الوكالة في التطليق بالمغرب بالنسبة للمهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 29

‫ظاهرة التطليق‬

‫بين إكراهات الو اقع واملمارسة القضائية‬


‫‪-‬الجزء األول‪-‬‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﻜﺘﺎب‬
‫ﻇﺎ ﺮة اﻟﺘﻄﻠﻴﻖ‬
‫ﺑ ن إﻛﺮا ﺎت اﻟﻮاﻗﻊ واﳌﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ‬
‫‪-‬ا ﺰء ول‪-‬‬
‫إﻋﺪاد‬
‫اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺤﺮوك‬
‫اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻮﻣ ـ ـ ـ ـﻦ‬
‫اﻟﻄﺒﻌﺔ‬
‫و ‪1444‬ه – ‪2023‬م‬

‫ﻳﺪاع اﻟﻘﺎﻧﻮ ﻲ‬
‫‪2023MO2786‬‬

‫ردﻣﻚ‬
‫‪978-9920-9963-6-5‬‬
‫اﻟﻄﺒ ــﻊ‬

‫ﺟﻤﻴﻊ ا ﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‬


‫ﻇﺎ ﺮة اﻟﺘﻄﻠﻴﻖ‬
‫ﺑ ن إﻛﺮا ﺎت اﻟﻮاﻗﻊ واﳌﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ‬
‫‪-‬ا ﺰء ول‪-‬‬

‫إﻋ ــﺪاد‬
‫اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺤﺮوك‬
‫اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻮﻣﻦ‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫الفهرس‬
‫‪7‬‬ ‫كلمة السيد الرئيس األول ملحكمة االستئناف بآسفي‬
‫‪13‬‬ ‫كلمة السيد منسق املشروع البحثي ومنسق ماستر الدراسات القانونية املدنية‬
‫‪15‬‬ ‫كلمة السيدمنسق ماستر قانون االسرة وقواعد الفقه املالكي‬
‫‪17‬‬ ‫التطليق للزواج بأخرى في القانون املغربي‬
‫الدكتور محمد مومن‬
‫‪43‬‬ ‫وجهة نظر حول اشكاالت التطليق للشقاق‬
‫األستاذ محمد الشتوي‬
‫‪57‬‬ ‫أحكام املتعة والتعويض في قضايا التطليق للشقاق‬
‫الدكتورة أمينة ايت حسين‬
‫‪81‬‬ ‫الحماية القضائية االستعجالية للمحضون على ضوء مدونة األسرة وتوجهات العمل القضائي‬
‫الدكتورة وفاء جوهر‬
‫‪103‬‬ ‫اإلجراءات املسطرية لدعاوى التطليق‬
‫الدكتور عبد العزيز إدزني‬
‫‪123‬‬ ‫أزمة منظومة القيم ودورها في تنامي ظاهرة التطليق‬
‫الدكتور سليمان المقداد‬
‫‪151‬‬ ‫صلة الرحم باملحضون بين القانون والواقع‬
‫الدكتورة نادية أيوب واألستاذ محمد معروف‬
‫‪171‬‬ ‫النظام القانوني للطالق والتطليق في التشريع املغربي والفرنس ي‬
‫الدكتور عادل العابد و ذ‪ .‬حما لغويزي‬
‫‪195‬‬ ‫التعويضات العائلية واملصاريف االستثنائية بعد انفصام العالقة الزوجية‬
‫الدكتور هشام المراكشي‬
‫‪213‬‬ ‫الوكالة في التطليق باملغرب بالنسبة للمهاجرين املغاربة املقيمين بالخارج‬
‫الدكتورمصطفى سدني‬
‫‪235‬‬ ‫مسطرة الشقاق في ميزان الزمن القضائي بين تهمة تسهيل فك الزوجية واإلجراء الوقائي املتدرج‬
‫الدكتورة أمال ناجي‬

‫‪5‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫‪247‬‬ ‫سكنى املحضون بين مقتضيات مدونة األسرة وقانون الكراء السكني‬
‫الدكتور عـزيـز الـعــروي‬
‫‪269‬‬ ‫اإلجراءات املسطرية لدعوى التطليق لعدم اإلنفاق‬
‫الدكتورة سناء ساخي‬
‫‪287‬‬ ‫التطليق للضرر على ضوء العمل القضائي‬
‫الدكتور اسمــــاعيل اكــــرام‬
‫‪319‬‬ ‫ظاهرة التطليق بين الواقع و القانون ‪ -‬قسم قضاء األسرة باليوسفية نموذجا ‪-‬‬
‫ذ‪ .‬عزيز فاكس‬
‫محاولة في تحليل مدى تأثير التطليق للشقاق على الحقوق املالية ألفراد األسرة‪ -‬دراسة على ضوء العمل‬
‫‪353‬‬ ‫القضائي‬
‫ذ‪ .‬هشام منعم‬
‫االشكاالت العملية ملسطرة تذييل األحكام األجنبية القاضية بإنهاء العالقة الزوجية بالصيغة التنفيذية ‪-‬‬
‫‪369‬‬ ‫املحكمة االبتدائية بمراكش نموذجا‪-‬‬
‫ذة‪ .‬سكينة الشرايبي القعدود‬
‫‪385‬‬ ‫قراءة في بعض إشكاالت التطليق للغيبة‬
‫ذ‪ .‬موالي إسماعيل العلوي‬
‫‪407‬‬ ‫التعويض عن التطليق‬
‫ذ‪ .‬عبد الجليل اجبوحة‬
‫‪427‬‬ ‫التوازن اإلجرائي في دعوى التطليق للشقاق‬
‫ذ‪ .‬محمد األمين بنزغار‬
‫‪445‬‬ ‫التطليق للضرر وإشكالية إثباته‬
‫ذة ‪ .‬هند نوار‬
‫‪453‬‬ ‫تطليق الزوجة الحامل في القانون املغربي‬
‫ذ‪ .‬عبد الهادي عزيز‬
‫‪469‬‬ ‫دور الحكمين في اإلصالح بين الزوجين‬
‫ذ‪ .‬مروان عباسي‬
‫‪479‬‬ ‫حماية الطفل بعد التطليق‪ :‬الحضانة نموذجا‬
‫ذة‪ .‬منال خرازي‬
‫‪6‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫الوكالة في التطليق باملغرب بالنسبة للمهاجرين املغاربة‬


‫املقيمين بالخارج‬
‫الدكتور مصطفى سدني‪1‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫تشكل األحوال الشخصية للجالية املغربية املقيمة بالخارج عموما وانحالل ميثاق‬
‫الزوجية خاصة مجاال خصبا للتنازع بين أنظمة قانونية علمانية وأنظمة قانونية إسالمية‪،‬‬
‫فقد يرفض القاض ي األجنبي عددا من املؤسسات االسالمية العتبارها مخالفة لنظامه‬
‫العام‪ ،‬كما هو الشأن مثال باإلرث‪ ،‬الكفالة‪ ،‬الطالق والتطليق‪ ...‬كما أن القاض ي املغربي ال‬
‫يتردد بدوره في رفض مؤسسات القانون األجنبي العتبارها مخالفة للنظام العام املغربي‪،‬‬
‫األمر الذي يترجم املساعي الدائمة التي تسعى إلى استيعاب أفراد الجالية املغربية باملهجر‬
‫من قبل دول االستقبال من جهة‪ ،‬وبين البلد األصلي (املغرب) الذي يسعى إلى تقوية‬
‫الروابط الثقافية والهوية الوطنية بينه وبين مغاربة العالم‪.2‬‬
‫وإذا كانت مصلحة املغرب كبلد هجرة في ضمان استدامة الروابط الوطنية مع‬
‫املهاجرين املقيمين بالخارج‪ ،‬فإن الواقع العملي أضحى يمارس ضغوطات على املشرع املغربي‬
‫من أجل استيعاب الوضعيات القانونية املستجدة ألفراد الجالية املغربية بالخارج وخاصة‬

