)‪،‬فقرر المجلس األعلى للشؤون اإلسالمي‪،‬‬
‫بعد عام ‪1992‬م‪ ،‬بالتعاون مع الدولة الشادية‪ ،‬البحث عن مقار مستقلة تتوفر فيها‬
‫الشروط التعليمية‪ ،‬فمنحت قطع أراض مناسبة خارج المسجد‪ ،‬فنقلت جامعة الملك‬
‫فيصل والمعهد العلمي إلى حارة أم رقيبة بالعاصمة‪ ،‬بينما نقل معهد القراءات إلى‬
‫حارة أنجاري تحت مسمى معهد طيبة‪ ،‬وبنيت فيها المرافق التعليمة اإلسالمية‬
‫المناسبة‪ ،‬ثم نقلت تجربة توسعة مقار الدراسة للتعليم اإلسالمي‪ ،‬إلى المدن الشادية‬
‫األخرى‪ ،‬مع التفضيل على أن تكون قريبة من المساجد‪.‬‬
‫هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن اللجوء إلى المنازل واعتبارها مقار‬
‫للمؤسسات التعليمية‪ ،‬يعتبر مبادرات فردية قام بها أشخاص بحسن نية‪ ،‬ولكنها‬
‫أيضا‪ ،‬يمكن أن تعتبر ردت فعل للضغوط الممارسة على المسلمين‪ ،‬في عدم التعبير‬
‫عن رغبتهم في تعليم أبنائهم‪ ،‬التعليم المناسب لهم‪ ،‬إال في المسجد‪ ،‬المستهجن‬
‫والمرفوض من الفرنسيين‪ ،‬والقول لهم‪ :‬يمكننا أن نعطي التعليم ألبنائنا‪ ،‬حتى خارج‬
‫المسجد‪ ،‬وهو عملية قفز إلى األمام‪ ،‬يسعى إليها الفرنسيون لجر المسلمين إلى أي‬

‫‪529‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫تعليم يبتعد عن اإلسالم‪ ،‬رغم قبولهم وتشجيعهم الكامل للتعليم المسيحي‬


‫الكاثوليكي والبروتستانتي في شاد وجميع مستعمراهم في وسط لشاد‪ ،‬مع ارتباطه‬
‫مقاره بالكنيسة‪.‬‬
‫‪-3‬مشكلة إعداد معلم التعليم العربي اإلسالمي‬
‫مشكالت المعلم في التعليم العربي اإلسالمي في شاد‪ ،‬تنشأ من عدم تغيير‬
‫وضعه الموروث من الحلقات والزوايا والمسيج القرآني‪ ،‬والذي يقوم في األساس على‬
‫المعلم الفرد‪ ،‬الذي يدرس جميع مقررات ومواد الحلقة أو الزاوية أو المسيج‬
‫القرآني‪ ،‬فالمعلم بعد تأسيسه للمؤسسة التعليمية اإلسالمية‪ ،‬يتجاوز دور معلم الوحدة‬
‫أو الحلقة‪ ،‬إلى معلم المدرسة‪ ،‬فهو المؤسس والمدرس لجميع المواد‪ ،‬والناظر‬
‫والمراقب والمدير‪ ،‬وهذا وضع تسلطي‪ ،‬جلب للمعلم‪ ،‬وللعملية التعليمية اإلسالمية‪،‬‬
‫الكثير من المشكالت التربوية‪ ،‬من ادعاء لإلحاطة بجميع العلوم‪ ،‬وما يتبع ذلك من‬
‫تكبر وتجبر‪ ،‬وانغالق وجمود معرفي‪ ،‬حال دون تطور التعليم العربي اإلسالمي في‬
‫المنطقة‪.‬‬
‫فرغم الصورة الزاهية‪ ،‬التي يوردها أول مدرب تربوي متعرب حاصل على‬
‫دكتوراة في اآلداب وأخرى في اإلسالميات‪ ،‬جلبه الفرنسيون لتدريب المعلمين من‬
‫المسلمين‪ ،‬لمواجهة رفض المسلمين في شاد الدراسة باللغة الفرنسية‪ ،‬وهو المدرب‬
‫(د‪.‬ميشيل دان يل دي ميراس ‪ ،)Michel Daniel de MIRAS‬فقد ذكر أن اختياره‬
‫للمدرسين المطلوبين للدولة الفرنسية‪ ،‬لتدريس اللغة العربية والدين اإلسالمي في‬
‫المدارس الرسمية‪ ،‬لم يكن عفويا‪ ،‬بل كان على معايير مثل‪ :‬المستوى العلمي في‬
‫الدين‪ ،‬وكذلك المستوى العقلي والثقافي‪ ،‬والمعرفة العامة العالية من المراكز‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وذكر مؤسسات مثل‪ :‬الدمازين‪ ،‬وأم درمان‪ ،‬واألزهر الشريف‪De ،4(.‬‬
‫‪)MIRAS‬‬

‫‪530‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وهذه الشهادة‪ ،‬تقتصر على الفترة التي عمل فيها في شاد من‬
‫‪1951/02/01‬م إلى ‪1959/06/30‬م‪ ،‬وعلى عدد محدود من المعلمين‪ ،‬ذكرهم‬
‫باالسم‪ ،‬وهم‪ :‬محمد على معروف‪ ،‬وعبد الرحمن دوتم‪ ،‬وآدم بركة‪ ،‬وأحمد عبد اهلل‪،‬‬
‫وعبد اهلل عثمان‪ ،‬ومحمد األمين عمر‪ ،‬وفكي جبل‪ ،‬ومصطفي محمد‪ ،‬وأحمد بنية‪،‬‬
‫وأبراهيم خليل جبر‪ ،‬وأحمد خيار‪ ،‬ومحمد أبكر‪ ،‬والمالحظ أنه لم يرد اسم واحد من‬
‫هؤالء‪ ،‬كمؤسس لمدرسة إسالمية مستقلة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فوضع المعلم في المؤسسات العربية واإلسالمية‪ ،‬لم يخلو من‬
‫المشكالت‪ ،‬كما يذكر ذلك من خلف ديمراس‪ ،‬في مهمة مراقبة المعلم المسلم في‬
‫شاد‪ ،‬من عام‪1963-1961‬م‪ ،‬الخبير الفرنسي أيضا عيدي عكاري‪ ،‬ألنه وجد‪ ،‬أن‬
‫هناك تدني في مستوى معلمي اللغة العربية في شاد‪ ،‬حيث ال يستخدمون العربية‬
‫الفصحى في أدائهم التدريسي‪ ،‬وغير منضبطين في أداء واجباتهم اليومية‪ ،‬مما اضطره‬
‫لفصل(‪ )50‬خمسين معلما من معلمي التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬عام ‪1963‬م‪ ،‬ولكنه‬
‫اجبر على إرجاعهم بحجج سياسية‪ ،‬وبضغط من وزير التربية الوطنية‪ ،‬ومن الحزب‬
‫الحاكم التابع للرئيس تومبالباي‪ ،‬مما جعل المفتش عكاري يشعر باإلحباط الشديد‪،‬‬
‫لتسييس مساعيه لتقويم المعلم بالعربية في شاد‪(.‬صالح‪)194،‬‬
‫فلم تكن تجارب االستعانة بالخبير الفرنسي‪ ،‬الستيعاب المعلمين بالعربية‬
‫ناجحة‪ ،‬أيام االستعمار عند دمراس‪ ،‬وال أيام االستقالل عند عكاري‪ ،‬فلم يذكي‬
‫األولى من المعلمين الشاديين إال العشرة الذين تم ذكرهم‪ ،‬معتمدا على معارفهم‬
‫السابقة فقط‪ ،‬وال الثاني إال أربعة أوصى بإرسالهم إلى لبنان للتدريب وهم‪:‬عيسى‬
‫حسن خيار(سكرتيره الخاص في المفتشية طيلة وجوده في اإلدارة الشادية)‪ ،‬ومطر‬
‫قاسم‪ ،‬ورشيد كوروم‪ ،‬ويونس عبد اهلل بالل‪ ،‬وهذا دليل على فشل التدريب المحلي‬

‫‪531‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫للمعلم بالعربية في شاد‪ ،‬سواء في المعاهد أو من هؤالء الخبراء المبعوثين من فرنسا‪،‬‬


‫في هذه الفترات‪.‬‬
‫والمالحظ على مشكالت المعلم في التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬أنه لم يخضع‬
‫ألي تدريب تربوي سليم‪ ،‬فمعظم جهوده التربوية‪ ،‬عبارة عن مبادرات فردية عاطفية‪،‬‬
‫الهدف منها استعادة هويته اإلسالمية التي سلبها التذويب الثقافي الفرنسي‪ ،‬وانطلق‬
‫من تراثه الثقافي الموروث من الحلقات والزوايا والمسيج القرآني‪ ،‬وما أضيف إليه من‬
‫خبرات من المراكز اإلسالمية‪ ،‬وأعالها ما الحظناه في تجربة محمد عليش عووضة‪،‬‬
‫التي لم تتجاوز اإلجازة العالية في الشريعة‪ ،‬وكل الرواد األوائل الذين قاموا بمهمة‬
‫المعلم‪ ،‬وأسسوا مؤسسات رائدة في التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬مستوياتهم العلمية‪،‬‬
‫أقل من مؤسس المعهد العلمي بأبشة عام‪1943‬م‪.‬‬
‫إذن فاقد الشيء ال يعطيه‪ ،‬فالواقع‪ ،‬أن التعليم العربي اإلسالمي لم يجد‬
‫المعلم الكفء منذ مراحله األولى‪ ،‬وظل على حاله في كل مراحله السابقة‪ ،‬إلى عام‬
‫‪1995‬م حينما بدأ التفكير في إنشاء أول كلية للعلوم التربوية بجامعة الملك فيصل‪-‬‬
‫شاد‪ ،‬وطرحت نفس الحاجة لتكوين المعلمين في التعليم العربي اإلسالمي على‬
‫الليبيين‪ ،‬ففتح معهد المعلمين سنة‪1998‬م‪ ،‬الذي طور إلى كلية التربية التابعة لجامعة‬
‫سبها‪ ،‬وكلية اللغة العربية والدراسات اإلسالمية‪ ،‬فرع كلية الدعوة اإلسالمية الليبية‬
‫لنفس الغرض‪ ،‬ولم تفتح كلية العلوم التربوية في الجامعات الشادية الرسمية‪ ،‬إال في‬
‫العام الجامعي ‪2013/2012‬م‪.‬‬
‫‪-4‬مشكلة المتعلم(التلميذ‪/‬الطالب)‬
‫تظهر مشكالت المتعلم في نظام التعليم العربي اإلسالمي في شاد‪ ،‬في أنه لم‬
‫يأخذ احتياجات التلميذ‪ ،‬بعين االعتبار في جميع العصور‪ ،‬وعلى كل المستويات‬
‫التعليمية‪.‬‬

‫‪532‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فالمتعلم في عصر السلطنات اإلسالمية‪ ،‬هو صدى لما عليه السلطان‪ ،‬إن لم‬
‫يكن متركز في السلطان نفسه‪ ،‬وهذا ما كانت عليه سلطنة كانم ‪ -‬برنو‪ ،‬وعبر عن‬
‫هذا العصر محرم السلطان اومي جمة‪ ،‬ألستاذه محمد بن ماني عام‪1087‬م‪ ،‬الذي‬
‫أشرنا إليه سابقا‪ ،‬ووضع المتعلم لم يتغير في عصر السلطان صابون في سلطنة دار‬
‫وداي العباسية‪ ،‬كما رواها الشيخ محمد بن عمر التونسي في رحلته‬
‫المشهورعام‪1807‬م‪.‬‬
‫هذا عن مشكالت مدخالت المتعلم في التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬أي المعرفة‬
‫المتاحة أمام المتعلم‪ ،‬ولم تأخذ في حسابها أي من احتياجاته األساسية النفسية‬
‫واالجتماعية والبدنية‪ ،‬والوضع نفسه في مخرجاته‪ ،‬حيث دلت مخطوطات ووثائق‬
‫علماء هذه العصور على عدم التأقلم واالنسجام بين تعاليم اإلسالم الموضوعية‪،‬‬
‫ومخرجات النظام التربوي اإلسالمي المقدم للمتعلم في السلطنات في شاد‪ ،‬خاصة‬
‫حينما تتاح الفرصة للمتخرج من هذا النظام اكتساب معارف من نظام تربوي مغاير‪،‬‬
‫ويضرب المثل هنا بمخطوطة نصيحة الحكام للشيخ محمد األمين الكانمي‬
‫(التاريخ)‪ ،‬وتبصرة الحيران من هول فتن الزمان للشيخ عبد الحق السنوسي(قبل عام‬
‫‪1909‬م)‪.‬‬
‫ولم يتغير الوضع التربوي للمتعلم‪ ،‬في ظل نظام االستيعاب الفرنسي‪ ،‬حيث‬
‫اعتبر التالميذ في النظام التربوي اإلسالمي كباش فداء في المقاومة ضد التذويب‬
‫الفرنسي‪ ،‬فسيق التالميذ إلى رفض المدرسة الفرنسية‪ ،‬باعتبارها ال تلبي التعاليم‬
‫الدينية اإلسالمية‪ ،‬التي ينادي السالطين التقليديين واألسر‪ ،‬المسلوبة منهم‬
‫صالحياتهم السلطوية‪ ،‬فضحوا بمستقبل أبنائهم‪ ،‬بحجة الحفاظ على التربية الدينية‬
‫والخلفية اإلسالمية‪ ،‬وظلت مشكالت المتعلم أو التلميذ قائمة في الوقت الحاضر‬
‫تراوح مكانها‪ ،‬خاصة في تكيفه مع معطيات العصر والتعليم الحديث‪.‬‬

‫‪533‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-5‬مشكالت المنهج الدراسي=المقررات أو البرامج الدراسية‬


‫ترجع مشكالت المنهج الدراسي في التعليم العربي اإلسالمي إلى التالي‪:‬‬
‫أ‪-‬الميراث الثقافي‪ ،‬حيث تم التركيز في السلطنات اإلسالمية على مكانة‬
‫تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬والفقه السلطاني التقليدي‪ ،‬والتوحيد األشعري التلقيني‪،‬‬
‫ووظف المنهج الدراسي لتخريج من يخدم السلطان من الكتبة والقضاة والقراء‬
‫والمستشارين والوزراء واألمراء‪ ،‬الذين هم سالطين المستقبل‪ ،‬وذلك كله وفق‬
‫مقررات وكتب جاهزة‪ ،‬ومقرة من المراكز اإلسالمية‪ ،‬في كل من القيروان والزيتونة‬
‫واألزهر وتمبكتو وسوكوتو‪ ،‬وبالتالي حوصر التعليم العربي اإلسالمي في نفق ضيق‪،‬‬
‫قل فيه التفكير الحر في المنهج الدراسي‪.‬‬
‫ب‪-‬وفي الفترة االستعمارية الفرنسية‪ ،‬تم إعاقة العمل بالمنهج الدراسي‬
‫اإلسالمي السابق‪ ،‬واحلوا محله منهج دراسي‪ ،‬سموه في البداية المنهج الفرنسي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ثم غيروه إلي الفرنسي العربي‪ ،‬في سعي منهم إلبعاد التعليم اإلسالمي في‬
‫المنطقة عن التأثير اإلسالمي القادم من المراكز اإلسالمية في كل من األزهر‬
‫والسودان الشرقي‪ ،‬ولهذه الفترة أربعة فاعلين‪:‬‬
‫بتاريخ‬ ‫المنطقة‬ ‫وصل‬ ‫الذي‬ ‫دمراس‪،‬‬ ‫وبجدارة‬ ‫أ‪-‬يتقدمهم؛‬
‫(‪1951/01/01‬م)‪ ،‬الذي وضع اللبنات األولى لهذا المنهج‪ ،‬وطبقه بإنشاء المعهد‬
‫اإلسالمي الفرنسي في أبشة بجوار مسجد السلطان علي السليك‪ ،‬ووظف عشرة من‬
‫الفقهاء لتدريس منهجه فيه‪ ،‬وقبل فيه أول دفعة في العام الدراسي ‪-1952‬‬
‫‪1953‬م‪ ،،‬وكان عددهم ‪ 150‬تلميذا‪ ،‬درسوا في قصر السلطان علي السليك‬
‫سنواتهم األولى‪ ،‬ريثما يشيد البناء الموجود حاليا عام‪1958‬م‪ ،‬ويتكون منهج دمراس‬
‫من هجين من الفرنسية المبسطة‪ ،‬ومقررات من القراءة العربية من كتاب من لبنان‪.‬‬

‫‪534‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ب‪-‬تلى دمراس‪ ،‬مواطنه أيدي عكاري‪ ،‬عام(‪1963-1961‬م)‪ ،‬الذي‬


‫استدعاه الرئيس الشادي تمبالباي‪ ،‬لينظم التعليم العربي اإلسالمي في شاد بعد‬
‫االستقالل‪ ،‬فأقر خطة دمراس‪ ،‬في تثبيت فكرة إبعاد النظام التربوي العربي اإلسالمي‬
‫عن التربية اإلسالمية‪ ،‬خاصة أنه الحظ نموا لمؤسسات للتعليم اإلسالمي في‬
‫العاصمة واألقاليم‪ ،‬فاتصل بها‪ ،‬وأراد أن يبسط السيطرة عليها‪ ،‬فوجد أن األمر يحتاج‬
‫إلى سند إداري‪ ،‬فأنشئت له مفتشية التعليم العربي بوزارة التربية‪.‬‬
‫وكان أول مفتش لها طيلة وجوده في شاد‪ ،‬ووجد عكاري سندا أمنيا‪ ،‬بربط‬
‫نشاطاته بإدارة الشؤون اإلسالمية بوزارة الداخلية‪ ،‬وسندا في إشرافه المباشر على‬
‫الدعم المادي الذي تقدمه الدولة للمدرسة الفرنسية العربية في أبشة‪ ،‬في األساس‪،‬‬
‫والمدارس اإلسالمية األخرى‪ ،‬فكان يحصي كل ما يدور في مؤسسات التعليم العربي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬إداريا وأمنيا وماليا‪ ،‬خاصة المقررات التي تدرس‪ ،‬ويركز بشكل أساسي‬
‫على مدى ابتعادها عن التربية اإلسالمية‪ ،‬ومن ثم تطبيقها للمنهج المقرر في المداس‬
‫العامة الشادية‪.‬‬
‫وقد استجاب مدراء المدارس اإلسالمية‪ ،‬لجميع تعليمات ايدي عكاري فيما‬
‫يتعلق بالمقررات الدراسية العامة للوزارة‪ ،‬ولكنهم في الغالب احتفظوا بالصبغة‬
‫اإلسالمية لمؤسساتهم فيما يتعلق بالمنهج الدراسي‪ ،‬ألن ذلك هو مطلب اآلباء‬
‫والتالميذ‪ ،‬كما ظهر ذلك في القرار الرئاسي عام‪1966‬م‪ ،‬وظهرت فيه على حقيقتها‪،‬‬
‫تحت اسم "المدارس القرآنية"‪.‬‬
‫ج‪-‬وأعقبهما في المهمة‪ ،‬وهي المراقبة الثالثية ( إدارية‪ ،‬أمنية‪ ،‬مالية) للتعليم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬عبد الرحمن حسين‪ ،‬المعروف عند الشاديين بفوكس‪ ،‬ويذكر أن اسمه‬
‫الحقيقي هو إبراهيم خليل حسين‪ ،‬وكان مفتشا إلدارة التعليم العربي بالوزارة طيلة‬
‫الفترة من ‪1980-1963‬م‪ ،‬فاستمر في التضييق على مؤسسات التعليم العربي‬

‫‪535‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫اإلسالمي‪ ،‬خاصة من الناحية األمنية بتعذيب وتشريد القائمين على التعليم العربي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬والتقتير في الدعم الحكومي‪ ،‬ماليا وحتى في المعدات الدراسية‪ ،‬والتركيز‬
‫فقط على نموذج المدرسة الفرنسية العربية‪ ،‬الخالية في منهجها الدراسي من التربية‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وهذا ما لم يقبله األب والتلميذ المسلم في المنطقة‪.‬‬
‫مما شكل عقدة لدى السلطات الرسمية في هذه المفتشية‪ ،‬لعجزها عن تحقيق‬
‫الغرض المشكلة من أجله‪ ،‬مما أدى إلى رفعها إلى إدارة للتعليم العربي‪ ،‬تحت ظروف‬
‫سياسية أخرى مختلفة عام‪1980‬م‪.‬‬
‫فأصدر مديرها الجديد األستاذ‪/‬يوسف دهب منشوره اإلداري رقم(‪)241‬‬
‫بتاريخ‪1982/12/01‬م‪ ،‬الذي ينظم فيه إدارته على النحو التالي‪:‬‬
‫‪-‬مدير التعليم العربي بالوزارة في أنجمينا‬
‫‪-‬مفتشين للتعليم العربي في المديريات‬
‫‪-‬مدراء المدارس العربية واإلسالمية(من االبتدائية إلى الثانوية)‬
‫‪-‬المدرسون العاملون بحقل التعليم العربي‬
‫وتضمن هذا المنشور توصيفا مفصال بوظائف المسؤولين في التسلسل اإلداري‬
‫للمؤسسات العربية واإلسالمية‪ ،‬ونص بوضوح في صفحته األولى فيما يخص المنهج‬
‫الدراسي بما يلي‪ ":‬على كل المدارس العربية والمعاهد الدينية أن تنفذ المناهج‬
‫الموحدة والهيكل التنظيمي الصادر من قبل إدارة التعليم العربي بتاريخ‬
‫‪1982/12/01‬م"( دهب‪)1،‬‬
‫د‪-‬وفي ‪1979‬م‪ ،‬حدث تحول كبير في المنهج الدراسي في التعليم العربي‬
‫اإلسالمي في شاد‪ ،‬حيث تم االعتراف بتدريس المنهج األزهري بالكامل في مركز‬
‫الملك فيصل‪ ،‬في المراحل االبتدائية واإلعدادية والثانوية‪ ،‬يدرسه أساتذة من مصر‪،‬‬
‫تم إرسالهم من األزهر بتمويل من السعودية‪ ،‬نصبهم في إدارة وتدريس هذا المنهج‬

‫‪536‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫شيخ األزهر آنذاك‪ ،‬الشيخ‪/‬محمود خليل الحصري‪ ،‬وكان التعديل الوحيد الذي تم‬
‫في المنهج األزهري المطبق في مركز فيصل بأنجمينا‪ ،‬تمثل في نقل سنة دراسية من‬
‫الثانوي إلى المرحلة اإلعدادية‪ ،‬لتتناسب مع النظام التربوي الشادي‪3+4+6( ،‬‬
‫الشادي) بدل(‪ 4+3+6‬األزهري)‪.‬‬
‫ولكن المشكلة أن الدولة الشادية‪ ،‬أعاقت االعتراف بمخرجات المنهج‬
‫األزهري المطبق في المركز‪ ،‬وكذلك جميع مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬إي‬
‫الشهادات النهائية‪ ،‬االبتدائية واإلعدادية والثانوية‪ ،‬رغم اقتراح األزهر استخراجها‬
‫واالعتراف بها‪.‬‬
‫ولم يشفع لمنهج التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬حتى مرسوم رئيس الجمهورية رقم(‬
‫‪)060‬الصادر بتاريخ‪1987/05/06‬م‪ ،‬الذي ينظم الشهادة الثانوية العربية المعادلة‬
‫تماما للشهادة الثانوية الفرنسية‪ ،‬والذي مهد له القرار الرئاسي رقم (‪ )1412‬الصادر‬
‫بتاريخ ‪1986/08/25‬م‪ ،‬الذي ينظم التعليم العربي في رحاب المسجد الكبير‬
‫للملك فيصل‪ ،‬فمادته السابعة تنص حرفيا على أن‪ " :‬البرنامج الدراسي والكتب‬
‫المقررة في مدرسة وثانوية الملك فيصل‪ ،‬يجب أن تختار وتقر من قبل وزارة التربية‬
‫الوطنية"‪.‬‬
‫ومع هذا انقضت وزارة التربية الوطنية الشادية‪ ،‬على التعليم العربي اإلسالمي‬
‫لتعريه من هويته‪ ،‬بإثارة مشكلة إخراج مادة التربية اإلسالمية من المواد الرسمية‬
‫للشهادة الثانوية العربية‪( ،‬قرار الوزير‪/‬محمد أحمد الحبو رقم(‪ )142‬الصادر بتاريخ‬
‫‪1994/05/26‬م) بل األدهى من ذلك إصدار قرار رقم ( (‪1994 )276‬م الذي‬
‫أصدره نفس الوزير‪ ،‬والخاص بإدخال الثنائية اللغوية في النظام التربوي الشادي‪،‬‬
‫صدر في أنجمينا بتاريخ ‪1994/12/13‬م‪ ،‬والذي يلزم المداس العربية اإلسالمية‪،‬‬
‫أن تدرس المواد العلمية باللغة الفرنسية‪ ،‬من المرحلة اإلعدادية إلى الثانوية‪ ،‬ونظرا‬

‫‪537‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫لغرابة هذا القرار‪ ،‬وإجحافه بحقوق المؤسسات العربية واإلسالمية بالبالد‪ ،‬فإنه لم‬
‫ينفذ على الواقع إلى اآلن‪ ،‬ولكن هناك تخوف من المهتمين بالتعليم العربي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬من أن تبث فيه الروح في أي لحظة‪ ،‬من قبل أي متهور‪ ،‬طالما لم يلغ‬
‫رسميا‪.‬‬
‫وهذا ما دفع المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ ،‬إلى االستعانة باألزهر‬
‫لتوفير أساتذة العلوم‪ ،‬وطرح الموضوع على التعاون الليبي لتأسيس المعهد التربوي‬
‫العلمي‪ ،‬الذي رقي إلى كلية التربية التابعة لجامعة سبها‪ ،‬لتعد المدرسين للمواد‬
‫العلمية‪ ،‬مثل‪ :‬الرياضيات والفيزياء والكيمياء واألحياء‪ ،‬والمواد األدبية مثل‪ :‬الفلسفة‬
‫وعلم االجتماع‪ ،‬وأخيرا وقع المجلس اتفاقية شراكة‪ ،‬مع وزارة التربية الوطنية‪،‬‬
‫لمحاولة حماية الروح اإلسالمية لمؤسسات التعليم العربي اإلسالمي في شاد‬
‫المعاصرة‪ ،‬من أي اختراق جديد‪ ،‬بتاريخ ‪2000/08/25‬م‪.‬‬
‫‪-6‬مشكلة إدارة مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي(مشكلة المؤسس)‬
‫انطلقت مشكلة إدارة مؤسسات التعليم العربي اإلسالمي في شاد‪ ،‬من قيامها‬
‫في األساس على المبادرات الفردية‪ ،‬كما ذكرنا سابقا‪ ،‬فاكتسبت من البناء األسري‬
‫للتجمعات الشادية‪ ،‬صبغة القيادة السلطانية الفردية للمؤسس‪ ،‬وفي العادة لمدى‬
‫الحياة‪ ،‬وورث الكثير منها‪ ،‬إلى األبناء في الوقت الحاضر‪ ،‬قيادة هذه المؤسسات من‬
‫المؤسسين اآلباء‪ ،‬بدون مراعات للجوانب الفنية المتعلقة‪ ،‬بالتكوين التربوي والكفاءة‬
‫العلمية والتسييرية‪ ،‬فساد في هذه المؤسسات‪ ،‬الركود والجمود اإلداري‪ ،‬وبالتالي‬
‫رفض إي تحديث إداري‪ ،‬يقترح من قبل الخريجين الجدد‪ ،‬وربما حتى من الدولة‬
‫واإلدارات العليا‪ ،‬رغم توظيف الدولة لمدرسين وإداريين ( نظارا‪ ،‬مفتشين‪ ،‬مراقبين‪،‬‬
‫ومرشدين ) على مستويات متوسطة وعليا‪ ،‬يمكن أن تنقل التعليم العربي اإلسالمي‬
‫إلى اإلدارة التعليمية الحديثة‪.‬‬

‫‪538‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومن الحلول المقترحة‪ ،‬السعي نحو تحويل المؤسسات العربية اإلسالمية‪ ،‬إلى‬
‫مؤسسات ذات مصلحة عامة‪ ،‬تدار بمجالس إدارية‪ ،‬تسودها الروح الجماعية‪ ،‬وليس‬
‫الروح الفردية‪.‬‬
‫خامسا‪ -‬تحديات العولمة للنظام التربوي العربي اإلسالمي في شاد‬
‫المعاصرة‬
‫تبدأ تحديات العولمة للتعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬بالوعي بتحديات المشكالت‬
‫التي يواجهها التعليم العربي اإلسالمي‪ ،‬انطالقا من االعتراف الرسمي بأهميته في‬
‫التنمية البشرية‪ ،‬والعناية بمقاره لتتناسب مع العصر‪ ،‬إلى إعداد معلمه الكفء‪،‬‬
‫واألخذ بعين االعتبار احتياجات المتعلمين المادية والمعنوية‪ ،‬وإصالح مناهجه‬
‫لتتناسب مع هذه االحتياجات المتجددة‪ ،‬في ظل قيادة تعليمية رشيدة‪ ،‬بعيدا عن‬
‫اإلدارة التسلطية المتوارثة‪.‬‬
‫فالعولمة في مظهرها الثقافي االجتماعي تعني انتقال األفكار والمبادئ والقيم‬
‫الثقافية واالجتماعية من المركز (أمريكا) إلى التوابع(الدول النامية)‪ ،‬وأدوات هذا‬
‫النقل هي وسائل االتصاالت واإلعالم والتعليم‪ ،‬وهذا يعني " أن العولمة الثقافية‬
‫ليست سوى نقلة نوعية في تاريخ اإلعالم تعزز سيطرة المركز األمريكي على األطراف‬
‫أي على العالم كله "‪(.‬الجهني‪)3 ،‬‬
‫والذي ينظر بدقة إلى عولمة اإلعالم والتعليم‪ ،‬يكتشف أن العولمة تتعامل مع‬
‫اإلعالم ومنتجات الثقافة على أساس كونها سلعا يجري تداولها في سوق موحدة ال‬
‫توجد فيها خصوصيات سياسية وثقافية‪ ،‬فاألفضلية للسلعة أو الخدمة األجود‬
‫واألرخص‪ ،‬وتتجاهل العولمة الثقافية واإلعالمية عن عمد الطابع األمريكي المهيمن‬
‫على صناعة اإلعالم واالتصاالت الدولية‪ ،‬والذي تزايد بصورة ملحوظة منذ نهاية‬
‫الثمانينيات من القرن العشرين نتيجة تطور تكنولوجيا االتصال‪ ،‬خاصة ظهور‬

‫‪539‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫االنترنيت‪ ،‬واإلعالم األمريكي‪ ،‬والتحوالت السياسية في النـظام الـدولي الجديد‪(.‬‬


‫عبد الكريم‪ ،‬ص ‪)32‬‬
‫وعولمة الثقافة واالجتماع واإلعالم التي تقودها الواليات المتحدة األمريكية‪،‬‬
‫ناهضتها بعض الدول داخل المعسكر الغربي نفسه‪ ،‬مثل فرنسا وكندا‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫وسائل اإلعالم األمريكية تسيطر على ‪ % 65‬من مجمل المواد والمنتجات‬
‫اإلعالمية واإلعالنية والثقافية والترفيهية ‪ ،‬بل إن فرنسا تقاوم سيطرة اللغة اإلنجليزية‬
‫على شبكة االنترنيت‪ ،‬وذلك ألن ‪ % 95‬من حجم تداول االتصاالت والمعلومات‬
‫على هذه الشبكة يتم باللغة اإلنجليزية‪ ،‬بينما ‪ % 2‬فقط يتم باللغة الفرنسية‪ ،‬ولهذا‬
‫السبب رفعت فرنسا خالل مناقشات "القات " األخيرة شعار االستثناء الثقافي‪( .‬عبد‬
‫الكريم‪ ،‬ص ‪)43‬‬
‫استغلت العولمة الوضع الثقافي للدولة‪ ،‬ففي شاد تنخفض نسبة من يتقنون‬
‫القراءة والكتابة‪ ،‬ففي اإلحصاء السكاني عام ‪1993‬م وصلت نسبة الذين تزيد‬
‫أعمارهم عن (‪ )6‬سنوات من الشاديين‪ ،‬ويعرفون القراءة والكتابة إلى (‪،)%10,8‬‬
‫وهذا يعني أن (‪ )11‬من السكان في كل مائة فقط يستطيعون القراءة والكتابة‪.‬‬
‫وهذه النسبة ليست متساوية في األقاليم والمحافظات الشادية‪ ،‬حيث نجدها‬
‫منخفضة جدا في المناطق الشمالية التي تعتبر معقل المسلمين مثل‪ :‬كانم (‪،)%3,5‬‬
‫والبحيرة (‪ ،)%4,1‬وشاري بقرمية (بدون العاصمة ) (‪،)%5,3‬وبالمقابل نجد هذه‬
‫النسبة فوق المتوسط في المحافظات الجنوبية مركز المسيحية في شاد‪ ،‬مثل‪ :‬لغون‬
‫الغربية(‪ ،)%15,7‬ومايوكيبي (‪ ،)%14,1‬وقريب من المتوسط في كل من لغون‬
‫الشرقية (‪ ،)%10,6‬وشاري األوسط (‪.)%9,8‬‬
‫وهناك حاالت استثنائية في محو األمية في العاصمة أنجمينا حيث تصل‬
‫النسبة إلى(‪،)%30,7‬وتفسر بتمركز المتعلمين في العاصمة‪ ،‬نظرا لتجمع مراكز‬

‫‪540‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫التعليم واإلدارات العامة في العاصمة أكثر من األقاليم‪ ،‬والنسبة العامة لمحو األمية‬
‫في شاد غير متساوية بين الرجال والنساء‪ ،‬بل إن الرجال يفوقون النساء في هذا‬
‫المجال بنسبة (‪)%17,5‬مقابل(‪)%4,7‬وهذه النسب تختلف من محافظة إلى‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ومن السمات الثقافية البارزة في شاد أن اللغة العربية‪ ،‬اللغة األكثر انتشارا‬
‫واستخداما في األوساط الشعبية الشادية‪ ،‬وبتعبير آخر العربية هي لغة الشارع الشادي‬
‫عموما‪ ،‬وهي لغة المثقفين والكتاب بالعربية‪ ،‬بينما تعتبر اللغة الفرنسية لغة الدوائر‬
‫الحكومية منذ االستعمار الفرنسي‪ ،‬ولغة المثقفين بالفرنسية (وهم ال يتجاوزون‬
‫‪ %10‬حسب اإلحصاء السابق‪ ،‬هذا إذا لم نعط منه أي نسبة للمثقفين باللغة‬
‫العربية)‪ ،‬وتنتشر اللغة اإلنجليزية في بعض األوساط المثقفة ثقافة عالية‪.‬‬
‫وقد بين إحصاء عام ‪1993‬م أن الذين تم محو أميتهم باللغة الفرنسية بلغت‬
‫نسبتهم (‪ )%76‬مقابل (‪ )%19,3‬من الذين محوا أميتهم باللغة العربية‪ ،‬وهذا‬
‫دليل على عدم توفير الفرص التعليمية للدارسين باللغة العربية وتحويلها من لغة‬
‫الشارع إلى لغة التعليم‪ ،‬وال تصل نسبة الذين محو أميتهم باللغتين العربية والفرنسية‬
‫إال إلى (‪ (.)%1,0‬جمهورية شاد‪ ،‬ص ‪)23‬‬
‫يتميز الوضع الثقافي للمسلمين في شاد بالضعف الشديد‪ ،‬حيث يسود بينهم‬
‫الجهل‪ ،‬باعتبارهم من أقل المجموعات الدينية محوا لألمية‪ ،‬فقد أشار إحصاء‬
‫عام ‪1993‬م إلى أن نسبة المسلمين الذين يعرفون القراءة والكتابة ال تتعدى‬
‫(‪ )% 7,9‬فقط‪ ،‬وهي نسبة ضعيفة جدا‪ ،‬إذا ما قورنت بنسبة (‪ ) % 20,4‬لدى‬
‫البروتستانت الشادي ــين‪ ،‬أو (‪)% 13,3‬لدى الكاثوليك الشاديين‪.‬‬
‫شعورا من المسلمين بتحديات العولمة لمؤسساتهم التعليمية في شاد‪ ،‬وضعوا‬
‫نماذج من مساقات لترسيخ حوار األديان والتعامل أو التكيف مع معطيات العولمة‪،‬‬

