Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 78

‫محاضرات مادة (العقيـــدة)‬

‫ل الْـعَـق ِيـد َة الـوَاسَـط ِيّــة"‬


‫من كتاـب "الـجَاـم ِع لـِمَسَائِـ ِ‬

‫شـرح فضيلة الشيخ‪ :‬خالد الجهنـي (حفظه الل ّه)‬

‫ونفع الل ّه به الإسـلام والمسلمين‪ ،‬وجزاه الل ّه عنا خير الجزاء‪.‬‬

‫نسألـكم الدعاء لمن قام بجمع وتنسيق المحاضرات‪.‬‬

‫أخوكـم في الل ّه (فهــد بن عبدالعـز يــز)‬

‫"جمهور يــة مصـر العربيــة"‬


‫فهـرس "تفر يـغ المحاضرات"‬

‫الصفحــــة‬ ‫الـمحاضـــــرة‬ ‫م‬

‫‪1‬‬ ‫الـمحاضـــــرة الأولـى‬ ‫‪1‬‬

‫‪8‬‬ ‫الـمحاضـــــرة الثاـنيـــة‬ ‫‪2‬‬

‫‪14‬‬ ‫الـمحاضـــــرة الثالثـــة‬ ‫‪3‬‬

‫‪22‬‬ ‫الـمحاضـــــرة الرابعــــة‬ ‫‪4‬‬

‫‪27‬‬ ‫الـمحاضـــــرة الخامســـة‬ ‫‪5‬‬

‫‪33‬‬ ‫الـمحاضـــــرة السادســـة‬ ‫‪6‬‬

‫‪37‬‬ ‫الـمحاضـــــرة السابعـــة‬ ‫‪7‬‬

‫‪45‬‬ ‫الـمحاضـــــرة الثاـمنـــة‬ ‫‪8‬‬

‫‪51‬‬ ‫الـمحاضـــــرة التاـسعـــــة‬ ‫‪9‬‬

‫‪55‬‬ ‫الـمحاضـــــرة العاـشـــرة‬ ‫‪10‬‬

‫‪62‬‬ ‫الـمحاضـــــرة الحاـديــة عشــرة‬ ‫‪11‬‬

‫‪70‬‬ ‫الـمحاضـــــرة الثاـنيـــة عشــرة‬ ‫‪12‬‬


‫المحاضـرة الأولـى‬

‫وسالما على إمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫ً‬ ‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصال ًة‬
‫مرحبًا بكم أيها األفاضل وأيّتها الفضليات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪ ،‬وهذه هي المحاضرة "األولى" من محاضرات العقيدة‬
‫من كتاب [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية]‪ ،‬وقبل أن نشرع في شرح كتاب [العقيدة الواسطية] أود أن أُقدِّم بمقدمتين‪:‬‬
‫لمصنِّف كتاب [العقيدة الواسطية] شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪.‬‬
‫إحداهما‪ :‬ترجمة موجزة ُ‬
‫المقدمة الثانية‪ :‬مقدمات عامة‪.‬‬

‫أما المقدمة األولى‪ :‬فهي ترجمة موجزة للمصنف ‪.‬‬


‫نسبه‪ :‬المصنف هو‪ :‬شيخ اإلسالم تقي الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ اإلمام العالمة شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم‬
‫بن تيمية ‪.‬‬
‫لقبه‪ :‬لُِّقب بابن تيمية؛ ألن جده محم ًدا كانت أمه تُسمى «تيميّة»‪ ،‬وكانت واعظةً فنُسب إليها وعُرف بها‪ ،‬وقيل ألن جده محمد‬
‫بن الخضر حج على طريق «تيماء» فرأى هناك طفلة‪ ،‬فلما رجع وجد امرأته قد ولدت له بنتًا فقال‪ :‬يا تيميّة يا تيميّة؛ فلُ ِّقب بها‪.‬‬
‫وحران تقع اآلن في جنوب شرق تركيا‪.‬‬
‫بحران‪ّ ،‬‬
‫مولده‪ :‬ولد ‪ّ ‬‬
‫ولد ‪ ‬سنة إحدى وستين وستمائة‪ ،‬وقد هاجر به وبإخوته والداه إلى الشام لما أفسد التتار في البالد‪.‬‬
‫شيوخه‪ :‬أخذ شيخ اإلسالم ‪ ‬العلم عن كثير من العلماء منهم‪:‬‬
‫عبد الصمد بن عساكر الدمشقي ‪.‬‬
‫محمد بن عبد القوي ِ‬
‫المرداوي ‪ .‬وغيرهم كثير‪.‬‬
‫إماما يُقتدى به‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫تالميذه‪ :‬أما تالميذه ف ُكثر؛ منهم َمن صار ً‬
‫الحافظ ابن عبد الهادي المقدسي ‪.‬‬ ‫الحافظ المزي ‪.‬‬
‫ابن القيم الجوزية ‪.‬‬ ‫شمس الدين الذهبي ‪.‬‬
‫عمر بن علي البزار ‪.‬‬ ‫الحافظ ابن كثير ‪.‬‬ ‫ابن مفلح ‪.‬‬

‫مذهبه‪:‬أما مذهبه الفقهي‪ ،‬فقد نشأ حنبلي المذهب‪ ،‬ثم صار مجته ًدا ال يتقيّد بمذهب معين؛ وإنما يتبع الدليل‪.‬‬

‫مدافعا‬
‫ً‬ ‫عقيدته‪ :‬وأما عقيدته‪ ،‬فهي عقيدة سلف األمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان‪ ،‬وقد جاهد المبتدعة في زمانه بلسانه‬
‫عن هذه العقيدة‪ ،‬ولما سأله سائل عن عقيدته أجاب بالمنظومة الالمية المشهورة‪.‬‬

‫مؤلفاته‪:‬‬
‫"جمعت مصنفات شيخ اإلسالم تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية ‪ ،‬فوجدتها ألف‬
‫ُ‬ ‫أما عن مؤلفاته فيقول الذهبي ‪:‬‬
‫أيضا مصنفات أُخر"‪.‬‬
‫أيت له ً‬
‫مصنف‪ ،‬ثم ر ُ‬

‫﴿‪﴾- 1 -‬‬
‫ومن مصنفاته‪:‬‬
‫[االستقامة]‪.‬‬ ‫[درء تعارض العقل والنقل]‪.‬‬
‫[الفرقان بين أولياء اهلل وأولياء الشيطان]‪.‬‬ ‫[التدمرية]‪.‬‬ ‫[مجموع الفتاوى]‪.‬‬

