Alkhatab PDF Walid 1441

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 244

‫خطب ومواضيع‬

‫رمض ـ ـ ـ ـ ــانيـ ـ ـ ــة‬


‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪2‬‬

‫للطباعة والتصوير‬
‫ايلمن – ذمار – معرب‬
‫‪3‬‬ ‫املقدمـ ــة‬

‫خطب ومواضيع‬
‫‪‬عنوان‬

‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫يف سريته ‪‬‬

‫رمضانية‬

‫مجع وترتيب‬
‫وليــــد الغريبي‬
‫عفا اهلل عنه وعن والديه‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬ ‫املقدمـ ــة‬

‫‪‬عنوان‬
‫البيان‪ ,‬أكرم األمة ببعثة سيد ولد‬
‫األول‪:‬‬ ‫علمه‬ ‫احلمد اهلل الرحيم الرمحن‪ ,‬خلق اإلنسان‪,‬‬
‫الباب‬ ‫‪1‬‬
‫عدنان‪ ,‬وأنزل عليه القرآن بأفصح لسان وأمره بمزيد من البيان ‪ ,‬يدعو إىل س ُبل‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫الرضوان‪ ,‬صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه ومن سار عىل هنجه واقتفى أثره ما تعاقب‬
‫امللوان؛ وبعد ‪:‬‬
‫فقد طلب مني أحد اإلخوة الفضالء إعداد بعض اخلطب واملواضيع الرمضانية‬
‫للحاجة إليها ‪ ..‬فأجبته إىل سؤله مع أن غريي أوىل مني‪..‬ألمهية األمر ورشفه‪ ..‬ولكن‬
‫حماولة أرجوا أن ينفعني اهلل هبا ومن شاء من عباده‪.‬‬
‫وهذا الكتاب عىل ثالثة أجزاء كام هو بني يديك اخرتنا بعض املواضيع املتعلقة‬
‫برمضان معتمدا عىل نصوص الوحيني ومقتبسا من كالم العلامء الراسخني ثم اخلطباء‬
‫البارزين أسأل اهلل أن جيعلنا هداة مهتدين غري ضالني وال مضلني‬
‫وال حول وال قوة إال باهلل العزيز احلكيم‬

‫وكتب ‪ :‬وليد بن حممد الغريبي‬


‫عفا اهلل عنه وعافا والديه ومجيع مرضى املسلمني‪,‬‬

‫‪ç 3113/8/31‬‬

‫هذه النسخة خاصة باجلوال اليسمح‬


‫أو‬ ‫بطبعها إال بإذن خطي من امللؤل‬
‫النارش‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪6‬‬
‫‪7‬‬ ‫خطبة (استقبال شهر رمضان)‬

‫‪‬عنوان‬
‫البابه‪ ,‬ونعو ُذ‬
‫األول‪:‬باهلل من رشور أنفسنا‪ ,‬ومن‬ ‫ونستغفر‬
‫ُ‬ ‫إن احلمد هلل؛ نحمدُ ه‪ ,‬ونستعينُه‪,‬‬ ‫‪1‬‬
‫مضل له‪ ,‬و َمن يضلِ ْل؛ فال هادي له‪.‬‬
‫س ِّيئات أعاملنا‪َ ,‬من هيده اهلل؛ فال َّ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أن حممدا عبدُ ه ورسو ُل ُه‬
‫رشيك له‪ .‬وأشهدُ َّ‬
‫َ‬ ‫وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ,‬وحدَ ه ال‬
‫َ َ َ ُ ُ ذ ذ َ َ ُ ُّ ُ َ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ذ ُ َ‬
‫{يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل حق تقاتِهِۦ وَل تموتن إَِل وأنتم مسل ِمون ‪[ } 102‬ال‬

‫عمران]‬
‫كم مِن ذنفس َوَٰح َِدة َو َخلَ َق مِن َها َزو َجهاَ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ ْ َ ذ ُ ُ ذ‬
‫يأيها ٱنلاس ٱتقوا ربكم ٱَّلِي خلق‬ ‫{ َٰٓ‬
‫َ َ َ َ ذ ذ‬ ‫َ ٓ ُ َ‬ ‫ُ َ َ ٗ َ ٗ َ َ ٓٗ َ ذ ُ ْ ذَ ذ‬ ‫ذ‬
‫ٱّللَ‬ ‫ٱّلل ٱَّلِي ت َسا َءلون بِهِۦ وٱلرحام إِن‬ ‫َو َبث مِنهما رِجاَل كثِيا ون ِساء وٱتقوا‬
‫َ َ ََ ُ َ ٗ‬
‫َكن عليكم رق ِيبا ‪[ } 1‬النساء]‬
‫َ ُ َ َ َٰ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ُ ُ ْ َ ٗ َ ٗ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل وقولوا قوَل سدِيدا ‪ 70‬يصل ِح لكم أعملكم‬
‫ظيما ‪[} 71‬االحزاب]‬
‫از فَو ًزا َع ِ ً‬ ‫ٱّلل َو َر ُس َ ُ‬
‫وَلۥ َف َقد فَ َ‬ ‫كم َو َمن ي ُ ِطعِ ذ َ‬ ‫َ ُ ُُ َ ُ‬
‫َو َيغفِر لكم ذنوب‬
‫‪َ ,‬و َرش األُ ُم ِ‬
‫ور‬ ‫َّ‬ ‫َاب اهللِ‪َ ,‬و َخ ْ َري ْاْلَدْ ِي َهدْ ُي ُحم َ َّم ٍد‬ ‫َأما بعدُ ‪َ ،‬فإِ َّن َخري ْ ِ ِ ِ‬
‫احلديث كت ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫ال َل ٍة ِِف الن ِ‬
‫َّار‪.‬‬ ‫اُتا‪َ ,‬وك َُّل ُحم ْدَ َث ٍة بِدْ َع ٌة‪َ ,‬وك َُّل بِدْ َع ٍة َض َ‬
‫ال َل ٌة‪َ ,‬وك َُّل َض َ‬ ‫ُحم ْدَ َث ُ َ‬
‫أيها الناس عباد اهلل ! إن األمة اإلسالمية تستقبل ضيفا كريام وموسام كبريا من‬
‫مواسم اخلريات والربكات‪.‬‬
‫شهر تضاعف فيه احلسنات‪ ,‬وتُرفع فيه الدرجات‪,‬‬
‫إنه شهر رمضان املبارك‪ٌ ,‬‬
‫وتغفر فيه الذنوب‪ ,‬و ُت َك ّفر اخلطيئات‪ ,‬إنه سيد الشهور‪ ,‬وأنفس األوقات والدهور‬
‫ش املسلمون فيه بتجارة لن تبور ‪.‬‬
‫ُي َب ّ ُ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪8‬‬
‫فإن اهلل تبارك وتعاىل اختص شهر رمضان بخصائص عديدة وفضائل عظيمة‬
‫ومنها عىل سبيل اإلجياز‪:‬‬
‫أنه شهر نزول القرآن ومجيع الكتب الساموية التي هبا هداية البشية ‪ ,‬كام قال اهلل‬
‫ْ‬ ‫اس َو َبينَ‬ ‫ُْ ْ ُ‬
‫آن ُه ًدى ل ذ‬ ‫َ ُْ ََ َ َ ذ ُْ َ‬
‫ات م َِن ال ُه َدى‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِلن‬ ‫ر‬‫ق‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِي‬ ‫ف‬ ‫ل‬‫جل وعال‪{ :‬شهر رمضان اَّلِي أنزِ‬
‫َ ُْ َْ‬
‫ان} [البقرة‪.]585 :‬‬
‫والفرق ِ‬
‫أنه قال ‪ :‬أنزل القرآن يف ليلة القدر من السامء العليا‪ ,‬مجلة‬ ‫عن ابن عباس‬
‫واحدة‪ ,‬ثم ّفرق يف السنني بعدُ ‪.‬‬
‫قال ‪« :‬أنزلت صح‬ ‫عن النبي‬ ‫ويف الصحيح عن واثلة بن األسقع‬
‫إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان وأنزل‬
‫اإلنجيل لثالث عرشة مضت من رمضان وأنزل الزبور لثامن عرشة خلت من رمضان‬

‫وأنزل القرآن ألربع وعرشين خلت من رمضان» رواه أمحد انظر الصحيحة (‪.)3151‬‬
‫َذٓ‬ ‫َ َ‬
‫فنزول القرآن عىل نبينا أعظم النعم وأجل املنن‪ ,‬قال تعاىل‪ { :‬أ َو لم يَكفِ ِهم أنا‬
‫ُ ُ َ‬ ‫َ َٰ َ َ َ َ ٗ َ َ َٰ َ‬ ‫ذ‬ ‫َ َ ُ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ََ‬
‫َٰ‬
‫أنزنلا عليك ٱلكِتب يت َٰل علي ِهم إِن ِف ذل ِك لرۡحة وذِكرى ل ِقوم يؤمِنون}‬
‫[العنكبوت‪]15 :‬‬
‫ومن خصائص شهر رمضان املبارك أنه شهر الشفاعة بالصيام والقرآن ‪.‬‬
‫آن َي ْش َف َع ِ‬
‫ان‬ ‫الص َيا ُم َوا ْل ُق ْر ُ‬
‫َق َال‪ِّ « :‬‬ ‫ول اهللَِّ‬ ‫‪َ :‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫ف َع ْن َع ْب ِد اهللَِّ ْب ِن َع ْم ٍرو‬
‫ار‪َ ،‬ف َش ِّف ْعن ِي‬
‫ات بِالن ََّه ِ‬ ‫الشهو ِ‬
‫ي َر ِّب‪َ ،‬منَ ْع ُت ُه ال َّط َعا َم َو َّ َ َ‬ ‫الص َيا ُم‪َ :‬أ ْ‬
‫ول ِّ‬ ‫لِ ْل َع ْب ِد َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫آن‪ :‬منَع ُته النَّوم بِال َّلي ِل‪َ ،‬ف َش ِّفعن ِي فِ ِ‬
‫يه ‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف ُي َش َّف َع ِ‬ ‫يه‪َ ،‬و َي ُق ُ‬ ‫فِ ِ‬
‫ان» أي يشفعهام اهلل‬ ‫ْ‬ ‫ول ا ْل ُق ْر ُ َ ْ ُ ْ َ ْ‬
‫فيه ويدخله اجلنة‪ .‬مسند أمحد ط الرسالة (‪ )311 /33‬انظر صحيح الرتغيب (‪.)151‬‬
‫‪9‬‬ ‫خطبة (استقبال شهر رمضان)‬
‫‪َ ,‬ق َال‪:‬‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫عنوان‬ ‫ومنها أنه شهر الرتاويح والتهجد‪ :‬ف َع ْن َأ ِِب ُه‬
‫‪َ ‬ر ْي َرةَ‪,‬‬
‫احتِ َسا ًبا‪ ،‬غ ُِف َر َل ُه َما َت َقدَّ َم ِم ْن َذ ْنبِ ِه» متفق عليه‪,‬‬
‫ان إِ َيامنًا َو ْ‬
‫« َم ْن َقا َم َر َم َض َ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫الر ُج َل إِ َذا َص َّىل َم َع ْ ِ‬
‫اإل َما ِم‬ ‫قال ‪« :‬إِ َّن َّ‬ ‫عن النبي‬ ‫وعن أِب ذر الغفاري‬
‫‪‬‬ ‫ِ‬ ‫فح ِ‬ ‫يف سريته‬
‫ب َل ُه ق َيا ُم َل ْي َلة»‪ .‬سنن أيب داود (‪ )15 /2‬انظر صحيح اجلامع ‪.3355‬‬‫س‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫َْص‬
‫َحتَّى َين َ‬
‫وقيام شهر رمضان سبب الستحقاق ونيل رشف اسم الصديقني والشهداء‪ :‬فقد‬
‫جاء رجل إىل النبي فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ,‬أرأيت إذا شهدت أن ال إله إال اهلل‪ ,‬وأنك‬
‫رسول اهلل‪ ,‬وصليت الصلوات اخلمس‪ ,‬وأديت الزكاة‪ ,‬وصمت رمضان وقمته َف ِممن‬
‫أنا؟ قال‪" :‬من الصديقني والشهداء" رواه البزاروغريه انظر صحيح الرتغيب ‪.163‬‬

‫يف أول ليلة من‬ ‫وعن أِب إسحاق اْلمداين‪ :‬خرج عيل بن أِب طالب‬
‫رمضان‪ ,‬والقناديل تزهر يف املسجد‪ ,‬وكتاب اهلل يتىل يف صالة الرتاويح فجعل ينادي‪:‬‬
‫خمتَص قيام الليل للمروزي (ص‬ ‫ّنور اهلل لك يا ابن اخلطاب يف قربك كام ّنورت مساجد اهلل بالقرآن"‬
‫‪. )11‬‬

‫ومن فضائله أنه شهر التوبة وتكفري الذنوب‪ :‬فقد ثبت يف صحيح مسلم أن‬
‫ان‪،‬‬ ‫اجل ْم َع ِة‪َ ،‬و َر َم َض ُ‬
‫ان إِ َىل َر َم َض َ‬ ‫اجل ْم َع ُة إِ َىل ُْ‬
‫اْل ْم ُس‪َ ،‬و ُْ‬
‫ات َْ‬ ‫الص َل َو ُ‬
‫رسول اهلل قال ‪َّ « :‬‬
‫َب ا ْل َك َبائِ َر»‪.‬‬ ‫ات َما َب ْين َُه َّن إِ َذا ْ‬
‫اج َتن َ‬ ‫ُم َك ِّف َر ٌ‬
‫ومن خصائصه الكثرية ومميزاته العظيمة أنه شهر فتح أبواب ِ‬
‫اجلنان‪ :‬وشهر اجلود‬

‫واإلحسان وفيه تصفيد الشياطني وإغالق أبواب اجلحيم‪ :‬ففي الصحيحني عن النبي‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪51‬‬
‫ت َأبواب جهنَّم‪ ،‬وس ْل ِس َل ِ‬ ‫ت َأبواب الر ِ‬ ‫أنه قال ‪« :‬إِ َذا ك َ‬
‫ت‬ ‫محة‪َ ،‬و ُغ ِّل َق ْ ْ َ ُ َ َ َ َ ُ‬
‫ان ُفت َِّح ْ ْ َ ُ َّ ْ َ‬
‫َان َر َم َض ُ‬

‫ني» ويف رواية" و ُتغل فيه مردة الشياطني"‪.‬‬‫َّ ِ‬


‫الش َياط ُ‬

‫قال القرطبي ‪ :‬فإن قيل كيف نرى الشور واملعايص واقعة يف رمضان كثريا‬

‫فلو صفدت الشياطني مل يقع ذلك؟‬

‫فاجلواب‪ :‬أهنا إنام تقل عن الصائمني بالصوم الذي ُحوفظ عىل رشوطه وروعيت‬

‫املصفد بعض الشياطني وهم املردة ال كلهم كام تقدم يف بعض الروايات‪ ,‬أو‬
‫آدابه‪ ,‬أو َّ‬

‫املقصود تقليل الشور فيه وهذا أمر حمسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غريه‪.‬‬

‫ومن فضائله أنه شهر العتق من النريان‪ :‬شهر فكاك الرقاب من دار الشقاء واحلرمان‪,‬‬
‫قال‪ « :‬إن هلل ‪ ‬عند‬ ‫عن النبي‬ ‫واخلذالن واْلوان‪ ,‬فقد صح عن أِب أمامة‬
‫رواه أمحد‪ .‬انظر املسك والراحان فيام اتفق عىل تصحيحه الشيخان ‪.)448‬‬ ‫كل فطر عتقاء»‬
‫فاجتهدوا ‪ -‬رعاكم اهلل ‪ -‬ما استطعتم يف إعتاق رقابكم‪ ,‬وفكاك أبدانكم‪,‬‬
‫حز َح َعن انلذ‬‫ََ ْ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ار‬ ‫ِ‬ ‫ورشاء أنفسكم من اهلل ™ فذلك ورِب هو الفوز العظيم‪{ .‬فمن ز ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ ْ َ ْ َ ذ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ُ ُّ ْ َ ذ َ َ ُ ْ ُ‬
‫وأدخِل اْلنة فقد فاز وما اْلياة ادلنيا إَِل متاع الغرورِ} [آل عمران‪.]381 :‬‬

‫ومن فضائل شهر رمضان املبارك أنه شهر ليلة القدر وما أدراكم ما ليلة القدر ؟‬
‫َ َ َْ ْ‬ ‫ذ َْ ْ‬
‫إهنا ليل ٌة رشفها اهلل بقوله ‪  { :‬إِنا أن َزنلَا ُ ِف ْيْلةِ القد ِر‬
‫‪55‬‬ ‫خطبة (استقبال شهر رمضان)‬
‫َ َذُ َْ َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ََُْ َْ ْ َ ٌْ ْ َْ‬ ‫ََ ََْ َ َ ََُْ َْ ْ‬
‫عنوان ِف شه ٍر ‪ 3‬تَنل المَلئِكة‬ ‫‪‬مِن أل‬ ‫‪ 1‬وما أدراك ما ْيلة القدرِ ‪ْ 2‬يلة القدرِ خي‬
‫َ َ ٌ َ َ ذ َ ْ َ َْ ْ‬ ‫َ ُّ ُ َ ْ َ ْ ْ ُ َ ْ‬
‫ك أم ٍر ‪ 4‬سَلم ِِه حَّت مطلعِ الفجرِ‪}5‬‬ ‫والروح فِيها بِإِذ ِن ربِهِم مِن ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُْ ََ َ َ ذ‬ ‫‪:‬‬ ‫األول‬ ‫الباب‬ ‫‪1‬‬
‫ومنها أنه شهر يستجاب فيه الدعاء‪ :‬قال تعاىل ‪{ :‬شهر رمضان اَّلِي أن ِزل فِيه ِ‬
‫يب َد ْع َوةَ ذ‬
‫ادل ِ‬ ‫يب أُج ُ‬ ‫ك عِبَادِي َعّن فَإّن قَر ٌ‬ ‫سريته ‪َ َ َ َ َ ‬‬ ‫يف ْ ُ ْ ُ‬
‫اع‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ل‬‫أ‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ِإَوذ‬ ‫بعدها‬ ‫قال‬ ‫أن‬ ‫إىل‬ ‫‪..‬‬ ‫آن‬ ‫القر‬
‫ُ َ‬ ‫َ ذ‬ ‫ْ ْ‬ ‫إذَا َد ََعن فَلْيَ ْس َ‬
‫جيبُوا ِِل َوْيُؤمِنُوا ِِب ل َعل ُه ْم ي َ ْرش ُدون} [البقرة‪ ]586 :‬وثبت عند‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصائِ ُم َحتَّى ُي ْفطِ َر »‪.‬‬
‫الرتمذي أن النبي قال‪َ « :‬ث َال َث ٌة َال ت َُر ُّد َد ْع َو ُ ُُت ْم‪ :‬وذكر منهم َّ‬
‫ان َت ْق ِِض َح َّج ًة َأ ْو‬‫ومنها أنه شهر مضاعفة احلسنات‪ :‬لقوله ‪ُ « :‬ع ْم َر ٌة ِِف َر َم َض َ‬
‫َح َّج ًة َم ِعي» متفق عليه‪.‬‬
‫ومنها أنه شهر الشكر و الصرب ‪ :‬فاملسلم إذا صام عرف نعمة اهلل عليه يف الشبع‬
‫والري‪ ,‬فشكرها لذلك‪ ,‬فإن النعم ال ُي ْع َرف مقدارها إال بفقدها‪,‬‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ذَ َُ ذ ذ ُ َ ْ َ ُ ْ َ ْ‬
‫وأما كونه شهر الصرب فقد قال تعاىل ‪{:‬إِنما يوَّف الصابِرون أجرهم بِغ ِ‬
‫ي‬
‫اب} [الزمر‪ ]51 :‬والصوم جتتمع فيه معاين الصرب الثالثة‪ :‬الصرب عىل أمل اجلوع‬ ‫َ‬
‫حِس ٍ‬
‫‪" :‬شهر‬ ‫والعطش‪ ,‬والصرب عن املعايص‪ ,‬والصرب عىل الطاعات‪ ,‬وقد سامه النبي‬
‫انظر الصحيحة ‪.2621‬‬ ‫الصرب"‬
‫أج ّل مكاسبنا يف هذا الشهر الكريم أن نتعود عىل الصرب فإنه مجاع‬
‫فليكن من َ‬
‫اخلري ونياط كل فضيلة ‪.‬‬

‫‪‬ومنها أنه شهر االنتصارات والفتوحات‪ :‬ففى السنة الثانية من اْلجرة ويف‬
‫السابع عش من رمضان كانت غزوة بدر الكربى التي سمى اهلل يومها يوم ال ُفر ِ‬
‫قان؛‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪52‬‬
‫ِ‬
‫الكفار‬ ‫احلق وال َباطِ ِل بن َْْص رسول ِ ِه واملؤمنني َ‬
‫وخ ْذ ِل‬ ‫ألنَّه سبحانه َّفر َق فيه َب ْ َ‬
‫ني ِّ‬

‫املشكِني‪.‬‬

‫جر ِة فأن َق َذه اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬


‫السنَة الثامنَة من ْاْل َ‬ ‫ِ‬
‫األمني يف َّ‬
‫وكان فيه أيض ًا غزو ُة فت ِْح مكة ِ‬
‫البلد‬
‫الش ِك‪,‬‬ ‫ِ ِ‬
‫الفتح العظي ِم م َن الشك األثيم‪ ,‬وصار بلدا إسالميا َح َّل فيه التوحيدُ عن ِّ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هبذا‬
‫ِ‬
‫الواحد ا ْل َق َّهار‪,‬‬ ‫االستِ ْك َبار‪ُ ,‬أعلِن َْت فيه عباد ُة‬ ‫ِ‬ ‫واإل ْي َام ُن عن ال ُك ْف ِر‪,‬‬
‫ِ‬
‫واإلسال ُم عن ْ‬
‫ْج َبار‪,‬‬‫الشك فامْلا ب ْعدَ َذل ِ َك ان ِ‬
‫ِ‬ ‫ُِس ْت فيه ْأو ُ‬
‫ثان‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وك َ‬
‫وهكذا عباد اهلل من قرأ تاريخ اإلسالم –وما أغفل كثريا من املسلمني اليوم عن‬
‫قراءة تارخيهم وجمدهم العريق‪ -‬فلو قرأوا لوجدوا أن معظم الفتوحات وأشهر‬
‫االنتصارات كانت يف شهر رمضان املبارك‪.‬‬
‫فحري بكل‬
‫ٌ‬ ‫فإذا كان شهر رمضان موسوم ًا هبذه اْلصائص وحمفوفا هبذه الفضائل؛‬
‫مسلم أن يشتاق إىل هذا املتجر الرابح‪ ,‬وأن يتهيأ ْلذا املوسم املبارك قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َْ َ َ‬
‫{ َو َِّف ذل ِك فليَت َناف ِس ال ُمتَ َناف ُِسون} [املطففني‪ ]26 :‬وقال سبحانه‪َ { :‬و َسارِ ُعوا إِِل‬
‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َذ َ ْ ُ َ ذ َ َ ُ َ َْْ ُ ُ ذ ْ ْ‬
‫مغفِرةٍ مِن ربِكم وجن ٍة عرضها السماوات والرض أعِدت ل ِلمتقِي} [آل عمران‪. ]311 :‬‬

‫فيا من يريد سعادة الدارين! اغتنم هذه الفرصة العظيمة التي ُخيشى أن ال تدركها عاما‬
‫قال ‪ «:‬افعلوا اْلري دهركم ‪ ،‬و تعرضوا‬ ‫عن النبي‬ ‫آخر فعن أنس بن مالك‬
‫لنفحات رمحة اهلل ‪ ،‬فإن هلل نفحات من رمحته يصيب هبا من يشاء من عباده و سلوا اهلل‬
‫أن يسرت عوراتكم و أن يلؤمن روعاتكم » رواه الطرباين الصحيحة( ‪. )3815‬‬
‫‪53‬‬ ‫خطبة (استقبال شهر رمضان)‬

‫‪‬عنعنوان‬
‫النبي ‪ ‬قال ‪« :‬إذا كان أول ليلة‬ ‫ويا باغي اْلري أقبل! فقد ثبت عن أِب هريرة‬
‫من شهر رمضان صفدت الشياطني مردة اجلن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫وفتحت أبواب اجلنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد يا باغي اْلري أقبل ويا باغي الرش‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أقَص وهلل عتقاء من النار وذلك كل ليلة» صحيح الرتغيب والرتهيب (‪.)213 /3‬‬

‫أخي المسلم‪ :‬استحرض يف قلبك اآلن َّ‬


‫أحب الناس إليك‪ ,‬وقد غاب عنك أحدَ‬
‫ب أنك ُب ِّش َت بقدومه وعودته خالل أيام قالئل ‪,‬مصطحبا معه‬
‫وه ْ‬
‫عش شهرا! َ‬
‫اْلدايا والتحف والنفائس‪ ..‬كيف تكون فرحتك بقدومه واستبشارك بقربه وبشاشتك‬
‫للقائه؟‬
‫لتطهىىىىري القلىىىىوب مىىىىن الفسىىىىاد‬ ‫أتىىىىىى رمضىىىىىان مزرعىىىىىة العبىىىىىاد‬

‫وزادك فاختىىىىىىىىىىىذه للمعىىىىىىىىىىىاد‬ ‫فىىىىىىأ ِّد حقوقىىىىىىه قىىىىىىوال وفعىىىىىىال‬

‫ىىىىىأوه نادمىىىىىىا يىىىىىىوم احلصىىىىىىاد‬


‫ّ‬ ‫تى‬ ‫فمىىىىن زرع احلبىىىىوب ومىىىىا سىىىىقاها‬

‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫فأق َبىىىىل‪ ,‬بىىىىاخلري ُيسىىىىتَق َبل‬ ‫إذا رمضىىىىىىان أتىىىىىىى مقىىىىىىبال‬

‫وتىىىأي بعىىىذر فىىىال يقبىىىل‬ ‫لعلىىىىىىىك ُختطئىىىىىىىه قىىىىىىىابال‬

‫ولذا كان حريا باملؤمن أن احسن االستعداد ْلذا القادم الكريم‪ ,‬ويتفقه يف رشوط‬
‫ومستحبات‪ ,‬وآداب العبادات املرتبطة هبذا املوسم احلافل لئال يفوته اخلري العظيم‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪54‬‬
‫عند رؤيته‪« :‬اللهم أهله‬ ‫ومن ذلك‪ُ :‬سنّة الدعاء عند رؤية اهلالل؛ بقول رسول اهلل‬
‫الصحيحة ‪.)5856‬‬ ‫علينا بال ُيمن واإليامن‪ ،‬والسالمة واإلسالم‪ ،‬ريب وربك اهلل»‬
‫‪َ « :‬ال َت َقدَّ ُموا‬ ‫وال جيوز للصائم أن يتقدّ م رمضان بصيام يو ٍم أو يو َمني لقوله‬
‫َان َي ُصو ُم َص ْو ًما َف ْل َي ُص ْم ُه» متفق عليه‪.‬‬ ‫ان بِ َص ْو ِم َي ْوم َو َال َي ْو َم ْ ِ‬
‫ني إِ َّال َر ُج ٌل ك َ‬ ‫َر َم َض َ‬
‫َق َال‪َ :‬ق َال‬ ‫اب‬ ‫وقت اإلفطار ف َع ْن ُع َم َر ِ‬
‫بن اخلَ َّط ِ‬ ‫ومن تلك األحكام معرفة ُ‬
‫الش ْم ُس َف َقدَ‬
‫ت َّ‬‫ول اهلل ?‪« :‬إِذا َأ ْقب َل ا َّللي ُل ِمن ها هنَا و َأدبر النَّهار ِمن ها هنَا وغَرب ِ‬
‫َر ُس ُ‬
‫ْ َ ُ َ ََْ َ ُ ْ َ ُ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الصائِ ُم» متفق عليه‪ ,‬ففي هذا احلديث بيان وقت اإلفطار بثالث عالمات‪ :‬إقبال‬ ‫َأ ْف َط َر َّ‬
‫ظلمة الليل من املشق ‪ ,‬وإدبار ضوء النهار من املغرب ‪ ,‬وغروب الشمس‪.‬‬
‫واعلموا عباد اهلل أنه ليس من السنة االحتياط بتأخري الفطور عن وقته بل إن‬
‫قال ‪ « :‬ال‬ ‫أن رسول اهلل‬ ‫السنة التعجيل به يف أول وقته ‪ ,‬فعن سهل بن سعد‬
‫يزال الناس بخري ما عجلوا الفطر» متفق عليه‪.‬‬
‫السحر وهو آخر الليل قبل طلوع الفجر‪ :‬ففي‬
‫ومن السنة تأخري السحور إىل َّ‬
‫قال ‪ « :‬تسحرنا مع النبني ثم قام إىل‬ ‫الصحيحني عن أنس عن زيد بن ثابت‬
‫الصالة ‪ ،‬قلت ‪ :‬كم كان بني األذان والسحور ؟ قال ‪ :‬قدر مخسني آية»‪.‬‬
‫ومما ينبغي أيضا عىل اآلباء واألمهات ‪ :‬تربية األوالد عىل عبادة الصيام إِ َذا‬
‫‪ ,‬فقد‬ ‫ِ‬
‫بالسلف الصالح‬ ‫ِ‬
‫بلوغ ِهم‪ ,‬اقتداء‬ ‫أطاقوه مترينا َْل ُم عىل الطاعة ليأل َفو َها ب ْعدَ‬
‫غار ْ‬
‫ويذ َهبون إىل املسجد‬ ‫كان الصحاب ُة رضوان اهلل عليهم يصومون أوالدهم ُ ِ‬
‫وه َم ص ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ِّ ُ‬ ‫ُ‬
‫‪55‬‬ ‫خطبة (استقبال شهر رمضان)‬
‫عنوانه)فإذا بكَوا من ف ْق ِد الطعا ِم‬
‫نحو‬
‫‪‬أو َ‬ ‫فيجعلون ْلم ال ُّل ْعب َة من ا ْل ِع ِ‬
‫هن يعني الصوف‬
‫َله ْون هبا‪.‬‬
‫أعطوهم اللعبة يت َّ‬
‫ُ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫َ‬
‫يأمرون أوال َدهم بالصيام‪,‬‬ ‫لون عن هذا األ ْم ِر وال‬ ‫ِ‬
‫وكثري من األولياء اليو َم ي ْغ ُف َ‬
‫ٌ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أن ذلك رمح ٌة هبم‪.‬‬
‫رغ َبتهم فيه َيز ُعم َّ‬
‫يمنع أوال َده من الصيا ِم مع ْ‬ ‫ْبل َّ‬
‫إن ب ْع َضهم ُ‬
‫اإلسالم وتعالِي ِ‬
‫مه‬ ‫تهم هي القيا ُم بواجب تربيتهم عىل شعائر ِ‬ ‫واحلقيق ُة َّ‬
‫ْ‬ ‫رمح ْ‬
‫أن ْ َ‬
‫فمن َمنعهم ِمن ذلك ْأو َّفرط فيه كان ظاملا ْلم ولِنَ ْفسه أيضا ‪ ..‬ن َع ْم ْ‬
‫إن َصاموا‬ ‫ِ‬
‫ال َق ِّيمة‪ْ .‬‬
‫ئذ واهلل ويل اْلداية‬ ‫َفرأى عليهم ََضرا بالصيا ِم فال حرج عليه يف منعهم منه ِحينِ ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫والتوفيق‪.‬‬
‫اللهم بلغنا شهر رمضان املبارك‪ ,‬ووفقنا فيه ملا حتب وترىض‪.‬‬
‫أقول هذا وأستغفر اهلل يل ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫الخطبة الثانيه‪:‬‬
‫احلمد هلل الغفور الشكور‪ ,‬مقدر املقدور‪ ,‬ومْصف األعوام والشهور‪ ,‬فضل‬
‫شهر رمضان عىل سائر الشهور‪ ,‬واختصه بأعامل فاضلة مضاعفة األجور‪ ,‬وأشهد أن‬
‫ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له وأشهد أن حممدا عبده ورسوله صىل اهلل عليه وعىل‬
‫آله وصحبه وسلم ما تعاقبت األيام والدهور‪.‬‬
‫أم َة اإلسالم‪ :‬هيِ ُّل علينا شهر رمضان املبارك وأمتُنا اإلسالمية تل َفحها ِ‬
‫املآِس‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرزايا وامل ِ َحن‪ ,‬قد استحك ََم يف ٍ‬
‫كثري من أقطارها االفرتاق‬ ‫ويطؤها ِ‬
‫منس ُم َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والفتَن‪,‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪56‬‬
‫ِ‬
‫مدرسة‬ ‫شق‪ ,‬أن تقتبِ َس أمتُنا من‬
‫التفاؤل املُ ِ‬
‫ُ‬ ‫واالضطراب ِّ‬
‫والشقاق‪ ,‬ولكن احدُ ونا‬ ‫ُ‬
‫والعرب ِ‬
‫اْلاديات‪.‬‬ ‫والعظات‪ِ ,‬‬
‫احل َكم ِ‬
‫الصيا ِم والقيام ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عباد اهلل ! إن امللؤمنني يفرحون بقدوم شهر رمضان ويستبشون واحمدون اهلل أن‬
‫ب َّلغهم إياه ويعقدون العزم عىل تعمريه بالطاعات وزيادة احلسنات وهجر السيئات‬
‫َ َ َْ َ َ َ َ َْْ َ ُ ْ‬ ‫ُْ َ ْ‬
‫يبشون بقول اهلل تبارك وتعاىل‪{ :‬قل بِفض ِل اّلل ِ وبِرۡحتِهِ فبِذل ِك فليفرحوا‬ ‫وأولئك َّ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُه َو َخ ْ ٌ‬
‫ي م ذِما َي َم ُعون} (يونس‪.)18:‬‬
‫فرتى املؤمنني متلهفني؛ مشتاقني إىل شهر رمضان املبارك ‪ِ ,‬‬
‫حت ُّن قلوهبم إىل صوم‬
‫هناره‪ ,‬ومكابدة ليله بالقيام والتهجد بني يدي موالهم سبحانه ‪ ,‬وتراهم يمهدون‬
‫يصوم ‪ ‬إال‬ ‫الستقبال رمضان بصيام التطوع خاصة يف ‪ ‬كام كان النبي‬
‫قليال؛ ويقول‪« :‬إنه شهر يغفل فيه الناس بني ‪ ‬ورمضان وهو شهر تعرض فيه‬
‫رواه النسائي وصححه األلباين‪.‬‬ ‫األعامل عىل اهلل»‬
‫إخوة اإليامن ! إن أفضل ما ُيستقبل به شهر رمضان‪ :‬التوبة النصوح من كل ذنب‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ ُ‬
‫حتى تتهيأ النفوس للعبادة واملسارعة يف الطاعة‪ ,‬قال تعاىل ‪{ :‬ياأيها اَّلِين آمنوا توبوا‬
‫كمْ‬ ‫َ ذ َ ْ َ ً َ ُ ً َ َ َ ُّ ُ ْ َ ْ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ُ‬
‫إِِل اّلل ِ توبة نصوحا عس ربكم أن يكفِر عنكم سيِئات ِكم ويدخِل‬
‫ور ُهمْ‬ ‫آمنُوا َم َع ُه ن ُ ُ‬ ‫ب َو ذاَّل َ‬
‫ِين َ‬ ‫اّلل انلذ ذ‬ ‫َج ذنات ََتْري م ِْن ََتْت ِ َها ْالَنْ َه ُ‬
‫ار يَ ْو َم ََل ُُيْزي ذ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫َْ َ ََْ ْ ْ َ ْ َ ْ َُ ُ َ َذَ ْ ْ ََ ُ ََ َ ْ ْ ََ ذ َ ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫يسع بي أيدِيهِم وبِأيمانِهِم يقولون ربنا أت ِمم نلا نورنا واغفِر نلا إِنك َع ِ‬
‫ِير} [التحريم‪ ]8 :‬فبادروا رمحكم اهلل بالتوبة إىل اهلل قبل أن يأخذكم املوت فجأة‬ ‫َ ْ‬
‫َش ٍء قَد ٌ‬

‫فيحال بينكم وبني التوبة ومتوتون عىل معصية اهلل‪:‬‬


‫‪57‬‬ ‫خطبة (استقبال شهر رمضان)‬
‫ٍ‬
‫‪‬عنوان‬
‫حتىىىى عصىىىىى ربىىىه يف شىىىهر شىىىعبان‬
‫يىىىا ذا الىىىذي مىىىا كفىىىاه الىىىذنب يف رجىىىب‬

‫شىىىهر عصىىىيان‬
‫َ‬ ‫األولت‪ُ:‬ص ِّ ْ‬
‫ىىىريه أيضىىىا‬ ‫فىىىال‬ ‫الباب‬ ‫ُ‬ ‫ىىىىهر الصىىىىىو ِم بعى‬
‫ىىىىدمها‬ ‫ُ‬ ‫لقى‪1‬ىىىىدْ أ َظ ّلى َ‬
‫ىىىىك شى‬

‫ٍ‬
‫تسىىىىىبيح وقىىىىىرآن‬ ‫شىىىىىهر‬
‫ُ‬ ‫فإنىىىىىه‬ ‫‪‬‬
‫فيىىىىىه جمتهىىىىىدا‬ ‫َ‬ ‫سريته‬
‫القىىىىىرآن وسىىىىى ِّبح‬ ‫واتيف ُ‬
‫ْىىىىىل‬

‫فسىىىىوف تىىىىىرضم أجسىىىىاد بنىىىىريان‬ ‫وامحىىىىل عىىىىىل جسىىىىد ترجىىىىو النجىىىىاة لىىىىه‬

‫مىىىن بىىىني أهىىىل وجىىىريان وإخىىىوان‬ ‫كىىىم كنىىىت تعىىىرف ىىىن صىىىام يف سىىىلف‬

‫حيىىا فىىام أقىىرب القىىايص مىىن الىىداين‬ ‫أفنىىىىىىاهم املىىىىىىوت واسىىىىىىتبقاك بعىىىىىىدهم‬

‫فأصىىىىبحت يف غى ٍ‬
‫ىىىد أثىىىىواب أكفىىىىان‬ ‫ٍ‬
‫ومعجىىىىىىب بثيىىىىىىاب العيىىىىىىد يقطعهىىىىىىا‬

‫يصىىىىىري مسىىىىىكنه قىىىىىربا إلنسىىىىىان‬ ‫حتىىىىىى متىىىىىى يعمىىىىىر اإلنسىىىىىان مسىىىىىكنه‬

‫ففرق كبري بني من َيستقبل رمضان بام يستقبل به الضيف الكريم؛ وبني من‬
‫يستقبلة بأنواع املطاعم واملشارب‪ ,‬وجيعل مهته كيف يأكل ويشب ويعوض ما فاته يف‬
‫هنار رمضان من الشهوات العاجلة !‬
‫باع قوم من السلف جارية ْلم ألحد الناس‪ ,‬فلام أقبل رمضان أخذ سيدها‬
‫اجلديد يتهيأ بألوان املطعومات واملشوبات الستقبال رمضان ى كام يصنع كثري من‬
‫الناس اليوم ى فلام رأت اجلارية ذلك منهم قالت‪« :‬ملاذا تصنعون ذلك؟»‪ ,‬قالوا‪:‬‬
‫«الستقبال شهر رمضان»‪ ,‬فقالت‪« :‬وأنتم ال تصومون إال يف رمضان؟ واهلل لقد جئت‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪58‬‬
‫السنَ ُة عندهم كأهنا ك َّلها رمضان" ال حاجة يل فيكم‪ُ ,‬ر ُّدوين إليهم»‪,‬‬
‫من عند قوم " َّ‬
‫ورجعت إىل سيدها األول‪.‬‬
‫ْ‬
‫واحذروا رمحكم اهلل مما َيستقبل به بعض الناس هذا الشهر العظيم من أنواع‬
‫املسلسالت والتمثيليات والربامج امللهيات عن أنواع العبادات‪ ,‬فإن الرسول‬
‫لسل وأما شياطني اإلنس فإهنا تسعى يف رمضان سعيا حثيثا‬
‫أخرب أن شياطني اجلن ت َُس َ‬
‫إلشغال املسلمني عن العبادات واملسارعة يف الطاعات‪.‬‬
‫عباد اهلل! استحرضوا أن رمضان كام وصفه اهلل ‪ - ¸-‬أيام معدودات‪ ,‬رسعان‬
‫ما يويل‪ ,‬فهو موسم فاضل‪ ,‬ولكنه رسيع الرحيل‪ ,‬وأن املشقة الناشئة عن االجتهاد يف‬
‫العبادة تذهب أيضا‪ ,‬ويبقى األجر‪ ,‬وان ِشا ُح الصدر‪ ,‬فإن ّفرط اإلنسان ذهبت‬
‫إن‬
‫قال « َّ‬ ‫ساعات ْلوه وغفلته‪ ,‬وبقيت تبعاُتا وأوزارها ففي الصحيح عن النبي‬
‫النار؛ فأ ْبعده‬ ‫َ‬
‫جربيل ‪ ‬أتاين فقال‪َ :‬م ْن أ ْدرك شهر رمضان‪ ،‬فلم ُيغفر له‪ ،‬فدخل َ‬
‫انظر حديث رقم ‪ 75 :‬يف صحيح اجلامع‪.‬‬ ‫فقلت‪( :‬آمني) »‬
‫ُ‬ ‫اهلل‪ُ ،‬ق ْل‪( :‬آمني)‪،‬‬
‫فمن الناس ‪ ,‬من يستقبل رمضان عىل أنه شهر جوع هناري ِ‬
‫وشب ٍع لييل‪ ,‬نوم يف‬
‫ال ُف ُر ش يف النهار إىل ما بعد العْص‪ ,‬وسهر يف الليل تد إىل طلوع الفجر‪ ,‬ليس رمضان‬
‫عندهم إال موسام للموائد الفاخرة‪ ,‬بألوان من الطعام والشاب زاخرة‪ ,‬ذو العمل‬
‫ربم من عمله‪ ,‬وصاحب التعامل ييسء يف تعامله‪ ,‬واملوظف تث ُقل عليه وظيفته‪,‬‬
‫منهم يت ّ‬
‫وجوههم عابسة‪ ,‬وصدورهم ضيقة‪ ,‬وألسنتهم َسلِيطة‪ ,‬وغيظهم حانِق‪ ,‬ال يرون يف‬
‫‪59‬‬ ‫خطبة (استقبال شهر رمضان)‬
‫عنوانعليه عروقهم‪ ,‬فأي مسكنة‬
‫‪ ‬تقوى‬‫تتحمله أمعاؤهم‪ ,‬وعطشا ال‬
‫ّ‬ ‫رمضان إال جوعا ال‬
‫وضعف يعيش فيه هؤالء؟!‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ُم ْه ِم ُلون ُم ْه َم ُلون‪ ،‬أولئك هم الشباب والنساء‪ ,‬أما الشباب ى‬ ‫ومن الناس صن‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫هداهم اهلل ورعاهم ى فبعضهم يصومون عن األكل والشب فحسب‪ ,‬ويعيشون‬
‫أوقاُتم يف أثناء ذلك فارغني‪ ,‬ال َه َّم ْلم إال أن يذرعوا األسواق ذهابا وإيابا ‪,‬‬
‫يقطعون أوقاُتم يف سهر عابث وسهر ماجن‪ ,‬وتكون ْلم الطرق والشعاب ومالعب‬
‫الكرة واألرصفة والزوايا واملقاهي أماكن غفلة وضياع ‪..‬‬
‫وأما املرأة املسلمة ـ وما أدراك ما حال كثري منهن ـ كأنام ُخلِقت إحداهن للطهي‬
‫اجة والّ َجة‪ ,‬كاسية‬
‫والطبخ والتفنّن يف أنواع املآكل وألوان املشارب‪ ,‬أو لتكون َخ َّر َ‬
‫يقرهبا من خالقها سبحانه من تالوة‬
‫عارية‪ ,‬فاتنة مفتونة‪ ,‬مائلة يلة‪ ,‬غري ملتفتة إىل ما ّ‬
‫قرآن أو صالة نفل أو صدقة أو دعوة أو أمر باملعروف وهني عن املنكر‪.‬‬
‫في جب أن نقوم بواجب القيام والرعاية‪ ,‬وأن نوليهم أشد االهتامم والعناية‪ ,‬وأن‬
‫نغتنم هذا الشهر املبارك يف تعليمهم ما ينفعهم يف أخراهم‪ ,‬وربطهم بام يقرهبم من‬
‫موالهم‪.‬‬
‫اللهم أعنا عىل ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ‪.‬‬
‫شهر رمضان‪,‬‬ ‫بارك لنا يف مجيع الشهور واألعوام‪ ,‬وب ِّلغنا بمنِّك وكرمك َ‬ ‫اللهم ِ‬

‫اللهم اجعلنا ن يصو ُمه ويقو ُمه إيامنا واحتِسابا‪ ,‬اللهم س ِّلمه لنا‪ ,‬وس ِّلمنا له‪ ,‬وتس َّلمه‬
‫منَّا ُمتق َّبال يا حي يا قيوم يا رب العاملني‪ ,‬يا أرحم الرامحني‪ ,‬ويا أكرم األكرمني‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪21‬‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫أع َّز‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫اللهم ِ‬
‫اإلسالم واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد‬
‫َ‬
‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم‬ ‫آمنا مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪.‬اللهم أصلِح‬
‫وأماهنم‪.‬‬ ‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫يب الدعوات‪.‬‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬
‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫‪25‬‬ ‫خطبة بعنوان (احلِكَم والفوائد يف الصيام)‬

‫‪‬عنوان‬
‫البابه‪ ,‬ونعو ُذ‬
‫األول‪:‬باهلل من رشور أنفسنا‪ ,‬ومن‬ ‫ونستغفر‬
‫ُ‬ ‫إن احلمد هلل؛ نحمدُ ه‪ ,‬ونستعينُه‪,‬‬ ‫‪1‬‬
‫مضل له‪ ,‬و َمن يضلِ ْل؛ فال هادي له‪.‬‬
‫س ِّيئات أعاملنا‪َ ,‬من هيده اهلل؛ فال َّ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أن حممدا عبدُ ه ورسو ُل ُه‬
‫رشيك له‪ .‬وأشهدُ َّ‬
‫َ‬ ‫وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ,‬وحدَ ه ال‬
‫َ َ َ ُ ُ ذ ذ َ َ ُ ُّ ُ َ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ذ ُ َ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل حق تقاتِه ِۦ وَل تموتن إَِل وأنتم مسل ِمون ‪[ } 102‬ال‬

‫عمران]‬
‫كم مِن ذنفس َوَٰح َِدة َو َخلَ َق مِن َها َزو َجهاَ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ ْ َ ذ ُ ُ ذ‬
‫يأيها ٱنلاس ٱتقوا ربكم ٱَّلِي خلق‬ ‫{ َٰٓ‬
‫َ َ َ َ ذ ذ‬ ‫َ ٓ ُ َ‬ ‫ُ َ َ ٗ َ ٗ َ َ ٓٗ َ ذ ُ ْ ذَ ذ‬ ‫ذ‬
‫ٱّللَ‬ ‫ٱّلل ٱَّلِي ت َسا َءلون بِهِۦ وٱلرحام إِن‬ ‫َو َبث مِنهما رِجاَل كثِيا ون ِساء وٱتقوا‬
‫َ َ ََ ُ َ ٗ‬
‫َكن عليكم رق ِيبا ‪[ } 1‬النساء]‬
‫َ ُ َ َ َٰ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ُ ُ ْ َ ٗ َ ٗ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل وقولوا قوَل سدِيدا ‪ 70‬يصل ِح لكم أعملكم‬
‫ظيما ‪[} 71‬االحزاب]‬
‫از فَو ًزا َع ِ ً‬ ‫ٱّلل َو َر ُس َ ُ‬
‫وَلۥ َف َقد فَ َ‬ ‫كم َو َمن ي ُ ِطعِ ذ َ‬ ‫َ ُ ُُ َ ُ‬
‫َو َيغفِر لكم ذنوب‬
‫‪َ ,‬و َرش األُ ُم ِ‬
‫ور‬ ‫َّ‬ ‫َاب اهللِ‪َ ,‬و َخ ْ َري ْاْلَدْ ِي َهدْ ُي ُحم َ َّم ٍد‬ ‫َأما بعدُ ‪َ ،‬فإِ َّن َخري ْ ِ ِ ِ‬
‫احلديث كت ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫ال َل ٍة ِِف الن ِ‬
‫َّار‪.‬‬ ‫اُتا‪َ ,‬وك َُّل ُحم ْدَ َث ٍة بِدْ َع ٌة‪َ ,‬وك َُّل بِدْ َع ٍة َض َ‬
‫ال َل ٌة‪َ ,‬وك َُّل َض َ‬ ‫ُحم ْدَ َث ُ َ‬
‫أهيا الناس عباد اهلل! إن من فضل اهلل عىل من يشاء من عباده أن يبلغهم شهر رمضان‬
‫املبارك يتفيئون ضالله‪ ,‬و َينعمون بربكته‪ ,‬ويستغلون أوقاته‪ ,‬ويغتنمون فضائله‪ ,‬فعن‬
‫ان َش ْه ٌر‬ ‫« َقدْ َج َ‬
‫اءك ُْم َر َم َض ُ‬ ‫ان َق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهللَِّ‬ ‫قال ‪ :‬ملََّا َح َ َ‬
‫رض َر َم َض ُ‬ ‫أِب هريرة‬
‫اجل ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يه َأبواب َْ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حي ِم َو ُتغ َُّل‬ ‫اب َْ‬ ‫اجلنَّة َو ُت ْغ َل ُق فيه َأ ْب َو ُ‬ ‫هلل َع َل ْيك ُْم ص َي َام ُه ُت ْفت َُح ف ْ َ ُ‬ ‫ُم َب َار ٌك ا ْف َ َ‬
‫رت َض ا َُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشياطِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ح ِر َم» رواه النسائي املشكاة ‪.5962‬‬ ‫ني فيه َل ْي َل ٌة َخ ْ ٌري م ْن َأ ْل َش ْهر َم ْن ُح ِر َم َخ ْ َري َها ف َقدْ ُ‬ ‫فيه َّ َ ُ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪22‬‬
‫قال ابن رجب ‪ : ‬قال بعض العلامء ‪ :‬هذا احلديث ٌ‬
‫أصل يف ُتنئة الناس‬
‫يبش‬ ‫ِ‬
‫يبش املؤمن بفتح أبواب اجلنان ‪ ,‬كيف ال ُ‬
‫بعضهم بعضا بشهر رمضان ؛ كيف ال ُ‬
‫يبش العاقل بوقت ُي ُّ‬
‫غل فيه الشيطان ‪ ,‬من أين‬ ‫املذنب بغلق أبواب النريان ‪ ,‬كيف ال ُ‬
‫لطائف املعارف البن رجب ص‪.)548 :‬‬ ‫ٌ‬
‫زمان )‬ ‫ُيشبه الزمان‬
‫فبلوغ شهر رمضان‪ ,‬نعمة عظيمة عىل من ب َّلغه اهلل إياه ‪ ,‬ووفقه أن يكون فيه من‬
‫رجح كِ َّفة العبد املؤمن عىل غريه ن مل‬ ‫باب من اخلري عظيم ‪ُ ,‬ي ِّ‬
‫املتقني األخيار ‪ ,‬وهو ٌ‬
‫يدرك شهر رمضان ؛ حتى وإن تويف من مل يدرك الشهر الكريم شهيدا يف سبيل اهلل‬
‫َر ُج َال ِن ِم ْن َب ِ ٍّيل‪َ ,‬فك َ‬
‫َان‬ ‫َق َال‪َ :‬ق ِد َم َع َىل النَّبِ ِّي‬ ‫تعاىل‪ ,‬ف َع ْن َط ْل َح َة ْب ِن ُع َب ْي ِد ا َّ‬
‫هللِ‪,‬‬
‫ِ‬ ‫َان َأحدُ ُمها َأ َشدَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫است ُْش ِهدَ ‪,‬‬‫اجت َهادا م َن ْاآل َخ ِر‪َ ,‬ف َغ َزا املُْ ْجت َِهدُ َف ْ‬ ‫ْ‬ ‫إِ ْس َال ُم ُه َام َمجيعا َواحدا‪َ ,‬وك َ َ َ‬
‫ارجا‬ ‫ات‪َ ,‬ف َر َأى َط ْل َح ُة ْب ُن ُع َب ْي ِد اهللَِّ َخ ِ‬ ‫ان‪ُ ,‬ث َّم َم َ‬ ‫اش ْاآل َخ ُر َسنَة َحتَّى َصا َم َر َم َض َ‬ ‫َو َع َ‬
‫است ُْش ِهدَ ‪ُ ,‬ث َّم َر َج َع إِ َىل‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخرج ِمن ْ ِ ِ ِ ِ‬
‫مها‪ُ ,‬ث َّم َخ َر َج َف َأذ َن ل َّلذي ْ‬ ‫اجلنَّة‪َ ,‬ف َأذ َن ل َّلذي ت ُُو ِّ َيف آخ َر ُ َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َّاس‪َ ,‬ف َب َل َغ َذل ِ َك النَّبِ َّي‬ ‫َط ْلح َة‪َ ,‬ف َق َال‪ :‬ار ِجع َفإِ َّنه َمل ي ْأ ِن َل َك‪َ ,‬ف َأصبح َط ْلح ُة ُاحدِّ ُ ِ‬
‫ث بِه الن َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ْ ْ ُ َْ‬ ‫َ‬
‫اجتِ َهادا‪,‬‬ ‫ني ْ‬ ‫الر ُج َل ْ ِ‬‫َان َأ َشدَّ َّ‬
‫ول اهللَِّ ك َ‬ ‫يث‪َ ,‬و َع ِج ُبوا‪َ ,‬ف َقا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫احل ِد َ‬
‫‪َ ,‬ف َحدَّ ُثو ُه ْ َ‬
‫َث َه َذا‬‫اجلنَّ َة َق ْب َل ُه َف َق َال النَّبِ ُّي ‪َ « :‬أ َل ْي َس َقدْ َمك َ‬
‫يل اهللَِّ‪َ ,‬و َد َخ َل َه َذا ْ َ‬ ‫است ُْش ِهدَ ِيف َسبِ ِ‬‫َو ْ‬
‫ج ِد ِِف‬
‫ان َف َص َام ُه‪َ ،‬و َص َّىل ك ََذا َو َك َذا ِِف املَْ ْس ِ‬ ‫َب ْعدَ ُه َسنَة؟ » َقا ُلوا‪َ :‬ن َع ْم‪َ .‬ق َال‪َ « :‬و َأ ْد َر َك َر َم َض َ‬
‫ض» رواه ابن حبان‪ ,‬التعليق الرغيب‬ ‫الس َام ِء َو ْاألَ ْر ِ‬
‫ني َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السنَة؟ » َقا ُلوا‪َ :‬ب َىل‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َل َام َب ْين َُه َام َأ ْب َعدُ ممَّا َب ْ َ‬
‫َ‬
‫‪.)542 /5‬‬

‫قال معىل بن الفضل ‪ «:‬كانوا يدعون اهلل تعاىل ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ‪ ,‬ثم‬
‫يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم »‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫خطبة بعنوان (احلِكَم والفوائد يف الصيام)‬
‫عنوانس ِّلمني إىل رمضان‪ ,‬وسلم يل‬ ‫وقال حييى ابن أيب كثري ‪ « :‬كان من دعائهم ‪:‬‬
‫‪‬اللهم‬
‫رمضان ‪ ,‬وتسلمه مني متقبال»‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ ُ‬
‫كمُ‬ ‫أهيا املسلمون ! يقول اهلل تبارك وتعاىل ‪{ :‬ياأيها اَّلِين آمنوا كتِب علي‬
‫‪ََ ْ ُ َْ ْ ‬ذ ُ ْ َذُ َ‬ ‫َ‬ ‫سريته َ َ ُ َ َ َ ذ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يف‬
‫الصيام كما كتِب َع اَّلِين مِن قبل ِكم لعلكم تتقون} [البقرة‪.]583 :‬‬ ‫ِ‬
‫قال املفرس السعدي ‪«: ‬خيرب تعاىل بام َّ‬
‫من به عىل عباده‪ ,‬بأ ّنه فرض عليهم‬
‫الصيام‪ ,‬كام فرضه عىل األمم السابقة‪ ,‬ألنه من الشائع واألوامر التي هي مصلحة‬
‫للخلق يف كل زمان‪ ,‬وفيه تنشيط ْلذه األمة‪ ,‬بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غريكم يف‬
‫تكميل األعامل‪ ,‬واملسارعة إىل صالح اخلصال‪ ,‬وأنه ليس من األمور الثقيلة‪ ,‬التي‬
‫اخ ُتصصتم هبا‪.‬‬
‫َ ذ ُ َ ُ َ‬
‫ثم ذكر تعاىل حكمته يف مشوعية الصيام فقال‪{ :‬ل َعلك ْم ت ذتقون} فإن الصيام‬
‫من أكرب أسباب التقوى‪ ,‬ألن فيه امتثال أمر اهلل واجتناب هنيه‪.‬‬
‫فمام اشتمل عليه من التقوى‪ :‬أن الصائم يرتك ما حرم اهلل عليه من األكل‬
‫والشب واجلامع ونحوها‪ ,‬التي متيل إليها نفسه‪ ,‬متقربا بذلك إىل اهلل‪ ,‬راجيا برتكها‪,‬‬
‫ثوابه‪ ,‬فهذا من التقوى‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن الصائم ُيدّ رب نفسه عىل مراقبة اهلل تعاىل‪ ,‬فيرتك ما ُتوى نفسه‪ ,‬مع‬
‫قدرته عليه‪ ,‬لعلمه باطالع اهلل عليه‪,‬‬
‫ومنها‪ :‬أن الصيام يضيق جماري الشيطان‪ ,‬فإنه جيري من ابن آدم جمرى الدم‪,‬‬
‫فبالصيام‪ ,‬يضعف نفوذه‪ ,‬وتقل منه املعايص‪,‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪24‬‬
‫ومنها‪ :‬أن الصائم يف الغالب‪ ,‬تكثر طاعته‪ ,‬والطاعات من خصال التقوى‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن الغني إذا ذاق أمل اجلوع‪ ,‬أوجب له ذلك‪ ,‬مواساة الفقراء املُ ِ‬
‫عدمني‪,‬‬
‫وهذا من خصال التقوى‪.‬‬
‫فالصيام مدرسة عظمى ورياضة كربى جتعل صاحبها رسيعا إىل طاعة اهلل بعيدا‬
‫عن معصيته‪.‬‬
‫فأنت أهيا الصائم الكريم ترتك يف هنار الصيام كثريا من الطيبات واملباحات‬
‫ابتغاء رضوان اهلل وخوفا من عقاب اهلل؛ أفليس جديرا بك أن ترتك اخلبائث والقبائح‬
‫رس عظيم ومقصد‬ ‫يف كل وقت وحني ابتغاء رضوان اهلل وخشية من عذاب اهلل؟! فهذا ٌّ‬
‫كمْ‬ ‫ََ َْ ُ ُ ََْ َ ُ‬ ‫كبري ّ‬
‫قل من ينتبه له؛ وْلذا قال تعاىل إ ْث َر آيات الصيام {وَل تأكلوا أموال‬
‫ْ ْ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ ْ ُ َ َ ُْ ذ ِ َ ْ ُ ُ َ ً‬ ‫ََْ ُ ْ ْ‬
‫اْلَ‬
‫اْلث ِم‬
‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫اس‬ ‫انل‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ا‬‫و‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫يق‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ف‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫أ‬ ‫ِلِ‬ ‫م‬‫َّك‬ ‫اْل‬ ‫ِل‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ا‬‫ه‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ل‬‫د‬‫ت‬ ‫و‬ ‫ِل‬
‫ِ‬ ‫ط‬ ‫ا‬ ‫بينكم ب ِ‬
‫ََُْ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫وأنتم تعلمون} [البقرة‪]588 :‬‬

‫ومن أعظم مقاصد الشيعة يف فرضية الصيام أنه ُجنَّة ووقاية للصائم من رشور‬
‫‪َ « :‬ق َال اهللُ ¸‪:‬‬ ‫عاجلة وعذاب اآلخرة فعن أِب ُه َر ْي َر َة ‪,‬قال ‪َ :‬ق َال َر ُسو ُل اهللِ‬
‫ِ‬
‫الص َيا ُم ُجنَّ ٌة‪َ ،‬فإِ َذا ك َ‬
‫َان َي ْو ُم‬ ‫الص َيا َم‪َ ،‬فإِ َّن ُه ِِل َو َأنَا َأ ْج ِزي بِه‪َ ،‬و ِّ‬
‫ك ُُّل َع َم ِل ا ْب ِن آ َد َم َل ُه إِ َّال ِّ‬
‫ب‪َ ،‬فإِ ْن َسا َّب ُه َأ َحدٌ َأ ْو َقا َت َل ُه‪َ ،‬ف ْل َي ُق ْل‪ :‬إِ ِّين ْام ُرؤٌ‬ ‫ِ‬ ‫َص ْو ِم َأ َح ِدك ُْم‪َ ،‬ف َال َي ْر ُف ْ‬
‫ث َي ْو َمئذ َو َال َي ْسخَ ْ‬
‫َصائِ ٌم »متفق عليه ‪.‬‬
‫ومعنى جُنة‪ :‬أي درع واقية من اإلثم في الدنيا‪ ,‬ومن النار في اآلخرة‪,‬فالصوم له‬
‫تأثير كبير في دفع الشهوات وكسر حِدّتها‪ ,‬وفي الحديث اآلخر‪« :‬الصيام جنة من‬
‫‪25‬‬ ‫خطبة بعنوان (احلِكَم والفوائد يف الصيام)‬
‫‪ . )3879‬وفي الحديث‬ ‫‪‬عنوان‬‫النار كجنة أحدكم من القتال»‪.‬‬
‫رواه النسائي وغريه‪ ,‬انظر صحيح اجلامع" برقم‬

‫اآلخر‪« :‬الصيام جنة‪ ،‬وهو حصن من حصون الملؤمن»‬


‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫انظر حديث رقم ‪ 3885 :‬يف صحيح اجلامع‪.‬‬

‫هلل ‪َ ,‬ي ُق ُ‬
‫ول‪َ « :‬م ْن َصا َم‬ ‫ِ‬
‫‪َ ,‬ق َال‪َ :‬سم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول ا ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلُدْ ر ِّي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫و َع ْن َأ ِِب َسعيد ْ‬
‫‪‬جهه ع ِن الن ِ ِ‬ ‫سريته‬
‫ِ‬
‫يف‬
‫ني َخ ِري ًفا»رواه مسلم‪.‬‬
‫َّار َس ْبع َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ ُ َ‬ ‫و‬ ‫هلل‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫دَ‬‫ع‬ ‫ا‬
‫َ َ‬ ‫ب‬ ‫ِ‪،‬‬ ‫هلل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬
‫يل‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ِف‬ ‫ا‬ ‫م‬‫و‬
‫ًَْ‬‫ي‬
‫الحكمة من الصيام ‪ ,‬ليكون أوقع في النفس وأعمق أثرا‪ ,‬وليكون‬ ‫فبني‬
‫المؤمن أكثر اطمئنانا إلى العبادة حين يؤديها‪ ,‬وإلى التشريع حين ينفذه‪.‬‬
‫واعلموا عباد اهلل أن الصائم إذا كَبَح النفس عن المعاصي نال منزلة راقية في‬
‫العبودية لله؛ ألن الصوم الذي يراد به مجرد اإلمساك عن الطعام والشراب يستطيعه‬
‫كثير من الناس‪ ,‬لكنه سبحانه أراد من عباده أن يكون صومهم مُنقيا لهم من‬
‫المعاصي وما دار في فَلَكها‪.‬‬
‫وقد ذكراإلمام ابن حجر العسقالني أن العلماء‪ :‬اتفقوا أن المراد بالصيام‬
‫صيام من سلم صيامه من المعاصي قوال وفعال)‪.‬‬

‫ولكن لألسف أن من املسلمني من يكون صيامه اإلمساك عن األكل والشرب‬


‫فقط‪ ,‬إال أنه مرتكبٌ للفواحش مطلق بصره لما حرم الله من النظر إلى النساء الالتي‬
‫ال يحللن له‪ ,‬وبعضهم قد أرخى ألذنه لكي تستمع لألغاني المحرمة‪ ,‬وال يخفى‬
‫على ذي لب ما فيها من الفسق والكالم الفاحش‪ ,‬وبعضهم أطلق لفمه العنان فينطق‬
‫بالكالم الساقط‪ ,‬والعبارات الرذيلة‪ ,‬والغيبة والنميمة والكذب؛ فهل هذا صيام من‬
‫أراد جنة الرضوان؟‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪26‬‬
‫حين قال‪ « :‬رُب صائم حظه من صيامه الجوع‬ ‫ولقد صدق رسول الله‬
‫أخرجه اإلمام أحمد في مسنده عن أبي‬ ‫والعطﺶ‪ ،‬ورب قائم حظه من قيامه السهر والتعب»‬
‫هريرة (‪ )151،113 /2‬وابن ماجه في سننه برقم (‪ )3615‬وانظر صحيح الترغيب (‪.)3555‬‬

‫ولهذا فإن هؤالء الذين فرَّطوا بصيامهم يعتبرون محرومين في شهر الصوم‪,‬‬
‫مفلسين في شهر الجود واإلحسان‪,‬‬
‫ومن أعظم مقاصد الشيعة يف فرضية الصيام تزكية النفس وتنقيتها من‬
‫أخالقها الرذيلة وأدوائها املردية وذلك أن الصيام يضيق جماري الشيطان؛ وْلذا فإن‬
‫الصائم إذا سبه أحد أو شتمه فإنه يمتنع من الرد عليه قائال‪ :‬إين صائم!‬
‫فام أعظم مدرسة الصوم يف ُتذيب النفوس وتعويدها عىل الفضائل وتنزهيها‬
‫عن النقائص‪ ..‬وذلك سبب عظيم لنيل الفالح كام قال تعاىل ‪{ :‬قَ ْد أَفْ َل َح َمنْ‬
‫ذ َ‬
‫َزَّكها} [الشمس‪.]9 :‬‬
‫أهيا الناس ! يقول العلماء‪ :‬إن التضييق عىل الشيطان يكون بتضييق مجاريه‬
‫يوصي الشباب‬ ‫بالجوع ومنه الصوم‪ ,‬فالجوع يكسر الشهوة‪ ,‬ولهذا كان النبي‬
‫فيقول ‪« :‬يا معشر الشباب‪ :‬من استطاع منكم الباءة فليتزوﺝ؛ فإنه أغض للبصر‬
‫وأحصن للفرﺝ‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» متفق عليه‪.‬‬
‫يقول ابن القيم ‪« :‬وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة‪,‬‬
‫والقُوﻯ الباطنة‪ ,‬وحِميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا‬
‫استولت عليها أفسدتها‪ ,‬واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها؛ فالصوم‬
‫‪27‬‬ ‫خطبة بعنوان (احلِكَم والفوائد يف الصيام)‬

‫عنوان‬
‫ليها ما استلبته منها أيدي‬ ‫‪‬د إ‬
‫يحفظ على القلب والجوارح صِحتها‪ ,‬ويعي‬

‫الشهوات» زاد المعاد‪.)29 /2‬‬


‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ويقول اإلمام الكمال بن الهمام في فوائد الصوم‪« :‬إن الصوم يُسَكِّن النفس‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫األمارة بالسوء ويكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين‬
‫واللسان واألذن والفرج؛ ولذلك قيل‪ :‬إذا جاعت النفس شبعت جميع األعضاء‪,‬‬
‫وإذا شبعت جاعت كلها»ا‪ .‬هى‬
‫والمقصد‪ :‬أنه ينبغي على المرء أن يكون بكليته صائما عما حرم الله في شهر‬
‫رمضان وفي غيره من الشهور‪.‬‬
‫وليس يعني ذلك أن المسلم إذا صام عن المحرمات في رمضان‪ ,‬أنه يجوز له‬
‫أن يقترف ما حرم الله من المعاصي والموبقات في غير هذا الشهر؛ فليكن رمضان‬
‫زادا إيمانيا لكل الشهور القادمة من بعده‪ ,‬ودورة تربوية يزداد فيها رصيد العمل‬
‫الصالح‪ ,‬ويكثر فيه محاسبة النفس ومنعها من الحرام‪ ,‬وقد قال الله‪َ { :‬وأ َ ذما َمنْ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ ذ َْ ذ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ام َربهِ َو َن ََه انلذ ْف َس َع ْ َ َ‬
‫ن الهوى ‪ 40‬فإِن اْلنة ِِه المأوى} [النازعات]‪.‬‬
‫َ َ‬
‫اف َم َق َ‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أما إذا كان صوم المسلم عن المحرمات في هذا الشهر‪ ,‬ومن ثَمَّ إذا أدبرت‬
‫شمس اليوم األخير منه‪ ,‬عاد إليها كما لو أن شيئا لم يكن؛ فإنه ال يناسبه إال ما قاله‬
‫اإلمام أحمد والفضيل بن عياض‪ :‬بئس القوم الذين ال يعرفون الله إال في رمضان‪.‬‬
‫فيجب عىل العبد المسلم أن يشعر بصيامه أنه عبد لله حقا‪ ,‬فإن كمال الحرية‬
‫في تمام العبودية لله‪ ,‬فال يأكل اإلنسان إال إذا ابتدأ الوقت الذي بيَّنه الله أنه وقت‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪28‬‬
‫لإلفطار‪ ,‬وال يصوم إال إذا ابتدأ وقت الصيام‪ ,‬فهي عبودية كاملة لله‪ ,‬وأمانة يؤديها‬
‫العبد لربه‪,‬تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫أقول هذا وأستغفر اهلل ِل ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‬

‫اخلطبة الثانية ‪:‬‬


‫احلمد هلل الذي رشع لعباده الشائع حلكم بالغة وأرسار ‪ ,‬ورتب عىل صيام‬
‫رمضان وقيامه إيامنا واحتسابا مغفرة الذنوب واألوزار‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال رشيك له‪ ,‬امللك الغفار‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله املصطفى املختار‪,‬‬
‫صىل اهلل عليه وعىل آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان آناء الليل والنهار‪ ,‬وسلم‬
‫تسليام‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫أيها الناس‪ :‬ما أحوجنا واألم َة مجعاء ‪-‬خصوصا يف هذه األحوال التي يندى ْلا‬
‫اجلبني‪ -‬إىل أن نعلم ونعمل بمقاصد الشيعة التي من متسك هبا واتّسم بأخالقها‬
‫ووقف عند حدودها أعزه اهلل ورفعه وخ ّلد ذكره‪.‬‬
‫ىىىم ذهبىىىت أخالقهىىىم ذهبىىىوا‬
‫وإنىىىىام األمىىىىم األخىىىىالق مىىىىا بقيىىىىت فىىىإن ُه ُ‬
‫ِ‬
‫وتقوية اإلرادة‪ ,‬قال اهلل‬ ‫أال وإن من أعظم مقاصد الصيام التحيل بفضيلة الصرب‪,‬‬
‫ذ ْ َ ذ َ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫¸ ‪{ :‬واستعِينوا بِالصْبِ والصَلة ِ } [البقرة‪]45 :‬‬
‫‪29‬‬ ‫خطبة بعنوان (احلِكَم والفوائد يف الصيام)‬
‫الصوم‪ ,‬قال ابن رجب‪ :‬فإ َّن‬ ‫عنوان‬
‫‪‬بأنَّه‪:‬‬
‫فِس بعض العلامء الصرب املقصود باآلية‬
‫وقد َّ‬
‫ذ َ َُ ذ ذ ُ َ َ ْ‬
‫ج َر ُه ْم ب َغ ْي ح َ‬
‫اب}‬ ‫ٍ‬ ‫ِس‬ ‫ِ ِ‬ ‫الصيام من الصرب‪ ,‬وقد قال اهلل تعاىل ‪{ :‬إِنما يوَّف الصابِرون أ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫[الزمر‪.]51 :‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وقد مجع اهلل يف مدرسة الصيام أنواع الصرب الثالثة التي ذكرها العلامء وهي‪:‬‬
‫أ ى الصرب عىل طاعة اهلل‪ ,‬بأن تصرب نفسك عىل هذه الطاعة‪ ,‬وتصومها إيامنا باهلل‪,‬‬
‫وابتغاء لدرجاته‪ ,‬واحتسابا لثوابه‪.‬‬
‫حرم اهلل ى‬
‫عام َّ‬
‫ب ى الصرب عن معصية اهلل‪ ,‬وذلك بأن يتعود العبد عىل الصوم َّ‬
‫¸ ى يف هذا الوقت من أكل املفطرات التي تفسد صومه‪ ,‬أو الصرب عن املعايص‬
‫والفواحش والذنوب وموبقات األعامل؛ فكلام أراد أن يفعل العبد معصية تذكر أنَّه‬
‫يف صوم وعبادة فيصرب نفسه عىل عدم فعلها ابتغاء لثوابه سبحانه‪.‬‬
‫ج ى الصرب عىل أقدار اهلل‪ ,‬وهذا أمر واقع يف الصوم َّ‬
‫فإن اهلل ¸ قد قدَّ ر عىل‬
‫املسلمني الصيام‪ ,‬وألزمهم به‪ ,‬فيلزمهم أن يطيعوا اهلل‪ ,‬ويستسلموا ألوامره‪ ,‬وينقادوا‬
‫ألقداره‪ ,‬ومن ذلك ما يالقيه املسلم من اجلوع والعطش يف تأدية هذه العبادة‪.‬‬
‫ويف احلديث‪ « :‬صوم شهر الصرب‪ ،‬وثالثة أيام من كل شهر‪ ،‬يذهبن وحر الصدر»‬
‫وأخرجه الطرباين والبغوي عن النمر بن تولب انظر صحيح اجلامع‬ ‫أخرجه البزار عن عيل وابن عباس‬

‫‪ .))3814‬ومعنى َو َحر الصدر‪ :‬أي َّ‬


‫غشه ووساوسه‪ ,‬وقيل‪ :‬احلقد والغيظ‪ ,‬واهلل‬ ‫الصغري‬

‫أعلم‪.‬‬
‫فإذا صرب اإلنسان عىل ذلك َّ‬
‫فإن اهلل يوفيه أجره بالثواب اجلزيل‪ ,‬واخلري العميم‪.‬‬
‫ومن مقاصد الصيام وفوائده االجتامعية تذكر املحرومني ومواساُتم‪:‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪31‬‬
‫ٌ‬
‫وإحسىىىىىان قضىىىىىى بىىىىذلك قىىىىرآن وبرهىىىىان‬ ‫َّ‬
‫إن الصىىىىىيام مواسىىىىىاة‬

‫ففي الصيام جتربة ملقاساة احلرمان واجلوع‪ ,‬وتذك ٌُّر للفقراء الذين يقاسون‬
‫األمرين من اجلوع‬
‫َّ‬ ‫احلرمان أبد الدهر‪ ,‬فيتذكر العبد إخوانه الفقراء وكيف َّأهنم يعانون‬
‫والعطش‪,‬‬
‫قال العالمة ابن اْلامم عن الصائم‪« :‬إنَّه ملا ذاق أمل اجلوع يف بعض األوقات‪ ,‬ذكر‬
‫فتح القدير‪.)42 /2‬‬ ‫َم ْن هذا حا ُله يف عموم األوقات‪ ,‬ف ُتسارع ِّ‬
‫الرقة عليه»‬
‫ومن تدبر ذلك ه َّيأ قلبه ملواساة الفقراء باملال واإلطعام والتصدق والبذل‬
‫ألهنم إخوانه املؤمنون‪ ,‬وهذا من أعظم التكافل االجتامعي‪,‬‬
‫واجلود واإلحسان؛ َّ‬
‫والذي جيعل العبد يشعر بشعور معاناة أخيه الفقري ومعدوم املال‪,‬‬
‫وقد ذكر ابن رجب ‪ ‬عن بعض السلف أنَّه سئل‪ِ :‬مل ُ ِ‬
‫رشع الصيام؟‬ ‫َ‬
‫فقال‪ :‬ليذوق الغني طعم اجلوع فال ينسى اجلائع) لطائف املعارف‪/‬صى ‪.)354‬‬

‫ومن هذا املنطلق َّ‬


‫فإن أهل العلم كانوا يستح ُّبون استحبابا كبريا التصدق يف هذا‬
‫أحب للرجل الزيادة باجلود يف رمضان‪ ,‬اقتداء برسول‬
‫الشهر‪ ,‬قال اإلمام الشافعي‪ُّ " :‬‬
‫وحلاجة الناس فيه إىل مصاحلهم‪ ,‬ولتشاغل كثري منهم بالصوم والصالة عن‬ ‫اهلل‬
‫مكاسبه" املرجع السابق‪.‬‬
‫ِ‬
‫ومن ح َك ِم وفوائد الصيام أنه سبب حلفظ ِّ‬
‫الص َّحة‪ :‬ففيه فوائد صحية كثرية وفيه‬
‫راحة للبدن‪ ,‬وإجاز ٌة للجهاز اْلضمي إلعطائه فرتة من الزمن يسرتيح فيها من‬
‫االمتالء والتفريغ فيحصل له استجامم وراحة يستعيد هبا نشاطه وقوته‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫خطبة بعنوان (احلِكَم والفوائد يف الصيام)‬

‫رأسعنوان‬
‫الدواء‪ ،‬كام قال طبيب العرب‬ ‫‪‬‬ ‫أن املعدة بيت الداء‪ ،‬واحلمية‬
‫وال شك َّ‬
‫احلارث بن كلدة‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ومن فوائد الصيام الصحية‪ :‬الوقاية من األمراض وخاصة أمراض املعدة‪,‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وزيادة الوزن‪ ,‬وزيادة الدهون‪ ,‬وزيادة الضغط‪ ,‬والسكري‪ ,‬والتهاب املفاصل‪.‬‬
‫قال بعض أطباء اإلفرنج‪« :‬صيام شهر يف السنة يذيب الفضالت امليتة يف البدن‬
‫منذ سنة»‪.‬‬
‫والعجب أن جتد كثريا من الناس حني يقدم هذا الشهر املبارك يذهب إىل السوق‬
‫ويشرتي من احلاجيات ما يفوق رشاءه ألكثر من ثالثة أشهر‪ ,‬من املأكوالت‬
‫َّ‬
‫وكأن هذا الشهر شهر أكالت ووجبات! وْلذا‬ ‫واملشوبات واحللويات وما إىل ذلك‪,‬‬
‫زادت كثري من أمراض الناس لكثرة أكلهم‪ ,‬حتَّى َّ‬
‫إن اإلنسان لو ذهب إىل املستشفيات‬
‫لوجد َّ‬
‫أن أكثرها من قسم الباطنية واألمراض املتعلقة بكثرة األكل والشب‪ ,‬حتَّى إنَّه‬
‫صار ملحوظا عند كثري من الناس كثرة السمنة بسبب كثرة املطعومات وإدخال‬
‫َ ُُ َ ْ َ ُ َ َ ُ ْ ُ‬
‫ْسفوا} [األعراف‪,]35 :‬‬
‫الطعام عىل الطعام‪ ,‬واهلل ى ´ ى يقول‪{ :‬وُكوا واْشبوا وَل ت ِ‬
‫الطب ك َّله»‪.‬‬
‫َّ‬ ‫قال بعض العلامء‪« :‬مجع اهلل هبذه اآلية‬
‫وقد كان أسالفنا الكبار ينهون عن كثرة األكل؛ فقد قال لقامن البنه‪« :‬يا بني! إذا‬
‫امتألت املعدة‪ ,‬نامت الفكرة‪ ,‬وخرست احلكمة‪ ,‬وقعدت األعضاء عن العبادة»‪.‬‬
‫الطب َّ‬
‫أن تناول الفطور حتَّى الشعور بالتخمة يؤ ِّدي إىل‬ ‫ِّ‬ ‫وْلذا فقد ذكر علامء‬
‫إفساد الفوائد الصحية للصوم‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪32‬‬
‫عباد اهلل ! إن مقاصد الصيام وفوائده كثرية وعظيمة وشاملة ألمور الدنيا‬
‫واآلخرة ولومل يكن منها إال أنه ُيع ِّلم املسلمني االنتظام وااللتزام باملواعيد‪ ,‬وكذلك‬
‫االجتامع والوحدة التي هي مصدر القوة والعصمة من الفتن واالهنزام‪ ,‬ذلك ألن‬
‫الصيام يبتدئ بوقت وينتهي بوقت يسري عليه اجلميع ويستوي فيه الكل‪.‬‬
‫نسأل اهلل الكريم املنّان أن يعيننا عىل صيام رمضان حق الصيام وأن جيعله مطهرا‬
‫لنا من الذنوب واآلثام‪..‬‬
‫ب املساكني‪ ,‬وأن حتفظنا‬ ‫وح َّ‬
‫فعل اخلريات‪ ,‬وترك املنكرات‪ُ ,‬‬ ‫اللهم إنا نسألك َ‬
‫نفوسنا‬ ‫من م ِضالَّت الفتن ما ظهر منها وما ب َطن يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬اللهم ِ‬
‫آت‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تقواها‪ ,‬زكِّها أنت خري من زكَّاها‪ ,‬أنت وليها وموالها‪ .‬اللهم ِ‬
‫أحسن عاق َبتنا يف األمور‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫خزي الدنيا وعذاب اآلخرة‪.‬‬‫ِ‬ ‫وأجرنا من‬‫كلها‪ِ ,‬‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫أع َّز‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫اللهم ِ‬
‫اإلسالم واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد‬
‫َ‬
‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم‬ ‫آمنا مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪ .‬اللهم أصلِح‬
‫وأماهنم‪ .‬يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪,‬‬ ‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪ ,‬وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا‬
‫ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫‪33‬‬ ‫خطبة بعنوان (احلِكَم والفوائد يف الصيام)‬
‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫يب الدعوات‪ .‬اللهم ِّ‬
‫وبارك عىل‬ ‫‪‬عنوان‬ ‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫حممد وآله وأزواجه وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫يف سريته ‪‬‬


‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪34‬‬

‫ونستغفره‪ ,‬ونعو ُذ باهلل من رشور أنفسنا‪ ,‬ومن‬


‫ُ‬ ‫إن احلمد هلل؛ نحمدُ ه‪ ,‬ونستعينُه‪,‬‬
‫مضل له‪ ,‬و َمن يضلِ ْل؛ فال هادي له‪.‬‬
‫س ِّيئات أعاملنا‪َ ,‬من هيده اهلل؛ فال َّ‬
‫أن حممدا عبدُ ه ورسو ُل ُه‬
‫رشيك له‪ .‬وأشهدُ َّ‬
‫َ‬ ‫وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ,‬وحدَ ه ال‬
‫َ َ َ ُ ُ ذ ذ َ َ ُ ُّ ُ َ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ذ ُ َ‬
‫[ال‬ ‫{يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل حق تقاتِهِۦ وَل تموتن إَِل وأنتم مسل ِمون ‪}102‬‬
‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ ْ‬
‫عمران]‬
‫َ َ‬ ‫ذ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ُ ذ‬
‫اس ٱتقوا َربذك ُم ٱَّلِي خلقكم مِن نفس َوَٰح َِدة َوخل َق مِن َها َزو َج َها‬ ‫يأيها ٱنل‬ ‫{ َٰٓ‬
‫ام إ ذن ذ َ‬
‫ٱّلل‬ ‫ون بهِۦ َوٱلَر َح َ‬ ‫ََ َُٓ َ‬
‫ل‬‫ء‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ِي‬
‫ُ َ َ ٗ َ ٗ َ َ ٓٗ َ ذ ُ ْ ذَ ذ‬
‫ٱَّل‬ ‫َو َبث مِنهما رِجاَل كثِيا ون ِساء وٱتقوا ٱّلل‬
‫ذ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ََ ُ َ ٗ‬
‫َكن عليكم رق ِيبا ‪[ } 1‬النساء]‬
‫َ ُ َ َ ُ‬ ‫ٗ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ ُ ُ ْ َ ٗ‬
‫ٱّلل َوقولوا قوَل َسدِيدا ‪ 70‬يُصل ِح لكم أع َمَٰلكم‬ ‫يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا‬ ‫{ َٰٓ‬
‫ظيما ‪[} 71‬االحزاب]‬
‫از فَو ًزا َع ِ ً‬ ‫وَلۥ َف َقد فَ َ‬‫ٱّلل َو َر ُس َ ُ‬
‫كم َو َمن ي ُ ِطعِ ذ َ‬ ‫َ ُ ُُ َ ُ‬
‫َو َيغفِر لكم ذنوب‬
‫‪َ ,‬و َرش األُ ُم ِ‬
‫ور‬ ‫َّ‬ ‫َاب اهللِ‪َ ,‬و َخ ْ َري ْاْلَدْ ِي َهدْ ُي ُحم َ َّم ٍد‬ ‫َأما بعدُ ‪َ ،‬فإِ َّن َخري ْ ِ ِ ِ‬
‫احلديث كت ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫ال َل ٍة ِِف الن ِ‬
‫َّار‪.‬‬ ‫اُتا‪َ ,‬وك َُّل ُحم ْدَ َث ٍة بِدْ َع ٌة‪َ ,‬وك َُّل بِدْ َع ٍة َض َ‬
‫ال َل ٌة‪َ ,‬وك َُّل َض َ‬ ‫ُحم ْدَ َث ُ َ‬
‫أهيا املسلمون ‪ :‬لقد خص اهلل جل شأنه شهر رمضان من بني سائر الشهور‬
‫ُْ ُ‬ ‫َ ُْ ََ َ َ ذ َ ُ َ‬
‫نزل فِيهِ الق ْرآن‬
‫بإنزال القرآن الكريم فيه‪,‬يقول اهلل ‪{ :-´-‬شهر رمضان اَّلِي أ ِ‬
‫َ ُْ َ َ ُْ ْ َ‬ ‫ُه ًدى ل ذ‬
‫ِلن ِ َ َ َ‬
‫ان} فهذا الشهر العظيم‪ ,‬الذي قد حصل‬ ‫ات مِن الهدى والفرق ِ‬
‫اس وبيِن ٍ‬
‫لكم فيه من اهلل الفضل العظيم‪ ,‬وهو القرآن الكريم‪ ,‬املشتمل عىل اْلداية ملصاحلكم‬
‫الدينية والدنيوية‪ ,‬وتبيني احلق بأوضح بيان‪ ,‬والفرقان بني احلق والباطل‪ ,‬واْلدى‬
‫والضالل‪ ,‬وأهل السعادة وأهل الشقاوة‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر القرآن)‬

‫عنوان‬
‫وأن نكثر من تالوته وتدبره‪,‬‬ ‫بالقرآن‪,‬‬
‫‪‬‬ ‫ف ام أحرانا يف هذا الشهر أن نجدد العهد‬
‫وتعقله‪ ,‬والتخ ّلق بأخالقه‪ ,‬واالمتثال ألوامره‪ ,‬واالنتهاء عن نواهيه‪ ,‬وأن يكون ذلك‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ِ‬
‫دأبا لنا يف بقية أعامرنا؛ لنسعد يف دنيانا وآخرتنا‪ ,‬ولننال الثواب اجلزيل من ربنا ‪.‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫إن لكثرة قراءة القرآن يف هذا الشهر املبارك الذي أنزل فيه القرآن مزية خاصة‪,‬‬
‫القرآن يف رمضان كل سنة مرة ‪ ,‬فلام كان‬ ‫وْلذا كان جربيل ينزل يدارس النبي‬
‫العام الذي تويف فيه دارسه مرتني تأكيدا وتثبيتا ‪.‬‬
‫ُيكْثِرون من تالوة القرآن يف رمضان يف الصالة‬ ‫وكان السلف الصالح‬
‫وغريها ‪ ,‬وكان الزهري ‪ ‬إذا دخل رمضان يقول ‪ :‬إنام هو تالوة القرآن وإطعام‬
‫الطعام ‪ ,‬وكان مالك ‪‬إذا دخل رمضان ترك قراءة احلديث وجمالس العلم وأقبل‬
‫عىل قراءة القرآن من املصحف ‪ ,‬وكان قتادة ‪ ‬خيتم القرآن يف كل سبع ٍ‬
‫ليال دائام‬
‫ويف رمضان يف كل ثالث‪ ,‬ويف العش األخري منه يف كل ليلة‪ ,‬وكان إبراهيم النخعي‬
‫‪ ‬خيتم القرآن يف رمضان يف كل ثالث ٍ‬
‫ليال ويف العش األواخر يف كل ليلتني ‪,‬‬
‫وكان األسود ‪ ‬يقرأ القرآن كله يف ليلتني يف مجيع الشهر ‪.‬‬
‫ولقد تنوعت األدلة من الكتاب والسنة يف فضل تالوة القرآن الكريم؛ فاهلل ‪-‬‬
‫¸‪ -‬أمر بتالوة كتابه‪ ,‬وبني أن هذا هو َد َأ ُب الصاحلني‪ ,‬فقال ‪:-¸-‬‬
‫ً ََ ً‬ ‫ْ ُ‬ ‫ذ َ َ َ َُ‬ ‫اب اّلل ِ َوأَقَ ُ‬ ‫ذ ذ َ َُْ َ‬
‫الصَلة َوأنفقوا م ذِما َر َزقنَاه ْم ِِسا َوعَلن ِيَة‬ ‫اموا‬ ‫ون كِتَ َ‬ ‫(إِن اَّلِين يتل‬
‫ذُ َ ُ ٌ َ ُ‬
‫ك ٌ‬ ‫َ ْ‬ ‫َُ َُ ْ ُ ُ َُ ْ ََ َ ُ‬ ‫ارةً لذن َتبُ َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫ون َِتَ َ‬
‫ور)‪.‬‬ ‫يدهم مِن فضلِهِ إِنه غفور ش‬ ‫ور ‪ِْ 29‬يوفِيهم أجورهم وي ِز‬ ‫يرج‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪36‬‬
‫قال‪« :‬من قرأ حرف ًا من كتاب اهلل؛ فله بكل‬ ‫أن النبي‬ ‫وعن ابن مسعود‬
‫حرف‪ ،‬والم حرف‪،‬‬ ‫حرف حسنة‪ ،‬واحلسنة بعرش أمثاهلا‪ ،‬ال أقول أ م حرف ولكن أل‬
‫رواه الرتمذي‪ ,‬انظر صحيح الرتغيب ‪. )5456‬‬ ‫وميم حرف»‬
‫قال‪« :‬اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأيت يوم القيامة‬ ‫أن النبي‬ ‫وعن أِب أمامة‬
‫شفيع ًا ألصحابه» رواه مسلم‪.‬‬
‫فقراءة القرآن خري وأجر وبركة يف كل وقت‪ ,‬وهي يف رمضان أعظم وأكرب‪.‬‬
‫أجو َد الناس‪،‬‬ ‫قال‪« :‬كان رسول اهلل‬ ‫ويف الصحيحني عن ابن عباس‬
‫وكان أجو َد ما يكون ِف رمضان‪ ،‬حني يلقاه جربيل ِف كل ليلة من رمضان فيدارسه‬
‫أجود باْلري من الريح املرسلة»‪.‬‬ ‫القرآن‪ ،‬ف َلرسول اهلل‬
‫فيا لسعادة من أحب القرآن‪ ,‬وأقبل عليه تعلام‪ ,‬وتعليام‪ ,‬وتالوة‪ ,‬وبذال‪ ,‬وعمال‬
‫ألجل نشه‪ ,‬والدعوة إليه؛ ويا لعزته يف الدنيا واآلخرة‪ ,‬ويا ِحلرمان من ُحرم ذلك‬
‫وصدّ عن ذلك النور‪.‬‬
‫اخلري‪ُ ,‬‬
‫قال‪َ «:‬م َث ُل‬ ‫‪ ,‬أن النبي‬ ‫ثبت يف الصحيحني عن أِب موسى األشعري‬
‫آن‪:‬‬ ‫ب‪َ ،‬وا َّل ِذي الَ َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬ ‫حي َها َط ِّي ٌ‬‫ب‪َ ،‬و ِر ُ‬
‫ِ‬
‫آن‪ :‬كَاألُت ُْر َّجة َط ْع ُم َها َط ِّي ٌ‬ ‫ا َّل ِذي َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬
‫حيان َِة‬ ‫آن‪ :‬ك ََم َث ِل َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫اج ِر ا َّل ِذي َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬ ‫يح َهلا‪َ ،‬و َم َث ُل ال َف ِ‬‫ب َوالَ ِر َ‬
‫ِ‬
‫كَالت َّْم َرة َط ْع ُم َها َط ِّي ٌ‬
‫احلنْ َظ َل ِة َط ْع ُم َها‬‫آن‪ :‬ك ََم َث ِل َ‬ ‫اج ِر ا َّل ِذي الَ َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬‫ب‪َ ،‬و َط ْع ُم َها ُم ٌّر‪َ ،‬و َم َث ُل ال َف ِ‬ ‫ِر ُ‬
‫حي َها َط ِّي ٌ‬
‫يح َهلا »‪.‬‬ ‫ُم ٌّر‪َ ،‬والَ ِر َ‬
‫‪37‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر القرآن)‬

