5 6264911242389881121

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 73

)17(

‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫الَّد ارُ اَآلِخ َر ة‬


‫(عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬العالمة األولى المسيح الَّد َّج ال)‬
‫‪‬‬
‫إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من شرور‬
‫أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهد هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ال اله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‪..........‬‬
‫[سورة آل عمران‪:‬‬ ‫{ َيا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوْا اَّتُقوْا َهّللا َح َّق ُتَقاِتِه َو َال َتُم وُتَّن ِإَّال َو َأنُتم ُّم ْس ِلُم وَن }‬
‫‪]102‬‬

‫{ َيا َأُّيَها الَّناُس اَّتُقوْا َر َّبُك ُم اَّلِذ ي َخ َلَقُك م ِّم ن َّنْفٍس َو اِح َد ٍة َو َخ َلَق ِم ْنَها َز ْو َج َها َو َبَّث ِم ْنُهَم ا‬
‫[سورة‬ ‫ِرَج اًال َك ِثيًر ا َو ِنَس اء َو اَّتُقوْا َهّللا اَّلِذ ي َتَس اءُلوَن ِبِه َو اَألْر َح اَم ِإَّن َهّللا َك اَن َع َلْيُك ْم َر ِقيًبا}‬
‫النساء‪]1 :‬‬

‫{ َيا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَّتُقوا َهَّللا َو ُقوُلوا َقْو اًل َسِد يًد ا (‪ُ )70‬يْص ِلْح َلُك ْم َأْع َم اَلُك ْم َو َيْغ ِفْر َلُك ْم‬
‫[سورة األحزاب‪]71-70:‬‬ ‫ُذ ُنوَبُك ْم َو َم ن ُيِط ْع َهَّللا َو َر ُس وَلُه َفَقْد َفاَز َفْو ًز ا َع ِظ يًم ا}‬

‫أما بعد‪....‬‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب اهلل ـ تعالى ـ وخير الهدي هدي محمد ‪ ‬وشر األمور محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة‬
‫بدعة وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة في النار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪m‬‬
‫أش راط الس اعة الك برى هي‪ :‬العالم ات ال تي تق ارب قي ام الس اعة‪ ،‬ف إذا ظه رت ه ذه العالم ات ك انت‬
‫الساعة على إثرها‪ ،‬وهي عشر عالمات‪-:‬‬
‫جاء ذكرها في الحديث الذي أخرجه اإلمام مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري‪ t‬قال‪:‬‬
‫النبي ‪ r‬علينا(‪ )1‬ونحن نتذاكر‪ ،‬فقال‪ :‬ما تذاكرون؟ قالوا‪ :‬نــذكر الســاعة قــال‪ :‬إنهــا لن‬
‫ُ‬ ‫"اطَّلع‬
‫تقوم حــتى تـرون قبلهــا عشـر آيـات‪ ،‬فـذكر‪:‬الــُّدخان‪ ،‬والــَّد َّج ال‪ ،‬والَّدابـة‪ ،‬وطلــوع الشـمس من‬
‫مغربها‪ ،‬ونزول عيسى ابن مريم ‪ ،r‬ويأجوج ومأجوج‪ ،‬وثالثة خســوف‪ :‬خســف بالمشــرق‪،‬‬
‫نار تخــرج من اليمن تطــرد النـاس إلى‬
‫وخسف بالمغرب‪ ،‬وخسف بجزيرة العرب‪ ،‬وآخر ذلك ٌ‬
‫محشرهم"‬
‫وفي حديث آخر أخرجه اإلمام مسلم عن عبد اهلل بن عمرو‪ K‬أنه سمع النبي‪ r‬يقول‪:‬‬
‫"إن أول اآليــات خروجــاً‪ :‬طلــوع الشــمس من مغربهــا‪ ،‬وخــروج الَّدابــة على النــاس ضــحًا‪،‬‬
‫صاحَِبِتها‪ ،‬فاألخرى على إثرها قربيًا"‬
‫وأيهما قبل َ‬
‫قــال الحافــظ ابن حجــر‪ r‬كمــا في "فتح البــاري" (‪ )11/353‬محــاوًال الجمــع بين الروايــات‪:‬‬
‫"وال ذي ي ترجَّح من مجم وع األخب ار‪ ،‬أن خ روج ال َّد َّج ال أول الآي ات العظ ام المؤذن ة بتغ ير األح وال‬
‫العام ة في معظم األرض‪ ،‬وينتهي ذل ك بم وت عيس ى ‪ ،U‬وأن طل وع الش مس من المغ رب ه و أول‬
‫اآليات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي‪ ،‬وينتهي ذلك بقيام الساعة‪ ،‬ولعل خروج الَّد ابة يقع‬
‫في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب‪ ،‬ثم قال‪ :‬والحكمة في ذلك‪ :‬أن عند طلوع الشمس‬
‫من المغرب يغلق باب التوبة‪ ،‬فتخرج الدَّابة تميِّز المؤمن من الكافر؛ تكميًال للمقصود من إغالق باب‬
‫التوبة‪ ،‬وأول اآليات المؤذنة بقيام الساعة‪ ،‬النار التي تحشر الناس"‬
‫بينما يرى ابن كثير‪" :r‬أن خروج الَّد ابة هو أول اآليات األرضية التي ليست بمألوفة‪ ،‬ف إن الَّد ابة‬
‫عين المؤمن من الكافر‪ ،‬أمر مخالف للعادة‪ ،‬وأما طلوع الشمس من مغربها فهو‬
‫وت ِّ‬
‫التي تكِّلم الناس‪ُ ،‬‬
‫أمر باهر جدًا‪ ،‬وذلك أول األيات السماوية‪ .‬اهـ‬

‫عليهم؛ ألنه كان في غرفة فوقهم‪ ،‬جاء ذلك مبيًَّنا في رواية أخرى في "صحيح مسلم"‪.‬‬ ‫‪ ))1‬واطالع النبي‪r‬‬

‫‪2‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫وخالصة األمر‪ :‬أن ه ق د ج اءت بعض األح اديث‪ُ ،‬ذك ر فيه ا أش راط الس اعة الك برى مرتَّب ة ومتتابع ة‬
‫متوالية‪ ،‬التحتاج إلى اجتهاد أو إعمال فكر في ترتيبها‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬ ‫كما في الحديث الذي أخرجه أبو داود عن معاذ بن جبل ‪t‬‬
‫"عمــران بيت المقــدس‪ :‬خــراب يــثرب‪ ،‬وخــراب يــثرب‪ :‬خــروج الملحمــة‪ ،‬وخــروج الملحمــة‪:‬‬
‫فتح القسطنطينية‪ ،‬وفتح القسطنطينية‪ :‬خروج الَّد َّج ال"‬
‫فتجد في هذا الحديث أن النبي‪ r‬وضَّح أن هذه الأحداث تقع متتابعة متوالية‪ ،‬وتأتي أحاديث أخرى‬
‫لتوض ح أن ه بع د خ روج ال َّد َّج ال ي نزل عيس ى ‪ U‬ويقت ل ال َّد َّج ال‪ ،‬ثم يخ رج ي أجوج وم أجوج في زمن‬
‫عيسى‪ ، U‬ثم يهلكهم اهلل في زمنه‪ ،‬وترتيب األحداث هنا واضح ظاهر‪ ،‬أضف إلى هذا أنه جاء في‬
‫بعض الروايات توضح أن آخر آية هي خروج النار التي تحشر الناس إلى الشام‪.‬‬
‫فقد ذكر الرسول‪ r‬اآليات العشر الكبرى‪ ،‬وقال في اآلية العاشرة وهي النار الـتي تخـرج‬
‫(رواه مسلم)‬ ‫من عدن‪" :‬وآخر ذلك نار تخرج من اليمن‪ ،‬تطرد الناس إلى محشرهم"‬
‫أما بقية اآليات الست األخرى‪ ،‬وهي‪ :‬طلوع الشمس من مغربها‪ ،‬وخروج الَّد ابة‪ ،‬والُّد خان‪ ،‬والخس وف‬
‫الثالث ة‪ :‬الخس ف ال ذي بالمش رق‪ ،‬واآلخ ر ال ذي ب المغرب‪ ،‬والث الث ال ذي بجزي رة الع رب‪ ،‬فال يس تطيع‬
‫أحد الجزم أيتهما تسبق األخرى؛ بسبب عدم جزم النبي ‪ r‬بذلك۔‬
‫تنبيهات‪:‬‬
‫‪ )1‬يــرى بعض أهــل العلم‪ :‬أن المه دي ه و أول عالم ات الس اعة الك برى‪ ،‬بينمــا يــرى البعض‬
‫اآلخر‪ :‬أن المسيح ال َّد َّج ال هو أول هذه العالمات‪ ...‬وهو الراجح‪ ،‬والمهدي ما هو إال حلقة الوصل‬
‫بين العالمات الصغرى والكبرى‪.‬‬
‫‪ )2‬يرى بعض أهل العلم‪ :‬أن عالم ات الس اعة الك برى تنقس م إلى قس مين‪ :‬منها‪ :‬م ا ه و ق ريب من‬
‫قيام الساعة‪ ،‬واألخرى‪ :‬مؤذنة بقيام الساعة۔‬
‫يقول الطيبي‪ : r‬اآلي ات أم ارات للس اعة‪ ،‬إم ا على قربه ا‪ ،‬وإ م ا على حص ولها‪ ،‬فمن األول‪ :‬ال َّد َّج ال‪،‬‬
‫ون زول عيس ى‪ ،‬وي أجوج وم أجوج‪ ،‬والخس ف‪ ،‬ومن الث اني‪ :‬ال ُّد خان‪ ،‬وطل وع الش مس من المغ رب‪،‬‬
‫والَّد ابة‪ ،‬والنار التي تحشر الناس‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ )3‬ال يمتنع أن تتخلل األشراط الصغرى األشراط الكبرى‪ ،‬فال يمتنع مثالً أيام ال َّد َّج ال أن يكثر الزِّنا‪،‬‬
‫ويح دث ارت داد في طوائ ف المس لمين‪ ،‬وتفش و التج ارة مثالً‪...‬إلى غ ير ذل ك من األش راط الص غرى‬
‫المتقدمة"‬
‫(أحاديث الفتن للشيخ مصطفي العدوي‪ :‬ص‪)469‬‬

‫‪ )4‬إذا وقعت عالم ة من عالم ات الس اعة الك برى‪ ،‬ف إن ب اقي العالم ات األخ رى على إثره ا تق ع‪ ،‬وال‬
‫يفص ل بينهم ا فاص ل زم ني كب ير‪ ،‬ويؤك د الن بي ‪ r‬على ه ذا‪ ،‬كما جاء في الحديث الـذي أخرجـه‬
‫ابن حبان‬
‫بسند صحيح عن أبي هريرة‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"خروج اآليات بعضها على بعض‪ ،‬يتتابعن كما تتابع الخرز"۔‬
‫وفي رواية أخرى عند الحاكم في "المستدرك" من حديث أنس بن مالك‪ t‬قال‪ :‬قال‬
‫بعضها بعضًا"‬
‫سلك‪ ،‬فإن ُيقْطَع السلكُ يتبع ُ‬
‫منظومات في ِ‬
‫ٌ‬ ‫األمارات خََرَز ٌ‬
‫ات‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهلل ‪" :r‬‬
‫(الصحيحة‪(،)1762/3210:‬صحيح الجامع‪)2755:‬‬

‫وأخرج اإلمام أحمد عن عبد اهلل بن عمرو ‪ K‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"الآياُت َخ َر َز اٌت منظوماٌت في ِس لك‪ ،‬فإن ُيْقَطع السلُك يتبع بعُض ها بعضًا"‬
‫(صححه الشيخ أحمد شاكر‪)r‬‬

‫وأخرج الطبراني في "األوسط" عن أبي هريرة‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫النظام(‪")1‬‬
‫الخرز في ِّ‬
‫ُ‬ ‫"خروج اآليات بعضها على إثر بعض‪ ،‬يتتابعنَ كما تتابعُ‬
‫(صحيح الجامع‪()3227:‬الصحيحة‪)3210:‬‬

‫قال الحافظ ابن حجر ‪ r‬كما في"فتح الباري"(‪:)13/77‬‬


‫"وقد ثبت أن اآليات العظام مثل السلك‪ ،‬إذا انقطع تناثر الخرز بسرعة"‪.‬‬

‫وبعــد هــذه المقدمــة آن لنــا الشــروع للــدخول في الموضــوع‪ ،‬وهــو الحــديث عن‬
‫المسيح الَّد َّج ال‪ ،‬أول أشراط الساعة الكبرى‪.‬‬

‫‪ ))1‬النظام‪ :‬هو العقد من الجوهر والخرز‪ ...‬ونحوهما‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫إلقاء الضوء على المسيح الَّد َّج ــال‬


‫المســيح الــَّدَّجال‪ :‬ال ذي يع د خروج ه من العالم ات الك برى للس اعة‪ ،‬ه و أعظم فتن ة تح دث على وج ه‬
‫األرض‪ ،‬فه و ش خص يبتلي اهللُ الن اسَ ب ه‪ ،‬ويَُمِكنُُّه من خ وارق كث يرة‪ ،‬يض ل به ا الن اس‪ ،‬فيرس ل مع ه‬
‫الخصب وزهرة الدنيا‪ ...‬وغير ذلك مما يقع بمشيئة اهلل تعالى وقدرته‪ ،‬حتى إنه يمنحه قدرة على قتل‬
‫رجل ثم إحياءه‪ ،‬استدراجًا له وامتحاناً لغيره‪ ،‬ولذلك سُِّمي مسيح الضاللة‪ ،‬ثم يعجزه اهلل سبحانه‪ ،‬فال‬
‫يقدر على قتل ذلك الرجل ثانية‪ ،‬وال على غيره‪ ،‬ثم يبطل أمره‪ ،‬ويقتله مسيح الهدى عيسى ابن مريم‬
‫‪U‬‬
‫وهو يتدرج في دعواه‪ ،‬فيدَّعي الصالح‪ ،‬فالنبوة‪ ،‬ثم اإللهية‪ ،‬ويظهر الخوارق‪ ،‬وقد اقتضت حكمة اهلل‬
‫أن يكون تكذيب دعواه بحالته ونقص صورته‪ ،‬وعجزه عن إزالة العيب الذي في عينيه كلتيهما‪ ،‬لتقوم‬
‫الحجة على العامة والخاصة بأنه كذَّاب‪.‬‬
‫وفتنت ه عظيم ة ج دًا ت دهش العق ول‪ ،‬وتحيِّر األلب اب‪ ،‬م ع س رعة م روره في األرض‪ ،‬فيغ تر ب ه رع اع‬
‫تأملون حاله‪ ،‬ويطَّلعون على العيب الذي فيه‪ ،‬ولهذا حذرت األنبياء‬
‫الناس‪ ،‬وهو ال يمكث بينهم بحيث ي َّ‬

‫(شــرح مســلم‬ ‫أممه ا من فتنت ه‪ ،‬والس يما محم د‪ ، r‬فإن ه خ ارج في أمت ه ال محال ة"‬
‫للنووي‪)15/58:‬‬

‫السر في تسميته بالمسيح الَّد َّجال‬


‫ُّ‬
‫يقول ابن األثير ‪ r‬كما في "جامع األصول" (‪:)4/204‬‬
‫سِّمي ال َّد َّج ال مسيحًا؛ ألن عينه الواحدة ممسوحة‪ ،‬والمسيح‪ :‬الذي أحد شَِّقي وجهه ممسوح‪ ،‬ال عين‬
‫"ُ‬
‫له وال حاجب‪ ،‬كما جاء في الحديث الذي أخرجه اإلمام مسلم‪" :‬إن الَّد َّج ال ممسوح العين"‬
‫فهو "فعيل" بمعنى‪ :‬مفعول‪ ،‬بخالف المسيح عيسى ابن مريم‪ ،‬فإنه "فعيل" بمعنى‪ :‬فاعل‪ُ ،‬س ِّم ي به؛ ألن ه‬
‫كان يمسح المريض‪ ،‬فيبرأ بإذن اهلل"‬
‫دجاًال فذلك لعدة أسباب منها‪-:‬‬
‫‪ -‬أما كونه ُس ِّم ي َّ‬
‫‪ُ )1‬س ِّم ي الك ذَّاب دجَّاًال ألن ه يغطي الح ق بباطل ه‪ ،‬فيق ال‪ :‬دج ل البع ير ب القطران‪ :‬إذا غط اه‪ ،‬واإلن اء‬
‫بالذهب‪ :‬إذا طاله‪ ،‬فأصل الَّد جل‪ :‬هو التغطية‪.‬‬

‫(قاله ابن دريد)‬ ‫‪ )2‬وُس ِّم ي دجاًال ألنه يغطي الحق بالكذب‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫(انظر فتح الباري‪)11/91 :‬‬ ‫وقيل‪ :‬ألنه يغطي األرض‪.‬‬


‫المم وّه الك ذَّاب‪ ،‬ويقال‪ :‬س يف م دجل‪ :‬إذا طُِلي‪ ،‬ويقال‪" :‬دجلت السيف" َمَّوْهت ه‬
‫للدجَّال‪ُ :‬‬
‫‪ )3‬ويقال َّ‬
‫وطليته بماء الذهب‪.‬‬

‫‪ )4‬ويقال‪" :‬إن ال َّد َّج ال ه و م اء ال ذهب ال ذي يُ ْ‬


‫طلَى ب ه الش ئ فيحس ن باطل ه‪ ،‬وداخل ه خ زف أو ع ود‪،‬‬
‫وُس ِّم ي الَّد َّج ال بذلك؛ ألنه يحسن الباطل‪.‬‬

‫وهن ــاك من األس ــباب األخ ــرى ال ــتي من أجله ــا ُس ِّم ي بالــَّدَّجال‪ ،‬راج ــع في ذل ــك كالم القرط ــبي ‪ r‬في كتابــه‬
‫"التذكرة"‬
‫تنبيهات‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا أطلق لفظ "المسيح" فإنما يدل على مسيح الهدى عيسى ابن مريم ‪ ،U‬لكن إذا ذكر ال َّد َّج ال فإنه‬

‫يذكر مقيدًا بالصفات المالزمة له‪ ،‬فيقال‪ :‬مسيح الضاللة‪ ،‬أو المسيح ال َّد َّج ال‪ ،‬أو األعور ال َّد َّج ال‪ ،‬أو‬
‫الَّد َّج ال بدون إضافة۔‬

‫‪ -2‬يَْطِلق البعض على ال َّد َّج ال اس م "المس يخ ال َّد َّج ال" وه ذا تص حيف‪ ،‬كما نقل ذلك ابن حجر‪ r‬في‬
‫"فتح البــاري" (‪ )94/13‬عن القاض ـي عيــاض أنــه قــال‪" :‬ض لَّ ق ومٌ ف رووه (المس يخ) بالخ اء‬
‫المعجم ة‪ ،‬وش دَّد بعض هم الس ين (المسَّيح) ليفرِّق وا بين ه‪ ،‬وبين المس يح عيس ى ابن م ريم ب زعمهم‪ ،‬وق د‬
‫ف َّرق الن بي ‪ r‬بينهم ا بقول ه في ال َّد َّج ال‪" :‬مس يح الض اللة"‪ ،‬ف دلَّ على أن عيس ى "مس يح اله دى"‪ ،‬ف أراد‬
‫هؤالء تعظيم عيسى‪ ،‬فحرَّفوا الحديث"‪.‬اهـ‬
‫‪ -3‬لم يرد حديث صحيح يدل على اسم الَّد َّج ال‪ ،‬واسم أبيه‪ ،‬ونسبه‪ ،‬ومولده‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫عقيدة أهل السنة في الَّد َّجال‪ ،‬وذكر المخالفين‬


‫قال النووي‪ r‬في "شرحه لمسلم" (‪" :)18/58‬قال القاضي‪ :‬هذه األحاديث التي ذكرها مسلم‬
‫وغيره في قصة ال َّد َّج ال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده‪ ،‬وأنه شخص ابتلى اهلل به عباده‪،‬‬
‫وأق دره على أش ياء من مق دورات اهلل تع الى من إحي اء الميت ال ذي يقتل ه‪ ،‬ومن ظه ور زه رة ال دنيا‬
‫والخص ب مع ه‪ ،‬وجنت ه ون اره‪ ،‬ونهري ه‪ ،‬واتب اع كن وز األرض ل ه‪ ،‬وأم ره الس ماء أن تمط ر؛ فتمط ر‪،‬‬
‫واألرض أن تنبت؛ فتنبت‪ ،‬فيقع كل ذلك بقدرة اهلل تعالى ومشيئته‪ ،‬ثم يعجزه اهلل تعالى بعد ذلك‪ ،‬فال‬
‫يقدر على قتل ذلك الرجل‪ ،‬وال غيره‪ ،‬ويبطل أمره‪ ،‬ويقتله عيسى ‪ ،U‬ويثبت اهلل الذين آمنوا۔‬
‫هذا مذهب أهل السنة‪ ،‬وجميع المحدثين والفقهاء والنظار خالف ًا لمَن أنكره وأبطل أمره من الخوارج‬
‫والجهمية وبعض المعتزلة‪ ،‬وخالف ًا للبخاري المعتزلي وموافقيه من الجهمية وغيرهم في أنه صحيح‬
‫الوج ود‪ ،‬ولكن ال ذي ي دعي مخ اوف وخي االت‪ ،‬الحق ائق له ا‪ ،‬وزعم وا أن ه ل و ك ان حق ًا لم يوث ق‬
‫ع النبوة‪ ،‬فيكون‬
‫يد ِ‬
‫بمعجزات األنبياء ‪ -‬صلوات اهلل وسالمه عليهم ‪ ،-‬وهذا غلط من جميعهم؛ ألنه لم َّ‬
‫عي اإللهي ة‪ ،‬وه و في نفس دع واة مك ذِّب له ا بص ورة حال ة‪ ،‬ووج ود‬
‫م ا مع ه كالتص ديق ل ه‪ ،‬وإ نم ا ي دَّ ِ‬
‫دالئ ل الح دوث في ه‪ ،‬ونقص ص ورته‪ ،‬وعج زه عن إزال ة الع ور ال ذي في عيني ه‪ ،‬وعن إزال ة الش اهد‬
‫بكفره المكتوب بين عينيه۔‬
‫ولهذه الدالئل وغيرها ال يغتر به إال رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة؛ رغبة في سد الرمق‪ ،‬أو‬
‫تقية وخوفًا من أذاه؛ ألن فتنته عظيم ة تدهش العقول‪ ،‬وتحيِّر األلباب مع سرعة مروره في األرض‪،‬‬
‫فال يمكث بحيث يتأمَّل الض عفاء حال ه‪ ،‬ودالئ ل الح دوث في ه والنقص‪ ،‬فيُص دِّقه َمن ص دَّقه في ه ذه‬
‫الحالة۔‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫أنكر محمد عبده خروج الَّد َّج ال حيث قال‪" :‬الَّد َّج ال هو كناية عن الخرافات والدجل والشعوذة"‬
‫ونقل هذا عنه صاحب "تفسير المنار" (‪( )3/317‬محمد رشيد رضا وهو تلميذ محمد عبده‪ ،‬وتأثر به‬
‫وصار على نهجه) ولكنه خالف الأستاذ‪ ،‬وقال‪" :‬إنه سيظهر‪ ،‬لكن ليس معه فتن ة‪ ،‬وال جنة وال نار‪...‬‬
‫وهذا من غرائب هذا العَِالم‪.‬‬
‫ممن أنك ر خ روج ال َّد َّج ال ك ذلك‪ :‬محم د فهيم أب و عيب ة‪ ،‬محق ق كت اب ابن كث ير" النهاي ة في الفتن‬
‫و َّ‬
‫والمالحم"‪ ،‬حيث قال معِّلقًا على أحاديث الَّدَّجال‪" :‬وخروج الَّد َّج ال هو كناية عن انتشار الفساد والشر"‬

‫‪7‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫الحكمة من عدم ذكر الَّد َّجال في القرآن‬


‫يقول الحافظ ابن حجر‪ r‬في "فتح الباري" (‪:)13/98‬‬
‫"اش تهر الس ؤال عن الحكم ة في ع دم التص ريح ب ذكر ال َّد َّج ال في الق رآن‪ ،‬م ع م ا ذُكِر عن ه في الش ر‪،‬‬
‫وعظم الفتنة به‪ ،‬وتحذير الأنبياء منه‪ ،‬واألمر باالستعاذة منه حتى في الصالة‪،‬‬
‫وأجيب بأجوبة‪-:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنــه ذكــر في قولــه تعــالى‪َ{ :‬يْو َم َيْأِتي َبْعُض آَياِت َر ِّبَك َال َينَف ُع َنْفس‪ًn‬ا ِإيَم اُنَه ا َلْم َتُك ْن‬
‫آَم َنْت ِم ن َقْبُل }‬
‫[األنعام‪]158 :‬‬

‫فقد أخرج اإلمام مسلم من حديث أبي هريرة ‪ t‬أن النبي‪ r‬قال‪:‬‬
‫"ثالث إذا خــرجن ال ينفــع نفس ـًا إيمانهــا لم تكن آمنت من قبــل‪ ،‬أو كســبت في إيمانهــا خــيرًا‪:‬‬
‫طلوع الشمس من مغربها‪ ،‬والَّد َّج ال‪ ،‬ودابة األرض"‬

‫وعند الترمذي من حديث أبي هريرة ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"ثالث إذا خرجن لم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل‪ :‬الَّد َّج ال‪ ،‬الَّدابــة‪ ،‬طلــوع الشــمس‬
‫من مغربها"‬

‫الثاني‪ :‬وقعت اإلشارة في القرآن الكريم إلى نزول عيسى ابن مريم ‪ ،U‬ففي قوله تعالى‪:‬‬
‫{َو ِإن ِّم ْن َأْه ِل اْلِك َتاِب ِإَّال َلُيْؤ ِم َنَّن ِبِه َقْبَل َم ْو ِتِه َو َيْو َم اْلِقَياَم ِة َيُك وُن َع َلْيِهْم َش ِه يدًا} [النساء‪]159:‬‬

‫وفي قوله تعالى‪َ{ :‬و ِإَّنُه َلِع ْلٌم ِّللَّس اَع ِة َفاَل َتْم َتُر َّن ِبَها} [الزخرف‪]61:‬‬

‫وقد صح أنه المسيح عيسى ‪ U‬هو الذي يقتل ال َّد َّج ال‪ ،‬فاكتفي بذكر أحد الضدين عن اآلخر‪ ،‬ولكونه‬
‫يلقب بالمسيح عيسى‪ ،‬لكن المسيح الَّد َّج ال "مسيح الضاللة"‪ ،‬وعيسى "مسيح الهدى"‬

‫‪8‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫الثالث‪ :‬أن ه ت رك ذك ره احتق اراً‪ ،‬وتعقب ه ذا الق ول ب ذكر‪ :‬ي أجوج وم أجوج‪ ،‬وليس ت الفتن ة بهم ب دون‬
‫الفتنة بالَّد َّج ال والذي قبله‪ ،‬وتعقب هذا أيضاً بأن السؤال باٍق ‪ :‬وهو ما الحكمة في ترك التنصيص عليه‬
‫؟‬

‫وأجاب شيخنا اإلمام البلقيني ‪" :r‬بأنه اعتبر كل من ذكر في القرآن من المفسدين‪ ،‬فوجد كل من‬
‫ذكر إنما هم ممَّن مضي‪ ،‬وانقضى أمره‪ ،‬وأما مَن لم يجيء بعد‪ ،‬فلم يذكر منهم أحد۔‬
‫‪-‬وهذا الرأي ينتقض بيأجوج ومأجوج ۔۔‬

‫وقد وقع في تفسير البغوي‪" :‬أن الَّد َّج ال مذكور في القرآن الكريم‪ ،‬في قوله تعالى‪:‬‬
‫{َلَخ ْلُق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َأْك َبُر ِم ْن َخ ْلِق الَّناِس َو َلِك َّن َأْك َثَر الَّناِس اَل َيْع َلُم وَن } [غافر‪]57:‬‬

‫وأن المراد بالناس هنا‪ :‬الَّد َّج ال‪ ،‬وهو من باب إطالق الكل على البعض‬
‫ت أحسن اإلجوبة‪ ،‬فيكون من جملة ما تكفَّل النبي ‪ r‬ببيانه‪ .‬والعلم عند اهلل تعالى‪ .‬اهـ‬
‫وهذا إن ثَُب َ‬

‫شبهة‪ ...‬والرد عليها‪:‬‬


‫ادعى الربوبي ة والألوهي ة‪ ،‬فلم اذا لم ي ذكر المس يح‬
‫ف إن اُعتُرض ب أن الق رآن ذك ر فرع ون‪ ،‬وه و ق د َّ‬
‫الَّد َّج ال وهو مَّم ن اَّد عى الربوبية واأللوهية كذلك‪ ،‬فيقال‪ :‬إن أمر فرعون انقض ى وانتهى‪ ،‬وذُكِر عبرة‬
‫للن اس وعظ ة‪ ،‬وأم ا أم ر ال َّد َّج ال‪ ،‬فس يحدث في آخ ر الزم ان‪ ،‬ف ترك ذك ره امتحان ًا ب ه‪ ،‬م ع أن ادع اءه‬
‫الربوبي ة أظه ر من أن يُنبَّه على بطالن ه‪ ،‬ألن ال َّد َّج ال ظ اهر النقص‪ ،‬واض ح ال ذم‪ ،‬أحق ر وأص غر من‬
‫المق ام ال ذي يدعي ه‪ ،‬ف ترك اهلل ذك ره‪ ،‬لم ا يعلم تع الى من عب اده المؤم نين‪ ،‬أن مث ل ه ذا ال يخيفهم وال‬
‫يزيدهم إال إيمانًا وتسليمًا هلل ورسوله‪ ،‬كما يقول الشاب الذي يقتله الَّد َّج ال ويجيبه‪،‬‬
‫(أشراط الساعة‪ :‬ص ‪)322‬‬ ‫والحديث في البخاري‪" :‬واهلل ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم"‬

‫‪9‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫(‪)1‬‬
‫صفات الَّد َّجال ِ‬
‫الخلِْقية‬
‫ذكر النبي‪ r‬كثيرًا من أوصاف الَّد َّج ال وأحواله؛ حتى يتعرف الناس عليه إذا ظهر فيهم‪ ،‬ويحذرون‬
‫شَّر ه‪ ،‬لكن مع شديد األسف تجد أن كثيرًا من الجَُّهال يفتنون به ويتَِّبُعونه‪ ،‬لكن المؤمن يعرف تمامًا أن‬
‫هذا هو الَّد َّج ال الذي وصفه النبي‪ ، r‬فتعال أنا وأنت لنتعرف على صفات الَّد َّج ال‬
‫‪ -1‬هو رجل من بني آدم‪ ،‬يهودي‪ ،‬عقيم ال يولد له ولد‪:‬‬
‫أخرج اإلمام مسلم عن أبي سعيد الخدري ‪ t‬قال‪:‬‬
‫صحِبت ابن صياد إلى مكة‪ ،‬فقال لي‪ :‬أما قد لقيتَ من النــاس؟ يزعمــون أني الــَّد َّج ال‪ ،‬ألســت‬
‫" َ‬
‫(أخرجه مسلم)‬ ‫سمعت رسول اهلل‪ r‬يقول‪ :‬إنه ال يولد له‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬بلى‪ "...‬الحديث‬
‫وفي رواية عند الترمذي‪" :‬ما لكم ولي يا أصحاب محمـد ‪r‬؟ ألم يقـل نـبي اهلل‪ :‬إنـه يهـودي‪،‬‬
‫وقد أسلمت؟ وقال‪ :‬ال يولد له‪ ،‬وقد ولد لي ؟"‬
‫وعند الترمذي أيضـًا‪":‬أو ليس قـد قـال رسـول اهلل ‪ :r‬هــو عقيم ال يولــد لــه ولــد ؟ وقـد تـركت‬
‫ولدي بالمدينة"‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫لم يرد في اسم الَّد َّج ال‪ ،‬واسم أبيه‪ ،‬ونسبه ومولده حديث صحيح‪ ،‬وكل ما ورد في هذا الشأن ضعيف‬
‫كالحديث الذي أخرجه الترمذي وأبو داود الطيالسي عن أبي بكرة ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"يمكث أبو الَّد َّج ال وأمه ثالثين عامًا‪ ،‬ال يولد لهما ولد‪ ،‬ثم يولد لهما غالم أعور‪ ،‬أضر شــيء‬
‫وأقلــه منفعــة‪ ،‬تنــام عينــاه وال ينــام قلبــه‪ ،‬ثم نعت لنــا رســول اهلل‪ r‬أبويـه‪ ،‬فقــال‪ :‬أبــوه طـُوال‬
‫طويلة الثديين‪"...‬والحديث ال يصح‬ ‫رضاخية‬
‫(‪)3‬‬
‫َّ‬ ‫ضرب اللحم(‪ ، )2‬كأن أنفه منقار‪ ،‬وأمه ِف‬
‫(انظر "جامع األصول"‪)10/136:‬‬

‫‪ "))1‬المسيح المنتظر ونهاية العالم"‪ :‬ص ‪ 116-105‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ ))2‬ضرب اللحم‪ :‬أي خفيفه‪.‬‬
‫‪ ))3‬الفرضاخية‪ :‬الضخمة العظيمة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ -2‬وهو شاب عظيم الخلقة ضخم الجسم‪:‬‬