‫عبادته‪ :‬أما عن عبادته‪ ،‬فكان ‪ ‬يقطع ُج َّل وقته في العبادة‪ ،‬حتى إنه لم يجعل لنفسه شاغلة تشغله عن اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫علي‪ ،‬فأستغفر اهلل تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى‬
‫يقول ‪ :‬إنه ليقف خاطري في المسألة والشيء أو الحالة التي تَش ُكل َّ‬
‫ينشرح الصدر وينحل إشكال ما أُشكل‪ ،‬وأكون إذ ذاك في السوق أو المسجد أو الدرب أو المدرسة ال يمنعني ذلك من الذكر‬
‫واالستغفار إلى أن أنال مطلوبي‪.‬‬
‫يقول ابن القيم ‪ :‬حضرت شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ‬مرةً صلى الفجر‪ ،‬ثم جلس يذكر اهلل تعالى إلى قريب من انتصاف‬
‫دوتي‪ ،‬ولو لم أتغ َد الغداء سقطت قوتي‪.‬‬
‫إلي وقال‪ :‬هذه غَ َ‬
‫التفت َّ‬
‫َ‬ ‫النهار‪ ،‬ثم‬
‫ثناء العلماء عليه‪ :‬أثنى على شيخ اإلسالم كثير من العلماء‪.‬‬
‫يقول عنه ابن سيد الناس ‪ :‬ألفيته ِم َّمن أدرك من العلوم حظا‪ ،‬وكاد يستوعب السنن واآلثار حفظا‪ ،‬إن تكلم في التفسير فهو‬
‫حامل رايته‪ ،‬أو أفتى في الفقه فهو مدرك غايته‪ ،‬أو ذاكر بالحديث فهو صاحب علمه وذو روايته‪ ،‬أو حاضر بالنِّحل (أي‪ :‬العقائد‬
‫والملل) لم يُر أوسع من نحلته في ذلك وال أرفع من درايته‪ ،‬برز في كل ف ٍن على أبناء جنسه‪ ،‬ولم َتر عين من رآه مثله‪ ،‬وال ر ْ‬
‫أت‬
‫عينه مثل نفسه‪.‬‬
‫منتصب‬
‫ٌ‬ ‫ويقول ابن رجب الحنبلي ‪ :‬كانت العلماء والصلحاء والجند واألمراء والتجار وسائر العامة تحب ابن تيمية‪ ،‬ألنه‬
‫ونهارا بلسانه وعلمه‪.‬‬
‫ليال ً‬‫لنفعهم ً‬
‫وهذا فيه مصداق قول رسول اهلل ‪" :‬ازهد فيما عند الناس يحبك الناس"‪.‬‬
‫إذا أردت أن يحبك الناس فازهد فيما عندهم‪ ،‬ال تطلب شيئًا منهم‪.‬‬
‫يقول عنه الذهبي ‪ :‬شيخنا اإلمام شيخ اإلسالم فرد الزمان‪ ،‬بحر العلوم‪ ،‬تقي الدين‪ ،‬قرأ القرآن والفقه وناظر واستدل وهو‬
‫ودرس وله نحو العشرين‪ ،‬وصنف التصانيف وصار من أكابر العلماء في‬
‫دون البلوغ (قبل أن يبلغ)‪ ،‬برع في العلم والتفسير وأفتى َّ‬
‫حياة شيوخه‪.‬‬
‫رجال كل العلوم بين عينيه؛ يأخذ ما يريد ويدع ما يريد‪.‬‬
‫أيت ً‬
‫اجتمعت بابن تيمية ر ُ‬
‫ُ‬ ‫ويقول عنه ابن دقيق العيد ‪ :‬لما‬
‫وذامه‬
‫العمري ‪ :‬كان ابن تيمية ال تأخذه في الحق لومة الئم وليس عنده مداهنة‪ ،‬وكان مادحه ُّ‬
‫وقال عنه القاضي ابن فضل اهلل ُ‬
‫في الحق عنده سواء‪.‬‬
‫تواضعه‪ :‬أما عن تواضعه‪ ،‬فأنا أقرأ عليكم ما قاله عنه تلميذه البزار؛ حتى نقتدي بهذا اإلمام العظيم شيخ اإلسالم‪.‬‬
‫بأحد من أهل عصره مثله في ذلك‪ ،‬كان يتواضع للكبير والصغير‪ ،‬والجليل والحقير‪،‬‬ ‫سمعت ٍ‬‫ُ‬ ‫أيت وال‬
‫يقول البزار ‪ :‬ما ر ُ‬
‫المستحلى زياد ًة على مثله من األغنياء‪ ،‬حتى‬
‫والغني الصالح والفقير‪ ،‬وكان يدني الفقير الصالح ويكرمه ويؤنسه‪ ،‬ويباسطه بحديثه ُ‬
‫جبرا لقلبه وتقربًا بذلك إلى ربه‪ ،‬وكان ال يسأم ممن يستفتيه أو يسأله‪ ،‬بل يُقبل عليه‬
‫أنه ربما خدمه بنفسه وأعانه بحمل حاجته ً‬
‫حاضرا أو‬ ‫عالما أو عاميًّا‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫حرا أو عب ًدا‪ً ،‬‬
‫رجال أو امرأة‪ًّ ،‬‬
‫صغيرا‪ً ،‬‬
‫كبيرا كان أو ً‬
‫ببشاشة وجه ويقف معه حتى يكون هو الذي يفارقه ً‬
‫﴿‪﴾- 2 -‬‬
‫عرفه الخطأ من الصواب بلطف وانبساط‪ ،‬وكان ال يذكرني باسمي بل‬
‫فهمه ويُ ِّ‬ ‫باديًا‪ ،‬وال يُحرجه وال ِّ‬
‫ينفره بكالم يوحشه‪ ،‬بل يُجيبه ويُ ِّ‬
‫وأظهر لي من ُحسن األخالق والمبالغة في التواضع بحيث إنه كان إذا خرجنا من منزله بقصد القراءة‬‫َ‬ ‫يلقبني بأحسن األلقاب‪،‬‬
‫يحمل هو بنفسه النسخة‪ ،‬وال يدع أح ًدا منَّا يحملها عنه‪ ،‬وكنت أعتذر إليه من ذلك خوفًا من سوء األدب‪ ،‬فيقول‪ :‬لو حملته على‬
‫رأسي لكان ينبغي؛ َأال أحمل ما فيه كالم رسول اهلل ‪‬؟!‬
‫شيخ اإلسالم ‪ ‬ظل عمره كله ينتقل من محنة إلى أخرى وقد حبس في آخر حياته وما زال في محبسه حتى مات‪.‬‬
‫مشهودا ضاقت ِ‬
‫بجنازته الطريق‪ ،‬وانتابها المسلمون من‬ ‫يوما‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫تُوفي ‪ ‬سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بقلعة دمشق‪ ،‬كان يوم وفاته ً‬
‫فج عميق رحمةُ اهلل على شيخ اإلسالم ‪.‬‬
‫كل ٍّ‬
‫أما المقدمة الثانية‪ :‬فهي مقدمات عامة‪ ،‬ينبغي لدارس العقيدة أن يتعلمها؛ ال يستغني عنها طالب علم‪:‬‬

‫المقدمة األولى‪[ :‬تعريف العقيدة]‬


‫لغة‪ :‬العقيدة على وزن فعيلة بمعنى مفعولة أي‪ :‬معتقد‪ ،‬وهي ما يدين اإلنسان به‪.‬‬
‫وعرفها العلماء بأنها‪ :‬حكم الذهن الجازم‪ .‬يعني‪ :‬ما يتكلم اإلنسان به ال يسمى عقيدة إال إذا كان مواف ًقا لقلبه (هذا معنى حكم‬
‫َّ‬
‫الذهن)‪.‬‬
‫وما يتردد اإلنسان فيه ويشك ال يسمى عقيدة (هذا معنى الجازم)‪.‬‬
‫يعني ال تسمى العقيدة عقيدة إال إذا توفر فيها أمران‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن تكون بالقلب‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن تكون جازمة ال شك فيها‪.‬‬