‫‪ - 1‬أستاذ باحث بالكلية متعددة التخصصات بأسفي‪.‬‬


‫‪ -2‬حسب إحصائيات املندوبية السامية للتخطيط (‪ )HCP‬في شأن نتائج البحث الوطني حول الهجرة الدولية لسنة‬
‫‪:2019/2018‬‬
‫‪ %20 -‬من املهاجرين املغاربة هاجروا إلى الخارج بسبب متعلق بالتجمع العائلي والزواج‪.‬‬
‫‪ % 75 -‬من املهاجرين املغاربة مستقرون مع أزواجهم بالخارج‪ ،‬و ‪ %24‬من زوجات املهاجرين مستقرون‬
‫مع باملغرب‪.‬‬
‫‪ % 33.6 -‬من املهاجرين املغاربة غير متزوجين‪ %62.4 ،‬منهم متزوجون و ‪ % 3.8‬منهم مطلقون‪.‬‬
‫‪ %19 -‬من املهاجرين املغاربة الذكور متزوجون من أجنبيات من جنسيات مختلفة‪.‬‬
‫‪ %10 -‬من املهاجرين املغاربة بالخارج ينتمون إلى جهة مراكش – أسفي‪.‬‬
‫‪ -‬وحسب مونوغرافيا جهة مراكش – أسفي الصادرة عن املندوبية السامية للتخطيط (اإلحصاء العام‬
‫للسكن والسكنى ‪:)2014‬‬
‫‪ -‬عدد سكان الجهة‪ 4520569 :‬منها ‪ 691983‬تنتمي إلقليم أسفي‪.‬‬
‫‪ -‬نسبة املطلقين بالجهة‪.% 2 :‬‬
‫‪213‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫ما تعلق منها بإبرام عقود الزواج وانحاللها‪ ،‬سواء بالطالق أو التطليق‪ ،‬والتي شكلت أهم‬
‫مستجد ملدونة األسرة‪.‬‬
‫وهكذا أجازت مدونة األسرة للمغاربة املقيمين بالخارج أن يبرموا عقود زواجهم‬
‫وفقا لإلجراءات اإلدارية املحلية لبلد إقامتهم مع احترام مجموعة من الشروط املنصوص‬
‫عليها في املادة ‪ 14‬منها‪ .‬كما أن املشرع يجيز طلب الصيغة التنفيذية بالنسبة لألحكام‬
‫القضائية الصادرة عن املحاكم األجنبية بالطالق أو التطليق أو الخلع أو الفسخ‪ ،‬إذا‬
‫صدرت عن محكمة مختصة وأسست على أسباب ال تتنافى مع التي أقرتها املدونة إلنهاء‬
‫العالقة الزوجية (املادة ‪.)128‬‬
‫فإذا كانت املادة ‪ 128‬من مدونة األسرة قد أحالت بدورها على مقتضيات املواد‬
‫‪ 432 ،431 ،430‬من قانون املسطرة املدنية‪ ،‬فإن من شأن ذلك تعقيد املساطر‬
‫واإلجراءات املتعلقة بالطالق والتطليق الخاصة بأفراد الجالية املغربية بالخارج وكذا أمام‬
‫موظفي القنصليات والقضاة امللحقون بالبعثات الدبلوماسية على السواء‪ .‬وإذا كان األمر‬
‫كذلك بالنسبة للتصرفات القانونية املبرة بالخارج‪ ،‬فإن هؤالء املهاجرين املغاربة يواجهون‬
‫نفس الصعوبات بالنسبة للتصرفات القانونية املبرة داخل املغرب‪ ،‬وخاصة ما تعلق منها‬
‫بإجراءات إنهاء الرابطة الزوجية عن طريق التوكيل‪.‬‬
‫ومن هذا املنطلق‪ ،‬تعتبر الوكالة في التطليق من صور التصرفات التي يمكن للفرد‬
‫القيام بها قصد إنهاء العالقة الزوجية‪ ،‬وهو كذلك من التصرفات التي تثير إشكاالت فقهية‬
‫وقانونية وخاصة عندما يتعلق األمر بأفراد الجالية املغربية املقيمة بالخارج الذين يتعذر‬
‫عليهم التنقل إلى املغرب بصورة شخصية للقيام بإجراءات التطليق‪ ،‬مما يحدوا بهم إلى‬
‫توكيل الغير للقيام بتلك اإلجراءات نيابة عنهم‪ ،‬وهو ما أدى إلى اختالف مواقف ووجهات‬
‫نظر املذاهب الفقهية االسالمية والتشريعات الوضعية حيال مدى جواز استعمال الوكالة‬
‫في التطليق‪.‬‬
‫ولرفع الحرج عن الطرف املتضرر في العالقة الزوجية‪ ،‬شرع هللا الطالق‪ ،‬ويجد‬
‫فصم الرابطة الزوجية بالطالق سنده في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وكذا في‬
‫التشريعات الوضعية وفي مقدمتها املادة ‪ 70‬من مدونة األسرة املغربية التي جعلت حل‬
‫ميثاق الزوجية سواء بالطالق أو التطليق إجراء استثنائي وفي حدود األخذ بقاعدة أخف‬

‫‪214‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫الضررين ملا في ذلك من تفكيك األسرة واإلضرار باألطفال‪ ،‬كما قام املشرع في املادة ‪ 78‬و ‪94‬‬
‫بتأهيل مؤسسة القضاء لبسط سلطتها الرقابية على اجراءات الطالق أو التطليق‪.‬‬
‫وإذا كانت مؤسسة القضاء قد وجدت للحفاظ على األمن القانوني والقضائي‪،‬‬
‫فإن هذه املؤسسة مدعوة كذلك لالجتهاد والبت في القضايا عند غياب نص قانوني‬
‫يحكمها‪ ،‬تحت طائلة إنكار العدالة‪ ،‬وهو ما ينطبق على موضوع الوكالة في التطليق‪ ،‬التي لم‬
‫يرد في شأنها نص صريح في مدونة األسرة لسنة ‪ ،2004‬على خالف الفصل ‪ 44‬من مدونة‬
‫األحوال الشخصية امللغاة‪ ،‬وهو ما يثير مجموعة من االشكاالت القانونية وأدى إلى اختالف‬
‫اآلراء الفقهية وتباين توجهات العمل القضائي في هذا املوضوع‪ ،‬وهو ما يثير اشكالية‬
‫تحديد موقف العمل واالجتهاد القضائي املغربي من مسألة التوكيل في التطليق‪.‬‬
‫وملعالجة هذه اإلشكالية‪ ،‬سيتم ابتداء تحديد خصوصيات التوكيل في التطليق‬
‫مع بيان موقف العمل القضائي املعارض للتطليق بالوكالة (املطلب األول)‪ ،‬ثم تحديد‬
‫موقف االتجاه املؤيد لها مع بيان األسس واألسانيد املرجعية (املطلب الثاني)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬موقف العمل القضائي املعارض للوكالة في التطليق‬
‫نظرا للتطورات املجتمعية التي عرفها املغرب‪ ،‬وخاصة في مجال الهجرة‪ ،‬ظهرت‬
‫الحاجة إلى تنظيم موضوع اإلنابة في إنهاء العالقة الزوجية‪ .‬وهكذا تعتبر الوكالة في التطليق‬
‫من بين املواضيع التي تثير اشكاليات فقهية نظرا لخصوصياتها على املستوى الفقهي‬
‫والقانوني (الفقرة األولى)‪ .‬إال أن األمر يلقى معارضة من طرف جانب من العمل القضائي‬
‫الذي يبرر رفضه في اصطدام التوكيل في التطليق بمؤسسة الصلح بين الزوجين والتي تعتبر‬
‫من متعلقات النظام العام بحيث تكون املحكمة ملزمة القيام به (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬خصوصيات الوكالة في التطليق‬
‫يعتبر التوكيل في املعامالت من بين املواضيع التي عالجها الفقه االسالمي‪ ،‬حيث‬
‫عمل فقهاء املذاهب على تنظيمها وبين أحكامها في مؤلفاتهم استنادا إلى مبادئ وقواعد‬
‫الشرع االسالمي‪ .‬ويرجع هذا االهتمام إلى مكانة ووظيفة التوكيل في مختلف التصرفات التي‬
‫يقوم بها الفرد‪ ،‬غايتها جلب التيسير ورفع الحرج واملشقة بين املتعاملين (أوال)‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تعتبر الوكالة في التطليق من صور التصرفات القانونية التي‬
‫يمكن للفرد القيام بها قصد إنهاء العالقة الزوجية‪ ،‬وهي من املواضيع التي تثير اشكاالت‬
‫قانونية على املستوى العملي نظرا لتعلقها بمصير ومستقبل األسرة وتأثيرها على استقرار‬
‫‪215‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫واستمرار الرابطة الزوجية‪ ،‬وهو ما أدى إلى تذبذب موقف املشرع املغربي من الوكالة في‬
‫التطليق (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬خصوصيات التطليق بالوكالة على املستوى الفقهي‬
‫الوكالة لغة أن يعهد إلى غيره أن يعمل له عمال‪ ،‬ووكله أي استكفاه أمره ثقة به‬
‫وفي األمر وعليه‪ :‬فوضه إليه‪ .1‬ويقال‪ :‬توكل باألمر إذا ضمن القيام به‪ ،‬ووكلت أمري إلى فالن‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫أي ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه‪ ،‬ووكل فالنا فالنا إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته أو عجزا‬
‫عن القيام بأمره بنفسه‪.2‬‬
‫واإلنابة في الطالق والتطليق على ضربين‪ ،‬توكيل وتفويض‪ .‬أما التوكيل فهو أن‬
‫يقيم الزوج شخصا آخر غيره مقام نفسه في تطليق زوجته‪ ،‬وهو عادة ال يكون إال للغير دون‬
‫الزوجة‪ .‬أما التفويض فيكون للزوجة عادة‪ ،‬ويقصد به تفويض الزوج زوجته توقيع الطالق‬
‫على نفسها نيابة عنه وبصفته وكيال عنه في ذلك‪ ،‬ومتى وقعت الزوجة الطالق‪ ،‬فإنه يلزم‬
‫الزوج ويترتب عليه جميع ما ترتب على الطالق من أحكام‪ ،‬ما لم يعزل الزوج زوجته عن هذه‬
‫الوكالة قبل وقوع الطالق‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإذا أناب الزوج شخصا آخر سمي توكيال‪ ،‬وإذا كان‬
‫للزوجة سميت اإلنابة تفويضا‪.‬‬
‫والتفويض في الطالق بدوره على ضربين‪ ،‬تمليك وتخيير‪ .‬والتمليك هو جعل الزوج‬
‫أمر زوجته بيدها‪ ،‬بحيث تصير مالكة لعصمتها ولها الحق أن توقع الطالق متى شاءت‪ .‬وإذا‬
‫كان للزوج حق الرجوع عن الوكالة بالتفويض في الطالق‪ ،‬فإنه ال يملك حق عزل زوجته عن‬
‫هذه الوكالة في زواج التمليك‪ ،‬أي أن الزوج الذي يملك زوجته حق توقيع الطالق ويجعل‬
‫أمر زوجته بيدها‪ ،‬ليس له أن يرجع في ذلك‪ ،‬وتصير الزوجة مالكة لعصمتها‪ ،‬ولها أن تقرر‬
‫ما تشاء سواء بالبقاء في الرابطة الزوجية أو باالنفصال عنها‪ .‬ومن صيغه‪ ،‬جعلت أمرك أو‬
‫طالقك بيدك‪.‬‬
‫أما التخيير فيقصد به أن يخير الزوج زوجته بين البقاء معه أو الفراق‪ ،‬ولها أن‬
‫تختار ما تشاء‪ .‬ومن صيغه‪ ،‬اختاريني أو اختاري نفسك‪ .‬وقد أمر هللا تعالى نبيه محمد صلى‬
‫هللا عليه وسلم بأن يخير أزواجه بين البقاء معه أو مفارقته وذلك حينما طالبنه بالتوسعة‬
‫في النفقة‪ ،‬يقول عز وجل‪﴿ :‬يا أيها النبي قل ألزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها‬