‫عنوان‬
‫ونشغل األوقات هبا السيام ِف‬ ‫نعتني‬
‫‪‬‬ ‫وهنا أذكر بعض اجلوانب التي ينبغي أن‬
‫هذا الشهر الكريم‪:‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫أوال‪ :‬حفظ القرآن أو ماتيِس منه‪ :‬فحافظ القران املتدبر ملعانيه هو العامل املقدم‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫روى اإلمام مسلم يف الصحيح‪ ,‬أن نافع بن عبد احلارث لقي عمر بن اخلطاب‬
‫‪:‬من استخلفت‬ ‫استعمله عىل مكة‪ .‬فقال له عمر‬ ‫بعسفان‪ ,‬وكان عمر‬
‫عىل أهل الوادي؟ قال‪ :‬استخلفت عليهم ابن أبزى‪ .‬قال‪ :‬وما ابن أبزى؟ فقال‪ :‬رجل‬
‫‪ :‬استخلفت عليهم موىل! فقال‪ :‬إنه قارئ لكتاب اهلل‪ ,‬عامل‬ ‫من موالينا‪ .‬فقال عمر‬
‫قد قال‪« :‬إن اهلل يرفع هبذا‬ ‫‪ :‬أما إن نبيكم‬ ‫بالفرائض‪ ,‬قاض‪ ,‬فقال عمر‬
‫الكتاب أقواما‪ ,‬ويضع به آخرين»‪.‬‬
‫َع ْن‬ ‫بل صاحب القرآن رفيق املالئكة السفرة‪ ,‬الكرام الربرة‪ ,‬روت أمنا َع ِائ َشة‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫النَّبِ ِّي أنه َق َال‪َ « :‬م َث ُل ا َّل ِذي َي ْق َر ُأ ا ْل ُق ْر َ‬
‫الس َف َرة ا ْلك َرا ِم ا ْل َرب َرة»متفق‬
‫َ‬ ‫آن َو ُه َو َحاف ٌظ َل ُه َم َع َّ‬
‫ْت ت َُرت ُِّل ِِف الدُّ ْن َيا‪َ ،‬فإِ َّن‬ ‫ب ا ْل ُق ْر ِ‬
‫آن ا ْق َر ْأ َو ْارت َِق َو َرت ِّْل ك ََام ُكن َ‬ ‫اح ِ‬‫عليه‪ .‬ويوم القيامة « ي َق ُال لِص ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫من ِْز َلت َ ِ ِ‬
‫هبا» صحيح أِب داود ‪.357‬‬ ‫َك عنْدَ آخ ِر آ َية َت ْق َر ُأ ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫َ ُْ َ ْ ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ثاني ًا‪ :‬تدبره والعمل به‪ :‬فقد ذم اهلل أقواما فقال‪( :‬أفَل َي َت َدبذ ُرون الق ْرآن أم َع‬
‫َ‬ ‫ََْ ُ‬ ‫ُُ‬
‫وب أقفالها) [حممد‪.]24:‬قال ابن كثري‪ « :‬أي بل عىل قلوب أقفاْلا فهي مطبقة ال خيلص‬ ‫قل ٍ‬
‫إليها يشء من معانيه»‪.‬‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫وباملقابل امتدح أقواما فقال‪ِ( :‬إَوذا َس ِم ُعوا َما أنزِل إِِل ال ذر ُسو ِل ت َرى أعيُنَ ُه ْم‬
‫ذ‬ ‫ذ َ َ ُ ْ َ َْ َ ُ ُ َ َ ذ َ َ َ ْ ْ‬ ‫َ ذ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫آم ذنا فاكتُبنَا َم َع الشاهِدِين) َ‬ ‫ادلمعِ مِما عرفوا مِن اْل ِق يقولون ربنا‬ ‫تفِيض مِن‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪38‬‬
‫ّلل َوجلَ ْ‬
‫ت قُلُوبُ ُه ْم ِإَوذَا تُل ِيَ ْ‬
‫ت‬ ‫ذ َ ُْ ْ ُ َ ذ َ‬
‫ِين إ َذا ذُك َِر ا ُ‬
‫ِ‬ ‫[املائدة‪.]83:‬وقال‪( :‬إِنما المؤمِنون اَّل ِ‬
‫ذُ َ‬ ‫َ َْ ْ َ ُُ َ َُْ ْ َ ً ََ‬
‫يمانا َوَع َرب ِ ِه ْم َيتَ َوُكون) [األنفال‪.]2:‬‬‫علي ِهم آياته زادتهم إ ِ‬
‫أهيا املسلم ‪ :‬لتكن لك يف رسول اهلل أسوة حسنة‪ ,‬فقد سأل سعد بن هشام أ َّم‬
‫فقالت‪« :‬كان خلقه‬ ‫فقال‪ :‬أخربيني عن خلق رسول اهلل‬ ‫املؤمنني عائشة‬
‫القرآن» رواه مسلم‪.‬‬
‫ذ َ َ َ َ َٰ ُ ُ َ‬
‫ل خل ٍق ع ِظيم } [القلم‪.4] :‬‬ ‫ولذلك زكاه ربه سبحانه فقال‪ِ { :‬إَونك لع‬
‫‪« :‬خريكم من‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫ثالثا تعليمه ومدارسته ‪ :‬فعن عثامن‬
‫تعلم القرآن وعلمه»روا ه البخاري‪.‬‬
‫َان‬
‫هلل ‪‬ك َ‬ ‫‪َ « :‬م ْن َع َّل َم آ َي ًة ِم ْن كِت ِ‬
‫َاب ا ِ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َو َع ْن َأن ٍ‬
‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َس‬
‫يحة‪.)5335 :‬‬ ‫ِ‬
‫الصح َ‬
‫‪ , )2 / 243 /4‬انظر َّ‬ ‫ت» أخرجه أبو سهل القطان يف " حديثه عن شيوخه "‬‫اهبا َما تُلِ َي ْ‬
‫َل ُه َث َو ُ َ‬
‫ِ‬
‫بيوت‬ ‫قال‪«:‬ما اجتمع قو ٌم ِف بيت من‬ ‫؛ أن رسول اهلل‬ ‫وعن أِب هريرة‬
‫كتاب اهلل‪ ،‬ويتدارسونه بينهم؛ إال َن َز َل ْ‬
‫ت عليهم السكينَ ُة‪ ،‬وغشيتْهم الرمح ُة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اهلل يتلون‬
‫وح َّفتْهم املالئكة‪ ،‬وذكرهم اهللُ فيمن عنده»رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ « :‬ال حسد إال عىل اثنتني رجل آتاه‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫وعن ابن عمر‬
‫اهلل القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار‪ ،‬ورجل آتاه اهلل ماالً فهو ينفق منه آناء‬
‫الليل وآناء النهار»متفق عليه‪.‬‬
‫أنه قال‪:‬‬ ‫راب ًعا تعليم األبناء وتشجيعهم عىل تعلم القرآن ‪ :‬ثبت عن النبي‬
‫وال ِن‪ :‬بِ َم ك ُِسينَا‬ ‫«عن صاحب القرآن‪َ :‬و ُيك َْسى َوالِدَ ا ُه ُح َّلت ْ ِ‬
‫َني َال ُي َق َّو ُم َُهل َام َأ ْه ُل الدُّ ْن َيا َف َي ُق َ‬
‫‪39‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر القرآن)‬
‫اجلن َِّة َوغ َُرفِ َها‪َ ،‬ف ُه َو‬
‫عنوان ِِف َد َر ِﺝ َْ‬
‫اص َعدْ‬ ‫آن‪ُ .‬ث َّم ُي َق ُال َل ُه‪ :‬ا ْق َر ْأ‬
‫‪َ ‬و ْ‬ ‫َه َذا؟ َف ُي َق ُال‪ :‬بِ َأ ْخ ِذ َو َل ِدك َُام ا ْل ُق ْر َ‬
‫يال» صحيح أِب داود ‪.5357‬‬ ‫َان‪َ ،‬أ ْو ت َْرتِ ً‬
‫ِِف ُص ُعود َما َدا َم َي ْق َر ُأ‪َ ،‬ه ًّذا ك َ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫جعلنا اهلل وإياكم من أهل القرآن‪ ,‬احلافظني حلروفه‪ ,‬الواقفني عند حدوده‪,‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫املتدبرين آلياته‪ ,‬فلمثل هؤالء جييء القرآن شفعيا يوم القيامة‪.‬‬
‫أقول هذا وأستغفر اهلل يل ولكم إنه هو الغفور الرحيم‬

‫اخلطبة الثانية‪:‬‬
‫احلمد هلل الذي أنزل عىل عبده الكتاب ومل جيعل له عوجا ‪,‬وأشهد أن ال إله إال‬
‫اهلل وحده ال رشيك له‪ ,‬له األسامء احلسنى والصفات العىل وأشهد أن حممدا عبده‬
‫ورسوله صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه ومن اقتفى‪.‬‬
‫أمابعد‪:‬‬
‫ّش ال ْ ُم ْؤمِن ِيَ‬ ‫َ‬ ‫ذ َ َ ُْ ْ َ‬
‫آن َي ْهدِي ل ِلذَّت ِ َ‬
‫ِه أق ْ َو ُم َويُبَ ِ ُ‬ ‫فيقول احلق ´ ‪ { :‬إِن هذا القر‬
‫ِ‬
‫ذ َ َ ْ َ ُ َ ذ َِ َ ذ َُ ْ َ ْ‬
‫ج ًرا َكب ً‬
‫يا} [اإلرساء‪ ]9 :‬فهذا القرآن يا أمة القرآن!‬ ‫ِ‬ ‫ات أن لهم أ‬
‫اَّلِين يعملون الصاْل ِ‬
‫هيدي للتي هي أقوم يف كل يشء ‪ ,‬فهو هيدي للتي هي أقوم يف شأن الفرد ‪ ,‬واألرسة ‪,‬‬
‫حلكم ‪,‬‬
‫ويف شأن املجتمع واألمة‪ ,‬هيدي للتي هي أقوم يف شأن االقتصاد ‪ ,‬ويف شأن ا ُ‬
‫ويف شأن احلياة االجتامعية ‪ ,‬ويف شأن احلياة التعليمية ‪ ,‬ويف كل شأن من شؤون احلياة‪,‬‬
‫فام أحوجنا إىل أن نعود إىل كتاب اهلل وأن هنتدي هبداه السيام يف هذه اآلونة احلرجة‬
‫التي تسلط فيها أعداء اإلسالم ‪..‬بسبب غفلة املسلمني –إال من رحم اهلل‪-‬عن كتاب‬
‫اهلل ¸ والعمل به ‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪41‬‬
‫َُ ُ‬
‫ويقول املوىل ‪ -‬جل وعال ‪ -‬يف سياق املنة عىل هذه األمة املحمدية ‪َ { :‬ونَنِل‬
‫ِي } [اإلرساء‪ ]82 :‬فهو شفا ٌء لألمراض‬ ‫ۡح ٌة ل ِل ْ ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫م َِن ال ْ ُق ْرآن َما ُه َو ش َِف ٌ‬
‫اء َو َر ْ َ‬
‫ِ‬
‫واألسقام احلس َّية املادية ‪ ,‬وهو شفا ٌء ألمراض القلوب وعلل النفوس ونزعات‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ٌ ْ َ ُ ْ َ َ‬
‫األهواء‪{ :‬ياأيها انلاس قد جاءتكم موعِظة مِن ربِكم وشِفاء ل ِما ِف الصدورِ‬
‫ي م ذِما‬‫اّلل ِ َوب َر ْۡحَتِهِ فَب َذل َِك فَلْيَ ْف َر ُحوا ُه َو َخ ْ ٌ‬
‫ذ‬
‫ل‬
‫ُْ َ ْ‬
‫ض‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫‪57‬‬ ‫ۡح ٌة ل ِل ْ ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ِي‬ ‫َو ُه ًدى َو َر ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫َي َم ُعون} [يونس‪.]58 ,57 :‬‬
‫ً‬
‫ويقول اهلل ´ ‪{ :‬وكذلك أوحينا إْيك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما‬
‫ً‬
‫الكتاب وَل اْليمان ولكن جعلنا نورا نهدي به من نشاء } ‪.‬‬

‫فهذا القرآن هو روح األجساد فام قيمة اجلسد إذا ُسلبت منه الروح ‪ ,‬إن اجلسد‬
‫إذا فارقته الروح أنتن وأصبح جيفة تعافها النفوس‪ ,‬وتوقف‪ ..‬وهكذا إذا ُسلب‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫يدب دبيب األحياء‪ ,‬ألنه‬
‫القرآن من القلب فإن اإلنسان يغدو ميتا وإن كان ُّ‬
‫ِ‬
‫ويوغل يف الشهوات واملحرمات ‪ ,‬ويغرق يف‬ ‫خيبِط خبط عشواء ويرتدى يف الظلامت ‪,‬‬
‫ْ‬
‫االنحرافات ‪,‬ويغوص يف امللذات ‪ ,‬ف ُي َغ ِّّش ذلك عىل قلبه‪ ,‬ويعمي بصريته ‪ ,‬ويطف‬
‫حينئذ كام أخرب النبي ‪.. « :‬كالكوز جمخي ًا ال يعرف‬‫ٍ‬ ‫نور اإليامن يف نفسه ‪ ,‬فيغدو‬
‫معروف ًا وال ينكر منكر ًا إالَّ ما ُأرشب من هواه »متفق عليه‪.‬‬
‫عباد اهلل! و إن من جوانب االنتفاع بالقرآن احلرص عىل استامعة ن احسن‬
‫عيل القرآن » فيقول ‪:‬‬
‫فيقول له ‪ « :‬اقرأ َّ‬ ‫يلقى ابن مسعود‬ ‫تالوته فهاهو النبي‬
‫أقرأ عليك وعليك ُأنزل يا رسول اهلل ؟ قال ‪ « :‬إين أحب أن أسمعه من غريي» فقرأ‬
‫‪45‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر القرآن)‬
‫َ َ َ َ‬
‫عنوان‪ -‬جل وعال‪{ -‬فكيْف إِذا‬ ‫‪ ‬احلق‬
‫عليه ابن مسعود من أول النساء حتى إذا بلغ قول‬
‫َ َْ َ ََ‬
‫َع َه ُؤ ََلءِ َشه ً‬ ‫َْ ْ ُ ُذ َ‬
‫يدا} [النساء‪,]45 :‬قال ابن مسعود‬ ‫الباب ِ‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ئ‬‫ج‬‫ك أم ٍة ب ِ ِ ٍ ِ‬
‫و‬ ‫يد‬ ‫ه‬‫ش‬ ‫جئنا مِن ِ‬
‫‪ِ 1‬‬
‫األول‪:‬‬
‫تذرفان بالدموع ‪.‬‬ ‫‪ :‬فقال يل ‪ « :‬حسبك ‪ ..‬حسبك» فنظرت فإذا عيناه‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫ومن اجلوانب التي تنال هبا بركات القرآن عامرة البيوت بتالوة كتاب اهلل فقد‬
‫ِ‬
‫ألهل‬ ‫إن البيت ل ُيتىل فيه القرآن؛ فيرتاءى‬
‫أنه قال ‪َّ «:‬‬ ‫ثبت يف الصحيح عن النبي‬
‫ِ‬
‫األرض»الصحيحة ‪.)3552‬‬ ‫السامء كام ترتاءى النجو ُم ألهل‬
‫هلل ‪َ ,‬ق َال‪َ « :‬ال َ َْت َع ُلوا ُب ُيو َتك ُْم َم َقابِ َر‪ ،‬إِ َّن‬ ‫ول ا ِ‬‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫و َع ْن َأ ِِب ُه َر ْي َرةَ‪,‬‬
‫ور ُة ا ْل َب َق َر ِة»رواه مسلم‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الشي َط َ ِ ِ‬
‫ان َينْف ُر م َن ا ْل َب ْيت ا َّلذي ُت ْق َر ُأ فيه ُس َ‬ ‫َّ ْ‬
‫ٌ‬
‫رجل من‬ ‫وتأملوا كيف كانت بيوت الصحابة مستنرية بكتاب اهلل ¸ فهذا‬
‫الصحابه كان يقرأ سورة الكهف‪ ,‬وفرسه إىل جواره مربوط ٌة ‪ ,‬فلام قرأ القرآن نزلت‬
‫سحابة فتغشته وأضلته ‪ -‬أي اقرتبت منه ‪ -‬فجعل َف َر ُسه ينفر منها فسكت ‪ ,‬ثم أخرب‬
‫فقال ‪ «:‬تلك املالئكة تنزَّلت تستمع لقراءتك »متفق عليه‪ ,‬ويف الصحيح أن‬ ‫النبي‬
‫تحركت ثم سكت‬
‫وأنه سكت فسكنت ‪ ,‬ثم قرأ ف َّ‬ ‫هذا القارئ أسيد بن حضري‬
‫‪ « :‬تلك املالئكة تنزلت تستمع لقراءتك ولو قرأت‬ ‫فسكنت فقال النبي‬
‫‪ ,‬كان القرآن‬ ‫ألصبحت والناس يروهنا ما تسترت منهم » هكذا كان صحب النبي‬
‫هو روح هذه احلياة يف عْصهم‪.‬‬
‫َق َال‪َ :‬ق َال‬ ‫وسى‬ ‫واسمعوا إىل هذه القصة العظيمة‪ ,‬يف الصحيحني َع ْن َأ ِِب ُم َ‬
‫ات ر ْف َق ِة ْاألَ ْشع ِريني بِا ْل ُقر ِ ِ‬ ‫‪« :‬إِ ِّين َألَ ْع ِر ُ‬
‫ون بِال َّل ْي ِل ‪،‬‬
‫ني َيدْ ُخ ُل َ‬
‫آن ح َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِّ َ‬ ‫ف َأ ْص َو َ ُ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪42‬‬
‫ني َن َز ُلوا بِالن ََّه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْت َ م َأ َر َمن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َأ ْع ِر ُ ِ ِ َ‬
‫ار‬ ‫َاز َُهل ْم ح َ‬ ‫ف َمنَاز َُهل ْم م ْن أ ْص َواُتِ ْم بِا ْل ُق ْرآن بِال َّل ْي ِل ‪َ ،‬وإِ ْن ُكن ُ ْ‬
‫يم إِ َذا َل ِق َي َْ‬
‫اْل ْي َل ‪َ -‬أ ْو َق َال ا ْل َعدُ َّو ‪َ -‬ق َال َُهل ْم‪ :‬إِ َّن َأ ْص َح ِايب َي ْأ ُم ُرو َنك ُْم َأ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ،‬ومن ُْه ْم َحك ٌ‬
‫َتنْ ُظ ُر ُ‬
‫وه ْم» ‪.‬‬
‫يبشه بفتح القادسية‬
‫إىل عمر الفاروق ِّ‬ ‫وجاء املبعوث من سعد بن أِب و َّق ٍ‬
‫اص‬
‫فالن‬ ‫ٍ‬
‫بخطاب من سعد يقول له ‪-‬يف شأن من استشهد من املسلمني‪ : -‬مات ٌ‬ ‫وجاء له‬
‫كدوي‬
‫ِّ‬ ‫يدو ُون بالقرآن يف الليل‬ ‫ٌ‬
‫وفالن من الناس ن ال تعلمهم ‪ ,‬واهلل هبم عامل كانوا ّ‬
‫النحل‪ ,‬أين هذا ؟! إنه كان يف أوقات املعارك عند احتدام القتال وعند تالحم‬
‫البداية والنهاية ط إحياء الرتاث ‪)54 /7‬‬ ‫الصفوف !‬
‫فهذا القرآن هو‪ :‬طريق السعادة‪ ,‬وسبيل العزة للفرد واألمة‪ ,‬قال‪( :-´-‬طه‬
‫َ َٰ َ ٓ َ ُ َ َ َ ذ َ َ ُ َ َ َٰ ُ َ‬ ‫َ َ َ َْ َ َْ َ ُْ ْ َ َ ْ َ‬
‫‪ 1‬ما أنزنلا عليك القرآن ل ِتشق)‪ ,‬وقال تعاىل ‪ { :‬أَ‍ِبتَٰيتِنا أنتما وم ِن ٱتبعكما ٱلغل ِبون‬

‫} [القصص‪. ]51 :‬‬

‫فاللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا وجالء أحزاننا ونور صدورنا وشفاء أمراضنا‬
‫وذهاب مهومنا وغمومنا وارزقنا تالوة كتابك عىل الوجه الذي يرضيك عنا ‪ ,‬واهدنا‬
‫به سبل السالم ‪ ,‬وأخرجنا به من الظلامت إىل النور ‪ ,‬واجعله حجة لنا ال علينا يا رب‬
‫العاملني ‪.‬‬
‫اللهم ارفع لنا به الدرجات ‪ ,‬وأنقذنا به من الدركات ‪ ,‬وكفر عنا به السيئات‪,‬‬
‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني برمحتك يا أرحم الرامحني ‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر القرآن)‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل‬ ‫اللهم ِ‬
‫الشكعنوان‬
‫واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪,‬‬ ‫‪‬‬
‫واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬
‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫َ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫يب الدعوات‪.‬‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬
‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪44‬‬

‫ونستغفره‪ ,‬ونعو ُذ باهلل من رشور أنفسنا‪ ,‬ومن‬


‫ُ‬ ‫إن احلمد هلل؛ نحمدُ ه‪ ,‬ونستعينُه‪,‬‬
‫مضل له‪ ,‬و َمن يضلِ ْل؛ فال هادي له‪.‬‬
‫س ِّيئات أعاملنا‪َ ,‬من هيده اهلل؛ فال َّ‬
‫أن حممدا عبدُ ه ورسو ُل ُه‬
‫رشيك له‪ .‬وأشهدُ َّ‬
‫َ‬ ‫وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ,‬وحدَ ه ال‬
‫َ َ َ ُ ُ ذ ذ َ َ ُ ُّ ُ َ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ذ ُ َ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل حق تقاتِه ِۦ وَل تموتن إَِل وأنتم مسل ِمون ‪[ } 102‬ال‬

‫عمران]‬
‫كم مِن ذنفس َوَٰح َِدة َو َخلَ َق مِن َها َزو َجهاَ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ ْ َ ذ ُ ُ ذ‬
‫يأيها ٱنلاس ٱتقوا ربكم ٱَّلِي خلق‬ ‫{ َٰٓ‬
‫َ َ َ َ ذ ذ‬ ‫َ ٓ ُ َ‬ ‫ُ َ َ ٗ َ ٗ َ َ ٓٗ َ ذ ُ ْ ذَ ذ‬ ‫ذ‬
‫ٱّللَ‬ ‫ٱّلل ٱَّلِي ت َسا َءلون بِهِۦ وٱلرحام إِن‬ ‫َو َبث مِنهما رِجاَل كثِيا ون ِساء وٱتقوا‬
‫َ َ ََ ُ َ ٗ‬
‫َكن عليكم رق ِيبا ‪[ } 1‬النساء]‬
‫َ ُ َ َ َٰ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ُ ُ ْ َ ٗ َ ٗ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل وقولوا قوَل سدِيدا ‪ 70‬يصل ِح لكم أعملكم‬
‫ظيما ‪[} 71‬االحزاب]‬
‫از فَو ًزا َع ِ ً‬ ‫ٱّلل َو َر ُس َ ُ‬
‫وَلۥ َف َقد فَ َ‬ ‫كم َو َمن ي ُ ِطعِ ذ َ‬ ‫َ ُ ُُ َ ُ‬
‫َو َيغفِر لكم ذنوب‬
‫‪َ ,‬و َرش األُ ُم ِ‬
‫ور‬ ‫َّ‬ ‫َاب اهللِ‪َ ,‬و َخ ْ َري ْاْلَدْ ِي َهدْ ُي ُحم َ َّم ٍد‬ ‫َأما بعدُ ‪َ ،‬فإِ َّن َخري ْ ِ ِ ِ‬
‫احلديث كت ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫ال َل ٍة ِِف الن ِ‬
‫َّار‪.‬‬ ‫اُتا‪َ ,‬وك َُّل ُحم ْدَ َث ٍة بِدْ َع ٌة‪َ ,‬وك َُّل بِدْ َع ٍة َض َ‬
‫ال َل ٌة‪َ ,‬وك َُّل َض َ‬ ‫ُحم ْدَ َث ُ َ‬
‫كمْ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ َ ْ َ ُ ُّ ُ‬
‫أهيا املسلمون الصائمون ! يقول اهلل تعاىل ‪ {:‬يا أيها اَّلِين آمنوا هل أدل‬
‫َ‬ ‫ُ ْ ْ َ َ‬ ‫ََ َِ َ ُْ‬
‫اب أ ِْي ٍم} ففي هذه اآلية الكريمة نداء ألهل اْلمم‬ ‫ٍ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫يك‬ ‫ج‬ ‫ِ‬ ‫َع َتارةٍ تن‬
‫العالية‪ ,‬واملقاصد السامية‪ ,‬إهنم أهل اإليامن؛ الذين يسابقون إىل أسباب الغفران‪,‬‬
‫وينافسون يف ميدان األعامل الصاحلة‪ ,‬لنيل الدرجات العالية‪.‬‬
‫فاهلل سبحانه يشوقهم هبذا النداء العظيم إىل جتارة رابحة؛ وكلنا نريد التجارة‬
‫الرابحة التي ال خيِس صاحبها أبدا‪,‬‬
‫‪45‬‬ ‫خطبة بعنوان (أسباب التجارة الراحبة)‬
‫عنوانشهر رمضان املبارك؛ شهر‬
‫الرابحة‪ ,‬يف‬
‫‪‬‬ ‫وها نحن عباد اهلل يف موسم التجارة‬
‫مضاعفة احلسنات‪ ,‬ونيل الدرجات‪ ,‬وفتح أبواب اجلنات‪ ,‬وتكفري السيئات‪ ,‬وإغالق‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫أبواب الدركات‪..‬فإليكم عباد اهلل بعض أسباب التجارة‪ :‬وهي عبارة عن أعامل يسرية‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫تنال هبا أجور كبرية ‪.‬‬
‫فمنها وهو أصل التجارة الرابحة وأساسها اإليامن ) ‪ :‬وبقدر قوته وضعفه‬
‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ َ ْ َ ُ ُّ ُ ْ َ َ‬
‫َع َِتَ َ‬
‫ٍ‬ ‫ارة‬ ‫يكون مبلغ جتارة العبد ‪ ,‬قال تعاىل ‪ {:‬يا أيها اَّلِين آمنوا هل أدلكم‬
‫ُ ْ ْ َ َ َ ُْ َ ذ‬ ‫ُْ‬
‫اب أ ِْي ٍم تؤمِنُون بِاّلل ِ َو َر ُس ِ‬
‫وَل ِ ‪} ..‬اآلية [الصف‪. ]55 ,51 :‬‬ ‫جيكم مِن عذ ٍ‬
‫تن ِ‬
‫ومن أعظم أسباب التجارة الرابحة بل الغنائم الباردة (النية الصاحلة) ‪:‬‬
‫وك َفدَ نَا ِم َن املَ ِدين َِة‪َ ,‬ف َق َال‪« :‬إِ َّن‬
‫َس ْب ِن َمال ِ ٍك ‪ ‬قال ‪َ :‬ر َج َع النبي ‪ِ ‬م ْن َغ ْز َو ِة َت ُب َ‬ ‫ف َع ْن َأن ِ‬

‫هللِ‪,‬‬ ‫ِست ُْم َم ِس ًريا‪َ ،‬والَ َق َط ْعت ُْم َو ِاد ًيا إِ َّال كَانُوا َم َعك ُْم»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ول ا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َ‬
‫بِاملَْدينَة أ ْق َو ًاما‪َ ،‬ما ْ‬
‫َو ُه ْم بِاملَْ ِدين َِة؟ َق َال‪َ « :‬و ُه ْم بِاملَْ ِدين َِة‪َ ،‬ح َب َس ُه ُم ال ُع ْذ ُر» متفق عليه‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر ‪ ‬يف الفتح‪ « :‬ويف هذا أن املرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا‬
‫‪.)47 /6‬‬ ‫فتح الباري البن حجر‬ ‫منعه العذر عن العمل»‪ .‬إ‪ç‬‬
‫ومن أعظم أسباب التجارة الرابحة ‪-‬يا عباد اهلل‪ -‬الصالة)فريضة كانت أو‬
‫َّك َال ت َْس ُجدُ هللَِّ‬ ‫ك بِ َك ْثر ِة السج ِ‬
‫ود هللَِِّ‪َ ،‬فإِن َ‬ ‫نافلة ‪ :‬فعن ثوبان ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال ‪َ «:‬ع َل ْي َ‬
‫َ ُّ ُ‬
‫ْك ِ َهبا َخطِي َئ ًة»رواه مسلم‪ .‬وإذا كانت‬ ‫هلل ِ َهبا َد َر َج ًة‪َ ،‬و َح َّط َعن َ‬
‫كا ُ‬‫َس ْجدَ ةً‪ ،‬إِ َّال َر َف َع َ‬
‫اخلطوات إىل املسجد ترفع درجات ومتحو خطيئات فكيف بالصالة نفسها ؟‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪46‬‬
‫ومن األعامل اليسرية ذوات األجور الكثرية السنن الرواتب) قبل وبعد‬

‫عن النبي ‪ ‬أنه قال‪َ « :‬م ْن َص َّىل ا ْثنَت َْي َع ْ َ‬


‫رش َة‬ ‫الصلوات اخلمس ‪ :‬فعن ُأ َّم َحبِي َب َة‪,‬‬
‫َني َب ْعدَ َها ‪،‬‬‫اجلن َِّة َأ ْر َب ًعا َق ْب َل َال ُّظ ْه ِر َو َر ْك َعت ْ ِ‬
‫ت ِِف َْ‬ ‫َر ْك َع ًة ِِف َي ْوم َو َل ْي َلة‪ُ ،‬بن ِ َي َل ُه ِهبِ َّن َب ْي ٌ‬
‫ِ‬ ‫اء ‪َ ،‬و َر ْك َعت ْ ِ‬ ‫َني بعدَ َا ْل ِع َش ِ‬
‫ج ِر »رواه مسلم‬ ‫َني َق ْب َل َص َالة َا ْل َف ْ‬ ‫ب ‪َ ،‬و َر ْك َعت ْ ِ َ ْ‬ ‫َو َر ْك َعت ْ ِ‬
‫َني َب ْعدَ َاملَْغ ِْر ِ‬
‫لرت ِم ِذ ِّي واللفظ له‪.‬‬
‫َوا ِّ ْ‬

‫ومن أعظم األعامل التي تنال هبا التجارة الرابحة يف هذا الشهر املبارك صالة‬
‫ان إِ َيامنًا‬
‫‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬م ْن َقا َم َر َم َض َ‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫الرتاويىىح) ‪ :‬ف َع ْن َأ ِيب ُه َر ْي َرةَ‪،‬‬
‫احتِ َسا ًبا‪ ،‬غ ُِف َر َل ُه َما َت َقدَّ َم ِم ْن َذ ْنبِ ِه»‪.‬‬
‫َو ْ‬
‫وعن أِب ذر‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال ‪« :‬إن الرجل إذا صىل مع اإلمام حتى ينْصف‬
‫رواه أبو داود [صحيح اجلامع ‪.]5655‬‬ ‫كتب له قيام ليلة»‬
‫فال ينبغي للمسلم العاقل أن يضيع هذا اخلري العظيم واألجر الكبري بأسباب قد‬
‫تعود عليه باحلرمان واخلِسان! فام هو إال وقت يسري ُيكتب لك فيه أجر قيام ليلة‬
‫كاملة! ذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء واهلل يضاعف ملن يشاء واهلل واسع عليم ‪.‬‬
‫َُ‬
‫ومن أعظم أسباب التجارة الرابحة (الزكاة)‪ :‬فاهلل جل وعال يقول ‪َ { :‬مثل‬
‫ُ ُ ُْ َ‬ ‫ذ َ ََ َ ذ َََْ ْ َ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ذ َ ُْ ُ َ ََْ َ‬
‫ك سنبل ٍة‬ ‫يل اّللِ كمث ِل حب ٍة أنبتت سبع سنابِل ِف ِ‬ ‫اَّلِين ينفِقون أموالهم ِف سب ِ ِ‬
‫َُ َ ذ َ ذُ ُ َ ُ َ ْ ََ ُ َ ذُ َ ٌ َ ٌ‬
‫مِائة حب ٍة واّلل يضاعِف ل ِمن يشاء واّلل واسِع عل ِيم} [البقرة‪]265 :‬‬

‫والنبي‪ ‬يقول كام يف صحيح مسلم‪َ « :‬ما ت ََصدَّ َق َأ َحدٌ بِ َصدَ َقة ِم ْن َط ِّيب‪َ ،‬و َال‬
‫مح ِن‬ ‫رت ُبو ِِف َك ِّ َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫مح ُن بِ َي ِمين ِ ِه‪َ ،‬وإِ ْن كَان ْ‬
‫َت َتَ ْ َرةً‪َ ،‬ف َ ْ‬ ‫ب‪ ،‬إِ َّال َأ َخ َذ َها َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫َي ْق َب ُل اهللُ إِ َّال ال َّط ِّي َ‬
‫اجل َب ِل‪ ،‬ك ََام ُي َر ِّيب َأ َحدُ ك ُْم َف ُل َّو ُه َأ ْو َف ِصي َل ُه»‪،‬‬
‫ُون َأ ْع َظ َم ِم َن َْ‬
‫َحتَّى َتك َ‬
‫‪47‬‬ ‫خطبة بعنوان (أسباب التجارة الراحبة)‬
‫يقول‪ «:‬إن الصدق َة لتطفئ عن‬ ‫‪‬عنوان‬ ‫سمعت رسول اهلل‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫وعن عقبة بن عامر‬
‫ظل صدقتِه حتى ُيقىض بني الناس»‪ .‬فكان أبو َم ْرثد ال‬ ‫ِ‬
‫القبور‪،‬كل امرئ ِف ٍّ‬ ‫حر‬
‫أهلها َّ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫خيطئه يو ٌم إال تصدق فيه بّشء‪ ,‬ولو كعكة أو بصلةرواه أمحد‪ ,‬والطرباين واللفظ له وصححه األلباين‪.‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫فام أحوجنا إىل هذه األجور العظيمة واحلسنات الكبرية السيام يف هذه األيام‬
‫التي أشتدت هبا الكربات وتضاعفت األزمات!! فإذا مل نتعاون اليوم ياعباد اهلل وإذا مل‬
‫نتعاطف ونرتاحم يف هذه الشدائد فمتى سيكون منا هذا ؟!!‬
‫ومن أعظم أسباب التجارة الرابحة الصيام) ‪ :‬ففي الصحيحني عن رسول اهلل‬
‫هلل ‪َ ‬ق َال‪ :‬يف احلديث القدِس‪ «:‬ك ُُّل َع َم ِل ا ْب ِن آ َد َم ُي َضا َع ُ ‪،‬‬ ‫‪‬أنه قال ‪َ :‬ق َال ا ُ‬
‫الص ْو َم‪َ ،‬فإِ َّن ُه ِِل َو َأنَا َأ ْج ِزي بِ ِه»‪ ,‬فمن فضل‬ ‫اهلا إِ َىل سب ِ ِ‬
‫عامئَة ض ْع ‪ :،‬إِ َّال َّ‬ ‫َ ْ‬
‫احلسنَ ُة ع ْرش َأم َث َ ِ‬
‫َْ َ َ ُ ْ‬
‫اهلل عىل الصائم أنه يف حسنات منذ طلوع الفجر الصادق إىل غروب الشمس‪,‬فهو يف‬
‫عبادة طيلة يومه ويف كل حلظاته وأنفاسه ‪.‬‬
‫ومن أعظم وأكرب ما تنال به األجور الكثرية‪-‬يا عباد اهلل‪-‬احلج املربور ‪:‬‬
‫ف َع ْن َأ ِِب ُه َر ْي َر َة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬أنه َق َال‪« :‬ال ُع ْم َر ُة إِ َىل ال ُع ْم َر ِة َك َّف َار ٌة َمل ِا َب ْين َُه َام‪َ ،‬و َ‬
‫احل ُّج‬
‫َاء إِ َّال َ‬
‫اجلنَّ ُة»متفق عليه‪.‬‬ ‫ور َل ْي َس َل ُه َجز ٌ‬ ‫املَ ْ ُ‬
‫رب ُ‬
‫ومن أعظم أسباب التجارة الرابحة قراءة القرآن السيام يف شهرالقرآن‪ :‬قال‬
‫ْ ُ‬ ‫ذ َ َ ََُْ‬ ‫اّلل ِ َوأَقَ ُ‬
‫ذ ذ َ َُْ َ َ َ ذ‬
‫الصَلة َوأنفقوا م ذِما َر َزق َناه ْم‬ ‫اموا‬ ‫املوىل جل وعز‪{ :‬إِن اَّلِين يتلون كِتاب‬
‫ضلِهِ إنذهُ‬ ‫َُ َُ ْ ُ ُ َُ ْ ََ َ ُ ْ ْ َ ْ‬ ‫ارةً لَ ْن َتبُ َ‬ ‫ًّ َ َ َ َ ً َ ْ ُ َ‬
‫ون َِتَ َ‬
‫ِ‬ ‫ور ‪ِْ 29‬يوفِيهم أجورهم ويزِيدهم مِن ف‬ ‫ِِسا وعَلن ِية يرج‬
‫ك ٌ‬‫َُ ٌ َ ُ‬
‫ور} [فاطر‪.]31 ,29 :‬‬ ‫غفور ش‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪48‬‬
‫ود ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪َ « :‬م ْن َق َر َأ َح ْر ًفا ِم ْن كِت ِ‬
‫َاب اهللَِّ َف َل ُه‬ ‫هلل بن مسع ٍ‬
‫وعن َع ْبدَ ا َِّ ْ َ َ ْ ُ‬
‫ف‬ ‫ف َو َال ٌم َح ْر ٌ‬‫ف‪َ ،‬و َلكِ ْن َألِ ٌ َح ْر ٌ‬ ‫ول ا م َح ْر ٌ‬ ‫رش َأم َث َ ِ‬
‫اهلا‪َ ،‬ال َأ ُق ُ‬ ‫بِ ِه َح َسنَ ٌة‪َ ،‬و َ‬
‫احل َسنَ ُة بِ َع ْ ِ ْ‬
‫ف» رواه الرتمذي انظر صحيح اجلامع ‪.)6469‬‬ ‫يم َح ْر ٌ‬ ‫ِ‬
‫َوم ٌ‬
‫ومن أكرب أسباب التجارة الرابحة يا من يريد التجارة الربحة الدعوة إىل اهلل‬
‫اْلاً‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ُ ًَْ ذ ْ َ َ َ ذ َ َ َ‬
‫والداللة عىل اخلري)‪ :‬قال تعاىل ‪ {:‬ومن أحسن قوَل مِمن دَع إِِل اّلل ِ وع ِمل ص ِ‬
‫ي}[فصلت‪.]33 :‬‬ ‫َوقَ َال إنذّن م َِن ال ْ ُم ْسلِم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ار ِّي‪  ,‬عن النبي ‪ ‬أنه قال ‪َ «:‬م ْن َد َّل َع َىل َخ ْري َف َل ُه ِم ْث ُل‬ ‫و َعن َأ ِِب مسع ٍ‬
‫ود ْاألَن َْص ِ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫اعلِ ِه»رواه مسلم‪.‬‬
‫َأج ِر َف ِ‬
‫ْ‬
‫ومن األعامل اليسرية ذات األجور الكثرية(كثرة ذكر اهلل تعاىل)‪:‬قال اهلل سبحانه ‪:‬‬
‫ج ًرا َع ِ ً‬ ‫َ ذَ َ ً َ ذ َ َ َ ذ ذُ َُ ْ َ ْ ًَ ََ ْ‬ ‫ذ‬
‫ظيما} [األحزاب‪.]35 :‬‬ ‫ات أعد اّلل لهم مغفِرة وأ‬ ‫{ َواَّلاكِرِين اّلل كثِيا واَّلاكِر ِ‬
‫َاها ِعنْدَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫و َع ْن َأ ِِب الدَّ ْر َداء ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ق َال النَّبِ ُّي ‪َ «:‬أ َال ُأ َن ِّب ُئك ُْم بِ َخ ْ ِري َأ ْع َاملك ُْم‪َ ,‬و َأ ْزك َ‬
‫الو ِر ِق‪َ ,‬و َخ ْ ٌري َلك ُْم ِم ْن‬
‫ب َو َ‬ ‫الذ َه ِ‬
‫اق َّ‬ ‫ملِيكِكُم‪َ ,‬و َأر َف ِع َها ِيف َدر َجاتِكُم َو َخري َلكُم ِم ْن إِ ْن َف ِ‬
‫ٌْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫رض ُبوا َأ ْعنَا َقك ُْم»؟ َقا ُلوا‪َ :‬ب َىل‪َ .‬ق َال‪ِ « :‬ذك ُْر اهللَِّ‬ ‫َرض ُبوا َأ ْعنَا َق ُه ْم َو َي ْ ِ‬
‫َأ ْن َت ْل َق ْوا عَدُ َّوك ُْم َفت ْ ِ‬

‫اب اهللَِّ م ْن ذك ِْر ا َِّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬


‫يش ٌء َأن َْجى م ْن َع َذ ِ‬ ‫ِ‬
‫هلل»‪,‬رواه الرتمذي[صحيح‬ ‫َت َع َاىل» َق َال ُم َعا ُذ ْب ُن َج َب ٍل‪َ « :‬ما َ ْ‬
‫الرتغيب ‪.]5493‬‬

‫ول اهللِ َق َال‪:‬‬ ‫ون؟ َيا َر ُس َ‬‫ون» َقا ُلوا‪َ :‬و َما ا ُْمل َف ِّر ُد َ‬
‫« َس َب َق املُْ َف ِّر ُد َ‬ ‫وقال رسول اهلل‬
‫ات»رواه مسلم‪.‬‬ ‫الذاكِ َر ُ‬
‫هلل كَثِ ًريا‪َ ،‬و َّ‬ ‫الذاكِ ُر َ‬
‫ون ا َ‬ ‫« َّ‬
‫ومن األقوال اليسرية ذات األجور الكثرية(دعاء السوق)‪:‬فعن َع ْب ِد اهللَِّ ْب ِن ُع َم َر‪,‬‬
‫يك َل ُه‪،‬‬
‫رش َ‬ ‫وق‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ال إِ َل َه إِ َّال ا َُّ‬
‫هلل َو ْحدَ ُه َال َ ِ‬ ‫‪ ‬عن النبي‪ ‬أنه قال ‪َ « :‬م ْن َد َخ َل ُّ‬
‫الس َ‬
‫‪49‬‬ ‫خطبة بعنوان (أسباب التجارة الراحبة)‬
‫َشء‬‫اْل ْ ُري َو ُه َو َع َىل ك ُِّل َ ْ‬ ‫عنوان ِد ِه َ‬
‫وت‪ ،‬بِ َي‬
‫‪ُ ‬‬ ‫يت‪َ ،‬و ُه َو َح ٌّي َال َي ُم‬‫حييِي َو ُي ِم ُ‬
‫احل ْمدُ ُ ْ‬ ‫ك َو َل ُه َ‬ ‫َل ُه املُ ْل ُ‬
‫حما َعنْ ُه َأ ْل َ َأ ْل ِ َس ِّيئَة‪َ ،‬و َر َف َع َل ُه َأ ْل َ َأ ْل ِ َد َر َجة‬
‫َب اهللَُّ َل ُه َأ ْل َ َأ ْل ِ َح َسنَة‪َ ،‬و َ َ‬
‫َقد ٌير‪َ ،‬كت َ‬
‫ِ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫رواه الرتمذي [صحيح الرتغيب والرتهيب ‪.]5694‬‬ ‫»‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫قال الطيبي‪ :‬خصه بالذكر ألنه مكان الغفلة عن ذكر اهلل واالشتغال‬
‫بالتجارة؛ فهو موضع سلطنة الشيطان‪ ,‬وجممع جنوده‪ ,‬فالذاكر هناك احارب الشيطان‬
‫فمن ذكر اهلل فيه دخل يف زمرة من قال‬ ‫وهيزم جنوده؛ فهو خليق بام ذكر من الثواب‪َ .‬‬
‫ْ ذ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ َ ُْ ْ َ َ َ‬
‫ارةٌ َوَل َبيْ ٌع ع ْن ذِك ِر اّلل ِ) [النور‪.]37 :‬‬‫تعاىل يف حقهم‪( :‬رِجال َل تل ِهي ِهم َِت‬
‫بعض السلف يقصدُ السوق ليذكر اهلل فيها بني أهل الغفلة‪.‬‬
‫كان ُ‬
‫ومن اآليات اليسرية التي بقراءُتا األجور الكثرية قراءة سورة اإلخالص عش‬
‫َس ‪ ‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪َ «:‬م ْن َق َر َأ‪ُ :‬ق ْل ُه َو اهللُ َأ َحدٌ َحتَّى‬ ‫مرات ) ‪ :‬عن مع ِ‬
‫اذ ْب ِن َأن ٍ‬ ‫َُ‬
‫هلل َله َقَصا ِِف َْ ِ‬ ‫َِْ‬
‫اجلنَّة»‪ ،‬رواه أمحد الصحيحة ‪.)589‬‬ ‫رش َم َّرات‪َ ،‬بنَى ا ُ ُ ْ ً‬ ‫َيت َم َها َع ْ َ‬
‫ومن األقوال اليسرية ذات األجور الكثرية التسبيح) ‪ :‬ف َع ْن َس ْع ٍد بن أِب‬
‫ِ‬ ‫ول اهللِ ‪ ‬فقال ‪َ « :‬أ َي ْع ِ‬ ‫وقاص‪َ ‬ق َال‪ُ :‬كنَّا ِعنْدَ رس ِ‬
‫ب‪ ،‬ك َُّل َي ْوم‬ ‫ج ُز َأ َحدُ ك ُْم َأ ْن َيكْس َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َأ َحدُ َنا َأ ْل َ َح َسنَة؟ َق َال‪ُ « :‬ي َس ِّب ُح‬ ‫َأ ْل َ َح َسنَة؟» َف َس َأ َل ُه َسائ ٌل م ْن ُج َل َسائه‪َ :‬ك ْي َ َيكْس ُ‬
‫يحة‪َ ،‬ف ُي ْكت َُب َل ُه َألْ ُ َح َسنَة‪َ ،‬أ ْو ُ َحي ُّط َعنْ ُه َأ ْل ُ َخطِيئَة»رواه مسلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ما َئ َة ت َْسبِ َ‬
‫ان‪َ ،‬ث ِقي َلت ِ‬
‫َان‬ ‫َان َخ ِفي َفت ِ‬
‫َان َع َىل ال ِّل َس ِ‬ ‫و َع ْن َأ ِِب ُه َر ْي َر َة ‪ ‬عن النبي‪ ‬أنه قال‪ «:‬كَلِ َمت ِ‬

‫ان اهللِ ا ْل َعظِي ِم »متفق عليه‪.‬‬ ‫هلل َوبِ َح ْم ِد ِه‪ُ ،‬س ْب َح َ‬ ‫مح ِن‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫ان ا ِ‬ ‫َان إِ َىل َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫ِِف املِْيز ِ‬
‫َان‪َ ،‬حبِيبَت ِ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪51‬‬
‫ني ُي ْم ِس‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫ان‬ ‫ِ‬
‫ني ُي ْصبِ ُح َوح َ‬
‫ِ‬
‫وثبت يف الصحيح عن النبي ‪ ‬أنه قال‪َ «:‬م ْن َق َال‪ :‬ح َ‬
‫اء بِ ِه‪ ،‬إِ َّال َأ َحدٌ َق َال ِم ْث َل َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫اهللِ َوبِ َح ْمده‪ ،‬ما َئ َة َم َّرة‪ َ ،‬م ْ َي ْأت َأ َحدٌ َي ْو َم ا ْلق َي َامة‪ ،‬بِ َأ ْف َض َل ممَّا َج َ‬
‫َت ِم ْث َل َز َب ِد ا ْل َب ْح ِر»‪.‬‬
‫ت َخ َطا َيا ُه َو َل ْو كَان ْ‬ ‫َق َال َأ ْو َزا َد َع َل ْي ِه ُح َّط ْ‬
‫اللهم أعنا عىل ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ‪..‬‬
‫أقول هذا وأستغفر اهلل يل ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‪:‬‬
‫احلمد هلل الذي من عىل عباده بمواسم اخلريات ليغفر ْلم بذلك الذنوب‪ ,‬ويكفر‬
‫عنهم السيئات‪ ,‬وليضاعف ْلم بذلك الثواب‪ ,‬ويرفع ْلم الدرجات‪ ,‬وأشهد أن ال إله‬
‫إال اهلل وحده ال رشيك له واسع العطايا وجزيل اْلبات‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده‬
‫ورسوله أفضل املخلوقات صىل اهلل عليه وعىل آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان‪,‬‬
‫وسلم تسليام‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فيا عباد اهلل ما أحوج األمة اإلسالمية اليوم إىل معرفة أسباب التجارة‬
‫ٍ‬
‫أسباب مشبوهة أو‬ ‫الرابحة الباقية‪ ..‬لألسف الشديد أن كثريا من املسلمني أقبلوا عىل‬
‫حمرمة؛ لنيل جتارة زائلة حتى تنافسوا وتباغضوا وتقاتلوا من أجلها‪ ,‬وْلذا ال تستغربوا‬
‫أنه‬ ‫أهيا الناس من احلال التي وصلنا إليها‪ .‬فقد ثبت يف الصحيحني عن النبي‬
‫قال‪َ «:‬ف َواهللَِّ َما ال َف ْق َر َأ ْخ َشى َع َل ْيك ُْم‪َ ،‬و َلكِنِّي َأ ْخ َشى َأ ْن ُت ْب َس َط َع َل ْيك ُُم الدُّ ْن َيا ك ََام ُب ِس َط ْ‬
‫ت‬
‫وها‪َ ،‬و ُ ُْتلِ َكك ُْم ك ََام َأ ْه َل َكت ُْه ْم»‪.‬‬ ‫َان َق ْب َلك ُْم‪َ ،‬ف َتنَا َف ُس َ‬
‫وها ك ََام َتنَا َف ُس َ‬ ‫َع َىل َم ْن ك َ‬
‫‪55‬‬ ‫خطبة بعنوان (أسباب التجارة الراحبة)‬
‫عىل هذه األمة ِبق َْص األعامر‬
‫عنوان‬
‫وقدر‬
‫‪‬‬ ‫عباد اهلل ‪ :‬إن اهلل تبارك وتعاىل ملا قىض‬
‫ضاعف ْلا أجور األعامل فضال منه وكرما أال وإن من األعامل اليسرية ذات األجور‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫َس ‪‬عن النبي ‪ ‬أنه قال ‪َ « :‬م ْن َص َّىل ال َغدَ ا َة‪-‬أي الفجر‪ِِ -‬ف‬
‫الكثرية ما ثبت َع ْن َأن ٍ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫َت َل ُه ك ََأ ْج ِر َح َّجة‬ ‫الش ْم ُس‪ُ ،‬ث َّم َص َّىل َر ْك َعت ْ ِ‬
‫َني كَان ْ‬ ‫مجا َعة ُث َّم َق َعدَ َي ْذك ُُر اهللََّ َحتَّى َت ْط ُل َع َّ‬
‫ََ‬
‫رواه الرتمذي صحيح الرتغيب ‪.)464‬‬ ‫َو ُع ْم َرة» ‪َ ,‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهللَِّ ‪« :‬ت ََّامة ت ََّامة ت ََّامة»‬
‫ج ِد َال‬
‫وكذلك أيضا ما ثبت َع ْن َأ ِِب ُأ َما َم َة ‪َ ‬ع ِن النَّبِ ِّي ‪ ‬أنه َق َال‪َ « :‬م ْن َغدَ ا إِ َىل املَْ ْس ِ‬
‫ِ‬
‫ج ُت ُه»رواه أمحد[صحيح الرتغيب ‪/2‬‬ ‫َان َل ُه ك ََأ ْج ِر َح ٍّ‬
‫اﺝ ت ًَّاما ح َّ‬ ‫ُي ِريدُ إِ َّال َأ ْن َي َت َع َّل َم َخ ْ ًريا َأ ْو َي ْع َل َم ُه‪ ،‬ك َ‬
‫‪.]53‬‬

‫ومن األقوال اليسرية ذات األجور الكثرية ما تضمنه حديث َأ ِِب ُأ َما َم َة ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ر ِآين‬
‫ول َيا َأ َبا ُأ َم َام َة؟» ُق ْل ُت‪َ :‬أ ْذك ُُر اهللَ‪َ .‬ق َال‪َ " :‬أ َف َال‬ ‫النَّبِ ُّي ‪َ ‬و َأنَا ُأ َح ِّر ُك َش َفت ََّي‪َ ,‬ف َق َال‪َ « :‬ما َت ُق ُ‬
‫هلل َعدَ َد َما َخ َل َق‪،‬‬ ‫احل ْمدُ َِّ‬ ‫ول‪َْ :‬‬ ‫ار؟ َت ُق ُ‬ ‫ك َع َىل َما ُه َو َأ ْك َث ُر ِم ْن ِذك ِْر َك ا َ‬
‫هلل ال َّل ْي َل َم َع الن ََّه ِ‬ ‫َأ ُد ُّل َ‬
‫ض‪َ ،‬و َْ‬ ‫ات َو َما ِِف ْاألَ ْر ِ‬ ‫احلمدُ هللَِّ عدَ د ما ِِف السامو ِ‬ ‫ِ‬
‫هلل‬
‫احل ْمدُ َِّ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫احل ْمدُ هللَِّ م ْل َء َما َخ َل َق‪َ ،‬و َْ ْ‬ ‫َو َْ‬

‫َشء‪،‬‬ ‫هلل َعدَ َد ك ُِّل َ ْ‬ ‫احل ْمدُ َِّ‬ ‫احل ْمدُ هللَِّ ِم ْل َء َما َأ ْح َص كِتَا ُب ُه‪َ ،‬و َْ‬ ‫َعدَ َد َما َأ ْح َص كِتَا ُب ُه‪َ ،‬و َْ‬

‫ك ِم ْن‬ ‫هلل ِم ْث َل ُه َّن "‪ُ .‬ث َّم َق َال‪ُ « :‬ت َع ِّل ُم ُه َّن َع ِق َب َ‬ ‫َشء‪َ ،‬وت َُس ِّب ُح ا َ‬ ‫هلل م ْل َء ك ُِّل َ ْ‬
‫احلمدُ َِّ ِ‬
‫َو َْ ْ‬
‫رواه الطرباين [صحيح اجلامع ‪.)2655‬‬ ‫َب ْعدَ َك»‬
‫ومن الغنائم اليسرية ذات األجور الكثرية السيام يف شهر اجلود‬
‫واإلحسان تفطري الصائمني) ‪ :‬ف َع ْن َز ْي ِد ْب ِن َخال ِ ٍد اجلُ َهن ِ ِّي‪ ‬عن النبي‪ ‬قال‪َ « :‬م ْن‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪52‬‬
‫رواه الرتمذي صحيح‬ ‫الصائِ ِم َش ْيئًا»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َري َأ َّن ُه َال َينْ ُق ُص م ْن َأ ْج ِر َّ‬
‫َف َّطر صائِام ك َ ِ َ ِ‬
‫َان لَ ُه م ْث ُل أ ْج ِره‪ ،‬غ ْ َ‬ ‫َ َ ً‬
‫الرتغيب ‪.)5178‬‬
‫أن النبي‪َ ‬خ َر َج‬ ‫وهذه أربع كلامت أعظم من عمل ساعات‪َ :‬ع ْن ُج َو ْي ِر َي َة‪,‬‬
‫الص ْب َح‪َ ,‬و ِه َي ِيف َم ْس ِج ِد َها‪ُ ,‬ث َّم َر َج َع َب ْعدَ َأ ْن َأ ْض َحى‪َ ,‬و ِه َي‬ ‫ني َص َّىل ُّ‬‫ِم ْن ِعن ِْد َها ُبك َْرة ِح َ‬
‫ال ا َّلتِي َفار ْقت ِ‬
‫احل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُك َع َل ْي َها؟» َقا َل ْت‪َ :‬ن َع ْم‪َ ,‬ق َال النَّبِ ُّي ‪«: ‬‬ ‫َ‬ ‫َجال َس ٌة‪َ ,‬ف َق َال‪َ « :‬ما ِز ْلت َع َىل ْ َ‬
‫ت ُمن ُْذ ا ْل َي ْو ِم َل َو َز َنت ُْه َّن‪:‬‬‫َت بِام ُق ْل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت َب ْعدَ ِك َأ ْر َب َع كَلِ َامت‪َ ،‬ث َال َ‬
‫ث َم َّرات‪َ ،‬ل ْو ُوزن ْ َ‬ ‫َل َقدْ ُق ْل ُ‬
‫ان اهللِ َوبِ َح ْم ِد ِه‪َ ،‬عدَ َد َخ ْل ِق ِه َو ِر َضا َن ْف ِس ِه َو ِز َن َة َع ْر ِش ِه َو ِمدَ ا َد كَلِ َامتِ ِه »رواه مسلم‪.‬‬ ‫ُس ْب َح َ‬
‫ْ ُ‬
‫واعلموا رمحكم اهلل أن األجور الكثرية ِف الباقيات الصاحلات ‪ :‬قال اهلل تعاىل ‪{ :‬ال َمال‬
‫َ ْ َ ُ َ َ ُ ْ َ َ ُّ ْ َ َ ْ َ َ ُ ذ َ ُ َ ْ ٌ ْ َ َ َ َ َ ً َ َ ْ ٌ َ ً‬
‫ي أ َمَل}‬ ‫اْلات خي عِند ربِك ثوابا وخ‬ ‫واْلنون زِينة اْلياة ِ ادلنيا واْلاقِيات الص ِ‬
‫ب ا ْلك ََال ِم إِ َىل ا ِ‬
‫هلل‬ ‫ول اهللِ ‪َ « :‬أ َح ُّ‬ ‫ب‪َ ,‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫[الكهف‪ .]46 :‬و َع ْن َس ُم َر َة ْب ِن ُجنْدَ ٍ‬

‫رواه مسلم‬ ‫ُض َك بِ َأ ِّهيِ َّن َبدَ ْأ َت »‬


‫ْرب‪َ ،‬ال َي ُ ُّ‬
‫احل ْمدُ هللَِِّ‪َ ،‬و َال إِ َل َه إِ َّال اهللُ‪َ ،‬وا ُ َ‬
‫هلل أك َ ُ‬ ‫َأ ْر َب ٌع‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫ان اهللِ‪َ ،‬و َْ‬

‫ومن األقوال اليسرية ذات األجور الكثرية قول (ال حول وال قوة إال باهلل)‪ :‬فعن‬
‫أِب موسى ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال ‪َ « :‬يا َع ْبدَ اهللَِّ ْب َن َق ْيس‪ُ ،‬ق ْل الَ َح ْو َل َوالَ ُق َّو َة إِ َّال بِاهللَِّ‪،‬‬
‫اجلن َِّة »متفق عليه‪.‬‬ ‫َفإِ ََّّنَا َكنْ ٌز ِم ْن ُكن ِ‬
‫ُوز َ‬

‫هلل‪‬‬ ‫و من أوسع أبواب التجارة الرابحة ‪ :‬ما ثبت َع ْن َأ ِِب ُه َر ْي َر َة ‪َ ‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ول ا ِ‬
‫ار َية‪َ ،‬أ ْو ِع ْلم‬ ‫ان ا ْن َق َط َع َعنْ ُه َع َم ُل ُه إِ َّال ِم ْن َث َال َثة‪ :‬إِ َّال ِم ْن َصدَ َقة َج ِ‬ ‫َق َال‪ « :‬إِ َذا َم َ‬
‫ات ْ ِ‬
‫اإلن َْس ُ‬
‫ُينْ َت َف ُع بِ ِه‪َ ،‬أ ْو َو َلد َصالِح َيدْ ُعو َل ُه »رواه مسلم ‪.‬ويف رواية ابن ماجه «إِ َّن ِممَّا َي ْل َح ُق املُْ ْلؤ ِم َن‬
‫ِمن عملِ ِه وحسنَاتِ ِه بعدَ موتِ ِه ِع ْلام ع َّلمه ون ََرشه‪ ،‬وو َلدً ا ص ًِ‬
‫احلا ت ََر َك ُه‪ ،‬أ َو ُم ْص َح ًفا َو َّر َث ُه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ً َ َُ َ َ ُ َ َ‬ ‫َْ َْ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ‬
‫‪53‬‬ ‫خطبة بعنوان (أسباب التجارة الراحبة)‬
‫عنوانو َصدَ َق ًة َأ ْخ َر َج َها ِم ْن َمالِ ِه ِِف‬
‫ج َرا ُه‪َ ،‬أ ْ‬
‫‪‬‬‫يل َبنَا ُه‪َ ،‬أ ْو ََّن ْ ًرا َأ ْ‬
‫السبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫جدً ا َبنَا ُه‪َ ،‬أ ْو َب ْيتًا ال ْب ِن َّ‬ ‫َأ ْو َم ْس ِ‬

‫ِص َّحتِ ِه َو َح َياتِ ِه‪َ ،‬ي ْل َح ُق ُه ِم ْن َب ْع ِد َم ْوتِ ِه»‪.‬‬


‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫عن‬ ‫ِ‬
‫ومن األعامل اليسرية ذات األجور الكثرية (حسن اْللق) ‪َ :‬ع ْن َعائ َش َة‬
‫‪َ ‬ليدْ ِر ُك بِحس ِن ُخ ُل ِق ِ‬ ‫يف سريته‬
‫م» رواه داود [صحيح‬ ‫الصائِ ِم ا ْل َقائِ ِ‬
‫َّ‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫ج‬ ‫ر‬
‫ََ َ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ُ ْ‬ ‫ن‬
‫َ ُ‬
‫قال‪« :‬إِ َّن املُْ ْلؤ ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫أنه‬ ‫النبي‪‬‬
‫الرتغيب ‪.]2645‬‬

‫ومن الصفات اجلليلة ذات األجور الكثرية الصرب عىل البالء ‪ :‬فعن أِب هريرة ‪‬‬
‫عن النبي ‪ ‬قال ‪ « :‬إن الرجل ليكون له عند اهلل املنزلة‪ ،‬فام يبلغها بعمل‪ ،‬فال يزال اهلل‬
‫رواه أبو يعىل الصحيحة‪.)2599‬‬ ‫يبتليه بام يكره حتى يبلغه إياها»‪.‬‬
‫وأخريا ‪-‬يا عباد اهلل‪ -‬فهذا ميدان التنافس ومضامر التسابق يف أربح متجر ويف‬
‫َ َ َْ َ َ‬
‫أغىل موسم وأمجل فرصة من فرص احلياة قال اهلل سبحانه ‪َ {:‬و َِّف ذل ِك فليَتنَاف ِس‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال ُمتَ َناف ُِسون}[املطففني‪.]26 :‬وقال تعاىل‪َ { :‬سابِقوا إِِل َمغفِ َرةٍ م ِْن َربِك ْم َو َج ذن ٍة‬
‫َ َ َ ْ ُ ذ‬ ‫ذ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ذ ْ ذ‬ ‫ذ َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫اّلل‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ف‬ ‫ِك‬ ‫ل‬‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫س‬ ‫ُ‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫اّلل‬
‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫آم‬ ‫َ‬
‫ِين‬‫َِّل‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ِد‬‫ع‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ر‬ ‫ع ْرض َها ك َع ْر ِض السماءِ وال‬
‫ظي ِم} [احلديد‪.]25 :‬‬
‫اء َو ذ ُ ُ ْ َ ْ ْ َ‬ ‫يُ ْؤت ِيهِ َم ْن ي َ َش ُ‬
‫اّلل ذو الفض ِل الع ِ‬
‫ب املساكني‪ ,‬وأن حتفظنا‬ ‫وح َّ‬ ‫فعل اخلريات‪ ,‬وترك املنكرات‪ُ ,‬‬ ‫اللهم إنا نسألك َ‬
‫من ُم ِضالَّت الفتن ما ظهر منها وما ب َطن يا ذا اجلالل واإلكرام‬
‫خري من زكَّاها‪ ,‬أنت ول ُّيها وموالها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نفوسنا تقواها‪ ,‬زكِّها أنت ُ‬ ‫اللهم آت َ‬
‫خزي الدنيا وعذاب اآلخرة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وأجرنا من‬ ‫أحسن عاق َبتنا يف األمور كلها‪ِ ,‬‬ ‫اللهم ِ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪54‬‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫أع َّز‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫اللهم ِ‬
‫اإلسالم واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد‬
‫آمنا مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬
‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫َ‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫يب الدعوات‪.‬‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬
‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫‪55‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر فتح أبواب اجلنان)‬

‫‪‬عنوان‬
‫البابه‪ ,‬ونعو ُذ‬
‫األول‪:‬باهلل من رشور أنفسنا‪ ,‬ومن‬ ‫ونستغفر‬
‫ُ‬ ‫إن احلمد هلل؛ نحمدُ ه‪ ,‬ونستعينُه‪,‬‬ ‫‪1‬‬
‫مضل له‪ ,‬و َمن يضلِ ْل؛ فال هادي له‪.‬‬
‫س ِّيئات أعاملنا‪َ ,‬من هيده اهلل؛ فال َّ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أن حممدا عبدُ ه ورسو ُل ُه‬
‫رشيك له‪ .‬وأشهدُ َّ‬
‫َ‬ ‫وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ,‬وحدَ ه ال‬
‫َ َ َ ُ ُ ذ ذ َ َ ُ ُّ ُ َ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ذ ُ َ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل حق تقاتِه ِۦ وَل تموتن إَِل وأنتم مسل ِمون ‪[ } 102‬ال‬

‫عمران]‬
‫كم مِن ذنفس َوَٰح َِدة َو َخلَ َق مِن َها َزو َجهاَ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ ْ َ ذ ُ ُ ذ‬
‫يأيها ٱنلاس ٱتقوا ربكم ٱَّلِي خلق‬ ‫{ َٰٓ‬
‫َ َ َ َ ذ ذ‬ ‫َ ٓ ُ َ‬ ‫ُ َ َ ٗ َ ٗ َ َ ٓٗ َ ذ ُ ْ ذَ ذ‬ ‫ذ‬
‫ٱّللَ‬ ‫ٱّلل ٱَّلِي ت َسا َءلون بِهِۦ وٱلرحام إِن‬ ‫َو َبث مِنهما رِجاَل كثِيا ون ِساء وٱتقوا‬
‫َ َ ََ ُ َ ٗ‬
‫َكن عليكم رق ِيبا ‪[ } 1‬النساء]‬
‫َ ُ َ َ َٰ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ُ ُ ْ َ ٗ َ ٗ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل وقولوا قوَل سدِيدا ‪ 70‬يصل ِح لكم أعملكم‬
‫ظيما‪[}71‬االحزاب‪]53 ،55 :‬‬
‫از فَو ًزا َع ِ ً‬ ‫ٱّلل َو َر ُس َ ُ‬
‫وَلۥ َف َقد فَ َ‬ ‫كم َو َمن ي ُ ِطعِ ذ َ‬ ‫َ ُ ُُ َ ُ‬
‫َو َيغفِر لكم ذنوب‬
‫‪َ ,‬و َرش األُ ُم ِ‬
‫ور‬ ‫َّ‬ ‫َاب اهللِ‪َ ,‬و َخ ْ َري ْاْلَدْ ِي َهدْ ُي ُحم َ َّم ٍد‬ ‫َأما بعدُ ‪َ ،‬فإِ َّن َخري ْ ِ ِ ِ‬
‫احلديث كت ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫ال َل ٍة ِِف الن ِ‬
‫َّار‪.‬‬ ‫اُتا‪َ ,‬وك َُّل ُحم ْدَ َث ٍة بِدْ َع ٌة‪َ ,‬وك َُّل بِدْ َع ٍة َض َ‬
‫ال َل ٌة‪َ ,‬وك َُّل َض َ‬ ‫ُحم ْدَ َث ُ َ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫عباد اهلل‪ :‬يقول اهلل تعاىل‪َ { :‬و َسارِ ُعوا إِِل َمغفِ َرةٍ م ِْن َربِك ْم َو َج ذن ٍة ع ْرض َها‬
‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ُ‬ ‫ذ َ َ ُ َ َْْ ُ ُ ذ ْ ْ‬
‫السماوات والرض أعِدت ل ِلمتقِي} [آل عمران‪ ]533 :‬فهذه دعوة أكرم األكرمني‬
‫ٌ‬
‫وحتثيث عىل املسارعة إىل ما أعد ألهلها فيها من‬ ‫وأجود األجودين إىل مائدته املباركة‪,‬‬
‫النعيم املقيم‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪56‬‬
‫وها أنتم يا عباد اهلل يف شهر تفتح فيه أبواب اجلنة اشتياقا للصائمني القائمني‬
‫قال‪« :‬إذا جاء رمضان‪ُ ،‬ف ْ‬
‫تحت أبواب‬ ‫أن رسول اهلل‬ ‫املحسنني فعن أِب هريرة‬
‫اجلنة‪ ،‬وغُلقت أبواب النار وسلسلت الشياطني»‪.‬‬
‫عباد اهلل ‪ :‬إن اهلل تبارك وتعاىل أكرم الصائمني واختصهم بباب من أبواب اجلنة‬
‫ِ ِ‬ ‫بن َس ْع ٍد‬
‫ال يدخله غريهم ف َع ْن ِس ْه ِل ِ‬
‫َّبي ? َق َال‪ِ« :‬ف اجلنَّة َث َامن َي ُة أ ْب َواب َ‬
‫فيها‬ ‫َع ْن الن ِّ‬
‫دخ ُل‬
‫ون‪ ،‬ال َي ُ‬
‫وم َ‬ ‫الصائِ َ‬
‫مون؟ َف َي ُق ُ‬ ‫الصائِ ُم َ‬
‫ون ي َق ُال‪َ :‬أ ْي َن َّ‬ ‫الر َّيا ُن ال َيدْ ُخ ُل ُه إِالّ َّ‬
‫اب ُي َس َّمى َّ‬
‫َب ٌ‬
‫دخ ْل ِمنْه َأحدٌ » متفق عليه‪ .‬والري ِ‬
‫ان ُم ْشت ٌَّق ِم َن‬ ‫َري ُهم‪َ ،‬فإِذا َد َخ ُلوا ُأغْلِ َق َف َلم َي ُ‬ ‫َ‬
‫َّ َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫منْ ُه أ َحدٌ غ ُ‬
‫اء وهو َأشدُّ ما َاحتاج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وه َو ِضدُّ ال َع َط ِ‬
‫إليه‬ ‫ُ‬ ‫الصائ ُم َحابِ َسا ن َ‬
‫َفس ُه َع ْن املَ ُ َ‬ ‫َان َّ‬ ‫ش‪ ,‬وملا ك َ‬ ‫الر ِّي ُ‬‫ِّ‬
‫ظم ُأ َأ َبدَ ا واهلل غفور شكور‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫روى يف اآلخ َرة وال َي َ‬ ‫ُون َج َز ُاؤ ُه َأ ْن َي َ‬
‫ب َأ ْن َيك َ‬ ‫َاس َ‬
‫ان ن َ‬‫نس ُ‬
‫اإل َ‬
‫ِ‬ ‫َوج ِ‬
‫ي‬ ‫بيل اهلل نُود َ‬ ‫ني ِف َس ِ‬ ‫ول اهلل ? َق َال‪َ « :‬م ْن َأن َف َق ز َ‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫و َع ْن أِب ُه َر َير َة‬
‫اب الص ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫اجلن َِّة‪ :‬يا عبدَ اهلل‪ :‬ه َذا َخري‪َ ،‬فمن ك َ ِ‬ ‫ِم ْن أ ْب ِ‬
‫الة‪،‬‬ ‫الصالة ُدع َي م ْن َب ِ َّ‬ ‫َان م ْن َأ ْه ِل َّ‬ ‫ٌْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫واب َ‬

‫الص َيا ِم ُد ِع َي من‬


‫أه ِل ِّ‬
‫هاد‪ ،‬ومن ك َ ِ‬
‫َان م ْن ْ‬ ‫َ ْ‬
‫اجل ِ‬‫اب ِ‬ ‫هاد ُد ِع َي من َب ِ‬
‫اجل ِ‬‫أه ِل ِ‬ ‫من ْ‬
‫َان ْ‬ ‫وم ْن ك َ‬
‫َ‬
‫‪:‬‬ ‫الصدَ َق ِة‪ ،‬ف َق َال َأبو َبكْر‬ ‫الصدَ َق ِة ُد ِع َي من َب ِ‬
‫اب َّ‬
‫ِ‬
‫وم ْن كَا َن م ْن َأ ْه ِل َّ‬
‫ان‪َ ،‬‬‫الر َّي ِ‬ ‫َب ِ‬
‫اب َّ‬
‫ورة َف َه ْل ُيدْ َعى َأ َحدٌ‬ ‫تلك األَبو ِ ِ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬ما َعىل َمن ُد ِع َي من َ‬ ‫بِ َأيب ُ‬
‫وأ ِّمي يا َر ُس َ‬
‫اب م ْن َ ُ‬
‫َض َ‬ ‫َ‬
‫ُون ِم ُنهم» متفق عليه‪.‬‬
‫رجو أن َتك َ‬
‫وأ ُ‬ ‫لك األَ َبو ِ‬
‫اب ك ِّلها؟ َق َال‪َ :‬ن َعم‪َ ،‬‬ ‫من تِ َ‬
‫فأين املشتاقون لتلك الدار الغالية التي يشم راحها من مسرية مخسامئة سنة كام يف‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أنه قال ‪«:‬وإِ َّن ِريح َْ ِ‬
‫عام» رواه‬ ‫اجلنَّة َل ُي َ‬
‫وجدُ م ْن َمس َرية مخسامئة َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الصحيح عن النبي‬
‫أمحد الصحيحة ‪.)2317‬‬
‫‪57‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر فتح أبواب اجلنان)‬
‫فإنه قد ُذكِر ْلا عدة أسامء يف‬
‫عنوان‬
‫ورشفها‬
‫‪‬‬ ‫تلك اجلنة التي من عظمتها وحسنها‬
‫َ ذُ ْ‬
‫اّلل يَد ُعو‬‫القرآن الكريم باعتبار صفاُتا فمن أسامئها دار السالم) لقوله تعاىل ‪{ :‬و‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫َ ْ ََ ُ َ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذ َ‬ ‫َ‬
‫يم} [يونس‪]21 :‬‬
‫اط مستقِ ٍ‬‫ِص ٍ‬‫إِِل دارِ السَل ِم ويهدِي من يشاء إِِل ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َذ‬ ‫يف سريته ‪‬‬
‫ات عد ٍن ال َِّت‬
‫و من أسامئها جنات عدن) أي إقامة أبدية قال تعاىل ‪{ :‬جن ِ‬
‫ب } مريم‪. 65‬‬ ‫اد ُ بال ْ َغيْ‬
‫َ َ َ ذ َْ ُ َ َ‬
‫وعد الرۡحن عِب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َُْ َ ُ ُ َ ُ َ ذ َ َ ُ َ‬
‫و من أسامئها الفردوس) قال تعاىل ‪{ :‬أولئِك هم الوارِثون* اَّلِين يرِثون‬
‫ََْْ ُ ْ َ َ ُ َ‬
‫ادلون} املؤمنون‪.55-51‬وِف صحيح البخارى قال النبي ‪«:‬إ َذا‬‫الفِردوس هم فِيها خ ِ‬
‫اجلن َِّة و َأع َىل َْ ِ‬ ‫ِ‬
‫مح ِن ‪،‬‬ ‫اجلنَّة ‪ُ ،‬أ َرا ُه َف ْو َق ُه َع ْر ُش َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫اس َأ ُلو ُه ا ْلف ْر َد ْو َس ‪َ ،‬فإِ َّن ُه َأ ْو َس ُط َْ َ ْ‬
‫َس َأ ْلت ُُم اهللََّ َف ْ‬
‫اجلن َِّة»‪.‬‬
‫َو ِمنْ ُه َت َف َّج ُر َأ َّْن َ ُار َْ‬

‫اسم جامع جلميع اجلنات وما تشتمل عليه‬ ‫و من أسامئها جنات النعيم) وهو ٌ‬
‫َ‬
‫ات ل ُه ْم‬ ‫آمنُوا َو َعملُوا ذ‬
‫الص ِ َ‬
‫اْل ِ‬ ‫ِ‬ ‫من النعيم الظاهر والباطن‪ ,‬قال تعاىل‪{ :‬إ ذن ذاَّل َ‬
‫ِين َ‬
‫ِ‬
‫ات انلذعِي ِم} لقامن ‪.8‬‬‫َج ذن ُ‬

‫اب ْ َ‬ ‫ذ َ ْ‬
‫اْل ذنةِ‬ ‫ح َ‬ ‫ص َ‬ ‫وتأملوا رمحكم اهلل يف صفات أهل اجلنة وكيفية استقباْلم ‪{:‬إِن أ‬
‫ون * ل َ ُه ْم ف َ‬
‫ِيها‬
‫ُذ ُ َ‬
‫ك متكِئ‬ ‫َع ا َ‬ ‫ََ‬ ‫ون * ُه ْم َوأ َ ْز َو ُ‬
‫اج ُه ْ‬ ‫ُ ُ َ ُ َ‬ ‫ْاْيَ ْو َ‬
‫لرائ ِ ِ‬ ‫َِلل‬
‫ٍ‬ ‫ظ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ِه‬ ‫ك‬ ‫ا‬‫ف‬ ‫ل‬‫ٍ‬ ‫غ‬‫ش‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ ٌَ َ ُ ْ َ َذ ُ َ َ ٌ َْ‬ ‫َ‬
‫ِيم} يس ‪ .58 - 55‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫فاكِهة ولهم ما يدعون * سَلم قوَل مِن ر ٍب رح ٍ‬
‫ت َأب ْ َو ُابهاَ‬ ‫ح ْ‬‫وها َوفُت َ‬
‫ِ‬
‫َ َ َ َ ذَ ْ َذُ ْ َ َذ َُ ً َ ذ َ َ ُ َ‬
‫{ وسِيق اَّلين اتقوا ربهم إِِل اْلنةِ زمرا حَّت إِذا جاء‬
‫َ ْ ُ ُ َ َ‬ ‫َ َ َ َُ ْ َ َ ََُ َ ٌ َ َ ُ‬
‫ِين } {الزمر ‪.}73‬‬ ‫َلم عليْك ْم طِبْتُ ْم فادخلوها خ ِ‬
‫ادل َ‬ ‫وقال لهم خزنتها س‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪58‬‬
‫ور ُ ُُت ْم َع َىل‬
‫اجلنَّ َة ُص َ‬ ‫أنه قال ‪َ «:‬أ َّو ُل ُز ْم َرة تَلِ ُج َْ‬ ‫ثبت يف الصحيحني عن النبي‬
‫ون ‪ ،‬آنِ َيت ُُه ْم فِ َيها‬ ‫ون َوالَ َي َتغ ََّو ُط َ‬‫َخ ُط َ‬ ‫ون فِيها والَ يمت ِ‬
‫ورة ا ْل َق َم ِر َل ْي َل َة ا ْل َبدْ ِر ‪ ،‬الَ َي ْب ُص ُق َ َ َ َ ْ‬
‫ص ِ‬
‫ُ َ‬
‫ك ‪َ ،‬ولِك ُِّل‬ ‫جم ِام ُر ُه ُم األَ ُل َّو ُة ‪َ ،‬و َر ْش ُح ُه ُم املْ ِ ْس ُ‬
‫ب َوا ْل ِف َّض ِة ‪َ ،‬و َ َ‬ ‫ب ‪َ ،‬أ ْم َشا ُط ُه ْم ِم َن َّ‬
‫الذ َه ِ‬ ‫َّ‬
‫الذ َه ُ‬
‫اختِال َ‬
‫َف َب ْين َُه ْم‬ ‫اء ال َّل ْح ِم ‪ِ ،‬م َن ُْ‬
‫احل ْس ِن ‪ ،‬الَ ْ‬ ‫وق ِهام ِمن ور ِ‬ ‫ِ‬
‫َان ‪ُ ،‬ي َرى ُم ُّخ ُس َ ْ َ َ‬ ‫احد ِمن ُْه ْم ز َْو َجت ِ‬
‫و ِ‬
‫َ‬
‫ون اهللََّ ُبك َْر ًة َو َع ِش ًّيا »‪ .‬معنى رشحهم‬ ‫ُض ‪ُ ،‬ق ُلوهبم َق ْلب و ِ‬
‫احدٌ ‪ُ ،‬ي َس ِّب ُح َ‬ ‫ُُ ْ ٌ َ‬ ‫َوالَ َت َباغ َ‬

‫املسك) أي‪:‬عرقهم كاملسك يف طيب رائحته‪ .‬األلوة ‪ :‬العود الذى يتبخر به‪,‬‬

‫وإليكم عباد اهلل قصة آخر من يدخل اجلنة من املوحدين ا جيعل القلوب تكاد‬
‫ول قال‬ ‫الش ْعبِ َّي ‪َ ,‬ق َال ‪َ :‬س ِم ْع ُت املُْ ِغ َري َة ْب َن ُش ْع َب َة ‪َ ,‬ع َىل املِْن َ ِْرب ‪َ ,‬ي ُق ُ‬ ‫أن تطري شوقا ف َع ْن َّ‬
‫اجلن َِّة َأ ْدنَى َمن ِْز َل ًة ؟‬‫ي َأ ْه ِل َْ‬
‫ي َر ِّب ‪َ ،‬أ ُّ‬ ‫وسى َس َأ َل َر َّب ُه ‪َ ، ¸ ،‬ف َق َال ‪َ :‬أ ْ‬ ‫النَّبِ ِّي ‪« :‬إِ َّن ُم َ‬
‫اجلنَّ َة ‪َ ،‬ف ُي َق ُال َل ُه ‪ :‬ا ْد ُخ ْل ‪َ ،‬و َقدْ َن َز ُلوا َمن ِ‬
‫َاز َُهل ْم‪،‬‬ ‫اجلن َِّة َْ‬
‫يء َب ْعدَ َما َد َخ َل َأ ْه ُل َْ‬
‫َف َق َال ‪َ :‬ر ُج ٌل َجيِ ُ‬
‫َان َمل ِلِك ِمن م ُل ِ‬
‫وك‬ ‫ك ِم ْث ُل َما ك َ‬ ‫َو َأ َخ ُذوا َأ َخ َذ ِاُتِ ْم ‪َ ،‬ق َال ‪َ :‬ف ُي َق ُال َل ُه ‪َ :‬أت َْر ََض َأ ْن َيك َ‬
‫ُون َل َ‬
‫ْ ُ‬
‫يت ‪َ ،‬ق َال ‪َ :‬ف ُي َق ُال َل ُه ‪َ :‬فإِ َّن َل َك َه َذا َو ِم ْث َل ُه‬
‫ي َر ِّب ‪َ ،‬قدْ َر ِض ُ‬ ‫ول ‪َ :‬ن َع ْم ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫الدُّ ْن َيا ؟ َق َال ‪َ :‬ف َي ُق ُ‬
‫ك َه َذا‬ ‫ي َر ِّب ‪َ ،‬ق َال ‪َ :‬ف َق َال َل ُه ‪َ :‬فإِ َّن َل َ‬ ‫ول ‪َ :‬ر ِض ُ‬
‫يت َأ ْ‬ ‫َو ِم ْث َل ُه َو ِم ْث َل ُه َو ِم ْث َل ُه ‪َ ،‬ق َال ‪َ :‬ف َي ُق ُ‬
‫ي َر ِّب ‪َ ،‬ق َال ‪َ :‬ف ُي َق ُال َل ُه ‪َ :‬فإِ َّن َل َك َم َع َه َذا َما‬ ‫يت َأ ْ‬ ‫ول ‪َ :‬ر ِض ُ‬ ‫رش َة َأ ْم َثالِ ِه َم َع ُه ‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫َو َع ْ َ‬
‫اجلن َِّة َأ ْر َف ُع َمن ِْز َل ًة ؟‬ ‫ي َر ِّب ‪َ ،‬ف َأ ُّ‬
‫ي َأ ْه ِل َْ‬ ‫وسى ‪َ :‬أ ْ‬‫ُك ‪َ ،‬ف َق َال ُم َ‬ ‫ك ‪َ ،‬و َل َّذ ْت َع ْين َ‬ ‫ت َن ْف ُس َ‬ ‫ْاشت ََه ْ‬
‫ت ك ََر َامت َُه ْم بِ َي ِدي ‪َ ،‬و َخت َْم ُ‬
‫ت َع َل ْي َها ‪،‬‬ ‫ك َعنْ ُه ْم ‪ ،‬إِ ِّين غ ََر ْس ُ‬ ‫اها َأ َر ْد ُت ‪َ ،‬و َس ُأ َحدِّ ُث َ‬
‫َق َال‪ :‬إِ َّي َ‬
‫ك ِِف‬ ‫ب َب َرش ‪َ ،‬ق َال ‪َ :‬و ِم ْصدَ ُاق َذلِ َ‬ ‫ت ‪َ ،‬والَ َخ َط َر َع َىل َق ْل ِ‬ ‫ني َر َأ ْت ‪َ ،‬والَ ُأ ُذ ٌن َس ِم َع ْ‬ ‫َف َ‬
‫ال َع ْ ٌ‬
‫‪59‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر فتح أبواب اجلنان)‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُذ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ََُْ َْ ٌ ذ ُ ْ َ‬
‫َاب اهللِ ‪{ : ¸ ،‬فَل تعلم نفس ما أخ ِ َ‬ ‫كِت ِ‬
‫ي جزاء بِما َكنوا‬‫عنوان قرة أع ٍ‬
‫ِ‬ ‫‪‬هم مِن‬ ‫ِف ل‬
‫ََُْ َ‬
‫يعملون} ‪ )57‬سورة السجدة‪ .‬رواه مسلم‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫وتأملوا أهيا امللؤمنون املشتاقون لدار السالم‪ِ ..‬ف وص درجات اجلنة‪:‬‬
‫ََُْ َ‬
‫ك ل َ ُه ُم ذ‬
‫ادل َر َجاتُ‬ ‫ذ‬ ‫‪َ َ َْ ً ْ ُ ‬‬ ‫َ ْ َْ‬
‫َ‬
‫يف سريته‬
‫َ‬ ‫قال تعاىل‪{ :‬ومن يأتِهِ مؤمِنا قد ع ِمل الص ِ‬
‫ات فأولئ ِ‬
‫اْل ِ‬
‫ْ َ‬
‫ال ُعل} ‪ )75‬سورة طه‪.‬‬
‫ات‬‫ج‬‫ِين أُوتُوا الْعل ْ َم َد َر َ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ َ ذ‬
‫اَّل‬‫و‬ ‫م‬ ‫ِنك‬ ‫م‬ ‫وا‬ ‫آمنُ‬
‫ِين َ‬‫َ‬ ‫ََْ ذُ ذ‬
‫اَّل‬ ‫وقال سبحانه‪ { :‬يرفعِ اّلل‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ ذُ َ ََُْ َ َ ٌ‬
‫واّلل بِما تعملون خبِي} ‪ )55‬سورة املجادلة‪.‬‬

‫واسمعوا رمحكم اهلل إىل صفة بناء اجلنة وتراهبا وحصبائها وغري ذلك‪:‬‬
‫اجلَن َِّة َما بِن ُ‬
‫َاؤ َها َق َال « َلبِنَ ُة‬ ‫هلل َحدِّ ْثنَا َع ِن ْ‬ ‫ول ا َِّ‬‫َق َال ُق ْلنَا َيا َر ُس َ‬ ‫عن أِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ان‬‫اهبا الزَّ ْع َف َر ُ‬
‫وت َوت َُر ُ َ‬ ‫ال ُط َها املْ ِ ْس ُ‬
‫ك األَ ْذ َف ُر َو َح ْص َباؤُ َها ال ُّل ْلؤ ُل ُلؤ َوا ْل َيا ُق ُ‬ ‫َذ َهب َو َلبِنَ ُة فِ َّضة َو ِم َ‬
‫ِ‬
‫وت الَ َت ْب َىل ث َيا ُب ُه َوالَ َي ْفنَى َش َبا ُب ُه » مسند أمحد‬ ‫َي ُلدُ الَ َي ُم ُ‬ ‫َم ْن َيدْ ُخ ُل َها َينْ َع ُم الَ َي ْب َأ ُس َو َ ْ‬
‫‪ )8264‬صحيح لغريه‪.‬‬

‫قال ابن القيم‪:‬والغالب أن تراب اجلنة من الزعفران فإذا ُع ِجن باملاء الطيب صار‬

‫مسكا‪ ,‬حادي األرواح إىل بالد األفراح البن القيم ‪ :‬ص ‪.)528‬‬

‫وأِسُتا وأرائكها؟!‬ ‫وهل تفكرتم يا عباد اهلل ِف خيام اجلنة َّ‬


‫ور‬ ‫ح‬ ‫‪,‬‬ ‫ان الوج ِ‬
‫وه‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫ح‬‫ام }الرمحن‪ .72:‬نِساء ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات ف اخل َ‬
‫ِي‬ ‫ور ٌ‬ ‫ور ذم ْق ُص َ‬ ‫قال تعاىل‪ُ { :‬ح ٌ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ٌ َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وُت َّن ‪َ ,‬ف َل ْس َن‬‫ْص َن َط ْر َف ُه َّن َعن النَّ َظ ِر إىل َغ ِري ْأزواج ِه َّن ‪َ ,‬و َقدْ الَ َز ْم َن ُب ُي َ ُ‬ ‫ال ُع ُيون ‪َ ,‬قدْ َق َ ْ‬
‫ول‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬ ‫ات ‪ .‬وهذه اخليام غري الغرف‪ ,‬ف َع ْن َأبِى بموسى‬ ‫ات يف ال ُّطر َق ِ‬ ‫بِ َطوا َف ٍ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪61‬‬
‫ُّون ِمي ً‬
‫ال ‪ِِ ،‬ف ك ُِّل ز ِ‬
‫َاو َية‬ ‫جم َّو َفة ‪َ ،‬ع ْر ُض َها ِست َ‬
‫اجلن َِّة َخ ْي َم ًة ِم ْن ُل ْلؤ ُل َلؤة ُ َ‬
‫َق َال « إِ َّن ِِف َْ‬ ‫اهللَِّ‬
‫ُون »متفق عليه‪.‬‬ ‫وف َع َل ْي ِه ُم املُْ ْلؤ ِمن َ‬
‫ين َي ُط ُ‬ ‫ِمن َْها َأ ْه ٌل ‪َ ،‬ما َي َر ْو َن َ‬
‫اآلخ ِر َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ َ َْْ‬ ‫َْ‬
‫وأما عن أَّنار اجلنة فقد قال سبحانه‪َ { :‬ترِي مِن َتتِها النهار } [البقرة‪ ]25:‬ما هي‬
‫هذه األهنار وما صفتها ؟ لقد ذكرها اهلل ¸ يف سورة حممد ‪ ,‰‬قال‬
‫َ‬ ‫ار م ِْن لَ ََب ل َ ْم َي َت َغ ذ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ي َط ْع ُم ُه َوأنْ َه ٌ‬
‫ار مِنْ‬ ‫ار م ِْن َما ٍء َغ ْي آسِن َوأنْ َه ٌ‬
‫ِيها أنْ َه ٌ‬ ‫سبحانه‪ { :‬ف‬
‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َََْ ٌ ْ َ‬ ‫َْ َذ ذ‬
‫َخ ٍر َّلةٍ ل ِلشارِبِي وأنهار مِن عس ٍل مصِف } [حممد‪]55:‬‬

‫وأح َّل علينا فيها رضوانك ‪ ,‬وارزقنا لذة النظر‬ ‫اللهم ارزقنا اخللد يف جنانك ‪ِ ,‬‬

‫رض ٍة وال فتنة ُم ِض َّلة ‪.‬‬ ‫ِ‬


‫َضا َء ُم َّ‬ ‫إىل وجهك والشوق إىل لقائك من غري َ َّ‬
‫أقول هذا وأستغفر اهلل يل ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‬

‫اخلطبة الثانية‪:‬‬
‫احلمد هلل الذي جعل جنات الفردوس لعباده ن ُُزال‪ ,‬ويِسهم لألعامل الصاحلة‬