‫المقدمة الثانية‪[ :‬موضوع العقيدة]‬


‫العقيدة تتناول عدة موضوعات أعظمها‪ :‬أصول اإليمان الستة وما يتفرع عنها‪.‬‬

‫المقدمة الثالثة‪[ :‬ما الفائدة والثمرة التي تعود علينا إذا تعلمنا علم العقيدة؟]‬
‫في الحقيقة علم العقيدة له تأثير عظيم على القلوب؛ اإلنسان إذا حقق اإليمان بربه سبحانه وتعالى‪ ،‬فسوف ينصلح حاله‪ ،‬ومن ثم‬
‫تنصلح المجتمعات بأسرها‪.‬‬
‫إذا حققت اإليمان بأن اهلل يسمع‪ ،‬بأن اهلل يرى وسيحاسبك؛ فلن تتخلف عن شيء أمر اهلل به‪ ،‬ولن تتجرأ على شيء نهى اهلل عز‬
‫وجل عنه‪.‬‬
‫توقن أن ربك يسمعك؛ فال تتلفظ بكلمة ال ترضي اهلل سبحانه وتعالى ألنك تعلم أن الذي يسمعك سيحاسبك‪.‬‬
‫ِيب َعت ِ ٌ‬
‫َليْهِ َرق ٌ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬
‫{ َّما يَلفِظ مِن ق ْول إَّل َ‬
‫يد} [ق‪.]١٨ :‬‬ ‫ٍ ِ‬
‫رقيب‪ :‬يرقب قوله‪.‬‬
‫همة وهي كتابة األعمال واألقوال‪.‬‬ ‫عتيد‪ :‬يُحصي أفعاله وأقواله حتى يُحاسب عليها‪ ،‬عتيد ُم َع ٌّد لهذه َ‬
‫الم ّ‬

‫﴿‪﴾- 3 -‬‬
‫مثال هذه تجعل الموظف ينضبط بقوانين‬
‫الناس اليوم ينضبطون بقوانين البشر؛ ألجل وجود الرقيب عليهم‪ ،‬وجود كاميرات مراقبة ً‬
‫الشركة‪ ،‬أو قوانين المؤسسة أو القوانين العامة؛ لذلك تجده ال ي ِ‬
‫حدث مخالفة‪ ،‬ربك أولى بهذه المراقبة من هؤالء البشر‪.‬‬‫ُ‬
‫المؤمن عنده عقيدة وإيمان يمنعه من فعل المعاصي‪ ،‬يمنعه من أذية الناس‪ ،‬يمنعه من الظلم‪ ،‬من الكذب‪ ،‬من ِ‬
‫الغيبة‪ ،‬من النميمة‪،‬‬
‫من القتل‪ ،‬من الفواحش؛ وهذا أعظم من مراقبة البشر‪.‬‬
‫ثمة رقيب فإنهم ال يلتزمون بشيء‪،‬‬
‫البشر الذين يراقبون القوانين ويلتزمون بها؛ خوفًا من المعاقبة في الدنيا إذا كانوا في مكان ما َّ‬
‫أما المؤمن فيعلم أنه مهما كان في مكان فإن عليه رقيب‪ ،‬هذا الرقيب يحاسبه‪ ،‬هذا الرقيب يراه‪ ،‬هذا الرقيب يسمعه؛ فتجده‬
‫يلتزم في كل مكان‪ ،‬وكل زمان بحدود اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫والناس إذا التزموا بحدود اهلل سبحانه وتعالى انصلحت أحوالهم كافة‪ ،‬فال حاجة إلى قوانين البشر حينئذ‪.‬‬
‫المدبر لهذا‬
‫إذا حققت اإليمان بربك أيها الكريم‪ ،‬فسوف تسعد في حياتك؛ ينشرح صدرك إذا أيقنت أن اهلل سبحانه وتعالى هو ُ‬
‫لت عليك مصيبة فسوف ترضى وتسلم وال‬ ‫نفع له‪ ،‬وإذا نز ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الكون؛ فلن تخاف من أحد أن يُنقص عمرك‪ ،‬أو رزقك أو شيئًا مما فيه ٌ‬
‫تتسخط؛ ألنك تعلم أنها من اهلل وأن اهلل قدرها عليك‪ ،‬ولو اجتمع الناس كلهم على أن يمنعوا هذه المصيبة عنك لما استطاعوا؛‬
‫ألن اهلل قدرها عليك‪.‬‬
‫النفع كله بيد اهلل‪ ،‬والضُّر كله بيد اهلل إذا أراد اهلل عز وجل إنسانًا بنفع؛ فلن يستطيع أح ٌد أن يدفعه‪ ،‬وإذا أراد اهلل عز وجل إنسانًا‬
‫بضر؛ فلن يستطيع أحد أن يدفعه؛ هذه عقيدة من حققها سعد في دنياه‪ ،‬ومن ثَم يسعد في أخراه‪ ،‬إذا تعلمت العقيدة الصحيحة‬
‫فال بد أن تجتنب العقيدة الفاسدة‪.‬‬
‫الناس لماذا يبتدعون؟ ألجل أنهم لم يتعلموا العقيدة الصحيحة؛ لذلك تجد المجتمعات التي غاب عنها العلم الشرعي كثيرة البدع‬
‫والخرافات واألساطير‪ ،‬بخالف المجتمعات التي يسود فيها العلم؛ َمن تعلم وحقق العقيدة الصحيحة‪ ،‬فسوف يسعد في دنياه‬
‫وفي آخرته‪ ،‬قلبه سيكون ُمعل ًقا بربه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ضر أو كراهة؟‬
‫اإلنسان لماذا يحزن إذا أصيب بشيء فيه ُ‬
‫ألجل أنه علَّق قلبه بغير اهلل‪ ،‬لو علَّق قلبه باهلل وحده سبحانه وتعالى؛ فسوف يسعد بكل قضاء قضاه اهلل عز وجل عليه؛ ألنه يعلم‬
‫أن اهلل عز وجل هو المعطي المانع‪ ،‬النافع الضار سبحانه وتعالى؛ لذلك تجد أكثر الناس سعادة هم الذين حققوا اإليمان‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫نَث َو ُه َو ُمؤم ٌِن} [النحل‪ ،]٩٧ :‬اشترط اإليمان هنا‪ ،‬عمل وإيمان‪.‬‬ ‫قال ربك‪َ { :‬م ْن َع ِمل َص ِ ً‬
‫اِلا مِن ذكر أ ْو أ ٰ‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ََ‬
‫حيِيَ َّن ُه َحيَاةً َطيِبَة} [النحل‪.]٩٧ :‬‬
‫ما جزاؤه يا رب في الدنيا؟ {فلنُ ْ‬