‫‪ -1‬املعجم الوسيط‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪،‬الطبعة الرابعة‪ ،2004 ،‬ص ‪.1084‬‬
‫‪ -2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.4909‬‬
‫‪216‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميال‪ ،‬وإن كنتن تردن هللا ورسوله والدار اآلخرة‪ ،‬فإن‬
‫هللا أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما﴾‪.1‬‬
‫ومن ناحية الفقه اإلسالمي‪ ،‬فإن توقيع الطالق هو حق من الحقوق التي تقبل‬
‫اإلنابة‪ ،‬إذ كما يمكن للزوج أن يوقعه هو بنفسه‪ ،‬يصح له شرعا أن ينيب عنه الغير في‬
‫صح توكيله‪.‬إال أن هذه املسألة تبقى موضوع خالف مذهبي‬ ‫صح طالقه َّ‬ ‫توقيعه‪ ،‬فكل من َّ‬
‫بين مؤيد وعارض‪ .‬وهكذا انقسم فقهاء الشريعة اإلسالمية بخصوص مسألة التوكيل‬
‫والتفويض في الطالق إلى قولين‪ ،‬فاألول ُيقر بجواز التوكيل والتفويض في الطالق وهو رأي‬
‫جمهور الفقهاء من الحنفية واملالكية والشافعية والحنابلة‪ .‬أما القول الثاني فيمنع التوكيل‬
‫والتفويض في الطالق وهو رأي اإلمام ابن حزم الظاهري‪.‬‬
‫وفي هذا البحث‪ ،‬سنكتفي باستعراض أقوال فقهاء املذهب املالكي‪:‬‬
‫ابن رشد القرطبي‪ ،‬صاحب كتاب‪" :‬بداية املجتهد ونهاية املقتصد"‪ ،‬ومما يعد من‬
‫أنواع الطالق مما يرى أن له أحكاما خاصة‪ :‬التمليك والتخيير‪ ،‬والتمليك عن مالك في‬
‫املشهور غير التخيير‪ ،‬وذلك أن التمليك هو عنده تمليك املرأة إيقاع الطالق‪ ...‬والخيار‬
‫بخالف ذلك‪ ،‬ألنه يقتض ي إليقاع طالق تنقطع معه العصمة‪ ،‬إال أن يكون تخييرا مقيدا‪...‬‬
‫والفرق عند مالك بين التمليك وتوكيله إياها على تطليق نفسها‪ :‬أن في التوكيل له أن يعزلها‬
‫قبل أن تطلق‪ ،‬وليس له ذلك في التمليك"‪.2‬‬
‫عبد البر النمري القرطبي‪ ،‬صاحب كتاب الكافي في فقه أهل املدينة املالكي‪،‬‬
‫"والذي يفارق فيه التمليك التخيير عند مالك وأصحابه أنه إذا ملك امرأته كا له أن يقول‬
‫ملكتك بعض الطالق دون جميعه أو ملكتك واحدة أو ملكتك أكثر ويحلف على ذلك‪ ،‬وكان‬
‫للمرأة أن تقض ي بالبعض من ذلك أيضا بخالف التخيير‪ .‬والتمليك قوله أمرك بيدك أو‬
‫طالقك بيدك أو طلقي نفسك ونحو هذا من القول"‪.3‬‬

‫‪ -1‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.29‬‬


‫‪ -2‬ابن رشد القرطبي‪" ،‬بداية املجتهد ونهاية املقتصد"‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،1995 ،‬ص‬
‫‪.1062‬‬
‫‪ -3‬عبد البر النمري القرطبي‪" ،‬الكافي في فقه أهل املدينة املالكي"‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،2002،‬ص ‪.272‬‬
‫‪217‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫ابن النجار الدمياطي‪ ،‬صاحب كتاب "الخالصة الفقهية على مذهب السادة‬
‫املالكية"‪ ،‬فصل‪ :‬في ذكر تفويض الزوج الطالق لغيره من زوجته أو غيرها‪ :‬يجوز للزوج‬
‫تفويض الطالق للزوجة أو لغيرها توكيال أو تمليكا أو تخييرا‪.1‬‬
‫أحمد الدردير‪ ،‬صاحب كتاب‪ :‬الشرح الكبير‪ ،‬وهو مربوط مع حاشية الدسوقي‪.‬‬
‫"فصل ذكر فيه حكم النيابة في الطالق وهي أربعة‪ :‬توكيل وتخيير وتمليك ورسالة بقوله‪:‬‬
‫(إن فوضه) أي الطالق الزوج املسلم املكلف لو سكر حراما أي فوضه إيقاعه (لها) أي‬
‫للزوجة‪ ،‬وملا كان التفويض جنسا تحته أنواع ثالثة أشار إليه بقوله‪( :‬توكيال)"‪.2‬‬
‫محمد بن عبد الرحمان املغربي‪ ،‬املعروف بالحطاب الرعيني‪ ،‬صاحب كتاب‬
‫مواهب الجليل في شرح مختصر خليل‪" ،‬ملا كان ايقاع الطالق ينقسم إلى قسمين‪ ،‬إما‬
‫بمباشرة الزوج أو تفويضه لغيره في إيقاعه‪...‬أتبعه بالكالم على الثاني أعني التفويض وهو‬
‫على ثالثة أقسام‪ :‬توكيل وتمليك وتخيير‪ .‬ألن التفويض رد األمر إلى الغير‪ ...‬والفرق بين‬
‫التوكيل وغيره أن التوكيل يفعل ذلك على سبيل النيابة عمن وكله‪ .‬واململك واملخير إنما‬
‫يفعالن ذلك عن نفسهما ألنهما ملكا ما كان يملكه الزوج‪ .‬وأما الفرق في التخيير والتمليك‬
‫فقيل أمر عرفي ال مشاركة للغة فيه"‪.3‬‬
‫الشيخ خليل بن اسحاق املالكي‪ ،‬صاحب كتاب‪ :‬مختصر العالمة خليل‪ ،‬فصل‪:‬‬
‫إن فوضه لها (أي الطالق) توكيال‪ ،‬فله العزل إال لتعلق حق‪ ،‬ال تخييرا أو تمليكا‪ ،‬وحيل‬
‫بينهما حتى تجيب ووقفت‪.4‬‬
‫أبي القاسم العبدري‪ ،‬صاحب كتاب‪ :‬التاج واإلكليل ملختصر خليل‪ " ،‬وللرجل أن‬
‫يجعل إلى املرأة طالقها وذلك على وجهين توكيل وتمليك‪ .‬ففي التوكيل له أن يرجع ما لم‬
‫تطلق نفسها وفي التمليك ليس له ذلك ( إن فوضه لها توكيال فله العزل )‪."5‬‬

‫‪ -1‬ابن النجار الدمياطي‪" ،‬الخالصة الفقهية على مذهب السادة املالكية"‪ ،‬دار الوطن‪ ،‬بدون ذكر السنة‪ ،‬ص ‪565‬‬
‫‪ -2‬أبوالبركات أحمدبنمحمدالعدوي‪،‬الشهيربالدردير ‪" ،‬الشرح الكبير"‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬بدون سنة‪ ،‬ص ‪.428‬‬
‫‪ -3‬محمد بن عبد الرحمان املغربي‪ ،‬املعروف بالحطاب الرعيني‪" ،‬مواهب الجليل في شرح مختصر خليل"‪ ،‬الجزء‬
‫الخامس‪ ،‬دار عالم الفكر‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ 1412 ،‬ه‪ 1992 /‬م‪ ،.‬ص ‪.387‬‬
‫‪ -4‬الشيخ خليل بن اسحاق املالكي‪" ،‬مختصر العالمة خليل"‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األخيرة‪،‬‬
‫‪ 1401‬ه‪ 1981-‬م‪ ،‬ص ‪.145‬‬
‫‪ -5‬محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري أبو عبد هللا ‪" ،‬التاج واإلكليل ملختصر خليل"‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪ 1398‬هجرية‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪218‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫وإذا كان فقهاء املذهب املالكي قد أجمعوا على جواز التوكيل في الطالق‬
‫والتطليق‪ ،‬فإن موقف املشرع املغربي ظل غير مستقر حيال هذا املوضوع‪ ،‬حيث أجازه‬
‫املشرع في قانون األحوال الشخصية‪ ،‬وتراجع عنه في مدونة األسرة لسنة ‪.2004‬‬
‫ثانيا‪ -‬خصوصيات التطليق بالوكالة على املستوى القانوني‬
‫الوكالة من الناحية القانونية هي من العقود املسماة التي نظمها قانون االلتزامات‬
‫والعقود في القسم السادس (الباب األول والثاني والثالث والرابع) الفصول ‪ 879‬إلى ‪.942‬‬
‫وبمقتض ى الفصل ‪ ،879‬الوكالة عقد بمقتضاه يكلف شخص شخصا آخر بإجراء عمل‬
‫مشروع لحسابه‪ ،‬ويسوغ إعطاء الوكالة أيضا ملصلحة املوكل والوكيل‪ ،‬أو ملصلحة املوكل‬
‫والغير‪ ،‬بل وملصلحة الغير وحده‪ .‬والوكالة من العقود التي ال تصح إال بتوافر أركانها من‬
‫أهلية ورضا وسبب ومحل‪ ،‬باإلضافة إلى توافر أطرافها وهم‪ :‬الوكيل واملوكل له واملوكل فيه‪.‬‬
‫وإذا كان املذهب املالكي من بين املذاهب الفقهية التي أجازت التوكيل في الطالق‬
‫والتطليق‪ ،‬فإن املشرع املغربي قد تبنى ذات املوقف من خالل التنصيص بصيغة صريحة‬
‫على امكانية استعمال الوكالة في الطالق والتطليق في قانون األحوال الشخصية امللغاة‬
‫حيث نص الفصل ‪ 44‬منه على‪" :‬الطالق هو حل عقدة النكاح بإيقاع الزوج أو وكيله أو من‬
‫فوضه في ذلك أو الزوجة إن ملكت الحق أو القاض ي"‪.‬‬
‫وهكذا اعتبر املشرع املغربي الطالق هو حل ميثاق الزوجية بمبادرة من الزوج أو‬
‫وكيله أو من فوض له في ذلك‪ ،‬إذ منح الحق للزوج أن يوكل غيره في إنهاء الرابطة الزوجية‬
‫نيابة عنه‪ .‬وترتب الوكالة في الطالق في هذا الفرض جميع اآلثار القانونية تماما كما لو قام‬
‫الزوج بإيقاع الطالق بذاته‪ ،‬بحيث يقع صحيحا بعد تلفظ الوكيل بعبارات الطالق في‬
‫مواجهة زوجة وكيله شرط صحة سند الوكالة‪.‬‬
‫فالوكيل ُيعتبر مجرد ممثال ونائبا عن املوكل وناقل إلرادة الزوج‪ ،‬وفي هذا الفرض‪،‬‬
‫ال يتحمل الوكيل مسؤولية أداء الحقوق املترتبة عن الطالق من مؤخر صداق أو نفقة‬
‫العدة‪ ،‬بل ترجع إلى الزوج مباشرة‪ .‬إال أن دورية صادرة عن وزارة العدل نصت على ضرورة‬
‫التزام الوكيل بأداء املبالغ املالية التي تترتب عن طالق موكله يودعها بصندوق املحكمة قبل‬
‫االشهاد به‪.1‬‬