‫‪541‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ونضرب في هذا البحث المثال بما في جامعة الملك فيصل بشاد‪ ،‬من مساقات‬
‫علمية لترسيخ قيم حوار األديان تدرسها لطالبها وهي‪:‬‬
‫أ‪-‬نشر قيم الوسطية واالعتدال‪:‬‬
‫للجامعة مساق خاص بالعناية بحفظ القرآن الكريم وتجويده‪ ،‬وللتأكيد علي‬
‫أهمية هذا المساق في برنامج الجامعة الدراسي‪ ،‬تم تقسيم هذا المساق إلي أربع‬
‫مستويات (‪ ) 4 ،3 ،2 ،1‬يدرسها الطالب سنويا خالل السنوات األربع للجامعة‪،‬‬
‫ومساق حفظ وتجويد القرآن الكريم من المساقات التي يمتحن فيها الطالب‬
‫امتحانان تحريري وشفوي‪ ،‬ويعتبر النجاح في أي من الجزئيين منفصال عن اآلخر‪،‬‬
‫وهو من متطلبات الجامعة الالزمة في جميع الكليات واألقسام والتخصصات‪.‬‬
‫ولكن هناك تركيز في إعطاء تفسير لهذه المساقات في القرآن الكريم والسنة‬
‫النبوية‪ ،‬في أن تكون على هدى الوسطية واالعتدال‪ ،‬واالبتعاد عن جميع االتجاهات‬
‫التعصبية والمتطرفة‪.‬‬
‫وتأتي أهمية متطلبات القرآن الكريم في الجامعة‪ ،‬من حقيقة أن فاقد الشيء‬
‫ال يعطيه‪ ،‬فالطالب الذي ال يحفظ شيئا من القرآن الكريم وال يجود ما يحفظ‪،‬‬
‫يصعب عليه أن ينشر قيم حوار األديان مستشهدا باآليات‪ ،‬وهذا ما يجعل الجامعة‬
‫تعطي عناية خاصة لحفظة القرآن الكريم وتجويده وفقهه المتوسط والمعتدل في‬
‫جميع كلياتها‪.‬‬
‫ونفس االهتمام نجده في متطلبات الجامعة الخاصة بتدريس السنة النبوية‪،‬‬
‫وهو مساق يتطلب مستويين (‪ ) 2 ،1‬يدرسها طالب الجامعة في جميع الكليات‪،‬‬
‫ويركز أن يلم الطالب بعلوم الحديث‪ ،‬ويحفظ نماذج مختارة من أحاديث الرسول‬
‫محمد صلي اهلل عليه وسلم‪ ،‬مع التركيز على السنة المطهرة‪ ،‬بعيدا عن االنتقاء‬
‫واالنحياز نحو اتجاه فكري تطرفي أو تعصبي معين‪.‬‬

‫‪542‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ب‪-‬نشر الفقه اإلسالمي المقارن‪:‬‬


‫وللفقه اإلسالمي المقارن بمتطلبـات الجـامعة مساقا بثالث مستويات (‪،2 ،1‬‬
‫‪ ،) 3‬وهي‪ :‬فقه العبادات‪ ،‬وفقه المعامالت‪ ،‬وأصول الفقه‪ .‬ويهدف هذا المساق إلي‬
‫إعداد الطالب الجامعي وتزويده بمعلومات أساسية حول العبادات والمعامالت‬
‫اإلسالمية ومقاصد الشرع اإلسالمي‪ ،‬ليقي الطالب نفسه من كل من يدعي المعرفة‬
‫بهذه العلوم الشرعية‪ ،‬ويفتي فيها حسب هواه‪.‬‬
‫آخذين في االعتبار تبصير الطالب بالمذاهب الفقهية المعتمدة‪،‬‬
‫واالجتهادات الوسطية‪ ،‬وإعطاء نصيب للمجتهد داخل المذهب الواحد‪ ،‬وهذا‬
‫يسمح للطالب بمعرفة أدوات المقارنة الفقهية السليمة‪ ،‬ليس فقط داخل الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وإنما أدوات مقارنة وحوار األديان األخرى‪ ،‬خاصة األديان السماوية‪ ،‬مثل‬
‫النصرانية‪ ،‬التي لها تواجد ملحوظ في المنطقة‪ ،‬مما يسمح لخريجي الجامعة بالتحاور‬
‫الديني مع أهل األديان األخرى بالتي هي أحسن‪.‬‬
‫ج‪-‬نشر الثقافة والحضارة اإلسالمية المتسامحة‪:‬‬
‫هناك حرص من الجامعة علي أن يتخلل تدريس جميع العلوم فيها اإلشارة إلي‬
‫منبعها المنطلق من الحضارة اإلسالمية‪ ،‬وبالتالي هناك مساقات للحضارة اإلسالمية‪،‬‬
‫يتم التركيز فيها علي إسهامات المسلمين الحضارات اإلنسانية والعالمية‪.‬‬
‫ويركز على ترابط وتال قح الحضارات‪ ،‬واإلشارة إلى أن ما أصابها من وهن في‬
‫الفترات األخيرة‪ ،‬ما هو إال مرحلة عابرة توجب على أبنائها أن يتعلموا الدرس‪ ،‬من‬
‫خالل االستفادة من مكتسبات الحضارات المتقدمة في الوقت الحاضر‪ ،‬باعتبارها‬
‫مكتسبات لإلنسانية جمعاء‪ ،‬وأن ال يصابوا بأي شعور بالنقص أو الدونية‪ ،‬ألن‬
‫الحضارات تتبادل األدوار في التطور وعلى جميع المستويات‪ ،‬فال توجد حضارة‬
‫كاملة في جميع جوانبها في أي عصر من العصور حازها شعب معين فقط‪،‬‬

‫‪543‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫فاإلسهامات الحضارية تتنافس عليها الشعوب باختالف مشاربها‪ ،‬والرقي لمن يحرز‬
‫أكبر قدر من المشاركة الفعالة في تقدم اإلنسانية‪.‬‬
‫د‪-‬المساهمة في إعداد الطالب المسلم المواكب لتطور العلوم والمعرفة‬
‫ولكي يواكب الطالب الجامعي لجميع المتغيرات العالمية الحديثة‪ ،‬سعت‬
‫الجامعة بأن تشمل متطلباتها مادة علم الحاسوب‪ ،‬ومادة شبكة المعلومات الدولية‬
‫(اإلنترنت)‪ ،‬في السنتين الثالثة والرابعة علي التوالي‪ ،‬وتعميمها علي جميع الكليات‬
‫النظرية والعملية‪ ،‬وقد أبدي طالب الكليات النظرية ( اللغة العربية والتربية‪ ،‬واإلدارة‬
‫واالقتصاد‪ ،‬والحقوق ) اهتماما بهذه المتطلبات العصرية‪ ،‬مما يثبت إمكانية الرفع من‬
‫مستوي جميـع الطالب للتعامل مع أحدث التقنيات العلمية‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫الوصول إلي أحدث األبحاث العلمية التي توفرها شبكة المعلومات الدولية‪.‬‬
‫من المقترحات التي يمكن أن تقلل من تحديات للعولمة للنظام التربوي العربي‬
‫اإلسالمي ما يلي‪:‬‬
‫إجراء دراسات علمية للجوانب المختلفة لعمليات العولمة من أجل الوصول‬
‫إلى فهم حقيقي للعولمة كظاهرة كونية لها بصماتها السياسية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫والثقافية‪ ،‬ومحاولة التمييز بين العولمة واألمركة‪ ،‬وذلك تجاوزا للخطأ الذي وقعت فيه‬
‫الشعوب النامية من عدم دراستها لظواهر مثل االستعمار‪ ،‬والتصنيع‪ ،‬والتحديث‪،‬‬
‫ولكنها تأثرت بنتائج هذه الظواهر بشكل كبير‪.‬‬
‫محاولة المساهمة في العولمة‪ ،‬وذلك لتجاوز عمليتي االنبهار واإلحباط الذي‬
‫يسيطر على المثقفين في شاد في تعاملهم مع مظاهر العولمة‪ ،‬وكأنها عمليات ساقطة‬
‫من السماء ليس لإلنسان الحق في فهمها ومحاولة المشاركة فيها‪ ،‬فالعولمة –‬
‫حسب فهمي‪ -‬عملية ذات طابع دولي‪ ،‬وبالتالي من حق أي دولة أن تشارك فيها عن‬
‫طريق المساهمة في األحداث اإلقليمية وخلق تكتالت اقتصادية وسياسية وثقافية‬

‫‪544‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫يمكنها المشاركة بفعالية في األحداث الدولية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬يمكن للدولة‬
‫الشادية أن تساهم في العولمة أيضا عن طريق إتاحة الفرصة للباحثين والمثقفين‬
‫للمشاركة في المؤتمرات الدولية والندوات العلمية العالمية‪ ،‬وفي البداية قد تبدوا هذه‬
‫المساهمة متواضعة‪ ،‬ولكنها ومن خالل الخبرات المكتسبة من هذه المشاركة يمكن‬
‫أن تخلق أسسا للمساهمة الفعالة في ظاهرة العولمة في المستقبل‪.‬‬
‫محاولة حماية اإلطار العام للدولة الشادية من خالل االستجابة للحاجات‬
‫المحلية‪ ،‬وعدم تنازل الدولة عن وظائفها في حماية الوحدة الوطنية‪ ،‬وعدم التخلي‬
‫عن الخدمات االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬واعتبار ذلك من المطالب الشعبية التي ال‬
‫يمكن تجاوزها ثمنا للدخول في العولمة‪ ،‬واإلصرار في المفاوضات مع قنوات‬
‫العولمة‪ ،‬مثل‪ :‬صندوق النقد الدولي وغيره‪ ،‬على أن هذه المشاريع الوطنية شرط من‬
‫شروط االستقرار السياسي الالزم للدخول في العولمة‪.‬‬
‫المحافظة على الهوية الثقافية للمجتمع الشادي‪ ،‬واعتبار ذلك من الموروثات‬
‫األساسية المكونة للبناء االجتماعي الشادي‪ ،‬ومن أهم مظاهره الحفاظ على األسرة‪،‬‬
‫باعتبارها اللبنة األولى للمجتمع‪ ،‬مع نشر التسامح وقبول اآلخر في إطار التعددية‬
‫الثقافية واللغوية والدينية‪ ،‬التي يتميز بها المجتمع الشادي‪.‬‬
‫سابعا‪-‬تكيف النظام التربوي العربي اإلسالمي مع النظام‬
‫الفصلي‪L.M.D‬‬
‫ظهر من خالل تحليل المشكالت التي يواجهها النظام التربوي العربي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬أن معظمها يرجع إلى خلل في الجوانب التنظيمية‪ ،‬المتمثلة في ضعف‬
‫اإلرادة السياسية نحو تكييفه مع النظام التربوي العام في البالد‪ ،‬وهو إرث ثقيل نالته‬
‫الدولة الشادية من االستعمار الفرنسي‪ ،‬ألن النظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬هو‬
‫نفسه الذي كان سائدا في شمال شاد‪ ،‬وسمح الفرنسيون له بالتكيف مع النظم‬

‫‪545‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫التربوية الحديثة‪ ،‬وكذلك األمر في لبنان وسوريا‪ ،‬وانظمة تربوية متعددة اللغات مثل‪:‬‬
‫كندا وبلجيكا والكمرون المجاورة‪ ،‬وقد تكيفت النظم التربوية في هذه المناطق‪،‬‬
‫تحت اإلدارة الفرنسية‪ ،‬مع النظم التربوية الحديثة إلى اآلن‪.‬‬
‫ولكن األمر في شاد‪ ،‬رغم دراسته وتحديده من قبل خبراء فرنسيين(مثل‪:‬‬
‫دمراس ‪ ، Michel Daniel de MIRAS‬وعكاري)‪ ،‬واالعتراف به من قبل‬
‫السلطات الشادية بعد االستقالل‪ ،‬إال أن اإلرادة السياسية‪ ،‬قررت أن تجعل من‬
‫الجهل حاجزا بشريا‪ ،‬بين المد الثقافي العربي اإلسالمي‪ ،‬والوجود الفرانكوفوني‪،‬‬
‫ضحيته حوالي مليونان من البشر الشاديين أيام اإلستعمار (الشمال الشادي‬
‫المسلم)‪ ،‬ووصل عددهم اآلن إلى أكثر من ستة ماليين‪ ،‬لهم صعوبات تربوية في‬
‫التكيف مع النظام التربوي الشادي قبل النظام الفصلي الجامعي ‪L.M.D.‬‬
‫ولكن النجاحات التي حققها النظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬في التكيف مع‬
‫النظام التربوي العام منذ عام ‪1982‬م‪ ،‬في محاوالت توحيد المنهج الدراسي واإلدارة‬
‫المدرسية‪ ،‬مما جعل النظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬يرشح طالبه للشهادة الثانوية‬
‫العامة الشادية الموحدة‪ ،‬ويتساوون بالتالي مع زمالئهم في الدخول إلى مؤسسات‬
‫التعليم العالي الشادية‪.‬‬
‫كل ذلك شجع على تقوية نقاط التقارببين النظام التربوي العربي اإلسالمي‪،‬‬
‫والنظام الفصلي ‪L.M.D‬في التعليم العالي الشادي‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ‪-‬تقارب في الغاية‪ ،‬بين ما تريده الدولة الشادية من تطبيق النظام الفصلي‬
‫‪L.M.D‬في التعليم العالي‪ ،‬فالدولة في دستور‪2018‬م‪ ،‬المادة‪ 38‬تقرر" التعليم‬
‫حق لكل مواطن"‪ ،‬والبند رقم ‪ 4‬من قانون‪ 16‬الصادر بتاريخ‪2006/03/13‬م‪،‬‬
‫ينص على أن‪" :‬التربية والتكوين حق معترف به للجميع بدون تمييز في العمر والنوع‬
‫واإلقليم‪ ،‬والوضع االجتماعي والعرقي والديني"‪ ،‬ونفس الغاية نجدها في النظام‬

‫‪546‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫(الفلق‪.)1:‬‬ ‫"إقرأ"‬ ‫بغاية‪:‬‬ ‫يبدأ‬ ‫فالقرآن‬ ‫اإلسالمي‪،‬‬ ‫العربي‬ ‫التربوي‬


‫ب‪ -‬االنتظام‪ :‬الدراسة السابقة أوضحت أن النظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬والنظام‬
‫الفصلي في التعليم العالي‪ ،‬يتميزان بخصائص ومميزات األنظمة التعليمية المتعارف‬
‫عليها في العالم(توفر عناصر العملية التدريسية‪ :‬الطالب ‪ +‬القيادة ‪ +‬المعلم ‪+‬‬
‫المقرر)‪ ،‬مما يسهل التقارب بينهما في التطبيق العملي‪ ،‬وخير مثال‪ :‬االنسياب‬
‫والمرونة التي وجدها‪ ،‬الطالب والقيادة التربوية في جامعة الملك فيصل‪ ،‬في تكيفها‬
‫مع النظام الفصلي‪ ،‬منذ العام الجامعي‪2015/2014‬م‪ ،‬وتخرج أول دفعة على‬
‫أساسه في العام الجامعي‪2018/2017‬م‪ ،‬وهو نفس االنسياب والتكف الذي تم‬
‫في جامعة أنجمينا‪ ،‬كما أوضحنا في الدراسة الميدانية التي أجريناها على الدفعة‬
‫األولي من خريجي كلية العلوم التربوية على النظام الفصلي‪2016/2015‬م‪.‬‬
‫ج‪ -‬حتمية اإلقليم الجغرافي‪ ،‬اعتراف النظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬بحتمية‬
‫المحيط الجغرافي اإلفريقي‪ ،CEMAC‬واعتراف النظام التربوي العام في شاد‬
‫بتكيف جزء من نظامه التربوي مع محيطه الجغرافي العربي اإلسالمي‪ ،‬أديا إلى تقارب‬
‫النظامين التربويين‪ ،‬في التمسك بما اتفق عليه إقليم وسط شاد من تكيف مع النظام‬
‫التربوي العالمي‪ ،‬وتمثل ذلك في تعميم النظام الفصلي ‪ L.M.D‬على جميع دول‬
‫اإلقليم‪ ،‬بغض النظر عن اختالف نظمهم ولغات تعليمهم التربوية‪.‬‬
‫وهذا ال يعني عدم وجود نقاط تباعد واختالف بين النظام التربوي العربي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬والنظام الفصلي ‪ L.M.D‬في المحتوى‪ ،‬حيث أن‪:‬‬
‫أ‪-‬النظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬يعتمد على التربية اإلسالمية‪ ،‬بينما يقوم‬
‫النظام الفصلي على ترقية األخالق المحايدة العلمانية‪.‬‬
‫ب‪ -‬النظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬يعتمد من الناحية الفكرية على النواحي‬
‫الروحية والمادية‪ ،‬بينما يرتكز النظام الفصلي على النواحي التجريدية والمادية‪.‬‬

‫‪547‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ج‪ -‬النظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬يعتمد على ما يريده التجمع االجتماعي‬
‫(األسرة ‪ +‬الجماعة ‪ +‬المجتمع المحلي)‪ ،‬بينما يعتمد النظام الفصلي على ما يريده‬
‫الطالب = أداء الطالب‪.‬‬
‫ومع ذلك هناك نقاط اعتماد متبادل(تكيف)بين النظامين‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬المواطنة والعيش المشترك‪ ،‬بين أبناء البلد الواحد‪ ،‬تجبر النظامين التربويين‬
‫على المرونة‪ ،‬والتنازل عن بعض نقاط التباعد في الرؤية والرسالة واألهداف التربوية‪،‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬يمكن التكيف بين الجوانب الروحية والمادية التي يركز عليها كال‬
‫النظامين‪ ،‬ففي مجال إتاحة الفرصة لتعليم الفتاة بغض النظر عن الجوانب الروحية في‬
‫اإلختالط‪ ،‬يمكن تكييفه‪ ،‬بالفصل الجزئي بين البنين والبنات‪ ،‬كما حدث في تجربة‬
‫جامعة الملك فيصل‪ ،‬طيلة الربع قرن الماضي‪ ،‬ونفس التكيف يمكن أن يحدث في‬
‫تطبيق اللياقة البدنية وتعميمها على الطلبة والطالبات‪ ،‬بفصل جزئيا بين الطرفين‬
‫واختيار األنماط المناسبة للرياضة في البداية‪ ،‬مما يمكن من تحقيق الهدف‬
‫المادي(اللياقة) والروحي(العفة) في نفس الوقت‪ ،‬فطالما وجد تقارب بين النظامين‬
‫في الغايات والنظم وحتمية المحيط التربوي‪ ،‬يتوقع أن يتبع تعزيز ذلك‪ ،‬بتوافق في‪:‬‬
‫‪ -‬الرؤية (التوافق على قبول روح اإلسالم في النظام الفصلي الجامعي‬
‫‪)L.M.D‬‬
‫‪ -‬الرسالة(التوافق على تغيير منهج النظام التربوي اإلسالمي‪ ،‬في االنتقال من‬
‫التركيز على التلقين‪ ،‬واالتجاه نحو التطبيق والتدريب والتأهيل)‬
‫‪-‬األهداف( أن ينطلق النظام التربوي العربي اإلسالمي من رغبة الطالب‪ ،‬بدل‬
‫رغبة األسرة‪ ،‬بمعنى‪ ،‬أن يتحول الناتج التربوي‪ ،‬من إرضاء رغبة الوالدين‪ ،‬إلى تحقيق‬
‫ذات الطالب دراسيا)‪.‬‬

‫‪548‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ب‪-‬االلتزامات الدولية‪ ،‬على النظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬بجميع‬


‫مؤسساته التربوية‪ ،‬أن يقتنع بأهمية اإللتزامات الدولية للدولة الشادية‪ ،‬مع المؤسسات‬
‫الدولية المختلفة‪ ،‬بما فيها منظمة السيماك ‪ CEMAC‬التي لدولة شاد عضوية‬
‫إقليمية فيها‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإن النظام الفصليفي التعليم العالي ‪ ،L.M.D‬يطبق على‬
‫التعليم العالي بشقيه العربي والفرنسي‪ ،‬وبدون شروط أو إعاقات عقائدية أو طائفية‪،‬‬
‫وهذا يتطلب من النظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬أن يأخذ بعين االعتبار متطلبات‬
‫االلتزامات الدولية‪ ،‬فيما يتعلق بالمعادالت واالتفاقيات التربوية‪ ،‬التي يتضمنها نظام‬
‫الساعات المعتمدة‪ ،‬خاصة العناية بالتوجيه التربوي نحو التنمية المستدامة‪ ،‬وعلى‬
‫نظام الساعات المعتمدة‪ ،‬أن يأخذ بعين االعتبار المواد والمتطلبات التي تكون‬
‫مالئمة للنظام العربي اإلسالمي‪ ،‬ويجعلها ضمن إختياراته‪ ،‬ليتيح للطالب في النظام‬
‫التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬أن يجدوا رغباتهم‪ ،‬ضمن المواد والمقررات المطلوبة في‬
‫التخصصات المعروضة‪.‬‬
‫ج‪-‬تطلعات المستقبل‪ ،‬تسعى إلى التكيف بين النظامين التربويين‪ ،‬فالنظام‬
‫التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬يريد أن يعد ويدرب الطبيب‪ ،‬والمهندس‪ ،‬والطيار‪ ،‬والنجار‪،‬‬
‫والمعلم المسلم‪ ،‬والنظام الفصلي الجامعي يتطلع إلى نفس الهدف‪ ،‬دون تمييز بين‬
‫الطالب في التعليم والتدريب والتأهيل‪ ،‬فكل حسب أدائه وكفاءته‪ ،‬يقوم ويقيم ويمنح‬
‫الشهادات التي يستحقها‪ ،‬وهذا يتطلب من النظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬أن يركز‬
‫على حاجات التالميذ في المراحل ما قبل الجامعة‪ ،‬وعلى أداء الطالب في نظام‬
‫الساعات المعتمدة في الجامعة‪ ،‬وعلى النظام الفصلي ‪ L.M.D‬أن يراعي خصوصية‬
‫النظام التربوي العربي اإلسالمي في مصاحبة مواد التربية اإلسالمية المعدلة‪ ،‬ضمن‬
‫ساعاته المعتمدة‪.‬‬

‫‪549‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫جدول رقم ( ‪ ) 12‬يوضح مظاهر التقارب والتباعد والتكيف بين النظامين‬


‫التربويين في شاد‬
‫العربي اإلسالمي والساعات المعتمدة‪L.M.D‬‬
‫طبيعة النظام‬
‫المظاهر‬
‫الفصلي الجامعي ‪L.M.D‬‬ ‫العربي اإلسالمي‬
‫‪-1‬اإلنتظام‬ ‫أ‪-‬التعليم للجميع‬
‫‪-2‬التعليم للجميع‬ ‫ب‪-‬اإلنتظام‬ ‫التقارب‬
‫‪-3‬التعليم للجميع‬ ‫ج‪-‬التأقلم مع المحيط‬
‫‪-1‬الحيادية=العلمانية‬ ‫أ‪-‬التربية اإلسالمية‬
‫‪-2‬التجريدية المادية‬ ‫ب‪-‬الروحية المادية‬ ‫التباعد‬
‫‪-3‬أداء الطالب‬ ‫ج‪-‬التجمعات االجتماعية‬
‫‪-1‬تطلعات المستقبل‬ ‫أ‪-‬المواطنة= العيش المشترك‬
‫‪-2‬المواطنة= العيش المشترك‬ ‫ب‪-‬اإللتزامات الدولية‬ ‫التكيف‬
‫‪-3‬اإللتزامات الدولية‬ ‫ج‪-‬تطلعات المستقبل‬

‫‪550‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الخالصة‬
‫تناولت الوحدة النظام التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬فوضحت بنويويته ووظيفته‬
‫وانتظامه‪ ،‬وفق قواعد وأسس النظام االجتماعي التربوي‪ ،‬وعالقاته بالنظم األخرى‪،‬‬
‫خاصة النظم االقتصادية والسياسية للمسلمين في شاد‪ ،‬ومدى دعمها للنظام التربوي‬
‫العربي اإلسالمي‪ ،‬مع تقديم للمشكالت التربوية التي تعترض النظام التربوي العربي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ومدى الحاجة إلى دراسة مظاهر التكيف مع النظام التربوي العام في شاد‬
‫عامة‪ ،‬والنظام الفصلي في التعليم العالي خاصة‪.‬‬

‫‪551‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المصادر والمراجع‬
‫أوال‪ :‬المصادر والمراجع العربية‬
‫‪-1‬إبراهيم‪ ،‬المدير‪/‬أ‪.‬دينار‪ :‬إدارة التعليم بالمجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪،‬‬
‫تقرير بتاريخ ‪2018/02/21‬م‪.‬‬
‫‪-2‬إبراهيم‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل عبد الرازق‪ :‬المسلمون واالستعمار األوربي إلفريقيا‪،‬‬
‫عدد (‪ )139‬سلسلة عالم المعرفة يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون‬
‫واآلداب‪ ،‬الكويت‪( ،‬يوليو‪.) 1989 ،‬‬
‫‪-3‬أحمد‪،‬د‪-‬عدنان إبراهيم‪ :‬ود‪ .‬محمد المهدي الشافعي‪ :‬علم االجتماع‬
‫التربوي؛اإلنساق االجتماعية التربوية‪ ،‬منشورات جامعة سبها نسبها‪2001،‬م‪.‬‬
‫‪-4‬أحمد‪ ،‬عبد السميع سيد‪:‬دراسات في علم االجتماع التربوي‪ ،‬دار المعرفة‬
‫الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪.1993 ،‬‬
‫‪-5‬إسماعيل‪ ،‬د‪/‬قباري‪ :‬أميل دوركايم مؤسس علم االجتماع المعاصر نظريا‬
‫وتطبيقيا‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪1976 ،‬م‪.‬‬
‫‪-6‬اإلمام‪ ،‬سلمى‪ :‬صنع السياسة العامة في الجزائر‪،‬دراسة حالة السياسة‬
‫التعليمية الجامعية ‪2007-1999‬م‪(،‬غير منشورة)‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماحستير‬
‫في العلوم السياسية والعالقات الدولية‪ ،‬جامعة بن يوسف بن خدة‪ ،‬الجزائر‪2007،‬م‪.‬‬
‫‪-7‬إيان‪:‬النظرية االجتماعية من بارسونز إلى هابرماس‪( ،‬ترجمة محمد حسين‬
‫غلوم) عالم المعرفة‪ ،‬ع (‪ ،)244‬الكويت‪1999،‬‬
‫‪-8‬أيوب ب‪ ،‬د‪/‬محمد صالح‪:‬جماعات التحديث االجتماعي في وسط‬
‫إفريقيا‪ ،‬مطبعة المعرفة‪ ،‬القاهرة‪1991 ،‬م‪.‬‬

‫‪552‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-9‬أيوب ج‪ ،‬محمد صالح‪ " :‬تحديات التذويب الثقافي الفرنسي للثقافة‬


‫العربية في إفريقيا " مجلة الثقافة العربية‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬السنة السابعة عشر‪ ،‬بنغازي‪،‬‬
‫‪1990‬م‪ ،‬ص ص ‪.19 -11‬‬
‫‪-10‬أيوب د‪ ،‬د‪ /‬محمد صالح‪:‬الدور االجتماعي والسياسي للشيخ عبد الحق‬
‫السنوسي الترجمي في دار وداي – شاد‪ ،‬منشورات جمعية الدعوة اإلسالمية‪،‬‬
‫طرابلس‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪-11‬أيوب ه‪ ،‬محمد صالح‪:‬مجتمعات وسط إفريقيا بين الثقافة العربية‬
‫والفرانكفونية‪ ،‬مركز البحوث والدراسات األفريقية‪ ،‬سبها‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫مكتبة‬ ‫االجتماعية‪،‬‬ ‫العلوم‬ ‫مصطلحات‬ ‫‪-12‬بدوى‪،1‬د‪.‬زكي‪:‬معجم‬
‫لبنان‪،‬بيروت‪1978،‬م‪،‬ص‪.384‬‬
‫‪-13‬بدوي‪،2‬د‪/‬عبد الرحمن‪:‬منهاج البحث العلمي‪ ،‬النهضـة العـربيـة‪،‬‬
‫القاهرة‪،‬ط‪1977 ،3‬م‬
‫‪14‬بزاز‪ ،‬عبد الكريم‪ :‬علم اجتماع بيار بورديو‪ ،‬شهادة لنيل دكتوراة العلوم(غير‬
‫منشورة)‪،‬جامعة منتوري‪-‬قسنطينة‪-‬الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية‪2007-2007‬م‪ ،‬ص‬
‫ص ‪.115-99‬‬
‫‪-15‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪:‬الدرر النضيدة في أوجه عثمان‪ ،‬مخطوطة‪،‬‬
‫خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-16‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪ :‬رسالة البيان فيما اختص به قالون عن‬
‫عثمان‪ ،‬مخطوطة‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-17‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪:‬الدرر المنثورة في تقريب رواية الدوري‪،‬‬
‫مخطوطة‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬

‫‪553‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-18‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪:‬القواعد االدائية فيما خالف فيه شعبة حفظا‬
‫من طريق الشاطبية‪ ،‬مخطوطة‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا– شاد‪.‬‬
‫‪-19‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪:‬رسالة تحرير الراءات في طريق الروايات‪،‬‬
‫مخطوطة‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-20‬البيلى‪،‬أ‪.‬د‪.‬عثمان سيد أحمد‪:‬فهرست المخطوطات العربية‪،‬مشروع بحث‬
‫شمال نيجيريا‪ ،‬دار جامعة الخرطوم للنشر‪ ،‬الخرطوم‪.1984 ،‬‬
‫‪-21‬الترجمي‪ ،‬الشيخ عبد الحق‪:‬الدولة الوداوية اإلسالمية‪ ،‬من ملخص‬
‫للمخطوط قدمه األستاذ ‪ /‬عثمان على محمد‪ ،‬في مخطوط له بعنوان‪ :‬لمحات من‬
‫التاريخ الشادي اإلسالمي‪ ،‬المعهد الوطني للعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة شاد‪ ،‬رقم (‪.)40‬‬
‫‪-22‬الترجمي‪ ،‬الشيخ عبد الحق السنوسي‪:‬رسالة تبصرة الحيران من هول فتن‬
‫الزمان‪ ،‬مخطوطة‪ ،‬المعهد الوطني للعلوم اإلنسانية‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-23‬تشوداك‪ ،‬سيمون‪ :‬النمو المجتمعي ؛ خمسة منطلقات مع نتائج التحليل‬
‫المقارن‪ ( ،‬ترجمة‪ :‬عبد الحميد الحسن ) منشورات وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪،‬‬
‫دمشق‪1980 ،‬‬
‫‪-24‬التونسي‪ ،‬محمد بن عمر‪:‬تشحيذ األذهان بسيرة بالد العرب والسودان (‬
‫تحقيق‪ :‬د‪.‬خليل عساكر‪ ،‬د‪ .‬مصطفى مسعد ) الدار المصرية للتأليف والترجمة‪،‬‬
‫القاهرة ‪1965‬‬
‫‪-24‬التير‪ ،‬د‪ /‬مصطفي عمر‪ :‬مقدمة في مبادئ وأسس البحـث االجتماعي‪،‬‬
‫المنشأة الشعبية‪ ،‬طرابلس‪(،‬ب‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪-25‬تومبالباي‪ ،‬فرانسوى‪ :‬قرار رئاسي رقم( ‪،1095‬بتاريخ‪،)1966/04/19‬‬
‫يحدد الدعم المالي من الدولة للمدارس القرآنية وعدد التالميذ والمدراء‪ ،‬في جميع‬
‫أراضي الجمهورية الشادية‪(.‬بالفرنسية‪-‬ترجمة الباحث)‬

‫‪554‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-26‬التونسي‪ ،‬الشيخ محمد بن عمر‪:‬تشحيذ األذهان بسيرة الغرب‬


‫والسودان‪ ،‬مخطوطة جامعة الرياض تاريخ النسخ ‪1275‬هـ كتبه عبد الحميد نافع‬
‫تحت رقم عام (‪ )75‬ورقة ‪186‬ب‪.‬‬
‫‪-27‬جامل‪،‬د‪ -‬عبد الرحمن عبد السالم‪:‬الكفايات التعليمية‪ ،‬دار المناهج‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬ط ‪2001 ،2‬م‪.‬‬
‫‪-28‬الجقندى‪،‬د‪ -‬عبد السالم عبد اهلل‪ :‬دليل المعلم العصري في التربية‬
‫وطرق التدريس‪ ،‬دار قتيبة‪ ،‬دمشق‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪-29‬الجفاتري‪ ،‬محمد عبد السالم‪:‬مشكالت الحضارة عند مالك بن نبي‪،‬‬
‫الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫‪-30‬الجهيني‪ ،‬عبدا هلل محمد‪:‬في دراسة له عنوان‪ ،‬سوء التكيف الدراسي‬
‫واألسرة‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬كلية التربية‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬مكة المكرمة‪1402 ،‬هـ‪،‬‬
‫(غير منشورة)‬
‫‪-31‬الجهني‪،‬د‪/‬مانع بن حماد‪ :‬الوسطية اإلسالمية في مواجهة العولمة‪ ،‬رابطة‬
‫العالم اإلسالمي‪،‬مكة المكرمة‪1419،‬هـ‪،‬ص ‪.3‬‬
‫‪-32‬جلبي‪،‬د‪ .‬علي عبد الرازق‪ ،‬د‪ /‬حسن محمد حسن‪:‬علم االجتماع الطبي‪،‬‬
‫دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪-33‬جمهورية شاد‪ :‬اإلحصاء السكاني العام‪ ،‬سنة ‪1993‬م‪ ،‬أنجمينا‪ ،‬المجلد‬
‫الثالث‪.‬‬
‫‪-34‬الجوالني‪ ،‬فادية عمر‪:‬علم االجتماع التربوي‪ ،‬مركز االسكندرية‬
‫للكتاب‪،‬االسكندرية‪.1997،‬‬
‫‪-35‬جلبي‪ ،‬علي عبد الرزاق‪ :‬االتجاهات األساسية في نظرية علم االجتماع‪،‬‬
‫دار المعرفة الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪ 1993،‬م‪.‬‬

‫‪555‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-36‬الجوهري‪ ،‬د‪ /‬محمد‪ :‬المدخل إلى علم االجتماع‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1984‬م‪.‬‬
‫‪-37‬الجوهري‪،‬د‪/‬محمد محمود‪ ،‬د‪/‬عبد اهلل الخريجي‪:‬طرق البحث‬
‫االجتماعي‪ ،‬دار الثقافة والنشر‪،‬القاهرة‪1984 ،‬‬
‫‪-38‬جيراميز‪ ،‬جين‪ :‬تفهم العالقات بين الجماعات‪( ،‬ترجمة‪ :‬عدلي سليمان)‪،‬‬
‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫‪-39‬الحبو‪ ،‬د‪ /‬محمد أحمد‪ " :‬اللغة العربية ومثقفيها في شاد " من أعمال‬
‫المؤتمر الوطني المستقل‪ ،‬أنجمينا‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪-40‬ابن خلدون‪ ،‬العالمة عبد الرحمن بن محمد‪:‬مقدمة ابن خلدون‪ ( ،‬مهد‬
‫لها‪ ،‬ونشر الفصول والفقرات الناقصة من طبعاتها وحققها‪ ،‬وضبط كلماتها وشرحها‬
‫وعلق عليها‪ ،‬وعمل فهارسها أ‪.‬د‪/‬علي عبد الواحد وافي )دار نهضة مصر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1979‬م‪.‬‬
‫‪-41‬دسوقي‪ ،‬د‪ .‬كمال‪ :‬االجتماع ودراسة المجتمع‪ ،‬مكتبة اإلنجلو المصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪1971 ،‬م‬
‫‪-42‬الدوري‪ ،‬د‪ .‬عدنان‪ :‬أسباب الجريمة وطبيعة السلوك اإلجرامي‪ ،‬ذات‬
‫السالسل‪ ،‬الكويت‪.1984 ،‬‬
‫‪-43‬الدكوالدكتور‪/‬فضل كلود‪ :‬الثقافة اإلسالمية في شاد في العصر الذهبي‬
‫إلمبراطورية كانم‪ ،‬منشورات جمعية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬طرابلس‪.1988 ،‬‬
‫‪-44‬درويش‪ ،‬كمال السيد‪ :‬تربية الموهوبين‪ ،‬منشورات جامعة قاريونس‪،‬‬
‫بنغازي‪.1970 ،‬‬
‫‪-45‬الدنفاسي‪،‬الشيخ العباس بن فاضل‪:‬الفرود في القرآن الكريم‪ ،‬مخطوط‪،‬‬
‫خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا‪ ،‬شاد‪.‬‬

‫‪556‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-46‬الدنفاسي‪،‬الشيخ العباس بن فاضل‪:‬الجاري على قارئ‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة‬


‫الباحث‪ ،‬أنجمينا‪ ،‬شاد‪.‬‬
‫‪-47‬دهب‪،‬يوسف‪:‬منشور رقم(‪ )241‬الصادر من إدارة التعليم العربي‪،‬‬
‫توصيف الهيكل اإلداري إلدارة التعليم العربي بالوزارة‪ ،‬بتاريخ ‪1982/12/01‬م‬
‫‪-48‬رفاعي‪ ،‬د‪ /‬عبد العزيز‪:‬إفريقيا والعالقات السياسية الدولية في عهد‬
‫االستقالل‪،‬مكتبة االنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪19700 ،‬‬
‫‪-49‬روجرز‪،‬افريت‪:‬االفكار المستحدثة وكيف تنتشر‪ ( ،‬ترجمة‪ :‬سامي فاشر )‬
‫عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪1962.،‬‬
‫‪-50‬الزيودي‪ ،‬القوني عبدالجليل عبدالكريم‪:‬الفصل االنور في تمثيل السور‪،‬‬
‫مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا‪ -‬شاد‪.‬‬
‫‪-51‬الزيودي‪ ،‬القوني عبدالجليل عبدالكريم‪ :‬المدنيات‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة‬
‫الباحث‪ ،‬أنجمينا‪ -‬شاد‪.‬‬
‫‪-52‬صابر‪،‬د‪/‬حلمي عبد المنعم‪:‬منهجية البحث العلمي‪ ،‬كتاب دعـوة الحق‪،‬‬
‫مكة المكرمة‪1418 ،‬هـ‬
‫‪-53‬صابر‪ ،‬د‪ .‬محي الدين‪ ( :‬تقديم ) البداوة والبدو‪ ،‬دراسة ألحوالهم‬
‫االجتماعية واالقتصادية ووسائل توطينهم‪ ،‬سرس الليان‪1962 ،‬م‪.‬‬
‫‪-54‬ابن سليمان‪ ،‬محمد الوالي‪:‬المنهل‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة أيوب للمخطوطات‬
‫والوثائق العربية‪،‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬جامعة الملك فيصل‪ ،‬خزائن‬
‫مخطوطات أبشة‪2016،‬م‪.‬‬
‫‪-55‬ابن شريفة‪ ،‬د‪/‬محمد‪" :‬إبراهيم الكانمي أنموذج للتواصل الثقافي بين‬
‫بالد السودان والمغرب" من أعالم التواصل الثقافي بين بالد السودان‬
‫والمغرب‪،‬منشورات معهد الدراسات اإلفريقية‪ ،‬الرباط‪1999،‬م‪.‬‬