‫حياة سعيدة‪ .‬حتى وإن أصيب بمكروه تجده سعي ًدا؟ نعم؛ ألنه يعلم أنه من اهلل‪ ،‬من ربه الرحيم الرحمن سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ومن يحب؟‬
‫حتى وإن فقد ما يحب َ‬
‫رضي وسلم بالمصيبة؛ فإن ربه سبحانه‬
‫نعم؛ ألنه يعلم أن ربه ال يعطي إال لحكمة وال يمنع إال لحكمة يكفيه في ذلك فقط أنه إذا َ‬
‫رضي بقضاء اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وتعالى يغفر ذنبه‪ ،‬ويرفع درجته في الجنة‪ ،‬وأن اهلل يرضى عنه إذا َ‬
‫المؤمن يصاب بالباليا وبالمصائب واألمراض‪ ،‬وتجده في هذه األحوال راضيًا بقضاء اهلل‪ ،‬لسانه يقول‪ :‬الحمد هلل قضاء اهلل خير‪،‬‬
‫قدر اهلل خير‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 4 -‬‬
‫أما غيره فتجده شاكيًا متسخطًا‪ ،‬ولسانه يقول‪ :‬لو حدث كذا ما كان كذا‪ ،‬ولو فعلت كذا لكان كذا؛ هذا كله نقص في التوحيد‪.‬‬
‫المؤمن يعلم أن ما يُصاب به من الباليا؛ إنما هو بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬والباليا كثيرة تختلف باختالف األحوال‪ ،‬من الناس َمن يُبتلى‬
‫في المال‪ ،‬ومنهم من يُبتلى في الصحة‪ ،‬ومنهم َمن يبتلى في الولد‪ ،‬منهم َمن يُبتلى في الزوجة‪ ،‬منهم َمن يُبتلى في الزوج‪ ،‬منهم َمن‬
‫يُبتلى بالهموم والغموم إلى آخره‪ ،‬ومع هذا كله يصبر على قضاء اهلل‬
‫ً‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫حيِيَ َّن ُه َحيَاةً َطيِبَة} هذا في الدنيا‪.‬‬
‫نَث َو ُه َو ُمؤم ٌِن فلنُ ْ‬ ‫{ َم ْن َع ِمل َص ِ ً‬
‫اِلا مِن ذكر أ ْو أ ٰ‬
‫ٍ‬
‫وفي اآلخرة‪:‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ج َر ُهم بأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح َس ِن َما َكنوا َي ْع َملون} [النحل‪.]٩٧ :‬‬ ‫ِ‬
‫جزيَ َّن ُه ْم أ ْ‬
‫َ َ ْ‬
‫{وَل ِ‬
‫له األجر العظيم في اآلخرة‪.‬‬
‫حققت اإليمان بربك‪ ،‬فإن اهلل عز وجل وعدك بسعادة في الدنيا وسعادةٍ أخرى في اآلخرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫فهنيئًا لك أيها المؤمن يا َمن‬

‫المقدمة الرابعة‪[ :‬نسبة العقيدة]‬


‫علم العقيدة ينسب إلى العلوم الشرعية وهو أعظمها وأساسها‪.‬‬

‫المقدمة الخامسة‪[ :‬فضل العقيدة]‬


‫العقيدة فضلها عظيم؛ لذلك أن أول ما يجب على المكلف إفراد الرب بالتوحيد عقيدة؛ لذلك لما أرسل النبي عليه وسلم معا ًذا‬
‫نحو اليمن قال له‪ :‬إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب‪ ،‬فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا اهلل تعالى؛ لذلك ينبغي للداعية‬
‫أن يهتم بهذا األمر‪.‬‬
‫ال يليق وال ينبغي لك أن تدعو الناس إلى الفرائض‪ ،‬وعندهم بِدع في العقيدة أو مخالفات وشركيات؛ بل ينبغي أن تبدأ باألساس‬
‫وهو العقيدة‪.‬‬
‫العقيدة واإليمان شرط لصحة العبادات ال يقبل اهلل عز وجل من إنسان عبادة حتى يكون مؤمنًا موح ًدا‪.‬‬
‫اس َ‬ ‫ْ‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ ِ َ ْ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫ين} [الزمر‪.]٦٥ :‬‬ ‫وِح إَِلك ِإَوَل اَّلِين مِن قبل ِك لئِن أْشكت َلحبطن عملك وَلكونن مِن اْل ِ ِ‬‫قال ربك‪{ :‬ولقد أ‬
‫العقيدة أصل دعوة النبيين والمرسلين‪ ،‬كل األنبياء وكل المرسلين أُرسلوا بعقيدة واحدة أال وهي التوحيد‪ ،‬دينهم واحد أال وهو‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ََ ْ َ َ َْ‬
‫ك أ َّم ٍة َّر ُسوَّل}‬
‫قال ربك‪{ :‬ولقد بعثنا ِِف ِ‬
‫َ ْ ُ ُ ْ َّ َ َ ْ َ ُ ْ َّ ُ َ‬
‫وت} [النحل‪.]٣٦ :‬‬‫بماذا يا رب؟ {أ ِن اعبدوا اَّلل واجتنِبوا الطاغ‬
‫والطاغوت كل ما ُعبد من دون اهلل سبحانه‪.‬‬
‫العقيدة هي الهدف والغاية من خلق الجن واإلنس‪.‬‬
‫ُُْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ‬
‫خلق ُ‬
‫ت اْل َّن َو َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫اْلنس إَِّل َِلَعبد ِ‬
‫ون} [الجن‪.]٥٦ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لماذا خلقنا اهلل؟ خلقنا لكي نعبده‪ ،‬لكي نوحده‪{ .‬وما‬

‫[من هو واضع العقيدة؟]‬


‫المقدمة السادسة‪َ :‬‬

‫﴿‪﴾- 5 -‬‬
‫العقيدة تنزيل من الرب سبحانه وتعالى‪ ،‬استنبط تقسيمات العقيدة األئمة الكبار كاألئمة األربعة‪ ،‬وشيخ اإلسالم ابن تيمية‪..‬‬
‫وغيرهم‬
‫المقدمة السابعة‪[ :‬أسماء العقيدة]‬
‫المسمى‪.‬‬
‫العقيدة لها أسماء كثيرة‪ ،‬وهذا يدل على شرفها؛ فكثرة األسماء تدل على شرف ُ‬
‫ومن ذلك‪ :‬السنة‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬واإليمان‪ ،‬واالعتقاد‪ ،‬والشريعة‪ ،‬وأصول االعتقاد‪ ،‬وأصول الدين‪ ،‬والفقه األكبر‪.‬‬
‫وبعض األسماء المذمومة التي يطلقها المبتدعة على العقيدة منها‪ :‬علم الكالم‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬هذه مصطلحات مذمومة؛ ألنها تقتضي‬
‫تقديم العقل على النقل‪ ،‬يعني ما أقره العقل نقر به‪ ،‬وما لم يقره العقل ال نقره هذا فاسد؛ ألن العقول تتفاوت‪ ،‬ما يقر هذا العقل‬
‫قد ينكره العقل اآلخر إلى آخره‪.‬‬
‫المقدمة الثامنة‪[ :‬من أين تستمد العقيدة أدلتها؟]‬
‫أدلة العقيدة أدلة شرعية من الكتاب والسنة ال مجال للعقل في إثبات شيء من العقيدة‪ ،‬يعني ال يجوز أن تثبت شيئًا من األمور‬
‫الغيبية إال ٍ‬
‫بنص من القرآن أو السنة النبوية الصحيحة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ََ َُْ َ َْ َ َ َ‬
‫ك بِهِ عِل ٌم} [ا ِإل ْس َر ِاء ‪.]٣٦‬‬ ‫قد قال ربك‪{ :‬وَّل تقف ما ليس ل‬
‫ال تتبع ما ليس لك به علم‪ ،‬يعني‪ :‬ال تتبع ما تجهله‪ .‬لماذا؟‬
‫ْ‬
‫{ َواْلَ َ َ‬ ‫َّ‬
‫ص}‪ :‬كل شيء تراه‬ ‫الس ْم َع}‪ :‬كل شيء تسمعه‬
‫{إن َّ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُّ ُ َ‬ ‫ُْ‬
‫ك َكن َعنْ ُه َم ْسئُوَّل} [اإلسراء‪]٣٦ :‬‬
‫ٰ َ‬
‫{ك أولئ ِ‬ ‫{ َوالف َؤ َاد}‪ :‬كل شيء تعتقده‬
‫ستُسأل يوم القيامة عن مسموعاتك ومبصراتك ومعتقداتك؛ لذلك إياك إياك أن تسمع ما ال يُرضي اهلل‪ ،‬وأن تنظر إلى شيء ال‬
‫يُرضي اهلل‪ ،‬وأن تعتقد شيئًا ال يُرضي اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫لماذا أرسل اهلل عز وجل الرسل واألنبياء؟‬
‫ألن العقول ال يمكنها أن تدرك األمور الغيبيّة؛ لذلك أرسل الرسل؛ حتى يُبِّينوا للناس ما يجب عليهم أن يعتقدوه‪.‬‬

