Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫د‪ .‬محمد عمارة – هوية بريس ‪.

‬‬

‫صحيح وحق أن آيات الميراث في القرآن الكريم قد جاء فيها قول هللا سبحانه‬
‫وتعالى (للذكر مثل حظ األنثيين) (النساء‪)11:‬؛ لكن كثيرين من الذين يثيرون الشبهات‬
‫حول أهـلية المرأة في اإلسـالم‪ ،‬متخـذين من التمايز في الميراث سبيالً إلى ذلك ال يفقـهون‬
‫أن توريث المـرأة على النصـف من الرجل ليس موقفًا عا ًما وال قاعدة مطّردة في توريث‬
‫‪.‬اإلسالم لكل الذكور وكل اإلناث‬

‫فالقرآن الكريم لم يقل‪ :‬يوصيكم هللا في المواريث والوارثين للذكر مثل حظ األنثيين‪ ..‬إنما‬
‫قال‪( :‬يوصيكم هللا في أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيين)‪ ..‬أي أن هذا التمييز ليس قاعدة‬
‫مطّردة في كل حـاالت الميراث‪ ،‬وإنما هو في حاالت خاصة‪ ،‬بل ومحدودة من بين حاالت‬
‫‪.‬الميراث‬

‫بل إن الفقه الحقيقي لفلسفة اإلسالم في الميراث تكشف عن أن التمايـز في أنصبة الوارثين‬
‫والوارثات ال يرجع إلى معيار الذكورة واألنوثة‪ ..‬وإنما لهذه الفلسفة اإلسالمية في التوريث‬
‫ِح َكم إلهية ومقاصد ربانية قد خفيت عن الذين جعلوا التفاوت بين الذكور واإلناث في بعض‬
‫‪.‬مسائل الميراث وحاالته شبهة على كمال أهلية المرأة في اإلسالم‬

‫وذلك أن التفاوت بين أنصبة الوارثين والوارثات في فلسـفة الميراث اإلسالمي ‪-‬إنما تحكمه‬
‫‪ :-‬ثالثة معايير‬

‫درجة القرابة بين الوارث ذك ًرا كان أو أنثى وبين ال ُم َو َّرث المتوفَّى فكلما اقتربت ‪:‬أولها‬
‫الصلة‪ ..‬زاد النصيب في الميراث‪ ..‬وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب في الميراث دونما‬
‫‪..‬اعتبار لجنس الوارثين‬

‫موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني لألجيال‪ ..‬فاألجيال التي تستقبل الحياة‪: ،‬وثانيها‬
‫وتستعد لتحمل أعبائها‪ ،‬عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب األجيال التي‬
‫‪.‬مفروضة على غيرها ‪-‬تستدبر الحياة‪ .‬وتتخفف من أعبائها‪ ،‬بل وتصبح أعباؤها ‪-‬عادة‬

‫وذلك بصرف النظر عن الذكورة واألنوثة للوارثين والوارثات‪ ..‬فبنت المتوفى ترث أكثر‬
‫وكلتاهما أنثىـ‪ ..‬وترث البنت أكثر من األب! حتى لو كانت رضيعة لم تدرك شكل ‪-‬من أمه‬
‫أبيها‪ ..‬وحتى لو كان األب هو مصدر الثروة التي لالبن‪ ،‬والتي تنفرد البنت بنصفها! ‪-‬‬
‫‪..‬وكذلك يرث االبن أكثر من األب‪ -‬وكالهما من الذكور‬

‫وفي هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث في اإلسالم ِح َكم إلهية بالغة ومقاصد ربانية‬
‫! سامية تخفى على الكثيرين‬
‫‪..‬وهى معايير ال عالقة لها بالذكورة واألنوثة على اإلطالق‬