‫‪ -1‬محمد الشافعي‪" ،‬األسرة في ضوء األحوال الشخصية"‪ ،‬سلسلة البحوث القانونية رقم ‪ ،1‬املطبعة الوراقة‬
‫الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،2001 ،‬ص ‪.362‬‬
‫‪219‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬
‫َّ‬
‫ومتى َوك َل الزوج فك رابطة الزوجية لزوجته‪ ،‬كان لها أن تتصرف وفق ما وكلت به‪،‬‬
‫وإن تلفظت بألفاظ الطالق في حقها‪ ،‬وقع الطالق صحيحا وواقعا من طرف الزوج‪ ،‬وترتب‬
‫عنه بالتالي جميع اآلثار الناتجة عن الطالق‪ .‬والتفويض والتوكيل في الطالق والتطليق ال‬
‫يحرمان حق الزوج في إيقاعه‪ ،‬فكل من أناب غيره في القيام بتصرف معين يحق له مباشرة‬
‫هذا التصرف بنفسه‪ ،‬وكذلك التفويض في الطالق‪ ،‬إذ يحق للنائب واملنوب إيقاع الطالق‬
‫ما لم يعزل الزوج نائبه‪.‬‬
‫وإذا كان توجه املشرع املغربي في قانون األحوال الشخصية بخصوص الوكالة في‬
‫الطالق أمرا مستحبا‪ ،‬بحيث يسهل إجراءات فك الرابطة الزوجية خاصة بالنسبة لبعض‬
‫الفئات مثل املهاجرين املغاربة املقيمين خارج التراب الوطني‪ ،‬إال أن التعسف في استعمال‬
‫هذا الحق من شأنه أن يساهم في تفكيك األسرة واملس باملصالح الفضلى لألطفال‪ ،‬وهو ما‬
‫تنبه إليه املشرع املغربي بمناسبة إصالحه لقانون األحوال الشخصية‪ ،‬حيث اتجهت نية‬
‫املشرع إلى إعادة النظر في مسألة التوكيل في الطالق والتطليق في مدونة األسرة لسنة‬
‫‪.2004‬‬
‫وهكذا تراجع املشرع املغربي عن جواز التوكيل في التطليق في مدونة األسرة‬
‫الصادرة سنة ‪ ،2004‬حيث عرفت املادة ‪ 78‬منها الطالق على أنه "حل ميثاق الزوجية‪،‬‬
‫يمارسه الزوج والزوجة‪ ،‬كل حسب شروطه تحت مراقبة القضاء وطبقا ألحكام هذه‬
‫املدونة"‪.‬‬
‫يستفاد من أحكام املادة ‪ 78‬أعاله‪ ،‬أن مدونة األسرة اعتبرت الطالق وسيلة لفك‬
‫الرابطة الزوجية‪ ،‬يمارسه كل من الزوج والزوجة‪ .‬فالطالق لم يعد إجراء يمارسه األزواج‬
‫بصفة حصرية‪ ،‬بل يمكن أن تمارسه الزوجة كما هو الحال في زواج التمليك‪.‬‬
‫من خالل ما سبق‪ ،‬يتضح جليا اتجاه نية املشرع املغربي إلى منع الوكالة في الطالق‬
‫والتطليق بصورة صريحة‪ ،‬إذ َع َد َل عما هو قائم في ظل قانون األحوال الشخصية امللغى‪،‬‬
‫بحيث تصطدم تلك الوكالة بمؤسسة الصلح بين الزوجين‪ ،‬إذ من شأن إنابة الزوج للغير في‬
‫فك الرابطة الزوجية أن ُيفوت على األسرة فرصة القيام بمساعي الصلح بين الزوجين‬
‫املنصوص عليها في املادة ‪ 81‬من املدونة‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬تنص الفقرة األولى من املادة ‪ 81‬من مدونة األسرة على أنه‪:‬‬
‫"تستدعي املحكمة الزوجين ملحاولة اإلصالح"‪ ،‬بينما تنص املادة ‪ 82‬من ذات املدونة على‪:‬‬
‫‪220‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫"عند حضور الطرفين‪ ،‬تجري املناقشات بغرفة املشورة‪ ،‬بما في ذلك االستماع إلى الشهود‬
‫وملن ترى املحكمة فائدة في االستماع إليه‪ .‬للمحكمة أن تقوم بكل اإلجراءات‪ ،‬بما فيها‬
‫انتداب حكمين أو مجلس العائلة‪ ،‬أو من تراه مؤهال إلصالح ذات البين‪ .‬وفي حالة وجود‬
‫أطفال تقوم املحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة ال تقل عن ثالثين يوما‪ .‬إذا تم‬
‫اإلصالح بين الزوجين حرر به محضر وتم االشهاد به من طرف املحكمة"‪.‬‬
‫كما أن الدليل العملي ملدونة األسرة نصت على‪" :‬إن محاولة الصلح إجراء جوهري‬
‫وال يمكن إنجازه في غياب الزوجين املعنيين‪ ،‬ولذلك أوجب املشرع حضورهما الشخص ي في‬
‫جلسة املصالحة التي يجب فيها على املحكمة بذل كل املجهودات إلصالح ذات البين"‪.1‬‬
‫وحتى في فرض القيام بتلك املحاولة من طرف الوكيل‪ ،‬فإن من شأن غياب الزوج‬
‫في جلسة الصلح‪ ،‬باعتباره الطرف األصيل‪ ،‬أن يفقد مؤسسة الصلح معناها األسمى وغاية‬
‫املشرع منها‪ ،‬والتي تتجلى في املحافظة على الرابطة املقدسة وعدم اللجوء إلى أبغض الحالل‬
‫بالنظر إلى ما ينتج عنه من تفكيك لألسرة واإلضرار باملصالح الفضلى لألطفال‪ ،‬وهو ما‬
‫يستند إليه جانب من العمل القضائي املعارض للوكالة في التطليق‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬العمل القضائي املعارض للوكالة في التطليق‬
‫ترتب عن سكوت املشرع املغربي عن تنظيم مسألة الوكالة اختالف موقف العمل‬
‫القضائي حيال التوكيل في التطليق بين مؤيد ومعارض‪ ،‬حيث ُيبرر جانب من العمل‬
‫القضائي رفضه في اصطدام التوكيل في التطليق بمؤسسة الصلح بين الزوجين‪ ،‬ذلك أن‬
‫بعض محاكم الدرجة األولى تعلل موقفها بإلزامية الحضور الشخص ي لكال طرفي العالقة‬
‫الزوجية للضغط عليهما قصد التراجع عن فك الرابطة الزوجية (أوال)‪ ،‬واعتبار إجراء‬
‫الصلح من متعلقات النظام العام وأن املحكمة ملزمة بالقيام به‪ ،‬وهو ذات املوقف الذي‬
‫تتبناه بعض محاكم الدرجة الثانية (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ -‬االتجاه املعارض على مستوى محاكم الدرجة األولى‬
‫يعتبر الحكم الصادر حديثاعن قسم قضاء األسرة التابع للمحكمة االبتدائية‬
‫بأسفي من بين األحكام القضائية التي تبنت املوقف الرافض ملسألة التوكيل في الطالق‬
‫مرتكزة على مجموعة من األسانيد ذات الطابع التشريعي واملتعلقة أساسا بتراجع املشرع‬

‫‪ -1‬وزارة العدل‪" ،‬دليل عملي ملدونة األسرة"‪ ،‬جمعية املعلومة القانونية والقضائية‪ ،‬سلسلة الشروح والدالئل‪ ،‬العدد‬
‫األول لسنة ‪ ،2004‬ص ‪.65‬‬
‫‪221‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫عن التوكيل في التطليق وضرورة إجراء مسطرة الصلح بحضور طرفي العالقة الزوجية‬
‫شخصيا مستبعدة بذلك الوكالة‪.‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬جاء في إحدى مقتضيات الحكم السابق‪" :‬وحيث تخلف املدعي‬
‫(ع‪-‬و) عن حضور جلسة الصلح‪ ،‬مما يعتبر معه متراجعا عن الطلب طبقا ملقتضيات املادة‬
‫‪ 81‬من مدونة األسرة‪ ،‬دون اعتبار الوكالة املعطاة من طرفه‪ ،‬لتراجع مدونة األسرة عن‬
‫تنظيمها واألخذ بها عكس مدونة األحوال الشخصية امللغاة من جهة أولى‪ ،‬ولكون اعتمادها‬
‫من املحكمة سيترتب عنه الحكم على محاولة الصلح بالفشل حتى قبل اجرائها‪.‬‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬طاملا أنها تحول دون الحضور الشخص ي للزوجين أمام مجلس‬
‫القضاء‪ ،‬والذي يعتبر شرطا أساسيا حتى يتمكن قاض ي الصلح من الوقوف على أسباب‬
‫الشقاق الحاصل بين الزوجين والعمل على إصالح ذات البين بينهما بعد تقريب وجهات‬
‫نظرهما‪ ،‬األمر الذي ال يمكن تحققه عمليا بحضور أحد الزوجين ووكيل الزوج اآلخر"‪.1‬‬
‫ذات املوقف تبنته املحكمة االبتدائية بمكناس في حكم صادر قسم قضاء األسرة‬
‫بتاريخ ‪ 21‬ماي ‪ ،2019‬يعرض فيه املدعي الزوج (خ‪-‬أ) أن استمرار العالقة الزوجية بينه‬
‫وبين زوجته املدعى عليها (خ‪-‬ل) أصبحت مستحيلة لكونها ال تحترم ميثاق الزوجية وتغادر‬
‫بيت الزوجية ملتمسا تطليقها منه طالقا رجعيا‪.‬‬
‫ولتبرير تخلف املدعي‪ ،‬أدلى بوكالة لصالح السيد (أ‪-‬ح) باعتبار أنه من أفراد‬
‫الجالية املغربية املقيمة بالخارج‪ ،‬من خاللها يفوض له صالحية القيام بجميع اإلجراءات‬
‫اإلدارية والقضائية املتعلقة بمسطرة الطالق من زوجته‪ ،‬وأنه محل مذكرة بحث وطنية‬
‫نتيجة قيام املدعى عليها بتسجيل شكاية كيدية ضده تتهمه من خاللها بالسرقة‪ ،‬مما يجعل‬
‫حضوره الشخص ي للقيام بإجراءات الطالق أمرا مستحيال‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬صدر حكم قض ى‬
‫بعدم قبول الطلب بسبب عدم حضور جلسات الصلح واالكتفاء باإلدالء بوكالة وأن هذه‬
‫األخيرة ال تقوم على أساس قانوني‪.2‬‬