‫املوصلة إليها‪ ,‬فلم يتخذوا سواها ُش ُغال‪َّ ,‬‬


‫وسهل ْلم طرقها‪ ,‬فسلكوا السبيل املوصلة‬
‫إليها ُذ ُلال‪ ,‬خلقها ْلم قبل أن خيلقهم‪ ,‬وأسكنهم إياها قبل أن يوجدهم‪ ,‬وحجبها‬
‫باملكاره‪ ,‬وأخرجهم إىل دار االمتحان‪ ,‬ليبلوهم أهيم أحسن عمال‪ ,‬وجعل ميعاد‬
‫دخوْلا يوم القدوم عليه‪ ,‬وَضب مدة احلياة الفانية دونه أجال‪ ,‬وأودعها ما ال عني‬
‫رأت‪ ,‬وال أذن سمعت‪ ,‬وال خطر عىل قلب بش‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر فتح أبواب اجلنان)‬
‫عنوانعبده وابن عبده وابن أمته‪,‬‬
‫‪‬شهادة‬‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪,‬‬
‫ومن ال غنى له طرفة عني عن فضله ورمحته‪ ,‬وال مطمع له بالفوز باجلنة والنجاة من‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫النار إال بعفوه ومغفرته‪.‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وأشهد أن حممدا عبه ورسوله وأمينه عىل وحيه وخريته من خلقه‪ ,‬أرسله رمحة‬
‫للعاملني‪ ,‬وقدوة للعاملني‪ ,‬وحمجة للسالكني‪ ,‬وحجة عىل العباد أمجعني‪ ,‬بعثه لإليامن‬
‫مناديا‪ ,‬وإىل دار السالم داعيا‪ ,‬وللخليقة هاديا‪ ,‬ولكتابه تاليا‪ ,‬وملرضاته ساعيا‪,‬‬
‫وباملعروف آمرا‪ ,‬وعن املنكر ناهيا‪.‬‬
‫وحد اهلل‬
‫فصىل اهلل عليه ومالئكتُه وأنبياؤه و رسله وعباده املؤمنون ‪ ,‬كام َّ‬
‫وعرفنا به ودعا إليه‪.‬‬
‫وعبده‪َّ ,‬‬
‫أما بعد‬
‫عباد اهلل سمعتم أوصاف اجلنة ونعيمها وما فيها من الِسور والفرح واحلبور ‪,‬‬
‫فواهلل إهنا جلديرة بأن يعمل ْلا العاملون ويتنافس فيها املتنافسون ‪ ,‬و ُيفني اإلنسان‬
‫عمره يف طلبها زاهدا يف الدون ‪,‬‬
‫وإن سألت ياعبد اهلل عن أشجارها فام فيها شجرة إال وساقها من ذهب وفضة‬
‫ال من احلطب واخلشب وإن سألت عن ثمرها فأمثال القالل ألني من الزبد وأحىل من‬
‫العسل وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق احللل وإن سألت عن‬
‫طعامهم ففاكهة ا يتخريون وحلم طري ا يشتهون وإن سألت عن رشاهبم فالتسنيم‬
‫والزنجبيل والكافور‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪62‬‬
‫وإن سألت عن آنيتهم فانية الذهب والفضة يف صفاء القوارير وإن سألت عن‬
‫سعة أبواهبا فبني املْصاعني مسرية أربعني من األعوام وليأتني عليه يوم وهو كظيظ‬
‫من الزحام‪.‬‬
‫وإن سألت عن تصفيق الرياح ألشجارها فإهنا تستفز بالطرب ملن يسمعها وإن‬
‫سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسري الراكب املُ ِجد الِسيع يف ظلها مائة عام ال‬
‫يقطعها وإن سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسري يف ملكه ورسره وقصوره وبساتينه‬
‫مسرية الفي عام‪.‬‬
‫وإن سألت عن عالليها فهي غرف من فوقها غرف مبنية جتري من حتتها األهنار‬
‫وإن سألت عن ارتفاعها فانظر إىل الكوكب الطالع أو الغارب يف األفق الذي ال تكاد‬
‫تناله األبصار وإن سألت عن لباس أهلها فهو احلرير والذهب وان سألت عن فرشها‬
‫فبطائنها من استربق مفروشة يف أعىل الرتب‪.‬‬
‫وإن سألت عن أرائكها فهي األرسة عليها احلجال مزررة بأزرار الذهب فام ْلا‬
‫من فروج وال خالل وإن سألت عن سامعهم فغناء أزواجهم من احلور العني وأعىل‬
‫منه سامع أصوات املالئكة والنبيني وأعىل منهام خطاب رب العاملني‪.‬‬
‫اضل ِم ْن ك ُّل‬
‫وإن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب‪-‬ا ْل َف ِ‬

‫َح َي َوان‪ -‬يسري هبم حيث شاؤوا من اجلنان وان سألت عن حليهم وشارُتم فأساور‬
‫الذهب واللؤلؤ عىل الرؤوس مالبس التيجان‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر فتح أبواب اجلنان)‬

‫عنوان‬
‫لؤلؤ مكنون وان سألت عن‬ ‫كأهنم‬
‫‪‬‬ ‫وإن سألت عن غلامهنم فولدان خملدون‬
‫عرائسهم وأزواجهم فهن الكواعب األتراب الالي جرى يف أعضائهن ماء الشباب‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫فللورد والتفاح ما لبسته اخلدود وللرمان ما تضمنته النهود واللؤلؤ املنظوم ما حوته‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫الثغور ول لرقة واللطافة ما دارت عليه اخلصور جتري الشمس من حماسن وجهها إذا‬
‫برزت وييضء الربق من بني ثناياها إذا ابتسمت إذا قابلت ِحبها فقل ما تشاء يف تقابل‬
‫النريين وإذا حادثته فام ظنك بمحادثة احلبني وان ضمها إليه فام ظنك بتعانق الغصنني‬
‫يرى وجهه يف صحن خدها كام يرى يف املرآة التي جالها صيقلها ويرى مخ ساقها من‬
‫وراء اللحم وال يسرته جلدها وال عظمها وال حللها لو اطلعت عىل الدنيا ملألت ما‬
‫بني األرض والسامء راحا والستنطقت أفواه اخلالئق ُتليال وتكبريا وتسبيحا‬
‫ولتزخرف ْلا ما بني اخلافقني وال غمضت عن غريها كل عني ولطمست ضوء‬
‫الشمس كام تطمس الشمس ضوء النجوم‪...‬‬
‫واعلموا أن وصف اجلنة وما فيها من النعيم ال تبلغه اإلشارة وتعجز عنه العبارة‬
‫ولكن ال يفوتنا أن نذكر أعظم نعيم اجلنة أال وهو النظر إىل وجه اهلل الكريم فعن‬
‫أن النبي قال ‪ « :‬إذا دخل أهل ِ‬
‫اجلنة اجلن َة نادى مناد ‪ :‬يا أهل اجلنة إن‬ ‫صهيب‬
‫لكم عند اهلل موعدا يريد أن ُين ِ‬
‫ْج َزك ُُمو ُه ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬ما هو ؟ أ م ُي َث ِّق ْل موازيننا ويب ِّيض‬
‫هلم احلجاب فينظرون إليه ‪،‬‬ ‫وجوهنا ويدخلنا اجلنة ويزحزحنا عن النار ؟ فيكش‬

‫فواهلل ما أعطاهم اهلل شيئا أحب إليهم من النظر إليه ‪ ،‬وال أقر ألعينهم منه» رواه‬
‫مسلم‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪64‬‬
‫« أن اهلل يقول ألهل اجلنة ‪ « :‬أحل عليكم رضواين‬ ‫وعن أِب سعيد اخلدري‬
‫فال أسخط عليكم بعده أبدا » متفق عليه‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك اجلنة وما قرب إليها من قول وعمل‪ ,‬وأعوذ بك من النار وما‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم‬ ‫قرب إليها من قول وعمل‪ .‬اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء‬ ‫واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬

‫الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬


‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬
‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫َ‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬‫يب الدعوات‪ .‬ال َّل ُه َّم َر َّبنَا آتنَا ِيف الدُّ ْن َيا َح َسنَة‪َ ,‬و ِيف ْاآلخ َرة َح َسنَة ‪َ ,‬وقنَا َع َذ َ‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬
‫النَّار‪.‬‬
‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫‪65‬‬ ‫خطبة بعنوان (فضل العشر األواخر ووظائفها)‬

‫‪‬عنوان‬
‫البابه‪ ,‬ونعو ُذ‬
‫األول‪:‬باهلل من رشور أنفسنا‪ ,‬ومن‬ ‫ونستغفر‬
‫ُ‬ ‫إن احلمد هلل؛ نحمدُ ه‪ ,‬ونستعينُه‪,‬‬ ‫‪1‬‬
‫مضل له‪ ,‬و َمن يضلِ ْل؛ فال هادي له‪.‬‬
‫س ِّيئات أعاملنا‪َ ,‬من هيده اهلل؛ فال َّ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أن حممدا عبدُ ه ورسو ُل ُه‬
‫يك له‪ .‬وأشهدُ َّ‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ,‬وحدَ ه ال رش َ‬
‫َ َ َ ُ ُ ذ ذ َ َ ُ ُّ ُ َ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ذ ُ َ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل حق تقاتِه ِۦ وَل تموتن إَِل وأنتم مسل ِمون ‪[ } 102‬ال‬

‫عمران]‬
‫كم مِن ذنفس َو َٰح َِدة َو َخلَ َق مِن َها َزو َجهاَ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ ْ َ ذ ُ ُ ذ‬
‫يأيها ٱنلاس ٱتقوا ربكم ٱَّلِي خلق‬ ‫{ َٰٓ‬
‫َ َ َ َ ذ ذ‬ ‫َ ٓ ُ َ‬ ‫ُ َ َ ٗ َ ٗ َ َ ٓٗ َ ذ ُ ْ ذَ ذ‬ ‫ذ‬
‫ٱّللَ‬ ‫ٱّلل ٱَّلِي ت َسا َءلون بِهِۦ وٱلرحام إِن‬ ‫َو َبث مِنهما رِجاَل كثِيا ون ِساء وٱتقوا‬
‫َ َ ََ ُ َ ٗ‬
‫َكن عليكم رق ِيبا ‪[ } 1‬النساء]‬
‫َ ُ َ َ َٰ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ُ ُ ْ َ ٗ َ ٗ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل وقولوا قوَل سدِيدا ‪ 70‬يصل ِح لكم أعملكم‬
‫ظيما‪[}71‬االحزاب‪]53 ،55 :‬‬
‫از فَو ًزا َع ِ ً‬ ‫ٱّلل َو َر ُس َ ُ‬
‫وَلۥ َف َقد فَ َ‬ ‫كم َو َمن ي ُ ِطعِ ذ َ‬ ‫َ ُ ُُ َ ُ‬
‫َو َيغفِر لكم ذنوب‬
‫‪َ ,‬و َرش األُ ُم ِ‬
‫ور‬ ‫َّ‬ ‫َاب اهللِ‪َ ,‬و َخ ْ َري ْاْلَدْ ِي َهدْ ُي ُحم َ َّم ٍد‬ ‫َأما بعدُ ‪َ ،‬فإِ َّن َخري ْ ِ ِ ِ‬
‫احلديث كت ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫ال َل ٍة ِِف الن ِ‬
‫َّار‪.‬‬ ‫اُتا‪َ ,‬وك َُّل ُحم ْدَ َث ٍة بِدْ َع ٌة‪َ ,‬وك َُّل بِدْ َع ٍة َض َ‬
‫ال َل ٌة‪َ ,‬وك َُّل َض َ‬ ‫ُحم ْدَ َث ُ َ‬
‫عباد اهلل! لقد قطعتم األكثر من شهر الصيام‪ ,‬ومل يبق منه إال اليسري من الليايل‬
‫واأليام‪ ,‬فمن كان منكم قام بحقه‪ ,‬فليتم ذلك‪ ,‬وليحمد اهلل عليه‪ ,‬وليسأله القبول‪,‬‬
‫ومن كان منكم ّفرط فيه‪ ,‬وأساء‪ ,‬فليتب إىل ربه‪ ,‬فباب التوبة مفتوح غري مقفول‪.‬‬
‫أهيا الناس! إنكم يف العش األخرية من هذا الشهر الكريم‪ ,‬فاغتنموها بطاعة اهلل‬
‫املوىل العظيم أحسنوا يف أيامها الصيام‪ ,‬ونوروا لياليها بالقيام‪ ,‬واختموها بالتوبة‬
‫واالستغفار وسؤال اهلل العفو والعتق من النار‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪66‬‬
‫ٍ‬
‫أناس متنوا إدراك هذه العش‪ ,‬فأدركهم املنون‪ ,‬فأصبحوا يف قبورهم مرُتنني‬ ‫كم‬
‫ال يستطيعون زيادة يف صالح األعامل وال توبة من التفريط واإلمهال‪ ,‬وأنتم قد‬
‫أدركتموها بنعمة اهلل يف صحة وعافية‪ ,‬فاجتهدوا فيها بالعمل الصالح والدعاء لعلكم‬
‫تصيبون نفحة من رمحة اهلل تعاىل‪ ,‬فتسعدوا هبا يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫يعظم هذه العرش‪ ،‬وَيصها بخصائص عديدة ‪:‬‬ ‫عباد اهلل! لقد كان نبينا‬
‫كان جيتهد بالعمل فيها أكثر من غريها ‪ ,‬فعن‬ ‫فمن خصائصها أن النبي‬
‫كان جيتهد ِف العرش األواخر ما ال جيتهد ِف غريه » متفق عليه‪,‬‬ ‫« أن النبي‬ ‫عائشة‬
‫رش شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله‬
‫إذا دخل ال َع ُ‬ ‫‪ :‬قالت ‪ « :‬كان النبي‬ ‫وعنها‬
‫َيلط العرشين بصالة ونوم ‪ ،‬فإذا كان‬ ‫» متفق عليه ‪ ,‬وعنها قالت ‪ « :‬كان النبي‬
‫العرش شمر وشد املئزر »‪.‬‬
‫كان جيتهد فيها‬ ‫ففي هذه األحاديث دليل عىل فضيلة هذه العش ؛ ألن النبي‬
‫أكثر ا جيتهد يف غريها ‪ ,‬وهذا شامل لالجتهاد يف مجيع أنواع العبادة من صالة وقرآن‬
‫وذكر وصدقة وغريها‪.‬‬
‫كان احيي ليله بالقيام والقراءة والذكر بقلبه ولسانه وجوارحه‬ ‫وألن النبي‬
‫لشف هذه الليايل وطلبا لليلة القدر التي من قامها إيامنا واحتسابا غفر اهلل له ما تقدم‬
‫من ذنبه‪.‬‬
‫احيي الليل كله يف عبادة ربه من الذكر والقراءة‬ ‫وظاهر هذا احلديث أنه‬
‫والصالة واالستعداد لذلك والسحور وغريها‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫خطبة بعنوان (فضل العشر األواخر ووظائفها)‬
‫كان يوقظ أهله فيه‬ ‫عنوانالنبي‬
‫األحاديث أن‬
‫‪‬‬ ‫و ا يدل عىل فضيلة العش من هذه‬
‫للصالة والذكر حرصا عىل اغتنام هذه الليايل املباركة بام هي جديرة به من العبادة ‪,‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫فإهنا فرصة العمر وغنيمة ملن وفقه اهلل ¸‪.‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫فال ينبغي للمؤمن العاقل أن ُي َف ِّوت هذه الفرصة الثمينة عىل نفسه وأهله ‪ ,‬فام‬
‫هي إال ليال معدودة ربام يدرك اإلنسان فيها نفحة من نفحات املوىل فتكون سعادة له‬
‫يف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫وإنه ملن احلرمان العظيم واخلسارة الفادحة أن ترى كثريا من املسلمني ُي ْم ُضون‬
‫هذه األوقات الثمينة فيام ال ينفعهم ‪ ,‬يسهرون معظم الليل يف اللهو الباطل ‪ ,‬فإذا جاء‬
‫وفوتوا عىل أنفسهم خريا كثريا لعلهم ال يدركونه بعد عامهم‬
‫وقت القيام ناموا عنه َّ‬
‫هذا أبدا ‪ ,‬وهذا من تالعب الشيطان هبم ومكره هبم وصده إياهم عن سبيل اهلل‬
‫ذ َ‬ ‫ْ ٌ ذ‬ ‫َْ َ َ ََ‬ ‫ذ‬
‫وإغوائه ْلم ‪ ,‬قال اهلل تعاىل ‪ { :‬إِن ع َِبادِي لي َس لك عليْ ِه ْم ُسل َطان إَِل َم ِن ات َب َعك‬
‫م َِن الْ َغاو َ‬
‫ين } [احلجر ‪.] 42 :‬‬ ‫ِ‬
‫والعاقل ال يتخذ الشيطان وليا من دون اهلل مع علمه بعداوته له ؛ فإن ذلك‬
‫ُ‬ ‫َََذ ُ َُ َ ُ ذَُ َْ َ َ ْ ُ‬
‫ون َوه ْم‬ ‫خذونه وذرِيته أو ِْياء مِن ِ‬
‫د‬ ‫مناف للعقل واإليامن قال اهلل تعاىل ‪{ :‬أفتت ِ‬
‫َ ًََ‬ ‫ذ‬ ‫َ ُ ْ َ ُ ٌّ ْ َ‬
‫لكم عدو بِئس ل ِلظال ِ ِمي بدَل } [ الكهف ‪. ] 51 :‬‬
‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫َ ذ ُ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫ذ ذ‬
‫وقال تعاىل ‪ { :‬إِن الشيْ َطان لك ْم ع ُد ٌّو فاَّتِذو ُ ع ُد ًّوا إِن َما يَد ُعو ح ِْز َب ُه‬
‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ي } [ فاطر ‪. ] 6 :‬‬‫ِ‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫الس‬ ‫اب‬‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫أ‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫وا‬ ‫ِْيكون‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪68‬‬
‫كان يعتكف فيها ‪ ,‬واالعتكاف ‪ :‬لزوم‬ ‫ومن خصائص هذه العش أن النبي‬
‫‪,‬‬ ‫املسجد للتفرغ لطاعة اهلل ¸ ‪ ,‬وهو من السنن الثابتة بكتاب اهلل وسنة رسوله‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َُ ُ ُ ذ ََُْ ْ َ ُ َ‬
‫د } [ البقرة ‪. ] 587 :‬‬
‫ج ِ‬
‫اْشوهن وأنتم َعكِفون ِف المسا ِ‬
‫قال اهلل ¸ ‪ { :‬وَل تب ِ‬
‫‪«:‬‬ ‫واعتكف أصحابه معه وبعده ‪ ,‬فعن أِب سعيد اخلدري‬ ‫وقد اعتكف النبي‬
‫العرش األوسط ‪ ،‬ثم‬ ‫العرش األول من رمضان ‪ ،‬ثم اعتك‬ ‫اعتك‬ ‫أن النبي‬
‫العرش األوسط »‪ ،‬ثم‬ ‫العرش األول ألتمس هذه الليلة ثم أعتك‬ ‫قال‪ «:‬إين أعتك‬
‫»متفق عليه‪.‬‬ ‫فليعتك‬ ‫ُأتِ ْي ُ‬
‫ت فقيل ِل‪« :‬إَّنا ِف العرش األواخر فمن أحب منكم أن يعتك‬
‫العرش األواخر من رمضان‬ ‫يعتك‬ ‫قالت ‪ « :‬كان النبي‬ ‫وعن عائشة‬
‫حتى تو َّفاه اهلل ¸ ثم اعتك أزواجه من بعده » متفق عليه‪.‬‬
‫ِف كل رمضان عرشة أيام‪ ،‬فلام‬ ‫يعتك‬ ‫أيضا قالت ‪ « :‬كان النبي‬ ‫وعنها‬
‫كان العام الذي ُقبِ َض فيه اعتك عرشين يوما »‪.‬رواه البخاري‬
‫وقال اإلمام أمحد بن حنبل ‪« : ‬ال أعلم عن أحد من العلامء خالفا أن‬
‫االعتكاف مسنون» ‪.‬‬
‫واملقصود باالعتكاف‪ :‬انقطاع اإلنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة اهلل يف مسجد‬
‫من مساجده طلبا لفض له وثوابه وإدراك ليلة القدر ‪ ,‬ولذلك ينبغي للمعتكف أن‬
‫يشتغل بالذكر والقراءة والصالة والعبادة ‪ ,‬وأن يتجنب ما ال َيعنيه من حديث الدنيا ‪,‬‬
‫وال بأس أن يتحدث قليال بحديث مباح مع أهله أو غريهم ملصلحة ‪,‬‬
‫‪69‬‬ ‫خطبة بعنوان (فضل العشر األواخر ووظائفها)‬

‫عنوان‬
‫واللمس لشهوة لقوله تعاىل‪{ :‬‬ ‫لتقبيل‬
‫‪‬‬ ‫واحرم عىل املعتكف اجلامع ومقدِّ ماته من ا‬
‫ََ َُ ُ ُ ذ ََُْ ْ َ ُ َ‬
‫ون ف ال ْ َم َ‬
‫ج ِد } [ البقرة ‪, ] 587 :‬‬
‫ِ‬ ‫ا‬‫س‬ ‫اْشوهن وأنتم َعكِف ِ‬
‫وَل تب ِ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫وأما خروجه من املسجد فإن كان ببعض بدنه فال بأس به‪ ,‬وإن كان بجميع بدنه‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫فهو ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬اخلروج ألمر ال بد منه طبعا أو رشعا كقضاء حاجة البول والغائط والوضوء‬
‫الواجب والغسل الواجب جلنابة أو غريها واألكل والشب ‪ ,‬فهذا جائز إذا مل يمكن‬
‫فعله يف املسجد ‪ ,‬فإن أمكن فعله يف املسجد فال ‪ ,‬مثل أن يكون يف املسجد محام يمكنه‬
‫أن يقيض حاجته فيه وأن يغتسل فيه ‪ ,‬أو يكون له من يأتيه باألكل والشب فال خيرج‬
‫حينئذ لعدم احلاجة إليه ‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬اخلروج ألمر طاعة ال جتب عليه كعيادة مريض وشهود جنازة ونحو ذلك‪ ,‬فال‬
‫يفعله إال أن يشرتط ذلك يف ابتداء اعتكافه‪ ,‬مثل أن يكون عنده مريض احب أن يعوده‬
‫أو خيشى من موته‪ ,‬فيشرتط يف ابتداء اعتكافه خروجه لذلك فال بأس به‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬اخلروج ألمر ينايف االعتكاف كاخلروج للبيع والشاء ومجاع أهله ومبارشُتم‬
‫ونحو ذلك ‪ ,‬فال يفعله ال بشط وال بغري رشط ؛ ألنه يناقض االعتكاف وينايف‬
‫املقصود منه ‪.‬‬
‫وهذا االعتكاف يا عباد اهلل مدته عشة أيام من العام‪ ,‬أي‪ :‬عشة من ثالثامئة وستني‬
‫أو مخسة وستني يوما‪ , ,‬ونجد أهنا نسبة تعادل تقريبا ربع العش‪ ,‬فكأنام هذه األيام هي‬
‫زكاة األيام‪ ,‬كام أن يف املال زكاة‪ ,‬فلنا ثالثامئة ومخسة ومخسون يوما نخلط فيها دنيا‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪71‬‬
‫بأخرى‪ ,‬نخلط فيها أعامال من كسب العيش مع أعامل من التعبد‪ ,‬لكن هذه العش‬
‫تكون خالصة هلل ´‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن القيم ‪ ‬فائدة طيبة تبني أن الذي يرض بالقلب أربعة أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬كثرة الشاب والطعام‪ .‬الثاين‪ :‬كثرة الكالم‪ .‬الثالث‪ :‬كثرة املنام‪.‬الرابع‪ :‬كثرة‬
‫خمالطة األنام‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكلها عالجها يف رمضان‪ ,‬ثم ذكر ذلك فقال‪ :‬الصيام عالج كثرة الشاب‬
‫والطعام‪ ,‬والقيام عالج كثرة املنام‪ ,‬وتالوة القرآن واإلمساك عن القول بالباطل عالج‬
‫كثرة الكالم‪ ,‬وبقي عالج خمالطة األنام‪ ,‬فيأي عالجه يف هذه العش التي ينقطع فيها‬
‫اإلنسان عن سائر اخللق وذلك باالعتكاف ‪.‬‬
‫فاعرفوا رمحكم اهلل ْلذه العش فضلها ‪ ,‬وال تض ِّيعوها فوقتها ثمني وخريها‬
‫ظاهر مبني ‪.‬‬
‫أقول هذا وأستغفر اهلل يل ولكم إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬
‫احلمد هلل الذي وفق برمحته من شاء من عباده‪ ,‬فعرفوا قدر مواسم اخلريات‪,‬‬
‫وعمروها بطاعة اهلل‪ ,‬وخذل من شاء بحكمته‪ ,‬فعميت منهم القلوب والبصائر‪,‬‬
‫وفرطوا يف تلك املواسم‪ ,‬فباءوا باخلسائر‪ ,‬وأشهد أن اهلل ال إله إال اهلل وحده ال رشيك‬
‫له العزيز احلكيم القاهر‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله أقوم الناس بطاعة ربه يف‬
‫‪75‬‬ ‫خطبة بعنوان (فضل العشر األواخر ووظائفها)‬

‫عنوان‬
‫والتابعني ْلم بإحسان وسلم‬ ‫وأصحابه‬
‫‪‬‬ ‫البواطن والظواهر صىل اهلل عليه وعىل آله‬
‫تسليام‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫أهيا املؤمنون الصائمون ‪ :‬قال بعض العلامء‪ :‬جعل اهلل رس السنة يف رمضان‪,‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وجعل رس رمضان يف العش األواخر‪ ,‬وجعل رس العش األواخر ‪ ,‬يف ليلة القدر‪.‬‬
‫رشفها اهلل عىل غريها و َم َّن عىل هذه‬ ‫ففي هذه العش املباركة ليلة القدر التي َّ‬
‫ذ‬
‫األمة بجزيل فضلها وخريها ‪ ,‬أشاد اهلل بفضلها يف كتابه املبني فقال تعاىل ‪{ :‬إِنا‬
‫َْ‬ ‫ك أ َ ْمر َ‬ ‫َ ُ ْ َ ُ ُ ُّ‬ ‫َأن ْ َز ْنلَا ُ ف َْيْلَ ٍة ُمبَ َ‬
‫ار َك ٍة إنذا ُك ذنا ُمنْذِر َ‬
‫ِيم ‪ 4‬أم ًرا م ِْن‬
‫ٍ‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ٍ‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫ا‬‫ِيه‬ ‫ف‬ ‫‪3‬‬ ‫ين‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫يع ال َعل ُ‬ ‫َ ًَْ ْ َ َ‬
‫ك إنذ ُه ُه َو ذ‬
‫الس ِم ُ‬ ‫ْ َ ذ ذ ُْ َ‬ ‫ُ‬
‫ِيم} [الدخان‪. ]6 - 1 :‬‬ ‫عِندِنا إِنا كنا مر ِسل ِي ‪ 5‬رۡحة مِن رب ِ ِ‬
‫وصفها اهلل سبحانه بأهنا مباركة لكثرة خريها وبركتها وفضلها ‪ ,‬ومن بركتها أن‬
‫هذا القرآن املبارك ُأن ِْزل فيها ‪ ,‬ووصفها سبحانه بأنه يفرق فيها كل أمر حكيم ‪ ,‬يعني‬
‫يفصل من اللوح املحفوظ إىل ال َك َت َبة ما هو كائن من أمر اهلل سبحانه يف تلك السنة من‬
‫األرزاق واآلجال واخلري والش وغري ذلك من كل أمر حكيم من أوامر اهلل املحكمة‬
‫املتقنة ‪ ,‬التي ليس فيها خلل وال نقص وال سفه وال باطل ذلك تقدير العزيز العليم ‪.‬‬
‫ََُْ‬ ‫َ َ ََْ َ َ ََُْ َْ ْ‬ ‫ذ ََْ َْ ُ ََْ َْ ْ‬
‫وقال تعاىل ‪{ :‬إِنا أنزنلا ِف ْيلةِ القدرِ ‪ 1‬وما أدراك ما ْيلة القدرِ ‪ْ 2‬يلة‬
‫َ َ ذ ُ ْ َ َ َ ُ َ ُّ ُ َ ْ َ ْ ْ ُ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ َ ٌْ ْ َْ‬
‫ك أم ٍر‬‫القدرِ خي مِن أل ِف شه ٍر ‪ 3‬تَنل المَلئِكة والروح فِيها بِإِذ ِن ربِهِم مِن ِ‬
‫َ َْ ْ‬ ‫‪َ 4‬س ََل ٌم ِ َ‬
‫ِه َح ذَّت َم ْطلعِ الفج ِر} [القدر‪. ]1 - 3 :‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪72‬‬
‫وِف هذه السورة الكريمة فضائل متعددة لليلة القدر ‪:‬‬
‫الفضيلة األوىل ‪ :‬أن اهلل أنزل فيها القرآن الذي به هداية البش وسعادُتم يف الدنيا‬
‫واآلخرة ‪.‬‬
‫الفضيلة الثانية ‪ :‬ما يدل عليه االستفهام من التفخيم والتعظيم يف قوله ‪َ { :‬و َما أَدْ َر َ‬
‫اك‬
‫َ َُ َْ ْ‬
‫َما ْيْلة القدرِ } ‪.‬‬
‫الفضيلة الثالثة ‪ :‬أهنا خري من ألف شهر ‪.‬‬
‫الفضيلة الرابعة ‪ :‬أن املالئكة تتنزل فيها وهم ال ينزلون إال باخلري والربكة والرمحة ‪.‬‬
‫الفضيلة اخلامسة ‪ :‬أهنا سالم لكثرة السالمة فيها من العقاب والعذاب بام يقوم به‬
‫العبد من طاعة اهلل ¸ ‪.‬‬
‫الفضيلة السادسة ‪ :‬أن اهلل أنزل يف فضلها سورة كاملة ُتت َْىل إىل يوم القيامة ‪.‬‬
‫قال ‪ « :‬من قام‬ ‫أن النبي‬
‫ومن فضائل ليلة القدر ما ثبت عن أِب هريرة‬
‫ليلة القدر إيامنا واحتسابا غ ُِف َر له ما تقدم من ذنبه » متفق عليه‪ ,‬ومعنى ‪ « :‬إيامنا‬
‫واحتسابا» يعني إيامنا باهلل وبام أعد اهلل من الثواب للقائمني فيها ‪ ,‬واحتسابا لألجر‬
‫مل يشرتط‬ ‫وطلب الثواب ‪ ,‬وهذا حاصل ملن علم هبا ومن مل يعلم ؛ ألن النبي‬
‫العلم هبا يف حصول هذا األجر ‪.‬‬
‫‪ََ َ « :‬ت َّر ْوا ليلة القدر ِف‬ ‫وليلة القدر يف العش األواخر من رمضان لقول النبي‬
‫العرش األواخر من رمضان » متفق عليه ‪ ,‬وهي يف األوتار أقرب من األشفاع لقول‬
‫‪َ « :‬تروا ليلة القدر ِف الوتر من العرش األواخر من رمضان »‪ ،‬وهي يف السبع‬ ‫النبي‬
‫‪73‬‬ ‫خطبة بعنوان (فضل العشر األواخر ووظائفها)‬
‫أروا ليلة‬ ‫عنوانأصحاب النبي‬
‫رجاال من‬
‫‪‬‬ ‫« أن‬ ‫األواخر أقرب ؛ حلديث ابن عمر‬
‫‪ « :‬أرى رؤياكم قد تواطأت (يعني‬ ‫القدر يف املنام يف السبع األواخر ‪ ,‬فقال النبي‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫اتفقت) ِف السبع األواخر ‪ ،‬فمن كان ُمت ََح ِّر َهيا َف ْل َيت ََح َّر َها ِف السبع األواخر »‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أنه‬ ‫وأقرب أوتار السبع األواخر ليلة سبع وعشين حلديث ُأ َ ِّ‬
‫ِب بن كعب‬
‫بقيامها ‪ ,‬هي‬ ‫قال ‪" :‬واهلل إين ألعلم أي ليلة هي ‪ ,‬هي الليلة التي أمرنا رسول اهلل‬
‫ليلة سبع وعشين" رواه مسلم‪.‬‬
‫وال ختتص ليلة القدر بليلة معينة يف مجيع األعوام ‪ ,‬بل تتنقل فتكون يف عام ليلة‬
‫سبع وعشين مثال ‪ ,‬ويف عام آخر مخس وعشين تبعا ملشيئة اهلل وحكمته ‪ ,‬ويدل عىل‬
‫‪ « :‬التمسوها ِف تاسعة تبقى ِف سابعة تبقى ِف خامسة تبقى »‪.‬قال ابن‬ ‫ذلك قوله‬
‫حجر يف فتح الباري‪« :‬أرجح األقوال أهنا يف وتر من العش األخري ‪ ,‬وأهنا تنتقل»‪.‬‬
‫وقد أخفى سبحانه علمها عىل العباد رمحة هبم ؛ ليكثر عملهم يف طلبها يف تلك الليايل‬
‫الفاضلة بالصالة والذكر والدعاء فيزدادوا قربة من اهلل وثوابا ‪ ,‬وأخفاها اختبارا ْلم‬
‫أيضا ليتبني بذلك من كان جادا يف طلبها حريصا عليها ن كان كسالن متهاونا‪.‬‬
‫فإن من حرص عىل يشء جد يف طلبه وهان عليه التعب يف سبيل الوصول إليه والظفر‬
‫به ‪ ,‬وربام ُي ْظ ِهر اهلل علمها لبعض العباد بأمارات وعالمات يراها كام رأى النبي‬
‫عالمتها أنه يسجد يف صبيحتها يف ماء وطني ‪ ,‬فنزل املطر يف تلك الليلة فسجد يف‬
‫صالة الصبح يف ماء وطني ‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪74‬‬
‫إخواين ‪ :‬ليلة القدر ُي ْفتَح فيها الباب ‪ ,‬و ُي َق َّرب فيها األحباب ‪ ,‬و ُي ْس َمع اخلطاب ‪,‬‬
‫ويرد اجلواب ‪ ,‬ويكتب للعاملني فيها عظيم األجر ‪ ,‬ليلة القدر خري من ألف شهر ‪,‬‬
‫فاجتهدوا رمحكم اهلل يف طلبها فهذا أوان الطلب ‪ ,‬واحذروا من الغفلة ففي الغفلة‬
‫العطب ‪.‬‬
‫اللهم اجعلنا ن صام الشهر ‪ ,‬وأدرك ليلة القدر ‪ ,‬وفاز بالثواب اجلزيل واألجر ‪.‬‬
‫اللهم اجعلنا من السابقني إىل اخلريات ‪ ,‬اْلاربني عن املنكرات ‪ ,‬اآلمنني يف‬
‫الغرفات ‪ ,‬مع الذين أنعمت عليهم ووقيتهم السيئات ‪ ,‬اللهم أعذنا من ُم ِض َّالت‬
‫الفتن ‪ ,‬وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ‪.‬‬
‫ِ‬
‫خزي الدنيا وعذاب اآلخرة‪.‬‬ ‫وأجرنا من‬ ‫اللهم ِ‬
‫أحسن عاق َبتنا يف األمور كلها‪ِ ,‬‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫أع َّز‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬‫اللهم ِ‬
‫اإلسالم واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد‬
‫آمنا مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬
‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫َ‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫خطبة بعنوان (فضل العشر األواخر ووظائفها)‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫عنوان إنك أنت‬
‫ُب علينا‬
‫‪‬‬‫السميع العليم‪ ,‬وت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫ميع‬
‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك س ٌ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫يب الدعوات‪.‬‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬
‫‪‬وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬ ‫يف سريته‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫صل عىل حممد‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪76‬‬

‫ونستغفره‪ ,‬ونعو ُذ باهلل من رشور أنفسنا‪ ,‬ومن‬


‫ُ‬ ‫إن احلمد هلل؛ نحمدُ ه‪ ,‬ونستعينُه‪,‬‬
‫مضل له‪ ,‬و َمن يضلِ ْل؛ فال هادي له‪.‬‬
‫س ِّيئات أعاملنا‪َ ,‬من هيده اهلل؛ فال َّ‬
‫أن حممدا عبدُ ه ورسو ُل ُه‬
‫رشيك له‪ .‬وأشهدُ َّ‬
‫َ‬ ‫وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ,‬وحدَ ه ال‬
‫َ َ َ ُ ُ ذ ذ َ َ ُ ُّ ُ َ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ذ ُ َ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل حق تقاتِه ِۦ وَل تموتن إَِل وأنتم مسل ِمون ‪[ } 102‬ال‬

‫عمران]‬
‫كم مِن ذنفس َوَٰح َِدة َو َخلَ َق مِن َها َزو َجهاَ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ ْ َ ذ ُ ُ ذ‬
‫يأيها ٱنلاس ٱتقوا ربكم ٱَّلِي خلق‬ ‫{ َٰٓ‬
‫َ َ َ َ ذ ذ‬ ‫َ ٓ ُ َ‬ ‫ُ َ َ ٗ َ ٗ َ َ ٓٗ َ ذ ُ ْ ذَ ذ‬ ‫ذ‬
‫ٱّللَ‬ ‫ٱّلل ٱَّلِي ت َسا َءلون بِهِۦ وٱلرحام إِن‬ ‫َو َبث مِنهما رِجاَل كثِيا ون ِساء وٱتقوا‬
‫َ َ ََ ُ َ ٗ‬
‫َكن عليكم رق ِيبا ‪[ } 1‬النساء]‬
‫َ ُ َ َ َٰ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ُ ُ ْ َ ٗ َ ٗ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل وقولوا قوَل سدِيدا ‪ 70‬يصل ِح لكم أعملكم‬
‫ظيما‪[}71‬االحزاب‪]53 ،55 :‬‬
‫از فَو ًزا َع ِ ً‬ ‫ٱّلل َو َر ُس َ ُ‬
‫وَلۥ َف َقد فَ َ‬ ‫كم َو َمن ي ُ ِطعِ ذ َ‬ ‫َ ُ ُُ َ ُ‬
‫َو َيغفِر لكم ذنوب‬
‫‪َ ,‬و َرش األُ ُم ِ‬
‫ور‬ ‫َّ‬ ‫َاب اهللِ‪َ ,‬و َخ ْ َري ْاْلَدْ ِي َهدْ ُي ُحم َ َّم ٍد‬ ‫َأما بعدُ ‪َ ،‬فإِ َّن َخري ْ ِ ِ ِ‬
‫احلديث كت ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫ال َل ٍة ِِف الن ِ‬
‫َّار‪.‬‬ ‫اُتا‪َ ,‬وك َُّل ُحم ْدَ َث ٍة بِدْ َع ٌة‪َ ,‬وك َُّل بِدْ َع ٍة َض َ‬
‫ال َل ٌة‪َ ,‬وك َُّل َض َ‬ ‫ُحم ْدَ َث ُ َ‬
‫أهيا املسلمون‪ ,‬هذا شهر رمضان قد قرب رحيله وأزف حتويله‪ ,‬وهو ذاهب‬
‫عنكم بأفعالكم وقادم عليكم غدا بأعاملكم‪ ,‬فيا ليت شعري ماذا أودعتموه وبأي‬
‫األعامل ودعتموه؟ أتراه يرحل حامدا صنيعكم‪ ,‬أو ذاما تضييعكم؟ ما كان أعظم‬
‫عتق ومباهاة‪ ,‬وأوقاته أوقات‬
‫بركات ساعاته‪ ,‬وما أحىل مجيع طاعاته‪ ,‬كانت لياليه ٌ‬
‫طاعة و مناجاة‪ ,‬فمن كان منكم حمسنا فيه فليحمد اهلل‪ ,‬وليهنأ بعظيم الثواب من العزيز‬
‫الوهاب‪ ,‬فإن اهلل ال يضيع أجر من أحسن عمال‪ ,‬ومن كان مسيئا فيه فليتب إىل اهلل‬
‫‪77‬‬ ‫خطبة بعنوان (ختام شهر رمضان)‬
‫عنوانبقي منه‪ ,‬فيحسن اخلتام فإن‬
‫‪‬عىل ما‬
‫توبة نصوحا‪ ,‬فإن اهلل يتوب عىل من تاب‪ ,‬وليقبل‬
‫األعامل باخلواتيم‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ولقد رشع اهلل لكم يف ختام شهركم عبادات تزيدكم من اهلل قربا ‪ ,‬وتزيد يف‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫إيامنكم قوة ‪ ,‬ويف سجل أعاملكم حسنات ‪ ,‬فشع اهلل لكم زكاة الفطر وهي فريضة‬
‫فرضها رسول اهلل عىل املسلمني ‪ ,‬وما فرضه رسول اهلل أو أمر به فله حكم ما‬
‫ذ ُ َ ََ ْ ََ َ‬
‫اع ذ َ‬
‫اّلل َو َم ْن‬ ‫فرضه اهلل تعاىل أو أمر به ‪ ,‬قال اهلل تعاىل ‪َ { :‬م ْن ي ُ ِطعِ الرسول فقد أط‬
‫ََ َ ُ ُ ذ ُ‬ ‫ً‬ ‫ََ ذ َ َ َْ َ َْ َ َ َ‬
‫الر ُسول‬ ‫اك عليْ ِه ْم َحفِيظا } [ النساء ‪ , ]81 :‬وقال تعاىل ‪ { :‬وما آتاكم‬ ‫توَّل فما أرسلن‬
‫َ ُ ُ ُ ََ ََ ُ ْ َ ُْ َ َُْ‬
‫فخذو وما نهاكم عنه فانتهوا } [ احلش ‪. ] 7 :‬‬

‫وهى فريضة عىل الكبري والصغري والذكر واألنثى واحلر والعبد من املسلمني‪ ,‬قال عبد‬
‫زكاة الفطر من رمضان صاعا من َتر أو‬ ‫‪ « :‬فرض رسول اهلل‬ ‫اهلل بن عمر‬
‫»متفق‬ ‫صاعا من شعري عىل العبد واحلر والذكر واألنثى والصغري والكبري من املسلمني‬
‫عليه ‪.‬‬
‫وال َتب عن احلمل الذي يف البطن إال أن يتطوع هبا فال بأس ‪ ,‬فقد كان أمري‬
‫خيرجها عن احلمل ‪,‬‬ ‫املؤمنني عثامن‬
‫وجيب إخراجها عن نفسه وكذلك عمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب إذا مل‬
‫يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم‪ ,‬فإن استطاعوا فاألوىل أن خيرجوها عن أنفسهم ؛‬
‫ألهنم املخاطبون هبا أصال‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪78‬‬
‫وال جتب إال عىل من وجدها فاضلة زائدة عام احتاجه من نفقة يوم العيد وليلته ‪,‬‬
‫َ ذُ ذَ َ ََْ ُْْ‬
‫فإن مل جيد إال أقل من صاع أخرجه لقوله تعاىل ‪ { :‬فاتقوا اّلل ما استطعتم } [ التغابن‬

‫‪ « :‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم »متفق عليه‪.‬‬ ‫‪ , ] 56 :‬وقول النبي‬
‫وأما حكمتها فظاهرة جدا ‪ ,‬ففيها إحسان إىل الفقراء وكف ْلم عن السؤال يف‬
‫أيام العيد ؛ ليشاركوا األغنياء يف فرحهم ورسورهم به ويكون عيدا للجميع ‪ ,‬وفيها‬
‫االتصاف بخلق الكرم وحب املواساة ‪ ,‬وفيها تطهري الصائم ا احصل يف صيامه من‬
‫نقص ولغو وإثم ‪ ,‬وفيها إظهار شكر نعمة اهلل بإمتام صيام شهر رمضان وقيامه وفعل‬
‫قال ‪ « :‬فرض رسول اهلل‬ ‫ما َت َي َِّس من األعامل الصاحلة فيه ‪ ,‬وعن ابن عباس‬
‫زكاة الفطر ُط ْهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكني ‪ ،‬فمن أداها قبل‬
‫‪ ،‬ومن أداها بعد الصالة فهي صدقة من الصدقات » رواه أبو‬ ‫الصالة فهي زكاة مقبولة‬
‫داود وابن ماجه صحيح اإلرواء ‪.843‬‬

‫وأما جنس الواجب يف الفطرة فهو طعام اآلدميني من متر أو ُب ٍّر أو رز أو زبيب أو‬
‫قال ‪ « :‬فرض رسول اهلل‬ ‫أقط أو غريمها من طعام بني آدم ‪ ,‬فعن ابن عمر‬
‫زكاة الفطر من رمضان صاعا من َتر أو صاعا من شعري » ‪ ,‬وكان الشعري من طعامهم‬
‫صاعا من‬ ‫‪ « :‬كنا ُنخْ ِرﺝ يوم الفطر ِف عهد النبي‬ ‫كام قال أبو سعيد اخلدري‬
‫طعام وكان طعامنا الشعري والزبيب واألقط والتمر »‪.‬‬
‫الذي يبلغ وزنه كيلوين اثنني‬ ‫وأما مقدار الفطرة فهو صاع بصاع النبي‬
‫يس ُع ْش كيلو من الرب اجليد ‪ ,‬ويضعها يف إناء بقدرها بحيث متلؤه ثم يكيل به ‪.‬‬ ‫ُُ‬
‫ومخ َ ْ‬
‫‪79‬‬ ‫خطبة بعنوان (ختام شهر رمضان)‬

‫عنوان‬
‫ليلة العيد ‪ ,‬فمن كان من أهل‬ ‫الشمس‬
‫‪‬‬ ‫وأما وقت وجوب الفطرة فهو غروب‬
‫الوجوب حينذاك وجبت عليه وإال فال ‪ ,‬وعىل هذا فإذا مات قبل الغروب ولو بدقائق‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ِ‬
‫مل جتب الفطرة ‪ ,‬وإن مات بعده ولو بدقائق وجب إخراج فطرته ‪ ,‬ولو ُولدَ شخص‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫بعد الغروب ولو بدقائق مل جتب فطرته ‪ ,‬لكن ال بأس بإخراجها كام سبق ‪ ,‬وإن ُولِدَ‬
‫قبل الغروب ولو بدقائق وجب إخراج الفطرة عنه ‪.‬‬
‫وأما زمن دفعها فله وقتان ‪ :‬وقت فضيلة ووقت جواز ‪.‬‬
‫فأما وقت الفضيلة ‪ :‬فهو صباح العيد قبل الصالة ملا ثبت يف الصحيحني من‬
‫يوم الفطر صاعا‬ ‫قال ‪ « :‬كنا ُنخْ ِرﺝ ِف عهد النبي‬ ‫حديث أِب سعيد اخلدري‬
‫أمر بزكاة الفطر أن تلؤدى قبل‬ ‫« أن النبي‬ ‫من طعام » ‪ ,‬ومن حديث ابن عمر‬
‫خروﺝ الناس إىل الصالة » ‪ ,‬ولذلك كان من األفضل تأخري صالة العيد يوم الفطر‬
‫ليتسع الوقت إلخراج الفطرة ‪.‬‬
‫وأما وقت اجلواز فهو قبل العيد بيوم أو يومني ‪ ,‬فعن نافع قال ‪ :‬كان ابن عمر‬
‫يعطي عن الصغري والكبري حتى إن كان يعطي عن بنِ َّي ‪ ,‬وكان يعطيها الذين يقبلوهنا ‪,‬‬
‫وكانوا ُي ْع َط ْون قبل الفطر بيوم أو يومني"رواه البخاري‪.‬‬
‫أخرها عن صالة العيد بال عذر مل ُت ْق َبل‬
‫وال جيوز تأخريها عن صالة العيد ‪ ,‬فإن َّ‬
‫‪ ,‬ولكن خيرجها كصدقة من الصدقات ‪.‬‬ ‫منه ألنه خالف ما أمر به رسول اهلل‬
‫الرب ليس عنده ما يدفع‬
‫أما إن أخرها لعذر فال بأس ‪ ,‬مثل أن يصادفه العيد يف َ‬
‫منه أو ليس عنده من يدفع إليه ‪ ,‬أو يأي خرب ثبوت العيد مفاجئا بحيث ال يتمكن من‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪81‬‬
‫إخراجها قبل الصالة ‪ ,‬أو يكون معتمدا عىل شخص يف إخراجها فينسى أن ُخي ِْرجها‬
‫فال بأس أن خيرجها ولو بعد العيد ألنه معذور يف ذلك ‪.‬‬
‫والواجب أن تصل إىل مستحقها أو وكيله يف وقتها قبل الصالة ‪ ,‬فلو نواها‬
‫لشخص ومل يصادفه وال وكيله وقت اإلخراج فإنه يدفعها إىل مستحق آخر وال‬
‫يؤخرها عن وقتها ‪.‬‬
‫وأما مكان دفعها فتدفع إىل فقراء املكان الذي هو فيه وقت اإلخراج سواء كان‬
‫حمل إقامته أو غريه من بالد املسلمني ‪ ,‬ال سيام إن كان مكانا فاضال كمكة واملدينة ‪ ,‬أو‬
‫كان فقراؤه أشد حاجة ‪ ,‬فإن كان يف بلد ليس فيها من يدفع إليه ‪ ,‬أو كان ال يعرف‬
‫ِ‬
‫مستح ٍّق ‪.‬‬ ‫املستحقني فيه َوك ََّل من يدفعها عنه يف مكان‬
‫واملستحقون لزكاة الفطر هم الفقراء ‪ ,‬ومن عليهم ديون ال يستطيعون وفاءها‬
‫فيع َطون منها بقدر حاجتهم‪ ,‬وجيوز توزيع الفطرة عىل أكثر من فقري ‪،‬وجيوز دفع عدد من ِ‬
‫الفطرة‬ ‫ُْ ْ‬
‫إىل مسكني واحد ؛‬
‫وجيوز للفقري إذا أخذ الفطرة من شخص أن يدفعها عن نفسه أو أحد من عائلته‪.‬‬
‫وز ِّك نفوسنا وأقوالنا‬
‫اللهم وفقنا للقيام بطاعتك عىل الوجه الذي يرضيك عنا ‪َ ,‬‬
‫وطهرنا من سوء العقيدة والقول والعمل ‪ ,‬إنك جواد كريم ‪ ,‬أقول هذا‬
‫ِّ‬ ‫وأفعالنا‬
‫وأستغفر اهلل يل ولكم إنه هو الغفور الرحيم‬
‫‪85‬‬ ‫خطبة بعنوان (ختام شهر رمضان)‬

‫عنوان‬
‫الثانية‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫اخلطبة‬
‫إلنعام‪:,‬أمحد رِب وأشكره‪ ,‬وأتوب‬
‫البابوا األول‬ ‫ِ‬
‫اجلالل واإلكرام والفضل‬ ‫احلمد هلل ذي‬ ‫‪1‬‬
‫إليه وأستغفره‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له ُ‬
‫امللك القدوس السالم‪,‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫صل وس ِّلم ِ‬
‫وبارك عىل‬ ‫وأشهد أن نب َّينا وسيدَ نا حممدا عبده ورسوله خري األنام‪ ,‬اللهم ِّ‬
‫عبدك ورسولك حممد‪ ,‬وعىل آله وصحبه الكِرام‪.‬‬
‫أمابعد ‪ ,‬عباد اهلل إن شهر رمضان قد عزم عىل الرحيل ومل يبق منه إال القليل‬
‫فمن منكم أحسن فيه فعليه التامم ومن ّفرط فليختمه باحلسنى والعمل باخلتام‬
‫فاستغنموا منه ما بقي من الليايل اليسرية واأليام واستودعوه عمال صاحلا يشهد لكم‬
‫به عند امللك العالم وودعوه عند فراقه بأزكى حتية وسالم‪.‬‬
‫عىىىل خىىري شىىهر قىىد مضىىىى وزمىىان‬ ‫سىىىىالم مىىىىن الىىىىرمحن كىىىىل أوان‬

‫أمىىىىان مىىىىن الىىىىرمحن كىىىىل أمىىىىان‬ ‫سىىىالم عىىىىل شىىىهر الصىىىيام فإنىىىه‬

‫فىىام احلىىزن مىىن قلبىىي عليىىك بفىىان‬ ‫لىىىئن فنيىىىت أيامىىىك الغىىىر بغتىىىة‬

‫أنه قال ‪ :‬ما نزلت‬ ‫عباد اهلل‪ :‬روي عن أمري املؤمنني عيل ابن أِب طالب‬
‫مصيبة إال بذنب وال رفعت إال بتوبة" فاعلموا أن الذي حل بنا وأصابنا من الفتن‬
‫والشدائد والكرب إنام هو بذنوبنا ومعاصينا ‪.‬‬
‫أال فاختموا شهر رمضان بالتوبة إىل اهلل من معاصيه ‪ ,‬واإلنابة إليه بفعل ما‬
‫ُي ْر ِضيه ‪ ,‬فإن اإلنسان ال خيلو من اخلطأ والتقصري ‪ ,‬و«كل بني آدم َخ َّطاء ‪ ,‬وخري‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪82‬‬
‫اخلطائني التوابون» ‪ ,‬وقد حث اهلل يف كتابه وحث النبي يف خطابه عىل استغفار اهلل‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫ََ ْ ْ‬
‫استَغفِ ُروا َر ذبك ْم ث ذم توبُوا إِْيْهِ ُي َمتِعك ْم‬ ‫تعاىل والتوبة إليه فقال سبحانه ‪ { :‬وأ ِن‬
‫َ ْ َ ْ َُ ْ ََذْ َ َ َ ُ‬ ‫َ َ ً َ َ ً َ َ َ ُ َ ًّ َ ُ ْ ُ ذ‬
‫ت ك ذِي فض ٍل فضله ِإَون تولوا فإ ِ ِّن أخاف‬ ‫متاَع حسنا إِِل أج ٍل مسًّم ويؤ ِ‬
‫َ‬ ‫َُ ُ َ ذ‬
‫اّلل ِ ََج ً‬ ‫ََْ ُ ْ َ َ َ َْ َ‬
‫ِيعا أ ُّي َها‬ ‫ي } [ هود ‪ .] 3 :‬وقال تعاىل ‪ { :‬وتوبوا إِِل‬ ‫عليكم عذاب يو ٍم ِ ٍ‬
‫ب‬ ‫ك‬
‫ُْ ْ ُ َ َ َ ذ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬
‫المؤمِنون لعلكم تفل ِحون } [ النور ‪.] 13 :‬‬

‫ِ‬
‫‪ « :‬يا أهيا الناس توبوا إىل اهلل‬ ‫قال ‪ :‬قال النبي‬ ‫وعن ْاألَ َغ ِّر بن َي َسار املُْ ِّ‬
‫زين‬
‫واستغفروه فإين أتوب يف اليوم مائة مرة »رواه مسلم‬
‫ومتى صحت التوبة باجتامع رشوطها و ُقبِ َلت حما اهلل هبا ذلك الذنب الذي تاب‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ َ َ ذ َ َ ْ َُ ََ َُْ ْ َ َْ‬
‫سهِم َل تقنطوا‬ ‫منه وإن َع ُظ َم ‪ ,‬قال اهلل تعاىل ‪ { :‬قل ياعِبادِي اَّلِين أِسفوا َع أنف ِ‬
‫ُّ ُ َ َ ً ذ ُ ُ َ ْ َ ُ ُ ذ ُ‬ ‫ْ َ َْ ذ ذ ذَ َ ْ‬
‫مِن رۡحةِ اّلل ِ إِن اّلل يغفِ ُر اَّلنوب َجِيعا إِنه هو الغفور الرحِيم } [ الزمر ‪. ] 53 :‬‬

‫أعامركم بالتوبة النصوح إىل ربكم قبل أن يفجأكم املوت فال‬


‫َ‬ ‫فبادروا رمحكم اهلل‬
‫تستطيعون اخلالص ‪.‬‬
‫وهكذا يا عباد اهلل فاختموا شهركم باالستغفار فإنه من أعظم أسباب املغفرة‪,‬‬
‫فإن االستغفار دعاء باملغفرة ودعاء الصائم مستجاب يف حال صيامه وعند فطره! قال‬
‫احلسن‪ :‬أكثروا من اإلستغفار فإنكم ال تدرون متى تنزل الرمحة‪ .‬ويف بعض اآلثار‪ :‬أن‬
‫إبليس قال‪ :‬أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوين بال إله إال اهلل واالستغفار‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫خطبة بعنوان (ختام شهر رمضان)‬
‫عنوانالصالة واحلج وقيام الليل‬
‫فيختم به‬
‫‪‬‬ ‫فاالستغفار ختام األعامل الصاحلة كلها‬
‫وخيتم به املجالس فإن كانت ذكرا كان كالطابع عليها وإن كانت لغوا كان كفارة ْلا‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫فكذلك ينبغي أن خيتم صيام رمضان باالستغفار‪.‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وقد كتب عمر بن عبد العزيز إىل األمصار يأمرهم بختم رمضان باالستغفار‬
‫وصدقة الفطر فإن الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث واالستغفار يرقع ما خترق‬
‫من الصيام باللغو والرفث‪.‬‬
‫أنه قال‪ :‬الغيبة خترق الصيام واإلستغفار يرقعه فمن‬ ‫ويروى عن أِب هريرة‬
‫استطاع منكم أن جييء بصوم مرقع فليفعل‪ ,‬وعن ابن املنكدر معنى ذلك‪ :‬الصيام ُجنّة‬
‫جلنّة؛ واالستغفار يرقع ما خترق منها‪.‬‬
‫من النار ما مل خيرقها؛ والكالم اليسء خيرق هذه ا ُ‬
‫فصيامنا هذا احتاج إىل استغفار نافع وعمل صالح له شافع كم نخرق صيامنا‬
‫بسهام الكالم ثم نرقعه وقد اتسع اخلرق عىل الراقع كم نرفوا خروقه بمخيط‬
‫احلسنات ثم نقطعه بحسام السيئات القاطع‪ ,‬كان بعض السلف إذا صىل صالة‬
‫استغفر من تقصريه فيها كام يستغفر املذنب من ذنبه‪ ,‬فإذا كان هذا حال املحسنني ِف‬
‫حال املسيئني مثلنا‪.‬‬ ‫عباداُتم فكي‬
‫عباد اهلل! و ا رشع لكم ختام شهركم عند التكبري عند إكامل العدة من غروب‬
‫ْبوا ذ َ‬‫ك ُ‬‫َ ُ ْ ُ ْ ذَ َ ُ َ‬
‫اّلل‬ ‫الشمس ليلة العيد إىل صالة العيد ‪ ,‬قال اهلل تعاىل ‪ { :‬وِلِ ك ِملوا العِدة وِلِ ِ‬
‫ُ َ ذ ُ َْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫َع َما ه َداك ْم َول َعلك ْم تشك ُرون } [ البقرة ‪ .] 585 :‬وصفته أن يقول ‪ :‬اهلل أكرب اهلل‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪84‬‬
‫أكرب ال إله إال اهلل واهلل أكرب اهلل أكرب وهلل احلمد‪ ,‬ونحوه من صيغ التكبري الواردة عن‬
‫خري القرون‪.‬‬
‫و ُي َس ُّن جهر الرجال به يف املساجد واألسواق والبيوت إعالنا بتعظيم اهلل وإظهارا‬
‫ِس به النساء ألهنن مأمورات بالتسرت واإلرسار بالصوت ‪.‬‬‫ِ‬
‫لعبادته وشكره ‪ ,‬و ُي ُّ‬
‫يكربون اهلل تعظيام وإجالال يف كل مكان عند انتهاء شهر‬
‫ما أمجل حال الناس وهم ِّ‬
‫صومهم ‪ ,‬يملؤون اآلفاق تكبريا وحتميدا وُتليال ‪ ,‬يرجون رمحة اهلل وخيافون عذابه ‪.‬‬
‫وهكذا رشع اهلل سبحانه لعباده صالة العيد يوم العيد ‪ ,‬وهى من متام ذكر اهلل‬
‫هبا أمته رجاال ونساء ‪ ,‬وهذا دليل عىل تأكيدها‪ ,‬قالت أم‬ ‫¸ ‪ ,‬أمر رسول اهلل‬
‫ِ‬
‫ُخ ِرجهن يف الفطر واألضحى‪ ,‬ال َع َواتق ْ ُ‬
‫واحل َّيض‬ ‫‪ :‬أمرنا رسول اهلل أن ن ْ‬ ‫عطية‬
‫احل َّيض فيعتزلن املُْ َص َّىل ويشهدن اخلري ودعوة املسلمني‪ .‬قلت‪:‬‬ ‫وذوات اخلدور ‪ ,‬فأما ْ ُ‬
‫يا رسول اهلل إحدانا ال يكون ْلا جلباب ‪ ,‬قال‪ « :‬ل ِ ُت ْلبِ ْسها أختها من جلباهبا »‪.‬‬
‫ومن السنة أن يأكل قبل اخلروج إىل الصالة يف عيد الفطر مترات وترا ثالثا أو‬
‫‪ « :‬كان النبي‬ ‫مخ سا أو أكثر من ذلك ‪ ,‬يقطعها عىل وتر لقول أنس بن مالك‬
‫ال يغدو يوم الفطر حتى يأكل َترات ويأكلهن وترا » ‪.‬‬
‫والسنة أن خيرج ماشيا ال راكبا إال من عذر كعجز و ُب ْع ٍد لقول عيل بن أِب طالب‬
‫‪ :‬من السنة أن خيرج إىل العيد ماشيا‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫خطبة بعنوان (ختام شهر رمضان)‬

‫عنوان‬
‫وأما املرأة فتخرج إىل العيد غري‬ ‫ثيابه ‪,‬‬
‫‪‬‬ ‫يتج َّمل ويلبس أحسن‬
‫ويسن للرجل أن َ‬
‫متجملة وال متط ِّيبة وال متربجة وال سافرة ألهنا مأمورة بالتسرت َمن ِْه َّية عن التربج‬
‫ِّ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫بالزينة وعن التطيب حال اخلروج ‪.‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫تذكروا‪-‬رمحكم اهلل‪-‬يف ختام شهركم رسعة مرور دهركم وانقضاء‬
‫أعامركم‪ ,‬ويف دخول عيدكم يوم حضور آجالكم ولقاء ربكم فتلك عربة بالغة لكل‬
‫ذي لب سليم ‪.‬‬
‫ويِسنا لليِسى ‪,‬‬
‫اللهم وفقنا للتوبة النصوح التي متحو هبا ما سلف من ذنوبنا ‪ِّ ,‬‬
‫وجنِّبنا العِسى ‪ ,‬واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني يف اآلخرة واألوىل ‪ ,‬برمحتك يا‬
‫أرحم الرامحني‪.‬‬
‫حسن عاق بتنا وخامتتنا يف األمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا واآلخرة ‪,‬‬
‫اللهم ِّ‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫اللهم ِ‬
‫واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًّا‬
‫وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬
‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫َ‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪86‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫سميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت ال‬
‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫يب الدعوات‪.‬‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬
‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫‪87‬‬ ‫خطبة بعنوان (عيد الفطر املبارك)‬

‫‪‬عنوان‬
‫األولو‪:‬جعل ْلم مواسم اخلريات‪,‬‬
‫الباب ويِس‪,‬‬
‫احلمد هلل الذي سهل لعباده طرق العبادة‪,‬‬ ‫‪1‬‬
‫لتزدان أوقاُتم بالطاعات‪ ,‬وتعمر‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له األحد‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫الصمد املتفرد باخللق والتدبري‪ ,‬وكل يشء عنده بأجل مقدر‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده‬
‫وبش‪ ,‬وأنذر‪ ,‬صىل اهلل عليه وعىل آله وأصحابه‬
‫ورسوله أنصح من دعا إىل اهلل‪ّ ,‬‬
‫والتابعني ْلم بإحسان ما بدا الصباح‪ ,‬وأنور‪ ,‬وسلم تسليام‪.‬‬
‫أما بعد‪ ,‬فاتقوا اهلل تعاىل‪ ,‬واعرفوا نعمته عليكم هبذا العيد السعيد‪ ,‬فإنه اليوم‬
‫الذي توج اهلل به شهر الصيام‪ ,‬وافتتح به أشهر احلج إىل بيته احلرام‪ ,‬وأجزل فيه‬
‫للصائمني والقائمني جوائز الرب واإلكرام‪ ,‬فقد روي يف األثر ‪" :‬أن يوم الفطر هو يوم‬
‫اجلوائز وأن الصائمني يرجعون مغفورا ْلم"‪ ,‬ويدل عليه ما ثبت يف الصحيحني من‬
‫حل َّيض أن خيرجن إىل املصىل «يشهدن اْلري ودعوة املسلمني‪ ،‬ويعتزلن‬
‫ا ُ‬ ‫أمر النبي‬
‫املصىل » قال اإلمام الزهري ‪ :‬إذا كان يوم الفطر خرج الناس إىل اجلبار ا ّطلع‬
‫عليهم فقال‪ :‬عبادي يل صمتم ويل قمتم ارجعوا مغفورا لكم‪ .‬وقال مورق العجيل‬
‫لبعض إخوانه يف املصىل يوم الفطر‪« :‬يرجع هذا اليوم قوم كام ولدُتم أمهاُتم»‪ ,‬وقال‬
‫أبو جعفرالباقر‪« :‬جائزة ال تشبه جوائز األمراء‪ ,‬إذا أكمل الصائمون صيام رمضان‬
‫وقيامه فقد وفوا ما عليهم من العمل وبقي ما ْلم من األجر وهو املغفرة فإذا خرجوا‬
‫يوم عيد الفطر إىل الصالة قسمت عليهم أجورهم فرجعوا إىل منازْلم وقد استوفوا‬
‫األجر واستكملوه»‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪88‬‬
‫‪ :‬الصالة مكيال فمن وِف ويف له ومن‬ ‫أهيا الناس! يقول سلامن الفارِس‬
‫طفف فقد علمتم ما قيل يف املطففني فالصيام وسائر األعامل عىل هذا املنوال من وفاها‬
‫فهو من خيار عباد اهلل املوفني ومن طفف فيها فويل للمطففني‪.‬‬
‫أما يستحيي من يستويف مكيال شهواته ويطفف يف مكيال صيامه وصالته‪ ..‬ويف‬
‫احلديث‪« :‬أسوأ الناس ِسقة الذي يرسق من صالته» إذا كان الويل ملن طفف مكيال‬
‫ذ َ ُ َ‬ ‫الدنيا فكيف حال من طفف مكيال الدين‪{ :‬فَ َويْ ٌل ل ِل ْ ُم َصل َ‬
‫ِين ه ْم ع ْن‬
‫ِي‪ ،‬اَّل‬
‫ُ َ‬
‫َصَلت ِ ِه ْم َساهون} [املاعون‪.]1 ،1 :‬‬
‫واحصىىىد الزارعىىىون مىىىا زرعىىىوا‬ ‫غىىىدا تىىىوِف النفىىىوس مىىىا كسىىىبت‬

‫وإن أسىىىاؤا فبىىىئس مىىىا صىىىنعوا‬ ‫إن أحسىىىىىنوا أحسىىىىىنوا ألنفسىىىىىهم‬

‫أهيا املسلمون كان السلف الصالح جيتهدون يف إمتام العمل وإكامله وإتقانه ثم‬
‫َ ُُ‬ ‫ُْ َ‬
‫هيتمون بعد ذلك بقبوله وخيافون من رده وهؤالء الذين‪{ :‬يُؤتون َما آت ْوا َوقلوبُ ُه ْم‬
‫َ ٌَ‬
‫قال‪ :‬كونوا لقبول‬ ‫جلة} [املؤمنون‪ .]61 :‬روي عن أمري املؤمنني عيل بن أِب طالب‬ ‫و ِ‬
‫العمل أشد اهتامما منكم بالعمل أمل تسمعوا اهلل ¸ يقول‪{ :‬إ ذن َما َيتَ َق ذب ُل ذ ُ‬
‫اّلل م َِن‬ ‫ِ‬
‫ي} [املائدة‪ . ]27 :‬وقال عبد العزيز بن أِب رواد‪ :‬أدركتهم جيتهدون يف العمل‬ ‫ال ْ ُم ذتق َ‬
‫ِ‬
‫الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم اْلم أيقبل منهم أم ال‪.‬‬
‫قال معىل بن الفضل‪ :‬كانوا يدعون اهلل ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ثم‬
‫يدعون اهلل ستة أشهر أن يتقبل منهم‪.‬‬
‫‪89‬‬ ‫خطبة بعنوان (عيد الفطر املبارك)‬
‫عنوان فقال يف خطبته‪ :‬أهيا الناس‬
‫عيد فطر‬
‫‪‬‬ ‫وخرج عمر بن عبد العزيز ‪ ‬يف يوم‬
‫إنكم صمتم هلل ثالثني يوما وقمتم ثالثني ليلة وخرجتم اليوم تطلبون من اهلل أن يتقبل‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫منكم‪.‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫رأى وهب بن الورد قوما يضحكون يف يوم عيد فقال‪ :‬إن كان هؤالء تقبل منهم‬
‫صيامهم فام هذا فعل الشاكرين وإن كان مل يتقبل منهم صيامهم فام هذا فعل اخلائفني‪.‬‬
‫وعن احلسن قال‪ :‬إن اهلل جعل شهر رمضان مضامرا خللقه يستبقون فيه بطاعته‬
‫إىل مرضاته فسبق قوم ففازوا وختلف آخرون فخابوا فالعجب من الالعب الضاحك‬
‫يف اليوم الذي يفوز فيه املحسنون وخيِس فيه املبطلون‪.‬‬
‫أنه كان يقول‪ :‬ليت شعري من هذا املقبول منا فنهنيه ومن‬ ‫وعن ابن مسعود‬
‫هذا املحروم منا فنعزيه أهيا املقبول هنيئا لك أهيا املردود جرب اهلل مصيبتك‪.‬‬
‫عن كعب األحبار ‪ ‬قال ‪ :‬من صام رمضان وهو احدث نفسه أنه إذا أفطر‬
‫بعد رمضان أنه ال يعيص اهلل دخل اجلنة بغري مسألة وال حساب ومن صام رمضان‬
‫وهو احدث نفسه إذا أفطر بعد رمضان عىص ربه فصيامه عليه مردود‪.‬‬
‫أهيا املسلمون‪ :‬إنه وإن انقىض شهر رمضان فإن عمل املؤمن ال ينقيض قبل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ ْ َذ َ َ ذ َْ َ َ ْ‬
‫املوت ‪ ,‬قال اهلل ¸ ‪ { :‬واعبد ربك حَّت يأت ِيك اْيقِي } [ احلجر ‪ .]99 :‬وقال تعاىل‪{:‬‬
‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ ذ ُ ذ َ َ ذ ُ َ َ َ َ ُ ُ ذ ذ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬
‫ياأيها اَّلِين آمنوا اتقوا اّلل حق تقاتِه ِ وَل تموتن إَِل وأنتم مسل ِمون }[ آل عمران ‪.] 512 :‬‬

‫‪ « :‬إذا مات العبد انقطع عمله » ‪ ,‬فلم جيعل النقطاع العمل غاية‬ ‫وقال النبي‬
‫إال املوت‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪91‬‬
‫فلئن انقىض صيام شهر رمضان فإن املؤمن لن ينقطع من عبادة الصيام بذلك ‪,‬‬
‫أن‬ ‫فالصيام ال يزال مشوعا وهلل احلمد يف العام كله ‪ ,‬فعن أِب أيوب األنصاري‬
‫قال ‪ « :‬من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر »‪.‬‬ ‫النبي‬
‫وِف معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة‪:‬‬
‫منها‪ :‬أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل هبا أجر صيام الدهر كله‬
‫كام سبق‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن صيام شوال وشعبان كصالة السنن الرواتب قبل الصالة املفروضة‬
‫وبعدها فيكمل بذلك ما حصل يف الفرض من خلل ونقص فإن الفرائض جترب أو‬
‫تكمل بالنوافل يوم القيامة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان عالمة عىل قبول صوم رمضان فإن اهلل إذا‬
‫تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده كام قال بعضهم‪ :‬ثواب احلسنة احلسنة بعدها‪,‬‬
‫ومنها‪ :‬أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب كام سبق ذكره وأن‬
‫الصائمني لرمضان يوفون أجورهم يف يوم الفطر وهو يوم اجلوائز فيكون معاودة‬
‫الصيام بعد الفطر شكرا ْلذه النعمة فال نعمة أعظم من مغفرة الذنوب كان النبي‬
‫يقوم حتى تتورم قدماه فيقال له‪ :‬أتفعل هذا وقد غفر اهلل لك ماتقدم من ذنبك وما‬
‫تأخر؟ فيقول‪« :‬أفال أكون عبدا شكورا»‪ ,‬وقد أمر اهلل ´ عباده بشكر نعمة صيام‬
‫ك ُ‬‫َ ُ ْ ُ ْ ذَ َ ُ َ‬
‫ْبوا‬
‫رمضان بإظهار ذكره وغري ذلك من أنواع شكره فقال‪{ :‬وِلِ ك ِملوا العِدة وِلِ ِ‬
‫ذَ ََ َ َ َ ُ ْ َََذ ُ ْ َْ ُ َ‬
‫اّلل َع ما هداكم ولعلكم تشك ُرون} [البقرة‪.]585 :‬‬
‫‪95‬‬ ‫خطبة بعنوان (عيد الفطر املبارك)‬

‫عنوان‬
‫وإعانته عليه ومغفرة ذنوبه أن‬ ‫رمضان‬
‫‪‬‬ ‫فمن مجلة شكر العبد لربه عىل توفيقه لصيام‬
‫يصوم عقب ذلك شكرا له‪ ,‬كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليايل أصبح يف‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫هناره صائام وجيعل صيامه شكرا للتوفيق للقيام‪.‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫اللهم تقبل صيامنا وقيامنا‪ ,‬اللهم اجعل عيدنا سعيدا‪ ,‬اللهم أعده عىل األمة‬
‫اإلسالمية وهي ترفل بثوب العزة والقوة والنْص عىل األعداء يا رب العاملني‪.‬‬
‫بارك اهلل يل ولكم يف القرآن العظيم‪ ,‬ونفعني وإياكم بام فيه من اآليات والذكر‬
‫احلكيم‪ ,‬ونفعنا هبدي سيد املرسلني وبقوله القويم‪ ,‬أقول قويل هذا‪ ,‬وأستغفر اهلل يل‬
‫ولكم ولسائر املسلمني من كل ذنب‪ ,‬فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬
‫جل َمع واألعياد‪ ,‬وجامع الناس ليوم ال ريب فيه‪ ,‬إن اهلل ال خيلف‬
‫احلمد هلل معيد ا ُ‬
‫امليعاد‪ ,‬أمحده سبحانه عىل توفيقه وامتنانه‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪,‬‬
‫إليه املرجع واملآب وهو عىل كل يشء قدير‪ ,‬وأشهد أن سيدنا ونبينا حممدا إمام األتقياء‬
‫وسيد األولياء‪ ,‬فصىل اهلل عليه وعىل آله وأصحابه أمجعني ومن اهتدى هبداه إىل يوم‬
‫الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬عباد اهلل! يف هذا اليوم العظيم جيتمع املسلمون يف مشارق األرض‬
‫ومغارهبا‪ ,‬لصالة العيد‪ ,‬وهو اجتامع لشعرية من شعائر اإلسالم العظام‪ ,‬ويف هذا‬
‫االجتامع تظهر الوحدة اإلسالمية‪ ,‬يف أهبى حللها ويف أروع صورها‪ ,‬فيجتمع الغني‬
‫مع الفقري‪ ,‬والقوي مع الضعيف‪ٌ ,‬‬
‫وكل منهم يشعر أن بجانبه أخاه يشاركه يف آالمه‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪92‬‬
‫ويف آماله‪ ,‬يمد يده ويصافحه هينئه بالعيد ويبارك له فيام عمله يف شهر رمضان‪,‬‬
‫فيتبادالن التحيات‪ ,‬وقضية الوحدة هي التي ينبغي أن احققها املسلمون؛ ألن فيها‬
‫ِع ُّزهم‪ ,‬وفيها رشفهم‪ ,‬وفيها عز اإلسالم‪ ,‬وعز املسلمني‪ ,‬وفيها القوة لألمة املحمدية ‪.‬‬
‫فالوحدة اإلسالمية هي التي خيشاها أعداء اإلسالم؛ ألن أعداء اإلسالم‬
‫فرق‪ ,‬ألنه يلقي بني الناس املودة وال يلقي‬
‫يدركون ويفهمون أن اإلسالم جيمع وال ُي ِّ‬
‫بينهم البغضاء‪..‬ويبث فيهم روح اإلخاء واملودة والتعاون والسالم واالحرتام ‪..‬‬
‫نسأل اهلل أن جيمع كلمة املسلمني عىل احلق املبني‪ ,‬وأن يؤلف بني قلوهبم وأن يصلح‬
‫شأهنم‪.‬‬
‫عباد اهلل! ولئن انقىض قيام شهر رمضان فإن القيام ال يزال مشوعا وهلل احلمد‬
‫يف كل ليلة من ليايل السنة ثابتا من فعل رسول اهلل وقوله ‪ ,‬فعن عبد اهلل بن سالم‬
‫قال ‪ « :‬أهيا الناس أفشوا السالم وأطعموا الطعام ِ‬
‫وص ُلوا األرحام‬ ‫أن النبي‬
‫وص ُّلوا بالليل والناس نيام تدخلوا اجلنة بسالم » رواه الرتمذي‪,‬‬
‫َ‬
‫قيل لبِ ْ ٍ‬
‫ش ‪ :‬إن قوما يتعبدون وجيتهدون يف رمضان فقال‪ :‬بئس القوم ال يعرفون‬
‫هلل حقا إال يف شهر رمضان إن الصالح الذي يتعبد وجيتهد السنة كلها‪.‬‬
‫فاجت َِهدوا إخواين يف فعل الطاعات ‪ ,‬واجتن ِ ُبوا اخلطايا والسيئات لتفوزوا باحلياة‬
‫الطيبة يف الدنيا ‪ ,‬واألجر الكبري بعد املامت ‪ ,‬قال اهلل ¸ ‪َ { :‬م ْن َع ِم َل َص ِ ً‬
‫اْلا م ِْن‬
‫َ َ َْ َُْ َ ُ َ ُ ْ ٌ ََُ ْ َذُ َ َ ً َ ًَ َََ ْ َذُ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ ُ‬
‫ذك ٍر أو أنث وهو مؤمِن فلنحيِينه حياة طيِبة ونلج ِزينهم أجرهم بِأحس ِن ما َكنوا‬
‫ََُْ َ‬
‫يعملون }[ النحل ‪. ] 97 :‬‬
‫‪93‬‬ ‫خطبة بعنوان (عيد الفطر املبارك)‬

‫‪‬عنوان‬
‫االقتصاد يف اإلنفاق وحسن التدبري‪,‬‬ ‫لنرب أوالدنا عىل اإلسالم‪ ,‬ولنعلمهم‬
‫أال و ِّ‬
‫‪:‬‬ ‫ورصف األموال يف مواضعها يف العيد‪ ,‬ولنحصن البالغني بالزواج عمال بقوله‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫« يا معرش الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوﺝ فإنه أغض للبَص وأحصن للفرﺝ»‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫‪ ,‬فيا أهيا الشباب املستطيع للزواج هال بادرت إىل ذلك؟!‪.‬‬
‫ويا أهيا الويل الذي ائتمنك اهلل عىل البنات هال سارعت إىل تزوجيهن وتيسري‬
‫ام}‬ ‫ون بهِ َو ْالَ ْر َح َ‬ ‫ََ َُ َ‬
‫ل‬‫اء‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ِي‬
‫َ ذُ ذَ ذ‬
‫اَّل‬ ‫مهورهن؟ ألست تسمع يف كل خطبة مجعة{واتقوا اّلل‬
‫ِ‬
‫ب إِ َل ْيك ُْم َم ْن ت َْر َض ْو َن ِدينَ ُه‬‫ول اهللَِّ ‪« :‬إِ َذا َخ َط َ‬ ‫[النساء‪. ]5 :‬و َع ْن َأ ِِب ُه َر ْي َر َة َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫يض» رواه الرتمذي‪.‬‬ ‫َو ُخ ُل َق ُه َفز َِّو ُجو ُه‪ ،‬إِ َّال َت ْف َع ُلوا َتك ُْن فِ ْتنَ ٌة ِِف األَ ْر ِ‬
‫ض‪َ ،‬و َف َسا ٌد َع ِر ٌ‬
‫ويا أهيا املورسون ختلقوا باجلود واإلحسان وتفقدوا حال إخوانكم املسلمني‬
‫املحتاجني واعلموا أن الصدقة متحو اخلطيئة وتطف غضب الرب وتقي مصارع‬
‫السوء‪ ,‬فال ينبغي للمؤمن أن ينسى من حرم من إخوانه املسلمني من فرحة العيد‬
‫بمجاعة أهلكت أو حرب دمرت‪ ,‬أو أمراض أقعدت أو أزمات خنقت أو التزامات‬
‫أرست واعلموا أن من مل هيتم بأمر املسلمني فليس منهم‪ ,‬فلنتذكر الفقراء واملحتاجني‬
‫ََ‬
‫واليتامى واألرامل واملنكوبني والنازحني‪ ..‬وال حول وال قوة إال باهلل العيل العظيم‪.‬‬
‫وأح ِينا حياة طيبة ‪ ,‬وأحلقنا بالصاحلني‪.‬‬
‫اللهم ث ِّب ْتنَا عىل اإليامن والعمل الصالح ‪ْ ,‬‬
‫اللهم َأ ِعد علينا شهر رمضان املبارك أعواما عديدة وأزمنة مديدة ونحن‬
‫َ‬
‫شمل األعداء ونكَّس أعالمهم واَضب‬ ‫واملسلمون يف أمن وإيامن اللهم شتَّت‬
‫بعضهم ببعض وأنزل عليهم غضبك‪,‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪94‬‬
‫وانْصنا عليهم نْص املؤمنني يا رب العاملني اللهم أعز اإلسالم واملسلمني‪,‬‬
‫وأذل الشك واملشكني‪ ,‬ودمر أعداء الدين‪ ,‬واحم حوزة الدين يا رب العاملني‬
‫واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫ِ‬
‫خزي الدنيا وعذاب اآلخرة‪.‬‬ ‫أحسن عاق َبتنا يف األمور كلها‪ِ ,‬‬
‫وأجرنا من‬ ‫اللهم ِ‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬ ‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫َ‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫يب الدعوات‪.‬‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬
‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫‪95‬‬ ‫اجلزء الثاني‬

‫‪‬عنوان‬

‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫يف سريته ‪‬‬


‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪96‬‬
‫‪97‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬إحتاف األنام بأحكام الصيام‬

‫‪‬عنوان‬
‫األول‪:‬الشائع رمحة وحكمة طريقا‬
‫الباب‪ ,‬ورشع‬
‫احلمد هلل الذي أتقن بحكمته ما فطر و َبنَى‬ ‫‪1‬‬
‫وسننا ‪ ,‬وأمرنا بطاعته ال حلاجته بل لنا ‪ ,‬يغفر الذنوب لكل من تاب إىل ربه ودنا ‪,‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وجيزل العطايا ملن كان حمسنا‪ ,‬أمحده عىل فضائله رسا وعلنا ‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال رشيك له شهادة أرجو هبا الفوز بدار النعيم واْلنا ‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده‬
‫ورسوله الذي رفعه فوق الساموات فدنا ‪ ,‬صىل اهلل عليه وعىل صاحبه أِب بكر القائم‬
‫حبهِ ََل ََت ْ َز ْن إ ذن ذ َ‬
‫اّلل‬
‫ْ ُ ُ‬
‫بالعبادة راضيا بالعنا ‪ ,‬الذي رشفه اهلل بقوله ‪ { :‬إِذ َيقول ل َِصا ِِ‬
‫ِ‬
‫َم َع َنا } [ التوبة ‪ , ] 41 :‬وعىل عمر املُْ ِجدِّ يف ظهور اإلسالم فام ضعف وال ونى ‪ ,‬وعىل‬
‫عثامن الذي ريض بال َقدَ ر وقد حل يف ِ‬
‫الفناء ال َفنا ‪ ,‬وعىل عيل القريب يف النسب وقد‬
‫نال املُنى‪ ,‬وعىل سائر آله وأصحابه الكرام األمناء‪ ,‬وسلم تسليام‪,‬‬
‫الوثقى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أمابعد‪ :‬فاتقوا اهلل تعاىل حق التقوى‪ ,‬واستمسكوا من اإلسالم بال ُعروة ُ‬
‫ين َآمنُوا ا َّت ُقوا اهللََّ َح َّق ُت َقاتِ ِه َو َال َتَ ُوت َُّن إِ َّال َو َأ ْنت ُْم ُم ْسلِ ُم َ‬
‫ون﴾ [آل عمران‪.]512 :‬‬
‫ِ‬
‫﴿ َيا َأ ُّ َهيا ا َّلذ َ‬
‫عباد اهلل‪ :‬ﺇﻥ من أعظم ما يستقبل به شهر رمضان املبارك معرفة أحكام صيامه‬
‫وقيامه حتى يعبد املسلم ربه عىل بصرية‪.‬‬
‫فاعلموا ‪-‬رمحكم اهلل‪ -‬أن صيام رمضان أحد أركان اإلسالم ومبانيه العظام‪,‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ َ ََ ذ‬ ‫ُ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ ُ‬
‫ٱلصيام كما كتِب َع ٱَّلِين مِن‬ ‫قال تعالى‪ ﴿ :‬يأيها ٱَّلِين ءامنوا كتِب عليكم ِ‬
‫ُ ذ ً َ َ َ َٰ َ َ‬ ‫َ ذ ٗ ذ ُ َ َٰ َ َ َ َ‬ ‫ُ َ ذ ُ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫قبل ِكم ل َعلكم ت ذتقون ‪ 183‬أياما معدودت فمن َكن مِنكم مرِيضا أو َع سفر‬
‫يا َف ُهوَ‬‫ع َخ ٗ‬‫ََ ََ ذ َ‬ ‫َذ ُ َ َ َ ََ ذ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫فعِ ذدة مِن أيا ٍم أخر وَع ٱَّلِين ي ِطيقونهۥ ف ِدية طعام مِسكِين فمن تطو‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪98‬‬
‫َ ُ ََ َ َ ذ ٓ ُ َ‬ ‫ُ ُ َ َُ َ‬ ‫َ ذُ ََ َ ُ ُ ْ َ ذ ُ‬
‫ٱَّلي أنزِل فِيهِ‬ ‫خي َلۥ وأن تصوموا خي لكم إِن كنتم تعلمون ‪ 184‬شهر رمضان ِ‬
‫ذ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫اس َوبَي ِ َنَٰت م َِن ٱل ُه َد َٰ‬ ‫ان ُه ٗدى ل ذ‬‫ُ َ ُ‬
‫ى َوٱلفرقا ِن ف َمن شهِ َد مِنك ُم ٱلشه َر‬ ‫ِلن ِ‬ ‫ٱلقرء‬
‫َ َ ُ ُ ذُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ضا أو َ َ َٰ َ َ َ ذ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ ََ َ َ َ ً‬
‫ْس‬‫ك ُم ٱليُ َ‬
‫َع سفر فعِدة مِن أيا ٍم أخر يرِيد ٱّلل ب ِ‬ ‫فليصمه ومن َكن مرِي‬
‫ُ َ ذ ُ‬ ‫َ‬
‫َع َما ه َدىَٰكم َول َعلكم‬ ‫ٱّلل َ َ َٰ‬
‫ْبوا ْ ذ َ‬ ‫ُ ُ ُ َ َ ُ ُ ْ ذَ َ ُ َ‬
‫ك ُ‬
‫وَل يرِيد بِكم ٱلعْس وِلِ ك ِملوا ٱلعِدة وِلِ ِ‬
‫ََ ُ ُ‬
‫َ ُ َ‬
‫‪« :‬بني اإلسالم على خمس‪ :‬شهادة أن ال‬ ‫تشك ُرون ﴾ [البقرة‪ ]585 ,583 :‬وقال النبي‬
‫إله إال الله وأن محمدا رسول الله‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وحج البيت‪ ،‬وصوم‬
‫رمضان» متفق عليه ‪ ,‬وأمجع املسلمون عىل فرض َّية صوم رمضان إمجاعا قطعيا معلوما‬
‫بالرضورة من دين اإلسالم ‪,‬‬
‫فمن أنكر وجوبه فهو عىل خطر عظيم‪َ ,‬ف ُي ْس َتتَاب فإن تاب وأقر بوجوبه وإال‬
‫ُقتِ َل ُم ْرتَدًّ ا عن اإلسالم ‪ ,‬ال ُي َغ َّسل وال ُيك َّفن وال ُي َّ‬
‫صىل عليه وال يدفن يف مقابر‬
‫املسلمني كحكم سائر املرتدين‪.‬‬
‫وقد فُرض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة‪ ,‬فصام رسول الله‬
‫تسع سنين‪ ,‬ثم توفاه اهلل ‪.‬‬
‫وال يجب الصوم حتى يثبت دخول الشهر‪ ,‬فال يصام قبل دخول الشهر لقول‬
‫ُون َر ُج ٌل ك َ‬
‫َان‬ ‫ان بِ َص ْو ِم َي ْوم َأ ْو َي ْو َم ْ ِ‬
‫ني ‪ ،‬إِ َّال َأ ْن َيك َ‬ ‫‪َ « :‬ال َي َت َقدَّ َم َّن َأ َحدُ ك ُْم َر َم َض َ‬ ‫النبي‬
‫ك ا ْل َي ْو َم »‪ .‬متفق عليه‬ ‫َي ُصو ُم َص ْو َم ُه ‪َ ،‬ف ْل َي ُص ْم َذلِ َ‬
‫ويحكم بدخول شهر رمضان بواحد من أمرين‪:‬‬
‫ذ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِنك ُم ٱلشه َر فليَ ُصم ُه}‬ ‫األول‪ :‬رؤية هالله لقوله تعالى‪{:‬ف َمن ش ِه َد م‬
‫‪99‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬إحتاف األنام بأحكام الصيام‬

‫عنوان‬
‫عليه‪ ,‬وال يشترط أن يراه كل‬ ‫متفق‬
‫‪‬‬ ‫وقول النبي‪« :‬إذا رأيتم الهالل فصوموا»‬
‫واحد بنفسه‪ ,‬بل إذا رآه من يثبت بشهادته دخول الشهر وجب الصوم عىل اجلميع ‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬ا ُ ْ‬
‫احكَم فيه بدخول الشهر ‪ :‬إكامل الشهر السابق قبله ثالثني يوما ؛‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫ألن الشهر القمري ال يمكن أن يزيد عىل ثالثني يوما وال ينقص عن تسعة وعشين‬
‫يوما ‪ ,‬وربام يتواىل شهران أو ثالثة إىل أربعة ثالثني يوما ‪ ,‬وعند البخاري‪« :‬فإن غُمي‬
‫عليكم فأكملوا عدة شعبان ثالثين»‬
‫وال يصام يوم الثالثين منه سواء كانت الليلة صحوا أم غيما لقول عمار بن ياسر‬
‫» انظر صحيح أِب داود ‪.)2122‬‬ ‫‪« :‬من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم‬
‫واعلموا ‪-‬رمحكم اهلل‪ -‬أنه جيب صوم رمضان عىل المسلم البالغ العاقل المقيم‬
‫القادر السالم من الموانع‪ ,‬أداء في وقته‪.‬‬
‫أنه‬ ‫وأما الصغير فال يجب عليه الصيام حتى يبلغ ملا يف الصحيح عن النبي‬
‫قال ‪« :‬رفع القلم عن ثالثة‪ :‬عن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن الصغير حتى يكبر‪ ،‬وعن‬
‫المجنون حتى يفيق» رواه أمحد وأبو داود والنسائي انظر املسك والرحيان فيام اتفق عىل تصحيحه الشيخان (‪.)811‬‬
‫لكن يأمره وليه بالصوم إذا أطاقه تمرينا له على الطاعة ليألفها بعد بلوغه اقتداء‬
‫يصوِّمون أوالدهم وهم صغار‪,‬‬ ‫بالسلف الصالح †‪ ،‬فقد كان الصحابة‬
‫ويذهبون إلى المسجد فيجعلون لهم اللعبة من العهن يعني الصوف أو نحوه) فإذا‬
‫بكوا من فقد الطعام أعطوهم اللعبة يتلهون بها‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪511‬‬
‫وكثير من األولياء اليوم يغفلون عن هذا األمر وال يأمرون أوالدهم بالصيام‪,‬‬
‫بل إن بعضهم يمنع أوالده من الصيام مع رغبتهم فيه‪ ,‬يزعم أن ذلك رحمة بهم‪,‬‬
‫والحقيقة أن رحمتهم هي القيام بواجب تربيتهم على شعائر اإلسالم وتعاليمه‬
‫القيِّمة‪ ,‬فمن منعهم من ذلك أو فرط فيه كان ظالما لهم ولنفسه أيضا‪ ,‬نعم إن صاموا‬
‫فرأﻯ عليهم ضررا بالصيام فال حرج عليه في منعهم منه حينئذ‪.‬‬
‫ويحصل بلوغ الذكر بواحد من أمور ثالثة‪:‬‬
‫باالحتالم ونبات شعر العانة ‪-‬وهو الشعر الخشن ينبت حول القبل‪ -‬وبلوغ‬
‫اخلامسة عشة‪ ,‬وزيادة أمر رابع يف حق املرأة وهو احليض ‪.‬‬
‫وأما المجنون وهو فاقد العقل فال يجب عليه الصيام‪ ,‬ألنه مرفوع عنه القلم‬
‫وال يصح منه الصيام ألنه ليس له عقل يعقل به العبادة وينويها‪ ,‬والعبادة ال تصح إال‬
‫بنية‪.‬‬
‫فإن كان يجن أحيانا ويفيق أحيانا لزمه الصيام في حال إفاقته دون حال جنونه‪,‬‬
‫وإن جن في أثناء النهار لم يبطل صومه كما لو أغمي عليه بمرض أو غيره؛ ألنه نوﻯ‬
‫الصوم وهو عاقل بنية صحيحة‪ ,‬وال دليل على البطالن خصوصا إذا كان معلوما أن‬
‫الجنون ينتابه في ساعات معينة‪ ,‬وعلى هذا فال يلزم قضاء اليوم الذي حصل فيه‬
‫الجنون‪,‬‬
‫وإذا أفاق المجنون أثناء نهار رمضان لزمه إمساك بقية يومه؛ ألنه صار من أهل‬
‫الوجوب‪ ,‬وال يلزمه قضاؤه كالصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم يف أثناء النهار‪.‬‬
‫‪515‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬إحتاف األنام بأحكام الصيام‬

