Professional Documents
Culture Documents
مسارات الحكامة الامنية بالمغرب
مسارات الحكامة الامنية بالمغرب
مسارات الحكامة الامنية بالمغرب
alkanounia.info
مفهوم الحكامة األمنية :الدالالت والمقاربات واألبعاد
شارك
د.أحمد الدرداري
استاذ القانون العام /منسق ماستر التدبير االستراتيجي للسياسات العمومية االمنية
بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بتطوان
إن الحديث عن المجال األمني ليس باألمر اليسير ،فقد كان إلى وقت قريب موضوع
األمن من المواضيع الممنوع الحديث فيها وباألحرى انتقادها ،لكن مسلسل
اإلصالح الشامل الذي دخل فيه المغرب مع بداية األلفية شمل كل جوانب الدولة
السياسية واالقتصادية واالجتماعية والقانونية واألمنية …الخ .ويأتي موضوع
إصالح المنظومة األمنية انطالقا من اعتبار األمن عملية تتطلب اإلصالح بناء على
النظرة المتعقلة والرصينة لتوازنات الدولة الشاملة ،واعتماد إصالحات جذرية في
مفاهيم السلطة والمواطنة ونقاط التالقي بينهما ومنها الحكامة األمنية .فماذا يقصد
.بالحكامة وما المقصود باألمن
ن لمفهوم الحكامة ارتباط باالقتصاد منذ القرن 18و 19م ،واألصل فيه أنه تعبير
عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده ،واليوم أصبح
متداوال من طرف المنظمات الدولية والسيما صندوق النقد الدولي كمؤسسة موجهة
لألنظمة المرتبطة به عن طريق الديون ،وأصبح مفهوم الحكامة اليوم يعني التدبير
السليم لمؤسسات الدولة ،وحكم تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية كفؤة
لتحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم
ودعمهم .وللحكامة أسس تتمثل في منظومة القيم التي ترسم معالم الهوية الوطنية
والموزعة عبر مختلف النصوص القانونية والضاربة جذورها في ثقافة المجتمع
وتاريخه ،وتجلياتها كثيرة منها نكران الذات والموضوعية واالعتراف باآلخر
وااليمان بالقيم وتصريف الجهد بالحس القوي والضمير الحي لخدمة المصلحة
العامة .إال أن الحكامة في المجتمعات العربية ليست بنفس المقاييس التي توجد
عليها في الدول الغربية نظرا الختالف كثير من األسس رغم أنها تلتقي في البعض
.منها
إن أساس مفهوم الحكامة تطوقه مجموعة من القيم والعادات والمعتقدات التي
تتحكم في فكر وسلوك الحاكم أومن يمتلك سلطة ،فكلما كانت منظومة القيم
االجتماعية والدينية والسياسية والقانونية منسجمة إال وأعطت شخصية سوية
نسبيا ،كما يسعف ذلك في تحمل المسؤولية واالحساس بأهميتها وبمخاطرها
وعواقب الفشل وإيجابيات النجاح .أما مرتكزاتها فهي نوعين إحصائية ورقابية،
أي أنها عقلية تعمل بمجموعة من القناعات واآلليات كالضبط والتحكم وتوجيه
نشاطات المؤسسات الوطنية والمحلية في شتى المجاالت ،وكذلك تشجيع التسيير
التشاركي واحترام الضوابط القانونية وتكامل األدوار بين الدولة والقطاع الخاص
والمجتمع المدني ،إلثبات حسن التدبير والتوافق واحترام االستراتيجيات
الموضوعة وتحقيق النتائج بالجودة والفعالية المتوخاة ،بينما المرتكز الرقابي
فيتمثل في الذاتي بالتقييم والنقد والموضوعي بتعليل القرارات من خالل الدراسات
والتقارير واستطالعات للرأي وتتبع المنجزات وجعل الموظف العمومي تحت
المراقبة إلبعاده عن الفساد وكل مظاهره والتوجه نحو التصريح بالممتلكات وصوال
.إلى اإلدارة الخدومة أو اإلدارة المواطنة
واألمن بمفهومه الواسع يرتبط بحياة االنسان عموما ،كاألمن الغذائي واألمن
الروحي واألمن التربوي واألمن البيئي واألمن البيولوجي واألمن المائي واألمن
الهوياتي واألمن الصحي…الخ .أما األمن بمفهوم استعمال القوة من أجل الحفاظ