‫‪ -1‬حكم املحكمة االبتدائية بأسفي (قسم قضاء األسرة) عدد ‪ ،463‬صادر بتاريخ ‪ 21‬أبريل ‪ 2022‬في امللف رقم‬
‫‪ ،2022/1626/332‬حكم غير منشور‪.‬‬
‫‪ -2‬حكماملحكمة االبتدائية بمكناس (قسم قضاء األسرة) عدد ‪ 1369‬الصادر بتاريخ ‪ ،2019/05/21‬في امللف عدد‬
‫‪ ،2018/1607/4283‬حكم غير منشور‪.‬‬
‫‪222‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫ثانيا‪ -‬االتجاه املعارض على مستوى محاكم الدرجة الثانية‬


‫وعلى مستوى محاكم الدرجة الثانية‪ ،‬صدر قرار عن محكمة االستئناف بمكناس‬
‫قرار يقض ي بتأييد الحكم االبتدائي الصادر عن قسم قضاء األسرة بمكناس الصادر بتاريخ‬
‫‪ 21‬ماي ‪( 2019‬الحكم املشار إليه أعاله) والقاض ي بعدم قبول دعوى الطالق بسبب عدم‬
‫حضور الزوج في جلسة الصلح‪.‬‬
‫وقد جاء في إحدى فقرات القرار‪" :‬وحيث إنه وخالفا ملا تمسك به فإن الصلح في‬
‫التطليق يبقى إجراء جوهريا يقتض ي الحضور الشخص ي لطالب التطليق من أجل استرشاد‬
‫القاض ي بالتفسيرات التي قد يبنيها الزوجين‪ ،‬وأن محكمة الدرجة األولى ملا قضت بعدم‬
‫قبول دعواه لتخلفه عن الحضور قد طبقت املادة ‪ 81‬من مدونة األسرة تطبيقا سليما مما‬
‫يبرر تأييد الحكم"‪.1‬‬
‫من خالل ما سبق‪ ،‬يتضح أن جانب من العمل القضائي يعارض التوكيل في‬
‫التطليق‪ ،‬مستندا في ذلك إلى غياب النص القانوني من جهة‪ ،‬وإرادة املشرع في حماية األسرة‬
‫من التفكك وحفاظا على املصلحة الفضلى للطفل من جهة أخرى‪ ،‬حيث ألزم املشرع‬
‫املغربي القضاء بالقيام بمحاولتين للصلح بين الزوجين وانتداب مؤسسة الحكمين أو‬
‫مجلس العائلة أو من تراه مؤهال إلصالح ذات البين‪ .‬كما ألزم الزوجين بضرورة الحضور‬
‫الشخص ي في غرفة املشورة للقيام بمحاوالت اإلصالح‪ ،‬فال يمكن تصور هذا اإلجراء في‬
‫غياب أحد طرفي العالقة الزوجية أو كالهما‪ ،‬ألن هذا اإلجراء ذو طبيعة جوهرية ومتعلق‬
‫بالنظام العام‪.‬‬
‫فالحضور الشخص ي لطرفي العالقة الزوجية في محاوالت الصلح ومناقشتهما‬
‫املباشرة لجوهر الخالف أمام مؤسسة القاض ي ومؤسسة الحكمين من شأنه أن يأثر إيجابا‬
‫على مواقف وسلوكات الزوجين والعدول عن فكرة إنفصام الرابطة الزوجية‪ .‬وعلى النقيض‬
‫ُ‬
‫من ذلك‪ ،‬فالغير املوكل من أحد الزوجين للقيام بإجراءات الطالق غير مؤهل ملباشرة‬
‫الحوار والنقاش مع الطرف الثاني من أجل الوصول إلى تسوية ودية تحول دون إنهاء‬
‫العالقة الزوجية‪ ،‬ألنه مجرد ناقل إلرادة الطرف الذي وكله ليس إال‪ .‬كما أن الوكالة في‬

‫‪ -1‬قرارمحكمة االستئناف بمكناس رقم ‪ 967‬الصادر بتاريخ ‪ ،2019/12/20‬في امللف عدد ‪ ،2019/1607/556‬قرار‬
‫غير منشور‪.‬‬
‫‪223‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫التطليق تتنافى مع استقرار الحياة الزوجية من حيث أنها تجعل مشيئتها بيد شخص‬
‫غريب‪.1‬‬
‫فإذا كان هذا الجانب من العمل القضائي يسير في اتجاه رفض الوكالة في التطليق‬
‫باعتبار أن التوكيل فيه ُي َفو ُت على طرفي العالقة الزوجية فرصة الصلح‪ ،‬إذ ُيعتبر الحضور‬
‫الشخص ي للزوجين إجراء جوهري ضروري وفق منطوق املادة ‪ ،81‬فإن هناك جانب آخر‬
‫من العمل القضائي يقبل العمل بالوكالة في التطليق بالرغم من غياب النص القانوني‬
‫املؤطر له‪ ،‬حيث يستند بدوره على مجموعة من األسانيد القانونية واملرجعيات الفقهية‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬موقف العمل القضائي املؤيد للوكالة في التطليق‬
‫بالرغم من سكوت املشرع املغربي في مدونة األسرة لسنة ‪ 2004‬عن مسألة‬
‫التوكيل في الطالق والتطليق خالفا ملا هو ثابت في قانون األحوال الشخصية امللغاة‪ ،‬فقد‬
‫صدر عن القضاء املغربي عدة أحكام وقرارات أجازت فيها التوكيل في التطليق‪ ،‬مستندة في‬
‫ذلك إلى مجموعة من األسانيد القانونية واملرجعيات الفقهية وضرورات رفع املشقة وجلب‬
‫التيسير‪.‬‬
‫وحسب التوجه املؤيد للتوكيل في التطليق‪ ،‬فإن سبب مشروعيته هي حاجة‬
‫الناس إليها لقضاء مصالحهم وتسهيل التصرفات القانونية حينما يتعذر القيام بهذه‬
‫التصرفات بأنفسهم ألسباب وجيهة‪ ،‬وهذا ينطبق على التوكيل في التطليق أيضا أسوة‬
‫باملعامالت املدنية األخرى‪ ،‬ألنه في الواقع العملي هناك طلبات ملحة تتطلب السماح‬
‫بالتوكيل في إجراءات الطالق‪ ،2‬وهذا ما يستند عليه العمل القضائي سواء بالنسبة ملحاكم‬
‫الدرجة األولى والثانية (الفقرة األولى) وكذا على مستوى محكمة النقض (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬املوقف املؤيد على مستوى محاكم الدرجة األولى والثانية‬
‫بالرغم من تراجع املشرع املغربي عن تقنين التوكيل في إنهاء الرابطة الزوجية في‬
‫مدونة األسرة‪ ،‬فإن املشرع قد أحال على املذهب املالكي وعلى اإلجتهاد الذي يراعى فيه‬

‫‪ -1‬صالح الدين زكي‪" ،‬أحكام األسرة في الفقه االسالمي والتشريع املغربي"‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء‪،‬‬
‫طبعة ‪ ،1985‬ص ‪.223‬‬
‫‪ -2‬عبد هللا روحمات‪" ،‬الوكالة في صلح الزوجين بين النص القانوني والواقع العملي"‪ ،‬مجلة اإلشعاع‪ ،‬العدد ‪ 27‬لسنة‬
‫‪ ،2003‬ص ‪.120‬‬
‫‪224‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫تحقيق قيم اإلسالم في العدل واملساواة واملعاشرة باملعروف‪ ،‬كلما استجدت نازلة لم يرد‬
‫فيها نص في املدونة‪.‬‬
‫ومن هذا املنطلق‪ ،‬يبرر جانب من العمل القضائي الصادر عن محاكم الدرجة‬
‫األولى موقفه املؤيد للتطليق بالوكالة‪ ،‬استنادا على رأي املذهب املالكي الذي أجاز الوكالة في‬
‫الطالق والتطليق (أوال)‪ ،‬وهو ذات اإلتجاه الذي يتبناه جانب من العمل القضائي الصادر‬
‫عن محاكم الدرجة الثانية (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬املوقف املؤيد على مستوى محاكم الدرجة األولى‬
‫يعتبر قسم قضاء األسرة التابع للمحكمة االبتدائية بأسفي من بين األقسام التي‬
‫تتبنى مواقف متباينة حيال التوكيل في التطليق‪ ،‬بحيث تذهب هيئة قضائية إلى عدم جواز‬
‫هذا التوكيل‪ ،‬بينما تسير هيئة أخرى في اتجاه الجواز‪ .‬وهكذا صدر عن هذه الهيئة األخيرة‬
‫حكما قض ى باالستجابة لطلب التطليق للشقاق بواسطة وكالة‪ ،‬حيث يفيد مقال املدعي‬
‫(د‪-‬ط) أنه متزوج باملدعية (خ‪-‬ك) وأن العشرة بينهما أصبحت مستحيلة ملتمسا الحكم‬
‫بتطليق زوجته من عصمته للشقاق‪ ،‬مرفقا طلبه بنسخة من وكالة مصححة اإلمضاء‬
‫بمدينة ليون بفرنسا بتاريخ ‪ 2022/07/15‬مسجلة تحت عدد ‪ ،22/5692‬وأنه يتعذر عليه‬
‫الحضور الشخص ي لكونه مهاجرا مقيما بالخارج‪.‬‬
‫وجاء في إحدى فقراته‪" :‬وحيث أن املحكمة اعتمدت الوكالة في التطليق أوال‬
‫الستعمالها في نطاق ضيق‪ ،‬وثانيا النسجام ذلك مع مدونة األسرة من خالل املادة ‪ 400‬التي‬
‫تحيل على الفقه املالكي‪ ،‬وثالثا توجه محكمة النقض في ذلك‪.‬‬
‫فمن حيث استعمال الوكالة في التطليق في نطاقها الضيق‪ ،‬فإن ذلك تمثل‬
‫باألساس في وجود الطرف املدعي خارج أرض الوطن حسب الثابت من الوكالة املصححة‬
‫اإلمضاء بمدينة ليون بفرنسا بتاريخ ‪ 2022/07/15‬تحت عدد ‪ 5692/22‬من طرف املدعي‬
‫فيكون من األرجح التيسير عليه بدل تكبيده خسائر السفر من خارج الوطن وما يستلزم‬
‫ذلك من مصاريف‪.‬‬
‫ومن حيث انسجام الوكالة في التطليق مع مدونة األسرة من خالل املادة ‪ 400‬التي‬
‫تحيل على الفقه املالكي‪ ،‬ذلك أن الوكالة شرعت لرفع املشقة وجلب التيسير‪ ...‬وحيث أن‬