‫‪557‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-56‬شومان‪،‬د‪/‬محمد‪":‬عولمة اإلعالم والهوية الثقافية العربية الفرص‬


‫والتحديات "ندوة العولمة‪ ،‬جمعية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬طرابـلس‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪-57‬شلبي‪1‬أ‪ ،‬د‪.‬احمد‪:‬كيف تكتب بحثا أو رسالة‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،1989 ،‬ط‪20‬‬
‫‪-58‬شبلى‪2‬ب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪:‬موسوعة التاريخ اإلسالمي والحضارة اإلسالمية‪،‬‬
‫مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة ج ‪ ،6‬ط‪1975 ،2‬م‬
‫‪-59‬شلبي‪ ،3‬هند‪:‬القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس‬
‫الهجري‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪-60‬شوكت‪ ،‬فاطمة عثمان بشير‪ ":‬الغش في االمتحانات (األسباب والنتائج"‬
‫مجلة جامعة سبها‪-‬العلوم اإلنسانية‪ ،‬سبها‪ ،‬المجلد التاسع‪ ،‬العدد الثاني (‪2010‬م)‬
‫‪-61‬شومان‪،‬د‪/‬محمد‪":‬عولمة اإلعالم والهوية الثقافية العربية الفرص‬
‫والتحديات "ندوة العولمة‪ ،‬جمعية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬طرابـلس‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪-62‬شيخ المشائخ عبدالواحد‪:‬المحذوف في القرآن الكريم‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة‬
‫الباحث‪ ،‬أنجمينا‪ ،‬شاد‪.‬‬
‫‪-63‬صالح‪ ،‬أ‪.‬د‪.‬عبد اهلل بخيت‪ :‬تاريخ التعليم العربي النظامي في شاد‪،‬‬
‫بورصت الكتب‪ ،‬القاهرة‪2012،‬م‪.‬‬
‫‪-64‬صالح‪،‬إعداد‪/‬أ‪.‬د‪.‬عبد اهلل بخيت‪ :‬التقرير السنوي لجامعة الملك فيصل‬
‫بشاد‪ ،‬بتاريخ‪2018/02/21‬م‬
‫‪-65‬ضيف اهلل‪ ،‬محمد نور‪:‬كتاب الطبقات‪( ،‬تحقيق‪:‬د‪ .‬يوسف فضل حسن )‬
‫منشورات جامعة الخرطوم‪1992 ،‬م‬
‫‪-66‬طبيك‪ ،‬الشيخ احمد عبدالكريم الحسيني‪:‬القرآن السفري‪ ،‬مخطوط‪،‬‬
‫خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‬

‫‪558‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-67‬الطاهر‪ ،‬األستاذ‪ /‬محمد الطيب‪"،‬موقف المستعمر الفرنسي من التعليم‬


‫العربي في شاد‪ :‬الماضي والحاضر"صحيفة األضواء‪،‬العدد(‪)52‬السنة السابعة‪،‬‬
‫االثنين ‪2007/10/08‬م‪.‬‬
‫‪-68‬الطيبي‪ ،‬د‪.‬أمين‪ ( :‬وصول اإلسالم وانتشاره في كانم‪-‬برنو بالسودان‬
‫األوسط ) مجلة كلية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬طرابلس ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪-69‬عبد الكريم‪ ،‬عمرو‪" :‬العولمة‪ ..‬عالم ثالث على أبواب قرن جديد "‬
‫المنار الجديد‪.‬‬
‫‪-70‬عبد الباقي‪ ،1‬د‪ /‬زيدان‪ ،‬التفكير االجتماعي‪ ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬دار الفكر‬
‫العربي‪ ،‬القاهرة‪ 1981 ،‬م‪.‬‬
‫‪-71‬عبد الباقي‪ ،2‬د‪ .‬زيدان‪:‬قواعد البحث االجتماعي‪ ،‬مطبعة السعادة‪،‬‬
‫القاهرة‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪-72‬عبد الجليل‪ ،‬الشاطر بصيلي‪:‬تاريخ وحضارة السودان الشرقي واألوسط‬
‫من القرن التاسع إلى القرن التاسع عشر الميالدي‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫القاهرة‪1972 ،‬م‬
‫‪-73‬عبد الجواد‪ ،‬د‪ /‬أحمد رأفت‪:‬مبادئ علم االجتماع‪ ،‬مكتبة نهضة الشرق‪،‬‬
‫القاهرة‪ 1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪-74‬عبد الرحمن‪،‬عبد اهلل محمد‪ :‬مقدمة في علم االجتماع‪ ،‬مطبعة البحيرة‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪2010 ،‬م‪.‬‬
‫‪-75‬عثمان‪ ،‬القوني إدريس احمد‪:‬النظام التعليمي في الخالوي القرآنية‬
‫الشادية‪ ،‬بحث اعد الستكمال لمتطلبات مادة قاعة البحث سنة أولى دراسات عليا‬
‫تحت إشراف د‪.‬عبدالحميد أحمد بخيت‪ ،‬كلية اللغة العربية جامعة الملك فيصل‪،‬‬
‫العام الجامعي ‪2001/2000‬م‪(،‬غير منشور)‪.‬‬

‫‪559‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-76‬عودة ج‪ ،‬د‪/‬محمود‪:‬أسس علم االجتماع‪ ،‬مكتبة سعيد رأفت‪ ،‬القاهرة‪،‬‬


‫‪1983‬م‪0‬‬
‫‪-77‬غيث‪،‬د‪.‬محمد عاطف‪:‬قاموس علم االجتماع‪ ،‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪،‬القاهرة‪1979،‬م‪.‬‬
‫‪-78‬غورفيتش‪ ،‬جورج‪:‬األطر االجتماعية للمعرفة‪( ،‬ترجمة خليل أحمد خليل)‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1981،‬م‪.‬‬
‫‪-79‬علوان‪ ،‬عبد اهلل ناصح‪:‬معالم الحضارة في اإلسالم‪ ،‬دار السالم‪ ،‬جدة‪،‬‬
‫‪1984‬م‪.‬‬
‫‪-80‬عمارة‪ ،‬د‪ .‬حامد‪:‬في بناء البشر‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬القاهرة‪1968 ،‬م‪.‬‬
‫‪-81‬عودة‪ ،‬د‪ .‬عبد الملك‪ :‬السياسة والحكم في إفريقيا‪ ،‬مكتبة األنجلو‬
‫المصرية‪ ،‬القاهرة‪1959 ،‬م‪.‬‬
‫‪-82‬الفنيش‪،‬د‪ -‬أحمد علي‪:‬أصول التربية‪،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪-83‬ابن فرتو‪ ،‬األمام احمد‪ :‬أخبار وغزوات السلطان إدريس الومة‪ ،‬المطبعة‬
‫األميرية‪ ،‬كنو‪ ( ،‬ب‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪-84‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬دليل الحيران إلى قواعد‬
‫أبى سعيد عثمان‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-85‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬الفتح الرباني فيما‬
‫خالف فيه قالون ورشا من حرز األماني‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-86‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪:‬الهداية الربانية إلى ما‬
‫خالف فيه الدوري ورشا من طريق الشاطبية‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا –‬
‫شاد‪.‬‬

‫‪560‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-87‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬اإلرشادات الربانية إلى‬


‫ما خالف فيه عبداهلل بن كثير نافعا من طريق الشاطبية‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪،‬‬
‫أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-88‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪:‬بيان القراءات الشاذة‪،‬‬
‫مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-89‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪:‬إرشاد األخوان إلى‬
‫تفصيل الهمزتين لرواية أبي سعيد عثمان‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-90‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪:‬تاريخ القراء‪ ،‬مخطوط‪،‬‬
‫خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-91‬قنوص‪ ،‬د‪/‬صبحي محمد‪:‬علم دراسة المجتمع‪ ،‬الدار الجماهيرية‪،‬‬
‫مصراتة‪.1989 ،‬‬
‫‪-92‬القوصي‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز‪ :‬أسس الصحة النفسية‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪-93‬أبو كريشة‪ ،‬د‪ /‬عبد الرحيم‪:‬أساسيات علم االجتماع‪ ،‬مركز المحروسة‪،‬‬
‫القاهرة‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪-94‬كفاراكيوس‪ ،‬وليم‪ :‬انحراف األحداث‪( ،‬ترجمة‪ :‬د‪.‬عنايات زكي محمد )‬
‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1976 ،‬م‪.‬‬
‫‪-95‬الماحي‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحمن عمر‪ :‬شاد من االستعمار حتى االستقالل‪،‬‬
‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪.1982 ،‬‬
‫‪-96‬الماقوري‪ ،‬سالم أحمد‪ :‬المثل األعلى للمجتمع اإلنساني كما تحدث عنه‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬دار اقرأ‪( ،‬ب‪.‬م‪1985 ،) .‬م‪.‬‬

‫‪561‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-97‬مساءلة وزير التربية الوطنية‪ ،‬عبدالرحيم بريمة حامد‪ ،‬أمام البرلمان‬


‫الشادي‪ ،‬الميزانية المالية لعام ‪2002‬م‪.‬‬
‫‪-98‬المنجد‪ ،‬محمد صالح‪:‬مسائل في الدعوة والتربية‪،‬دار الوطن للنشر‪،‬‬
‫(ب‪.‬م )‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫المدرسي‪ ،‬محمد تقي‪:‬الفكر اإلسالمي مواجهة حضارية‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪.1975‬‬
‫‪-99‬محي الدين‪ ،‬د‪ .‬عمر‪:‬التخلف والتنمية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1975‬م‪.‬‬
‫‪-100‬ناصر‪ ،‬للدكتور‪ /‬بودبزة‪" :‬دراسة الفهم السوسيولوجي لظاهرة الرسوب‬
‫المدرسي‪ ،‬أزمة تلميذ أم تلميذ في أزمة" من جامعة قاصدي مرباح ورقلة‪ ،‬نشرها في‬
‫شبكة ضياء‪2017،‬م‪.‬‬
‫‪-101‬النجيحي‪،‬د‪ -‬محمد لبيب‪:‬دور التربية في التنمية االجتماعية‬
‫واالقتصادية للدول النامية‪ ،‬النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ 1981،‬م‪.‬‬
‫‪-102‬هاجن‪ ،‬افريت‪ :‬حول نظرية التغيير االجتماعي‪ ( ،‬ترجمة‪ :‬عبد المغنى‬
‫سعيد ) مكتبة االنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪1962 ،‬م‪.‬‬
‫‪-103‬وزارة التربية الوطنية الشادية‪ :‬المشروع الرابع للبنك الدولي‪ ،‬خلية‬
‫التفكير‪ ،‬عمل بعنوان "التفكير حول تنمية النظام التربوي الشادي " سبتمبر‬
‫‪1988‬م‪.‬‬
‫‪-104‬وزارة التربية والتعليم‪ ،‬قرار رقم (‪1994 )276‬م‪ ،‬والخاص بإدخال‬
‫الثنائية اللغوية في النظام التربوي الشادي‪ ،‬صدر في أنجمينا بتاريخ‬
‫‪1994/12/13‬م‪.‬‬

‫‪562‬‬
‫م‬2021 ‫محمد صالح أيوب‬/‫الباحث‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

،‫ تاريخ القراءات في المشرق والمغرب‬:‫محمد المختار‬.‫ د‬،‫ولد أباه‬-105


.189-186 ‫ ص ص‬،‫هـ‬1422/2002 ،‫ الرباط‬،‫منشورات االيسيسكو‬
‫أحمد فؤاد بلبع ) الهيئة‬:‫ (ترجمة‬،‫جذور الثورة األفريقية‬:‫ جاك‬،‫وودس‬-106
.‫م‬1971 ،‫ القاهرة‬،‫المصرية للكتاب‬

‫ المصادر والمراجع األجنبية‬:‫ثانيا‬


1-De MIRAS, Michel Daniel; Repoces A Mahamat Al-Bachir
Mahamat Ali Marouf,Almeria(Espagne),le 18 avril 2005
2-Chapelle jean ; le peuple tchadien ses racines et sa vie
quotidienne , L’harmattan, Paris ,1986.
3-Arrete N(1095) accordant des subventions aux Ecoles
Coraniques sur le Territoire de la Republique du Tchad, For-
Lamy, , le 19/04/1966
4-Conference sur l’identité Tchadienne , N’Djaména ,
.université du Tchad , 1991
5-Decree N (060)Portant creation et organization du
Baccalauriat de l,Enseignement Arabe, Ndjamena, le 06/061987
6-Arrete N(1412) Portant Reglementation de l,Enseigne ment
de l, Arabe, su sein de la Mosqee Roi Faycal, Ndjamena, le
25/08/1986
7-CONVNTION ET STATUT PARTICULIER DES
ETABLISSEMENTS D,ENSEIGNEMENT ISLAMIQUE
ASSOCIE,ENTRE LE GOUVERLEMENT DE LA
REPUBLIQUE DU TCHAD,REPRESENTE PAR LE MNISTRE
DE L,EDUCATIN NATIONALE ET LE CONSEIL SUPERIEUR
DES AFFAIRES ISLAMIQUES DU TCHAD, Ndjamena,
le25/08/2000
8-Kayar,IssaHassan:Le Refuse De l,Ecole
,Neuf,PARIS,1976,p.12.

9-Khayar Issa Hassan ,Regard sur les élites ouaddaïennes


,Paris,1984

563
‫م‬2021 ‫محمد صالح أيوب‬/‫الباحث‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

10-YAYA.MAHMOUD;ETAT DES LEUX DES


ETABLISSEMENTS D’ENSEGNEMENT SUPEURIEUR
TCHADIEN ET LE SYSTEME LMD.SEMINERE:MESRS:DU
:29 AOUT AU02 septembre 2007:PP¨.66
11-Directive N°01/06-UEAC-019-CM-14,Portant application
du Système LMD (Licence, Master, Doctorat) dans les Universités
et Etablissements d'enseignement supérieur de l'espace CEMAC;
12-Directive N°02/06-UEAC-019-CM-14,Portant
Organisation des Etudes Universitaires dans les l'espace CEMAC
dans les cadre du Système LMD.
13-Université Mentouri Constantine(ALGERIE) "La
Reforme LMD" 08/01/2008.

14-ARERETE N° /PR/PM/MESRSFP/SG/0
Portant Organisation des Etudes Universitaires dans les
cadre du Système LMD et leurs habilitation et évaluation .

15-ARETE, N 431\MEN\DG\91;portant creationd,une


commission chargee de l,Examacreation d,un Institut Superier de
LangueArabe.
:‫وكانت اللجنة مكونة من‬
‫ من إدارة جامعة أنجمينا رئيس مكتب الشؤون‬:‫عكاشة عبد الرحيم‬-
.‫رئيسا‬،‫األكاديمية والتعاون الدولي‬
‫عضوا‬،‫المدير العام النائب لوزارة التربية الوطنية‬:‫أحمد بين‬-
.‫عضوا‬،‫مدير التعليم الثانوي‬:‫يونس عبيده‬-
.‫ عضوا‬،‫أستاذ بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬:‫محمد صالح أيوب‬-
.‫ عضوا‬،‫أستاذ بالمعهد العالي للعلوم التربوية‬:‫إبراهيم إسحاق‬-
.‫ عضوا‬،‫رئيس المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‬:‫حسن حسين أبكر‬-
‫صدر‬.‫ عضوا‬،‫ أستاذ بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬:‫أحمد محمد موسى‬-
‫م‬1991\11\19 ‫القرار بتاريخ‬

564
‫م‬2021 ‫محمد صالح أيوب‬/‫الباحث‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

16.ARETEE,N299\men\seers\dg\92,PortantOuverture
d,un Etablissementd,EnseignementSuperieur
PROCESVERBALdelaRenionduSamedi23Novenbre1
991\men\dg\NDJAMENA,p.4---
17.DECREE,N017\PR\MEN\95PORTANTRECONEC
SSANCED,UTILITEPUBLIQUED,UNETABLISSEMENTPRIVEDE
NOMEUNIVERSITEROIFAYCAL(U.R.F.)
18. Ordonnance N° 26 /PR /71; Portant crèation et
Orientation de l,Université du For-Lamy, Du 27 /12/1971

19.Ferréol ,Gilles et autres ; Dictionnaire de


Sociologie Armand colin ,Paris ,2011.
20.Durkheim , Emile: Les règles de la méthode
sociologique , pres univer, de France, Paris, 1967

565
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬


‫حتقيق الذات االجتماعية دراسي الطالب النظام الرتبوي‬
‫العربي اإلسالمي اجلامعي‪ :‬دراسة ميدانية‬
‫• التمهيد‬
‫أوال‪ :‬املفاهيم‬
‫أ‪ -‬حتقيق الذات االجتماعية دراسيا‬
‫ب‪ -‬اجلامعة كنظام اجتماعي‬
‫ج‪ -‬نظام (‪)L.M.D‬‬
‫ثانيا‪ :‬اإلطار النظري لتحقيق الذات االجتماعية دراسيا لدى‬
‫طالب األقسام العربية يف التعليم العالي الشادي‬
‫أ‪ -‬نظرية بورديو‬
‫ب‪ -‬نظرية تريال‪TERRIAL‬‬
‫ج‪ -‬نظرية هاجن‬
‫ثالثا‪ :‬دخول نظام(‪ )L.M.D‬يف التعليم اجلامعي الشادي‬
‫أ‪ -‬منطلقات الدراسة‬
‫ب‪ -‬تطور التعليم العالي يف شاد‬
‫ج‪ -‬أطوار نظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪)L.M.D‬يف شاد‬
‫رابعا‪ :‬اإلجراءات املنهاجية لدراسة تكيف الطالب الدارس‬
‫بالعربية يف جامعة أجنمينا‬
‫أ‪ -‬أهداف الدراسة‬
‫ب‪ -‬فروض الدراسة‬
‫ج‪ -‬عمليات مجع البيانات‬
‫د‪ -‬حتليل البيانات‬
‫• اخلالصة‬
‫• املصادر واملراجع‬

‫‪566‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -‬التمهيد‬
‫يفترض نظام (‪ ،)L.M.D‬توفر عناصر نجاح رئيسية‪ ،‬تتمثل في التكيف مع‬
‫العالقة الرباعية‪ :‬القيادة‪ ،‬واألستاذ‪ ،‬والطالب‪ ،‬والمنهج‪ ،‬ولكن مالحظة أهمية هذه‬
‫العناصر‪ ،‬تختلف من طالب إلى آخر‪ ،‬فمن الطالب‪ ،‬من يرى أهمية كبرى‪ ،‬لعنصر‬
‫معين من هذه العناصر‪ ،‬دون غيره‪ ،‬ومنهم من يتجه اتجاها آخر‪ ،‬وبالتالي فإن بعض‬
‫الطالب‪ ،‬يعتبرون هذه العناصر معوقات لهم في تحقيق نجاحاتهم المعرفية‪ ،‬أي‬
‫تحقيق ذواتهم دراسيا‪ ،‬وهذا ما تحاول قياسه هذه الدراسة الميدانية‪ ،‬لطالب كلية‬
‫العلوم التربوية‪ ،‬جامعة أنجمينا‪ ،‬في العام الجامعي‪2016-2015‬م‪ ،‬أي ما مدى‬
‫تكيف الطالب الدارس باللغة العربية في كلية العلوم التربوية جامعة أنجمينا‪ ،‬مع هذه‬
‫العناصر التي يتطلبها نظام الدراسة الجديد؟‪.‬‬
‫أوال‪-‬مفاهيم الدراسة‬
‫أ‪-‬تحقيق الذات االجتماعية دراسيا‬
‫يقصد بتحقيق الذات االجتماعية دراسيا‪ ،‬قدرة المتعلم إلى الصعود في السلم‬
‫التعليمي‪ ،‬المتدرج في النظام التربوي لمجتمعه‪ ،‬المتجسد في المدرسة النظامية‬
‫الحديثة‪ ،‬وما يليها من مؤسسات التكوين والتدريب المستمر‪ ،‬وانعكاس ذلك‪ ،‬في‬
‫تحقيق األهداف اإلجرائية للمتعلم‪.‬‬
‫ويرتبط هذا المفهوم بمكانة الطالب‪ ،‬والمركز والمكانة االجتماعية للفرد‬
‫قديما‪ ،‬قد تكون موروثة أو مكتسبة‪ ،‬وترتبط بالمستوى االقتصادي أو السياسي أو‬
‫االجتماعي‪ ،‬ولكن النظام التربوي‪ ،‬كما يالحظ علماء االجتماع التربوي‪ ،‬أوجد‬
‫أوضاعا اجتماعية‪ ،‬ومقاييس تربوية جديدة‪ ،‬ربطت بين المستويات التعليمية‪ ،‬حسب‬
‫النظام التربوي‪ ،‬ومخرجاتها من الشهادات‪ ،‬والمراكز االجتماعية التي يشغلها الفرد‬

‫‪567‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫في السلم االجتماعي والوظيفي‪ ،‬للمجتمع الكبير والجماعة‪ ،‬والتي بها يحقق ذاته‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫والحاصل أن مقاييس ذات طبيعية مدرسية أو تربوية‪ ،‬غدت متغلغلة في حيز‬
‫من الحياة االجتماعية‪ ،‬تزداد اتساعا يوما بعد يوم‪ ،‬وفي مقدمة هذه المقاييس‪ ،‬أهمية‬
‫الشهادات الدراسية المختلفة‪ ،‬والتي صارت المقياس الرسمي‪ ،‬لتحديد قيمة األفراد‬
‫اجتماعيا‪ ،‬وبهذا غدا االمتياز المدرسي‪ ،‬مرادفا لالمتياز بمعناه الكوني المطلق‪ ،‬وهو‬
‫موقف مشترك بين ذوي الشهادة‪ ،‬أو بمعنى آخر‪ ،‬أصبح المستوى الدراسي‪ ،‬هو‬
‫الذي يحدد مكانة الفرد في نفسه وعند اآلخرين‪.‬‬
‫وقد أبرز بورديو‪ P.Bourdieu‬في كتاب (التميز على أساس التميز ‪La‬‬
‫‪ ،)Distinction‬الكيفية التي صاربها تصنيف درجات التمييز المتحكمة في‬
‫األذواق‪ ،‬متصال ال برأس المال المدرسي اتصاال موضوعيا فحسب‪ ،‬وإنما هو متصل‬
‫ذاتيا بالقيم المدرسية ذاتها‪ ،‬وذلك في المجاالت الفنية الجمالية‪ ،‬ومجاالت الحياة‬
‫عموما‪ ،‬مثل‪ :‬طرائق للباس والمعاش وغيرها‪ ،‬وعلى هذا األساس صارت األحكام‬
‫المتصلة بالجميل والقبيح‪ ،‬وهي أحكام صادرة عن ممثلي الثقافة الشرعية الرسمية‪،‬‬
‫من األسرة إلى المجتمع الكبير كليا‪ ،‬وحتى عن غيرهم جزئيا‪ ،‬أحكاما تستمد‬
‫مقاييسها الطبيعية االجتماعية من مقاييس التفاوت في الشهادات‪ ،‬أي التفاضل في‬
‫الحاصل من الوحدة المدرسي‪ ،‬ولعل هذه الظاهرة‪ ،‬تبلغ أوج ظهورها في تأثير سمات‬
‫مدرسية‪ ،‬في مجاالت تربوية كثيرة‪ ،‬بعيدة في األصل من مجال المدرسة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫المكانة االجتماعية والمركز االجتماعي‪.‬‬

‫‪568‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ب‪-‬الجامعة كنظام اجتماعي‬


‫إن الجامعة منظمة لها سماتها الفريدة‪ ،‬من حيث البناء االجتماعي والفعاليات‬
‫والهيكل واألهداف‪ ،‬وهذا يجعلها مختلفة عن بقية المنظمات‪ ،‬حتى التعليمية منها‪،‬‬
‫حيث أن أهداف التنظيم الجامعي‪ ،‬في تطوره عبر المراحل التاريخية تبلورت باتجاه‬
‫خدمة المجتمع‪ ،‬وبالتالي اتسعت فعاليات الجامعة وتنوعت‪ ،‬مع تقدم المجتمع ونمو‬
‫المعرفة‪ ،‬ولذلك ازداد الهيكل التنظيمي للجامعة تعقيدا‪ ،‬واتسم بناؤها االجتماعي‬
‫بخصائص نوعية‪ ،‬ومنه نستنتج أن الجامعة نظام اجتماعي تتكامل فيه البُنى‬
‫االجتماعية‪ ،‬وتتباين فئاتها بما يزيد من حركيتها في صياغة العمليات االجتماعية‪ ،‬وبما‬
‫يفرض حرصا كبيرا لتطوير البناء القيمي للجامعة‪ ،‬وفق أهداف معيارية تستلزم وجود‬
‫ثقافة مشتركة قادرة على تحقيق التفاهم المشترك‪ ،‬والتعاون المتبادل‪ ،‬ضمن بناء‬
‫يتسم بميل عال إلى الالمركزية واالستقاللية‪ ،‬وتعدد مراكز القرار والسلطة‪ ،‬وهذا‬
‫يستلزم للجامعة نظاما اجتماعيا‪/‬ثقافيا مفتوحا‪ ،‬يحكم صلتها بالبيئة المحيطة بها‪ ،‬عن‬
‫طريق سياستها التعليمية التي تؤكد على الخاصية النظمية‪ ،‬التي تتميز بالعناصر اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬مدخالت الجامعة‪ :‬وهي تشمل الطلبة المسجلين والقدرات العلمية‬
‫واإلدارية والموارد والمعلومات‪ ،‬حيث ال يمكن للجامعة أن تدير فعاليتها دون هذه‬
‫المستلزمات‪ ،‬وهذه المدخالت تؤكد خاصيتين وهما‪ :‬أن التنظيم الجامعي يضم في‬
‫بنائه االجتماعي شرائح وفئات متميزة ومتباينة في خصوصيتها العمرية‪ ،‬ومكانتها‬
‫االجتماعية ونضجها العقلي والفيسيولوجي‪ ،‬مما يحتم امتالكه لقيم ومعايير اجتماعية‬
‫قادرة على تحقيق التوازن والتوافق بين هذه الفئات‪ ،‬والخاصية الثانية هي أن التنظيم‬
‫االجتماعي‪ ،‬يضم في بنائه الثقافي مستويات ثقافية متباعدة وفئات تخصصية متنوعة‪،‬‬
‫في مصادر ثقافتها وفي اهتماماتها المعرفية‪ ،‬مع حركية عالية ناجمة عن استمرارية‬
‫التفاعل فيما بينها ومع البيئة على صعيد المجتمع‪.‬‬

‫‪569‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ .2‬نشاطات الجامعة‪ :‬يتمثل النشاط اإلنتاجي في الجامعة‪ ،‬في فعاليات متميزة‬


‫لها خصوصيتها في مستلزماتها وفي أطرافها وفي نتائجها‪ ،‬فالمهمات األكاديمية‬
‫تختص بالتعامل مع فئات متميزة من العنصر البشري كخامات أو كفاعلين‪ ،‬كما‬
‫تتعامل مع العصارة الفكرية لهذا العنصر البشري‪ ،‬إضافة إلى السعي لتطويره واإلسهام‬
‫في تطوير كفاءة األنشطة التنموية وفاعليتها‪ ،‬وبذلك تصبح الجامعة مؤسسة اجتماعية‬
‫ثقافية اقتصادية‪ ،‬تتولى مهمات ذات مردودات غير محدودة وصعبة القياس‪.‬‬
‫‪ .3‬مخرجات الجامعة‪ :‬إن صلة الجامعة ببيئتها تتحدد من خالل ما تقدمه من‬
‫قدرات متخصصة‪ ،‬وقادرة على اإلسهام في تنمية البيئة‪ ،‬وعبر ما تقدمه من أفكار‬
‫علمية ومنجزات فنية‪ ،‬توفر شروط التقدم التكنولوجي للبيئة وتنميتها‪ ،‬فالخريجون‬
‫يمثلون إضافة نوعية وكمية للشريحة المثقفة‪ ،‬ويعد ذلك إسهاما في رفع المستوى‬
‫الثقافي‪ ،‬وهذا يعني زيادة القدرة على تحسين إنتاجية العمل لكافة منظماته‪ ،‬كل هذا‬
‫يعني أن الجامعة بمخرجاتها‪ ،‬تمثل إسهاما تنمويا بكامل أبعاده االجتماعية‬
‫واالقتصادية والثقافية‪.‬‬
‫وأهم المشكالت التي يمكن أن تواجه الجامعة كنظام هي‪:‬‬
‫‪-‬قصور الموارد أو عدم تناسبها مع نوعية المخرجات المستهدفة‪.‬‬
‫‪-‬تباعد األنشطة وانخفاض كفاءتها وضعف قدرتها على استثمار الموارد‬
‫المتاحة‪.‬‬
‫‪-‬تنافر المخرجات وعدم تناسبها مع احتياجات البيئة ومطالبها‪.‬‬
‫‪-‬تنافر األنشطة وعدم توافقها مع ظروف وأوضاع البيئة‪.‬‬
‫وعند تحليلنا لهذه العناصر‪ ،‬سنجد أن السياسة الجامعية‪ ،‬التقليدية قبل النظام‬
‫الجامعي (‪ ،)L.M.D‬والحديثة بعد النظام الجامعي (‪)L.M.D‬الجديد‪ ،‬سواء في‬
‫الجامعات الجزائرية والشادية‪ ،‬هي التي تتحكم في النظام الجامعي من خالل تحديد‬

‫‪570‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المدخالت الالزمة للجامعة‪ ،‬كما أنها تحدد نشاطات الجامعة وعملياتها التعليمية‪،‬‬
‫ومن ثم فهي المسؤولة عن مدى فاعلية مخرجاتها‪ ،‬وهذا لن يتأتى‪ ،‬إال إذا خضع‬
‫إعداد السياسة التعليمية إلى منهج علمي‪ ،‬يُراعى التخطيط العلمي‪ ،‬وتشخيص‬
‫اإلمكانية البيئية الحالية والمتوقعة‪ ( .‬اإلمام‪)148،‬‬
‫ج‪ -‬نظام الليسانس والماستر والدكتوراة(‪:)L.M.D‬‬
‫نشأ نظام (‪ )L.M.D‬ليسانس‪ ،‬ماستر‪ ،‬دكتوراه‪ ،‬في البلدان‬
‫األنجلوساكسونية لدواعي تحسين نوعية التعليم العالي‪ ،‬وهو نظام معتمد منذ زمن‬
‫طويل في جامعات أمريكا الشمالية وكندا والجامعات البريطانية‪ ،‬ودخل هذا النظام‬
‫حيز التنفيذ في أوروبا في السنوات األخيرة ابتداء من ‪1998‬م في السربون‪ ،‬ومنذ أن‬
‫شرعت ‪ 40‬وزارة لدول أوروبية في إصالح أنظمتها الجامعية‪ ،‬عملت على جعلها‬
‫متقاربة من أجل خلق فضاء جامعي أوروبي في عام ‪2010‬م‪.‬‬
‫وقد كان تطبيقه في أوروبا حصيلة عدة اجتماعات ومؤتمرات على مستوى‬
‫الدول األوروبية‪ ،‬يمكن تلخيصها في اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬مؤتمر السوربون (‪:1998 )Sorbonne‬‬
‫انعقد هذا المؤتمر في ‪ 25‬ماي ‪1998‬م من طرف وزارات التعليم العالي‬
‫للدول اآلتية‪ :‬فرنسا‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬ايطاليا وقد دعت هذه الدول إلى انتهاج نظام جديد‬
‫للتعليم العالي يقوم على الحركية واالعتراف بالشهادات‪ ،‬وهو مركب من طورين‪:‬‬
‫‪ -‬طور الليسانس األولىي أو قبل الليسانس (‪.)pré-licence‬‬
‫‪ -‬طور ما بعد الليسانس (‪ )post-licence‬أو الدراسات المعمقة (الماستر‬
‫والدكتوراه)‪.‬‬

‫‪571‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وقد طالبت الدول األوروبية في هذا المؤتمر باآلتي‪:‬‬


‫تأسيس الفضاء األوروبي للتعليم العالي وذلك بإلغاء الحواجز‪ ،‬وتنمية الكوادر‬
‫التعليمية وترقية الحركية والتعاون المشترك‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار التعدد والتنوع‪.‬‬
‫انتهاج النظام قبل الليسانس وبعد الليسانس (‪pré-licencepost-‬‬
‫‪)licence‬‬
‫كما تم في هذا المؤتمر تقييم هذا النظام الذي يتميز في نظرهم بـ‪:‬‬
‫‪ -‬الحركية‪ :‬وذلك بتسهيل حركة الطالب في الفضاء األوروبي‪.‬‬
‫‪ -‬المرونة‪ :‬سهولة متابعة الطلبة للدراسة في مؤسسات أخرى‪ ،‬واالعتراف بمدة‬
‫الدراسة‪.‬‬
‫‪ -‬الحيوية‪ :‬إذ تتميز التخصصات المدروسة بحيوية أكثر خاصة لكون هذا‬
‫النظام يسمح بعقد الشراكة والتعاون مع المؤسسات االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬المقروئية‪ :‬إمكانية دراسة التكوين على المستوى األوروبي وعلى المستوى‬
‫الدولي‪.‬‬
‫‪ .2‬مؤتمر بولوجن (‪:1999 )Bologne‬‬
‫انعقد هذا المؤتمر في ‪1999 /06/ 19‬م‪ ،‬وتوسع ليشمل دول أخرى‪ ،‬وجاء‬
‫ليؤكد على ما تم طرحه في المؤتمر السابق‪ ،‬وقد تناول ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬تعزيز الفضاء األوروبي في التعليم العالي‪ ،‬وذلك بوضع عدة شروط في إطار‬
‫اجتماعي وثقافي مشترك تؤكد على إقرار نظام (ليسانس‪ ،‬ماستر‪ ،‬دكتوراه)‪ ،‬ونظام‬
‫القروض (‪ ،)EuropéenCrédite Transfer SystemECTS‬الذي يضمن‬
‫حركية أكثر للطلبة‪.‬‬
‫‪ -‬ضرورة التعاون حول مضمون التقييم‪ ،‬وتحضير البرامج الدراسية المرجعية‬
‫التي يتم االعتماد عليها من طرف الجامعات‪.‬‬

‫‪572‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ .3‬مؤتمر براجي (‪:2001 )Prague‬‬


‫انعقد في ‪2001 /05/ 14‬م بعد أسابيع قليلة من تبني ‪ 300‬معهد أوروبي‬
‫للنظام الجديد في التعليم العالي‪ ،‬وقد حمل شعار "التربية للجميع على طول الحياة"‪،‬‬
‫وقد تمخض عن تبني تصريحات "سالمونك" (‪)DéclarationSalamanque‬‬
‫‪ 30‬مارس ‪2001‬م‪ ،‬التي أكدت على أهمية العولمة وضرورة تطبيق الحكم الراشد‬
‫في مؤسسات التعليم العالي‪ ،‬كما أكدت على‪:‬‬
‫‪ -‬التأكيد على ثالثية نظام (‪ )LMD‬بمعنى أنه نظام ثالثي يضم ثالث أطوار‬
‫دراسية‪.‬‬
‫‪ -‬تعميم وتعزيز نظام القروض األوروربي (‪.)ECTS‬‬
‫‪ -‬دعم تبادلية البرامج الدراسية‪.‬‬
‫‪ -‬خلق هندسة مناسبة للتعليم العالي تنمي اإلطارات التعليمية في مجال‬
‫تشاركي بين الدول‪.‬‬
‫‪ .4‬مؤتمر برلين (‪:2003 )Berlin‬‬
‫تم في هذا المؤتمر التأكيد على ضرورة اإلسراع في عملية تطبيق نظام‬
‫(‪ )L.M.D‬قبل الدخول الجامعي ‪2006‬م وذلك بتحديد المواضيع التي تتعلق‬
‫بهذه العملية وهي‪:‬‬
‫‪ -‬تبني هذا النظام وفقا لدورتين‪.‬‬
‫‪ -‬تسليم مجاني وتلقائي لكل الشهادات‪.‬‬
‫‪ -‬التأكيد على ضمان الجودة في التعليم العالي‪.‬‬
‫‪ .5‬مؤتمر برجن (‪:2005 )Bergen‬‬

‫‪573‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫انعقد يومي ‪2005 /05/ 20-19‬م‪ ،‬وقد ُخصص لتقويم أنواع المسالك‬
‫الدراسية‪ ،‬وتثبيت األهداف واألولويات المستقبلية لعام ‪2010‬م‪ ،‬مع تحديد ميزانية‬
‫هذه العملية‪ ،‬وقد ركز المؤتمر على‪:‬‬
‫‪ -‬دراسة نظام الشهادات من حيث األهلية والضمانات العملية‪ ،‬إذ أوصى‬
‫المؤتمر الحكومات والشركاء االجتماعيين والمؤسسات المهنية بتحديد مناصب‬
‫العمل الموافقة لهذه الشهادات‪.‬‬
‫‪ -‬ضمان الجودة‪ ،‬وذلك بوضع مقاييس محددة من طرف مختلف الدول‬
‫لتأسيس نظام ضمان الجودة وتطبيقه على مؤسسات التعليم العالي األوروبية‪.‬‬
‫‪ -‬االعتراف بالشهادات ومدة الدراسة من طرف مختلف دول االتحاد‬
‫األوروبي‪.‬‬
‫من خالل هذه المؤتمرات تم التأكيد عموما على ضرورة تطبيق نظام‬
‫(‪ )L.M.D‬في الدول األوروبية‪ ،‬الذي يضمن حركية الطلبة واألساتذة والباحثين‪،‬‬
‫ومرونة في التكوين من خالل تطبيق نظام القروض‪ ( .‬اإلمام‪)193،‬‬
‫‪-‬اختيار البديل األفضل‪:‬‬
‫وهذا ما أدى بالفكر التربوي في التعليم العالي‪ ،‬نحو النظام الدراسي الفصلي‪،‬‬
‫بدل السنوي‪ ،‬والتركيز على النتائج التي تحصل لدي المتعلم( الطالب)‪ ،‬وبأزمنة‬
‫محددة‪ ،‬وقابلة لالنتقال بها نحو مستويات أعلى‪ ،‬في نفس المؤسسة أو الجامعة‪ ،‬أو‬
‫إلى مؤسسات أو جامعات أخرى‪.‬‬
‫وهي نفسها اآلراء واألفكار التي تجسدت في نظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪)L.M.D‬‬
‫األوروبي‪ ،‬الذي نقل إلى العالم العربي في نهاية القرن الماضي‪ ،‬وطبق في جامعات‬
‫شاد الفرانكفونية في بداية القرن الحادي والعشرين‪.‬‬