‫عنوان‬
‫يجب عليه الصيام وال اإلطعام‬ ‫وأما الهرم الذي بلﻎ الهذيان وسقط تمييزه‬
‫‪‬فال‬
‫عنه؛ لسقوط التكليف عنه بزوال تمييزه فأشبه الصبي قبل التمييز‪ ,‬فإن كان يميز‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫أحيانا ويهذي أحيانا وجب عليه الصوم في حال تمييزه دون حال هذيانه‪ ,‬والصالة‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫كالصوم ال تلزمه حال هذيانه وتلزمه حال تمييزه‪.‬‬
‫وأما العاجز عن الصيام عجز ًا مستمرا ال يرجى زواله كالكبير والمريض مرضا‬
‫ال يرجى برؤه كصاحب السرطان ونحوه‪ ,‬فال يجب عليه الصيام ألنه ال يستطيعه؛‬
‫لكن يجب عليه أن يطعم بدل الصيام عن كل يوم مسكينا؛ ألن الله سبحانه جعل‬
‫اإلطعام معادال للصيام حين كان التخيير بينهما أول ما فرض الصيام‪ ,‬فتعين أن‬
‫يكون بدال عن الصيام عند العجز عنه ألنه معادل له‪.‬‬
‫ويخير في اإلطعام بين أن يفرقه حبا على المساكين لكل واحد مد من الرب ربع‬
‫الصاع النبوي‪ ,‬ووزنه ‪ -‬أي‪ :‬المد ‪ -‬نصف كيلو وعشرة غرامات بالبر الرزين الجيد‪,‬‬
‫وبين أن يصلح طعاما فيدعو إليه مساكين بقدر األيام التي عليه‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ : ‬وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس‬
‫بعدما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر‪,‬‬
‫في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة ال يستطيعان أن يصوما‬ ‫وقال ابن عباس‬
‫فيطعمان مكان كل يوم مسكينا‪.‬‬
‫واعلموا ‪-‬رمحكم اهلل‪ -‬أن هنالك أصنافا من أهل األعذار يف الفطر يف شهر‬
‫رمضان فمنهم المسافر‪ :‬إذا لم يقصد بسفره التحيل على الفطر‪ ,‬فإن قصد ذلك‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪512‬‬
‫فالفطر عليه حرام والصيام واجب عليه حينئذ‪ ,‬فإذا لم يقصد التحيل فهو مخير بين‬
‫الصيام والفطر سواء طالت مدة سفره أم قصرت؛ واألفضل للمسافر فعل األسهل‬
‫عليه من الصيام والفطر‪ ,‬فإن تساويا فالصوم أفضل ألنه أسرع في إبراء ذمته وأنشط‬
‫قال‪:‬‬ ‫كما في حديث أبي الدرداء‬ ‫له إذا صام مع الناس‪ ,‬وألنه فعل النبي‬
‫في رمضان في حر شديد‪ ،‬حتى إن كان أحدنا ليضع يده على‬ ‫«خرجنا مع النبي‬
‫وعبد الله بن رواحة» متفق‬ ‫رأسه من شدة الحر‪ ،‬وما فينا صائم إال رسول الله‬
‫مراعاة ألصحابه حين بلغه أنهم شق عليهم الصيام‪ ,‬وذلك‬ ‫عليه وقد أفطر النبي‬
‫يف فتح مكة‪.‬‬
‫وهكذا ‪-‬يا عباد اهلل‪ -‬ممن يعذر ِف الفطر ِف َّنار رمضان المريض الذي يرجى‬
‫برء مرضه وله ثالث حاالت‪:‬‬
‫ﺇﺣﺪاﻫﺎ‪ :‬أن ال يشق عليه الصوم وال يضره‪ ,‬فيجب عليه الصوم ألنه ليس له‬
‫عذر يبيح الفطر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ :‬أن يشق عليه الصوم وال يضره فيفطر لقوله تعالى‪﴿ :‬ف َمن َكن مِنكم‬
‫َ ُ َ‬ ‫ذ ً َ َ َ َٰ َ َ‬
‫َع َسفر فعِ ذدة مِن أيذا ٍم أخ َر ﴾ [البقرة‪ ]584 :‬ويكره له الصوم مع المشقة ألنه‬ ‫مرِيضا أو‬
‫خروج عن رخصة الله تعالى وتعذيب لنفسه‪ ,‬وفي الحديث‪« :‬إن الله يحب أن تلؤتى‬
‫رخصه كما يكره أن تلؤتى معصيته» صحيح الرتغيب ‪3513‬‬

‫اﻟﺤﺎﻝ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ‪ :‬أن يضره الصوم فيجب عليه الفطر وال يجوز له الصوم لقوله‬
‫ٗ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ُ ُ ْٓ َ ُ َ ُ ذ ذَ َ َ‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬وَل تقتلوا أنفسكم إِن ٱّلل َكن بِكم رحِيما ﴾ [النساء‪ ]21 :‬وإذا حدث له‬
‫‪513‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬إحتاف األنام بأحكام الصيام‬
‫عنوانجاز له الفطر لوجود المبيح‬
‫‪‬تمامه‬
‫المرض في أثناء رمضان وهو صائم وشق عليه إ‬
‫للفطر‪,‬وإذا ثبت بالطب أن الصوم يجلب المرض أو يؤخر برءه جاز له الفطر‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫محافظة على صحته واتقاء للمرض‪ ,‬فإن كان يرجى زوال هذا الخطر انتظر حتى‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫يزول ثم يقضى ما أفطر‪.‬‬
‫والذكر‬ ‫ِ‬
‫اآليات ّ‬ ‫بارك اهلل يل ولكم يف القرآن العظيم‪ ,‬ونفعني وإياكم بام فيه من‬
‫ِ‬
‫هبدي س ِّيد املرسلني وبقوله القويم‪ .‬أقول قويل هذا‪ ,‬وأستغفر اهلل‬ ‫احلكيم‪ ,‬ونفعنا‬
‫العظيم يل ولكم ولسائر املسلمني من ّ‬
‫كل ذنب‪ ,‬فاستغفرو ُه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬ ‫َ‬

‫اخلطبة الثانية‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ,‬الرمحن الرحيم‪ ,‬مالك يوم الدين‪ ,‬وأشهد أن ال إال اهلل‬

‫صىل اهلل وس َّلم َ‬


‫وبارك عليه وعىل‬ ‫امللك احلق املبني‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله‪َّ ,‬‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إىل يوم‬ ‫آله الطيبني الطاهرين‪ ,‬وصحابته ال ُغ ِّر امليامني‪ ,‬والتابعني ومن تبعهم‬
‫الدين‪.‬‬
‫فإن الشرع حكمة من الله تعالى ورحمة رحم الله بها عباده؛ ألنه شرع مبني‬
‫على التسهيل والرحمة وعلى اإلتقان والحكمة‪ ,‬أوجب الله به على كل واحد من‬
‫المكلفين ما يناسب حاله ليقوم كل أحد بما عليه منشرحا به صدره ومطمئنة به‬
‫نبيا؛ فاحمدوا الله أيها المؤمنون‬ ‫نفسه‪ ,‬يرضى بالله ربا وباإلسالم دينا وبمحمد‬
‫على هذا الدين القيم‪ ,‬وعلى ما أنعم به عليكم من هدايتكم له وقد ضل عنه كثير من‬
‫الناس‪ ,‬واسألوه أن يثبتكم عليه إلى الممات‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪514‬‬
‫‪ :‬وإن من أهل األعذار ِف الفطر المرأة إذا كانت مرضعا أو حامال‬
‫وخافت على نفسها أو على الولد من الصوم فإنها تفطر لحديث أنس بن مالك‬
‫‪« :‬إن الله وضع عن المسافر شطر الصالة‬ ‫قال‪ :‬قال رسول الله‬ ‫الكعبي‬
‫أخرجه الخمسة انظر املسك والرحيان فيام اتفق عىل‬ ‫وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام»‬
‫تصحيحه الشيخان (‪)321‬‬

‫ويلزمها القضاء بعدد األيام التي أفطرت حين يتيسر لها ذلك ويزول عنها‬
‫الخوف كالمريض إذا برأ‪.‬‬
‫أن كل من جاز له الفطر بسببٍ مما تقدم فإنه ال ينكر‬
‫عليه إعالن فطره إذا كان سببه ظاهرا كالمريض والكبير الذي ال يستطيىع الصوم‪,‬‬
‫وأما إن كان سبب فطره خفيا كالحائض ومن أنقذ معصوما من هلكة فإنه يفطر سرا‬
‫وال يعلن فطره لئال يجر التهمة إلى نفسه‪ ,‬ولئال يغتر به الجاهل فيظن أن الفطر جائز‬
‫بدون عذر‪.‬‬
‫التي َّنى اهلل عنها‬ ‫ثم احذروا ‪ -‬رعاكم اهلل‪ -‬من الوقوع ِف‬
‫والتي تنايف القيام بشعرية الصيام كالجماع ‪,‬وهو أعظمها وأغلظها عقوبة‪.‬‬
‫فمتى جامع الصائم بطل صومه فرضا كان أو نفال‪ ,‬ثم إن كان في نهار رمضان‬
‫والصوم واجب عليه لزمه مع القضاء الكفارة المغلظة‪ ,‬وهي عتق رقبة مؤمنة‪ ,‬فإن لم‬
‫يجد فصيام شهرين متتابعين ال يفطر بينهما إال لعذر شرعي كأيام العيدين والتشريق‪,‬‬
‫أو لعذر حسي كالمرض والسفر لغير قصد الفطر‪ ,‬فإن أفطر لغير عذر ولو يوما‬
‫واحدا لزمه استئناف الصيام من جديد ليحصل التتابع‪ ,‬فإن لم يستطع صيام شهرين‬
‫‪515‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬إحتاف األنام بأحكام الصيام‬

‫عنوان‬
‫كيلو وعشرة غرامات من البر‬ ‫نصف‬
‫‪‬‬ ‫متتابعين فإطعام ستين مسكينا‪ ,‬لكل مسكين‬
‫الجيد ويجزئ الرز عن البر لكن تجب مالحظة الوزن‪ ,‬فإن كان الرز أثقل زيد في‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫وزنه بقدره‪ ,‬وإن كان أخف نقص من وزنه بقدره‪.‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫الثاني‪ :‬إنزال المني باختياره بتقبيل أو لمس أو استمناء أو غير ذلك؛ ألن هذا‬
‫من الشهوة التي ال يكون الصوم إال باجتنابها كما جاء في الحديث القدسي‪« :‬يدع‬
‫طعامه وشرابه وشهوته من أجلي» رواه البخاري‬
‫الثالث‪:‬األكل أو الشرب عمدا‪ ،‬وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى الجوف من‬
‫َ ُُ ْ‬
‫طريق الفم أو األنف أيا كان نوع المأكول أو المشروب‪ ,‬لقوله تعالى‪﴿ :‬وُكوا‬
‫ُ ذ َ ُّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك ُم ٱخلَي ُط ٱلَبيَ ُض م َِن َ‬
‫َ َ ُ ْ َ ذ َٰ َ َ َ ذ َ َ ُ‬
‫ٱخلي ِط ٱلس َودِ م َِن ٱلفج ِرن ثم أت ِموا‬ ‫وٱْشبوا حَّت يتبي ل‬
‫َ َ َ ذ‬
‫ل ﴾ [البقرة‪.]587 :‬‬‫ٱلصيام إِِل ِ‬
‫ٱْي‬ ‫ِ‬
‫‪:‬‬ ‫في حديث لقيط بن صبرة‬ ‫والدواء في األنف كاألكل والشرب لقوله‬
‫روا ه أهل السنن انظر املسك والرحيان فيام اتفق عىل تصحيحه‬ ‫«وبالﻎ في االستنشاق‪ ،‬إال أن تكون صائما»‬
‫الشيخان (‪.)151‬‬
‫فأما شم الروائح فال يفطر ألنه ليس للرائحة جرم يدخل إلى الجوف‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬ما كان بمعنى األكل والشراب وهو شيئان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬حقن الدم في الصائم مثل أن يصاب بنزيف فيحقن به دم فيفطر‬
‫بذلك؛ ألن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب‪ ,‬وقد حصل ذلك بحقن الدم فيه ‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪516‬‬
‫الشيء الثاني‪ :‬اإلبر المغذية التي يكتفى بها عن األكل والشرب فإذا تناولها‬
‫أفطر؛ ألنه وإن لم تكن أكال وشربا حقيقة‪ ,‬فإنها بمعناهما‪ ,‬فثبت لها حكمهما‪ ,‬فأما‬
‫اإلبر غير المغذية فإنها غير مفطرة سواء تناولها عن طريق العضالت أو عن طريق‬
‫العروق‪ ,‬حتى ولو وجد حرارتها في حلقه فإنها ال تفطر؛ ألنها ليست أكال وال شربا‬
‫وال بمعناهما فال يثبت لها حكمهما‪ ,‬وال عبرة بوجود الطعم في الحلق في غير‬
‫األكل والشرب‪,‬‬
‫اخلامس ‪ :‬التقيؤ عمدا وهو إخراج ما يف املعدة من طعام أو رشاب عن طريق‬
‫‪ « :‬من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا‬ ‫الفم ‪ ,‬لقول النبي‬
‫فليقض » رواه اْلمسة عن أيب هريرة‪ .‬الصحيحة (‪ ، )121‬ومعنى ذرعه ‪ :‬غلبه‪.‬‬

‫ويفطر إذا تعمد القيء إما بالفعل كعْص بطنه أو غمز حلقه ‪ ,‬أو بالشم مثل أن‬
‫يشم شيئا ليقيء به ‪ ,‬أو بالنظر كأن يتعمد النظر إىل يشء ليقيء به فيفطر بذلك كله ‪,‬‬
‫أما إذا حصل القيء بدون سبب منه فإنه ال يرض ‪ ,‬وإذا راجت معدته مل يلزمه منع‬
‫القيء ألن ذلك يرضه ‪ ,‬ولكن يرتكه فال احاول التقيؤ وال منعه ‪.‬‬
‫وهذه املفطرات وما كان ِف معناها إنام يبطل هبا الصوم ِف حق من عملها ذاكرا عاملا‬
‫خمتارا‪ ,‬أما الناِس واجلاهل واملكره فإنه ال يفسد صومه وعليه إمتام بقية اليوم ‪ ,‬ف َع ْن َأ ِِب‬
‫رش َب ‪َ ،‬ف ْل ُيتِ َّم‬
‫َس َو ُه َو َصائِ ٌم َف َأك ََل ‪َ ،‬أ ْو َ ِ‬‫ِ‬
‫‪َ « :‬م ْن ن َ‬ ‫هلل‬
‫ول ا ِ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫ُه َر ْي َر َة‬
‫َص ْو َم ُه َفإِن ََّام َأ ْط َع َم ُه ا ُ‬
‫هلل َو َس َقا ُه» متفق عليه ‪.‬‬
‫‪517‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬إحتاف األنام بأحكام الصيام‬
‫يف‬ ‫عنوان‬
‫والنفاس ‪ ,‬لقول النبي‬ ‫احليض‬
‫‪‬‬ ‫السادس‪ :‬وهو ا تعذر به املرأة خروج دم‬
‫املرأة ‪ « :‬أليس إذا حاضت م ت َُص ِّل و م ت َُص ْم ؟ » متفق عليه‪ ,‬فمتى رأت دم احليض أو‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫النفاس فسد صومها سواء يف أول النهار أم يف آخره ولو قبل الغروب بلحظة ‪ ,‬وإن‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أحست بانتقال الدم ومل يربز إال بعد الغروب فصومها صحيح ‪.‬‬
‫حافظوا عىل الطاعات‪ ,‬وجانبوا املعايص واملحرمات ‪ ,‬وابتهلوا إىل‬
‫فاطر األرض والساموات ‪ ,‬وتعرضوا لنفحات جوده فإنه جزيل اْلبات ‪ ,‬واعلموا أنه‬
‫ليس لكم من دنياكم إال ما أمضيتموه يف طاعة موالكم‪ ,‬فالغنيمة الغنيمة قبل فوات‬
‫األوان ‪ ,‬واملرابحة املرابحة قبل حلول اخلِسان ‪.‬‬
‫اللهم وفقنا الغتنام األوقات ‪ ,‬واشغلنا باألعامل الصاحلات ‪ ,‬اللهم ُجدْ علينا‬
‫يِسنا لليِسى ‪ ,‬وجنبنا‬
‫بالفضل واإلحسان ‪ ,‬وعاملنا بالعفو والغفران ‪ ,‬اللهم ِّ ْ‬
‫واألُ َ‬
‫وىل ‪ ,‬اللهم ارزقنا شفاعة نبينا وأوردنا حوضه ‪,‬‬ ‫العِسى ‪ ,‬واغفر لنا يف اآلخرة ْ‬
‫واسقنا منه رشبة ال نظمأ بعدها أبدا يا رب العاملني ‪ .‬اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪,‬‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬‫اللهم ِ‬

‫واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬ ‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫َ‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪518‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬‫يب الدعوات‪ .‬ال َّل ُه َّم َر َّبنَا آتنَا ِيف الدُّ ْن َيا َح َسنَة‪َ ,‬و ِيف ْاآلخ َرة َح َسنَة ‪َ ,‬وقنَا َع َذ َ‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬
‫النَّار‪.‬‬
‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫‪519‬‬ ‫خطبة بعنوان (أعظم الصائمني أجراً)‬

‫‪‬عنوان‬
‫البابه‪ ,‬ونعو ُذ‬
‫األول‪:‬باهلل من رشور أنفسنا‪ ,‬ومن‬ ‫ونستغفر‬
‫ُ‬ ‫إن احلمد هلل؛ نحمدُ ه‪ ,‬ونستعينُه‪,‬‬ ‫‪1‬‬
‫مضل له‪ ,‬و َمن يضلِ ْل؛ فال هادي له‪ ,‬وأشهد أن ال إله‬
‫س ِّيئات أعاملنا‪َ ,‬من هيده اهلل؛ فال َّ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أن حممدا عبدُ ه ورسو ُل ُه‬
‫رشيك له‪ .‬وأشهدُ َّ‬ ‫َ‬ ‫إال اهلل‪ ,‬وحدَ ه ال‬
‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ ذ ُ ذ َ ذ ُ َ َ َ َ ُ ُ ذ ذ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬
‫{ياأيها اَّلِين آمنوا اتقوا اّلل حق تقاتِهِ وَل تموتن إَِل وأنتم مسل ِمون}‬
‫َ َ‬ ‫ذ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ُ ذ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ ْ‬
‫اس ٱتقوا َر ذبك ُم ٱَّلِي خلقكم مِن نفس َوَٰح َِدة َوخل َق مِن َها‬ ‫يأيها ٱنل‬ ‫﴿ َٰٓ‬
‫َ َ َ َ ذ‬ ‫َ ٓ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ذ ُ َ َ ٗ َ ٗ َ َ ٓٗ َ ذ ُ ْ ذَ ذ‬
‫ام إِن‬ ‫ٱّلل ٱَّلِي ت َسا َءلون بِهِۦ وٱلرح‬ ‫زوجها وبث مِنهما رِجاَل كثِيا ون ِساء وٱتقوا‬
‫ذَ َ َ ََ ُ َ ٗ‬
‫ٱّلل َكن عليكم رق ِيبا ﴾ [النساء‪]5 :‬‬

‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ُ ُ ْ َ ٗ َ ٗ‬
‫﴿ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل وقولوا قوَل سدِيدا ‪ 70‬يصل ِح لكم‬
‫ً‬ ‫ذ َ َ َ ُ َُ َ َ َ َ َ ً َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َٰ َ ُ‬
‫أعملكم ويغفِر لكم ذنوبكم ومن ي ِطعِ ٱّلل ورسوَلۥ فقد فاز فوزا ع ِظيما ﴾‬
‫‪, 07‬‬
‫[االحزاب‪] ،07 :‬‬

‫َأ َّما َب ْعدُ ‪:‬‬


‫َاب اّلل ِ‪َ ,‬و َخ ْ َري ْاْلَدْ ِي َهدْ ُي ُحم َ َّم ٍد ‪ -‬صىل اهلل عليه وآله‬ ‫َفإِ َّن َخري ْ ِ ِ ِ‬
‫احلديث كت ُ‬ ‫َْ َ‬
‫اُتا‪َ ,‬وك َُّل ُحم ْدَ َث ٍة بِدْ َع ٌة‪َ ,‬وك َُّل بِدْ َع ٍة َض َ‬
‫ال َل ٌة‪.‬‬ ‫وسلم ‪َ ,-‬و َرش األُ ُم ِ‬
‫ور ُحم ْدَ َث ُ َ‬ ‫َّ‬
‫إن اهلل جعل شهر رمضان ميدانا للتنافس ومضامرا‬
‫للتسابق يف املتجر الرابح أال وهو العمل الصالح ‪..‬ملا يف هذا الشهر من الفضائل‬
‫والنفحات وفتح أبواب اجلنات وإغالق أبواب الدركات ‪..‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪551‬‬
‫ثم اعلموا‪-‬رعاكم اهلل‪ -‬أن أعظم الصائمني أجرا أكثرهم هلل ذكرا‪ ,‬كام أن أفضل‬
‫املصلني والقانتني واملتصدقني واحلجاج واملعتمرين والتالني والعاملني ‪ ..‬وأعظمهم‬
‫أجرا أكثرهم هلل ذكرا‪,‬‬
‫َّ‬
‫أن‬ ‫جلهني‪ ,‬عن رسول اهلل‬
‫روى اإلما ُم أمحد‪ ,‬والطرباين عن معاذ بن أنس ا ُ‬
‫أعظم أجرا يا رسول اهلل؟ فقال‪" :‬أكثرهم هلل ذكرا"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أي املجاهدين‬
‫رجال سأله فقال‪ُّ :‬‬
‫الصالة والزكاة‬ ‫أكثرهم أجرا؟ قال‪" :‬أكثرهم هلل ذكرا"‪ّ ,‬‬
‫ثم ذكر ّ‬ ‫الصائمني ُ‬
‫فأي ّ‬
‫فقال‪ُّ :‬‬
‫أكثرهم هلل ذكرا"‪ .‬فقال أبو بكر‬ ‫والصدقة‪ُّ ,‬‬
‫كل ذلك يقول رسول اهلل ‘‪ُ " :‬‬ ‫ّ‬ ‫واحلج‬
‫ّ‬
‫بكل خري‪ .‬فقال رسول اهلل ‘‪َ " :‬‬
‫أجل "‪.‬صالح‬ ‫ل ِ ُعمرريض اهلل عتهم‪ :‬ذهب ّ‬
‫الذاكرون ّ‬
‫لالحتجاج بشواهده‪.‬‬
‫َ ذ َ َ ٗ َ ذ َٰ َ َٰ َ َ ذ ذ ُ َ ُ ذ َ ٗ‬ ‫ذ‬
‫ت أعد ٱّلل لهم مغفِرة‬ ‫قال اهلل سبحانه ‪َ ﴿ :‬وٱلذَٰكِرِين ٱّلل كثِيا وٱلذكِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ ذَ َ ً َ ذ‬ ‫َ ذ‬ ‫ٗ‬ ‫ََ ً َ‬
‫ات } أي‪ :‬يف أكثر‬
‫وأجرا ع ِظيما﴾ [االحزاب‪ ]35 :‬وقوله‪{:‬واَّلاكِرِين اّلل كثِيا واَّلاكِر ِ‬
‫األوقات‪ ,‬خصوصا أوقات األوراد املقيدة‪ ,‬كالصباح واملساء‪ ,‬وأدبار الصلوات‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ذ ذُ َ‬
‫املكتوبات{أعد اّلل لهم} أي‪ْ :‬لؤالء املوصوفني بتلك الصفات اجلميلة‪ ,‬واملناقب‬
‫اجلليلة‪.‬‬
‫فجازاهم عىل عملهم " بِاملَْ ْغ ِف َر ِة " لذنوهبم‪ ,‬ألن احلسنات يذهبن السيئات‪.‬‬
‫ً‬ ‫ََ ْ ً َ‬
‫{وأجرا ع ِظيما} ال يقدر قدره‪ ,‬إال الذي أعطاه‪ ,‬ا ال عني رأت‪ ,‬وال أذن سمعت‪,‬‬
‫تفسري السعدي(ص‪)661 :‬‬ ‫وال خطر عىل قلب بش‪ ,‬نسأل اهلل أن جيعلنا منهم‪.‬‬
‫‪555‬‬ ‫خطبة بعنوان (أعظم الصائمني أجراً)‬
‫‪َ ‬ي ِس‬
‫عنوان ُري ِيف َط ِر ِيق َم َّك َة ‪َ ,‬ف َم َّر َع َىل‬ ‫هلل‬
‫ول ا ِ‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫َق َال ‪ :‬ك َ‬ ‫و َع ْن َأ ِِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ون َقا ُلوا ‪َ :‬و َما املُْ َف ِّر ُد َ‬
‫ان َس َب َق املُْ َف ِّر ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫َج َب ٍل ُي َق ُال َل ُه ُمجْدَ ُ‬
‫ون َيا‬ ‫مجدَ ُ‬‫ان َف َق َال ‪« :‬س ُريوا َه َذا ُ ْ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ات» رواه مسلم ‪ .‬فسامهم املفردين‪ :‬قال‬ ‫ِ‬
‫الذاك َر ُ‬ ‫ِ‬
‫ون اهللَ كَث ًريا َو َّ‬ ‫ِ‬
‫الذاك ُر َ‬‫ول اهللِ؟ َق َال ‪َّ :‬‬ ‫َر ُس َ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫ابن قتيبة‪ " :‬الذين هلك أقراهنم وانفردوا عنهم فبقوا يذكرون اهلل تعاىل‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪" :: ‬الفائدة الثانية والستون من فوائد ذكر اهلل أن عامل‬
‫اآلخرة كلهم يف مضامر السباق‪ ,‬والذاكرون هم أسبقهم يف ذلك املضامر‪ ,‬ولكن القرتة‬
‫والغبار يمنع من رؤية س ْب ِقهم‪ ,‬فإذا انجىل الغبار وانكشف رآهم الناس وقد حازوا‬
‫قصب السبق‪.‬‬
‫َ‬
‫قال بعض السل ‪ :‬إذا انكشف الغطاء للناس يوم القيامة عن ثواب أعامْلم مل‬
‫يروا عمال أفضل ثوابا من الذكر‪ ,‬فيتحِس عند ذلك أقوام فيقولون‪ :‬ما كان يشء أيِس‬
‫علينا من الذكر"‪.‬الوابل الصيب ص‪ 516 :‬ط العرِب)‬

‫فالذكر يوجب صالة اهلل ¸ ومالئكته عىل الذاكر‪ ,‬ومن صىل اهلل تعاىل عليه‬
‫َ َ‬
‫يأ ُّي َها ذٱَّل َ‬
‫ِين‬ ‫ومالئكته فقد أفلح كل الفالح وفاز كل الفوز‪ ,‬قال اهلل سبحانه‪َٰٓ ﴿ :‬‬
‫ُ ذ‬ ‫َ َ ُ ُ ُ َٗ ََ ً‬ ‫امنُوا ْ ٱذ ُك ُروا ْ ذ َ‬
‫ٱّلل ذِك ٗرا َكث ِ ٗ‬
‫ٱَّلي يُ َص ِل‬ ‫صيَل ‪ 42‬ه َو ِ‬ ‫يا ‪ 41‬وسبِحو بكرة وأ ِ‬
‫َء َ‬
‫ِي َرح ٗ‬
‫ِيما‬ ‫ٱلظلُ َمَٰت إ َِل ٱنلُّور َو ََّك َن بٱل ُمؤ ِمن َ‬
‫َ ُّ‬
‫ِن‬ ‫م‬ ‫م‬
‫َ َ ُ َ َ َ َٰٓ َ ُ ُ ُ َ ُ‬
‫ك‬ ‫عليكم وملئِكتهۥ ِْيخ ِرج‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪[ ﴾43‬االحزاب]‪ ,‬فهذه الصالة منه تبارك وتعاىل ومن مالئكته إنام هي سبب اإلخراج‬
‫ْلم من الظلامت إىل النور‪ ,‬فأي خري مل احصل ْلم‪ ,‬وأي رش مل يندفع عنهم؟ فيا حِسة‬
‫ص‪.)72 :‬‬ ‫الغافلني عن رهبم ماذا حرموا من خريه وفضله‪ .‬الوابل الصيب‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪552‬‬
‫ُ‬ ‫ودا َو َ َ َٰ‬
‫َع ُجنُوبِكم﴾‬
‫َ َ َ َ ُ ُ ذ َ َٰ َ َ ُ ُ ْ ذ َ َ َٰ ٗ َ ُ ُ ٗ‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬فإِذا قضيتم ٱلصلوة فٱذكروا ٱّلل ق ِيما وقع‬
‫[النساء‪]513‬‬

‫‪" :‬ال يفرض اهلل عىل عباده فريضة إال جعل ْلا حدًّ ا معلوما‪ ,‬ثم‬ ‫قال ابن عباس‬
‫غري الذكر‪ ,‬فإن اهلل مل جيعل له حدا ينتهي إليه‪ ,‬ومل يعذر أحدا‬ ‫ٍ‬
‫عذر أهلها يف حال عذر‪َ ,‬‬
‫يف تركه إال مغلوبا عىل عقله‪ ,‬فقال‪":‬فاذكروا اهلل قياما وقعودا وعىل جنوبكم"‪ ,‬أي‪:‬‬
‫بالليل والنهار‪ ,‬يف الرب والبحر‪ ,‬ويف السفر واحلرض‪ ,‬والغنى والفقر‪ ,‬والسقم‬
‫َ َ ُ‬
‫ت‬ ‫ضيَ ِ‬ ‫حال" ‪ .‬ولذلك قال اهلل ‪﴿ : ‬فإِذا ق ِ‬ ‫والصحة‪ ,‬والِس والعالنية‪ ,‬وعىل كل ٍ‬
‫ِّ‬
‫ذ َ ُُ ْ ذَ َ ٗ ذ ذ ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ذ َ َٰ ُ َ َ ُ ْ‬
‫يا ل َعلكم‬ ‫ّشوا ِف ٱلۡر ِض َوٱبتغوا مِن فض ِل ٱّلل ِ وٱذكروا ٱّلل كث ِ‬ ‫ٱلصلوة فٱنت ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تفل ُِحون ﴾ [اجلمعة‪ ]51 :‬تفسري الطربي ت شاكر ‪.)564 /9‬‬
‫َع ُجنُوب ِ ِهم‬ ‫ودا َو َ َ َٰ‬ ‫ذ َ َ ُ ُ َ ذ َ َ َٰ ٗ َ ُ ُ ٗ‬
‫وقال الرمحن واصفا أوىل األلباب‪ ﴿ :‬ٱَّلِين يذكرون ٱّلل ق ِيما وقع‬
‫ك فَقناَ‬ ‫َ ذ َ َ َ َ َ َ َٰ َ َ َٰ ٗ ُ َ َٰ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ون ف َخلق ذ َ َ‬ ‫ََََ ذ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ت وٱلۡر ِض ربنا ما خلقت هذا ب ِطَل سبحن‬ ‫ٱلسمَٰو َٰ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويتفكر‬
‫هلل كَثِريا َحتَّى‬ ‫ُون ا ْلعبدُ ِمن َّ ِ‬ ‫اب ٱنلذار ﴾ [ال عمران‪َ ]595 :‬قا َل ُ َ ِ‬ ‫َع َذ َ‬
‫ين ا ََّ‬ ‫الذاك ِر َ‬ ‫جماهدٌ ‪َ :‬ال َيك ُ َ ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ي ْذكُر اهللََّ َق ِائام و َق ِ‬
‫اعدا َو ُم ْض َط ِجعا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َ ْ ْ َ‬ ‫يا َو َسب ْح بالْ َ‬
‫ك َكث ِ ً‬‫َ ْ ُْ َذ َ‬
‫اْلبكارِ﴾ [آل عمران‪]45 :‬‬ ‫ِ ِ‬‫و‬ ‫ش‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ِ ِ‬ ‫وقال تعاىل‪﴿ :‬واذكر رب‬
‫وسئل الشيخ اإلمام أبو عمر بن الصالح ‪ ‬عن ال َقدْ ر الذي يصري به العبد من‬
‫الذاكرين اهلل كثريا والذاكرات ‪ ,‬فقال ‪" :‬إذا واظب عىل األذكار املأثورة املثبتة صباحا‬
‫ومساء يف األوقات واألحوال املختلفة ليال وهنارا ‪ -‬وهي مبينة يف كتاب عمل اليوم‬
‫األذكار للنووي ‪ -‬الفكر ص‪.)51 :‬‬ ‫والليلة ‪ -‬كان من الذاكرين اهلل كثريا والذاكرات ‪ ,‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪553‬‬ ‫خطبة بعنوان (أعظم الصائمني أجراً)‬
‫يف مرضاة‬ ‫‪‬عنوان‬
‫اهلل رب العاملني ‪..‬إن ُلب األعامل وروح العبادات وأساس كل خري يف الدنيا واآلخرة‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪..‬ذكر اهلل‪.‬‬
‫َاها ِعنْدَ‬‫ك‬ ‫ز‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫و‬ ‫ُم‬‫ك‬ ‫‪َ « :‬أ َال ُأ َنب ُئكُم بِخَ ِري َأعاملِ‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫‪‬‬ ‫سريتهن َأ ِِب الدَّ رد ِ‬
‫اء‬ ‫ع‬ ‫ف‬
‫يف‬
‫َ‬ ‫ِّ ْ ْ ْ َ ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ب َوا ْل َو ِر ِق ‪َ ،‬و َخ ْ ٌري َلك ُْم ِم ْن‬
‫الذ َه ِ‬
‫اق َّ‬ ‫َملِيكِك ُْم َو َأ ْر َف ِع َها ِِف َد َر َجاتِك ُْم ‪َ ،‬و َخ ْري َلك ُْم ِم ْن إِ ْن َف ِ‬
‫ٌ‬
‫ُض ُبوا َأ ْعنَا َقك ُْم ؟ " َقا ُلوا ‪َ :‬ب َىل ‪َ ،‬ق َال ‪ِ :‬ذك ُْر ا ِ‬
‫هلل‬ ‫َأ ْن َت ْل َق ْوا َعدُ َّوك ُْم َفت ْ ِ‬
‫َُض ُبوا َأ ْعنَا َق ُه ْم َو َي ْ ِ‬

‫رواه الرتمذي وغريه انظر املسك والرحيان فيما اتفق على تصحيحه الشيخان (‪. )629‬‬ ‫َت َع َاىل ‪».‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُُ ٓ َ ُ ُ‬
‫‪:‬‬ ‫ون أذكركم﴾ [البقرة‪ ]552 :‬وقال َر ُسول ا ِ‬
‫هلل‬ ‫وقال املوىل‪﴿ :‬فٱذكر ِ‬
‫ني َي ْذك ُُر ِين» متفق عليه‪ ,‬يقول ابن القيم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهللُ ¸ ‪َ :‬أنَا عنْدَ َظ ِّن َع ْبدي ِيب ‪َ ،‬و َأنَا َم َع ُه ح َ‬
‫« َي ُق ُ‬

‫الوابل‬ ‫‪" : ‬ولو مل يكن يف الذكر إال هذه الفائدة وحدها لكفى هبا فضال ورشفا"‪,‬‬
‫الصيب من الكلم الطيب (ص‪.)12 :‬‬

‫‪ :‬أي األعامل أفضل؟ فقال‪ :‬أما تقرأ القرآن؟! قال تعاىل‪:‬‬ ‫وقيل لسلامن‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُْ ذ َ ْ‬
‫﴿وَّلِكر اّلل ِ أكْب﴾ قال ابن زيد وقتادة‪ :‬معناه‪ ,‬ولذكر اهلل أكرب من كل يشء‪.‬‬
‫َأ َّن ُه َق َال ‪َ :‬ق َال‬ ‫ومن أعظم فضائل الذكر ومنافعه ما ثبت َعن مع ِ‬
‫اذ ْب ِن َج َب ٍل‬ ‫ْ َُ‬
‫اب اهللِ ِم ْن ِذك ِْر ا ِ‬
‫هلل»رواه أمحد‬ ‫‪َ « :‬ما َع ِم َل آ َد ِم ٌّي َع َم ًال َق ُّط َأن َْجى َل ُه ِم ْن َع َذ ِ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬
‫صحيح اجلامع (‪.)1611‬‬

‫فذكر اهلل راحة القلوب وشفاء الصدور وقوت األرواح كام قال تعاىل‪ ﴿ :‬ذٱَّل َ‬
‫ِين‬
‫ذ َ َ ُّ ُ ُ‬ ‫ذ ََ‬ ‫ُُ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫امنُوا َوتط َمئ ِ ُّن قلوبُ ُهم بِذِك ِر ٱّلل ِ أَل بِذِك ِر ٱّلل ِ تطمئِن ٱلقلوب ﴾ [الرعد‪]28 :‬‬
‫ُ‬ ‫ء‬
‫اخلدْ ِر ِّي َأ َّن َر ُجال َجا َء ُه َف َق َال ‪َ :‬أ ْو ِصنِي ‪َ ,‬ف َق َال ‪َ :‬س َأ ْل َت َع َّام َس َأ ْل ُت َعنْ ُه‬ ‫ِ ٍ‬
‫و َع ْن َأ ِِب َسعيد ْ ُ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪554‬‬
‫اجله ِ‬ ‫ِمن َقبلِ َك ‪ُ « ,‬أ ِ‬
‫اد‬ ‫َشء ‪َ ،‬و َع َل ْي َك بِ ِْ َ‬ ‫ْ‬
‫هلل َفإِ َّن ُه َرأ ُس ك ُِّل َ ْ‬ ‫يك بِ َت ْق َوى ا ِ‬ ‫وص َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫هلل‬
‫ول ا ِ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ك‬‫الس َام ِء َو ِذك ٌْر َل َ‬ ‫ك بِ ِذك ِْر اهللِ َوتِ َال َو ِة ا ْل ُق ْر ِ‬
‫آن َفإِ َّن ُه َر ْو ُح َك ِِف َّ‬ ‫َفإِ َّن ُه َر ْه َبانِ َّي ُة ْ ِ‬
‫اإل ْس َال ِم ‪َ ،‬و َع َل ْي َ‬
‫ض»رواه أمحد الصحيحة ‪. )555‬‬ ‫ِِف ْاألَ ْر ِ‬
‫ودنيانىىىىىىىىىىا بىىىىىىىىىىذكراه تطيىىىىىىىىىىب‬ ‫بىىىىىىىىذكر اهلل ترتىىىىىىىىاح القلىىىىىىىىوب‬

‫أنه قال ‪« :‬أحب األعامل إىل اهلل أن َتوت ولسانك‬ ‫عن النبي‬ ‫وعن معاذ‬
‫رطب من ذكر اهلل» رواه ابن حبان الرتغيب ‪.228/2‬‬

‫‪َ « :‬م َث ُل ا َّل ِذي َي ْذك ُُر َر َّب ُه َوا َّل ِذي الَ‬ ‫‪َ ,‬ق َال‪َ :‬ق َال النَّبِ ُّي‬ ‫و َع ْن َأ ِِب ُم َ‬
‫وسى‬
‫ت» رواه البخاري‪ ,‬و َعنْه أيضا ‪َ ,‬ع ِن النَّبِ ِّي‬ ‫احلي واملَي ِ‬
‫‪َ ,‬ق َال‪َ « :‬م َث ُل‬ ‫َي ْذك ُُر َر َّب ُه‪َ ،‬م َث ُل َ ِّ َ ِّ‬
‫يه‪ ،‬م َث ُل ا َْحلي واملَْي ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت» رواه مسلم‬ ‫ِّ َ ِّ‬ ‫ا ْل َب ْيت ا َّلذي ُي ْذك َُر اهللُ فيه‪َ ،‬وا ْل َب ْيت ا َّلذي َال ُي ْذك َُر اهللُ ف َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فجع َل َّ ِ‬
‫ب‬ ‫احل ِّي َوا ْل َغاف َل بِ َمن ِْز َلة املَْ ِّيت‪َ ,‬فت ََض َّم َن ال َّل ْف َظان‪َ :‬أ َّن ا ْل َق ْل َ‬
‫الذاك َر بِ َمن ِْز َلة ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ب َأ َّن‬ ‫َاحل ِّي ِيف ُب ُيوت ْاألَ ْح َياء‪َ ,‬وا ْل َغاف َل كَا َْمل ِّيت ِيف ُب ُيوت ْاألَ ْم َوات‪َ .‬و َال َر ْي َ‬ ‫الذاك َر ك ْ َ‬
‫ور‪ ,‬ك ََام ِق َيل‪:‬‬ ‫ات ِيف ا ْل ُق ُب ِ‬ ‫َاألَمو ِ‬ ‫ِ‬
‫وهب ْم ف َيها ك ْ ْ َ‬ ‫ور ل ِ ُق ُل ِ ِ‬
‫وهب ْم َو ُق ُل َ ُ‬ ‫ان ا ْل َغافِلِ َ‬
‫ني ُق ُب ٌ‬ ‫َأ ْبدَ َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ىىىىىىىىور ُق ُبى‬
‫ىىىىىىىىور‬ ‫َو َأ ْج َسىىىىىىىىا ُم ُه ْم َق ْبى‬
‫ىىىىىىىىل ا ْل ُق ُبى‬
‫َ‬ ‫ِِ‬ ‫ت ُق ُلى‬
‫ىىىىىىوهب ْم‬ ‫ىىىىىىو ُ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ان ِذ ْكى‬
‫ىىىىىىر اهللَِّ َمى‬ ‫َفن ِ ْسىىىىىىى َي ُ‬

‫ِ‬
‫ىىىىىوم ِه ْم‬ ‫ىىىىىة ِم‬
‫ٍ‬ ‫ىىىىىم ِيف َو ْح َش‬
‫ىىىىىىور ن ُُشىىىىىىور(‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ىىىىىىم َحتَّىىىىىىى الن ُُّش‬
‫ْ‬ ‫َو َلىىىىىى ْي َس َْل ُ‬
‫ىىىىىن ُج ُس‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َو َأ ْر َو ُ‬
‫اح ُه‬

‫(‪ِ)5‬ف مدارﺝ السالكني (‪.)152 /2‬‬


‫‪555‬‬ ‫خطبة بعنوان (أعظم الصائمني أجراً)‬

‫‪‬إنعنوان‬
‫الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إال‬ ‫قال ‪«:‬‬ ‫عن النبي‬ ‫وعن أِب هريرة‬
‫ذكر اهلل وما وااله وعاملا أو متعلام» ‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫رواه الرتمذي صحيح الرتغيب (‪.)53‬‬

‫هلل لِك َْو ِهنَا ُم ْب ِعدَ ة َع ِن اهللَِّ « َم ْل ُع ٌ‬


‫ون َما‬ ‫وض ٌة ِم َن ا َِّ‬‫و َق ْو ُل ُه «إِ َّن الدُّ ْن َيا َم ْل ُعو َن ٌة» َأ ْي َم ْب ُغ َ‬
‫هللِ‪َ ,‬وما َو َاال ُه» َأ ْي َأ َح َّب ُه اهلل ِم ْن َأ ْعام ِل ا ْل ِرب َو َأ ْف َع ِ‬
‫ال‬ ‫َّ‬ ‫ا‬ ‫ْر‬
‫ك‬ ‫‪َّ ‬ال ِ‬
‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬‫«‬ ‫هلل‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫سريتهي ِ ا ي ْش ِ‬
‫غ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫»‬ ‫ا‬‫يه‬ ‫يففِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫‪.)514 /6‬‬ ‫ا ْل ُق َر ِ‬
‫ب‪ .‬حتفة األحوذي‬

‫ول اهللِ ‪َ ,‬أ ْو ِصنِي ‪َ ,‬ف َق َال ‪« :‬ا ْع ُب ِد ا َ‬


‫هلل‬ ‫‪ُ :‬ق ْل ُت ‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫و َق َال ُم َعا ُذ ْب ُن َج َب ٍل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّك ت ََرا ُه ‪َ ،‬وا ْعدُ ْد َن ْف َس َك ِِف املَْ ْوتَى ‪َ ،‬وا ْذك ُِر ا َ‬
‫ك ََأن َ‬
‫جر»رواه‬ ‫هلل ¸ عنْدَ ك ُِّل َح َجر َوعنْدَ ك ُِّل َش َ‬
‫الطرباين ِف الكبري ‪.‬الصحيحة( ‪.)3151‬‬

‫ومن آثار احلكمة ِف فضل الذكر قول أِب بكر الصديق ‪" : ¢‬ذهب الذاكرون‬
‫شعب اإليامن للبيهقي (‪)158 /3‬‬ ‫اهلل باخلري كله"‬
‫وقال أبو الدرداء ‪" : ¢‬إن لكل يشء جالء وإن جالء القلوب ذكر اهلل عز و‬
‫شعب اإليامن للبيهقي ‪ -‬العلمية ‪)396 /5‬‬ ‫جل"‬
‫َ‬
‫اس﴾ [الناس‪:‬‬ ‫اس ٱخلَ ذن ِ‬ ‫ْش ٱل َوس َو ِ‬
‫يف َق ْوله تعاىل‪﴿ :‬مِن ِ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫و َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫اس‬
‫ب ا ْب ِن آ َد َم‪َ ,‬فإِ َذا َس َها َو َغ َف َل َو ْس َو َس‪َ ,‬وإِ َذا َذك ََر اهللََّ‬‫ان َجاثِ ٌم َع َىل َق ْل ِ‬ ‫‪َ ,]4‬ق َال‪َّ « :‬‬
‫الش ْي َط ُ‬
‫‪.)535 /7‬‬ ‫مصنف ابن أِب شيبة‬ ‫َخن ََس»‬
‫شعب اإليامن للبيهقي ‪.)455 /5‬‬ ‫قال ‪" :‬من أكثر ذكر اهلل برئ من النفاق"‬ ‫وعن كعب‬
‫وقال شيخ االسالم أمحد بن عبد احلليم قدس اهلل تعاىل روحه ‪" :‬الذكر للقلب مثل‬
‫الوابل الصيب ‪ -‬الكتاب العرِب ص‪)63 :‬‬ ‫املاء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فارق املاء ؟"‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪556‬‬
‫وقال العالمة ابن القيم ‪َ " : ‬ف َثبت بِ َام ذكر َأن َغا َية ْ‬
‫اخللق َو ْاألَمر َأن ُيذكر‬
‫َو َأن ُي ْشكر ُيذكر َف َال ُينسى و ُيشكر َف َال ُيكفر َو ُه َو ُس ْب َحا َن ُه َذاكر ٌ ملن ذكره َشاكر ملن‬
‫ص‪.)529 :‬‬ ‫الفوائد البن القيم‬ ‫شكره"‬
‫والذكر‬ ‫ِ‬
‫اآليات ّ‬ ‫بارك اهلل يل ولكم يف القرآن العظيم‪ ,‬ونفعني وإياكم بام فيه من‬
‫ِ‬
‫هبدي س ِّيد املرسلني وبقوله القويم‪ .‬أقول قويل هذا‪ ,‬وأستغفر اهلل‬ ‫احلكيم‪ ,‬ونفعنا‬
‫العظيم يل ولكم ولسائر املسلمني من ّ‬
‫كل ذنب‪ ,‬فاستغفرو ُه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬ ‫َ‬

‫اخلطبة الثانية ‪:‬‬


‫احلمد هلل الذي جعل ذكره قرة عيون املوحدين وخري زاد للمتقني‪ ,‬وبلسام جلراح‬
‫املصابني‪ ,‬وسهاما صائبة عىل الشياطني وامللحدين‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫رشيك له ويل الصاحلني‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله قدوة العاملني وإمام‬
‫الذاكرين صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫إن الغنيمة الباردة والوظيفة اليسرية عىل مجيع املسلمني واملسلامت‬
‫وعىل مجيع األحوال ويف مجيع األوقات‪..‬السيام يف هذا الشهر املبارك الذي تضاعف‬
‫فيه احلسنات وترفع فيه الدرجات وتقال فيه العثرات ْلو ذكر رب األرض‬
‫‪َ « :‬م ْن َع َج َز ِمنْك ُْم َع ِن‬ ‫ول اهللِ‬‫‪َ ,‬ق َال ‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫والساموات‪ ..‬ف َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫اس‬
‫ِ ِ‬ ‫ال َأ ْن ينْ ِف َقه وجبن ع ِن ا ْلعدُ و َأ ْن ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫جياهدَ ُه َف ْل ُيكْث ْر ذك َْر اهللِ» ‪.‬رواه‬
‫َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ال َّل ْي ِل َأ ْن ُيكَابِدَ ُه َو َبخ َل بِاملَْ ِ ُ ُ َ َ ُ َ َ‬
‫احلاكم وغريه انظر صحيح الرتغيب ‪.)5496‬‬
‫‪557‬‬ ‫خطبة بعنوان (أعظم الصائمني أجراً)‬
‫ٍ‬
‫عنوان‬
‫منحْصة يف التسبيح والتهليل‬ ‫غري‬
‫‪ُ ‬‬ ‫قال النووي ‪:‬اعلم أن فضيلة الذكر‬
‫ذاكر هلل تعاىل‪ ,‬كذا قاله‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫والتحميد والتكبري ونحوها‪ ,‬بل ُّ‬
‫عامل هلل تعاىل بطاعة فهو ٌ‬ ‫كل‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫سعيدُ بن ُجبري ‪ ‬وغريه من العلامء [األذكار للنووي ت األرنؤوط ص‪. ]9 :‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وأعظم الذكر ‪-‬يا عباد اهلل‪ -‬كلمة التوحيد "ال إله إال اهلل " فعن َجابِ َر ْب َن َع ْب ِد‬
‫هلل»رواه الرتمذي‬ ‫ول ‪َ « :‬أ ْف َض ُل ِّ‬
‫الذك ِْر َال إِ َل َه إِ َّال ا ُ‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫ول ‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫اهللِ‬
‫وغريه الصحيحة ‪.)5513‬‬
‫ي َأ ُّيهاَ‬
‫ومن أفضل الذكر وأعظمه أداء فريضة اهلل الصالة كام قال اهلل تعاىل ‪َٰٓ َ ﴿ :‬‬
‫ذ َ َ َ َ َ َٰ َ‬ ‫ُ َ َ َٰ ُ ُ َ َ ٓ َ َ َٰ ُ ُ َ‬ ‫ذ َ َ َ ْ َ ُ‬
‫امنُوا َل تل ِهكم أمولكم وَل أولدكم عن ذِكرِ ٱّلل ِ ومن يفعل ذل ِك‬ ‫ٱَّلِين ء‬
‫َ ُ ْ َ َٰٓ َ ُ ُ َ َٰ ُ َ‬
‫فأولئِك هم ٱلخ ِْسون ‪[ ﴾ 9‬املنافقون‪ ]9 :‬قال بعض املفرسين ‪ :‬املراد الصلوات‬
‫اخلمس‪ .‬وإن كانت أعم من ذلك‬
‫تفسري الطربي ت شاكر (‪.)135 /21‬‬

‫ذ َ َٰ َ‬ ‫َ‬ ‫ذ ٓ ََ ذُ َ ٓ َ ذ ٓ ََ۠ َ‬
‫ٱّلل َل إِل َٰ َه إَِل أنا فٱعبُد ِّن َوأق ِ ِم ٱلصلوة‬ ‫وقال اهلل سبحانه‪ ﴿ :‬إِن ِّن أنا‬
‫ي﴾ [طه‪ ]54 :‬أي‪ :‬أقم الصالة ألجل ذكرك إياي‪ ,‬ألن ذكره تعاىل أجل املقاصد‪,‬‬ ‫َِّلِكر ٓ‬
‫ِ‬
‫وهو عبودية القلب‪ ,‬وبه سعادته‪ ,‬فالقلب املعطل عن ذكر اهلل‪ ,‬معطل عن كل خري‪,‬‬
‫وقد خرب كل اخلراب‪ ,‬فشع اهلل للعباد أنواع العبادات‪ ,‬التي املقصود منها إقامة‬
‫ص‪.)513 :‬‬ ‫ذكره‪ ,‬وخصوصا الصالة‪ .‬تفسري السعدي‬

‫ومن أفضل الذكر الذي يتغذى به القلب وتعمر به األوقات وتستغل به األيام‬
‫ذ َ َ‬
‫املباركات تالوة القرآن كالم رب الربيات قال املوىل جل ذكره‪ ﴿ :‬إِنا ن ُن ن ذزنلَا ٱَّلِك َر‬
‫ذ َُ َ َ ُ َ‬
‫حَٰفِظون﴾ [احلجر‪ , ]9 :‬فهنيئ ًا ملن وفقه اهلل لتالوة هذا الكتاب املنزل من عند‬ ‫ِإَونا َلۥ ل‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪558‬‬
‫اهلل رب العاملني املحفوظ بحفظ اهلل املتني‪ ,‬فإن املسلم لينال من السعادة واحلفظ‬
‫والرعاية بقدر إقباله عىل هذا الذكر احلكيم‪.‬‬
‫بخري ا عليه الناس‬ ‫ٍ‬ ‫وقال اهلل تعاىل مبينا فضل أهل القرآن املنتفعني به‪ ,‬ومبشا ْلم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫يتنافسون ‪﴿ :‬إ ذن َما تُنذ ُِر َمن ذٱتبَ َع ٱَّلِك َر َو َخ ِ َ ذ َ َ‬
‫بن فبَ ِّش ُ ب ِ َمغفِ َرة‬‫ش ٱلرحمَٰن ب ِٱلغي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫يم﴾ [يس‪.]55 :‬‬ ‫وأجر كرِ ٍ‬
‫وهذا الشهر يا عباد اهلل شهر القرآن فأكثروا فيه من التالوة والتدبر فقد كان‬
‫القرآن يف رمضان ‪ ,‬ودارسه يف عام وفاته مرتني ‪,‬‬ ‫جربيل ‪ ‬يدارس النبي‬
‫خيتم القرآن الكريم كل يوم مرة ‪ ,‬وكان بعض السلف خيتم‬ ‫وكان عثامن بن عفان‬
‫يف قيام رمضان يف كل ثالث ليال ‪,‬‬
‫من أفضل الذكر الذي يستحب اإلكثار منه السيام يف‬
‫َ َ ََ َ‬
‫هذه األيام الفاضلة الدعاء وما أدراكم ما الدعاء ؟! قال اهلل ¸‪ِ﴿ :‬إَوذا سألك‬
‫َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ُ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫َ َ َ ٌ ُ ُ َ ََ‬ ‫َ‬
‫جيبوا ِِل وْيؤمِنوا ِِب‬
‫جيب دعوة ٱدلاع إِذا دَع ِنن فليست ِ‬
‫عِبادِي ع ِّن فإ ِ ِّن قرِيب أ ِ‬
‫ََذُ َ ُ ُ َ‬
‫لعلهم يرشدون﴾ [البقرة‪]586 :‬‬

‫وهذه اآلية الكريمة أنزْلا اهلل بني آيات صيام رمضان إشارة إىل استجابة الدعاء‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫يف شهر الصيام واألدلة يف استجابة دعاء الصائم كثرية وقال تعاىل ‪َ ﴿ :‬وقال َر ُّبك ُم‬
‫ْ‬ ‫ََْ ْ َ ُ‬ ‫ادْ ُ‬
‫جب لكم ﴾ [غافر‪] 61 :‬‬ ‫ون أست ِ‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫رواه احلاكم‪ .‬انظر الصحيحة (‪.)5151‬‬
‫أنه قال‪« :‬أفضل العبادة الدعاء»‬ ‫عن النبي‬ ‫وعن ابن عباس‬
‫‪559‬‬ ‫خطبة بعنوان (أعظم الصائمني أجراً)‬
‫ُ‬
‫الرجل‬ ‫عنوان‬
‫كريم‪َ ،‬ي ْستَحيي إذا َرفع‬ ‫ح ِي ٌّي‬
‫إن اهلل َ‬
‫‪‬‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل « َّ‬ ‫وعن سلامن‬
‫إليه يدَ يه أن ير َّدمها ِص ْفر ًا خائبتني»‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫رواه أبو داود صحيح الرتغيب والرتهيب (‪.)5351‬‬

‫أنه قال ‪« :‬ثالثة ال يرد اهلل دعاءهم‪ :‬الذاكر اهلل‬ ‫عن النبي‬ ‫وصح عن أِب هريرة‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫كثري ًا‪ ،‬ودعوة املظلوم‪ ،‬واإلمام املقسط» أخرجه الزبار انظر الصحيحة (‪.)5553‬‬

‫‪َ ,‬ق َال‪:‬‬ ‫ومن أفضل أنواع الذكر الباقيات الصاحلات‪ :‬ف َع ْن َس ُم َر َة ْب ِن ُجنْدَ ٍ‬
‫ب‬
‫احل ْمدُ هللَِِّ‪َ ،‬و َال إِ َل َه إِ َّال‬ ‫ب ا ْلك ََال ِم إِ َىل اهللِ َأ ْر َب ٌع‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫ان اهللِ‪َ ،‬و َْ‬ ‫ول اهللِ ‪َ « " :‬أ َح ُّ‬ ‫َق َال َر ُس ُ‬
‫ُض َك بِ َأ ِّهيِ َّن َبدَ ْأ َت »رواه مسلم‪.‬‬ ‫ْرب‪َ .‬ال َي ُ ُّ‬
‫َ‬
‫اهللُ‪َ ،‬واهللُ أك َ ُ‬
‫الليل أن‬ ‫‪« :‬من هال ُه ُ‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫وهكذا صح عن أِب أمامة‬
‫(سبحان اهلل‬
‫َ‬ ‫العدو أن يقات َله‪َ ،‬ف ْل ُيكْثِ ْر ِم ْن‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫باملال أن ُينف َقه‪ ،‬أو َج ُب َن عن‬ ‫بخل‬‫يكابِدَ ه‪ ،‬أو ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ه ِف سبيل اهللِ ¸»‪ .‬رواه والطرباين انظر صحيح الرتغيب‬ ‫أحب إىل اهلل من َج َب ِل َذ َهب ينفق ُ‬
‫ُّ‬ ‫وبحمده)؛ فإَّنا‬
‫(‪.)3113‬‬

‫أن النبي‬ ‫وهذه أربع كلامت أعظم من عمل ساعات ‪َ :‬ع ْن ُج َو ْي ِر َي َة‪,‬‬
‫الص ْب َح‪َ ,‬و ِه َي ِيف َم ْس ِج ِد َها‪ُ ,‬ث َّم َر َج َع َب ْعدَ َأ ْن َأ ْض َحى‪,‬‬ ‫ني َص َّىل ُّ‬ ‫َخ َر َج ِم ْن ِعن ِْد َها ُبك َْرة ِح َ‬
‫ُك َع َل ْي َها؟» َقا َل ْت‪َ :‬ن َع ْم‪َ ,‬ق َال‬ ‫ال ا َّلتِي َفار ْقت ِ‬‫ت َع َىل ا ْحل ِ‬ ‫و ِهي جالِس ٌة‪َ ,‬ف َق َال‪« :‬ما ِز ْل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ت ُمن ُْذ ا ْل َي ْو ِم‬‫َت بِام ُق ْل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت َب ْعدَ ِك َأ ْر َب َع كَلِ َامت‪َ ،‬ث َال َ‬‫النَّبِ ُّي ‪َ " :‬ل َقدْ ُق ْل ُ‬
‫ث َم َّرات‪َ ،‬ل ْو ُوزن ْ َ‬
‫ان اهللِ َوبِ َح ْم ِد ِه‪َ ،‬عدَ َد َخ ْل ِق ِه َو ِر َضا َن ْف ِس ِه َو ِز َن َة َع ْر ِش ِه َو ِمدَ ا َد كَلِ َامتِ ِه‬ ‫َل َو َز َنت ُْه َّن‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫"‪،‬رواه مسلم‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪521‬‬
‫ومن أعظم الذكر الذي ينال به كنز اجلنة وتذلل به الصعاب ويفزع إليه عند‬
‫أنه قال ‪َ « :‬يا َع ْبدَ اهللَِّ ْب َن‬ ‫عن النبي‬ ‫الشدائد الصالب ما صح عن أِب موسى‬
‫اجلن َِّة» متفق عليه‪.‬‬ ‫َق ْيس‪ُ ،‬ق ْل الَ َح ْو َل َوالَ ُق َّو َة إِ َّال بِاهللَِّ‪َ ،‬فإِ ََّّنَا َكنْ ٌز ِم ْن ُكن ِ‬
‫ُوز َ‬
‫َ ْ‬
‫ومن أعظم الذكر الدعوة إىل اهلل والداللة عىل اخلري قال تعاىل‪َ {:‬و َم ْن أح َس ُن‬
‫ي}[فصلت‪.]33 :‬‬ ‫اْلا َوقَ َال إنذّن م َِن ال ْ ُم ْسلِم َ‬
‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ص‬
‫ًَْ ذ ْ َ َ َ ذ‬
‫اّلل ِ َو َعم َل َ‬ ‫قوَل مِمن دَع إِِل‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أنه قال ‪َ «:‬م ْن َد َّل َع َىل َخ ْري َف َل ُه‬ ‫عن النبي‬ ‫ار ِّي‪,‬‬ ‫و َعن َأ ِِب مسع ٍ‬
‫ود ْاألَن َْص ِ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫اعلِ ِه»رواه مسلم‪.‬‬ ‫ِم ْث ُل َأج ِر َف ِ‬
‫ْ‬
‫كل بام يستطيع بلسانه أو بعمله أو بامله أو‬ ‫والدعوة إىل اهلل واجب كل مسلم ٌ‬
‫َع ِن النَّبِ ِّي‬ ‫َس ْب ِن َمال ِ ٍك‪,‬‬
‫بجاهه ومشورته أو بأخالقه وحسن معاملته ف َع ْن َأن ِ‬
‫ار ِه ‪ -‬ما ُحيِ ِ ِ ِ‬ ‫َق َال‪َ « :‬ال ي ْلؤ ِمن َأحدُ كُم حتَّى ُحيِ ِ ِ ِ‬
‫ب لنَ ْفسه»متفق عليه‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ب ألَخيه ‪َ -‬أ ْو َقا َل‪َِ :‬جل ِ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ُ َ ْ َ‬
‫ومن أفضل األذكار أهيا األبرار االستغفار آناء الليل وأطراف النهار ف َع ْن َع ْب ِد‬
‫‪ُ « :‬طو َبى َمل ِ ْن َو َجدَ ِِف كِتَابِ ِه ْاستِ ْغ َف ًارا كَثِ ًريا»‬ ‫هلل‬ ‫‪َ ,‬ق َال ‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول ا ِ‬ ‫ِس‬‫اهللِ ْب ِن ُب ْ ٍ‬
‫رواه الرتمذي‪ .‬انظر املسك والراحان فيام اتفق عىل تصحيحه الشيخان ‪.)492‬‬

‫ومن أعظم الذكر –يا عباد اهلل‪ -‬حسن التعامل مع الوالدين واألقربني ومجيع‬
‫قال‪« :‬إِ َّن املُْ ْلؤ ِم َن َل ُيدْ ِر ُك بِ ُح ْس ِن ُخ ُل ِق ِه‬
‫أنه ُ‬ ‫عن النبي‬ ‫املسلمني ف َع ْن َع ِائ َش َة‬
‫م» رواه داود [صحيح الرتغيب والرتهيب ‪.]2645‬‬ ‫الصائِ ِم ا ْل َقائِ ِ‬
‫َد َر َج َة َّ‬
‫جعلنا اهلل وإياكم من الذاكرين الشاكرين وغفر لنا ولكم وآلبائنا وأمهاتنا‬
‫وأزواجنا وذرياتنا وللمسلمني أمجعني‪.‬‬
‫‪525‬‬ ‫خطبة بعنوان (أعظم الصائمني أجراً)‬
‫اللهم أعنا عىل ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ‪,‬اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪,‬‬ ‫‪‬عنوان‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫اللهم ِ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬ ‫املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬ ‫‪‬‬ ‫اللهم أصلِ‬ ‫يف سريته‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أحوال‬ ‫ح‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪ ,‬واغفر لنا‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫قريب‬
‫ٌ‬ ‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب النَّار‪.‬‬‫يب الدعوات‪ .‬ال َّل ُه َّم َر َّبنَا آتنَا ِيف الدُّ ْن َيا َح َسنَة‪َ ,‬و ِيف ْاآلخ َرة َح َسنَة ‪َ ,‬وقنَا َع َذ َ‬
‫ُجم ُ‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪522‬‬

‫ونستغفره‪ ,‬ونعو ُذ باهلل من رشور أنفسنا‪ ,‬ومن‬


‫ُ‬ ‫إن احلمد هلل؛ نحمدُ ه‪ ,‬ونستعينُه‪,‬‬
‫مضل له‪ ,‬و َمن يضلِ ْل؛ فال هادي له‪ ,‬وأشهد أن ال إله‬
‫س ِّيئات أعاملنا‪َ ,‬من هيده اهلل؛ فال َّ‬
‫أن حممدا عبدُ ه ورسو ُل ُه‬‫رشيك له‪ .‬وأشهدُ َّ‬
‫َ‬ ‫إال اهلل‪ ,‬وحدَ ه ال‬
‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ ذ ُ ذ َ ذ ُ َ َ َ َ ُ ُ ذ ذ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬
‫{ياأيها اَّلِين آمنوا اتقوا اّلل حق تقاتِهِ وَل تموتن إَِل وأنتم مسل ِمون}‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ُ ذ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ‬
‫اس اتقوا َر ذبك ُم اَّلِي خلقك ْم م ِْن نف ٍس َواح َِد ٍة َوخل َق مِن َها‬ ‫{ياأيها انل‬
‫َ َْْ َ َ ذ‬ ‫ََ َُ َ‬ ‫ذَ ذ‬ ‫َْ َ َ ََ ذ ُْ َ َ ً َ ً َ َ ً ذُ‬
‫ام إِن‬ ‫اءلون بِهِ والرح‬ ‫اّلل اَّلِي تس‬ ‫اء َواتقوا‬ ‫زوجها وبث مِنهما رِجاَل كثِيا ون ِس‬
‫ذَ َ َ َ َْ ُ‬
‫ك ْم َرقِيبًا}‬ ‫اّلل َكن علي‬
‫ُ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َ ُ‬
‫كمْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ذَ َُ ُ ًَْ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ ذ ُ‬
‫{ياأيها اَّلِين آمنوا اتقوا اّلل وقولوا قوَل سدِيدا ‪ 70‬يصل ِح لكم أعمال‬
‫از فَ ْو ًزا َع ِظ ً‬
‫يما}‪،‬‬ ‫اّلل َو َر ُس َ ُ‬
‫وَل َف َق ْد فَ َ‬ ‫ََ ْ ْ َ ُ ْ ُُ َ ُ‬
‫ك ْم َو َم ْن ي ُ ِطعِ ذ َ‬ ‫ويغفِر لكم ذنوب‬
‫َأ َّما َب ْعدُ ‪:‬‬
‫َاب اهللِ‪َ ,‬و َخ ْ َري ْاْلَدْ ِي َهدْ ُي ُحم َ َّم ٍد ‪ -‬صىل اهلل عليه وآله‬ ‫َفإِ َّن َخري ْ ِ ِ ِ‬
‫احلديث كت ُ‬ ‫َْ َ‬
‫ال َل ٍة ِِف‬ ‫اُتا‪َ ,‬وك َُّل ُحم ْدَ َث ٍة بِدْ َع ٌة‪َ ,‬وك َُّل بِدْ َع ٍة َض َ‬
‫ال َل ٌة‪َ ,‬وك َُّل َض َ‬ ‫وسلم‪َ ,-‬و َرش األُ ُم ِ‬
‫ور ُحم ْدَ َث ُ َ‬ ‫َّ‬
‫الن َِّار‪.‬‬
‫إن من أعظم فضائل هذا الشهر املبارك أنه شهر اجلود واإلحسان‬
‫جيود اهلل فيه عىل عباده بأنواع من النفحات ويفتح ْلم أبواب اجلنات ويضاعف ْلم‬
‫احلسنات ويرفع ْلم الدرجات ويكفر عنهم السيئات وقد ثبت عن أنس بن مالك‬
‫أنه قال ‪ « :‬افعلوا اْلري دهركم ‪ ،‬و تعرضوا لنفحات رمحة اهلل ‪ ،‬فإن‬ ‫عن النبي‬
‫‪523‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر اجلود واإلحسان)‬

‫‪‬وعنوان‬
‫سلوا اهلل أن يسرت عوراتكم و أن‬ ‫هلل نفحات من رمحته يصيب هبا من يشاء من عباده‬
‫يلؤمن روعاتكم »‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫رواه الطرباين انظر الصحيحة ‪.)5891‬‬

‫فاهلل جل وعال هو اجلواد وهو احب اجلود وأهل اجلود فعن سعد بن أِب‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أنه قال ‪« :‬إن اهلل كريم حيب الكرماء جواد حيب َ‬
‫اجل َو َدة‬ ‫قاص‪ ‬عن النبي‬
‫رواه ابن عساكر والضياء انظر حديث رقم ‪ِ )3855(:‬ف صحيح اجلامع‪.‬‬ ‫حيب معاِل األخالق ويكره سفسافها»‬
‫وتأملوا ‪-‬رمحكم اهلل‪ -‬يف ُم َت َع َّلق جود اهلل الفياض كام يف حديث أِب َذ ٍّر‬
‫َعن النَّبِي فِيام روى َعن اهللَِّ َتبار َك و َتع َاىل َأ َّنه َقال‪ ... «:‬يا ِعب ِ‬
‫ادي َل ْو َأ َّن‬ ‫الغفاري‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ َ َ َ‬ ‫ْ‬
‫آخركُم وإِنْسكُم و ِجنَّكُم َقاموا ِِف ص ِعيد و ِ‬
‫احد َف َس َأ ُل ِ‬
‫وين َف َأ ْع َط ْي ُ‬ ‫ِ‬
‫ت ك َُّل إِن َْسان‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َأ َّو َلك ُْم َو َ ْ َ َ ْ َ‬
‫َم ْس َأ َل َت ُه َما َن َق َص َذلِ َك ِممَّا ِعن ِْدي إِ َّال ك ََام َينْ ُق ُص ا ْملِخْ َي ُط إِ َذا ُأ ْد ِخ َل ا ْل َب ْح َر‪ » ...‬رواه مسلم‪.‬‬
‫فاهلل سبحانه هو أجود األجودين‪ ,‬وجوده يتضاعف يف أوقات خاصة كشهر‬
‫َ‬ ‫يب أُج ُ‬
‫يب َد ْع َوةَ ذ‬
‫ادل ِ‬ ‫َ َ ََ َ‬
‫ك ع َِبادِي َعّن فَإّن قَر ٌ‬
‫اع إِذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫رمضان‪ ,‬وفيه أنزل‪ِ﴿ :‬إَوذا سأل‬
‫َ‬
‫د ََع ِن﴾ [البقرة‪.]586:‬‬
‫اجلنان وعتق‬‫ومن سابغ جود اهلل وعظيم كرمه تفضله يف هذا الشهر بفتح أبواب ِ‬

‫َان َأ َّو ُل َل ْي َلة ِم ْن َر َم َض َ‬


‫ان‬ ‫قال ‪« :‬إِ َذا ك َ‬ ‫عباده من النريان فقد ثبت عند الرتمذي أنه‬
‫ت‬ ‫اب ‪َ ،‬و ُفتِ َح ْ‬ ‫ِ‬ ‫اب الن ِ‬
‫َّار ‪َ ،‬ف َل ْم ُي ْف َت ْح من َْها َب ٌ‬ ‫ت َأ ْب َو ُ‬ ‫ني َم َر َد ُة ِْ‬
‫اجل ِّن‪َ ،‬و ُغ ِّل َق ْ‬ ‫ت َّ ِ‬
‫الش َياط ُ‬
‫ص ِّفدَ ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫اغ َي َْ ِ َ‬ ‫َادي منَاد‪ :‬يا ب ِ‬ ‫َان ‪َ ،‬ف َلم ي ْغ َل ْق ِمنْها باب‪،‬وين ِ‬ ‫اجلن ِ‬ ‫اب ِْ‬
‫اْل ْري أ ْقبِ ْل‪َ ،‬و َيا َباغ َي َّ ِّ‬
‫الرش‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ٌ َُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َأ ْب َو ُ‬
‫ُل َل ْي َلة» صحيح اجلامع ‪ )759‬عن أِب هريرة‪.‬‬ ‫لك ك ُّ‬ ‫اء ِم ْن الن ِ‬
‫َّار‪َ ،‬و َذ َ‬ ‫َص‪َ ،‬وهللَِّ ُع َت َق ُ‬
‫َ ِ‬
‫أ ْق ْ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪524‬‬
‫وقد جبل اهلل تعاىل نبيه عىل أكمل األخالق وأجودها وأعالها‪ ,‬ف َع ِن ا ْب ِن‬
‫ان‪،‬‬ ‫ُون ِِف َر َم َض َ‬‫َان َأ ْج َو ُد َما َيك ُ‬ ‫َأ ْج َو َد الن ِ‬
‫َّاس َوك َ‬ ‫ول اهللَِّ‬‫َان َر ُس ُ‬‫َق َال‪« :‬ك َ‬ ‫اس‬‫َع َّب ٍ‬

‫هلل‬
‫ول ا َِّ‬‫آن‪َ ،‬ف َل َر ُس ُ‬ ‫َان َي ْل َقا ُه ِِف ك ُِّل َل ْي َلة ِم ْن َر َم َض َ‬
‫ان َف ُيدَ ِار ُس ُه ا ْل ُق ْر َ‬ ‫يل‪َ ،‬وك َ‬‫ني َي ْل َقا ُه ِج ْ ِرب ُ‬‫ح َ‬
‫ِ‬

‫الريحِ املُْ ْر َس َل ِة» رواه البخاري‪ .‬وعند أمحد ِف آخر احلديث‪« :‬كان َال‬ ‫َأجود بِ َْ ِ‬
‫اْل ْ ِري م ْن ِّ‬ ‫ْ َ ُ‬
‫َشء إِ َّال َأ ْع َطا ُه»‪.‬‬ ‫َ‬
‫ُي ْسأ ُل َع ْن َ ْ‬
‫باْلري وبني أجودية الريح املرسلة أن املراد‬ ‫ووجه التشبيه بني أجوديته‬
‫بالريح ريح الرمحة التي يرسلها اهلل تعاىل إلنزال الغيث العام‪ ..‬فيعم خريه وبره كل‬
‫الناس‪ ,‬الفقري منهم والغني‪ ,‬الرب والفاجر‪.‬‬
‫َّاس َو َأ ْج َو َد الن ِ‬
‫َّاس»‬ ‫َّاس َو َأ ْش َج َع الن ِ‬
‫َأ ْح َس َن الن ِ‬ ‫َان النَّبِ ُّي‬
‫َق َال‪« :‬ك َ‬ ‫و َع ْن َأن ٍ‬
‫َس‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫بجميع أنواع اجلود من بذل العلم واملال‪ ,‬وبذل نفسه هلل تعاىل‬ ‫وكان جوده‬
‫يف إظهار دينه‪ ,‬وهداية عباده‪ ,‬وإيصال النفع إليهم بكل طريق‪ ,‬من إطعام جائعهم‬
‫عىل هذه اخلصال احلميدة منذ‬ ‫ووعظ جاهلهم وقضاء حوائجهم‪ ,‬ومل يزل النبي‬
‫َّك َلت َِص ُل‬
‫يك اهلل َأ َبدا‪ ,‬إِن َ‬ ‫نشأ‪ ,‬وْلذا قالت له خدجية يف أول مبعثه‪َ « :‬ك َّال َواهللَِّ َما ُخي ِْز َ‬
‫احل ِّق» متفق‬‫ب َْ‬ ‫ني َع َىل ن ََو ِائ ِ‬
‫ف َوت ُِع ُ‬ ‫ب املَْ ْعدُ و َم َو َت ْق ِري َّ‬
‫الض ْي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرح َم َو َ ْحتم ُل ا ْلك ََّل َو َتكْس ُ‬
‫َّ‬
‫عليه‪.‬‬
‫ثم تزايدت هذه اخلصال فيه بعد البعثة وتضاعفت أضعافا كثرية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لقىىىىىبض مل ُجتبىىىىىه أناملىىىىىه‬ ‫تعىىىود بسىىىط الكى ِ‬
‫ىىف حتىىىى لىىىو انىىىه ثناهىىىىىا‬ ‫ّ ْ‬
‫‪525‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر اجلود واإلحسان)‬

‫كأنىىىكعنوان‬
‫تعطيىىىه الىىىذي أنىىىت سىىىائله‬ ‫‪‬‬ ‫تىىىىىىراه إذا مىىىىىىا جئتىىىىىىه مىىىىىىتهلال‬

‫األول‪:‬‬
‫املعىىىىروف واجلىىىىود سىىىىاحله‬ ‫الباب‬
‫جتىىىىه‬ ‫‪1‬‬
‫هىىىو البحىىىر مىىىن أي النىىىواحي أتيتىىىه ف ُل‬

‫جلىىىىىىاد هبىىىىىىا فليتىىىىىىق اهلل سىىىىىىائله‬ ‫‪‬‬


‫غىىىري روحىىىه‬ ‫سريتهيكىىىن يف كفىىىه‬ ‫يف‬
‫ولىىىو مل‬

‫كله هلل ويف ابتغاء مرضاته فإنه كان يبذل املال إما لفقري أو حمتاج‬ ‫وكان جوده‬
‫أو ينفقه يف سبيل اهلل أو يتألف به عىل اإلسالم من يقوى اإلسالم بإسالمه‪ ,‬وكان يؤثر‬
‫عىل نفسه وأهله وأوالده فيعطي عطاء يعجز عنه امللوك مثل كِسى وقيْص ويعيش يف‬
‫نفسه عيش الفقراء فيأي عليه الشهر والشهران ال يوقد يف بيته نار‪ ,‬وربام ربط عىل بطنه‬
‫سبي مرة فشكت إليه فاطمة ما تلقى من خدمة البيت‬
‫احلجر من اجلوع‪ ,‬وكان قد أتاه ٌ‬
‫وطلبت منه خادما يكفيها مؤنة بيتها فأمرها أن تستعني بالتسبيح والتكبري والتحميد‬
‫وَّنُ ْم ِم َن ُْ‬
‫اجلو ِ‬
‫ع » مسند أمحد ‪-‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عند نومها وقال‪َ « :‬ال ُأ ْعطيك ُْم َو َأ َد ُع َأ ْه َل ُّ‬
‫الص َّفة َت ْط َوى ُب ُط ُ‬
‫قرطبة (‪ )51 /3‬وقال األلباين سنده صحيح وقال شعيب األرنلؤوط‪ :‬إسناده قوي‪.‬‬

‫يتضاعف يف شهر رمضان عىل غريه من الشهور كام أن جود‬ ‫وكان جوده‬
‫ربه تضاعف فيه أيضا فإن اهلل جبله عىل ما احبه من األخالق الكريمة وكان عىل ذلك‬
‫من قبل البعثة‪.‬‬
‫ِف شهر رمضان فوائد كثرية‪:‬‬ ‫جوده‬ ‫وِف تضاع‬
‫منها‪ :‬رشف الزمان ومضاعفة األجر فيه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬إعانة الصائمني والقائمني والذاكرين عىل طاعتهم هلل تعاىل‪ ,‬فيستوجب‬
‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫اجل َهنِ ِّي‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫املعني ْلم مثل أجرهم كام صح َع ْن َز ْيد ْب ِن َخالد ْ ُ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪526‬‬
‫ِ‬ ‫َان َل ُه ِم ْث ُل َأ ْج ِر ِه غَ ْ َري َأ َّن ُه َال َينْ ُق ُص ِم ْن‬
‫‪َ « :‬م ْن َف َّط َر َصائِ ًام ك َ‬
‫م َش ْيئًا» رواه‬ ‫َأ ْج ِر َّ‬
‫الصائ ِ‬ ‫اهللَِّ‬
‫الرتمذي وغريه انظر صحيح الرتغيب (‪.)3552‬‬
‫اجلن َِّة ُغر ًفا تُرى ُظهورها ِمن ب ُط ِ‬
‫وَّنَا‬ ‫‪« :‬إِ َّن ِِف َْ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال النَّبِ ُّي‬ ‫وعن عيل‬
‫ُ ُ َ ْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ايب َف َق َال‪ :‬ملَ ِ ْن ِه َي َيا َر ُس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهللِ؟ َق َال‪ :‬ملَ ْن َأ َط َ‬
‫اب ا ْلك ََال َم ‪،‬‬ ‫َ‬
‫وَّنَا م ْن ُظ ُهور َها َف َقا َم أ ْع َر ِ ٌّ‬ ‫َو ُب ُط ُ‬
‫ِ‬
‫َّاس ن َيا ٌم» رواه الرتمذي حسن املشكاة (‪.)2111‬‬ ‫الص َيا َم ‪َ ،‬و َص َّىل بِال َّل ْي ِل َوالن ُ‬ ‫َو َأ ْط َع َم ال َّط َعا َم ‪َ ،‬و َأ َدا َم ِّ‬
‫ومنها‪ :‬أن شهر رمضان شهر جيود اهلل فيه عىل عباده بالرمحة واملغفرة والعتق من‬
‫‪« :‬إنام يرحم‬ ‫النار ال سيام يف ليلة القدر واهلل تعاىل يرحم من عباده الرمحاء كام قال‬
‫اهلل من عباده الرمحاء» رواه الطرباين ِف الكبري عن جرير ‪ ،‬انظر حديث رقم ‪ِ 2183 :‬ف صحيح اجلامع‪.‬‬

‫فمن جاد عىل عباد اهلل جاد اهلل عليه بالعطاء والفضل‪ ,‬واجلزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن اجلمع بني الصيام والصدقة من موجبات اجلنة‪ ,‬كام ثبت يف‬
‫‪َ « :‬م ْن َأ ْص َب َح ِمنْك ُْم ا ْل َي ْو َم‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهللَِّ‬ ‫الصحيحني‪َ ,‬ع ْن َأ ِِب ُه َر ْي َر َة‬
‫َصائِ ًام؟ َق َال َأ ُبو َبكْر‪َ :‬أنَا‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َم ْن َتبِ َع ِمنْك ُْم ا ْل َي ْو َم َجنَا َزةً؟ َق َال َأ ُبو َبكْر‪َ :‬أنَا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َم ْن‬
‫يضا؟ َق َال‬ ‫َأ ْط َع َم ِمنْك ُْم ا ْل َي ْو َم ِم ْسكِينًا؟ َق َال َأ ُبو َبكْر‪َ :‬أنَا‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َم ْن َعا َد ِمنْك ُْم ا ْل َي ْو َم َم ِر ً‬
‫اجلنَّ َة»‪.‬‬ ‫اجت ََم ْع َن ِِف ْام ِرئ إِ َّال َد َخ َل َْ‬
‫‪َ « :‬ما ْ‬ ‫ول اهللَّ‬ ‫َأ ُبو َبكْر‪َ :‬أنَا‪َ .‬ف َق َال َر ُس ُ‬

‫كام أن اجلمع بني الصيام والصدقة أبلﻎ ِف تكفري اْلطايا‪ ،‬واتقاء جهنم واملباعدة‬
‫أنه قال‪:‬‬ ‫عنها وخصوصا إن ضم إىل ذلك قيام الليل فقد ثبت عن رسول اهلل‬
‫كجنّته من القتال» وكام‬
‫«الصيام جنة» متفق عليه ويف رواية‪ُ « :‬جنّة أحدكم من النار ُ‬
‫اْل ْ ِري‪َّ ،‬‬
‫الص ْو ُم ُجنَّ ٌة‪،‬‬ ‫ك َع َىل َأ ْب َو ِ‬
‫اب َْ‬ ‫‪َ « :‬أ َال َأ ُد ُّل َ‬ ‫قال النبي‬ ‫ثبت يف حديث معاذ‬
‫‪527‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر اجلود واإلحسان)‬
‫اْلطِي َئ َة كَام ي ْط ِفئ املَْاء النَّار‪ ،‬وص َال ُة الرج ِل ِمن جو ِ‬
‫ف ال َّل ْي ِل‪َ .‬ق َال‪ُ :‬ث َّم‬ ‫الصدَ َق ُة ُت ْط ِف ُئ َْ‬
‫عنوان ْ َ ْ‬
‫‪ُ َّ ‬‬ ‫َ ُ ُ ُ َ َ َ‬ ‫َو َّ‬
‫ع» رواه الرتمذي وغريه صحيح اجلامع ‪.)5643‬‬ ‫اج ِ‬ ‫ُوهب ْم َع ْن املَْ َض ِ‬
‫ت ََال َتت ََج َاِف ُجن ُ ُ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ومنها‪ :‬أن الصدقة جترب ما يف الصيام من اخللل‪ ,‬والصيام ال بد أن يقع فيه من‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫خلل ونقص‪.‬‬
‫وتكفري الصيام للذنوب مشوط بالتحفظ ا ينبغي التحفظ منه‪ ,‬وعامة صيام‬
‫الناس ال جيتمع يف صومهم التحفظ كام ينبغي‪ ,‬والصدقة جترب ما فيه من نقص‪ ,‬وْلذا‬
‫َق َال‪َ « :‬ف َر َض َر ُس ُ‬
‫ول اهللَِّ‬ ‫وجب يف آخر رمضان زكاة الفطر‪ ,‬ف َع ْن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫اس‬
‫ني‪ »،‬صحيح أِب داود ‪ -‬األم‬ ‫ث َو ُط ْع َم ًة لِ ْل َم َساكِ ِ‬
‫َزكَا َة ا ْل ِف ْط ِر ُطهر ًة لِلصائِ ِم ِمن ال َّلغ ِْو والر َف ِ‬
‫َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬
‫‪.)5427‬‬

‫قال الشافعي ‪ُ :‬أ ُّ‬


‫حب للرجل الزيادة باجلود يف شهر رمضان اقتداء‬
‫وحلاجة الناس فيه إىل مصاحلهم وتشاغل كثري منهم بالصوم والصالة‬ ‫برسول اهلل‬
‫عن مكاسبهم‪.‬‬
‫وكان كثري من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم ‪ ,‬منهم عبد اهلل بن عمر‪,‬‬
‫وداود الطائي ‪ ,‬ومالك بن دينار ‪ ,‬وأمحد بن حنبل‪.‬‬
‫وكان ابن عمر ال يفطر إال مع اليتامى واملساكني ‪ ,‬وربام علم أن أهله قد ردوهم‬
‫عنه ‪ ,‬فلم يفطر يف تلك الليلة ‪.‬‬
‫وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم ‪ ,‬وجيلس خيدمهم‬
‫انظر لطائف املعارف البن رجب (ص‪.)491 :‬‬ ‫ويروحهم ‪ ,‬منهم احلسن وابن املبارك‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪528‬‬
‫وقال أبو السوار العدوي‪ «:‬كان رجال من بني عدي يصلون يف هذا املسجد ما‬
‫أفطر أحد منهم عىل طعام قط وحده ‪ ,‬إن وجد من يأكل معه أكل ‪ ,‬وإال أخرج طعامه‬
‫إىل املسجد ‪ ,‬فأكله مع الناس وأكل الناس معه» اختيار األوىل يف شرح حديث اختصام املأل األعلى (ص‪.)96 :‬‬

‫أين نحن من هؤالء األخيار أين نحن من التأِس بسيد‬


‫األبرار أين نحن من املسارعة للربح بدار القرار ؟!‬
‫أال تتأملون معي ِف هذه القصة العظيمة التي تبني فضل هذه اخلصال‬
‫َي ْو ًما َأ ْن‬ ‫هلل‬ ‫قال ‪َ « :‬أ َم َرنَا َر ُس ُ‬
‫ول ا ِ‬ ‫اب‬‫اخلَ َّط ِ‬ ‫الكريمة‪:‬فعن أمري املؤمنني ُع َم َر ْب َن ْ‬
‫ْت‬‫جئ ُ‬ ‫ت ‪ :‬ا ْل َي ْو َم َأ ْسبِ ُق َأ َبا َبكْر إِ ْن َس َب ْق ُت ُه َي ْو ًما ‪َ ،‬ف ِ‬ ‫ك َم ًاال ِعن ِْدي ‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬ ‫َنت ََصدَّ َق‪َ ،‬ف َوا َف َق َذلِ َ‬
‫ت ‪ِ :‬م ْث َل ُه َق َال ‪َ :‬و َأتَى َأ ُبو َبكْر‬ ‫ك َف ُق ْل ُ‬ ‫ت ِألَ ْهلِ َ‬ ‫َما َأ ْب َق ْي َ‬ ‫بِن ِ ْص ِ َم ِاِل ‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬
‫ت ِألَ ْهلِ َك ؟ َق َال ‪َ :‬أ ْب َق ْي ُ‬
‫ت َُهل ُم اهللَ‬ ‫‪َ :‬ما َأ ْب َق ْي َ‬ ‫بِك ُِّل َما ِعنْدَ ُه ‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬
‫َشء َأ َبدً ا» رواه أبو داود والرتمذي صحيح أبي داود األم (‪. )4191‬‬ ‫ُ‬
‫ت ‪َ :‬ال أ َسابِ ُق َك إِ َىل َ ْ‬
‫َو َر ُسو َل ُه ُق ْل ُ‬
‫أين نحن من أولئك الكرام الذين يسمع أحدهم اآلية فيجود بأحب أمواله فعن‬
‫ار بِاملَْ ِدين َِة َم ًاال ِم ْن َنخْ ل ‪َ ،‬وك َ‬
‫َان‬ ‫َان َأ ُبو َط ْل َح َة َأ ْك َث َر ْاألَن َْص ِ‬
‫قال‪« :‬ك َ‬ ‫َأنَس ْبن َمال ِ ٍك‬
‫َيدْ ُخ ُل َها ‪،‬‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫ج ِد ‪َ ،‬وك َ‬ ‫َت ُم ْس َت ْقبِ َل َة املَْ ْس ِ‬
‫اء ‪َ ،‬وكَان ْ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ب َأ ْم َواله إِ َل ْيه َب ْ َري َح ُ‬ ‫َأ َح َّ‬
‫ْب َح ذَّت‬ ‫ت ه ِذ ِه ْاآلي ُة‪ { :‬لَ ْن َت َنالُوا ال ْ ذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫رش ُب م ْن َماء ف َيها َط ِّيب‪َ .‬ق َال َأن ٌَس‪َ :‬ف َل َّام ُأن ِْز َل ْ َ‬ ‫َو َي ْ َ‬
‫ون } َقام َأ ُبو َط ْل َح َة إِ َىل رس ِ‬ ‫ذ ُ ُّ َ‬ ‫ُْ ُ‬
‫ول اهللِ ‪ ،‬إِ َّن اهللَ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫تنفِقوا مِما َتِب‬
‫ذ ُ ُّ َ‬ ‫َ ْ ََ ُ ْ ذ َ ذ ُْ ُ‬
‫ب َأ ْم َو ِاِل إِ َ َِّل‬
‫َ َّ‬‫ح‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ن‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬‫و‬‫َ‬ ‫}‬ ‫ون‬ ‫ِب‬ ‫َت‬ ‫ا‬ ‫ِم‬‫م‬ ‫وا‬ ‫ق‬ ‫ول‪ { :‬لن تنالوا ال ِْب حَّت تنفِ‬ ‫َت َب َار َك َو َت َع َاىل َي ُق ُ‬