‫أخرج اإلمام مسلم عن فاطمة بنت قيس ‪ i‬في قصة الجساسة‪ ،‬وفيه قال تميم ‪:t‬‬
‫سراعا حتى دخلنا الدير‪ ،‬فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه(‪ ، )1‬وأشده وثاقاً‪ "...‬الحديث‬
‫ً‬ ‫"فانطلقنا‬
‫فقد أخرج اإلمام مسلم عن النواس بن سمعان ‪ t‬وفيه‪" :‬إنه شاب قطط"‬
‫وأخرج الطبراني عن ابن عباس ‪ K‬أن رسول اهلل‪ r‬قال‪:‬‬
‫"رأيت الَّد َّج ال هجانًا ضخما فيلمانيًّا(‪ ،)2‬أشبه بعبد العزى بن قطن‪ ،‬رجل من خزاعة"‬
‫وأخرج ابن ماجه عن أبي أمامة‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪: r‬‬
‫"إنه عظيم الخلقة‪ ،‬طويل القامة‪ ،‬جسيم‪ "...‬الحديث‬
‫إشكال‪ ...‬والرد عليه‪:‬‬
‫مر بنا في وصف الَّد َّج ال إنه "عظيم الخلقة طويل القامة" بينما جاء وصـفه في روايـة أخــرى‪:‬‬
‫بأنه قصير‪.‬‬
‫كما في رواية أبي داود وأحمد عن عبادة بن الصامت ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫حدثتكم عن الَّد َّج ال‪ ،‬حتى خشيت أال تعقلوا‪ ،‬إن المسيح الَّد َّج ال قصير أفحج‪"...‬‬
‫"إني َّ‬
‫الحديث‬
‫والجمع بين الروايتين كما قال ابن القيم ‪ r‬في "فتح الباري" (‪:)13/97‬‬
‫"قوله‪ :‬قصير‪ ،‬يدل على قصر قامته‪ ،‬وقد ورد في حديث تميم‪ :‬أنه أعظم إنسان‪ ،‬ووجه الجمع أنه ال‬
‫يبعد أن يكون قصيرًا بطينًا عظيم الخلقة‪ .‬اهـ‬
‫لكن تجد أن ابن القيم ‪ r‬جمع بين قصر الَّد َّج ال‪ ،‬وضخامة جسمه‪ ،‬ولم يتعرض للرواية التي ذكر فيها‬
‫أن ه طوي ل القام ة‪ ،‬ولع ل الجم ع بين كون ه ذك ر في بعض األح اديث‪ :‬بأن ه طوي ل‪ ،‬وفي رواي ة‪ :‬بأن ه‬
‫قصير‪ ،‬ولعل ذلك لعدم التناسب بين ضخامة جسمه وطوله‪ ،‬وهذا عيب من خلقته‪ ،‬ملفت لالنتباه۔‬
‫وهناك قول آخر‪ :‬وهو أنه طويل ضخم بالنسبة إلى غيره من بني آدم‪ ،‬وقصير بالنسبة إلى ضخامة‬
‫‪K:‬‬ ‫جسمه‪ ،‬ولعل هذا هو األقرب للصواب‪ ،‬ويدل على ذلك رواية البخاري عن عبداهلل بن عمر‬
‫"أن الرسول ‪ R‬رأى الَّد َّج ال في الرؤيا‪ ،‬وجاء في وصفه له فقال عنه‪ :‬رجل جسيم"‬
‫‪ -3‬عظيم الرأس عريض النحر‪:‬‬

‫‪ ))1‬أعظم إنسان‪ :‬أي أكبره جثة‪.‬‬


‫‪ ))2‬الفيلم‪ :‬العظيم الجثة‪ ،‬والفيلمانيّ‪ :‬منسوب إليه بزيادة األلف والنون للمبالغة۔‬

‫‪11‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫أخرج اإلمام أحمد عن ابن عباس ‪ K‬أن النبي‪ r‬قال في الَّد َّج ال‪:‬‬
‫صلة(‪ ، )1‬أشبه بعبد العزى بن قطن‪ "...‬الحديث‬
‫"كأن رأسه َأ َ‬

‫وأخرج البزار عن الفلتان بن عاصم ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬


‫"ُأريت ليلة القدر‪ ،‬ثم ُأنسيتها‪ ،‬ورأيت مســيح الضــاللة‪ ...‬وأمــا مســيح الضــاللة‪ ،‬فرجــل أجلى‬
‫الجبهة‪ ،‬ممسوح العين اليسرى‪ ،‬عريض النحر‪ ،‬كأنه عبد العزى بن قطن"‬

‫وأخرج اإلمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"وأما مسيح الضاللة‪ ،‬فإنه أعور العين‪ ،‬أجلى الجبهة‪ ،‬عريض النحر(‪ ، )2‬فيه دفأ(‪" )3‬‬
‫(حسنه ابن كثير‪ ،‬وصححه أحمد محمد شاكر)‬

‫‪ -4‬أفحج الرجلين‪:‬‬
‫فقد أخرج أبو داود عن عبادة بن الصامت‪ t‬عن النبي ‪ r‬أنه قال‪:‬‬
‫"إن المسيح الَّد َّج ال قصير أفحج(‪ "... )4‬الحديث ۔‬

‫ص لة‪ :‬أخبث أنواع األفاعي‪ :‬وقيل‪ :‬هي الحية العظيمة الضخمة القصيرة‪ ،‬والعرب تشبه الرأس الكثير الحركة برأس الحية‪.‬‬
‫‪ ))1‬واألَ َ‬
‫‪ ))2‬فالنحر والمنحر‪ :‬موضع القالدة في أعلى الصدر۔‬
‫‪ ))3‬الدفأ‪ :‬إشراف الكاهل على الصدر‪ ،‬أي فيه ميل وانحناء‪.‬‬
‫‪ ))4‬والفحج‪ :‬تباعد ما بين الساقين‪ ،‬وقيل‪ :‬تباعد الفخذين ‪ ،‬وقيل تباعد الـِّر جلين‪ ،‬وقيـل‪ :‬هـو تـداني صـدور القـدمين‪ ،‬مـع تباعـد العقـبين‪ ،‬وانتفـاخ‬
‫الساق‪ ،‬وقيل‪ :‬هو االعوجاج في الرجل مطلقاً‪ .‬قال الخطابي‪ :‬األفحج‪ :‬الذي إذا مشى باعد بين رجليه‪ .‬اهـ‬

‫‪12‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ -5‬بشرته سمراء صافية‪ ،‬ووجنته محمرة‪:‬‬


‫أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر ‪ K‬أن رسول اهلل‪ r‬قال‪:‬‬
‫"فذهبت ألتفت‪ ،‬فإذا رجل أحمر جسيم"‬
‫وأخرج اإلمام أحمد والطبراني في "الكبير" عن ابن عباس‪ K‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"الَّد َّج ال أعور‪ ،‬هجان(‪ )1‬أزهر‪ -‬وفي رواية‪ :‬أقمر‪ "...‬الحديث‬
‫(وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة‪)1139:‬‬

‫‪ -‬وفي رواية للطبراني‪" :‬رأيت الَّد َّج ال هجانًا ضخمًا فيلمانيًا"‬


‫وأخرج الطبراني عن عبد اهلل بن مغفل‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال عن الَّد َّج ال‪" :‬آدم(‪ )2‬جعد‪"...‬‬
‫الحديث‬

‫‪ -6‬شعره كثيف أجعد‪:‬‬


‫أخرج اإلمام مسلم عن النواس بن سمعان ‪ t‬في حديث السابق‪":‬إنه شاب قطط‪")3( ...‬‬
‫الحديث‬
‫وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر ‪ K‬أن رسول اهلل ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"فذهبت ألتفت‪ ،‬فإذا رجل أحمر جسيم‪ ،‬جعد الرأس‪ "...‬الحديث‬
‫‪ -‬وفي رواية عند الطبراني‪" :‬آدم جعد"‬
‫وعند مالك في روايته‪" :‬جعد قطط"‪ ،‬أي شديد الجعودة‪ ،‬مباعد للجعودة المحبوبة‪.‬‬
‫وأخرج اإلمام مسلم عن حذيفة بن اليمان ‪ t‬أن رسول اهلل‪ r‬قال‪:‬‬
‫"الَّد َّج ال أعور العين اليسرى‪ ،‬جُفال الشعر(‪" )4‬‬
‫وأخرج ابن ماجه عن أبي أمامة ‪ t‬أن رسول اهلل‪ r‬قال‪:‬‬
‫"إنه عظيم الخلقة‪ ،‬طويل القامة‪ ،‬جسيم‪ ،‬أجعد قطط‪ "...‬الحديث‬
‫أخرج اإلمام أحمد عن أبي قالبة عن رجل من الصحابة ‪ y‬أن رسول اهلل‪ r‬قال‪:‬‬
‫"إن بعدكم الكذاب المضل‪ ،‬وإ ن رأسه من ورائه حُُبك (‪ )5‬حبك حبك‪ "...‬الحديث‬
‫‪ -7‬شعر ناصيته منحسر‪:‬‬

‫‪ ))1‬والهجان‪ :‬األبيض الذي فيه حمرة‪ ،‬أي أبيض أزهر‪ ،‬واألقمر الذي لونه لون الحمار‪ ،‬األقمر‪ :‬أي‪ :‬األبيض‪.‬‬
‫السمرة‪ ،‬واآلدم من الناس‪ :‬األسمر‪ ،‬وهو من كان لونه بين السواد والبياض‪ ،‬واآلدم من اإلبل‪ :‬الشديد البياض‪.‬‬
‫‪ ))2‬واألُدمة‪ُّ :‬‬
‫تحمر معه الوجنتان"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كثيرا من األدم‪،‬‬
‫ً‬ ‫قال الحافظ في "الفتح"(‪" :)13/97‬فيمكن أن تكون أدمته صافية‪ ،‬وال ينافي أنه يوصف مع ذلك بالحمرة؛ ألن‬
‫‪ ))3‬قطط‪ :‬يعني شديد جعودة الشعر‪.‬‬
‫‪ ))4‬أي‪ :‬كثير الشعر‪.‬‬
‫‪ ))5‬أي‪ :‬كثير ملتف‪ ،‬أو منكر من الجعودة۔‬

‫‪13‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫أخرج البزار عن الفلتان بن عاصم ‪ t‬في حديثه السابق‪:‬‬


‫"وأما مسيح الضاللة‪ ،‬فرجل أجلى الجبهة‪ ،‬ممسوح العين‪ "...‬الحديث ۔‬
‫أخرج اإلمام أحمد عن أبي هريرة ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"وأما مسيح الضاللة‪ ،‬فإنه أعور العين‪ ،‬أجلى الجبهة‪ ،‬عريض النحر‪ ،‬فيه دفأ(‪" )1‬‬
‫(صححه أحمد شاكر)‬

‫‪ - 8‬صفة عين الَّد َّجال‪:‬‬


‫فعينه اليمنى مطموسة ممسوحة‪ ،‬كأنها عنبة طافئة (بالهمز) أي‪ :‬ذهب ضوءها‪ ،‬فال ُيْب ِص ر بها‪ ،‬وهي‬
‫ليست بناتئة‪ ،‬وال جحراء (‪ ، )2‬وهذه صفة حبة العنب‪ ،‬إذا ذهب ماؤها‪ ،‬وبقيت القشرة‪ ،‬فكأنها لم تخلق‪.‬‬
‫وأما عينه اليسرى التي يرى بها‪ ،‬فمتقدة خضراءـ كأنها كوكب من شدة توقدها‪ ،‬غير أنها جاحظة‪،‬‬
‫كأنها زجاجة خضراء بارزة‪ ،‬أو عنبة طافية (بال همز) أي‪ :‬ناتئة كنتوء حبة العنب من بين أخواتها‪،‬‬
‫أو كأنه ا نخاع ة في ج دار مجص ص‪ ،‬وفيه ا أيض ًا جلي دة أو لحيم ة نابت ة عن د الم وق‪ ،‬كأنه ا ممزوج ة‬
‫بالدم‪.‬‬
‫فه و أع ور العي نين مع ًا؛ ألن الع ور ه و العيب‪ ،‬واألع ور من ك ل ش يء‪ :‬المعيب‪ ،‬غ ير أن ك ل عين‬
‫عوراء من وجه؛ فاليمنى عوراء حقيقة لذهابها وذهاب ضوئها‪ ،‬فإنها ممسوحة مطموسة‪ ،‬واليسرى‬
‫عوراء بعيبها الالزم من كونها جاحظة‪ ،‬وعليها َظَفرة‪ ،‬فكل واحدة منهما يصح وصفها بالعور‪ ،‬بحقيقة‬
‫العرف‪ ،‬أو بمعنى العور األصلي‪ ،‬هذا هو الوصف‪ ،‬وإ ليكم األدلة عليه‪-:‬‬
‫جاء في "صحيح مسلم" عن النواس بن سمعان ‪ t‬عن النبي ‪ r‬قال عن الَّد َّج ال‪:‬‬
‫"إنه شاب قطط‪ ،‬عينه طافئة(‪" )3‬‬
‫أخرج اإلمام مسلم عن حذيفة بن اليمان ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"وإ ن الَّد َّج ال ممسوح العين‪ ،‬عليها َظَفرة (‪ "...)4‬الحديث‬
‫وفي رواية‪" :‬الَّد َّج ال أعور العين اليسرى"‬
‫وعند ابن عساكر والحاكم وقال على شرط مسلم‪:‬‬

‫‪ ))1‬الدفأ‪ :‬االنحناء‪ ،‬ورجل أدفى (بغير همز)‪ :‬أي فيه انحناء۔‬


‫‪ -‬جحراء‪ :‬أي عميقة‪.‬‬ ‫‪ ))2‬ناتئة‪ :‬أي عالية‬
‫‪ ))3‬والحبة الطافئة من العنب‪ ،‬هي التي خرجت عن حد نبات أخواتها في العنقود ونتأت‪.‬‬
‫‪"))4‬عليها َظَفرة"‪ :‬الَظَفرة‪( :‬بفتح الظاء المعجمة والفاء)‪ ،‬لحمة تنبت عند المآِقي‪ ،‬وقد تمتد إلى السواد فتغشاه‪ ،‬والمآقي‪ :‬هي مقدمة العين‪.‬‬
‫(انظر النهاية في غريب الحديث‪)3/158 :‬‬

‫‪14‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫"وإ ن إحدى عينيه ممسوحة‪ ،‬عليها َظَفرة"‬

‫(‪)1‬‬
‫وأخــرج البخــاري ومســلم عن ابن عم ـر ‪ K‬أن رســول اهلل ‪ r‬ذكــر ال ـَّد َّج ال بين ظهــراني‬
‫الناس فقال‪:‬‬
‫"إن اهلل ليس بأعور‪ ،‬أال إن المسيح الَّد َّج ال أعور العين اليمنى‪ ،‬كأن عينه عنبة طافئة"‬
‫وعند البخاري ومسلم من حديث ابن عمر ‪ K‬أيضًا أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"فذهْبُت ألتفتُ؛ فإذا رجل أحمر جسيم‪ ،‬جعد الرأس‪ ،‬أعور عينه اليمنى‪ ،‬كأن عينه عنبة‬
‫طافية (‪"...)2‬الحديث‬

‫وفي الحديث الذي أخرجه اإلمام أحمد وأبو داود عن عبادة بن الصامت ‪ t‬أن النبي ‪r‬‬
‫قال‪" :‬إن المسيح الَّد َّج ال قصير أفحج‪ ،‬جعٌد ‪ ،‬أعوُر ‪ ،‬مطموُس العين‪ ،‬ليست بناتئة (‪ ،)3‬وال‬
‫حجراء (‪ ،)4‬فإن ُأْلِبس عليكم؛ فاعلموا أن ربكم ليس بأعور‪ ،‬وإ نكم لن تروا رَّبكم حتى تموتوا"‬
‫(صحيح الجامع‪)2459 :‬‬

‫وأخرج اإلمام أحمد والطبراني عن سفينة مولى رسول اهلل قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪: r‬‬
‫"أال إنه لم يكن نبي قبلي إال قد حذر الَّد َّج ال أمتــه‪ ،‬وهــو أعــور عينــه اليســرى‪ ،‬بعينــه اليمــنى‬
‫َظَفرة غليظة‪ ،‬مكتوب بين عينيه كافر"‬

‫وأخرج اإلمام أحمد وأبو داود عن ُأبي بن كعب ‪ t‬قال‪" :‬ذكر النبي الَّد َّج ال فقال‪:‬‬
‫"إحدى عينيه‪ ،‬كأنها زجاجة خضراء‪ ،‬وتعَّو ذوا باهلل من عذاب القبر"‬

‫‪ ))1‬قــال الحافــظ ‪" :r‬أي‪ :‬جالس ـًا وســط النــاس‪ ،‬والمــراد‪ :‬أنــه جلس بينهم مســتظهرًا ال مســتخفيًا‪ ،‬أو معنــاه‪ :‬أن ظهــرًا منهم قدامــه وظهــرًا خلفــه‪،‬‬
‫وكأنهم حفوا به من جانبيه فهذا أصله‪ ،‬ثم كثر حتى استعمل في اإلقامة بين قوم مطلقًا‪ ،‬ولهـذا زعم بعضـهم أن لفظـة "ظهـراني" في هـذا الموضـع‬
‫زائدة‪.‬‬
‫‪ ))2‬قال الحافظ ابن حجر ‪ r‬في "فتح البـاري" (‪":)6/485‬طافيـة‪ :‬أي بـارزة‪ ،‬وهـو من طفـأ الشـيء يطفـأ (بغـير همـز) إذا عال على غـيره‪ ،‬وطافئـة‬
‫(بالهمز) شبهها بالعنبة التي تقع في العنقود بارزة عن نظائرها‪.‬‬
‫‪ ))3‬ناتئة‪ :‬مأخوذ من النتوء‪ ،‬وهو االرتفاع واالنتفاخ‪ ،‬أي أن عينه ليست بارزة‪( .‬انظر ترتيب القاموس‪)4/318:‬‬
‫‪َ ))4‬حْج راء‪ :‬ورويت‪ :‬جحراء (بتقـديم الجيم)‪ :‬أي ليسـت غـائرة منجحـرة في نقرتهـا‪(.‬انظـر لسـان العـرب‪ ،)4/118 :‬قـال الخطـابي ‪" :r‬والجحـراء‬
‫التي قد انخسفت؛ فبقي مكانها غائرًا ‪ r‬كالجحر‪ ،‬يقول‪" :‬إن عينه ساَّدة لمكانها‪ ،‬مطموسة أي ممسوحة ليست بناتئة وال منخسفة"‬

‫‪15‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫إيضاح و تنبيه‪:‬‬
‫َم ن تتبع تلك الروايات؛ وجد أن بعضها ذكر العيب‪ ،‬ولم يحدد العين المعيبة‪ ،‬وأكثرها ح َّد د‪ ،‬غير أن‬
‫بعض الروايات وصفت إحدى العينين بما وصف به غيرها العين األخرى‪.‬‬
‫ول ذلك ش مَّر العلم اء ‪ -‬وعلى رأس هم القاض ي عي اض والن ووي في "ش رح مس لم"‪ ،‬والقرط بي في‬
‫"التذكرة"‪ ،‬والحافظ في "الفتح" ‪ -‬للتحقيق والتدقيق ‪ ،‬وفي وصف العين وصفًا دقيقًا‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫‪ -‬ورد في بعض الروايات‪" :‬كأن عينــه عنبــة طافئــة" (ب الهمز)‪ ،‬أي ذهب ض وءها ونوره ا‪ ،‬فال‬
‫ُيْبصر بها‪ ،‬وورد في بعضها‪" :‬طافية" (بدون همز)‪ ،‬أي ناتئة بارزة‪ ،‬كنتوء حبة العنب الناتئة من‬
‫بين أخواتها في العنقود‪.‬‬
‫‪ -‬وقد جاء في أحاديث‪" :‬أنه ممسوح العين‪ ،‬ليست بجحراء‪ ،‬وال ناتئة"‪ ،‬ب ل مطموس ة‪ ،‬وه ذه‬
‫صفة حبة العنب إذا سال منها ماؤها‪ ،‬فهي تصحح رواية الهمزة‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء في ُأخرى‪" :‬أنه جاحظ العينين‪ ،‬كأنها كوكب دري‪ ،‬لها حدقة جاحظة‪ ،‬كأنها نخاعـة‬
‫أو نخامة"‪ ،‬فهي تصحح رواية ترك الهمزة أيضًا‪.‬‬
‫ويجمع بين األحاديث‪ ،‬وتصح الروايات جميعًا بأن تكون المطموسة والممسوحة والتي ليست بجحراء‬
‫وال ناتئة‪ ،‬هي العوراء الطافئة بالهمزة‪ ،‬وهي اليمنى‪ ،‬وتكون الجاحظة التي كأنها كوكب ونخاعة‪ ،‬هي‬
‫الطافية بغير الهمز‪ ،‬وهي اليسرى‪.‬‬
‫وعلى هذا فهو أعور العين اليمنى واليسرى مع ًا‪ ،‬فكل واحدة منهما عوراء‪ ،‬أي معيبة؛ فإن األعور‬
‫من ك ل ش يء ه و المعيب‪ ،‬وكال عي ني ال َّد َّج ال معيب ة‪ ،‬فإح داها معيب ة ب ذهاب ض وئها ح تى ذهب‬
‫إدراكها‪ ،‬واألخرى بنتوئها‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ -9‬مكتوب بين عينيه كافر (ك ف ر)‪:‬‬


‫فقد أخرج اإلمام مسلم عن حذيفة بن اليمان ‪ t‬عن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"مكتوب بين عينيه كافر‪ ،‬يقرؤه كل مؤمن‪ ،‬كاتب وغير كاتب"‬

‫أخرج اإلمام مسلم أيضًا عن عمر بن ثابت األنصاري عن بعض الصــحابة ‪ y‬أن النــبي ‪r‬‬
‫قال يوم حَّذ ر النـاس الـَّد َّج ال‪" :‬إنـه مكتـوب بين عينيـه كـافر‪ ،‬يقـرؤه كـل َمن كـره عملـه – أو‬
‫يقرؤه كل مؤمن – وقال‪ :‬تعلموا‪ :‬إنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت"‬

‫وأخرج البخاري ومسلم عن أنس ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬


‫"مــا من نــبي إال وقــد أنــذر أمتــه األعــور الك ـَّذ اب‪ ،‬أال إنــه أعــور‪ ،‬وإ ن ربكم ‪ U‬ليس بــأعور‪،‬‬
‫مكتوب بين عينيه (ك ف ر)"‬

‫وفي رواية لمسلم‪" :‬الَّد َّج ال مكتوب بين عينيه (ك ف ر)" أي‪ :‬كافر‬

‫وفي أخــرى لــه‪ " :‬الــَّد َّج ال ممســوح العين‪ ،‬مكتــوب بين عينيــه كــافر‪ ،‬ثم تهجاهــا (ك ف ر)‪،‬‬
‫يقرؤه كل مسلم"‬

‫وأخرج اإلمام أحمد عن أبي بكرة ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫" الَّد َّج ال أعور بعين الشمال‪ ،‬بين عينيه مكتوب كافر‪ ،‬يقرؤه األمي والكاتب"‬

‫‪17‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫وأخرج اإلمام أحمد والحاكم عن جابر بن عبد اهلل ‪ K‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"يخــرج الــَّد َّج ال في خفــة من الــذين‪ ،‬وإ دبــار من العلم؛ فيقــول للنــاس‪ :‬أنــا ربكم‪ ،‬وهــو أعــور‪،‬‬
‫وإ ن ربكم ليس بأعور‪ ،‬مكتـوب بين عينيـه كـافر (ك ف ر) مهجـاة‪ ،‬يقـرؤه كـل مـؤمن‪ ،‬كـاتب‬
‫وغير كاتب‪ "...‬الحديث‬

‫إيضاح و تنبيه‪:‬‬
‫كلمة "كافر" التي بين عينيه هي كتابة حقيقية‪ ،‬جعلها اهلل سبحانه من جملة العالمات الدالة على كذبه‪،‬‬
‫ُيْظِه رها اهلل لكل مسلم‪ ،‬كاتب وغير كاتب‪ ،‬وُيْخ ِف يها عن الكافر بسبب شقاوته وإ عراضه؛ فإن اإلدراك‬
‫في البص ر يخلق ه اهلل للعب د م تى ش اء‪ ،‬وكي ف ش اء؛ ف يراه الم ؤمن بعين بص ره‪ ،‬وإ ن ك ان ال يع رف‬
‫الكتابة‪ ،‬وال يراه الكافر‪ ،‬ولو كان يعرف الكتابة‪ ،‬كما يرى المؤمن األدلة بعين بصيرته‪ ،‬وال يراها‬
‫الك افر‪ ،‬فيخل ق اهلل للم ؤمن ال ذي يك ره عم ل ال َّد َّج ال اإلدراك دون تعلم‪ ،‬فيق رأ م ا بين عيني ه؛ ألن ذل ك‬
‫(فتح البـ ــاري‪:‬‬ ‫ال زمن تنخ رق في ه الع ادات‪.‬‬
‫‪)101 ،13/100‬‬

‫وقال النووي ‪ r‬كما في "شرح مسلم" (‪:)18/60‬‬


‫"الص حيح ال ذي علي ه المحقق ون أن ه ذه الكتاب ة على ظاهره ا‪ ،‬وأنه ا كتاب ة حقيقي ة‪ ،‬جعله ا اهلل آي ة‬
‫وعالمة من جملة العالمات القاطعة بكفره وكذبه وإ بطاله‪ُ ،‬يْظِه رها اهلل تعالى لكل مسلم‪ ،‬كاتب وغير‬
‫كاتب‪ ،‬وُيْخ ِف يها عمَّن أراد شقاوته وفتنته؛ وال امتناع في ذلك" اهـ‬

‫‪18‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫خالصة ما سبق في وصف المسيح الَّد َّجال‬


‫تبيَّن من خالل األحاديث السابقة أن الَّد َّج ال له جملة من الصفات وهي‪:‬‬
‫أنه شاب من بني آدم‪ ،‬عظيم الخلقة‪ ،‬ضخم الجسم‪ ،‬قصير‪ ،‬أفحج (مشيته معيبة بسبب تباعد ساقيه)‪،‬‬
‫عريض النحر‪ ،‬عظيم الرأس‪ ،‬جعد الرأس (أي أن شعرة ليس ناعماً‪ ،‬وال أملسَ)‪ ،‬جفال الشعر(شعره‬
‫ك ثيف)‪ ،‬أجلى الجبه ة (واسع الجبه ة)‪ ،‬بش رته س مراء ص افية‪ ،‬ووجنت ه محم رة‪ ،‬ممس وح العين اليمنى‬
‫كأنه ا عنب ة طافئ ة‪ ،‬وعين ه اليس رى عليه ا ظَف َرة (لحم ة غليظ ة)‪ ،‬ومكت وب بين عيني ه "ك ف ر"‬
‫ب الحروف المقطع ة أو "ك افر" ب دون تقطي ع‪ ،‬يقرؤه ا ك ل م ؤمن‪ ،‬ك اتب وغ ير ك اتب‪ ،‬ويقرؤه ا ك ل مَن‬
‫كره عمله‪ ،‬وهو عقيم ال يولد له‪ ،‬يطوف األرض‪ ،‬ويحرم عليه دخول مكة‪ ،‬والمدينة‪ ،‬ومسجد الطور‪،‬‬
‫عي الربوبي ة‪ ،‬وه ذا ليس‬
‫والمس جد األقص ى‪ ،‬وم ع ه ذه األوص اف المنقوص ة المعيب ة‪ ،‬إال أن ه ي دَّ ِ‬
‫بمستغرب على هذا الَّد َّج ال‪ ،‬ولكن العجب كل العجب فيمَن يتَِّبعه ويصدقه۔‬
‫وقـفـة‪:‬‬
‫الَّد َّج ال يشبه رجلًا ُيسمَّى عبد العزى بن قطن‪:‬‬
‫أراد النبي‪ r‬أن يقرب ألذهان الصحابة شكل الَّد َّج ال‪ ،‬فشبهه برجلٍ يعرفه أكثر الصحابة‪ ،‬وهو "عبد‬
‫العزى بن قطن بن عمرو الخذاعي"۔‬
‫َّ‬
‫ففي "صحيح البخاري" عن ابن عمر ‪ K‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"بينا أنا نائم أطوف بالكعبة‪ ،‬فإذا رجــل آدم ســبط الشــعر‪ ،‬ينطــف ‪ -‬أو يهــراق ‪ -‬رأســه مــاء‪،‬‬
‫ذهبت ألتفت فـإذا رجـل جسـيم أحمـر‪ ،‬جعـد الـرأس‪ ،‬أعـور‬
‫ُ‬ ‫قلت‪ :‬من هذا قالوا‪ :‬ابن مـريم‪ ،‬ثم‬
‫العين‪ ،‬كأن عينه عنبة طافية‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا الــَّد َّج ال‪ ،‬أقــرب النــاس بــه شــبهاً ابن قطن رجــل من‬
‫خزاعة"‬
‫‪ -‬وفي رواية‪" :‬وأراني الليلة عند الكعبة في المنام‪ ،‬فإذا رجل آدم‪ ،‬كأحسن مــا يــرى من أدم‬
‫واضـعا يديـه على منكـبي‬
‫ً‬ ‫الرجال‪ ،‬تضـرب لمتـه بين منكبيـه رجـِل الشـعر‪ ،‬يقطـر رأسـه مـاًء ‪،‬‬
‫رجلين يطوف بالبيت‪ ،‬فقلت‪َ :‬من هذا؟ فقالوا‪ :‬هــذا المســيح ابن مــريم‪ ،‬ثم رأيت رجًال وراءه‬
‫جعدًا قططًا‪ ،‬أعور عين اليمني‪ ،‬كأشــبه َمن رأيت بــابن َقطَنٍ‪ ،‬واضــعًا يديــه على منكــبي رجــل‬
‫يطوف بالبيت‪ ،‬فقلت‪َ :‬من هذا ؟ قالوا‪ :‬المسيح الَّد َّج ال"۔‬

‫‪19‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫تنبيهات‪:‬‬
‫‪ )1‬ورد في الحديث السـابق‪" :‬أن النـبي ‪ r‬رأى الـَّد َّج ال يطـوف بالكعبـة‪ ،‬ولعـل قائـل يقـول‪:‬‬
‫"ألم يقل النبي ‪ r‬عن الَّد َّج ال أنه‪" :‬لا يدخل مكة والمدينة‪ :‬فكيف رآه يطوف بالكعبة؟"‬
‫وللجواب عن هذا يقول القاضي عياض ‪ r‬كما نقـل عنـه النـووي في "شـرح مسـلم" (‪:)1/409‬‬
‫"وعلى هذا يحمل ما ذكر من طواف الَّد َّج ال بالبيت‪ ،‬وأن ذلك رؤيا‪ ،‬إذ قد ورد في "الصحيح" أنه‪:‬‬
‫"ال يدخل مكة وال المدينة"‪ ،‬م ع أن ه لم ي ذكر في رواي ة مال ك ط واف ال َّد َّج ال‪ ،‬وق د يق ال‪ :‬إن تح ريم‬
‫دخول المدينة عليه إنما هو في زمن فتنته‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ -‬وقـال الحافـظ ابن حجـر ‪ r‬في "فتح البـاري" (‪" :)10/358‬وغل ط مَن اس تدل به ذا الح ديث‬
‫على أن ال َّد َّج ال ي دخل مك ة أو المدين ة‪ ،‬إذ ال يل زم من ك ون الن بي ‪ r‬رآه في المن ام بمك ة أن ه دخله ا‬
‫حقيقة‪ ،‬ولو سلم أنه رؤي في زمانه ‪ r‬بمكة‪ ،‬فال يلزم أن يدخلها بعد ذلك إذا خرج في آخر الزمان‪.‬‬

‫‪ )2‬الشبه بين الَّد َّج ال وابن قطن لم يكن متطابقًا كمال التطابق‬
‫"وأقرب الناس به شبهًا ابن َقطَن"‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بدليل رواية ابن عمر ‪ K‬وفيها‪:‬‬
‫وكذلك رواية النواس بن سمعان‪ t‬وفيها‪" :‬كأني أشبهه بعبد العزى بن َقطَن"‬

‫‪ )3‬ابن قطن ه ذا يُس مَّى "عب د الع َّزى بن قطن بن عم رو الخ زاعي"‪ ،‬وقيــل‪ :‬من ب ني المص طلق من‬
‫خزاعة‪ ،‬وأمه‪" :‬هالة بنت خويلد"‪ ،‬وليس له صحبة‪ ،‬فقد هلك في الجاهلية على الراجح‪،‬‬
‫وقد وقع في حديث أبي هريرة ‪ t‬عند اإلمــام أحمــد زيــادة وهي أن ابن قطن ســأل النــبي‪r‬‬
‫فقال‪" :‬يا رسول اهلل‪ ،‬هل يضرني شبهه؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬أنت مؤمن‪ ،‬وهو كافر"‬
‫قال الحافظ ‪ r‬في "الفتح"‪" :‬وهذه الزيادة ضعيفة‪ ،‬فإن في سنده المسعودي‪ :‬وقد اختلط‪ ،‬والمحفوظ‬
‫(فتح البـ ــاري‪:‬‬ ‫أن ه عب د الع َّز ى بن قطن‪ ،‬وأن ه هل ك في الجاهلي ة كم ا ق ال الزه ري‪.‬‬
‫‪)13/104‬‬
‫وقفة أخرى‪:‬‬
‫الَّد َّج ال كذلك يشبه غالم يهودي يُْد َ‬
‫عى "صاف"‪ ،‬والمعروف بابن الصياد‬
‫لم ا أخ بر الن بي ‪ r‬الص حابة عن المس يح ال َّد َّج ال‪ ،‬وج د الص حابة أن ه ذا الوص ف ينطب ق على غالم‬
‫يهودي يدعى "صاف" واسمه‪" :‬عبد اهلل بن صياد" (أو صائد) المعروف بابن صياد‪ ،‬فأشكل أمره على‬
‫الصحابة‪ ،‬وظنوا أنه الَّد َّج ال‪ ،‬بل منهم مَن أقسم بذلك كجابر بن عبد اهلل ‪K‬‬

‫فقد أخرج البخاري ومسلم عن محمد بن المنكدر قال‪:‬‬


‫رأيت ج ــابر بن عب ــد اهلل يحل ــف باهلل أن ابن ص ــياد‪ :‬ال ــَّد َّج ال‪ ،‬قلت‪ :‬تحل ــفُ باهلل؟ ق ــال‪ :‬إني‬
‫" ُ‬

