Professional Documents
Culture Documents
فلسفة التربية جون ديوي
فلسفة التربية جون ديوي
تقديم
تعتبر فلسفة التربية موضوعاً شغل حيزا معتبرا من تفكير الفالسفة عامة و"جون ديوي"
خاصة .وزادت أهميتها أكثر في زمن أصبح من الضروري أن يكون لكل أمة فلسفة تربوية
تراعي خصوصيتها ماضيا وحاضرا و مستقبال ،تأخذ بها إلى التقدم وتجعلها قادرة على
مجابهة تحديات العصر .إن التربية ماهي إال عملية إرشاد وتوجيه ،فهي التي تميز االنسان
عن الحيوان باعتبار أن التربية لدى االنسان قصدية إال أنها تسعى إلى تحقيق هدف واحد،
وهو الوصول باإلنسان إلى درجة الكمال .فالفلسفة عند ديوي هي الرؤية التي تهدف إلى
تحرير العقول من األهواء وتخفيف حدة التوتر في الحياة االجتماعية السائدة و أن الفلسفة هي
روح التربية .ما هي التربية؟ و ما هو توجه ديوي في التربية ؟
فلسفة التربية عند جون ديوي
تعريف جون ديوي
جون ديوي هو فيلسوف وعالم نفس أمريكي وزعيم من زعماء الفلسفة البراغماتية ويعتبر
من أوائل المؤسسين لها .كان لجون ديوي ارتباط كبير بفلسفة التربية ومن أشهر أعالم
التربية الحديثة على المستوى العالمي,ارتبط اسمه بفلسفة التربية ألنه خاض في تحديد
الغرض من التعليم وأفاض بالحديث عن ربط النظريات بالواقع من غير الخضوع لنظام
الواقع والتقاليد الموروثة فهو األب الروحي للتربية التقديمية أو التدريجية
يعد جون ديوي عمالق من عمالقة الفلسفة المعاصرة بال نزاع وتشهد بذلك مؤلفاته التي قد ال
تدخل تحت حصر سواء في عددها وفي تنوع الموضوعات التي خاضتها .تأثر الفيلسوف
االمريكي جون ديوي بكتابات جيمس وبدال من أن يحض على البحث على النتيجة الصادقة
رأى بأن الصادق هو المفيد ،لذلك طالب ديوي أن تنزل الفلسفة من برجها العاجي لتعالج
مشكالت المجتمع وجعل التربية من الموضوعات األساسية للفلسفة
فالفلسفة عنده ترسم مسارات التعليم كما ال يمكن الفصل بينها وبين التربية ،فاألول يقدم
التصورات الضرورية والثاني يمثل التطبيق العملي لتلك التصورات .إذا أردنا أن نوجز
فلسفة وعقيدة ديوي باختصار فالتعليم األمثل عنده هو الذي يغرس مهارات وال يكدس
معلومات وهو الذي يالمس متطلبات الواقع بدال من دراسة النظريات وعدم تطبيقها
مفهوم التربية
هي عملية صناعة اإلنسان كما تطلق على كل عملية أو مجهود أو نشاط يؤثر في قوة اإلنسان
او تكوينه و التربية ما هي إال تحصيل للمعرفة وتوريث للقيم وتوجيه للفكر وتهذيب للسلوك.