‫ث‬ ‫ول اهللِ ‪َ ،‬ح ْي ُ‬ ‫هلل ‪َ ،‬ف َض ْع َها ‪َ ،‬يا َر ُس َ‬ ‫هلل ‪َ ،‬أ ْر ُجو بِ َّر َها َو ُذ ْخ َر َها ِعنْدَ ا ِ‬
‫اء ‪َ ،‬وإِ ََّّنَا َصدَ َق ٌة ِ‬ ‫َب ْ َري َح ُ‬
‫‪529‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر اجلود واإلحسان)‬
‫ك َم ٌال َرابِ ٌح‪َ ،‬و َقدْ‬ ‫عنوانابِ ٌح ‪َ ،‬ذلِ َ‬
‫‪َ ‬م ٌال َر‬ ‫ك‬‫‪َ :‬بخ ‪َ ،‬ذلِ َ‬ ‫َأ َر َ‬
‫اك اهللُ‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬
‫ول‬ ‫ت ‪َ ،‬وإِ ِّين َأ َرى َأ ْن َ َْت َع َل َها ِِف ْاألَ ْق َربِ َ‬
‫ني ‪َ .‬ف َق َال َأ ُبو َط ْل َح َة‪َ :‬أ ْف َع ُل َيا َر ُس َ‬ ‫َس ِم ْع ُ‬
‫ت َما ُق ْل َ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهللِ‪َ ،‬ف َق َس َم َها َأ ُبو َط ْل َح َة ِف َأ َقاربِه َو َبني َع ِّمه»متفق عليه‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أسأل اهلل العظيم رب العرش الكريم أن جيعلنا وإياكم ن يستمع القول فيتبع‬
‫العظيم يل ولكم ولسائر املسلمني من ّ‬
‫كل ذنب‪,‬‬ ‫َ‬ ‫أحسنه أقول قويل هذا‪ ,‬وأستغفر اهلل‬
‫فاستغفرو ُه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‪:‬‬
‫احلمد هلل الرؤوف الرحيم الرب اجلواد الكريم أنعم عىل العباد بام أخرج ْلم من‬
‫الزروع والثمرات‪ ,‬وما أدر عليهم من األرزاق املجلوبة من مجيع اجلهات‪ ,‬ثم أمرهم‬
‫بإنفاق ذلك يف مرضاته لتكمل ْلم نعمة الدنيا والدين‪ ,‬ووعدهم عىل اإلنفاق يف‬
‫مرضاته خلفا عاجال‪ ,‬وهو خري الرازقني‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‬
‫امللك احلق املبني‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله أفضل النبيني صىل اهلل عليه وعىل آله‬
‫وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪ ,‬وسلم تسليام‪.‬‬
‫لقد ر ّغب اهلل عباده يف البذل وحثهم عىل اجلود ووعدهم عىل‬
‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ذَُ ذ َ ُ ُ َ َ ََ‬
‫يل ٱّلل ِ‬ ‫السخاء أفضل موعود فقال ‪ ﴿ : ‬مثل ٱَّلِين ينفِقون أموَٰلهم ِف سب ِ ِ‬
‫َك َمثَل َح ذبة أَۢنبَتَت َسب َع َسنَاب َل ف ُك ُسۢنبُلَة مِاْئ َ ُة َح ذبة َو ذ ُ‬
‫ٱّلل يُ َضَٰعِ ُف ل َِمن ي َ َشآءُ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ ذُ َ ٌ َ ٌ‬
‫وٱّلل وَٰسِع عل ِيم ‪[﴾261‬البقرة‪. ]265 :‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪531‬‬
‫مدح منه تعاىل للمنفقني يف سبيله‪ ,‬وابتغاء مرضاته يف مجيع‬
‫قال ابن كثري‪« :‬هذا ٌ‬
‫ٍ‬
‫وجهار‪ ,‬حتى إن النفقة عىل‬ ‫ليل أو ٍ‬
‫هنار‪ ,‬و يف مجيع) األحوال من رس‬ ‫األوقات من ٍ‬

‫األهل تدخل يف ذلك أيضا» بل لقد فضل الشع املطهر النفقة عىل األهل عىل غريها‬
‫هلل ‪،‬‬‫يل ا ِ‬ ‫‪ِ « :‬دين ٌَار َأ ْن َف ْق َت ُه ِِف َسبِ ِ‬ ‫هلل‬
‫ول ا ِ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫من النفقات ف َع ْن َأ ِِب ُه َر ْي َر َة‬
‫ك‬ ‫ت بِ ِه َع َىل ِم ْسكِني ‪َ ،‬و ِدينَ ٌار َأ ْن َف ْق َت ُه َع َىل َأ ْهلِ َ‬ ‫َو ِدين ٌَار َأ ْن َف ْق َت ُه ِِف َر َق َبة ‪َ ،‬و ِدين ٌَار ت ََصدَّ ْق َ‬
‫َأ ْع َظ ُم َها َأ ْج ًرا ا َّل ِذي َأ ْن َف ْق َت ُه َع َىل َأ ْهلِ َك» ‪.‬رواه مسلم ويف حديث َس ْل َام َن ْب ِن َع ِام ٍر َّ‬
‫الض ِّب ِّي‬
‫يب‬ ‫ني َصدَ َق ٌة ‪َ ،‬و ِه َي َع َىل ا ْل َق ِر ِ‬ ‫الصدَ َق ُة َع َىل املْ ِ ْسكِ ِ‬
‫ول ‪َّ « :‬‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫َق َال ‪َ :‬س ِم ْع ُت النَّبِ َّي‬
‫ِ‬
‫صدَ َق ٌة ‪َ ،‬وص َل ٌة» رواه أهل السنن إرواء الغليل (‪.)881‬‬ ‫َصدَ َقت ِ‬
‫َان ‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫قال اهلل تعاىل واصفا عباده األبرار الذين أعد ْلم دار القرار ‪َ ﴿ :‬و ُيطعِ ُمون‬
‫ٱّلل ِ ََل نُريدُ‬ ‫ذ‬ ‫ذَ ُ ُ ُ‬ ‫ً‬ ‫ٗ ََ ٗ ََ‬ ‫َع ُ‬ ‫ذ َ َ ََ‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫َ‬
‫ِو‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫م‬‫ع‬
‫ِ‬ ‫ط‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫‪8‬‬ ‫ا‬‫ِي‬ ‫س‬‫أ‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫ي‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ِين‬‫ك‬ ‫ِس‬ ‫م‬ ‫ِۦ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫َٰ‬ ‫ٱلطعام‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ذ َ َ ً َُ ٗ َ‬ ‫ذ ََ ُ‬ ‫ُ َ َٓٗ َ َ ُ ُ‬
‫وسا قم َطرِي ٗرا ‪ 10‬ف َوقى َٰ ُه ُم‬ ‫ورا ‪ 9‬إِنا َناف مِن ربِنا يوما عب‬ ‫ك ً‬ ‫مِنكم جزاء وَل ش‬
‫يرا ‪﴾12‬‬ ‫ْبوا ْ َج ذن ٗة َو َحر ٗ‬
‫ورا ‪َ 11‬و َج َزى َٰ ُهم ب َما َص َ ُ‬‫ِس ٗ‬‫ض ٗة َو ُ ُ‬ ‫ْش َذَٰل َِك ٱْيَو ِم َولَ ذقى َٰ ُهم ن َ َ‬
‫ٱّلل َ ذ‬
‫ذُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآليات [االنسان‪]52 ,8 :‬‬
‫َ ٓ َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َذ‬ ‫ذ ُذ َ‬
‫ِين َما َءاتى َٰ ُهم َر ُّب ُهم‬‫خذ‬ ‫ون ‪َ 15‬ءا ِ‬ ‫وقال سبحانه ‪ ﴿ :‬إِن ٱلمت ِقي ِف جنَٰت وعي ٍ‬
‫ار‬ ‫ح‬‫ون ‪َ 17‬وبٱلَس َ‬ ‫َ ُ ْ َ ٗ َ ذ َ َ َ ُ َ‬
‫ع‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ل‬ ‫ٱْي‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ِيَل‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫َك‬ ‫‪16‬‬ ‫ي‬‫سن َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ذ ُ َ ُ ْ َ َ َ َٰ َ ُ‬
‫إِنهم َكنوا قبل ذل ِك‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذ ٓ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وم ‪[ ﴾ 19‬الذاريات‪]59 ,55 :‬‬ ‫ِلسائ ِ ِل َوٱل َمح ُر ِ‬ ‫هم يَس َتغفِ ُرون ‪َ 18‬و َِّفٓ أم َو َٰل ِ ِهم َحق ل‬
‫َق َال‪« :‬ما ِمن يوم يصبِح ا ْل ِعباد فِ ِ‬
‫يه ‪،‬‬ ‫ويف صحيح البخاري ومسلم َأ َّن النَّبِ َّي‬
‫َ ْ َْ ُ ْ ُ َ ُ‬
‫ول ْاآل َخر‪ :‬ال َّلهم َأع ِ‬ ‫ط ُمن ِْف ًقا َخ َل ًفا ‪َ ،‬و َي ُق ُ‬‫ول َأحدُ ُمها‪ :‬ال َّلهم َأع ِ‬
‫ط‬ ‫ُ َّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َّ ْ‬ ‫َان َين ِْز َال ِن ‪َ ،‬ف َي ُق ُ َ َ‬ ‫إِ َّال َم َلك ِ‬
‫‪535‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر اجلود واإلحسان)‬
‫ال‪َ « :‬ق َال اهللُ ¸‪َ :‬أن ِْف ْق ُأن ِْف ْق‬ ‫عنوان‬
‫‪َ ‬ق َ‬ ‫ُمم ْ ِسكًا َت َل ًفا»‪ ،‬ويف الصحيحني أيضا َأ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬
‫اء ‪ ،‬ال َّل ْي َل َوالن ََّه َار ‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬أ َر َأ ْيت ُْم َما‬
‫ُ‬ ‫ْلى َال ت َِغ ُ‬
‫يض َها َن َف َق ٌة ‪َ ،‬س َّح‬ ‫ك ‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬يدُ اهللِ َم ْ َ‬ ‫َع َل ْي َ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫اء ‪ ،‬وبِي ِدهِ‬ ‫َان عر ُشه ع َىل املَْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫الس َام َء َو ْاألَ ْر َض ‪َ ،‬فإِ َّن ُه َ م ْ َيغ ْض َما ِِف َيده ‪َ ،‬وك َ َ ْ ُ َ‬ ‫َأ ْن َف َق ُمن ُْذ َخ َل َق َّ‬
‫يف ِسريته ِ ‪‬‬
‫َيف ُض َو َي ْر َف ُع»‬ ‫ا ْمليز ُ‬
‫َان َ ْ‬
‫وفضائل اجلود كثرية وفوائد اإلنفاق يف مرضاة اهلل عديدة وفيام ذكر كفاية ملن‬
‫َ ُ ْ َ َٰٓ َ ُ ُ ُ ُ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫سهِۦ فأولئِك هم ٱلمفل ِحون ﴾ [احلش‪]9 :‬‬ ‫وقاه اهلل شح نفسه ﴿ َو َمن يُوق ش ذح نف ِ‬
‫أن فضائل اجلود تتضاعف‪ ,‬ودواعيه تزداد‪,‬‬
‫حينام تنزل املصائب وحتل الشدائد وال خيفاكم ما ّ‬
‫حل باألمة من أزمات وكوارث‬
‫وبليات فإذا مل احصل منا اجلود اآلن والتعاون والرتاحم فمتى؟!‬
‫السيام األيتام الذين ليس ْلم بعد اهلل من احن عليهم وال من يسندهم ويدخل‬
‫عليهم الفرح والِسور ويدفع عنهم اآلفات والشور إال آبآئهم وإخواهنم من‬
‫املسلمني املحتسبني الرامحني ‪..‬وليبش كل من وقف مع هذا الصنف يف الدنيا بأنه‬
‫َق َال‪« :‬كَافِ ُل‬ ‫ففي الصحيحني أن النبي‬ ‫يقف يوم القيامة بجانب املصطفى‬
‫الس َّبا َب ِة َوا ْل ُو ْس َطى» و َق َال‬ ‫اجلن َِّة ‪َ .‬و َأ َش َار َمالِ ٌ‬
‫ك بِ َّ‬ ‫َري ِه ‪َ ،‬أنَا َو ُه َو ك ََهات ْ ِ‬
‫َني ِِف َْ‬ ‫ا ْل َيتِي ِم َل ُه َأ ْو لِغ ْ ِ‬

‫يل اهللِ ‪َ ،‬أ ِو ا ْل َق ِائ ِم ال َّل ْي َل‬


‫اه ِد ِِف َسبِ ِ‬
‫ني كَا ُْملج ِ‬
‫َ‬ ‫اعي َع َىل ْاألَ ْر َم َل ِة َواملْ ِ ْسكِ ِ‬
‫‪« :‬الس ِ‬
‫َّ‬ ‫النَّبِ ُّي‬
‫الصائِ ِم الن ََّه َار» متفق عليه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وهكذا ‪-‬يا عباد اهلل‪ -‬تنافسوا يف تفريج كربات املكروبني واملحتاجني ففي‬
‫هلل‬ ‫قال ‪َ «:‬م ْن َن َّف َس َع ْن ُم ْلؤ ِمن ك ُْر َب ًة ِم ْن ك َُر ِ‬
‫ب الدُّ ْن َيا َن َّف َس ا ُ‬ ‫صحيح مسلم أن النبي‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪532‬‬
‫رس اهللُ َع َل ْي ِه ِِف الدُّ ْن َيا َو ْاآل ِخ َر ِة ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رس َع َىل ُم ْعرس َي َّ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ب َي ْو ِم ا ْلق َي َامة ‪َ ،‬و َم ْن َي َّ َ‬ ‫َعنْ ُه ك ُْر َب ًة ِم ْن ك َُر ِ‬

‫َان ا ْل َع ْبدُ ِِف َع ْو ِن‬‫رت ُه اهللُ ِِف الدُّ ْن َيا َو ْاآل ِخ َر ِة ‪َ ،‬واهللُ ِِف َع ْو ِن ا ْل َع ْب ِد َما ك َ‬ ‫ِ‬
‫رت ُم ْسل ًام َس َ َ‬
‫َو َم ْن َس َ َ‬
‫َأ ِخ ِ‬
‫يه»‬
‫‪:‬‬ ‫فالصدقة ْلا أثر عجيب عىل املتصدق السيام يف دفع الباليا والكروب قال‬
‫صحيح الرتغيب (‪.)14/2‬‬ ‫«صنائع املعروف تقي مصارع السوء »‬
‫صحيح الرتغيب (‪.)911‬‬ ‫‪ « :‬داووا مرضاكم بالصدقة »‬ ‫وقال‬
‫يف ذلك ما َر َوى ا ْل َب ْي َه ِق ُّي‪َ " :‬أ َّن َر ُجال َس َأ َل ا ْب َن املُْ َب َار ِك‬
‫ِ‬ ‫َع ْن ُق ْر َح ٍة ِيف ُر ْك َبتِ ِه َْلَا َس ْب ُع ِسن ِ َ‬
‫اج‬ ‫اح َت ُ‬‫ني َو َقدْ َأ ْع َي ْت ْاألَط َّبا َء َف َأ َم َر ُه بِ َح ْف ِر بِ ْئ ٍر ِيف َحم َ ٍّل َ ْ‬
‫ِ‬
‫ني َف ُي ْم َس َك الدَّ ُم َعنْك "‪.‬‬ ‫َّاس َإىل املَْاء فِ ِيه َو َق َال َل ُه َأ ْر ُجو َأ ْن َينْ ُب َع فِ ِيه َع ْ ٌ‬
‫الن ُ‬
‫ب املُْ ْستَدْ َر ِك َو َغ ْ ِري ِه َأ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلاك َم َأ َبا َع ْبد اهللَِّ َصاح َ‬
‫وحكَى ا ْلبيه ِقي أيضا ‪َ :‬أ َّن َشي َخه ْ ِ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫َ ْ َ ُّ‬ ‫َ َ‬
‫اجلتِ ِه َق ِريبا ِم ْن سن ٍَة‪َ ,‬فس َأ َل ْاألُستَا َذ َأ َبا ُع ْثام َن َّ ِ‬
‫وين َأ ْن‬ ‫الصا ُب َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو ْج َه ُه َت َق َّر َح َو َع َج َز ِيف ُم َع َ َ‬
‫اجل ُم َع ِة ْاألُ ْخ َرى‬ ‫اجلمع ِة َفدَ َعا َله َف َأ ْك َثر النَّاس ِمن ال َّت ْأ ِم ِ ِ‬
‫ني‪َ ,‬ففي ْ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِِ ِ‬
‫َيدْ ُع َو َل ُه ِيف َجمْلسه َي ْو َم ْ ُ ُ َ‬
‫اك ِم تِ ْل َك‬ ‫اء ل ِ ْلح ِ‬ ‫س بِ َأهنا عادت لِبيتِها واجتَهدَ ت ِيف الدُّ ع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأ ْل َق ْت ا ْم َر َأ ٌة ُر ْق َعة ِيف املَْ ْج ِل ِ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ‬
‫ول‪ُ :‬قو ُلوا ِألَ ِِب َع ْب ِد اهللَِّ ُي َو ِّس ُع املَْا َء َع َىل‬ ‫َك َأ َّن ُه َي ُق ُ‬ ‫ال َّل ْي َل َة َف َر َأ ْت ِيف ن َْو ِم َها َر ُس َ‬
‫ول اهللَِّ‬
‫ني َف َر ُغوا ِم ْن‬ ‫اب َد ِار ِه َو ِح َ‬ ‫احلاكِ ِم َف َأ َم َر بِ ِس َقا َي ٍة ُبن ِ َي ْت َع َىل َب ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْق َعة َإىل ْ َ‬
‫املُْسلِ ِم َ ِ‬
‫ني َفج ْئت بِ ُّ‬ ‫ْ‬
‫ب َف َام َم َّر َع َل ْي ِه‬ ‫اء‪َ ,‬و َأ َخ َذ الن ُ ِ‬ ‫اجلم ِد ِيف املَْ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ِ‬‫َّاس يف ُّ ْ‬ ‫ب املَْاء ف َيها َو َط ْر ِح ْ َ َ‬ ‫بِنَائ َها َأ َم َر بِ َص ِّ‬
‫وح َو َعا َد َو ْج ُه ُه َإىل َأ ْح َس ِن َما ك َ‬ ‫ِ‬
‫َان َو َع َ‬
‫اش‬ ‫الش َفا ُء َو َزا َل ْت ت ْل َك ا ْل ُق ُر ُ‬
‫وع َحتَّى َظ َه َر ِّ‬ ‫ُأ ْس ُب ٌ‬
‫ني "‪ .‬الزواجر عن اقرتاف الكبائر (‪.)124 /4‬‬‫َب ْعدَ َذل ِ َك ِسنِ َ‬
‫‪533‬‬ ‫خطبة بعنوان (رمضان شهر اجلود واإلحسان)‬
‫عنواندفع أنواع البالء ‪ ,‬ولو كانت‬
‫عجيبا يف‬
‫‪‬‬ ‫قال ابن القيم ‪ : ‬فإن للصدقة تأثريا‬
‫من فاجر أو ظامل ‪ ,‬بل من كافر ‪ ,‬فإن اهلل تعاىل يدفع عنه هبا أنواعا من البالء ‪ ,‬وهذا أمر‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل األرض كلهم مقرون به ألهنم جربوه ‪....‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وقال ‪ :‬والسخي قريب من اهلل ى تعاىل ى ومن خلقه ‪ ,‬ومن أهله ‪ ,‬وقريب من‬
‫اجلنة ‪ ,‬وبعيد من النار‪ ,‬والبخيل بعيد من خلقه ‪ ,‬بعيد من اجلنة ‪ ,‬قريب من النار ‪,‬‬
‫‪ -‬الكتاب العربي (ص‪.)16 :‬‬ ‫الوابل الصيب‬ ‫فجود الرجل احببه إىل أضداده ‪ ,‬وبخله يب ّغضه إىل أوالده ‪.‬‬
‫نسأل اهلل الكريم املنان بأسامئه احلسنى وصفاته العليا أن يقينا ُشح أنفسنا وأن‬
‫جيعلنا من األجودين األسخياء وأن يفرج هم املهمومني وأن ييِس أمر الفقراء‬
‫واملعوزين وأن يقيض الدين عن املدينني وأن يعايف مرضانا ومرىض املسلمني اللهم‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫ِ‬
‫واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًّا‬
‫وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬
‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫َ‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪534‬‬
‫يب الدعوات‪ .‬ال َّل ُه َّم َر َّبنَا آتِنَا ِيف الدُّ ْن َيا َح َسنَة ‪َ ,‬و ِيف ْاآل ِخ َر ِة َح َسنَة ‪َ ,‬و ِقنَا‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬
‫َع َذ َ‬
‫اب النَّار‪.‬‬
‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫‪535‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬غنيمة رمضان (الدعـ ـ ــاء)‬

‫‪‬عنوان‬
‫األول إ‪َ ِ:‬ل ْي ِهم بلطيف رفده وجزيل‬ ‫احلمد هلل املُْنعم عىل خلقه بجميل آالئه‪,‬‬
‫الباباملحسن‬ ‫َْ‬ ‫‪1‬‬
‫عطائه‪ ,‬املُْ َحقق ملن أمله حسن َظنّه ورجاءه‪ ,‬ا َّل ِذي م ّن عىل عباده بِ َأن فتح َْلُم َبابه‪,‬‬
‫‪‬‬ ‫ِ‬
‫يف سريته‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عدهم باإلجابة‪ ,‬ووفق من ُْهم من َشا َء ب ُل ْطفه وحكمته؛ للتعرض‬ ‫ِ‬
‫أمرهم بالدُّ َعاء َو َو‬ ‫َو‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫السبِيل إِ َل ْي ِه‪ ,‬وأْلمه ال ّطلب تكرما ِمنْ ُه َع َل ْي ِه‪.‬‬
‫لنفحات َفضله َو َرمحته‪ ,‬وهداه َّ‬
‫احل ْمد من نعمه‪ ,‬وأسأله املَْ ِزيد من َفضله َوكَرمه‪َ ,‬و ْأشهد َأن َال إِ َله إِ َّال اهلل‬ ‫َأ ْ َ‬
‫محده َو ْ َ‬
‫َوحده َال رشيك َل ُه ُجميب الدُّ َعاء‪َ ,‬وكَاشف األسواء‪َ ,‬و ْأشهد َأن ُحم َ َّمدا َعبده َو َر ُسوله‪,‬‬
‫َخاتم ْاألَنْبِ َياء ومبلغ األنباء‪ ,‬صىل اهلل َع َل ْي ِه و َعىل آله َو َصحبه الربرة األتقياء‪َ ,‬وسلم‬
‫ت َْسلِيام كثريا‪.‬‬
‫الوثقى؛‬ ‫ِ‬ ‫أما بعد‪ :‬فاتقوا اهلل تعاىل َّ‬
‫حق التقوى‪ ,‬واستمسكوا من اإلسالم بال ُعروة ُ‬
‫فمن اتقى اهللَ وقاه السيئات‪ ,‬وو َّفقه للخريات‪.‬‬
‫فضل شهر رمضان بفضائل عظيمة ونفحات كريمة‬
‫إن اهلل ّ‬
‫وخصائص عديدة وإن من أجل تلك الفضائل والنفحات‪ ..‬إجابة الدعاء الذي جعله‬

‫اهلل أساس العبادة و ُلبها وهو مفتاح اخلريات ودا ٌ‬


‫فع للشور والسيئات‪.‬‬
‫فشهر رمضان مرتع خصب وفرصة ثمينة لنيل ما عند اهلل من خريات ومِسات‬
‫وبركات‪ ,‬ومفتاح ذلك‪ :‬الدعوات الطيبات ولذا فإن اهلل تبارك وتعاىل ملا ذكر آيات‬
‫الصيام أدرج بينهن ما يدل عىل إجابة الدعاء وقرب الداعي من رب األرض والسامء‬
‫َ ََ َ‬
‫شهر يستجاب فيه الدعاء‪ ..‬قال تعاىل ‪ِ ﴿ :‬إَوذا َسألك‬
‫وما يشري إىل أن رمضان املبارك ٌ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪536‬‬
‫َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ُ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫َ َ َ ٌ ُ ُ َ ََ‬ ‫َ‬
‫جيبوا ِِل وْيؤمِنوا ِِب‬
‫جيب دعوة ٱدلاع إِذا دَع ِنن فليست ِ‬ ‫عِبادِي ع ِّن فإ ِ ِّن قرِيب أ ِ‬
‫ََذُ َ ُ ُ َ‬
‫لعلهم يرشدون ‪[ ﴾ 186‬البقرة‪.]586 :‬‬

‫وقد رصحت السنة النبوية بفضل الدعاء يف رمضان وأفصحت عن إجابته ففي‬
‫أنه قال ‪«:‬ثالث دعوات مستجابات ‪ :‬دعوة‬ ‫عن النبي‬ ‫حديث أِب هريرة‬
‫انظر حديث رقم ‪ )1313( :‬يف صحيح اجلامع‪.‬‬ ‫الصائم و دعوة املظلوم و دعوة املسافر»‬
‫َفمن أوىل َما انْص َفت إِ َىل حفظه عناي ُة َذوي اْلمم‪ ,‬وأحق َما اهت ُِدي بأنواره ِيف‬
‫غياهب ال ُّظلم‪ ,‬وأنفع َما است ُِد َّرت بِ ِه صنوف النعم‪َ ,‬و َأ ْمنَع َما استدرئت بِ ِه رصوف‬
‫اخلَ ْري مفتاحا‪ ,‬وجعله ل ْل ُم ْؤ ِمنني ِس َالحا‪َ ,‬و َذل ِ َك‬
‫َان بِفضل اهلل َت َع َاىل ألبواب ْ‬
‫النقم‪َ :‬ما ك َ‬
‫الت َّْح ِميد َوالثنَاء‪ ,‬والتمجيد َوالدُّ َعاء‪َ ,‬أمر اهلل َت َع َاىل بِ ِه ِيف كِتَابه ا ْل َع ِظيم‪َ ,‬وفِيه رغب‬
‫ون واألنبياء‪َ ,‬و َع ِل ِيه عول الصاحلون واألولياء‪ .‬فلقد‬ ‫َر ُسوله ا ْلك َِريم‪َ ,‬وإِ َل ْي ِه جنح املُ ْر َس ُل َ‬
‫َ َ َ َ ُّ ُ‬
‫ك ُم ادْ ُ‬
‫ون‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫أمر اهلل ´ بالدعاء‪ ,‬ووعد باإلجابة‪ ,‬ف َق َال جل ذكره‪﴿ :‬وقال رب‬
‫َ‬ ‫ََْ ْ َ ُ ْ ذ ذ َ َْ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ َْ ُ ُ َ َ َذَ َ‬
‫جب لكم إِن اَّلِين يستك ِْبون عن عِباد ِِت سيدخلون جهنم داخِرِين﴾‬ ‫أست ِ‬
‫[غافر‪ .] 61 :‬فأي كرم هذا؟ احثنا عىل دعائه ويعدنا سبحانه باإلجابة؟ فأين الداعون‬
‫املستجيبون لرهبم وهو يندهبم إىل الدعاء ويتفضل عليهم باإلجابة؟‪.‬‬
‫وشوقهم لغنيمة الدعاء بقربه منهم‪,‬وإجابته ْلم إذا‬ ‫ولقد ر ّغب اهلل ´ الداعني ّ‬
‫جيب‬
‫ُ‬
‫أ‬ ‫قريب‬ ‫ّن‬ ‫إ‬
‫َ‬
‫ف‬ ‫عّن‬ ‫ادي‬ ‫هم استجابوا له‪ ,‬كام يف اآلية السابقة‪ِ﴿ :‬إَوذا َس َألَك َ‬
‫عب‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ذ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َد ْع َوة ادلاع إذا دَعن فَلْيَ ْس َ‬
‫جيبُوا ِِل َوْيُؤمِنُوا ِِب ل َعل ُه ْم ي َ ْرش ُدون﴾ [ا ْل َب َق َرة‪.]586 :‬‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬
‫‪537‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬غنيمة رمضان (الدعـ ـ ــاء)‬
‫عنوانالصائم مرجو اإلجابة‪ ,‬وإىل‬
‫‪‬إىل أن‬
‫قال ابن عاشور ‪ : ‬ويف هذه اآلية إيامء‬
‫أن شهر رمضان مرجوة دعواته‪ ,‬وإىل مشوعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫بل يف كل ساعاته)‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫َوإن من كرم اهلل وجوده أن أمر بسؤاله –وهو جميب السائلني‪ -‬ف َق َال َت َع َاىل‪:‬‬
‫َ‬
‫﴿واسألوا اّلل من فضله﴾ [الن َِّساء‪.]32 :‬‬
‫وقد وضح لنا سبحانه أن سبب رفع البالء دعاء الترضع واالبتهال فقال جل‬
‫الضاءِ لَ َعلذ ُهمْ‬ ‫ْ َْ َ ََ َ َْ ُ ْ ْ ْ‬ ‫ََ ْ َ ْ َ ُ‬
‫اْلَأ َساءِ َو ذ ذ‬ ‫وعز‪َ ﴿ :‬ولقد أ ْر َسلنَا إِِل أ َم ٍم مِن قبل ِك فأخذناهم ِب‬
‫ت قُلُوبُ ُه ْم َو َز ذي َن ل َ ُهمُ‬ ‫ض ُعوا َولَك ْن قَ َس ْ‬ ‫َََْ ْ َ َ ُ ْ َُْ َ َ َ‬ ‫ََ َ ذ َ‬
‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ض ُعون ‪ 42‬فلوَل إِذ جاءهم بأسنا ت‬ ‫يت‬
‫َ‬
‫حنَا َعلَيْه ْم أب ْ َو َ‬
‫اب ُك َ ْ‬
‫َش ٍء‬
‫ََ ْ‬
‫ت‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ون ‪ 43‬فَلَ ذما ن َ ُسوا َما ذُك ُ‬
‫ِر‬
‫ذ َْ ُ َ َ ُ َ َُْ َ‬
‫الشيطان ما َكنوا يعمل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َ َْ ُ ْ ً َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َح ذَّت إِذا ف ِر ُحوا ب ِ َما أوتوا أخذناه ْم َبغتَة فإِذا ه ْم ُمبْل ُِسون ‪[ ﴾44‬األنعام]‪.‬‬
‫فالدعاء ‪-‬يا معش الصائمني القائمني‪ -‬هو العبادة وأجل أنواعها كام يف حديث‬
‫َ َ‬
‫قال‪« :‬الدعا ُء هو العباد ُة»‪ .‬ثم قرأ‪َ ﴿ ":‬وقال‬ ‫النبي‬
‫ِّ‬ ‫عن‬ ‫ٍ‬
‫بشري‬ ‫ِ‬
‫النعامن بن‬
‫ْ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََْ ْ َ ُ ْ ذ ذ َ َْ َ ْ ُ َ َ‬ ‫َ ُّ ُ ُ ْ ُ‬
‫ْبون ع ْن عِبَاد ِِت َسيَدخلون َج َه ذن َم‬
‫جب لكم إِن اَّلِين يستك ِ‬ ‫ون أست ِ‬
‫ربكم ادع ِ‬
‫ين﴾ [غافر‪.]61 :‬‬ ‫َداخِر َ‬
‫ِ‬
‫رواه أبو داود صحيح الرتغيب‬ ‫أنه قال‪« :‬أفضل العبادة الدعاء»‬ ‫عن النبي‬ ‫وعن ابن عباس‬
‫(‪.)4929‬‬

‫واهلل سبحانه مع عبده الداعي حني يدعوه‪ ,‬فيعينه وينْصه ويفرج عنه‪ ,‬فعن أِب‬
‫يقول‪ :‬أنا عندَ َظ ِّن عبدي يب‪ ،‬وأنا معه إذا‬
‫إن اهلل ُ‬
‫‪َّ « :‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫قال‪ :‬قال‬ ‫هريرة‬
‫دعاين» متفق عليه‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪538‬‬
‫والدعاء –يا عباد اهلل‪ -‬وسيلة عظمى لتحقيق املطالب وبلوغ األماين ألن اهلل احبه‬

‫‪َ « :‬ل ْي َس ٌ‬
‫َشء أكرم عىل اهلل‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫واحب أهله؛ فعن أِب هريرة‬
‫ِ‬
‫من الدعاء» أي ليس يشء أقرب وسيلة لنيل ما عند اهلل أعظم من الدعاء‪,‬رواه الرتمذي ت شاكر‬

‫(‪ )155 /5‬وحسنه األلباني‪.‬‬

‫وكلام أقبل املسلم بالدعاء كلام نال مغفرة وكرم رب األرض والسامء فعن ِ‬
‫أنس‬
‫ابن آد َم! إنَّك ما‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يقول‪« :‬قال اهلل‪ :‬يا َ‬ ‫رسول اهلل‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫مالك‬ ‫بن‬
‫كان فيك وال ُأباِل» احلديث رواه الرتمذي انظرصحيح‬
‫ك عىل ما َ‬ ‫ور َج ْوتَني؛ َغ َف ْر ُت َل َ‬
‫َد َع ْوتَني َ‬
‫الرتغيب(‪.)4913‬‬

‫والداعي املخلص املُتِّبع ال خييب أبدا مادام يدعوا ربه الكريم ‪ ,‬فال متل أهيا املسلم فإنام‬
‫تدعو ربك الكريم؛ وال تسعجل اإلجابة فال تقل دعوت فلم ُيستجب يل فدعواتك‬
‫قال‪« :‬ما‬ ‫أن النبي‬ ‫اخلالصة مقبولة وآثارها حمفوظة؛ فعن أِب سعيد اخلدري‬
‫من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم وال قطيعة رحم إال أعطاه اهلل هبا إحدى ثالث‪:‬‬
‫إما أن تعجل له دعوته‪ ،‬وإما أن يدخرها له ِف اآلخرة‪ ،‬وإما أن يَصف عنه من السوء‬
‫رواه األمحد‪ .‬املسك والرحيان ‪.459/4‬‬ ‫مثلها »‪ ،‬قالوا‪ :‬إذ ًا نكثر‪ .‬قال‪ « :‬اهلل أكثر»‬
‫«إ َّن‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫ومن أعظم فضائل الدعاء ما صح عن سلامن‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الرجل إليه يدَ يه أن ير َّدمها ص ْفر ًا خائبتني»رواه أبو داود انظر‬ ‫اهلل َحيِ ٌّي كريم‪َ ،‬ي ْستَحيي إذا َرفع‬
‫صحيح الرتغيب والرتهيب (‪)491‬‬

‫واهلل لومل يكن من فضائل الدعاء إال أنه سبحانه يستحيي من عبده‬
‫الداعي أن يرده خائبا لكفى هبا تشويقا وحثا وترغيبا يف هذا املغنم الذي ال يعجز عنه‬
‫‪539‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬غنيمة رمضان (الدعـ ـ ــاء)‬
‫َّاس من عج َز ِِف الدُّ ع ِ‬
‫اء ‪َ ،‬و َأ ْبخَ ُل‬ ‫إال حمروم؛ فقد صح عن النبي أنه قال‪َ « :‬أ ْع َج ُز‬
‫‪‬الن ِ‬
‫َ‬ ‫عنوانَ ْ َ َ‬
‫ِ‬
‫َّاس َم ْن َبخ َل بِ َّ‬
‫الس َال ِم»(الصحيحة ‪.)934‬‬ ‫الن ِ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫قال‪ :‬قال‬ ‫والدعاء سبب دفع البالء قبل وقوعه ورفعه بعد وقوعه‪ :‬فعن ابن عمر‬
‫ِ‬ ‫يف سريته ‪‬‬
‫الدعاء ينفع ممّا َنزَ َل ومما م ِ‬
‫ينز ْل‪َ ،‬فعليكم عباد اهلل بالدعاء» رواه‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫‪َّ « :‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫الرتمذي واحلاكم؛ انظر صحيح الرتغيب (‪. )4911‬‬

‫وقد حثنا نبينا عىل تقوية رابطة اللجوء إىل اهلل دون من سواه فقال‪ :‬كام يف‬
‫‪َ « :‬م ْن َن َز َل ْ‬
‫ت به فاق ٌة فأنزهلا‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫ٍ‬
‫مسعود‬ ‫حديث عبد اهلل بن‬
‫وم ْن نزلت به فاق ٌة فأنزهلا باهلل؛ فيوشك اهلل له برزق عاجل أو‬ ‫ِ‬
‫بالناس؛ م ت َُسدَّ فاقت ُه‪َ ،‬‬
‫آجل» رواه أبو داود انظر صحيح الرتغيب (‪. )41‬‬
‫وبني أن الدعاء من أسباب الرزق والنْص عىل األعداء‪ :‬فعن َس ْعد بن أِب وقاص‬ ‫ّ‬
‫ون إِ َّال بِ ُض َع َفائِك ُْم» رواه البخاري ويف‬
‫ون َوت ُْر َز ُق َ‬ ‫قال‪َ « :‬ه ْل ُتن َ ُ‬
‫َْص َ‬ ‫‪ :‬أن النَّبِ ّي‬
‫صحيح اجلامع(‪.)2198‬‬ ‫رواية «بدعوُتم وإخالصهم»‬
‫والدعاء سبب رئييس للنجاة من األخطار والسالمة من األَضار‪ :‬ف َع ْن َأ ِِب‬
‫عن النبي أنه قال ‪َ ... « :‬أ ْد ُعو إِ َىل اهللِ َو ْحدَ ُه ا َّل ِذي‬ ‫يم َة‪َ ,‬ع ْن َر ُج ٍل ِم ْن َق ْو ِم ِه‪,‬‬ ‫ِ‬
‫َمت َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ْك ‪َ ،‬وا َّل ِذي إِ ْن َض َل ْل َ‬
‫ت بِ َأ ْرض َق ْفر َفدَ َع ْو َت ُه َر َّد َع َل ْي َ‬ ‫َض َفدَ َع ْو َت ُه ك ََش َ َعن َ‬ ‫ك ُ ٌّ‬ ‫إِ ْن َم َّس َ‬
‫ك» مسند أمحد (‪ )491 /29‬صحيح املشكاة ‪.648‬‬ ‫ت َع َل ْي َ‬‫ْك َسنَ ٌة َفدَ َع ْو َت ُه ‪َ ،‬أ ْن َب َ‬ ‫َوا َّل ِذي إِ ْن َأ َصا َبت َ‬
‫ومن كرم اهلل أنه احب الداعني ويغضب عىل من مل يطرق بابه‪ :‬فعن أِب هريرة‬
‫رواه الرتمذي (صحيح املشكاة‬ ‫أنه قال‪« :‬إنه من مل يسأل اهللَّ تعاىل يغضب عليه»‬ ‫عن النبي‬
‫‪.)2218‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪541‬‬
‫ىىىىىىب‬ ‫ِ‬
‫ىىىىىىذي َأ ْب َوا ُبىىىىىىى ُه الَ ْحت َجى‬ ‫ِ‬
‫ىىىىىىل ا َّلى‬
‫َو َسى‬ ‫اجىىىىىىىىة‬ ‫الَ ت َْسىىىىىىىى َأ َل َّن ُبنى‬
‫ُ‬ ‫ىىىىىىىي آ َد َم َح َ‬
‫َّ‬

‫ىىىىىىب‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫و ُبنىىىىىىىي آ َد َم ِحى‬
‫ىىىىىىني ُي ْسىىىىىىى َأ ُل َي ْغ َضى‬ ‫ىىىىؤا َل ُه‬ ‫ىىىىب إِ ْن ت ََر ْكى َ‬
‫ىىىىت ُسى َ‬ ‫َفىىىىىاهللُ َي ْغ َضى ُ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َوالدُّ َعا ُء م ْن َأ ْن َف ِع ْاألَ ْد ِو َية‪َ ,‬و ُه َو عَدُ ُّو ا ْل َب َالء‪َ ,‬يدْ َف ُع ُه‪َ ,‬و ُي َع ِ ُ‬
‫اجل ُه‪َ ,‬و َي ْمن َُع ن ُُزو َل ُه‪,‬‬
‫عن النبي أنه قال ‪:‬‬ ‫خي ِّف ُف ُه إِ َذا ن ََز َل‪َ ,‬و ُه َو ِس َال ُح املُْ ْؤ ِم ِن فعن عائشة‬ ‫َو َي ْر َف ُع ُه‪َ ,‬أ ْو ُ َ‬
‫« ال يغني حذر من قدر‪ ،‬والدعاء ينفع مما نزل ومما م ينزل‪ ،‬وإن البالء لينزل فيتلقاه‬
‫رواه احلاكم ‪ .‬صحيح الرتغيب ‪.)5154‬‬ ‫الدعاء فيعتلجان إىل يوم القيامة»‬
‫ومن أعظم فوائد اإلكثار من الدعاء يف الرخاء أنه سبب اإلجابة يف الشدة‬
‫َجيب اهلل له‬
‫ِسه أن َي ْست َ‬ ‫قال‪َ « :‬م ْن َ َّ‬ ‫‪ :‬أن رسول اهلل‬ ‫والألواء فعن أِب هريرة‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الشدائد والك َُر ِ‬
‫ب ؛ َفل ُيكْثر م َن الدعاء ِف َّ‬
‫الرخاء» رواه الرتمذي‪ ,‬وانظر املرجع السابق‪.‬‬ ‫عندَ‬
‫وكيف مكن‬
‫اهلل ْلم وأعطاهم ما سألوا وجنبهم ما حذروا وكشف عنهم البالء ورفع عنهم‬
‫الشدائد لوجدتم أن فقرنا وشدة حاجتنا إىل الدعاء وأن سبب ما حل بنا هو بتقصرينا‬
‫نوح ‪ ‬أول رسول إىل أهل األرض يقص اهلل علينا خربه‬ ‫وتفريطنا فيه فذلك ٌ‬
‫َ ُ َ َ َ َ َ ُ َ َ ذ َ َٰ ُ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫اد َٰ‬ ‫فقال سبحانه‪َ ﴿ :‬ونُ ً‬
‫ب‬‫ى مِن قبل فٱستجبنا َلۥ فنجينه وأهلهۥ مِن ٱل ِ‬
‫ر‬ ‫ك‬ ‫وحا إِذ ن‬
‫ِين َك ذذبُوا ْ أَ‍ِب َتَٰيَٰتِنَا ٓ إ ذن ُهم ََكنُوا ْ قَو َم َسوء فَأَغ َرق َنَٰهمُ‬
‫ٱل َع ِظي ِم ‪َ 76‬ون َ ََص َنَٰ ُه م َِن ٱل َقو ِم ذٱَّل َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أَجعِي﴾ [االنبياء‪.]77 ,76 :‬‬
‫‪545‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬غنيمة رمضان (الدعـ ـ ــاء)‬
‫ذ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ َ ُّ َ ذ ذ َ ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫عنوانِل مِما يدعون ِّن إِْيهِ ِإَوَل‬
‫‪‬حب إ ِ‬ ‫ب السِجن أ‬ ‫ويوسف ’ يدعو ربه﴿ ر ِ‬
‫َ َْ َ َ َ‬ ‫ك ْن م َِن ْ َ‬‫َ َْ ُ ذ َ ْ ُ َْ ذ ََ ُ‬ ‫َ ْ ْ َ‬
‫ب َُل َر ُّب ُه‬ ‫ِي ‪ 33‬فاستجا‬‫اْلاهِل َ‬ ‫َصف ع ِّن كيدهن أصب إِْي ِهن وأ‬ ‫‪1‬ت ِ‬
‫ْ الباب األول‪:‬‬
‫ِيم‪[ ﴾34‬يوسف]‪.‬‬ ‫يع ال َعل ُ‬ ‫َص َف َعنْ ُه َكيْ َد ُه ذن إنذ ُه ُه َو ذ‬
‫الس ِم ُ‬ ‫فَ َ َ‬
‫ِ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وهكذا أيوب ’ يدعو بكشف البالء فيستجيب له رب األرض والسامء‪:‬‬
‫جبْنَا ََلُ‬ ‫ِي ‪ 83‬فَ ْ‬
‫اس َت َ‬ ‫اۡح َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ ُّ َ َ ْ َ َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُّ َ ْ َ َ َ ذ ُ َ‬
‫ذ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫﴿وأيوب إِذ نادى ربه أ ِّن مس ِّن الض وأنت أرحم الر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ َ ََْ ُ َ ْ َُ َ َُْ ْ َ َ ُ ْ َ ًَْ ْ ْ َ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ك َش ْفنَا َ‬
‫ض وآ َتينا أهله ومِثلهم معهم رۡحة مِن عِندِنا وذِكرى‬ ‫ٍ‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ف‬
‫ِين‪[ ﴾84‬األنبياء]‪.‬‬ ‫ل ِلْ َعابد َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ذ ٓ َ َٰ َ ذ ٓ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫حَٰ َنك إ ِ ِّن‬ ‫ت أن َل إِله إَِل أنت سب‬ ‫ى ِف ٱلظلم َٰ ِ‬ ‫اد َٰ‬ ‫وذاك يونس ’ الذي ﴿ن‬
‫َ َ َ َ ُ‬ ‫َذ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ُ ُ َ ذ‬
‫ِي ‪88‬‬ ‫جب َنا َُلۥ َوَني َن َٰ ُه م َِن ٱلغ ِم َوكذَٰل ِك ِۨ‬
‫نج ٱل ُمؤ ِمن َ‬ ‫ي ‪ 87‬فٱست‬ ‫ٱلظَٰلِم َ‬
‫ِ‬ ‫كنت مِن‬
‫﴾ [االنبياء‪.]88 ,87 :‬‬

‫َ ََ ذٓ َ َ‬
‫ى َر ذب ُهۥ‬
‫اد َٰ‬ ‫وتأمل يف شأن نبي اهلل زكريا ’ الذي قال اهلل عنه ‪ ﴿ :‬وزكرِيا إِذ ن‬
‫ي َوأَصلَحناَ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫جبنَا َُلۥ َو َو َهبنَا َُلۥ ََي َ َٰ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ٗ ََ َ َ‬
‫ب َل تذر ِن فردا وأنت خي ٱلورِث ِي ‪ 89‬فٱست‬
‫َ َ ََ‬
‫ر ِ‬
‫َ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ ٓ ذ ُ َ ُ ْ ُ َ َٰ ُ َ‬
‫ت َويَد ُعوننَا َرغ ٗبا َو َره ٗبا َوَّكنوا نلَا‬ ‫َ‬
‫س ِرعون ِف ٱخلي َر َٰ ِ‬ ‫َلۥ زوجهۥ إِنهم َكنوا ي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خَٰشِ عِي ‪[ ﴾ 90‬االنبياء‪.]91 ,89 :‬‬

‫وأما نبينا حممد فاألدلة يف شأن دعائه ربه واستجابة اهلل له أكثر من أن حتْص‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ َ‬
‫وأشهر من أن تذكر قال اهلل تعاىل عنه وعن أصحابه الكرام ‪﴿ :‬إِذ ت ْس َتغِيثون َر ذبك ْم‬
‫ََ َ ََُ ذُ ذ‬ ‫َ َْ َ َ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َ َْ َ َ َ ُ َ‬
‫اّلل إَِل‬ ‫ِي ‪ 9‬وما جعله‬ ‫كةِ ُم ْردِف َ‬ ‫اب لك ْم أ ِّن ُم ِم ُّدك ْم بِأل ٍف مِن المَل ِئ‬ ‫فاستج‬
‫اّلل َعز ٌ‬ ‫ُُ ُ ُ ْ ََ ذ ْ ُ ذ ْ ْ ذ‬
‫اّلل ِ إ ذن ذ َ‬ ‫بُ ْ َ‬
‫ِيم‪﴾10‬‬‫يز َحك ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّشى َوِلِ َ ْط َمئ ِ ذن بِهِ قلوبكم وما انلَص إَِل مِن عِن ِد‬
‫[األنفال]‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪542‬‬
‫فأنبياء اهلل تعاىل ورسله عليهم الصالة والسالم واجهوا كروبا وشدائد خاصة‬
‫وعامة فكان الدعاء سبيلهم السالك إىل كشف تلك البليات‪.‬‬
‫كثرت الفتن‪ ,‬واشتدت‬
‫ُعقد احلياة‪ ,‬وضاقت معايش الناس‪ ,‬وتواترت املصائب اخلاصة والعامة من كل‬
‫جانب‪ ,‬ويف خضم هذه الظلامت ال ينجي اإلنسان املسلم إال رجوعه إىل ربه ودعاؤه‬
‫وابتهاله واليقني بأن الفرج من عنده‪.‬‬
‫فاللهم فرج هم املهمومني من املسلمني ويِس أمر الفقراء واملعوزين واقض‬
‫الدين عن املدينني وعاف مرضانا ومرىض املسلمني أقول قويل هذا وأستغفر اهلل يل‬
‫ولكم ولسائر املسلمني من كل ٍ‬
‫ذنب وخطيئة‪ ,‬فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫احلمد هلل حق احلمد وأوفاه‪ ,‬والصالة والسالم عىل رسوله و ُمصطفاه‪ ,‬وأشهد أن ال‬

‫صىل اهلل وس َّلم َ‬


‫وبارك‬ ‫إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله‪َّ ,‬‬
‫عليه‪ ,‬وعىل آله وصحبه ومن وااله‪.‬‬
‫إن احلياة الدنيا مشوبة باألكدار واآلالم‪ ,‬واألوجاع‬
‫واألسقام‪ ,‬والشدائد واملصائب‪ ,‬والكروب واألحزان‪ ,‬فقر وديون‪ ,‬أمراض وذل‪,‬‬
‫ٍ‬
‫وأمان غري‬ ‫حروب وفتن‪ ,‬اضطراب وقلق‪ ,‬عقم وعنوسة‪ ,‬مع حاجات مستمرة‪,‬‬
‫منقطعة‪.‬‬
‫وال بىىىىىد أن جتىىىىىري عليىىىىىه الثامنيىىىىىة‬ ‫ثامنيىىىىة ال بىىىىد منهىىىىا عىىىىىل الفتىىىىى‬
‫‪543‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬غنيمة رمضان (الدعـ ـ ــاء)‬
‫سىىىقم وعافيىىىة‬
‫ٌ‬ ‫وعسىىىىرعنوان‬
‫ويسىىىى ٌر‪ ,‬ثىىىم‬ ‫‪ٌ‬‬ ‫واجىىىىىتامع وفرقىىىىى ٌة‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وهىىىىىم‪,‬‬
‫ٌ‬ ‫رسور‬
‫من ْلذه التحديات احلياتية الكبرية؟ هل يستطيع هذا اإلنسان الذي احيط به‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫النقص من كل جانب أن ينتْص عليها وحده؟ إذا ظن بنفسه‪-‬دون عون ربه‪ -‬القدرة‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫عليها فقد خذل وذهب يف كل مهلك‪.‬‬
‫فأول ما يقضىي عليه اجتهاده‬ ‫إذا مل يكن عون من اهلل للفتى‬

‫من اخلطأ الكبري أن جلأ الناس إىل الناس وتركوا رب‬


‫الناس؟! ملاذا كثر التذلل بني أيدي اخللق ومل يكن ذلك بني يدي اخلالق؟! ملاذا بحث‬
‫البش عن احللول ملشكالُتم يف غري كتاب اهلل وسنة رسوله ؟! أمل يقل اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ََْ‬ ‫ُ ْ ْ ْ َ َ َ ذ ُ ذ َ َ ذ ُ ُ ُّ ُّ َ َ‬
‫ُ‬
‫الض فإِْيْهِ َتأرون ‪﴾53‬‬ ‫﴿ َو َما بِكم مِن ن ِعم ٍة ف ِمن اّلل ِ ثم إِذا مسكم‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َذ ْ ُ ُ ُْ ْ َ ذ َ َ َ ُ َ َ ْ ُ‬
‫َييب المضطر إِذا دَع ويكشِف السوء﴾ [النمل‪:‬‬ ‫[النحل]وقال سبحانه‪﴿ :‬أمن ِ‬
‫‪.]62‬‬
‫ِأمن العقل واحلكمة أن ُيدعى العاجز والقادر موجود‪ ,‬ويستغاث بالضعيف‬
‫ُ‬
‫البخيل والكريم باذل ملن يأتيه ما يرجوه؟ أليس‬ ‫والقوي ينْص من يدعوه‪ ,‬و ُيستمنح‬
‫اهلل أرحم وأكرم أن ُيدعى و ُيسأل دون غريه!‪.‬‬
‫أسلم‬ ‫ِ‬
‫السكوت فإن ذلك‬ ‫ثوب‬ ‫يىىىت ِ‬
‫بم ْحنىىى َة فىىىالبس ْلىىىا‬ ‫وإذا ابتُلِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬

‫الرحيم إىل الذي ال َي ْر َحم‬


‫َ‬ ‫تشكو‬ ‫تشىىىىىكون إىل العبىىىىىاد فىىىىىإنام‬
‫َ‬ ‫ال‬

‫أهيا الصائمون األفاضل‪ ,‬ما زالت عطايا الرب الكريم يف الشهر الكريم تتواىل‬
‫وتتحبب ألهل الطاعة؛ علها جتد لدهيم مهة عالية وعزمة صاحلة تُقبِل هبم إىل َمعني‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪544‬‬
‫تلك العطيات السنية؛ ليغسلوا أرواحهم‪ ,‬ويطهروا قلوهبم؛ لتصفو‪-‬بعد ذلك‪-‬‬
‫دنياهم وأخراهم‪.‬‬

‫الثمينة التي جيدها الصائم يف هذا الشهر ّ‬


‫اخلري‪ :‬استجابة‬ ‫أال وإن من تلك التح‬
‫الدعاء‪.‬‬
‫فالروح يف رمضان تسمو وتقبل‪ ,‬والقلب يرق وخيشع‪ ,‬والعني تبكي وتدمع‪,‬‬
‫والنفس واْلوى ووساوس الشيطان تقيم يف ُه َّوة االنكسار والفتور‪.‬‬
‫فحينام يصل الصائم إىل هذه احلال من االستقامة واإلخبات بحيث اكتست‬
‫جوارحه بالعمل الصالح واالستجابة واالنقياد لربه يكون إقباله عىل الدعاء بقوة‬
‫يقني‪ ,‬وذل وإحلاح شديدين بني يدي ربه‪ ,‬فيغدو عند ذلك مسموع الدعوة‪ ,‬قريب‬
‫اإلجابة‪.‬‬
‫‪ -‬أن الدعاء عباد ٌة ال بد فيها من رشوط وآداب حتى ينيل‬
‫اهلل صاحبها ما يريد‪.‬‬
‫ُ َ ْ َ ُّ َ‬
‫َح َل‬ ‫فمن آداب ورشوط الداعي‪ :‬أن يكون خملصا يف دعائه‪ ,‬قال تعاىل‪﴿ :‬هو ال‬
‫ي﴾ [غافر‪.]61 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِين ْ َ‬
‫اْل ْم ُد ِ ذّلل ِ َرب ال ْ َعالَم َ‬ ‫إ َ ََل إ ذَل ُه َو فَادْ ُعو ُ ُُمْل ِص َ‬
‫ي َ َُل ادل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ومن آداب الداعي أن يكون واثقا باهلل وأنه ال يقيض حاجته إال هو‪ ,‬وعىل قدر يقينه‬
‫تكون إجابته‪.‬‬
‫وأن يكون حاَض القلب‪ ,‬بعيدا عن الغفلة أثناء دعائه‪ ,‬فعن عبد اهلل بن‬
‫وب َأ ْو ِع َي ٌة ‪َ ،‬و َب ْع ُض َها َأ ْو َعى ِم ْن َب ْعض ‪َ ،‬فإِ َذا‬
‫قال‪« :‬ا ْل ُق ُل ُ‬ ‫أن رسول اهلل‬ ‫عمرو‬
‫‪545‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬غنيمة رمضان (الدعـ ـ ــاء)‬
‫يب لِ َع ْبد‬ ‫اإل َجا َب ِة‪َ ،‬فإِ َّن اهللَ َال َي ْست ِ‬
‫َج ُ‬ ‫عنوان‬ ‫‪ِْ‬‬‫ُون بِ‬ ‫س َأ ْلتُم اهللَ ¸ َأهيا النَّاس َفاس َأ ُلوه و َأ ْنتُم م ِ‬
‫وقن َ‬ ‫ْ ُ َ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ َ‬ ‫َ ُ‬
‫َد َعا ُه َع ْن َظ ْه ِر َق ْلب غَافِل»رواه أمحد وحسنه بعضهم‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ومن آداب الداعي أن يكون آكال للحالل بعيدا عن احلرام‪ ,‬فعن أبى هريرة‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫‪ « :‬أهيا الناس‪ ،‬إن اهلل طيب ال يقبل إال طيبا‪ ،‬وإن اهلل أمر‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫اْلاً‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َُ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُّ َ ُّ ُ ُ ُ ُ‬
‫ات واعملوا ص ِ‬ ‫امللؤمنني بام أمر به املرسلني فقال ﴿ يا أيها الرسل ُكوا مِن الطيِب ِ‬
‫آمنُوا ْ ُُكُوا ْ مِن َطي َبات ماَ‬‫ِين َ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ‬ ‫ون َعل ٌ‬‫َ ََُْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِيم ﴾ [املؤمنون‪ ,]55 :‬وقال ﴿ يا أ يها اَّل‬ ‫إ ِ ِّن بِما تعمل‬
‫ْ ُ‬
‫َر َزقنَاك ْم ﴾ [البقرة‪ .»] 572‬ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغرب‪ ،‬يمد يديه إىل السامء‬
‫يا رب‪ ،‬يا رب‪ ،‬ومطعمه حرام ومرشبه حرام‪ ،‬وملبسه حرام وغذى باحلرام فأنى‬
‫يستجاب لذلك! » رواه مسلم‪.‬‬
‫حبذا لو كان الداعي متوضئا‪ ,‬متجها نحو القبلة‪ ,‬مثنيا عىل اهلل تعاىل بام هو أهله‬
‫قبل دعائه‪ ,‬رافعا يديه إىل اهلل تعاىل‪,‬‬
‫وأما الدعاء فال بد أن يكون مباحا‪ ,‬ليس فيه ما‬
‫اب لِ ْل َع ْب ِد َما َ م ْ َيدْ ُع بِإِ ْثم‪َ ،‬أ ْو َقطِي َع ِة‬
‫‪َ « :‬ال َيز َُال ُي ْست ََج ُ‬ ‫حمظور يف الشع‪ ,‬قال النبي‬
‫ول ‪َ :‬قدْ َد َع ْو ُت َو َقدْ‬ ‫هلل َما ِاال ْستِ ْع َج ُال؟ َق َال ‪َ :‬ي ُق ُ‬ ‫ول ا ِ‬ ‫ج ْل ِق َ‬
‫يل ‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َر ِحم ‪َ ،‬ما َ م َي ْس َت ْع ِ‬
‫ْ‬
‫اء» رواه مسلم ‪.‬‬ ‫ك ‪َ ،‬و َيدَ ُع الدُّ َع َ‬ ‫رس ِعنْدَ َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫يب ِِل َف َي ْست َْح ُ‬
‫َج ُ‬‫َد َع ْو ُت ‪َ ،‬ف َل ْم َأ َر َي ْست ِ‬

‫واإلثم يشمل كل دعاء جير إىل الذنب‪ ,‬والقطيعة تشمل كل دعاء فيه ظلم‬
‫للمسلمني من األقارب أو األباعد‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪546‬‬
‫ومن آداب الداعي أن خيتار جوامع الدعاء يف دعائه‪ ,‬وجوامع الدعاء‪ :‬هي‬
‫‪:‬‬ ‫األدعية التي تتضمن خريي الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومنها ما كان يكثر منه رسول اهلل‬
‫«ربنا آتنا ِف الدنيا حسنة‪ ،‬وِف اآلخرة حسنة‪ ،‬وقنا عذاب النار»‪,‬‬
‫ومن آداب الداعي أن خيتار األوقات املناسبة إلجابة الدعاء ومنها‪ :‬هنار الصيام‬
‫وعند فطره‪ ,‬والساعة األخرية من يوم اجلمعة‪ ,‬ويف السجود‪ ,‬ويف الثلث األخري من‬
‫الليل ‪ ,‬وبني األذان واإلقامة‪ ,‬وغري ذلك‪.‬‬
‫ذ‬
‫ومن أعظم آداب الدعاء التوسل بأسامء اهلل وصفاته قال سبحانه ‪َ ﴿ :‬و ِّلل ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ ُْ ْ َ َ ْ‬
‫السماء اْلسّن فادعو بِها﴾ [األعراف‪.]581 :‬‬
‫ومعنى دعائه بأسامئه التعبدله بمقتضاها‪ ,‬ومن ذلك أن ُيقدِّ م السائل بني يدي‬
‫مسألته ما يناسبها من أسامء اهلل احلسنى كقول ‪ :‬يا غفور اغفر يل) و يا رحيم ارمحني)‬
‫رزاق ارزقني ) و يا تواب تب عيل ) و يا شايف اشفني ) و يا جميب املضطرين‬
‫و يا َّ‬
‫أجب دعوي) ونحو ذلك‪,‬‬
‫فاللهم أعنا عىل ذكرك وشكرك وحسن عبادتك‪ ,‬اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك واملشكني‪,‬‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫ِ‬

‫ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬ ‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫َ‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫‪547‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬غنيمة رمضان (الدعـ ـ ــاء)‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬ ‫‪‬عنوان‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫التواب الرحيم‪ ,‬واغفر لنا‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫قريب‬
‫ٌ‬ ‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب النَّار‬‫يب الدعوات‪ .‬ال َّل ُه َّم َر َّبنَا آتنَا ِيف الدُّ ْن َيا َح َسنَة ‪َ ,‬و ِيف ْاآلخ َرة َح َسنَة ‪َ ,‬وقنَا َع َذ َ‬
‫ُجم ُ‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪548‬‬

‫ونستغفره‪ ,‬ونعو ُذ باهلل من رشور أنفسنا‪ ,‬ومن‬


‫ُ‬ ‫إن احلمد هلل؛ نحمدُ ه‪ ,‬ونستعينُه‪,‬‬
‫مضل له‪ ,‬و َمن يضلِ ْل؛ فال هادي له‪ ,‬وأشهد أن ال إله‬
‫س ِّيئات أعاملنا‪َ ,‬من هيده اهلل؛ فال َّ‬
‫أن حممدا عبدُ ه ورسو ُل ُه‬‫يك له‪ .‬وأشهدُ َّ‬‫إال اهلل‪ ,‬وحدَ ه ال رش َ‬
‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ ذ ُ ذ َ ذ ُ َ َ َ َ ُ ُ ذ ذ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬
‫{ياأيها اَّلِين آمنوا اتقوا اّلل حق تقاتِهِ وَل تموتن إَِل وأنتم مسل ِمون}‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ُ ذ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ‬
‫اس اتقوا َر ذبك ُم اَّلِي خلقك ْم م ِْن نف ٍس َواح َِد ٍة َوخل َق مِن َها‬ ‫{ياأيها انل‬
‫َ َْْ َ َ ذ‬ ‫ََ َُ َ‬ ‫ذَ ذ‬ ‫َ ْ َ َ ََ ذ ُْ َ َ ً َ ً َ َ ً ذُ‬
‫ام إِن‬ ‫اءلون بِهِ والرح‬ ‫اّلل اَّلِي تس‬ ‫اء َواتقوا‬ ‫زوجها وبث مِنهما رِجاَل كثِيا ون ِس‬
‫ذَ َ َ َ َْ ُ‬
‫ك ْم َرقِيبًا}‬ ‫اّلل َكن علي‬
‫ُ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َ ُ‬
‫كمْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ذَ َُ ُ ًَْ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ ذ ُ‬
‫{ياأيها اَّلِين آمنوا اتقوا اّلل وقولوا قوَل سدِيدا ‪ 70‬يصل ِح لكم أعمال‬
‫از فَ ْو ًزا َع ِظ ً‬
‫يما}‪،‬‬ ‫اّلل َو َر ُس َ ُ‬
‫وَل َف َق ْد فَ َ‬ ‫ََ ْ ْ َ ُ ْ ُُ َ ُ‬
‫ك ْم َو َم ْن ي ُ ِطعِ ذ َ‬ ‫ويغفِر لكم ذنوب‬
‫َأ َّما َب ْعدُ ‪:‬‬
‫َاب اهللِ‪َ ,‬و َخ ْ َري ْاْلَدْ ِي َهدْ ُي ُحم َ َّم ٍد ‪ -‬صىل اهلل عليه وآله وسلم‬ ‫َفإِ َّن َخري ْ ِ ِ ِ‬
‫احلديث كت ُ‬ ‫َْ َ‬
‫ال َل ٍة ِِف الن ِ‬
‫َّار‪.‬‬ ‫اُتا‪َ ,‬وك َُّل ُحم ْدَ َث ٍة بِدْ َع ٌة‪َ ,‬وك َُّل بِدْ َع ٍة َض َ‬
‫ال َل ٌة‪َ ,‬وك َُّل َض َ‬ ‫‪َ ,-‬و َرش األُ ُم ِ‬
‫ور ُحم ْدَ َث ُ َ‬ ‫َّ‬
‫خطبة اليوم تتعلق بأحد أركان اإلسالم ومبانيه العظام إهنا‬
‫ُ ْ ذ‬
‫التي قرنت بالصالة يف اثنتني وثامنني آية‪ ,‬قال اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬و َمآ أم ُِروا إَِل‬
‫ِين‬ ‫الصلَوةَ َو ُي ْؤتُوا ْ ذ‬
‫الز َكوةَ َوذَل َِك د ُ‬ ‫يموا ْ ذ‬ ‫ي َ َُل ادل َ‬
‫ِين ُحنَ َف َ‬
‫آء َو ُيقِ ُ‬ ‫ِْيَ ْع ُب ُدوا ْ ذ َ‬
‫اّلل ُُمْل ِص َ‬
‫ِ‬
‫ََ ُ ْ ذ َ َ َ َ ُ ْ ذ َ َ ََْ ُ ُ ذَ َْ ً‬ ‫َ‬
‫القي ِ َمةِ﴾ [البينة‪ ،]1 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬وأقِيموا الصلوة وءاتوا الزكوة وأق ِرضوا اّلل قرضا‬
‫َ ذ ُ َ َ ْ ً ََ ْ َ َ َ ْ ً‬ ‫ُ ْ ْ َ ْ َ‬ ‫َ َ ً ََ َُ ُ ْ ُ‬
‫ي َتِ ُدو ُ عِند اّلل ِ هو خيا وأعظم أجرا‬ ‫ٍ‬ ‫خ‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ِك‬ ‫س‬ ‫نف‬ ‫حسنا وما تقدِموا ل‬
‫‪549‬‬ ‫خطبة بعنوان (التذكري بشعرية الزكاة)‬
‫ً‬ ‫ََ َ َْ‬
‫آءاتيتُ ْم مِن رِبا‬ ‫عنوانتعاىل‪﴿ :‬وم‬
‫‪ ‬وقال‬ ‫َ َْْ ُ ْ ذَ ذ ذَ َُ ٌ ذ ٌ‬
‫واستغفِروا اّلل إِن اّلل غفور رحِيم﴾ [املزمل‪,]21 :‬‬

‫ََ ُ ُ َ ْ ذ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َُْ ْ َ ذ‬ ‫َْ ْ َ‬


‫يدون َوج َه اّلل ِ‬ ‫ِند اّلل ِ َو َمآ ءاتيتُ ْم مِن زكو ٍة ت ِر‬
‫اس فَل يربوا ع‬ ‫ِيبُ َوا ِف أ ْم َوا ِل انلذ ِ‬ ‫ل‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪ْ ُ ُ َ َ َُ1‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وفرض َّيتها كثريةٌ‪ ,‬وأ َّما‬‫وجوب الزكاة ْ‬ ‫واآليات يف‬
‫ُ‬ ‫فأولئِك هم المض ِعفون﴾ [الروم‪.]39 :‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫قال‪ُ « :‬بني‬ ‫النبي‬
‫عن ِّ‬ ‫مر‬ ‫ُ‬
‫األحاديث فمنها ما يف الصحيحني عن عبداهلل بن ُع َ‬
‫رمضان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الزكاة‪ ،‬وصيا ِم‬ ‫ِ‬
‫وإيتاء‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪،‬‬ ‫وحدَ اهلل‪ ،‬وإقا ِم‬ ‫ا ِ‬
‫َ‬ ‫أن ُي َّ‬
‫إلسال ُم عىل مخسة‪ :‬عىل ْ‬
‫‪َ « :‬م ْن آتَا ُه اهللُ َم ًاال ‪،‬‬ ‫هلل‬
‫ول ا ِ‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫واحلج»‪.‬وفيهام أيضا َع ْن َأ ِِب ُه َر ْي َر َة‬ ‫ِّ‬
‫َان ‪ُ ،‬ي َط َّو ُق ُه َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ‪ُ ،‬ث َّم‬
‫َف َل ْم ُي َلؤ ِّد َزكَا َت ُه ‪ُ ،‬م ِّث َل َل ُه َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ُش َجا ًعا َأ ْق َر َع ‪َ ،‬ل ُه َزبِي َبت ِ‬

‫َِب‬‫ك ‪َ ،‬أنَا كنز َك ‪ُ ،‬ثم ت ََال‪ { :‬و ََل ََيْس َ ذ‬ ‫ول‪َ :‬أنَا َما ُل َ‬ ‫َي ْأ ُخ ُذ بِلِ ْه ِز َم ْي ِه ‪َ ،‬ي ْعنِي ِشدْ َق ْي ِه ‪ُ ،‬ث َّم َي ُق ُ‬
‫َّ‬ ‫َُْ‬
‫ذ َ َ ُ َ‬
‫ِين َيبْخلون } ْاآل َي َة» ‪.‬‬ ‫اَّل‬
‫اآلخرة َق َال‬ ‫فصاحب املال إذا م يلؤد زكا َته صار عذابا له ووباالً عليه ِف الدّ نيا وِف ِ‬
‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ب َذ َهب ‪َ ،‬و َال فِ َّضة َال ُي َلؤ ِّدي ِمن َْها َح َّق َها ‪ ،‬إِ َّال إِ َذا ك َ‬
‫َان َي ْو ُم‬ ‫اح ِ‬ ‫ول اهللِ ‪« :‬ما ِمن ص ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫َار َج َهن ََّم ‪َ ،‬ف ُيك َْوى ِ َهبا َجنْ ُب ُه ‪،‬‬ ‫ت َل ُه َص َفائِ ُح ِم ْن نَار َف ُأ ْمحِ َي َع َل ْي َها ِِف ن ِ‬ ‫ا ْل ِق َي َام ِة ُص ِّف َح ْ‬
‫ني َأ ْل َ َسنَة ‪َ ،‬حتَّى‬ ‫ِ‬ ‫وجبِينُه و َظهره ‪ُ ،‬ك َّلام برد ْت ُأ ِعيدَ ْت َله ِِف يوم ك َ ِ‬
‫َان م ْقدَ ُار ُه َمخْس َ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ َ ُ َ ُُْ‬
‫اإلبِ ُل ؟‬
‫ول اهللِ ‪َ :‬ف ْ ِ‬ ‫َّار ِقي َل َيا َر ُس َ‬ ‫اجلن َِّة ‪َ ،‬وإِ َّما إِ َىل الن ِ‬ ‫ي ْق َىض بني ا ْل ِعب ِ‬
‫اد ‪َ ،‬ف َ َريى َسبِي َل ُه إِ َّما إِ َىل َْ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ب إِبِل َال ُي َلؤ ِّدي ِمن َْها َح َّق َها ‪َ ،‬و ِم ْن َح ِّق َها َح ْل ُب َها َي ْو َم ِو ْر ِد َها ‪ ،‬إِ َّال إِ َذا ك َ‬
‫َان‬ ‫ِ‬
‫َق َال‪َ :‬و َال َصاح ُ‬
‫َت َال ي ْف ِقدُ ِمنْها َف ِص ًيال و ِ‬
‫احدً ا ‪َ ،‬ت َط ُلؤ ُه‬ ‫َي ْو ُم ا ْل ِق َي َام ِة ُبطِ َح َهلا بِ َقاع َق ْر َقر َأ ْو َف َر َما َكان ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َان ِم ْقدَ ُار ُه‬
‫وال َها ‪ُ ،‬ر َّد َع َل ْي ِه ُأ ْخ َر َاها ِِف َي ْوم ك َ‬ ‫اه َها ‪ُ ،‬ك َّل َام َم َّر َع َل ْي ِه ُأ َ‬
‫بِ َأ ْخ َفافِها ‪ ،‬و َتع ُّضه بِ َأ ْفو ِ‬
‫َ َ َ ُ َ‬
‫يل َيا‬ ‫َّار ِق َ‬
‫اجلن َِّة ‪َ ،‬وإِ َّما إِ َىل الن ِ‬
‫اد َف َ َريى َسبِي َل ُه إِ َّما إِ َىل َْ‬ ‫َمخ ِْسني َأ ْل َ سنَة ‪ ،‬حتَّى ي ْق َىض بني ا ْل ِعب ِ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪551‬‬
‫ب َب َقر ‪َ ،‬و َال َغنَم َال ُي َلؤ ِّدي ِمن َْها َح َّق َها إِ َّال‬ ‫ِ‬
‫ول اهللِ ‪َ :‬فا ْل َب َق ُر ‪َ ،‬وا ْل َغن َُم ؟ َق َال‪َ :‬و َال َصاح ُ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫إِ َذا ك َ‬
‫اء ‪َ ،‬و َال‬ ‫َان َي ْو ُم ا ْلق َي َامة ُبط َح َهلا بِ َقاع َق ْر َقر َال َي ْفقدُ من َْها َش ْي ًئا‪َ ،‬ل ْي َس ف َيها َع ْق َص ُ‬
‫وال َها ُر َّد َع َل ْي ِه‬ ‫ج ْلحاء ‪ ،‬و َال ع ْضباء َتنْ َطحه بِ ُقر ِ‬
‫وَّنَا ‪َ ،‬و َت َط ُلؤ ُه بِ َأ ْظ َالفِ َها ُك َّل َام َم َّر َع َل ْي ِه ُأ َ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ ُ‬
‫اد ‪َ ،‬ف َ َريى َسبِي َل ُه إِ َّما‬ ‫َان ِم ْقدَ اره َمخ ِْسني َأ ْل َ سنَة ‪ ،‬حتَّى ي ْق َىض بني ا ْل ِعب ِ‬ ‫ُأ ْخ َر َاها ِِف َي ْوم ك َ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬
‫َّار »متفق عليه‪.‬‬ ‫اجلن َِّة ‪َ ،‬وإِ َّما إِ َىل الن ِ‬
‫إِ َىل َْ‬

‫ث ُم َعا ًذا ‪ ¢‬إِ َىل ا ْل َي َم ِن ‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ف َأ ْعلِ ْم ُه ْم‬ ‫و َع ِن ا ْب ِن َع َّباس ‪َ :‬أ َّن النَّبِ َّي ‪َ :‬ب َع َ‬
‫َأ َّن اهللَ ا ْف َرت َض ع َلي ِهم صدَ َق ًة ِِف َأمو ِ‬
‫اهل ْم ‪ ،‬ت ُْلؤ َخ ُذ ِم ْن َأغْ ن ِ َيائِ ِه ْم َوت َُر ُّد َع َىل ُف َق َرائِ ِه ْم» متفق‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ ْ َ‬ ‫َ‬
‫عليه‪.‬‬
‫لقد ُرشعت الزكاة حلكم سامية‪ ,‬وأهداف نبيلة‪ ,‬ال حتىص كثرة‪ ,‬منها‪:‬‬
‫تطهري املال وتنميته‪ ,‬وإحالل الربكة فيه‪ ,‬وذهاب رشه ووبائه‪ ,‬ووقايته من اآلفات‬
‫والفساد‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬تطهري املزكِّي من الشح والبخل‪ ,‬وأرجاس الذنوب واخلطايا‪ ,‬وتدريبه عىل‬
‫البذل واإلنفاق يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬مواساة الفقري وسد حاجة املعوزين والبائسني واملحرومني‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬حتقيق التكافل والتعاون واملحبة بني أفراد املجتمع‪ ,‬فحينام يعطي الغني أخاه‬
‫الفقري زكاة ماله ُّ‬
‫يستل هبا ما عسى أن يكون يف قلبه من حقد ومت ٍّن لزوال ما هو فيه من‬
‫نعمة الغنى‪ ,‬وبذلك تزول األحقاد ويعم األمن‪.‬‬
‫‪555‬‬ ‫خطبة بعنوان (التذكري بشعرية الزكاة)‬

‫عىلعنوان‬
‫املسلم من نعمة املال‪ ,‬وطاعة هلل‬ ‫‪‬‬ ‫ومنها‪ :‬أن يف أدائها شكرا هلل تعاىل عىل ما أسبغ‬
‫´ يف تنفيذ أمره‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ومنها‪ :‬أهنا تدل عىل صدق إيامن املزكي؛ ألن املال املحبوب ال خيرج إال ملحبوب أكثر‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫حمبة‪ ,‬وْلذا سميت صدقة؛ لصدق طلب صاحبها ملحبة اهلل‪ ,‬ورضاه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أهنا سبب لرضا الرب‪ ,‬ونزول اخلريات‪ ,‬وتكفري اخلطايا‪ ,‬وغريها‪.‬‬
‫َ َ‬
‫يأ ُّي َها‬ ‫كانت ‪ ،‬لقوله تعاىل‪َٰٓ ﴿ :‬‬ ‫ْ‬ ‫أي حال‬ ‫ب والفض ُة عىل ِّ‬ ‫فمن األصناف الزكوية ِّ‬
‫الذ َه ُ‬
‫َ َ َ َ ُّ َ َ َ ُ ُ َ َ َ‬ ‫امنُ ٓوا ْ إ ذن َكث ِ ٗ‬ ‫ذٱَّل َ‬
‫اس ب ِٱل َب َٰ ِط ِل‬ ‫كلون أم َوَٰل ٱنلذ ِ‬ ‫ان ْيأ‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ه‬‫ٱلر‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ار‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫ٱل‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ِين َء َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ َ ذ َ َ َ ذ َ َ ُ ُ ََ‬ ‫ذ َ َ َ‬‫ذ‬ ‫َ َ ُ ُّ َ َ َ‬
‫يل‬
‫يل ٱّلل ِ وٱَّلِين يك َِنون ٱَّلهب وٱلفِضة وَل ينفِقونها ِف سب ِ ِ‬ ‫ويصدون عن سب ِ ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫جبَاه ُهم‬ ‫ا‬‫ه‬‫ىبَ‬ ‫َٰ‬ ‫ًّم َعلَي َها ف نَار َج َه ذن َم َف ُتك َ‬
‫و‬ ‫َٰ‬ ‫ٱّلل ِ فَبَ ِّش ُهم ب َع َذاب أ ِْيم ‪ 34‬يَو َم َُي َ‬ ‫ذ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ َُ ُ ْ َ ُ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ ُُ ُُ َُ ُ ُُ َ َ‬
‫َنون ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫نت‬ ‫ك‬ ‫ا‬‫م‬ ‫وا‬ ‫وق‬ ‫ذ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ِك‬ ‫س‬ ‫نف‬ ‫ورهم هَٰذا َما كَنتم ِل‬ ‫وجنوبهم وظه‬
‫سبيل اهلل‪ ,‬وأع َظ ُم ِ‬
‫اإلنفاق يف سبيل اهلل‬ ‫ِ‬ ‫[التوبة‪ ]35,34 :‬واملُراد بِ َكن ِْزها َعدم ِ‬
‫إنفاقها يف‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫الز ِ‬
‫كاة‪.‬‬ ‫إنفا ُقها يف َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫والفضة سوا ٌء كانت ن ُقودا أو ت ْربا أو حل َّيا ُي ْل َ‬
‫بس أو ُي َع ُار‬ ‫الذهب‬ ‫وَتب الزكا ُة ِف‬
‫عبداهلل‬‫أو غريذلك‪ ,‬لعموم األدلة الدالة عىل وجوب الزكاة فيهام بدون تفصيل؛ فعن ِ‬
‫َ‬
‫و َم َع َها ابن ٌة ْلا ويف يد ا ْبنتِها مس َكتَان غليظتَان‬ ‫النبي‬ ‫ِ‬
‫أن ا ْمرأة أتَت َّ‬ ‫َّ‬ ‫بن َع ْمرو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ني زكا َة هذا؟ قالت‪ :‬ال‪.‬‬ ‫‪« :‬أ ُت ْعط َ‬ ‫ذهب أي س َو َاران غلي َظان) فقال ْلا ُّ‬
‫النبي‬ ‫من‬
‫وارين من نار؟ قال‪َ :‬فخَ َل َعت ُْهام فألقتها إىل‬ ‫ِ‬ ‫القيامة ِس‬
‫ِ‬ ‫أن يسو ِ‬
‫رك اهلل هبام يو َم‬ ‫رسك ْ ُ ِّ‬
‫قال‪ :‬أي ِ‬
‫َ ُ ُّ‬
‫رواه أمحدُ وأبو داودَ وغريهما‪ .‬صحيح أبي داود (‪.)4169‬‬ ‫وقالت‪ :‬مها هلل ورسوله»‪,‬‬ ‫النبي‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪552‬‬
‫وثامنني جرما‪ .‬فإذا بلغ مخسة‬
‫َ‬ ‫جتب الزكاة يف الذهب حتى َي ْب ُل َغ نصابا مخسة‬
‫وال ُ‬
‫وثامنني جراما وحال عليه احلول وجبت فيه الزكاة‪.‬‬
‫ربع ا ْل ُعرش فقط‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومقدار الزَّ ِ‬
‫الذهب والفضة ُ‬ ‫كاة ِف‬ ‫ُ‬
‫بلغت‬
‫ْ‬ ‫الفضة فتقو ُم مقا َمها‪ ,‬فإذا‬
‫بدل عن َّ‬ ‫األور ِاق النَّ ْق ِد َّي ِة ألهنا ٌ‬
‫َ‬ ‫وجتب الزكا ُة يف‬ ‫ُ‬
‫الزكاةُ‪,‬‬ ‫وج َب ْت فيها َّ‬ ‫ِ‬
‫نصاب الفضة َ‬ ‫َ‬
‫النقدية سوا ٌء كانت حاَضة عنده أ ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألوراق‬ ‫ِ‬
‫والفضة‬ ‫ِ‬
‫الذهب‬ ‫وجتب الزكا ُة يف‬
‫ُ‬
‫يف ِذ َم ِم الناس‪.‬‬
‫ثم َن َمبِ ْيع أ ْم أجرة‬ ‫ِ‬ ‫فتجب الزكا ُة يف الدَّ ِ‬
‫ين الثابت سوا ٌء كان قرضا أ ْم َ‬ ‫ُ‬ ‫وعىل هذا‬
‫سنة أو يؤخر زكاتَه حتى‬ ‫كل ٍ‬ ‫أم غري ذلك‪ ,‬إذا كان عىل ميلء ِ‬
‫باذ ٍل َف ُيزكِّيه َم َع َماله َّ‬ ‫َ‬
‫السنني‪,‬‬ ‫يقبِ َضه ُثم يزك ِ‬
‫ِّيه ِّ‬
‫لكل ما مىض من ِّ‬ ‫ُ َّ‬
‫تخراجه منه فال زكاة فيه حتى ي ْقبِ َضه‬‫ُ‬ ‫اس‬
‫يصعب ْ‬
‫ُ‬ ‫فإن كان عىل ُم ْع ِِس أو ُ َ ٍ‬
‫اطل‬ ‫ْ‬
‫السنِني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ف ُي َزكِّيه سنَة واحدة سن َة قبضه وال زكا َة عليه فيام ق ْب َلها من ِّ‬
‫أغ َىل منهام إالَّ ْ‬
‫أن‬ ‫وإن َ‬
‫كان ْ‬ ‫ادن ْ‬ ‫والفضة من املَع ِ‬
‫ِ‬ ‫الزكا ُة فيام ِسوى الذهب‬ ‫جتب َّ‬
‫َ‬ ‫وال ُ‬
‫للتجارة فيزكَّى َزكا َة ِجت ٍ‬
‫ارة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫يكون‬
‫ِ‬ ‫كل ما أعدَّ ه لل َّتك َّس ِ‬ ‫ِ‬
‫التجارة وهي ُّ‬ ‫وض‬‫َتب فيه الزكا ُة ُع ُر ُ‬
‫والتجارة من‬ ‫ب‬ ‫ومما ُ‬
‫كل‬ ‫أصناف املَال ف ُي َق ِّو ُم ِها َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ورشاب وسيارات وغريها من مجيع ْ‬ ‫وحيوان وطعام‬ ‫عقار‬
‫در‬‫ْرج ُر ْب َع ُع ْش ِق ْيمتِها سوا ٌء كانت قيمتُها بق ِ‬ ‫وخي ُ‬‫احل ْو ِل ُ‬ ‫ِ‬
‫رأس ْ‬ ‫َس ٍنة بام ت َُساوي عند‬
‫واالالت ِ‬
‫وق َط ِع‬ ‫ِ‬ ‫وجيب عىل أهل البِ َقاالت‬ ‫أكثر‪,‬‬ ‫َث َمنِها‪ ,‬ا َّل ِذي اشرتاها به أ ْم ّ‬
‫ُ‬ ‫أقل أ ْم َ‬
‫‪553‬‬ ‫خطبة بعنوان (التذكري بشعرية الزكاة)‬
‫زكاُتا‪,‬‬
‫وخيْرجوا َ‬ ‫‪‬عنوان‬
‫للصغري والكبري ُ‬ ‫اح ُصوها إحصاء دقيقا شامال‬‫الغيارات وغريها أن ُ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫احتا ُطوا وأخرجوا ما يكون به براء ُة ذ َ ْ‬
‫هم‪.‬‬ ‫شق عليهم ذلك ْ‬ ‫ْ‬
‫فإن َّ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫وينظروا كم قيمتها احلاَضة‪ ,‬سواء زادت عىل قيمة الشاء أو نقصت‪.‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫ومن األصناف التي أوجب اهلل فيها الزكاة اخلارج من‬
‫ُ ْ ذ‬
‫األرض من احلبوب والثامر‪ ,‬قال تعاىل ‪َ ﴿ :‬وءاتوا َحق ُه ي َ ْو َم َح َصادِ ِ﴾ [األنعام‪﴿ ,]546:‬يا‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ُْ ْ َ ذ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ َ ذ َ َ ُ ْ َ ُ ْ‬
‫ات ما كسبتم ومِما أخرجنا لكم من الر ِض وَل‬ ‫أيها اَّلِين ءامنوا أنفِقوا مِن طيب ِ‬
‫َ َ ذ ُ ْ َْ َ ْ ُ ُ ُ َ‬
‫تيمموا اخلبِيث مِنه تنفِقون﴾ [البقرة‪.]267:‬‬
‫ورشط ذلك أن تبلغ احلبوب والثامر مخسة أوسق‪ ,‬ما يعادل تسعامئة كيلو‪,‬‬
‫والواجب فيها العش أي‪ :‬عشها‪ ,‬عش اخلارج من احلبوب والثامر‪ ,‬إن سقيت بال‬
‫مؤونة وال كلفة‪ ,‬ونصف عشها إن سقيتها بالكلفة واملؤونة‪.‬‬
‫ومن األصناف التي أوجب اهلل فيها الزكاة ‪ :‬هبيمة األنعام من اإلبل والبقر‬
‫والغنم‪ ،‬إذا بلغت النصاب وكانت سائمة ترعى معظم احلول من نبات األرض‪ ,‬فال‬
‫يقرب ْلا العلف وال املاء‪ ,‬فإذا كانت كذلك وجبت فيها الزكاة‪ ,‬وأقل نصاب اإلبل‬
‫ّ‬
‫مخس‪ ,‬ونصاب الغنم أربعون‪ ,‬ونصاب البقر ثالثون‪.‬‬
‫واملاء معظم احلول فال زكاة فيها‪ ,‬إال أن‬ ‫يقرب هلا العل‬
‫أما هبيمة األنعام التي ّ‬
‫يقومها عند كل‬
‫يكون مالكها قد أعدّ ها للبيع والشاء‪ ,‬يعني عروض جتارة‪ ,‬فهذه ّ‬
‫عام‪ ,‬وخيرج زكاُتا ربع عش قيمتها‪ .‬وأما املوايش يف املزارع التي ال يقصد التجارة هبا‪,‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪554‬‬
‫وليست سائمة‪ ,‬ولكن أرباهبا ينفقون عليها‪ ,‬ويأكلون منها‪ ,‬ويشبون من ألباهنا‪ ,‬وال‬
‫قصد ْلم يف التجارة هبا‪ ,‬وليست سائمة فهذه ال زكاة عليها‪.‬‬
‫َحقني ْلا بِ ُم ْقت ََىض‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وأه َل َها ْ‬
‫املست‬ ‫صارف الزكاة ْ‬ ‫َ‬ ‫بني اهلل تعاىل َم‬
‫َّ َ‬
‫وأن هذه ِ‬
‫الق ْس َم َة‬ ‫أن رص َفها فيهم فريض ٌة الزم ٌة َّ‬ ‫ِع ْل ِمه وحكمتِه وعَدْ له ورمحتِه‪َ َّ ,‬‬
‫وبني َّ‬
‫ألن اهلل تعاىل‬ ‫غريها؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫الزكاة يف ِ‬ ‫ورصف‬
‫ُ‬ ‫جيوز َت َعدِّ هيا‬‫صادر ٌة عن عل ِم اهلل وحكمتِ ِه‪ ,‬فال ُ‬
‫ذ‬ ‫َ ْ‬
‫موض َعه‪َ ﴿ :‬و َم ْن أح َس ُن م َِن اّلل ِ‬ ‫ِ‬ ‫الّش ِء يف‬‫وضع َّ‬ ‫خلقه وأحك َُم يف ْ‬ ‫بمصالح ِ‬
‫ِ‬ ‫أ ْع َل َم‬
‫َ‬ ‫ْ ً َ‬
‫ُحكما ل ِق ْو ٍم يُوق ِنُون﴾ [املائدة‪.]51 :‬‬
‫ات‬ ‫الص َدقَ ُ‬
‫فهم األصناف الثامنية التي ذكرها اهلل يف كتابه يف قوله تعاىل‪﴿ :‬إ ذن َما ذ‬
‫ِ‬
‫ِي َو َِّف‬‫ِي َعلَيْ َها َوال ْ ُم َؤ ذل َفةِ قُلُوبُ ُه ْم َوَّف الرقَاب َوالْ َغارم َ‬
‫ل ِلْ ُف َق َراءِ َوال ْ َم َساكِي َوال ْ َعامِل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِيم َحك ٌ‬ ‫اّلل ِ َو ذ ُ‬
‫اّلل َعل ٌ‬ ‫َ َ ً ْ ذ‬ ‫ذ‬ ‫ذ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ِيم﴾ [التوبة‪.]61:‬‬ ‫يل فرِيضة مِن‬ ‫يل اّلل ِ وا ِب ِن السب ِ ِ‬
‫سب ِ ِ‬
‫إياك أن جتامل بالزكاة‪ ,‬فال تعطها الزوجة عوضا عن نفقتها‪,‬‬
‫وال تسمح من عليه دين وهو معِس أو اطل بنية الزكاة‪ ,‬وال ملن يعمل لك العمل‬
‫عوضا عن عمله‪ ,‬بل أدها للفقري حقا له أوجبه اهلل عليك‪.‬‬
‫وال زكاة عليك ‪ -‬أهيا املسلم ‪ -‬فيام تنتفع به من املتاع كمسكن ومركب وأثاث‪.‬‬
‫والذكر‬ ‫ِ‬
‫اآليات ّ‬ ‫بارك اهلل يل ولكم يف القرآن العظيم‪ ,‬ونفعني وإياكم بام فيه من‬
‫ِ‬
‫هبدي س ِّيد املرسلني وبقوله القويم‪ .‬أقول قويل هذا‪ ,‬وأستغفر اهلل‬ ‫احلكيم‪ ,‬ونفعنا‬
‫العظيم يل ولكم ولسائر املسلمني من ّ‬
‫كل ذنب‪ ,‬فاستغفرو ُه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪555‬‬ ‫خطبة بعنوان (التذكري بشعرية الزكاة)‬