‫‪20‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫النبي ‪"r‬‬
‫ُ‬ ‫عمر يحلف على ذلك عند النبي ‪ r‬فلم ينكره‬
‫سمعت َ‬
‫وأقسم بذلك أيضا ابن عمر‪:K‬‬
‫أشك أن المسيحَ الَّدَّجال ابن صياد"‬
‫"يقول نافع‪ :‬كان ابن عمر يقول‪ :‬واهلل‪ ،‬ما ُّ‬
‫وأقسم بذلك أيضاً عبد اهلل بن مسعود ‪t‬‬
‫وأخرج أبو يعلى في "مسنده" والطبراني في "الكبير"عن عبد اهلل بن مسعود‪ t‬قال‪:‬‬
‫"ألن أحلــف باهلل تســعاً أن ابن صــياد هــو الــَّد َّج ال أحب إلَّي من أن أحلــف واحــدة‪ ،‬قــال‪ :‬وألن‬
‫أحب إلَّي من أن أحلف واحدة‪ ،‬وذلــك بــأن اهلل اتخــذه‬
‫أحلف تسعة أن رسول اهلل ‪ُ r‬قِتلَ َقتالً(‪َّ )1‬‬
‫نبيا‪ ،‬وجعله شهيدًا"‬
‫ًّ‬

‫تبين حاله‬
‫ولما تشكك الصحابة في أمر ابن الصياد‪ ،‬ذهب اليه النبي ‪r‬ليكشف حقيقته وي َّ‬
‫فقد أخرج البخاري عن ابن عمر ‪:K‬‬
‫"أن عمر انطلق مع النبي‪ r‬في رهط(‪ِ )2‬قَبل ابن صياد‪ ،‬حتى وجدوه يلعب مع الصـبيان عنـد‬
‫مغالة(‪ ،)3‬وقد قارب ابن صياد الحُُلم(‪ )4‬فلم يشــعر حــتى ضــرب النــبي ‪ r‬بيــده‪ ،‬ثم قــال‬
‫ُأطُِم بن َ‬
‫البن صياد‪ :‬أتشهد أني رسول اهلل؟ فنظر إليــه ابن صــياد‪ ،‬فقــال‪ :‬أشــهد أنــك رســول األمــيين‪،‬‬
‫فقال ابن صـياد للنـبي ‪ :r‬أتشـهد أني رسـول اهلل؟ فرفضـه‪ ،‬وقـال‪ :‬آمنت باهلل وبرسـله‪ ،‬فقـال‬
‫له‪ :‬ما تري؟ قال ابن صياد‪ :‬يأتيني صادق وكـاذب (‪ ،)5‬فقــال النـبي‪ : r‬خُلـِّط عليـك األمـر‪ ،‬ثم‬
‫الدخ(‪ ،)7‬فقـال‪ :‬اخسـأ(‪ )8‬فلن َتعـُْدو‬
‫خبأت لك خبيئًا(‪ ،)6‬فقال ابن صياد‪ :‬هو ُّ‬
‫ُ‬ ‫قال له النبي ‪ :r‬إني‬
‫َقدركَ(‪ ،)9‬فقال عمر‪ :t‬دعني يا رسول اهلل أضرب عنقه‪ ،‬فقــال النــبي ‪ :r‬إن َيُكنـُْه‪ ،‬فلن ُتسـ َّـلط‬
‫عليه‪ ،‬وإ ن لم يكنه‪ ،‬فال خير لك في قتله(‪" )10‬‬

‫السم الذي أكله النبي‪ r‬يوم خيبر‪ ،‬وكان سبباً في قتل النبي ‪ ، r‬كما ثبت ذلك في "صحيح البخاري" عن عائشـة‪i‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ ))1‬يقصد عبد اهلل بن مسعود‬
‫قالت‪":‬كان النبي ‪ r‬يقول في مرضه الذي مات فيه‪ :‬يا عائشة‪ ،‬ما ازال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر‪ ،‬فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السُّم"‬
‫‪ ))2‬الرهط‪ :‬من ثالثة إلى عشرة أشخاص‪.‬‬
‫‪ -‬بني َم َغ الة‪ :‬بطن من األنصار‪.‬‬ ‫طم‪( :‬بضمتين) بناء مرتفع كالحصن‪ ،‬وجمعه‪" :‬آطام"‪.‬‬ ‫‪ُ ))3‬أ ُ‬
‫اربَ البلوغ‪ ،‬فعمره قريب من ‪15‬سنة‪.‬‬ ‫‪ ))4‬قارب ابن صياد الحلم‪ :‬أي َق َ‬
‫‪ ))5‬يأتيني صادق وكاذب‪ :‬أي يأتيه الشيطان بما يسترقه من السمع؛ فيصدق فيه‪ ،‬ويأتيه مع ذلك بالكذب فيكذب عليه‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫خِّمن ماهي؟ وقد خبَّأ النبي‪ r‬كلمة الُّدخان‪.‬‬
‫‪ ))6‬خبأُت لك خبيئًا‪ :‬أي خبأت في نفس كلمة‪ ،‬حاول أن ُُت َ‬
‫‪ ))7‬قوله "الدُّخ"‪ :‬يريد الُّدخان لكنه قطمها على طريقـة الُك َّه ان‪ ،‬وقيـل‪ :‬إنـه كـان لـه جن يخبرونـه بأشـياء‪ ،‬ولكنهم لم يسـتطيعوا أن يكشـفوا مـا في‬
‫فقربوا له الكلمة‪.‬‬
‫نفس النبي‪َّ r‬‬
‫‪ ))8‬قوله‪" :‬اخسأ" قال ابن القيم ‪" :r‬أي‪ :‬اسكت صاغرًا مطروداً‪ ،‬وأصل معناها‪ :‬التباعد والطرد‪ ،‬قال النووي‪" : r‬اخسأ‪ :‬اقعد"‬
‫الكَّهان‪.‬‬
‫‪ ))9‬فلن تعدو قدرك‪ :‬قال الحافظ‪" : r‬أي لن تجاوز ما قدر اهلل فيك‪ ،‬أو مقدار أمثالك من ُ‬
‫‪ ))10‬أي إن يكن ابن صياد هو المسيح الَّد َّج ال فإنه لن يقتله إال عيسى ابن مريم ‪ ،‬وإن لم يكن ابن صياد هو المسيح الَّد َّج ال‪ ،‬فال خير لك في قتله‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫فوائد و تنبيهات على الحديث السابق‪:‬‬


‫عي هذا ويتركه النبي ‪ r‬ولم يقتله؟‬
‫يد ِ‬
‫عى النبوة‪ ،‬فكيف َّ‬
‫‪ -1‬في الحديث السابق ان ابن الصياد ادَّ َ‬
‫والجواب عن هذا‪ :‬أنه كان بين الرسول ‪ r‬وبين اليهود عهد في تلك األيام‪.‬‬
‫‪ -2‬قول النبي‪ r‬لعمر‪ :‬إن َيُك ْن ُه‪ ،‬فلن ُتسَّلط عليه‪ ،‬وإ ن لم يكنه‪ ،‬فال خير لك في قتله"‬
‫يدل على أن النبي ‪ r‬كان متحيرًا في أمره‪ ،‬وأنه لم يوحَ له في أمره ش يء‪ ،‬ويدل على هذا أيضاً أنه‬
‫ذهب إليه مرة أخرى خفية ليقف على حقيقته‪.‬‬
‫فقد أخرج اإلمام مسلم عن عبد اهلل بن عمر ‪K‬أنه قال‪:‬‬
‫"انطلق بعد ذلك رسول اهلل ‪ ،r‬وأبي بن كعب األنصاري إلى النخل التي فيها ابن صائد‪ ،‬حتى‬
‫إذا دخــل رســول اهلل ‪ r‬النخــل‪ ،‬طفــق يتقي بجــذوع النخــل (‪ ،)1‬وهــو يختــل أن يســمع من ابن‬
‫صــياد شــيئاً (‪ ،)2‬قبــل أن يــراه ابن صــياد‪ ،‬فــرآه رســول اهلل‪ r‬وهــو مضــطجع على فــراش في‬
‫قطيفة(‪ ،)3‬له فيها زمزمة(‪ ، )4‬فرأت أم صائد رســول اهلل ‪ ،r‬وهــو يتقي بجــذوع النخـل‪ ،‬فقــالت‬
‫البن صائد‪ :‬يا صاف (اسم ابن صياد)‪ ،‬هذا محمد‪ ،‬فثار(‪ )5‬ابن صياد‪ ،‬فقــال رســول اهلل ‪ :r‬لــو‬
‫لبين (‪" )6‬‬
‫َتَرْكُته َّ‬
‫قال النووي ‪ r‬في "شرحه على مسلم" (‪ )18/46‬عن ابن صياد‪" :‬قال العلماء‪:‬‬
‫"وقص ته مش كلة‪ ،‬وأم ره مش تبه في أن ه‪ :‬ه ل ه و المس يح ال َّد َّج ال المش هور أم غ يره‪ ،‬وال ش ك في أن ه‬
‫دجال من الدجاجلة‪ ،‬قال العلماء‪ :‬وظاهر األحاديث أن النبي ‪ r‬لم يوحَ إليه بأنه المسيح ال َّد َّج ال‪ ،‬وال‬
‫وحي إلي ه بص فات ال َّد َّج ال‪ ،‬وك ان في ابن ص ياد ق رائن محتمل ة‪ ،‬فل ذلك ك ان الن بي ‪ r‬ال‬
‫غ يره‪ ،‬وإ نم ا أُ ِ‬
‫يقطع بأنه الَّد َّج ال وال غيره‪ ،‬ولهذا قال لعمر‪ :‬إن يكن هو فلن تستطيع قتله‪ .‬اهـ‬
‫لكن ربمــا يقــال‪ :‬أن الن بي‪ r‬ق ال لعم ر ه ذا‪ ،‬وك ذلك لم ينك ر على عم ر عن دما أقس م على أن ابن‬
‫الصياد هو الَّد َّج ال كما في حديث جابر؛ وذلك لأن النبي كان متوقفًا في أمر ابن الصياد‪ ،‬لكن ظهر له‬
‫بعد ذلك األمر عندما حدثه تميم الداري۔‬
‫وقد نقل النووي ‪ r‬في "شرح مسلم" (‪ )18/48‬عن البيهقي أنه قال‪:‬‬
‫"ليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي ‪ r‬لقول عمر‪ ،‬فيحتمل أنه ‪ r‬كان كالمتوقف في أمره‪ ،‬ثم‬
‫جاءه البيان أنه غيره‪ ،‬كما صرح به حديث تميم‪ .‬اهـ‬
‫‪ -3‬المراد بالُّد خان‪ ،‬وهي الكلمة التي خبئها النبي ‪ r‬في نفسه‪ ،‬والمراد بها قوله تعالى‪:‬‬
‫يتقي بجذوع النخل‪ :‬يعني يتستَّر خلف جذوع النخل لئال يراه ابن الصياد‪.‬‬ ‫‪) )1‬‬
‫أي يستغفله ليسمع منه شيء يعرف به حقيقته‪.‬‬ ‫‪) )2‬‬
‫القطيفة‪ :‬كساء مخمل‪.‬‬ ‫‪) )3‬‬
‫الزمزمة‪ :‬صوت خفي يكاد يفهم‪.‬‬ ‫‪) )4‬‬
‫ثار‪ :‬أي نهض من مضجعه‪.‬‬ ‫‪) )5‬‬
‫أي وضح أمره۔‬ ‫‪) )6‬‬

‫‪22‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫[الُّدخان‪]10:‬‬ ‫{َفاْر َتِقْب َيْو َم َتْأِتي الَّس َم اء ِبُد َخ اٍن ُّمِبيٍن }‬


‫ودليل هذا ما جاء عند اإلمام أحمد عن ابن عمر ‪K‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"إني قد خبأت لك خبيئًا‪ "...‬وخبأ له‪َ { :‬يْو َم َتْأِتي الَّس َم اء ِبُد َخ اٍن ُّمِبيٍن }‬

‫‪ -4‬وكما اختلف الصحابة في شأن ابن الصياد‪ ،‬اختلف كذك العلماء اختالفا كثيرًا في شأنه‬
‫فذهب اإلمام الشوكاني وابن حجر والقرطبي والنووي – رحمهم اهلل ‪:-‬‬
‫"أن ابن صياد هو الَّد َّج ال"‬
‫بينما ذهب اإلمام البيهقي وشيخ اإلسالم ابن تيمية وابن كثير– رحمهم اهلل ‪ -‬إلى‪:‬‬
‫"أن ابن صياد ليس هو الَّد َّج ال"‬
‫ولذا قال اإلمام ابن تيمية‪ r‬في كتابه "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" (ص‪:)77‬‬
‫"إن أمر ابن صياد قد أشكل على بعض الصحابة‪ ،‬فظنوه ال َّد َّج ال‪ ،‬وتوقف فيه النبي‪ r‬حتى تبين له‬
‫فيم ا بع د أن ه ليس ه و ال َّد َّج ال‪ ،‬وإ نم ا ه و من جنس الكُهَّان أص حاب األح وال الش يطانية‪ ،‬ول ذلك ك ان‬
‫يذهب ليختبره" اهـ‬
‫وقال ابن كثير‪ r‬كما في "النهاية"(‪" :)1/70‬والمقصود أن ابن صياد ليس بالَّد َّج ال الذي يخرج‬
‫في آخر الزمان قطعًا؛ لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية(‪ ، )1‬وهو فيصل في هذا المقام" اهـ‬
‫أيضا‪" :‬كان ابن صياد من يهود المدينة‪ ،‬ولقب ه "عب د اهلل"‪ ،‬ويقال له‪" :‬ص اف" ول ه‬
‫وقال ابن كثير ‪ً r‬‬
‫ول د اس مه "عم ارة بن عب د اهلل"‪ ،‬من س ادات الت ابعين‪ ،‬روى عن ه مال ك وغ يره‪ ،‬والصحيح‪ :‬أن ال َّد َّج ال‬
‫غير ابن صياد‪ ،‬وأن ابن صياد كان دجَّاًال‪ ،‬ثم تاب فأظهر اإلسالم‪ ،‬واهلل أعلم بضميره وسريرته‪ .‬اهـ‬
‫وقــال الــبيهقي في حــديث تميم الــداري‪" :‬وفي ه أن ال دَّ َّ‬
‫جال ال ذي يخ رج في آخ ر الزم ان غ ير ابن‬
‫صياد‪ ،‬وكان ابن صياد أحد الَّد َّج الين الكذَّابين الذين أخبر النبي ‪ r‬بخروجهم‪ ،‬وقد خرج أكثرهم‪ ،‬وكأن‬
‫الذي يجزمون أن ابن صياد هو ال َّد َّج ال لم يسمعوا بقصة تميم‪ ،‬وإ ال فالجمع بينهما بعيد ً‬
‫جدا‪ ،‬إذ كيف‬
‫يلتئم أن يكون َمن كان في أثناء الحياة النبوية شبه المحتلم ويجتمع به النبي ‪ r‬ويسأله‪ ،‬أن يكون في‬
‫آخرها شيخًا كبيرًا‪ .‬اهـ‬
‫وقد قال الــبيهقي ‪ r‬هــذا نبــاء على روايــة عنــده وفيهــا‪" :‬أن الَّد َّج ال شيخ"‪ ،‬وقــال الحافــظ‪" :‬إس نادها‬
‫صحيح"‬
‫ومما يؤكد على أن ابن الصياد ليس هو المسيح الَّد َّج ال‪ ،‬قصته مع أبي سعيد الخدري ‪t‬‬
‫َّ‬

‫‪ ))1‬يقصد حديث تميم الداري وقصة الجساسة‪ ،‬وذلك عندما رأوا المسيح الَّدَّجال‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫يقول أبـو سـعيد الخـدري‪" :t‬خرجنـا حُجَّاجـًا أو عُ َّ‬


‫مـارًا ومعنـا ابن صـائد‪ ،‬قـال فنزلنـا مـنزًال‪،‬‬
‫فتفرق الناس وبقيت أنا وهو‪ ،‬فاستوحشـت منـه وحشـة شـديدة ممـَّا يقـال عليـه‪ ،‬قـال‪ :‬وجـاء‬
‫َّ‬
‫بمتاعــه فوضــعه مــع متــاعي‪ ،‬فقلت‪ :‬إن الحــرَّ شــديد‪ ،‬فلــو وضــعته تحت تلــك الشــجرة‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫س (‪ ،)1‬فقــال‪ :‬اشــرب أبــا ســعيد! فقلت‪ :‬إن الحــر‬
‫بع ٍّ‬
‫ففعل‪ ،‬قال‪ :‬فرفعت لنا غنم‪ ،‬فانطلق فجاء َ‬
‫شديد واللبن حار‪ ،‬ما بي إال أني أكره أن أشرب عن يده ‪ -‬أو قال‪ :‬آخذ عن يده ‪ -‬فقال‪ :‬أبا‬
‫حبال فأعلقــه بشــجرة‪ ،‬ثم أختنــق ممــا يقــول لي النــاس(‪ ، )2‬ياأبــا‬
‫ســعيد! لقــد هممت أن آخــذ ً‬
‫سعيد! َمن خفي عليه حديث رســول اهلل ‪ r‬مــا خفي عليكم‪ ،‬معشــر الأنصــار! ألســتَ من أعلم‬
‫الناس بحديث رسول اهلل ‪r‬؟ أليس قد قال رسول اهلل ‪ :r‬هو كافر‪ ،‬وأنا مسلم؟‬
‫أوليس قد قال رسول اهلل ‪ :r‬هو عقيم ال يولد له‪ ،‬وقد تركت ولدي بالمدينة؟ أوليس قــد قــال‬
‫رسول اهلل ‪ :r‬ال يدخل المدينة وال مكة‪ ،‬وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة؟‬
‫قــال أبــو ســعيد الخــدري‪ :‬حــتى كــدتَ أن أعــذره‪ ،‬ثم قــال‪ :‬أمــا واهلل! إني ألعرفــه (‪ ،)3‬وأعــرف‬
‫(رواه مسلم)‬ ‫مولده‪ ،‬وأين هو اآلن‪ ،‬قال‪ :‬قلت له‪ :‬تبًّا لك سائر اليوم (‪")4‬‬

‫‪ ‬وفـاة ابـن صـيــاد‪:‬‬


‫مكث ابن ص ياد بع د الرس ول ‪ r‬م دة من الزم ان‪ ،‬ثم فق ده الن اس في معرك ة الح رَّة ال تي ك انت بين‬
‫جاج وبين أهل المدينة‪ ،‬فلم يجدوه في القتلى أو في األسرى‪ ،‬واختفي منذ هذه اللحظة‬
‫الح َّ‬
‫َ‬
‫فقد أخرج أبو داود عن جابر ‪ t‬قال‪" :‬فقدنا ابن صياد يوم الحَّرة (‪")5‬‬
‫وقد صحَّح ابن حجر هذه الرواية‪ ،‬وضعَّف قول َمن ذهب إلى‪:‬‬
‫"أنه مات في المدينة‪ ،‬وأنهم كشفوا عن وجهه وصلُّوا عليه"‬

‫َعّس ‪ :‬وعاء كبير فيه لبن من تلك الغنم‪.‬‬ ‫‪) )1‬‬


‫يعني ما يشاع عني أني أنا الَّدَّجال‪.‬‬ ‫‪) )2‬‬
‫إني ألعرفه‪ :‬أي أعرف المسيح الَّدَّجال‪.‬‬ ‫‪) )3‬‬
‫نا وهالكًا لك في باقي اليوم‪.‬‬ ‫تبا لك سائر اليوم‪ :‬أي خسرا ً‬
‫ًّ‬ ‫‪) )4‬‬
‫واستحلوا حرماتها‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الحر ة‪ :‬وهو اليوم الذي دخل فيه أهل الشام‪ -‬في عهد يزيد بن معاوية‪ -‬المدينة‪ ،‬وسفكوا الدماء فيها‬
‫َّ‬ ‫‪ ))5‬يوم‬

‫‪24‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫ما يكون عليه الحال قبل خروج الَّد َّجال‬


‫‪ -1‬قبل خروج الَّد َّجال يكون الناس في حالة من الجدب والقحط والجوع‪:‬‬
‫ويكون ذلك قبل خروج الَّد َّج ال بثالث سنوات‪ ،‬حيث تمنع السماء مطرها‪ ،‬وتحبس األرض نباتها‬
‫كما أخبر بذلك الحبيب النبي ‪r‬‬
‫فقــد أخــرج ابن ماجــه والحــاكم وابن خزيمــة عن أبي أمامــة البــاهلي ‪ t‬أن رســول اهلل ‪r‬‬
‫قال‪:‬‬
‫"وإن قبــل خــروج الــَّد َّج ال ثالث ســنوات شــداد‪ ،‬يصــيب النــاس فيهــا جــوع شــديد‪ ،‬يــأمر اهلل‬
‫ثلث نباتها‪،‬‬
‫السماء السنة األولى أن تحبس ثلث مطرها‪ ،‬ويأمر األرض أن تحبس َ‬
‫ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلــثي مطرهــا‪ ،‬ويــأمر األرض فتحبس ثلــثي نباتهــا‪،‬‬
‫ثم ي ــأمر الس ــماء في الس ــنة الثالث ــة فتحبس مطره ــا كل ــه‪ ،‬فال تقط ــر قط ــرة‪ ،‬وي ــأمر األرض‬
‫فتحبس نباتها كله‪ ،‬فال تنبت خضراء‪ ،‬فال يبقى ذات ظِلـف إال هلكت إال مـا شـاء اهلل (‪ ،)1‬قيـل‪:‬‬
‫فمــا يعيش النــاس في ذلــك الزمــان؟ قــال‪ :‬التهليــل‪ ،‬والتكبــير‪ ،‬والتحميــد‪ ،‬ويجــزئ ذلــك عليهم‬
‫مجزأة الطعام"‬
‫َ‬
‫(صحيح الجامع‪)7875:‬‬

‫عد عن الدين‪:‬‬ ‫‪ -2‬قبل خروج الَّد َّجال يكون الناس في جهل ُ‬


‫وب ٍ‬
‫ولعل خروج الَّد َّج ال وقد انتشر في الناس الغفلة والجهل‪ ،‬مع ماهم فيه من جوع وقحط‪ ،‬يساعد على‬
‫خر ل ه األرض والس ماء‪ ...‬وغ ير ذل ك من‬ ‫انتش ار دع وة ال َّد َّج ال‪ ،‬خصوص ًا أن مع ه جن ة ون ار‪ُ ،‬‬
‫وتس َّ‬
‫األمور العظام‪ ،‬والتي تجعل الحليم حيران‪.‬‬

‫فقد أخرج اإلمام أحمد وابن خزيمة عن جابر بن عبد اهلل‪ K‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"يخرج الَّد َّج ال في خفة من الدين (‪ ، )2‬وإ دبار من العلم‪ "...‬الحديث‬

‫‪ ))1‬أي تموت جميع األشجار إال القليل منها‪.‬‬


‫‪ ))2‬أي‪ :‬في حال ضعف من الدين وقلة أهله‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫وأخرج الحاكم عن أبي الفضل الليثي قال‪:‬‬


‫"كنت بالكوفة‪ ،‬فقيل‪ :‬خـرج الـَّد َّج ال‪ ،‬فأتينـا حذيفـة بن أسـيد ‪ ،t‬فقلت‪ :‬هـذا الـَّد َّج ال قـد خـرج‪،‬‬
‫فقال حذيفة‪ :‬إن الَّد َّج ال لو خرج في زمانكم لرمتــه الصــبيان بــالخزف‪ ،‬لكنــه يخــرج في نقص‬
‫وتطـْوَى لــه األرض َّ‬
‫طي‬ ‫من الناس (‪ ،)1‬وخفة من الذين‪ ،‬وسوء ذات بين‪َ ،‬فَيِرُد كــل منهــل (‪ُ ،)2‬‬
‫فروة الكبش"‬

‫‪ -3‬وقبل خروج الَّد َّجال يكون الناس في غفلة عن ذكره‪:‬‬


‫فقد أخرج عبد اهلل بن اإلمام أحمد عن الصعب بن جثامة‪ t‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل‪r‬‬
‫يقول‪":‬ال يخرج الَّد َّج ال حتى يذهل(‪ )3‬الناس عن ذكره‪ ،‬وحتي تترك األئمة ذكره على المنابر"‬

‫‪ -4‬وقبل خروج الَّد َّجال‪ ،‬العرب يكونون قلة‪:‬‬


‫فقد أخرج اإلمام مسلم عن أم شريك ‪ i‬أنها سمعت النبي‪ r‬يقول‪:‬‬
‫"ليفرن الناس من الَّد َّج ال في الجبال‪ ،‬قالت أم شريك‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬فأين العرب يومئذ؟‬
‫قال‪ :‬هم قليل"‬

‫‪ ))1‬أي يخرج إبان عيب في الناس‪.‬‬


‫‪ ))2‬أي يأتي موارد المياه‪ ،‬حيث يكثر الناس‪.‬‬
‫‪ ))3‬يذهل‪ :‬أي يتناسون ذكر الَّدَّجال‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫والسراء‪ ،‬والدهيماء)‬
‫َّ‬ ‫‪ -5‬قبل خروج الَّد َّجال تكثر الفتن (فتنة األحالس‪،‬‬
‫وينقسم الناس إلى‪ :‬أهل إيمان‪ ،‬وأهل نفاق‪:‬‬
‫فقد أخرج أبو داود واإلمام أحمد والحاكم بسند صحيح عن عبد اهلل بن عمر ‪ K‬قال‪:‬‬
‫"كَّن ا ُقعــوًد ا عنــد رســول اهلل ‪ ،r‬فــذكر الفتن فــأكثر في ذكرهــا‪ ،‬حــتى ذكــر فتنــة األحالس‪،‬‬
‫فقــال‪ :‬قائــل‪ :‬يــا رســول اهلل‪ ،‬ومــا فتنــة األحالس(‪)1‬؟ قــال‪ :‬هي َه َر َب (‪ )2‬وحــرب(‪ ،)3‬ثم فتنــة‬
‫الَّس َّر اء(‪ ،)4‬دخنهــا(‪ )5‬من تحت َق َد َم ْي رجـٍل من أهــل بيــتي(‪ ،)6‬يــزعم أنــه مِّني(‪ ،)7‬وليس مَّني‬
‫(‪ ،)8‬وإ نمــا أوليــائي المتقــون‪ ،‬ثم يصــطلح النــاُس على رج ـٍل (‪َ )9‬ك َو ِر ٍك (‪ )10‬على ِض َلع (‪)11‬ـ ثم‬
‫فتنــة الــُّدهيْماء(‪ )12‬ال تــدع أح ـًد ا من هــذه األمــة إال لطمتــه لطم ـًة (‪ ،)13‬فــإذا قيــل‪ :‬انقضــت(‪،)14‬‬
‫تمــــادت(‪)15‬؛ يصــــبح الَّر جــــل فيهــــا مؤمًن ا ويمســــي كــــافًر ا(‪ ،)16‬حــــتى يصــــير النــــاس إلى‬
‫ُفْس َطاَطْي ن(‪ :)17‬فسطاط إيمان ال نفاق فيه(‪ ،)18‬وفسطاط نفاق ال إيمان فيه(‪ ،)19‬فإذا كــان ذاكم‬
‫(السلسلة الصحيحة‪.)974 :‬‬ ‫فانتظروا الَّد َّج ال(‪ )20‬من يومه أو من غده"‬

‫‪ )?(1‬األحالس‪ :‬جمع حِْل س‪ ،‬وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب (الرحل الخشبي)‪ .‬شبهت به الفتنة لمالزمتها للناس حين تنزل بهم‬
‫كما يالزم الحلس ظهر البعير‪ ،‬وقال الخطابي‪ :‬يحتمل أن تكون هذه الفتنة شبهت باألحالس لسواد لونها وظلمتها‪.‬‬
‫‪َ )?(2‬هَر َب ‪ :‬بفتحتين‪ :‬أي يفر بعضهم من بعض‪ ،‬لما بينهم من العداوة والمحاربة‪.‬‬
‫‪ )?(3‬وحرب‪ :‬نهب مال اإلنسان وتركه ال شيء له (النهاية)‪ ،‬وقال الخطابي‪ :‬ذهاب المال واألهل‪.‬‬
‫‪ )?(4‬فتنة السَّراء‪ :‬قال القارئ‪ :‬والمراد بالسراء‪ :‬النعماء التي تسر الناس من الصحة والرخاء والعافية من البالء والوباء‪ ،‬وأضيفت إلى‬
‫السراء؛ ألن السبب في وقوعها ارتكاب المعاصي بسبب كثرة التنعم‪ ،‬أو ألنها تسر العدو‪ .‬اهـ‬
‫‪ )?(5‬دخنها‪ :‬قال صاحب "عون المعبود"‪ :‬يعني ظهورها وإ ثارتها‪ ،‬وأصل ظهورها من هذا الرجل‪ ،‬فشبهها بالدخان الذي يرتفع ويثور‪ ،‬ودخنت‬
‫النار تدخن‪ :‬إذا ألقي عليها حطب رطب فكثر دخانها‪ ،‬وجاء في بعض الراويات‪َ " :‬د َخ لها" يعني‪ :‬الغش والعيب والفساد‪.‬‬
‫‪" )?(6‬من تحت قدمي رجل من أهل بيتي"‪ :‬تننيهًا على أنه هو الذي يسعى في إثارتها أو أنه يملك أمرها‪.‬‬
‫‪ )?( 7‬يزعم أنه مني‪ :‬أي هو مني في النسب‪ ،‬ولكنه ليس مني في الفعل‪ ،‬فأنا بريء من فعله‪ ،‬وإن كان من أهل بيتي‪ ،‬وهو ليس من أوليائي في‬
‫الحقيقة‪ :‬ويؤيده قوله‪ « :‬وإ نما أوليائي المتقون»‪ ،‬وهذا الرجل هو الباعث على إقامة تلك الفتنة‪.‬‬
‫‪ )?(8‬وليس مني‪ :‬أي ليس من أِخ ْال ئي ألن يهيج الفتنة‪ ،‬ومثل ذلك قوله ‪ ‬لنوح لما قال نوح‪ِ{ :‬إَّن اُبِني ِم ْن ْه ِلي‪ }َ...‬فقال اهلل ‪:‬‬
‫َأ‬
‫{ِإَّنُه َلْيَس ِم ْن َأْه ِلَك ِإَّنُه َع َمٌل َغ ْيُر َص اِلٍح‪[ } ...‬هود‪.]46، 45 :‬‬
‫‪ )?( 9‬ثم يصطلح الناس على رجل‪ :‬أي يجتمعون على بيعة رجل‪.‬‬
‫‪َ )?(10‬ك َو ِر ك‪ :‬الورك هو ما فوق الفخذ‪ ،‬كالكتف فوق العضد‪ ،‬الوَِرك بفتح الواو وكسر الراء‪.‬‬
‫‪ )?(11‬على ضلع‪ :‬والضلع مفرد ضلوع وأضالع‪ ،‬والضلَع هو عظم الصدر‪ ،‬وهو بفتح الالم ويجوز تسكينها‪ ،‬والمعنى كما قال القاري‪ :‬أنه ال‬
‫يكون على ثبات‪ ،‬ألن الورك لثقله ال يثبت على الضلع لدقته‪ ،‬والمعنى‪ :‬أن يكون غير أهل للوالية لقلة علمه وخفة رأيه‪ .‬وقال الخطابي‪ :‬وهو‬
‫مثل ومعناه‪ :‬األمر الذي ال يثبت وال يستقيم‪ ،‬وذلك أن الضلع ال يقوم بالورك‪ ،‬وبالجملة‪ ،‬يريد‪ :‬أن هذا الرجل غير خليق للملك وال مستقل به»‬ ‫ٌ‬
‫اهـ‪.‬‬
‫وقال األردبيلي في "األزهار"‪ :‬يقال في التمثيل للموافقة‪ -‬والمالئمة «كف في ساعد» وللمخالفة والمغايرة‪« :‬ورك على ضلع»‪.‬‬
‫‪ )?(12‬فتنة الُّد َه يماء‪ :‬أي الفتنة السوداء المظلمة‪ ،‬والتصغير للذم‪ ،‬أي الفتنة العظماء والطاَّم ة العمياء‪ ،‬وقيل إن المراد بالدهيماء‪ :‬الداهية‪ ،‬ومن‬
‫أسمائها‪ ،‬الدهيم‪ ،‬زعموا أن "الدهيم" اسم ناقة كان غزا عليها سبعة إخوة‪ ،‬فُقتلوا عن آخرهم‪ ،‬وحِم لواعليها حتى رجعت بهم‪ ،‬فصارت مثًال في‬
‫بشرها‪.‬‬
‫كل داهية‪ ،‬ومثل الدهيماء‪ :‬يعني الداهية التي تدهم الناس ِّ‬
‫‪ )?(13‬إال لطمته لطمة‪ :‬أي ال تترك أحد من الناس إال أصابته بمحنة‪ ،‬ومسته ببليٍة ‪ ،‬وأصل اللطم‪ :‬هو الضرب على الوجه ببطن الكف‪ ،‬والمراد‪:‬‬
‫أن أثر تلك الفتنة يعم الناس ويصل لكل أحد من ضررها‪.‬‬
‫‪ )?(14‬فإذا قيل انقضت‪ :‬أي إذا توهَّم الناس أن تلك الفتنة انتهت‪.‬‬
‫تمادت‪ :‬بتخفيف الدال‪ :‬أي بلغت المدى‪ ،‬أي‪ :‬الغاية في التمادي‪ ،‬وبتشديد الدال من التمادد أي‪ :‬استطالت واستمرت واستقرت‪،‬‬ ‫‪َ )?(15‬‬
‫والمعنى‪ :‬أنها زادت وتمادت‪.‬‬
‫‪ )?(16‬يصبح الرجل فيها مؤمًنا‪ ،‬ويمسي كافًر ا‪ :‬أي يصبح الرجل مؤمنًا لتحريمه دم أخيه وماله وعرضه‪ ،‬ثم يمسي كافرًا أي لتحليله ما ذكر ويستمر‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ )?(17‬فسطاطين‪ :‬أي فريقين‪ ،‬وقيل مدينتين‪ ،‬وأصل الفساط‪ :‬الخيمة‪.‬‬
‫‪ )?(18‬فسطاط إيمان ال نفاق فيه‪ :‬أي إيمان خالص صافي‪.‬‬
‫‪ )?(19‬فسطاط نفاق ال إيمان فيه‪ :‬أي فيه أعمال المنافقين من الكذب والخيانة ونقض العهد‪ ...‬وأمثال ذلك‪.‬‬
‫‪ )?(20‬فانتظروا الدجال‪ :‬أي ظهوره‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ -6‬قبل خروج الَّد َّجال تكون هناك ملحمة كبيرة بين المسلمين والروم النصارى وينتصر‬
‫المسلمون‪:‬‬
‫وسبب هذه الملحمة هو ما أخبر به النبي ‪ r‬حيث قال كما في "سنن أبي داود"‪:‬‬
‫صالُح ون الَر َو َم صلًح ا آمًنا‪َ ،‬فَتْغ ُز ون أنتم وهم َع ُد ٍّو ا من ورائكم‪َ ،‬فُتْن َص ُر ون وَتْغ َنُم ون َو َتْس َلُم ون‪،‬‬
‫"َس ُت ِ‬
‫ثم َتْر ِج ُعون حتى تتزُلوا ِبَم ْر ٍج ذي ُتُلوٍل ‪ ،‬فــيرَفُع رجـٌل من أهــل النصــرانية الصــليَب فيقــوُل ‪ :‬غََل َ‬
‫ب‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫الصليُب (‪ .)3‬فيغضب رجٌل من المسلمين فيدَّقه(‪ ،)4‬فعند ذلك َتْغ ِد ُر الروُم وَتَج َم ُع ِللَْمْلَح َم ٍة (‪")5‬‬
‫( صحح إسناده الشيخ األلباني في مشكاة المصابيح‪)5428:‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" عن يسير بن جـابر قـال‪" :‬هــاجت ريٌح حمــراء بالكوفــة‪ ،‬فجــاء رجـٌل ليس لـه‬
‫ِه ِّج َيرى(‪)6‬إال‪ :‬يا عبد اهلل بن مسعود! جاءت الساعة‪ ،‬قال‪ :‬فقعد‪ -‬وكــان متكئـًا‪ -‬فقــال‪ :‬إن الســاعة‬
‫ال تقوم حتى ال ُيْقَس م ميراٌث ‪ ،‬وال ُيْفرح بغنيمٍة ‪ ،‬ثم قال بيده هكذا (ونَّح اها نحو الشام) فقال‪َ :‬ع ُد و‬
‫يجمعون ألهل اإلسالم(‪ ،)7‬ويجمع لهم أهُل اإلسالم‪ ،‬قلت‪ :‬الروم تعــني؟ قــال‪ :‬نعم‪ ،‬وتكــون عنـد ذاكم‬
‫القتال ردة شــديدة(‪ ،)8‬فيشــترط المســلمون شـُرطة(‪)9‬للمــوت ال ترجــع إال غالبـًة ؛ فيقتتلـون حــتى يحجــز‬
‫بينهم الليل‪ ،‬فيفيء هؤالء وهؤالء كـٌّل غـير غـالب‪ ،‬وتفـنى الشـرطة‪ ،‬ثم يشـترط المسـلمون شـرطًة‬
‫(‪)10‬‬