‫‪574‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وتظهر المعالم األساسية لطبيعة نظام(‪ )L.M.D‬في السعي إلى تشجيع حرية‬
‫حركة الطالب واألساتذة‪ ،‬في أوروبا والعالم‪ ،‬ومن أجل ذلك‪ ،‬تم تحويل مخرجات‬
‫التعليم العالي‪ ،‬إلى أرصدة حرة‪ ،‬يمكن تداولها بين مؤسسات التعليم العالي‪ ،‬بقدر‬
‫واحد‪ ،‬معادل‪ ،‬من جميع الدول المشاركة في هذا النظام التربوي‪ ،‬وهي الدول‬
‫األوروبية‪ ،‬في بداية األمر‪.‬‬
‫المفاهيم األساسية لنظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪:)L.M.D‬‬
‫‪-‬وحدة التعليم (‪ :)UE‬هي مجموعة من المواد أو الدراسات المنظمة بطريقة‬
‫تربوية منسجمة ومتدرجة منطقيا‪ ،‬من أجل كسب مهارات تم تحديدها سابقا‪.‬‬
‫‪-‬الرصيد (‪:)CREDIT‬هو وحدة حساب يعبر عن القيمة المعطاة لكل‬
‫وحدة تعليم‪ ،‬وهو معروف بداللة العمل المنجز‪ ،‬من طرف الطالب ( حجم التعليم‬
‫الحضوري‪ ،‬العمل الشخصي‪ ،‬المشاريع‪ ،‬التطبيقات‪ ،‬االختبارات‪ ،)...‬على أن يوافق‬
‫الرصيد الممنوح لوحدة تعليمية ما المدى الزمني من ‪ 20‬إلى ‪ 25‬ساعة بمجموع ‪30‬‬
‫رصيدا‪.‬‬
‫‪-‬التكوين األكاديمي‪ :‬هو خيار يخص الدراسات من نوع أساسي أو أكاديمي‬
‫والتي تمكن الطالب من مواصلة الماستر أوالد كتوراة‪.‬‬
‫‪-‬التكوين المهني‪ :‬هو خيار تكوين بالمهارات‪ ،‬موجة لالندماج في عالم‬
‫العمل‪ ،‬تحدد برامجه بالتشاور مع القطاعات المستعملة‪ ،‬وال تعد الطالب لمواصلة‬
‫الماستر أو الدكتوراة مباشرة‪.‬‬
‫‪-‬المراقبة المستمرة‪ :‬كيفية تقييم المعرفة باختبار الطلبة بطرق مختلفة ( أعمال‬
‫البحوث‪ ،‬أوراق العمل‪ ،‬التطبيقات الشفوية أو المكتوبة‪ ،‬على طول الفصل)‪.‬‬
‫‪-‬االمتحان الهائي‪ :‬عند نهاية كل فصل أو فصل دراسي‪ ،‬ينظم اختبار لكل‬
‫مادة تعليمية‪.‬‬

‫‪575‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬االستدراك‪ :‬هو الفرصة الثانية التي تمنح للطلبة الذين لم يحصلوا على‬
‫معدل أكبر من ‪ 20/10‬أو يساويه وتسمى المالحق‪.‬‬
‫ثانيا‪-‬اإلطار النظري لتحقيق الذات االجتماعية دراسيا لدى طالب‬
‫األقسام العربية في التعليم العالي الشادي‬
‫أ‪-‬نظرية بورديو‬
‫ويلخص بورديو تحقيق الذات دراسيا‪ ،‬فيقول‪" :‬لو تأملنا العالقات الكائنة بين‬
‫الكبار والصغار في تشكيالتنا االجتماعية الراهنة‪ ،‬لتبينا بصفة ملموسة المنحى‬
‫المتزايد‪ ،‬المتمثل في جعل كل نشاط من أنشطتنا نشاطا تربويا‪ ،‬وهي رامية كلها إلى‬
‫تحقيق غاية واحدة‪ ،‬يريدها المجتمع وتجمعاته المختلفة‪ ،‬وهي التكوين‪ :‬تكوين‬
‫الجسد‪ ،‬وتكوين المعارف‪ ،‬وتكوين األخالق‪ ،‬وتكوين المراكز واألمكنة االجتماعية‪،‬‬
‫على أساس‪ ،‬أن التكوين نظام اجتماعي تربوي‪ ،‬وأن أشكاله أو ضروبه هذه‪ ،‬تمثل كال‬
‫ال يتجزأ"‪{ .‬الحاجي‪}10-9،‬‬
‫وعلى هذا النحو‪ ،‬يصير رأس المال الثقافي‪ ،‬المتمثل في الشهادات‪ ،‬إلى رأس‬
‫مال اقتصادي‪ ،‬عن طريق سوق الشغل‪ ،‬التي تفتح أبواب الوظائف الراقية‪ ،‬لذوي‬
‫الشهادات الراقية‪ ،‬االعتراف بأن الحصول على الشهادات في ذاته‪ ،‬ال يضمن فعليا‬
‫الحصول على وظائف معينة‪ ،‬ذات مكانة اجتماعية عالية‪ ،‬وإنما األمر يحتاج إلى‬
‫مهارات في معرفة الوجوه الناجعة في توظيف الشهادات‪.‬‬
‫ولكن هناك آراء في علم االجتماع التربوي‪ ،‬تؤكد أن مراكز اجتماعية عالية‪،‬‬
‫يحققها المتعلم‪ ،‬تقوم على اإلنجاز الفردي‪ ،‬وهو اتجاه فكري في علم االجتماع‬
‫التربوي‪ ،‬يرجع التفاوت في النجاح المدرسي‪ ،‬إلى تضافر عوامل عديدة‪ ،‬راجعة إلى‬
‫معطيات فردية‪ ،‬يسعى كل من ممثليها إلى إنجاز فردي‪ ،‬ومن هذا المنطلق تكون‬
‫وجوه االختالف في التوجيه المدرسي‪ ،‬تعبيرا عن اختالف في ضروب السلوك بين‬

‫‪576‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫هؤالء األفراد‪ ،‬فإذا كانت العوامل االجتماعية والثقافة‪ ،‬ذات دور في تحديد القرار‬
‫الشخصي للمتعلم‪ ،‬فإن هذا ال ينفي أهمية دور األفراد‪ ،‬في هيكلة المؤسسة‬
‫وتسييرها‪ ،‬وإمكان تغييرها‪ ،‬على نحو يخدم االستراتيجيات الفردية للمتميزين‪.‬‬
‫ب‪-‬نظرية تريال ‪TERRIAL‬‬
‫ويشير الباحث (‪ ،)J.P.TERRIAL‬أثناء دراسته لنجاح التالميذ‬
‫المنتمين ألوساط فقيرة في فرنسا‪ ،‬حيث أرجع نجاحهم الفردي وإنجازاهم العلمي‪،‬‬
‫إلى تضافر الجهود‪ ،‬لتحقيق مشروع مدرسي ما‪ ،‬مداره الطفل‪ ،‬وليس الخلفية‬
‫االجتماعية أو الثقافية‪ ،‬ومن ذلك أن الطفل المنتمي إلى عائلة فقيرة‪ ،‬قد يحقق‬
‫نجاحا مدرسيا‪ ،‬يتمثل في الحصول على التميز في الدراسة‪ ،‬ونيل الشهادات العليا‪،‬‬
‫والوظائف الراقية‪ ،‬من خالل تقمص المتعلم ذاته لمشروع رائع‪ ،‬في شكل إصرار‬
‫على النجاح‪ ،‬مرتبط برغبة قوية‪ ،‬في تجاوز أو ضاع الشدة والعناء‪ ،‬السائدة في حياته‬
‫العائلية‪{.‬الحاجي‪}26:‬‬
‫وهذا ما يعبر عنه علماء علم االجتماع التربوي‪ ،‬بتحقيق الذات االجتماعية‬
‫مدرسيا‪ ،‬وهو اتجاه يسعى فيه الطالب للنجاح في الدراسية والعمل‪ ،‬لكسب مكانة‬
‫اجتماعية عالية‪ ،‬مختلفة من المكانة الموروثة عن األسرة‪.‬‬
‫ج‪ -‬هاجن وتحقيق الذات دراسيا‬
‫من النظريات االجتماعية المفسرة لتحقيق الذات االجتماعية دراسيا‪ ،‬نظرية‬
‫أفريت هاجن‪ ،‬حول ظهور الشخصية الخالقة في المجتمعات التقليدية‪ ،‬وأول ميزة‬
‫يذكرها هاجن للجماعات الخالقة‪ ،‬هي اتصافها بالتصور الخالق الذي يعنى‪ :‬الميل‬
‫إلى االنطالق والتقدم‪ ،‬بعيدا عن نقطة البداية‪ ،‬ومالحظة عالقات الترابط‪ ،‬حينما ال‬
‫يفكر اآلخرون في االهتداء إليها‪.‬‬

‫‪577‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ويرى هاجن أن التصور الخالق‪ ،‬يتضمن نوعين من النشاط العقلي‪ :‬يتمثل‬


‫األولى في القدرة على استخدام موقف يثير االهتمام‪ ،‬ويبعث على الرضي‪ ،‬كمنطلق‬
‫وثوب للخيال المتدفق‪ ،‬ثم العودة إلى األمر محل البحث بفكرة متبلورة وعملية‪ ،‬عن‬
‫إعادة تكوين أو تحويل الموقف غير المرضى‪.‬‬
‫ويتمثل النشاط العقلي الثاني من التصور الخالق‪ ،‬في القدرة على إطالق‬
‫الحواس الالشعورية البحتة الجتالء المشكلة‪ ،‬بحيث يصل الفرد إلى حل‪ ،‬بدون أن‬
‫يشعر بأن عقله كان مستغرقا في بحث المشكلة‪ ،‬أو يلوح له نظام أو تفسير مناسب‪.‬‬
‫وقد لخص هاجن الصفات الرئيسية التي تميز الشخصية الخالقة على النحو‬
‫التالي‪ :‬فهذه الشخصية تتميز بالتفتح للتجربة واكتساب الخبرة‪ ،‬وتنزع إلى إدراك‬
‫الظواهر كشيء قابل للتفسير‪ ،‬وتتميز أيضا بأن تصورها الخالق يتركز أساسا في‬
‫القدرة على إخضاع الالشعور إلرادة الفرد‪ ،‬وجعله يعمل من أجلها‪ ،‬ولهذه الشخصية‬
‫ثقة كبيرة في حكمها على األشياء‪ ،‬وتشعر بالرضي في مواجهتها للمشاكل وحلها‪،‬‬
‫وتتصف كذلك بإحساسها بالواجب‪ ،‬ومسئولية اإلنجاز‪ ،‬ويذكر هاجن أخيرا بعض‬
‫الخصائص التي من الممكن أن توجد في المميزات السابقة‪ ،‬مثل‪ :‬الذكاء والطاقة‪،‬‬
‫ولخص هاجن الخصائص السابقة في العبارة التالية‪ :‬تتميز الشخصية الخالقة‬
‫بإدراكها‪ ،‬أن في العالم ما يهدد بالخطر‪ ،‬وأنه البد من جهود متواصلة لمعالجته‬
‫بنجاح‪.‬‬
‫ويتم تكوين الشخصية الخالقة من خالل تجربة الطفل في تفهمه للعالم‬
‫الخارجي‪ ،‬تحت رعاية أبوية مراعية لدوافع الطفل واحتياجاته‪ ،‬ويتجسد ذلك في مدى‬
‫تعلم الطفل الشعور‪ ،‬بأن العالم شيء قابل للفهم‪ ،‬حتى ولو أنه ليس بالمكان المفهوم‬
‫تماما‪ ،‬ويحقق هذا الفهم للطفل حاجته للرضي‪ ،‬على اعتبار أن الطفل‪ ،‬يرى في‬
‫البداية‪ ،‬أن العالم يبدو مربكا بالكامل‪ ،‬ولكنه مع تركيز اهتمامه على أجزاء منه‪ ،‬بفعل‬

‫‪578‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫التجربة‪ ،‬يجد أن احتياجاته ونشاطاته‪ ،‬تلقى استجابات تبدو مالئمة‪ ،‬عندما يجوع‬
‫يترتب على جوعه ظهور الطعام‪ ،‬وعندما يحقق ألول مرة تحريك قدميه والجلوس‬
‫على فراشه تعرب بيئته ( أي أمه ) عن سرور ما‪ ،‬وعندما يشعر بالوحدة‪ ،‬يصادف‬
‫االهتمام المحبب الذي يعطيه األمان‪ ،‬وعندما يجرب قدراته الجديدة في رضاعته‬
‫وطفولته المبكرة‪ ،‬غالبا ما يحظى بالسرور والتقبل‪ ،‬هنا فقط تظهر الفروق بين‬
‫الشخصية التسلطية‪ ،‬والشخصية الخالقة في التنشئة االجتماعية‪.‬‬
‫وبهذا يكتسب شعورا بأن المبادرة‪ ،‬تقابل االستجابة المعتمد عليها‪ ،‬وأن في‬
‫استطاعة الفرد‪ ،‬أن يعتمد على العالم لتحسين التصرف‪ ،‬كل هذه العوامل‪ ،‬تخلق في‬
‫الفرد(التلميذ) "التفتح للتجربة" أو "القدرة على أن يدهش" ويرى "هاجن" أن هذا هو‬
‫قلب االبتكار الخالق‪ ،‬الذي يميز الجماعات الحديثة‪ ،‬وأن هذا االبتكار‪ ،‬يقوم على‬
‫العديد من المقومات‪ ،‬التي تمثل مجاالت أو مجارى التصور الخالق‪ ،‬وتتكون هذه‬
‫المقومات من‪:‬‬
‫‪ -1‬قيم الفرد‪ ،‬فيما يختص باألنشطة التي تعرض أمامه‪ ،‬كمواقف تحتاج منه‬
‫إلى تعامل معها‪ ،‬وهذه هي القيم التي تتكون أثناء التنشئة المبكرة‪.‬‬
‫‪ -2‬قلق الفرد أو رضاه بالنسبة لعالقاته مع اآلخرين‪ ،‬وحسب رأي هاجن‪ ،‬فإنه‬
‫ال يتوقع من الطفل الذي ينشأ في أسرة متسلطة‪ ،‬رضا عن عالقاته باآلخرين‪ ،‬بل‬
‫يوجد لديه غضب وكبت‪ ،‬ولكن بإمكانه أن يخلق جماعات إسناد أخرى غير األسرة‪،‬‬
‫إذا وعى وضعه‪ ،‬وعرف كيف يحاول إصالحه‪.‬‬
‫‪ -3‬مدى النشاط أو النفوذ الذي يشعر الفرد معه بالرضا واألمن‪ ،‬وهذا بالطبع‬
‫يتوقف على مكانة الفرد في الترتيب االجتماعي‪ ،‬فابن الفالح‪ ،‬من الممكن أن يرضيه‬
‫تعلم مهارة تقليدية واحدة‪ ،‬معترف بها في جماعته‪ ،‬بينما ال يرضى ابن الصفوة‪ ،‬بمثل‬
‫هذه الحرفة‪ ،‬ولكن العملية التي يقوم بها ابن الصفوة‪ ،‬والتي تتمثل في سحبه وضع‬

‫‪579‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫االحترام عن المهن‪ ،‬التي كانت محترمة‪ ،‬ويشتغل عليها أبناء عامة الشعب‪ ،‬هي التي‬
‫تنعكس على وضع أبناء الفئات األخرى‪ ،‬وتخلق لديهم الغضب والنقمة‪ ،‬وبالتالي‬
‫يحاولون بكل جهد– وليس دائما بالوسائل التقليدية– أن يردوا احترامهم‪ ،‬ومن خالل‬
‫هذه العملية فقط‪ ،‬تبدأ زراعة بذور التغيير الداخلي للبناء االجتماعي في األسرة‬
‫التقليدية‪.‬‬
‫ونظرية هاجن حول الشخصيات الخالقة‪ ،‬تتمثل في‪ :‬أن المجتمعات التقليدية‪،‬‬
‫عندما تتعرض لعمليات سحب االحترام‪ ،‬يحدث تخلخل في الروابط االجتماعية‪،‬‬
‫التي تشكل البناء االجتماعي القديم‪ ،‬وينتج عن ذلك ظهور جماعات غير متوافقة مع‬
‫النسق التقليدي للحياة‪ ،‬ألن الجماعات األعلى في المجتمع التقليدي(الصفوة )‪،‬‬
‫ترفع القيمة عن األعمال التي تؤديها الجماعات العادية( الفالحة أو غيرها )‪ ،‬وبالتالي‬
‫تتشكل جماعات جديدة تأخذ طابع االنهزامية‪ ،‬وهذا الطابع ينعكس بدوره على‬
‫األسرة‪ ،‬ومن خالل صراع األجيال‪ ،‬تظهر جماعات مختلفة من جماعات التغيير‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫وفي ظروف حضارية أو ثقافية معينة(نمو المعرفة العلمية والفنية)‪ ،‬يرى األفراد‬
‫المبتكرون في المهارات الفنية السبيل إلى إشباع احتياجاتهم‪ ،‬وبالتالي تتجه قيم‬
‫الجيل الجديد‪ ،‬نحو اإلنجاز التربوي الفني‪ ،‬ومن ثم تظهر االبتكارات واالختراعات‬
‫في اإلنتاج الفني واالجتماعي‪ ،‬ويقوم األفراد المبتكرون‪ ،‬بإدخال إصالحات على‬
‫المؤسسات االجتماعية‪ ،‬في صورة اتجاهات مالئمة لعمليات النمو السريع‪.‬‬
‫(هاجن‪)11-8،‬‬

‫‪580‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثالثا‪ -‬دخول نظام (‪ )L.M.D‬في التعليم الجامعي الشادي‬


‫أ‪-‬تطور التعليم العالي في شاد‬
‫ابتداء من فترة االستعمار إلى سنة ‪1971‬م‪ ،‬أدار الفرنسيون التعليم العالي في‬
‫وسط إفريقيا‪ ،‬من خالل مؤسسة التعليم العالي لوسط إفريقيا‪fondation de l-‬‬
‫‪Centrale Afrique ensegnementsupèrieurd,‬‬
‫وتضم عددا من األعضاء‪ ،‬هم‪ :‬الكونغو برازافيل‪ ،‬إفريقيا الوسطى‪ ،‬الجابون‪،‬‬
‫شاد‪ ،‬ولهذه المؤسسة الجامعية عددا من المعاهد والمدارس العليا التابعة لها‪ ،‬موزعة‬
‫في هذه الدول‪ ،‬ووضعت في منطقة شاد اثنتان منها‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ -1‬معهد البيطرة وعلوم الحيوان‪ ،‬والذي يعد فنيين في الثروة الحيوانية‪.‬‬
‫‪ -2‬مدرسة الحقوق‪ ،‬التي تعد مساعدي القضاة والقضاة‪.‬‬
‫وفي عام ‪1971‬م‪ ،‬وألسباب تتعلق بسيادة الدول المستقلة‪ ،‬حلّت مؤسسة‬
‫التعليم العالي لدول وسط افر يقيا‪ ،‬وتبع ذلك‪ ،‬إنشاء الدول المكونة لها‪ ،‬جامعات‬
‫وطنية‪ ،‬منها جامعة شاد‪ ،‬ووفقا للمرسوم رقم ‪/26‬رئاسة الجمهورية‪/‬بتاريخ‬
‫‪1971/12/27‬م‪ ،‬كانت تتكون من ثالثة معاهد‪ ،‬هي‪ :‬المعهد الجامعي لآلداب‬
‫واللغات والعلوم اإلنسانية‪ ،‬والمعهد الجامعي للعلم القانونية واالقتصادية واإلدارية‪،‬‬
‫والمعهد الجامعي للعلوم البحتة والتطبيقية‪ ،‬وهذه المعاهد الجامعية هي التي تطورت‬
‫فيما بعد إلى كليات‪ ،‬وأضيفت إليها كلية العلوم الصحية‪ ،‬وهي عدد الكليات األربع‬
‫في الجامعة آنذاك‪ ،‬وسعيا من الدولة الشادية لتطبيق الالمركزية في التعليم العالي‪،‬‬
‫تغير اسمها إلى جامعة أنجمينا بتاريخ ‪1994/02/25‬م‪.‬‬

‫‪581‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫والجامعة في التعليم العالي الشادي‪ ،‬مؤسسة عمومية ذات طابع إداري تتمتع‬
‫بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي‪ ،‬وهي موضوعة تحت سلطة الوزير المكلف‬
‫بالتعليم العالي‪ ،‬تساهم في نشر المعارف وإعدادها وتطويرها‪ ،‬وتكوين اإلطارات‬
‫الالزمة لتنمية البالد‪ ،‬من خالل ما تقدم نستنتج أن‪:‬‬
‫الجامعة هي مؤسسة اجتماعية تضم مجموعة من األفراد تقوم بنشر المعرفة‪،‬‬
‫والعمل على تقدمها من خالل البحث العلمي وإعداد القوى البشرية‪ ،‬ونقل التراث‬
‫الثقافي‪.‬‬
‫االستقالل‪ ،‬يعد سمة أساسية من سمات الجامعة‪ ،‬حتى يمكنها تحقيق أهدافها‬
‫والقيام بوظائفها دون قيود‪.‬‬
‫الجامعة‪ ،‬جهاز يتميز بسمو الهدف ووحدة الروح والغرض‪ ،‬مركز للتربية الحرة‬
‫وجهاز إلجراء البحوث‪.‬‬
‫الجامعة‪ ،‬هي ليست خارج الكيان االجتماعي العام ألي عصر بل داخله‪،‬‬
‫ليست شيئا منعزال وليست شيئا تاريخيا ال يكاد يتأثر بالقوى والمؤثرات الجديدة‪،‬‬
‫بل هي على العكس تعبير عن العصر‪ ،‬كما أنها عامل له أثره في الحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫كل مجتمع (إقليم‪ ،‬وطن)ينشئ جامعته‪ ،‬ويحدد لها أهدافها‪ ،‬بناء على ما‬
‫تمليه عليه مشاكله وطموحاته وتوجيهه السياسي واالقتصادي واالجتماعي‪.‬‬
‫الجامعة‪ ،‬هي تكوين عالي‪ ،‬يحدث على المستوى المعرفي الذي يهدف إلى‬
‫تنمية هذا المستوى المعرفي‪ ،‬لتزويد الطالب بالمعارف المطلوبة وإعداد الكفاءات‪،‬‬
‫ويحدث أيضا على مستوى المهارات‪ ،‬أي امتالك المهارات وتنميتها من أجل رفع‬
‫مستوى األداء لدى الطالب‪.‬‬
‫ومن ثم فالجامعة مؤسسة تعليمية‪ ،‬تعد من أهم المؤسسات االجتماعية‪،‬‬
‫تستهدف البحث عن الحقائق ونقلها عبر األجيال‪ ،‬تعتبر معقل الفكر اإلنساني في‬

‫‪582‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أرفع مستوياته‪ ،‬فهي أداة للمعرفة تقوم باالستثمار والتنمية في الموارد البشرية‪ ،‬تتفاعل‬
‫مع محيطها االجتماعي‪ ،‬فهي مركز إلشعاع الفكر والمعرفة‪ ،‬وبالتالي أداة للتغيير‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫وهنا تجدر اإلشارة للتفريق بين الجامعة والتعليم العالي‪ ،‬فالجامعة هي من أبرز‬
‫مؤسسات التعليم العالي‪ ،‬والذي نقصد به كل أشكال التعليم التي تمارسها‬
‫المؤسسات سواء أكانت جامعات أو كليات أو معاهد أو مدارس عليا‪...‬إلخ كما‬
‫يعد التعليم العالي أكثر ارتباطا بحاجات سوق العمل‪ ،‬وهو يشمل كل نمط التكوين‬
‫أو التكوين للبحث يقوم على مستوى ما بعد التعليم الثانوي من طرف مؤسسات‬
‫التعليم العالي‪ ،‬وهو الذي يقوم بقاعدة عريضة من المعارف لتوفير النظرة الشاملة‬
‫وتزويد المتكون بالكفاءات المهنية المناسبة‪.‬‬
‫كما يقصد بالتعليم العالي‪ ،‬مختلف أنواعه التي تشتمل عليها المرحلة الثالثة‬
‫الكبرى من نظام التعليم المعروف اليوم في العالم‪ ،‬والتي تقع بعد مرحلتي التعليم‬
‫االبتدائي (األساس) والثانوي‪ ،‬فهو بذلك يحتل موقعا فريدا في قمة نظام التعليم‪،‬‬
‫ويشكل حافزا لتطوير نظام التعليم بأسره‪ ،‬أو لردعه عن التطور‪ ،‬فهو يحمل ضمنا‬
‫معنى التعمق في الفكر واالستزادة الراقية منه في تجلياته النظرية والعملية‪.‬‬
‫(اإلمام‪)149-148،‬‬
‫مما سبق نستنتج أن التعليم العالي والجامعة‪ ،‬هما وجهان لعملة واحدة‪ ،‬مع‬
‫اإلشارة إلى أن وظائف التعليم العالي بالنظر إلى تعدد مؤسساته‪ ،‬أوسع وأشمل من‬
‫وظائف الجامعة‪ ،‬التي تعد ركيزة العليم العالي‪ ،‬وبالتالي فقد أنشأت الدولة الشادية‬
‫عددا من الجامعات والعاهد والمدارس العليا‪ ،‬للقيام بدور تكوين األطر المؤهلة‬
‫لجميع ميادين التنمية االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬

‫‪583‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫واتبع في نظام التعليم العالي الشادي األسلوب المتبع في الدول الفرانكفونية‪،‬‬


‫خاصة مجموعة وسط إفريقيا‪ ،‬تحت قيادة المنظمة الملجاشية األفريقية للتعليم‬
‫العالي‪ ،‬المعروفة اختصارا (‪.)CEMAC‬ولكن آثار العولمة في التعليم العالي‪ ،‬هي‬
‫المؤثر الجوهري‪ ،‬في قبول هذه المنظمة‪ ،‬والدول األعضاء فيها‪ ،‬خاصة شاد تطبيق‬
‫نظام (ل‪.‬م‪ .‬د‪ )L.M.D.‬في التعليم العالي الشادي عام ‪2006‬م‪ ،‬ومن ثم بدأت‬
‫الخطوات األولى لتطبيقه في جامعة أنجمينا في نفس العام‪Directive .‬‬
‫‪N°01/06-UEAC-019-CM-14,Portant‬‬ ‫‪application‬‬ ‫‪du‬‬
‫‪Système LMD (Licence, Master, Doctorat) dans les‬‬
‫‪Universités et Etablissements d'enseignement supérieur de‬‬
‫‪l'espace CEMAC‬‬
‫ويقوم النظام التربوي في التعليم العالي الشادي‪ ،‬الذي تنتهي الدراسة فيه بنيل‬
‫درجات الليسانس والماستر والد كتوراة‪ ،‬على مرتكزات أساسية‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬تطوير نوعية التعليم العالي والبحث العلمي والمهني‪.‬‬
‫‪ -‬إتاحة الفرص أمام أكبر عدد من طالب الدراسات الجامعية‪.‬‬
‫‪ -‬السماح بحرية حركة الطالب واألساتذة بين المؤسسات العليا اإلقليمية‬
‫والدولية‬
‫‪-‬تلبية التعليم العالي والبحث العلمي والمهني لالحتياجات االجتماعية‬
‫واالقتصادية للوطن الشادي‪(.‬قانون رقم ‪/16‬رئاسة الجمهورية ‪ 2006/‬بتاريخ ‪13‬‬
‫مارس ‪2006‬م‪ ،‬يحمل توجيهات في نظام التربية الشادية)‬
‫وقد اقتبس نظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪ )L.M.D‬من التجربة األوروبية‪ ،‬خاصة‬
‫اإلصالحات في التعليم العالي التي تمت في بولونيا ‪1998‬م‪ ،‬ثم عممت في باقي‬
‫الدول األوروبية في بداية القرن الحادي والعشرين‪.‬‬

‫‪584‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫والمرجع األساسي لهذا النظام التربوي في التعليم العالي‪ ،‬هو النظام األنجلو‬
‫سكسوني‪ ،‬المنقح في صورته األخيرة‪ ،‬في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬والقائم على‬
‫األفكار التربوية لكل من المفكر التربوي جون دوي وزميله اآلخر بلوم‪ ،‬منذ منتصف‬
‫القرن العشرين‪ ،‬خاصة آرائهم التربوية حول تحقيق األهداف التربوي بأصنافها‬
‫المختلفة من قبل المتعلم ( الطالب)‪ ،‬وتقسيم األهداف إلى جزئيات استقرائية‪،‬‬
‫يمكن أن تتحقق لدي الطالب في فصول زمنية قصيرة نسبيا وبجرعات محدودة‪.‬‬
‫واعتمادا على الدستور الشادي والبرنامج الرسمي لوزارة التعليم العالي‬
‫والبحث‪ ،‬فإن اللغات الرسمية للدولة والتدريس هما العربية والفرنسية‪ ،‬إال أنه وبحجة‬
‫نقص اإلمكانات ( المعدات‪ +‬أعضاء هيئة التدريس)‪ ،‬تدرس العلوم باللغة العربية في‬
‫خمس من المؤسسات‪ ،‬هي‪ :‬جامعة أنجمينا وجامعة آدم بركة وجامعة الملك فيصل‪،‬‬
‫والمعهد العالي للمعلمين‪ ،‬والمعهد الجامعي التكنولوجي بأبشة‬
‫وتتفاوت العناية بتدريس العلوم باللغة العربية داخل هذه المؤسسات‪ ،‬فجامعة‬
‫أنجمينا‪ ،‬وجامعة آدم بركة‪ ،‬والمعهد الجامعي التكنولوجي بأبشة‪ ،‬والمعهد العالي‬
‫للمعلمين‪ ،‬إلى اآلن ال تقدم العلوم باللغة العربية إال لنسبة(‪ )%21‬من طالبها فقط‪،‬‬
‫وهذه النسبة من واقع بيانات جامعة آدم بركة‪ ،‬فمن بين طالبها في العام الجامعي‬
‫‪2006 -2005‬م‪ ،‬البالغ عددهم (‪ ،)1438‬يتلقى عدد(‪ )303‬طالب وطالبة فقط‬
‫دراستهم باللغة العربية‪ ،‬وفي التخصصات التالية‪ :‬شعبة اللغة العربية والتاريخ والقانون‬
‫وعلم األحياء‪) YAYA,P.66 (.‬‬
‫تطبيقنظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪ )L.M.D‬في شاد‬
‫جاء نظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪ )L.M.D‬إلى شاد‪ ،‬استجابة لمتطلبات العولمة‪،‬‬
‫وبشكل خاص األوروبية‪ ،‬وقد طرح لألول مرة في دول وسط شاد‪ ،‬في قمة ليبرفيل‬
‫بالجابون‪ ،‬في بداية إبريل ‪2006‬م‪ ،‬ونص على الدخول في نظام (ل‪.‬م‪ .‬د‬

‫‪585‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ ،)L.M.D‬بقرارين هما‪ ،UEAC/019/CM/14 /06/ 2-1 :‬وكان من‬


‫توصيات هذه القمة‪ ،‬إنشاء آليات قانونية وتنظيمية للتعليم العالي‪ ،‬داخل فضاء وسط‬
‫إفريقيا‪ ،CEMAC‬تسمح بتكوين أكاديمي ومهني معترف به عالميا‪ ،‬ومستجيبا في‬
‫نفس الوقت للحاجات األساسية للدول األعضاء في فضاء وسط إفريقيا‪ ،‬في‬
‫الجوانب االجتماعية واالقتصادية والفنية‪ ،‬وقد وضعت الدول األعضاء في فضاء‬
‫وسط إفريقيا‪ ،‬خلية إقليمية داخل أمانتها التنفيذية‪ ،‬إلجراء مسوح اجتماعية اقتصادية‬
‫للدول األعضاء لوضع األسس القانونية واستكمال اإلجراءات الفنية لنقل تجربة نظام‬
‫(ل‪.‬م‪ .‬د ‪ ،)L.M.D‬إلى الجامعات داخل فضاء وسط إفريقيا‪.CEMAC‬‬
‫ثم اقترح تشكيل خاليا وطنية داخل كل دولة على حدة‪ ،‬من أجل تسهيل‬
‫وضع اآلليات العملية لتنفيذ نظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪ ،)L.M.D‬ابتداء من التوعية‪ ،‬بنشر‬
‫أكبر قدر من المعلومات‪ ،‬حول نظام الليسانس والماستر والد كتوراة‪ ،‬ثم معرفة‬
‫اإلمكانيات الضرورية لتطبيق هذا النظام وطنيا‪ ،‬وأخيرا اختيار الجامعات والمعاهد‬
‫العليا‪ ،‬التي من الممكن أن تجهز كنماذج لتطبيق الفعلي لنظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪.)L.M.D‬‬
‫ودخل نظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪ )L.M.D‬إلى شاد في عام ‪2006‬م‪ ،‬وأعلن عن‬
‫دخوله إلى جامعة أنجمينا في ندوة علمية وطنية حول نظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪)L.M.D‬‬
‫تحت عنوان" التعليم العالي الشادي ونظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪ ")L.M.D‬عقدت بأنجمينا‬
‫بتاريخ ‪2006/09/02‬م‪ ،‬وكان من نتائج هذه الندوة العلمية الوطنية‪ ،‬اإلعالن عن‬
‫التزام دولة شاد باإلصالح التربوي في التعليم العالي‪ ،‬الذي يفرضه وجود دولة ضمن‬
‫فضاء وسط إفريقيا‪ ،CEMAC‬وبالتالي أخذ االستعدادات الالزمة لتنفيذ ما وقعت‬
‫عليه الدولة بهذا الشأن‪ ،‬وهو التنفيذ الفعلي لنظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪ )L.M.D‬في‬
‫مؤسسات التعليم العالي في البالد‪Directive N°02/06-UEAC-019-CM-.‬‬
‫‪14,Portant Organisation des Etudes Universitaires dans les‬‬
‫‪l'espace CEMAC dans les cadre du Système LMD‬‬

‫‪586‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وفي عام ‪2007‬م أخذ وزير العليم العالي القرارات المنفذة لهذه التوصيات‪،‬‬
‫خاصة آلية التوعية والتوجيه من خالل إقامة المؤتمرات والندوات العلمية التي تشرح‬
‫نظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪ ،)L.M.D‬ومدى إمكانية تطبيقه في مختلف مؤسسات التعليم‬
‫العالي في شاد ؟‬
‫إن اختيار نظام (‪)LMD‬كبديل أفضل يندرج ضمن تطوير التعليم العالي‬
‫الشادي‪ ،‬فهو يستجيب ألهداف اإلصالح الذي يرتكز على مقاربة جديدة للعالقات‬
‫التدريسية والعلمية "الطلبة‪-‬األساتذة‪-‬اإلدارة" ضمن مسعى يضع الطالب في قلب‬
‫التكوين‪ ،‬ويجعل من هيئة التدريس العنصر المحرك الذي تقع عليه عملية تعريف‬
‫برامج التكوين والبحث وتصميمها وتجسيدها‪ ،‬تحت مسؤولية وإشراف المؤسسة‬
‫الجامعية‪ ،‬التي خولتها أحكام هذا اإلصالح صالحيات جديدة‪ ،‬ومنحها صفة صاحب‬
‫المشروع‪ ،‬في صوغ سياستها التطويرية‪ ،‬وعليه قررت الحكومة انتهاج نظام‬
‫(‪ )L.M.D‬التي ترى فيه تحقيقا إلصالحاتها التعليمية في الجامعة‪ ،‬وفق الهيكلة‬
‫الجديدة للتعليم العالي‪.‬‬
‫ب‪ -‬منطلقات الدراسة الميدانية‬
‫ينطلق التوجه الفكري لدراسة "تحقيق الذات االجتماعية دراسيا من خالل‬
‫نظام(‪2015)L.M.D‬م) من الرؤية العالمية والوطنية لهذا النظام في التعليم العالي‪،‬‬
‫والمتمثلة في تعليم عالي مفتوح ومتبادل النتائج بين الفاعلين(الطالب‪ ،‬واألساتذة‪،‬‬
‫والقيادة الرشيدة)‪ ،‬والرسالة المحددة في الجامعات‪ ،‬وهي المرونة والوضوح‬
‫والمباشرة‪ ،‬في نشر المعارف والمهارات والتدريبات التطبيقية إلى أوسع نطاق من‬
‫المتعلمين والمتدربين‪ ،‬بغض النظر عن نوعهم وسنهم وعرقهم ومعتقدهم‪ ،‬ومستوياتهم‬
‫االجتماعية واالقتصادية واإلقليمية‪ ،‬واألهداف اإلجرائية للنظام التعليمي الحديث في‬
‫التعليم العالي‪ ،‬المتمثلة في أداء وكفاءة الطالب الواقعية‪ ،‬وفي فترات زمنية محددة‬