على السكينة والهدوء واألمن العام – ونظرا الرتباطه الواسع بالوطن والدولة
والمجتمع والمؤسسات -فإن المقاربة األمنية مع تطور المجال الحقوقي المدستر
والمرتبط بمسار الديمقراطية التي وسعت مطالب الشعوب وهامش الحريات الفردية
والجماعية ،فرض تعميق االصالح تفاديا لتأجيج األوضاع وخلق اضظرابات
وحراك قد يغير األوضاع إلى األسوأ كما حدث في بلدان عربية ومغاربية والتي ما
.تزال عالقة دون أمن وال ديمقراطية
هذا وتفترض المقاربة األمنية طرح عدد من األسئلة في ارتباطها بالحكامة حتى
يمكن محاكاتهما بشكل جيد وهي :لماذا وكيف ومتى تستعمل القوة ؟ وما حدود
استعمالها؟ وما هي العالقة بين استعمال القوة والحكامة األمنية؟ وهل توصيات
هيئة االنصاف والمصالحة تعني حكامة استعمال القوة؟ وهل إحداث مجلس أعلى
لألمن هو نقلة نوعية من أجل أبعاد أمنية ترقى للمستوى الدولي؟
إن استمرار المجتمع والدولة والمؤسسات سواء المسيسة وغير المسيسة
والمدنية يتوقف على األمن بدرجة أساسية ،وتنظيم العالقة بين مكونات الدولة
الواحدة واحترام الحدود يتطلب وجود األمن ،وال يمكن تحقيق االنتقال الديمقراطي
خارج مبدأ الحكامة األمنية ،كما ال يمكن توحيد النظرة والثقافة داخل الدولة ألن
الثقافة األمنية ليست هي الثقافة السياسية أو األدبية أو االقتصادية أو الدينية ،بل
تلتقي نسبيا مع الثقافة الحقوقية ،لذا البد من االحتفاظ بحدود تسمح باالحترام
الكافي للمؤسسة األمنية وحتى يبقى المجال األمني بعيدا عن التسييس والسلطة
المنتخبة ،وفي المقابل ينبغي تدبير استعمال القوة بما يتماشى مع المنظور
الحقوقي دون انحالل المؤسسة األمنية ،بل ينبغي التقيد بالتشريعات حتى لو كلف
.االستقرار ضريبته التي تقبلها كل األنظمة
إن ارتباط عمل المؤسسات بالشرعية يتطلب من األجهزة األمنية استعمال القوة
بشكل دقيق ووفق القوانين دون المساس بالشرعية التي تمثل كل التوافقات
المحددة وفق القوانين المعمول بها والتي تتماشى مع التشريعات الدولية ،وهذا ما
جاء في توصيات هيئة اإلنصاف والمصالحة حيث دعت إلى ترشيد الحكامة األمنية
عبر عدد من اإلجراءات منها المراقبة والتحقيق في مجال األمن ،والمراقبة
الوطنية للسياسات والممارسات األمنية ،والتكوين المتواصل لرجال السلطة واألمن
في مجال حقوق اإلنسان ،وتفعيل آثار قاعدة الحكومة مسؤولة بشكل تضامني عن
العمليات األمنية وحفظ النظام العام وحماية الديمقراطية وحقوق اإلنسان ،وإلزامها
بإخبار الجمهور والبرلمان بكل األحداث المستوجبة تدخل القوة العمومية
ومجرياتها ونتائج العمليات والمسؤوليات وكل التدابير التصحيحية التي قد تتخذ في
الموضوع .وأيضا تقوية أداء لجان تقصي الحقائق البرلمانية بالخبرة األمنية،
وتوسيع اختصاص البرلمان في مجال المساءلة واالستماع المباشر ليشمل –
باإلضافة إلى الوزراء في العدل واألمن -كل المسؤولين المباشرين عن أجهزة
األمن وعمليات الردع على األصعدة الوطنية واإلقليمية والمحلية ،ونشر اإلطار
القانوني لألمن ونصوصه التنظيمية ومسلسل اتخاذ القرار األمني وطرق التدخل
وأنظمة المراقبة وتقييم عمل االجهزة اإلستخباراتية والسلطات اإلدارية المكلفة
.بحفظ النظام العام ولها سلطة استعمال القوة العمومية
ومن جهة أخرى توصيف وتصنيف حاالت األزمة األمنية وشروط وتكنولوجيا
التدخل فيها ،وإعداد التقارير عن التدخالت األمنية ونشرها فورا وبشكل شفاف،
واإلشراف السياسي على عمليات األمن وحفظ النظام العام ،والمراقبة المحلية
.واإلقليمية من طرف لجنة متعددة التكوين وإعداد تقارير مفصلة