‫للموت‪ ،‬ال ترجع إال غالبًة ‪ ،‬فيقتتلون حـتى يحجـز بينهم الليـل‪ ،‬فيفيء هـؤالء وهـؤالء كـل غـير غـالب‬
‫وتفيء الشــرطة‪ ،‬ثم يشــترط المســلمون شــرطة للمــوت ال ترجــع إال غالبــة‪ ،‬فيقتتلــون حــتى يمســوا‪،‬‬
‫فيفيء هؤالء وهؤالء كل غير غالب‪ ،‬وتفــنى الشــرطة‪ ،‬فــإذا كــان يـوم الرابـع نهــد(‪ )11‬إليهم بقيـة أهــل‬
‫الدبرة(‪)12‬عليهم‪ ،‬فيقتتلون مقتلًة لم ُير مثلها‪ ،‬حتى إن الطائر ليمــر بجنبــاتهم فمــا‬ ‫اإلسالم‪ ،‬فيجعل اهلل َّ‬
‫يخلفهم(‪ ،)13‬حتى يخر ميًتا‪ ،‬فيتعاد بنو األب ‪ ،‬كانوا مائة‪ ،‬فال يجدونه بقي منهم إال الرجــل الواحــد‪،‬‬
‫(‪)14‬‬

‫فبــأي غنيمــة يفــرح‪،‬أو‪ :‬أي مــيراث يقاســم؟! فبينمــا هم كــذلك إذا ســمعوا ببــأس‪ ،‬هــو أكــبر من ذلــك‪،‬‬
‫فجاءهم الصريُخ ‪ :‬إن الَّد َّج ال قد خَّلفهم في ذراريهم‪ ،‬فيرفضون(‪ )15‬مــا في أيــديهم وُيقبلــون‪ ،‬فيبعثــون‬
‫عشرة فوارس طليعًة ‪ ،‬قال رســول اهلل ‪ :r‬إني ألعــرف أســماءهم‪ ،‬وأســماء آبـائهم‪ ،‬وألـوان خيـولهم‪،‬‬
‫ُهم خير فوارس على ظهر األرض يومئذ‪ -،‬أو‪ :‬من خير فوارس على ظهر األرض يومئذ"‬

‫‪ )?(1‬في «اللسان»‪ :‬المرج‪ :‬الفضاء‪ ،‬وقيل‪ :‬أرض ذات كلٍأ ترعى فيها الدواب‪ .‬وفي «التهذيب»‪ :‬أرض واسعة فيها نبت كثير‪ ،‬تمرح فيها‬
‫الدواب‪.‬‬
‫‪ُ )?(2‬تُلول‪ :‬جمع «تل»‪ ،‬وهو‪ :‬الموضع المرتفع‪.‬‬
‫‪ )?(3‬غلب الصليب‪ :‬يقصد‪ :‬أن دين النصارى قد غلب‪.‬‬
‫فيدقه‪ :‬عائدة على الصليب‪ ،‬أي يكسره‪ ،‬وفي رواية‪" :‬فيقتله" وهي عائدة على مَن يحمل الصليب‪.‬‬ ‫‪َّ )?(4‬‬
‫‪ ))5‬الملحمة‪ :‬يقول "صاحب اللسان"‪ :‬هي الحرب وموضع القتال‪ ،‬والجمع‪" :‬المالحم"‪ ،‬مأخوذ من اشتباك الناس واختالطهم فيها كاشتباك لُ ْ‬
‫حَمة‬
‫بالسدَى‪ ،‬وقيل‪ :‬هو من اللحم بكثرة لحوم القتلى فيها۔‬
‫الثوب َّ‬
‫‪ )?(6‬ليس له هجيرى‪ :‬أي‪ :‬ليس له كالم‪ ،‬وال نداء وال دأب وال شأن إال ذلك‪ ،‬والهجيرى‪ :‬بمعنى الهجير‪.‬‬
‫‪ )?(7‬يجمعون ألهل اإلسالم‪ :‬أي‪ :‬لقتالهم‪.‬‬
‫‪ )?(8‬ردة شديدة‪ :‬عطفة شديدة‪.‬‬
‫‪ )?(9‬الشُرطة‪ :‬أول طائفة من الجيش تشهد الواقعة‪ ،‬أو تتقَّدم للقتال‪ ،‬ومنه التشرط‪ :‬أي التقدم‪.‬‬
‫‪ )?(10‬فيفيء‪ :‬يرجع‪.‬‬
‫‪« )?(11‬نهد» أي‪ :‬نهض وتقدم‪.‬‬
‫‪« )?(12‬الدبرة»أي‪ :‬الهزيمة‪.‬‬
‫‪ -‬فما يخلفهم‪ :‬أي فما يجاوزهم‪.‬‬ ‫‪» ))13‬جنباتهم»‪ :‬يعني‪ :‬نواحيهم‪.‬‬
‫‪ ))14‬فيتعاُّد بنو األبن‪ :‬أي يعد بعضهم بعضًا‪.‬‬
‫‪ ))15‬فيرفضون‪ :‬أي يتركون‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫أخرج اإلمام مسلم عند أبي هريرة ‪ t‬عن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬


‫«ال تق ــوم الس ــاعة ح ــتى يـ ـنزل ال ــروم باألعم ــاق(‪ -)1‬أو ب ــدابق(‪ -)2‬فيخ ــرج إليهم جيش من‬
‫المدينــة‪ ،‬من خيــار أهــل األرض يومئــذ‪ ،‬فــإذا تصــافوا‪ ،‬قــالت الــروم‪ :‬خَل ـُّوا بيننــا وبين الــذين‬
‫ُس بوا منا نقاتْلهم(‪ ،)3‬فيقول المسلمون‪ :‬ال واهلل‪ ،‬كيف ُنخلِّي بينكم وبين إخواننا؟ فيقــاتلونهم‪،‬‬
‫فينهـــزم ثلث(‪ )4‬ال يتـــوب اهلل عليهم أبـــدًا‪ ،‬وُيقتـــل ثلثهم‪ ،‬أفضـــل الشـــهداء عنـــد اهلل‪ ،‬ويفتتح‬
‫علقــوا‬
‫الثلث(‪ ،)5‬ال ُيفتن ـون أب ـًد ا‪ ،‬فيفتتحــون قســطنطينية(‪ ،)6‬فبينمــا هم يقتســمون الغنــائم‪ ،‬قــد َّ‬
‫(‪،)8‬‬
‫ســــــيوفهم بــــــالزيتون؛ إذ صــــــاح فيهم الشــــــيطان‪ :‬إن المســــــيح(‪ )7‬قــــــد خلفكم في أهليكم‬
‫فيخرجـون(‪ ،)9‬وذلـك باطـل(‪ )10‬فـإذا جـاءوا الشـام خـرج(‪ ،)11‬فبينمـا هم ُيعـدون للقتـال‪ ،‬يسـوون‬
‫الصفوف؛ إذ أقيمت الصالة‪ ،‬فينزل عيسى ابن مريم ‪ ،u‬فـأَّم هم‪ ،‬فـإذا رآه عـدو اهلل‪ ،‬ذاب كمـا‬
‫يذوب الملح في الماء‪ ،‬فلــو تركــه النــذاب حــتى يهلــك‪ ،‬ولكن يقتلــه اهلل بيــده‪ ،‬فــيريهم دمــه في‬
‫حربته"‬

‫‪ )?(1‬الروم في هذا الوقت أكثر الناس عددًا كما جاء في رواية مسلم أن النبي ‪ r‬قال‪" :‬تقوم الساعة والروم أكثر عددًا"‬
‫‪ )?(2‬باألعماق او بدابق‪ :‬موضعان قرب حلب في بالد الشام‪.‬‬
‫‪ )?(3‬خلوا بيننا وبين الذين سُبوا منا نقاتلهم‪ :‬أي اتركونا نقاتل الذين تركوا ديننا وانضموا إليكم‪ ،‬وهذا يدل على أنه وقعت حروب سابقة بين‬
‫المسلمين والروم‪ ،‬وانتصر المسلمون‪ ،‬وسبوا من الروم وأسلم السبي وجاهد مع المسلمين‪ ،‬بل وسيكون فتح القسطنطينية على أيديهم‪ ،‬والعرب‬
‫في هذا الوقت قليل‪ ،‬كما دل على ذلك رواية مسلم عند أم شريك أنها سمعت النبي ‪ r‬يقول‪" :‬ليفرن الناس من الَّدَّجال في الجبال‪ ،‬قالت أم شريك‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل فأين العرب يومئذ‪ :‬قال هم قليل"‬
‫‪ )?(4‬فينهزم ثلثهم‪ :‬أي من جيش المسلمين‪.‬‬
‫‪ )?(5‬ويفتتح الثلث‪ :‬يعني الثلث األخير‪ ،‬يفتح البالد ويغنم‪.‬‬
‫‪ )?(6‬فيفتتحون قسطنطينية‪ :‬هذا هو الفتح الثاني غير األول الذي تم على يد محمد الفاتح‪.‬‬
‫جال‪.‬‬
‫‪ )?(7‬أن المسيح‪ :‬أي المسيح الدَّ َّ‬
‫‪ )?(8‬خلفكم في أهليكم‪ :‬أي‪ :‬يريد إفزاعهم وتخويفهم‪.‬‬
‫‪ )?(9‬فيخرجون‪ :‬أي‪ :‬يتوجهون راجعين إلى الَّد َّ‬
‫جال‪.‬‬
‫‪ )?(10‬وذلك باطل‪ :‬أي يكون كالم الشيطان هذا باطًال‪.‬‬
‫جال‪.‬‬
‫الد َّ‬
‫‪ )?(11‬فإذا جاءوا الشام خرج‪ :‬أي خرج المسيح َّ‬

‫‪29‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫سبب خروج الَّد َّجال‬


‫تقدم في حديث تميم الداري في ذكر قصة الَّد َّج ال‪" :‬أنه ذكر أن الَّد َّج ال محبوس اآلن في جزيرة‬
‫َّ‬
‫من ج زر البح ر‪ ،‬وأن ه ك ان حيًّا في عه د الن بي ‪ ،r‬وأن ه رج ل عظيم الخلق ة‪ ،‬رآه تميم ال داري موثق ًا‬
‫ويتحرر من‬
‫َّ‬ ‫بالسالسل‪ ،‬وقد أخبر النبي ‪ r‬أنه سيخرج من غضبة يغضبها‪ ،‬ساعتها تتحطم السالسل‪،‬‬
‫القيد ويعيث في األرض فساداً"‬
‫ففي "صحيح مسلم" من حديث ابن عمر ‪ K‬قال‪:‬‬
‫"لقيت ابن صائد (‪ )1‬في بعض طرق المدينة‪ ،‬فقلت له قوًال أغضــبه (‪ )2‬فــانتفخ حــتى مأل الســكة‬
‫(‪ ،)3‬فدخل ابن عمر على حفصة بنت عمر‪ ،‬وقد بلغها (‪ ،)4‬فقالت له‪ :‬رحمك اهلل!‬
‫ما أردت من ابن صائد؟ أما علمت أن رسول اهلل ‪ r‬قال‪ :‬إنما يخرج من غضبة يغضبها "‬
‫وفي رواية أنها قالت له‪" :‬ألم تعلم أنه قــد قــال (أي النــبي‪ ) r‬إن أول مــا يبعثــه على النــاس‬
‫غضب يغضبه"‬
‫وأخرج عبد الرزاق في "المصنف"عن ابن عمر ‪ K‬قال‪:‬‬
‫يوما ومعه رجل من اليهود‪ ،‬فإذا عينه قد طفيت‪ ،‬وكــانت عينــه خارجــة مثــل‬
‫"لقيت ابن صياد ً‬
‫عين الجمــل‪ ،‬فلمــا رأيتهــا قلت‪ :‬يــا ابن صــياد‪ ،‬أنشــدك اهلل‪ ،‬مــتى طفيت عينــك؟ أو نح ـو هــذا؟‬
‫قال‪ :‬ال أدري والرحمن‪ ،‬فقلت‪ :‬كذبت‪ ،‬ال تدري وهي في رأسك؟ قــال‪ :‬فمســحها‪ ،‬قــال‪ :‬فنخــر‬
‫ثالثًا‪ ،‬فزعم اليهود أني ضربت بيدي على صدره‪ ،‬فقــال‪ :‬وال أعلمــني فعلت ذلــك‪ ،‬اخس فلن‬
‫تعدو َقْدَرك‪ ،‬قال‪ :‬أجل‪ ،‬لعمري ال أعدو قدري‪ ،‬قال‪ :‬فذكرت ذلك لحفصة‪ ،‬فقالت‪ :‬اجتنب هــذا‬
‫الرجل‪ ،‬فإنا نتحدث أن الَّد َّج ال يخرج عند غضبة يغضبها"‬

‫‪ )?(1‬ابن صائد‪ :‬يعني ابن صياد‪.‬‬


‫‪ )?(2‬جاءت بعض الروايات في مسلم وغيره بَّينت كيف أغضب ابُن عمر ابَن الصياد‪ ،‬يقول ابن عمر‪" :K‬لقيته مرتين‪ :‬فذكر األولى‪ ،‬ثم قال‪ :‬لقيتـه‬
‫لقية أخرى‪ ،‬وقد نفرت عينه(أي نتأت وطفئت) فقلت‪ :‬متي فعلت عينك ما أرى؟ قــال‪ :‬مــاأدري‪ ،‬قلت‪ :‬ال تــدري وهي في رأســك‪ ،‬فنخــر ابن صــائد كأشــد‬
‫نخير حمار سمعت‪ ،‬فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكَّس رت‪ ،‬وأما أنا واهلل ما شعرت" ‪ -‬النخير‪ :‬صوت األنف‪.‬‬
‫(?) مأل السكة‪ :‬والسكة هي الطريـق‪ ،‬وجمعهـا‪" :‬سـكك"‪ ،‬قـال أبـو عبيـد‪ :‬أصـل السـكة‪ :‬الطريـق المصـطفة من النخـل‪ ،‬قـال‪ :‬وسـميت األزقـة سـككًا‬
‫‪3‬‬

‫الصطفاف الدور فيها‪.‬‬


‫‪ )?(4‬وقد بلغها‪ :‬أي بلغها إغضاب ابن عمر البن صائد‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫مكــان خـروج الَّد َّج ــال‬


‫‪ -‬يخرج الَّد َّج ال من جهة المشرق‪ ،‬من قرية في إيران يقال لها‪" :‬خراسان"‪ ،‬فيتبعه أقوام كان وجوههم‬
‫المجان المطرقة‪.‬‬
‫‪ -‬ثم يك ون ب دء ظه وره من يهودي ة "أص فهان"‪ ،‬حيث يخ رج س بعون أل ف يه ودي مطيلس‪ ،‬الس تقباله‬
‫ومناصرته‪.‬‬
‫‪ -‬ثم ينح در على أرض إي ران ف العراق‪ ،‬وبع د خروج ه من الخل ة ال تي بين الش ام والع راق‪ ،‬يتج ه‬
‫مسرعاً نحو الحجاز لالستيالء على مكة والمدينة ولكن تمنعه المالئكة‪ ،‬فيخرج إلى العالم‪.‬‬
‫األدلة على ما سبق ذكره‪:‬‬
‫‪ -‬م ــا أخرج ــه ابن حب ــان عن أبي هري ــرة ‪ t‬ق ــال‪ :‬س ــمعت من رس ــول اهلل‪ r‬الص ــادق‬
‫المصــدوق‪" :‬إن األعــور الــَّد َّج ال مســيح الضــاللة‪ ،‬يخــرج من قبــل المشــرق في زمــان اختالف‬
‫من الن ــاس وفرق ــة‪ ،‬فيبل ــغ م ــا ش ــاء اهلل أن يبل ــغ من األرض في أربعين يومـ ـًا‪ ،‬اهلل أعلم م ــا‬
‫مقدارها‪ ،‬اهلل أعلم ما مقدارها‪ -‬مرتين [وينزل عيسى ابن مريم فيؤمهم‪ ،‬فإذا رفع رأسه من‬
‫لمن حمده‪ ،‬قتل اهلل الَّد َّج ال وأظهر المؤمنين"]‬
‫الركعة‪ ،‬قال‪ :‬سمع اهلل َ‬
‫‪ -‬وفي حديث عند مسلم من حديث فاطمة بنت قيس ‪ i‬أن النبي‪ r‬قال عن الَّد َّج ال‪:‬‬
‫"أال إنه في بحر الشام أو بحر اليمن‪ ،‬ال بل من قبل المشرق‪ ،‬مــا (‪)1‬هــو من قبــل المشــرق‪ ،‬مــا‬
‫هو من قبل المشرق‪ ،‬ما هو‪ -‬وأومأ بيده إلى المشرق (‪")2‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ r‬كما في "فتح الباري" (‪ )13/91‬عن مكان خروج الَّد َّج ال‪:‬‬
‫" وأما من أين يخرج؟ فمن قَِبل المشرق جزماً"‬

‫خراســان"‪ ،‬وهي مدينــة كبــيرة تقــع في‬


‫ـدا من مكــان يقــال لــه‪ُ " :‬‬
‫‪ ‬فهــو يخــرج من المشــرق وتحديـ ً‬
‫إيران‬

‫‪" )?(1‬ما" نقل النووي ‪ r‬في "شرحه لمسلم" (‪ )18/83‬عن القاضي عياض أنه قال‪":‬من قبل المشرق ما هو" لفظة "ما" زائدة صلة للكالم‪ ،‬ليست‬
‫بنافية‪ ،‬والمراد‪ :‬إثبات أنه من قبل المشرق‪ ،‬أي‪ :‬من جهات المشرق‪.‬‬
‫‪ )?(2‬وأومأ بيده إلى المشرق‪ :‬أي مشرق مدينة رسول اهلل‪ r‬وهي العراق وإيران‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫فقد أخرج اإلمام أحمد والترمذي والحاكم عن أبي بكر الصديق ‪ t‬قال‪ :‬حدثنا رســول اهلل‬
‫‪ r‬قــال‪" :‬الــدجال يخــرج من أرض بالمشــرق‪ ،‬يقــال لهــا‪" :‬خُراســان" (‪ ،)1‬يتبعــه أقــوام كــأن‬
‫(صحيح الجامع‪)3404:‬‬ ‫المجانُّ المطرقة (‪")2‬‬
‫وجوههم ِ‬

‫‪ُ )?(1‬خ راسان‪ :‬وخراسان كلمة مركبة‪ ،‬ومعناها‪ :‬مشرق الشمس‪ ،‬وهي بالد واسعة جدًا‪ ، ،‬تشمل مساحات كبيرة من بالد فارس وأفغانستان وتركســتان‪ ،‬وتمتــد‬
‫في أسيا بين نهر "أموَد ريا" شماًال وشرقًا‪ ،‬وجبال "هندوكوش" جنوبـًا‪ ،‬ومنــاطق "فــارس" غربـًا‪ ،‬وامتــدت في بعض األحيــان إلى بالد الصــفد(مـا وراء النهــر) وإ لى‬
‫"سجستان" جنوبًا‪ ،‬لذلك نسبت إليها بلدان كثيرة مثل‪ :‬بخارى وخوارزم وغزنة وأصفهان‪ ،‬وتتقاسمها اليوم أفغانستان الشـمالية‪ ،‬وأهم مـدنها‪ :‬هـراة وبلخ‪ ،‬وكـان‬
‫يطلــق على هــراة اســم "خراســان"‪ ،‬كتســمية دمشــق بالشــام‪ ،‬وإ يــران الشــرقية الشــمالية‪ ،‬وأهم مــدنها "نيســابور ومشــهد"‪ ،‬أمــا خرســان المعروفــة اليــوم‪ ،‬فهي بالد‬
‫فارسية‪ ،‬تقع في الشرق والشمال الشرقي في إيران‪ ،‬وهي أهم األقليم‪ ،‬أكثر سـكانها من الشـيعة‪ ،‬أمـا غـير المسـلمين‪ ،‬وهم قلـة‪ ،‬فهم من نصـارى األرمن‪ ،‬وثمـة‬
‫جالية يهودية‪( .‬معجم البلدان)‪.‬‬
‫‪ )?(2‬المجن‪ :‬الترس‪ ،‬شبه وجوههم بالترس‪ ،‬لبسطها وتدويرها‪ ،‬وبالمطرقة‪ :‬لغلظها وكثرة لحمها"‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ ‬ثم يكون بداية ظهورة من أصبهان‪.‬‬


‫قال ابن كثير في "النهاية في الفتن والمالحم" (‪:)1/128‬‬
‫"فيكون بدء ظهوره من أصبهان‪ ،‬من حارة يقال لها‪ :‬اليهودية"‬
‫فقد أخرج اإلمام أحمد عن أنس ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"يخرج الَّد َّج ال من يهودية أصبهان (‪ ، )1‬معه سبعون ألفًا من اليهود"‬
‫‪ -‬وفي رواية عن مسلم‪" :‬يتبع الَّد َّج ال من يهود أصفهان سبعون ً‬
‫ألفا‪ ،‬عليهم الطيالسة"‬
‫وفي "مسند اإلمام أحمد" عن عائشة ‪ i‬عن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"أنــه يخــرج من يهوديــة أصــفهان‪ ،‬حــتى يــأتي المدينــة‪ ،‬فيــنزل ناحيتهــا؛ فيخــرج إليــه شــرار‬
‫أهلها‪ ،‬حتى يأتي الشام؛ وينزل عيسى ابن مريم فيقتله"‬

‫‪ ‬ثم يكون ظهور أمره للمسلمين عندما يصل إلى مكان بين العراق والشام‪.‬‬
‫فقد أخرج اإلمام مسلم عن النواس بن سمعان‪ t‬قال‪:‬‬
‫بين الشـام والعـراق‪ ،‬فعـاث‬ ‫(‪)2‬‬
‫"ذكـر رسـول اهلل ‪ r‬الـَّد َّج ال ذات غـداة‪ ،‬فقـال‪ :‬إنـه خـارج خَُّلـًة‬
‫يمينًا‪ ،‬وعاث شماًال (‪ ،)3‬يا عباد اهلل فاثبتوا (‪ "...)4‬الحديث‬

‫‪ )?(1‬أصبهان وأصفهان اسم واحد لبلدة فارسية معروفـة في إيـران‪ ،‬تقـع بين شـيراز وطهـران‪ ،‬قـال يـاقوت‪ :‬مدينـة أصـبهان بالموضـع المعـروف‬
‫ب(جي)‪ ،‬وهو اآلن يعرف بشهرسـتان وبالمدينـة‪ ،‬ولمـا سـار بختنصـر‪ ،‬وأخـذ بيت المقـدس‪ ،‬وسـبى أهلهـا‪ ،‬حمـل معـه يهودهـا‪ ،‬وأنـزلهم أصـبهان‪،‬‬
‫فبنوا في طرف مدينة (جي) محلة نزلوها‪ ،‬وسميت اليهودية‪ ...‬فمدينة أصبهان اليوم هي اليهودية‪.‬‬
‫وقال أبو نعيم‪ :‬كانت اليهودية من جملة قرى أصبهان‪ ،‬وإ نما سميت اليهودية؛ ألنهـا كـانت تختص بسـكني اليهـود‪ ،‬ولم تـزل كـذلك إلى زمن أيـوب‬
‫بن زياد‪ ،‬أمير مصر في زمن المهدي بن منصور العباسي‪ ،‬فسكنها المسلمون‪ ،‬وبقي لليهود منها قطعة‪.‬‬
‫‪ )?(2‬ومعنــاه أنــه يخــرج بين الجهــتين‪ ،‬والتخلــل‪ :‬الــدخول في الش ـيء‪ ،‬وذكــر النــووي ‪ r‬في "شــرح مســلم" (‪ :)18/65‬أن القاضــي عيــاض قــال‪:‬‬
‫"والمشــهور‪ :‬حلــة (بالحــاء المهملــة‪ ،‬ونصــب التــاء دون تنــوين) (خــارجُ حلــة) قيــل‪ :‬معنــاه‪ :‬ســمت ذلــك وقبالتــه‪ ،‬ورواه بعضــهم‪" :‬حلــة بين الشــام‬
‫والعراق" أي‪ :‬نزوله وحلوله‪ .‬ومعناه الطريـق بينهمـا‪ ،‬أو مـا بين البلـدين‪ ،‬وانظـر "التـذكرة" ص (‪ ،)770-769‬وقـال مال علي القـاري في "مرقـاة‬
‫المفاتيح" (‪" :)5/194‬والمناسب أن يكون هي ِ‬
‫الحلة‪ ،‬قرية بناحية دجلة من بغداد‪ ،‬أهلها شر مَن في البالد من العباد‪.‬‬
‫‪ )?(3‬عاث‪ :‬والعيث أشد الفساد مع اإلسراع فيه‪ ،‬يقال‪" :‬عاث‪ ،‬يعيث" والمعنى‪ :‬يبعث سراياه يميناً وشماًال لتفسد في األرض‪.‬‬
‫‪ )?(4‬فاثبتوا‪ :‬أي على الإيمان‪ ،‬وال تزيغوا وإ ن عاقبكم‪ ،‬وهذا من الخطاب العام‪ ،‬أراد به مَن يدرك الَّد َّج ال من أمته‪ ،‬يريد به المؤمنين الموجودين‬
‫في ذلك الزمن" (انظر شرح صحيح مسلم للنووي‪)18/65 :‬‬

‫‪33‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ ‬ثم يحــاول جاهــدًا اقتحــام المدينــة‪ ،‬غــير أن المالئكــة تمنعــه من دخولهــا‪ ،‬ثم تصــرف‬
‫وجهه قبل الشام حتى يأتيها۔‬
‫فقد أخرج اإلمام مسلم عن أبي هريرة ‪ t‬أن رسول اهلل‪ r‬قال‪:‬‬
‫"يأتي المسـيح من ِقبـَل المشـرق‪ ،‬وهمتـه المدينـة‪ ،‬حـتى يـنزل ُدبـَُر ُأحـُد‪ ،‬ثم تصـرف المالئكـة‬
‫وجهه قبل الشام‪ ،‬وهناك يهلك"‬

‫وأخرج اإلمام أحمد والطبراني عن سفينة أن النبي‪ r‬تحدث عن الَّد َّج ال فقال‪:‬‬
‫"ثم يسير حتى يأتي المدينة‪ ،‬فال يؤذن له فيها‪ ،‬فيقول‪ :‬هذه قرية ذلك الرجــل‪ ،‬ثم يســير حــتى‬
‫يأتي الشام‪ ،‬فينزل عيسى‪ u‬فيقتله عند عقبة أفيق (‪")1‬‬

‫وفي رواية أبي داود أن الَّد َّج ال يقول عن المدينة‪:‬‬


‫"هذه قرية ذاك الرجل‪ ،‬فال ُيؤذن لــه أن يــدخلها‪ ،‬ثم يســير حــتى يــأتي الشــام‪ ،‬فيهلكــه اهلل عنــد‬
‫عقبة أفيق"‬

‫‪ )?(1‬عقبه أفيق‪ :‬قرية بين الغور وحوران من بالد الشام‪ ،‬وعقبتها‪ :‬األرض المرتفعة فيها۔‬

‫‪34‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫حديث تميم الداري العجيب عن الَّد َّجال والجساسة‬


‫أخرج اإلمام مسلم في "صحيحه" عن فاطمة بنت قيس‪ i‬أخت الضحاك بن قيس‪:‬‬
‫يت مــع‬
‫"أنها سمعت منادي رسول اهلل ‪ r‬ينادي‪ :‬الصــالة جامعــة‪ ،‬فخــرجت إلى المســجد فصــلَّ ُ‬
‫رسول اهلل ‪ ،r‬فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم‪ ،‬فلما قضى رسول اهلل‪ r‬صالته‬
‫جلس على المنــبر وهــو يضــحك‪ ،‬فقــال‪ :‬فليلــزم كــل إنســان مصــاله(‪ ،)1‬ثم قــال‪ :‬أتــدرون لم‬
‫جمعتكم؟ ق ــالوا‪ :‬اهلل ورس ــوله أعلم‪ ،‬ق ــال‪ :‬إني واهلل م ــا جمعتكم لرغب ــة وال لرهب ــة(‪ ،)2‬ولكن‬
‫جمعتكم ألن تميمًا الداري كان رجًال نصرانيًا فجاء فبايع وأسـلم‪ ،‬وحـدثني حـديثًا وافـق الـذي‬
‫كنت أحدثكم عن مسيح الَّد َّج ال حدثني‪ :‬أنه ركب في سفينة بحرية‪ ،‬مــع ثالثين رجًال من لخم‬
‫في البحـر حـتى مغـرب‬ ‫(‪)4‬‬
‫وجذام(‪ ،)3‬فلعب بهم الموج شهرًا في البحـر‪ ،‬ثم أرفـأوا إلى جزيـرة‬
‫أقرب(‪ )5‬السفينة‪ ،‬فـدخلوا الجزيـرة فلقيتهم دابـة أهلب(‪ )6‬كثـير الشـعر‪ ،‬ال‬
‫الشمس‪ ،‬فجلسوا في ُ‬
‫من كـثرة الشـعر‪ ،‬فقـالوا‪ :‬ويلـك‪ ،‬مـا أنت؟ فقلت‪ :‬أنـا الجساسـة‪،‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫يدرون مـا ُقُبلـه من ُدبـُره‬
‫قالوا‪ :‬وما الجساسة؟‪ ،‬قالت‪ :‬أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير(‪ ،)8‬فإنه إلى خــبركم‬
‫منهــا أن تكــون شــيطانة‪ ،‬قــال‪ :‬فانطلقنــا ســراعًا‬ ‫سمت لنــا رجًال فرقنــا‬
‫باألشواق‪ ،‬قال‪ :‬لما َّ‬
‫(‪)9‬‬

‫ـة يــداه إلى‬


‫حــتى دخلنــا الـدير‪ ،‬فــإذا فيــه أعظم إنســان رأينــاه قــط خلقـًا وأشــده وثاقـًا‪ ،‬مجموعـ ً‬
‫عنقه‪ ،‬ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد‪ ،‬قلنا‪ :‬ويلك ما أنت؟ قال‪ :‬قـد قـدرتم على خــبري(‪، )10‬‬
‫فــأخبروني َمن أنتم؟ قــالوا‪ :‬نحن أنــاس من العــرب ركبنــا في ســفينة بحريــة‪ ،‬فصــادفنا البحــر‬
‫حين اغتلم(‪ )11‬فلعب بنا الموج شهرًا‪ ،‬ثم أرفأنا إلى جزيرتــك هــذه‪ ،‬فجلســنا في أقربهــا فــدخلنا‬
‫الجزيرة‪ ،‬فلقيتنـا دابـة أهلب كثـير الشـعر ال يـُدرى مـا ُقُبلـه من ُدبـُره من كـثرة الشـعر‪ ،‬فقلنـا‪:‬‬
‫أنت؟ فقالت‪ :‬أنا الجساسة‪،‬‬
‫ويلك‪ ،‬ما ِ‬