‫عنوان‬
‫الثانية‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫اخلطبة‬
‫األول‪:‬‬
‫وتنمية لألموال‪ ,‬ورتب عىل‬ ‫احلمد هلل الذي فرض الزكاة تزكيةالباب‬
‫للنفوس‪,‬‬ ‫‪1‬‬
‫اإلنفاق يف سبيله خلفا عاجال وثوابا جزيال يف املآل‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫رشيك له‪ ,‬امللك الكبري املتعال‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله الذي حاز أكمل‬
‫صفات املخلوقني‪ ,‬وأجل اخلصال صىل اهلل عليه وعىل آله وأصحابه والتابعني ْلم‬
‫بإحسان‪ ,‬وسلم تسليام‪.‬‬
‫اخللق ويعود‬ ‫ِ‬ ‫العبادات التي ُاح ِسن هبا املك َّلف إىل‬‫ِ‬ ‫إن م َن‬ ‫أما بعد‪ّ :‬أهيا الناس‪َّ ,‬‬
‫والنفقات الواجب َة واملستح ّبة‪ ,‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫نف ُعها إىل فاعلِها أيضا الزكا َة املفروضة‬
‫ِي﴾ [سبأ‪َ ,]39:‬‬ ‫الرازق َ‬
‫ي ذ‬ ‫َش ٍء َف ُه َو ُُيْل ُِف ُه َو ُه َو َخ ْ ُ‬ ‫نف ْقتُ ْم م ِْن َ ْ‬‫ََ َ َ‬
‫وقال تعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫﴿وما أ‬
‫فيجازيكم عليه‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫ِيم﴾ [آل عمران‪ ]92:‬أي‪:‬‬ ‫اّلل بهِ َعل ٌ‬ ‫َش ٍء فَإ ذن ذ َ‬ ‫﴿ َو َما ُتنْفِ ُقوا م ِْن َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ُ َ ًَ َ ْ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫وقال تعاىل‪﴿ :‬إ ذن ذ َ‬
‫دلن ُه‬ ‫ت مِن‬ ‫اّلل َل َيظل ُِم مِثقال ذ ذرةٍ ِإَون تك ح َسنة يُضاعِف َها َويُؤ ِ‬ ‫ِ‬
‫ذ‬
‫اّللَ‬ ‫ذ َ َ ُ ذ َ َ ََْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ً‬ ‫َ ًْ َ‬
‫أجرا ع ِظيما﴾ [النساء‪ ,]41:‬وقال تعاىل‪﴿ :‬وأقِيموا الصَلة وآتوا الزَكة وأقرِضوا‬
‫ع َظمَ‬ ‫ُ ْ ْ َ ْ َ ُ ُ ْ َ ذ ُ َ َ ًْ ََ ْ‬ ‫َُْ‬ ‫قَ ْر ًضا َح َسنًا َو َما ُت َقد ُ‬
‫ي َتِدو عِند اّلل ِ هو خيا وأ‬ ‫ٍ‬ ‫خ‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ِك‬ ‫س‬ ‫ف‬‫ن‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ِم‬
‫ً‬ ‫َ ْ‬
‫أجرا﴾ [املزمل‪.]21:‬‬
‫ُ‬
‫الرجل زكا َة‬ ‫إن أ َّدى‬‫أرأيت ْ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل!‬ ‫قال‪ :‬قال رجل‪ :‬يا‬ ‫وعن جابر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ماله؟ فقال رسول اهلل ‪َ « :‬من أ َّدى زكا َة ماله؛ فقد ذهب عنه َ ُّ‬
‫رشه»‪ .‬رواه الطرباني يف "األوسط»انظر‬

‫صحيح الرتغيب(‪.)911‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪556‬‬
‫ِ‬
‫بركة املال‬ ‫حمق‬ ‫وعدَ م ِ‬
‫أدائها ُ‬ ‫عظيم‪َ ,‬‬ ‫ِ‬
‫الزكاة يف اإلسالم‬ ‫ُ‬
‫شأن‬ ‫فيا أيّها الناس‪،‬‬
‫ٌ‬
‫الكثري من املال‪,‬‬
‫َ‬ ‫فأعطوها ى رمحكم اهلل ى ملِستح ِّقيها‪ ,‬فقد أعطاكُم اهلل‬‫َ‬ ‫ذاب ألِيم‪,‬‬
‫و َع ٌ‬
‫ف ما أنفقتم‪.‬‬ ‫ووعدَ كم بالثواب عليه‪ ,‬ووعدكم أن خيلِ َ‬ ‫اليسري‪َ ,‬‬
‫َ‬ ‫وطلب منكم‬
‫النبي‬ ‫الزكاة ُيثاب عليها‪ ,‬ويف احلديث عن‬ ‫ِ‬ ‫املسلم يف غري‬ ‫والنفقات التي تلزم‬
‫ُ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫أعظم ُه ّن‬
‫ُ‬ ‫قت به‪ ،‬ودينار أنفقتَه ِف سبيل اهلل‪،‬‬ ‫دينار أنفقته عىل أهلِك‪ ،‬ودينار تصدَّ َ‬ ‫‪ٌ «:‬‬
‫أجرا الذي أنفقتَه عىل أهلِك» متفق عليه‪.‬‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫املكروهات‪ ,‬فعن أِب‬ ‫دقات يف سب ِل اخل ِري جيلِب اهلل هبا اخل ِ‬
‫ريات ويد َفع هبا‬ ‫والص ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫وصدق ُة‬ ‫ِ‬ ‫املعروف ت َِقي َم ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أمام َة‬
‫صار َع السوء‪َ ،‬‬ ‫نائع‬
‫‪َ « :‬ص ُ‬ ‫رسول اهلل‬ ‫قال‪ :‬قال‬
‫ٍ‬
‫بإسناد‬ ‫الطرباين‬ ‫وصل ُة الرحم تزيد ِف العمر» رواه‬‫ُطفئ َغ َضب الرب‪ِ ،‬‬ ‫الرس ت ِ‬
‫ّ‬ ‫َ َّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫‪ « :‬ما ِمن يوم يصبِح العبا ُد فيه‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫حسن‪.‬وعن أِب هرير َة‬
‫أعط منف ًقا خل ًفا‪ ،‬ويقول اآلخر‪ :‬ال ّلهم ِ‬
‫أعط‬ ‫إال م َلكان ينزالن‪ ،‬فيقول أحدُ مها‪ :‬ال ّلهم ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫َترة»‪.‬‬
‫بشق َ‬
‫‪« :‬اتَّقوا الن َّار ولو ِّ‬ ‫البخاري ومسلم‪ ,‬ويقول‬‫ّ‬ ‫ممسكا تل ًفا» رواه‬
‫خفي عليه من شأن الزكاة وتفاصيلها فليس َأل عن ذلك َ‬
‫أهل‬ ‫من ِ‬
‫ْ ْ ُ ُْ ْ َ ْ َُ َ‬ ‫َ ْ َُ َ َْ‬
‫العلم‪ ,‬قال اهلل تبارك وتعاىل‪﴿ :‬فاسألوا أهل اَّلِكرِ إِن كنتم َل تعلمون﴾ [النحل‪,]43:‬‬
‫ِ‬
‫َيقول‪َ « :‬من ِيرد اهلل به ً‬
‫خريا يف ِّقهه ِف الدين»‪ .‬متفق عليه‬ ‫سول‬‫والر ُ‬
‫ّ‬
‫ثواهبا أك َثر‬ ‫ِِ‬
‫إن الزكاة والنفقة إذا و َق َعت يف َموقعها فإنّه يعظم ُ‬
‫َّ‬
‫كرب مكروب ون َفع اهلل هبا أرسة حمتاجة كان ذلك عند اهلل‬
‫وأكثر‪ ,‬وإذا ن َّفس اهلل َهبا َ‬
‫عظيام‪.‬‬
‫‪557‬‬ ‫خطبة بعنوان (التذكري بشعرية الزكاة)‬
‫واإلعانَة الذين أث َقلتهم‬ ‫عنوانط‬
‫والصدقة وال َع‬ ‫ِ‬
‫وموقع للزّكاة‬ ‫وإن ممن هو ٌ‬
‫أهل‬ ‫أال َّ‬
‫‪‬‬
‫وَتملوا من الغري ِف أمور مباحة رش ًعا‪ ،‬والذين أو َقعهم الدَّ ين يف السجون‬ ‫َّ‬ ‫الديون‬
‫ُ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫كثري من عياْلم‪ ,‬واحتاجوا إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتركوا ورا َءهم َعوائ َل الَ كاف َل ْلم‪,‬‬
‫فضاع بعدَ هم ٌ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫سريته ‪‬‬ ‫يف ٍ‬
‫أحواْلم استدانة مباحة‪ ,‬أو و َقع عليهم غر ٌم‬ ‫ِ‬
‫إصالح‬ ‫رعاية وك َفالة‪ ,‬واستدانوا يف‬
‫اإلسالمي يوجب‬ ‫والصدَ قة‪ ,‬والت ُ‬
‫ّكافل‬ ‫وقضاء‪ ,‬فهؤالء من ِ‬
‫أهل الزكاة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ألسباب قدَ ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تفريج كر َبتِهم‪ ,‬وال س ّيام يف هذا‬
‫ِ‬ ‫والسعي يف‬
‫َ‬ ‫علينا إنقا َذهم ا و َقعوا فيه ورعاي َة َ ِ‬
‫أرسهم‬
‫ضاعف فيه احلسنات والذي تك َّفر به الس ِّيئات‪َّ ,‬‬
‫فإن رعاية أولئك‬ ‫الشهر املبارك الذي ت َ‬
‫ِ‬
‫واملؤمنون يف توا ِّدهم وترامحهم وتعا ُطفهم‬ ‫تبارك وتَعاىل‪,‬‬ ‫ِ‬
‫أفضل األعامل عندَ اهلل َ‬ ‫من‬
‫واحلمى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بالس َهر‬‫عضو تداعى له سائر اجلسد َّ‬‫ٌ‬ ‫كاجلسد الواحد‪ ,‬إذا اشتكَى منه‬
‫َ ْ‬ ‫ذ َ ََْ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ َ ُ‬
‫اك ْم م ِْن َقبْل أ ْن يَأ ِ َ‬
‫ِت ي َ ْومٌ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬يا أيها اَّلِين آمنوا أنفِقوا مِما رزقن‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ذ‬ ‫َ َ ٌَ َْ‬ ‫ُ ذٌ‬
‫َل َبيْ ٌع فِيهِ َوَل خلة َوَل شفاعة َوالَّكف ُِرون ه ْم الظال ُِمون﴾ [البقرة‪.]254:‬‬
‫أدوا زكا َة أموالِكم ِ‬
‫وطي ُبوا هبا َن ْفسا فإهنا ُغن ٌْم ال ُغ ْر ٌم ور ْب ٌح‬ ‫ُّ‬
‫َ‬
‫القبول ملا أنْفقتُم والربك َة لكم‬ ‫واسأ ُلوا اهلل‬
‫مجيع ما يلز ُمك ُْم زكاتُه‪ْ ,‬‬ ‫ال َخ َس َارةٌ‪ْ ,‬‬
‫وأحصوا َ‬
‫فيام أ ْب َق ْيتُم‪.‬‬
‫اللهم اقسم لنا من خشيتك ما حتول به بيننا وبني معصيتك‪ ,‬ومن طاعتك ما‬
‫تبلغنا به جنتك‪ ,‬ومن اليقني ما ُتون به علينا مصائب الدنيا‪ ,‬ومتعنا بأسامعنا وأبصارنا‬
‫وقواتنا ما أحييتنا‪ ,‬واجعله الوارث منا‪ ,‬واجعل ثأرنا عىل من ظلمنا‪ ,‬وانْصنا عىل من‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪558‬‬
‫عادانا‪ ,‬وال جتعل الدنيا أكرب مهنا وال مبلغ علمنا‪ ,‬وال تسلط علينا بذنوبنا من ال‬
‫خيافك وال يرمحنا‪...‬‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫أع َّز‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫اللهم ِ‬
‫اإلسالم واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد‬
‫آمنا مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬
‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫َ‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬‫يب الدعوات‪ .‬ال َّل ُه َّم َر َّبنَا آتنَا ِيف الدُّ ْن َيا َح َسنَة‪َ ,‬و ِيف ْاآلخ َرة َح َسنَة ‪َ ,‬وقنَا َع َذ َ‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬
‫النَّار‪.‬‬
‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫‪559‬‬ ‫خطبة (رمضان شهر العتق من النريان)‬

‫‪‬عنوان‬
‫البابه‪ ,‬ونعو ُذ‬
‫األول‪:‬باهلل من رشور أنفسنا‪ ,‬ومن‬ ‫ونستغفر‬
‫ُ‬ ‫إن احلمد هلل؛ نحمدُ ه‪ ,‬ونستعينُه‪,‬‬ ‫‪1‬‬
‫مضل له‪ ,‬و َمن يضلِ ْل؛ فال هادي له‪.‬‬
‫س ِّيئات أعاملنا‪َ ,‬من هيده اهلل؛ فال َّ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أن حممدا عبدُ ه ورسو ُل ُه‬
‫رشيك له‪ .‬وأشهدُ َّ‬
‫َ‬ ‫وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ,‬وحدَ ه ال‬
‫َ َ َ ُ ُ ذ ذ َ َ ُ ُّ ُ َ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ذ ُ َ‬
‫﴿ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل حق تقاتِه ِۦ وَل تموتن إَِل وأنتم مسل ِمون ‪[ ﴾ 102‬ال‬

‫عمران]‬
‫َ َ‬ ‫ذ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ُ ذ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ ْ‬
‫اس ٱتقوا َربذك ُم ٱَّلِي خلقكم مِن نفس َوَٰح َِدة َوخل َق مِن َها َزو َج َها‬ ‫يأيها ٱنل‬ ‫﴿ َٰٓ‬
‫ام إ ذن ذ َ‬
‫ٱّلل‬ ‫ون بهِۦ َوٱلَر َح َ‬ ‫ََ َُٓ َ‬
‫ل‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ِي‬
‫ُ َ َ ٗ َ ٗ َ َ ٓٗ َ ذ ُ ْ ذَ ذ‬
‫ٱَّل‬ ‫َو َبث مِنهما رِجاَل كثِيا ون ِساء وٱتقوا ٱّلل‬
‫ذ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ََ ُ َ ٗ‬
‫َكن عليكم رق ِيبا ‪[ ﴾ 1‬النساء]‬
‫َ ُ َ َ ُ‬ ‫ٗ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ ُ ُ ْ َ ٗ‬
‫ٱّلل َوقولوا قوَل َسدِيدا ‪ 70‬يُصل ِح لكم أع َمَٰلكم‬ ‫يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا‬ ‫﴿ َٰٓ‬
‫ظيما‪[﴾71‬االحزاب‪]75 ,71 :‬‬
‫از فَو ًزا َع ِ ً‬ ‫ٱّلل َو َر ُس َ ُ‬
‫وَلۥ َف َقد فَ َ‬ ‫كم َو َمن ي ُ ِطعِ ذ َ‬ ‫َ ُ ُُ َ ُ‬
‫َو َيغفِر لكم ذنوب‬
‫‪َ ,‬و َرش األُ ُم ِ‬
‫ور‬ ‫َّ‬ ‫َاب اهللِ‪َ ,‬و َخ ْ َري ْاْلَدْ ِي َهدْ ُي ُحم َ َّم ٍد‬ ‫َأما بعدُ ‪َ ،‬فإِ َّن َخري ْ ِ ِ ِ‬
‫احلديث كت ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫ال َل ٍة ِِف الن ِ‬
‫َّار‪.‬‬ ‫اُتا‪َ ,‬وك َُّل ُحم ْدَ َث ٍة بِدْ َع ٌة‪َ ,‬وك َُّل بِدْ َع ٍة َض َ‬
‫ال َل ٌة‪َ ,‬وك َُّل َض َ‬ ‫ُحم ْدَ َث ُ َ‬
‫إن من أعظم فضائل شهر رمضان املبارك ‪-‬الذي‬
‫جعله اهلل شهر النفحات واخلريات والربكات شهر التوبة وجتديد العهد مع اهلل وتزكية‬
‫النفس وتربيتها عىل الفضائل واملكارم‪ -‬أنه شهر العتق من النريان فقد ثبت يف‬
‫ت‬‫اجلن َِّة َو ُغ ِّل َق ْ‬ ‫ت َأ ْب َو ُ‬
‫اب َْ‬ ‫أنه قال « إِ َذا َد َخ َل َر َم َض ُ‬
‫ان ُفت َِّح ْ‬ ‫الصحيحني عن النبي‬
‫ني» ‪ .‬واملعنى يف فتح أبواب اجلنة ما فتح اهلل عىل‬ ‫ت َّ ِ‬ ‫َأبواب جهنَّم وس ْل ِس َل ِ‬
‫الش َياط ُ‬ ‫َْ ُ َ َ َ َ ُ‬
‫العباد فيه من األعامل املستوجب هبا اجلنة من الصالة والصيام وتالوة القرآن‪ ,‬وأن‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪561‬‬
‫الطريق إىل اجلنة ِف رمضان أسهل واألعامل فيه أدعى إىل القبول‪ ,‬وكذلك أبواب النار‬
‫تغلق بام قطع عنهم من املعاىص‪ ,‬وترك األعامل املستوجب هبا النار‪ ,‬ولقلة ما يؤاخذ‬
‫اهلل العباد بأعامْلم السيئة‪ ,‬فيستنقذ منها بربكة الشهر أقواما وهيب املس للمحسن‪,‬‬
‫شرح صحيح البخارى البن بطال (‪.)23 /1‬‬ ‫ويتجاوز عن السيئات فهذا معنى الغلق)‬
‫ني َو َم َر َد ُة ِْ‬ ‫ت َّ ِ‬ ‫ان ‪ ،‬ص ِّفدَ ِ‬ ‫ِ‬
‫اجل ِّن ‪،‬‬ ‫الش َياط ُ‬ ‫َت َأ َّو ُل َل ْي َلة م ْن َر َم َض َ ُ‬
‫ويف السنن «إِ َذا كَان ْ‬
‫ِ‬ ‫ت َأبواب َْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب الن ِ‬
‫اب ‪،‬‬ ‫اجلنَّة َف َل ْم ُي ْغ َل ْق من َْها َب ٌ‬ ‫اب ‪َ ،‬و ُفت َح ْ ْ َ ُ‬ ‫َّار َف َل ْم ُي ْفت َْح من َْها َب ٌ‬ ‫ت َأ ْب َو ُ‬‫َو ُغ ِّل َق ْ‬
‫اء ‪َ ،‬و َذلِ َك ِِف ك ُِّل‬ ‫َص ‪َ ،‬وهللَِّ ُع َت َق ُ‬
‫اغي َّ َ ِ‬
‫الرش أ ْق ْ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫اْل ْ ِري َأ ْقبِ ْل ‪َ ،‬و َيا َب َ‬
‫اغ َي َْ‬ ‫ونَادى منَاد ‪ :‬يا ب ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫َل ْي َلة» صحيح اجلامع (‪.)956‬‬

‫خري من الدنيا وما فيها‪.‬‬


‫فهذه بشارات كل واحدة منهن ٌ‬
‫أنه َق َال ‪« :‬ا َّ‬
‫لص ْو ُم ُج َّن ٌة »‪ .‬أي وقاية للصائم‬ ‫َع ِن النَّبِ ِّي‬ ‫و َع ْن َأ ِِب ُه َر ْي َر َة‬
‫يف الدنيا من املعايص وذلك بكِس الشهوة وحفظ اجلوارح؛ ووقاية له يف اآلخرة من‬
‫‪ « :‬الصوم ُجنَّة‬ ‫النار‪ ,‬كام يف رواية ألمحد «الصوم ُجنَّة من عذاب اهلل» وقال‬
‫يستجن هبا العبد من النار» رواه أمحد والنسائي "فالصوم ُجنَّة للعبد من عذاب اهلل‬
‫فليس للنار عليه سبيل كام ال سبيل ْلا عىل مواضع الوضوء ألن الصوم يغمر البدن‬
‫كله فهو جنة جلميعه برمحة اهلل من النار"‪.‬‬
‫قال ابن عبد الرب‪ :‬حسبك هبذا فضال للصائم فيض القدير (‪.)212 /1‬‬
‫‪565‬‬ ‫خطبة (رمضان شهر العتق من النريان)‬
‫اخلزي والعذاب! قال تعاىل ‪:‬‬ ‫عنوان‬
‫‪‬أشد‬ ‫فأي نعمة وفضل أعظم من أن يزحزح العبد من‬
‫ُ‬
‫ور‬ ‫ٱدلنيَا ٓ إ ِ ذَل َم َت َٰ ُع ٱل ُغ ُ‬
‫ر‬ ‫ٱْليَ َٰوةُ ُّ‬ ‫ٱْل ذن َة َف َقد فَ َ‬
‫از َو َما َ‬ ‫﴿‪َ ..‬ف َمن ُزحز َح َعن ٱنلذار َوأدخ َِل َ‬
‫ِ‬ ‫الباب األول‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪1‬‬
‫‪[ ﴾ 185‬ال عمران]‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أنه قال‪« :‬الصيام ُجنَّة من النار‪ ،‬كجنة‬ ‫عن النبي‬ ‫و عن عثامن بن أِب العاص‬
‫رواه النسائي وغريه‪ ،‬انظر صحيح اجلامع" برقم (‪. )1896‬‬ ‫أحدكم من القتال»‬
‫وقال ‪« :‬الصيام ُجنَّة وحصن حصني من النار»‬
‫رواه أمحد‪ ،‬والبيهقي يف "شعب اإلميان" انظر صحيح اجلامع رقم (‪.)1883‬‬

‫ول‪َ « :‬م ْن َصا َم َي ْو ًما ِِف‬


‫َي ُق ُ‬ ‫َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫اخلُدْ ِر ِّي‬ ‫و َعن َأ ِِب س ِع ٍ‬
‫يد ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ني َخ ِري ًفا» متفق عليه ‪,‬ويف حديث أِب الدرداء‬ ‫يل اهللِ ‪ ،‬باعدَ اهللُ وجهه ع ِن الن ِ ِ‬ ‫َسبِ ِ‬
‫َّار َس ْبع َ‬ ‫َ ْ َُ َ‬ ‫َ َ‬
‫رواه الطرباني يف "الكبري" صحيح اجلامع‬ ‫«صيام املرء ِف سبيل اهلل يبعده من جهنم مسرية سبعني عام ًا»‬
‫رقم (‪.)1819‬‬

‫قال‪« :‬من صام يوما في سبيل الله جعل الله‬ ‫عن النبي‬ ‫وفي حديث أبي أمامة‬
‫بينه وبين النار خندقا كما بين السماء واألرض» ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺘﺮﻣﺬﻱ الصحيحة (‪ , )591‬ويف حديث‬
‫أنه قال‪« :‬من صام يوما في سبيل الله باعد الله منه‬ ‫عن النبي‬ ‫عقبة بن عامر‬
‫جهنم مائة عام» ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﻨسﺎﺋﻲ انظر حديث رقم ‪ )9113( :‬يف صحيح اجلامع‪.‬‬

‫وسياق هذه النصوص ال ينب أن المراد هو صوم الفريضة بل صوم النفل‪ ,‬فما‬
‫ظنك بصيام أيام رمضان ‪-‬شهر كامل‪ -‬تخلص فيها لله وتصومها في سبيل الله‪ ,‬كم‬
‫يباعدك ذلك من النار؟ ففي هذه األحاديث بيان قدر مباعدة املسلم الصائم عن النار‬
‫سبعني عاما ومائة عام ونحوه‪ ,‬وذلك بحسب اختالف أحوال الصائمين في كمال‬
‫الصوم ونقصانه‪ ,‬والله أعلم‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪562‬‬
‫خوف العزيز الغفار؛ عباده يف كتابه الكريم بذكر النار‪,‬‬
‫لقد َّ‬
‫والتعريف بحال أهلها يف دار البوار‪ ,‬وما أعدَّ ْلم من العذاب والنكال‪ ,‬والسالسل‬
‫واألغالل‪ ,‬حتى يتقوه بصالح األعامل‪ ,‬ويسارعوا إىل امتثال ما يأمر به واحبه ويرضاه‪,‬‬
‫واجتناب ما ينهى عنه ويكرهه ويأباه‪ .‬فإن ُر ْمتَم معرفة اخلرب‪ ,‬عن وقود النار ا ُملستعر‪,‬‬
‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ ُ‬
‫فوقودها البش واحلجر‪ ,‬فهل من مدّ كر؟ قال اهلل تعاىل ‪ ﴿:‬يا أيها اَّلِين آمنوا قوا‬
‫َ ٌ َ‬ ‫ُ ْ َ ً َُ ُ َ ذ ُ َ ْ َ َُ َ ََْ َ َ َ ٌ َ ٌ‬ ‫َ ُ َ ُ ْ ََ ْ‬
‫أنفسكم وأهل ِيكم نارا وقودها انلاس واْل ِجارة عليها مَلئِكة غَِلظ شِداد َل‬
‫َ ْ ُ َ ذَ َ ََ َ ُ ْ ََْ َُ َ َ ُْ َ ُ َ‬
‫يعصون اّلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ﴾ [التحريم‪.]6 :‬‬
‫حرها فشديد‪ ,‬أخرج مسلم يف صحيحه من‬
‫وإن سألتم عن قعرها فبعيد‪ ,‬وعن ِّ‬
‫‪ ،‬إذ سمع وجبة‪ ،‬فقال النبي‬ ‫قال‪ « :‬كنا مع رسول اهلل‬ ‫حديث أِب هريرة‬
‫‪ :‬أتدرون ما هذا؟ َق َال ‪ُ :‬ق ْلنَا ‪ :‬اهللُ َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم ‪َ .‬ق َال ‪َ :‬ه َذا َح َج ٌر ُر ِم َي بِ ِه ِِف الن ِ‬
‫َّار ُمن ُْذ‬
‫َّار ْاآل َن ‪َ ،‬حتَّى ا ْنت ََهى إِ َىل َق ْع ِر َها» ‪ ,‬وعنه‬ ‫ني َخ ِري ًفا ‪َ ،‬ف ُه َو هي ِوي ِِف الن ِ‬ ‫ِ‬
‫عن النبي‬ ‫َْ‬ ‫َس ْبع َ‬
‫قال‪ « :‬ناركم هذه التي ُيوقد ابن آدم‪ :‬جزء من سبعني جزء ًا من حر جهنم‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫واهلل إن كانت لكافية يا رسول اهلل! فقال النبي ن‪ :‬فإَّنا فضلت عليها بتسعة وستني‬
‫جزء ًا‪ ،‬كلها مثل حرها » متفق عليه‪.‬‬
‫وإن سألتم ‪-‬أهيا املسلمون ‪ -‬كم جلهنم من ِو ٍ‬
‫ثاق تُشدُّ به ِ‬
‫وز َمام؟ فاسمعوا ما‬
‫‪:‬‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫ُصم لسامعه ُ‬
‫آذان األنام‪ ,‬عن عبد اهلل بن مسعود‬ ‫ت ُّ‬
‫ملك جيروَّنا »‬ ‫زمام‪ ،‬مع كل زمام سبعون أل‬ ‫« ُيلؤتى بجهنم يومئذ هلا سبعون أل‬
‫أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪563‬‬ ‫خطبة (رمضان شهر العتق من النريان)‬
‫عنوانأهل النار من الثياب‪ ,‬فإنه‬‫يتد َّثر به‬
‫‪‬‬ ‫وإن سألتم معش اإلخوة األحباب؛ عام‬
‫جرم َ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫َََ‬
‫ِي‬ ‫الكتاب‪ ﴿ :‬وترى الم ِ‬ ‫القطران وهو النحاس املُذاب‪ ,‬قال اهلل تعاىل يف حمكم‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ََْ َ ُ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ ْ َ ُّ َ‬
‫ان وتغش وجوههم انلار ﴾ [إبراهيم‪:‬‬ ‫يومئ ِ ٍذ مقرن ِي ِف الصفادِ ‪ِ 49‬سابِيلهم مِن ق ِطر ٍ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫‪.]51-49‬‬
‫إن نار جهنم دركات‪ ,‬فهل تدرون ما أهون أهلها نكاال ؟‬
‫‪:‬‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫ينتعل ِم ْن َ ْ‬
‫مج ِر جهنم نعاال‪ ,‬فعن النعامن بن بشري‬ ‫إنه َم ْن ُ‬
‫«إن أهون أهل النار عذاب ًا‪ :‬من له نعالن ورشاكان من نار‪ ،‬يغيل منهام دماغه كام يغيل‬
‫املرجل‪ ،‬ما يرى أن أحد ًا أشد منه عذاب ًا‪ ،‬وإنه ألهوَّنم عذاب ًا » متفق عليه‪.‬‬
‫وإن سألتم عن أشد أنواع العذاب‪ :‬فهو احلجاب؛ الذي ُيرضب بينهم وبني رؤية وجه‬
‫َ‬ ‫َذ ذ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َذ ْ َ ََ ُ ُ‬
‫رب األرباب‪ّ { ,‬لَك بَل َران َع قلوب ِ ِهم ذما َكنوا يَكسِبُون ‪ّ 14‬لَك إِن ُه ْم عن ذرب ِ ِه ْم‬
‫ُ‬ ‫ُ َ ُ َ َ ذ‬
‫حي ِم ‪ 16‬ث ذم ُيقال هذا اَّلِي كنتُم بِهِ‬ ‫ون ‪ُ 15‬ث ذم إ ِ ذن ُه ْم ل َ َصالُوا ْ َ‬
‫اْل ِ‬
‫ََْ ذَ ْ ُ ُ َ‬
‫يومئ ِ ٍذ لمحجوب‬
‫ُ َ ُ َ‬
‫تكذِبون } [املطففني]‪.‬‬

‫قال أبو عمران اجلوين ‪ " : ‬إن اهلل تعاىل مل ينظر إىل إنسان قط إال رمحه‪ ,‬ولو‬
‫نظر إىل أهل النار لرمحهم‪ ,‬ولكن قىض أن ال ينظر إليهم"‪.‬‬
‫لقد أبْص السلف األبرار؛ حقيقة هذه الدار‪ ,‬فاضطربت منهم‬
‫األحوال‪ ,‬ملا أيقنوا بام فيها من األهوال‪ ,‬سمع أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب ‪¢‬‬
‫َ‬ ‫رجال يتهجد يف الليل‪ ,‬ويقرأ سورة الطور‪ ,‬فلام بلغ إىل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬إ ذن َع َذ َ‬
‫اب َربِك‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪564‬‬
‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ََ ٌ‬
‫حق "‪ ,‬ثم رجع إىل‬
‫ورب الكعبة ٌّ‬ ‫لواق ِع ‪ 7‬ما َل مِن داف ٍِع ﴾ [الطور] قال عمر‪ٌ " :‬‬
‫قسم ِّ‬
‫مسند الفاروق البن كثري (‪)939 /2‬‬ ‫منزله فمرض شهرا‪ ,‬يعوده الناس ال يدرون ما مرضه‪,‬‬
‫فمر‬
‫‪َّ ,‬‬ ‫وقال سعد بن األخرم ‪ " : ‬كنت أمّش مع عبداهلل بن مسعود‬
‫باحلدادين وقد أخرجوا حديدا من النار‪ ,‬فقام ينظر إليه ويبكي"‪.‬‬
‫ْ َ َْ ً‬ ‫َْ‬
‫فاهلل تعاىل يقول‪﴿ :‬ن ُن َج َعل َناها تذك َِرة﴾ [الواقعة‪.]73 :‬‬
‫قال جماهد وغريه‪ :‬يعني أن نار الدنيا تذكر بنار اآلخرة‪.‬‬
‫† تعاىل كثري اللهج بذكر النار ومن ذلك‪:‬‬ ‫كثري من السل‬
‫وقد كان ٌ‬
‫أنه قال‪:‬‬ ‫أورد ابن رجب ‪ ‬يف كتابه التخويف من النار عن عمر‬
‫أكثروا ذكر النار‪ ,‬أكثروا ذكر النار‪ ,‬فإن قعرها بعيد وإن حرها شديد وإن مقامعها‬
‫حديد‪.‬‬
‫وكان طاووس بن كيسان ‪ ‬يفرتش فراشه ثم يضطجع عليه‪ ,‬فيتقىل كام‬
‫ِ‬
‫تقىل احلبة عىل املُقىل‪ ,‬ثم يثب فيدرجه ويستقبل القبلة حتى الصباح‪ ,‬ويقول‪َّ " :‬‬
‫طري‬ ‫َّ‬
‫ذكر جهنم نوم العابدين"‪.‬‬
‫وأنشد عبداهلل بن املبارك ¬ تعاىل شعرا‪:‬‬
‫وهىىىىىىم ركىىىىىىوع‬
‫ُ‬ ‫عىىىىىىنهم‬
‫ُ‬ ‫فيسىىىىىىفر‬ ‫إذا مىىىىىىا الليىىىىىىل أظلىىىىىىم كابىىىىىىدوه‬

‫وأهىىىىىل األمىىىىىن يف الىىىىىدنيا هجىىىىىوع‬ ‫أطىىىىىار اخلىىىىىوف نىىىىىومهم فقىىىىىاموا‬


‫‪565‬‬ ‫خطبة (رمضان شهر العتق من النريان)‬
‫ِ‬
‫وصف النار دار البوار‪,‬‬ ‫عنوان يف‬
‫واآلثار‪,‬‬ ‫األخبار‬ ‫صح ْت‬
‫‪ُ ‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ :‬إذا َّ‬
‫العزيز الغفار‪ ,‬فيا فوز من أكثر من االستغفار‪ ,‬وتاب إىل‬
‫ُ‬ ‫عصمنا من سمومها ومحيمها‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫نوب واألوزار‪ِ.‬‬
‫الذ ِ‬ ‫ِ‬
‫رت َفه م َن ُ‬ ‫ِ‬
‫ر ِّبه َّا ا ْق َ َ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أقول هذا وأستغفر اهلل يل ولكم إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‪:‬‬
‫العز املجيد‪ ,‬والبطش الشديد‪ ,‬املبدئ املعيد‪ ,‬الفعال ملا يريد‪ ,‬املنتقم‬
‫احلمد هلل ذي ِّ‬
‫ن عصاه بالنار بعد اإلنذار هبا والوعيد‪ ,‬املكرم ملن خافه واتقاه بدار ْلم فيها من كل‬
‫خري مزيد‪ ,‬فسبحان من قسم خلقه وجعلهم فريقني { فَمنْ ُه ْم َش ٌّ َ َ ٌ‬
‫ق وسعِيد } [هود‪:‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ , ]515‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له وال كفء وال نديد‪ ,‬وأشهد أن‬
‫حممدا عبدُ اهلل ورسوله الداعي إىل التوحيد‪ ,‬والنذير ٍ‬
‫بنار تلظى بدوام الوقيد‪ ,‬والبشري‬
‫بجنة ال ينفد نعيمها وال يبيد‪ ,‬صىل اهلل وسلم عليه وعىل آله وأزواجه وأصحابه صالة‬
‫وسالما إىل يوم املزيد‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فأوصيكم ونفيس بتقوى املوىل‪ ,‬واعلموا أن أجسادكم عىل النار ال تقوى‪.‬‬
‫َ ٓ ذ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ُ ُ َ ٗ ََذ‬
‫ارا تلظ َٰى ‪َ 14‬ل يَصلى َٰ َها إَِل‬‫وإن النجاة من النار ‪-‬التي قال اهلل عنها‪ ﴿ :‬فأنذرتكم ن‬
‫َ َ‬
‫ٱلشق ‪[ ﴾ 15‬الليل] ‪-‬تكون بأسباب إليكم بعضها لعل اهلل أن يوفقنا للعمل هبا‬
‫وينجينا من النار‪ ..‬فمن أراد النجاة من النار فعليه بتحقيق اإليمان والعمل والصالح‪,‬‬
‫ولذا فإن املؤمنني يتوسلون إلى ربهم بإيمانهم كي يخلصهم من النار‪ ,‬قال تعالى‪:‬‬
‫ام ذنا فَٱغفِر َنلَا ذُنُوبَنَا َوق ِنَا َع َذ َ‬ ‫ذ َ َُ ُ َ‬
‫ون َر ذب َنا ٓ إ ذننَا ٓ َء َ‬
‫اب ٱنلذارِ ‪[ ﴾16‬ال عمران]‬ ‫ِ‬ ‫﴿ٱَّلِين يقول‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪566‬‬
‫أال وإن أعظم أسباب اخلالص من النار جتريد التوحيد هلل رب العبيد ف َع ْن َجابِ ٍر‬
‫وجبت ِ‬
‫َان ؟ َف َقا َل ‪َ « :‬م ْن‬ ‫ول اهللِ ‪َ ,‬ما املُْ ِ َ‬ ‫َر ُج ٌل ‪َ ,‬ف َق َال ‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َق َال ‪َ :‬أتَى النَّبِ َّي‬
‫ش ُك بِاهللِ َش ْيئا َد َخ َل الن ََّار» رواه‬
‫ات ُي ْ ِ‬ ‫هلل َش ْيئا َد َخ َل ْ َ‬
‫اجلنَّ َة ‪َ ,‬و َم ْن َم َ‬ ‫ش ُك بِا ِ‬ ‫ات َال ُي ْ ِ‬
‫َم َ‬
‫مسلم‪,‬‬
‫وإن أعظم وقاية للعباد من النار بعد التوحيد إقامة الصالة وما أدراكم ما‬
‫« ت َْأك ُُل الن َُّار ِم َن ا ْب ِن آ َد َم إِ َّال َأ َث َر‬ ‫الصالة ! فقد ثبت يف الصحيحني عن النبي‬
‫َّار َأ ْن ت َْأك َُل َأ َثر السج ِ‬
‫ود‪. »..‬‬ ‫السج ِ‬
‫ود ‪َ ،‬ح َّر َم اهللُ َع َىل الن ِ‬
‫َ ُّ ُ‬ ‫ُّ ُ‬
‫َ‬
‫أما املتالعبون بالصالة الساهون عن وقتها فقد قال اهلل عنهم‪ ﴿ :‬ف َويل‬
‫َ َ ََ‬ ‫ُ َ‬ ‫ذ َ ُ َ َ َ‬ ‫ل ِل ُم َصل َ‬
‫ِين هم عن صَلت ِ ِهم َساهون ‪[ ﴾5‬املاعون]وقال سبحانه‪﴿ :‬فخلف‬
‫ِي ‪ 4‬ٱَّل‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ذ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذ َ ذ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ ٌ َ ُ‬
‫تن ف َسوف يَلقون غ ًّيا ‪] [ ﴾ 59‬‬
‫مريم ‪.‬‬ ‫مِن َبع ِدهِم خلف أضاعوا ٱلصل َٰوة َوٱتبَ ُعوا ٱلش َهو َٰ ِ‬

‫ومن أعظم أسباب النجاة من النار أهيا املسلمون الصدقة‪ :‬ف َع ْن َع ِد ِّي ْب ِن َحاتِ ٍم‬
‫‪َ « :‬فا َّت ُقوا الن ََّار َو َل ْو بِ ِش ِّق َتَ ْ َرة؛ َو َل ْو بِكَلِ َمة َط ِّي َبة» متفق‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬
‫عليه‪.‬‬
‫َق َال‪َ « :‬م ْن َر َّد َع ْن‬ ‫َع ِن النَّبِ ِّي‬ ‫ومن ذلك أيضا ما ثبت َع ْن َأ ِِب الدَّ ْر َد ِاء‬
‫هلل َع ْن َو ْج ِه ِه الن ََّار َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة» رواه الرتمذي غاية املرام (‪. )114‬‬ ‫ض َأ ِخ ِ‬
‫يه َر َّد ا ُ‬ ‫ِع ْر ِ‬

‫ومن األخالق الفاضلة التي حترم وجه صاحبها عىل النار ما صح عن ابن‬
‫حي ُر ُم عىل ِ‬
‫النار ‪ْ -‬أو بِ َم ْن‬ ‫ٍ‬
‫ربكُم بِ َم ْن َ ْ‬
‫أخ ِ ُ‬
‫‪« :‬أال ْ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل‬ ‫قال‪ :‬قال‬ ‫مسعود‬
‫ني من‬ ‫كل َه ِّني َل ِّني َس ْهل»‪ .‬رواه الرتمذي الصحيحة ‪ .618‬ومعني َه ِّ ٍ‬ ‫َ َْت ُر ُم عليه ُ‬
‫النار‪-‬؟ َ َْت ُر ُم عىل ِّ‬
‫‪567‬‬ ‫خطبة (رمضان شهر العتق من النريان)‬
‫عنوان عند الناس اليوم واملراد‬
‫‪‬املعروف‬
‫اْلون وهو السكينة والوقار ليس من اْلوان‬
‫استحباب مالطفة الناس‪ ,‬وتسهيل اجلانب ْلم وقضاء حوائجهم‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫واعلموا ‪-‬رعاكم اهلل‪-‬أن احلُ َّمى التي يصاب هبا املسلم من أسباب النجاة من‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫احل ّمى ِم ْن َف ْي ِح َجهن ََّم‪،‬‬
‫رسول اهلل ‪ُ «:‬‬ ‫ُ‬ ‫قال‪ :‬قال‬ ‫النار كام ثبت عن أِب َر ْاحانَة‬
‫امللؤ ِم ِن ِم َن ِ‬
‫النار»‪.‬رواه ابن أِب الدنيا والطرباين الصحيحة ‪. )5822‬‬ ‫َصيب ْ‬
‫وهي ن ُ‬
‫َ‬
‫يد‬‫وهكذا من مات له ثالثة من الولد كانوا له حجابا من النار فعن َأ ِِب س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫قال يف موعظته‪ :‬للنساء « َما ِمنْك َُّن ْام َر َأ ٌة ُت َقدِّ ُم َث َال َث ًة ِم ْن‬ ‫أن النبي‬ ‫اخلُدْ ِر ِّي‬‫ْ‬
‫َني» متفق عليه‪.‬‬ ‫ني؟ َف َق َال‪َ :‬وا ْثنَت ْ ِ‬ ‫َّار ‪َ .‬ف َقا َل ِ‬
‫ت ْام َر َأ ٌة ‪َ :‬وا ْثنَ َت ْ ِ‬ ‫َان َهلا ِح َجا ًبا ِم َن الن ِ‬
‫َو َل ِد َها إِ َّال ك َ‬
‫ويف رواية « ما من مسلمني يموت بينهام ثالثة من أوالدمها م يبلغوا احلنث إال غفر‬
‫هلام»‪.‬‬
‫ومن أسباب النجاة من النار التي يغفل عنها كثري من الناس ما ورد يف‬
‫ت امر َأ ٌة معها ابنَت ِ‬
‫َان َْلَا ت َْس َأ ُل ‪َ ,‬ف َل ْم‬ ‫ِ‬ ‫الصحيحني َع ْن أم املؤمنني َع ِائ َش َة‬
‫َقا َل ْت‪َ :‬د َخ َل ْ َ َ َ َ ْ‬
‫ني ا ْبنَ َت ْي َها‪َ ,‬و َمل ْ َت ْأك ُْل ِمن َْها ‪ُ ,‬ث َّم‬ ‫ٍ‬ ‫َِ ِ ِ‬
‫جتدْ عنْدي َش ْيئا َغ ْ َري َمت ْ َرة ‪َ ,‬ف َأ ْع َط ْيت َُها إِ َّي َ‬
‫اها ‪َ ,‬ف َق َس َمت َْها َب ْ َ‬
‫َات‬‫َع َلينَا َف َأ ْخرب ُته ‪َ ,‬ف َق َال‪« :‬م ِن ابت ُِيل ِمن ه ِذ ِه ا ْلبن ِ‬ ‫َقا َم ْت َف َخ َر َج ْت ‪َ ,‬فدَ َخ َل النَّبِ ُّي‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ْ‬
‫بِ ََشء ك َُّن َل ُه ِس ْرتا ِم َن الن ِ‬
‫َّار» متفق عليه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫و اعلموا ‪-‬رعاكم اهلل‪ -‬أن أعظم سبب للنجاة من النار ذكر اهلل العزيز الغفار‬
‫ول اهللِ ‪َ « :‬ما َع ِم َل ا ْب ُن آ َد َم ِم ْن َع َمل َأن َْجى َل ُه‬ ‫َق َال ‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫فعن مع ِ‬
‫اذ ْب ِن َج َب ٍل‬ ‫َ ْ َُ‬
‫يل اهللِ ‪َ ،‬ق َال ‪َ :‬و َال ِْ‬
‫اجل َها ُد‬ ‫اجل َها ُد ِِف َسبِ ِ‬ ‫َّار ‪ِ :‬م ْن ِذك ِْر اهللِ ‪َ ،‬قالُوا ‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ول اهللِ ! َو َال ِْ‬ ‫ِم َن الن ِ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪568‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِف َسبِ ِ‬
‫يل اهللِ ‪[ ،‬إِ َّال َأ ْن] ت ْ ِ‬
‫َُض َب بِه َ‬
‫حتَّى َينْ َقط َع ‪َ ،‬ث َال ًثا»‬ ‫َُض َب بِ َس ْيف َ‬
‫ك َحتَّى َينْ َقط َع ‪ُ ،‬ث َّم ت ْ ِ‬
‫‪.‬رواه أمحد واحلاكم صحيح اجلامع (‪.)5911‬‬

‫وذكر اهلل تعاىل يشمل كل قول وعمل يريض اهلل ومن ذلك الباقيات الصالحات فإهنا‬
‫‪ُ « :‬خ ُذوا ُجنَّ َتك ُْم‪،‬‬ ‫َق َال ‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬ ‫جُنة من النار فقد صح َع ْن َأ ِِب ُه َر ْي َر َة‬
‫َّار ‪ُ ،‬قو ُلوا‪ُ :‬س ْب َحا َن‬ ‫هلل ‪ِ ،‬م ْن َعدُ ٍّو َقدْ َح َُض ؟ َق َال ‪َ " :‬ال ‪ُ ،‬جنَّ َت ُك ْم ِم َن الن ِ‬ ‫ول ا ِ‬ ‫ُق ْلنَا ‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َ‬
‫ني َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ُمن ِ‬ ‫ِ‬
‫ْرب ‪َ -‬فإِ ََّّنَا َي ْأت َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اهللِ ‪َ ،‬و َْ‬
‫ْج َيات‬ ‫احل ْمدُ هللِ ‪َ ،‬و َال إ َل َه إ َّال اهللُ ‪َ ،‬واهللُ أك َ ُ‬
‫ات الص َِ‬ ‫ِ‬
‫ات»رواه النسائي واحلاكم الصحيحة (‪.)1291‬‬ ‫احل ُ‬ ‫َو ُم َقدَّ َمات ‪َ ،‬و ُه َّن ا ْل َباق َي ُ َّ‬
‫َق َال‪:‬‬ ‫ومن أعظم أسباب النجاة من النار االستجارة باهلل العزيز الغفار ف َع ْن َأن ٍ‬
‫َس‬
‫‪« :‬ال َّل ُه َّم َر َّبنَا آتِنَا ِِف الدُّ ْن َيا َح َسنَ ًة ‪َ ،‬و ِِف ْاآل ِخ َر ِة َح َسنَ ًة ‪َ ،‬و ِقنَا‬ ‫َان َأ ْك َثر دع ِ‬
‫اء النَّبِ ِّي‬ ‫ك َ ُ َُ‬
‫ع َذاب النَّار»متفق ِ‬
‫عليه‬ ‫َ َ‬
‫ومن الوسائل اليسرية التي من قاهلا صادقا أنجاه اهلل من النار ما صح عن أِب‬
‫مرات إال ِ‬
‫قالت‬ ‫ٍ‬ ‫سبع‬ ‫َجار عبدٌ م َن ِ‬ ‫ُ‬
‫النار َ‬ ‫است َ‬ ‫‪«:‬ما ْ‬ ‫رسول اهلل‬ ‫قال‪ :‬قال‬ ‫هريرة‬
‫ٍ‬ ‫إن عبدَ ك فالنا استجار منِّي؛ ِ‬
‫مرات إال‬ ‫فأج ْر ُه‪ ,‬وال سأل عبدٌ اجلنَّ َة َ‬
‫سبع‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫رب! َّ‬
‫النار‪ :‬يا ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫رب! إن عبدَ ك فالنا سألني؛ فأ ْدخ ْله اجلنَّ َة»‪.‬رواه أبو يعلى انظر صحيح الرتغيب (‪.)1951‬‬
‫ِ‬
‫قا َلت اجلنَّ ُة‪ :‬يا ِّ‬
‫نسأل اهلل بعزته وجالله أن يعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وذرياتنا وأهلينا‬
‫واملسلمني من النار اللهم أجرنا من النار اللهم أجرنا من النار يا عزيز يا غفار‪ ,‬اللهم‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم أ ِع َّز اإلسالم‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬ ‫ِ‬
‫واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًّا‬
‫وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫‪569‬‬ ‫خطبة (رمضان شهر العتق من النريان)‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫َ‬ ‫َ ‪‬عنوان‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫يب الدعوات‪ .‬ال َّل ُه َّم َر َّبنَا آتِنَا ِيف الدُّ ْن َيا َح َسنَة ‪َ ,‬و ِيف ْاآل ِخ َر ِة َح َسنَة ‪َ ,‬و ِقنَا‬
‫ب ُجم ُ‬
‫قري ٌ‬
‫َع َذ َ‬
‫اب النَّار‪.‬‬
‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪571‬‬

‫ونستغفره‪ ,‬ونعو ُذ باهلل من رشور أنفسنا‪ ,‬ومن‬


‫ُ‬ ‫إن احلمد هلل؛ نحمدُ ه‪ ,‬ونستعينُه‪,‬‬
‫مضل له‪ ,‬و َمن يضلِ ْل؛ فال هادي له‪.‬‬
‫س ِّيئات أعاملنا‪َ ,‬من هيده اهلل؛ فال َّ‬
‫أن حممدا عبدُ ه ورسو ُل ُه‬
‫رشيك له‪ .‬وأشهدُ َّ‬
‫َ‬ ‫وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ,‬وحدَ ه ال‬
‫َ َ َ ُ ُ ذ ذ َ َ ُ ُّ ُ َ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ذ ُ َ‬
‫﴿ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل حق تقاتِه ِۦ وَل تموتن إَِل وأنتم مسل ِمون ‪[ ﴾ 102‬ال‬

‫عمران]‬
‫َ َ‬ ‫ذ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ُ ذ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ ْ‬
‫اس ٱتقوا َربذك ُم ٱَّلِي خلقكم مِن نفس َوَٰح َِدة َوخل َق مِن َها َزو َج َها‬ ‫يأيها ٱنل‬ ‫﴿ َٰٓ‬
‫ام إ ذن ذ َ‬
‫ٱّلل‬ ‫ون بهِۦ َوٱلَر َح َ‬ ‫ََ َُٓ َ‬
‫ل‬‫ء‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ِي‬
‫ُ َ َ ٗ َ ٗ َ َ ٓٗ َ ذ ُ ْ ذَ ذ‬
‫ٱَّل‬ ‫َو َبث مِنهما رِجاَل كثِيا ون ِساء وٱتقوا ٱّلل‬
‫ذ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ََ ُ‬
‫كم َرق ٗ‬
‫ِيبا ‪[ ﴾ 1‬النساء‪]3 :‬‬ ‫َكن علي‬
‫َ ُ َ َ ُ‬ ‫ٗ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ ُ ُ ْ َ ٗ‬
‫ٱّلل َوقولوا قوَل َسدِيدا ‪ 70‬يُصل ِح لكم أع َمَٰلكم‬ ‫يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا‬ ‫﴿ َٰٓ‬
‫ظيما‪[ ﴾71‬االحزاب‪]53 ،55 :‬‬
‫از فَو ًزا َع ِ ً‬ ‫وَلۥ َف َقد فَ َ‬ ‫ٱّلل َو َر ُس َ ُ‬
‫كم َو َمن ي ُ ِطعِ ذ َ‬ ‫َ ُ ُُ َ ُ‬
‫َو َيغفِر لكم ذنوب‬
‫َاب اهللِ‪َ ,‬و َخ ْ َري ْاْلَدْ ِي َهدْ ُي ُحم َ َّم ٍد ‪ -‬صىل اهلل عليه‬ ‫َأما بعدُ ‪َ ,‬فإِ َّن َخري ْ ِ ِ ِ‬
‫احلديث كت ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫اُتا‪َ ,‬وك َُّل ُحم ْدَ َث ٍة ِبدْ َع ٌة‪َ ,‬وك َُّل ِبدْ َع ٍة َض َ‬
‫ال َل ٌة‪َ ,‬وك َُّل‬ ‫ور ُحم ْدَ َث ُ َ‬‫وآله وسلم ‪َ ,-‬و َرش األُ ُم ِ‬
‫َّ‬
‫ال َل ٍة ِِف الن ِ‬
‫َّار‪.‬‬ ‫َض َ‬
‫ِ‬
‫ومواس ِم‬ ‫ِ‬
‫اخلريات‬ ‫عباده بنفح ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫يتفضل ر ُّبنا عىل‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ابون ِ‬
‫أواخ َرها‪.‬‬ ‫األو َ‬ ‫الطاعات‪ ,‬فيغتنِم الصاحلون ِ‬
‫ويتدارك ّ‬
‫َ‬ ‫نفائ َسها‪,‬‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫حيل‪ ,‬ليايل ٍ‬ ‫الر ِ‬ ‫ٍ‬
‫اجلنان فيه مفتَّحة‪,‬‬ ‫أبواب‬
‫ُ‬ ‫شهر كَريم‪,‬‬ ‫أوشكَت عىل ّ‬ ‫َليال َ‬
‫مباركة َ‬
‫تاج ال ّليايل‪ ,‬كان‬
‫العش األخري ُة منه ُ‬
‫ُ‬ ‫مص َّفدَ ة‪,‬‬
‫والشياطني فيه َ‬ ‫وأبواب النّار فيه ُمغ َل َقة‪ّ ,‬‬
‫ُ‬
‫نب ّينَا «إذا َدخ َلت أح َيا لي َله وأي َق َظ أه َله وشدَّ ِمئز ََره» متفق عليه ‪ ,‬وتقول أم املؤمنني‬
‫‪575‬‬ ‫خطبة بعنوان (سر رمضان يف العشراألواخر)‬
‫جيتهد ِف ِ‬
‫غريه‪ ،‬وِف ال َع ِ‬ ‫ضان ما الَ ِ‬‫جيت َِهد ِف َر َم‬ ‫عائش ُة‬
‫رش‬ ‫‪َ ‬عنوان‬ ‫كان َرسول اهلل‬
‫‪َ «:‬‬
‫ِ‬
‫األواخ ِر منه ما ال جيت َِهد ِف غَريه»‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ربكات‪ِ ,‬‬ ‫ِ‬ ‫يف ال َع ِ‬
‫عزي َزة‬ ‫ش األخرية ليل ٌة ه َي أ ّم الليايل‪ ,‬كثري ُة ال َ‬
‫مضا َعف‪َْ ﴿ ,‬يْلَ ُة ال ْ َق ْدر َخ ْ ٌ‬ ‫يف سريته ‪‬‬
‫ي م ِْن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫منه‬ ‫والكثري‬
‫ُ‬ ‫َثري‪,‬‬
‫ك‬ ‫فيها‬ ‫العم ِل‬ ‫ُ‬
‫القليل م َن َ‬ ‫الساعات‪,‬‬‫ّ‬
‫ْ‬ ‫َْ َ‬
‫أل ِف شه ٍر﴾ [القدر‪,]3:‬‬
‫خفي تعينها اختبارا وابتالء‪ ,‬ليتبني العاملون وينكشف املقْصون‪ ,‬فمن حرص‬
‫عىل يشء جدّ يف طلبه‪ ,‬وهان عليه ما يلقى من عظيم تعبه‪.‬‬
‫َ ْ ُ‬
‫ِيها ُيف َرق‬ ‫إهنا ليلة جتري فيها أقالم القضاء بإسعاد السعداء وشقاء األشقياء‪﴿ :‬ف‬
‫َ‬ ‫ُ ُّ َ ْ‬
‫ِيم﴾ [الدخان‪ ,]4:‬وال هيلك عىل اهلل إال هالك‪.‬‬ ‫ك أم ٍر حك ٍ‬
‫وح ف َ‬ ‫َ‬
‫ك ُة َو ُّ‬
‫الر ُ‬ ‫َ َذُ َْ‬ ‫ِ‬
‫السامء ُ ِ‬ ‫لق َعظيم ِ‬
‫ِيها‬ ‫لشهود تلك ال ّليلة‪﴿ ,‬تَنل المَلئ ِ‬ ‫ينزل من‬ ‫َخ ٌ‬
‫هذ ِه األ ّمة‪ ,‬قال اب ُن كثري‬ ‫بإذْن َربه ْم م ِْن ُك أ َ ْمر﴾[القدر‪َ ,]4:‬ليل ُة سال ٍم وبر ٍ‬
‫كات عىل ِ‬
‫ََ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِِ ِ ِِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫¬‪" :‬يك ُثر ُ‬
‫تنزل‬‫مع ُّ‬‫نزول املالئكَة يف هذه الليلة لكَثرة َبركَتها"‪ ,‬واملالئك ُة َينزلون َ‬
‫ويضعون‬ ‫الذكر َ‬ ‫تالوة القرآن واحيطيون ِ‬
‫بح َل ِق ّ‬ ‫ِ‬ ‫والرمحة كام ينزلون عندَ‬ ‫الربك ِة‬
‫ّ‬ ‫ََ‬
‫بصدق تعظيام له‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لطالب ِ‬
‫العل ِم‬ ‫ِ‬ ‫أجن ِ َحتَهم‬
‫قر َأه فله‬ ‫ِِ‬
‫واب عىل تالوته َجزيل‪« ,‬من َ‬ ‫كتاب ر ِّبنَا العظيم‪ ,‬ال ّث ُ‬
‫ُ‬ ‫ويف ليلة القدر َنزل‬
‫لقار ِئه يو َم القيا َمة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫لصاحبِه‪ ,‬يقال ِ‬ ‫حسنَة واحلسنة بعرش»‪ ،‬وهو شافِع‬ ‫بكل حرف من ُه َ‬ ‫ِّ‬
‫كنت ترتِّلها»‪ .‬فاج َعل ‪-‬أهيا املسلم‪-‬‬ ‫منز َلتَك ِف اجلن ِّة عند ِ‬
‫آخ ِر آ َية َ‬ ‫فإن ِ‬
‫وارق‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫اقرأ‬
‫« َ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪572‬‬
‫لتظفر‬
‫َ‬ ‫الباقية طراوة‪ ,‬ولصوتِك ِمنه ندَ اوة؛‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العش‬ ‫كتاب اهلل عىل لسانِك يف‬ ‫ِ‬ ‫لتال ِ‬
‫وة‬
‫ِ‬
‫القرآن والصيام»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة‪« :‬‬ ‫بشفي َعني يف‬
‫الصاحلني‬ ‫ِ‬
‫قرة ُعيون ّ‬ ‫الصال ُة التي هي ّ‬
‫ومن أعظم ما تستغل به هذه الليايل املباركة ّ‬
‫النبي‬ ‫حث‬ ‫ِ‬
‫الفريضة صال ُة الليل‪َّ ,‬‬ ‫وأفض ُل الص ِ‬
‫الة بعد‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اخلاشعني‪,‬‬ ‫ِ‬
‫أفئدة‬ ‫وراح ُة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫الر ُ‬ ‫ِ‬
‫جل عبدُ اهلل لو كان‬ ‫عم ّ‬
‫‪« :‬ن َ‬ ‫عمر‬
‫البن َ‬ ‫أصحا َبه عىل قيا ِم ال ّليل‪ ,‬يقول ّ‬
‫النبي‬ ‫َ‬
‫‪ ,‬والعبدُ مذموم عىل ِ‬
‫ترك‬ ‫َرك القيا َم بعد ذلك‬‫يصيل من الليل»متفق عليه‪ ,‬فام ت َ‬ ‫ِّ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫مثل‬‫‪« :‬يا عبدَ اهلل‪ ،‬ال َتكُن َ‬ ‫قيام ال ّليل‪ ,‬يقول ‪ِ ‰‬‬
‫لعبد اهلل بن عمرو بن‬
‫فرتك قيا َم ال ّليل» متفق عليه‪.‬‬ ‫يل َ‬ ‫فالن كان يقو ُم ال ّل َ‬
‫دخول اجلنان‪ ,‬ففي حديث عبد اهلل بن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أسباب‬ ‫ِ‬
‫األعامل ومن‬ ‫أفض ِل‬ ‫فقيا ُم الليل من َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫السال َم‪ ،‬وأطعموا ال ّطعا َم‪َ ،‬‬
‫وص ّلوا‬ ‫أفشوا ّ‬‫قال‪« :‬يا ّأهيا الناس‪ُ ،‬‬ ‫أن النبي‬ ‫سالم‬
‫بسالم» رواه الرتمذ ّي الصحيحة(‪.)596‬‬ ‫والناس نِيام‪ُ ،‬‬
‫تدخ ُلوا اجلنّ َة َ‬ ‫ُ‬ ‫بالليل‬
‫‪« :‬من قا َم‬ ‫نوب‪ ,‬قال رسول اهلل‬ ‫الذ ِ‬ ‫فران ّ‬‫مبش من قامها ب ُغ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫رمضان َّ ٌ‬ ‫وليايل‬
‫غفر‬‫غفر َله ما تقدَّ م ِمن َذنبِه ومن قام ليلة القدر إيامنًا واحتسابا ِ‬ ‫مضان إيامنًا واحتسابا ِ‬ ‫َ‬ ‫َر‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫َله ما تقدَّ م ِمن َذنبِه » متّفق عليه‪.‬‬
‫فسل فيها ما‬
‫األبواب فيها تفتَح‪ ,‬والكريم فيها يمنَح‪َ ,‬‬
‫ُ‬ ‫يلة ساع ُة إجا َب ِة‪,‬‬
‫كل َل ٍ‬ ‫ويف ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فالر ّب كريم‪ ,‬و ُب َّث إليه َشكواك فإنّه ّ‬
‫الرمح ُن‬ ‫شئت فاملعطي عظيم‪ ,‬وأيقن باإلجابة ّ‬ ‫َ‬
‫إن ِف ال ّل ِ‬
‫يل‬ ‫السميع البصري‪ ,‬يقول ‪ّ « :‰‬‬
‫فهو ّ‬ ‫َ‬
‫ألواك َ‬ ‫الرحيم‪ ,‬وار َفع إليه‬
‫ّ‬
‫‪573‬‬ ‫خطبة بعنوان (سر رمضان يف العشراألواخر)‬
‫عنواننيا واآلخرة إالّ أعطاه إ ّياه‪،‬‬‫‪ِ ‬‬
‫أمر الدّ‬ ‫خريا ِمن‬ ‫ٌ‬
‫رجل ُمسلم يسأل اهللَ ً‬ ‫لساع ًة ال ُيوافقها‬
‫وذلك َّ‬
‫كل ليلة»رواه مسلم‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫أسمع؟‬ ‫ِ‬ ‫مظنّة إِ ِ‬
‫جابة الدّ عوات‪َ ,‬‬ ‫الليل ِ‬
‫ِ‬ ‫امت ِ‬
‫أي الدعاء َ‬
‫‪ّ :‬‬ ‫للنبي‬
‫ِّ‬ ‫قيل‬ ‫آخر‬ ‫ونس ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪‬‬ ‫جوف ال ّليل ِ‬ ‫يف سريته‬
‫الصلوات املكتوبات» رواه الرتمذيّ املسك والرحيان فيما اتفق على تصحيحه‬
‫ّ‬ ‫بر‬ ‫د‬‫ُ‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫اآلخ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪« :‬‬
‫الشيخان (‪. )631‬‬

‫قدموا ألنفسكم وجدوا وترضعوا‪ .‬تقول عائشة أم املؤمنني‬


‫~ ‪ :‬يا رسول اهلل‪ :‬أرأيت إن علمت ليلة القدر ماذا أقول فيها؟ قال‪ « :‬قوِل‪ :‬اللهم‬
‫عني» رواه الرتمذي الصحيحة (‪.)1119‬‬ ‫إنك عفو َتب العفو فاع‬
‫فمن أعظم ما تستغل به هذه العش الفاضلة الدعاء‪ ,‬فقد قال ربكم عز شأنه‪:‬‬
‫َ َ َ ََْ ْ َ ُ ْ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ٌ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ‬
‫جيبوا ِِل‬ ‫جيب دعوة ادل ِ‬
‫اع إِذا دَع ِن فليست ِ‬ ‫﴿ِإَوذا سألك عِبادِي عّن فإِّن قرِيب أ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ْ ْ ْ َ ذ‬
‫َوْيُؤمِنُوا ِِب ل َعل ُه ْم ي َ ْرش ُدون﴾ [البقرة‪ .]586:‬فباب اإلجابة مفتوح معش الصائمني فام‬
‫عليكم إال أن تستجيبوا هلل وتصلحوا ما بينكم وبني اهلل‪..‬‬
‫فإن للدعاء شأنا عجيبا‪ ,‬وأثرا عظيام يف حسن العاقبة‪ ,‬وصالح احلال واملآل‬
‫والتوفيق يف األعامل والربكة يف األرزاق‪.‬‬
‫ِ‬
‫واالفتقار إليه يف‬ ‫ِ‬
‫أدران خطاياه‪ ,‬واالنكسار بني يدَ ِي اهلل‬ ‫حمو‬ ‫ِ‬
‫مفتق ٌر إىل ِ‬ ‫وال َعبدُ‬
‫ِ‬
‫العش املباركَات‪.‬‬ ‫هذه‬
‫ذكىىىىىىىىر‬
‫ُ‬ ‫شىىىىىىىىكر وال‬
‫ٌ‬ ‫والقلىىىىىىىىب ال‬ ‫جىىىرت السىىىنون وقىىىد مضىىىىى العمىىىر‬

‫ىىىىىر‬
‫سىىىىىيفا بىىىىىىه يتصىىىىىى ّرم العمى ُ‬ ‫والغفلىىىىىىى ُة الصىىىىىىىامء شىىىىىىىاهر ٌة‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪574‬‬
‫ىىىىر‬ ‫جلىىىىىج اْلىىىىىوى ّ‬
‫إن ْاْلىىىىىوى َبحى ُ‬ ‫ُ‬ ‫حتىىىىى متىىىىى يىىىىا قلىىىىب تغىىىىرق يف‬

‫طرقىىىىت رحا َبىىىىك هىىىىذه العشىىىىىر‬ ‫هىىىىىىا قىىىىىىد حبىىىىىىاك اهللَُّ مغفىىىىىىرة‬
‫ِ‬
‫والرسول‬ ‫حممد املصطفى‬ ‫ٍ‬ ‫وكان من هدي نبينا وقدوتنا‬
‫والذكر ِح ْرصا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للصالة‬ ‫يف استغالل هذه العش أنه كان ي ِ‬
‫وق ُظ أه َله فيها‬ ‫ُ‬ ‫املجتبى‬
‫فإهنا فرص ُة ا ْل ُع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مر وغنيم ُة‬ ‫الليايل املباركة بِام هي جدير ٌة به من العبادة َّ‬
‫ِ‬ ‫عىل اغتنام هذه‬
‫مل ْن و َّفقه اهلل ¸‪.‬‬
‫عىل تربية أهله عىل االجتهاد يف العبادة‬ ‫وتأملوا رمحكم اهلل يف حرص النبي‬
‫َط َر َق ُه َو َفاطِ َم َة بِن َْت النَّبِ ِّي ’‬ ‫رب ُه‪َ :‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫َأ ْخ َ َ‬ ‫ب‬‫فعن َع ِ َّيل ْب َن َأ ِِب َطال ِ ٍ‬

‫هلل ‪َ ,‬أ ْن ُف ُسنَا بِ َي ِد ا ِ‬


‫هلل ‪َ ,‬فإِ َذا َشا َء َأ ْن َي ْب َع َثنَا‬ ‫ول ا ِ‬ ‫َل ْي َلة َف َق َال‪َ :‬أ َال ت َُص ِّل َي ِ‬
‫ان؟"‪َ .‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ني ُق ْلنَا َذل ِ َك ‪َ ,‬و َمل َي ْر ِج ْع إِ َ َّيل َش ْيئا ‪ُ ,‬ث َّم َس ِم ْع ُت ُه َو ُه َو ُم َو ٍّل َي ْ ِ‬
‫رض ُب‬ ‫ف ِح َ‬‫ْْص َ‬ ‫َب َع َثنَا‪َ ,‬فان َ َ‬
‫ْ‬
‫ث َ ْ‬ ‫كََ‬ ‫ََ َ َْ ُ َ ْ‬
‫َش ٍء َج َدَل }‪ ،‬ويتجه إىل حجرات نسائه‬ ‫اْلنسان أ‬ ‫ول‪ { :‬وَّكن ِ‬
‫َف ِ‬
‫خ َذ ُه َو ُه َو َي ُق ُ‬
‫آمرا وقائال‪ « :‬أيقظوا صواحب احلجرات يصلني‪ ،‬فرب كاسية ِف الدنيا عارية يوم‬
‫إذا بقي من رمضان عشة أيام ال يدع أحدا من أهله يطيق‬ ‫القيامة»‪ .‬فكان النبي‬
‫القيام إال أقامه‪.‬‬
‫اعرفوا رشف زمانكم‪ ,‬واقدروا أفضل أوقاتكم‪ ,‬وقدموا‬
‫ألنفسكم‪ ,‬ال تضيعوا فرصة يف غري قربة؛ فقد وصف املتقني يف سورة الذاريات‪,‬‬
‫ذ‬
‫بجملة صفات ‪ -‬منها قيام الليل ‪ -‬فازوا هبا بفسيح اجلنات‪ ,‬فقال سبحانه‪ ﴿ :‬إِن‬
‫َ ُ ْ َ َ َ َ‬ ‫ذ‬ ‫َ ٓ َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َذ‬ ‫ُذ َ‬
‫ِين َما َءاتى َٰ ُهم َر ُّب ُهم إِن ُهم َكنوا قبل ذَٰل ِك‬
‫خذ‬‫ون ‪َ 15‬ءا ِ‬
‫ٱلمتقِي ِف جنَٰت وعي ٍ‬
‫‪575‬‬ ‫خطبة بعنوان (سر رمضان يف العشراألواخر)‬
‫َ َ َ ُ َ َ ُ َ‬
‫ون ‪َ 18‬وَّفٓ‬ ‫َ ُ ْ َ ٗ َ ذ َ َ َ ُ َ‬ ‫سن َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫غ‬‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫عنوان ِ‬
‫ار‬ ‫ح‬‫س‬‫ٱل‬ ‫ب‬
‫‪ِ ‬‬‫و‬ ‫‪17‬‬ ‫ون‬ ‫ع‬‫ج‬ ‫ه‬‫ي‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ٱْي‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ِيَل‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫َك‬ ‫‪16‬‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذ ٓ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أمولِهِم حق ل ِلسائ ِ ِل وٱلمحروم ‪[ ﴾ 19‬الذاريات] قال احلسن البْصي ¬ تعاىل‪":‬‬ ‫َٰ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ول‬ ‫كابدوا قيام الليل فال ينامون من الليل إال أقله‪ ,‬ونشطوا فمدوا إىل السحر" َي ُق ُ‬
‫ف فِ ِيه َْ‬
‫اجلنَّ َة َحتَّى‬ ‫َجمْلِسا َو َص َ‬ ‫ول اهللِ‬ ‫‪‬ش ِهدْ ُت ِم ْن رس ِ‬ ‫َ‬ ‫‪:‬‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫سريتهن سع ٍد الس ِ‬
‫اع ِ‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫س‬
‫يف‬
‫َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت ‪َ ،‬و َال َخ َط َر‬‫ني َر َأ ْت ‪َ ،‬و َال ُأ ُذ ٌن َس ِم َع ْ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِيف آخ ِر َحديثه ‪« :‬ف َيها َما َال َع ْ ٌ‬ ‫ا ْنت ََهى ‪ُ ,‬ث َّم َق َال‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ َٰ ُ ُ ُ ُ َ‬
‫جعِ يَد ُعون َر ذب ُهم‬
‫ِ‬ ‫ا‬‫ض‬ ‫م‬ ‫ٱل‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ب ب َرش ‪ُ .‬ثم ا ْق َ ِ ِ‬
‫رت َأ َهذه ْاآل َي َة ‪ ﴿ :‬تتجاف جنوبهم ِ‬ ‫َّ َ‬ ‫َع َىل َق ْل ِ َ‬
‫ِف ل َ ُهم مِن قُ ذرة ِ أَعيُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون ‪ 16‬فََل َتعل ُم َنفس ذما ٓ أخ ِ َ‬
‫َ ٗ َ َ َ ٗ َ ذ َ َ َ َٰ ُ ُ ُ َ‬
‫خوفا وطمعا ومِما رزقنهم ينفِق‬
‫َ ََٓ َ َ ُ ْ َ َ ُ َ‬
‫ون ‪[ ﴾17‬السجدة‪ .» ]57 ,56 :‬وقال الرمحن واصفا عباده ‪﴿ :‬‬ ‫جزاء بِما َكنوا يعمل‬
‫ج ٗدا َوق َِي َٰ ٗما﴾ [الفرقان‪ ]64 :‬فهذه وظيفة الليل يف ِ‬ ‫َ ذ َ َ ُ َ‬
‫ون ل َِربهم ُس ذ‬
‫اإلسالم‪,‬‬ ‫ِِ‬ ‫وٱَّلِين يبِيت‬
‫السكون والراحة واخللوة مع اهلل والتعبد‪ ,‬هذا هو ليل املسلمني‪,‬‬
‫ولكن مع شديد األسف! انظر إىل ليل املسلمني هذه األيام‪ :‬يا حِسة عىل‬
‫العباد!!‬
‫ٍ‬
‫ومعاص وغفلة‪ ,‬وحول بعضهم ليله هنارا‪,‬‬ ‫حتول ليل املسلمني إىل لعب وْلو‬
‫وهناره ليال‪ ,‬وضاع الليل ‪ ..‬ضمن األوقات الضائعة ‪ ..‬ضاع الليل بساعاته الغالية‬
‫وأوقاته النفيسة‪ ,‬ضاع الليل بفرصه الذهبية وفتوحاته الربانية ‪ ..‬ضاع الليل وهم‬
‫يقولون‪ :‬شهر رمضان شهر السهر!! ‪ ..‬هذه فرصتك ‪ ..‬فتقرب إىل اهلل تعاىل وتب من‬
‫تضييع ليلك يف املعايص وال َّلهو‪ ,‬وأثبِت صدق توبتك هذه بقيامك بني يديه تناجيه‬
‫وتستجديه أن يغفر لك‪ ,‬فرصة ال تضيعها‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪576‬‬
‫والذكر‬ ‫ِ‬
‫اآليات ّ‬ ‫بارك اهلل يل ولكم يف القرآن العظيم‪ ,‬ونفعني وإياكم بام فيه من‬
‫ِ‬
‫هبدي س ِّيد املرسلني وبقوله القويم‪ .‬أقول قويل هذا‪ ,‬وأستغفر اهلل‬ ‫احلكيم‪ ,‬ونفعنا‬
‫العظيم يل ولكم ولسائر املسلمني من ّ‬
‫كل ذنب‪ ,‬فاستغفرو ُه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬ ‫َ‬

‫اخلطبة الثانية‪:‬‬
‫احلمد هلل الذي وفق برمحته من شاء من عباده‪ ,‬فعرفوا أقدر مواسم اخلريات‪,‬‬
‫وعمروها بطاعة اهلل‪ ,‬وخذل من شاء بحكمته‪ ,‬فعميت منهم القلوب والبصائر‪,‬‬
‫وفرطوا يف تلك املواسم‪ ,‬فباءوا باخلسائر‪ ,‬وأشهد أن اهلل ال إله إال اهلل وحده ال رشيك‬
‫له العزيز احلكيم القاهر‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله أقوم الناس بطاعة ربه يف‬
‫البواطن والظواهر صىل اهلل عليه وعىل آله وأصحابه والتابعني ْلم بإحسان وسلم‬
‫تسليام‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫تتقىض‪ ,‬شاهدة‬
‫‪ ,‬هذه أيام شهركم تتقلص‪ ,‬ولياليه الشيفة َّ‬
‫بام عملتم‪ ,‬وحافظة ملا أودعتم‪ ,‬هي ألعاملكم خزائن حمصنة‪ ,‬ومستودعات حمفوظة‪,‬‬
‫َ َ‬ ‫ك َنفس ذما َع ِملَت مِن َخي ُّم َ ٗ‬ ‫َ َ َ ُ ُ ُّ‬
‫ضا َو َما ع ِملت مِن ُس ٓوء‬ ‫َتد‬
‫كام قال تعاىل‪ ﴿ :‬يوم ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُّ َ َ ذ َ َ َ َ َ َ ُ ٓ َ َ َ َ ٗ َ ُ َ ُ ُ ُ ذ ُ َ َ ُ َ ذ ُ َ ُ ُ‬
‫تود لو أن بينها وبينهۥ أمدا بعِيدا ويحذِركم ٱّلل نفسهۥ وٱّلل رءوف بِٱلعِبادِ﴾ [ال‬

‫ادي إِن ََّام ِه َي َأ ْع َام ُلك ُْم‬


‫عمران‪ , ]31 :‬ويف احلديث القدِس يقول ربكم سبحانه‪« :‬يا ِعب ِ‬
‫َ َ‬
‫ك َف َال‬ ‫َري َذلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُأ ْحص َيها َلك ُْم ُث َّم ُأ َو ِّفيك ُْم إِ َّي َ‬
‫اها ‪َ ،‬ف َم ْن َو َجدَ َخ ْ ًريا َف ْل َي ْح َمد اهللَ ‪َ ،‬و َم ْن َو َجدَ غ ْ َ‬
‫‪577‬‬ ‫خطبة بعنوان (سر رمضان يف العشراألواخر)‬
‫اخل ْو َال ِ ُّين إِ َذا َحدَّ َ‬
‫ث ِ َهب َذا‬ ‫يس ْ َ‬‫‪‬أ ُبو إِ ْد ِر‬
‫عنوان َ‬ ‫وم َّن إِ َّال َن ْف َس ُه» ‪َ .‬ق َال َس ِعيدٌ ْب ُن َع ْب ِد ا ْل َع ِز ِيز‪ :‬ك َ‬
‫َان َ‬ ‫َي ُل َ‬
‫يث َج َثا َع َىل ُر ْك َب َت ْي ِه‪.‬‬
‫احل ِد ِ‬
‫َْ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪ ,‬إن نزع حالوة املناجاة من القلب أشد ألوان العقوبات‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫«من قلب ال َيشع وعني ال تدمع ودعاء ال يسمع»؟‪.‬‬ ‫واحلرمان‪ .‬أمل يستعذ النبي‬
‫إن كان يف النفوس زاجر‪ ,‬وإن كان يف القلوب واعظ‪ ,‬فقد بقيت من أيام رمضان‬
‫احتفي هبا أيام احتفاء‪.‬‬ ‫بقية؛ بقي ٌة وأي بقية؟! إهنا عشه األخرية‪ ,‬كان نبيكم حممد‬
‫يف العشين قبلها كان خيلطها بصالة ونوم فإذا دخلت العش شمر وجد وشد املئزر‪.‬‬
‫ضان حتى تو ّفاه اهلل»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األواخ َر من َر َم َ‬ ‫عرش‬ ‫ِ‬
‫يعتَك ال َ‬ ‫«وقد كان نب ُّينا‬
‫ِ‬
‫العبد‬ ‫وأرجى ل ِ َقبول‬ ‫َس اخلطايا‬‫غفرة دن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫بم َ‬
‫واالعتكاف يف بيت من بيوت اهلل أحرى َ‬
‫ذكر اهلل فيه‪ ,‬وأكثِر من‬ ‫ِ‬
‫وداوم عىل ِ‬ ‫ِ‬
‫باالعتكاف‪,‬‬ ‫َ‬
‫عنه‪,‬فارغب إىل ر ِّبك‬ ‫ورضاه‬‫ِعند اهلل ِ‬

‫حلظات ُتغ َتنَم وفرص تقتنص‪ ,‬فاملعتكف قد حبس‬ ‫ساعات اإلجا َب ِة‪ ,‬فتلك‬
‫ِ‬ ‫الدّ ِ‬
‫عاء يف‬
‫ٌ‬
‫نفسه عىل طاعة اهلل وذكره وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه وعكف بقلبه وقالبه‬
‫عىل ربه وما يقربه منه فام بقي له هم سوى اهلل وما يرضيه عنه فمعنى‪.‬‬
‫االعتكاف وحقيقته‪ :‬قطع العالئق عن اخلالئق لالتصال بخدمة اخلالق وكلام‬
‫قويت املعرفة باهلل واملحبة له واألنس به أورثت صاحبها االنقطاع إىل اهلل تعاىل بالكلية‬
‫عىل كل حال‪,‬‬
‫كان بعضهم ال يزال منفردا يف بيته خاليا بربه فقيل له‪ :‬أما تستوحش؟ قال‪:‬‬
‫كيف أستوحش وهو يقول‪ :‬أنا جليس من ذكرين‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪578‬‬
‫ِ‬
‫الفضائل"‪,‬‬ ‫الزمان إنام تكون بكثر ِة َما ي َقع فيه ِم َن‬
‫ِ‬ ‫القرطبي ¬‪" :‬فضيل ُة‬
‫ّ‬ ‫يقول‬
‫َ‬
‫اإلحسان من حيث ال يش ُعر‪,‬‬ ‫قرب العبدُ من ر ِّبه ل َطف اهللُ بِه‪ ,‬وساق إليه‬
‫وإذا ُ‬
‫ٍ‬
‫بأسباب ال تكون من‬ ‫ب‬ ‫الش من حيث ال احت َِسب‪ ,‬ورف َعه إىل أعىل املراتِ ِ‬
‫وعص َمه من ّ ّ‬
‫َ‬
‫بد عىل ٍ‬
‫بال‪.‬‬ ‫الع ِ‬
‫َ‬
‫إذا أوى الناس إىل بيوُتم وأهليهم‪ ,‬ورجعوا إىل أمواْلم وأوالدهم الزم هذا‬
‫نفسه‪ ,‬ويقف عند أعتابه يرجو رمحته وخيشى‬
‫املعتكف بيت ربه وحبس من أجله َ‬
‫ٍ‬
‫لبذاء‪ .‬سلم من‬ ‫عذابه‪ ,‬ال يطلق لسانه يف لغو وال يفتح عينه لفحش وال تتنصت أذنه‬
‫الغيبة والنميمة‪ ,‬جانب التنابز باأللقاب‪ ,‬والقدح يف األعراض‪ ,‬ومسارقة الطبع من‬
‫األخالق الرديئة‪ ,‬استغنى عن الناس وانقطع عن األطامع‪ ,‬علم واستيقن أن رضا‬
‫الناس غاية ال تدرك‪.‬‬
‫ِف مدرسة االعتكاف انْصف املتعبد إىل التفكري يف زاد الرحيل وأسباب‬
‫السالمة‪ ,‬من فضول الكالم‪ ,‬وفضول النظر‪ ,‬وفضول املخالطة‪.‬‬
‫وِف مدرسة االعتكاف يتبني للعابد أن الوقت أغىل من الذهب فال يبذله يف غري‬
‫حق‪ ,‬وال يشرتي به ما ليس بحمد‪ ,‬احفظه عن جمامع سيئة‪ ,‬بضاعتها أقوال ال خري يف‬
‫سامعها‪ ,‬ويتباعد به عن لقاء وجوه ال يِس لقاؤها‪.‬‬
‫هذا هو شهركم‪ ,‬وهذه هي هناياته‪ ,‬كم من مستقبل له مل يستكمله؟‬
‫وكم من مؤمل يعود إليه مل يدركه‪ .‬هال تأملتم األجل ومسريه‪ ,‬وهال تبينتم خداع‬
‫األمل وغروره‪.‬‬
‫‪579‬‬ ‫خطبة بعنوان (سر رمضان يف العشراألواخر)‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ذ َ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ َ ُ َ‬
‫عنوانِلنظر نفس ما قدمت ل ِغدن‬ ‫‪ ‬ٱّلل و‬
‫قال اهلل ‪ ﴿ :‬يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا‬
‫ٱّلل فَأ َ َ‬
‫نسى َٰ ُهم‬ ‫ِين ن َ ُسوا ْ ذ َ‬ ‫ََ َ ُ ُ ْ َ ذ‬
‫ٱَّل َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ي ب ِ َما تع َملون ‪ 18‬وَل تكونوا ك‬ ‫َو ذٱت ُقوا ْ ذ َ‬
‫ٱّلل إ ذن ذ َ‬
‫ٱّلل َخب ُ‬
‫األول‪:‬‬ ‫الباب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪1‬‬
‫ٱْلنةِذ‬
‫ب َ‬ ‫حَٰ ُ‬ ‫ب ٱنلذار َوأَص َ‬ ‫حَٰ ُ‬‫ي أَص َ‬ ‫ون ‪ََ 19‬ل يَستَو ٓ‬‫َ ُ َ ُ ُ ْ َ َٰٓ َ ُ ُ َ َٰ ُ َ‬
‫أنفسهم أولئِك هم ٱلفسِق‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سريته َ ُ َ ٓ َ‬
‫‪‬‬ ‫يفأَص َ‬
‫ٱْل ذنةِ ه ُم ٱلفائ ِ ُزون ‪[ ﴾ 20‬احلش]‪.‬‬ ‫ب‬‫حَٰ ُ‬

‫فها هي أيام رمضان تسارع مؤذنة باالنْصاف والرحيل‪ ,‬وها هي أيام العش‬
‫حتل لتكون الفرصة األخرية ملن فرط يف أول الشهر‪ ,‬أو لتكون التاج اخلاتم ملن أصلح‬
‫ووِف فيام مىض‪.‬‬
‫وموسم‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫سوق عظيم يتنافس فيه العاكفون‬ ‫فالعش األخرية من شهر رمضان‬
‫املفرطون‪ ,‬وامتحان تبتىل فيها اْلمم‪ ,‬ويتميز أهل اآلخرة من أهل الدنيا‪,‬‬
‫يضيق فيه ّ‬
‫طاملا حتدث اخلطباء وأطنب الوعاظ وأفاض الناصحون بذكر فضائل هذه الليايل‪,‬‬
‫ويستجيب ْلذا النداء احلاين قلوب من خالط اإليامن بشاشتها‪ ,‬فسلكت هذه الفئة‬
‫املستجيبة طريق املؤمنني‪ ,‬وانضمت إىل قافلة الراكعني الساجدين‪ ,‬واختلطت دموع‬
‫أصحاهبا بدعائهم يف جنح الظالم‪ ,‬وربك يسمع وجييب‪ ,‬وما ربك بظالم للعبيد‪.‬‬
‫أما الفئة األخرى فتسمع النداء وكأنه ال يعنيها‪ ,‬وتسمع املؤمنني وهم يصلون يف‬
‫القيام خلالقهم وكأنه ليس ْلم حاجة بل كأهنم قد ضمنوا اجلنة‪.‬‬
‫فهل يتأمل الشاردون؟ وهل يعيد احلساب املفرطون؟‪.‬‬
‫نسأل اهلل بمنه وكرمه وجوده وإحسانه أن جيعلنا ن فاز يف هذا الشهر باملغفرة‬
‫وعظيم األجر والعتق من النار اللهم أعنا عىل ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ‪,‬اللهم‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪581‬‬
‫أع َّز اإلسالم‬‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫ِ‬
‫واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًّا‬
‫وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬
‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫َ‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫يب الدعوات‪ .‬ال َّل ُه َّم َر َّبنَا آتِنَا ِيف الدُّ ْن َيا َح َسنَة ‪َ ,‬و ِيف ْاآل ِخ َر ِة َح َسنَة ‪َ ,‬و ِقنَا‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬
‫َع َذ َ‬
‫اب النَّار‪.‬‬
‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫‪585‬‬ ‫خطبة بعنوان (خطبة عيد الفطر)‬

‫‪‬عنوان‬
‫األول‪:‬واحلمد هلل رفع أقدار ذوي‬
‫البابا كثريا‪,‬‬
‫وأكربه تكبريا‪ ,‬واهلل أكرب وأذكره ذكر‬
‫ِّ‬ ‫‪ 1‬احلمد هلل‬
‫َيت َُار﴾‬ ‫َي ُل ُق َما َي َش ُ‬
‫اء َو َ ْ‬ ‫ك َْ‬
‫تصاريف األقدار‪َ ﴿ ,‬و َر ُّب َ‬
‫َ‬ ‫األقدار‪ ,‬واهلل أكرب أن َف َذ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫[القصص‪ ,] 68:‬واحلمد هلل عد َد ما َ‬
‫ذر َفت العيون يف مواسم الطاعات من َ‬
‫عربات‪,‬‬
‫ٍ‬
‫صلوات وصياما وصدقات‪ ,‬واحلمد هلل‬ ‫تقربوا إىل موالهم بالعبادات؛‬
‫واهلل أكرب ما َّ‬
‫ويِس‪,‬‬
‫رشائع األحكام َّ‬
‫َ‬ ‫رشع لنا‬
‫فاض علينا من خزائن ُجوده ما ال ُاح َْص‪ ,‬واهلل أكرب َ‬
‫أ َ‬
‫أحق من ُعبِد‪,‬‬‫أمحدُ ه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وأشكره‪ ,‬وأتوب إليه وأستغفره وهو الكريم اجلواد‪ُّ ,‬‬
‫َ‬
‫األوِف‪,‬‬ ‫يمنح اجلزا َء‬
‫ُ‬ ‫وأحق من ُيشكَر‪ ,‬ذو الفضل واإلحسان واملنَّة‬
‫ُّ‬ ‫وأحق من ُذكِر‪,‬‬
‫ُّ‬
‫والعز ُة هلل ولرسوله‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫الفضل األكرب‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‬ ‫ب‬
‫وهي ُ‬
‫َ‬
‫واْلوان ألهل الكفر وال ُفجور واملُعاندين‪ ,‬وأشهد أن‬
‫ُ‬ ‫والص َغار‬
‫ّ‬ ‫والذ َّل ُة‬
‫وللمؤمنني‪ِّ ,‬‬
‫خاتم النبيني وإمام املرسلني ورمح ُة اهلل للعاملني‪,‬‬
‫ُ‬ ‫سيدنا ونبينا حممدا عبدُ اهلل ورسوله‬
‫َ‬
‫وبارك عليه وعىل آله الطيبني الطاهرين‪ ,‬وعىل أزواجه أمهات‬ ‫صىل اهلل وس َّلم‬
‫َّ‬
‫املؤمنني‪ ,‬وعىل أصحابه ال ُغ ِّر امليامني أقاموا الدين‪ ,‬وجاهدوا يف اهلل َّ‬
‫حق جهاده‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إىل يوم الدين وس َّلم‬ ‫صابرين ُخمبتني ُحمتسبني‪ ,‬والتابعني ومن تبِعهم‬
‫تسليام كثريا‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪582‬‬
‫ف ُأوصيكم ‪ -‬أهيا الناس ‪ -‬ونفيس بتقوى اهلل‪ ,‬فاتقوا اهلل ‪ -‬رمحكم اهلل ‪ ,-‬اتقوا اهلل‬
‫حسن توكُّله عىل ربه فيام نا َبه‪,‬‬
‫هلل ُ‬ ‫وأطيعوه‪ ,‬وع ِّظموا أمره وال ُ‬
‫تعصوه؛ فمن اتقى ا َ‬
‫وحسن زهدُ ه فيام فاتَه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وحسن ِرضاه بام آتاه‪,‬‬
‫ُ‬
‫احب ويرىض‪ ,‬تز َّينوا بلباس التقوى؛ فالفائز من‬
‫وتقربوا إليه بام ُّ‬
‫اتقوا اهلل حق التقوى‪َّ ,‬‬
‫وينظر‬
‫ُ‬ ‫الناس ُحفا ٌة ُعراة‪,‬‬
‫عرض ُ‬ ‫وتأهبوا للعرض األكرب يوم ُي ُ‬ ‫ألبسه مواله ُح َلل مواله‪َّ ,‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ُم َخاف َي ٌة﴾ [احلاقة‪.] 58:‬‬ ‫امرئ ما قدَّ َمت يداه‪َ ﴿ ,‬ي ْو َم ِئ ٍذ ُت ْع َر ُض َ‬
‫ون َال َ ْ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫خت َفى منْك ْ‬ ‫كل‬
‫اهلل أكرب كبريا‪ ,‬واحلمد هلل كثريا‪ ,‬وسبحان اهلل بكرة وأصيال‪.‬‬
‫أهيا املسلمون‪:‬‬
‫ومجيع‬
‫َ‬ ‫عيدُ كم ُمبارك‪ ,‬وتق َّبل اهلل صيا َمكم وقيا َمكم‪ ,‬وصلواتكم وصدقاتكم‪,‬‬
‫فرحتم بصيامكم‪ ,‬فافرحوا ِبفطركم‪ ,‬وقد علِمتم أن للصائم فرحتني‪:‬‬
‫طاعاتكم‪ ,‬وكام ِ‬

‫فرضكم‪ ,‬وأطعتُم ر َّبكم‪ُ ,‬صمتم وقرأتُم‬ ‫ٍ‬


‫وفرحة بلقاء ربه‪ ,‬أ َّديتم َ‬ ‫فرحة عند فِطره‪,‬‬
‫ٍ‬

‫الفوز ‪ -‬بإذن اهلل وفضله ‪.-‬‬


‫َ‬ ‫وتصدَّ قتُم‪ ,‬فهنيئا لكم ما قدَّ متم‪ ,‬و ُبشاكم‬
‫ِ‬
‫وابتهجوا واس َعدوا‪ ،‬وانشوا السعاد َة والبهج َة فيمن حولكم‪ ,‬إن حقكم أن‬ ‫افرحوا‬
‫حق أهل اإلسالم يف‬ ‫ِ‬
‫الزينة والِسور‪ ,‬ومن ِّ‬ ‫ِ‬
‫وتبتهجوا هبذا اليوم يوم‬ ‫تفرحوا بعيدكم‬
‫يوم هبجتهم أن يسمعوا كالما مجيال‪ ,‬وحديثا ُم ِبهجا‪ ,‬وأن ير ُقبوا آماال ِعراضا‬
‫و ُمستقبال زاهرا ْلم ولدينهم وألمتهم‪.‬‬
‫قد يقول بعض املتأملني ‪ -‬أحسن اهلل إليهم ‪ :-‬إن املسلمني اليوم يعيشون ِ َ‬
‫حمنًا ورزا َيا‪،‬‬
‫وعويل‪ ,‬ويف كل ِصق ٍع‬ ‫أرض أرملة وقتيل‪ ,‬ويف كل ٍ‬
‫ركن بكا ٌء َ‬ ‫ٍ‬ ‫وفتنًا وباليا‪ْ ،‬لم يف كل‬
‫‪583‬‬ ‫خطبة بعنوان (خطبة عيد الفطر)‬