‫‪225‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫القاعدة الفقهية تقول‪" :‬من ملك حقا ملك التوكيل فيه"‪ ...‬ويرى ابن عاصم أن وكالة‬
‫الخصام يستحسن أن تتعلق أيضا باإلقرار واإلنكار وفي نظمه يقول‪:‬‬
‫وحيثما التوكيل باإلطالق******فذلك التفويض باتفاق‪.‬‬
‫وفي باب الصلح قال ابن عاصم‪" :‬الصلح جائز باالتفاق"‪ ،‬ومعنى ذلك أن الصلح‬
‫بين املتنازعين حائز باتفاق أهل املذهب املالكي وأكدت ألمية الزقاق ص ‪:334‬‬
‫وهل مطلق التوكيل كاف فامضين****به نظرا كالذي بتفويض انجال‪...‬‬
‫وأما من حيث توجه محكمة النقض‪ ،‬فإن ذلك ثابت من خالل توجه محكمة‬
‫النقض في اعتماد الوكالة في الطالق والتطليق وإن في مجال ضيق وذلك منذ مدة ليست‬
‫بالقصيرة وقبلها مجموعة من أقسام قضاء األسرة باململكة‪.1"...‬‬
‫ذات املوقف سبق لقسم قضاء األسرة بأسفي أن تبناه في حكم آخر صادر عن‬
‫نفس الهيئة في شأن االستجابة لطلب التطليق بالشقاق‪ ،‬حيث يعرض املدعي (ب‪-‬م) في‬
‫مقاله أنه متزوج باملدعى عليها (خ‪-‬ق) وأنها أصبحت تعامله معاملة ال تليق وقواعد الشريعة‬
‫اإلسالمية ملتمسا الحكم له بالتطليق للشقاق الستحالة العشرة بينهما‪ ،‬مرفقا مقاله‬
‫بوكالة مصححة اإلمضاء لفائدة ابنه‪ ،‬لكون املدعي مهاجر مغربي يقيم خارج التراب الوطني‬
‫(دولة بلجيكا)‪.‬‬
‫وجاء في إحدى حيثيات الحكم‪ " :‬وحيث أن املحكمة اعتمدت الوكالة في التطليق‬
‫أوال الستعمالها في نطاق ضيق‪ ،‬وثانيا النسجام ذلك مع مدونة األسرة من خالل املادة ‪400‬‬
‫التي تحيل على الفقه املالكي‪ ،‬وثالثا توجه محكمة النقض في ذلك‪.‬‬
‫فمن حيث استعمال الوكالة في التطليق في نطاقها الضيق‪ ،‬فإن ذلك تمثل‬
‫باألساس في وجود الطرف املدعي خارج أرض الوطن حسب الثابت من الوكالة مصادق عليها‬
‫بالقنصلية العامة للمملكة املغربية ببروكسيل بتاريخ ‪ 21‬أكتوبر ‪ 2019‬تحت عدد‬

‫‪ -1‬حكم املحكمة االبتدائية بأسفي (قسم قضاء األسرة) عدد ‪ 766‬صادر بتاريخ ‪ 2022/09/19‬في امللف عدد‬
‫‪ ،2022/1626/931‬غير منشور‪.‬‬
‫‪226‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫‪ 2019/187297‬من طرف املدعي فيكون من األرجح التيسير عليه بدل تكبيده خسائر‬
‫السفر خارج الوطن وما يستلزم ذلك من مصاريف‪.1"...‬‬
‫ثانيا‪ :‬املوقف املؤيد على مستوى محاكم الدرجة الثانية‬
‫تبنت العديد من محاكم الدرجة الثانية‪ 2‬مواقف مؤيدة ملسألة التوكيل في‬
‫التطليق‪ ،‬وسيتم االقتصار في هذا املقام على قرار حديث صادر عن محكمة االستئناف‬
‫بالدار البيضاء بإلغاء الحكم املستأنف الصادر عن املحكمة االبتدائية باملحمدية بتاريخ‬
‫‪ 27‬يناير ‪ 2021‬في امللف الشرعي عدد ‪ 2020/1607/611‬في شأن تطليق املدعية من‬
‫عصمة زوجها للشقاق‪ ،‬وذلك من خالل توكيل أخاها لإلنابة عنها في جميع اإلجراءات‬
‫القانونية واإلدارية والقضائية املتعلقة بالطالق بموجب وكالة مصادق عليها بالقنصلية‬
‫العامة للمملكة املغربية بايطاليا (فينيزيا) بتاريخ ‪ 28‬غشت ‪ .2019‬وأرجعت املدعية سبب‬
‫عدم حضورها لكونها مهاجرة مقيمة بالديار االيطالية من جهة ونظرا للحالة الوبائية الذي‬
‫يعرفها العالم من جراء تفش ي جائحة كورونا وبإيطاليا على وجه الخصوص‪.‬‬
‫وجاء في إحدى حيثيات القرار‪" :‬وحيث أنه ال يوجد مانع من امكانية التطليق‬
‫بوكالة استنادا إلى املادة ‪ 400‬من املدونة التي تحيل على الفقه املالكي‪ ...‬وحيث إن الوكالة في‬
‫الطالق وإن لم ينص عليها في مدونة األسرة فإنها تعتبر عاملة بنص املادة ‪ 400‬من نفس‬
‫املدونة التي تحيل على الفقه املالكي الذي يعتبر الوكالة في الطالق‪ .‬واملحكمة مصدرة القرار‬

‫‪ -1‬حكم املحكمة االبتدائية بأسفي (قسم قضاء األسرة) عدد ‪ 521‬صادربتاريخ ‪ 2019/10/19‬في امللف عدد‬
‫‪ ،2019/1626/1279‬حكم غير منشور‪.‬‬
‫‪"-2‬سكوت املشرع عن تنظيم الوكالة في الطالق ال يمنع من اعتماد التوكيل في الطالق عند نهوض ضروراته القصوى‬
‫كتواجد أحد الزوجين خارج الوطن‪ ،‬مع استنتاج إصراره األكيد على الطالق"‪ .‬قرار محكمة االستئناف‬
‫بالجديدة عدد ‪ 319‬صادر بتاريخ ‪ 2007/05/08‬في امللف الشرعي عدد ‪ ،47/06‬قرار أورده‪ :‬محمد بفقير‪،‬‬
‫"مدونة األسرة والعمل القضائي"‪ ،‬منشورات دراسة قضائية‪ ،‬سلسلة القانون والعمل القضائي املغربيين‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،2011 ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ -‬أنظر كذلك‪ :‬قرار محكمة االستئناف بالحسيمة عدد ‪ 534‬صادر بتاريخ ‪ 2011/11/15‬في امللف عدد ‪-544‬‬
‫‪ ،2011/7‬قرار غير منشور‪.‬‬
‫‪227‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫ملا التزمت بما هو مقرر في الفقه أعاله وهو بمثابة قانون داخلي‪ ،‬فإنها جعلت ملا قضت به‬
‫أساسا وطبقت القانون وما بالوسيلة على غير أساس"‪.1‬‬
‫وعلى ضوء كل ما سبق‪ ،‬يتضح أن منع الوكالة في التطليق بصفة نهائية من شأنه‬
‫أن يلحق ضررا ألحد طرفي العالقة الزوجية أو كالهما في إنهاء الرابطة الزوجية‪ ،‬خاصة‬
‫عندما تتوافر مبررات موضوعية معقولة وجادة تستدعي اإلنابة في التطليق‪.‬‬
‫كما أن السماح بالوكالة مطلقا عند إنهاء الرابطة الزوجية تتنافى مع فلسفة‬
‫املدونة الهادفة إلى التقليص قدر املستطاع من حاالت انحالل ميثاق الزوجية بالنص‬
‫صراحة في املادة ‪ 73‬على أنه ال ينبغي اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطالق أو التطليق إال‬
‫استثناء وفي حدود األخذ بقاعدة أخف الضررين ملا في ذلك من تفكيك األسرة واإلضرار‬
‫باألطفال‪ ،‬كما أن الوكالة في الطالق تجعل من الصلح الذي أصبح ضروريا في قضايا اإلنهاء‬
‫أمرا شكليا ليس إال عندما نسمح ألحد الزوجين أو لكليهما بالغياب في الجلسات الصلحية‪.2‬‬
‫فالوكالة في التطليق ال شك تجلب هذه املصلحة في حاالت استثنائية كلما تبث‬
‫تعذر حضور أحد األطراف لجلسة محاولة الصلح لظروف قاهرة على األقل‪ ،‬وال شك أن‬
‫هذا الحكم سيساهم في حل العديد من مشكالت الجالية املغربية املقيمة بالخارج خاصة‬
‫التي تعيش ظروف هجرة خاصة‪.3‬‬
‫فجل العمل القضائي الذي يقبل التوكيل في التطليق صادر عن املحاكم التي تقع‬
‫في النفوذ الترابي ألقاليم تعرف بأنها مناطق مصدرة للهجرة‪ ،4‬وهو ما يفسر اضطراد‬
‫واستقرار العمل القضائي بهذه املناطق في شأن قبول الوكالة في التطليق‪ ،‬حيث يتعذر على‬
‫البعد الجغرافي وأيضا‬ ‫أفراد الجالية املقيمة بالخارج الحضور الشخص ي للجلسات بسبب ُ‬