‫‪ )?(1‬أي‪ :‬مكان صالته‬


‫‪ )?(2‬ما جمعتكم لرغبة وال لرهبة‪ :‬أي ما جمعتكم ألجل مال أو رزق أقسمه بينكم‪ ،‬وال لخوف أو حرب فأستعين بكم۔‬
‫‪ )?(3‬لخم وجذام‪ :‬قبيلتان من قبائل العرب‬
‫‪ )?(4‬أرفأوا إلى جزيرة‪ :‬أي التجأوا إليها‪.‬‬
‫‪ )?(5‬أقُر ب‪ :‬جمع قارب‪.‬‬
‫‪ )?(6‬أهلب‪ :‬قال النووي‪" :‬واألهلب هو غليظ الشعر كثيره"‪.‬‬
‫‪ )?(7‬يعني‪ :‬ال يدرون أمامه من خلفه‪.‬‬
‫‪ )?(8‬الدير في األصل‪ :‬مكان ينقطع فيه الرهبان للعبادة‪ ،‬والمراد هنا‪ :‬المكان المنقطع البعيد‪.‬‬
‫‪ )?(9‬فرقنا‪ :‬أي خفنا منها‪.‬‬
‫‪ )?(10‬قدرتم على خبري‪ :‬أي‪ :‬وصلتم إلى معرفة خبري وسوف أخبركم عني‪.‬‬
‫‪ )?(11‬اغتلم‪ :‬أي هاج وجاوز حده المعتاد‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫قلنــا‪ :‬ومــا الجساســة؟ قــالت‪ :‬اعمــدوا إلى هــذا الرجــل في الـدير‪ ،‬فإنــه إلى خــبركم باألشــواق‪،‬‬
‫فأقبلنــا إليــك ســراعًا‪ ،‬وفزعنــا منهــا ولم نــأمن أن تكــون شــيطانة‪ ،‬فقــال‪ :‬أخــبروني عن نخــل‬
‫قلنا‪ :‬عن أي شأنها تسـتخبر؟ قـال‪ :‬أسـألكم عن نخلهـا‪ ،‬هـل يثمـر؟ قلنـا لـه‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بيسان؟‬
‫قال‪ :‬أما إنه يوشك أن ال تثمر‪ ،‬قال‪ :‬أخــبروني عن بحــيرة الطبريــة (‪ )2‬؟ قلنــا‪ :‬عن أي شــأنها‬
‫تستخبر؟ قال‪ :‬هل فيها ماء؟ قالوا‪ :‬هي كثــيرة المــاء‪ ،‬قــال‪ :‬أمــا إن ماءهــا يوشـك أن يــذهب‪.‬‬
‫قــال‪ :‬أخــبروني عن عين ُزغـَر(‪ )3‬؟ قــالوا‪ :‬عن أي شــأنها تســتخبر؟ قــال‪ :‬هــل في العين مــاء؟‬
‫وهل يـزرع أهلهـا بمـاء العين؟ قلنـا لـه‪ :‬نعم‪ ،‬هي كثـيرة المـاء‪ ،‬وأهلهـا يزرعـون من مائهـا‪،‬‬
‫األِّميين مـا فعـل؟ قـالوا‪ :‬قـد خـرج من مكـة ونـزل يـثرب‪ ،‬قـال‪ :‬أقاتلـه‬
‫قال‪ :‬أخبروني عن نبي ُ‬
‫العــرب؟ قلنــا‪ :‬نعم‪ ،‬قــال‪ :‬كيــف صــنع بهم؟ فأخبرنــاه أنــه قــد ظهــر على َمن يليــه من العــرب‬
‫وأطــاعوه‪ ،‬قــال لهم‪ :‬قــد كــان ذلــك؟ قلنــا‪ :‬نعم‪ ،‬قــال‪ :‬أمــا إن ذاك خــير لهم أن يطيعــوه‪ ،‬وإني‬
‫مخــبركم عنِّي‪ ،‬إني أنــا المســيح‪ ،‬وإ ني أوشــك أن ي ـُؤَْذن لي في الخــروج‪ ،‬فــأخرج أســير في‬
‫ـة غــير مكـة وطيبـة ‪ ،‬فهمـا محرمتـان علَّي‬
‫األرض‪ ،‬فال أدعُ قرية إال هبطتها في أربعين ليلـ ً‬
‫(‪)4‬‬

‫كلتاهما‪ ،‬كلما أردتُ أن أدخل واحدة ‪ -‬أو‪ :‬واحدة منهما ‪ -‬استقبلني ملك بيده السـيف صـلتا‬
‫نقب منهــا مالئكــة يحرسـونها‪ ،‬قــالت‪ :‬قــال رســول اهلل ‪:r -‬‬
‫يصدني عنها‪ ،‬وإن على كــل ٍ‬ ‫(‪)5‬‬

‫في المن ــبر ‪" :-‬ه ــذه طيب ــة‪ ،‬ه ــذه طيب ــة‪ ،‬ه ــذه طيب ــة (‪ ،)7‬اال ه ــل كنت‬ ‫(‪)6‬‬
‫وطعن بمخص ــرته‬
‫كنت أحــدثكم عنــه‬
‫حدثتكم ذلك؟ فقال النــاس‪ :‬نعم‪ ،‬فإنــه أعجبــني حــديث تميم أنــه وافــق الــذي ُ‬
‫وعن المدينة ومكة‪ ،‬أال إنه في بحـر الشـام أو بحـر اليمن‪ ،‬ال بـل من قبـل المشـرق‪ ،‬مـا (‪)8‬هـو‬
‫من قبـل المشـرق‪ ،‬مـا هــو من قبـل المشـرق‪ ،‬مـا هــو‪ -‬وأومـأ بيـده إلى المشـرق (‪ - )9‬قـالت‪:‬‬
‫فحفظت هذا من رسول اهلل "‪r‬‬

‫‪ )?(1‬نخل بيسان‪ :‬هي قرية بالشام‪ ،‬وهي إحدى قرى فلسطين‪.‬‬


‫‪ )?(2‬الطبرية‪ :‬هي بحيرة صغيرة معروفة بالشام‪ ،‬وهي بين األردن وفلسطين‪.‬‬
‫‪ُ )?(3‬ز َغ ر‪ :‬بلدة في الجانب القبلي من الشام (إفادة النووي) وقيل‪ :‬هي قرية بالشام على شاطئ البحر الميت‪.‬‬
‫‪ )?(4‬طيبة‪ :‬هي المدينة‪ ،‬ويقال لها‪:‬طابا أيضًا‪.‬‬
‫‪ )?(5‬صلتًا‪ :‬أي مسلوًال‪.‬‬
‫ش ار به في أثناء الخطابة والكالم‪ ،‬وكان يتخذه الملوك والخطباء‪.‬‬‫‪ )?(6‬المخصرة‪ :‬قضيب يُ َ‬
‫‪ )?(7‬يعني‪ :‬المدينة‬
‫‪ )?(8‬قال النووي‪ r‬قال القاضي‪" :‬ما" زائدة صلة للكالم ليست بنافية‪ ،‬والمراد‪ :‬إثبات أنه في جهة المشرق‪.‬‬
‫‪ )?(9‬وأومأ بيده إلى المشرق‪ :‬يعني مشرق مدينة رسول اهلل ‪ r‬هي العراق وايران‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ ‬فوائد و تنبيهات على حديث تميم‪:‬‬


‫‪ -1‬حديث تميم الداري السابق يدل على أن الَّد َّج ال غير ابن صياد‪ ،‬وقد نقل الحافــظ ‪ r‬في "الفتح"‬
‫(‪ )13/326‬عن البيهقي أنه قال‪:‬‬
‫"وبه (أي بحديث تميم) تمسك من جزم بأن الَّد َّج ال غير ابن صياد‪ ،‬وطريقه أصح‪ ،‬وتكون الصفة التي‬
‫في ابن الصياد وافقت ما في الَّد َّج ال‪ .‬اهـ‬
‫وقد مر بنا كالم البيهقي ‪ r‬حيث قال‪" :‬إن ال َّد َّج ال ال ذي يخ رج في آخ ر الزم ان غ ير ابن ص ياد‪،‬‬
‫وكان ابن صياد أحد الَّد َّج الين الكذَّابين الذين أخبر النبي‪ r‬بخروجهم‪ ،‬وقد خرج أكثرهم‪ ،‬وكأن الذي‬
‫يجزمون بابن صياد هو الَّد َّج ال لم يسمعوا بقصة تميم‪ ،‬وإ ال فالجمع بينهما بعيد جدًا‪ ،‬إذ كيف يلتئم أن‬
‫يك ون مَن ك ان في أثن اء الحي اة النبوي ة ش به المحتلم ويجتم ع ب ه الن بي ‪ r‬ويس أله أن يك ون في آخره ا‬
‫شيخا كبيرًا؟! [ قال البيهقي ‪" :r‬هذا األخير بناء على رواية عنده فيها أنه‪ -‬أي‪ :‬في حديث تميم‪-‬‬
‫ً‬
‫شيخ‪ ،‬وقال الحافظ‪ :‬سندها صحيح]‬

‫‪ -2‬ج ــاءت بعض الرواي ــات ت ــبيِّن‪ :‬أن الجساس ــة هي عب ــارة عن ام ــرأة تج ــر ش ــعر جل ــدها‬
‫ورأسها‪.‬‬
‫كما جاء في رواية أبي داود بسند صـحيح عن جـابر ‪ t‬قـال‪ :‬قـال رسـول اهلل ‪ r‬ذات يـوم‬
‫على المنبر‪" :‬إنه بينما أناس يسيرون في البحر فنفــد طعــامهم‪ ،‬فــرفعت لهم جزيــرة فخرجــوا‬
‫يريدون الخبر‪ ،‬فلقيتهم الجساسة"‪ ،‬قلت ألبي ســلمة‪ :‬ومــا الجساســة؟ قــال‪ :‬امــرأة تجــر شــعر‬
‫جلــدها ورأســها‪ ،‬قــالت‪ :‬في هــذا القصــر‪ -‬فــذكر الحــديث وســأل عن نخــل بيســان‪ ،‬وعن عين‬
‫ُزغَر‪ ،‬قال‪ :‬هو المسيح"‬
‫وأخرج أبو داود عن فاطمة بنت قيس‪ i‬أن رسول اهلل‪ r‬أخَّر العشاء اآلخــرة ذات ليلــة‬
‫ثم خرج فقال‪" :‬إنـه حبسـني حـديث كـان يحدثنيـه تميم الـداري عن رجـل كـان في جزيـرة من‬
‫أنت؟ قــالت‪ :‬أنــا الجساســة‪ ،‬اذهب إلى ذلــك‬
‫جزائر البحر‪ ،‬فإذا أنا بامرأة تجر شعرها قال‪ :‬مــا ِ‬
‫القصر‪ ،‬فأتيته فإذا رجــل يجــر شــعره ُمسلسَـل في األغالل‪ ،‬يــنزو فيمــا بين الســماء واألرض‪،‬‬
‫أنت؟ قال‪ :‬أنا الَّد َّج ال‪ ،‬خرج نبي األميين بعد؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬أطاعوه أم عصوه؟‬‫فقلت‪ :‬من َ‬
‫قلت‪ :‬بل أطاعوه‪ ،‬قال‪ :‬ذاك خير لهم"‬

‫‪ -3‬حديث تميم السابق يدل على وجود الَّد َّج ال في العهد النبوي محبوس في جزيرة ما‪ ،‬وهو موجود‬

‫‪37‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫الآن‪ ،‬وسيخرج في آخر الزمان عند غضبة يغضبها‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫الزمن الذي يخرج فيه الَّد َّجال‬


‫يخرج الَّد َّج ال بعد ظهور المهدي وفتحه الجزيرة العربية وفارس والروم‪ -‬أي القسطنطينية ورومية ‪-‬‬
‫وبعد أن يسبقه من الفتن ما يسبقه كما مر بنا‪.‬‬
‫أخرج البخـاري ومسـلم واللفـظ لـه عن نـافع بن عتبـة بن أبي وقـاص ‪ t‬أن رسـول اهلل ‪r‬‬
‫قال‪" :‬تغرون جزيرة العرب‪ ،‬فيفتحها اهلل‪ ،‬ثم فارس‪ ،‬فيفتحها اهلل‪ ،‬ثم تغزون الروم‪ ،‬فيفتحهــا‬
‫اهلل‪ ،‬ثم تغزون الَّد َّج ال‪ ،‬فيفتحه اهلل"‬
‫وأخرج البخاري ومسلم عن نافع قال‪:‬‬
‫"يا جابر‪ -‬هو جابر بن سمرة‪-‬؛ ال ُنرى الَّد َّج ال يخرج حتى تفتح الروم"‬
‫تغزون الَّد َّج ال فيفتحه اهلل‪ :‬أي المكان الذي فيه الَّد َّج ال‪ ،‬والقوم الذين معه‪.‬‬
‫‪ ‬ويكون خروج الَّد َّج ال بعد فتح القسطنطينية الثاني‪ ،‬وهذا ما أخبر به النبي ‪r‬‬
‫أخرج اإلمام مسلم عن أبي هريرة ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منهــا في البحــر؟ قــالوا‪ :‬نعم يــا رســول اهلل‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫ال تقوم الساعة حتى يغزوها سـبعون ألفـ ًـا من بـني إسـحاق‪ ،‬فـإذا جاءوهــا نزلــوا‪ ،‬فلم يقــاتلوا‬
‫بســالح‪ ،‬ولم يرمــوا بســهم‪ ،‬قــالوا‪ :‬ال إلــه إال اهلل واهلل اكــبر‪ ،‬فيســقط أحــد جانبيهــا‪ ،‬الــذي في‬
‫البحر‪ ،‬ثم يقولوا الثانية‪ :‬ال إله إال اهلل واهلل أكبر‪ ،‬فيســقط جانبهــا اآلخــر‪ ،‬ثم يقولــوا الثالثــة‪:‬‬
‫فيفــرج لهم‪ ،‬فيــدخلوها فيغنمــوا‪ ،‬فبينمــا هم يقتســمون المغــانم‪ ،‬إذ‬
‫ال إلــه إال اهلل واهلل أكــبر‪ُ ،‬‬
‫جاءهم الصريخ‪ ،‬فقال‪ :‬إن الَّد َّج ال قد خرج‪ ،‬فيتركون كل شيء ويرجعون"‬
‫ويــدل على ذلــك أيضــاً مــا أخرجــه أبــو داود عن معــاذ بن جبــل ‪ t‬أن رســول اهلل‪ r‬قــال‪:‬‬
‫"عمران بيت المقدس خراب يثرب(‪ ،)1‬وخراب يــثرب خــروج الملحمــة‪ ،‬وخــروج الملحمــة فتح‬
‫القسطنطينية‪ ،‬وفتح القسطنطينية خروج الَّد َّج ال‪ ،‬ثم ضـرب معـاذ بيـده على فخـذ الـذي َّ‬
‫حدثـه‬
‫(صحيح الجامع‪)4096:‬‬ ‫‪ -‬أو منكبه ‪ -‬ثم قال‪ :‬إن هذا لحق كما أنك قاعد هاهنا "‬

‫‪ )?(1‬قال أبو داود‪" :‬وليس المراد أن المدينة تخرب بالكلية قبل خروج الَّدَّجال‪ ،‬وإ نما ذلك في آخر الزمان‪ ،‬بل تكون عمارة بيت المقدس سببًا في‬
‫خراب المدينة النبوية‪ ،‬فإنه قد ثبت في األحاديث الصحيحة أن الَّدَّجال ال يقدر على دخولها‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫فتنة الَّد َّجال أعظم فتنة في تاريخ البشرية‬


‫فتنة المسيح الَّد َّج ال من أعظم الفتن التي تمر على البشرية منذ أن خلق آدم إلى قيام الساعة‪ ،‬وذلك لما‬
‫أعطاه من خوارق العادات‪ ،‬والتي هي بمثابة الفتنة والاختبار للعباد‪.‬‬
‫‪ -‬أخرج اإلمام مســلم عن أبي الــدهماء وأبي قتــادة‪ ،‬قــاال‪" :‬كنــا نمــر على هشــام بن عــامر‪،‬‬
‫بأحضـر إلى‬
‫َ‬ ‫نأتي عمـران بن حصـين‪ ،‬فقـال ذات يـوم‪ :‬إنكم لتجـاوزوني إلى رجـال‪ ،‬مـا كـانوا‬
‫رسول اهلل ‪ r‬مني‪ ،‬وال أعلم بحديثه مني‪ ،‬سمعت رسول اهلل ‪ r‬يقول‪" :‬ما بين خلــق آدم إلى‬
‫أكبر من الَّد َّج ال" ‪ -‬وفي رواية‪ " :‬أمر أكبر من الَّد َّج ال"‬
‫خلق ُ‬‫قيام الساعة ٌ‬
‫‪ -‬وفي رواية عند اإلمام أحمد‪":‬فتنة أكبر من فتنة الَّد َّج ال "‬
‫‪ -‬وأخرج البخاري عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص ‪ K‬قال‪:‬‬
‫"كان سعد يأمر بخمس ويذكرهن عن النبي‪ r‬أنه كان يأمر بهن ‪ -‬ثم ذكـر فيهــا ‪ -‬وأعــوذ‬
‫بك من فتنة الدنيا ‪ -‬يعني فتنة الَّدَّجال‪"-‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر ‪ r‬في "فتح الباري" (‪ )11/179‬تعليقًا على هذا الحديث"‪:‬‬
‫"وفي إطالق الدنيا على الَّد َّج ال إشارة إلى أن فتنة الَّد َّ‬
‫جال أعظم الفتن الواقعة في الدنيا"‬

‫ولعظم الفتنة وخطرها كان كل نبي يحِّذ ر قومه من فتنته؛ ألنهم أعلم الناس بخطره‪.‬‬
‫ففي "ســنن ابن ماجــه" و"صــحيح ابن خزيمــة" و"مســتدرك الحــاكم" عن أبي أمامــة ‪ t‬عن‬
‫النــبي ‪ r‬قــال‪" :‬يــا أيهــا النــاس‪ ،‬إنهــا لم تكن فتنــة على وجــه األرض‪ ،‬منــذ ذرأ اهلل ذريــة آدم‬
‫حذر أمته من الَّد َّج ال‪ ،‬وأنــا آخــر األنبيــاء‪،‬‬
‫أعظم فتنة من الَّد َّج ال‪ ،‬وإ ن اهلل ‪ U‬لم يبعث نبيًا إال َّ‬
‫(صحيح الجامع‪)7875 :‬‬ ‫وأنتم آخر األمم‪ ،‬وهو خارج فيكم ال محالة "‬
‫ففي "صحيح البخاري" عن عبداهلل بن عمر ‪ K‬قال‪:‬‬
‫"قــام رســول اهلل ‪ r‬في النــاس‪ ،‬فــأثنى على اهلل بمــا هــو أهلــه‪ ،‬ثم ذكــر الــَّد َّج ال‪ ،‬فقــال‪ :‬إني‬
‫ألنذركموه‪ ،‬وما من نبي إال أنذره قومه‪ ،‬ولكني سأقول لكم فيه قوًال لم يقله نــبي لقومــه‪ ،‬إنــه‬
‫أعور‪ ،‬وإ ن اهلل ليس بأعور"‬
‫وفي "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس ‪ t‬قال‪ :‬قال النبي ‪:r‬‬
‫أمتــه األعــور الكــذاب‪ ،‬أال إنــه أعــور‪ ،‬وإ ن ربكم ليس بــأعور‪ ،‬وإ ن بين‬
‫"مــا ُبِعث نــبي إال أنــذر َّ‬
‫عينيه مكتوب‪ :‬كافر"‬

‫‪40‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫وقـفــة‪:‬‬
‫ومع كون النبي ‪ r‬يخاف علينا من فتنة الَّد َّج ال وحذَّرنا منها‪َّ ،‬‬
‫وبين خطرها؛ إال أنه كان يخاف علينا‬
‫كذلك من بعض الفتن التي ال تقل عن فتنة الَّد َّج ال‪ ،‬منها‪-:‬‬
‫‪ -‬فتنة األئمة المضلين‪:‬‬
‫فقد أخرج اإلمام أحمد عن أبي ذر ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫(الصحيحة‪)1989:‬‬ ‫"غير الَّد َّج ال أخوف على أمتي من الَّد َّج ال‪ :‬األئمة المضلون"‬
‫وأئمة الضالل وقادته خطرهم على الأمة عظيم‪ ،‬ففسادهم سبب لفساد الناس‪ ،‬وأئمة الضالل قد يكونون‬
‫أئم ة في ال دنيا ك الملوك‪ ،‬واألم راء‪ ،‬وال وزراء‪ ،‬وق د يك ون في ال دين‪ :‬كالعلم اء‪ ،‬وال دعاة‪ ،‬ف إذا تص َّدر‬
‫هؤالء على الناس؛ فسد أمر الناس بال شك‪.‬‬

‫‪ -‬الشرك الخفي (الِّر ياء)‬


‫فقد أخرج اإلمام أحمد وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"أال أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الــَّد َّج ال؟ الشــرك الخفي‪ ،‬أن يقــوم الرجــل‬
‫صلي فيزين صالته لما يرى من نظر الرجل"‬
‫في ِّ‬
‫ُ‬
‫وهذا ما يعرف بالرياء‪ ،‬وهو مشتق من الرؤية‪ ،‬فهو يقصد بعمله نظر الناس وثناءهم‪ ،‬وهو محبط‬
‫للعمل؛ ألن العمل فقد أحد شرطيه وهو الإخالص‪.‬‬

‫تسلط المسلمين على بعض‪:‬‬


‫‪ُّ -‬‬
‫فقد أخرج اإلمام أحمد عن حذيفة ‪ t‬قال‪:‬‬
‫"ُذكر الَّد َّج ال عند رسول اهلل ‪ ،r‬فقال لنا‪ :‬لفتنة بعضــكم أخــوف عنــدي من فتنــة الــَّد َّج ال‪ ،‬ولن‬
‫ينجــو أحــد ممـَّا قبلهــا إال نجــا منهــا‪ ،‬ومـا صـنعت فتنـة منـذ كـانت الــدنيا صـغيرة وال كبـيرة إال‬
‫لفتنة الَّد َّج ال"‬

‫‪41‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ ‬صـور مـن فتنة الـَّدّج َــال‪:‬‬


‫اهلل ‪ U‬يعطي الَّد َّج ال بعضًا من األمور الخارقة للعادة‪ ،‬والتي تدهش العقول‪ ،‬ويفتن بها ضعاف العقول‬
‫واإليمان‪ ،‬ومن هذه األمور‪-:‬‬
‫‪ -1‬استجابة السماء واألرض ألمره‪:‬‬
‫فمن فتنته أنه يأمر السماء فتمطر‪ ،‬ويأمر األرض فتنبت‪ ،‬ويأمر الخربة فتخرج كنوزها المدفونة فيها‪،‬‬
‫وغير ذل ك من الفتن‪ ،‬والتي بيَّنها النبي ‪ r‬في الحديث الذي أخرجــه اإلمــام مســلم من حــديث‬
‫النواس بن سمعان ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"فيأتي على القوم فيدعُوهم؛ فيؤمنون به‪ ،‬ويســتجيبون لــه‪ ،‬فيــأمر الســماء فتمطــر‪ ،‬واألرض‬
‫فتنبت فـ ــتروحُ(‪)1‬عليهم سـ ــارحتُهُم(‪ ،)2‬أطـ ــول مـ ــا كـ ــانت ُذ راً(‪ )3‬وَأس ـ ـَْبغه(‪ )4‬ضـ ــروعًا‪ ،‬وأم ـ ـََّد ُ‬
‫ه‬
‫وهم‪ ،‬فيـ ـَُرُّدون علي ــه قول ــه‪ ،‬فينص ــرفُ عنهم‪ ،‬فيص ــبحون‬
‫خواص ــر(‪ ،)5‬ثم ي ــأتي الق ــوم في ــدعُ ُ‬
‫ُمْمحِلين (‪ )6‬ليس بأيديهم شيء من أموالهم‪ ،‬ويمر بالخَِربـَِة (‪ ،)7‬فيقـول لهـا‪ :‬أخـرجي كنـوزك‪.‬‬
‫(شرح النووي لمسلم‪.)89/81:‬‬ ‫كيعاسيب النحل (‪ "...)8‬الحديث‬
‫ِ‬ ‫فتتبعه كنوُُزها‬

‫وعنــد الترمــذي‪" :‬فيــأتي القــوم‪ ،‬فيــدعوهم فيكــذون‪ ،‬ويـ ُّ‬


‫ـردون عليــه قولــه‪ ،‬فينصــرف عنهم‪،‬‬
‫فتتبعــه أمــوالهم‪ ،‬ويصــبحون ليس بأيــديهم شــئ‪ ،‬ثم يــأتي القــوم‪ ،‬فيــدعوهم‪ ،‬فيســتجيبون لــه‬
‫صدقونه‪ ،‬فيأمر السماء أن تمطر فتمطر‪ ،‬ويأمر األرض ان ُتْنِبت فتنبت‪ ،‬فتروح سارحتهم‬ ‫وي ِّ‬
‫ُ‬
‫ضروعا‪ ،‬ثم يأتي الَخ ِر َبِة ‪ ،‬فيقــول‪ :‬لهــا‪ :‬أخــرجي‬
‫ً‬ ‫درا‪ ،‬وأمده خواصر‪ ،‬وأدره‬‫كأطول ما كانت ًّ‬
‫كنوزك‪ ،‬فينصرف عنها‪ ،‬فتتبعه كيعاسيب النحل‪ "...‬الحديث‬

‫‪" )?(1‬تروح"‪ :‬معناه ترجع آخر النهار‪.‬‬


‫‪ )?(2‬السارحة‪ :‬هي الماشية التي تسرح‪ ،‬أي تذهب أول النهار إلى المرعى‪.‬‬
‫‪( )?(3‬الذرى) وهي األعالي‪ :‬وهي األسنمة‪ ،‬جمع "ذروة"‪.‬‬
‫‪ )?(4‬أسبغه‪ :‬أي أطوله لكثرة اللبن‪.‬‬
‫‪ )?(5‬أمده خواصر‪ :‬لكثرة امتالئها من الشبع‪.‬‬
‫‪ )?(6‬الُمْم ِح ل‪ :‬هو الذي أجدبت أرضه وقحطت‪.‬‬
‫‪ )?(7‬الَخ ِر َبة‪ :‬أي األرض الخراب‪.‬‬
‫‪ )?(8‬فتتبعه كنوزها "كيعاسيب النحل"‪ :‬وهي ذكور النحل‪ ،‬هكذا فسره ابن قتيبة وآخرون‪ ،‬قال القاضي‪ :‬المراد جماعة النحل ال ذكورها خاصة‪،‬‬
‫لكنه كنى عن الجماعة باليعسوب وهو أميرها؛ ألنه متى طار تبعته جماعته‪ .‬واهلل أعلم" (شرح النووي على مسلم‪)18/89:‬‬

‫‪42‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫تنبيه‪:‬‬
‫البد أن نعلم أن الوالية نوعان‪ :‬والية للرحمن‪ ،‬ووالية للشيطان‪ ،‬فكل مؤمن تقي نقي يقوم بالواجبات‬
‫ويترك المنهيات؛ فهو ولي هلل‪ ،‬كما قال الحبيب النبي ‪ r‬والحديث عند الطبراني‪:‬‬
‫المص ـ ُّـلون‪َ ،‬من يقيم الص ــلوات الخمس ال ــتي كتبهن اهلل‪ ،‬ويص ــوم رمض ــان‪،‬‬
‫"إن أولي ــاء اهلل ُ‬
‫ويحتسب صومه‪ ،‬ويؤتي الزكاة‪ ،‬وقال كذلك عنهم رب العالمين في كتابه الكريم‪:‬‬
‫{َأال ِإَّن َأْو ِلَياء ِهّللا َال َخ ْو ٌف َع َلْيِهْم َو َال ُهْم َيْح َز ُنوَن {‪ }62‬اَّلِذ يَن آَم ُنوْا َو َك اُنوْا َيَّتُق وَن } [ي ــونس‪6:‬‬
‫‪]63-2‬‬

‫فهؤالء الأتقياء األولياء قد يظهر الله تعالى على أيديهم شيئاً من خوارق العادات‪ ،‬وهذا ثابت بالكتاب‬
‫والسَُّّنة‪ ،‬لكن الولي الحق الصادق في واليته‪ ،‬يحاول أن يخفي ما أكرمه اهلل به من هذه الخوارق؛ فال‬
‫يظهرها للناس‪ ،‬لكن هناك فئة من الناس قد ضيَّعوا شرع الرحمن وركبوا الموبقات‪ ،‬وقد تظهر على‬
‫أيديهم معجزات‪ :‬كح ال المس يح ال َّد َّج ال‪ ،‬ف القول فيهم أنهم فتن ة يبتلي اهلل به ا عب اده {َو َم ا ُيِض ُّل ِبِه ِإَّال‬
‫اْلَفاِسِقيَن } [البقرة‪ ،]26:‬وهؤالء هم أولياء الشيطان‪ ،‬وقد رُوي عن الليث بن سعد ‪ r‬أنه قال‪:‬‬
‫والسَّنة"‬
‫"إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء‪ ،‬فال تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب ُّ‬
‫فبلغ ذلــك الشـافعي فقــال ‪" :r‬لق د قصَّر الليث‪ :‬ب ل إذا رأيتم الرج ل يمش ي على الم اء‪ ،‬ويط ير في‬
‫(شــرح الطحاويــة‪ :‬ص‬ ‫اله واء‪ ،‬فال تغ تروا ب ه حتى تعرض وا أم ره على الكت اب والسَُّّنة"‬
‫‪)573‬‬

‫‪ -2‬معه جنة ونار‪ ،‬وكذلك ماء ونار‪:‬‬


‫ولكن ناره جنة‪ ،‬وجنته نار‪ ،‬كما أخبر الحبيب المختار ‪.r‬‬
‫فقد أخرج اإلمام مسلم عن حذيفة بن اليمان ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫جنة‪ ،‬وجنته نار‪"...‬‬
‫"‪...‬معه جنة ونار‪ ،‬فناره َّ‬
‫وعند البخاري ومسلم من حديث حذيفة أيضًا أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"إن معه ماًء ونارًا‪ ،‬فناره ماء بارد‪ ،‬ووماؤه نار"‪.‬‬
‫وقال اإلمام النووي ‪ r‬كما شرح في "شرح مسلم"(‪:)18/61‬‬
‫"هذا من جملة فتنته‪ ،‬امتحن اهلل به عباده‪ ،‬ليحق الحق‪ ،‬ويبطل الباطل‪ ،‬ثم يفضحه"‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫يبين النبي ‪ r‬ماذا يفعل من أدرك هذا‬


‫‪ -‬ثم ِّ‬
‫‪ -‬ففي رواية عند اإلمام مسلم في "صحيحه" عن حذيفة ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"ألنا أعلم بما مع الَّد َّج ال منه‪ ،‬معه نهران يجريان‪ ،‬أحدهما‪ :‬رأي العين ماء أبيض‪ ،‬واآلخر‪:‬‬
‫فليأت الـذي يـراه نـارًا وليغمض‪ ،‬ثم ليطـاطئ رأسـه‬
‫ِ‬ ‫رأي العين نار تأجج‪ ،‬فإما أدركن(‪ )1‬أحد‪،‬‬
‫فيشرب منه‪ ،‬فأنه ماء بارد"‬
‫‪ -‬وفي رواية أخرى في "صحيح مسلم" عن حذيفة أيضاً‪:‬‬
‫"إن الَّد َّج ال يخرج‪ ،‬وإ ن معه ماءً ونارًا‪ ،‬فأما الــذي يــراه النــاس مــاء فنــار تحــرق‪ ،‬وأمــا الــذي‬
‫فمن أدرك ذلــك منكم؛ فليقــع في الــذي يـراه نـارًا‪ ،‬فإنـه مـاء‬ ‫عذب‪َ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫ارد‬
‫نارا فماءٌ ب ٌ‬
‫يراه الناس ً‬
‫عذب طيب"‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى عند الحاكم في "المستدرك"‪:‬‬
‫"معه نهران‪ ،‬أحدهما نار تأجج في عين َمن رآه‪ ،‬واآلخر مــاء أبيض‪ ،‬فــإن أدركــه أحــد منكم‪،‬‬
‫فليغمض وليشرب من الذي يراه نارًا‪ ،‬فإنه ماء بارد‪ ،‬وإ ياكم واآلخر‪ ،‬فإنه فتنته"‪.‬‬

‫‪ ‬وقد اختلف أهل العلم في كون الجنة والنار على الحقيقة‪ ،‬أم أن هذا خيال‪.‬‬
‫فذهب فريق من أهل العلم منهم ابن حبان والبرزنجي في "اإلشاعة" إلى‪:‬‬
‫"أن م ا مع ه من جن ة أو ن ار إنم ا ه و تخيي ل وتموي ه وليس حقيق ة‪ ،‬واحتج وا بجمل ة من األح اديث‪،‬‬
‫منها‪-:‬‬
‫‪ -1‬ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"وإ نه يجيء بمثال الجنة والنار‪ ،‬فالتي يقول‪ :‬إنها الجنة هي النار‪ ،‬وإ ني أنذركم كما أنذر بــه‬
‫نوح قومه" ق الوا‪ :‬فالب اء زائ دة في ق ول النبي ‪" :r‬بمثال الجنة والنار"‪ ،‬والمع نى ي أتي بص ورتيهما‬
‫معه في نظر الناس‪.‬‬

‫‪ -2‬وأخرج اإلمام أحمد عن أبي سعيد الخدري ‪ t‬عن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬


‫"ومعه صورة الجنة خضراء يجري فيها الماء‪ ،‬وصورة النار سوداء تدخن"‬

‫أدركن أحـد" هكـذا هـو في أكـثر النسـخ‪ ،‬وفي بعضـها‪" :‬أدركـه"‪ ،‬وهـو أظهـر؛ ألن‬
‫ّ‬ ‫‪ )?(1‬قال النووي ‪ r‬في "شـرح مسـلم" (‪" :)18/61‬وقولـه‪" :‬فإمـا‬
‫أدركن غريب من حيث اللغة‪ ،‬ألن هذه النون ال تدخل على الفعل الماضي‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ -‬وفي رواية‪" :‬ومعه مثل الجنة والنار"‬


‫‪ -3‬وأخرج الشيخان عن المغيرة بن شعبة‪ t‬قال‪:‬‬
‫"ما سأل أحد رسول اهلل ‪ r‬عن الَّد َّج ال أكثر ممـا سـألته‪ ،‬وإ نـه قـال لي‪ :‬مـا يضـرك فيـه؟ قلت‪:‬‬
‫إنهم يقولون‪ :‬إن معه جبل خبز ونهر ماء‪ ،‬قال‪ :‬هو أهون على اهلل من ذلك"‪.‬‬
‫نقل الحافظ في "الفتح" (‪ )13/93‬عن ابن حبان ‪ r‬أنه قال‪:‬‬
‫"ومعنى الحديث‪ :‬أنه أهون على اهلل من أن يكون معه ماء يجري حقيقة‪ ،‬بل ُيَرى ذلك‪ ،‬فإن الذي معه‬
‫ُيَرى أنه ماء‪ ،‬وليس بماء حقيقة‪ ،‬أي أن ما ظهر من فتنته ليس له حقيقة‪ ،‬وإ نما تخييل منه وشعبذة‬
‫كما يفعل السحرة‪.‬‬