‫العبء المالي الذي يوجب الشرع اإلسالمي على الوارث تحمله والقيام به حيال ‪:‬وثالثها‬
‫لكنه تفـاوت ال ‪..‬اآلخرين‪ ..‬وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتا ً بين الذكر واألنثى‬
‫! يفـضى إلى أي ظـلم لألنثى أو انتقاص من إنصافها‪ ..‬بل ربما كان العكس هو الصحيح‬

‫ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون في درجة القرابة‪ ..‬واتفقوا وتساووا في موقع‬
‫الجيل الوارث من تتابع األجيال ‪-‬مثل أوالد المتوفَّى‪ ،‬ذكوراً وإناثا ً‪ -‬يكون تفاوت العبء‬
‫المالي هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث‪ ..‬ولذلك‪ ،‬لم يعمم القرآن الكريم هذا‬
‫التفاوت بين الذكر واألنثى في عموم الوارثين‪ ،‬وإنما حصره في هذه الحالة بالذات‪ ،‬فقالت‬
‫اآلية القرآنية‪( :‬يوصيكم هللا في أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيين)‪ ..‬ولم تقل‪ :‬يوصيكم هللا في‬
‫والحكمة في هذا التفاوت‪ ،‬في هذه الحالة بالذات‪ ،‬هي أن الذكر هنا ‪..‬عموم الوارثين‬
‫مكلف بإعالة أنثى ‪-‬هي زوجه‪ -‬مع أوالدهما‪ ..‬بينما األنثـى الوارثة أخت الذكرـ إعالتها‪ ،‬مع‬
‫أوالدها‪ ،‬فريضة على الذكر المقترن بها‪ ..‬فهى ‪-‬مع هذا النقص في ميراثها بالنسبة ألخيها‪،‬‬
‫‪..‬الذي ورث ضعف ميراثها‪ ،‬أكثر حظًّا وامتيازاً منه في الميراث‬

‫فميراثها ‪-‬مع إعفائها من اإلنفاق الواجب‪ -‬هو ذمة مالية خالصة ومدخرة‪ ،‬لجبر‬
‫االستضعاف األنثوى‪ ،‬ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات‪ ..‬وتلك حكمة إلهية قد تخفى‬
‫‪..‬على الكثيرين‬

‫وإذا كانت هذه الفلسفة اإلسالمية في تفاوت أنصبة الوارثين والوارثات وهى التي يغفل‬
‫عنها طرفا الغلو‪ ،‬الديني والالديني‪ ،‬الذين يحسبون هذا التفاوت الجزئي شبهة تلحق بأهلية‬
‫المرأة في اإلسالم فإن استقراء حاالت ومسائل الميراث ‪-‬كما جاءت في علم الفرائض‬
‫(المواريث)ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة في هذا‬
‫‪ :‬الموضوع‪ ..‬فهذا االستقراء لحاالت ومسائل الميراث‪ ،‬يقول لنا‬

‫‪.1‬ـ إن هناك أربع حاالت فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل‬

‫‪.2‬ـ وهناك حاالت أضعاف هذه الحاالت األربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تماما ً‬

‫‪.3‬ـ وهناك حاالت عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل‬

‫‪.4‬ـ وهناك حاالت ترث فيها المرأة وال يرث نظيرها من الرجال‬

‫أي أن هناك أكثر من ثالثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل‪ ،‬أو أكثر منه‪ ،‬أو ترث هي‬
‫وال يرث نظيرها من الرجال‪ ،‬في مقابلة أربع حاالت محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل‪..‬‬
‫‪(10-46).‬د‪ .‬صالح الدين سلطان “ميراث المرأة وقضية المساواة‪ :‬ص‬
‫تلك هي ثمرات استقراء حاالت ومسـائل الميراث في عـلم الفرائض (المواريث)‪ ،‬التي‬
‫حكمتها المعايير اإلسالمية التي حددتها فلسفة اإلسالم في التوريث‪ ..‬والتي لم تقف عند‬
‫! معيار الذكورة واألنوثة‪ ،‬كما يحسب الكثيرون من الذين ال يعلمون‬

You might also like