أما بخصوص معايير استعمال القوة فإن هيئة اإلنصاف والمصالحة أوصت
بضرورة إلزام كل جهاز أو وكيل للسلطة أو األمن باالحتفاظ بكل ما يوثق لقرار
التدخل أو اللجوء إلى القوة العمومية ،وكذلك التقارير واالشعارات والمراسالت
المتصلة بها ،وإبطال األوامر والتعليمات الشفوية إال في حالة الخطر المحدق والتي
ينبغي أن تستتبع بأن توثق كتابة لتأكيدها ،والمعاقبة اإلدارية والجنائية الصارمة
في حق كل من أخفى الخسائر البشرية أو المادية واالستعمال المفرط للقوة
العمومية أو تزوير أو تدمير أو تستر عن كل حالة تجاوز أو وثائق متصلة بها،
ووضع برنامج خاص بالتكوين المستمر في مجال حقوق االنسان وثقافة المواطنة
والمساوات لفائدة المسؤولين وأعوان السلطة والمكلفين بحفظ النظام ،باالستناد
على المعايير الدولية والتشريعات الوطنية المتعلقة بحقوق االنسان باإلضافة إلى
تحسيس مختلف المسؤولين وأعوان األمن بقواعد الحكامة الجيدة على المستوى
األمني واحترام حقوق االنسان ،وحفظ جميع األرشيفات الوطنية وتنسيق تنظيمها
بين كل الدوائر المعنية وسن قانون متعلق بها ،ومراجعة محتوى تاريخ المملكة
وإدراج مادة االنتهاكات وتطور قضايا حقوق االنسان واالصالح الديموقراطي،
باإلضافة إلى تقوية دور المجلس االستشاري لحقوق االنسان فيما يخص التصدي
التلقائي أو بناء على طلب في مجال التحري وتقصي الحقائق وتتبع سير
المحاكمات ورفع درجة تعاون السلطات العمومية فيما يتعلق بتحقيقاته وتمكينه من
.المعلومات والتقارير
مما سبق يتبين أن الحكامة األمنية ال تكتمل إال بتكامل عمل الدولة ومؤسساتها
والقطاع الخاص والمجتمع المدني وتكريس ثقافة الحكامة بالمشاركة والمحاسبة
في ظل الديموقراطية التي تعمل بالمساءلة السياسية واإلدارية للمسؤولين عن
سوء تأديتهم لوظائفهم وإدارتهم للموارد العامة وحماية الشأن العام من التعسف
واستغالل السياسيين لمواقعهم وحماية الملك الخاص من االعتداء لضمان حياة
.كريمة لإلنسان والمواطن والجماعات داخل الدولة
إن إصالح المجال األمني في الغالب ينظر إليه من مقاربة تقوم على توفير
التجهيزات والعتاد والزيادة في الموارد البشرية واللوجستيكية ،ويتم تجاهل
المقاربة السياسية التي ترتكز على أن األمن خدمة اجتماعية واعتبار األمن قضية
مجتمعية ذات بعد سياسي تساءل كافة الفعاليات وترتبط في العمق بإرساء دولة
القانون وتحقيق التنمية على أساس التصورات التي تضمنتها التشريعات والقوانين
.والدساتير الممتدة تاريخيا لتصورات رواد العقد االجتماعي
ومفهوم الحكامة األمنية يتطلب تأمين حماية األفراد والممتلكات وخدمة المواطنين
وليس الدولة فقط والحد من الجريمة ومحاربة الممارسات المتناقضة مع مفهوم
األمن سواء داخل منظومة األمن أو داخل المجتمع والخروج من دائرة التسيب
والفوضى من تحت مظلة األمن وكذا مظلة حقوق االنسان وضبط كل التجاوزات،
باعتبار األمن هو أحد خطوط التماس بين الحكومة والمواطن أو الدولة والمجتمع،
وهذا يفرض صياغة جديدة لمفاهيم الحق والحرية والواجب والتفريق بينها،
وجعلها تتماشا متطابقة مع مضامينها الدستورية ،وتغييرها بممارسات تشرح
الغامض منها وتكلم المسكوت عنه فيها .فحق االضراب والتظاهر مثال ،ما يزال
غير مقنن بقانون تنظيمي ،وأمام هذا الفراغ يعتمد المضرب أو المتظاهر التأويل
للتشريعات الدولية وتعتمد المؤسسات األمنية التأويل المضاد باللجوء للتشريعات
.والقرارات الوطنية
والحكامة األمنية هي أسلوب حديث لتأهيل المجتمع والدولة استكماال لحكامات
أخرى تعنى بالجوانب السياسية واالجتماعية واالقتصادية والدينية… وهي
حكامات تختلف من حيث اآلليات لكنها تتوحد من حيث القصد والغاية .وقد أحدث