‫‪587‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫بدقة‪ ،‬وذلك بتوفير حرية أكبر للطالب‪ ،‬طالما أن المبدأ يتمثل في جعل الطالب يصل‬
‫إلى أعلى مستوى‪ ،‬تتيحه له مهاراته وقدراته الذاتية‪ ،‬وذلك من خالل تنويع مدروس‬
‫للمسارات التعليمية‪.‬‬
‫فما مدى أثر معطيات النظام الجامعي الجديد على الطالب الشادي بجامعة‬
‫أنجمينا عامة‪ ،‬وكلية العلوم التربوية الجديدة خاصة؟ فهل مميزات هذا النظام‪( :‬العناية‬
‫بالقيادة ‪ +‬المنهج ‪ +‬األستاذ ‪ +‬الطالب)‪ ،‬مثل‪ :‬القيادة الرشيدة‪ ،‬واألستاذ الجامعي‬
‫المعد‪ ،‬والمنهج الدراسي المالئم‪ ،‬وأداء الطالب المحسوب‪ ،‬متوفرة في جامعة‬
‫أنجمينا وكلية العلوم التربوية‪ ،‬من وجهة نظر الطالب الجامعي؟ أم هي معوقات في‬
‫سبيل تطبيق النظام التعليمي الجديد؟ وكيف يرتبها الطالب الجامعي الشادي‪ ،‬حسب‬
‫تأثيرها في حياته األكاديمية؟ وما مدى إمكانية مقارنة اتجاهات الطالب الجامعي‬
‫الشادي بزميله الجزائري‪ ،‬في تأثرهم بتطبيقات النظام الجامعي (‪ )L.M.D‬الجديد‪،‬‬
‫الذي أدخل كأثر من آثار العولمة على المجتمعين؟‬
‫ج‪-‬أطوار نظام (ل‪.‬م‪ .‬د ‪ )L.M.D‬في التعليم العالي الشادي‬
‫‪ .1‬شهادة الليسانس ‪La Licence‬‬
‫هذه المرحلة تكون بعد تحصل الطالب على الشهادة الثانوية أو‬
‫البكالوريا‪ ،‬وبعد التسجيل في المسار التكويني المختار‪ ،‬تنظم هذه المرحلة التكوينية‬
‫في طورين‪ ،‬أي ما يعادل ستة (‪ )6‬فصول على األقل تتضمن ‪ 180‬قرض‬
‫(‪ ،)Crédits‬يتمثل الطور األول في تكوين قاعدي متعدد التخصصات‪ ،‬يكتسب‬
‫الطالب من خالله المبادئ األولىية للتخصصات المعنية بالشهادة‪ ،‬وكذا مبادئ‬
‫منهجية الحياة الجامعية واكتشافها‪ ،‬أما الطور الثاني فيتضمن تكوين متخصص وهذه‬
‫المرحلة تتطلب ثالث سنوات أو أكثر‪ ،‬وهي تهدف باألساس إلى تحقيق غايتين‪:‬‬

‫‪588‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫غاية أكاديمية‪ :‬تمكن الطالب من مواصلة دراسات جامعية مباشرة أكثر طوال‬
‫وأكثر اختصاصا (الماستر‪ ،‬والدكتوراه)‪ ،‬ويسمح بهذه اإلمكانية بحسب المؤهالت‬
‫المكتسبة والنتائج المحصل عليها‪ ،‬وشروط االلتحاق‪.‬‬
‫غاية مهنية‪ :‬تمكن الطالب من االندماج المباشر في عالم العمل أو الشغل‪،‬‬
‫المش ِغل‪.‬‬
‫وتحدد برامجها بالتشاور مع القطاع العمل أو ُ‬
‫والدراسات واألبحاث على مستوى الليسانس‪ ،‬تتميز بأنها بحوث صفية‪ ،‬وهي‬
‫األبحاث التي يعدها الطالب‪ -‬الباحث الجامعي استكماال لمتطلبات إعداد وتدريب‬
‫معين‪ ،‬في مادة علمية يتلقى تعليمها في الصف والفصل الجامعي‪.‬‬
‫وتركز هذه الدراسات واألبحاث‪ ،‬في الغالب على تنظيم المعرفة المتاحة حول‬
‫الموضوع المقترح ومناقشة مضمونها بشكل علمي سليم‪ ،‬متابعا الطالب‪ -‬الباحث‬
‫في ذلك المنهاج العلمي السليم‪ ،‬بما فيه من األمانة العلمية في النقل والتدليل‬
‫المنطقي السليم‪ ،‬في عرض األفكار واآلراء واالتجاهات الفكرية السائدة في المجال‬
‫المعرفي الذي تدور حوله المادة‪.‬‬
‫وما يميز هذه األبحاث‪ ،‬هو أن الطالب – الباحث‪ ،‬تتوقف مساهمته في حسن‬
‫عرضه للحقائق والمعلومات المتاحة‪ ،‬أما اإلضافات العلمية أو التوصل إلى نتائج‬
‫جديدة‪ ،‬فهي ليست محل تركيز بالدرجة األولى‪ ،‬وان توصل الطالب‪ -‬الباحث – كما‬
‫يتبادر لكثير من الطالب المبتدئين–إلى شيء جديد‪ ،‬فعليه أن يصوغه ويعرضه‬
‫بتحفظ وأدب شديدين‪ ،‬وتسمى هذه األبحاث الصفية أوراق عمل أو أوراق بحث أو‬
‫مقاالت علمية‪.‬‬
‫ويتبع فيها الطالب ‪ -‬الباحث الخطة المرسومة من أستاذ المادة‪ ،‬وكذلك‬
‫المدة الزمنية المحددة‪ ،‬وبالتالي فهي ال تتناول جميع جوانب القضايا المطروحة‪ ،‬بل‬
‫تركز على جزئيات صغيرة يتدرب الطالب ‪ -‬الباحث من خالل عرضها على التعامل‬

‫‪589‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫مع المصادر والمراجع‪ ،‬واكتشاف العناصر األساسية لعرض القضايا من قبل كبار‬
‫العلماء والكتاب في المجال الذي يبحث فيه‪ ،‬وتفهم جوانب القوة والضعف في أي‬
‫اتجاه فكري معين‪ ،‬من خالل االعتماد على اآلراء واالتجاهات األخرى حول‬
‫الموضوع‪ ،‬مع إعطاء حرية االنتقاء والتحرك للطالب الجامعي داخل هذا اإلطار‪.‬‬
‫فالطالب المتميزون في الدراسات الجامعية‪ ،‬يستطيعون استيعاب األفكار‬
‫واالتجاهات والنظريات العلمية حول تخصصاتهم‪ ،‬من خالل إعدادهم ألوراق عمل‬
‫متعددة حولها‪ ،‬ومنها ينطلقون في اختيار القضايا العلمية التي تحتاج إلى دراسات‬
‫تخصصية يمكنهم أن يقوموا بها في المستقبل‪.‬‬
‫‪ .2‬شهادة الماستر ‪Le Master‬‬
‫تدوم هذه المرحلة التكوينية سنتين (‪ ،)M1,M2‬تتشكل من وحدات تكوينية‬
‫موزعة على (‪ )04‬فصول في كل فصل هناك ‪ 30‬قرض بمجموع ‪ 120‬قرض‪ ،‬وهي‬
‫مرحلة مفتوحة لكل طالب حاصل على شهادة ليسانس أكاديمية‪ ،‬ويستوفي الشروط‬
‫المطلوبة لاللتحاق‪ ،‬كما أنها مفتوحة لكل حاصل على ليسانس ذات طابع مهني‪،‬‬
‫والعودة إلى الجامعة بعد قضاء فترة في الحياة المهنية‪ ،‬كما يحضر هذا التكوين إلى‬
‫اختصاصين مختلفين‪:‬‬
‫‪ -‬تخصص مهني‪ :‬يمتاز باكتساب تخصص دقيق في حقل معرفي محدد‪،‬‬
‫يؤهل صاحبه إلى مستويات أعلى من األداء والتنا فسية (ماستر مهنية)‪.‬‬
‫‪ -‬يمتاز بتحضير المعني للبحث العلمي الموجه منذ البداية إلى القيام بنشاط‬
‫بحث في الوسط االقتصادي أو في الوسط الجامعي (ماستر بحث)‪.‬‬
‫وبحث التخصص العالي أو الماستر‪ ،‬هو البحث الذي يعده أحد الباحثين‬
‫المتخصصين في ميدان علمي معين‪ ،‬بعد أن اجتياز المرحلة األولى للدراسة‬

‫‪590‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫الجامعية‪ ،‬وأي سنوات تمهيدية أو تطبيقية‪ ،‬تقررها المؤسسة األكاديمية‪ ،‬التي ينتمي‬
‫إليها إلعداد البحث التخصصي‪.‬‬
‫ومن شروط البحث التخصصي العلمي‪ ،‬أن يدور حول قضية محددة‪ ،‬ويتبع‬
‫فيه صاحبه منهاجية علمية‪ ،‬منتقاة بعناية حسب طبيعة الموضوع ومحدداته‪ ،‬مستفيدا‬
‫من الوسائل واألدوات العلمية المناسبة‪ ،‬لجمع المعلومات وتحليلها واستخالص‬
‫النتائج‪ ،‬ويتوقع من باحث التخصص العالي (الماستر) باإلضافة إلى التنظيم الجيد‬
‫للمعرفة العلمية حول موضوعه‪ ،‬اإلسهام ببعض التوضيحات‪ ،‬واإلشارة إلى بعض‬
‫الترجيحات في اآلراء واالتجاهات التي يعرضها‪ ،‬واالنضباط التام بقواعد أسس‬
‫البحث العلمي في األمانة العلمية‪ ،‬والوضوح في التعبير عن آراء اآلخرين‪ ،‬ثم التأدب‬
‫في اإلسهامات الشخصية‪ ،‬التي يمكن أن تضاف إلى الهيكل المعرفي‪ ،‬الذي يعمل‬
‫في حقله الطالب ‪ -‬الباحث‪.‬‬
‫ويركز على طالب الماستر‪ ،‬أن يبين أهليته وأصالته في االنضمام إلى ركب‬
‫الباحثين‪ ،‬وذلك من خالل إشاراته النيرة‪ ،‬إلى نقاط االستفادة من اإلطار النظري أو‬
‫الفكري الذي استخدمه من ناحية‪ ،‬وأيضا إلى التوضيحات التي بإمكانه أن يشير‬
‫إليها‪ ،‬وتثير لديه –أو في غيره – رغبة االستمرار في البحث والتنقيب من ناحية‬
‫أخرى‪ ،‬فال ينهي طالب التخصص العالي بحثه بنتائج نهائية أو كاملة‪ ،‬بل يطرح‬
‫ويقترح قضايا صالحة للدراسة في المستقبل‪.‬‬
‫‪ .3‬شهادة الدكتوراه‪Le Doctorat :‬‬
‫يضمن هذا الطور من التكوين الذي تبلغ مدته الدنيا ستة (‪ )06‬فصول أي‬
‫‪ 03‬سنوات على األقل‪:‬‬
‫‪-‬تعميق المعارف في تخصص محدد‪.‬‬

‫‪591‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬تحسين المستوى عن طريق البحث ومن أجل البحث (تنمية االستعدادات‬


‫للبحث‪ ،‬معنى العمل في فريق‪ )...‬ويتوج هذا الطور من التكوين بشهادة دكتوراه بعد‬
‫المناقشة‪.‬‬
‫إن ما يبرر إعادة توجيه التكوين في مستوى الدكتوراه أيضا هو ظهور حرف‬
‫جديدة تكون مدتها محددة أحيانا كنتيجة للتطور التكنولوجي‪ ،‬وتطور الطلب شيئا‬
‫فشيئا إلى التخصص النوعي والتكويني في مستوى الدكتوراه الذي ينبغي أن يبقى‬
‫أولوية لدى كل مؤسسة جامعية‪ ،‬ويجب أن يحقق األهداف التي وضع من أجلها‪،‬‬
‫ويتوج هذا الطور من التكوين بشهادة دكتوراه بعد تحضير رسالة بحث في التخصص‪.‬‬
‫تحتاج مدة التكوين لمستوى الدكتوراة‪ ،‬إلى ثالث سنوات تقسم إلى ستة‬
‫فصول دراسية‪ ،‬تتضمن األبحاث في هذا المستوى‪ ،‬تعميق المعارف في االختصاص‪،‬‬
‫وتعزيز روح البحث العلمي لدى الطالب‪ -‬الباحث‪ ،‬وتنمية االستعداد لممارسة‬
‫البحث العلمي‪ ،‬ومعنى العمل االجتماعي‪.‬‬
‫وهذا المستوى من البحث العلمي‪ ،‬يعتمد إلى حد كبير على الخطوات الجادة‬
‫التي قطعها الباحث‪ ،‬في مراحل إعداده السابقة‪.‬‬
‫فالطالب ‪ -‬الباحث راسخ القدم في استيعابه لإلطار الفكري والنظري في‬
‫مجال تخصصه‪ ،‬يستطيع انتقاء أو اختيار قضايا تصلح الن تناقش مناقشة دقيقة‪.‬‬
‫وهذه القضايا في الغالب هي جزء من اهتمامات الطالب ‪ -‬الباحث في‬
‫المستويات السابقة‪ ،‬يحاول في هذا المستوى أن يفرد لها دراسة دقيقة‪.‬‬
‫وباعتبار درجة التخصص الدقيق (الدكتوراه) هي أعلى درجة علمية ينالها‬
‫الطالب ‪ -‬الباحث العلمي‪ ،‬فان التركيز على ضوابطها العلمية‪ ،‬يأخذ الجزء األكبر‬
‫من جهود الباحثين‪.‬‬

‫‪592‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫واهم ميزة ألبحاث التخصص الدقيق‪ ،‬تناولها لفكرة مبتكرة‪ ،‬وهذا ال يعني أن‬
‫يأتي طالب هذا المستوى بموضوع جديد دائما‪ ،‬وإنما المهم‪ ،‬هو اكتشاف قضايا‬
‫غامضة في مجال تخصصه‪ ،‬ومحاولة توضيح هذا الغموض بصورة تجعل القارئ‬
‫لتقريره النهائي‪ ،‬يصل إلى االعتراف بجهد الباحث في الكشف واإلضافة‪.‬‬
‫وبطبيعة الحال‪ ،‬فأول قارئ لتقرير الطالب ‪ -‬الباحث على هذا المستوى هو‬
‫األستاذ المشرف‪ ،‬ثم األطر األخرى التي عليه أن يعرض موضوعه عليها‪ ،‬مثل‬
‫الحلقات العلمية والندوات‪ ،‬واللجان العلمية باألقسام والكليات والجامعات‪ ،‬وهذه‬
‫أطر لها خلفيات جيدة حول طبيعة األبحاث العلمية على هذا المستوي‪.‬‬
‫وبعد أن يجاز الطالب ‪ -‬الباحث في االختيار لموضوع صالح لبحث على هذا‬
‫المستوى‪ ،‬تبقى المهمة الملقاة على عاتقه القيام بها‪ ،‬هي البرهـنة على أهليته للبحث‬
‫العلمي على هذا المستوى‪ ،‬وفي فترة زمنية محددة في معظم الجامعات‪.‬‬
‫فاألبحاث على مستوى التخصص الدقيق‪ ،‬ليست نهاية المطاف لدرجات‬
‫البحث العلمي‪ ،‬فمعظم الباحثين يعتبرون نهاية مرحلة التخصص الدقيق (الدكتوراه)‬
‫وإجازتها‪ ،‬إشارة لفتح اآلفاق أمامهم‪ ،‬ألبحاث أكثر أصالة وابتكارا‪ ،‬تقوم على أعلى‬
‫درجات التنظيم والتدقيق التي اكتسبوها في المراحل السابقة‪.‬‬
‫وتعرض أبحاث ما فوق التخصص العالي‪ ،‬في الغالب في المجاالت العلمية‬
‫المحكمة‪ ،‬والندوات والمؤتمرات العلمية‪ ،‬أو تنشر ضمن أعمال الكليات والجامعات‬
‫ومنشوراتها‪ ،‬وهي التي يعتمد عليها‪ ،‬في اكتساب المكانة والسمعة العلمية لدى‬
‫الباحث‪.‬‬
‫فليس من الباحثين العلمين‪ ،‬من يلقي قلمه أو يهجر مختبره‪ ،‬بمجرد إجازة‬
‫أطروحته للتخصص الدقيق(الدكتوراه)‪ ،‬ويتحول إلى عنصر عـادي أو إداري‪ ،‬ضمن‬
‫المؤسسة الجامعية أو العلمية‪.‬‬

‫‪593‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وهي إشكالية‪ ،‬تواجه بعض من اجتازوا مستوى التخصص الدقيق (الدكتوراه)‬


‫في العالم النامي‪ ،‬أما زمالءهم في الدول المتقدمة‪ ،‬فان الجامعات ومراكز البحث‬
‫العلمي عندهم‪ ،‬هي للباحثين المستمرين‪ ،‬في البحث العلمي فقط‪.‬‬
‫ولنظام (‪ )L.M.D‬ركائز هي‪:‬‬
‫‪ .1‬تنظيم الدراسات القائم أساسا على الحصول على شهادات (‪)L.M.D‬‬
‫ليسانس‪ ،‬ماستر‪ ،‬دكتوراه التي ينبني عليها التعليم العالي‪.‬‬
‫‪ .2‬التنظيم الخاضع لنظام الفصالت‪ ،‬ووحدات التعليم الخاضعة للتحويل‬
‫والتراكم المحفوظ‪ ،‬فالحصول على الوحدة التعليمية‪ ،‬يعد نهائيا‪ ،‬ويمكن استعماله في‬
‫مسار تكويني آخر‪ ،‬كما يرتكز نظام (‪ )L.M.D‬على رؤية أكثر انسجاما بخصوص‬
‫توفير التكوينات‪ ،‬حيث تكون العروض على شكل "مجاالت" وتنظم على شكل‬
‫"مسارات نموذجية"‪.‬‬
‫‪ .3‬عرض التكوين‪ :‬وهو عبارة عن دفتر شروط يحدد األهداف‪ ،‬والمضامين‬
‫التدريسية للتكوين المقترح وللشهادات المتوجة له‪ ،‬وكذا اإلمكانيات البشرية‬
‫والمادية الضرورية‪ ،‬من أجل التأطير والتجهيز والتمويل‪ ،‬كما يتفرع عرض التكوين إلى‬
‫ميدان وفرع وتخصص‪ ،‬ويقدم مسالك متنوعة ومعابر ما بين هذه المسالك تضمن‬
‫توجيها تدريجيا للطلبة‪ ،‬كما يتضمن عرض التكوين وحدات تعليمية استكشافية‬
‫تسمح بانفتاح حقيقي على مجاالت معرفية أخرى ووحدات تعليمية أفقية تكمل‬
‫تكوين الطالب من حيث كونها توسع حقل معارفه وذلك باكتساب ثقافة عامة‪.‬‬
‫‪ .4‬ميدان (مجال) التكوين‪:‬الميدان هو تجميع عدد من التخصصات في‬
‫مجموعة منسجمة‪ ،‬سواء من حيث وحدتها األكاديمية والمعرفية أو من حيث فرص‬
‫التشغيل التي تتيحها‪ ،‬مثال يمكن ذكر الميادين اآلتية‪:‬‬
‫العلوم االقتصادية والحقوقية والتجارية وعلوم التسيير‪.‬‬

‫‪594‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫علوم وتقنيات (الرياضيات‪ ،‬اإلعالم اآللي‪ ،‬الفيزياء‪ ،‬الكيمياء‪ ،‬علم الهندسة)‪.‬‬


‫آداب ولغات‪.‬‬
‫العلوم االجتماعية واإلنسانية‪.‬‬
‫علم الصحة (الطب‪ ،‬الصيدلة‪ ،‬البيطرة)‪.‬‬
‫‪ .5‬المسالك (‪ :)Parcours‬ضمن كل مجال أو ميدان تعرف بعض‬
‫المسارات النموذجية (‪ )Un Parcours-Type‬التي هي عبارة عن تخصصات‬
‫أو اختيارات‪ ،‬والمسار أو المسلك النموذجي عبارة عن تجمع منسجم لوحدات‬
‫تعليمية قابلة لالحتفاظ والتحويل‪ ،‬وفق منطق تدرج مالئم تحدده الفرق التدريسية‬
‫حسب أهداف محددة‪ ،‬تدمج المسالك المختلفة مقاربات متعددة التخصصات‬
‫وتتيح معابر تمكن الطالب من إنجاز مشروعه الدراسي وفق رغباته واستعداداته‬
‫(مسارات فردية ‪ ،)ParcoursIndividualisé‬إن هذه المسالك تتكون‬
‫باألساس من تجمع الوحدات التعليمية األساسية تحتوي على مواد تعليمية أساسية‬
‫ومهمة (‪ )Discipline Majeure‬تشكل نسبة ‪ 50‬إلى ‪ %60‬من مجموع‬
‫األرصدة (‪ 180‬رصيد)‪ ،‬ومواد تعليمية ثانوية (‪)Discipline Mineure‬‬
‫تشكل نسبة ‪ 30‬إلى ‪ %35‬من مجموع األرصدة‪ ،‬باإلضافة إلى مواد تعليمية أخرى‬
‫تشكل نسبة ‪ 5‬إلى ‪ % 15‬من مجموع األرصدة‪.‬‬
‫‪ .6‬الوحدات التعليمية‪)Les UnitésD'enseignement( :‬تتشكل‬
‫القاعدة األساسية للتنظيم التدريسي في نظام (‪ )L.M.D‬من وحدات تعليمية عبارة‬
‫عن مجموعات للتعلم (مقررات ومواد) منظمة بطريقة تدريسية منسجمة وحسب‬
‫منطق االنتقال‪ ،‬تقدم هذه الوحدات بشكل فصل‪ ،‬وتتوزع كما يلي‪:‬‬

‫‪595‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أ‪ .‬وحدات تعليمية أساسية (‪:)UE D'enseignementFondamental‬‬


‫تضم المواد التعليمية القاعدية الضرورية (‪ )Majeure‬التي تهدف إلى تقوية‬
‫المعارف القاعدية لمواصلة الدراسة في التخصص المختار‪.‬‬
‫‪UE‬‬ ‫(‬ ‫تكميلية‬ ‫أو‬ ‫استكشافية‬ ‫تعليمية‬ ‫وحدات‬ ‫ب‪.‬‬
‫‪ :)D'enseignementComplémentaire‬تضم المواد التعليمية الثانوية‬
‫(‪ ،)Mineure‬التي تسمح بتوسيع األفاق المعرفية للطالب‪ ،‬وتفتح له أفاق أخرى‬
‫في حالة إعادة توجيهه‪ ،‬وهي تعزز المواد التعليمية القاعدية‪.‬‬
‫ج‪ .‬وحدات تعليمية أفقية (‪ :)UE D'enseignementLibre‬تضم‬
‫المواد التعليمية التي توفر األدوات األساسية الكتساب ثقافة عامة وتقنيات منهجية‬
‫تنمي استعدادات االندماج والتكيف المهنيين في محيط يتسم بالتطور الدائم (اللغات‬
‫الحية‪ ،‬اإلعالم اآللي‪ ،‬تكنولوجيات اإلعالم واالتصال)‪.‬‬
‫كما تتكون الوحدات التعليمية من المحاضرات واألعمال الموجهة واألعمال‬
‫التطبيقية والمشاريع البحثية واإلختبارات‪ ،‬ولكل وحدة تعليمية قيمة محددة‬
‫باألرصدة‪ ،‬واكتساب الوحدة التعليمية‪ ،‬يعد اكتسابا نهائيا‪ ،‬وبالمقابل إن نظام‬
‫الوحدات التعليمية في نظام (‪ )L.M.D‬يتشكل من‪:‬‬
‫‪-‬تتكون وحدة التكوين من مادة أو أكثر‪.‬‬
‫‪-‬تزود كل وحدة تعليم ومادة بقيمة في شكل وحدات قياسية‪ ،‬حسب الحجم‬
‫الساعي أي عدد الساعات‪ ،‬وكذا حجم النشاطات الفردية‪.‬‬
‫‪-‬تحدد قيمة الوحدات القياسية لوحدة التعليم في ضوء القيمة اإلجمالية‬
‫للوحدات القياسية للفصل الواحد‪ ،‬المقدرة بـ ‪ 30‬وحدة قياسية‪.‬‬
‫وفي هذا النظام تتميز الوحدات التعليمية بالخصائص اآلتية‪:‬‬

‫‪596‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -‬الرسملة (‪ :)Capitalisation‬بمعنى أن الوحدات التعليمية المكتسبة‬


‫ال مجال إلعادتها‪ ،‬حتى لو تم تحويل الطالب إلى مؤسسة جامعية أخرى‪ ،‬إذ أن‬
‫اكتساب الطالب لوحدة تعليمية مع قيمتها باألرصدة يعد اكتسابا نهائيا‪ ،‬وعليه تصبح‬
‫هذه الوحدة مكتسبة بأرصدتها (قابلة لالكتساب أو لإلحتفاظ)‪.‬‬
‫‪ -‬الحركية (‪ :)La Mobilité‬وتدعى أيضا بقابلية التحويل؛ إذ أن‬
‫إكتساب هذه الوحدات التعليمية تمكن الطالب من تحويل ملفه التدريسي وتسجيله‬
‫في أي مؤسسة جامعية أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬الوضوحية (‪ :)Lisibilité‬وهي تمكن لسوق العمل أن يقارن بسهولة‬
‫شهادات (‪ )L.M.D‬في إطار التشغيل‪.‬‬
‫‪ -‬األرصدة‪)Crédits( :‬‬
‫الرصيد (القرض) هو وحدة قياس لما اكتسبه الطالب من معارف ومهارات‪،‬‬
‫معبر عنها بقيمة عددية‪ ،‬يتم تحديد عدد األرصدة لكل وحدة تعليمية على أساس‬
‫حجم العمل المطلوب القيام به من طرف الطالب للحصول على الوحدة ويجب أن‬
‫يراعي هذا الحجم كل النشاطات الواجبة على الطالب‪ ،‬وخاصة األحجام الساعية‬
‫للتعليم المقدم في شكل محاضرات وأعمال موجهة وأعمال تطبيقية‪ ،‬وكذا‬
‫اإلختبارات والمشاريع والنشاطات األخرى‪ ،‬إذن هو مرتبط بحجم العمل الفردي‬
‫(‪ ،)Travail Personnel‬حجم العمل الراهن (‪)Travail Présentiel‬‬
‫المطلوب من الطالب‪.‬‬
‫وتحدد قيمة مجمل الشهادات على شكل أرصدة بحيث يتم تحديد ‪180‬‬
‫رصيد لشهادة الليسانس‪ ،‬و‪ 300‬رصيد (‪ )120+180‬بالنسبة لشهادة الماستر‪،‬‬
‫ويمكن تفصيل ذلك بحيث‪:‬‬
‫كل فصل يوجد به ‪ 30‬رصيد‪.‬‬

‫‪597‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫السنة الدراسية تضم فصلين بمقدار ‪ 60‬رصيد‪.‬‬


‫شهادة ليسانس يتم تحصيلها بعد ‪ 3‬سنوات في الحد األدنى‪ ،‬أي ‪ 6‬فصول‬
‫بمقدار ‪ 180‬رصيد‪.‬‬
‫شهادة الماستر تكون بعد ‪ 5‬سنوات في الحد األدنى‪ ،‬أي ‪ 10‬فصول بمقدار‬
‫‪ 300‬رصيد‪.‬‬
‫ويتم التحصل على الرصيد‪ ،‬إما باكتساب كل وحدة تعليمية‪ ،‬أو بتطبيق طريقة‬
‫التعويضات بين مختلف الوحدات التعليمية‪.‬‬
‫‪-‬التقويم واالنتقال‪Evaluation et Progression :‬‬
‫يرتبط نمط التقويم بالفصالت‪ ،‬كل فصل يتكون من وحدات تعليمية‪ ،‬تقويمها‬
‫مرتبط باكتساب األرصدة والمواد التعليمية ومعامل المادة التي تتراوح من (‪1‬إلى‪،)3‬‬
‫وبشكل عملي يتم تقويم الوحدة التعليمية بمعدل عام وبقيمة مالزمة‬
‫‪crédit‬والمعدل العام هو الذي يثبت ما إذا كانت الوحدة مكتسبة أم ال‪ ،‬و في‬
‫هذه الحالة أي عندما ال تكتسب الوحدة التعليمية تكون للطالب الفرصة الكتسابها‬
‫في دورة اللحاق‪.‬‬
‫أما عن االنتقال فمن الناحية القانونية‪:‬‬
‫‪ .1‬يعد االنتقال من الفصل األول إلى الثاني من نفس السنة الجامعية حقا‬
‫لكل طالب مسجل في نفس المسلك‪.‬‬
‫‪ .2‬يعد االنتقال من السنة األولى إلى السنة الثانية ليسانس في نفس مسلك‬
‫التكوين‪ ،‬حقا للطالب المتحصل على الفصلين األوليين من مسار التكوين‪.‬‬
‫‪ .3‬يمكن أن يسمح باالنتقال من السنة األولى إلى الثانية ليسانس في نفس‬
‫مسلك التكوين‪ ،‬لكل طالب متحصل على ‪ 30‬وحدة قياسية على األقل‪ ،‬وذلك بعد‬
‫دراسة نتائجه من طرف فريق التكوين‪.‬‬

‫‪598‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ .4‬يعد االنتقال من السنة الثانية إلى السنة الثالثة ليسانس في نفس مسلك‬
‫التكوين‪ ،‬حقا للطالب المتحصل على الفصالت األربعة األولى من مسار التكوين‪.‬‬
‫‪ .5‬يمكن أن يسمح باالنتقال من السنة الثانية إلى الثالثة ليسانس في نفس‬
‫مسلك التكوين لكل طالب متصل على ‪ % 80‬من الوحدات القياسية الخاصة‬
‫بالفصالت األربعة األولى من مسار التكوين‪ ،‬وعلى وحدات التعليم األساسية في‬
‫المسلك المتبع‪ ،‬وذلك بعد دراسة نتائج الطالب من طرف فريق التكوين‪.‬‬
‫‪ .6‬يسمح للطلبة غير المقبولين لالنتقال إلى السنة الثالثة في مسلك تكوين‬
‫ما‪ ،‬حسب الحالة‪ ،‬إما بإعادة التسجيل في نفس المسلك‪ ،‬أو بالتوجيه نحو مسلك‬
‫تكوين آخر‪.‬‬
‫أما عن طريقة االنتقال فيتوقف ذلك على المعدل العام لجميع الوحدات‬
‫التعليمية في الفصل‪ ،‬فإذا كان المعدل يساوي أو يفوق ‪ 20/10‬فإن كل وحدة‬
‫تعليمية غير مكتسبة ستحسب مكتسبة نهائيا بالنسبة للمسار المختار‪ ،‬أما إذا كان‬
‫المعدل أقل من ‪ 20/10‬ومجموع قيم وحدات التعليم ال يتعدى ‪ 50‬بالمائة من قيم‬
‫السنة فاالنتقال يكون طبيعيا‪ ،‬ولكن يبقى على الطالب أن يعيد دراسة الوحدات‬
‫التعليمية غير المكتسبة‪ ،‬هذا من جهة ومن جهة أخرى‪ ،‬إذا لم يتحصل الطالب على‬
‫معدل ‪.20/10‬‬
‫وعليه فإن االنتقال مرتبط بـ‪:‬‬
‫خالل السنة األولى إذا لم يتراكم للطالب أكثر من ‪ 50‬بالمائة من الديون‬
‫ينتقل إلى السنة الثانية ويجب عليه أن يحصل على كل الوحدات التعليمية التي‬
‫تنقصه فيما بعد‪.‬‬

‫‪599‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫أما في السنة الثانية فإذا لم تتراكم لديه ديون أكثر من ‪ 20‬بالمائة من الديون‬
‫المطالب بها في السنة األولى والثانية مع النجاح في الوحدات التعليمية التي أخفق‬
‫في الحصول عليها‪.‬‬
‫معدل المقياس يساوي االمتحان مضروب في ‪ ،02‬نقطة األعمال الموجهة‬
‫(‪ )TD‬الكل مقسوم على ‪ 03‬وإذا كان هناك عمل شخصي فيُضاف ويقسم على‬
‫‪.04‬‬
‫معدل الوحدة يساوي مجموع المقاييس مضروب في معامالتها مقسومة على‬
‫عدد القروض‪.‬‬
‫معدل الفصل يساوي مجموع الوحدات في قيمة قروضها مقسومة على عدد‬
‫القروض‪.‬‬
‫المعدل العام يساوي مجموع الفصلين مقسوم على ‪.02‬‬
‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أنه يتم في بداية الفصل نشر كل ما يتعلق باالختبارات‪:‬‬
‫عددها وطبيعتها ومدتها وكذا أنماط المراقبة المعتمدة‪ ،‬والترجيح المطبق‪ ،‬حيث‬
‫يعتمد هذا األخير على طبيعة االختبارات وعلى أنماط المراقبة المعتمدة‪ ،‬وهذا كله‬
‫يكون في شكل مذكرة دروس (‪.)Syllabus‬‬
‫من خالل ما تقدم يمكن االستنتاج أن هذا النظام يتكون من ثالثة‬
‫أطوار(داخلية)‪:‬‬
‫‪ .1‬الطور األولى‪ :‬يمتد لفصلين على األكثر‪ ،‬وهو للتعرف على الجامعة‬
‫والتكيف معها‪ ،‬واكتشاف التخصصات‪.‬‬
‫‪ .2‬الطور الثاني‪ :‬يمتد لفصلين على األقل‪ ،‬وهو طور لتعميق المعارف‬
‫والتوجيه التدريجي‪.‬‬

‫‪600‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ .3‬الطور الثالث‪ :‬هو طور للتخصص‪ ،‬يمكن الطالب من اكتساب المعارف‬


‫والكفاءات في التخصص المختار‪ (.‬اإلمام‪)202،‬‬
‫ه‪-‬خصائص نظام (‪ :)L.M.D‬يمكن أن استنتاج أن هذا النظام يتميز بـ‪:‬‬
‫تثمين التكوين قصير المدى شهادة الليسانس ومدتها ثالث سنوات وفق‬
‫مخطط مشترك مهما كانت الفروع والتخصصات‪ ،‬وتثمين مثل هذا التكوين يتطلب‬
‫إعادة النظر في ترتيب هذه الشهادة في سلم الوظائف والمهن‪.‬‬
‫استبدال شهادة الدراسات العليا (‪ )DES‬بشهادة تكون أكثر تحديدا وأكثر‬
‫مقروئية‪ ،‬شهادة اليسانس أو الماستر حسب مدة الدراسة‪.‬‬
‫تسمح الهيكلة الجديدة بمواجهة األعداد المتزايدة للطلبة وتنظيم أحسن‬
‫للدراسات‪ ،‬وتقليص الحجم الساعي األسبوعي‪.‬‬
‫يسمح بمقروئية أفضل للشهادات الوطنية‪ ،‬إذ يحقق تناغم النظام الوطني‬
‫للتعليم العالي مع أنظمة التعليم العالي في العالم‪ ،‬بمعنى مواكبة التغيرات واالعتراف‬
‫بالشهادة ذات المستوى العالمي‪.‬‬
‫إدخال ممارسات تدريسية جديدة (تحسين الجودة التدريسية) ومقاربات‬
‫إبتكارية في بناء برامج للتعليم والتكوين مستوحاة مباشرة من احتياجات المجتمع‪،‬‬
‫وكذا من خالل تطوير قدرات البحث وتطبيقاته‪.‬‬
‫يقتضي هذا النظام إعادة تحديد الوظائف الموكلة للجامعة في عالقتها مع‬
‫القطاع االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬وكذا إعادة ضبط أشكال مشاركتها في حل المشاكل‬
‫المرتبطة بالنمو االقتصادي والتطور االجتماعي‪.‬‬
‫تكييف البرامج بما يتماشى والتوجهات العالمية المتمثلة في تنويع مالمح‬
‫التكوين وتكييفها مع الحقائق التي تمليها عولمة االقتصاد والتطور التكنولوجي‬
‫والعلمي‪.‬‬

‫‪601‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫توفير حرية أكبر للطالب طالما أن المبدأ يتمثل في جعل الطالب يصل إلى‬
‫أعلى مستوى تتيحه له مهاراته وقدراته الذاتية‪ ،‬وذلك من خالل تنويع مدروس‬
‫للمسارات التعليمية‪.‬‬
‫يفرز هذا النظام مخططا عاما يسمح بتوجيه تدريجي ومضبوط من خالل تنظيم‬
‫محكم للتعليم ومالمح التكوين يتميز بوجود‪:‬‬
‫نظام تعليم فصل يضم وحدات تعليم أساسية ووحدات تعليم اكتشافيه‬
‫ووحدات تعليم مشتركة‪.‬‬
‫تزود كل وحدة تعليمية بقيمة في شكل وحدات قياسية‪.‬‬
‫وحدات التعليم قابلة لالكتساب وقابلة للتحويل‪.‬‬
‫يعتمد الترجيح على طبيعة االختبارات وعلى أنماط المراقبة المعتمدة‪.‬‬
‫نظام االنتقال سنوي‪.‬‬
‫تنظم مجاالت التكوين مجموعة من الفروع والتخصصات والشعب في شكل‬
‫مسالك تكوين نموذجية مع إمكانية العبور بين المسالك‪.‬‬
‫وقد حدد بعض الباحثين أهم ما يتميز به هذا النظام في كونه يوفر‪:‬‬
‫التكوين النوعي‪ :‬الذي يتمثل في مرونة مسار تكوين الطالب‪ ،‬وسهولة توجيهه‬
‫أو إعادة توجيهه أو إثراء تكوينه عن طريق المنافذ بين المسارات‪ ،‬كما يتمثل أيضا‬
‫في تشجي حركية وديناميكية واستقاللية الطالب‪ ،‬وترقية التكاملية بين المواد‪ ،‬وتقوية‬
‫الكفاءات العرضية مثل التحكم في اللغات الحية واإلعالم اآللي‪ ،‬إنه تكوين يتكيف‬
‫مع الوقت وله مردود في اإلنتاج‪.‬‬
‫المسعى النوعي‪ :‬الذي يسمح بإظهار مستوى التقويم تبعا للمسار المتبع‪:‬‬
‫مسار نموذجي يتكون من وحدات تعليمية إجبارية وأخرى اختيارية‪ ،‬ومسار فردي‬
‫لذوي المشاريع الخاصة‪.‬‬