لكن بمفهومها الشامل التربية هي الرعاية الشاملة والمتكاملة لشخصية اإلنسان من جوانبها
األربعة :الجسدي والنفسي والعقلي واالجتماعي وتنميتها بهدف إيجاد فرد متوازن .يقول
ديوي بخصوص التربية “ :إن الحياة في أصل طبيعتها تسعى إلى دوام وجودها عن طريق
التجدد المستمر .فالتربية هي مجموعة من العمليات التي بها يستطيع المجتمع أن ينقل
معارفه وأهدافه المكتسبة ليحافظ على بقائه؛ وتعني في الوقت نفسه التجدد المستمر لهذا
التراث ولألفراد الذين يحملونه
فالغاية المثلى من التربية هي النمو والمزيد من النمو،إنها الحياة نفسها بنموها وتجددها ,كما
عرفها إميل دوركايم :التربية هي العمل الذي يمارسه أجيال الراشدين على أجيال يتم
نضجها بعد للحياة االجتماعية .فسرها أيضا هربرت سبنسر :التربية هي إعداد للحياة لكن
ما هي وجهة نظر جون ديوي ؟
التربية هي الحياة وليست اإلعداد للحياة هكذا عرفها ديوي والحياة في طبيعتها تسعى للتجدد
المستمر لذلك فالتربية هي مجموعة من العمليات التي يستطيع المجتمع بها أن ينقل معارفه
وأهدافه المكتسبة ليحافظ على بقائه
مفهوم فلسفة التربية
إن فلسفة التربية هي تطبيق للنظرة الفلسفية والمنهج الفلسفي على التربية ذلك أنها تتناول
تحديد مسار العملية التربوية وتنسيقها ونقدها و تعديلها ,في ضوء المشكالت الثقافية
وصراعاتها من أجل تحقيق اإلنسجام في داخلها مع سائر المؤسسات االجتماعية .حيث
تتضمن فلسفة التربية البحث عن مفاهيم تواجد الفرد بين المظاهر المختلفة للعملية التربوية
وعامة يمكن القول أنها االستشراف المنهجي للمستقبل التربوي والواقع التربوي وما يحيط به
وما يؤدي اليه
فلسفة التربية عند جون ديوي
إن جون ديوي أول من تحدث عن فلسفة التربية باعتبارها من مجاالت الفلسفة التطبيقية ,كما
وضع العالقة بين الفلسفة والتربية وتطبيقها في الحياة الواقعية في إطارها السليم وقد وضح
ديوي عالقة الفلسفة بالتربية بقوله " :في الحق إن كل نظرية فلسفية ال تؤدي إلى تبديل في
العمل التربوي ال بد أن تكون مصطنعة ،ذلك بأن وجهة نظر التربية تعيننا على فهم المشاكل
الفلسفية في منابتها التي نشأت فيها ،حيث يؤدي قبولها أو رفضها إلى تبديل في الناحية
العملية في التربية
وصف ديوي فلسفة التربية الصالحة والمفيدة هي القادرة على خلق التغيير والتبديل في
األساليب والطرق التربوية ،ففي كتابه الديمقراطية والتربية الذي شرح فيه فلسفته في التربية
بالتفصيل وفسر على أنها من تعين الجماعات البشرية على استمرار وجودها كما تهدف تلك
المجموعات إلى التقدم بقصد التنوع والتبادل
ربط ديوي فلسفته في التربية بمصطلح الخبرة وأن المصدر األساسي للقيم األخالقية هي
الخبرة والتجربة فالفرد عنده يكتسب قيمة أخالقية وضمير أخالقي عن طريق تفاعله وخبرته
مع البيئة المحيطة به مثلها مثل بقية معارفه ومهاراته وعاداته واتجاهاته التي يكتسبها عن
طريق الخبرة
يؤمن ديوي بأن تكوين الخبرات ال يتم إلى عن طريق حل المشكالت ،وأن ال خير في شيء
ال يكون خبرة عند الطفل .وبالنسبة لطبيعة العملية التربوية يؤمن بأن التربية هي الحياة نفسها
وليست مجرد إعداد للحياة ،وبأنها عملية نمو ،وعملية تعلم ،وعملية بناء وتجديد مستمرين
للخبرة ،وعملية اجتماعية ،ولتكون التربية عملية حياة البد أن ترتبط بشؤون الحياة ،ولتكون