‫‪ -1‬قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء عدد ‪ 1116‬صادر بتاريخ ‪ 2021/06/14‬في امللف الشرعي عدد‬
‫‪ ،2021/1600/601‬غير منشور‪.‬‬
‫ق‬
‫‪ -2‬إدريس الفاخوري‪" ،‬الوكالة في الطالق"‪ ،‬مجلة الحقو ‪ ،‬العدد ‪ 15‬لسنة ‪ ،2006‬ص ‪.14‬‬
‫‪ -3‬عبد هللا روحمات‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪ -4‬حسب تقرير املندوبية السامية للتخطيط )‪ (HCP‬في شأن نتائج البحث الوطني حول الهجرة الدولية باملغرب‬
‫‪ ،2019/2018‬تحتل جهة الدار البيضاء سطات املرتبة األولى من حيث أصول املهاجرين املغاربة املقيمين‬
‫بالخارج ب ‪ % 23.3‬من مجموع أفراد الجالية املغربية‪ ،‬تليها جهة بني مالل خنيفرة ب ‪ ،%15‬ثم جهة‬
‫الرباط سال القنيطرة ب ‪ ،%12.4‬لتأتي جهة مراكش أسفي في املرتبة الرابعة ب ‪ ،%10‬ثم باقي جهات‬
‫اململكة‪.‬‬
‫‪228‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫بسبب مراكزهم القانونية ووضعياتهم النظامية ببالد املهجر‪ ،‬الش يء الذي يدفعهم إلى‬
‫توكيل الغير في مباشرة إجراءات فك الرابطة الزوجية‪.‬‬
‫فأمام غياب النص القانوني الصريح الذي ينظم مسألة التوكيل في التطليق‪،‬‬
‫وأمام الخالف الحاصل في العمل القضائي حيال موقفه من هذه املسألة بين اتجاه معارض‬
‫وآخر مؤيد‪ ،‬يبقى دور محكمة النقض في الفصل في موضوع التوكيل في التطليق أمرا‬
‫حتميا‪ ،‬باعتبار هذه األخيرة أعلى هيئة قضائية باململكة يناط بها التطبيق السليم للقانون‬
‫وتوحيد العمل واالجتهاد القضائيين‪.1‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬املوقف املؤيد للوكالة في التطليق على مستوى محكمة النقض‬
‫في غياب املرجع القانوني الصريح بخصوص الوكالة في التطليق‪ ،‬وأمام تباين‬
‫وانقسام العمل القضائي املغربي من معارض ومؤيد لإلنابة في التطليق‪ ،‬تدخل قضاء‬
‫محكمة النقض لتوحيد العمل القضائي ووضع حد لهذا الخالف القضائي الحاصل على‬
‫مستوى قضاء املوضوع‪ ،‬وهو بالفعل ما تم حيث فصحت محكمة النقض عن موقفها في‬
‫الوكالة في التطليق وذلك في مناسبتين‪ ،‬األولى خالل صدور القرار عدد ‪ 941‬بتاريخ ‪24‬‬
‫دجنبر ‪( 2013‬أوال)‪ ،‬والثانية بمناسبة صدور القرار عدد ‪ 418‬بتاريخ ‪ 14‬شتنبر ‪2020‬‬
‫(ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ -‬موقف املحكمة من خًّلل القرارعدد ‪ 941‬لسنة ‪2013‬‬
‫القرار عدد ‪ 941‬الصادر عن غرفة األحوال الشخصية وامليراث بمحكمة النقض‬
‫بتاريخ ‪ 24‬دجنبر ‪ 2013‬في امللف الشرعي عدد ‪ ،2012/1/2/384‬جاء نتيجة نقض القرار‬
‫رقم ‪ 534‬الصادر عن محكمة االستئناف بالحسيمة بتاريخ ‪ 15‬نونبر ‪ 2011‬في امللف عدد‬
‫‪.2011/7-544‬‬
‫ومن وثائق امللف يستفاد أن املطلوب تقدم بمقال إلى املحكمة اإلبتدائية‬
‫بالحسيمة‪ ،‬عرض فيه أن العالقة الزوجية تتعذر استمرارها لوجود خالفات بينه وزوجته‬
‫ملتمسا الحكم بتطليق زوجته منه للشقاق‪ ،‬حيث أفاد املدعي بأنه يتعذر عليه الحضور‬
‫َّ‬
‫شخصيا من دولة بلجيكا لعدم تسوية وضعيته النظامية‪ ،‬وأنه َوك َل أخاه ملباشرة مسطرة‬
‫التطليق الذي التمسه والقيام بجميع اإلجراءات القضائية واإلدارية الخاصة باملوضوع‪.‬‬

‫‪ -1‬املادة ‪ 84‬من القانون ‪ 38-15‬املتعلق بالتنظيم القضائي الجديد‪" :‬تسهر محكمة النقض‪ ،‬باعتبارها أعلىهيئة‬
‫قضائية باململكة‪ ،‬على مراقبة التطبيق السليم للقانون وتوحيد العمل واالجتهاد القضائي"‪.‬‬
‫‪229‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫وبتاريخ ‪ 14‬أبريل ‪ ،2011‬أصدرت املحكمة اإلبتدائية حكما قضت فيه بعدم‬


‫قبول الطلب لتخلف الزوج في حضور جلسات الصلح بالرغم من توكيل أخاه للقيام نيابة‬
‫عنه في مباشرة إجراءات التطليق للشقاق‪ .‬استأنف املدعي الحكم مرتكزا في ذلك على عدم‬
‫األخذ بالوكالة لكونه تعذر عليه الحضور لجلسة الصلح‪ ،‬حيث أجابت املستأنف عليها أن‬
‫الحكم علل ما انتهى إليه بما اقتضته املادة ‪ 82‬من مدونة األسرة التي تنص على الحضور‬
‫الشخص ي للزوجين وليس بحضور وكيل عنهما‪ ،‬وذلك حتى تتحقق محاولة الصلح الغاية‬
‫منها‪.‬‬
‫وبتاريخ ‪ 15‬نونبر ‪ ،2011‬أصدرت محكمة االستئناف بالحسيمة قرار بإلغاء‬
‫الحكم االبتدائي وإرجاع امللف إلى املحكمة اإلبتدائية الستكمال إجراءات الصلح‪ ،‬وهو‬
‫القرار املطعون فيه بالنقض من طرف الزوجة‪ ،‬حيث تعيب القرار في وسيلة وحيدة وهي‬
‫انعدام التعليل وسوء فهم وتطبيق املادة ‪ 82‬من مدونة األسرة التي تنص على حضور‬
‫الطرفين شخصيا دون أن تذكر من ينوب عنهما كما هو الشأن بالنسبة للزواج‪.‬‬
‫بعد املداولة‪ ،‬قضت محكمة النقض برفض الطلب‪ ،‬حيث جاء في معرض تعليلها‪:‬‬
‫"لكن حيث إن الوكالة في الطالق وإن لم ينص عليها في مدونة األسرة فإنها تعتبر عاملة‬
‫بنص املادة ‪ 400‬من نفس املدونة التي تحيل على الفقه املالكي الذي يعتبر الوكالة في‬
‫الطالق‪ ،‬واملحكمة مصدرة القرار ملا صرحت بما هو مقرر في الفقه أعاله وهو بمثابة قانون‬
‫داخلي‪ ،‬فإنها جعلت ملا قضت به أساسا وطبقت القانون‪ ،‬وما بالوسيلة على غير أساس"‪.1‬‬
‫من خالل هذه القاعدة الذهبية التي أسس قضاء محكمة النقض عليها قراره‪،‬‬
‫يتضح أن محكمة االستئناف بالحسيمة ارتكزت في قبولها الوكالة في الطالق على ما هو‬
‫مشهور في الفقه املالكي الذي تحيل عليه املادة ‪ 400‬من مدونة األسرة‪ ،‬وقامت بعد ذلك‬
‫محكمة النقض بتزكية هذا التوجه لتكرس بذلك قاعدة جديدة يمكن للعمل القضائي أن‬
‫يتبناه كلما عرضت نازلة تتعلق بالوكالة في الطالق والتطليق‪.‬‬
‫فاملادة ‪ 400‬من مدونة األسرة تنص على‪" :‬كل ما لم يرد في هذه املدونة‪ ،‬يرجع فيه‬
‫إلى املذهب املالكي واإلجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم اإلسالم في العدل واملساواة‬