‫‪602‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫تنمية أبعاد متعددة القيم‪ :‬كروح التجديد واالبتكار‪ ،‬والتحلي بالمسؤولية‪،‬‬


‫وااللتزام في الحياة االجتماعية‪ ،‬والقدرة على التواصل والتكيف والمنافسة‪.‬‬
‫ومقارنة باإلصالحات السابقة التي مرت بها الجامعة الشادية‪ ،‬فإن نظام‬
‫(‪ )L.M.D‬قدم رؤية جديدة لسياسة التكوين الجامعي تتمثل في‪:‬‬
‫استقاللية الجامعة على أساس تسيير أنجع‪.‬‬
‫إعداد مشروع جامعة يشمل االنشغاالت المحلية والوطنية واإلقليمية والعالمية‬
‫على المستوى االقتصادي والعلمي واالجتماعي والثقافي‪.‬‬
‫عروض تكوينية متنوعة ومنظمة بالتشاور مع القطاع االقتصادي‪.‬‬
‫تدريسية نشطة يشرف فيها الطالب على تكوينه‪ ،‬وتكون الفرق التدريسية بمثابة‬
‫دعم ودليل ترافقه طيلة مساره التكويني‪.‬‬
‫تقييم مستمر ودائم لمؤسسات التعليم وبرامجها‪.‬‬
‫تعبئة كل األسرة الجامعية والتحامها‪.‬‬
‫‪ARERETE N° /PR/PM/MESRSFP/SG/07‬‬
‫‪Portant Organisation des Etudes Universitaires dans les cadre du Système LMD‬‬
‫‪et leurs habilitation et évaluation‬‬
‫هذه هي رؤية الدولة الشادية لنظام(ل‪ .‬م‪ .‬د‪ (L.M.D .‬ودوره في انجاز‬
‫الطالب الجامعي بجامعة أنجمينا‪ ،‬فكيف يراه الطالب الجامعي بجامعة أنجمينا عامة‪،‬‬
‫وطالب كلية العلوم التربوية الحديثة خاصة؟‬

‫‪603‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫رابعـ ــا‪-‬اإلج ـ ـراءات المنهاجيـ ــة لدراسـ ــة تكيـ ــف الطالـ ــب الـ ــدارس‬
‫بالعربية في جامعة أنجمينا‬
‫ونضرب المثال بالدراسة الميدانية "تحقيق الذات االجتماعية دراسيا من خالل‬
‫تطبيق نظام(‪ )L.M.D‬في جامعة أنجمينا ‪2015‬م" التي أجراها الباحث على طالبه‬
‫في جامعة أنجمينا كلية العلوم التربوية‪ ،‬األقسام العربية في العام الجامعي ‪-2015‬‬
‫‪2016‬م‪ ،‬وقد اعتمدت هذه الدراسة في المقارنة على دراسة ميدانية سابقة‪ ،‬قامت‬
‫بها الباحثة‪ :‬سلمى اإلمام‪ ،‬تحت عنوان" صنع السياسة العامة في الجزائر‪ ،‬دراسة‬
‫حالة السياسة التعليمية الجامعية ‪2007-1999‬م" مذكرة لنيل شهادة الماجستير‬
‫في العلوم السياسية والعالقات الدولية‪ ،‬جامعة بن يوسف بن خدة‪،‬‬
‫الجزائر‪2007،‬م‪ (.‬اإلمام‪)213،‬‬
‫تتضمن اإلجراءات المنهاجية في الدراسات الميدانية عددا من العناصر‪،‬‬
‫أهمها‪ :‬تحديد أهمية الدراسة وأهدافها‪ ،‬والفروض ومجتمع الدراسة‪ ،‬وعمليات جمع‬
‫البيات وتحليلها‪ ،‬واستخالص النتائج‪.‬‬
‫أ‪ -‬أهداف الدراسة‬
‫تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق غرضين هما‪:‬‬
‫الهدف النظري‪ :‬والذين يتمثل في توضيح مدى وجود معوقات لتحقيق الذات‬
‫للطالب الجامعي بجامعة أنجمينا عامة‪ ،‬وطالب كلية العلوم التربوية الحديثة خاصة‪،‬‬
‫ومدى أثرها على طموحات الطالب وتحقيق ذاته دراسيا‪ ،‬وعالقة ذلك بالمتغيرات‬
‫المستقلة ؟‬
‫الهدف العملي‪ :‬ويتمثل في إمكانية تحقيق فروض هذه الدراسة‪ ،‬واالستفادة‬
‫من نتائجها في التطبيق العملي‪ ،‬من خالل مشاريع تنموية‪ ،‬تقوم على الحد من‬
‫معوقات تحقيق ذات الطالب الجامعي دراسيا في جامعة أنجمينا عامة‪ ،‬وطالب كلية‬
‫‪604‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫العلوم التربوية الحديثة خاصة‪ ،‬والتأكيد على العوامل التي تشجع تحقيق الذات‬
‫دراسيا‪ ،‬من خالل االستفادة من ايجابيات النظام الجامعي الجديد(ل‪ .‬م‪.‬‬
‫د‪.)L.M.D.‬‬
‫ب‪ -‬فروض الدراسة‬
‫تنطلق فروض هذه الدراسة من قاعدة تقول‪ :‬إن الطالب الجامعي يحقق ذاته دراسيا‪،‬‬
‫من خالل استفادته من المميزات التي يوفرها النظام التربوي الجامعي الجديد‪ ،‬بأن ينال‬
‫الليسانس في ستة فصول في الحد األدنى‪ ،‬والماستر في أربعة فصول في الحد األدنى‪،‬‬
‫والدكتوراة في ستة فصول دراسية في الحد األدنى‪ ،‬إن نظام الفصالت تجعل من المتكون‬
‫(الطالب الجامعي)‪ ،‬محورا أساسيا في العملية التكوينية بكل أبعادها‪ ،‬إذ يتيح نظام‬
‫(‪ )L.M.D‬للمتكون حرية اختيار توجيهه ومسارات شهادته‪ ،‬وهو األمر الذي يجعل‬
‫المتكون مطالبا بأن يكون فاعال في تكوينه‪ ،‬إذ يلزمه بالعمل الدؤوب والبحث‬
‫المستمر من خالل البحث في المكتبات واستخدام الوسائل والتقنيات الحديثة‬
‫وتكنولوجيا اإلعالم المتطورة‪ ،‬وبهذا يكون التكوين الجامعي ثالثة أرباع (‪ )4/3‬عمل‬
‫فردي للطالب‪.‬‬
‫ونسعى من خالل هذه الدراسة إلى تحقيق الفروض التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬إن الطالب متعلم األبوين أو أحدهما‪ ،‬وصغير السن‪ ،‬والذي يرتفع وضع أسرته‬
‫االقتصادي‪ ،‬والمستقر أسريا‪ ،‬يتجه أكثر من الطالب اآلخرين لمواجهة معوقات تحقيق الذات‬
‫دراسيا‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الطالب ذو األسرة األقل تعليما‪ ،‬والطالب الذي ينحدر من أسرة‬
‫ضعيفة اقتصاديا‪ ،‬وكبير السن‪ ،‬والطالب ذو األسرة المفككة‪ ،‬تضعف اتجاهاته نحو‬
‫تحقيق الذات دراسيا‬

‫‪605‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -3‬تتمحور معوقات تحقيق الذات دراسيا في ضعف اإلدارة الرشيدة‪،‬‬


‫وغموض المنهج الدراسي‪ ،‬وانخفاض كفاءة عضو هيئة التدريس‪ ،‬وضعف أداء‬
‫الطالب‪.‬‬
‫ج‪ -‬عمليات جمع البيانات‬
‫لقد استخدم الباحث في تصميم أدوات جمع بيانات هذه الدراسة‪ ،‬جميع‬
‫الوسائل المستخدمة في الدراسات الميدانية في علم االجتماع التربوي مثل‪:‬‬
‫االستفادة من المصادر الثانوية من سجالت إحصائية ودراسات سابقة‪ ،‬سواء منشورة‬
‫في مجالت علمية محكمة أو كتب أو أبحاث عرضت في مؤتمرات علمية أو‬
‫نوقشت في رسائل جامعية‪ ،‬ثم أتبع ذلك بتصميم استمارة استبيان‪ ،‬تضمنت جميع‬
‫األبعاد والمتغيرات التي تقيس معوقات تحقيق الذات االجتماعية دراسيا‪ ،‬هذا‬
‫باإلضافة إلى االستفادة من الخبرات الشخصية للباحث بالتطورات التربوية التي يمر‬
‫بها الطالب الجامعي في التعليم العالي الشادي عامة‪ ،‬وجامعة أنجميناكلية العلوم‬
‫التربوية خاصة‪.‬‬
‫استعان الباحث في جمع البيانات بطالبه في كلية العلوم التربوية جامعة‬
‫أنجمينا‪ ،‬دفعة‪2016-2015‬م‪ ،‬وبالتالي تم تدريبهم وتزويدهم بمعرفة الخلفية العامة‬
‫للبحث‪ ،‬من خالل عرض أهدافه وفروضه‪ ،‬وأدوات وطرق جمع بياناته‪ ،‬وكذلك‬
‫تدريبهم على معرفة أساليب المقابلة الناجحة‪ ،‬وما يتعلق باألساليب الفنية الستمارة‬
‫االستبيان‪ ،‬مضمنا الكيفية الناجعة لتقديم أنفسهم إلى المبحوثين‪ ،‬وكيفية قراءة‬
‫االستبيان‪ ،‬وتدوين اإلجابات بدقة‪ ،‬فليس للباحث فرصة للرجوع إلى المبحوث‬
‫الستدراك أي نقص في البيانات‪ ،‬ونظرا لطبيعة ونوع الدراسة تم االعتماد على العينة‬
‫العشوائية البسيطة‪ ،‬والتي تعطي فرصة لكل عنصر من عناصر المجتمع األصلي‬

‫‪606‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫للدراسة بالظهور‪ ،‬وهم طالب األقسام العربية بكلية العلوم التربوية في العام الجامعي‬
‫‪2016-2015‬م‪.‬‬
‫بعد نهاية جمع البيانات‪ ،‬قام فريق العمل– تحت إشراف الباحث – بمراجعة‬
‫جميع االستمارات‪ ،‬وهنا تم استبعاد االستمارات الناقصة‪ ،‬ثم تم تشكيل مجموعات‬
‫من المتدربين لتفريغ البيانات‪ ،‬ليسهل التعامل معها إحصائيا‪.‬‬
‫‪-‬خصائص مجتمع الدراسة‬
‫شمل مجتمع البحث على عينة من مكونة من (‪ )55‬طالبا وطالبة من كلية‬
‫العلوم التربوية جامعة أنجمينا األقسام العربية‪ ،‬في العام‪2016/2015‬م‪.‬‬
‫‪-‬الحالة العمرية للمبحوثين‪:‬‬

‫الرسمة رقم (‪ )1‬توضح الحالة العمرية للمبحوثين‬

‫‪49%‬‬

‫أقل‪20-‬‬
‫‪18%‬‬
‫‪33%‬‬ ‫‪21-24‬‬
‫‪25-30‬‬

‫يتضح من الرسمة السابقة‪ ،‬أن غالبية أفراد مجتمع البحث من الطالب من‬
‫كبار السن‪ ،‬بنسبة وصلت إلى(‪ ،)%49‬وهذا وضع يعبر عن خروج عن بعض معايير‬
‫النظام الجامعي الجديد‪ ،‬والذي يستهدف استفادة الطالب الجامعي من زمنه‪ ،‬بحيث‬
‫يدخل إلى الجامعة في عمر مبكر‪ ،‬ويتخرج في زمن مبكر‪ ،‬أي أن النظام الجامعي‬
‫الجديد يفترض‪ ،‬أنه يستقبل الطالب الشاديين‪ ،‬في سن ‪19‬سنة‪ ،‬بعد أن يجتاز‬

‫‪607‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المراحل العمرية والدراسية على النحو التالي‪ ،)3+4+6+6(:‬بمعنى يدخل الطفل‬


‫المدرسة وعمره‪6‬سنوات‪ ،‬ثم يقضي‪6‬سنوات في االبتدائي‪ ،‬و‪4‬سنوات في‬
‫اإلعدادي‪،‬و‪3‬سنوات في الثانوي‪ ،‬ويتطلب منه الدخول في النظام الجامعي الجديد‬
‫وعمره(‪)19‬عاما‪ ،‬وال يوجد من عينة البحث في هذا العمر المثالي‪ ،‬إال نسبة‬
‫(‪ ،)%18‬أما األعمار المتوسطة‪ ،‬فكانت نسبتها في العينة (‪ ،)%33‬أما مقارنة‬
‫العمر في عينة الجامعة الجزائرية‪ ،‬فيتضح أن أفراد العينة المتوسطة هي الغالبة أيضا‪،‬‬
‫إذ يبلغ ‪ % 70‬منهم من ‪ 21‬إلى ‪ 25‬سنة‪ ،‬في حين ‪ %20‬منهم تبلغ من ‪18‬‬
‫إلى ‪ 20‬سنة‪ ،‬في حين يبلغ ‪ 25 %10‬سنة فما فوق‪ ،‬وهذا يعني تقارب في‬
‫األوضاع العمرية للدراستين في طالب الجامعتين الجزائرية والشادية‪ ،‬رغم اختالف‬
‫المكان والزمان والظروف االجتماعية واالقتصادية والثقافية‪( .‬اإلمام‪)218،‬‬
‫‪-‬الحالة النوعية(الجندرية) للمبحوثين‬

‫الرسمة رقم (‪ )2‬توضح النوع للمبحوثين‬

‫‪7%‬‬

‫ذكر‬
‫‪93%‬‬ ‫أنثى‬

‫يتضح من الرسمة السابقة‪ ،‬أن غالبية أفراد مجتمع البحث من الذكور‪ ،‬بنسبة‬
‫وصلت إلى(‪ ،)%93‬وهذا وضع يعبر عن اتجاه تقليدي‪ ،‬في تعليم العنصر النسائي‬
‫في النظام الجامعي الجديد‪ ،‬وهو وضع في طريقه إلى التغيير في المستقبل‪ ،‬إذا‬
‫‪608‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وضعت سياسات تربوية تشجع دمج العنصر النسائي في التعليم العالي العربي‬
‫الشادي‪ ،‬بنسبة تعليم للبنات وصلت إلى ‪ %16‬في التعليم العالي الشادي عامة في‬
‫الخطة الوطنية للتنمية (‪2021-2017‬م)‪)PND-TD,2017-2021,P.27(.‬‬
‫وهذا ما يخالف ما توصلت إليه دراسة الجزائر‪ ،‬حيث وصلت نسبة اإلناث في‬
‫مجتمع الدراسة في الجامعة الجزائرية (‪ )%71‬في حين تبلغ نسبة الذكور‬
‫نسبة‪ ،%29‬رغم وجود تقارب في الهيكل الديموجرافي في كال المجتمعين بسيادة‬
‫العنصر النسائي‪( .‬اإلمام‪)217،‬‬
‫‪-‬الحالة التعليمية لوالديالمبحوثين‪:‬‬

‫الرسمةرقم (‪ )3‬توضح المستوى التعليمي لوالدي الطالب الجامعي‬

‫‪24%‬‬
‫‪50%‬‬
‫متعلمين‬
‫‪26%‬‬ ‫متعلم أحدهما‬
‫غير متعلمين‬

‫يتضح من الرسمة السابقة‪ ،‬أن غالبية أفراد مجتمع البحث من أسر متعلمة‪،‬‬
‫بنسبة وصلت إلى(‪ ،)%50‬وهذا اتجاه يعبر عن أهمية تعليم الوالدين‪ ،‬ليتيح الفرصة‬
‫لألبناء أن يواصلوا تحقيق ذاتهم دراسيا‪ ،‬ولكن وجود عدد من أفراد مجتمع البحث‬
‫من طالب جامعة أنجمينا‪ ،‬ينحدر من أسر غير متعلمة‪ ،‬وصلت نسبتهم إلى‬
‫(‪ ،)%24‬يثير التخوف‪ ،‬ويعبر عن واقع انتشار األمية‪ ،‬والخوف من تأثيرها على‬
‫التعليم العالي لطالب المستقبل‪.‬‬

‫‪609‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫يرتبط الوضع الثقافي للوالدين كثيرا بانتشار التعليم في البلد‪ ،‬وفي شاد‬
‫تنخفض نسبة من يتقنون القراءة والكتابة‪ ،‬ففي اإلحصاء السكاني لعام ‪1993‬م‪،‬‬
‫وصلت نسبة الذين تزيد أعمارهم عن (‪ )6‬سنوات من الشاديين‪ ،‬ويعرفون القراءة‬
‫والكتابة إلى (‪ ،)%10,8‬وهذا يعني أن (‪ )11‬من السكان في كل مائة فقط‬
‫يستطيعون القراءة والكتابة‪ ،‬وهذه النسبة ليست متساوية في األقاليم والمحافظات‬
‫الشادية‪ ،‬حيث نجدها منخفضة جدا في المناطق الشمالية التي تعتبر معقل المسلمين‬
‫مثل‪ :‬كانم (‪،)%3,5‬والبحيرة (‪ ،)%4,1‬وشاري بقرمية (بدون العاصمة )‬
‫(‪،)%5,3‬وبالمقابل نجد هذه النسبة فوق المتوسط في المحافظات الجنوبية مركز‬
‫المسيحية في شاد‪ ،‬مثل‪:‬لغون الغربية (‪ ،)%15,7‬ومايوكيبي (‪ ،)%14,1‬وقريب‬
‫من المتوسط في كل من لغون الشرقية (‪ ،)%10,6‬وشاري األوسط (‪،)%9,8‬‬
‫وهناك حاالت استثنائية في محو األمية في العاصمة أنجمينا‪ ،‬حيث تصل النسبة إلى‬
‫(‪،)%30,7‬وتفسر بتمركز المتعلمين في العاصمة‪ ،‬نظرا لتجمع مراكز التعليم‬
‫واإلدارات العامة في العاصمة أكثر من اإلقليم‪ ،‬والنسبة العامة لمحو األمية في شاد‬
‫غير متساوية بين الرجال والنساء‪ ،‬بل إن الرجال يفوقون النساء في هذا المجال‬
‫بنسبة (‪)%17,5‬مقابل(‪)%4,7‬وهذه النسب تختلف من محافظة إلى أخرى‪.‬‬
‫يتميز الوضع الثقافي للمسلمين في شاد بالضعف الشديد‪ ،‬حيث يسود بينهم‬
‫الجهل باعتبارهم من أقل المجموعات الدينية محوا لألمية‪ ،‬فقد أشار احصاء عام‬
‫‪1993‬م إلى أن نسبة المسلمين الذين يعرفون القراءة والكتابة ال تتعدى (‪7,9‬‬
‫‪ )%‬فقط‪ ،‬وهي نسبة ضعيفة جدا‪ ،‬إذا ما قورنت بنسبة (‪ )% 20,4‬لدى‬
‫البروتستانت الشادي ــين‪ ،‬و (‪) % 13,3‬لدى الكاثوليك الشاديين‪.‬‬
‫من المالحظ أن تطور التعليم للوالدين في شاد في العهد االستعماري‪ ،‬بدأ‬
‫متأخرا‪ ،‬فرغم وصول االستعمار الفرنسي منذ عام ‪1900‬م‪ ،‬إال أن نسبة محو األمية‬

‫‪610‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫في شاد االستوائية أيام االستقالل‪ ،‬لم تتجاوز (‪ ،)%2.5‬ولم تستهدف إال فئات‬
‫معينة‪ ،‬وأقاليم معينة‪ ،‬مثل‪ :‬الجنوب الشادي‪ ،‬نظرا لتمركز بعض الشركات الفرنسية‬
‫فيه‪ ،‬مثل‪ :‬شركات القطن والسكر واألرز والخمور‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وأيضا لموقف المسلمين‬
‫المتمثل في عدم إرسال أبنائهم إلى المدرسة الفرنسية‪ ،‬خوفا من التنصير‪ ،‬ومن‬
‫المالحظات الهامة أن نسبة أو معدل الذين محو أميتهم بالعربية قد انخفض بالمقارنة‬
‫مع إحصاء عام ‪1964‬م‪ ،‬وهو انخفاض من الصعب تفسيره إذا نظرنا إلى تطور ونمو‬
‫المؤسسات التعليمية العربية اإلسالمية في السنوات األخيرة‪ ،‬ولكن ما يمكن اإلشارة‬
‫إليه أن اإلحصاء أجري في ظروف معينة‪ ،‬أهمها السعي بأن ال تكون اللغة العربية لغة‬
‫رسمية في شاد‪ ،‬وذلك أثناء انعقاد المؤتمر الوطني المستقل في إبريل عام ‪1993‬م‪،‬‬
‫وهو نفس تاريخ إجراء اإلحصاء‪ ،‬فنسبة متدنية للذين يتلقون تعليمهم بالعربية قد‬
‫تكون مساعدة في القول بأن ال مكانة إحصائية للغة العربية في شاد تؤهلها للوصول‬
‫إلى لغة رسمية للبالد‪.‬‬
‫جدول رقم ( ‪ ) 1‬للمقارنة بين نسب محو األمية بالعربية والفرنسية بين‬
‫عام ‪1964‬م وعام ‪1993‬م حسب النوع (ذكر‪ /‬أنثى )‬
‫‪1993‬‬ ‫‪1964‬‬
‫اللغة‬
‫مجموع‪%‬‬ ‫مجموع‪ %‬رجال ‪ %‬نساء ‪%‬‬ ‫نساء ‪%‬‬ ‫رجال‪%‬‬

‫‪11,2‬‬ ‫‪4,7‬‬ ‫‪18,6‬‬ ‫‪2,1‬‬ ‫‪0,4‬‬ ‫‪4,3‬‬ ‫الفرنسية‬

‫‪2,7‬‬ ‫‪0,6‬‬ ‫‪5,1‬‬ ‫‪3,5‬‬ ‫‪0,2‬‬ ‫‪7,8‬‬ ‫العربية‬


‫المصدر‪ :‬جمهورية شاد‪ ،‬اإلحصاء العام للسكان‪ ،‬عام ‪1993‬م‪ ،‬المجلد‬
‫الثاني‪ ،‬الجزء السادس‪ ،‬أنجمينا‪ ،‬مارس ‪1995‬م‪ ،‬ص ‪.58‬‬

‫‪611‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ولهذا الجدول داللة إحصائية هامة‪ ،‬وهي تطور ملحوظ لمحو األمية‬
‫بالفرنسية‪ ،‬وهي التي كانت منخفضة عن العربية في إحصاء ‪1964‬م‪ ،‬مقابل انخفاض‬
‫ملحوظ لمحو األمية بالعربية التي كانت تفوق الفرنسية (‪ )% 2,1 / %3,5‬عام‬
‫‪1964‬م‪ ،‬بينما التطور في الفرنسية ظهر في ارتفاعها من (‪ )%2,1‬عام‪ 1964‬م‬
‫إلى (‪ )% 11,2‬عام ‪1993‬م‪ ،‬واالنخفاض في العربية واضـح من تدنيها من (‪3,5‬‬
‫‪ )%‬عام ‪1964‬م إلى (‪ )% 2,7‬عام ‪1993‬م‪.‬‬
‫وقد ساهمت البعثات الدينية في محو األمية في شاد‪ ،‬بل يالحظ أن اللغتين‬
‫العربية والفرنسية انتشرتا في شاد نتيجة الرتباطها بالدين في بعض األحيان‪ ،‬وزادت‬
‫الفرنسية على ذلك بتركيز اإلدارة الفرنسية على تعليمها ونشرها‪.‬‬
‫ولذلك فإن نظرة أولية للبيانات المتعلقة بعالقة الدين بمحو األمية تبين أن‬
‫اإلحصاءات تشير إلى ارتباط كبير بين الفرنسية والمسيحية‪ ،‬حيث أن الفرنسية تنتشر‬
‫لدى المسيحيين أكثر من المسلمين‪ ،‬ويتصدر النسبة البروتستانت حيث أنهم من‬
‫أكثر المجموعات الدينية محوا لألمية بنسبة تصل إلى (‪ )% 20,4‬يليهم أصحاب‬
‫الديانات األخرى بنسبة (‪ ،)% 15,0‬ثم الكاثــولي ــك (‪ ،)% 13,3‬ولم تصل نسبة‬
‫محو األمية لدى المسلمين إال إلى (‪ )%7,9‬وهي نسبة ضعيفة إذا ما قورنت بأهل‬
‫الديات السابقة‪.‬‬
‫وتظهر هذه اإلحصاءات‪ ،‬أنه ال فرق كبير بين التعلم باللغتين العربية والفرنسية‪،‬‬
‫لدي المسلمين (‪ )% 3,6‬مقابل (‪ ،)% 4,0‬ويمكن أن يعزى انخفاض نسبة‬
‫المسلمين المتعلمين بالفرنسية إلى رفض المدرسة الفرنسية المعروف لدى المسلمين‬
‫منذ أيام االحتالل في الكثير من المناطق‪ ،‬ولكن السؤال الذي تصعب اإلجابة عليه‬
‫هو انخفاض نسبة تعلم المسلمين بالعربية‪.‬‬

‫‪612‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫جدول رقم ( ‪ )2‬يبين نسب لغات محو األمية وعالقتها بالدين في شاد‬
‫لغ ــات محــو األمي ــة‬
‫جميع‬ ‫لغات‬ ‫فرنسي ‪ +‬عربي‬ ‫الدين‬
‫الفرنسية ‪ %‬العربية ‪%‬‬
‫اللغات‪%‬‬ ‫أخرى‪%‬‬ ‫‪%‬‬
‫‪7,0‬‬ ‫‪0,2‬‬ ‫‪0,0‬‬ ‫‪0,1‬‬ ‫‪6,8‬‬ ‫الوثنية‬
‫‪13,6‬‬ ‫‪0,3‬‬ ‫‪0,0‬‬ ‫‪0,1‬‬ ‫‪13,3‬‬ ‫الكاثوليك‬
‫‪7,9‬‬ ‫‪0,4‬‬ ‫‪0,2‬‬ ‫‪4,0‬‬ ‫‪3,6‬‬ ‫المسلمون‬
‫‪20,4‬‬ ‫‪0,6‬‬ ‫‪0,0‬‬ ‫‪0,1‬‬ ‫‪19,8‬‬ ‫البروتستانت‬
‫‪15,0‬‬ ‫‪0,6‬‬ ‫‪0,0‬‬ ‫‪0,1‬‬ ‫‪14,4‬‬ ‫أديان أخرى‬
‫‪9,2‬‬ ‫‪0,3‬‬ ‫‪0,0‬‬ ‫‪0,0‬‬ ‫‪8,8‬‬ ‫بدون دين‬
‫‪9,6‬‬ ‫‪0,4‬‬ ‫‪0,1‬‬ ‫‪2,3‬‬ ‫‪7,0‬‬ ‫غير محدد‬
‫‪10,8‬‬ ‫‪0,4‬‬ ‫‪0,1‬‬ ‫‪2,2‬‬ ‫‪8,3‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬جمهورية شاد‪ ،‬اإلحصاء العام للسكان‪ ،‬عـام ‪1993‬م‪ ،‬أنجمينا‪،‬‬
‫مارس‪1995،‬م‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫يالحظ القارئ أن نسبة محو األمية العامة في شاد وهي (‪ )% 10,8‬ال تتوزع‬
‫بشكل متوازن داخل المجموعات العرقية الكبرى‪ ،‬بل تتباين تباينا ملحوظا‪ ،‬مما‬
‫يجعلنا نتناول هذه العالقة بالدراسة والتحليل‪.‬‬
‫فالمجموعات العرقية األكثر محوا لألمية‪ ،‬هي‪ :‬مجموعات مايو كيبي‪،‬‬
‫والسارا‪ % 15,6( ،‬و ‪ )% 15,1‬على التوالي‪ ،‬وتتبعهم المجموعات المختلفة‬
‫بنسبة (‪ )% 13,1‬ومجموعة البقرمية (‪ )% 11,9‬ومجموعة تنجلي (‪) % 10,5‬‬
‫والمجموعات األخرى (‪.)% 10,1‬‬
‫وأهم داللة لهذه اإلحصاءات أن المجموعات المسلمة‪ ،‬ال ينتشر فيها التعليم‬
‫بشكل متساو مع المجموعات األخرى‪ ،‬فباستثناء مجموعة البقرمية التي أتت في ذيل‬

‫‪613‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫القائمة‪ ،‬ال توجد أي مجموعة عرقية مسلمة من المجموعات السابق ذكرها‪،‬‬


‫والجدول التالي يوضح هذه المالحظات‪.‬‬
‫جدول رقم (‪) 3‬يبين النسب المئوية أمية المجموعات العرقية الكبرى في شاد‬
‫النســبة المئويـة لمحو األمـية ‪%‬‬ ‫المجموعــات العرقيـة الكــبرى‬
‫‪6,2‬‬ ‫العرب‬
‫‪11,9‬‬ ‫البقر مية‬
‫‪7,5‬‬ ‫الفتري البطحاء‬
‫‪6,3‬‬ ‫القرعان‬
‫‪9,1‬‬ ‫الحجار‬
‫‪5,9‬‬ ‫الكانم‪-‬برنو‬
‫‪5,4‬‬ ‫بحيرة أيرو‬
‫‪15,6‬‬ ‫مايو كيبي‬
‫‪9,8‬‬ ‫وداي‬
‫‪5,6‬‬ ‫فوالني‬
‫‪15,1‬‬ ‫سارا‬
‫‪10,5‬‬ ‫تنجلي‬
‫‪10,1‬‬ ‫مجموعات أخرى‬
‫‪13,1‬‬ ‫مجموعات مختلفة‬
‫‪21,3‬‬ ‫أجانب‬
‫‪10,6‬‬ ‫غير محدد‬
‫‪10,8‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر‪ :‬جمهورية شاد‪ ،‬اإلحصاء العام‪ 1993‬م‪ ،‬أنجمينا‪ ،‬مارس ‪،1995‬‬
‫ص ‪.46‬‬

‫‪614‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫تعتبر اللغة العربية‪ ،‬اللغة األكثر انتشارا واستخداما في األوساط الشعبية‬


‫الشادية‪ ،‬وبتعبير آخر العربية هي لغة الشارع الشادي عموما‪ ،‬وهي لغة المثقفين‬
‫والكتابة بالعربية‪ ،‬بينما تعتبر اللغة الفرنسية لغة الدوائر الحكومية منذ االستعمار‬
‫الفرنسي‪ ،‬ولغة المثقفين بالفرنسية (وهم ال يتجاوزون ‪ %10‬حسب اإلحصاء‬
‫السابق‪ ،‬هذا إذا لم نعط منه أي نسبة للمثقفين باللغة العربية) وتنتشر اللغة‬
‫اإلنجليزية في بعض األوساط المثقفة ثقافة عالية‪.‬‬
‫وقد بين إحصاء عام ‪1993‬م أن الذين تم محو أميتهم باللغة الفرنسية بلغت‬
‫نسبتهم (‪ )%76‬مقابل (‪ )%19,3‬من الذين محوا أميتهم باللغة العربية‪ ،‬وهذا‬
‫دليل على عدم توفير الفرص التعليمية للدارسين باللغة العربية وتحويلها من لغة‬
‫الشارع إلى لغة التعليم‪ ،‬وال تصل نسبة الذين محو أميتهم باللغتين العربية والفرنسية‬
‫إال إلى (‪ )%1,0‬وهذه النسب تختلف لدى الرجال والنساء‪.‬‬
‫تأخذ شاد في إطار التعليم بالفرنسية بالنظام التعليمي الفرنسي القديم‪ ،‬الذي‬
‫تقسم المراحل التعليمية فيه إلى مرحلتين هما‪ :‬المرحلة االبتدائية وتحوي ست‬
‫سنوات‪ ،‬والمرحلة الثانوية‪ ،‬وتحوي الثانوي المتوسط والثانوي العالي‪ ،‬وبها سبع‬
‫سنوات‪ ،‬بعدها يحق للطالب الترشح للشهادة الثانوية العامة‪ ،‬ومنها ينتقل الطالب إلى‬
‫التعليم العالي‪.‬‬
‫وهناك أنواع أخرى للتعليم في شاد أهمها‪ :‬التعليم العربي‪ ،‬ويأخذ بالنظام‬
‫األزهري حيث نجد في المرحلة االبتدائية ست سنوات وفي المرحلة اإلعدادية‬
‫والثانوية سبع سنوات‪ ،‬والجامعي أربع سنوات لمرحلة اإلجازة (الليسانس)‪ ،‬بينما هي‬
‫ثالث سنوات فقط في النظام الفرنسي القديم المطبق في التعليم الجامعي الشادي‬
‫الفرنسي‪ ،‬وهناك التعليم المهني‪.‬‬

‫‪615‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ويظهر من دراسة الهيكل التعليمي في شاد أنه يأخذ بنظام التعليم االنتقائي‪،‬‬
‫وال يسعى إلى تعميم التعليم إلى جميع المواطنين‪ ،‬وتبدو عليه فكرة عنق الزجاجة إلى‬
‫أبعد الحدود‪ ،‬فحسب احصاء عام ‪1993‬م يتركز معظم التعليم في المرحلة‬
‫االبتدائية بنسبة (‪ ،)%71,5‬والثانوي الذي يحوي اإلعدادي والثانوي بنسبة‬
‫(‪ ،)% 14,0‬بينما ال نجد إال (‪ )%0,8‬في التعليم العالي‪ ،‬ونسبة (‪) %1,1‬في‬
‫التعليم المهني‪ ،‬ولكننا نجد نسبة (‪ )%12,6‬للتعليم العربي الذي يعتبر في واقع‬
‫األمر خارج البناء الـتعليمي الرسمي‪(.‬إحصاء‪1993‬م‪)126-123،‬‬
‫‪ -‬الوضع العائلي للمبحوثين‬
‫الرسمة رقم (‪ )4‬توضح الوضع العائلي للمبحوثين‬

‫‪6%‬‬
‫‪23%‬‬

‫متزوج‬
‫‪71%‬‬
‫مطلق‬
‫أرمل‬

‫يتضح من الرسمة السابقة‪ ،‬أن غالبية أفراد مجتمع البحث من أسر مستقرة‪،‬‬
‫بنسبة وصلت إلى(‪ ،)%71‬وهذا اتجاه يعبر عن أهمية استقرار األسرة في مواصلة‬
‫الطالب لتحقيق ذاته دراسيا‪ ،‬وهو وضع ايجابي يعبر عن تمسك المجتمع الشادي‬
‫بقيم االستقرار األسري‪ ،‬الذي أشارت دراسات عديدة في علم االجتماع التربوي على‬
‫أهمية في التحصيل الدراسي للتلميذ أو الطالب‪ ،‬ولكن وجود نسبة (‪ )%23‬من‬
‫الطالب من أسر مفككة في شكل طالق‪ ،‬يضاف إليها نسبة(‪ )%7‬أرامل‪ ،‬تثير‬
‫تساؤالت كبيرة حول األوضاع االجتماعية للطالب الشاديين‪ ،‬والصعوبات االجتماعية‬

‫‪616‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫التي من المتوقع أن يواجهوها في المستقبل‪ ،‬ومدى أثرها على تحقيق الذات دراسيا‪،‬‬
‫حسب النظام الجامعي الجديد الذي يحتاج إلى دعم كبير من أسر مستقرة اجتماعيا‪.‬‬
‫واألسرة الشادية غالبا ما تكون كبيرة‪ ،‬بحيث تشمل‪ :‬الزوج والزوجة واألولى اد‬
‫والجد والجدة واألعمام واألخوال واإلخوة‪ ،‬وما تفرع عن هذه األصول والفروع من‬
‫أفراد‪ ،‬والعالقات داخل هذه األسرة قوية وملزمة للجميع‪ ،‬بحيث تتطلب من الفرد‬
‫االلتزام الشديد بالضبط االجتماعي‪ ،‬وااللتزامات االجتماعية واالقتصادية المختلفة‪،‬‬
‫لدرجة أن أي تقدم أو نجاح يحرزه فرد من أفراد هذه ا ألسرة الكبيرة‪ ،‬يعتبر نجاحا‬
‫لهذه األسرة كلها‪ ،‬وتتوقع أن يعود ناتج نـجاح هذا الفرد المادي والمعنوي لهذه‬
‫األسرة الكبيرة‪.‬‬
‫هذه هي الصورة النمطية للعالقات األسرية‪ ،‬داخل األسرة الشادية المسلمة‪،‬‬
‫لكن من المالحظ أن هذه العالقات حدثت فيها بعض التغييرات في الوقت‬
‫الحاضر‪ ،‬فهناك تغيير من حيث حجم األسرة الكبير‪ ،‬فقد ساعدت عوامل اجتماعية‬
‫واقتصادية‪ ،‬مثل‪ :‬الهجرة والتحضر‪ ،‬وتغير المهن من الرعي والزراعة‪ ،‬إلي العمل أو‬
‫الوظيفة ذات الدخل المحدود‪ ،‬كل هذه العوامل جعلت من غير المقدور علي بعض‬
‫األسر الكبيرة‪ ،‬أن تحافظ علي حجمها وعيشها المشترك‪ ،‬مما جعلها تسمح لبعض‬
‫أفرادها باالستقالل بأنفسهم‪ ،‬وتكوين أسر صغيرة‪ ،‬تشمل الزوج والزوجة واألوالد‬
‫فقط‪ ،‬مع التشديد علي المحافظة‪ ،‬على االلتزام بالشعور المشترك تجاه األسرة‬
‫الكبيرة‪ ،‬وذلك من خالل الزيارات المتكررة‪ ،‬والوقوف مع أي فرد من أفراد األسرة‬
‫الكبيرة‪ ،‬كلما دعت الحاجة إلي ذلك‪.‬‬