‫المقدمة التاسعة‪[ :‬حكم تعلم العقيدة وتعليمها]‬


‫تعلم العقيدة منه فرض عين‪ ،‬ومنه فرض كفاية‪.‬‬
‫فرض العين‪ :‬ما تصح به العقيدة باألدلة اإلجمالية‪.‬‬
‫فرض الكفاية‪ :‬ما زاد على ذلك‪.‬‬
‫حكم تعليم العقيدة‪ :‬فرض كفاية إذا قام به َمن يكفي سقط عن الباقين‪ ،‬وإذا لم يقم به أحد أثم جميع المقتدرين على ذلك‪.‬‬
‫أختم هذه المحاضرة بذكر سبب كتابة هذه العقيدة (العقيدة الواسطية) ونِسبتها وما تميزت به‪ ،‬وأهم الموضوعات التي اشتملت‬
‫عليها‪:‬‬
‫أما سبب كتابة هذه العقيدة (العقيدة الواسطية)‪ :‬كان سبب ذلك أنه قَ ِدم على شيخ اإلسالم ‪ ‬من أرض واسط ٍ‬
‫قاض‪ ،‬فشكا‬
‫له ما الناس فيه من غَلبة الجهل والظلم ودروس الدين والعلم‪ ،‬وسأله أن يكتب له عقيدة تكون عُمدة له وألهل بيته؛ فاستعفى‬
‫شيخ اإلسالم في بادئ األمر‪ ،‬ثم ألح هذا القاضي عليه وقال‪ :‬ما أحب إال عقيدة تكتبها أنت؛ فكتب شيخ اإلسالم ‪ ‬هذه‬

‫﴿‪﴾- 6 -‬‬
‫العقيدة وهو قاعد بعد العصر ‪‬؛ لذلك نسبت هذه العقيدة إلى «واسط» وهي بلدة بناها الحجاج بن يوسف الثقفي؛ فسميت‬
‫العقيدة الواسطية‪.‬‬
‫مميزاتها‪ :‬هذه العقيدة تميزت ب ‪:‬‬
‫‪ ‬سهولة األسلوب‪ ،‬ووضوح العبارة‪.‬‬
‫‪ ‬صحة االستدالل‪.‬‬
‫‪ ‬اإلكثار من األدلة القرآنية والنبوية‪.‬‬
‫‪ ‬ذكر بعض حجج المبتدعة والرد عليهم‪.‬‬

‫أهم الموضوعات التي اشتملت عليها‪ :‬اشتملت هذه العقيدة على عدة موضوعات منها‪:‬‬
‫‪ -‬أركان اإليمان الستة‪ .‬وأكثر شيخ اإلسالم ‪ ‬من ذكر األسماء والصفات؛ لشدة الحاجة إليها من كثرة المخالفين فيها‪.‬‬
‫‪ -‬األحكام المتعلقة باإلمامة العظمى‪.‬‬
‫‪ -‬منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الناس‪.‬‬
‫‪ -‬معتقد أهل السنة والجماعة في الصحابة وآل البيت ‪‬‬
‫‪ -‬واشتملت على عدة موضوعات أخرى‪ ،‬سيأتي ذكرها إن شاء اهلل تعالى عند شرح الكتاب‪.‬‬
‫أكتفي بهذا القدر ونأخذ أسئلة التكليف‪:‬‬

‫األسئ لة‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اكتب نبذة مختصرة عن شيخ اإلسالم ‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬تكلم بشيء من التفصيل عن المقدمات العامة لعلم العقيدة‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬ما سبب تأليف العقيدة الواسطية‪ ،‬ولماذا سميت بهذا االسم‪ ،‬وما هي‬
‫أهم ما تتميز به‪ ،‬وأهم الموضوعات التي اشتملت عليها؟‬

‫وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد‪،‬‬


‫هذا‪ِّ ،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 7 -‬‬
‫المحاضـرة الثاـنيـة‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫مرحبًا بكم أيها األفاضل وأيتها الفضليات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪ ،‬وهذه هي المحاضرة الثانية من محاضرات العقيدة‬
‫الواسطية من كتاب الجامع لمسائل العقيدة الواسطية‪.‬‬
‫ونبدأ إن شاء اهلل تعالى من أول الكتاب‪.‬‬