‫‪ -1‬قرار أورده إدريس الفاخوري‪" ،‬املنازعات األسرية أمام قضاء املوضوع ومحكمة النقض"‪ ،‬منشورات مجلة‬
‫الحقوق‪ ،‬مطبعة العارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،2015 ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪230‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫واملعاشرة باملعروف"‪ .‬فاملشرع املغربي أجاز امكانية الرجوع إلى مصادر تشريعية أخرى في‬
‫حالة خلو مدونة األسرة من قاعدة تضبط اشكالية محددة متصلة باألحوال الشخصية‪،‬‬
‫وحصر هذه املصادر في الفقه املالكي واإلجتهاد الذي يراعي قيم اإلسالم في العدل واملساواة‬
‫واملعاشرة باملعروف‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬موقف املحكمة من خًّلل القرارعدد ‪ 418‬لسنة ‪2021‬‬
‫القرار رقم ‪ 418‬الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ 14‬شتنبر ‪ 2021‬في امللف‬
‫الشرعي عدد ‪ ،2020/1/2/279‬جاء نتيجة نقض القرار رقم ‪ 967‬الصادر بتاريخ ‪ 30‬دجنبر‬
‫‪ 2019‬عن محكمة اإلستئناف بمكناس في امللف عدد ‪ ،2019/1607/556‬والذي أيد بدوره‬
‫الحكم عدد ‪ 1369‬الصادر عن قسم قضاء األسرة بمكناس بتاريخ ‪ 21‬ماي ‪ 2019‬في امللف‬
‫عدد ‪( .2018/1607/4283‬أحكام غير منشورة)‪.‬‬
‫ومن وثائق امللف يستفاد أن املدعي (خ‪-‬أ) تقدم بمقال إلى املحكمة اإلبتدائية‬
‫بمكناس بتاريخ ‪ 12‬دجنبر ‪ 2018‬عرض فيه أنه متزوج باملدعى عليها (ل‪-‬خ)‪ ،‬وأنه استحال‬
‫استمرار العالقة الزوجية بينهما لكثرة املشاكل والخالفات‪ ،‬كما أن زوجته قامت برفع‬
‫شكاية كيدية في مواجهته‪ ،‬أصبح بمقتضاها موضوع مذكرة بحث دولي‪ ،‬وأنه عاطل عن‬
‫العمل ببالد املهجر‪ ،‬ملتمسا الحكم بطالقها من عصمته طالقا رجعيا‪.‬‬
‫عزز املدعي طلبه بوكالة من أجل التطليق مصادق عليها بالقنصلية العامة‬
‫للمملكة املغربية ب "ك" بتاريخ ‪ 25‬فبراير ‪ .2019‬أجابت املدعى عليها أن املدعي تخلف عن‬
‫حضور جلستي الصلح‪ ،‬وأن التطليق بالوكالة ال يقوم على أساس قانوني‪ ،‬وبعد انتهاء‬
‫اإلجراءات‪ ،‬صدر الحكم رقم ‪ 1369‬بتاريخ ‪ 21‬ماي ‪ 2019‬قض ى بعدم قبول الدعوى‪.‬‬
‫فاستأنفه املدعي وأيدته محكمة االستئناف بقرارها املطعون فيه بالنقض‪.‬‬
‫ويعيب الطالب (الزوج) القرار في وسيلة فريدة بنقصان التعليل املوازي النعدامه‪،‬‬
‫بدعوى أنه لم يتمكن من الحضور إلى املغرب قصد حضور جلسات الصلح باملحكمة‬
‫والدفاع عن نفسه لصدور مذكرة بحث في حقه إثر شكاية كيدية رفعتها املطلوبة في‬
‫َّ‬
‫مواجهته‪ ،‬ودون تمتيعه بضمانة الحضور أو الدفاع عن نفسه‪ ،‬وأنه َوك َل دفاعه لحضور‬
‫جلسات الصلح‪ .‬ومما أثار الطالب أيضا أن محكمة النقض أخذت بالوكالة للتطليق في‬
‫قرار سابق لها رقم ‪ 941‬صادر بتاريخ ‪ 24‬دجنبر ‪ 2013‬بناء على إجازة من الفقه االسالمي‬
‫للطالق بالوكالة‪.‬‬
‫‪231‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬جاء في إحدى حيثيات القرار‪..." :‬فإن عدم تنصيصه على‬
‫التوكيل صراحة كما كان عليه األمر في الفصل ‪ 44‬من مدونة األحوال الشخصية‪ ،‬ال يعني‬
‫استبعاده مطلقا‪ ،‬إذ أنه جائز في مذهب اإلمام مالك الذي أحالت عليه مدون األسرة في‬
‫املادة ‪ ،400‬ومعمول به قضاء في بعض حاالت املبعدين أو املحكوم عليهم بالسجن أو‬
‫الحبس ملدد طويلة أو املوجودين في دول يتعذر عليهم مغادرتها ويكون للطالق ما يبرره ومن‬
‫شأن تعليقه إلحاق الضرر بأحد الزوجين‪ ،‬فال هو باملتزوج وال باملطلق‪ ،‬وهو ما يتنافى مع‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾‪ ...‬فإن املحكمة ملا أيدت الحكم‬
‫املستأنف القاض ي بعدم قبول دعواه‪ ،‬دون البحث في ما أثاره الطالب ومناقشته والتأكد‬
‫من صحته والبت وفق ما ينتهي إليه تحقيقها بتطبيق القواعد الفقهية املذكورة والتي هي‬
‫بمثابة قانون‪ ،‬فإن قرارها جاء غير مؤسس‪ ،‬وناقص التعليل وهو بمثابة انعدامه‪ ،‬مما‬
‫يعرضه للنقض"‪.1‬‬
‫من خالل ما سبق‪ ،‬يتضح جليا أن محكمة النقض‪ ،‬الذي تعتبر أعلى هيئة‬
‫قضائية باململكة ومنوطة بتوحيد العمل واإلجتهاد القضائي‪ ،‬قد حسمت الخالف في‬
‫التوجهات التي يتبناها جانب من العمل القضائي حيال مسألة قبول الوكالة في التطليق‪،‬‬
‫حيث أقر قاعدة جواز قبول الوكالة في انحالل الرابطة الزوجية كلما اقتضت ضرورة‬
‫الحال وجدية األسباب وموضوعية الدواعي واستثنائية املبرر‪ .‬إذ من شأن فتح املجال‬
‫لإلستجابة لطلبات التطليق بالوكالة أن يفرغ مؤسسة الصلح من محتواها ويمس جوهر‬
‫وجودها كما أرادت لها إرادة املشرع‪.‬‬
‫فالحضور الشخص ي للزوجين في جلسات الصلح إجراء جوهري وهو القاعدة‪ ،‬أما‬
‫فتعد إجراء استثنائي بحكم الضرورة القصوى لتوافر‬ ‫اإلنابة في حضور تلك الجلسات ُ‬
‫املبرر املوضوعي والجاد الذي يمنع حضور طرفا العالقة الزوجية أو أحدهما جلسة‬
‫الصلح‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة ألفراد الجالية املغربية املقيمة في بلدان املهجر‪.‬‬
‫خاتمـ ــة‪:‬‬
‫من خالل ما سبق ذكره‪ ،‬تم تحديد خصوصيات الوكالة في التطليق‪ ،‬حيث َّ‬
‫تم‬
‫التعرض ملجموعة من اإلشكاالت املرتبطة بمدى جواز استعمال الوكالة في فك الرابطة‬

‫‪ -1‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 418‬الصادر بتاريخ ‪ 2021/09/14‬في امللف الشرعي عدد ‪ ،2020/1/2/279‬قرار غير‬
‫منشور‪.‬‬
‫‪232‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫الزوجية من الناحية الفقهية‪ ،‬مع تحديد املركز القانوني للوكالة في الطالق في التشريع‬
‫املغربي من خالل مقتضيات قانون األحوال الشخصية امللغى ومدونة األسرة الحالية‪ ،‬وكذا‬
‫بيان موقف السلطة القضائية من الوكالة في التطليق من خالل العمل واإلجتهاد القضائي‬
‫الصادر في املوضوع‪.‬‬
‫وفي ختام هذا العمل‪ ،‬سيتم أوال عرض اإلستنتاجات التي تم الوصول إليها‪ ،‬من‬
‫خالل اإلحاطات العديدة بأهم اإلشكاالت والجوانب التي يثيرها ذات البحث‪ ،‬وفي مرحلة‬
‫ثانية‪ ،‬سيتم استعراض مجموعة من التوصيات بشأن ما يمكن عمله‪ ،‬واألخذ به على‬
‫مستوى التشريع املغربي‪.‬‬
‫اإلستنتاجات‪:‬‬
‫توقيع الطالق من ناحية الفقه اإلسالمي‪ ،‬هو حق من الحقوق التي تقبل اإلنابة‪،‬‬
‫إذ كما يمكن للزوج أن يوقعه هو بنفسه‪ ،‬يصح له فقها وقانونا أن ينيب عنه الغير في‬
‫صح طالقه َّ‬
‫صح توكيله‪.‬‬ ‫توقيعه‪ ،‬فكل من َّ‬
‫اإلنابة في الطالق والتطليق‪ ،‬توكيل وتفويض‪ ،‬والتفويض في الطالق بدوره‪ ،‬تمليك‬
‫وتخيير‪.‬‬
‫التوكيل في الطالق والتطليق جائز بإجماع فقهاء املذاهب اإلسالمية‪ ،‬بإستثناء‬
‫املذهب الظاهري الذي يعارض التوكيل فيه ألنه لم يرد في شأنه نص صريح ال في الكتاب وال‬
‫في السنة‪.‬‬
‫نص املشرع املغربي صراحة على امكانية التوكيل في انهاء العالقة الزوجية في‬
‫الفصل ‪ 44‬من قانون األحوال الشخصية امللغاة‪ ،‬إال أنه تراجع عن هذا املوقف في مدونة‬
‫االسرة‪.‬‬
‫اختالف توجهات العمل القضائي حيال الوكالة في التطليق بين معارض ومؤيد‬
‫لهذه الوكالة‪ ،‬كل حسب أسانيده ومرجعياته‪ ،‬لعل أهمها مضمون املادتين ‪ 81‬و‪ 82‬في شأن‬
‫الصلح بين الزوجين‪.‬‬
‫تدخل محكمة النقض من خالل إصداره لقرارين يتفقان مع التوجه املؤيد‬
‫للوكالة في الطالق والتطليق انطالق من املادة ‪ 400‬من املدونة والتي تحيل على الفقه املالكي‬
‫واإلجتهاد الذي يراعى فيه قيم العدل واملساواة واملعاشرة باملعروف‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫ظاهرة التطليق بني إكراهات الواقع واملمارسة القضائية ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اجلزء األول‬

‫أن محكمة النقض أجازت التوكيل في التطليق كإجراء استثنائي وبحكم الضرورة‬
‫القصوى‪ ،‬مع اشتراط توافر املبرر املوضوعي والجاد الذي يمنع حضور طرفا العالقة‬
‫الزوجية أو أحدهما جلسة الصلح‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة ألفراد الجالية املغربية املقيمة‬
‫في بلدان املهجر‪.‬‬
‫اصطدام الوكالة في التطليق مع مؤسسة الصلح بين الزوجين التي يتولى اإلشراف‬
‫عليها القاض ي‪ ،‬حيث إن غياب أحد طرفي العالقة الزوجية أوكالهما عن جلسات الصلح من‬
‫شأنه إفراغ هذه املؤسسة من هدفها النبيل املتمثل في القيام بمساعي الصلح والحفاظ على‬
‫وحدة األسرة واستقرارها وتغليب املصلحة الفضلى لألطفال‪.‬‬
‫التوصيات‪:‬‬
‫تدخل املشرع املغربي إلقرار الوكالة في التطليق بنص صريح يجيز العمل بها‬
‫بالرغم من تداعياتها السلبية على استقرار األسرة واستمرار الرابطة الزوجية‪.‬‬
‫حصر دائرة التوكيل في التطليق لفائدة ذوي قربى الزوجين فقط حفاظا على‬
‫أسرار األسرة وخصوصياتها‪.‬‬
‫جعل التوكيل في التطليق إجراء استثنائي يمارسه كل من الزوج والزوجة على‬
‫السواء تحت رقابة القضاء حيث ال ُيرخص له إال في ظروف قاهرة وملبررات موضوعية‬
‫واستثنائية (اإلعاقة‪ ،‬املرض املزمن‪ُ ،‬‬
‫البعد‪ ،‬الهجرة‪ ،‬االعتقال)‪.‬‬
‫االرتقاء بمؤسسة الصلح بين الزوجين للقيام بأدوارها التوفيقية من خالل‬
‫تحديث بنيات اإلستقبال (فضاءات مناسبة بعيدة عن مرافق املحاكم) وتكوين املوارد‬
‫البشرية املختصة (قضاة متخصصين‪ ،‬أطباء نفسانيين‪ ،‬رجال الدين‪ ،‬مساعدين‬
‫اجتماعيين)‪ ،‬وتطوير برامج التوعية والتواصل (دورات تأهيلية لفائدة املقبلين على الزواج)‪.‬‬

‫‪234‬‬

You might also like