‫‪‬عنوان‬
‫والطائفية واإلقصاء‪ ,‬دما ٌء وأشالء‪,‬‬ ‫صور من ِّ‬
‫الذل واْلوان وال ُفرقة‬ ‫ٌ‬ ‫طار ٌد وأسري‪,‬‬
‫ُم َ‬
‫الناظر ال يرى دماء سوى دمائنا‪ ,‬وال جراحا سوى‬ ‫َ‬ ‫وتس ُّل ٌط من األعداء‪ ,‬وكأن‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ِ‬
‫القلوب احلناجر‪ ,‬وظ َّن ظانُّون باهلل الظنُونا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫جراحاتنا‪ ,‬زا َغت األبصار‪ ,‬وبل َغت‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫ثم يقول هذا القائل‪ :‬هل بعد هذه األحزان من أفراح؟ وهل بعد هذه املضائق من‬
‫خمارج؟ وهل وراء هذه اآلالم من آمال؟ وهل يف ط َّيات هذه امل ِ َحن من ِمنَح؟ ومتى‬
‫نور اإلصالح؟‬‫وح ُ‬ ‫ي ُل ُ‬
‫ستبرش ا ُمل ِ‬
‫حتفي بعيده َح َس ُن الظن بربه‪ :‬نعم‪ ,‬ثم نعم‪ ,‬فاهنأوا بعيدكم‪,‬‬ ‫يقول املُ ِ‬

‫حسن‬
‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫وابتهجوا بأفراحكم‪ ,‬وهل يكون انتظار الفرج إال يف األزمات؟ وهل ُيط َل ُ‬
‫الظن إال يف املُلِ َّامت؟ يقول ربكم يف احلديث القدِس ‪َّ -‬‬
‫عز شأنه ‪« :-‬أنا عند ظ ِّن‬
‫عبدي ِب فليظ َّن ِب ما شاء» املسك والراحان فيام اتفق عىل تصحيحه الشيخان‬
‫‪. )5158‬‬
‫اب َقا ُلوا َه َذا َما َو َعدَ نَا ا َُّ‬
‫هلل َو َر ُسو ُل ُه‬ ‫ُون ْاألَ ْح َز َ‬ ‫واملؤمنون قال اهلل فيهم‪َ ﴿ :‬وملََّا َر َأى املُْ ْلؤ ِمن َ‬
‫َو َصدَ َق اهللَُّ َو َر ُسو ُل ُه َو َما زَا َد ُه ْم إِ َّال إِ َيامنًا َوت َْسلِ ًيام﴾ [األحزاب‪ ,] 22:‬وقال يف آخرين‪:‬‬
‫ِ‬
‫ورا﴾ [الفتح‪,] 52:‬‬ ‫﴿ َو َظنَنْت ُْم َظ َّن َّ‬
‫الس ْوء َو ُكنْت ُْم َق ْو ًما ُب ً‬
‫ين﴾‬ ‫اْل ِ ِ‬
‫اِس َ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َذلِك ُْم َظ ُّنك ُُم ا َّل ِذي َظنَنْت ُْم بِ َر ِّبك ُْم َأ ْر َداك ُْم َف َأ ْص َب ْحت ُْم ِم َن َْ‬

‫[فصلت‪.] 23:‬‬
‫قال‪َ « :‬وا َّل ِذي َال إِ َل َه غَ ْ ُري ُه َما ُأ ْعطِ َي َع ْبدٌ ُم ْلؤ ِم ٌن َش ْيئًا َخ ْ ًريا‬ ‫وعن عبد اهلل بن مسعود‬
‫حي ِس ُن َع ْبدٌ بِاهللَِّ َع َّز َو َج َّل ال َّظ َّن إِ َّال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن ُح ْس ِن ال َّظ ِّن بِاهللَِّ َع َّز َو َج َّل َوا َّلذي َال إِ َل َه غَ ْ ُري ُه َال ُ ْ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪584‬‬
‫اْل ْ َري ِِف َي ِد ِه» حسن الظن باهلل البن أِب الدنيا ص‪:‬‬ ‫َأ ْع َطا ُه اهللَُّ َعزَّ َو َج َّل َظنُّ ُه َذلِ َ‬
‫ك بِ َأ َّن َْ‬

‫‪. )96‬‬
‫‪« :‬إِ َذا َتَ َنَّى َأ َحدُ ك ُْم َف ْل َي ْس َتكْثِ ْر ‪َ ،‬فإِن ََّام َي ْس َأ ُل‬ ‫ويف احلديث الصحيح‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهللِ‬
‫َر َّب ُه َع َّز َو َج َّل» رواه اإلمام ع ْبد بن محيد‪ .‬املسك والراحان فيام اتفق عىل تصحيحه‬
‫الشيخان ‪. ) 5368‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫ما دام أن أمتنا شاهد ٌة عىل األمم فهي باقي ٌة ما ِبقيت احلاج ُة إىل الشهادة‪ ,‬وما دام أن‬
‫آالف‬
‫ٌ‬ ‫مئات ال ُعظامء بل‬
‫ُ‬ ‫رسالتنا هي اخلامتة فهي باقي ٌة إىل آخر الدهر‪ ,‬ويف تاريخ األمة‬
‫ُ‬
‫وأمثاْلم ‪ -‬بإذن اهلل ‪ ,-‬وهذه سنة اهلل‪.‬‬ ‫وآالف قد ُولِدوا وسوف ُيو َلد ُ‬
‫أمثاْلم‬
‫ناظر ْيكم ا َيو ُّده‬ ‫ِ‬ ‫بل ها هي أحداث وم ِ‬
‫تغريات حتدث أمام َ‬ ‫ونوازل و ُم ِّ‬ ‫ستجدَّ ات‪,‬‬ ‫ُ‬
‫األمر من حيث مل‬ ‫ُ‬ ‫صوهنم فأتاهم‬
‫أصحاهبا أهنم مان َعتُهم ُح ُ‬
‫ُ‬ ‫املُتابِ ُع وما ال َيو ُّده‪َّ ,‬‬
‫ظن‬
‫احتسبوا ُفدَّ ت عليهم املخارج وضا َقت عليهم ِ‬
‫احل َيل‪ ,‬وها هي أساليب االتصال‬ ‫ِ‬

‫احسن‬
‫ومواقع التواصل وطرق التعبري فتحت من األبواب‪ ,‬وه َّيات من األسباب ا ُ‬
‫وفقهه‪.‬‬
‫فهمه ُ‬
‫ُ‬

‫الظن بربكم‪ ,‬فكلام ازداد التحدِّ ي ازداد اليقني‪ ,‬وال‬ ‫وأنتم يف استقبال عيدكم ِ‬
‫أحسنوا‬
‫َّ‬
‫نفسه بغري مجال فلن يرى يف الوجود شيئا مجيال‪,‬‬ ‫َ‬
‫اجلامل إال اجلميل‪ ,‬ومن كانت ُ‬ ‫يرى‬
‫وفكرك‪ ,‬فج ِّفف دم َعك‪,‬‬
‫ُ‬ ‫والكون ليس حمدودا بام تراه عيناك ولكن ما يراه قل ُبك‬
‫‪585‬‬ ‫خطبة بعنوان (خطبة عيد الفطر)‬
‫عنوانالفرج مع الكرب‪ ,‬وإن مع‬
‫الصرب‪ ,‬وإن‬
‫‪‬‬ ‫رأسك؛ فإن النْص مع‬
‫كِسك‪ ,‬وارفع َ‬
‫واجرب َ‬
‫ُ‬
‫ال ُعِس ُيِسا‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫اس َع ٍة‪َ ,‬و ِض َيا ٍع كَثِ ْ َري ٍة‪َ ,‬ق َال َم َّرة َر ُج ٌل‪َ :‬ما‬
‫احب د ْنيا و ِ‬ ‫ِ‬
‫َان املُ َع َاِف َص َ ُ َ َ‬ ‫احل ِاِف‪" :‬ك َ‬ ‫رش َ‬ ‫َق َال بِ ْ ٌ‬
‫يف َ سريته ‪‬‬
‫َت‪َ ,‬لك َ‬
‫َان َخ ْريا‬ ‫اآلن؟ َل ْو َسك َّ‬ ‫الرب َد ال َي ْو َم‪َ ,‬فال َت َف َت إِ َل ْي ِه املُ َع َاِف‪َ ,‬و َق َال‪َ :‬أ ْستَدْ َف ْأ َت َ‬
‫أ َشدَّ َ ْ‬
‫ال ِم"‪ .‬سري‬ ‫ول ال َك َ‬ ‫َل َك‪ .‬قال الذهبي‪َ :‬ق ْو ُل ِم ْث ِل َه َذا َج ِائ ٌز‪َ ,‬لكِن َُّهم كَانُوا َيك َْر ُه ْو َن ُف ُض َ‬
‫أعالم النبالء ط الرسالة (‪)81 /1‬‬
‫أمر‬
‫هلك الناس فهو أهلكُهم»‪ ,‬ومن أجل هذا َ‬‫نفسك‪« ,‬ومن قال‪َ :‬‬‫املهزو ُم من هز َمته ُ‬
‫احب التفاؤل و ُي ِ‬
‫عج ُبه‬ ‫« ُّ‬ ‫دينُنا بالتفاؤل‪ ,‬وهنانا عن التشاؤم؛ بل إن نبينا حممدا‬
‫الفأل»متفق عليه‪« ,‬و ُي ِ‬
‫عج ُبه أن يسمع‪ :‬يا نجيح‪ ,‬ويا راشد»صحيح اجلامع (‪ )1158‬؛‬
‫ألن التفاؤل ‪ -‬أسعدكم اهلل‪ ,‬وزادكم يف عيدكم هبجة ‪ :-‬كل ما أدخل عىل اإلنسان‬
‫أبواب األمل‪ ،‬وتنطلِ ُق معه‬
‫َ‬ ‫ويفتح‬
‫ُ‬ ‫يدفع إىل العمل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وانرشاحا مما‬
‫ً‬ ‫ِسورا وهبج ًة‬
‫ً‬
‫النفوس‪.‬‬
‫يقول بعض العلامء ‪" :‬جعل اهلل من فِ َطر الناس‪ :‬حمبة الكلمة الطيبة واألُنس هبا‪ ,‬كام‬
‫االرتياح باملنظر األنيق واملاء الصايف وإن كان ال يملكه وال يش ُبه" فتح‬
‫َ‬ ‫جعل فيهم‬
‫الباري البن حجر (‪.)231 /35‬‬
‫ظن باهلل‬
‫الفأل ُحسن ٍّ‬ ‫اإلنسان ِ‬
‫يبته ُج باْليئة احلسنة‪ ,‬واملكان الفسيح‪ ,‬واملنظر البهيج‪ ,‬و ُ‬
‫ٌ‬
‫وباعث‬ ‫وتع ُّل ٌق برجائه‪ ,‬التفاؤل استعان ٌة باملوجود لتحصيل املفقود‪ ,‬وهو تقوي ٌة للعزم‪,‬‬
‫عىل ِ‬
‫اجلدّ ‪ ,‬ومعون ٌة عىل ال َّظ َفر‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪586‬‬
‫َ‬
‫واحلنظل عسال‪ ,‬والدار الضيق َة قْصا‪,‬‬ ‫العلقم ُزالالً‪ ,‬والصحراء جنة‪,‬‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫التفاؤل يقل ُ‬
‫والقل َة ِغنى‪ ,‬وهل يش ُعر بس َعة الدنيا من كان ِحذاؤه ض ِّيقا؟!‬
‫وهي َزم من أجل أن ينتْص‪ ,‬وينام من أجل أن‬
‫املتفائل يسقط من أجل أن ينهض‪ُ ,‬‬
‫حصد‪.‬‬
‫زرع َ‬
‫وجد‪ ,‬ومن َ‬
‫يستيقظ‪ ,‬ومن جدَّ َ‬
‫ف إيامنَه‬ ‫الفواجع‪ ,‬وال ت ِ‬
‫ُضع ُ‬ ‫ِ‬ ‫املتفائل ال ت ِ‬
‫ُزعز ُع يقينَه املصائب‪ ,‬وال ت ُف ُّل عزيمتَه‬
‫احلوادث‪ ,‬ويف احلديث‪« :‬إن من الناس مفاتيح للخري مغاليق للرش‪ ،‬وإن من الناس‬
‫ٌ‬
‫وويل ملن جعل‬ ‫مفاتيح للرش مغاليق للرش‪ ،‬ف ُطو َبى ملن جعل اهلل مفاتيح اْلري عىل يديه‪،‬‬
‫اهلل مفاتيح الرش عىل يديه»؛ رواه ابن ماجه الصحيحة ‪. )5332‬‬
‫ونفس املرء مثل غرفته إن شاء‬
‫ُ‬ ‫السبب يف كل ما احدث لك‪,‬‬
‫ُ‬ ‫وهلذا قيل‪ُ " :‬قدراتُك هي‬
‫فتح النوافذ فدخل النور والضياء واْلواء والعليل‪ ,‬وإن شاء أغلقا ِ‬
‫فبق َي يف الظالم"‪.‬‬
‫انعكاس ألفكاره‪ ,‬ومصائب احلياة تتامشى‬
‫ٌ‬ ‫قسامت وجه املرء‬ ‫وقال ُ‬
‫أهل احلكمة‪" :‬إن َ‬
‫مع ِمهم الرجال صعودا وهبوطا‪ ,‬وتشيب الرؤوس وال تشيب ِ‬
‫اْل َمم"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫غريون‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫فاحرتم نفسك ‪ -‬رمحك اهلل ‪ -‬فهي ُ‬
‫أمجل خملوق عىل وجه األرض‪ ,‬والذين ال ُي ِّ‬
‫ٌ‬
‫وقليل منهم‬ ‫َ‬
‫العامل‪,‬‬ ‫اجلميع ُيفكِّر بتغيري‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حوْلم‪ ,‬وْلذا ترى‬ ‫غريون ما‬
‫ما بأنفسهم ال ُي ِّ‬
‫من ُيف ِّكر بتغيري نفسه‪ ,‬ويف التنزيل العزيز‪﴿ :‬إِ َّن اهللََّ َال ُيغ ِّ ُ‬
‫َري َما بِ َق ْوم َحتَّى ُيغ ِّ ُ‬
‫َريوا َما‬

‫بِ َأ ْن ُف ِس ِه ْم﴾ [الرعد‪.] 55 :‬‬


‫معارش املسلمني املُ ِ‬
‫بتهجني‪:‬‬
‫‪587‬‬ ‫خطبة بعنوان (خطبة عيد الفطر)‬
‫الظن باهلل‬
‫وحسن ِّ‬
‫والفرح ُ‬
‫َ‬ ‫‪‬عنوان‬
‫االبتهاﺝ‬ ‫ومن أجل مزيد من الوضوح واإليضاح‪ ،‬وملزيد من‬
‫تأملوا هذه املقارنات واملوازنات‪:‬‬
‫‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬واألمل العريض لْلمة َّ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫يعرف‬
‫ُ‬ ‫ينظر يف املشكلة‪ ,‬املتفائل ُ ِجمدٌّ عىل الدوام ال‬
‫ينظر إىل احلل‪ ,‬واملتشائم ُ‬
‫املتفائل ُ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫والرضر‪ ,‬يرى احليا َة ح ًّقا له وح ًّقا لآلخرين‪ ,‬واملتشائم جالَّد نفسه يرى َ‬
‫غريه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اإلحباط‬
‫أسعدَ منه‪ ,‬ثم هو يريدُ أن يكون أسعدَ من اآلخرين‪ ,‬وهل ُ‬
‫مثل هذا ُاح ِّق ُق السعادة؟‬
‫يعمى أن يرى الضو َء الذي أمام‬ ‫املتفائل يرى ضوءا ال يراه اآلخرون‪ ,‬واملتشائم َ‬
‫ستشف ملُستق َبلِه‪ ,‬واملتشائم‬
‫ٌ‬ ‫تحم ٌس حلاَضه‪ُ ,‬م‬ ‫ناظر ْيه‪ ,‬املتفائل مستفيدٌ من ماضيه‪ُ ,‬م ِّ‬
‫َ‬
‫هليع عىل ُمستق َبلِه‪.‬‬
‫أسري ملاضيه‪ُ ,‬حم َب ٌط من حاَضه‪ٌ ,‬‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫يشتغ ُل‬ ‫ب املعاذير واملخارج لسالمة ِ‬
‫طو َّيته وانشاح صدره‪ ,‬واملتشائم‬ ‫املتفائل يط ُل ُ‬
‫نفسه يف املضائق ل ُظلمة باطنه‪.‬‬ ‫واحش َ‬ ‫بالعيوب ُ ُ‬
‫الش ْي َطا ُن‬
‫ويفتقر وهو غني‪َّ ﴿ ,‬‬ ‫ِ‬ ‫جيوع وهو شبعان‪,‬‬ ‫ٍ‬
‫صيحة عليه‪,‬‬ ‫ب كل‬
‫ُ‬ ‫احس ُ‬
‫املتشائم َ‬
‫ِ‬ ‫هلل ي ِعدُ كُم مغ ِْفر ًة ِمنْه و َف ْض ًال وا َُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾‬ ‫هلل َواس ٌع َعل ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َيعدُ ك ُُم ا ْل َف ْق َر َو َي ْأ ُم ُرك ُْم بِا ْل َف ْح َشاء َوا َُّ َ‬
‫[البقرة‪.] 268:‬‬

‫ويعمى عن الن َعم املوجودة‪.‬‬


‫َ‬ ‫املتشائم يذكُر الن َع َم املفقودة‬

‫تاج‬
‫الحظتُم أن التفاؤل ال ُاح ُ‬
‫عيدُ كم مبارك‪ ,‬وأيامكم باخلري والسعادة حمفوظة؛ هل َ‬
‫وضح النهار ال حتتاج إىل الشموع‬
‫إليه يف وقت الرخاء واألمن والنعيم؛ إذ يف َ‬
‫املصباح ال ُييض ُء إال يف الظالم‪ ,‬وشمع ٌة واحدة كافي ٌة لتبديد‬
‫َ‬ ‫واملصابيح؛ بل إن‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪588‬‬
‫والفجر ال‬
‫ُ‬ ‫والنْص ال يكون إال بعد اْلزيمة‪,‬‬
‫ُ‬ ‫والفرج ال يكون إال بعد ِّ‬
‫الشدَّ ة‪,‬‬ ‫ُ‬ ‫الظالم‪,‬‬
‫ليل ُمدبِر‪.‬‬
‫يكون إال بعد ٍ‬

‫‪" :‬أما بعد‪ :‬فإن اخلري كله يف‬ ‫عمر بن اخلطاب إىل أِب موسى األشعري‬
‫كتب ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫فاصرب‪ ,‬مدارج السالكني ‪)577 /2‬‬ ‫استطعت أن ترىض وإال‬
‫َ‬ ‫الرضا‪ ,‬فإن‬
‫حف َظك اهلل ‪ِ -‬‬
‫حاَضك ُحزنا عىل ماضيك؛ فالتفاؤل يف ا ُملستقبل هو‬ ‫ُفسد ‪ِ -‬‬
‫فال ت ِ‬

‫امليت إىل‬
‫َ‬ ‫الشاهدُ عىل صحة العقل وصفاء النفس‪ ,‬وقد قالوا‪" :‬إن البكا َء ال ُيعيدُ‬
‫الطيب"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫واألثر‬
‫ُ‬ ‫والذكر احلسن‬
‫ُ‬ ‫احلياة‪ ,‬ولكن ُيعيدُ ه الدعا ُء والثنا ُء‬
‫وذكر اهلل تفاؤل‪ ,‬والدعا ُء‬ ‫ُ‬ ‫بالعيل األعىل‪ ،‬فالصالة تفاؤل‪,‬‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫االتصال‬ ‫ورأس التفاؤل‬ ‫ُ‬
‫يط بذلك‪ :‬حسن الظن باهلل ‪ -‬عز شأنُه ‪﴿ ,-‬و َال َُتِنُوا ِِف ابتِغ ِ‬
‫َاء ا ْل َق ْو ِم إِ ْن‬ ‫تفاؤل‪ُ ,‬اح ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫هلل َعلِ ًيام‬
‫َان ا َُّ‬ ‫ون ِم َن اهللَِّ َما َال َي ْر ُج َ‬
‫ون َوك َ‬ ‫ون َوت َْر ُج َ‬‫ون ك ََام ت َْأملَُ َ‬
‫ون َفإِ ََّّن ُ ْم َي ْأملَُ َ‬
‫َتكُونُوا ت َْأملَُ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني‬‫َحك ًيام﴾ [النساء‪َ ﴿ ,]514 :‬و َال َُتِنُوا َو َال َ َْت َزنُوا َو َأ ْنت ُُم ْاألَ ْع َل ْو َن إِ ْن ُكنْت ُْم ُم ْلؤمن َ‬
‫ني النَّا ِ‬
‫س‬ ‫(‪ )311‬إِ ْن َي ْم َس ْسك ُْم َق ْر ٌح َف َقدْ َم َّس ا ْل َق ْو َم َق ْر ٌح ِم ْث ُل ُه َوتِ ْل َ‬
‫ك ْاألَ َّيا ُم ُندَ ِاو َُهلا َب ْ َ‬
‫ني (‪َ )315‬ولِ ُي َم ِّح َص‬ ‫ِ‬
‫ب ال َّظامل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين َآمنُوا َو َيتَّخ َذ منْك ُْم ُش َهدَ َاء َواهللَُّ َال ُحي ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َول َي ْع َل َم اهللَُّ ا َّلذ َ‬
‫ين (‪َ )313‬أ ْم َح ِس ْبت ُْم َأ ْن تَدْ ُخ ُلوا َْ‬
‫اجلنَّ َة َوملََّا َي ْع َل ِم اهللَُّ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا َو َي ْم َح َق ا ْلكَاف ِر َ‬
‫ِ‬
‫اهللَُّ ا َّلذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾ [آل عمران‪.]542 - 539 :‬‬ ‫الصابِ ِر َ‬
‫اهدُ وا منْك ُْم َو َي ْع َل َم َّ‬ ‫ين َج َ‬ ‫ا َّلذ َ‬
‫نفعني اهلل وإياكم بالقرآن العظيم‪ ,‬وهبدي حممد ‪ -‬صىل اهلل عليه وسلم ‪ ,-‬وأقول قويل‬
‫هذا وأستغفر اهلل يل ولكم ولسائر املسلمني من كل ٍ‬
‫ذنب وخطيئة‪ ,‬فاستغفروه؛ إنه هو‬
‫الغفور الرحيم‪.‬‬
‫‪589‬‬ ‫خطبة بعنوان (خطبة عيد الفطر)‬

‫‪‬عنوان‬
‫تقرب العبا ُد إىل رهبم بالفرائض‪ ,‬وحت َّببوا إليه باملندوب‪ ,‬واهلل‬
‫احلمد هلل‪ ,‬احلمد هلل ما َّ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫شمر اجلا ُّدون يف حتصيل‬
‫ويغفر الذنوب‪ ,‬واحلمدُ هلل ما َّ‬
‫ُ‬ ‫أكرب يق َب ُل التوب َة عن عباده‬
‫‪‬‬
‫سارعوا وتنا َفسوا يف حتقيق املرغوب‪ ,‬واحلمد هلل هدانا لإليامن‬ ‫يف سريته‬
‫املطلوب‪ ,‬واهلل أكرب ما‬
‫بالسنَّة والقرآن‪ ,‬أمحدُ ه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وأشكره عىل كريم الفضل وجزيل‬ ‫وأكر َمنا ُ‬
‫اإلحسان‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له فيام خلق وقدَّ ر‪ ,‬وال ُم ِ‬
‫ناز َع له‬
‫فيام حك ََم ود َّبر‪ ,‬وأشهد أن سيدنا ونبينا حممدا عبدُ اهلل ورسوله املبعوث لألبيض‬
‫وبارك عليه ب َّلغ الرسالة‪ ,‬وأ َّدى األمانة‪,‬‬
‫صىل اهلل وس َّلم َ‬
‫واألسود واألمحر واألصفر‪َّ ,‬‬
‫وبش َ‬
‫وأنذر‪ ,‬وعىل آله السادة ال ُغ َرر‪ ,‬وأصحابه ذوي السلوك األطهر‪ ,‬والتابعني ومن‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان وس َّلم تسليام كثريا‪.‬‬ ‫تبِ َعهم‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ٍ‬
‫يشء‬ ‫يشء علام‪ ,‬وأحىص كل‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫أحاط بكل‬ ‫يعلم أن اهلل قد‬
‫فاملؤمن ذو اليقني والرضا ُ‬‫ُ‬
‫َ‬
‫ابتالك إال‬ ‫ٍ‬
‫يشء رمحة وعلام‪ ,‬فام من َعك ر ُّبك إال ل ُيعطِ َيك‪ ,‬وال‬ ‫عددا‪ِ ,‬‬
‫ووس َع كل‬
‫ِ‬
‫ليصطف َيك‪.‬‬ ‫ل ُيعافِ َيك و ُيثي َبك‪ ,‬وال امتحنَك إال‬

‫يقول شيخ اإلسالم أمحد بن عبد احلليم ‪" : ‬مصيب ٌة تُقبِ ُل هبا عىل اهلل ٌ‬
‫خري من‬
‫َ‬
‫ُنسيك رضا اهلل"‪.‬‬
‫نعمة ت‬
‫ِ‬
‫لتمتحن‬ ‫تأت لتُهلِك الناس؛ بل‬
‫وقال بعض أهل العلم‪" :‬املُشكالت واملِحن م ِ‬
‫َ‬
‫فالزم التسبيح؛‬
‫مهك َ‬‫وجشم عليك ُّ‬
‫َ‬ ‫صدرك‬
‫ُ‬ ‫وإيامَّنم وعم َلهم"‪ ,‬وإذا َ‬
‫ضاق‬ ‫َ‬ ‫صربهم‬
‫َ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪591‬‬
‫ون (‪)15‬‬ ‫َّك َي ِض ُيق َصدْ ُر َك بِ َام َي ُقو ُل َ‬ ‫‪َ ﴿ :‬و َل َقدْ َن ْع َل ُم َأن َ‬ ‫فقد قال اهلل لنبيه وحبيبه حممد‬
‫ِ‬ ‫ين (‪َ )18‬وا ْع ُبدْ َر َّب َك َحتَّى َي ْأتِ َي َ‬ ‫ك وكُن ِمن الس ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾‬‫ك ا ْل َيق ُ‬ ‫اجد َ‬ ‫َف َس ِّب ْح بِ َح ْمد َر ِّب َ َ ْ َ َّ‬
‫ت‬‫عز شأنُه ‪َ ﴿ :-‬فإِ ْن ت ََو َّل ْوا َف ُق ْل َح ْسبِ َي اهللَُّ َال إِ َل َه إِ َّال ُه َو َع َل ْي ِه ت ََو َّك ْل ُ‬
‫[احلجر]‪ ,‬وقال له ‪َّ -‬‬
‫ش ا ْل َعظِي ِم﴾ [التوبة ]‪.‬‬
‫َو ُه َو َر ُّب ا ْل َع ْر ِ‬

‫عز شأنُه ‪:-‬‬ ‫التصديق بوعد اهلل ‪ ‬يف قوله ‪َّ -‬‬ ‫ُ‬ ‫أهيا املسلمون ! إن التفاؤل احلق هو‬
‫ض ك ََام ْاستَخْ َل َ‬ ‫ات َل َي ْستَخْ لِ َفن َُّه ْم ِِف ْاألَ ْر ِ‬ ‫احل ِ‬‫﴿وعدَ اهللَُّ ا َّل ِذين آمنُوا ِمنْكُم وع ِم ُلوا الص َِ‬
‫َّ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ين ِم ْن َق ْبلِ ِه ْم َو َل ُي َم ِّكن ََّن َُهل ْم ِدين َُه ُم ا َّل ِذي ْارت ََىض َُهل ْم َو َل ُي َبدِّ َلن َُّه ْم ِم ْن َب ْع ِد َخ ْوفِ ِه ْم َأ ْمنًا‬ ‫ِ‬
‫ا َّلذ َ‬
‫ك هم ا ْل َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َي ْع ُبدُ ونَنِي َال ُي ْ ِ‬
‫ون﴾ [النور‪,[55‬‬ ‫اس ُق َ‬ ‫ُون ِيب َش ْيئًا َو َم ْن َك َف َر َب ْعدَ َذل َك َف ُأو َلئ َ ُ ُ‬ ‫رشك َ‬
‫ين إِ ْن‬ ‫ِ‬
‫ي َع ِزي ٌز (‪ )15‬ا َّلذ َ‬ ‫َْص ُه إِ َّن اهللََّ َل َق ِو ٌّ‬ ‫جل يف ُعاله ‪َ ﴿ :-‬و َل َين ُ َ‬
‫َْص َّن اهللَُّ َم ْن َين ُ ُ‬ ‫وقوله ‪َّ -‬‬
‫ض َأ َقاموا الص َال َة وآتَوا الزَّ كَا َة و َأمروا بِاملَْعر ِ‬
‫وف َو ََّن َ ْوا َع ِن املُْنْك َِر َوهللَِّ‬ ‫ُْ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّاه ْم ِِف ْاألَ ْر ِ ُ‬ ‫َم َّكن ُ‬
‫ع ِ‬
‫اق َب ُة ْاألُ ُم ِ‬
‫ور﴾ [احلج‪.]45 ,41 :‬‬ ‫َ‬
‫أال فاتقوا اهلل ‪ -‬رمحكم اهلل ‪ ,-‬واهنأوا بعيدكم‪ ,‬وأصلِحوا ذات بينكم‪ ,‬وأطيعوا اهلل‬
‫ورسو َله إن كنتم مؤمنني‪ ,‬فالعيدُ فرح ٌة وهبجة‪ ,‬فمن أحب أن ي ِ‬
‫ساحمَه الناس‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫فلي ِ‬
‫ساحمهم‪ ,‬ومن زاد ح ُّبه لنفسه ازداد كر ُه الناس له‪ ,‬واألُلفة دليل ُحسن اخللق‪,‬‬ ‫ُ‬
‫والنُفرة عالم ُة سوء اخلُلق‪,‬‬
‫وحسنت ن َّيتُه وص ُلح عم ُله‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وقيامه‬
‫َ‬ ‫صيامه‬
‫َ‬ ‫واالبتهاﺝ احلق ملن قبِل اهلل‬
‫ُ‬ ‫التنهئ ُة الصادقة‬
‫حسن ُخ ُلقه وطا َبت ِسيرتُه‪.‬‬
‫ُتنئ ٌة وهبج ٌة ملن ُ‬
‫‪595‬‬ ‫خطبة بعنوان (خطبة عيد الفطر)‬
‫ف‬‫‪‬يعطِ ُ‬
‫عنوان عىل أرملة ومسكني ويتيم‪,‬‬ ‫وحم ٍ‬
‫سن‬ ‫البهجة عىل ش َفة ُحمتاج‪ُ ,‬‬
‫َ‬ ‫يزرع‬
‫ُ‬ ‫هنيئا ملُ ِ ٍ‬
‫ورس‬
‫يزور قريبا‪ ,‬العيدُ عيدُ من عفا عمن َّ‬
‫زل وهفا‪ ,‬وأحسن‬ ‫ٍ‬
‫وقريب ُ‬ ‫ٍ‬
‫وصحيح يعو ُد مريضا‪,‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملن أساء‪ ,‬العيدُ عيدُ من حف َظ‬
‫ويشكر‬
‫ُ‬ ‫وكف عن نواز ِع اْلوى‪ُ ,‬‬
‫يلبس اجلديد‬ ‫َّ‬ ‫النفس‬
‫َ‬
‫وهبجة ال ت ِ‬
‫ٍ‬ ‫‪ِ ‬‬ ‫يف سريته‬
‫ُطغي‪.‬‬ ‫نيس‪,‬‬ ‫احلميدَ املجيد من يف ٍ‬
‫فرح ال ُي‬

‫وح ِرم الرضا يف هذا اليوم َ‬


‫املبارك السعيد‪ ,‬وال يسعدُ‬ ‫عق والدَ ْيه‪ُ ،‬‬
‫ال يس َعدُ بالعيد من َّ‬
‫غشاش يسعى‬ ‫ٍ‬
‫خلائن َّ‬ ‫احسد الناس عىل ما آتاهم اهلل من فضله‪ ,‬وليس العيد‬‫بالعيد من ُ‬
‫ٍ‬
‫وفسوق‬ ‫ٍ‬
‫ماله ُحمرمة‪,‬‬ ‫أضاع أموا َله يف‬ ‫يفرح بالعيد من‬ ‫بالفساد بني األنام‪ ,‬كيف‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫احلظ إال ِ‬
‫عواق ُره‪.‬‬ ‫مظاهره‪ ,‬وليس له من ِّ‬ ‫و ُفجور؟ ليس له من العيد إال‬
‫ُ‬
‫ومن مظاهر اإلحسان بعد رمضان‪ :‬استدام ُة العبد عىل هنج الطاعة واالستقامة‪ ,‬وإتبا ِع‬
‫بست من شوال؛‬ ‫ٍّ‬ ‫ألَن تُتبِعوا رمضان‬ ‫ِ‬
‫احلسنة احلسنة‪ ,‬وقد ند َبكم نب ُّيكم حممد‬
‫فمن فعل فكأنام صام الدهر ك َّله‪.‬‬
‫تق َّبل اهلل منا ومنكم الصيا َم والقيام وسائر الطاعات واألعامل الصاحلات‪.‬‬
‫اللهم أعنا عىل ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ‪,‬اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك واملشكني‪,‬‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫ِ‬

‫ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬ ‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫َ‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪592‬‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪ ,‬واغفر لنا‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت‬
‫قريب‬
‫ٌ‬ ‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب النَّار‬‫يب الدعوات‪ .‬ال َّل ُه َّم َر َّبنَا آتنَا ِيف الدُّ ْن َيا َح َسنَة ‪َ ,‬و ِيف ْاآلخ َرة َح َسنَة ‪َ ,‬وقنَا َع َذ َ‬
‫ُجم ُ‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫‪593‬‬ ‫اجلزء الثالث‬

‫‪‬عنوان‬

‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫يف سريته ‪‬‬


‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪594‬‬
‫‪595‬‬ ‫خطبة بعنوان ‪( :‬الوسائل الغتنام أفضل املواسم)‬

‫‪‬عنوان‬
‫ليغفر‪ْ :‬لم بذلك الذنوب‪ ,‬ويكفر‬
‫اخلرياتاألول‬
‫احلمد هلل الذي من عىل عباده بمواسم الباب‬ ‫‪1‬‬
‫عنهم السيئات‪ ,‬وليضاعف ْلم به األجور‪ ,‬ويرفع الدرجات‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫اهلل وحده ال رشيك له واسع العطايا‪ ,‬وجزيل اْلبات‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده‬
‫ورسوله أفضل املخلوقات أتقى الناس لربه‪ ,‬وأخشاهم له يف مجيع احلاالت صىل اهلل‬
‫عليه وعىل آله وأصحابه والتابعني ْلم بإحسان ما توالت الشهور واألوقات‪ ,‬وسلم‬
‫تسليام‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬أهيا الناس اتقوا ا هلل تعاىل‪ ,‬واشكروه عىل ما أنعم به عليكم من مواسم‬
‫اخلري والربكات‪ ,‬وما حباكم به من الفضائل والكرامات‪ ,‬واعرفوا قدر هذه املواسم‬
‫بعامرُتا بالطاعات وترك املحرمات‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وأجل تلك الغنائم ْلو شهر رمضان املبارك‬ ‫أال وإن من أفضل تلك املواسم‬
‫سيد الشهور وأنفس األوقات والدهور ‪.‬‬
‫فحري بكل مسلم أن يشتاق إىل هذا املتجر الرابح‪ ,‬وأن يتهيأ ْلذا املوسم املبارك‬ ‫ٌ‬
‫س املُْتَنَافِ ُسو َن}[املطففني‪,]26 :‬‬ ‫ك َف ْل َي َتنَا َف ِ‬ ‫كام قال اهلل تعاىل‪َ {:‬و ِِف َذلِ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫وقال سبحانه‪َ { :‬و َس ِ‬
‫ات‬ ‫ار ُعوا إِ َىل َمغْف َرة م ْن َر ِّبك ُْم َو َجنَّة َع ْر ُض َها َّ‬
‫الس َام َو ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني} [آل عمران‪. ]533 :‬‬ ‫َو ْاأل َ ْر ُض ُأعدَّ ْت ل ْل ُمتَّق َ‬
‫فيا من يريد سعادة الدارين ! اغتنم هذه الفرصة العظيمة التي ُخيشى أن ال‬
‫قال ‪ «:‬افعلوا اْلري‬ ‫عن النبي‬ ‫تدركها عاما آخر‪ ,‬فعن أنس بن مالك‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪596‬‬
‫دهركم ‪ ،‬و تعرضوا لنفحات رمحة اهلل ‪ ،‬فإن هلل نفحات من رمحته يصيب هبا من يشاء‬
‫من عباده و سلوا اهلل أن يسرت عوراتكم و أن يلؤمن روعاتكم » رواه الطرباين ‪.‬‬
‫قال ‪« :‬إذا كان‬ ‫عن النبي‬ ‫ويا باغي اخلري أقبل فقد ثبت عن أِب هريرة‬
‫أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطني مردة اجلن وغلقت أبواب النار فلم‬
‫يفتح منها باب وفتحت أبواب اجلن ة فلم يغلق منها باب وينادي مناد يا باغي اْلري‬
‫أقبل ويا باغي الرش أقَص وهلل عتقاء من النار وذلك كل ليلة» صحيح الرتغيب‬
‫والرتهيب ‪.)245 /5‬‬
‫وهذه بعض الوسائل التي من حققها وفقه اهلل الغتنام هذا الشهر املبارك ‪:‬‬
‫أوهلا‪ :‬بعث واستثارة الشوق إىل اهلل فإنه عىل مر األيام والليايل يبىل اإليامن يف‬
‫القلب وتصدأ أركان املحبة فتحتاج إىل من هيبك رسباال إيامنا جديدا تستقبل به شهر‬
‫رمضان‪,‬‬
‫وأ صل القدرة عىل فعل الّشء معونة اهلل ثم مؤونة العبد‪ ,‬وهي ر َغبته وإرادته‪,‬‬
‫فعىل قدر املؤونة تأي املعونة‪.‬‬
‫شربا تقربت إليه ذرا ًعا‪ ،‬وإذا تقرب‬
‫إِل ً‬
‫ويف احلديث القدِس‪" :‬إذا تقرب العبد ّ‬
‫إِل ذرا ًعا تقربت منه با ًعا‪ ،‬وإذا أتاين يمَش يمَش أتيته هرولة" متفق عليه ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ب لَك ُْم } {‬
‫َج ْ‬ ‫فالبداءة من العبد ثم اإلجابة حتام من الرب‪ { :‬ا ْد ُع ِ‬
‫وين َأ ْست ِ‬
‫َفا ْذك ُُر ِ‬
‫وين َأ ْذك ُْرك ُْم }‪.‬‬
‫فالبد من إثارة كوامن شوقك إىل اهلل ¸ حتى تلني لك الطاعات فتؤدهيا ذائقا‬
‫‪597‬‬ ‫خطبة بعنوان ‪( :‬الوسائل الغتنام أفضل املواسم)‬

‫قيامعنوان‬
‫الليل ومكابدة السهر ومراوحة‬ ‫‪‬‬ ‫حالوُتا ولذُتا‪ ,‬وأية لذة يمكن أن حتصلها من‬
‫األقدام املتعبة أو ظمأ اْلواجر أو أمل جوع البطون إذا مل يكن كل ذلك مبنيا عىل‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫رت ََض } لذلك كان من دعاء النبي‬ ‫ِ‬ ‫ت إِلَيْ َ‬ ‫ِ‬
‫معنى‪َ { :‬و َعج ْل ُ‬
‫يف صالته‪:‬‬ ‫ك َر ِّب ل َ ْ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫" وأسألك الرضا بالقضاء وبرد العيﺶ بعد املوت ولذة النظر إىل وجهك والشوق‬
‫إىل لقائك" رواه النسائي بسند صحيح‪.‬‬
‫وشوقك لربك وإلرضائه أفناه َرين الشبهات والشهوات وأهلكته جوائح‬
‫املعايص ومرور األزمنة دون كدح إىل اهلل‪ ,‬فتحتاج يا باغي اخلري إىل بعث هذا الشوق‬
‫من جديد لو كان ميتا‪ ,‬أو استثارته إن كان موجودا كامنا‪.‬‬
‫وعوامل بعث الشوق إىل اهلل ب مطالعة أسامء اهلل احلسنى وصفاته العىل‪ ,‬وتدبر‬
‫كالمه وفهم خطابه فإن من شأن هذه املطالعة والفهم والتدبر فيها أن يشحذ من‬
‫القلب مهة للوصول إىل جتليات هذه األسامء والصفات واملعاين‪ ,‬فتتحرك كوامن‬
‫ٍ‬
‫عندئذ املدد‪.‬‬ ‫املعرفة يف القلب والعقل ويأي‬
‫وب مطالعة منن اهلل العظيمة وآالئه اجلسيمة فالقلوب جمبولة عىل حب من أحسن‬
‫إليها ولذلك كثر يف القرآن َس ُ‬
‫وق آيات النعم؛ اخللق والفضل تنبيها ْلذا املعنى‪,‬‬
‫وكلام ازددت علام بنعم اهلل عليك كلام ازددت شوقا لشكره عىل نعامئه‪.‬‬
‫وب التحرس عىل فوت األزمنة ِف غري طاعة اهلل‪ ،‬بل قضاؤها يف عبادة اْلوى‪ .‬قال‬
‫ابن القيم‪ :‬وهذا اللحظ يؤدي به إىل مطالعة اجلناية‪ ,‬والوقوف عىل اخلطر فيها‪,‬‬
‫والتشمري لتداركها والتخلص من رقها وطلب النجاة بتمحيصها‪ .‬إ‪.ç-‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪598‬‬
‫و تذكر سبق السابقني مع ختلفك مع القاعدين يورثك هذا حترقا للمسابقة‬
‫واملسارعة واملنافسة‪,‬‬
‫مهة فقدْ ** حدا بك حادي الشوق فاطو املراحال‬ ‫فحيهال إن كنت ذا ٍ‬
‫َّ‬
‫وال تنتظر بالسري رفقة ٍ‬
‫قاعد ** ود ُعه فإن العزم يكفيك حامىىىىىىال‬
‫ثاين الوسائل املعينة عىل اغتنام مواسم اْلري‪ :‬معرفة فضل املواسم ومنة اهلل فيها‬
‫وفرصة العبد منها ؛ فقد كان العلامء يقولون‪ :‬باملعرفة هانت عىل العاملني العبادة‪,‬‬
‫وكانوا يقولون ‪ :‬من مل يعرف قدر األعامل ثقلت عليه يف كل األحوال‪.‬‬
‫موسم إال وهلل تعاىل فيه وظيفة من وظائف‬
‫ٌ‬ ‫وما يف هذه املواسم الفاضلة‬
‫رتب هبا إليه‪ ,‬وهلل فيه لطيفة من لطائف نفحاته‪ ,‬يصيب هبا من يعود بفضله‬
‫طاعته‪ُ ,‬ي َّ‬
‫ورمحته عليه‪ ,‬فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور واأليام والساعات‪ ,‬وتقرب فيها إىل‬
‫مواله بام فيها من وظائف الطاعات فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعد‬
‫هبا سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات‪ ,‬انظر لطائف املعارف‬
‫ص‪)41‬‬
‫الوسيلة الثالثة الغتنام املوسم املبارك متارين العزيمة واْلمة ويف احلديث‬
‫الصحيح ‪" :‬اخلري عادة والش جلاجة" رواه ابن ماجه وحسنه األلباين وقال أبو‬
‫الدرداء لرجل يقال له صبيح‪ " :‬يا صبيح تعود العبادة فإن ْلا عادة‪ ,‬وإنه ليس عىل‬
‫األرض يش ٌء أثقل عليها من كافر"‪.‬‬
‫يصوم ‪ ‬إال قليال ‪ ,‬قال بعض العلامء إن ذلك بمثابة‬ ‫وْلذا كان النبي‬
‫‪599‬‬ ‫خطبة بعنوان ‪( :‬الوسائل الغتنام أفضل املواسم)‬

‫‪‬عنوان‬ ‫االستعداد لرمضان ‪.‬‬


‫الوسيلة الرابعة ‪ :‬نبذ البطالة والبطالني الغافلني ومصاحبة ذوي اْلمم‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ف ليس هناك أشأم عىل السائر إىل اهلل من البطالة وصحبة البطالني‪ ,‬فالصاحب‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫باملقارن يقتدي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ساحب‪ ,‬والقرين‬
‫بصحبة املجدّ ين يف السري إىل اهلل وترك الغافلني فقال‬ ‫وقد أمر اهلل خري اخللق‬
‫ُ ُ َ‬ ‫ون َر ذب ُهم بٱل َغ َد َٰوة ِ َوٱل َ‬‫َ َ َ َ َ ذ َ َ ُ َ‬
‫يدون‬ ‫ش ي ِر‬‫ِ ِ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫عز من قائل ‪َ { :‬وٱص ِْب نفسك مع ٱَّلِين يدع‬
‫ٱدلنيَا َو ََل تُطع َمن أَغ َفلنَا قَلبَهۥُ‬ ‫ين َة َ‬
‫ٱْليَ َٰوة ِ ُّ‬ ‫يد ز َ‬ ‫َوج َه ُهۥ َو ََل َتع ُد َعينَ َ‬
‫اك َعن ُهم تُر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ ذ َ َ َ َ َٰ ُ َ َ َ َ ُ ُ ُ ُ ٗ‬
‫َعن ذِكرِنا وٱتبع هوىه وَّكن أمر ۥ فرطا ‪[ } 28‬الكه ‪، ]28 :‬‬
‫كم ب َما ُكنتمُ‬ ‫وقال ¸‪ َ :‬ذ َ َ َ َ َ َ َ ذ ُ ذ َ ذ َ ُ ُ َ ُ َ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫جعكم فأنبِئ‬ ‫{ وٱتبِع سبِيل من أناب إِِل ثم إِِل مر ِ‬
‫ون ‪[ } 15‬لقامن‪. ]31 :‬‬ ‫َ َُ َ‬
‫تعمل‬
‫ٱلص َٰ ِ َ‬‫وقال‪ َ ُّ َ َٰٓ َ :‬ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ُ ُ ْ َ َ ذ‬
‫دقِي ‪[ } 119‬التوبة‪]331 :‬‬ ‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل وكونوا مع‬
‫الِس مع اهلل ْلي ُبغية كل‬
‫فإن البحث عن ذوي اْلمم واملروءات وأصحاب ِّ‬
‫خملص يف سريه إىل اهلل‪,‬‬
‫قال زين العابدين‪ :‬إنام جيلس الرجل إىل من ينفعه يف دينه‪.‬‬
‫وقال احلسن البْصي‪ :‬إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأوالدنا‪ ,‬ألن أهلنا ُي ّذكّروننا‬
‫بالدنيا وإخواننا ُي ّذكّروننا باآلخرة‪,‬‬
‫الوسيلة اْلامسة‪ :‬التفتيش عن عيوبك وذنوبك املستعصية وعاداتك القارة يف‬
‫سويداء فؤادك لتبدأ عالجها جديا يف رمضان وكذا إعداد قائمة بالطاعات التي‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪211‬‬
‫ستجتهد يف أدائها لتحاسب نفسك بعد ذلك عليها‪,‬‬
‫ألن مهة أبناء اآلخرة تأبى إال الكامل‪ ,‬وأقل نقص يعدونه أعظم عيب‪,‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ومل أر يف عيوب الناس عيبا ***كنقص القادرين عىل التمىىىىىىام‬
‫وعىل قدر نفاسة اْلمة تشئب األعناق‪ ,‬وعىل قدر خساستها تثَّاقل إىل األرض‪,‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫عىل قدر أهل العزم تأي العزائم *** وتأي عىل قدر الكرام املكارم‬
‫‪ " :‬إن املؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد حتت جبل خياف أن يقع‬ ‫قال ابن مسعود‬
‫عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر عىل أنفه فقال به هكذا" رواه البخاري‪.‬‬
‫فشهر ر مضان فرصة التغيري والتزكية للنفوس فمن كان مدخنا أو مبلتى بالنظر‬
‫أو الوسوسة أو العشق فلي بادر إىل تقييد كل هذا البالء وليبدأ العمليات العالجية يف‬
‫شهر رمضان‪ ,‬وال تتذرع يا مسلم بالتدرج الذي يعد خمدرا‪ ,‬بل اهجر الذنب وقاطع‬
‫وابرت العادة وال جتزع من غزا رة النزيف وشدة اآلالم‪ ,‬فإنه ثمن العالج‬
‫املعصية ُ‬
‫البات الذي ال يغادر سقام‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الناجح‪ ,‬وَضورة الشفاء‬
‫ووجه كون شهر رمضان فرصة سانحة لعالﺝ اآلفات واملعايص والعادات‪ ،‬إنه‬
‫شهر محية أي امتناع عن الشهوات طعام ومجاع) والشهوات مادة النشوز‬
‫والعصيان‪ ,‬كام أن الشياطني فيه تص ّفد و هم أصل كل بالء يصيب ابن آدم‪ ,‬أضف إىل‬
‫ذلك مجاعية الطاعة‪ ,‬حيث ال يبْص الصائم يف الغالب إال أمة تصوم وتتسابق إىل‬
‫‪215‬‬ ‫خطبة بعنوان ‪( :‬الوسائل الغتنام أفضل املواسم)‬

‫الطاعة‪,‬عنوان‬
‫‪‬‬ ‫اخلريات فتضعف مهته يف املعصية وتقوى يف‬
‫فهذه عنارص ثالثة مهمة تتضافر مع عزيمة النفس الصادقة لإلصالح فيتو ّلد من‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ذلك النجاة والفالح والصالح بإذن اهلل ‪.‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وما مل تتح ّفز اْلمم لعالج اآلفات يف هذا الشهر لن تبقى فرصة ألولئك‬
‫السالكني أن يربأوا‪ ,‬فمن حرم بركة رمضان ومل يربا من عيوب نفسه فيه‪ ,‬فأي زمان‬
‫آخر يستظل بربكته‪.‬‬
‫َذ ٓ ذ‬
‫الوسيلة السادسة‪ :‬إعداد النفس لتذوق عبادة الصرب قال تعاىل‪َ { :‬و َما يُلقى َٰ َها إَِل‬
‫َذ ٓ ذ ُ‬ ‫ذ َ َ َُ ْ‬
‫ْبوا َو َما يُلقى َٰ َها إَِل ذو َح ٍظ َع ِظيم ‪[ } 35‬فصلت‪. ]11 :‬‬ ‫ٱَّلِين ص‬
‫فبعض الناس جيعل من مواسم الطاعة مرتعا لنيل اللذات بكل أنواعها‪ ,‬وهو مرتع‬
‫وخيم عىل صاحبه‪ ,‬إذ به خيرج من الشهر كام دخل بل أفسد‪ ,‬وتزداد املسافة بينه وبني‬
‫حقيقة قصد اآلخرة‪ ,‬و تتكاثف غيوم الشهوات حائلة بينه وبني الوصول إىل اهلل‪.‬‬
‫وإذا كان شهر رمضان هو شهر الصوم والصرب فام أحرانا أن نتذوق حقيقة‬
‫الصرب لنتذوق حقيقة الصوم‪.‬‬
‫وأمامك أهيا الساعي إىل اخلريات يف هذا الشهر صرب عن املحارم‪ ,‬وصرب عىل‬
‫الطاعات‪ ,‬ومع ذلك كله صرب عىل كل بلية تنالك‪.‬‬
‫الوسيلة السابعة الستغالل الشهر املبارك ‪:‬كيفية حتصيل حالوة الطاعات‪.‬‬
‫‪" :‬ذاق طعم اإليامن من ريض‬ ‫أما كون الطاعة ذات حالوة فيدل له قوله‬
‫رسوالً"رواه مسلم‪,‬‬ ‫باهلل ر ًبا وباإلسالم دينًا وبمحمد‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪212‬‬
‫‪ " :‬ثالثة من كن فيه وجد حالوة اإليامن‪ :‬من كان اهلل ورسوله أحب‬ ‫وقوله‬
‫إليه مما سوامها‪ ،‬ومن كان حيب املرء ال حيبه إال هلل‪ ،‬ومن كان يكره أن يرجع ِف الكفر‬
‫بعد إذ أنقذه اهلل منه كام يكره أن يلقى ِف النار" متفق عليه‬
‫ثم اعلم أهيا املسلم‪ :‬أن حالوة الطاعة مالكها يف مجع القلب واْلم والِس عىل‬
‫اهلل‪ ,‬ويفِسه ابن القيم قائال‪ :‬هو عكوف القلب بكليته عىل اهلل ¸‪ ,‬ال يلتفت عنه‬
‫يمنة وال يِسة‪ ,‬فإذا ذاقت اْلمة طعم هذا اجلمع اتصل اشتياق صاحبها وتأججت‬
‫نريان املحبة والطلب يف قلبه‪ ..‬ثم يقول‪ :‬فلله مه ُة نفس قطعت مجيع األكوان‬
‫وسارت فام ألقت عصا السري إال بني يدي الرمحن تبارك وتعاىل فسجدت بني يديه‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫َ َ‬
‫ُ‬ ‫ذ‬
‫يأيتها ٱنلفس‬ ‫سجد ة الشكر عىل الوصول إليه‪ ,‬فلم تزل ساجدة حتى قيل ْلا‪َٰٓ { :‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ٗ‬
‫ض ذية ‪ 28‬فٱدخ ِل ِف ع َِبَٰدِي ‪َ 29‬وٱدخ ِل‬ ‫ع إ َ َِٰل َربك َر ٗ ذ‬ ‫ُ َ ذُ‬
‫اض َية مر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫جِٓ ِ‬
‫ٱلمطمئِنة ‪ 27‬ٱر ِ‬
‫َج ذن َِّت ‪[ } 30‬الفجر‪ ]31 ,27 :‬فسبحان من فاوت‪ -‬بني اخللق يف‪ -‬مهمهم حتى ترى بني‬
‫اْلمتني أبعد ما بني املشقني واملغربني بل أبعد ا بني أسفل سافلني وأعىل عليني‪,‬‬
‫َ ََ ُٓ َ ذُ ُ َ‬ ‫َ َ َ ُ ذ‬
‫ٱّلل ذو ٱلفض ِل‬‫وتلك مواهب العزيز احلكيم‪ { :‬ذَٰل ِك فضل ٱّلل ِ يُؤت ِيهِ من يشاء و‬
‫ظي ِم ‪[ } 4‬اجلمعة‪]4 :‬‬
‫َ‬
‫ٱلع ِ‬
‫والصوم تتحصل اللذة فيه من الشعور بالنسبة وااللتذاذ بالطاعة قال تعاىل يف‬
‫احلديث القدِس‪" :‬الصوم ِل وأن أجزي به" هذه هي النسبة‪ ،‬وقال‪" :‬ترك طعامه‬
‫وشهوته من أجيل" وهذه هي حقيقة اللذة وطعم حالوة اإليامن‪.‬‬
‫ولذلك كان يبس الشفاة من العطش‪ ,‬وقرقرة البطون من اجلوع‪ :‬أهنأ ما القاه‬
‫‪213‬‬ ‫خطبة بعنوان ‪( :‬الوسائل الغتنام أفضل املواسم)‬

‫العطشى‪.‬عنوان‬
‫‪‬‬ ‫الصائمون وأمرأ ما ظفر به أولئك اجلياع‬
‫فبينام هو يتأمل ‪ -‬وقد تلوى من جوع البطن‪ -‬يتوارد عىل فؤاده خاطرة‪ :‬أن هذا‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫األمل يصرب عليه تعظيام حلق اهلل ومهابة لنظره وإطالعه فريىض عن حاله ويشبع من‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫رضا اهلل عنه وال يطمع يف أي نعمة حتول بينه وبني لذة هذا األمل‪.‬‬
‫لكنه رسعان ما يطأط منكِسا وجال‪ ,‬خائفا لئال يقبل اهلل منه فيتضافر أمل‬
‫البطون مع أمل القلوب ويتعاظم هذا األمل حتى تتداركه عناية اهلل وإمداداته فيفيض‬
‫عليه من مجيل لطفه وإنعامه فيسكن هذان األملان املتضافران وينقلبان حالوة غامرة‬
‫"وفرحة‬ ‫ولذة عامرة بل وشوقا للقاء اهلل حتى تتم فرحته التي أخرب عنه النبي‬
‫عند لقاء ربه"‪.‬‬
‫أقول قويل هذا‪ ,‬وأستغفر اهلل يل ولكم ولسائر املسلمني من كل ذنب‪,‬‬
‫فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫الخطبة الثانية ‪:‬‬
‫احلمد هلل الذي أنزل عىل عبده الكتاب‪ ,‬ومل جيعل له عوجا‪ ,‬أنزله قيام هيدي للتي‬
‫هي أقوم‪ ,‬ويبش املؤمنني الذي يعملون الصاحلات أن ْلم أجرا حسنا‪ ,‬ماكثني فيها‬
‫أبدا‪ ,‬وينذر به قوما لدا ‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪ ,‬شهادة ينال هبا‬
‫خملصها من كل هم فرجا‪ ,‬ومن كل ضيق خمرجا‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله‬
‫أقوم الناس يف عبادة ربه‪ ,‬وأسدهم منهجا صىل اهلل عليه وعىل آله وأصحابه‪ ,‬ومن‬
‫هبداهم اهتدى‪ ,‬فنجا‪ ,‬وسلم تسليام‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪214‬‬
‫عباد اهلل! لقد سمعتم نبذة طيبة من وسائل اغتنام هذا الشهر املبارك شهر‬
‫‪:‬‬ ‫رس قوله‬
‫رمضان الذي أنزل فيه القرآن وإن ا يدل عىل أمهية األمر وخطورته ُّ‬
‫" رب صائم ليس له من صيامه إال اجلوع" رواه ابن ماجة وهو يف صحيح اجلامع)‬
‫‪ " :‬رب صائم حظه من صيامه اجلوع والعطﺶ" رواه الطرباين يف‬ ‫وقوله‬
‫الكبري وهو أيضا يف صحيح اجلامع)‪.‬‬
‫فأحسن القصد أهيا املسلم ‪ ,‬وو ّلد العزم‪ ,‬وتسلح باْلمة‪ ,‬وابدأ السري‪ِ ,‬وجدَّ يف‬
‫رتحال‪ ,‬واطلب الراحة يف العناء‪ ,‬وارض عن نفسك إذا كان مسعاها يف املعايل‪,‬‬ ‫ال ّ‬
‫وال تركن إىل غبن أهل الدنيا‪ ,‬وم ِّن نفسك بالفوز الربيح‪ ,‬وا َّد ِخ ر الثمن الغايل لسلعة‬
‫اهلل " أال إن سلعة اهلل غالية‪ ،‬أال إن سلعة اهلل اجلنة"‪.‬‬
‫وهنا إشارة لطيفة إىل وسائل حتصيل لذة الصالة وهي‪:‬‬
‫حضور القلب‪ ,‬و تفهم املعاين للقرآن والتسبيحات ونحوها من أقوال الصالة‬
‫وأفعاْلا ‪ ..‬وكم من معان لطيفة يفهمها املصيل يف أثناء الصالة ومل يكن قد خطر بقلبه‬
‫ذلك قبله؟ ومن هذا الوجه كانت الصالة ناهية عن الفحشاء واملنكر‪ ,‬فإهنا ُت َفهم‬
‫أمورا‪ ,‬تلك األمور متنع عن الفحشاء ال حمالة‪ ,‬والتعظيم للصالة وللوقوف بني يدي‬
‫اهلل ‪ ,‬والرجاء فالعبد ينبغي أن يكون راجيا بصالته ثواب اهلل ¸ كام أنه خائف‬
‫بتقصريه عقاب اهلل ¸‪.‬‬
‫الوسيلة الثامنة من وسائل اغتنام مواسم اْلري معرفة قطاع الطريق إىل اهلل‬
‫فها أنت يا عبد اهلل قد شمرت عن ساعد اجلد‪ ,‬وحثثت اْلمة اخلاملة‪ ,‬وأوقدت‬
‫‪215‬‬ ‫خطبة بعنوان ‪( :‬الوسائل الغتنام أفضل املواسم)‬

‫عنوان‬
‫ومجعت رقاب األماين بزمام‬ ‫اإلرادة‬
‫‪‬‬ ‫نار العزيمة اخلامدة‪ ,‬وأجلمت هواك بل جام‬
‫التوكل عىل اهلل يف الفعل‪ ,‬وبدأت السري إىل اهلل ¸ لتصل إىل شهر رمضان وقد‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫تو َّقدت عزيمتك وانقادت لك إرادتُك وأذعنت لك مهتُك‪.‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫متحض اختيارك هلل وجدَّ سريك إليه ويممت‬
‫لقد بدأت املعركة احلقيقية ُمذ ّ‬
‫القلب والقالب يف اإلقبال عليه‪ ,‬فاحذر حينئذ ق ّطاع هذا الطريق الوعر‪ ,‬فإنه طريق‬
‫اجلنة‪ ,‬وهو حمفوف بالشهوات واْلوى والشياطني والنزغ والشبهات‪ ,‬وكلها أنواع‬
‫جلنس واحد‪ ,‬وهو العائق عن الوصول لدرب القبول ‪ ..‬فتعال معا نتذاكر صفات‬
‫بعض هؤالء القطاع ومكامنهم‪ ,‬وخدعهم‪ ,‬فبذلك تتعلم صفة الش لتتجنبه‪.‬‬
‫فمن هؤالء القطاع‪ :‬الفتور والسآمة وامللل‪ ,‬وهو من أعظم ما يعرتي السالكني‪,‬‬
‫ومن أعظمهم خطر ًا االنشغال بالدنيا عن أداء ما تيِس من الطاعات يف هذه‬
‫َ َ ُّ َ ذ َ َ َ ْ َ‬
‫امنُوا َل‬ ‫يأيها ٱَّلِين ء‬ ‫األوقات الفاضالت فليحذر املسلم من هذه التساهالت { َٰٓ‬
‫ك ُهمُ‬‫ذ َ َ َ َ َ َٰ َ َ ُ ْ َ َٰٓ َ‬ ‫ُ َ َ َٰ ُ ُ َ َ ٓ َ َ َٰ ُ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫تل ِهكم أمولكم وَل أولدكم عن ذِك ِر ٱّلل ِ ومن يفعل ذل ِك فأولئ ِ‬
‫َ َٰ ُ َ‬
‫ْسون } [املنافقون‪]9 :‬‬
‫ٱلخ ِ‬
‫ومن أعظم قطاع الطريق‪ :‬التسويف واألماين الفارغة‪ ,‬فبعض الناس يقول ‪:‬‬
‫سوف أجتهد بعدما أفرغ من عمل كذا وكذا‪ ,‬أو يف العش األواخر‪ ,‬وكلام مرت‬
‫األيام زادت األعامل وتكالبت املشاغل ‪.‬‬
‫ومن أعظم العوائق ‪ :‬االهنامك يف متابعة املسلسالت والتمثيليات والنشات‬
‫ونحوها ا ُجعل ملهيا وصارفا للمسلمني عن غنائم العمر وفرص احلياة ‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪216‬‬
‫وفقني اهلل وإياكم الغتنام األوقات بالطاعات‪ ,‬ومحانا من فعل املنكر والسيئات‪,‬‬
‫وهدانا رصاطه املستقيم‪ ,‬وجنبنا رصاط أصحاب اجلحيم‪ ,‬وجعلنا ن يصوم‬
‫نفوسنا‬ ‫رمضان‪ ,‬ويقومه إيامنا باهلل‪ ,‬وا حتسابا لثواب اهلل إنه جواد كريم اللهم ِ‬
‫آت‬
‫َ‬
‫خري من زكَّاها‪ ,‬أنت ول ُّيها وموالها‪.‬‬
‫تقواها‪ ,‬زكِّها أنت ُ‬
‫ِ‬
‫خزي الدنيا وعذاب اآلخرة‪.‬‬ ‫وأجرنا من‬ ‫اللهم ِ‬
‫أحسن عاقبَتنا يف األمور كلها‪ِ ,‬‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫أع َّز‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫اللهم ِ‬
‫اإلسالم واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد‬
‫آمنا مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫وأماَّنم‪.‬‬
‫َ‬ ‫احقن دما َءهم‪ ،‬وأدِم أمنَهم‬
‫أحوال املسلمني ِف كل مكان‪ ،‬اللهم ِ‬
‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت السمي ُع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫واغ فر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫يب الدعوات‪.‬‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬ ‫سمي ٌع‬
‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫‪217‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬فضائل الصوم اخلطبة األوىل‬

‫‪‬عنوان‬
‫البابه‪ ,‬ونعو ُذ‬
‫األول‪:‬باهلل من رشور أنفسنا‪ ,‬ومن‬ ‫ونستغفر‬
‫ُ‬ ‫إن احلمد هلل؛ نحمدُ ه‪ ,‬ونستعينُه‪,‬‬ ‫‪1‬‬
‫مضل له‪ ,‬و َمن يضلِ ْل؛ فال هادي له‪.‬‬
‫س ِّيئات أعاملنا‪َ ,‬من هيده اهلل؛ فال َّ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أن حممدا عبدُ ه ورسو ُل ُه‬
‫رشيك له‪ .‬وأشهدُ َّ‬
‫َ‬ ‫وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ,‬وحدَ ه ال‬
‫َ َ َ ُ ُ ذ ذ َ َ ُ ُّ ُ َ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ذ ُ َ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل حق تقاتِهِۦ وَل تموتن إَِل وأنتم مسل ِمون ‪} 102‬‬
‫[ال عمران]‬

‫كم مِن ذنفس َوَٰح َِدة َو َخلَ َق مِن َها َزو َجهاَ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ ْ َ ذ ُ ُ ذ‬
‫يأيها ٱنلاس ٱتقوا ربكم ٱَّلِي خلق‬ ‫{ َٰٓ‬
‫َ َ َ َ ذ ذ‬ ‫َ ٓ ُ َ‬ ‫ُ َ َ ٗ َ ٗ َ َ ٓٗ َ ذ ُ ْ ذَ ذ‬ ‫ذ‬
‫ٱّللَ‬ ‫ٱّلل ٱَّلِي ت َسا َءلون بِهِۦ وٱلرحام إِن‬ ‫َو َبث مِنهما رِجاَل كثِيا ون ِساء وٱتقوا‬
‫َ َ ََ ُ َ ٗ‬
‫َكن عليكم رق ِيبا ‪[ } 1‬النساء]‬
‫َ ُ َ َ َٰ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ُ ُ ْ َ ٗ َ ٗ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل وقولوا قوَل سدِيدا ‪ 70‬يصل ِح لكم أعملكم‬
‫ظيما ‪[} 71‬االحزاب]‬
‫از فَو ًزا َع ِ ً‬ ‫ٱّلل َو َر ُس َ ُ‬
‫وَلۥ َف َقد فَ َ‬ ‫كم َو َمن ي ُ ِطعِ ذ َ‬ ‫َ ُ ُُ َ ُ‬
‫َو َيغفِر لكم ذنوب‬
‫‪َ ,‬و َرش األُ ُم ِ‬
‫ور‬ ‫َّ‬ ‫َاب اهللِ‪َ ,‬و َخ ْ َري ْاْلَدْ ِي َهدْ ُي ُحم َ َّم ٍد‬ ‫َأما بعدُ ‪َ ,‬فإِ َّن َخري ْ ِ ِ ِ‬
‫احلديث كت ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫ال َل ٍة ِِف الن ِ‬
‫َّار‪.‬‬ ‫اُتا‪َ ,‬وك َُّل ُحم ْدَ َث ٍة بِدْ َع ٌة‪َ ,‬وك َُّل بِدْ َع ٍة َض َ‬
‫ال َل ٌة‪َ ,‬وك َُّل َض َ‬ ‫ُحم ْدَ َث ُ َ‬
‫أيها املسلمون‪ :‬إن من أفضل األعامل الصاحلة وأج ِّلها عند اهلل – تعاىل ‪-‬‬
‫وحث عليه‪ ,‬وجعله أحد أركان ِ‬
‫اإلسالم العظام‪,‬‬ ‫َّ‬ ‫الصيا ُم‪ ,‬فقد ر َّغب فيه الشع‬
‫وأخرب جل وعال أنه ال تستغني عنه األمم؛ ملا فيه من ُتذيب األخالق‪ ,‬وتطهري‬
‫النفوس‪ ,‬ومحلها عىل الصرب‪ ,‬فقال سبحانه ‪ َ ُّ َ َ :‬ذ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ ُ‬
‫كمُ‬ ‫{ياأيها اَّلِين آمنوا كتِب علي‬
‫َ ُ َ َ ُ َ ََ ذ َ ْ َْ ُ ْ ََذ ُ ْ َذُ َ‬
‫الصيام كما كتِب َع اَّلِين مِن قبل ِكم لعلكم تتقون} [البقرة‪.]381 :‬‬
‫ِ‬
‫ُ ُ َ َُ َ‬ ‫ََ َ ُ ُ ْ َ ذ ُ‬
‫وقال تعاىل‪ { :‬وأن تصوموا خي لكم إِن كنتم تعلمون ‪[ } 184‬البقرة‪]584 :‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪218‬‬
‫وقال تعاىل بعد ما ذكر املسارعني إىل اخلريات من الرجال والنساء‪َ { :‬و ذ َٰٓ َ‬
‫ت‬‫ٱلصئِم َٰ ِ‬
‫َ ذ َ َ ٗ َ ذ َٰ َ َ َ ذ ذ ُ َ‬ ‫ذ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ٱّلل ل ُهم‬ ‫ت أعد‬ ‫َوٱلحَٰفِ ِظي ف ُروج ُهم َوٱلحَٰفِظَٰ ِ‬
‫ت َوٱلذَٰكِرِين ٱّلل كثِيا وٱلذكِر َٰ ِ‬
‫ظيما ‪[ } 35‬االحزاب‪]35 :‬‬
‫ذمغفِ َر ٗة َوأَج ًرا َع ِ ٗ‬

‫ومن أعظم فضائل الصوم أنه طريق عظيم إىل اجلنة؛ روى اإلمام أمحد يف مسنده‬
‫َف ُق ْل ُت‪ُ :‬م ْر ِين بِ َع َم ٍل ُيدْ ِخ ُلنِي‬ ‫قال‪َ :‬أ َتيْ ُت َر ُس َ‬
‫ول اهللَِّ‬ ‫من حديث أِب أمامة‬
‫ك‬‫الص ْومِ؛ َفإِ َّن ُه الَ ِعدْ َل لَ ُه))‪ُ ,‬ث َّم َأ َت ْيتُ ُه الثَّانِ َي َة‪َ ,‬ف َق َال ِيل‪َ ( :‬ع َل ْي َ‬
‫ك بِ َّ‬‫اجلَنَّ َة‪َ ,‬ق َال‪َ (( :‬ع َل ْي َ‬
‫ْ‬

‫بِ ِّ‬
‫الصيَامِ))‪ ,‬ويف رواية‪ :‬فكان أبو أمامة ال ُيرى يف بيته الدخان هنارا‪ ,‬إال إذا نزل هبم‬
‫ضيف‪.‬‬
‫ٌ‬
‫السندي‪ " :‬فإنه ال مثل له)) أي‪ :‬يف كِس الشهوة ودفع النفس األ ّمارة‬
‫قال ِّ‬
‫والشيط ان‪ ,‬أو ال مثل له يف كثرة الثواب"رشح سنن النسائي ‪.) 565 / 4‬‬
‫ومن إكرام اهلل للصائمني أن اختصهم بباب من أبواب اجلنة اسمه الريان فقد‬
‫‪ ,‬عن النبي‬ ‫روى البخاري ومسلم يف صحيحيهام من حديث سهل بن سعد‬
‫الصائِ ُمو َن َي ْو َم الْ ِق َي َام ِة‪ ،‬ال‬ ‫ِ‬ ‫قال‪« :‬إِ َّن ِِف الْ ِ‬
‫ـجنَّة َبا ًبا ُي َق ُال َل ُه‪َّ :‬‬
‫الر َّيا ُن‪َ ،‬يدْ ُخ ُل منْ ُه َّ‬ ‫َ‬
‫ومو َن‪ ،‬ال َيدْ خُ ُل ِمنْ ُه َأ َحدٌ َغ ْ ُري ُه ْم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الصائ ُمو َن؟ َفيَ ُق ُ‬
‫ِ‬
‫َيدْ خُ ُل منْ ُه َأ َحدٌ َغ ْ ُري ُه ْم‪ُ ،‬ي َق ُال‪َ :‬أ ْي َن َّ‬
‫َفإِ َذا َدخَ ُلوا ُأ ْغلِ َق‪َ ،‬ف َل ْم َيدْ خُ ْل ِمنْ ُه َأ َحدٌ »‪.‬‬
‫فمسمى هذا الباب الريان) يبعث عىل الراحة واالشتياق‪ ,‬قال ابن حجر عن‬
‫الريان‪ " :‬وقعت املناسبة فيه بني لفظه ومعناه‪ ,‬ألنه مشتق من الري وهو مناسب حلال‬
‫الصائمني"‪.‬فتح الباري" ‪.)534/4‬‬
‫‪219‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬فضائل الصوم اخلطبة األوىل‬
‫عنوانزوجني من َشء من األشياء‬
‫‪ ‬أنفق‬
‫أنه قال‪ « :‬من‬ ‫ويف الصحيحني عن النبي‬
‫ِف سبيل اهلل‪ ،‬دعي من أبواب اجلنة يا ع بد اهلل هذا خري‪ ،‬فمن كان من أهل الصالة‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫دعي من باب الصالة‪ ،‬ومن كان من أهل اجلهاد دعي من باب اجلهاد‪ ،‬ومن كان من‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أهل الصدقة دعي من باب الصدقة‪ ،‬ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام‪،‬‬
‫وباب الريان‪ .‬فقال أبو بكر‪ :‬ما عىل هذا الذي يدعى من تلك األبواب من َضورة‪،‬‬
‫وق ال‪ :‬هل يدعى منها كلها أحد يا رسول اهلل ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وأرجو أن تكون منهم يا‬
‫أبا بكر»‬
‫أيها المسلمون! ومن فضائل الصيام‪ :‬أنه وقاية للعبد يف الدنيا من املعايص‬
‫بحفظه للجوارح‪ ,‬ووقاية من عذاب اهلل يوم القيامة؛‬
‫‪« :‬الصيام جنة‪ ,‬وهو حصن من حصون‬ ‫قال رسول اهلل‬ ‫عن أِب أمامة‪,‬‬
‫املؤمن« رواه الطرباين يف "الكبري"صحيح اجلامع" رقم ‪.)3885‬‬

‫‪ :‬أن‬ ‫وروى اإلمام أمحد يف مسنده وأصله يف الصحيحني من حديث جابر‬


‫َّار‪ُ ،‬ه َو ِِل َو َأنَا َأ ْج ِزي بِ ِه»‪.‬‬
‫َج ُّن ِ َهبا الْ َع ْبدُ ِم َن الن ِ‬
‫الص َيا ُم ُجنَّ ٌة َي ْست ِ‬
‫قال‪« :‬إِن ََّام ِّ‬ ‫النبي‬
‫‪َ « :‬ما ِم ْن‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫ويف الصحيحني من حديث أِب سعيد‬
‫ني‬ ‫ِ‬ ‫يل اهللِ‪ ،‬إِ َّال َبا َعدَ اهللُ بِ َذلِ َ‬
‫ك الْ َي ْو ِم َو ْج َه ُه َع ِن الن ِ‬ ‫َع ْبد َي ُصو ُم َي ْو ًما ِِف َسبِ ِ‬
‫َّار َس ْبع َ‬
‫خَ ِري ًفا»‪.‬وِف رواية « "من صام يوماً ِف سبيل اهلل بعدت منه النار مسرية مائة عام"»‪.‬‬
‫(وسياق هذه النصوص ال ينب أن المراد هو صوم الفريضة بل صوم النفل‪,‬‬
‫فما ظنك بصيام أيام رمضان ‪-‬شهر كامل‪ -‬تخلص فيها لله وتصومها في سبيل‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪251‬‬
‫الله‪ ,‬كم يباعدك ذلك من النار؟‬
‫ففي هذه األحاديث بيان قدر مباعدة املسلم الصائم عن النار سبعني عاما ومائة‬
‫عام ونحوه‪ ,‬وذلك بحسب اختالف أحوال الصائمين في كمال الصوم ونقصانه‪,‬‬
‫والله أعلم)‪.‬‬
‫أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة؛ روى اإلمام أمحد يف‬
‫الص َيا ُم َوالْ ُق ْرآ ُن‬
‫قال‪ِّ « :‬‬ ‫‪ :‬أن رسول اهلل‬ ‫مسنده من حديث عبداهلل بن عمرو‬
‫ات بِالن ََّه ِ‬ ‫الشهو ِ‬ ‫ان لِ ْل َعبْ ِد َي ْو َم الْ ِق َي َام ِة‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫َي ْش َف َع ِ‬
‫ار‪،‬‬ ‫ي َر ِّب‪َ ،‬منَ ْعتُ ُه الطَّ َعا َم َو َّ َ َ‬‫الص َيا ُم‪َ :‬أ ْ‬
‫ول ِّ‬
‫ول الْ ُقرآ ُن‪ :‬منَعتُه النَّوم بِال َّلي ِل‪َ ،‬ف َش ِّفعنِي فِ ِ‬
‫يه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ُي َش َّف َع ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ان»‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ُ ْ َ ْ‬ ‫َف َش ِّف ْعني فيه‪َ ،‬و َي ُق ُ ْ‬
‫ومنها‪ :‬أن الصائم َّ‬
‫يوِف أجره بغري حساب؛ روى البخاري ومسلم يف‬
‫قال‪« :‬ك ُُّل َع َم ِل ا ْب ِن آ َد َم‬ ‫أن النبي‬ ‫صحيحيهام من حديث أِب هريرة‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الص ْو َم َفإِ َّن ُه ِِل‬
‫ـها إِ َىل َس ْبعمئَة ض ْع ‪َ ،‬ق َال اهللُ ¸‪ :‬إِ َّال َّ‬ ‫رش َأ ْمثَال َ‬ ‫ُي َضا َع ُ ‪ ،‬الْ َ‬
‫ـح َسنَ ُة َع ْ ُ‬
‫َان‪َ :‬ف ْر َح ٌة ِعنْدَ فِطْ ِر ِه‪،‬‬
‫لصائِ ِم َف ْر َحت ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َأنَا َأ ْج ِزي بِه‪َ ،‬يدَ ُع َش ْه َو َت ُه َو َط َع َام ُه م ْن َأ ْجيل‪ ،‬ل َّ‬
‫يه َأ ْطيب ِعنْدَ اهللِ ِمن ِريحِ املِْس ِ‬ ‫اء رب ِه‪ ،‬و َلـخُ ُلوفُ فِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ك»‪ .‬وِف رواية‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َو َف ْر َح ٌة عنْدَ ل َق َ ِّ َ‬
‫‪ ،‬قال‬ ‫احلسنة بعرش أمثاهلا إىل سبعامئة ضع‬ ‫ملسلم ‪ « :‬كل عمل ابن آدم له يضا َع‬
‫اهلل تعاىل ‪ :‬إال الصوم فإنه ِل وأنا أجزي به ‪َ ،‬يدَ ُع شهوته وطعامه من أجيل » ‪.‬‬
‫وهذا احلديث اجلليل يدل عىل فضيلة الصوم من وجوه عديدة ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن اهلل اختص لنفسه الصوم من بني سائر األعامل ؛ وذلك لشفه عنده‬
‫وحمبته له وظهور اإلخالص له سبحانه فيه ؛ ألنه رس بني العبد وبني ربه ‪ ,‬ال ي َّطلع‬
‫‪255‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬فضائل الصوم اخلطبة األوىل‬
‫عنوانالناس متمكِّنا من تناول ما‬
‫اخلايل من‬
‫‪‬‬ ‫عليه إال اهلل ‪ ,‬فإن الصائم يكون يف املوضع‬
‫حرم اهلل عليه بالصيام فال يتناوله ؛ ألنه يعلم أن له ربا ي َّطلِع عليه يف خلوته ‪ ,‬وقد‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫حرم عليه ذلك فيرتكه هلل خوفا من عقابه ورغبة يف ثوابه ‪ ,‬فمن أجل ذلك شكر اهلل‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫له هذا اإلخال ص ‪ ,‬واختص صيامه لنفسه من بني سائر أعامله ؛ وْلذا قال ‪ « :‬يدع‬
‫شهوته وطعامه من أجيل » ‪ ,‬وتظهر فائدة هذا االختصاص يوم القيامة كام قال‬
‫سفيان بن ُع َي ْينة ‪ : ‬إذا كان يوم القيامة احاسب اهلل عبده ‪ ,‬ويؤدي ما عليه من‬
‫يبق إال الصوم ي تحمل اهلل عنه ما بقي من املظامل ‪,‬‬
‫املظامل من سائر عمله حتى إذا مل َ‬
‫ويدخله اجلنة بالصوم ‪.‬‬
‫قال ابن عبد الرب‪ :‬كفى بقوله‪" :‬الصوم يل" فضال للصيام عىل سائر العبادات"‬
‫الثاني ‪ :‬أن اهلل قال يف الصوم ‪ « :‬وأنا أجزي به » ‪ ,‬فأضاف اجلزاء إىل نفسه‬
‫الكريمة ؛ ألن األعامل الصاحلة يضاعف أجرها بالعدد ‪ ,‬احلسنة بعش أمثاْلا إىل‬
‫سبعامئة ضعف إىل أضعاف كثرية ‪ ,‬أما الصوم فإن اهلل أضاف اجلزاء عليه إىل نفسه‬
‫من غري اعتبار عدد ‪ ,‬وهو سبحانه أكرم األكرمني وأجود األجودين ‪.‬‬
‫والعطيَّة بقدر معطيها فيكون أجر الصائم عظيام كثريا بال حساب ‪ ,‬والصيام‬
‫صرب عىل طاعة اهلل ‪ ,‬وصرب عن حمارم اهلل ‪ ,‬وصرب عىل أقدار اهلل املؤملة من اجلوع‬
‫والعطش وضعف البدن والنفس ‪ ,‬فقد اجتمعت فيه أنواع الصرب الثالثة ‪ ,‬وحت َّق َق أن‬
‫ذ َٰ ُ َ َ َ ُ‬ ‫ذ‬ ‫ذ‬
‫يكون الصائم من الصابرين ‪ ,‬وقد قال اهلل تعاىل ‪ { :‬إِن َما ي ُ َوَّف ٱلص ِْبون أجرهم‬
‫ب ِ َغيِ ح َِساب ‪[ } 10‬الزمر‪. ]51 :‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪252‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن الصوم ُجنَّة أي ‪ :‬وقاية وسرت يقي الصائم من اللغو والرفث ‪,‬‬
‫ولذلك قال ‪ " « :‬فإذا كان يوم صوم أحدكم فال يرفث وال يصخب » ‪ ,‬ويقيه أيضا‬
‫من النار ‪ ,‬كام سبق ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن َخلوف فم الصائم أطيب عند اهلل من ريح املسك ؛ ألهنا من آثار‬
‫الصيام فكانت طيبة عند اهلل سبحانه وحمبوبة له ‪ ,‬وهذا دليل عىل عظيم شأن الصيام‬
‫ْ‬
‫املستخ َبث عند الناس يكون حمبوبا عند اهلل وطيبا‬ ‫عند اهلل حتى إن الّشء املكروه‬
‫لكونه نشأ عن طاعته بالصيام ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬أن للصائم فرحتني ‪ :‬فرحة عند فطره ‪ ,‬وفرحة عند لقاء ربه ‪ ,‬أما‬
‫فرحه عند فطره فيفرح بام أنعم اهلل عليه من القيام بعبادة الصيام الذي هو من أفضل‬
‫األعامل الصاحلة ‪ ,‬وكم من أناس حرموه فلم يصوموا ‪ ,‬ويفرح بام أباح اهلل له من‬
‫الطعام والشاب والنكاح الذي كان ُحم َ َّرما عليه حال الصوم ‪.‬‬
‫وأما فرحه عند لقاء ربه فيفرح بصومه حني جيد جزاءه عند اهلل تعاىل ُم َو َّفرا‬
‫كامال يف وقت هو أحوج ما يكون إليه حني يقال ‪ :‬أين الصائمون ليدخلوا اجلنة من‬
‫باب الر َّيان الذي ال يدخله أحد غريهم ؟‬
‫ويف هذا احلديث إرشاد للصائم إذا سا َّبه أحد أو قاتله أن ال يقابله باملثل لئال‬
‫يزداد السباب والقتال ‪ ,‬وأن ال يضعف أمامه بالسكوت ‪ ,‬بل خيربه بأنه صائم إشارة‬
‫إىل أنه لن يقابله باملثل احرتاما للصوم ال عجزا عن األخذ بالثأر ‪ ,‬وحينئذ ينقطع‬
‫َ‬ ‫ٱْل َسنَ ُة َو ََل ذ‬
‫َ َ‬ ‫ٱلسي َئ ُة ٱد َفع بِٱلذَّت ِ َ‬
‫ِه أح َس ُن فإِذا‬ ‫السباب والقتال ‪َ { :‬و ََل تَستَوي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪253‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬فضائل الصوم اخلطبة األوىل‬
‫َ‬
‫َّل َۡحِيم ‪[ } 34‬فصلت‪َ { ]34 :‬و َما يُلَ ذقى َٰ َها ٓ إ ذَل ذٱَّلِينَ‬
‫ٌّ‬ ‫ك َوبَينَ ُهۥ َع َد َٰ َوة َكأنذ ُهۥ وَ‬
‫َ َ َ‬ ‫ذ‬
‫ِ‬ ‫‪‬عنوان‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ِي‬ ‫ٱَّل‬
‫َذ ٓ ذ ُ‬ ‫َ َُ ْ‬
‫ْبوا َو َما يُلقى َٰ َها إَِل ذو َح ٍظ َع ِظيم ‪[ } 35‬فصلت‪ ]35 :‬جمالس شهر رمضان ص‪:‬‬ ‫ص‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪.)55‬‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫بارك اهلل يل ولكم يف القرآن العظيم‪ ,‬ونفعني وإ َّياكم بام فيه من اآليات والذكر‬
‫احلكيم‬
‫أقول قويل هذا وأستغفر اهلل العظيم اجلليل يل ولكم ولسائر املسلمني من كل‬
‫ذنب‪ ,‬فتوبوا إليه واستغفروه‪ ,‬إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫احلمد هلل وحده‪ ,‬والصالة والسالم عىل من ال نبي بعده‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال رشيك له‪ ,‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله‪ ,‬وبعد‪:‬‬
‫أهيا املسلمون‪ ,‬ومن فضائل الصوم يف رمضان أنه سبب ملغفرة الذنوب وتكفري‬
‫قال‪ «:‬من صام رمضان‬ ‫النبي‬
‫أن َّ‬ ‫السيئات؛ ففي الصحيحني عن أِب هريرة‬
‫إيامناً واحتساباً غفر له ما تقدَّ م من ذنبه» يعني‪ :‬إيامنا باهلل ورضا بفريضة الصوم‪,‬‬
‫واحتسابا لثوابه وأجره‪ ,‬ومل يكن كارها لفرضه وال شاكا يف ثوابه وأجره‪.‬‬
‫قال‪« :‬الصلوات َ‬
‫اْل ْم ُس‪ ،‬واجلمعة إىل‬ ‫ويف صحيح مسلم عنه أيضا أ َّن َّ‬
‫النبي‬
‫بينهن إذا اجتنبت الكبائر»‪.‬‬
‫َّ‬ ‫اجلمعة‪ ،‬ورمضان إىل رمضان‪ُ ،‬مك ِّفرات ما‬
‫و صيام شهر رمضان وقيامه سبب الستحقاق ونيل رشف اسم الصديقني‬
‫فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ,‬أرأيت إذا شهدت أن ال‬ ‫والشهداء فقد جاء رجل إىل النبي‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪254‬‬
‫إله إال اهلل‪ ,‬وأنك رسول اهلل‪ ,‬وصليت الصلوات اخلمس‪ ,‬وأديت الزكاة‪ ,‬وصمت‬
‫رمضان وقمته َف ِممن أنا؟ قال‪" :‬من الصديقني والشهداء" رواه البزاروغريه انظر‬
‫صحيح الرتغيب ‪.365‬‬
‫َف َق َال‪ُ :‬د َّلنِي َع َىل َع َم ٍل إِ َذا َع ِم ْلتُ ُه‬ ‫ويف الصحيحني‪َ :‬أ َّن َأ ْع َرابِ ًّيا َأ َتى النَّبِ َّي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َال َة املَْ ْكتُو َب َة ‪َ ،‬وت َُلؤ ِّدي‬
‫يم َّ‬ ‫ُرش ُك بِه َش ْيئًا ‪َ ،‬وتُق ُ‬ ‫اجلَنَّ َة‪َ .‬ق َال‪ْ َ« :‬عبُدُ اهللَ َال ت ْ ِ‬ ‫َد َخ ْل ُت ْ‬
‫وض َة ‪َ ،‬وت َُصو ُم َر َم َضا َن‪َ .‬ق َال‪َ :‬والَّ ِذي َن ْف ِس بِ َي ِد ِه ‪َ ،‬ال َأ ِزيدُ َع َىل َه َذا‪َ ».‬ف َل َّام‬ ‫ال َّزكَا َة املَْ ْف ُر َ‬
‫اجلن َِّة َف ْل َينْظُ ْر إِ َىل َه َذا» ‪.‬‬
‫ِس ُه َأ ْن َينْظُ َر إِ َىل َر ُجل ِم ْن َأ ْه ِل َْ‬ ‫‪َ « :‬م ْن َ َّ‬ ‫َو َّىل ‪َ ،‬ق َال النَّبِ ُّي‬
‫متفق عليه‬
‫‪:‬‬ ‫ومن فضائل الصوم يف الصيف أنه يورث السقيا يوم العطش فعن ابن عباس‬
‫بعث أبا موسى عىل رسية يف البحر‪ ,‬فبينام هم كذلك‪ ,‬قد رفعوا‬ ‫أن رسول اهلل‬
‫هاتف فوقهم هيتف‪ :‬يا أهل السفينة! قفوا أخربكم بقضاء‬
‫ٌ‬ ‫الشاع يف ليلة مظلمة‪ ,‬إذا‬
‫قضاه اهلل عىل نفسه‪ ,‬فقال أبو موسى‪ :‬أخربنا إن كنت خمربا‪ ,‬قال‪ :‬إن اهلل تبارك وتعاىل‬
‫قىض عىل نفسه أنه من أعطش نفسه له يف يوم صائف‪ ,‬سقاه اهلل يوم العطش» رواه‬
‫البزار وحسنه األلباين ِف "صحيح الرتغيب" (‪. )132/3‬‬
‫‪" :‬ثالث‬ ‫ومن فضائل الصوم‪ :‬أنه سبب إلجابة الدعاء قال رسول اهلل‬
‫دعوات مستجابات‪ :‬دعوة الصائم‪ ،‬ودعوة املظلوم‪ ،‬ودعوة املسافر" رواه البيهقي يف‬
‫"شعب اإليامن" عن أِب هريرة‪ ,‬وصححه األلباين يف "صحيح اجلامع" رقم‬
‫‪. )3131‬‬
‫‪255‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬فضائل الصوم اخلطبة األوىل‬
‫‪" :‬يدخل‬ ‫عنوان‬
‫قال رسول اهلل‬ ‫اجلوارح‬
‫‪‬‬ ‫ومن فضائله وفوائده ‪ :‬رقة القلب وصيانة‬
‫اجلنة أقوام أفئدُتم مثل أفئدة الطري" رواه مسلم ‪.‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫يقول القسطالين معددا لثمرات الصوم‪ " :‬رقة القلب وغزارة الدمع وذلك من‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫أسباب السعادة فإن الشبع ا يذهب نور العرفان ويقيض بالقسوة واحلرمان"‬
‫"مدارك املرام" ص ‪.)81 ,79‬‬
‫ومما ينبغي التنبيه عليه فضل الصيام ِف شهر شعبان؛ فقد روى اإلمام أمحد يف‬
‫يصوم األيام‪ ,‬يِسد حتى‬ ‫مسنده من حديث أسامة بن زيد قال‪:‬كان رسول اهلل‬
‫ُيقال‪ :‬ال ُيفطر‪ ,‬و ُيفطر األيام حتى ال يكاد أن يصوم‪ ,‬إال يومني من اجلمعة إن كان‬
‫يف صيامه‪ ,‬وإال صامهام‪ ,‬ومل يكن يصوم شهرا من الشهور ما يصوم من شعبان‪,‬‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ,‬إنك تصوم ال تكاد أن تفطر‪ ,‬وتفطر حتى ال تكاد أن تصوم‪,‬‬
‫ني؟))‪ ,‬قلت‪ :‬يوم‬ ‫ي َي ْو َم ْ ِ‬ ‫إال يومني إن دخال يف صيامك وإالصمتهام‪ ,‬قال‪َ :‬‬
‫((أ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ان ُت ْع َر ُض فِ ِ‬ ‫االثنني‪ ,‬ويوم اخلميس‪ ,‬قال‪َ (( :‬ذان ِ َ‬
‫ك َي ْو َم ِ‬
‫يه َام ْاألَ ْع َام ُل َع َىل َر ِّب ا ْل َعاملَ َ‬
‫ني؛‬
‫ب َأ ْن ُي ْع َر َض َع َم ِيل َو َأنَا َصائِ ٌم))‪ ,‬قلت‪ :‬ومل أرك تصوم من شهر من الشهور ما‬ ‫ِ‬
‫َو ُأح ُّ‬
‫ب َو َر َم َضا َن‪َ ،‬و ُه َو َش ْه ٌر‬
‫ني َر َج َ‬ ‫اك َش ْه ٌر َي ْغ ُف ُل الن ُ‬
‫َّاس َعنْ ُه َب ْ َ‬ ‫تصوم من شعبان‪ ,‬قال‪َ « :‬ذ َ‬
‫ب أ ْن ُي ْر َف َع َع َم ِيل َو َأنَا َصائِ ٌم»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ني‪َ ،‬فأُح ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت ُْر َف ُع فيه ْاأل َ ْع َام ُل إِ َىل ِّ‬
‫رب ال َعاملَ َ‬
‫قالت‪« :‬ما رأيت رسول اهلل‬ ‫يف الصحيحني من حديث عائشة‬
‫استكمل صيام شهر قط إال رمضان‪ ,‬وما رأيته يف شهر أكثر صياما منه يف شعبان»‪,‬‬
‫زاد البخاري يف رواية‪« :‬كان يصوم شعبان كله»‪ ,‬وملسلم يف رواية‪« :‬كان يصوم‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪256‬‬
‫شعبان إال قليال»‪,‬‬
‫قال ابن رجب ‪ : ‬بعض ما يشتهر فضله من األزمان‪ ,‬أو األماكن‪ ,‬أو‬
‫ٍ‬
‫خلصوصية فيه ال يتفطن ْلا أكثر‬ ‫األشخاص قد يكون غريه أفضل منه‪ ,‬إما مطلقا أو‬
‫الناس‪ ,‬فيشتغلون باملشهور عنه‪ ,‬ويفوتون حتصيل فضيلة ما ليس بمشهور‬
‫عندهم‪.‬لطائف املعارف البن رجب ص‪)535 :‬‬
‫وقد ذكر بعضهم أن من فوائد صيام شهر شعبان أن فيه تعويدا ومترينا عىل الصيام يف‬
‫رمضان‪.‬‬
‫يتحرى‬
‫َّ‬ ‫كان‬ ‫‪«:‬أن النبي‬ ‫و روى النسائي يف سننه من حديث عائشة‬
‫صيام االثنني واْلميس»‪.‬‬
‫ِ‬
‫فاجتهدوا‬ ‫فضائل الصوم ال تُدْ َرك حتى يقوم الصائم بآدابه ‪,‬‬
‫يف إتقان صيامكم وحفظ حدوده ‪ ,‬وتوبوا إىل ربكم من تقصريكم يف ذلك ‪ ,‬اللهم‬
‫احفظ صيامنا واجعله شافعا لنا ‪ ,‬واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني ‪,‬‬
‫ف بني قلوب املسلمني‪,‬‬ ‫واح ِم حوزة الدين‪ ,‬وأ ِّل ْ‬ ‫ِ‬
‫اللهم أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ْ ,‬‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫احلق يا َّ‬
‫مج ْع كلمتَهم عىل ِّ‬
‫ووحد صفوفهم‪ ,‬وا َ‬
‫ِّ‬
‫اللهم أ ِّمنَّا يف أوطاننا‪ ,‬وأصلِح أئمتنا ووالة أمورنا‪ ,‬واجعل واليتنا فيمن خافك‬
‫واتَّقاك‪ ,‬وا َّتبَع رضاك يا أرحم الرامحني‪.‬‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫‪257‬‬ ‫خطبة بعنوان‪ :‬فضائل الصوم اخلطبة األوىل‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫عنوان إنك أنت‬
‫ُب علينا‬
‫‪‬‬‫ربنا تق َّبل منا إنك أنت السمي ُع العليم‪ ,‬وت‬
‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫يب الدعوات‪.‬‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬ ‫سمي ٌع‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫صل عىل حممد‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪258‬‬