‫‪617‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬الوضع االقتصادي لوالدي المبحوثين‪:‬‬

‫الرسمةرقم (‪ )5‬توضح الوضع االقتصادي لوالدي المبحوثين‬

‫‪16%‬‬ ‫‪6%‬‬

‫عالي‬
‫متوسط‬
‫‪78%‬‬
‫متدني‬

‫يتضح من الرسمة السابقة‪ ،‬أن غالبية أفراد مجتمع البحث من أسر مستواها‬
‫االقتصادي متوسط‪ ،‬بنسبة وصلت إلى(‪ ،)%78‬وهذا اتجاه يعبر عن أهمية الوضع‬
‫االقتصادي ألسرة الطالب الجامعي‪ ،‬خاصة إذا الحظنا أن نسبة معينة (‪ )%6‬وإن‬
‫كانت صغيرة‪ ،‬من أسر الطالب مرتفعة في وضعها االقتصادي‪ ،‬ولكن وجود نسبة‬
‫(‪ ،)%16‬من األسر ذات المستويات المتدنية في أوضاعها االقتصادية‪ ،‬تعبر عن‬
‫الوضع االقتصادي العام في األسر الشادية‪ ،‬ويثير تساؤالت حول األثر الذي من‬
‫الممكن أن يحدثه على مستقبل الطالب في التعليم العالي الشادي‪.‬‬
‫يقوم النسق االقتصادي للمسلمين في شاد علي عدة أنظمة اقتصادية‪ :‬مثل‬
‫نظام الرعي ونظام الزراعة ونظام التجارة ونظام العمل باألجرة‪ ،‬وهذه األنظمة‬
‫بمجموعها تعبر عن الوضع االقتصادي للمسلمين‪.‬‬
‫نظام الرعي وهو نظام اقتصادي تكاد تتميز به في شاد الجماعات المسلمة‪،‬‬
‫ويقوم علي العيش في البادية مع االهتمام برعي المواشي المختلفة مثل اإلبل والبقر‬
‫والغنم وغير ذلك من الحيوانات والدواب التي تقتضي تربيتها حياة التنقل والترحال‪،‬‬

‫‪618‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫وقد ذكرت في فقرة سابقة حجم وأعداد هذه الثروة الحيوانية في شاد وأهميتها‬
‫االقتصادية مما يجعلها في الدرجة الثانية بعد الزراعة في االقتصاد الوطني‪.‬‬
‫ويعيش على النشاط الزراعي جزء كبير من المسلمين ولكن يشاركهم في هذا‬
‫النظام مجموعات دينية أخرى في شاد‪ ،‬خاصة في المناطق الجنوبية حيث تنتشر‬
‫المزارع النقدية لكل من القطن وقصب السكر‪ ،‬ويتميز المسلمون في شاد باعتمادهم‬
‫على الزراعة االستهالكية مثل زراعة الحبوب والفول السوداني وتقل عندهم الزراعة‬
‫التجارية‪.‬‬
‫ويتجه المسلمون في شاد من البداوة إلى التجارة مباشرة دون المرور بالضرورة‬
‫بنمط الزراعة‪ ،‬وهذا ما يجعل أعداد المسلمين التجار تتزايد بمعدالت كبيرة‪ ،‬فهم‬
‫يسيطرون على جميع األنشطة التجارية في شاد تقريبا‪ ،‬رغم أن االستعمار الفرنسي قد‬
‫أعاق تطور جماعة المبادرات االقتصادية في البداية‪ ،‬ألنها تتكون أساسا من‬
‫المسلمين‪ ،‬حيث أعطت اإلدارة الفرنسية حق التعامل التجاري للفرنسيين فقط ومن‬
‫تتولى البرجوازية الفرنسية حمايتهم‪ ،‬وسمحت للتجار الشاديين بتجارة التجزئة‬
‫الصغرى‪ ،‬واحتكرت تجارة التصدير والتوريد للرأسماليين الفرنسيين‪.‬‬
‫وهذا ما جعل بعض الكتاب يميز جماعات المبادرات االقتصادية المسلمة‬
‫في نيجيريا على سبيل المثال بأنها استطاعت أن تشكل برجوازية أفريقية منذ أيام‬
‫االستعمار اإلنجليزي‪ ،‬بينما لم تترك اإلدارة الفرنسية نشوء برجوازية شادية مسلمة‬
‫أيام االستعمار‪ ،‬وهذا ما أ ّخر تطور هذه الجماعات في شاد إلى ما بعد االستقالل‬
‫بقليل‪ ،‬لكن من المالحظ أن هذه الجماعات برغم تأخر ظهورها في شاد إال أنها‬
‫نمت بسرعة‪ ،‬وشعرت اإلدارة الفرنسية بخطرها‪ ،‬حيث تعارضت مصالحهما في مواقع‬
‫كثيرة‪ ،‬فالتجار في شاد وإن كانوا يستهدفون بصورة مباشرة الربح إال أنهم ولكي‬

‫‪619‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫يحققوا الربح يحتاجون إلى السيطرة على أسواقهم المحلية الخاصة وإلى توسع كبير‬
‫في تلك األسواق‪.‬‬
‫لدرجة أن طموحات بعضهم وصلت إلى إقامة مشاريع وصناعات خاصة‪ ،‬وكل‬
‫هذه التدابير تتعارض مع أهداف الرأسماليين الفرنسيين في شاد‪ ،‬وأول وسيلة‬
‫أستخدمت ضد تقدم التجار في شاد هي إغراق السوق الشادية بالمواد المصنعة في‬
‫أوربا وذلك إلرغامهم بأن يبيعوا بثمن رخيص ويشتروا بثمن غال لكي تواصل‬
‫الرأسمالية الفرنسية احتكارها للسوق الشادية‪ ،‬وقد شكلت هذه الخطوة أولى نقاط‬
‫االحتكاك التي جعلت التجار الشاديين في صراع مباشر مع الرأسماليين الفرنسيين‪.‬‬
‫وبعد االستقالل بفترة بدأت الجماعات التجارية من المسلمين الشاديين تتحرر‬
‫من السيطرة الفرنسية وذلك من خالل االتصال بأسواق تجارية أخرى غير السوق‬
‫طور التجار في شاد عالقاتهم التجارية مع السوق‬ ‫الفرنسية‪ ،‬وفي هذا اإلطار ّ‬
‫السعودية فاستوردوا منها جميع احتياجات السوق الشادية تقريبا‪ ،‬حيث أن المالحظ‬
‫للسوق الشادية اليوم يقف أمام محالت كاملة تحمل أسماء سعودية ومنتجات‬
‫سعودية أو قادمة من السوق السعودية‪ ،‬وهذا االنفتاح على السوق السعودية‪ ،‬وفّر‬
‫مناخا تجاريا مرتبطا بالحج والعمرة وزيارة األماكن المقدسة‪ ،‬وسهل أيضا االنفتاح‬
‫نحو بعض دول الخليج‪ ،‬مثل اإلمارات العربية المتحدة وقطر‪ ،‬واالتجاه أيضا نحو‬
‫السوق المصرية فيما يتعلق باألدوية والصناعات الصيدلية والدوائية‪ ،‬هذا باإلضافة‬
‫إلى االتجاه نحو الدول المجاورة مثل نيجيريا وغيرها‪.‬‬
‫ويتميز النظام الوظيفي في شاد بأنه ال يضم إال عددا محدودا من المسلمين‪،‬‬
‫فرغم أن المسلمين هم األغلبية إال أن نسبتهم في الوظيفة العامة يذكر بأنها ال‬
‫تتجاوز عشرة في المائة من موظفي الدولة الشادية‪ ،‬ولهذه النسبة الضعيفة تفسيرها‬
‫الذي يتجسد في اإلرث االستعماري الفرنسي‪ ،‬حيث ركز االستعمار منذ البداية‬

‫‪620‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫على إعداد وتدريب موظفين من الجنوب المسيحي ليتولوا مساعدته أثناء االستعمار‪،‬‬
‫بينما أبعد المسلمين عن العمل اإلداري‪ ،‬وابتعدوا هم بدورهم أيضا خوفا على دينهم‬
‫عن العمل مع الفرنسيين بعد ما ظهرت عداوتهم للمسلمين‪ ،‬فظنوا تأثيرهم على من‬
‫يعمل معهم في عقيدته اإلسالمية‪.‬‬
‫وعبر المسلمون عن ذلك برفضهم للتعليم الفرنسي‪ ،‬والتعليم الفرنسي بدوره‬
‫يعتبر الوسيلة الوحيدة لتولي الوظائف الحكومية‪ ،‬وبعد االستقالل أدخل المسلمون‬
‫أوالدهم للدراسة باللغة الفرنسية‪ ،‬ولكن بحذر شديد‪ ،‬بعد أن سبقتهم المجموعات‬
‫األخرى في التعليم والوظيفة بأكثر من نصف قرن‪.‬‬
‫وبشكل عام ال يولي المسلمون كثير اهتمام بالعمل في الدوائر الحكومية نظرا‬
‫لعملية االحتكارات والصراعات التي تخلقها الجماعات الوظيفية المسيحية الحالية‬
‫والتي تظن أن المسلمين يسعون إلى احتالل مكانتها الوظيفية‪ ،‬ونظرا أيضا ألن‬
‫الوظيفة العامة غير منافسة من الناحية المادية لألعمال التجارية من حيث الدخل‬
‫والحرية في الحركة‪ ،‬ولما تحتاج إليه الوظيفة الحكومية من إعداد مهني وعلمي‬
‫يتطلب الكثير من الجهد‪ ،‬وساعد على هذا االتجاه إقفال الوظيفة العامة أبوابها أمام‬
‫الخريجين الجدد في السنوات األخيرة‪ ،‬مما أعطى الفرصة لبعض المتشككين في‬
‫جدوى الخدمة الحكومية من المسلمين بأن ال يبذلوا فيها الجهد والوقت والمال‪.‬‬
‫وهذا يعني أن النسق االقتصادي للمسلمين في شاد‪ ،‬يتميز بسيادة األنشطة‬
‫الرعوية والتجارية‪ ،‬وتقل فيه األنشطة الزراعية الموجهة للسوق واألعمال الوظيفية‬
‫والخدمية والمهنية‪ ،‬ومن الواضح أن العامل التعليمي يلعب دورا أساسيا في تغيير‬
‫الوضع االقتصادي للمسلمين في شاد مستقبال‪.‬‬

‫‪621‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫د‪-‬تحليل البيانات‬
‫وهذا يدل على أن تجربة النجاح الدراسي‪ ،‬تعزز تجارب الطالب في النجاحات‬
‫األسرية واألوساط االجتماعية المختلفة‪ ،‬وال تتعارض معها في معظم االحتماالت‪،‬‬
‫خاصة إذا اقترن االنجاز المعرفي‪ ،‬بدعم وظيفي مالي ومركز ومكانة اجتماعي متميزة‪،‬‬
‫وهذا ما يعنيه علماء االجتماع التربوي بتحقيق المكانة االجتماعية دراسيا‪.‬‬
‫‪ -‬قياس المتغيرات التابعة‪ :‬معوقات تحقيق الذات دراسيا من خالل نظام(ل‪.‬‬
‫م‪ .‬د‪)L.M.D.‬‬
‫يفترض نظام (‪ ،)L.M.D‬توفر عناصر نجاح رئيسية‪ ،‬تتمثل في العالقة‬
‫الرباعية بين القيادة واألستاذ والطالب والمنهج‪ ،‬ولكن مالحظة أهمة هذه العناصر‪،‬‬
‫تختلف من طالب إلى آخر‪ ،‬فمن الطالب من يرى أهمية كبرى لعنصر معين من هذه‬
‫العناصر دون غيره‪ ،‬ومنهم من يتجه اتجاها آخر‪ ،‬وبالتالي فإن بعض الطالب يعتبرون‬
‫هذه العناصر معوقات لهم في تحقيق نجاحاتهم المعرفية‪ ،‬وهذا ما تحاول قياسه هذه‬
‫الدراسة الميدانية‪ ،‬لطالب كلية العلوم التربوية‪ ،‬جامعة أنجمينا‪ ،‬في العام‬
‫الجامعي‪2016-2015‬م‪.‬‬
‫أوال‪-‬القيادة الرشيد في الجامعة‬
‫باعتبار أن عملية تنفيذ النظام التربوي يخضع لعدة نماذج فإن نظام‬
‫(‪ )L.M.D‬يخضع تنفيذها لنموذجين‪:‬‬
‫‪-‬نموذج العملية البيروقراطية‪ :‬باعتبار أن تطبيق هذه النظام مرتبط بعمل محدد‬
‫إداريا روتني يعكس شكل اإلدارة التنفيذية لهذه النظام‪ ،‬بداية بالوزارة كجهاز مسؤول‬
‫على التنفيذ المركزي‪ ،‬وانتهاء بالمؤسسة الجامعية باعتبارها ميدان تطبيق هذه النظام‪.‬‬

‫‪622‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬نموذج إدارة النظم‪ :‬إن عملية تنفيذ نظام (‪ )L.M.D‬عبارة عن نشاط موجه‬
‫وذو أهداف مقصودة‪ ،‬تتكامل فيه كل الوظائف واإلدارات التنفيذية واألنظمة داخل‬
‫الجامعة وخارجها‪.‬‬
‫ولقد رأت الحكومة الشادية أنه لكي يواكب المجتمع الشادي مختلف‬
‫التغيرات المحلية والعالمية‪ ،‬فإنه مطالب بإيجاد تعليم عال قادر على تكوين الفرد‬
‫الشادي بمواصفات القرن الواحد والعشرين (المفكر‪ ،‬المحلل‪ ،‬والمبدع)‪ ،‬من هذا‬
‫المنطلق جاء تطبيق نظام (‪ )L.M.D‬كخيار استراتيجي‪ ،‬تم تبنيه إلخراج الجامعة‬
‫الشادية‪ ،‬من المشاكل التي تعرفها للنهوض بها لمواكبة الجامعات العالمية‪ ،‬في إطار‬
‫مشروع عالمي يدعو إلى المنافسة في امتالك المعرفة‪ ،‬مشروع تحولت فيه معايير‬
‫الجودة المحلية التي تضعها وزارة التعليم العالي بكل دولة إلى معايير عالمية‪ ،‬فال أقل‬
‫للجامعة الشادية أن تواكب هذا المشروع لتحقيق األفضل لها وللمجتمع‪.‬‬
‫بالنظر إلى خصائص نظام (‪ )L.M.D‬وما يوفره من سهولة ووضوح ومرونة‪،‬‬
‫قررت الحكومة الشادية تنفيذه منذ سنة ‪2006‬م بشكل جزئي‪ ،‬وتم بذلك صدور‬
‫قرارين هما‪.UEAC/019/CM/14 /06/ 2-1 :‬‬
‫‪-‬مرت عملية تنفيذ هذه النظام بثالث مراحل أساسية وهي‪:‬‬
‫أ‪ .‬مرحلة التفكير حول االستراتيجية القابلة لتبني هذه النظام‪ :‬حيث تم إنشاء‬
‫لجنة وطنية تتكون من نخبة من األساتذة والمدراء‪ ،‬من مختلف المستويات الجامعية‪،‬‬
‫تقوم أوال بتشخيص الواقع الجامعي وتقويم تجربة الدول األوروبية لالقتداء بها وثانيا‬
‫التحضير لالنطالقة االستراتيجية من أجل تنفيذ اإلصالح على أرض الواقع‪.‬‬
‫ب‪ :‬مرحلة تحسيس األسرة الجامعية‪ :‬وذلك بتحسيس كافة أفراد األسرة‬
‫الجامعية حول أهداف هذه النظام اإلصالحية والمداخل الجديدة التي تتضمنها‬
‫وكيفية تسيير مسارات الطلبة‪ ،‬وتم إنشاء بهذا الصدد خاليا إعالمية على مستوى‬
‫إدارات الجامعة‪.‬‬

‫‪623‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ج‪ .‬مرحلة تنصيب الفرق التقنية‪ :‬وهي تشمل مجموعة من الخبراء المختصة‬
‫بإعداد برامج التكوين والمصادقة عليها‪.‬‬
‫‪ -‬المعلومات الالزمة لتنفيذ النظام‪ :‬لتحقيق التنفيذ الجيد يجب المعرفة‬
‫الحقيقية لما يراد فعله‪ ،‬وهذا يكون على عدة مستويات‪:‬‬
‫‪ .1‬على مستوى المؤسسة الجامعية‪:‬‬
‫حيث يقع على عاتق مؤسسة التعليم العالي القيام ببناء عروض التكوين‪،‬‬
‫بالتركيز على قدرتها العلمية والبيداغوجية الخاصة بها‪ ،‬مسخرة في ذلك إمكانياتها‬
‫في مجال البحث بمساهمة الشريك الوطني وحتى األجنبي‪ ،‬ليس فقط من أجل‬
‫تغطية احتياجاتها الخاصة‪ ،‬بل أيضا من أجل االستجابة لمطالب المحيط االجتماعي‬
‫واالقتصادي‪.‬‬
‫وعليه يجب أن تحرص الجامعة على أن يكون عرض التكوين المقترح متماشيا‬
‫مع تخصصاتها العلمية‪ ،‬وأن يوفر مسالك (مسارات ‪ )Parcoures‬متنوعة‪ ،‬ومعابر‬
‫(‪ )Passerelles‬ما بين مختلف هذه المسالك‪ ،‬لتسهيل عملية توجيه الطلبة‬
‫وإعادة توجيههم‪ ،‬من أجل ذلك يتعين على المؤسسة الجامعية تعبئة وتجنيد فرق‬
‫تكوين متعددة التخصصات‪.‬‬
‫‪ .2‬تحديد االحتياجات وتوفير الموارد‪:‬‬
‫يتطلب تطبيق نظام (‪ )L.M.D‬إمكانيات مادية ومالية وبشرية من حيث‬
‫التجهيز والتأطير والتسيير‪ ،‬فتقويم تطوير التعليم العالي‪ ،‬أبرز أن هناك احتياجات‬
‫مادية وبشرية ومالية‪ ،‬وهذا ما قدمه مجلس الحكومة وتم االتفاق عليه في مجلس‬
‫الوزراء‬

‫‪624‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ .3‬القدرة على السيطرة وتنظيم الموارد‪:‬‬


‫إن نجاح أي نظام عامة بعد تحديد اإلمكانيات واالحتياجات‪ ،‬يتطلب تنظيم‬
‫الموارد وتوجيهها بشكل جيد‪ ،‬وفي هذا اإلطار حددت اإلدارة التنفيذية المسؤولة‬
‫عن تنفيذ نظام (‪.)L.M.D‬‬
‫‪-‬مدى أثر القيادة الرشيدة‬

‫الرسمة رقم (‪)6‬توضح مدى أثر القيادة الرشيدة‬

‫‪32%‬‬ ‫‪30%‬‬
‫أوافق‬
‫ال أوافق‬
‫إلى حد ما‬

‫‪38%‬‬

‫يتضح من الرسمة السابقة أن اتجاهات الطالب الجامعيين في جامعة أنجمينا‪،‬‬


‫حول مدى أثر القيادة الرشيدة في تحصيله العلمي حسب نظام (‪ )L.M.D‬المطبق‬
‫بالجامعة منخفضة بنسبة(‪ ،)%30‬مقابل اتجاهات مرتفعة نسبيا لعدم تأثير القيادة‬
‫الرشيدة للجامعة في نجاحه تصل إلى(‪ ،)%38‬بينما نسبة الالمباالة في اتجاهات‬
‫الطالب تصل إلى(‪)%32‬‬

‫‪625‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثانيا‪-‬تأطير أعضاء هيئة التدريس‬


‫في مجال التأطير‪ :‬حددت مجموعة من اإلجراءات تمثلت في‪:‬‬
‫‪-‬وضع مخطط لتكوين المكونين مدعوم بنظام إعادة تفعيل البحث والبحث‬
‫التكويني‪.‬‬
‫‪-‬تشجيع التكوين "مدى الحياة" لألساتذة والباحثين واإلطارات‪ ،‬أبحاث ما‬
‫فوق الدكتوراة‪.‬‬
‫‪-‬تسخير اإلمكانات الضرورية لالستجابة ألهداف التأطير‪ ،‬برنامج‪2012‬م‬
‫‪confofor‬‬
‫‪-‬مساهمة الكفاءات الشادية المقيمة في الخارج من خالل اتخاذ تدابير‬
‫تحفيزية‪ ،‬وإضفاء مرونة على المعامالت اإلجرائية‪.‬‬
‫‪-‬تدعيم مشاركة اإلطارات والكفاءات والخبرات من خارج القطاع‪ ،‬قصد‬
‫المساهمة في تصميم عروض التكوين وتنشيط األعمال الموجهة واألعمال التطبيقية‪،‬‬
‫والمشاركة في الندوات وتأطير التدريبات المهنية‪.‬‬
‫‪-‬ترقية وتطوير الطرق التعليمية الحديثة خاصة عبر تعميم استعمال‬
‫تكنولوجيات اإلعالم واالتصال‪ ،‬المطبقة في التعليم (التعليم اإللكتروني‪،‬‬
‫اإلنترنت‪...‬إلخ)‪.‬‬
‫‪-‬إعالم األساتذة ومسيري التمدرس وتحسيسهم بمضامين اإلصالح‪ ،‬من‬
‫خالل برمجة دورات تحسيسية (ندوات‪ ،‬لقاءات‪ ،‬نشرات)‪.‬‬
‫‪ -‬في مجال التمدرس وتنظيم هياكل البحث‪ :‬وذلك عبر‪:‬‬
‫‪-‬تكييف أنظمة االلتحاق والتقييم والتدرج والتوجيه المدرسي‪.‬‬
‫‪-‬تثمين األعمال التطبيقية عبر توفير الوسائل المادية على مستوى مخابر‬
‫التدرج والبحث‪ ،‬خاصة وأن مخابر ‪--‬البحث ستشكل مستقبال النواة المركزية لكل‬
‫تكوين فيما بعد التدرج‪.‬‬
‫‪626‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬تثمين التدريبات في األوساط المهنية‪.‬‬


‫‪-‬تطوير أنماط تكوين جديدة تعتمد أساسا على تكنولوجيات اإلعالم‬
‫واالتصال‪ ،‬مثل التعليم اإللكتروني‪.‬‬
‫‪-‬مراجعة مجموعة العطل الجامعية من أجل تسيير ناجح للزمن التدريسي‪.‬‬
‫‪-‬وضع هياكل تدريسية تتكفل استقبال الطلبة وتوجيههم (خاليا ‪.) L.M.D‬‬
‫‪-‬تنظيم التدريبات في الوسط المهني ومتابعتها‪.‬‬
‫‪-‬تقييم التعليم‪.‬‬
‫‪-‬تشكيل فرق تدريسية وفرق التكوين‪.‬‬
‫‪-‬تأسيس نظام الوصي (‪ )Tutorat‬لضمان مرافقة الطلبة طوال مسارهم‬
‫الدراسي‪.‬‬
‫‪-‬مدى أثر تأطير أعضاء هيئة التدريس‬
‫الرسمة رقم (‪)7‬توضح مدى أثر تأطير أعضاء هيئة التدريس‬

‫‪17%‬‬
‫‪42%‬‬

‫أوافق‬
‫‪41%‬‬ ‫ال أوافق‬
‫إلى حد ما‬

‫يتضح من الرسمة السابقة أن اتجاهات الطالب الجامعيين في جامعة أنجمينا‪،‬‬


‫حول مدى أثر إعداد األساتذة في تحصيله العلمي حسب نظام (‪ )L.M.D‬المطبق‬
‫بالجامعة مرتفع بنسبة(‪ ،)%42‬مقابل اتجاهات مرتفعة نسبيا لعدم تأثير إعداد‬
‫األساتذة في نجاحه تصل إلى(‪ ،)%41‬بينما نسبة الالمباالة في اتجاهات الطالب‬
‫تصل إلى(‪.)%17‬‬
‫‪627‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ثالثا‪ -‬المناهج الدراسية والمحتوى الدراسي‬


‫من مشكالت المناهج الدراسية والمحتوى الدراسي في جامعة أنجمينا المطبقة‬
‫لنظام (‪)L.M.D‬يتميز بـ‪:‬‬
‫احتواء المناهج على مقررات دراسية تقليدية‪.‬‬
‫غلبة الدراسات النظرية اإلنسانية على الدراسات التطبيقية‪.‬‬
‫عدم خضوع المناهج الدراسية للتقويم المستمر مما يضعف ارتباطها بمطلب‬
‫التنمية‪.‬‬
‫ندرة فرص التدريب العملي الجيد وحلقات المناقشة وقاعات البحث والتعلم‬
‫الذاتي‪.‬‬
‫قلة االستفادة من تكنولوجيا المعلومات واالتصاالت الحديثة‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بطرائق التدريس‪ ،‬فتشير بعض التقارير إلى غلبة أسلوب‬
‫المحاضرة والتلقين في التدريس‪ ،‬على الرغم من عيوبه‪ ،‬هذا فضال عن اعتماد‬
‫الطالب على كتاب األستاذ أو مذكراته( رغم قلتها)‪ ،‬لتكون وسيلة الستيعاب‬
‫المحاضرة‪ ،‬وهي ملخصات ينقصها العمق في أحيان كثيرة‪.‬‬
‫‪-‬مدى أثر المناهج الدراسية والمحتوى الدراسي‬
‫رقم (‪)8‬توضح مدى أثر المناهج الدراسية والمحتوى الدراسي‬ ‫الرسمة‬

‫‪23%‬‬
‫‪49%‬‬

‫أوافق‬
‫‪28%‬‬ ‫ال أوافق‬
‫إلى حد ما‬

‫‪628‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫يتضح من الرسمة السابقة أن اتجاهات الطالب الجامعيين في جامعة أنجمينا‪،‬‬


‫حول مدى أثر المناهج الدراسية في تحصيله العلمي حسب نظام (‪)L.M.D‬‬
‫المطبق بالجامعة مرتفع بنسبة(‪ ،)%49.05‬وهي اتجاهات معبرة عن إحساس‬
‫الطالب الشادي بمشكالت المنهج الدراسي وأهميته في تحقيق ذاته دراسيا‪،‬‬
‫والنجاح في الدراسة في الجامعة‪ ،‬مقابل اتجاهات متوسطة نسبيا لعدم تأثير المناهج‬
‫الدراسية للجامعة في نجاحه تصل إلى(‪ ،)%28.30‬بينما نسبة الالمباالة في‬
‫اتجاهات الطالب تصل إلى(‪.)%22.64‬‬
‫رابعا‪-‬أداء الطالب في نظام (‪:)L.M.D‬‬
‫يتمثل أداء الطالب الجامعي في نظام (‪ )L.M.D‬في التالي‪:‬‬
‫‪ .1‬اكتساب المعارف وتعميقها وتنويعها في مجاالت أساسية تتكيف مع‬
‫المحيط االجتماعي المهني‪ ،‬مع توسيع فرص التكوين من خالل إدماج وحدات‬
‫تعليمية استكشافية وأخرى للثقافة العامة‪ ،‬باعتبارها العناصر المكونة لمقاربة متداخلة‬
‫التخصصات تتيح بصفتها تلك‪ ،‬معابر في مختلف المراحل المشكلة للمسالك‬
‫التكوينية‪.‬‬
‫‪ .2‬اكتساب مناهج عمل تنمي الحس النقدي‪ ،‬والقدرة على التحليل والتركيب‬
‫والتكيف‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يكون الفاعل األساسي في مسار تكوينه من خالل تدريسية نشطة‬
‫مدعومة بفريق تدريسي طوال مساره الدراسي‪.‬‬
‫‪ .4‬االستفادة من توجيه ناجع ومالئم يوفق بين رغباته واستعداداته قصد‬
‫تحضيره الجيد‪ ،‬إما للحياة العملية‪ ،‬أو لمتابعة الدراسة الجامعية‪.‬‬

‫‪629‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ .5‬الربط في أداء الطالب الجامعي في نظام (‪ ،)L.M.D‬بين الفاعلية‬


‫والكفاءة‪ ،‬في أدائه العلمي والمهني والمهاري‪ ،‬وهذا يعني أنه ال يكفي أن يعتني‬
‫الطالب الجامعي‪ ،‬من استكمال متطلبات المرحلة األولىي الليسانس في ستة فصول‬
‫دراسية فقط‪ ،‬وإنما يتطلب منه األداء في نظام (‪ ،)L.M.D‬أن ينجح في ذلك في‬
‫الوقت المناسب‪ ،‬وهو ثالث سنوات‪.‬‬
‫‪-‬مدى أثر أداء الطالب‬
‫الرسمة رقم (‪)9‬توضح مدى أثر أداء الطالب‬

‫‪28%‬‬ ‫‪30%‬‬

‫أوافق‬
‫ال أوافق‬
‫‪42%‬‬
‫إلى حد ما‬

‫يتضح من الرسمة السابقة أن اتجاهات الطالب الجامعيين في جامعة أنجمينا‪،‬‬


‫حول مدى أثر أداء الطالب في تحصيله العلمي حسب نظام (‪ )L.M.D‬المطبق‬
‫بالجامعة منخفض بنسبة(‪ ،)%30‬مقابل اتجاهات مرتفعة نسبيا لعدم تأثير أداء‬
‫الطالب الجامعي في نجاحه تصل إلى(‪ ،)%42‬بينما نسبة الالمباالة في اتجاهات‬
‫الطالب تصل إلى(‪.)%28‬‬
‫‪-‬مناقشة النتائج‬
‫انطالقا من اإلطار النظري لعلم االجتماع التربوي الذي يركز على أهمية األسرة‬
‫في نجاح التلميذ في دراسته‪ ،‬فقد صممت الدراسة الميدانية‪ ،‬لمعرفة األوضاع‬
‫األسرية للطالب بجامعة أنجمينا عامة‪ ،‬وكلية العلوم التربوية الناشئة خاصة‪ ،‬وبعد ذلك‬

‫‪630‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫السعي لتوضيح أثر عوامل أساسية في النظام التربوي الجديد(‪ ،)L.M.D‬على‬


‫هؤالء الطالب في العام الجامعي‪2016/2015‬م‪.‬‬
‫وقد اتضح من النتائج الميدانية‪ ،‬أن الطالب الجامعيين بجامعة أنجمينا عامة‪،‬‬
‫وكلية العلوم التربوية الناشئة خاصة‪ ،‬ينحدرون من أسر متوسطة األوضاع االقتصادية‬
‫والتعليمية واالجتماعية‪ ،‬ويتميزون أيضا بسيادة األعمار الكبيرة‪ ،‬ومعظمهم من‬
‫الذكور‪ ،‬وهذه األوضاع للمبحوثين الشاديين تؤكدها دراسات سابقة في علم االجتماع‬
‫التربوي‪ ،‬ما عدا متغير ندرة الفتيات في التعليم العالي الشادي‪.‬‬
‫وبالمقارنة بين آ ثار تأكيد الذات دراسيا حسب نظام الجامعي(‪،)L.M.D‬‬
‫كما افترضت الدراسة‪ ،‬وما اتجه إليه المبحوثين نالحظ النتائج التالية‪:‬‬
‫جدول رقم(‪ )4‬يوضح ترتيب آثار أبعاد الدراسة حسب ما يراه مجتمع البحث‬
‫ال أوافق‬ ‫إلى حد ما‬ ‫أوافق‬ ‫البعد‬
‫‪)%28.30( 15 )%22.64( 12 )%49.05( 26‬‬ ‫‪-1‬المنهج الدراسي‬
‫‪)%41( 21‬‬ ‫( ‪)%17‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪)%42 ( 22‬‬ ‫‪-2‬إعداد األستاذ‬
‫‪)%38 ( 20‬‬ ‫‪)%32( 17‬‬ ‫‪)%30( 16‬‬ ‫‪-3‬القيادة الرشيدة‬
‫‪)%42( 22‬‬ ‫‪)%28 ( 15‬‬ ‫‪)%30( 16‬‬ ‫‪-4‬أداء الطالب‬

‫وهذا يعني أن المبحوثين من طالب جامعة أنجمينا كلية العلوم التربوية‪ ،‬يرون‬
‫أن أكبر مشكلة تواجههم في تحقيق ذواتهم دراسيا والنجاح في نظام الجامعة‬
‫الجديد‪ ،‬هي المنهج الدراسي وطرق تدريسه‪ ،‬ثم النقص في األستاذة األكفاء‪ ،‬ثم‬
‫اإلدارة الرشيد‪ ،‬ومشكالت أداء الطالب الجامعي‪ ،‬وهي نتائج أشارت إليها دراسة‬
‫تطبيق نظام (‪)L.M.D‬في جامعات الجزائر عام‪2007‬م‪ ،‬تقاربا أو‬
‫تباعدا‪(.‬اإلمام‪)213،‬‬
‫‪631‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫ومجمل القول أن نتائج الدراسة الميدانية تبين‪:‬‬


‫‪-1‬أن الطالب الجامعيين الذين ينحدرون من أسر متوسطة األوضاع‬
‫االقتصادية واالجتماعية والتعليمية والعمرية وغالبيتهم من الذكور‪ ،‬لهم مواقف‬
‫واتجاهات وآراء تحدد تأثيرات النظام التربوي الجديد (‪) L.M.D‬عليهم وبدرجات‬
‫متفاوتة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الطالب الجامعيين الذين ينحدرون من أسر متوسطة األوضاع‬
‫االقتصادية واالجتماعية والتعليمية والعمرية و غالبيتهم من الذكور‪ ،‬استطاعوا التعبير‬
‫عن تأثرهم بالنظام التربوي المتمثل في المرحلة األولى الليسانس (‪)L.‬في ضعف‬
‫المنهج الدراسي‪ ،‬بنسبة وصلت إلى (‪.)%49.05‬‬
‫‪ -3‬أن الطالب الجامعيين الذين ينحدرون من أسر متوسطة األوضاع‬
‫االقتصادية واالجتماعية والتعليمية والعمرية و غالبيتهم من الذكور‪ ،‬استطاعوا التعبير‬
‫عن تأثرهم بالنظام التربوي المتمثل في المرحلة األولى الليسانس (‪)L.‬في ضعف‬
‫إعداد األستاذ الجامعي‪ ،‬بنسبة وصلت إلى ( ‪.)%42‬‬
‫‪ -4‬أن الطالب الجامعيين الذين ينحدرون من أسر متوسطة األوضاع‬
‫االقتصادية واالجتماعية والتعليمية والعمرية و غالبيتهم من الذكور‪ ،‬استطاعوا التعبير‬
‫عن تأثرهم بالنظام التربوي المتمثل في المرحلة األولى الليسانس (‪)L.‬في القيادة‬
‫الرشيدة‪ ،‬بنسبة وصلت إلى (‪)%30‬‬
‫‪ -5‬أن الطالب الجامعيين الذين ينحدرون من أسر متوسطة األوضاع‬
‫االقتصادية واالجتماعية والتعليمية والعمرية و غالبيتهم من الذكور‪ ،‬استطاعوا التعبير‬
‫عن تأثرهم بالنظام التربوي المتمثل في المرحلة األولى الليسانس (‪)L.‬في أداء‬
‫الطالب الجامعي بنسبة وصلت إلى (‪)%30‬‬