عملية نمو وعملية تعلم وعملية اكتساب للخبرة البد أن تراعي فيها شروط النمو وشروط
التعلم وشروط اكتساب الخبرة ،ولتكون عملية اجتماعية البد أن تتضمن تفاعال اجتماعيا في
جو اجتماعي صالح ...فقد أشار "جون ديوي" بوضوح أن الفلسفة هي التربية وأن التربية
هي الفلسفة ،فالفلسفة متصلة أوثق اتصال بالحياة ،ويقول في ذلك" :أن أي شخص عاقل قد
يرى من الممكن أن التفلسف يجب أن يدور حول التربية باعتبارها أقصى اهتمام إنساني،
وتتواجد معه عالوة على ذلك مشكالت أخرى كونية وأخالقية ومنطقية
الخبرة أساس فلسفة التربية عند جون ديوي
قدم ديوي تصورا جديدا للفلسفة بصورة عامة و التربية بصورة خاصة ذلك التصور يتمثل
في الخبرة ،جعل ديوي الخبرة أساس التربية الجديدة و أولى اهتماما خاصا بها فآمن بأن
التربية الصحيحة إنما تتحقق بها ،وال شك من أن الخبرة التي يقصدها "جون ديوي" هي
الخبرة النافعة التي تحقق تفاعال بين الفرد وبيئته ويستثنى بذلك الخبرات التي ال تتضمن
تفاعال وال تحدث التغيرات المرغوب فيها في سلوك الفرد .فمفهوم الخبرة يقصد به عملية
ديناميكية متغيرة ومتطورة تعبر عن الترابط بين الفكر والعمل والتفكير والنشاط أنها عملية
والفرد والمجتمع ،و الحياة نفسها وحقيقة التكيف ذاته ،بل إنها السبيل إلى بناء الحياة
الديمقراطية والقائمة على احترام الفرد ،وأداة التفاعل بين الكائن الحي و بيئته فالخبرة ليست
شيئا اختباريا بل تجريبيا
وضع ديوي شروطا الختيار الخبرة التي تكون اساسا لكل تربية صالحة و التي تسمح
بالحصول على خبرات اخرى مفيدة في المستقبل فيرى أن الخبرة الصالحة هي التي تساهم
في تنمية الذكاء وتحصيل الفهم واالدراك وال يكون ذلك دون ولوج المنهج العلمي إلى الحياة
ونظرا لما للعلم التجريبي من دور في الخبرة الحياتية فإن "ديوي" أكد على ضرورة
اصطناع االعمال التطبيقية العلمية في التربية المدرسية لربطها بالواقع الذي يتصل بالخبرة
االنسانية .هناك مبدأين أساسيين يراهما "ديوي" ضروريين في هذه النظرية التي رسمها
للخبرة هما مبدأ التفاعل ومبدأ االستمرار
:مبدأ االستمرار
االستمرار أو تواصل الخبرة ،وهو سمة ضرورية في الخبرة التربوية ألن النمط القديم لم
يكن يراعي هذا المقوم مما جعل التربية التقليدية تنحرف عن النمو وتتجه إلى االتجاه الغير
السليم ،ويعني هذا المبدأ أن الخبرة الحاضرة تأخذ من الخبرة السابقة وتستفيد منها ،وتشترك
معها في ظروف مختلفة ،وتتصل أيضا مع الخبرة الالحقة لتأخذ بها إلى مستوى أعلى
وأفضل ،وبالتالي تشترك معها في ظروف وعوامل معينة
:مبدا التفاعل
إن مبدأ التفاعل يلتقي مع مبدأ االستمرار في الخبرة التربوية ،هذا الذي يمثل انتفاضة
"ديوي" على التربية ،التقدمية تقوم على التفاعل بين الظروف الخارجية فالتربية التقدمية
تقوم على التفاعل بين الظروف الداخلية من جهة والخارجية من جهة أخرى ويسمى تفاعلهما
موقفا يقضي إلى خبرة تربوية سليمة ،وتتنوع الخبرات الناتجة تبعا للفروقات الفردية من
حيث االستعداد والتفاعل ،ولهذا كان يهدف "ديوي" إلى الحفاظ على االتزان بين ميوالت
الفرد ومقتضيات البيئة عمل في إصالحه التربوي بتركيز الجهود على الطفل في كل جوانبه
باعتباره طرفا مركزيا في عملية التفاعل دون إغفال الجانب االخر من التفاعل وهو المدرسة
أو البيئة و ظروفها و هذا التوازن في التفاعل هو الذي يكون الخبرة و يجددها