‫غفره‪ ,‬ونعو ُذ باهلل من رشور أنفسنا‪ ,‬ومن‬


‫إن احلمد هلل؛ نحمدُ ه‪ ,‬ونستعينُه‪ ,‬ونست ُ‬
‫مضل له‪ ,‬و َمن يضلِ ْل؛ فال هادي له‪ ,‬وأشهد أن ال إله‬ ‫س ِّيئات أعاملنا‪َ ,‬من هيده اهلل؛ فال َّ‬
‫َ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ‬
‫يأيها ٱَّلِين ءامنوا‬ ‫أن حممدا عبدُ ه ورسو ُل ُه { َٰٓ‬ ‫رشيك له‪ .‬وأشهدُ َّ‬ ‫َ‬ ‫إال اهلل‪ ,‬وحدَ ه ال‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ ذ َ‬ ‫َُ‬ ‫ذٱت ُقوا ْ ذ َ‬
‫ٱّلل َح ذق تقاتِهِۦ َوَل ت ُموت ذن إَِل َوأنتُم ُّمسل ُِمون ‪[ } 102‬ال عمران]‬
‫كم مِن ذنفس َوَٰح َِدة َو َخلَ َق مِنهاَ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ ُ ذ ُ ْ َ ذ ُ ُ ذ‬
‫يأيها ٱنلاس ٱتقوا ربكم ٱَّلِي خلق‬ ‫{ َٰٓ‬
‫َ َ َ َ ذ‬ ‫َ ٓ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ذ ُ َ َ ٗ َ ٗ َ َ ٓٗ َ ذ ُ ْ ذَ ذ‬
‫ٱَّلي ت َسا َءلون بِهِۦ وٱلرحام إِن‬ ‫ٱّلل ِ‬ ‫زوجها وبث مِنهما رِجاَل كثِيا ون ِساء وٱتقوا‬
‫ذَ َ َ ََ ُ َ ٗ‬
‫ٱّلل َكن عليكم رق ِيبا } [النساء‪]3 :‬‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ْ ذ ُ ْ ذ َ َ ُ ُ ْ َ ٗ َ ٗ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا ٱتقوا ٱّلل وقولوا قوَل سدِيدا ‪ 70‬يصل ِح لكم‬
‫ً‬ ‫ذ َ َ َ ُ َُ َ َ َ َ َ ً َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َٰ َ ُ‬
‫أعملكم ويغفِر لكم ذنوبكم ومن ي ِطعِ ٱّلل ورسوَلۥ فقد فاز فوزا ع ِظيما }‬
‫[االحزاب‪، ]53 ،55 :‬‬
‫َأ َّما َب ْعدُ ‪:‬‬
‫َاب اهللِ‪َ ,‬و َخ ْ َري ْاْلَدْ ِي َهدْ ُي ُحم َ َّم ٍد ‪ -‬صىل اهلل عليه وآله وسلم‬ ‫َفإِ َّن َخري ْ ِ ِ ِ‬
‫احلديث كت ُ‬ ‫َْ َ‬
‫اُتا‪َ ,‬وك َُّل ُحم ْدَ َث ٍة بِدْ َع ٌة‪َ ,‬وك َُّل بِدْ َع ٍة َض َ‬
‫ال َل ٌة‪.‬‬ ‫‪َ ,-‬و َرش األُ ُم ِ‬
‫ور ُحم ْدَ َث ُ َ‬ ‫َّ‬
‫إخوَّة اإلسالم ‪ :‬وإذا كان رمضان شهر التقوى والصيام‪ ,‬وشهر الصرب وتالوة‬
‫القرآن‪ ,‬وشهر النفقة واإلحسان‪ ,‬إىل غري ذلك من مزايا وفضائل شهر الصيام‪,‬‬
‫شهر االنتصار‪,‬‬
‫فرمضان كذلك ُ‬
‫تعرف من انتصاراتنا يف رمضان؟ وما نوع هذه االنتصارات؟‬
‫ُ‬ ‫أيها الصائم ‪ :‬ماذا‬
‫‪259‬‬ ‫خطبة بعنوان ‪( :‬رمضان شهر االنتصارات)‬
‫عنوان رمضان؟‬
‫املتجدد ُة يف‬
‫‪‬‬ ‫وماذا بقي لنا من عربة ؟ وما هي االنتصارات‬
‫اعلموا أن انتصاراتنا ِف رمضان ِف أكثر من جمال‪ ,‬ال حتد بزمان وال خيص هبا‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ُ‬
‫أجيال دون أجيال‪ ,‬وليست قْصا عىل االنتصارات العسكرية‪ ,‬بل ثمة االنتصارات‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫من نوع آخر‪ ,‬ففي شهر رمضان ينتْص الصائم عىل دواعي الشهوة ‪ -‬وإن كانت‬
‫الفروج‬
‫ُ‬ ‫مباحة ‪ -‬إذ تصوم البطون عن األكل والشاب‪ ,‬وإن كانت حالال‪ ,‬وتصوم‬
‫ٍ‬
‫ملومة مع األزواج أو ما ملكت األيامن‪ ,‬من طلوع الفجر‬ ‫عن الشهوة وإن كانت غري‬
‫إىل غروب الشمس ‪.‬‬
‫وينتَص الصائم عىل الشهوة املحرمة كشب الدخان‪ ,‬أو ما يدخل يف بابه ‪ -‬بل‬
‫نفر من املسلمني ُبلوا هبذه األدواء‬
‫وأعظم ‪ -‬كاملخدرات واملسكرات ونحوها‪ ,‬فثمة ٌ‬
‫املهلكة‪ ,‬لكنهم يف شهر الصيام هيجروهنا ‪ -‬ولو عىل األقل يف هنار رمضان‪ -‬وهم‬
‫جديرون هبجرها عىل الدوام‪ ,‬وعسى اهلل أن جيعل من شهر الصيام فرصة ْلم عىل‬
‫التوبة النصوح واالنتصار عىل دواعي الشهوة التي تورث الذلة واملهانة‪.‬‬
‫اهلا إِ َىل‬‫احلسنَ ُة ع ْرش َأمثَ َ ِ‬
‫‪« :‬ك ُُّل َع َم ِل ا ْب ِن آ َد َم ُي َضا َع ُ َْ َ َ ُ ْ‬ ‫ول اهللِ‬‫وْلذا َق َال َر ُس ُ‬
‫الص ْو َم َفإِ َّن ُه ِِل ‪َ ،‬و َأنَا َأ ْج ِزي بِ ِه َيدَ ُع َش ْه َو َت ُه َو َط َع َام ُه‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َسبْع ِامئَة ض ْع َق َال اهللُ ¸ ‪ :‬إِ َّال َّ‬
‫اء رب ِه ‪ ،‬و َُْل ُلوفُ فِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫لصائِ ِم َف ْر َحت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يه‬ ‫َان ؛ َف ْر َح ٌة عنْدَ فطْ ِره َو َف ْر َح ٌة عنْدَ ل َق َ ِّ َ‬ ‫م ْن َأ ْجيل ‪ ،‬ل َّ‬
‫ك» متفق عليه ‪.‬‬ ‫َأ ْطيب ِعنْدَ اهللِ ِمن ِريحِ املِْس ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫أيها المسلمون ‪ :‬والصائم املوفق احلافظ لصيامه ينتْص عىل شهوة النظر‬
‫املح رمة‪ ,‬وشهوة السمع اآلثمة‪ ,‬هذا يف السمع والبْص‪,‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪221‬‬
‫ويف اللسان ينتْص الصائم احلافظ لصيامه عىل آفات اللسان من الغيبة والنميمة‪,‬‬
‫واللغو وقول الزور‪ ,‬والفحش واآلثام ورديء الكالم‪.‬‬
‫‪َ « :‬م ْن َ م ْ َيدَ ْع َق ْو َل ال ُّزو ِر َوا ْل َع َم َل‬ ‫ول اهللِ‬ ‫َق َال ‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َأ ِِب ُه َر ْي َر َة‬
‫رشا َب ُه» ‪.‬رواه البخاري ويف رواية « ُر َّب َصائِم‬ ‫بِ ِه ‪َ ،‬ف َل ْي َس هللِ َح َ ِ َ‬
‫اج ٌة ِف أ ْن َيدَ َع َط َع َام ُه َو َ َ‬
‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ام ِه إِ َّال ُْ‬
‫لَيس َله ِمن ِصي ِ‬
‫الس َه ُر»‪.‬‬‫اجلو ُع ‪َ ،‬و ُر َّب َقائم َليْ َس َل ُه م ْن قيَامه إِ َّال َّ‬ ‫ْ َ ُ ْ َ‬
‫حب‬
‫عباد اهلل ‪ :‬وينتْص الصائمون املوفقون عىل دواعي الشهوة اخلفية من ِّ‬
‫الرياء والسمعة‪ ,‬ف الصيام يدرب عىل اإلخالص‪,‬‬
‫وبالصيام يقوى جانب املراقبة هلل‪ ,‬إذ ال رقيب عىل الصائم إال اهلل يف صيامه‬
‫احتِ َسا ًبا ُغ ِف َر لَ ُه َما َت َقدَّ َم‬
‫‪َ « :‬م ْن َصا َم َر َم َضا َن إِ َيامنًا َو ْ‬ ‫وحفظ أمانته‪ ,‬ومن هنا قال‬
‫ِم ْن َذ ْنبِ ِه » متفق عليه ‪.‬‬
‫مجاهري من املسلمني ‪-‬يف رمضان‪ -‬عىل مكر الشيطان‬
‫ُ‬ ‫إخوة اإليمان ‪ :‬وينتْص‬
‫وتوهينه وإغوائه يف التكاسل عن الصالة مجاعة مع املسلمني‪ ,‬ويف شهود صالة‬
‫الفجر التي طاملا أضاعوها أو أخروها عن وقتها‪.‬‬
‫ُّ‬
‫تكتظ املساجدُ باملصلني وعسى اهلل أن جيعل من رمضان فرصة‬ ‫وِف رمضان‬
‫لرياجع املفرطون أنفسهم ويتوبوا إىل بارئهم ويشكروه عىل نعمة الصحة واألمن‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬
‫۞و َسارِ ُع ٓوا إ ِ َِٰل َمغفِ َرة مِن ذربِكم َو َج ذن ٍة عرض َها‬
‫والفراغ‪ ,‬قال املوىل سبحانه ‪َ {:‬‬

‫ي ‪[ } 133‬ال عمران‪ ]533 :‬وخيرجوا من دائرة اخلُلوف‬ ‫ذ َ َٰ َ َٰ ُ َ َ ُ‬


‫ۡرض أُع ذِدت ل ِل ُم ذتق َ‬
‫ِ‬ ‫ٱلسموت وٱل‬
‫َ ٌ َ َ ُ ْ ذ َ َٰ َ َ ذ َ ُ ْ‬ ‫َ َ ََ‬
‫الذين قال اهلل فيهم‪۞ { :‬فخلف مِن َبع ِدهِم خلف أضاعوا ٱلصلوة وٱتبعوا‬
‫‪225‬‬ ‫خطبة بعنوان ‪( :‬رمضان شهر االنتصارات)‬
‫ذ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َٰ ٗ َ ُ ْ َ َٰٓ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ذ ََ‬
‫عنوانن وع ِمل صل ِحا فأولئِك‬ ‫‪ ‬وءام‬ ‫ت ف َسوف يَلقون غ ًّيا ‪ 59‬إَِل من تاب‬‫ٱلشهو َٰ ِ ن‬
‫َ ُ ُ َ َذَ ََ ُ َُ َ َ ٗ‬
‫ٱْلنة وَل يظلمون شيا ‪[ } 60‬مريم‪]61 ,59 :‬‬ ‫يدخلون‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫الباب وإن‬
‫ُ‬ ‫فها هو باب التوبة ُيفتح عىل مَصاعيه يا أخا اإلسالم فال يضيق بك‬
‫َ َ‬ ‫سريته‬ ‫يفكان‬
‫ُ َ‬ ‫ٱّلل ِ تَوبَ ٗة نذ ُص ً‬‫‪ َ ْ ٓ ُ ُ ْ ُ َ َ َ‬ذ‬ ‫ذ‬
‫س َر ُّبكم أن‬ ‫وحا َع َ َٰ‬ ‫يأ ُّي َها ٱَّلِين ءامنوا توبوا إِِل‬ ‫واسعا؟ { َٰٓ‬
‫َ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َ َ ُ َ َ ُ‬
‫يات ِكم َويُدخِلكم َجنَٰت َترِي مِن َتت ِ َها ٱلنهَٰر يوم َل‬ ‫يكفِر عنكم س ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ ُ َ‬
‫ي أيدِي ِهم َوبِأي َمَٰن ِ ِهم َيقولون‬‫ع َب َ‬ ‫امنُوا ْ َم َع ُهۥ ن ُ ُ‬
‫ور ُهم يَس َ َٰ‬ ‫ب َو ذٱَّل َ‬
‫ِين َء َ‬ ‫ُُيزي ذ ُ‬
‫ٱّلل ٱنلذ ذ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ٓ ذ َ َ َ َٰ ُ َ‬ ‫َ ُ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫َذَ‬
‫ك َشء قدِير ‪[ } 8‬التحريم‪]8 :‬‬ ‫ربنا أت ِمم نلا نورنا وٱغفِر نلا إِنك َع ِ‬
‫كام ينتَص الصائمون عىل الشح واألثرة والبخل واألنانية‪ ،‬ففي رمضان تكثر‬
‫واحس املسلمون ‪ -‬يف رمضان‪ -‬أكثر من‬
‫ّ‬ ‫الصدقات واإلحسا ُن للفقراء واملحتاجني ‪,‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫واملؤمل‬ ‫غريه بحوائج إخواهنم املسلمني هنا وهناك‪ ,‬فيصلوهنم واحسنون إليهم‪,‬‬
‫َق َال‪:‬‬ ‫واملرجتى أن يمتد هذا اإلحسان واإلنفاق بعد رمضان‪َ .‬ع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫اس‬
‫ِ‬
‫س َوكَا َن َأ ْج َو ُد َما َيكُو ُن ِِف َر َم َضا َن‪ ،‬ح َ‬
‫ني َي ْل َقا ُه‬ ‫َأ ْج َو َد النَّا ِ‬ ‫ول اهللَِّ‬‫«كَا َن َر ُس ُ‬
‫ول اهللَِّ َأ ْج َو ُد‬ ‫يل‪َ ،‬وكَا َن َي ْل َقا ُه ِِف ك ُِّل لَيْ َلة ِم ْن َر َم َضا َن َفيُدَ ِار ُس ُه الْ ُق ْر َ‬
‫آن‪َ ،‬ف َل َر ُس ُ‬ ‫رب ُ‬‫ِج ْ ِ‬

‫الريحِ املُْ ْر َس َل ِة» رواه البخاري (‪ )1111‬ومسلم (‪)2158‬‬ ‫اْل ِ ِ‬


‫ري م ْن ِّ‬ ‫ب ِ َْ ْ‬
‫ٍ‬
‫طاعة‬ ‫كل‬‫أيها المسلمون ‪ :‬وحني نَعدُّ انتصاراتنا املعنوية يف رمضان‪ ,‬فإن َّ‬
‫وانتصار ألصحاب احلق‪ ,‬وإن َّ‬
‫كل‬ ‫ٌ‬ ‫انتصار للحق‬
‫ٌ‬ ‫ُيتقرب هبا إىل اهلل يف رمضان هي‬
‫تائب يعو ُد إىل رشده يف رمضان ويلتزم رصاط اهلل املستقيم هو انتصار للحق وهو‬
‫معدو ٌد يف انتصاراتنا يف رمضان‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه وأمثاْلا كثري من انتصاراتنا السلمية يف شهر رمضان‪ ,‬فلنا‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪222‬‬
‫انتصارات عسكري ٌة يف رمضان‪ ,‬هلل الكون ْلا‪ ,‬واستبش ْلا جندُ اهلل وكرب‪,‬‬
‫ٌ‬
‫أنوف الكافرين‪ ,‬ومخدت شوكة الباطل واملبطلني‪,‬‬
‫ُ‬ ‫وأرغمت‬
‫ففي السابع عش من شهر رمضان يف السنة الثانية للهجرة كانت غزوة بدر‬
‫الكربى‪ ،‬والتي جعلها اهلل فرقانا بني احلق والباطل وبني اإلسالم والكفر‪ ,‬فقد كانت‬
‫هي املعركة األوىل الفاصلة يف التا ريخ اإلسالمي‪ ,‬وكانت البوابة األوىل لغزوات‬
‫متتابعة أدت يف النهاية للفتح الكبري ‪ -‬فتح مكة ‪ -‬واندحار الكفر ورفعة اإلسالم‬
‫َ َ َ ُ ٗ‬ ‫ُ ذ‬ ‫َ‬ ‫وأهله‪ ,‬قال تعاىل‪َ { :‬وقُل َجا ٓ َء َ‬
‫ٱْل ُّق َو َزه َق ٱل َب َٰ ِطل إِن ٱل َب َٰ ِطل َكن َزهوقا ‪} 81‬‬
‫[االرساء‪. ]85 :‬‬

‫وقد وردت نصوص كثرية تبني فضل غزوة بدر وأهل بدر من القرآن والسنة‪,‬‬
‫فمن ذلك‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َذ َ‬
‫۞وٱعل ُم ٓوا أن َما غن ِمتُم مِن َشء‬ ‫تسمية اهلل ليوم بدر بيوم الفرقان‪ ,‬قال تعاىل‪{ :‬‬
‫ٱلسبيل إن ُكنتمُ‬ ‫سكِي َوٱبن ذ‬ ‫َٰ‬ ‫ُ َ َٰ َ َ َ َٰ َ َٰ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََذ ذ ُ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فأن ِّلل ِ َخسهۥ ول ِلرسو ِل و َِّلِي ٱلقرب وٱْيتًّم وٱلم‬
‫َ َ َ ذ ُ َ َ َٰ ُ‬ ‫ذ َ َ ٓ َ َ َ َ َ َٰ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ك‬‫ءامنتم بِٱّلل ِ وما أنزنلا َع عبدِنا يوم ٱلفرقا ِن يوم ٱِلق ٱْلمعا ِن وٱّلل َع ِ‬
‫ِير ‪[ } 41‬االنفال‪ ]45 :‬قال ابن كثري ‪ : ‬ينبه تعاىل عىل نعمته وإحسانه إىل‬ ‫ََشء قَد ٌ‬

‫خلقه بام فرق به بني احلق والباطل ببدر‪ ,‬و ُيسمى الفرقان ألن اهلل أعىل فيه كلمة‬
‫اإليامن عىل كلمة الباطل وأظهر دينه ونْص نبيه وحزبه‪ .‬تفسري ابن كثري ‪.)353 /2‬‬
‫َ ُّ َ َ َ َ َ َ‬
‫لئِكةِ أ ِّن‬ ‫وح ربك إِِل ٱلم َٰٓ‬ ‫ثانياً‪ :‬نْص اهلل تعاىل ْلم بالرعب‪ ,‬قال تعاىل‪ { :‬إِذ ي ُ ِ‬
‫ذ َ َ َ ُ ْ ُّ َ َ‬ ‫َُ ْ َُ‬
‫ْ َ َ‬
‫ٱضبُوا فوق‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫ع‬‫ٱلر‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫ف‬‫ك‬ ‫ِين‬ ‫ٱَّل‬ ‫وب‬
‫ُُ‬
‫ل‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫ام‬ ‫ء‬ ‫كم َفثَبتُوا ْ ذٱَّل َ‬
‫ِين َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫مع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُذ‬ ‫ْ‬
‫ٱضبُوا مِن ُهم ك َب َنان ‪[ } 12‬االنفال‪.]52 :‬‬ ‫ٱلَع َناق َ‬
‫و‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪223‬‬ ‫خطبة بعنوان ‪( :‬رمضان شهر االنتصارات)‬
‫عنوانيف الصحيحني من حديث‬ ‫‪ ‬كام‬ ‫والنْص بالرعب من خصائص نبينا حممد‬
‫ب َم ِس َري َة َش ْه ٍر»‪.‬‬ ‫ت بِ ُّ‬
‫الر ْع ِ‬ ‫ُْص ُ‬
‫ْ‬
‫قال‪« :‬ن ِ‬ ‫أن النبي‬ ‫جابر بن عبد اهلل‬
‫‪:‬‬ ‫األول‬ ‫الباب‬ ‫‪1‬‬
‫ٱّلل ببَدر َوأَنتمُ‬
‫َص ُك ُم ذ ُ‬ ‫ثالثاً‪ :‬إمداد اهلل تعاىل ْلم باملالئكة‪ ,‬قال تعاىل‪َ { :‬ولَ َقد نَ َ َ‬
‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َُ ُ‬ ‫‪َ ُ َ‬‬ ‫سريته ذ ُ ْ ذ َ َ ذ ُ‬
‫يف َ ذ َ‬
‫ِي ألن يَكفِيَكم أن‬ ‫ٱّلل ل َعلكم تشك ُرون ‪ 123‬إِذ تقول ل ِل ُمؤ ِمن‬ ‫أذِلة فٱتقوا‬
‫َ ُ ْ ََذُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َنل َ‬‫كةِ ُم َ‬ ‫َ َ َ َٰٓ َ‬ ‫ُ ذ ُ َ ُّ ُ َ َ َ َ َ‬
‫ل إِن تص ِْبوا وتتقوا‬ ‫ِي ‪ 124‬بَ َٰٓ‬ ‫ي ِمدكم ربكم بِثلَٰثةِ ءالَٰف مِن ٱلملئ ِ‬
‫كةِ ُم َسوم َ‬ ‫َ َ َ َٰٓ َ‬ ‫ُ َ ُّ ُ َ َ َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫ِي‬ ‫ِ‬ ‫ويأتوكم مِن فورِهِم هَٰذا يمدِدكم ربكم ِِبمسةِ ءالَٰف مِن ٱلملئ ِ‬
‫‪[ } 125‬ال عمران‪. ]525 ,523 :‬‬
‫قال‪َ :‬بيْن ََام‬ ‫روى مسلم يف صحيحه برقم ‪ )5763‬من حديث ابن عباس‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش كِ َ‬ ‫ني َي ْو َمئِ ٍذ َي ْشتَدُّ ِيف َأ َث ِر َر ُج ٍل ِم َن املُْ ْ ِ‬
‫َر ُج ٌل ِم َن املُْ ْسلِ ِم َ‬
‫َض َبة‬ ‫ني َأ َما َم ُه‪ ,‬إ ْذ َسم َع َ ْ‬
‫خ َّر‬ ‫ش ِك َأ َما َم ُه َف َ‬ ‫ول‪َ :‬أ ْق ِد ْم َحيْ ُزو ُم ؛ َفنَ َظ َر إِ َىل املُْ ْ ِ‬ ‫س َي ُق ُ‬‫ار ِ‬‫ت ا ْل َف ِ‬ ‫ط َف ْو َق ُه‪َ ,‬و َص ْو َ‬ ‫بِالسو ِ‬
‫َّ ْ‬
‫رض‬ ‫ط‪َ ,‬ف ْ‬ ‫مس َت ْل ِقيا‪َ ,‬فنَ َظر إِ َلي ِه َفإِ َذا هو َقدْ ُخطِم َأ ْن ُفه‪ ,‬و ُش َّق وجهه ك ََرضب ِة السو ِ‬
‫اخ َ َّ‬ ‫ْ َ َّ ْ‬ ‫َ ْ ُُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ ْ‬
‫ك‬ ‫ت‪َ ،‬ذلِ َ‬ ‫َف َق َال‪َ « :‬صدَ ْق َ‬ ‫ث بِ َذل ِ َك َر ُس َ‬
‫ول اهللَِّ‬ ‫ار ُّي َف َحدَّ َ‬ ‫مج ُع‪َ ,‬ف َجا َء ْاألَن َْص ِ‬ ‫َذل ِ َك َأ ْ َ‬
‫رسوا َسبْ ِع َ‬
‫ني ‪.‬‬ ‫الس َام ِء ال َّثالِثَ ِة»‪َ ,‬ف َقتَ ُلوا َي ْو َمئِ ٍذ َسبْ ِع َ‬
‫ني‪َ ,‬و َأ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َمدَ د َّ‬
‫رابعاً‪ :‬فضل من شهد بدرا من الصحابة‪ ,‬واملالئكة عىل غريهم‪ ,‬روى البخاري يف‬
‫صحيحه برقم ‪ )3992‬من حديث معاذ بن رفاعة ابن رافع عن أبيه‪ ,‬وكان أبوه من‬
‫َف َق َال‪َ « :‬ما َت ُعدُّ و َن َأ ْه َل َبدْ ر فِيك ُْم؟ » َق َال‪:‬‬ ‫أهل بدر قال‪َ :‬جا َء ِج ْ ِرب ُيل إِ َىل النَّبِ ِّي‬
‫ك َم ْن َش ِهدَ َبدْ ًرا ِم َن املَْ َالئِك َِة‪.‬‬
‫ني‪َ - ،‬أ ْو كَلِ َم ًة ن َْح َو َها ‪َ -‬ق َال‪َ :‬وك ََذلِ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َأ ْف َض ِل املُْ ْسلم َ‬
‫خامساً‪ :‬أن من ُقتل منهم نال الفردوس األعىل‪ ,‬روى البخاري يف صحيحه برقم‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪224‬‬
‫رب ِاء َو ِه َي ُأ ُّم َح ِ‬
‫ار َث َة ْب ِن‬ ‫الر َب ِّي ِع بِن َْت ا ْل َ َ‬
‫‪ )2819‬من حديث أنس بن مالك ‪َ :¢‬أ َّن ُأ َّم ُّ‬
‫ار َث َة؟ َوكَا َن ُقتِ َل َي ْو َم َبدْ ٍر‪,‬‬ ‫َت النَّبِ َّي ‘ َف َقا َل ْت‪َ :‬يا نَبِ َّي اهللَِّ‪َ :‬أ َال ُحتَدِّ ُثنِي َع ْن َح ِ‬ ‫رسا َق َة َأت ِ‬
‫ُ َ‬
‫ت َع َليْ ِه ِيف‬ ‫اجتَ َهدْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ت‪َ ,‬وإِ ْن كَا َن َغ ْ َري َذل َك ْ‬ ‫رب ُ‬ ‫َأصابه سهم َغرب‪َ ,‬فإِ ْن كَا َن ِيف ْ ِ‬
‫اجلَنَّة َص َ ْ‬ ‫َ َُ َ ْ ٌ ْ ٌ‬
‫اب الْ ِف ْر َد ْو َس ْاأل َ ْع َىل»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ار َث َة! إَِّنا ِجنَا ٌن ِِف َْ ِ‬ ‫ا ْلبك ِ‬
‫َاء‪َ ,‬ق َال‪َ « :‬يا ُأ َّم َح ِ‬
‫اجلنَّة‪َ ،‬وإِ َّن ا ْبنَك َأ َص َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬
‫سادساً‪ :‬أن أهلها مغفور ْلم‪ ,‬ر وى اإلمام أمحد يف مسنده ‪)323 - 322 /3‬‬
‫وأصله يف الصحيحني أن‬ ‫برقم ‪ 7941‬بإسناد حسن من حديث أِب هريرة‬
‫قال‪« :‬إ َّن اهللََّ ا َّط َل َع َع َىل َأ ْه ِل َبدْ ر َف َق َال‪ :‬ا ْع َم ُلوا َما ِش ْئت ُْم َف َقدْ َغ َف ْر ُت َلك ُْم»‪.‬‬ ‫النبي‬
‫ألهل بدر أال يدخلوا النار‪ ,‬روى مسلم يف صحيحه‬ ‫سابعاً‪ :‬رجاء النبي‬
‫َي ْشكُو‬ ‫ب َجا َء َر ُس َ‬
‫ول اهللَِّ‬ ‫‪َ :‬أ َّن َعبْدا ِحلَاطِ ٍ‬ ‫برقم ‪ 2495‬من حديث جابر‬
‫ت َال‬
‫‪« :‬ك ََذ ْب َ‬ ‫ب الن ََّار‪َ ,‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ِ‬ ‫َحاطِبا‪َ ,‬ف َق َال‪َ ,‬يا َر ُس َ‬
‫ول اهللَِّ‬ ‫ول اهللَِّ َل َيدْ ُخ َل َّن َحاط ٌ‬
‫َيدْ خُ ُل َها‪َ ،‬فإِ َّن ُه َش ِهدَ َبدْ ًرا َو ُْ‬
‫احلدَ ْيبِ َي َة»‪.‬‬
‫بأنه لوال أهل بدر مل يصلنا اإلسالم‪ ,‬ولقيض عليه معهم‪,‬‬ ‫ثامنا‪ :‬إخباره‬
‫ك َه ِذ ِه ا ْل ِع َصا َب َة ِم ْن َأ ْه ِل ْ ِ‬
‫اإل ْس َال ِم َال‬ ‫بقوله‪ ..« :‬ال َّل ُه َّم إِ ْن ُ ُْتلِ ْ‬ ‫وذلك دعاؤه‬
‫ُت ْعبَدْ ِِف ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض»‪ .‬متفق عليه‬
‫َ ُُ ْ‬
‫تاسعاً‪ :‬أن اهلل أحل الغنائم ْل ذه األمة يف هذه الغزوة‪ ,‬قال تعاىل‪ { :‬فُكوا م ذِما‬
‫َ ُ َ َٗ َ ٗ َ ذُ ْ ذَ ذ ذَ َُ ذ‬
‫غن ِمتم حلََٰل طيِبا وٱتقوا ٱّلل إِن ٱّلل غفور رحِيم ‪[ } 69‬االنفال‪]69 :‬‬

‫عاشراً‪ :‬إخباره تعاىل عن نتيجة املعركة قبل بدئها‪ ,‬وذلك بالنْص للمؤمنني عىل‬
‫ذ ٓ َ َ َ ذ َ َ ُ َ َ َ ُّ َ َ ذ‬ ‫َ ُ ُ ُ ذُ َ‬
‫ي أنها لكم وتودون أن‬ ‫الكافرين‪ ,‬قال تعاىل‪ِ { :‬إَوذ يعِدكم ٱّلل إِحدى ٱلطائِفت ِ‬
‫‪225‬‬ ‫خطبة بعنوان ‪( :‬رمضان شهر االنتصارات)‬
‫كل َِمَٰتِهِۦ َويَق َط َع َدابرَ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ذ َ َ ُ ُ َ ُ َُ ُ ذُ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ٱْلق ب ِ‬ ‫‪‬عنوان‬‫ِق‬ ‫َي‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ٱّلل‬ ‫يد‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ي‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ون‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ك‬‫و‬ ‫ٱلش‬ ‫ات‬
‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫غي‬
‫ُ ذ َ ذ َ ُ َ َ َٰ َ َ َ َ َ ُ ُ َ‬ ‫كَٰفِر َ‬ ‫َ‬
‫رمون ‪[ } 8‬االنفال‪]8 ,7 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ج‬‫م‬ ‫ٱل‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ط‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ٱل‬ ‫ل‬ ‫ط‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ٱْل‬ ‫ق‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ْي‬
‫ِ‬ ‫‪7‬‬ ‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ٱل‬
‫ٍ‬ ‫‪:‬‬ ‫األول‬
‫ت فيها فِ َئ ٌة قليل ٌة عىل ٍ‬ ‫الباب‬ ‫‪1‬‬
‫كثرية كام قال ربنا‪:‬‬ ‫فئة‬ ‫انتْص‬
‫َ َ ْ‬ ‫ٍ‬
‫بدر‬ ‫ة‬‫ُ‬ ‫غزو‬ ‫هذه‬ ‫اإلسالم‪:‬‬ ‫إخوة‬
‫ذ َ ُ َ َٰ َ‬ ‫‪‬ف َِئتَي ٱِلَ َقتَا ف ِئَة ت ُ َقَٰت ِ ُل ف َ‬ ‫كم َءايَ‬ ‫سريته َ َ َ ُ‬ ‫يف َ‬
‫ى َكف َِرة‬ ‫يل ٱّلل ِ وأخر‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب‬‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ة‬ ‫{ قد َكن ل‬
‫َ َ َ َٗ ُ‬ ‫َ ََ ٓ ذ‬ ‫ي ٱل َعي َو ذ ُ‬
‫ٱّلل يُ َؤي ُد بنَ‬ ‫يَ َرو َن ُهم مِثلَيهم َرأ َ‬
‫ْبة ِل ْو َِّل‬ ‫َص ِۦ من يشا ُء إِن ِف ذَٰل ِك لعِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلع ِ‬
‫الء‬ ‫ين اهلل ُت َقاتِ ُل ِ ْ‬
‫بد ِ‬ ‫ٱلَب َصَٰر ‪[ } 13‬ال عمران‪ ]53 :‬انتْصت الفئ ُة القليل ُة ألهنا قائم ٌة ِ‬
‫ِ‬
‫كَلِمتِ ِه والدِّ فاع عن دينِه‪ ,‬فنْصها اهلل ¸‪ .‬فقوموا ِ‬
‫بد ْينِكَم ُّأهيا املسلمو َن لتُن َْْصوا عىل‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وصابِ ُروا َو َرابِ ُطوا واتقوا اهلل لع َّلك ُْم تفلِ ُحون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واص ِ ُ‬
‫ربوا َ‬ ‫أعدائكم‪ْ ,‬‬
‫العظيم يل ولكم ولسائر املسلمني من ّ‬
‫كل ذنب‪,‬‬ ‫َ‬ ‫أقول قويل هذا‪ ,‬وأستغفر اهلل‬
‫فاستغفرو ُه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫الخطبة الثانية ‪:‬‬
‫سمعه‬ ‫ِ‬ ‫احلق املبني‪ ,‬ال خيفى عىل‬
‫امللك ِّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الظاهر‬ ‫ِ‬
‫القاهر‬ ‫القوي املتني‪,‬‬ ‫احلمدُ هلل‬
‫ِّ‬
‫ذل لكربيائِه جبابر ُة السالطني‪,‬‬ ‫حركات اجلنِني‪َّ ,‬‬
‫ُ‬ ‫يعزب عن ِ‬
‫بْصه‬ ‫ِ‬
‫األنني‪ ,‬وال ُ‬ ‫خفي‬
‫ُّ‬
‫وأسأ ُله َم ُعو َن َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحك َُم احلاكمني‪ ,‬أمحده محْدَ الشاكرين‪ْ ,‬‬ ‫َو َقىض القضا َء بحكمته وهو ْ‬
‫األولني واآلخرين‪,‬‬ ‫رشيك له إِل ُه َّ‬
‫َ‬ ‫الصابِرين‪ ,‬وأشهد أ ْن ال إِله إال َّ اهلل وحده ال‬
‫در باملالئِ ِ‬
‫كة‬ ‫املنصور ب َب ٍ‬ ‫وأشهد أ َّن حممدا عبدُ ه ورسو ُله املص َط َفى عىل مجيع املرسلني‪,‬‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫سان إىل يو ِم الدين‪,‬‬ ‫صىل اهلل عليه وعىل آل ِ ِه وأصحابه والتابِعني ْلم بإح ٍ‬‫املنزلني‪َّ ,‬‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫وسلم تسليام‪.‬‬
‫أما بعد‪.‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪226‬‬
‫املبارك غزو ُة بدْ ٍر ا َّلتِي انتْص فيها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشهر‬ ‫فيا أيها المسلمون‪ :‬كام كان يف هذا‬
‫الثامن َِة من‬
‫األمني يف السن َِة ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫مكة ِ‬
‫البلد‬ ‫ِ‬ ‫مناره‪ ,‬كان فيه أيضا غزو ُة فتْحِ‬ ‫اإل ْسال ُم وعال ُ‬ ‫ِ‬

‫الشك األثِيم‪ ,‬وصار بلدا إسالميا َح َّل فيه‬ ‫ِ‬ ‫جر ِة فأن َق َذه اهلل هبذا الفتحِ العظي ِم ِم َن‬ ‫ِ‬
‫ْاْل َ‬
‫االستِ ْك َبار‪ ,‬أعلِن َْت فيه‬
‫واإلسال ُم عن ْ‬ ‫ِ‬ ‫واإل ْي َام ُن عن ال ُك ْف ِر‪,‬‬
‫ِ‬ ‫الش ِك‪,‬‬
‫التوحيدُ عن ِّ ْ‬
‫الشك فامْلا ب ْعدَ َذل ِ َك ان ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْجبَار‪,‬‬ ‫َ‬ ‫أوثا ُن‬ ‫عباد ُة الواحد ا ْل َق َّهار‪ ,‬وك َ‬
‫ُِس ْ‬
‫ت فيه ْ‬
‫نْص اهلل ودخل الناس يف ِ‬
‫دين اهلل أفواجا‪ ,‬وعا َد بلدُ اهلل بلدا‬ ‫تم ُ‬‫وهبذا ا ْل َفتحِ املُبِني َّ‬
‫إسالميَّا أ ْعلِ َن فيه بت َْو ِحيْ ِد اهلل وتصديق وتصديق رسوله وحتكيم كتابه ‪ ,‬وصارت‬
‫الدولة فيه للمسلمني واندحر الشك وتبدد ظالمه ‪ ,‬وهلل احلمد ‪ ,‬وذلك من فضل اهلل‬
‫عىل عباده إىل يوم القيامة ‪.‬‬
‫ومعه‬ ‫ويف سنة تسعة للهجرة يف شهر رمضان أيضا شهد رسول اهلل‬
‫املهاجرون واألنصار بدايات أحداث غزوة تبوك‪ ,‬والتي كان كانت آخر غزواته‬
‫‪ ‬ويف السنة الرابعة عشة من اْلجرة من شهر رمضان أيضا كانت معركة القادسية‬
‫‪ ,‬والتي تم فيها النْص املبني عىل‬ ‫بقيادة الصحاِب اجلليل سعد بن أِب وقاص‬
‫قيارصة الروم وامرباطوريتها اخلارسة ‪.‬‬
‫‪ ‬ويف سنة ثالث ومخسني من اْلجرة يف نفس الشهر فتح املسلمون جزيرة رودس‪,‬‬
‫‪ ‬ويف سنة إحدى وتسعني من شهر رمضان نزل املسلمون الشاط اجلنوِب من بالد‬
‫األندلس‪ ,‬ويف السنة التي تليها ى أي‪ :‬سنة اثنتني وتسعني للهجرة ى يف شهر‬
‫رمضان أيضا انتْص املسلمون بقيادة القائد املظفر طارق بن زياد عىل القوط‬
‫‪227‬‬ ‫خطبة بعنوان ‪( :‬رمضان شهر االنتصارات)‬

‫‪‬عنوان‬
‫والفرنجة‪ ,‬وكان ذلك متهيدا لفتح األندلس ‪.‬‬
‫‪ ‬يف سنة ثالث وتسعني للهجرة‪ ,‬ويف سنة مخسامئة وأربع وثامنني من اْلجرة يف شهر‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫رمضان كان صالح الدين األيوِب ¬ قد حقق االنتصارات تلو االنتصارات‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫عىل الصليبيني‪ ,‬ويف سنة ستامئة وثامنية ومخسني هجرية يف شهر رمضان ينتْص‬
‫املسلمون عىل التتار يف موقعة عني جالوت بقيادة القائد اإلسالمي قطز والظاهر‬
‫بيربس‪.‬‬
‫وما فت الزمان يدور حتىىىى *** مىض باملجىىىد قىىىىوم آخرون‬
‫وآملِنِي وآمل كىىىىى َّل حىىىىىر *** سؤال الدهر‪ :‬أين املسلمىىىون؟!‬
‫أيها المؤمنون! إن املتأمل حلركة املد واجلزر يف تاريخ األمة ال يعرتيه شك أن‬
‫األمة اليوم متر بأصعب أيامها وأشد أحواْلا‪ ,‬فإنه وإن كان قد نزل باألمة نكبات‬
‫وحلت هبا الكوارث واألزمات فإهنا مل تزل عىل ثقة بدينها ورهبا‪ ,‬معتزة باإلسالم‪,‬‬
‫فخ ورة باإليامن‪ ,‬لذا فإهنا رسعان ما وثبت من سباُتا وانقشعت كروهبا بمراجعة‬
‫دين رهبا‪.‬‬
‫أما اليوم‪ ,‬فإن كثريا من املسلمني ُأ ِصيبوا يف إيامهنم ودينهم‪ ,‬واجتمع عليهم‬
‫ك َأ ْن‬‫وش ُ‬ ‫حيث قال‪(( :‬ي ِ‬ ‫أعداؤهم‪ ,‬فرموهم عن قوس واحدة‪ ,‬كام أخرب النبي‬
‫ُ‬
‫تَدَ ا َعى َع َل ْيك ُُم األُ َم ُم ِم ْن ك ُِّل ُأ ُفق ك ََام تَدَ ا َعى األَ َك َل ُة َع َىل َق ْص َعتِ َها))‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْلنَا‪َ :‬يا‬
‫((أ ْنتُم يومئِذ كَثِري‪ ،‬ولَكِن َتكُونُو َن ُغثَاء َك ُغثَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اء‬ ‫ً‬ ‫ٌ َ ْ‬ ‫ول اهللَِّ‪َ ،‬أم ْن ق َّلة بِنَا َي ْو َمئذ؟! َق َال‪َ ْ َ ْ َ :‬‬ ‫َر ُس َ‬
‫جي َع ُل ِِف ُق ُلوبِك ُُم الْ َو ْه َن))‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْلنَا‪َ :‬و َما‬ ‫الس ْي ِل‪َ ،‬ينْت َِز ُع املَْ َها َب َة ِم ْن ُق ُل ِ‬
‫وب َعدُ ِّوك ُْم‪َ ،‬و َ ْ‬ ‫َّ‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪228‬‬
‫اهي ُة املَْو ِ‬
‫ت))‪ .‬رواه أبو داود وغريه وصححه‬ ‫ِ‬ ‫الْوهن؟ َق َال‪(( :‬حب َْ ِ‬
‫ْ‬ ‫احل َياة‪َ ،‬وك ََر َ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫األلباين‪.‬‬
‫جيسد هذا احلديث ويوضحه‪ ,‬فأعداد املسلمني كثرية‪ ,‬ولكنها‬
‫وواقع األمة اليو َم ّ‬
‫ال تفرح صديقا‪ ,‬وال ختيف عدوا‪ ,‬فهم غثاء كغثاء السيل‪ ,‬وأما أعداؤنا من اليهود‬
‫واملشكني والنصارى واملنافقني فقد مجعوا فلوْلم‪ ,‬ورصوا صفوفهم‪ ,‬ومجعوا‬
‫كلمتهم عىل حرب األمة وتدمريها وإذالْلا وهنب ثرواُتا‪.‬‬
‫فعلينا ى أهيا اإلخوة ى األخذ بأسباب النْص وسننه للخروج من مآِس اليوم‬
‫وحتقيق آمال الغد‪ ,‬فإن النْص ال ينزل اعتباطا‪ ,‬بل هو وفق سنن وقوانني مضبوطة‬
‫كسري الشمس‪.‬‬
‫فمن هذه السنن أن تعلم أن النْص من عند اهلل تعاىل‪ ,‬كام أخربنا موالنا حيث‬
‫ََ ذ ُ ذ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ‬ ‫قال‪ ُ َ َ َ َ َ :‬ذ ُ ذ ُ َ َٰ َ ُ‬
‫َص إَِل مِن‬ ‫ى لكم َوِلِ َط َمئ ِ ذن قلوبُكم بِهِۦ وما ٱنل‬ ‫{ وما جعله ٱّلل إَِل بّش‬
‫ٱْلكِي ِم ‪[ } 126‬ال عمران‪ , ]526 :‬فمهام طلبنا النْص من غريه أذلنا اهلل‬ ‫ذ‬
‫ٱّلل ِ ٱل َعزيز َ‬
‫ِ ِ‬ ‫عِن ِد‬
‫وخيب سعينا‪ ,‬وما أحوجنا إىل أن نجأر إىل اهلل تعاىل بام قاله األول‪:‬‬
‫فيا رب هل إال بك النْص يرجتى عليهم وهل إال عليك املعول؟!‬
‫ومن أسباب النصر‪ :‬أن ننْص اهلل تعاىل بأقوالنا وأعاملنا وقلوبنا‪ ,‬فإن اهلل تعاىل قال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ٓ ْ َ ُ ُ ْ ذ َ َ ُ ُ َ ُ َ‬
‫{ يأيها ٱَّلِين ءامنوا إِن تنَصوا ٱّلل ينَصكم ويثبِت أقدامكم ‪[ } 7‬حممد‪, ]7 :‬‬
‫ونْصنا هلل تعاىل يكون بتعظيم دينه وامتثال أمره وإعالء كلمته وحتكيم رشعه‬
‫ذذ‬ ‫واجلهاد يف سبيله‪ ,‬قال اهلل تعاىل يف بيان املستحقني للنْص‪ { :‬ذٱَّل َ‬
‫ِين إِن ذمكن َٰ ُهم ِف‬
‫‪229‬‬ ‫خطبة بعنوان ‪( :‬رمضان شهر االنتصارات)‬
‫ُ َ َ ذ َ َٰ َ ُ‬ ‫َََ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ْ ذ َ َٰ َ َ َ َ ُ ْ ذ َ َٰ َ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫عنوانهوا ع ِن ٱلمنك ِر و ِّلل ِ عقِبة‬
‫وف ون‬
‫‪ِ ‬‬‫ۡرض أقاموا ٱلصلوة وءاتوا ٱلزكوة وأمروا بِٱلمعر‬ ‫ٱل ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٱلمور ِ } [احلج‪.]45 :‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪ 1‬ومن سنن النْص أنه ٍ‬
‫آت ال حمالة للمؤمنني الصادقني‪ ,‬وأن التمكني لإلسالم‬
‫والعقبات‪ ,‬فالدين دين اهلل‪ ,‬واهلل نارص دينه وأولياءه‪ ,‬قال اهلل‬‫‪‬‬ ‫سريته رغم العوائق‬ ‫يفمتحقق‬
‫ُّ َ َ َ َ َ ُ ُ َ‬ ‫نَص ُر ُسلَنَا َو ذٱَّل َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫امنُوا ْ ِف َ‬
‫ٱْليَ َٰوة ِ ٱدلنيا ويوم يقوم ٱلشهد ‪} 51‬‬
‫َٰ‬ ‫ِين َء َ‬ ‫تعاىل‪ { :‬إِنذا َنلَ ُ ُ‬

‫[غافر‪ , ]55 :‬لكن هذا الوعد ال يعني أن ال يبتىل املؤمنون بالنكبات واألزمات‪ ,‬وال‬
‫يعني أن ال تصاب األمة باملصائب والكوارث‪ ,‬بل كل هذا ال بد منه‪ ,‬ليميز اهلل‬
‫َ َ ُ َ َ ُ ُ ْ َذَ ََذ َ ُ ذ َُ‬
‫اخلبيث من الطيب‪ ,‬قال اهلل تعاىل‪ { :‬أم حسِبتم أن تدخلوا ٱْلنة ولما يأت ِكم مثل‬
‫ول َو ذٱَّل َ‬
‫ِين‬
‫ُ ذ ذ ُ ُ َ َ ُٓ َ ذ ذُٓ َ ُ ُ ْ َ ذ َُ َ ذ ُ ُ‬ ‫ذ َ َ ْ‬
‫ِين َخلوا مِن َقبل ِكمن مستهم ٱْلأساء وٱلضاء وزلزِلوا ح َٰ‬
‫َّت يقول ٱلرس‬ ‫ٱَّل‬
‫َ َ ُ ْ َ َ ُ َ َ َٰ َ ُ ذ َ َ ٓ ذ َ َ ذ َ‬
‫ٱّلل ِ قرِيب } [البقرة‪.]254 :‬‬ ‫ءامنوا معهۥ مَّت نَص ٱّلل ِ أَل إِن نَص‬
‫وقد يبتيل اهلل تعاىل األمة بتأخري النْص أو متكني األعداء بسبب الذنوب‬
‫َ َ ُ ُ َ ذ َٰ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫َ َ ٓ َ َ‬
‫ّن هَٰذا‬ ‫صيبَة قد أ َصبتُم مِثليها قلتم أ‬
‫واملعايص‪ ,‬قال تعاىل‪ { :‬أ َول ذما أصَٰبَتكم م ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ذ ذ َ َ َ َٰ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ك َشء قدِير } [ال عمران‪. ]565 :‬‬ ‫َع‬ ‫ٱّلل‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ِك‬
‫س‬
‫ُ‬
‫نف‬ ‫أ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ِن‬
‫ع‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫قُل ُه َ‬
‫و‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فإذا أرصرت أنا وأنت عىل تقصرينا وذنوبنا فهل نرجو أن يصلح اهلل األحوال‬
‫ذ‬
‫ويرفع عنا هذا الذل والصغار واالنكسار؟! إن هذا ملن املحال‪ ,‬قال اهلل تعاىل‪{ :‬إِن‬
‫ٱّلل ب َقوم ُس ٓو ٗءا فَ ََل َم َر ذد ََلۥُ‬ ‫َٓ ََ َ‬
‫اد ذ ُ‬ ‫َ ذ َٰ ُ َ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ٱّلل ََل ُي َغ ُ‬
‫ذَ‬
‫ِ‬ ‫ي َما بِقو ٍم حَّت يغ ِيوا ما بِأنف ِ‬
‫سهِم ِإَوذا أر‬ ‫ِ‬
‫ال } [الرعد‪ ]55 :‬فإن مل يكن منا نزو ٌع عن الذنوب وإقالع‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َُ‬
‫وما لهم مِن دونِهِۦ مِن و ٍ‬
‫َََذ ْ‬
‫ونْص للدين وأهله‪ ,‬فإن اهلل ينْص دينه بغرينا‪ ,‬قال تعاىل‪ِ{ :‬إَون تتولوا‬ ‫ٌ‬ ‫عن املعايص‬
‫َ ً َ َ ُ ُ ذ َ َ ُ ُ ٓ ْ َ َ َٰ َ ُ‬ ‫َ‬
‫كم ‪[ } 38‬حممد‪. ]38 :‬‬ ‫يَستبدِل قوما غيكم ثم َل يكونوا أمثل‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪231‬‬
‫َْصنَا وعزتُنا وكرامتُنا ورفع ُة ِ‬
‫اإلسالم‬ ‫ِ‬
‫النْص ما به ن ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫أسباب‬ ‫ال َّل ُه َّم هييء لنا م ْن‬
‫كريم‬ ‫ِ‬
‫والعصيان إنك جوا ٌد‬ ‫ِ‬
‫الكفر‬ ‫و ُذل‬
‫ُ‬
‫جعلنا اهلل وإياكم من الذاكرين الشاكرين وغفر لنا ولكم وآلبائنا وأمهاتنا‬
‫وأزواجنا وذرياتنا وللمسلمني أمجعني‪.‬‬
‫اللهم أعنا عىل ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ‪,‬اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪,‬‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫اللهم ِ‬

‫واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬ ‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫َ‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫ربنا تقبَّل منا إنك أنت السمي ُع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫يب الدعوات‪ .‬ال َّل ُه َّم َر َّبنَا آتِنَا ِيف الدُّ ْنيَا َح َسنَة‪َ ,‬و ِيف ْاآل ِخ َر ِة َح َسنَة ‪,‬‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬ ‫سمي ٌع‬
‫ِ‬
‫َوقنَا َع َذ َ‬
‫اب النَّار‪.‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬
‫‪235‬‬ ‫خطبة بعنوان (ماذا بعد رمضان)‬

‫‪‬عنوان‬
‫األولال‪:‬إله إال اهلل وحده ال رشيك‬
‫وأشهد أن‬
‫تتم الصاحلات‪,‬الباب‬
‫احلمد هلل الذي بنعمته ُّ‬ ‫‪1‬‬
‫ُ‬
‫أفضل من‬ ‫رب األرض والساموات‪ ,‬وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا حممدا عبدُ ه ورسو ُله‬
‫له ُّ‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫صل وس ِّلم ِ‬
‫وبارك عليه وعىل آله وأصحابه أهل التقوى‬ ‫سار َع إىل اخلريات‪ ,‬اللهم ِّ‬
‫والصاحلات‪.‬‬
‫أما بعد‪,‬‬
‫سبب‬
‫ُ‬ ‫فيا أيها المسلمون! ُأوصيكم ونفيس بتقوى اهلل ‪ -‬جل وعال ‪-‬؛ فهي‬
‫عامل النجاح‪ ,‬وهي وسيل ُة الفوز يف الدنيا ويف اآلخرة‪َ {،‬و َمن يُ ِطعِ‬ ‫ُ‬ ‫الفالح‪ ,‬وهي‬
‫ذ َ َ َ ُ َ ُ َ َ َ ذ َ َ َ ذ َ ُ ْ َ َٰٓ َ ُ ُ َ ٓ ُ َ‬
‫لئِك هم ٱلفائِزون ‪[ } 52‬النور‪]52 :‬‬ ‫ٱّلل ورسوَلۥ ويخش ٱّلل ويتقهِ فأو‬
‫إخوة اإلسالم! إن من أعظم نعم اهلل تعاىل عىل عباده املؤمنني توفيقهم للطاعات‬
‫وفعل اخلريات من صيام وقيام و قراءة للقرآن وصدقة وغري ذلك من وجوه الرب‬
‫واإلحسان‪ ,‬ومن أعظم هذه النعم أن يبلغهم شهر رمضان‪ ,‬ذلك املوسم العظيم‬
‫احلافل بالربكات واْلدى والنور والفرقان‪ ,‬ذلك املوسم العظيم الذي تفتح فيه‬
‫أبواب اجلنان وتغلق فيه أبواب النريان‪ ,‬وهلل فيه عتقاء من النريان‪ ,‬نسأل اهلل أن‬
‫جيعلنا منهم‪.‬‬
‫عباد اهلل ! إن كان رمضان قد ودعنا فإن األعامل الصاحلة ال ُت َو َّدع‪,‬‬
‫من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد وىل ومن كان يعبد اهلل فإن اهلل حي ال‬
‫يموت ‪ ,‬بئس العبد ال يعرف اهلل إال يف رمضان ‪,‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪232‬‬
‫فمن ذاق حالوة الصيام واستشعر ذلك املعنى العظيم املنشود من وراء تشيع‬
‫الصيام‪ ,‬وهو حتقيق تقوى اهلل تعاىل‪ ,‬فالباب مفتوح ملواصلة العمل‪ ,‬والصيام ليس‬
‫صيام ست أيام من شوال‬ ‫قارصا عىل شهر رمضان‪ ,‬فقد سن لنا رسول اهلل‬
‫فقال‪(( :‬من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنام صام الدهر كله)) رواه مسلم‬
‫وذلك أن احلسنة بعش أمثاْلا فرمضان بثالثامئة والست بستني‪ ,‬وهذه عدة أيام‬
‫السنة‪ ,‬وس ّن لنا أيضا صيام ثالثة أيام من كل شهر حيث قال‪(( :‬ثالث من كل شهر‪،‬‬
‫ورمضان إىل رمضان‪ ،‬فهذا صيام الدهر كله)) رواه مسلم‪.‬‬
‫وأنواع الصيام املستحبة كثرية كصيام اإلثنني واخلميس ‪ ,‬وصيام تسع ذي‬
‫احلجة‪ ,‬وشهر اهلل امل حرم‪ ,‬وتاسوعاء وعاشوراء‪ ,‬وشعبان إال قليال ‪ ,‬فاملسلم يتعود‬
‫بصيام رمضان عىل هذه العبادة اجلليلة ليكون من أهلها ‪.‬‬
‫وهكذا لئن كانت الرتاويح قد انقىض وقتها فإن قيام الليل ما يزال مشوعا‬
‫أنه قال‪ (( :‬من قام ِف ليلة بعرش آيات م يكتب من الغافلني‬ ‫مرغبا فيه ‪ ,‬صح عنه‬
‫آية كتب من املقنطرين ))‬ ‫ومن قام ِف ليلة بامئة آية كتب من القانتني ومن قام بأل‬
‫سنن أِب داود ‪ )5398‬وصححه األلباين‪ ,‬ويف رواية ((كتب من الذاكرين اهلل‬
‫كثري ًا)) سنن الدارمي ‪ ,)3458‬ف واهلل إنه لغافل من غفل عن القيام بعش آيات‪.‬‬
‫أنه قال‪ (( :‬يا ع بد اهلل ال تكن مثل فالن كان يقوم الليل ثم‬ ‫صح عن النبي‬
‫ترك قيام الليل )) متفق عليه‪ ,‬فيا عباد اهلل ال تكونوا كمن كان يقوم الليل ثم ترك‬
‫‪ :‬أنه قال‪ (( :‬نعم الرجل عبد اهلل لو كان يقوم من‬ ‫قيام الليل ‪ ,‬وقد صح عنه‬
‫‪233‬‬ ‫خطبة بعنوان (ماذا بعد رمضان)‬

‫‪‬عنوان‬ ‫الليل )) متفق عليه‬


‫عباد اهلل ! دونكم الرواتب فالزموها وهي اث نتا عشة ركعة ‪ ,‬ركعتان قبل الفجر‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫وأربع قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد املغرب وركعتان بعد العشاء ‪ ,‬صح‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫‪((:‬من صىل هلل اثنتي عرشة ركعة بنى اهلل له بيتاً ِف اجلنة ))رواه مسلم‬ ‫عنه‬
‫قوله ‪ (( :‬أوتروا يا أهل‬ ‫والوتر يا عباد الرحمن فال تضيعوه! ‪ ,‬فقد ثبت عنه‬
‫القرآن فإن اهلل وتر حيب الوتر)) رواه أهل السنن وصححه االلباين‪.‬‬
‫ذَ ُ ْ َ َ ُ َ‬ ‫ذ َ‬ ‫ََ َ ذُ ُ‬
‫ول َتَٰي َٰ َ‬
‫ب إِن قو ِم ٱَّتذوا هَٰذا ٱلقر َءان‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫وكتاب اهلل فال ُتجروه! { وقال ٱلرس‬
‫َ‬
‫ج ٗ‬
‫ورا ‪[ } 30‬الفرقان‪ ]31 :‬وتدبروا معاين اهلل فيه‪.‬‬ ‫َمه ُ‬
‫وفعل اْلري فال ترتكوه! َ َ ُ ْ َ َ َ َ ذ ُ ُ ُ َ‬
‫ون۩ ‪[ } 77‬احلج‪, ]77 :‬‬ ‫{ وٱفعلوا ٱخلي لعلكم تفل ِح‬
‫أنفقوا من مال اهلل الذي آتاكم وجعلكم مستخلفني فيه فإن هلل مالئكة يقولون‪(( :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٓ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫اللهم ِ‬
‫وأعط ممسكاً تلفاً )) متفق عليه { َو َما أنفق ُتم مِن َشء ف ُه َو‬ ‫أعط منفقاً خلفاً‬

‫‪[ } 39‬سبا‪]39 :‬‬


‫ي ذ‬
‫ٱلرَٰزق َ‬
‫ِي‬ ‫ُُيل ُِف ُهۥ َو ُه َو َخ ُ‬
‫ِ‬
‫واعلموا رعاكم اهلل أن االستمرار عىل اْلري عالمة عىل قبول العمل يف رمضان‬
‫ٍ‬
‫لعمل صالح بعده كام قال بعضهم‪" :‬ثواب احلسنة‬ ‫فإن اهلل إذا تقبل عمل عبد وفقه‬
‫يقول‪ّ :‬أهيا املقبول هنيئا لك‪ّ ,‬أهيا‬ ‫احلسنة بعدها"‪ ,‬وكان عبد اهلل بن مسعود‬
‫يقول كذلك بعد‬ ‫جرب اهلل مصيبتك)‪ ,‬وكان أمري عيل بن أِب طالب‬
‫املردود َ‬
‫فنعزيه؟)‪,‬‬
‫انقضاء مواسم الطاعات‪ :‬ليت شعري من املقبول فنهنّيه‪ ,‬ومن املحروم ّ‬
‫وقد جعل اهلل تبارك وتعاىل لقبول العمل من اإلنسان عالمات يأنس هبا ويطمئن‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪234‬‬
‫إليها‪ ،‬منها‪:‬‬
‫األول‪ :‬ترك الذنوب بشكل دائم وعدم ال عودة إليها بعد التزام الطاعة‪ ,‬فالرجوع‬
‫إىل الذنب عالمة خسارة‪ ,‬فعىل اإلنسان أن يستعني باهلل ويعزم عىل عدم العودة إىل‬
‫املعصية هنائيا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اخلوف من عدم قبول العمل؛ فاملؤمن احلق هو الذي إذا عمل عمال صاحلا‬
‫يظل يناجي اهلل ويدعوه أن يتقبله‬ ‫كان مشفقا عىل نفسه خائفا من عدم قبول اهلل له‪ ,‬و ّ‬
‫ون َما ٓ َءاتَوا ْ ذوقُلُوبُ ُهم َوجلَ ٌة َأ ذنهمُ‬
‫يف تفسري آية‪ َ :‬ذ َ ُ ُ َ‬
‫{ وٱَّلِين يؤت‬ ‫منه‪ ,‬قال الرسول‬
‫ِ‬
‫َ َٰ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫قون‪َ ،‬و ُهم‬ ‫ذين يصومو َن ويص ُّلو َن ويتصدَّ َ‬ ‫جعون ‪[ } 60‬املؤمنون‪« ]61 :‬هم الَّ َ‬ ‫إ ِ َِٰل ربِهِم ر ِ‬
‫َ َ َٰ َ ُ َ َ َ َٰ ُ َ‬ ‫َيافون أن ال تُقب َل منهم‪َ ُ َٰ َ ُ َ َٰٓ َ ْ ُ ،‬‬
‫سبِقون ‪} 61‬‬ ‫ت وهم لها‬ ‫س ِرعون ِف ٱخلير ِ‬ ‫ُ { أولئِك ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫[املؤمنون‪» ]65 :‬رواه الرتمذي ‪)3575‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بطاعات بعدها كام سبق‪ ,‬فاهلل ´ يكرم عباده بأن يوفقهم إىل‬ ‫ثالثا‪ :‬إتْباع الطاعة‬
‫تقرهبم إليه سبحانه‪.‬‬
‫الطاعة بعد الطاعة واحلسنة بعد احلسنة‪ ,‬فيفتح ْلم بذلك أبوابا ّ‬
‫رابعا‪ :‬ترك ال ُعجب بالعمل وااللفتات إىل ِصغره أمام نِ َعم اهلل ¸ عىل اإلنسان‪,‬‬
‫وأهنم ال يقومون‬
‫وهذا حال املخلصني فهم يعلمون حق اهلل تبارك وتعاىل عليهم‪ّ ,‬‬
‫بّشء من هذا احلق العظيم‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬التع ّلق بالطاعة و ُبغض املعصية؛ فاهلل تعاىل احبّب الطاعة لقلوب عباده‬
‫ويكره إليهم املعايص واآلثام‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الذين يقبل أعامْلم‪,‬‬
‫سادسا‪ :‬اإلحلاح عىل اهلل بالدعاء مع الرجاء فيه؛ فاإلنسان احيا مع اهلل تبارك‬
‫‪235‬‬ ‫خطبة بعنوان (ماذا بعد رمضان)‬
‫عنوان عدم قبول العمل‪ ,‬ويرجو‬
‫فهو خياف‬
‫‪‬‬ ‫وتعاىل باخلوف والرجاء معا ال بأحدمها فقط‪,‬‬
‫ويتمسك بالدعاء لتحقيق ذلك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كذلك قبوله من رب العاملني‪,‬‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫سابعا‪ :‬ميل القلب للصاحلني وانقباضه للعاصني؛ فاهلل تعاىل ُاحبّب لقلوب عباده‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫املقبولني أهل الطاعات فيح ّبوهنم‪ ,‬ويب ّغض إليهم أهل املعايص‪ ,‬وهذا األصل يف‬
‫املؤمن أن احب هلل ويبغض هلل كذلك‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬اإلكثار من االستغفار‪ ,‬فكثري من ا لعبادات مطلوب أن خيتمها اإلنسان‬
‫باالستغفار؛ وذلك أل ّن اإلنسان مهام بلغ من االجتهاد يف الطاعات واحلرص عليها‬
‫مقْصا يف حق اهلل‪.‬‬ ‫ّ‬
‫يظل ّ‬
‫‪ ,‬وقد روت أم املؤمنني‬ ‫تاسعا‪ :‬االستمرار عىل الطاعة‪ ,‬فهذا هدي رسول اهلل‬
‫إذا عمل عمالً َأ ْث َبتَه)‬ ‫ُ‬
‫رسول اهللِ‬ ‫‪ ,‬قائلة‪( :‬كان‬ ‫عن رسول اهلل‬ ‫عائشة‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫ِ‬
‫العبد استقامتَه عىل طاعة اهلل ومواصلة األعامل الصاحلة‬ ‫فإ ّن من كامل إيامن‬
‫رشيك له‪,‬‬ ‫َ‬ ‫جل وعال إنّام خلقه لعبادته‪ ,‬خلقه ليعبده وحدَ ه ال‬ ‫اليقيني أ ّن اهلل ّ‬
‫ّ‬ ‫والعلم‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بطاعة اهلل‪ { ,‬ث ذم‬ ‫وليعمر هذه األرض‬
‫َ‬ ‫فرائضه ويقو َم بام أوجب عليه‪,‬‬ ‫َ‬ ‫لين ّفذ‬
‫َ ُ َ َ َ َ َُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َٰ ُ َ َ َٰٓ َ‬
‫ون ‪[ } 14‬يونس‪. ]54 :‬‬ ‫ۡرض مِن بع ِدهِم نلِ نظر كيف تعمل‬‫لئِف ِف ٱل ِ‬ ‫جعلنكم خ‬
‫طريق‬
‫ُ‬ ‫احلق بأ ّن هذا‬ ‫أيّها المسلم! إ ّن املستقيم عىل الّشء إنّام يستقيم عليه ِ‬
‫لعلمه ّ‬ ‫َ‬
‫وداوم عليه إيامنا باهلل وتعظيام ألوامره‪ ,‬ولذا أثنى اهلل‬ ‫َ‬ ‫احلق واْلدى‪ ,‬فاستقام عليه‬‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ ْ ََ َ ٌ ََ‬ ‫ذ ذ َ َ ُ ْ َ ُّ َ ذ ُ ُ‬
‫ٱّلل ث ذم ٱس َتقَٰ ُموا فَل خوف علي ِهم َوَل‬ ‫عىل املستقيمني بقوله‪ { :‬إِن ٱَّلِين قالوا ربنا‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪236‬‬
‫ُ َ َُ َ‬
‫ون ‪[ } 13‬االحقاف‪ , ]53 :‬استقاموا عىل هذا اإليامن فلم ينحرفوا عنه يمنة وال‬ ‫هم َيزن‬
‫ألهنم عىل يقني أ ّن هذا الطريق الذي سلكوه واستقاموا عليه هو الطريق‬
‫يِسة‪ ,‬ملاذا؟ ّ‬
‫احلق الذي أمرهم اهلل به‪.‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫بموت‬ ‫جل وعال جعل حيا َة املسلم ك َّلها طاعة له‪ ,‬وإنّام تنقيض األعامل‬
‫ور ّبنا ّ‬
‫ُ‬ ‫العبد ومفارقتِه الدنيا‪ ,‬قال سبحانه‪ َ ُ َ :‬ذ َ َ ذ َٰ َ َ َ‬
‫َّت يأت ِيك ٱْيَقِي ‪[ } 99‬احلجر‪:‬‬ ‫{ وٱعبد ربك ح‬
‫‪]99‬‬

‫أيها األحبة! إن أوامر القرآن كثري ٌة يف الدعوة إىل االستقامة عىل التقوى‪,‬‬
‫ت َو َمن تَابَ‬‫َ َٓ ُ َ‬ ‫َ‬
‫واالستمرار عىل اْلُدى‪ ,‬يقول ر ُّبنا ‪ -‬جل وعال ‪ { :-‬فٱس َتقِم كما أمِر‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ْ ذُ‬
‫صي ‪[ } 112‬هود‪ ]552 :‬وصايا عظيمة ر َّبانية‬ ‫معك َوَل تطغوا إِنهۥ ب ِ َما تع َملون ب ِ‬
‫األمر باإلقامة عىل أمور اإلسالم‪ ,‬والتزام منهج الدين‪ ,‬واالستمرار يف التقيُّد‬
‫َ‬ ‫تتضمن‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫زواجره عىل‬ ‫بقيوده‪ ,‬والوقوف عند ُحدوده‪ ,‬واالستجاب ُة ألوامره واالنتها ُء عن‬
‫األقوم‪.‬‬
‫َ‬ ‫الوجه األكمل والطريق‬
‫ٍ‬
‫وجيزة مجيلة املعنى قليلة‬ ‫ٍ‬
‫عبارات‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة ذات‬ ‫ٍ‬
‫بوصية‬ ‫ي ِ‬
‫ويص أ َّمتَه‬ ‫ورسو ُلنا‬
‫ُ‬
‫والتمسك بالصرب عىل الطاعات‬
‫ُّ‬ ‫املبنى‪ ,‬إهنا وصي ٌة تقتيض لزو َم االعتقاد الصحيح‪,‬‬
‫واجتناب املنه َّيات‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول اهلل! ِ‬
‫أوصني وقل يل يف‬ ‫جاء ُسفيا ُن بن عبد اهلل الثَّ َقفي إليه‬
‫ِ‬
‫استقم»؛‬ ‫أسأل عنه أحدا بعدك‪ ,‬فقال‪ُ « :‬قل‪ :‬آم ُ‬
‫نت باهلل‪ ،‬ثم‬ ‫ُ‬ ‫اإلسالم قوال ال‬
‫ُ‬
‫واحلديث يف "صحيح مسلم"‪.‬‬
‫‪237‬‬ ‫خطبة بعنوان (ماذا بعد رمضان)‬
‫عنوان َّية‪ ,‬وتضم ُن احليا َة الطيبة‬
‫‪‬ة الرض‬ ‫إهنا وصايا يف القرآن والسنة تك َف ُل ِ‬
‫العيش َ‬
‫ذ ذ َ َ ُ ْ َ ُّ َ ذ ُ ُ ذ َ َ َٰ ُ ْ‬
‫والسعادة األبدية‪ ,‬يقول ر ُّبنا ‪ -‬جل وعال ‪ { :-‬إِن ٱَّلِين قالوا ربنا ٱّلل ثم ٱستقموا‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫َ َ َ ذ ُ َ َ ُ َ َ َٰٓ َ ُ َ ذ َ َ ُ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ َ ُ ْ َ ذ ذ ُ ُ ُ َ ُ َ‬
‫تتَنل عليهِم ٱلملئِكة أَل َّتافوا وَل َتزنوا وأب ِّشوا بِٱْلنةِ ٱل َِّت كنتم توعدون ‪30‬‬
‫َ َ َ َ ٓ َ ُ ُ ُ‬ ‫َِ ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫‪‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سريته َ ٓ ُ‬
‫يف َ َ‬
‫ن ُن أو ِْياؤكم ِف ٱْليوة ِ ٱدلنيا و َِّف ٱٓأۡلخِرةن ولكم فِيها ما تشت َِه أنفسكم‬
‫َٰ‬ ‫َ‬
‫َُ ذ‬ ‫ُُٗ‬ ‫َ َ َذ ُ َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ولكم ف ِيها ما تدعون ‪ 31‬نزَل مِن غفور رحِيم ‪[ } 32‬فصلت‪]32 ,31 :‬‬

‫تفضل اهلل عليه باملُسارعة إىل اخلريات يف‬


‫فيا إخوة اإلسالم‪ :‬إنه ينبغي عىل من َّ‬
‫حق الشكر‪ ,‬ثم عليه أن يسري عىل‬ ‫احمد اهلل ‪ -‬جل وعال ‪ -‬وأن يشكُره َّ‬ ‫رمضان أن َ‬
‫الطريق املستقيم‪ ,‬وأن يزداد تقربا إىل املوىل العظيم‪ ,‬وأن يكون ِ‬
‫حذرا أشدَّ احلَ َذر من‬ ‫ُّ‬
‫حتصل‬‫إهداء حسناته لغريه‪ ,‬أو أن ي ُبو َء بفعله القبيح أن ي ُبو َء بسيئات غريه‪ ,‬وذلك ال ُ‬
‫السالم ُة منه إال بأن يصو َن لسانَه عن أعراض املسلمني‪ ,‬وأن يكون ِ‬
‫حذرا أشدَّ احلَ َذر‬ ‫ُ‬
‫من ِ‬
‫أذ َّية املؤمنني‪,‬‬
‫هكذا –أهيا الناس‪ -‬مضت الليايل مِس عة‪ ,‬باألمس كنا نستقبل رمضان‪ ,‬واليوم‬
‫نو ِّدعه‪ ,‬وال ندري هل نستقبله عاما آخر أم أن املوت أسبق إلينا منه‪ ,‬نسأل اهلل أن‬
‫يعيده عليها وعليكم أعواما عديدة وأزمنة مديدة‪.‬‬
‫وز ِّك نفوسنا وأقوالنا‬
‫اللهم وفقنا للقيام بطاعتك عىل الوجه الذي يرضيك عنا ‪َ ,‬‬
‫وأفعالنا وط ِّهرن ا من سوء العقيدة والقول والعمل ‪ ,‬إنك جواد كريم ‪,‬‬
‫أقول هذا وأستغفر اهلل يل ولكم إنه هو الغفور الرحيم‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪238‬‬
‫الخطبة الثانية ‪:‬‬
‫احلمد هلل الذي سلك بأهل االستقامة سبيل السالمة‪ ,‬أمحده سبحانه وأشكره‪,‬‬
‫وأتوب إليه وأستغفره‪ ,‬بوأ املتقني يف دار املقامة‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫رشيك له‪ ,‬شهادة أدخرها ليوم القيامة‪ ,‬وأشهد أن سيدنا ونبينا حممدا عبده ورسوله‪,‬‬
‫فاز من جعله إمامه‪ ,‬صىل اهلل وسلم وبارك عليه وعىل آله وأصحابه أهل الفضل‬
‫والكرامة‪ ,‬والتابعني ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فيا أيها المسلمون! االستقامة ك لمة جامعة تأخذ بمجامع الدين‪,‬‬
‫االستقامة قيام بني يدي اهلل بام أمر اهلل‪ ,‬والتزام بالصدق مع اهلل‪ ,‬ووفاء بالعهد‬

‫مع اهلل‪ ,‬فاالستقامة‪ :‬هلل وباهلل وعىل أمر اهلل { َقا ُلوا َر ُّبنَا اهللَُّ ُث َّم ْ‬
‫اس َت َق ُاموا}‬
‫[األحقاف‪ ]53:‬فكام استقاموا إقرارا استقاموا إرسارا‪ ,‬وكام استقاموا قوال استقاموا‬
‫عمال‪ ,‬لقد مجعوا بني أصيل الكامل يف اإلسالم‪ :‬اإليامن واالستقامة‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬االستقامة شاقة عىل النفس ؛ فالنفس معها حتتاج إىل املراقبة‬
‫واملالحظة‪ ,‬استقامة ال تتأثر باألهواء‪ ,‬استقامة حتقق العدل والتوحيد‪ ,‬استقامة بعيدة‬
‫عن املجاوزة والطغيان‪,‬‬
‫‪ " :‬االستقامة‪ :‬أن تستقيم عىل األمر والنهي وال تروغ‬ ‫يقول الفاروق عمر‬
‫روغان الثعلب‪.‬‬
‫إذ‬ ‫لعبد اهلل بن عمرو بن العاص‬ ‫وأوضح من ذلك وأبلغ إرشاد النبي‬
‫‪239‬‬ ‫خطبة بعنوان (ماذا بعد رمضان)‬
‫رت ُت ُه إِ َىل ُسنَّتِي َف َقدْ َأ ْف َل َح ‪،‬‬
‫عنوان َف ْ َ‬
‫َت‬ ‫رت ٌة ‪َ ،‬ف َم ْن‬
‫‪ ‬كَان ْ‬ ‫رشة َف ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رش ٌة ‪َ ،‬ولك ُِّل َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال له‪ « :‬لك ُِّل َع َمل َّ‬
‫ك »رواه أمحد وهو صحيح‪.‬‬ ‫ك َف َقدْ َه َل َ‬ ‫ري َذلِ َ‬
‫َت إِ َىل َغ ْ ِ‬‫َو َم ْن كَان ْ‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫ويقول بعض السلف‪ :‬ما أمر اهلل بأمر إال وللشيطان فيه نزعتان‪ ,‬إما إىل تفريط‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وإما إىل جماوزة‪ ,‬وال يبايل بأهيام ظفر‪ ,‬زيادة أو نقصانا‪.‬‬
‫وإذا تفكّر اإلنسان ِف سبب عو دته الرسيعة للمعايص بعد رمضان‪ ,‬جيد أ ّن انفالت‬
‫الشياطني التي كانت ُمص َّفدة يف رمضان تعدّ من أهم هذه األسباب‪ ,‬فالشيطان‬
‫حريص عىل دخول اإلنسان إىل النار‪ ,‬وهو يعمل ّ‬
‫كل ما يف وسعه من أجل إقناعه‬
‫بفعل املعايص واقرتاف اآلثام‪ ,‬ويغتاظ كل الغيظ بعد انتهاء رمضان ملّا يعلم أ ّن اهلل‬
‫´ قد غفر للمسلم الطائع يف رمضان ذنوبه كلها‪ ,‬فيبدأ رحلة جديدة من الوسوسة‬
‫والعمل عىل دفع املسلم للعصيان وال ُبعد عن طريق اهلل ¸‪,‬‬
‫وحتى يتمكّن اإلنسان من دفع مكائد الشيطان هذه فال بدّ له من الثبات بعد‬
‫رمضان‪ ،‬واالستمرار عىل الطاعة‪ ،‬واحلرص عىل العب ادات‪ ،‬وأول ما عىل اإلنسان‬
‫فعله حتى يتم ّك ن من الثبات أن حيافظ عىل عزيمته‪ ،‬فاإلنسان ِف رمضان يكون ممتلئاً‬
‫بالطاقة اإلجيابية والعزيمة عىل بذل اجلهد والوسع ِف أداء العبادات‪ ،‬لذلك هنى اهلل‬
‫´ عباده املؤمنني أن يكونوا مثل من قضت وقتا طويال تغزل الصوف لتصنع منه‬
‫ََ َ ُ ُ ْ‬
‫ثم قامت بح ّله فجأة عندما قارب عىل االنتهاء‪ ,‬قال تعاىل‪ { :‬وَل تكونوا‬ ‫ملبسا‪ّ ,‬‬
‫َ ُ ذ َ َ َٰ ٗ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ذ ََ َ‬
‫د قوةٍ أنكثا } [النحل‪]92 :‬‬ ‫كٱل َِّت نقضت غزل َها مِن بع ِ‬
‫ويشبه ذلك حال من يعودون رسيعا بعد رمضان إىل املعايص والذنوب‪,‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪241‬‬
‫ويرتكون أشكال الطاعات كلها التي كانوا قد أحسنوا غزْلا يف رمضان بكل طاقتهم‬
‫ووسعهم‪ ,‬إال ّأهنم ينقضوهنا مبارشة مع غروب شمس آخر أيام رمضان‪.‬‬
‫أيها اإلخوة المؤمنون‪ :‬األمر خطري فبعض الناس قد ال يفوته علم أو عبادة‪,‬‬
‫ولكن يفوته التوفيق والصواب‪.‬‬
‫استقامة يف اقتصاد‪ ,‬وعمل بعد علم‪ ,‬وإخالص يف القلب‪ ,‬ومتابعة للسنة‪,‬‬
‫اقتصاد يعصم عن بدعة التفريط واإلضاعة‪ ,‬واحفظ من حد الغلو واإلرساف‬
‫بقوله‪:‬‬ ‫لع َظم األمر ِ‬
‫ود َّق ته فقد وجهكم نبيكم حممد‬ ‫واملجاوزة‪ ,‬ونظرا ِ‬

‫{استقيموا ولن َتصوا} رواه ابن ماجه وصححه األلباين وبقوله‪{ :‬سددوا‬
‫يموا إِلَ ْي ِه‬ ‫وقاربوا} متفق عليه وقبل ذلك‪ :‬أمركم ربكم ¸ بقوله‪َ { :‬ف ِ‬
‫استَق ُ‬
‫ْ‬
‫اس َتغ ِْف ُرو ُه} [فصلت‪.]6:‬‬
‫َو ْ‬
‫فاملطلوب االستقامة وهي السداد واإلصابة ‪ ,‬فإن مل يقدر فليجتهد يف املقاربة‬
‫استغفار‬
‫ٌ‬ ‫وليستغفر اهلل‪ ,‬فإن نزل عن ذلك فاخلوف عليه من التفريط واإلضاعة‪,‬‬
‫مقارن ملسرية االستقامة وجرب للنقص البشي‪ ,‬وتسديد للقصور اإلنساين‪ ,‬استغفار‬
‫ذ َ َٰ َ‬ ‫ََ‬
‫وتوبة تعيدان إىل جادة االستقامة‪ ,‬وتردان إىل مسلك احلق والعدل‪ { :‬وأق ِ ِم ٱلصلوة‬
‫َ َٰ ذ‬
‫ِلذَٰكِر َ‬
‫ين‬ ‫ل‬ ‫ى‬ ‫ر‬‫ِك‬ ‫ذ‬
‫َ َٰ َ‬
‫ِك‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ات‬
‫ِ‬ ‫ٱلس َ‬
‫ي‬ ‫َِب ذ‬ ‫ِ‬ ‫َط َر ََّف ٱنلذ َهار َو ُزلَ ٗفا م َِن ذٱْيل إ ِ ذن َ‬
‫ٱْل َس َنَٰت يُذه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫يع أج َر ٱل ُمح ِ َ‬ ‫َ ذ ذَ َ‬
‫سنِي ‪[ } 115‬هود‪]555 ,554 :‬‬
‫ض ُ‬‫ٱّلل َل يُ ِ‬ ‫‪َ 114‬وٱص ِْب فإِن‬
‫ويف الصحيح‪ {:‬وأتبع السيئة احلسنة َتحها} استقامة مقرونة باستغفار‪ ,‬ا يعني‬
‫يقظة دائمة‪ ,‬وحماسبة صادقة‪ ,‬وضبطا لالنفعاالت البشية‪.‬‬
‫‪245‬‬ ‫خطبة بعنوان (ماذا بعد رمضان)‬
‫عنوانمدار حتقيق االستقامة عىل‬
‫‪ -‬فإن‬‫إذا كان األمر كذلك ‪-‬أهيا اإلخوة املسلمون‬
‫وج هها يكون بحفظ القلب واللسان‪ ,‬فقد جاء عند أمحد وصححه األلباين من‬
‫الباب األول‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫أنه قال‪ « :‬ال يستقيم إيامن عبد حتى يستقيم قلبه‪،‬‬ ‫‪ :‬عن النبي‬ ‫حديث أنس‬
‫يف سريته ‪‬‬
‫وال يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه»‪.‬‬
‫‪« :‬أسألك قلباً سلي ًام‪ ،‬ولساناً صادقاً» رواه‬ ‫ولقد كان من دعاء نبيكم حممد‬
‫الطرباين يف الكبري انظر الصحيحة ‪. 3228‬‬
‫فمن صلح قلبه استقام حاله فلم ينظر ببْصه إىل حمرم‪ ,‬ومل ينطق لسانه بمأثم‪,‬‬
‫ومل تبطش يده يف مظلمة‪ ,‬ومل ينهض بقدمه إىل معصية‪ ,‬واألعضاء كلها تكفر اللسان‪,‬‬
‫وتقول له يف مطلع كل صباح‪ « :‬اتق اهلل فإنام نحن بك فإن استقمت استقمنا‪ ،‬وإن‬
‫‪ .‬مرفوعا وموقوفا انظر‬ ‫اعوججت اعوججنا» هبذا ثبت اخلرب عن رسول اهلل‬
‫صحيح الرتغيب ‪.2875‬‬
‫حسن عاقبتنا وخامتتنا يف األمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا واآلخرة ‪,‬‬‫اللهم ِّ‬
‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم‬ ‫أع َّز اإلسالم واملسلمني‪ ,‬اللهم ِ‬
‫اللهم ِ‬
‫واملسلمني‪ِ ,‬‬
‫وأذ َّل الشك واملشكني‪ ,‬ود ِّمر أعداء الدين‪ ,‬واجعل هذا البلد آمنا‬
‫مطمئنًّا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫احقن دماءهم‪ِ ,‬‬
‫وأدم أمنَهم‬ ‫أحوال املسلمني يف كل مكان‪ ,‬اللهم ِ‬
‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫َ‬
‫وأماهنم‪.‬‬
‫َ‬
‫يا حي يا قيوم‪ ,‬يا ذا اجلالل‪ ,‬برمحتك نستغيث‪ ,‬فال تكِلنا إىل أنفسنا طرف َة ٍ‬
‫عني‪,‬‬
‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪242‬‬
‫وأصلِح لنا شأننا ك َّله‪ ,‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ,‬يا ذا ال َّطول واإلنعام‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪,‬‬
‫ُ‬ ‫ربنا تقبَّل منا إنك أنت السمي ُع العليم‪ ,‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫واغفر لنا ولوالدينا وجلميع املسلمني واملسلامت األحياء منهم واألموات‪ ,‬إنك‬
‫يب الدعوات‪.‬‬
‫قريب ُجم ُ‬
‫ٌ‬ ‫سمي ٌع‬
‫صل عىل حممد وعىل آله وأزواجه وذريته‪ِ ,‬‬
‫وبارك عىل حممد وآله وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫كت عىل آل إبراهيم يف العاملني‪ ,‬إنك محيدٌ جميد‪.‬‬
‫بار َ‬
‫وذريته‪ ,‬كام َ‬

‫‪‬‬
‫‪243‬‬ ‫خطبة بعنوان (ماذا بعد رمضان)‬

‫عنوان‬
‫الصفحة‬
‫‪‬‬ ‫املوضوع‬

‫الباب األول‪:‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪1‬‬
‫املقدمىىىىة‬

‫‪7‬‬ ‫‪‬‬ ‫خطبةسريته‬


‫استقبال شهر رمضان)‬ ‫يف‬
‫خطبة بعنوان ِ‬
‫‪25‬‬ ‫احلكَم والفوائد يف الصيام)‬

‫‪34‬‬ ‫خطبة بعنوان رمضان شهر القرآن)‬

‫‪44‬‬ ‫خطبة بعنوان أسباب التجارة الرابحة)‬

‫‪55‬‬ ‫خطبة بعنوان رمضان شهر فتح أبواب اجلنان)‬

‫‪65‬‬ ‫خطبة بعنوان فضل العش األواخر ووظائفها)‬

‫‪76‬‬ ‫خطبة بعنوان ختام شهر رمضان)‬

‫‪87‬‬ ‫خطبة بعنوان عيد الفطر املبارك)‬

‫‪95‬‬ ‫اجلزء الثاين‬

‫‪97‬‬ ‫خطبة بعنوان إحتاف األنام بأحكام الصيام‬

‫‪519‬‬ ‫خطبة بعنوان أعظم الصائمني أجرا)‬


‫خطب ومواضيع رمضانية‬ ‫‪244‬‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬

‫‪522‬‬ ‫خطبة بعنوان رمضان شهر اجلود واإلحسان)‬

‫‪535‬‬ ‫خطبة بعنوان غنيمة رمضان الدعىىىىىىاء)‬

‫‪548‬‬ ‫خطبة بعنوان التذكري بشعرية الزكاة)‬

‫‪559‬‬ ‫خطبة رمضان شهر العتق من النريان)‬

‫‪571‬‬ ‫خطبة بعنوان رس رمضان يف العشاألواخر)‬

‫‪585‬‬ ‫خطبة بعنوان خطبة عيد الفطر)‬

‫‪593‬‬ ‫اجلزء الثالث‬

‫‪595‬‬ ‫خطبة بعنوان الوسائل الغتنام أفضل املواسم)‬

‫‪217‬‬ ‫خطبة بعنوان فضائل الصوم اخلطبة األوىل‬

‫‪258‬‬ ‫خطبة بعنوان رمضان شهر االنتصارات)‬

‫‪235‬‬ ‫خطبة بعنوان ماذا بعد رمضان)‬

You might also like