‫قال ‪" :‬الحمد الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى باهلل شهي ًدا‪ ،‬وأشهد أن ال إله اهلل وحده ال‬
‫تسليما مزي ًدا"‪.‬‬
‫ً‬ ‫شريك له إقر ًارا به وتوحي ًدا‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم‬
‫قوله [الحمد هلل]‪ :‬أي الثناء ثابت هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬فال يستحق الثناء كله إال اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وإجالال؛ سواء كان على نعمة أو ال‪.‬‬
‫ً‬ ‫وتبجيال‬
‫ً‬ ‫تعظيما‬
‫ً‬ ‫والحمد‪ :‬عرفه جماعة من العلماء بأنه الثناء باللسان على الجميل االختياري‬
‫ومن هذا التعريف يتضح الفرق بين المدح والحمد‪:‬‬
‫فالمدح‪ :‬ثناء على الجميل مطل ًقا‪ ،‬تقول‪ :‬حمدت زي ًدا على علمه وكرمه‪.‬‬
‫وال تقول‪ :‬حمدته على حسنه‪ ،‬بل تقول مدحته على حسنه‪ ،‬ألن العلم والكرم باختيار زيد بخالف الحسن فليس باختياره‪.‬‬
‫وذكر العلماء فرقًا آخر بين الحمد والمدح وهو أن‪:‬‬
‫الحمد‪ :‬ال بد أن يكون دافعه الحب والتعظيم‪.‬‬
‫أما المدح‪ :‬فال يُ ْشتَرط فيه الحب والعظيم؛ فاإلنسان قد يمدح إنسانًا ال يحبه وال يعظمه‪ ،‬بخالف الحمد‪ ،‬فال يحمد إال من‬
‫يحب ويعظم‪.‬‬
‫ويحمد اهلل سبحانه وتعالى على تفرده بالربوبية‪ ،‬واأللوهية‪ ،‬واألسماء والصفات‪ ،‬ويُحمد على قضائه وقدره سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫قال [الذي أرسل رسوله]‪ :‬أي محم ًدا ‪.‬‬
‫والرسول‪ :‬من بعثه عز وجل بشرع جديد يدعو الناس إليه‪.‬‬
‫بخالف النبي‪ :‬فالنبي أرسله اهلل عز وجل لتجديد شرع من قبله‪.‬‬
‫وقوله [بالهدى]‪ :‬أي بالقرآن والسنة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫كما قال تعالى‪ُ { :‬ه َو اَّلِي أ ْر َسل َر ُس ُ‬
‫وَل بِال ُه َد ٰ‬
‫ى َودِين َ‬
‫اِل ِق} [التوبة‪.]٣٣ :‬‬ ‫ِ‬
‫وقوله [ودين الحق]‪ :‬أي باألعمال الصالحة النافعة في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫وقوله [ليظهره على الدين كله]‪ :‬أي ليُ ْعلِيَه وينصره على جميع الملل واألديان‪.‬‬
‫ْ ْ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ْشكون} [التوبة‪.]٣٣ :‬‬ ‫َ ْ َ ُ‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫َْ َُ ُ ُ َ ٰ َ‬ ‫َُ‬
‫ِين كِهِ ولو كرِه الم ِ‬
‫ِين اِل ِق َِلظ ِهره لَع اَل ِ‬
‫قال اهلل تعالى {هو اَّلِي أرسل رسوَل بِالهدى ود ِ‬
‫واختلف المفسرون في [الهاء] في قوله [ليظهره]‪:‬‬
‫بعضهم قال‪ :‬هي عائدة إلى الرسول‪.‬‬
‫وبعضهم قال‪ :‬هي عائدة إلى الدين‪.‬‬
‫﴿‪﴾- 8 -‬‬
‫نبي صادق صالح فيما تُخبر‪.‬‬
‫وقوله [وكفى باهلل شهيدا]‪ :‬أي شاه ًدا على أنك ٌّ‬
‫قوله [أشهد]‪ :‬الشهادة معناها العلم‪ ،‬واالعتقاد‪ ،‬واإلقرار بالقلب واللسان‪.‬‬
‫[أشهد أن ال إله إال اهلل]‪ :‬يعني أُقر وأعتقد أنه ال معبود بحق سوى اهلل تعالى‬
‫قوله [وحده ال شريك له]‪ :‬تأكي ٌد ل [ ال إله إال اهلل]‪ ،‬اهلل عز وجل ليس له شريك في الربوبية‪ ،‬وال األلوهية‪ ،‬وال األسماء‬
‫والصفات‪ ،‬وال شريك في األمر والنهي‪.‬‬
‫وقوله [إقر ًارا به وتوحي ًدا]‪ :‬يعني إقرارا باهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫اإلقرار‪ :‬هو التسليم‪.‬‬
‫وإخالصا له جميع أنواع العبادة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ادا‬
‫وتوحي ًدا‪ :‬يعني إفر ً‬
‫والتوحيد كما تعلمون ثالثة أقسام‪:‬‬
‫توحيد ربوبية‪.‬‬
‫وألوهية‪.‬‬
‫وأسماء وصفات‪.‬‬
‫توحيد الربوبية‪ :‬هو إفراد اهلل عز وجل بالخلق‪ ،‬والتدبير‪ ،‬والسيادة‪ ،‬والملك‪ ،‬وسائر األفعال‪.‬‬
‫أما توحيد األلوهية‪ :‬هو إفراد اهلل عز وجل بالعبادة‪.‬‬
‫متقررا‪.‬‬
‫وأما توحيد األسماء والصفات‪ :‬هو إفراد اهلل عز وجل بأسمائه وصفاته‪ .‬ومن تأمل القرآن وجد هذا ً‬
‫وقوله [وأشهد أن محم ًدا]‪ :‬يعني أُقر وأعترف بأن النبي محم ًدا ‪.‬‬
‫[عبده]‪ :‬فيه رد على الغالة الذين غالوا في حق الرسول ‪ ‬ورفعوه فوق منزلة العبودية‪.‬‬
‫[ورسوله]‪ :‬رد على المفرطين الذين فرطوا في حق النبي ‪ ‬فلم يتبعوا سنته‪.‬‬
‫محمد ‪ ‬في المأل األعلى‪.‬‬‫ٍ‬ ‫قوله [صلى اهلل عليه]‪ :‬أي أسأل اهلل أن يثني على النبي‬
‫والصالة من اهلل‪ :‬ثناء في المأل األعلى‪.‬‬
‫ومن العبد‪ :‬دعاء‪.‬‬
‫فليصل"‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫صائما‬
‫ومن ذلك قول النبي ‪" :‬إذا ُدعي أحدكم إلى طعام فليُجب‪ ،‬فإن كان ً‬
‫ويستحب للمسلم أن يكثر من الصالة على النبي ‪ ‬ال سيما عند ذكره‪.‬‬
‫علي"‪ ،‬قيل هذا دعاء على من ال يصلي على النبي ‪.‬‬
‫قال ‪" :‬رغم أنف يعني ذلرجل ذُكرت عنده فلم يصل َّ‬
‫قوله [وعلى آله]‪ :‬يعني أتباعه ‪.‬‬
‫تسليما]‪ :‬يعني اللهم سلم النبي ‪ ‬من اآلفات‪ ،‬والنقائص في اآلخرة‪.‬‬
‫ً‬ ‫قوله [وسلم‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ ُّ َ َ ْ َ َ ُ َ‬
‫هذا امتثال لقول اهلل تعالى‪{ :‬يا أيها اَّلِين آمنوا صلوا عليهِ وسل ِموا تسل ِيما} [األحزاب‪]٥٦ :‬‬
‫سالما زائ ًدا‪.‬‬
‫قوله [مزي ًدا]‪ :‬يعني ً‬
‫إجماال فقال‪" :‬اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ثم شرع المصنف ‪ ‬في بيان أصول اإليمان الستة‬

‫﴿‪﴾- 9 -‬‬
‫يعني ما سيذكره هو اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قُرب قيام الساعة‪.‬‬
‫والفرقة‪ :‬هي الطائفة من الناس‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ ََ‬
‫ك ف ِْرق ٍة مِنْ ُه ْم َطائِفة} [التوبة‪.]١٢٢ :‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ومن ذلك قول اهلل تعالى‪{ :‬فلوَّل نفر مِن ِ‬
‫والناجية‪ :‬أي في الدنيا من البدع والشرور‪ ،‬وفي اآلخرة من العذاب والمهالك‪.‬‬
‫المنصورة‪ :‬يعني الغالبة‪ ،‬والمؤيدة على من خالفها‪.‬‬
‫كما قال النبي ‪" :‬ال تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ال يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر اهلل وهم كذلك"‪.‬‬
‫إلى قيام الساعة‪ :‬يعني قرب قيام الساعة‪ ،‬ألن الساعة ال تقوم إال على شرار الناس‪.‬‬
‫كما قال النبي ‪" :‬ال تقوم الساعة إال على شرار الناس"‪.‬‬
‫العلماء مختلفون في الطائفة المنصورة‪:‬‬
‫منهم من قال‪ :‬هم أهل الحديث‪.‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬هم أهل العلم‪.‬‬
‫وقد عُ ِقد لشيخ اإلسالم ‪ ‬مناظرة على هذه العقيدة‪ ،‬قيل له‪ :‬إذا قيل إن هذا من أصول الفرقة الناجية خرج عن الفرقة الناجية‬
‫من لم يقل بذلك؛ كمن يقول‪ :‬إن اإليمان هو التصديق‪ ،‬وإذا لم يكونوا من الناجين لزم أن يكونوا هالكين‪.‬‬

