Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 2

‫ذ‪ .

‬اإلدريسي‪ -‬مادة الفلسفة‬

‫" أنا في حاجة إلى الغير ألدرك إدراكا كامال كل بنيات وجودي"‬

‫انطالقا من اشتغالك على القولة‪ ،‬بين إلى أي حد يعتبر وجود الغير ضروري لألنا‬

‫تحيل القولة الذي بين أيدينا إلى مجال الوضع البشري والذي يهتم بكل ما يخص الذات‬
‫اإلنسانية في مختلف أبعادها ومستوياتها‪:‬الذاتية‪،‬التفاعلية‪ ،‬الوجودية والتاريخية‪.‬إنه مجموع‬
‫الشروط والمحددات التي تحدد وضع اإلنسان داخل الوجود‪ .‬وما يهمنا نحن في سياق اإلجابة‬
‫عن هذا القولة هو البعد التفاعلي المرتبط بمفهوم الغير والذي يطرح العديد من القضايا‬
‫واإلشكاالت الشائكة والخالفية لعل أبرزها‪ ،‬كما تعبِّر عن ذلك القولة‪ ،‬قضية وجود الغير‪،‬‬
‫وهو األمر الذي يدفعنا إلى طرح اإلشكال التالي‪ :‬هل وجود الغير ضروري أم غير ضروري‬
‫لتحقيق الوعي الذاتي؟ ومن أجل اإلجابة المنهجية لهذا اإلشكال يمكن إعادة صياغته في‬
‫التساؤالت اآلتية‪ :‬ما الغير؟ وما المقصود باألنا؟ وما معنى الوجود؟ وإلى أي حد يعتبر وجود‬
‫الغير ضروري لألنا إلدراك وجودها إدراكا كامال؟ وإذا سلمنا جدال بضرورة وجود الغير‪،‬‬
‫فهل وجوده سلبي أم إيجابي؟ بمعنى آخر‪ :‬هل وجود الغير يشكل مصدر تهديد أم إغناء لوجود‬
‫الذات‬

‫جوابا على اإلشكال المطروح‪ ،‬تتقدم القولة بأطروحة فلسفية مفادها أن وجود الغير‬
‫ضروري لألنا لتدرك وجودها إدراكا كامال‪ .‬والمقصود هنا بالغير ذلك األنا الذي ليس أنا‪،‬‬
‫أي ذلك األنا اآلخر الذي يشبهني ويختلف عني‪ ،‬فليس هناك تشابه مطلق كما أنه ليس هناك‬
‫اختالف مطلق‪ ،‬إنه مقابل " لألنا " بوصفها تلك الذات المفكرة‪ ،‬الواعية‪ ،‬العاقلة والمسؤولة‬
‫عن أفع الها وقراراتها قانونيا وأخالقيا‪ .‬أما " الوجود" فيحيل هنا إلى الحضور األنطولوجي‬
‫للغير وتجليه كوعي لدى األنا‪ .‬ويبدو من خالل هذا التحليل المفاهيمي للقولة أن العالقة القائمة‬
‫بينها هي عالقة تكامل وترابط‪ ،‬أذلك أن األنا عاجزة عن إدراك كل بنيات وجودها( النفسية‪،‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬الفكرية والثقافية) إذراكا تاما وكامال في غياب الغير‪ ،‬فبواسطته تستكمل األنا‬
‫فهمها لذاتها‪ .‬إن الغير‪ ،‬وبهذا المعنى‪ ،‬مقوم أساسي من مقومات وجودي‪ ،‬فكيفما كان هذا‬
‫الغير سواء أكان صديقا لي أ ُّ‬
‫كن له مشاعر المحبة والصداقة واالحترام أم كان عدوا لي أعبر‬

‫‪1‬‬
‫له عن مشاعر الحقد والكراهية والعداوة‪ ،‬فإنني في كلتا الحالتين في حاجة ضرورية إليه وال‬
‫أستطيع العيش بدونه‪ .‬وللدفاع عن هذه األطروحة يمكن استحضار مجموعة من الحجج‪ ،‬فمثال‬
‫ال يمكنني الوعي بخجلي‪ ،‬كحالة سيكولوجية‪ ،‬إال بحضور الغير‪ ،‬كما ال يمكنني إدراك مبادئي‬
‫وقناعاتي ( الفكرية‪ ،‬الدينية والعقدية‪ )...‬إال بوجود الغير‪ ،‬وهذا دليل على ضرورته لفهم‬
‫ذواتنا فهما تاما وكليا‪.‬‬

‫نستنتج إذن‪ ،‬ومن خالل هذا التحليل المدعم بالحجج أن وجود الغير ضروري لتحقيق الوعي‬
‫بالذات‪ .‬لكن هل يمكن القبول بهذا التصور الفلسفي كحل نهائي إلشكالية وجود الغير؟ وما‬
‫قيمة األطروحة المدافع عنها في القولة؟ وما حدودها ورهاناتها؟ وما موقف الفالسفة‬
‫والمفكرين تجاه اإلشكال الفلسفي المطروح؟‬

‫ال شك أن األطروحة المدافع عنها في القولة تحمل قيمة فلسفية راهنية تستمدها من بعدها‬
‫الحجاجي ومن تأكيدها على أهمية‪ ،‬بل وضرورة الغير إلدراك األنا لكل بنيات وجودها إدراكا‬
‫تاما‪.‬لكن وبما أن لكل تصور فلسفي حدود‪ ،‬فإن حدود هذا األطروحة تتمثل في إغفالها الطابع‬
‫السلبي للغير‪ ،‬فرغم أهميته في تشكيل الوعي الذاتي‪ ،‬إال أن وجوده يجردني من هويتي‬
‫وخصوصيتي وتميزي‪ ،‬إذ يسعى الغير دوما إلى تذويب االختالفات القئمة بيني وبينه في‬
‫محاولة منه لخلق عالم من التشابه والتماثل‪ .‬ومن أجل إغناء النقاش الفلسفي حول هذا‬
‫الموضوع يمكن استدعاء موقف الفيلسوف هيجل والذي يرى أيضا أن‪ ...‬في نفس التوجه‬
‫أكد سارتر أن‪ .......‬وهو نفس التصور تقريبا الذي عبر عنه الفيلسوف األلماني مارثن‬
‫هيدغر‪ ،‬حيث أكد أن‪......‬‬

‫لكن وخالفا لهذه التصورات‪ ،‬نجد الفيلسوف ديكارت يرى أن‪....‬‬

‫نستنتج إذن‪ ،‬مما سبق تحليله ومناقشته أن موضوع وجود الغير إشكال معقد‪ ،‬نظرا ً لتعدد‬
‫المواقف والتصورات الفلسفية حوله‪ ،‬بحيث هناك من يرى أن وجود الغير ضروري لتحقيق‬
‫الوعي الذاتي رغم سلبيات وجوده‪ ،‬وهذا ما عبَّر عنه بوضوح كل من هيجل وسارتر‬
‫وهايدغر‪ ،‬عكس ذلك تماما يرى ديكارت أن الغير غير ضروري لوعي األنا بذاتها‪ .‬ويبدو‬
‫لي من منظوري الشخصي أن أطروحة هايدغرأكثر عقالنية ومنطقية‪ ،‬ذلك أن‬

‫‪2‬‬

You might also like