‫‪632‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -‬الخالصة‬
‫فرغم تحقق الفرض العام للدراسة‪ ،‬المتمثل في تكيف الطالب الدارس باللغة‬
‫العربية‪ ،‬بأوضاع أسرته االجتماعية واالقتصادية والتعليمية‪ ،‬التي وجهت التعليم نحو‬
‫الذكور وحرمت منه الفتيات نسبيا‪ ،‬وما تلي ذلك من ارتفاع في السن في التعليم‬
‫الجامعي‪ ،‬مع هذا كله‪ ،‬استطاع الطالب الجامعي الشادي الدارس باللغة العربية‪،‬‬
‫التعامل مع نظام التعليم الجامعي الجديد (‪ L.M.D‬الذي طبق على التعليم العالي‬
‫في شاد‪ ،‬بدرجات متفاوتة‪.‬‬
‫إال أن ما يميز نتائج هذه الدراسة الميدانية‪ ،‬أنها تخالف الفرضية العامة‪ ،‬في‬
‫نظام التعليم الجامعي الجديد (‪ ،)L.M.D‬التي تعطي اعتبارات كبيرة ألداء الطالب‬
‫الجامعي‪ ،‬حيث أوضحت النتائج أن الطالب الجامعي الشادي‪ ،‬ال يولي هذه الفرضية‬
‫نفس األهمية واالقتناع‪ ،‬وبالتالي أعطى الطالب الشادي ألدائه الدرجة الرابعة‪ ،‬في‬
‫ترتيبه لعناصر النظام التربوي الحديث األربعة الواردة في الدراسة‪ ،‬التي تؤثر في‬
‫تحقيقه لذاته دراسيا‪ ،‬وهي التي قيست في هذه الدراسة‪ ،‬من بين معايير عديدة‪ ،‬لهذا‬
‫النظام التربوي الجامعي‪.‬‬
‫وهذه نتيجة توضح مدى المسافة‪ ،‬بين ما توليه الجهات الرسمية التي تنقل‬
‫األفكار الحديثة‪ ،‬مثل الحكومات والجامعات‪ ،‬من اعتبارات واهتمامات منقولة من‬
‫الخارج‪ ،‬وما يوليه الفاعلين المستفيدين من تطبيق هذه األفكار في المجتمعات‬
‫اإلفريقية‪ ،‬مثل الطالب الجامعيين في جامعة أنجمينا‪ ،‬والقاعدة‪ :‬أنه كلما كان التكيف‬
‫من المستفيدين مع األفكار الحديثة قويا‪ ،‬كلما كانت النتائج أفضل‪.‬‬
‫ففي هذه الدراسة‪ ،‬كان المفترض من الطالب بجامعة أنجمينا كلية العلوم‬
‫التربوية‪ ،‬أن يعتمدوا في تكيفهم مع النظام التربوي الجديد على أدائهم وجهدهم‬
‫األكاديمي بالدرجة األولى‪ ،‬كما يتطلبه التعلم على النظام التربوي الجديد‬
‫(‪ ،)L.M.D‬وليس بالتركيز على عوامل‪ :‬اإلدارة‪ ،‬والمنهج الدراسي‪ ،‬و األستاذ‬
‫الجامعي‪ ،‬رغم أهميتها‪.‬‬
‫‪633‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪ -‬الخاتمة‪:‬‬
‫قامت الدراسة‪ ،‬على العرض المباشر‪ ،‬ألعمال عشرة من العلماء حول بحيرة‬
‫الشط‪ ،‬وعلى مدى حوالي عشرة قرون‪ ،‬وشفعت ذلك باإلشارة إلى علماء آخرين من‬
‫المنطقة بطرق غير مباشرة‪ ،‬مثل‪ :‬اإلشارة إلى أساتذة العالم‪ ،‬وتالمذته‪ ،‬ورفاقه‪ ،‬حتى‬
‫ولو لم تكن لهم أعمال مكتوبة‪ ،‬بل يكفي الوصول إلى معلومات موثوقة عنهم‪،‬‬
‫توصلت الدراسة إلى نتائج أهمها‪:‬‬
‫‪-1‬وجود علماء حول بحيرة الشط‪ ،‬لهم أعمال مكتوبة‪ ،‬توضح األدوار التي‬
‫أودها في مجتمعاتهم المحلية واإلقليمية والعالمية‪.‬‬
‫‪-2‬اتضح من الدراسة‪ ،‬أن العلماء على مستويات وطبقات متباينة‪ ،‬أدت إلى‬
‫اختالف الوظائف التي أدوها في مجتمعاتهم‪ ،‬فمنهم المعلمون‪ ،‬والقضاة‪ ،‬والكتاب‬
‫في الدواوين‪ ،‬واألئمة والمستشارون السياسيون‪.‬‬
‫‪-3‬األعمال العلمية التي كتبها هؤالء العلماء‪ ،‬تختلف باختالف وظائفهم‪،‬‬
‫لدرجة ظهور التخصصات في أعمال بعض العلماء‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ :‬األعمال‬
‫الكتابية للقضاة‪ ،‬يكثر فيها العناية بالعلوم الشرعية‪ ،‬خاصة الفقه المالكي الذي كان‬
‫سائدا في المنطقة‪ ،‬بينما كتاب الديون السلطاني‪ ،‬يتميزون بإتقانهم للعلوم اللغوية‬
‫والبيانية‪ ،‬واختار آخرون‪ ،‬أنماط من التعبير الكتابي المتحرر الذي ركز على القضايا‬
‫الفكرية والمنطقية‪ ،‬كالتوحيد‪ ،‬خاصة التوحيد األشعري‪ ،‬واألدب والشعر‪ ،‬خاصة‬
‫التركيز على علوم اللغة العربية وآدابها‪ ،‬وعلوم القرآن والحديث النبوي الشريف‪.‬‬

‫‪634‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-‬يختلف اإلنتاج العلمي للعلماء في هذه المنطقة‪ ،‬باختالف البيئات الثقافية‬


‫والسياسية‪ ،‬ففي الوقت الذي نجد فيه عناية كبيرة‪ ،‬بالكتابة الديوانية والتاريخية‪ ،‬في‬
‫سلطنة كانم‪-‬برنو‪ ،‬نجد علماء باقرمية‪ ،‬يضيفون إلى اهتمامهم التنجيم‪ ،‬بينما علماء‬
‫سلطنة دار وداي العباسية‪ ،‬يرتبطون كثيرا بالقضايا السياسية‪ ،‬فجماعات اإلمامة‬
‫وصاحب الجامع والقضاة‪ ،‬جميعهم علماء ومستشارون للسلطان في نفس الوقت‪.‬‬
‫ومن التوصيات والمقترحات‪:‬‬
‫‪-1‬تشجيع الباحثين الجدد لدراسة اعمال العلماء الشاديين بموضوعية‪ ،‬معتمدين‬
‫على مخطوطاتهم ووثائقهم المكتوبة‪.‬‬
‫‪-2‬جمع وترتيب وتنظيم هذه األعمال‪ ،‬وحفظها في خزائن رسمية‪ ،‬عامة وخاصة‪،‬‬
‫ليسهل على الباحثين التعامل معها‪ ،‬بهدف تأكيد عاملي الصدق والثبات العلميين‪،‬‬
‫في عرض ودراسة اعمال العلماء في هذه البالد بدون تحيز (إفراطا أو تفريطا) ابتعادا‬
‫عن المبالغة أو اإلجحاف‪.‬‬
‫‪-3‬نشر الدراسات واألبحاث العلمية التي نوقشت في الجامعات ومراكز األبحاث‬
‫العلمية حول العلماء في شاد‪.‬‬
‫‪ -4‬تحويل حياة بعض العلماء إلى مواد ثقافية وادبية وفنية‪ ،‬من أجل تقريبها إلى عامة‬
‫الناس‪.‬‬

‫‪635‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫المصادر والمراجع‬
‫أوال‪ :‬المصادر والمراجع العربية‬
‫‪-1‬إبراهيم‪ ،‬المدير‪/‬أ‪.‬دينار‪ :‬إدارة التعليم بالمجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪،‬‬
‫تقرير بتاريخ ‪2018/02/21‬م‪.‬‬
‫‪-2‬إبراهيم‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل عبد الرازق‪ :‬المسلمون واالستعمار األوربي إلفريقيا‪،‬‬
‫عدد (‪ )139‬سلسلة عالم المعرفة يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون‬
‫واآلداب‪ ،‬الكويت‪( ،‬يوليو‪.) 1989 ،‬‬
‫‪-3‬أحمد‪،‬د‪-‬عدنان إبراهيم‪ :‬ود‪ .‬محمد المهدي الشافعي‪ :‬علم االجتماع‬
‫التربوي؛ اإلنساق االجتماعية التربوية‪ ،‬منشورات جامعة سبها نسبها‪2001،‬م‪.‬‬
‫‪-4‬أحمد‪ ،‬عبد السميع سيد‪ :‬دراسات في علم االجتماع التربوي‪ ،‬دار المعرفة‬
‫الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪.1993 ،‬‬
‫‪-5‬إسماعيل‪ ،‬د‪/‬قباري‪ :‬أميل دوركايم مؤسس علم االجتماع المعاصر نظريا‬
‫وتطبيقيا‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪1976 ،‬م‪.‬‬
‫‪-6‬اإلمام‪ ،‬سلمى‪ :‬صنع السياسة العامة في الجزائر‪ ،‬دراسة حالة السياسة‬
‫التعليمية الجامعية ‪2007-1999‬م‪(،‬غير منشورة)‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير‬
‫في العلوم السياسية والعالقات الدولية‪ ،‬جامعة بن يوسف بن خدة‪ ،‬الجزائر‪2007،‬م‪.‬‬
‫‪-7‬إيان‪:‬النظرية االجتماعية من بارسونز إلى هابرماس‪( ،‬ترجمة محمد حسين‬
‫غلوم) عالم المعرفة‪ ،‬ع (‪ ،)244‬الكويت‪1999،‬‬
‫‪-8‬أيوب ب‪ ،‬د‪/‬محمد صالح‪ :‬جماعات التحديث االجتماعي في وسط‬
‫إفريقيا‪ ،‬مطبعة المعرفة‪ ،‬القاهرة‪1991 ،‬م‪.‬‬

‫‪636‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-9‬أيوب ج‪ ،‬محمد صالح‪ " :‬تحديات التذويب الثقافي الفرنسي للثقافة‬


‫العربية في إفريقيا " مجلة الثقافة العربية‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬السنة السابعة عشر‪ ،‬بنغازي‪،‬‬
‫‪1990‬م‪ ،‬ص ص ‪.19 -11‬‬
‫‪-10‬أيوب د‪ ،‬د‪ /‬محمد صالح‪ :‬الدور االجتماعي والسياسي للشيخ عبد‬
‫الحق السنوسي الترجمي في دار وداي – شاد‪ ،‬منشورات جمعية الدعوة اإلسالمية‪،‬‬
‫طرابلس‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪-11‬أيوب ه‪ ،‬محمد صالح‪ :‬مجتمعات وسط إفريقيا بين الثقافة العربية‬
‫والفرانكفونية‪ ،‬مركز البحوث والدراسات األفريقية‪ ،‬سبها‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫مكتبة‬ ‫االجتماعية‪،‬‬ ‫العلوم‬ ‫مصطلحات‬ ‫‪-12‬بدوى‪،1‬د‪.‬زكي‪:‬معجم‬
‫لبنان‪،‬بيروت‪1978،‬م‪،‬ص‪.384‬‬
‫‪-13‬بدوي‪،2‬د‪/‬عبد الرحمن‪ :‬منهاج البحث العلمي‪ ،‬النهضـة العـربيـة‪،‬‬
‫القاهرة‪،‬ط‪1977 ،3‬م‬
‫‪14‬بزاز‪ ،‬عبد الكريم‪ :‬علم اجتماع بيار بورديو‪ ،‬شهادة لنيل دكتوراة العلوم(غير‬
‫منشورة)‪،‬جامعة منتوري‪-‬قسنطينة‪-‬الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية‪2007-2007‬م‪ ،‬ص‬
‫ص ‪.115-99‬‬
‫‪-15‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪ :‬الدرر النضيدة في أوجه عثمان‪ ،‬مخطوطة‪،‬‬
‫خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-16‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪ :‬رسالة البيان فيما اختص به قالون عن‬
‫عثمان‪ ،‬مخطوطة‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-17‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪ :‬الدرر المنثورة في تقريب رواية الدوري‪،‬‬
‫مخطوطة‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬

‫‪637‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-18‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪ :‬القواعد االدائية فيما خالف فيه شعبة حفظا‬
‫من طريق الشاطبية‪ ،‬مخطوطة‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا– شاد‪.‬‬
‫‪-19‬بركة‪ ،‬الشيخ القوني جبريل‪ :‬رسالة تحرير الراءات في طريق الروايات‪،‬‬
‫مخطوطة‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-20‬البيلى‪،‬أ‪.‬د‪.‬عثمان سيد أحمد‪ :‬فهرست المخطوطات العربية‪ ،‬مشروع‬
‫بحث شمال نيجيريا‪ ،‬دار جامعة الخرطوم للنشر‪ ،‬الخرطوم‪.1984 ،‬‬
‫‪-21‬الترجمي‪ ،‬الشيخ عبد الحق‪ :‬الدولة الوداوية اإلسالمية‪ ،‬من ملخص‬
‫للمخطوط قدمه األستاذ ‪ /‬عثمان على محمد‪ ،‬في مخطوط له بعنوان‪ :‬لمحات من‬
‫التاريخ الشادي اإلسالمي‪ ،‬المعهد الوطني للعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة شاد‪ ،‬رقم (‪.)40‬‬
‫‪-22‬الترجمي‪ ،‬الشيخ عبد الحق السنوسي‪ :‬رسالة تبصرة الحيران من هول‬
‫فتن الزمان‪ ،‬مخطوطة‪ ،‬المعهد الوطني للعلوم اإلنسانية‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-23‬تشوداك‪ ،‬سيمون‪ :‬النمو المجتمعي ؛ خمسة منطلقات مع نتائج التحليل‬
‫المقارن‪ ( ،‬ترجمة‪ :‬عبد الحميد الحسن ) منشورات وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪،‬‬
‫دمشق‪1980 ،‬‬
‫‪-24‬التونسي‪ ،‬محمد بن عمر‪ :‬تشحيذ األذهان بسيرة بالد العرب والسودان‬
‫( تحقيق‪ :‬د‪.‬خليل عساكر‪ ،‬د‪ .‬مصطفى مسعد ) الدار المصرية للتأليف والترجمة‪،‬‬
‫القاهرة ‪1965‬‬
‫‪-24‬التير‪ ،‬د‪ /‬مصطفي عمر‪ :‬مقدمة في مبادئ وأسس البحـث االجتماعي‪،‬‬
‫المنشأة الشعبية‪ ،‬طرابلس‪(،‬ب‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪-25‬تومبالباي‪ ،‬فرانسوى‪ :‬قرار رئاسي رقم( ‪،1095‬بتاريخ‪،)1966/04/19‬‬
‫يحدد الدعم المالي من الدولة للمدارس القرآنية وعدد التالميذ والمدراء‪ ،‬في جميع‬
‫أراضي الجمهورية الشادية‪(.‬بالفرنسية‪-‬ترجمة الباحث)‬

‫‪638‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-26‬التونسي‪ ،‬الشيخ محمد بن عمر‪ :‬تشحيذ األذهان بسيرة الغرب‬


‫والسودان‪ ،‬مخطوطة جامعة الرياض تاريخ النسخ ‪1275‬هـ كتبه عبد الحميد نافع‬
‫تحت رقم عام (‪ )75‬ورقة ‪186‬ب‪.‬‬
‫‪-27‬جامل‪ ،‬د‪ -‬عبد الرحمن عبد السالم‪ :‬الكفايات التعليمية‪ ،‬دار المناهج‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬ط ‪2001 ،2‬م‪.‬‬
‫‪-28‬الجقندى‪،‬د‪ -‬عبد السالم عبد اهلل‪ :‬دليل المعلم العصري في التربية‬
‫وطرق التدريس‪ ،‬دار قتيبة‪ ،‬دمشق‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪-29‬الجفاتري‪ ،‬محمد عبد السالم‪ :‬مشكالت الحضارة عند مالك بن نبي‪،‬‬
‫الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫‪-30‬الجهيني‪ ،‬عبدا هلل محمد‪ :‬في دراسة له عنوان‪ ،‬سوء التكيف الدراسي‬
‫واألسرة‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬كلية التربية‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬مكة المكرمة‪1402 ،‬هـ‪،‬‬
‫(غير منشورة)‬
‫‪-31‬الجهني‪ ،‬د‪/‬مانع بن حماد‪ :‬الوسطية اإلسالمية في مواجهة العولمة‪ ،‬رابطة‬
‫العالم اإلسالمي‪ ،‬مكة المكرمة‪1419،‬هـ‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪-32‬جلبي‪ ،‬د‪ .‬علي عبد الرازق‪ ،‬د‪ /‬حسن محمد حسن‪ :‬علم االجتماع‬
‫الطبي‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪-33‬جمهورية شاد‪ :‬اإلحصاء السكاني العام‪ ،‬سنة ‪1993‬م‪ ،‬أنجمينا‪ ،‬المجلد‬
‫الثالث‪.‬‬
‫‪-34‬الجوالني‪ ،‬فادية عمر‪ :‬علم االجتماع التربوي‪ ،‬مركز االسكندرية للكتاب‪،‬‬
‫االسكندرية‪.1997،‬‬
‫‪-35‬جلبي‪ ،‬علي عبد الرزاق‪ :‬االتجاهات األساسية في نظرية علم االجتماع‪،‬‬
‫دار المعرفة الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪ 1993،‬م‪.‬‬

‫‪639‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-36‬الجوهري‪ ،‬د‪ /‬محمد‪ :‬المدخل إلى علم االجتماع‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1984‬م‪.‬‬
‫‪-37‬الجوهري‪،‬د‪/‬محمد محمود‪ ،‬د‪/‬عبد اهلل الخريجي‪ :‬طرق البحث‬
‫االجتماعي‪ ،‬دار الثقافة والنشر‪ ،‬القاهرة‪1984 ،‬‬
‫‪-38‬جيراميز‪ ،‬جين‪ :‬تفهم العالقات بين الجماعات‪( ،‬ترجمة‪ :‬عدلي سليمان‬
‫)‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫‪-39‬الحبو‪ ،‬د‪ /‬محمد أحمد‪ " :‬اللغة العربية ومثقفيها في شاد " من أعمال‬
‫المؤتمر الوطني المستقل‪ ،‬أنجمينا‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪-40‬ابن خلدون‪ ،‬العالمة عبد الرحمن بن محمد‪ :‬مقدمة ابن خلدون‪ ( ،‬مهد‬
‫لها‪ ،‬ونشر الفصول والفقرات الناقصة من طبعاتها وحققها‪ ،‬وضبط كلماتها وشرحها‬
‫وعلق عليها‪ ،‬وعمل فهارسها أ‪.‬د‪/‬علي عبد الواحد وافي )دار نهضة مصر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1979‬م‪.‬‬
‫‪-41‬دسوقي‪ ،‬د‪ .‬كمال‪ :‬االجتماع ودراسة المجتمع‪ ،‬مكتبة اإلنجلو المصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪1971 ،‬م‬
‫‪-42‬الدوري‪ ،‬د‪ .‬عدنان‪ :‬أسباب الجريمة وطبيعة السلوك اإلجرامي‪ ،‬ذات‬
‫السالسل‪ ،‬الكويت‪.1984 ،‬‬
‫‪-43‬الدكوالدكتور‪/‬فضل كلود‪ :‬الثقافة اإلسالمية في شاد في العصر الذهبي‬
‫إلمبراطورية كانم‪ ،‬منشورات جمعية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬طرابلس‪.1988 ،‬‬
‫‪-44‬درويش‪ ،‬كمال السيد‪ :‬تربية الموهوبين‪ ،‬منشورات جامعة قاريونس‪،‬‬
‫بنغازي‪.1970 ،‬‬
‫‪-45‬الدنفاسي‪ ،‬الشيخ العباس بن فاضل‪ :‬الفرود في القرآن الكريم‪ ،‬مخطوط‪،‬‬
‫خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا‪ ،‬شاد‪.‬‬

‫‪640‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-46‬الدنفاسي‪ ،‬الشيخ العباس بن فاضل‪ :‬الجاري على قارئ‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة‬


‫الباحث‪ ،‬أنجمينا‪ ،‬شاد‪.‬‬
‫‪-47‬دهب‪،‬يوسف‪:‬منشور رقم(‪ )241‬الصادر من إدارة التعليم العربي‪،‬‬
‫توصيف الهيكل اإلداري إلدارة التعليم العربي بالوزارة‪ ،‬بتاريخ ‪1982/12/01‬م‬
‫‪-48‬رفاعي‪ ،‬د‪ /‬عبد العزيز‪ :‬إفريقيا والعالقات السياسية الدولية في عهد‬
‫االستقالل‪ ،‬مكتبة االنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪19700 ،‬‬
‫‪-49‬روجرز‪،‬افريت‪:‬االفكار المستحدثة وكيف تنتشر‪ ( ،‬ترجمة‪ :‬سامي فاشر )‬
‫عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪1962.،‬‬
‫‪-50‬الزيودي‪ ،‬القوني عبد الجليل عبدالكريم‪ :‬الفصل االنور في تمثيل السور‪،‬‬
‫مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا‪ -‬شاد‪.‬‬
‫‪-51‬الزيودي‪ ،‬القوني عبدالجليل عبدالكريم‪ :‬المدنيات‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة‬
‫الباحث‪ ،‬أنجمينا‪ -‬شاد‪.‬‬
‫‪-52‬صابر‪ ،‬د‪/‬حلمي عبد المنعم‪ :‬منهجية البحث العلمي‪ ،‬كتاب دعـوة الحق‪،‬‬
‫مكة المكرمة‪1418 ،‬هـ‬
‫‪-53‬صابر‪ ،‬د‪ .‬محي الدين‪ ( :‬تقديم ) البداوة والبدو‪ ،‬دراسة ألحوالهم‬
‫االجتماعية واالقتصادية ووسائل توطينهم‪ ،‬سرس الليان‪1962 ،‬م‪.‬‬
‫‪-54‬ابن سليمان‪ ،‬محمد الوالي‪ :‬المنهل‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة أيوب للمخطوطات‬
‫والوثائق العربية‪ ،‬مركز البحوث والدراسات اإلفريقية‪ ،‬جامعة الملك فيصل‪ ،‬خزائن‬
‫مخطوطات أبشة‪2016،‬م‪.‬‬
‫‪-55‬ابن شريفة‪ ،‬د‪/‬محمد‪" :‬إبراهيم الكانمي أنموذج للتواصل الثقافي بين‬
‫بالد السودان والمغرب" من أعالم التواصل الثقافي بين بالد السودان والمغرب‪،‬‬
‫منشورات معهد الدراسات اإلفريقية‪ ،‬الرباط‪1999،‬م‪.‬‬

‫‪641‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-56‬شومان‪،‬د‪/‬محمد‪" :‬عولمة اإلعالم والهوية الثقافية العربية الفرص‬


‫والتحديات "ندوة العولمة‪ ،‬جمعية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬طرابـلس‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪-57‬شلبي‪1‬أ‪ ،‬د‪.‬احمد‪ :‬كيف تكتب بحثا أو رسالة‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،1989 ،‬ط‪20‬‬
‫‪-58‬شبلى‪2‬ب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ :‬موسوعة التاريخ اإلسالمي والحضارة اإلسالمية‪،‬‬
‫مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة ج ‪ ،6‬ط‪1975 ،2‬م‬
‫‪-59‬شلبي‪ ،3‬هند‪ :‬القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس‬
‫الهجري‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪-60‬شوكت‪ ،‬فاطمة عثمان بشير‪ ":‬الغش في االمتحانات (األسباب والنتائج"‬
‫مجلة جامعة سبها‪-‬العلوم اإلنسانية‪ ،‬سبها‪ ،‬المجلد التاسع‪ ،‬العدد الثاني (‪2010‬م)‬
‫‪-61‬شومان‪،‬د‪/‬محمد‪" :‬عولمة اإلعالم والهوية الثقافية العربية الفرص‬
‫والتحديات "ندوة العولمة‪ ،‬جمعية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬طرابـلس‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪-62‬شيخ المشائخ عبدالواحد‪ :‬المحذوف في القرآن الكريم‪ ،‬مخطوط‪،‬‬
‫خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا‪ ،‬شاد‪.‬‬
‫‪-63‬صالح‪ ،‬أ‪.‬د‪.‬عبد اهلل بخيت‪ :‬تاريخ التعليم العربي النظامي في شاد‪،‬‬
‫بورصت الكتب‪ ،‬القاهرة‪2012،‬م‪.‬‬
‫‪-64‬صالح‪،‬إعداد‪/‬أ‪.‬د‪.‬عبد اهلل بخيت‪ :‬التقرير السنوي لجامعة الملك فيصل‬
‫بشاد‪ ،‬بتاريخ‪2018/02/21‬م‬
‫‪-65‬ضيف اهلل‪ ،‬محمد نور‪ :‬كتاب الطبقات‪( ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬يوسف فضل حسن‬
‫) منشورات جامعة الخرطوم‪1992 ،‬م‬
‫‪-66‬طبيك‪ ،‬الشيخ احمد عبدالكريم الحسيني‪ :‬القرآن السفري‪ ،‬مخطوط‪،‬‬
‫خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‬

‫‪642‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-67‬الطاهر‪ ،‬األستاذ‪ /‬محمد الطيب‪" ،‬موقف المستعمر الفرنسي من التعليم‬


‫العربي في شاد‪ :‬الماضي والحاضر "صحيفة األضواء‪ ،‬العدد (‪ )52‬السنة السابعة‪،‬‬
‫االثنين ‪2007/10/08‬م‪.‬‬
‫‪-68‬الطيبي‪ ،‬د‪.‬أمين‪ ( :‬وصول اإلسالم وانتشاره في كانم‪-‬برنو بالسودان‬
‫األوسط ) مجلة كلية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬طرابلس ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪-69‬عبد الكريم‪ ،‬عمرو‪" :‬العولمة‪ ..‬عالم ثالث على أبواب قرن جديد "‬
‫المنار الجديد‪.‬‬
‫‪-70‬عبد الباقي‪ ،1‬د‪ /‬زيدان‪ ،‬التفكير االجتماعي‪ ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬دار الفكر‬
‫العربي‪ ،‬القاهرة‪ 1981 ،‬م‪.‬‬
‫‪-71‬عبد الباقي‪ ،2‬د‪ .‬زيدان‪ :‬قواعد البحث االجتماعي‪ ،‬مطبعة السعادة‪،‬‬
‫القاهرة‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪-72‬عبد الجليل‪ ،‬الشاطر بصيلي‪ :‬تاريخ وحضارة السودان الشرقي واألوسط‬
‫من القرن التاسع إلى القرن التاسع عشر الميالدي‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫القاهرة‪1972 ،‬م‬
‫‪-73‬عبد الجواد‪ ،‬د‪ /‬أحمد رأفت‪ :‬مبادئ علم االجتماع‪ ،‬مكتبة نهضة‬
‫الشرق‪ ،‬القاهرة‪ 1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪-74‬عبد الرحمن‪ ،‬عبد اهلل محمد‪ :‬مقدمة في علم االجتماع‪ ،‬مطبعة البحيرة‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪2010 ،‬م‪.‬‬
‫‪-75‬عثمان‪ ،‬القوني إدريس احمد‪ :‬النظام التعليمي في الخالوي القرآنية‬
‫الشادية‪ ،‬بحث اعد الستكمال لمتطلبات مادة قاعة البحث سنة أولى دراسات عليا‬
‫تحت إشراف د‪.‬عبد الحميد أحمد بخيت‪ ،‬كلية اللغة العربية جامعة الملك فيصل‪،‬‬
‫العام الجامعي ‪2001/2000‬م‪(،‬غير منشور)‪.‬‬

‫‪643‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-76‬عودة ج‪ ،‬د‪/‬محمود‪ :‬أسس علم االجتماع‪ ،‬مكتبة سعيد رأفت‪ ،‬القاهرة‪،‬‬


‫‪1983‬م‪0‬‬
‫‪-77‬غيث‪ ،‬د‪.‬محمد عاطف‪ :‬قاموس علم االجتماع‪ ،‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪،‬القاهرة‪1979،‬م‪.‬‬
‫‪-78‬غورفيتش‪ ،‬جورج‪ :‬األطر االجتماعية للمعرفة‪( ،‬ترجمة خليل أحمد خليل)‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1981،‬م‪.‬‬
‫‪-79‬علوان‪ ،‬عبد اهلل ناصح‪ :‬معالم الحضارة في اإلسالم‪ ،‬دار السالم‪ ،‬جدة‪،‬‬
‫‪1984‬م‪.‬‬
‫‪-80‬عمارة‪ ،‬د‪ .‬حامد‪ :‬في بناء البشر‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬القاهرة‪1968 ،‬م‪.‬‬
‫‪-81‬عودة‪ ،‬د‪ .‬عبد الملك‪ :‬السياسة والحكم في إفريقيا‪ ،‬مكتبة األنجلو‬
‫المصرية‪ ،‬القاهرة‪1959 ،‬م‪.‬‬
‫‪-82‬الفنيش‪ ،‬د‪ -‬أحمد علي‪ :‬أصول التربية‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪-83‬ابن فرتو‪ ،‬األمام احمد‪ :‬أخبار وغزوات السلطان إدريس الومة‪ ،‬المطبعة‬
‫األميرية‪ ،‬كنو‪ ( ،‬ب‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪-84‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬دليل الحيران إلى قواعد‬
‫أبى سعيد عثمان‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-85‬القرشي‪،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬الفتح الرباني فيما‬
‫خالف فيه قالون ورشا من حرز األماني‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-86‬القرشي‪ ،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬الهداية الربانية إلى ما‬
‫خالف فيه الدوري ورشا من طريق الشاطبية‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا –‬
‫شاد‪.‬‬

‫‪644‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-87‬القرشي‪ ،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬اإلرشادات الربانية إلى‬
‫ما خالف فيه عبداهلل بن كثير نافعا من طريق الشاطبية‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪،‬‬
‫أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-88‬القرشي‪ ،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬بيان القراءات الشاذة‪،‬‬
‫مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-89‬القرشي‪ ،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬إرشاد األخوان إلى‬
‫تفصيل الهمزتين لرواية أبي سعيد عثمان‪ ،‬مخطوط‪ ،‬خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-90‬القرشي‪ ،‬الشيخ القوني حسن عمر طاهر إبراهيم‪ :‬تاريخ القراء‪ ،‬مخطوط‪،‬‬
‫خزانة الباحث‪ ،‬أنجمينا – شاد‪.‬‬
‫‪-91‬قنوص‪ ،‬د‪/‬صبحي محمد‪ :‬علم دراسة المجتمع‪ ،‬الدار الجماهيرية‪،‬‬
‫مصراتة‪.1989 ،‬‬
‫‪-92‬القوصي‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز‪ :‬أسس الصحة النفسية‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪-93‬أبو كريشة‪ ،‬د‪ /‬عبد الرحيم‪ :‬أساسيات علم االجتماع‪ ،‬مركز المحروسة‪،‬‬
‫القاهرة‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪-94‬كفاراكيوس‪ ،‬وليم‪ :‬انحراف األحداث‪( ،‬ترجمة‪ :‬د‪.‬عنايات زكي محمد )‬
‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1976 ،‬م‪.‬‬
‫‪-95‬الماحي‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحمن عمر‪ :‬شاد من االستعمار حتى االستقالل‪،‬‬
‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪.1982 ،‬‬
‫‪-96‬الماقوري‪ ،‬سالم أحمد‪ :‬المثل األعلى للمجتمع اإلنساني كما تحدث عنه‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬دار اقرأ‪( ،‬ب‪.‬م‪1985 ،).‬م‪.‬‬

‫‪645‬‬
‫الباحث‪/‬محمد صالح أيوب ‪2021‬م‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

‫‪-97‬مساءلة وزير التربية الوطنية‪ ،‬عبدالرحيم بريمة حامد‪ ،‬أمام البرلمان‬


‫الشادي‪ ،‬الميزانية المالية لعام ‪2002‬م‪.‬‬
‫‪-98‬المنجد‪ ،‬محمد صالح‪ :‬مسائل في الدعوة والتربية‪ ،‬دار الوطن للنشر‪،‬‬
‫(ب‪.‬م)‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫المدرسي‪ ،‬محمد تقي‪ :‬الفكر اإلسالمي مواجهة حضارية‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪.1975‬‬
‫‪-99‬محي الدين‪ ،‬د‪ .‬عمر‪ :‬التخلف والتنمية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1975‬م‪.‬‬
‫‪-100‬ناصر‪ ،‬للدكتور‪ /‬بودبزة ‪" :‬دراسة الفهم السوسيولوجي لظاهرة الرسوب‬
‫المدرسي‪ ،‬أزمة تلميذ أم تلميذ في أزمة" من جامعة قاصدي مرباح ورقلة‪ ،‬نشرها في‬
‫شبكة ضياء‪2017،‬م‪.‬‬
‫‪-101‬النجيحي‪،‬د‪ -‬محمد لبيب‪ :‬دور التربية في التنمية االجتماعية‬
‫واالقتصادية للدول النامية‪ ،‬النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ 1981،‬م‪.‬‬
‫‪-102‬هاجن‪ ،‬افريت‪ :‬حول نظرية التغيير االجتماعي‪ ( ،‬ترجمة‪ :‬عبد المغنى‬
‫سعيد ) مكتبة االنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪1962 ،‬م‪.‬‬
‫‪-103‬وزارة التربية الوطنية الشادية‪ :‬المشروع الرابع للبنك الدولي‪ ،‬خلية‬
‫التفكير‪ ،‬عمل بعنوان "التفكير حول تنمية النظام التربوي الشادي " سبتمبر‬
‫‪1988‬م‪.‬‬
‫‪-104‬وزارة التربية والتعليم‪ ،‬قرار رقم (‪1994 )276‬م‪ ،‬والخاص بإدخال‬
‫الثنائية اللغوية في النظام التربوي الشادي‪ ،‬صدر في أنجمينا بتاريخ‬
‫‪1994/12/13‬م‪.‬‬

‫‪646‬‬
‫م‬2021 ‫محمد صالح أيوب‬/‫الباحث‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

،‫ تاريخ القراءات في المشرق والمغرب‬:‫محمد المختار‬.‫ د‬،‫ولد أباه‬-105


.189-186 ‫ ص ص‬،‫هـ‬1422/2002 ،‫ الرباط‬،‫منشورات االيسيسكو‬
‫ أحمد فؤاد بلبع ) الهيئة‬:‫ (ترجمة‬،‫ جذور الثورة األفريقية‬:‫ جاك‬،‫وودس‬-106
.‫م‬1971 ،‫ القاهرة‬،‫المصرية للكتاب‬

‫ المصادر والمراجع األجنبية‬:‫ثانيا‬


1-De MIRAS, Michel Daniel; Repoces A Mahamat Al-Bachir
Mahamat Ali Marouf,Almeria(Espagne),le 18 avril 2005
2-Chapelle jean ; le peuple tchadien ses racines et sa vie
quotidienne , L’harmattan, Paris ,1986.
3-Arrete N(1095) accordant des subventions aux Ecoles
Coraniques sur le Territoire de la Republique du Tchad, For-
Lamy, , le 19/04/1966
4-Conference sur l’identité Tchadienne , N’Djaména ,
université du Tchad , 1991.
5-Decree N (060)Portant creation et organization du
Baccalauriat de l,Enseignement Arabe, Ndjamena, le 06/061987
6-Arrete N(1412) Portant Reglementation de l,Enseignement
de l, Arabe, su sein de la Mosqee Roi Faycal, Ndjamena, le
25/08/1986
7-CONVNTION ET STATUT PARTICULIER DES
ETABLISSEMENTS D,ENSEIGNEMENT ISLAMIQUE
ASSOCIE,ENTRE LE GOUVERLEMENT DE LA REPUBLIQUE DU
TCHAD,REPRESENTE PAR LE MNISTRE DE L,EDUCATIN
NATIONALE ET LE CONSEIL SUPERIEUR DES AFFAIRES
ISLAMIQUES DU TCHAD, Ndjamena, le25/08/2000
8-Kayar,IssaHassan:Le Refuse De l,Ecole
,Neuf,PARIS,1976,p.12.

9-Khayar Issa Hassan ,Regard sur les élites ouaddaïennes


,Paris,1984

10-YAYA.MAHMOUD;ETAT DES LEUX DES


ETABLISSEMENTS D’ENSEGNEMENT SUPEURIEUR

647
‫م‬2021 ‫محمد صالح أيوب‬/‫الباحث‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

TCHADIEN ET LE SYSTEME LMD.SEMINERE:MESRS:DU


29 AOUT AU02 septembre 2007:PP¨.66:
11-Directive N°01/06-UEAC-019-CM-14,Portant application
du Système LMD (Licence, Master, Doctorat) dans les Universités
et Etablissements d'enseignement supérieur de l'espace CEMAC;
12-Directive N°02/06-UEAC-019-CM-14,Portant
Organisation des Etudes Universitaires dans les l'espace CEMAC
dans les cadre du Système LMD.
13-Université Mentouri Constantine(ALGERIE) "La
Reforme LMD" 08/01/2008.

14-ARERETE N° /PR/PM/MESRSFP/SG/0
Portant Organisation des Etudes Universitaires dans les
cadre du Système LMD et leurs habilitation et évaluation .
15-ARETE, N 431\MEN\DG\91;portant creationd,une
commission chargee de l,Examacreation d,un Institut Superier de
LangueArabe.
:‫وكانت اللجنة مكونة من‬
‫من إدارة جامعة أنجمينا رئيس مكتب الشؤون‬ :‫عكاشة عبد الرحيم‬-
.‫ رئيسا‬،‫األكاديمية والتعاون الدولي‬
‫ عضوا‬،‫ المدير العام النائب لوزارة التربية الوطنية‬:‫أحمد بين‬-
.‫ عضوا‬،‫ مدير التعليم الثانوي‬:‫يونس عبيده‬-
.‫ عضوا‬،‫ أستاذ بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬:‫محمد صالح أيوب‬-
.‫ عضوا‬،‫ أستاذ بالمعهد العالي للعلوم التربوية‬:‫إبراهيم إسحاق‬-
.‫ عضوا‬،‫ رئيس المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‬:‫حسن حسين أبكر‬-
‫ صدر‬.‫ عضوا‬،‫ أستاذ بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬:‫أحمد محمد موسى‬-
‫م‬1991\11\19 ‫القرار بتاريخ‬
16.ARETEE,N299\men\seers\dg\92,PortantOuverture
d,un Etablissementd,EnseignementSuperieur

648
‫م‬2021 ‫محمد صالح أيوب‬/‫الباحث‬ ‫العلم والعلماء في شاد‬

PROCESVERBALdelaRenionduSamedi23Novenbre1
991\men\dg\NDJAMENA,p.4---
17.DECREE,N017\PR\MEN\95PORTANTRECONE
C
SSANCED,UTILITEPUBLIQUED,UNETABLISSE
MENTPRIVEDENOMEUNIVERSITEROIFAYCAL(U.R.
(.F
18. Ordonnance N° 26 /PR /71; Portant crèation et
Orientation de l,Université du For-Lamy, Du 27 /12/1971

19.Ferréol ,Gilles et autres ; Dictionnaire de


Sociologie Armand colin ,Paris ,2011.
20.Durkheim , Emile: Les règles de la méthode
sociologique , pres univer, de France, Paris, 1967

649

You might also like