‫فقال ‪ :‬قول اعتقاد الفرقة الناجية هي الفرقة التي وصفها النبي ‪ ‬بالنجاة‪.‬‬
‫قال رسول اهلل ‪" : ‬تفترق أمتي على ثالث وسبعين فرقة؛ اثنتان وسبعون في النار‪ ،‬وواحدة في الجنة‪ ،‬وهي من كان على مثل ما‬
‫أنا عليه اليوم وأصحابي"‪.‬‬
‫فهذا االعتقاد هو المأثور عن النبي ‪ ‬وأصحابه ‪ ،‬وهم ومن اتبعهم الفرقة الناجية‪ ،‬فإنه قد ثبت عن غير واحد من الصحابة‬
‫أنه قال‪ :‬اإليمان يزيد وينقص‪ ،‬وكل ما ذكرتُه ذلك فإنه مأثور عن الصحابة باألسانيد الثابتة‪ ،‬وإذا خالفهم َمن بعدهم لم يضر في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬وليس كل من خالف في شيء من هذا االعتقاد يجب أن يكون هال ًكا‪ ،‬فإن المنازع هذا المخالفقد يكون مجته ًدا مخطئًا‬
‫الحجة‪ ،‬وقد يكون له من الحسنات ما يمحو اهلل به سيئاته‪.‬‬
‫يغفر اهلل خطأه‪ ،‬وقد ال يكون بَلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه ُ‬
‫وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولِة له ال يجب أن يدخل فيها‪ :‬المتأول‪ ،‬والقانت يعني العابدوذو الحسنات الماحية‪ ،‬والمغفور له‪،‬‬
‫وغير ذلك‪ ،‬فهذا أولى‪ .‬بل موجب هذا الكالم أن من اعتقد ذلك نجا بهذا االعتقاد‪ ،‬ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجيًا وقد ال‬
‫يكون ناجيًا‪ ،‬كما يُقال‪ :‬من صمت ناجي‪.‬‬
‫ثم ذكر ‪ ‬أصول اإليمان فقال‪" :‬هو اإليمان باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬والبعث بعد الموت‪ ،‬واإليمان بالقدر خيره وشره"‪.‬‬
‫هذه أصول اإليمان الستة عند أهل السنة والجماعة‪ ،‬فقد دلت عليها النصوص الكثيرة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫حديث جبريل لما سأل النبي ‪ ‬عن اإليمان قال‪" :‬أن تؤمن باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬وتؤمن بالقدر خيره‬
‫وشره"‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 10 -‬‬
‫األصل األول‪ :‬هو [[اإليمان باهلل]]‪:‬‬
‫وإلها‪ ،‬والتصديق بأسمائه وصفاته‪.‬‬
‫ومعناه اإلقرار والتصديق باهلل سبحانه وتعالى ربًا‪ً ،‬‬
‫وليس اإليمان مرادف للتصديق؛ بل هناك فرق بين اإليمان والتصديق‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫أن التصديق‪ :‬عام‪ ،‬يُقال في كل شيء‪.‬‬
‫بخالف اإليمان‪ :‬فال يكون إال في األمور الغيبية فقط‪.‬‬
‫وال يصح اإليمان باهلل إال باإليمان بأركانه األربعة‪:‬‬
‫وهي اإليمان بوجود اهلل‪.‬‬
‫واإليمان بالربوبية‪.‬‬
‫واإليمان باأللوهية‪.‬‬
‫واإليمان باألسماء والصفات‪.‬‬
‫كل أصل من أصول اإليمان له مرتبتان‪:‬‬
‫مرتبة واجبة‪.‬‬
‫ومرتبة مستحبة‪.‬‬
‫واجبة‪ :‬يعني يجب تعلمها‪.‬‬
‫مستحبة‪ :‬يعني يستحب تعلمها‪.‬‬
‫المرتبة الواجبة‪ :‬هي اإليمان اإلجمالي‪.‬‬
‫والمرتبة المستحبة‪ :‬هي اإليمان بالتفصيل‪.‬‬
‫إجماال بهذا الركن‪.‬‬
‫ً‬ ‫المرتبة اإلجمالية معناها‪ :‬أن يؤمن‬
‫والمرتبة التفصيلية معناها‪ :‬اإليمان بتفصيالت هذا الركن‪ ،‬كل ما جاء في الكتاب والسنة‪.‬‬
‫فمثال‪ :‬اإليمان اإلجمالي باهلل سبحانه وتعالى معناه‪ :‬أن يؤمن العبد بأن اهلل سبحانه وتعالى المتفرد بالربوبية‪ ،‬واأللوهية‪ ،‬واألسماء‬
‫ً‬
‫والصفات‪.‬‬
‫اإليمان التفصيلي معناه‪ :‬أن يؤمن بكل ما جاء عن اهلل سبحانه وتعالى في القرآن والسنة؛ كاألسماء والصفات ونحوه‪.‬‬
‫واإليمان االجمالي‪ :‬هذا هو الذي يترتب عليه اإليمان‪ ،‬فمن لم يحققه ال يكون مؤمنًا‪.‬‬
‫واإليمان التفصيلي‪ :‬هذا يزيد به اإليمان‪ ،‬ولكن متى بلغ المسلم شيء من األمور التفصيلية وجب عليه أن يؤمن بها‪.‬‬

‫األصل الثاني‪[[ :‬اإليمان بالمالئكة]]‪:‬‬


‫أيضا‪:‬‬
‫وهو على درجتين ً‬
‫الدرجة األولى‪ :‬اإليمان اإلجمالي‪.‬‬

‫والدرجة الثانية‪ :‬اإليمان التفصيلي‪.‬‬


‫اإلجمالي‪ :‬يعني يؤمن بأن المالئكة خلق من خلق اهلل ال يعصونه إذا ما أمرهم‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 11 -‬‬
‫أما اإليمان التفصيلي‪ :‬أن يؤمن بكل ما جاء عنهم من أخبار؛ كاإليمان بأسمائهم وأوصافهم‪ ،‬ووظائفهم ونحوه‪.‬‬
‫وأفضل المالئكة ثالثة‪ ،‬هم‪ :‬جبريل‪ ،‬وميكائيل‪ ،‬وإسرافيل‪ .‬قالوا بأن هؤالء الثالثة وظائفهم تتعلق بما فيه حياة‪:‬‬
‫جبريل ‪ :‬موكل بحياة األرواح الحقيقية‪.‬‬
‫وميكائيل‪ :‬موكل بحياة األرض‪.‬‬
‫وإسرافيل‪ :‬موكل بحياة األبدان بعد موتها‪.‬‬
‫خصه بالذكر في مواطن كثيرة‪.‬‬
‫وأفضل هؤالء الثالثة‪ :‬هو جبريل ‪‬؛ ألن اهلل عز وجل َّ‬
‫ًّ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ‬
‫الر ُ‬ ‫ُ‬
‫كما في قوله تعالى‪{ :‬يَ ْو َم َيق ُ‬
‫وح َوال َمَلئِكة َصفا} [النبإ‪.]٣٨ :‬‬ ‫وم ُّ‬

‫الروح‪ :‬هو جبريل ‪.‬‬


‫اهلل عز وجل أعطى المالئكة قدرات حتى يؤدوا مهامهم‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬القوة‪ ،‬والشدة‪ِ ،‬‬
‫وعظَم األجسام‪ ،‬والخلق‪ ،‬وعظم السرعة‪،‬‬
‫والعلم‪ ،‬والقدرة على التشكل‪ :‬يستطيعون أن يتشكلوا بغير أشكالهم في صور كريمة‪ ،‬كما كان يأتي جبريل ‪ ‬بصورة رجل جميل‬
‫الصورة وهو «دحية بن خليفة الكلبي»‪.‬‬