‫‪ -‬بينمــا ذهب فريــق آخــر من أهــل العلم منهم ابن العــربي إلى‪ :‬أن ه ذا على الحقيق ة وليس ت‬
‫خياالت وال تمويهات‪ ،‬ولكن هذا أمر يبتلي اهلل به العباد‪.‬‬
‫‪ -‬واستدلوا باألحاديث السابقة وحملوها على ظهرها‪ ،‬أنه معه جنة ونار على الحقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬وحملوا قوله ‪ r‬في حديث المغيرة بن شعبة السابق وفيه‪":‬هــو أهــون على اهلل من ذلــك"‬
‫على أن ه أه ون على اهلل من أن يخ وف من ه‪ ،‬أو يجعل ه آي ة على ص دقه‪ ،‬أو يض لل اهلل ب ه َمن يحبَّه‪،‬‬
‫وبهذا األخير قال القاضي عياض‪ :‬حيث نقل عنه اإلمام النووي ‪ r‬في "شرح مسلم" (‪:)18/98‬‬
‫شككا لقلوبهم‪،‬‬
‫"معناه هو أهون على اهلل من أن يجعل ما خلقه اهلل تعالى على ي ده مض ًال للمؤمنين وم ً‬
‫بل إنما جعله له ل يزداد الذين آمنوا إيماناً‪ ،‬ويثبت الحجة على الكافرين والمنافقين‪ ...‬ونحوهم‪ ،‬وليس‬
‫معناه أنه ليس معه شيء من ذلك‪.‬اهـ‬
‫والراجح‪ :‬هو الرأي الثاني‪ ،‬أي أن معه جنة ونار على الحقيقة والغرض هو الاختبار‪.‬‬
‫يقول ابن كثير‪ r‬في "النهاية في الفتن والمالحم"(‪: )1/84‬‬
‫"وال ذي يظه ر من األح اديث المتقدم ة أن ال َّد َّج ال يمتحن اهلل ب ه عب اده بم ا يخلق ه مع ه من الخ وارق‬
‫المشاهدة في زمانه‪ ،‬وهذا كله ليس بمخرفة بل له حقيقة‪ ،‬امتحن اهلل به عباده في ذلك الزمان‪ .‬اهـ‬
‫(انظر فتح الباري‪)13/93:‬‬ ‫جال نارًا‪ ،‬وباطن النار جنة"‬
‫وستكون باطن الجََّنة التي يسخرها اهلل للدَّ َّ‬

‫‪45‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ -3‬ومن فتنته ما ذكره النبي ‪:r‬‬


‫في الحديث الذي ذكره اإلمام أحمـد والطــبراني في "الكبـير" بسـند حسـن عن سـفينة مـولى‬
‫رسـول اهلل ‪ r‬قـال‪" :‬خطبنـا رسـول اهلل ‪ r‬فقـال‪ :‬أال إنـه لم يكن نـبي قبلي إال قـد َّ‬
‫حـذر الـَّد َّج ال‬
‫ُأَّمتــه‪ ،‬هــو أعــور عينــه اليســرى‪ ،‬وبعينــه اليمــني ظفــرة غليظــة‪ ،‬مكتــوب بين عينيــه‪( :‬كــافر)‬
‫يخرج معه واديان أحدهما جنة واآلخر نار‪ ،‬فناره جنة وجنتـه نـار‪ ،‬معـه ملكـان من المالئكـة‬
‫يشبهان نبيين من األنبياء‪ ،‬لو شئت سميتهما بأسمائهما وأســماء آبائهمــا‪ ،‬واحــد منهمــا عن‬
‫ـت أحــيي وأميت؟‬ ‫يمينــه واآلخــر عن شــماله‪ ،‬وذلــك فتنــة‪ ،‬فيقــول الــَّد َّج ال‪ :‬ألسـ ُ‬
‫ـت بــربكم؟ ألسـ ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫فيقول له أحد الملكين‪ :‬كذبت‪ ،‬ما يسمعه أحد من الناس إال صاحبه‪ ،‬فيقول له‬
‫‪ :‬صدقت‪ ،‬فيسمعه الناس‪ ،‬فيظنون إنما يصدق الَّد َّج ال‪ ،‬وذلك فتنته‪ ،‬ثم يسير حتى يأتي‬
‫ؤذن له فيها‪ ،‬فيقول‪ :‬هذه قرية ذلك الرجل(‪ ،)2‬ثم يسير حتى يأتي الشام‪ ،‬فيهلكه‬
‫المدينة فال ُي َ‬
‫اهلل ‪ U‬عند عقبة أفيق(‪.")3‬‬

‫‪ -4‬ومن فتنته ما ذكره النبي ‪r‬‬


‫في الحديث الذي أخرجه ابن ماجه والحاكم من حديث أبي أمامة ‪:t‬‬
‫" وإ ن من فتنته أن يقول لألعرابي‪ :‬أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشــهد أني ربــك؟ فيقــول‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه‪ ،‬فيقوالن‪ :‬يابني اتبعه‪ ،‬فإنه ربك"‬
‫(صحيح الجامع‪)7875 :‬‬

‫كذب الَّدَّجال‪ :‬صدقت‪ ،‬أي‪ :‬صدقت في قولك‪ :‬إن الَّدَّجال كاذب‪.‬‬


‫‪ )?(1‬فيقول له‪ :‬أي يقول للملك الذي َّ‬
‫‪ ))2‬قرية ذلك الرجل‪ :‬يقصد النبي ‪r‬‬
‫‪ )?(3‬عقبة أفيق‪ :‬وهي قرية بين الغور وحوران من بالد الشام‪ ،‬وعقبتها‪ :‬األرض المرتفعة فيها‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ -5‬ومن فتنته أن هللا تعالى يسلطه على شاب فيقتله ثم يحييه وال يسلط على أحد بعده‪:‬‬
‫أخــرج البخــاري ومســلم عن أبي ســعيد الخــدري ‪ t‬قــال‪" :‬حــدَّثنا رســول اهلل ‪ r‬يومــاً حــديثًا‬
‫طويًال عن الَّد َّج ال‪ ،‬فكان فيما يحدثنا به أنـه قـال‪ :‬يـأتي الـَّد َّج ال‪ -‬وهـو ُمحـََّر م عليـه أن يـدخل‬
‫نقاب المدينة‪ -‬فيـنزل بعض السـباخ(‪ )1‬الـتي تلي المدينـة‪ ،‬فيخـرج إليـه يومئـذ رجـل هـو خـير‬
‫الناس‪ -‬أو‪ :‬من خيار الناس‪ -‬فيقول‪ :‬أشــهد أنــك الــَّد َّج ال الــذي حــدثنا رســول اهلل ‪ r‬حديثـه‪،‬‬
‫فيقول الَّد َّج ال‪ :‬أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته‪ ،‬هل تشـ ُّـكون في األمــر؟ فيقــوالن‪ :‬ال‪ ،‬فيقتلــه ثم‬
‫يحييه‪ ،‬فيقول‪ :‬واهلل ما كنت فيــك أشــد بصــيرة مــني اليــوم‪ ،‬فيريــد الــَّد َّج ال أن يقتلــه فال ُيســلط‬
‫عليه"‪.‬‬
‫وأخرج اإلمام أحمد بسند حسن عن جنادة بن أبي أمية أنه قال‪:‬‬
‫"أتيت رجًال من أصـــحاب النـــبي ‪ r‬فقلت لـــه‪ :‬حـــدثني حـــديثًا ســـمعته من رســـول اهلل ‪ r‬في‬
‫الَّد َّج ال‪ ،‬وال تحدثني عن غيرك وإ ن كـان عنـدك مصـداقًا‪ ،‬فقـال‪ :‬سـمعت رسـول اهلل ‪ r‬يقـول‪:‬‬
‫أنذرتكم فتنة الَّد َّج ال‪ ،‬فليس من نبي إال أنذره قومـَه‪ ،‬أو ُأَّمتـَه‪ ،‬وإنـَّه‪ :‬آدم‪ ،‬جعـد‪ ،‬أعـور عينـه‬
‫اليسرى‪ ،‬وإ نه يمطر وال ينبت الشجر‪ ،‬وأنـه ُيسـلط على نفس فيقتلهـا‪ ،‬ثم يحييهـا‪ ،‬وال يسـلط‬
‫على غيرها‪ ،‬وإ نه معه جنة ونار‪ ،‬ونهر وماء‪ ،‬وجبل خبز‪ ،‬وإ ن جنته نار‪ ،‬وناره جنة‪ ،‬وإ نــه‬
‫يلبث فيكم أربعين صــباحًا‪ ،‬يــرد فيهــا كــل منه ـل‪ ،‬إال أربــع مســاجد‪ :‬مســجد الحــرام‪ ،‬ومســجد‬
‫المدينة‪ ،‬والطور‪ ،‬ومسجد األقصى‪ ،‬وإ ن شكل عليكم أو شبه فإن اهلل ‪ U‬ليس بأعور"‪.‬‬

‫وأخرج ابن ماجه بسند صحيح أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬


‫سـَّلط على نفس واحــدة فيقتلهــا‪ ،‬ينشـرها بالمنشـار حــتى ُتلقى شـقين‪ ،‬ثم‬
‫"وإ ن من فتنتـه أن ُي َ‬
‫يقول‪ :‬انظروا إلى عبدي هذا‪ ،‬فإني أبعثه ثم يزعم أن لــه ربـًّا غــيري‪ ،‬فيبعثـه اهلل‪ ،‬ويقــول لــه‬
‫الخــبيث‪َ :‬من ربــك؟ فيقــول‪ :‬ربي اهلل‪ ،‬وأنت عــدو اهلل‪ ،‬أنت الــَّد َّج ال‪ ،‬واهلل مــا كنت قــط أشــد‬
‫(صحيح الجامع‪)7875:‬‬ ‫بصيرة بك مني اليوم"‪.‬‬

‫‪ )?(1‬واألرض السبخة‪ :‬هي األرض المالحة والتي ال تنبت زرعًا‪ ،‬وهذه الأراضي تكثر في المدينة‪ ،‬خصوصًا في الشمال‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫هذا الشاب الذي يقتله المسح ثم يحييه هو أعظم الناس شهادة عند اهلل تعالى‬
‫أخرج اإلمام مسلم عن أبي سعيد الخدري ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"يخــرج الــَّد َّج ال فيتوجــه قبلــة رجــل من المؤمــنين‪ ،‬فتلقــاه المســالح(‪ - )1‬مســالح الــَّد َّج ال ‪-‬‬
‫فيقولون لـه‪ :‬أين تعمـد‪ .‬فيقـول‪ :‬أعمـد إلى هـذا الـذي خـرج‪ ،‬قـال‪ :‬فيقولـون لـه‪ :‬أومـا تـؤمن‬
‫بربنا‪ ،‬فيقول‪ :‬ما ربنا خفاءٌ‪ ،‬فيقولون‪ :‬اقتلوه‪ ،‬فيقــول بعضــهم لبعضٍ‪ :‬أليس قــد نهــاكم ربكم‬
‫أن تقتلوا أحدًا دونه؟ قال‪ :‬فينطلقون بـه إلى الـَّد َّج ال‪ ،‬فـإذا رآه المـؤمن قـال‪ :‬يـا أيهـا النـاس‪،‬‬
‫شَّبح(‪ ،)2‬فيقول‪ :‬خـذوه وشـجوه‪،‬‬ ‫هذا الَّد َّج ال الذي ذكر رسول اهلل ‪ ،r‬قال‪ :‬فيأمر الَّد َّج ال به ُ‬
‫في َ‬
‫فيوسع ظهره وبطنه ضرباً‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬أوما تؤمن بي‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬أنت المسيح الكــذاب‪،‬‬
‫قال‪ :‬فيؤمر به فيؤشر بالمئشار(‪ )3‬من َمفِْرقه حتى يفرق بين رجليه‪ ،‬قــال‪ :‬ثم يمشــي الــَّد َّج ال‬
‫بين القطعــتين‪ ،‬ثم يقــول لــه‪ :‬قم؛ فيســتوي قائمــاً‪ ،‬قــال‪ :‬ثم يقــول لــه‪ :‬أتــؤمن بي؟ فيقــول‪ :‬مــا‬
‫ازددت فيـك إال بصـيرة‪ ،‬قـال‪ :‬ثم يقــول‪ :‬يـا أيهــا النـاس‪ ،‬إنـه ال يفعـل بعـدي بأحـ ٍـد من النـاس‪،‬‬
‫قــال‪ :‬فيأخــذه الــَّد َّج ال ليذبحــه‪ ،‬فيجعــل مــا بين رقبتــه إلى َتْرُقوتــه(‪ُ )4‬نحاسـ ًـا‪ ،‬فال يســتطيع إليــه‬
‫سبيالً‪ ،‬قال‪ :‬فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به‪ ،‬فيحسب الناس أنمــا قذفــه إلى النــار‪ ،‬وإ نمــا ألقي‬
‫في الجنة‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ :r‬هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين"‪.‬‬
‫وأخرج اإلمام مسلم عن النواس بن سمعان‪ t‬قال‪:‬‬
‫"ذكر رسول اهلل ‪ r‬الَّد َّج ال ذات غداة‪ ،‬فخفَّض فيه َّ‬
‫ورفع‪ ،‬حتى ظنناه في طائفة النخل‪،‬‬
‫شَبابًا‪ ،‬فيضربه بالسيف فيقطعــه جِزَْل تين(‪،)5‬‬
‫ثم ذكر في الحديث‪ ...‬فقال‪ :‬ثم يدعو رجًال ممتلئًا َ‬
‫اهلل‬
‫َرْمي ـَة الغ ـرض(‪ ،)6‬ثم يــدعوه فيقبــلُ‪ ،‬ويتهلــَّل وجهــه يضــحك‪ ،‬فبينمــا هــو كــذلك‪ ،‬إذ بعث ُ‬
‫المسيح ابن مريم ‪ "...U‬الحديث‬
‫َ‬
‫تنبيهات‪:‬‬

‫‪ )?(1‬المسالح‪ :‬هم المراقبون والخفراء الذي يحملون السالح في مراكز المراقبة‪.‬‬


‫‪ )?(2‬فُيَش َّبح‪ :‬قال النووي‪ : r‬أي مدوه على بطنه‪ ،‬أما الشبح‪ :‬فهو الجرح في الرأس والوجه‪.‬‬
‫‪ )?(3‬فيؤشر‪ :‬قال النووي‪ :‬والمئشار(بهمزة بعد الميم)‪ ،‬وهو األفصح‪ ،‬ويجوز "المنشار"‪ ،‬ويقال‪" :‬يؤشر‪ ،‬وُينشر"‪.‬‬
‫‪ )?(4‬الترقوة‪ :‬هي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق‪.‬‬
‫‪ )?(5‬الجِْز لة‪( :‬بكسر الجيم)‪ :‬القطعة‪.‬‬
‫‪ )?(6‬الغرض‪ :‬الهدف الذي يُرمى بالنشاب‪ ،‬أي يجعل بين القطعتين مقدار رمية الغرض‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ -1‬في حديث النواس‪" : t‬فيضربه بالسيف"‪ ،‬وفي غ يره‪" :‬فينشر بالمنشــار" قــال الحافــظ في‬
‫"الفتح"‪" :‬ورواي ة المنش ار ُتفسِّر رواي ة الس يف‪ ،‬فلع ل الس يف ك ان ب ه فل ول‪ ،‬فص ار كالمنش ار‪ ،‬وأراد‬
‫المبالغة‬
‫في تعذيبه بالقتلة المذكورة‪ ،‬ويكون قوله‪" :‬فضربه بالسيف" مفسرًا لقوله‪" :‬فنشر بالمنشار"اهـ‪.‬‬
‫‪ -2‬يذكر بعض أهل العلم كأبي إسحاق ابراهيم بن سفيان ومعمــر إلى‪ :‬أن ه ذا الش اب ال ذي‬
‫يقتله المسيح الَّد َّج ال إنما هو الخضر‪ ...‬وهذا القول في نظر‪ ،‬ويرده حديث النبي ‪:r‬‬
‫"ما من نفس منفوسة يأتي عليها من اليوم مائة عام وهي على ظهر األرض"‪.‬‬
‫ومعنى الحديث‪ :‬أن كل نفس ال يأتي عليها مائة ع اٍم منذ قال النبي ‪ r‬هذا الحديث إال ستموت‪ ،‬فهذه‬
‫واح دة‪ ،‬أض ف إلى ه ذا إلى أن ه لم ي رد نص ص حيح يفي د أن الخض ر حيٌّ‪ ،‬ول و ك ان حيًّا لش هد م ع‬
‫(إفادة اإلمام النووي ‪)r‬‬ ‫رسول اهلل ‪ r‬مغازيه‪ ،‬وما كان أن يتخلف عنه"‬
‫أن مع‬ ‫‪ -3‬ال يسلط ال َّد َّج ال بالقتل واإلحياء إال على ذلك الشاب مرة واحدة‪ ،‬وما ورد عن حذيفة ‪t‬‬
‫جال رجاالً يقتلهم ثم يحييهم‪ ،‬فإنما هم شياطين‪ ،‬وقتله إياهم ثم إحياؤه لهم‪ ،‬إنما هو في رأي العين‪،‬‬
‫الدَّ َّ‬
‫ال على الحقيقة‪ ،‬ويشهد لذلك الحديث الذي أخرجه ابن ماجه والحاكم بسند صحيح‪:‬‬
‫"أن المسيح الَّد َّج ال يقول لألعرابي‪ :‬أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك‪ ،‬أتشهد أني ربك‪ ،‬فيقــول‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه‪ ،‬فيقوالن‪ :‬يا بني‪ ،‬اتبعه فإنه ربك"‪.‬‬

‫‪ -6‬اِّدعاء الَّد َّجال للربوبية وبطالن هذه الدعوة‪:‬‬


‫وهذه األمور التي أعطاه اهلل إياها؛ لفتنة الناس واختبارهم‪ ،‬تجعل الَّد َّج ال يدَّعي الربوبية‬
‫فقد أخرج ابن ماجه والحاكم عن أبي أمامة‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي‪ ،‬إنه يبدأ فيقول‪ :‬أنا نبي‪ ،‬وال نبي بعــدي‪ ،‬ثم‬
‫يثني فيقول‪ :‬أنا ربكم‪ ،‬وال ترون ربكم حتى تموتــوا‪ ،‬وإ نــه أعــور‪ ،‬وإ ن ربكم ليس بــأعور‪"...‬‬
‫الحديث‬

‫وأخرج اإلمام أحمد في "مسنده" والحاكم عن جابر‪ t‬في حديثه السابق‪:‬‬


‫"فيقول للناس‪ :‬أنا ربكم‪ ،‬وهو أعور‪ ،‬وإ ن ربكم ليس بأعور‪ "...‬الحديث‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫وأخرج اإلمام أحمد عن أبي قالبة عن رجل من الصحابة‪ y‬أن رسول اهلل ‪ r‬قال‪:‬‬
‫فمن قــال‪ :‬لســت بربنــا‪ ،‬ولكن اهلل ربنــا‪ ،‬عليــه توكلنــا‪ ،‬وإ ليــه أنبنــا‪،‬‬
‫"وإ نــه ســيقول‪ :‬أنــا ربكم‪َ ،‬‬
‫( أخرجه أحمد‪ ،‬قال الهيثمي‪ :‬رجاله رجال الصحيح)‬ ‫نعوذ باهلل من شرك؛ لم يكن له عليه سلطان"‬
‫وأخرج البخاري عن سمرة بن جندب ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫صـالح من‬
‫ٌ‬ ‫فمن آمن بـه وصـدقه واتبعـه‪ ،‬فليس ينفعـه‬
‫"وإ نه متى خـرج‪ ،‬فإنـه يـزعم أنـه اهلل‪َ ،‬‬
‫وكذبه‪ ،‬فليس يعاقب بشئ من عمل سلف"‬
‫عمل سلف‪ ،‬ومن كفر به َّ‬
‫جال من األعمال الخارقة ما يروج به باطله من ادعائه للربوبية‪ ،‬ومع كون حاله يكذبه فهو‬
‫ويأتي الدَّ َّ‬
‫كما ذكرنا‪" :‬أفحج فمشيته معيبة‪ ،‬وهو قصير دميم‪ ،‬فكلتا عينيه معيبة‪ ،‬فهو أعور‪ ،‬شعره كثيف أجعد‪،‬‬
‫ومكت وب بين عيني ه‪( :‬ك افر)"‪ ...‬وغ ير ذل ك من ص فات العج ز والعيب‪ ،‬وال تي ال يس تطيع ال َّد َّج ال أن‬
‫ي دفع ه ذا النقص والعيب عن نفس ه‪ ،‬فكي ف ي دَّعي الربوبي ة‪ ،‬أضف إلى هذا قول النـبي ‪ r‬الثـابت‬
‫أحد منكم ربه حتى يموت"‪ .‬مع ذلك تجد أن بعض ًا من‬ ‫في "صحيح مسلم"‪َّ :‬‬
‫"تعلموا أنه لن يرى ٌ‬
‫الناس يتبعونه ويصدقونه في دعواه‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪ ،‬غير أن األتقياء واألنقياء يعلمون أنه‬
‫مسيح الضاللة‪ ،‬وأنه الَّد َّج ال الذي أخبر عنه النبي ‪ ،r‬نسأل اهلل تعالى العلم النافع‪ ،‬والثبات عن د الفتن‬
‫والشدائد‪.‬‬

‫‪ -7‬ومن فتنته أنه ال يترك بلدًا من البلدان إال ودخلها‪:‬‬


‫يقول ابن كثير ‪ r‬كما في "النهاية في الفتن والمالحم" (‪:)1/88‬‬
‫"ومم ا أق دره اهلل علي ه س رعة التنق ل في األرض لتعم فتنت ه‪ ،‬فه و يج وب األرض كله ا بس رعة عظيم ة‬
‫في أربعين يومًا‪ ،‬يأخذ البالد بلدًا بلدًا‪ ،‬وإ قليمًا إقليمًا‪ ،‬وحصنًا حصنًا‪.‬‬
‫ففي "صحيح مسلم" في حديث فاطمة بنت قيس ‪ i‬السابق أن الَّد َّج ال قال لتميم ‪:t‬‬
‫"وإني أوشك أن ُيؤذن لي في الخـروج‪ ،‬فـأخرج فأسـير في األرض‪ ،‬فال أدع قريـة إال هبطتهـا‬
‫في أربعين ليلة‪ "...‬الحديث‬

‫‪50‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫والَّد َّج ال ال يترك أرضًا إال وطئها‪ ،‬إال مكة والمدينة‬


‫‪ -‬فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪.‬‬
‫(صحيح الجامع‪)5430:‬‬ ‫"ليس من بلد إال سيطؤه الَّد َّج ال‪ ،‬إال مكة والمدينة"‬
‫‪ -‬وفي رواية أخرى عند ابي ماجــه وابن خزيمـة والحــاكم عن أبي أمامــة ‪ t‬أن النــبي ‪r‬‬
‫قــال‪" :‬وإنــه ال يبقى شــيء من األرض إال وطئــه‪ ،‬وظهــر عليــه‪ ،‬إال مكــة والمدينــة‪ ،‬ال يأتيهمــا‬
‫(صحيح الجامع‪)7875 :‬‬ ‫من نقب من أنقابها إال لقيته المالئكة بالسيوف صلتة‪" ...‬‬

‫قال‪ :‬قال رســول اهلل‪:r‬‬ ‫اهلل‪K‬‬ ‫‪ -‬وأخرج اإلمام أحمد والحاكم في "المستدرك" عن جابر بن عبد‬
‫"وله أربعون يومًا يسيحها في األرض؛ َيِرُد كل ماء ومنهل‪ "...‬الحديث‬

‫‪ -‬وعند أحمد بلفظ‪ُ ":‬تطوَى له األرض في أربعين يومًا"‬

‫‪ -‬وأخرجه الطبراني بلفظ‪" :‬يسيح في األرض أربعين يومًا‪ ،‬يرد كل بلدة"‪.‬‬

‫والسؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬كيف يستطيع الَّد َّجال أن يطأ جميع األرض في هذه المدة اليسيرة؟‬ ‫‪‬‬
‫والجواب ما قاله النبي ‪ r‬في الحديث الذي أخرجه اإلمام مسلم عن النواس بن سمعان‪:t‬‬
‫"إنه خارج خًُّلة بين الشام والعراق‪ ،‬فعاث يمينًا‪ ،‬وعاث شماًال‪ ،‬يا عباد اهلل‪ ،‬فاثبتوا‪ ،‬قلنا‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬وما لبثه في األرض؟ قال‪ :‬أربعون يومـًا‪ .‬قلنـا‪ :‬يـا رسـول اهلل‪ ،‬ومـا إسـراعه في‬
‫األرض‪ ،‬قال‪ :‬كالغيث استدبرته الريح(‪ "...)1‬الحديث‬

‫‪ )?(1‬أي‪ :‬كالغيم الذي تدفعه الريح‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫الَّد َّج ال ال يدخل مكة وال المدينة‬


‫يقص د ال َّد َّج ال المدين ة المن ورة‪ ،‬فال يس تطيع دخوله ا‪ ،‬ذل ك أن اهلل حمى مك ة والمدين ة من ال َّد َّج ال‬
‫والطاعون‪ ،‬ووكَّل حفظها إلى مالئكته‪.‬‬
‫‪ -‬أخرج البخاري عن أبي هريرة ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫وال الَّد َّج ال"‬ ‫(‪)2‬‬
‫"على أنقاب(‪ )1‬المدينة مالئكة ال يدخلها الطاعون‬
‫‪ -‬وأخرج البخاري عن أبي بكرة ‪ t‬عن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫أبواب‪ ،‬على كل باب ملكان"۔‬
‫ٍ‬ ‫"ال يدخل المدينة رعب المسيح الدجال‪ ،‬لها يومئذ سبعة‬
‫‪ -‬أخرج اإلمام أحمد عن أبي بكرة ‪ t‬قال‪:‬‬
‫"أكــثر النــاس في ُمســيلمة قبــل أن يقــول رســول اهلل ‪ r‬فيــه شــيئاً‪ ،‬فقــام رســول اهلل ‪ r‬خطيبـ ًـا‬
‫ـذابا‬
‫فقــال‪ :‬أمــا بعــدُ‪ ،‬ففي شــأن هــذا الرجــل الــذي قــد أكــثرتم فيــه‪ ،‬وإ نــه كـ َّـذاب من ثالثين كـ ً‬
‫يخرجون بين يدي الساعة‪ ،‬وإنه ليس من بلدة إال يبلغها رعب المسيح إال المدينـة‪ ،‬على كـل‬
‫نقب من نقابها ملكان َيُذَّبان عنها رعب المسيح"‬
‫‪ -‬وأخرج اإلمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة ‪ t‬عن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"يــأتي المســيح من ِقب ـَل المشــرق‪ ،‬وهمتــه المدينــة‪ ،‬حــتى إذا جــاء ُدب ـُر ُأح ـُد تلقتــه المالئكــة‪،‬‬
‫(الصحيحة‪)1771:‬‬ ‫فضربت وجهه قبل الشام‪ ،‬هنالك يهلك‪ ،‬هنالك يهلك"‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫وج اءت بعض الرواي ات ت بيِّن أن ال َّد َّج ال ال ي دخل أربع ة مس اجد‪ :‬المس جد الح رام‪ ،‬ومس جد المدين ة‪،‬‬
‫ومسجد الطور‪ ،‬والمسجد األقصى۔‬
‫فقد أخرج اإلمام أحمد عن جنادة بن أبي أمية األزدي قال‪:‬‬
‫"ذهبت أنا ورجــل من األنصـار إلى رجــلٍ من أصـحاب النـبي ‪ ،r‬فقلنـا‪ :‬حـ ِّـدْثنا بمـا سـمعت من‬
‫رسول اهلل ‪ r‬يذكر من الَّد َّج ال‪ ،‬فذكر الحديث وفيه‪" :...‬وأنه يمكث في األرض أربعين صــباحًا‪،‬‬
‫يبلــغ فيهــا كــل منهــل‪ ،‬وال يقــرب أربعــة مســاجد‪ :‬مســجد الحــرام‪ ،‬ومســجد المدينــة‪ ،‬ومســجد‬
‫الطور‪ ،‬ومسجد األقصى"‬
‫‪ ‬المنافقون يخرجون من المدينة‪:‬‬

‫‪ ))1‬المراد باألنقاب هنا‪ :‬المداخل‪ ،‬وفي "اللسان"‪ :‬النقب‪ ،‬والنقب‪ :‬الطريق‪ ،‬وقيل‪ :‬الطريق الضيق في الجبل‪.‬‬
‫‪ ) )2‬الطاعون‪ :‬بثور أو أورام تظهر في الجسم‪ ،‬مع التهاب شديد ومؤٍذ جدًا‪ ،‬وهو مرض معد‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫مرَّ بنا أن الَّد َّج ال ال يدخل مكة وال المدينة‪ ،‬مع العلم أن في المدينة ومكة منافقين وفسقة‪ ،‬فكيف يصل‬
‫ال َّد َّج ال إليهم؟ يخبرنا عن هذا النبي ‪ r‬ويُِّبين لنا أنهم هم الذين سيخرجون إليه‪ ،‬حيث ترجف المدينة‬
‫بأهلها ثالث رجفات‪ ،‬فيخرج أهل النفاق والفسق‪ ،‬فتتخلص المدينة من خبثها‪ ،‬ويُدعى ذلك اليوم‪" :‬يوم‬
‫الخالص"‪.‬‬

‫فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك ‪ t‬عن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬


‫"ليس من بل ــد إال س ــيطؤه ال ــَّد َّج ال(‪ ، )1‬إال مك ــة والمدين ــة‪ ،‬ليس ل ــه من نقابه ــا نقب إال علي ــه‬
‫اهلل كــل كــافر‬
‫فيخـْرج ُ‬
‫ـات (‪ُ ،)2‬‬
‫المالئكة صافين يحرسونها‪ ،‬ثم ترجف المدينة بأهلها ثالث رجفـ ٍ‬
‫ومنافق"‬

‫وفي رواية عند البخاري ومسلم‪:‬‬


‫بلد إال سيطؤه الَّد َّج ال‪ ،‬إال مكة والمدينة‪ ،‬وليس نقب من أنقابهــا إال عليــه المالئكــة‬
‫"ليس من ٍ‬
‫فترجف المدينة بأهلهــا ثالث رجفــات‪ ،‬يخــرج إليــه منهــا‬ ‫(‪)3‬‬
‫حافين‪ ،‬تحرسها‪ ،‬فينزل بالسبخة‬
‫كل كافر ومنافق"‬

‫‪ ))1‬قال الحافظ ‪ r‬في "الفتح" (‪" :)4/96‬قوله‪" :‬ليس من بلد إال سيطؤه الَّدَّجال"‪ ،‬هو على ظاهره وعمومه عند الجمهور‪ ،‬وشذ ابن حزم فقال‪" :‬المراد‪ :‬أال‬
‫يدخله بعُثه وجنوده‪ ،‬وكأنه استبعد إمكان دخول الَّد َّج ال جميع البالد لقصر مدته‪ ،‬وغفل عما ثبت في "صحيح مسلم"‪" :‬أن بعض أيامه يكون قدر الَّس َنة"‬
‫‪ ))2‬قال الحافظ‪" :‬أي‪ :‬يحصل لها زلزلة بعد أخرى‪ ،‬ثم ثالثة‪ ،‬حتى يخرج منها َم ن ليس مخلصًا في إيمانه‪ ،‬ويبقى بها المؤمن الخـالص‪ ،‬فال يسـلط‬
‫عليـه الـَّدَّجال‪ ،‬وال يعـارض هـذا مـا في حـديث أبي بكـرة‪" :‬أنـه ال يـدخل المدينـة رعب الـَّدَّجال"‪ ،‬ألن المـراد بـالرعب‪ :‬مـا يحـدث من الفـزع من ذكـره‬
‫والخوف من عتوه‪ ،‬ال الرجفة التي تقع بالزلزلـة إلخـراج َم ن ليس بمخلص‪ ،‬وحمـل بعض العلمـاء الحـديث الـذي فيـه‪" :‬أنهـا تنفي الخبث على هـذه‬
‫الحالة دون غيرها‪ ،‬وقد تقَّدم أن الصحيح في معناه‪ :‬أنه خاص بناس وبزمان‪ ،‬فال مانع أن يكون هذا الزمان هــو المــراد‪ ،‬وال يلــزم من كونــه مــرادًا نفي‬
‫غيره‪ .‬واهلل أعلم۔‬
‫‪ ))3‬السبخة‪ :‬األرض الرملية التي ال تنبت لملوحتها وبعض أراضي المدينة كذلك‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫وأخرج اإلمام أحمد والحاكم عن محجن بن األدرع‪ :‬أن رسول اهلل ‪ r‬خطب الناس فقال‪:‬‬
‫"يوم الخالص‪ ،‬وما يوم الخالص؟ يوم الخالص‪ ،‬وما يـوم الخالص؟ يـوم الخالص‪ ،‬ومـا يـوم‬
‫الخالص؟ ثالثاً‪ ،‬فقيل له‪ :‬وما يوم الخالص؟ قال‪ :‬يجيء الَّد َّج ال فيصعد ُأحُدًا‪ ،‬فينظر المدينــة‬
‫فيقول ألصحابه‪ :‬أترون هذا القصر األبيض؟ هذا مسجد أحمد (‪ ،)1‬ثم يأتي المدينة فيجــد بكــل‬
‫نقب منهــا ملك ـًا ُمصــلتًا (‪ ،)2‬فيــأتي ســبخة الحــرف فيض ـرب رواقــه‪ ،‬ثم ترجــف المدينــة ثالث‬
‫رجفات (‪ ،)3‬فال يبقى منافق وال منافقة وال فاسق وال فاسقة إال خرج إليه فذلك يوم الخالص"‬

‫وفي رواية عن ابن ماجه والحاكم أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬


‫"وإ نه ال يبقى شيء من األرض إال وطئه وظهر عليه‪ ،‬إال مكــة والمدينــة‪ ،‬ال يأتيهمــا من نقب‬
‫من أنقابهما إال لقيته المالئكة بالسيوف صلتة‪ ،‬حتى ينزل عند الضريب األحمر‪ ،‬عند منقطــع‬
‫الســبخة‪ ،‬فــترجف المدينــة بأهلهــا ثالث رجفــات‪ ،‬فال يبقى فيهــا منــافق وال منافقــة إال خــرج‬
‫إليـه‪ ،‬فتنفي الخـبيث منهـا‪ ،‬كمـا ينفي الكـير خبث الحديـد‪ ،‬ويـُدعَى ذلـك اليـوم‪ :‬يـوم الخالص‪،‬‬
‫قيل‪ :‬فأين العرب يومئذ ؟ قال‪ :‬هم يومئذ قليل‪"...‬‬
‫(صحيح الجامع‪)7875 :‬‬

‫‪ ))1‬وهذا من معجزات النبي‪ ، r‬فإن مسجده كان في عهده مبنيـاً من لبن وطين‪ ،‬ومن سـعف النخـل وجريـده‪ ،‬وكـان أرضـه مفروشـة بالحصـباء‪،‬‬
‫وال يمكن رؤيته من بعيد‪ ،‬وهذا الحديث يظهر صدق نبوة النبي ‪ r‬حيث أخبر أنه سيرتفع بناء المسجد‪ ،‬ويكون لونه أبيض‪.‬‬
‫‪ )?(2‬مصلتًا‪ :‬أي رافعًا سيفه مانعًا له من دخول المدينة‪.‬‬
‫‪ ))3‬رجفات‪ :‬أي ثالث هزات‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫َأتْــبـــ ُ‬
‫اع الـَّد َّج ـــال‬
‫الشك أن الَّد َّج ال مع تعدد قدراته‪ ،‬وتنوُّع فتنته‪ ،‬واستعماله ألساليب مختلفة إلضالل الناس وجرِّهم إلى‬
‫اِّتَباعه‪ ،‬واعتقاد ألوهيته‪ ،‬الشك أن ذلك كله يفتن أعدادًا من الناس به‪ ،‬فيتَِّبُعونه رغبة فيما عنده‪ ،‬أو‬
‫رهبة مَّما عنده‪ ،‬أو حرصًا على حرب اإلسالم وأهله‪ ،‬ومن هؤالء‪-:‬‬
‫‪ -1‬اليهود‪:‬‬
‫فقد أخرج اإلمام مسلم عن أنس ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"يتبع الَّد َّج ال من يهود أصفهان (‪ )1‬سبعون ألفًا‪ ،‬عليهم الطيالسة (‪")2‬‬
‫‪ -‬وأخرج اإلمام أحمد عن جابر ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ r‬ذكر الَّد َّج ال فقال‪:‬‬
‫"يكون معه سبعون ًألفا من اليهود‪ ،‬على كل رجل منهم ساج (‪ )3‬وسيف"‬
‫ولكن لماذا يكون أكثر أتباع الَّد َّج ال هم اليهود ؟‬
‫والجواب‪ :‬إن من عقيدة اليهود في ال َّد َّج ال‪ :‬أنه هو مسيح اليهود المنتظر‪ُ ،‬‬
‫ويسمَّى المسيح بن داود‪،‬‬
‫سمونه في كتبهم‪" :‬الميسياه"‬
‫وي ِّ‬
‫والذي يأتي ويقيم لهم دولة اليهود‪ُ ،‬‬
‫وقد جاء في التلمود عندهم‪:‬‬
‫لم ا ي أتي المس يح (يقص دون ال َّد َّج ال) تط رح األرض فط يرًا‪ ،‬ومالبسَ من ص وف‪ ،‬وقمح ًا َ‬
‫حبُّه بق در‬
‫كالوي الثيران الكبيرة‪ ،‬وفي ذلك الزمان ترجع السلطة لليهود‪ ،‬وكل األمم تخدم ذلك المسيح وتخضع‬
‫له‪ ،‬وفي ذلك الوقت يكون لكل يهودي ألفان وثمانمائة عبد يخدمونه‪ ،‬وثالثمائة وعشرة أكوان تحت‬
‫س لطته‪ ،‬ولكن ال ي أتي المس يح إال بع د انقض اء حكم األش رار‪ ،‬ويتحق ق منتظ ر األم ة اليهودي ة بمجيء‬
‫إسرائيل‪ ،‬وتكون تلك األمة هي المتسلطة على باقي األمم عند مجيئه۔ اهـ‬
‫(‪)4‬‬
‫ولذلك تجد أن اليهود يستحثون في صلواتهم المسيح الَّد َّج ال للخروج‪ ،‬وخصصوا ليلة عيد الفصح‬
‫اليهودي‪ ،‬بأدعية خاصة بذلك‪.‬‬

‫‪)?( 1‬أصفهان‪ :‬مدينة إيرانية تقع في وسط إيران‪ ،‬تبعد عن طهران (العاصمة اإليرانية) ‪340‬كم تقريبًا جنوبـًا‪ ،‬ويســكنها حســب المصــادر الرســيمة‬
‫من ‪ 30-25‬ألف يهودي‪ ،‬ومساحة مدينة أصفهان‪ 105.937‬كم‪2‬‬
‫سَدل على بقية البدن‪.‬‬
‫وي ْ‬
‫‪)?(2‬الطيالسة‪ :‬جمع "طيلسان"‪ ،‬وهو نوع من أنواع الثياب‪ ،‬خال من التفصيل والخياطة‪ُ ،‬يَلبس على الرأس ُ‬
‫سميه "ساجًا"‪.‬‬
‫‪ )?(3‬والساج‪ :‬هو الطيلسان‪ ،‬والجمع‪" :‬سيجان"‪ ،‬وهو لباس اليهود والعجم قديماً‪ ،‬والعرب ُت ِّ‬
‫‪ )?(4‬عيد من أعياد اليهود المعظمة عندهم‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ -2‬ومن أتباعه الكفار والمنافقون‪:‬‬


‫ودليل ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"ليس من بلد إال سيطؤه الَّد َّج ال‪ ،‬إال مكة والمدينة‪ ،‬وليس نقب من أنقابها إال عليها المالئكــة‬
‫حافين تحرسها‪ ،‬فينزل بالسبخة‪ ،‬فترجف المدينة بأهلها ثالث رجفـات‪ ،‬يخـرج إليـه منهـا كـل‬
‫كافر ومنافق"‬

‫‪ -3‬ومن أتباعه قوم وجوههم كالمجان المطرقة‪:‬‬


‫فقد أخرج اإلمام أحمد عن أبي هريرة ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"لينزلن الَّد َّج ال خوز (‪ )1‬وكرمان (‪ )2‬في سبعين ألفًا وجوههم كالمجان المطرقة (‪" )3‬‬
‫وفي لفظ آخر عند اإلمام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبي بكر ‪ t‬أن النــبي ‪r‬‬
‫قال‪" :‬إن الَّد َّج ال يخرج من ِقبل المشرقِ‪ ،‬من مدينة يقال لها‪ :‬خُراسان‪ ،‬يتبعه أقوام"‬
‫‪ -‬وفي رواية‪ :‬أفواج ‪ -‬كأن وجوههم ِ‬
‫المجانُّ المطرقة"‬
‫(صححه الألباني في صحيح ابن ماجه‪( ،)4072:‬صحيح الجامع‪)1607 :‬‬

‫والمقصود بهم بعض األعاجم‪ ،‬وبعض قبائل الترك‪ ،‬ومنهم المغول والتتار‪.‬‬

‫‪ -4‬ومن أتباعه جهلة األعراب‪:‬‬


‫فقد أخرج ابن ماجه والحاكم عن أبي أمامة ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال في حديث طويل‪:‬‬
‫عثت لك أباك وأمك‪ ،‬أتشهد أني ربــك؟ فيقــول‪:‬‬
‫"وإ ن من الفتنة أن يقول لألعرابي‪ :‬أرايت إن َب ُ‬
‫نعم‪ ،‬فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه‪ ،‬فيقوالن‪ :‬يابني‪ :‬اتبعه‪ ،‬فإنه ربك"‬
‫(صحيح الجامع‪)7875 :‬‬

‫‪ -5‬ومن أكثر أتباعه كذلك النساء‪:‬‬


‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬ ‫‪K‬‬ ‫فقد أخرج اإلمام أحمد عن ابن عمر‬
‫‪ )?(1‬خوز‪ :‬تسَّم ى اآلن إقليم خوز ستان غربي إيران‪.‬‬
‫‪ )?( 2‬كرمان‪ :‬إقليم في الجنوب الشرقي في إيران‪.‬‬
‫‪ )?(3‬وجـوههم كالمجـان المطرقـة‪ :‬أي أن رءوسـهم قصـيرة‪ ،‬ووجـوههم بيضـاوية أو مسـتديرة‪ ،‬وفي نفس الـوقت مسـطحة بسـبب بـروز وارتفـاع‬
‫عظــام الخــدود والوجنــات‪ ،‬وتكوينــات العيــون واألنــف‪ ،‬حيث يبــدو محــور العين بائنـًا‪ ،‬والمجــان‪ :‬جمــع "ِم َج ّن "‪ ،‬والمجن‪ :‬هــو الــترس‪ ،‬والُم ْطَر قــة أو‬
‫"الُم َطرقة" هي صفة لهذه الـتروس‪ ،‬أي أن وجـوه هـؤالء األقـوام الـذين يتبعـون الـَّدَّجال عريضـة ومكتـنزة لحمـًا‪ ،‬وشـبه وجـوههم بـالترس لبسـطها‬
‫وتدويرها‪ ،‬وبالمطرقه لغلظها وكثرة لحمها‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫"ي ـنزل الــَّد َّج ال في هــذه الســبخة بمرقنــاة (‪ ،)1‬فيكــون أكــثر َمن يخــرج إليــه النســاء‪ ،‬حــتى إن‬
‫الرجــل لــيرجع إلى حميمــه وإ لي أمــه وابنتــه وأختــه وعمتــه فيوثقهــا رباطـًا مخافــة أن تخــرج‬
‫إليــه‪ ،‬ثم يســلط اهلل المســلمين عليــه‪ ،‬فيقتلونــه ويقتلــون شــيعته‪ ،‬حــتى إن اليهــودي ليختــبيء‬
‫تحت الشجرة أو الحجر‪ ،‬فيقول الحجر أو الشجرة للمسلم‪ :‬هذا يهودي تحتي فاقتله"‬
‫(صححه أحمد شاكر ‪)r‬‬

‫وفي رواية أخرى عند الطبراني في "األوسط" عن أبي هريرة ‪ t‬عن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"ينزل الَّد َّج ال المدينة‪ ،‬ولكنه بين الخندق‪ ،‬وعلى كل نقب منها مالئكة يحرسونها"‬

‫‪ ‬أشد الناس على الَّد َّج ال هم بنو تميم‬


‫جال‪ ،‬وبنو تميم قبيلة مشهورة من قبائل العرب‪.‬‬
‫َّبين النبي ‪ r‬أن بني تميم هم أشد الناس على الَّد َّ‬
‫أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة ‪ t‬قال‪:‬‬
‫"ال أزال أحب بني تميم بعد ثالث سمعتهن من رسول اهلل ‪ r‬يقولها فيهم‪ :‬هم أشد أمــتي على‬
‫الَّد َّج ال (‪")2‬‬
‫وكانت فيه سبيَّة عند عائشة فقال‪" :‬أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل"‬
‫وجاءت صدقاتهم فقال‪" :‬هذه صدقات قوم أو قومي"‬

‫وجاء صراحة أنهم أطول الناس رماحًا على الَّد َّج ال‬
‫فقد أخرج اإلمام أحمد‪:‬‬
‫"أن رجًال نـال من تميم عنـد النـبي ‪ ،r‬فقــال‪ :‬ال تقــل لبـني تميم إال خــيرًا‪ ،‬فـإنهم أطــول النـاس‬
‫رماحًا على الَّد َّج ال"‬

‫حد‪( .‬معجم البلدان)‪.‬‬


‫بأ ُ‬
‫واد بالمدينة يأتي من الطائف‪ ،‬ويمر بطرف القدوم في أصل قبور الشهداء ُ‬
‫‪ ))1‬مرقناة‪ٍ :‬‬
‫‪ ))2‬قال الحافظ في "الفتح"(‪ :)5/172‬في رواية الشعبي عن أبي هريرة ‪ t‬عند مسلم‪" :‬هم أشد الناس قتاًال في المالحم"‪ ،‬وهي أعم من روايــة أبي‬
‫زرعة‪ ،‬ويمكن أن يحمل العـام في ذلـك على الخـاص‪ ،‬فيكـون المـراد بـالمالحم‪ :‬أكبرهـا وهـو‪ :‬قتـال الـَّدَّجال‪ ،‬أو‪ :‬ذكـر الـَّدَّجال‪ ،‬ليـدخل غـيره بطريـق‬
‫األولى"‬

‫‪57‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫المدة التي يمكثها الَّد َّج ال في األرض‬


‫ورد أن ال َّد َّج ال يمكث في األرض بع د خروج ه أربعين يوم ًا‪ ،‬الي وم األول من األربعين يم ر كالس نة‪،‬‬
‫واليوم الثاني من الأربعين يمضي كشهر‪ ،‬واليوم الثالث كأسبوع‪ ،‬وسائر األيام األخرى كأيامنا‪.‬‬
‫فقد أخرج اإلمام مسلم عن فاطمة بنت قيس ‪ i‬أن الَّد َّج ال قال لتميم الداري ‪t:‬‬
‫فأسير في األرض‪ ،‬فال أدعُ قرية إال هبطتها في أربعين ليلة‪ "...‬الحديث‬
‫ُ‬ ‫" فأخرجُ‬

‫وأخرج اإلمام أحمد من حديث جنادة بن أمية األزدي عن رجل من أصحاب النــبي ‪ r‬وفي‬
‫الحــديث‪" :‬وإنــه يلبث فيكم أربعين صــباحًا‪ ،‬يــَِرُد فيهــا كــل منهــل‪ ،‬إال أربــع مســاجد‪ :‬مســجد‬
‫الحرام‪ ،‬ومسجد المدينة‪ ،‬ومسجد الطور‪ ،‬واألقصى‪ "....‬الحديث‬

‫وفي "صحيح مسلم" عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص ‪ K‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"يخ ــرج ال ــَّد َّج ال في أم ــتي‪ ،‬فيمكث أربعين‪ ،‬فيبعث اهلل عيس ــىي ابن م ــريم‪ :‬كأن ــه ع ــروة بن‬
‫مسعود الثقفي‪ ،‬فيطلبه‪ ،‬فيهلكه"‬
‫‪ -‬وفي رواية‪ :‬قال عبد اهلل‪ :‬ال أدري أربعين يومًا‪ ،‬أو أربعين شهرًا‪ ،‬أو أربعين عامًا"‬

‫لكن جاءت رواية توضح المقصود باألربعين وكيفيتها‬


‫ففي "صحيح مسلم" عن النواس بن سمعان‪: t‬‬
‫سنٍَة ‪ ،‬ويوم كشهرٍ‪ ،‬ويــوم‬ ‫"قلنا يا رسول اهلل‪ ،‬وما َلْبُثُه في األرض؟ قال‪ :‬أربعون يومًا‪ :‬يوم َك َ‬
‫كجمعة‪ ،‬وساِئر أيامه كأيامكم‪ ،‬قلنا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬فذاك اليوم الذي َك َس َنٍة ‪ ،‬أتكفينا فيــه صــالة‬
‫ٍ‬
‫يوم؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬اقدروا له قدره‪ "...‬الحديث‬

‫‪58‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫مالحظات وتنبيهات‪:‬‬
‫‪ -1‬هذا الحديث على ظاهرة‪ ،‬وهذه األيام الثالثة طويلة على ما ذكر في الحديث۔‬
‫يقول اإلمام النووي ‪ r‬كما في "شرح مسلم" (‪:)18/88‬قال العلماء‪:‬‬
‫هذا الحديث على ظاهره‪ ،‬وهذه الأيام الثالث ة طويل ة على ه ذا الق در الم ذكور في الح ديث‪ ،‬يدل عليه‬
‫قوله ‪" :r‬وسائر أيامه كأيامكم"‬

‫‪ -2‬تقدير أوقات الصالة في األيام غير العادية‪:‬‬


‫وقوله ‪" :r‬اقدروا له" معناه‪ :‬أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينها وبين الظهر كل يوم‬
‫فصلُّوا الظهر‪ ،‬ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصُّلوا العصر‪ ،‬فإذا مض ى بعد هذا‬
‫ق در م ا يك ون بينه ا وبين المغ رب فص ُّلوا المغ رب‪ ،‬وك ذا العش اء والص بح‪ ،‬ثم الظه ر ثم العص ر ثم‬
‫المغرب‪ ،‬وهكذا حتى ينقضي ذلك اليوم‪ ،‬وقد وقع فيه صلوات سنة‪ ،‬كلها مؤداة في وقتها‪ ،‬وأما اليوم‬
‫الثاني الذي كشهر‪ ،‬والثالث الذي كجمعة‪ ،‬فقياس اليوم األول أن يقدر لهما كاليوم األول‪.‬‬
‫وه ذا حكم فقهي للح االت ال تي تك ون فيه ا األي ام غ ير عادي ة‪ ،‬كأي ام القطب الش مالي والجن وب‪ ،‬حيث‬
‫يك ون النه ار س تة أش هر‪ ،‬واللي ل س تة أشهر‪ ،‬وك ذلك األي ام القص ار‪ ،‬الحكم فيه ا حكم ص احب الشرع‪،‬‬
‫فاألوقات عند اإلشكال ُتصلَّى بالتقدير والتحرِّي‪.‬‬
‫ولوال هذا الحديث‪ ،‬ووكلنا إلى اجتهادنا‪ ،‬القتصرنا فيه على الصلوات الخمس‪ ،‬عند األوقات المعروفة‬
‫في غيره من األيام؛ ألن سبب وجوب كل صالة إنما هو وقتها المقدر والمعلم بحدث‪ ،‬كطلوع الفجر‬
‫ودل وك الش مس وغروبه ا‪ ...‬وغ ير ذل ك‪ ،‬وه ذا ال يتص ور إال بتحقي ق تع دُّد األي ام واللي الي على وج ه‬
‫(شــرح مســلم‬ ‫الحقيق ة‪ ،‬وه و مفق ود في ذل ك الي وم ومثل ه"‬
‫للنووي‪)18/66 :‬‬

‫أتكفينا فيه صالة يوم؟ علمت مدى حرص الصحابة على دينهم‬ ‫‪ -3‬إذا نظرت إلى قول الصحابة ‪y‬‬
‫والسؤال عن الصالة‪ ،‬وهذه هي قضيتهم األولى التي تشغلهم‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫هالك المسيح الَّد َّج ال والقضاء على فتنته‪ ،‬وإهالك أتباعه من اليهود‬
‫اليهود ينتظرون المسيح ال َّد َّج ال‪ ،‬ويطلقون عليه اسم "المُ َ‬
‫خِّلص أو "الملك المُْلِهم"‪ ،‬ويعتقدون أنه الذي‬
‫يقودهم لزعامة العالم‪ ،‬ولكنه في واقع األمر وحقيقته يقودهم لحتفهم وهالكهم‪ ،‬حيث يظهر ال َّد َّج ال من‬
‫خراس ان‪ ،‬فيم ر بأص بهان حيث يتبع ه كث ير من اليه ود‪ ،‬فيكون ون جن ده‬
‫جه ة المش رق‪ ،‬من بالد ُ‬
‫وأعوان ه‪ ،‬ثم يس لك طريق ًا بين الش ام والع راق‪ ،‬مس رعًا نح و الحج از‪ ،‬قاص دًا الاس تيالء على مك ة‬
‫والمدين ة‪ ،‬ويح اول جاه دًا اقتحامهم ا‪ ،‬وال س يما المدين ة‪ ،‬غ ير أن المالئك ة تص دَّه عنه ا‪ ،‬في نزل م ع‬
‫عسكره في ضاحية المدينة‪ ،‬ويضرب قبته‪ ،‬فيخرج إليه شرار أهلها‪ ،‬ثم تصرف المالئكة وجهه قبل‬
‫الشام‪ ،‬فيحاصر المسلمين فيها‪.‬‬
‫وفي هذا الوقت ينزل عيسى ‪U‬من السماء عند المنارة البيضاء شرقي دمشق‪ ،‬ويأتي إلى المه دي ومَن‬
‫مع ه من المس لمين‪ ،‬وص الة الفج ر يُقَام له ا‪ ،‬فيص لي خل ف المه دي‪ ،‬وم ا أن ينته وا من الص الة ح تى‬
‫يلت ف حول ه المس لمون‪ ،‬فيق ول عيس ى ‪" :U‬اْخ رج وا بن ا إلى ع دو اهلل‪ ،‬فيقت ل عيس ى ‪ U‬المس يح ال َّد جال‪،‬‬
‫ويقت ل المس لمون اليه ود‪ ،‬ح تى يق ول الحج ر والش جر‪ :‬ي ا مس لم‪ ،‬ي ا عب د اهلل‪ ،‬ه ذا يه ودي خلفي تع ال‬
‫فاقتله‪ ،‬إال الغرقد فإنه من شجر اليهود"‬
‫ودليل ذلك ما أخرجه الحاكم في "المستدرك" عن أبي الطفيل قال‪:‬‬
‫"كنت بالكوفة‪ ،‬فقيل‪ :‬خرج الَّد َّج ال‪ ،‬قال‪ :‬فأتينا على حذيفة بن أسيد وهو يحــدث‪ ،‬فقلت‪ :‬هــذا‬
‫الَّد َّج ال قد خرج‪ ،‬فقال‪ :‬اجلس‪ ،‬فجلست فأتى على العريف‪ ،‬فقال‪ :‬هذا الَّد َّج ال قد خرج وأهل‬
‫الكوف ــة يطاعنون ــه‪ ،‬ق ــال‪ :‬اجلس‪ ،‬فجلس‪ ،‬فن ــودي‪ :‬إنه ــا كذب ــة ص ــباغ‪ ،‬ق ــال‪ :‬فقلن ــا‪ :‬ي ــا أب ــا‬
‫ألمر‪ ،‬فحــدثنا‪ ،‬قــال‪ :‬إن الــَّد َّج ال لــو خـرج في زمــانكم لرمتــه الصــبيان‬
‫سريحة‪ ،‬ما أجلستنا إال ٍ‬
‫بالخزف‪ ،‬ولكن الَّد َّج ال يخرج في بغضٍ من الناس‪ ،‬وخفة من ال ـدين‪ ،‬وسـوِء ذات بين‪ ،‬فيـَِرد‬
‫فتطــْوَى لــه األرض طي فــروة الكبش‪ ،‬حــتى يــأتي المدينــة فيغلب على خارجهــا‬ ‫كــل منهــل‪ُ ،‬‬
‫ويمنع داخلها‪ ،‬ثم جبـل إيليـاء فيحاصـر عصـابة من المسـلمين‪ ،‬فيقــول لهم الــذين عليهم‪ :‬مـا‬
‫تنتظرون بهذه الطاغيــة أن تقــاتلوه حــتى تلحقــوا باهلل أو يفتح لكم؟ فيــأتمرون أن يقــاتلوه إذا‬
‫ويهزم أصحابه‪ ،‬حتى إن الشــجر‬ ‫فيقتل الَّد َّج ال ُ‬
‫أصبحوا‪ ،‬فيصبحون ومعهم عيسى ابن مريم‪ُ ،‬‬
‫والحجر والمدر يقول‪ :‬يا مؤمن‪ ،‬هذا يهودي عندي فاقتله"‬
‫قال‪ :‬وفيه ثالث عالمات‪ :‬هو أعور‪ ،‬وربكم ليس بأعور‪ ،‬ومكتوب بين عينيه‪( :‬كافر) يقــرأه‬
‫كــل مــؤمن‪ :‬أمي وكــاتب‪ ،‬وال ُيســخَّر لــه من المطايــا إال الحمــار‪ ،‬فهــو رجس على رجس‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬أنا لغير الَّد َّج ال أخوف علَّي وعليكم‪ ،‬قال‪ :‬فقلنا‪ :‬ما هو يا أبــا ســريحة؟ قــال‪ :‬فتنٌ كأنهــا‬
‫قطــع الليــل المظلم‪ ،‬قــال‪ :‬فقلنــا‪ :‬أي النــاس فيهــا شــر؟ قــال‪ :‬كــل خطيب مصــقع‪ ،‬وكــل راكب‬
‫بـالغني وال‬
‫ِّ‬ ‫موضع‪ ،‬قال‪ :‬فقلنا‪ :‬أي الناس فيها خير؟ قال‪ :‬كل غني خفي‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬مـا أنـا‬

‫‪60‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫فكن كابنِ اللبون‪ ،‬ال ظهر فيركب‪ ،‬وال ضرع فيحلب"‬


‫بالخفيِّ‪ ،‬قال‪ُ :‬‬
‫‪ -‬وأخرج اإلمام أحمد عن عائشة ‪ i‬في حديث طويل وفيه‪:‬‬
‫"إنــه يخــرج من يهوديــة أصــفهان‪ ،‬حــتى ي ـأتي المدينــة‪ ،‬فيــنزل ناحيتهــا؛ فيخــرج إليــه شــرار‬
‫أهلها‪ ،‬حتى يأتي الشام‪ ،‬وينزل عيسى ابن مريم فيقتله"‬
‫‪ -‬وأخرج البخــاري عن ســمرة بن جنــدب في حــديث عن النــبي‪ r‬أنــه كــان يحــدث عن الـَّد َّج ال‬
‫فقال‪:‬‬
‫"وإنــه ســيظهر على األرض كلهــا إال الحــرم وبيت المقــدس‪ ،‬وإنــه يحصــر المؤمــنين في بيت‬
‫المقدس‪ ،‬فيتزلزلون زلزاًال شديدًا‪ ،‬فيصبح عيسى ابن مريم فيهم‪ ،‬فيهزمه اهلل وجنوده‪"...‬‬
‫‪ -‬وأخرج الحاكم عن حذيفة بن أسيد‪ t‬في حديثه السابق عن الَّد َّج ال‪:‬‬
‫وتطـْوَى لـه األرض طِّي فـروة الكبش‪ ،‬حـتى يـأتي المدينـة‪ ،‬ثم جبـل إيليـاء‪،‬‬ ‫"فيـَِرُد كـل منهـل‪ُ ،‬‬
‫فيحاصر عصابة من المسلمين‪ ،‬فيقــول الــذي عليهم‪ :‬مـا تنتظــرون بهــذا الطاغيـة أن تقــاتلوه‬
‫حتى تلحقوا باهلل أو يفتح لكم‪ ،‬فيأتمرون أن يقاتلوه إذا أصبحوا‪ ،‬فيصــبحون‪ ،‬ومعهم عيســى‬
‫ابن مريم‪ ،‬فيقتل الَّد َّج ال‪ ،‬ويهزم أصحابه‪ "...‬الحديث‪.‬‬
‫‪ -‬وأخرج اإلمام أحمد والحاكم من حديث عثمان بن أبي العاص‪ t‬وفيه‪:‬‬
‫"‪ ...‬وينحاز المسلمون إلى عقبة أفيــق‪ ،‬فيبعثــون ســرحًا لهم‪ ،‬فيصــاب ســرحهم‪ ،‬فيشــتد ذلــك‬
‫عليهم‪ ،‬ويصيبهم مجاعة شــديدة‪ ،‬وجهــد شــديد‪ ،‬حــتى إن أحــدهم ليحــرق وتــر قوسـه فيأكلــه‪،‬‬
‫فبينمــا هم كــذلك‪ ،‬إذ نــادى منــادٍ من الســحر‪ :‬يــا أيهــا النــاس‪ ،‬أتــاكم الغــوث‪ -‬ثالث ـًا ‪ -‬فيقــول‬
‫بعضهم لبعض‪ :‬إن هذا لصوت رجل شبعان‪ ،‬وينزل عيسى ابن مريم عند صـالة الفجـر‪ ،‬فـإذا‬
‫قضى صالته أخـذ حربتـه‪ ،‬فيـذهب نحـو الـَّد َّج ال‪ ،‬فـإذا رآه الـَّد َّج ال ذاب كمـا يـذوب الرصـاص‪،‬‬
‫فيضع حربته بين ثندوته‪ ،‬فيقتله‪ ،‬وينهزم أصحابه‪ "...‬الحديث‬
‫‪ -‬وأخرج اإلمام مسلم عن عبداهلل بن عمرو ‪ K‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"يخرج الَّد َّج ال في أمــتي‪ ...‬فــذكر الحــديث وفيــه‪ " :...‬فيبعث اهلل عيســى ابن مــريم كأنــه عــروة‬
‫ابن مسعود فيطلبه فيهلكه"‬

‫‪61‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫‪ -‬وفي حديث طويل عند مسلم عن أبي هريرة ‪ t‬مرفوعاً‪ ...‬وفيه‪:‬‬


‫"فبينما هم (أي الجيش اإلسالمي) يعدون للقتـال‪ ،‬يسـوون الصـفوف‪ ،‬إذ أقيمت الصـالة‪ ،‬فيـنزل‬
‫عيســى ابن مــريم ‪ U‬فـ َـأَّمهم‪ ،‬فــإذا رآه عــدو اهلل ذاب كمــا يــذوب الملح في المــاء‪ ،‬فلــو تركــه‬
‫النذاب حتى يهلك‪ ،‬ولكن يقتله اهلل بيده‪ ،‬فيريهم دمه"‬
‫والسر في عدم ترك عيسى ‪ U‬الَّد َّج ال حتى يموت بنفسه؛ هو إنهاء أسطورة هذا المخلوق وفتنته‪ ،‬فإن‬
‫الناس إذا شاهدوا قتله وموته‪ ،‬استيقنوا أنه ضعيف مغلوب على أمره‪ ،‬وأن دعواه كانت زورًا وكذبًا"‬

‫‪ ‬وهالك الَّد َّج ال يكون في الشام‬


‫وذلك للحديث الذي أخرجه اإلمام مسلم عن أبي هريرة ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"يأتي المسيح من ِقَبل المشرق(‪ ،)1‬وهمته المدينة‪ ،‬حـتى يـنزل ُدبـُر ُأحـُد‪ ،‬ثم تصـرف المالئكـة‬
‫وجهه قبل الشام‪ ،‬وهناك يهلك"‬

‫لد‬
‫‪ ‬ويقتل تحديدًا عند باب ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫فقد أخرج ابن حبان عن عائشة ‪ i‬قالت‪:‬‬


‫"دخــل علَّي رسـول اهلل ‪ r‬وأنـا أبكي‪ ،‬فقــال‪ :‬مـا يبكيـك؟ فقلت‪ :‬يـا رسـول اهلل‪ ،‬ذكـرت الــَّد َّج ال‪،‬‬
‫مت فــإن ربكم ليس بــأعور‪ ،‬وإنــه يخــرج‬ ‫قال‪ :‬ال تبكين‪ ،‬فإن يخــرج وأنــا حي أكفِيكمــوه‪ ،‬وإ ن ُّ‬
‫معه اليهود‪ ،‬فيسير حتى ينزل بناحيـة المدينـة‪ ،‬وهي يومئـذ لهــا سـبعة أبـواب‪ ،‬على كـل بـاب‬
‫ملكان‪ ،‬فيخرج اهلل شرار أهلهــا‪ ،‬فينطلــق يـأتي لـ ّـدًا‪ ،‬فيـنزل عيسـى ابن مـريم فيقتلــه‪ ،‬ثم يلبث‬
‫عيسى في األرض أربعين سنة إمامًا عدًال‪ ،‬وحكمًا مقسطًا"‬
‫‪ -‬وأخرج الترمذي عن مُجمع بين جارية األنصاري ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"يقتل ابن مريم الَّد َّج ال بباب لدّ"‬
‫‪ -‬وعند مسلم في حديث طويل عن النواس بن سمعان ‪ t‬وفيه‪:‬‬
‫"فال يحلُّ لكافر يجد ريح نفسه (المســيح) إال مــات‪ ،‬ونفســه ينتهي حيث ينتهي طرفــه‪ ،‬فيطلبــه‬
‫حتى يدركه بباب لــدّ فيقتلــه‪ ،‬ثم يــأتي ابن مــريم قــوم قــد عصــمهم اهلل منــه‪ ،‬فيمسـح وجــوههم‬
‫حدثهم بدرجاتهم في الجنة" ‪ -‬وفي رواية أبي داود‪" :‬ثم ينزل عيسى عند المنارة شــرقي‬
‫وي ِّ‬
‫ُ‬
‫دمشق‪ ،‬فيدركه عند باب لّد فيقتله"‬
‫‪ ))1‬فهو يخرج من خلة بين الشام والعراق‪ ،‬من جهة ُخ راسان‪.‬‬
‫‪ ))2‬وهي قريـة قـرب بيت المقـدس من نـواحي فلسـطين‪ ،‬قـرب مدينـة الرملـة‪ ،‬وبينهـا وبين الرملـة مقـدار فرسـخ إلى جهـة الشـمال فتصـل شـِح رها‬
‫بشجرها‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫وفي "سنن ابن ماجه"‪ ،‬و"صـحيح ابن خزيمـة"‪ ،‬و"مسـتدرك الحــاكم" عن أبي أمامـة ‪ t‬عن‬
‫النـبي ‪ r‬قـال‪" :‬وإ مـامهم(‪ )1‬رجــل صـالح‪ ،‬فبينمـا إمـامهم قـد تقـ َّـدم ُي ِّ‬
‫صـلي بهم الصـبح‪ ،‬إذ نـزل‬
‫ليتقـدم عيسـى‪،‬‬
‫َّ‬ ‫عليهم عيسـى ابن مـريم الصـبح‪ ،‬فرجـع ذلـك اإلمـام ينكص‪ ،‬يمشـي القهقـري‬
‫فيصــلِّي بهم إمــامهم‪،‬‬‫فيضع عيسى يده بين كتفيه‪ ،‬ثم يقول له‪ :‬تقدَّم فصلِّ‪ ،‬فإنها لــك أقيمت‪ُ ،‬‬
‫فــإذا انصــرف(‪ ،)2‬قــال عيســى‪ :‬افتحــوا البــاب‪ ،‬فيفتحــون ووراءه الــَّد َّج ال‪ ،‬معــه ســبعون ألــف‬
‫يهودي‪ ،‬كلهم ذو سيف محلي وساج‪ ،‬فإذا نظر إليه الــَّد َّج ال ذاب كمــا يـذوب الملح في المــاء‪،‬‬
‫فينطل ــق هاربــًا‪ ،‬ويق ــول عيس ــى‪ :‬إن لي في ــك ض ــربة‪ ،‬لن تســبقني به ــا‪ ،‬فيدرك ــه عن ــد ب ــاب‬
‫لد(‪)3‬الشرقي‪ ،‬فيقتله‪ ،‬فيهزم اهلل اليهود‪ ،‬فال يبقى شيء مما خلق اهلل ‪ U‬يتواقى بــه اليهــودي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫إال أنطق اهلل ذلك الشيء‪ ،‬ال حجر‪ ،‬وال شجر‪ ،‬وال حائـط‪ ،‬وال دابـة‪ -‬إال الغرقـدة (‪ )4‬فإنهـا من‬
‫شجرهم ال تنطق‪ -‬إال قال‪ :‬يا عبد اهلل المسلم‪ ،‬هذا يهودي‪ ،‬فتعال فاقتله"‬

