Professional Documents
Culture Documents
وجود الغير
وجود الغير
" أنا في حاجة إلى الغير ألدرك إدراكا كامال كل بنيات وجودي"
انطالقا من اشتغالك على القولة ،بين إلى أي حد يعتبر وجود الغير ضروري لألنا
تحيل القولة الذي بين أيدينا إلى مجال الوضع البشري والذي يهتم بكل ما يخص الذات
اإلنسانية في مختلف أبعادها ومستوياتها:الذاتية،التفاعلية ،الوجودية والتاريخية.إنه مجموع
الشروط والمحددات التي تحدد وضع اإلنسان داخل الوجود .وما يهمنا نحن في سياق اإلجابة
عن هذا القولة هو البعد التفاعلي المرتبط بمفهوم الغير والذي يطرح العديد من القضايا
واإلشكاالت الشائكة والخالفية لعل أبرزها ،كما تعبِّر عن ذلك القولة ،قضية وجود الغير،
وهو األمر الذي يدفعنا إلى طرح اإلشكال التالي :هل وجود الغير ضروري أم غير ضروري
لتحقيق الوعي الذاتي؟ ومن أجل اإلجابة المنهجية لهذا اإلشكال يمكن إعادة صياغته في
التساؤالت اآلتية :ما الغير؟ وما المقصود باألنا؟ وما معنى الوجود؟ وإلى أي حد يعتبر وجود
الغير ضروري لألنا إلدراك وجودها إدراكا كامال؟ وإذا سلمنا جدال بضرورة وجود الغير،
فهل وجوده سلبي أم إيجابي؟ بمعنى آخر :هل وجود الغير يشكل مصدر تهديد أم إغناء لوجود
الذات
جوابا على اإلشكال المطروح ،تتقدم القولة بأطروحة فلسفية مفادها أن وجود الغير
ضروري لألنا لتدرك وجودها إدراكا كامال .والمقصود هنا بالغير ذلك األنا الذي ليس أنا،
أي ذلك األنا اآلخر الذي يشبهني ويختلف عني ،فليس هناك تشابه مطلق كما أنه ليس هناك
اختالف مطلق ،إنه مقابل " لألنا " بوصفها تلك الذات المفكرة ،الواعية ،العاقلة والمسؤولة
عن أفع الها وقراراتها قانونيا وأخالقيا .أما " الوجود" فيحيل هنا إلى الحضور األنطولوجي
للغير وتجليه كوعي لدى األنا .ويبدو من خالل هذا التحليل المفاهيمي للقولة أن العالقة القائمة
بينها هي عالقة تكامل وترابط ،أذلك أن األنا عاجزة عن إدراك كل بنيات وجودها( النفسية،
االجتماعية ،الفكرية والثقافية) إذراكا تاما وكامال في غياب الغير ،فبواسطته تستكمل األنا
فهمها لذاتها .إن الغير ،وبهذا المعنى ،مقوم أساسي من مقومات وجودي ،فكيفما كان هذا
الغير سواء أكان صديقا لي أ ُّ
كن له مشاعر المحبة والصداقة واالحترام أم كان عدوا لي أعبر
1
له عن مشاعر الحقد والكراهية والعداوة ،فإنني في كلتا الحالتين في حاجة ضرورية إليه وال
أستطيع العيش بدونه .وللدفاع عن هذه األطروحة يمكن استحضار مجموعة من الحجج ،فمثال
ال يمكنني الوعي بخجلي ،كحالة سيكولوجية ،إال بحضور الغير ،كما ال يمكنني إدراك مبادئي
وقناعاتي ( الفكرية ،الدينية والعقدية )...إال بوجود الغير ،وهذا دليل على ضرورته لفهم
ذواتنا فهما تاما وكليا.
نستنتج إذن ،ومن خالل هذا التحليل المدعم بالحجج أن وجود الغير ضروري لتحقيق الوعي
بالذات .لكن هل يمكن القبول بهذا التصور الفلسفي كحل نهائي إلشكالية وجود الغير؟ وما
قيمة األطروحة المدافع عنها في القولة؟ وما حدودها ورهاناتها؟ وما موقف الفالسفة
والمفكرين تجاه اإلشكال الفلسفي المطروح؟
ال شك أن األطروحة المدافع عنها في القولة تحمل قيمة فلسفية راهنية تستمدها من بعدها
الحجاجي ومن تأكيدها على أهمية ،بل وضرورة الغير إلدراك األنا لكل بنيات وجودها إدراكا
تاما.لكن وبما أن لكل تصور فلسفي حدود ،فإن حدود هذا األطروحة تتمثل في إغفالها الطابع
السلبي للغير ،فرغم أهميته في تشكيل الوعي الذاتي ،إال أن وجوده يجردني من هويتي
وخصوصيتي وتميزي ،إذ يسعى الغير دوما إلى تذويب االختالفات القئمة بيني وبينه في
محاولة منه لخلق عالم من التشابه والتماثل .ومن أجل إغناء النقاش الفلسفي حول هذا
الموضوع يمكن استدعاء موقف الفيلسوف هيجل والذي يرى أيضا أن ...في نفس التوجه
أكد سارتر أن .......وهو نفس التصور تقريبا الذي عبر عنه الفيلسوف األلماني مارثن
هيدغر ،حيث أكد أن......
نستنتج إذن ،مما سبق تحليله ومناقشته أن موضوع وجود الغير إشكال معقد ،نظرا ً لتعدد
المواقف والتصورات الفلسفية حوله ،بحيث هناك من يرى أن وجود الغير ضروري لتحقيق
الوعي الذاتي رغم سلبيات وجوده ،وهذا ما عبَّر عنه بوضوح كل من هيجل وسارتر
وهايدغر ،عكس ذلك تماما يرى ديكارت أن الغير غير ضروري لوعي األنا بذاتها .ويبدو
لي من منظوري الشخصي أن أطروحة هايدغرأكثر عقالنية ومنطقية ،ذلك أن
2