المجلس األعلى لألمن كمؤسسة أمنية أسمى تسند إليها مهمة أعمق بوضع
استراتيجية أنجع قوامها الحكامة األمنية الشاملة ذات االمتداد واالهتمام الوطني
والدولي ،تبعا للفصل 54من الدستور المغربي فإن هذا المجلس يرأسه الملك
ويضم مدنيين وعسكريين ووزير المالية باإلضافة إلى القيادة المسيرة ،ويتولى
وضع االستراتيجيات األمنية وتدبير الملفات األمنية الكبرى بجمع المعلومات
وتبادلها بين مختلف مكونات الحقل األمني والعسكري والرفع من مستوى التنسيق
من أجل حكامة ونجاعة تدبير الملفات باإلضافة إلى تجاوز سلبيات عدم تدخل
المؤسسات األمنية في شؤون بعضها لكون كل منها لها تنظيمها الخاص وتعمل
.باستقاللية عن االخرى
وقد صدر ظهير 23فبراير الخاص بتنظيم جهاز األمن شق التدبير اإلداري ليضع
هيكلة جديدة ،بسن نظام أساسي لرجال األمن استجابة لتطلعات العاملين في سلك
الشرطة وتلبية مطالبهم االجتماعية والوظيفية ،باإلضافة إلى القانون األساسي
الخاص بالتنظيم الهيكلي المركزي والخارجي لألمن (لدى األمانة العامة
للحكومة).وهناك مشروع لتكوين رجال األمن في مجال حقوق اإلنسان ،كما قامت
المديرية العامة لألمن بتدريب عناصرها على الحكامة األمنية إلشاعة حقوق
اإلنسان وحقوق الالجئ والقانون الدولي اإلنساني ،وأبرمت أيضا اتفاقية شراكة
مع المجلس االستشاري لحقوق االنسان ووزارة الداخلية وقيادة الدرك الملكي
تقضي بإعداد دليل عملي لموظفي تنفيذ القانون مع توضيح تطبيقات حقوق
االنسان في المجال األمني ،كما جندت المديرية أطرها وأساتذة مختصين لتكوين
عناصرها حول حقوق االنسان وقاية من التجاوزات وجرائم التعذيب والشطط
.والرفع من مؤهالتهم
وقد أصبح للمغرب مؤسسة دستورية تشاورية بشأن األمن الداخلي والخارجي
للبالد وتدبير حاالت األزمات ومأسسة ضوابط الحكامة األمنية الجيدة ،ورئاسة
المجلس األعلى لألمن من قبل الملك وإمكانية إسناد لرئيس الحكومة رئاسة
اجتماعاته وفق جدول أعمال محدد ،كما منح الدستور ألول مرة للمدنيين فرصة
اإلسهام في وضع السياسات األمنية للبالد حيث يضم المجلس عسكريين ورئيس
الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان والرئيس المنتدب للمجلس األعلى للسلطة
القضائية ووزير الداخلية والعدل وإدارة الدفاع الوطني ومسؤولين عن االدارات
األمنية وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية وشخصيات مدنية كخبراء
متخصصين… ويتولى المجلس األعلى لألمن اإلشراف على تطبيق المخطط األمني
2017 – 2013ووضع استراتيجية أمنية في ظل التحديات األمنية المرتبطة
.باإلرهاب والجرائم والوسائل المستعملة فيها
وما دام الواقع مفتوح على كل االحتماالت مثل تنامي التطرف وانتشار الجريمة
العابرة للقارات وتنوعها في مقابل نسبية القدرة على التنبؤ والوقاية والقدرة على
المواكبة والتحكم في المعلومة ،والسرعة التي تتوالى بها األحداث وحركية التطور
العام داخل المجتمع ،فإن المغرب يتوفر على خارطة طريق للحكامة األمنية تعزز
المجهود المبذول وذلك باعتماد المسؤولية الحكومية في مجال األمن بإخراج
الحكامة السياسية األمنية الى حيز الوجود ،والعمل بالمراقبة والتحقيق البرلماني
في مجال األمن وتحديث أجهزته ،والمراقبة الوطنية واإلقليمية والمحلية للسياسات
والممارسة األمنية ،وتحديد معايير وحدود استخدام القوة والتكوين الممنهج لرجال
األمن والسلطة واألعوان في مجال حقوق اإلنسان… وهذا يدل على أن الدولة
المعاصرة تسيست ،وال يمكن تقديم إصالحات إال عن طريق استعمال أدواتها
.المشروعة ووسائلها القانونية