‫‪ ‬وجــاءت بعض الروايــات وحــددت أنــه يْقتــل في قريــة من قــرى الشــام ُتسـَّم ى "عقبــة‬
‫أفيق"‬
‫فقد أخرج اإلمام أحمد والطبراني عن سفينة مولى النبي ‪ r‬أنه حَّد ث عن الَّد َّج ال فقال‪:‬‬
‫"ثم يسير حتى يأتي المدينة‪ ،‬فال ُيؤْذن له فيها‪ ،‬فيقول‪ :‬هذه قرية ذلك الرجــل‪ ،‬ثم يســير حــتى‬
‫يأتي الشام‪ ،‬فينزل عيسى ‪U‬فيقتله عند عقبة أفيق (‪")5‬‬
‫وفي رواية عند أبي داود‪:‬‬
‫"فيقول‪ :‬هذه قرية ذاك الرجــل‪ ،‬فال يـُؤْذن لــه أن يــدخلها‪ ،‬ثم يســير حـتى يــأتي الشــام‪ ،‬فيهلكــه‬
‫اهلل عند عقبة أفيق"‬
‫وأخرج اإلمام مسلم عن أبي هريرة ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"ال تقوم الساعة حتى يقاتــل المســلمون اليهــود‪ ،‬فيقتلهم المســلمون‪ ،‬حــتى يختــبيء اليهــودي‬
‫من وراء الحجر والشجر‪ ،‬فيقول الحجر أو الشجر‪ :‬يا مسلم‪ ،‬يا عبد اهلل‪ ،‬هذا يهودي خلفي‪،‬‬
‫فتعال فاقتله‪ ،‬إال الغرقد‪ ،‬فإنه من شجر اليهود"‬
‫وعنــد البخــاري بلفــظ‪" :‬ال تقــوم الســاعة حــتى تقــاتلوا اليهــود‪ ،‬حــتى يقــول الحجــر وراءه‬

‫‪ ))1‬وإ مامهم‪ :‬أي إمام المسلمين الذين يعدون العدة لقتال الَّدَّجال‪.‬‬
‫‪ ))2‬فإذا انصرف‪ :‬قال الشيخ ناصر الدين األلباني ‪" :r‬وفيه اختصار‪ ،‬تقديره‪ :‬فإذا انصرف إلى بيت المقدس‪ ،‬والمســلمون فيــه محصــورون‪ ...‬كمــا‬
‫يدل عليه بعض األحاديث األخرى‪...‬‬
‫‪ ))3‬باب لدّ ‪ :‬قرية قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين‪ ،‬وهي قرب مدينة الرملة (وقد سبق الكالم عنها)‬
‫‪ ) )4‬الغرقد‪ :‬نوع من شجر الشوك معروف ببالد بيت المقدس‪ ،‬قال أبو حنيفة الدنيوري‪" :‬إذا عظمت العوسجة صارت غرقدة‪.‬‬
‫(إفادة النووي في "شرح مسلم"‪:‬‬
‫‪)18/45‬‬
‫‪ ))5‬عقبة أفيق‪ :‬هي قرية بين الغور وحوران من بالد الشام‪ ،‬وعقبتها‪ :‬األرض المرتفعة فيها"‬

‫‪63‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫اليهودي‪ :‬يا مسلم‪ ،‬هذا يهودي ورائي فاقتله"‬

‫‪64‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫سبيل النجاة من فتنة الَّد َّج ال‬


‫‪ -1‬االستعاذة باهلل من فتنته‪:‬‬
‫أخرج البخاري عن عروة بن الزبــير‪ ،‬عن عائشــة زوج النــبي ‪ r‬أخبرتــه أن رســول اهلل ‪r‬‬
‫كان يــدعو في الصــالة‪" :‬اللهم إني أعــوذ بــك من عــذاب القــبر‪ ،‬وأعــوذ بــك من فتنــة المســيح‬
‫الَّد َّج ال‪ ،‬وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات (‪ ، )1‬اللهم إني أعوذ من المأثم والمغرم"‬
‫حدث فكذب‪ ،‬ووعــد‬
‫فقال له قائل‪ :‬ما أكثر ما تستعيذ من "المغرم"؟ فقال‪ :‬إن الرجل إذا غرم َّ‬
‫فأخلف"‬
‫شهد األخير‪ ،‬وقبل السالم‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬هذه االستعاذة تكون بعد التَّ ُّ‬
‫ويدل على هذا رواية اإلمام مسلم عن أبي هريرة‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫فليتعــوَّذ باهلل من أربــع‪ :‬من عــذاب جهنم‪ ،‬ومن عــذاب‬
‫التشــهُّد اآلخــر؛ ْ‬
‫"إذا فــرغ أحــدكم من َّ‬
‫القبر‪ ،‬ومن فتنة المحيا والممات‪ ،‬ومن شرِّ المسيح الَّد َّج ال"‬

‫بل كان النبي ‪ r‬يُْكثِر من االستعاذة من فتنة الَّد َّج ال حتى خارج الصالة‪.‬‬
‫فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ r‬كان يدعو‪:‬‬
‫"أعــوذ بــك – وفي رواي ـة‪" :‬اللهم إني أعــوذ بــك من البخــل‪ ،‬والكســل‪ ،‬وأرذل العمــر‪ ،‬وعــذاب‬
‫القبر‪ ،‬وفتنة الَّد َّج ال‪ ،‬وفتنة المحيا والممات"‬

‫علم الصحابة هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن‪.‬‬


‫بل كان النبي ‪ r‬يُ ِّ‬
‫فقد أخرج اإلمام مسلم عن ابن عباس ‪:K‬‬
‫"أن رسول اهلل ‪ r‬كان ُيَعِّلْمهُم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول‪ :‬قولوا‪ :‬اللهم‬
‫إن ـَّا نعــوذ بــك من عــذاب جهنم‪ ،‬وأعــوذ بــك من عــذاب القــبر‪ ،‬وأعــوذ بــك من فتنــة المســيح‬
‫الَّد َّج ال‪ ،‬وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات"‬
‫ظه اهلل من فتنته (‪.)2‬‬
‫فمن استعاذ باهلل أعاذه‪ ،‬ومَن حافظ على هذا الدعاء حَِف َ‬
‫َ‬
‫‪ -2‬تبصير الناس بفتنة الَّد َّجال سبيل الوقاية منه‪:‬‬
‫يقـول السـفاريني ‪" :r‬مم ا ينبغي لك ل ع الم أن يبث أح اديث ال َّد َّج ال بين األوالد والنس اء والِّرجَال‪،‬‬
‫‪ ))1‬فتنة المحيا‪ :‬هي ما يعرض لإلنسان مدة حياتـه‪ :‬من االفتنـان بالـدنيا وشـهواتها‪ ،‬أو هي االبتالء مـع عـدم الصـبر‪ ،‬وفتنـه الممـات‪ :‬أي مـا يفتن‬
‫اإلنسان به عند الموت‪ ،‬أو المراد‪ :‬فتنة القبر‪ ،‬أي سؤال الملكين‪ ،‬والمراد من الزلل عند السؤال أو العذاب الذي يقع في القبر‪.‬‬
‫وممن قال بهذا طاووس‪ ،‬يقول اإلمام مسلم‪":‬بلغني أن طاووسًا وهــو‬ ‫‪ ))2‬تنبيه‪ :‬ذهب بعض أهل العلم إلى‪ :‬أن هذا الدعاء َّ‬
‫والتعوُّذ من هذه األمور واجب‪َّ ،‬‬
‫راوي هذا الحديث عن ابن عباس قال البنـه‪ :‬دعـوت بهـا في صـالتك قـال‪ :‬ال‪ ،‬قـال‪ :‬أعـِد صـالتك"‪ ،‬وقـد فهم طـاووس وجوبهـا‪ :‬من اهتمـام النـبي ‪ r‬بتعليمهـا‬
‫للصــحابة كمــا ُيَع ِّلْمُه م الســورة من القــرآن"‪ ،‬ولهــذا جــزم ابن حــزم الظــاهري في "المحلى"(‪ :)3/271‬بفرضــية قــراءة هــذا الَّتعـُّو ذ بعــد الفــراغ من الَّتشـُّه د‪،‬‬
‫تشهد أحدكم فليستعذ باهلل من أربع" والراجح‪ :‬أن هذا الَّتعُّو ذ مستحب وليس بواجب‪ ،‬وهو رأي الجمهــور‪ ،‬واهلل‬ ‫مستدًال بحديث أبي هريرة ‪ t‬الذي رواه مسلم‪":‬إذا َّ‬
‫أعلم‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫وقد ورد أن من عالمات خروجه نسيان ذكره على المنابر"‬


‫ولعل السفاريني يشير إلى الحديث الذي أخرجــه عبــد اهلل بن اإلمــام أحمــد عن الصـعب بن‬
‫جثامة‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪ ":‬ال يخرج الَّد َّج ال حتى يذهل الناس عن ذكره‪ ،‬وحــتى تــترك الأئمــة‬
‫(صححه الهيثمي في "مجمع الزوائد"‪)7/646:‬‬ ‫ذكره على المنابر "‬
‫أي ال أحد يذكر الَّد َّج ال‪ ،‬فإذا تناساه الناس مع كثرة الفتن المحدقة بهم؛ ظهر الَّد َّج ال‪.‬‬

‫‪ -3‬المبادرة إلى العمل الصالح يقي من فتنة الَّد َّجال‪:‬‬


‫أخرج اإلمام مسلم عن أبي هريرة ‪ t‬أن رسول اهلل ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"بادروا باألعمال ستًا‪ :‬طلوع الشمس من مغربها‪ ،‬أو(‪ )1‬الــُّدخان‪ ،‬أو الــَّد َّج ال‪ ،‬أو الَّدابـة (‪ ،)2‬أو‬
‫خاصة أحدكم (‪ ،)3‬أو أمر العامة (‪" )4‬‬

‫‪ -4‬مَن أدرك زمن الَّد َّجال فلينأ بنفسه عنه‪ ،‬ويبتعد منه‪:‬‬
‫حث النبي ‪ r‬كل مسلم لعدم التعرض للفتنة واالستشراف لها‪ ،‬فمن استشرف لها استشرفته ووقع فيها‪.‬‬
‫َّ‬
‫فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة ‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫"ستكون فتنٌ‪ ،‬القاعد فيها خير من القائم‪ ،‬والقائم فيها خيٌر من الماشي‪ ،‬والماشي فيهــا خــيرٌ‬
‫فمن وجد منها ملجًأ أو معاذًا (‪َ )7‬فْلَيُعْذ به (‪")8‬‬
‫تشرف لها (‪ )5‬تستشرفه (‪َ ،)6‬‬
‫من الساعي‪َ ،‬من َّ‬
‫وفي الحديث التحذير من الفتنة‪ ،‬والحث على اجتنابها‪ ،‬وأن شرها يكون بحسب التََّعُّلق بها‪.‬‬

‫‪ ))1‬في رواية‪" :‬أو"‪ ،‬وفي رواية‪" :‬و" بالواو‪ ،‬أما قوله‪" :‬بادروا باألعمال ستًا"‪ ،‬فمعناه واهلل أعلم‪ :‬اجتهدوا في األعمال‪ ،‬واسـبقوا بهـا قبـل أن تـأتي‬
‫عليكم إحدى هذه الستة‪.‬‬
‫‪ ))2‬الَّدابة‪ :‬هي التي تكلم الناس‪.‬‬
‫‪ ))3‬فَّس ر بعض أهل العلم قوله‪ " :‬خاصة أحدكم"‪ ،‬وفي رواية‪" :‬خويصة أحدكم" بالموت‪.‬‬
‫‪ ))4‬أمر العامة‪ :‬فسَّرها بعض أهل العلم بالقيامة۔ واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ))5‬تشرَّف لها‪ :‬أي تطلَّع لها بأن يتصدى ويتعرض لها‪ ،‬وال يُعرض عنها‪.‬‬
‫‪ ))6‬تستشرفه‪ :‬أي تهلكه‪ ،‬بأن يشرف منها على الهالك‪ ،‬يريد َمن انتصب لها انتصبت له‪ ،‬ومَن أعرض عنها أعرضت عنه‪.‬‬
‫‪ ))7‬المعاذ‪ :‬بمعنى الملجأ‪.‬‬
‫‪َ ))8‬فْلَيُعْذ به‪ :‬أي ليعتزل فيه‪ ،‬ليسلم من شر الفتنة‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫وقول حذيفة‪ t‬كما في "حلية الأولياء" (‪:)1/273‬‬


‫أحد إال نسفته"‬
‫أحد‪ ،‬فواهلل ما شخص فيها ٌ‬
‫"إياكم والفتن‪ ،‬ال يشخص إليها ٌ‬
‫وليس هناك فتنة أعظم من فتنة الَّد َّج ال‪ ،‬يأتيه الرجل ويظن نفسه أنه قوي االيمان‪ ،‬وأنه سيص مد أمام‬
‫هذه الفتنة‪ ،‬فإذا به يكون من أتباعه وأنصاره‪ ،‬وذلك لما يراه من خوارق العادات التي حدثت على‬
‫يديه‪ ،‬فعلى المرء إن أدرك زمن الَّد َّج ال أن ينأ بنفسه عن لقائه ويبتعد عنه بقدر ما يستطيع‪.‬‬
‫امتثاًال ألمر النبي ‪ ،r‬فقد أخـرج اإلمـام أحمـد وأبـو داود والحـاكم عن عمـران بن حصـين ‪t‬‬
‫أن رسول اهلل ‪ r‬قـال‪َ :‬‬
‫"من سـمع بالــَّد َّج ال‪ ،‬فلينـأ عنـه‪ ،‬فواهلل إن الرجــل ليأتيـه وهــو يحسـبن‬
‫(صحيح الجامع‪)6301 :‬‬ ‫أنه مؤمن‪ ،‬فيتبعه مما ُيْبعث من الشبهات‪ ،‬أو لما يبعث به من الشبهات"‬

‫وهذا ما يفعله البعض ممَّن أدركتهم هذه الفتنة‪.‬‬


‫فقد جاء عند اإلمام مسلم عن أم شريك ‪ i‬أن النــبي ‪ r‬قــال‪" :‬ليفـَِرنَّ النــاس من الــَّد َّج ال في‬
‫الجبال‪ ،‬قالت أم شريك‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬فأين العرب يومئذ؟ قال‪ :‬هم قليل"‬
‫‪ -5‬اللجوء إلى أحد الحرمين الشريفين واالعتصام به‪:‬‬
‫البْعد والهروب من فتنة الَّد َّج ال‪ ،‬فمَن أراد الفرار منه‪ ،‬فعليه بالمسجد الحرام‪،‬‬
‫وهي صورة من صور ُ‬
‫أو المسجد النبوي‪ ،‬فإنهما ال يدخلهما الَّد َّج ال‪ -‬كما مر بنا‪.‬‬
‫وقد جاء في الحــديث الــذي أخرجــه اإلمـام مسـلم عن فاطمـة بنت قيس ‪ i‬أن الـَّد َّج ال قـال‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فأسـير في األرض‪ ،‬فال أدعُ قريـة إال هبطتهـا في أربعين ليلـة‪ ،‬غـير مكـة وطيبـة‬ ‫ُ‬ ‫فـأخرج‪،‬‬
‫ُ‬ ‫"‬
‫حرَمتــان علي َّكلتاهمــا‪ ،‬كلمــا أردت أن أدخــل واحــدة‪ ،‬أو واحــدًا منهمــا اســتقبلني ملــك‬
‫فهمــا ُم َّ‬
‫صدني عنها‪ ،‬وإ ن على كل نقب منها مالئكة يحرسونها"‬ ‫بيده السيف صلتا ُي َّ‬

‫وثبت أيضا أن الَّد َّج ال ال يدخل أربعة مساجد‪:‬‬


‫"المسجد الحرام‪ ،‬ومسجد المدينة‪ ،‬ومسجد الطور‪ ،‬والمسجد األقصى"‬
‫ذهبت أنــا ورجــل من األنصــار‬ ‫ُ‬ ‫فقد أخرج اإلمام أحمد عن جنادة بن أبي أميــة األزدي قــال‪" :‬‬
‫إلى رجــلٍ من أصــحاب النــبي ‪ ،r‬فقلنــا‪ :‬حــدثنا مــا ســمعت من رســول اهلل ‪ r‬يــذكر في الــَّد َّج ال‬
‫فــذكر الحــديث وفيــه‪" :...‬وإ نــه يمكث في األرض أربعين صــباحًا‪ ،‬يبلــغ فيهــا كــل منهــل‪ ،‬وال‬
‫يقرب أربعة مساجد‪ :‬مسجد الحرام‪ ،‬ومسجد المدينة‪ ،‬ومسجد الطور‪ ،‬ومسجد األقصى"‬
‫‪ -6‬الثبات عند لقائه‪:‬‬
‫‪ ))1‬طيبة‪ :‬المدينة‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫فمن لم يستطع الفرار منه واضطر لمواجهته؛ فليعتصم باهلل ويثبت مهما كان البالء‪.‬‬
‫َ‬
‫فقد أخرج اإلمام مسلم‪:‬‬
‫لة بين الشام والعراق‪ ،‬فعاث يميناً‪ ،‬وعاث شماًال‪ ،‬يا عباد اهلل اثبتوا"‬
‫"أنه خارج َخ ً‬

‫‪ -7‬طلب العلم الشرعي‪:‬‬


‫فهذا مما يعين على الثبات عند لقاء الَّد َّج ال‪ ،‬وعدم االفتنان بفتنته‪.‬‬
‫ففي الحديث الذي أخرجه اإلمام مسلم‪:‬‬
‫"إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم‪ ،‬وإ ن يخــرج ولســت فيكم‪ ،‬فــامرؤ حجيج نفســه‪ ،‬واهلل‬
‫خليفتي على كل مسلم"‬
‫فأهل العلم يبصرون بنور الحق‪ ،‬فيعرفون أنه الَّد َّج ال الضال المُضل الذي أخبر عنه النبي ‪ ،r‬فيثبت ون‬
‫أم ام فتنت ه‪ ،‬أم ا أه ل الجه ل ال ذين لم يستض يئوا بن ور العلم وهم اك ثر اتباع ه ف إنهم يقع ون في فتنت ه‬
‫ويتبعونه‬
‫فقد أخرج البزار عن ثعلبة بن عباد‪ t‬أن رسول اهلل ‪ r‬قال‪:‬‬
‫"فمن اعتصم باهلل‪ ،‬فقال‪ :‬ربي اهلل‪ ،‬حٌّي ال يموت‪ ،‬فال عذاب عليه‪ ،‬ومن قال (أي للــدجَّال) أنت‬ ‫َ‬
‫ربي؛ فقد ُفِتنَ"‬
‫وأخرج اإلمام أحمد عن أبي قالبة قال‪:‬‬
‫"رأيت رجًال بالمدينة‪ ،‬وقد طاف الناس به‪ ،‬وهو يقول‪ :‬قال رسول اهلل ‪ ،r‬قال رسول اهلل ‪،r‬‬
‫المضل‪ ،‬وإ ن‬
‫الكذاب ُ‬
‫فإذا رجل من أصحاب النبي ‪ ،r‬قال‪ :‬فسمعته وهو يقول‪" :‬إن من بعدكم َّ‬
‫فمن قـال‪ :‬لسـت ربنـا‪،‬‬
‫رأسه من بعده حبك حبك حبك (‪ )1‬ثالث مرات‪ ،‬وإنه سيقول‪ :‬أنا ربكم‪َ ،‬‬
‫توكلنــا‪ ،‬وإ ليــه أنبنــا‪ ،‬نعــوذ باهلل من شــرك‪ ،‬لم يكن عليــه ســلطان" ‪ -‬وفي‬
‫لكن ربنا اهلل‪ ،‬عليه َّ‬
‫رواية‪" :‬ونعوذ باهلل منك ‪ -‬قال‪ :‬فال سبيل له عليه"‬
‫وأهل العلم هم أكثر الناس معرفة باهلل تعالى‪ ،‬وبأسمائه وصفاته فيعلمون أن اهلل {َلْيَس َك ِم ْثِلِه َش ْي ٌء }‬
‫[الشـورى‪ ،]11:‬أما ال َّد َّج ال فهو أع ور‪ ،‬واهلل ليس ب أعور‪ ،‬ويعلمون أن اهلل اليَُر ى في الدنيا‪ ،‬أما ال َّد َّج ال‬
‫فيراه الناس عند خروجه‪ :‬مؤمنهم وكافرهم‪.‬‬
‫فالتس ــلُّح ب ــالعلم الش ــرعي حص ــن حص ــين‪ ،‬يحمي من عواص ــف الفتن‪ ،‬وخصوصـ ـًا فتن ــة‬
‫َّ‬

‫هبت عليهمـا‬
‫سر من الجعودة‪ ،‬مثل المـاء السـاكن أو الرمـل‪ ،‬إذا َّ‬ ‫‪ ))1‬في "اللسان"‪" :‬وفي الحديث في صفة الَّدَّجال‪" :‬رأسه حبك" أي‪ :‬شعر رأسه مُ َ‬
‫تك ِّ‬
‫فيتجعدان ويصيران طرائق‪ ،‬وفي رواية أخرى‪" :‬محبك الشعر" بمعناه"‬
‫َّ‬ ‫الريح‪،‬‬

‫‪68‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫الَّد َّج ال‬


‫ودليل ذلك ما أخرجه الشيخان عن أبي سعيد الخدري‪ t‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬
‫الــتي‬ ‫"يــأتي الــَّد َّج ال‪ ،‬وهــو ُمحـ َّ‬
‫ـرٌم عليــه أن يــدخل نقــاب المدينــة‪ ،‬فينتهي إلى بعض الس ـِّباخ‬
‫(‪)1‬‬

‫بالمدينة‪ ،‬فيخرج إليه يومئذ رجل‪ ،‬هو خير الناس‪ -‬أو من خير الناس‪ -‬فيقول ال ـَّد َّج ال‪ :‬أرأيتم‬
‫إن قتلت هــذا ثم أحييتــه‪ ،‬هــل َتش ـُُّكون في األمــر؟ فيقولــون‪ :‬ال‪ ،‬فيقتلــه ثم يحييــه‪ ،‬فيقــول حين‬
‫جال‪ :‬أقتله‪ ،‬وال يسلط عليه"‬ ‫يحييه‪ ،‬واهلل ما كنت أشّد بصيرة مِّني اليوم‪ ،‬فيقول َّ‬
‫الد َّ‬

‫وفي رواية عن مسلم‪" :‬يخرج الَّد َّج ال‪ ،‬فيتوجه قبلة رجل من المؤمنين‪ ،‬فتلقاه المســالح (‪،)2‬‬
‫تعمد؟ فقال‪ :‬أعمد إلى هذا الـذي خـرج‪ ،‬فيقولـون لـه‪ :‬أومـا‬ ‫مسالح الَّد َّج ال‪ ،‬فيقولون له‪ :‬أين ِ‬
‫تؤمن بربنا؟ فيقول‪ :‬ما بربنــا خفــاء‪ ،‬فيقولــون‪ :‬اقتلــوه‪ ،‬فيقــول بعضــهم لبعض‪ :‬أليس نهــاكم‬
‫ربكم أن تقتلوا أحــدًا دونـه؟ قـال‪ :‬فينطلقــون بـه إلى الــَّد َّج ال‪ ،‬فـإذا رآه المـؤمن‪ ،‬قـال‪ :‬يـا أيهــا‬
‫(‪)3‬‬
‫الناس‪ ،‬هذا الَّد َّج ال الذي ذكر رسول اهلل ‪ ،r‬قال‪ :‬فيأمر الَّد َّج ال به ُ‬
‫فيشج‬
‫‪ -‬فيقــول‪ :‬خــذوه وشــجوه‪ ،‬فيوســع ظهــره وبطنــه ضــربًا‪ ،‬قــال‪:‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪ -‬وفي روايــة‪ :‬فيشــبح‬
‫فيقول‪ :‬أما تؤمن بي؟ فيقول‪ :‬أنت المسـيح الكـ َّـذاب‪ ،‬قــال‪ :‬فيــؤمر بــه‪ ،‬فيؤشــر بالمئشــار‪ ،‬من‬
‫َمفِْرقه‪ ،‬حتى ُيفََّرق بين رجليه‪ ،‬قال‪ :‬ثم يمشي الَّد َّج ال بين القطعــتين‪ ،‬قــال‪ :‬ثم يقــول لــه‪ُ :‬قم‪،‬‬
‫فيستوي قائمًا‪ ،‬قال‪ :‬ثم يقول‪ :‬أتؤمن بي؟ فيقول‪ :‬ما ازددت فيك إال بصــيرة‪ ،‬قــال‪ :‬ثم يقــول‪:‬‬
‫جعل مــا بين‬‫يا أيها الناس‪ ،‬إنه ال ُيفعل بعدي بأحد من الناس‪ ،‬قال‪ :‬فيأخذه الَّد َّج ال ليذبحه‪ُ ،‬‬
‫في َ‬
‫فيقــذف بــه‪،‬‬
‫ُنحاسًا‪ ،‬فال يستطيع إليه سبيًال‪ ،‬قال‪ :‬فيأخذ بيديه ورجليــه‪َ ،‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫رقبته إلى ترقوته‬
‫فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار‪ ،‬وإ نما ُألقي بــه في الجنــة‪ ،‬فقــال رســول اهلل ‪ :r‬هــذا أعظم‬
‫الناس شهادة عند رب العالمين"‬
‫الكــذاب الــذي أنــذرناه رســول اهلل ‪ ،r‬وزاد‪" :‬فيقــول لــه الــَّد َّج ال‪:‬‬
‫وفي روايــة عطيــة‪" :‬أنت َّ‬
‫الكذاب"‬
‫شقَّين‪ ،‬فينادي‪ :‬يا أيها الناس‪ ،‬هذا المسيح َّ‬
‫ألشقََّنك ِ‬
‫لتطيعني فيما آمرك‪ ،‬أو ُ‬
‫ُ‬

‫السباخ‪ :‬الأراضي التي ال تنبت المرعى‪ ،‬والسبخة‪ :‬هي األرض المالحة‪.‬‬


‫‪ِّ ))1‬‬
‫‪ ) )2‬المسالح‪ :‬جمع مسلحة‪ ،‬وهم قوم معهم سالح‪ ،‬والمسلحة‪ ،‬كالثغر والمرقب‪.‬‬
‫‪ ))3‬الشج‪ :‬جرح في الرأس أو الوجه‪ ،‬والمراد هنا‪ :‬الضرب‪.‬‬
‫‪ ))4‬ويشبح‪ :‬أي يمد على بطنه‪.‬‬
‫‪ ))5‬الترقوة‪ :‬العظم الذي بين ثغرة النحروالعاتق‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫وبالعلم الشرعي والإيمان يستطيع الإنسان أن يُميِّز شخصية الَّد َّج ال‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:r‬‬ ‫فقد أخرج اإلمام مسلم عن حذيفة بن اليمان‪t‬‬
‫"‪ ...‬وإ ن الــَّد َّج ال ممســوح العين عليهــا ظفــرة غليظــة‪ ،‬مكتــوب بين عينــه‪ :‬كــافر يقــرؤه كــل‬
‫مؤمن‪ ،‬كاتب وغير كاتب"‬

‫وفي رواية أخرى عند مسلم وأحمد عن بعض أصحاب النبي ‪ r‬أن رسول اهلل قال للنــاس‬
‫يومئذ وهو يحذرهم الَّد َّج ال‪" :‬وإ نه مكتوب بين عينيه‪ :‬كافر يقرؤه َمن كره عمله"‬

‫األَو ل من سورة الكهف‪:‬‬


‫‪ -8‬قراءة اآليات العشر ُ‬
‫وقد أمر النبي ‪َ r‬من أدركه أن يقرأ عليه فواتح سورة الكهف‪.‬‬
‫ففي الحديث الذي أخرجه اإلمام مسلم عن النواس بن سمعان ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫" َمن أدركه منكم؛ فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف"‬
‫– زاد أبو داود‪" :‬فإنها جواركم من فتنته"‬

‫وفي روايـة أخـرى عنـد ابن ماجـه والترمـذي بسـند صـحيح عن أبي أمامـة‪ t‬عن النـبي ‪r‬‬
‫قال‪" :‬وإ ن من فتنته أن معه جَّنًة ونـارًا‪ ،‬فنـاره جَّن ة‪ ،‬وجَّنتـه نـاٌر ‪ ،‬فَم ن ُابُتلي بنـاره فليسـتغث‬
‫(صحيح الجامع‪)7875:‬‬ ‫باهلل‪ ،‬وليقرأ فواتح الكهف"‬

‫األوَل‬
‫وبينت أن المقصود بفواتح سورة الكهف هي اآليات العشر ُ‬
‫وجاءت بعض الروايات َّ‬
‫ففي "صحيح مسلم" عن أبي الدرداء ‪ t‬أن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫صم من الَّد َّج ال (‪")1‬‬
‫" َمن حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف‪ ،‬عُ ِ‬

‫صَم من فتنته‪.‬‬
‫صَم من الَّدَّجال‪ :‬أي عُ ِ‬
‫ع ِ‬
‫‪ُ ) )1‬‬

‫‪70‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫تنبيهات‪:‬‬
‫‪ -1‬هذا الحديث السابق رواه اإلمام مسلم عن طريق هشام عن قتادة وذكر فيه‪:‬‬
‫"َمن حفــظ عشــر آيــات من أول ســورة الكهــف"‪ ،‬لكن هنــاك روايــة أخــرى رواه ـا مســلم أيضــاً من‬
‫"من حفظ عشر آيات من آخر سورة الكهف "‬
‫طريق شعبة عن قتادة وفيها‪َ :‬‬
‫والراجح‪ :‬هي من أول سورة الكه ف‪ ،‬فقد قال همام‪" :‬هي من أول الكه ف كم ا ق ال هش ام (والح ديث‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)4323‬وأشار أيضاً إلى الخالف‪ ،‬هل هو من أول الكهف أو من آخرها؟‬

‫بين أن‪َ :‬من قرأ ثالث آيات الأول من سورة الكهف‬


‫‪ -2‬جاءت بعض الروايات تُ ِّ‬
‫فقد أخرج الترمذي عن أبي الدرداء ‪ t‬عن النبي ‪ r‬قال‪:‬‬
‫صَم من فتنة الَّد َّج ال "‬
‫"من قرأ ثالث آيات من أول الكهف عُ ِ‬
‫َ‬
‫(وأخرجه كذلك النسائي في "عمل اليوم والليلة"‪)950 ،949:‬‬

‫ورواية اإلمام مسلم أصح وأشهر؛وعليها العمل عند أهل العلم‪.‬‬


‫‪ -3‬واجتهد بعض أهل العلم في كون فواتح سورة الكهف أمان من الَّد َّج ال فقال‪:‬‬
‫أمن أولئك الفتية من الجبَّار الطاغية الذي يريد إهالكهم‪،‬‬
‫"ألن اهلل أخبر في طليعة هذه السورة‪ ،‬أن اهلل َّ‬
‫فناسب أن َمن قرأ هذه اآليات‪ ،‬وحاله كحالهم أن ينجيه كما أنجاهم‪.‬‬
‫وقي ــل‪ :‬ألن في أوله ا من العج ائب واآلي ات ال تي تُِّثبت قلب مَن قرأه ا بحيث ال يُْفَتن بال َّد َّج ال‪ ،‬وال‬
‫(القيامـة الصـغرى‪ :‬ص‬ ‫يستغرب ما جاء به الَّد َّج ال‪ ،‬ولم يلهه ذلك‪ ،‬ولم يؤثر فيه "‬
‫‪)247‬‬

‫نسأل اهلل تعالى أن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن‪ .‬آمين‪ ...‬آمين‪ ...‬آمين‬

‫‪71‬‬
‫(من عالمات الساعة الكبرى ‪ -‬المسيح الدجال)‬

‫وبعد‪...‬‬
‫فهذا آخر ما تيَّس ر جمعه في هذه الرسالة‬
‫نسأل اهلل أن يكتب لها القبول‪ ،‬وأن يتقَّب لها مَّنا بقبول حسن‪ ،‬كما أسأله ‪ ‬أن ينفع بها‬
‫مؤلفها وقارئها‪ ،‬وَم ن أعان على إخراجها ونشرها‪......‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫هذا وما كان فيها من صواب فمن اهلل وحده‪ ،‬وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمِّني‬
‫ومن الشيطان‪ ،‬واهلل ورسوله منه براء‪ ،‬وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ‬
‫والصواب‪ ،‬فإن كان صوابًا فادُع لي بالقبول والتوفيق‪ ،‬وإ ن كان ثم خطأ فاستغفر لي‬
‫جّل َم ن ال عيب فيه وعال‬ ‫وإ ن وجدت العيب فسد الخلال‬
‫فاللهم اجعل عملي كله صالحًا ولوجهك خالصًا‪ ،‬وال تجعل ألحد فيه نصيب‬
‫والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصّلى اهلل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫هذا واهلل تعالى أعلى وأعلم‪.........‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك‬

‫‪72‬‬

You might also like