‫األصل الثالث‪[[ :‬هو اإليمان بالكتب]]‪:‬‬


‫والكتب هي التي حوت كالم اهلل عز وجل من توحيد‪ ،‬وأحكام‪ ،‬وقصص‪.‬‬
‫واإليمان بالكتب على درجتين‪:‬‬
‫درجة واجبة‪.‬‬
‫ودرجة مفصلة كما قدمت لكم‪.‬‬
‫ومن َّ‬
‫كذب بكتاب واحد قد كفر باهلل العظيم بإجماع المسلمين‪.‬‬
‫األصل الرابع من أصول اإليمان‪[[ :‬اإليمان بالرسل الذين أرسلهم اهلل عز وجل إلى خلقه]]‪.‬‬
‫ويجب اإليمان بجميع الرسل‪ ،‬فمن كذب برسول واحد فقد كفر‪.‬‬
‫َ ُْ‬ ‫ُ ُ َ ُْ‬ ‫َّ َّ َ َ ْ ُ ُ َ َّ َ ُ ُ َ ُ ُ َ َ ُ َ ُ َ ْ َ َّ‬
‫ْي اَّلل ِ َو ُر ُسلِهِ َويَقولون نؤم ُِن ب ِبَ ْع ٍض َونكف ُر‬ ‫وذلك لقول اهلل تعالى‪{ :‬إِن اَّلِين يكفرون بِاَّلل ِ ورسلِهِ ويرِيدون أن يفرِقوا ب‬
‫ُ َ ٰ َ ُ ُ ْ َ ُ َ َ ًّ َ َ ْ‬
‫عتَ ْدنَا ل ِلْ ََكف ِر َ‬
‫ين َع َذابًا ُّمه ً‬ ‫َ ُ ُ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ َ ٰ َ َ ً‬ ‫ْ‬
‫ينا (‪[ })١٥١‬النساء‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫ا‬‫ق‬ ‫ح‬ ‫ون‬ ‫ِر‬ ‫ف‬ ‫َك‬‫ال‬ ‫م‬‫ه‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ول‬‫أ‬ ‫)‬‫‪١٥٠‬‬ ‫(‬ ‫يَل‬ ‫بِبَع ٍض ويرِيدون أن يت ِ‬
‫خذوا بْي ذل ِك سب ِ‬
‫‪.]١٥٠١٥١‬‬
‫أيضا على درجتين‪ :‬درجة واجبة‪ ،‬ودرجة مستحبة‪.‬‬
‫واإليمان بالرسل ً‬
‫أو‪ :‬إيمان إجمالي أو درجة إجمالية‪ ،‬وإيمان تفصيلي أو درجة تفصيلية‪.‬‬
‫جميع الرسل أُرسلوا بعقيدة واحدة‪ ،‬وهي عقيدة التوحيد‪ ،‬دينهم واحد وهو دين اإلسالم‪ ،‬أما الشرائع فمختلفة‪.‬‬
‫األصل الخامس من أصول اإليمان‪[[ :‬اإليمان بالبعث بعد الموت]]‪.‬‬
‫يعني باليوم اآلخر‪ ،‬يجب اإليمان والتصديق واإلقرار بأن اهلل عز وجل يبعث الناس للحساب والجزاء بعد الموت‪ ،‬فهذا يجعل‬
‫المؤمن يتجهز للقاء ربه‪.‬‬
‫أيضا على درجتين‪ :‬درجة واجبة‪ ،‬ودرجة مستحبة‪ .‬أو‪ :‬درجة إجمالية‪ ،‬ودرجة تفصيلية‪.‬‬
‫واإليمان بالبعث ً‬

‫﴿‪﴾- 12 -‬‬
‫األصل السادس من أصول اإليمان‪[[ :‬اإليمان بالقدر]]‪.‬‬
‫والقدر‪ :‬هو التصديق الجازم بأن اهلل عز وجل علم مقادير األشياء وأزمانها قبل إيجادها ثم كتبها في اللوح المحفوظ‪ ،‬ثم أوجدها‬
‫ٍ‬
‫محدث صادر عن علمه‪ ،‬وقدرته‪ ،‬وإرادته‪.‬‬ ‫في مواعيدها المقدرة لها‪ ،‬فكل‬
‫قال‪[ :‬خيره وشره]‪ :‬يعني الخير من اهلل‪ ،‬والشر كذلك‪ ،‬ولكن قدر اهلل سبحانه وتعالى كله خير‪ ،‬الشر باعتبار المقدور؛ فالمرض‬
‫الذي يصيب المؤمن هو خير من اهلل‪ ،‬ولكن الشر باعتبار المقدور‪ :‬يعني ما يصيب اإلنسان من التعب والنصب ونحوه‪.‬‬
‫اإليمان بالقدر على درجتين‪:‬‬
‫‪ -‬درجة إجمالية‪.‬‬
‫‪ -‬ودرجة مفصلة‪.‬‬

‫الدرجة المفصلة تشتمل على المراتب األربعة؛ وهي‪:‬‬


‫‪ -‬العلم‪.‬‬
‫‪ -‬والكتابة‪.‬‬
‫‪ -‬والمشيئة‪.‬‬
‫‪ -‬والخلق‪.‬‬
‫وهذا كله سيأتي تفصيله فيما بعد إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬

‫نكتفي بهذا القدر‪ ،‬ونأخذ أسئلة التكليف‪:‬‬

‫األسئ لة‬
‫مجمال‪.‬‬
‫ً‬ ‫شرحا‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اشرح مقدمة المصنف ‪ً ‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬تكلم عن أصول اإليمان بشيء من التفصيل‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬اذكر أصول اإليمان عند المعتزلة‪ ،‬وكذلك عند الرافضة مستعينًا بالكتاب‪.‬‬

‫وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد‪،‬‬


‫هذا‪ِّ ،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 13 -‬‬
‫المحاضـرة الثاـلثـة‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫مرحبًا بكم أيها األفاضل وأيّتها الفضليات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪ ،‬وهذه هي المحاضرة "الثالثة" من محاضرات العقيدة‬
‫الواسطية من كتاب [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية]‪ .‬وكنا قد وقفنا في اللقاء السابق عند‪:‬‬
‫قول المصنف ‪" :‬ومن اإليمان باهلل اإليمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد ‪"‬‬
‫أي‪ :‬من جملة اإليمان باهلل سبحانه وتعالى اإليمان بما وصف به نفسه سبحانه وتعالى في كتابه القرآن الكريم‪ ،‬وبما وصفه به‬
‫رسوله ‪ ‬في السنة النبوية الصحيحة‪.‬‬
‫وهذا فيه أن إثبات األسماء والصفات يقوم على مصدرين فقط‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة‪.‬‬
‫فال يجوز ألحد أن يصف اهلل عز وجل بأكثر مما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ‪.‬‬
‫إنما يقف حيث وقف القرآن والرسول ‪.‬‬
‫وإنما ذكر المصنف ‪ ‬الصفات فقط ولم يذكر األسماء في قوله "بما وصف به نفسه" ألن كل اسم يتضمن صفة؛ وألن‬
‫الخالف في األسماء قليل بالنسبة للمنتسبين إلى اإلسالم‪.‬‬
‫وذكر هنا في الكتاب عدة قواعد تتعلق باألسماء والصفات‪ ،‬منها قاعدة‪[ :‬باب أسماء اهلل تعالى أضيق من باب الصفات]‪.‬‬
‫فالفرق بين االسم والصفة‪:‬‬
‫أن االسم‪ :‬هو ما دل على ذات اهلل تعالى مع صفات الكمال القائمة به‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫الرحمن‪ :‬دل على ذات اهلل وعلى صفة الرحمة‪.‬‬
‫ٰ‬
‫السميع‪ :‬دل على ذات اهلل وصفة السمع‪ ،‬وكذلك البصير‪.‬‬
‫أما الصفة‪ :‬فهي ما قام بذات اهلل سبحانه تعالى من الكمال‪ ،‬كالرحمة والسمع والبصر‪.‬‬
‫فاالسم يتضمن أمرين‪" :‬الذات والصفة"‪.‬‬
‫أمرا واح ًدا وهو‪" :‬الذات"‪.‬‬
‫أما الصفة فتتضمن ً‬
‫ومعنى هذه القاعدة‪[ :‬باب أسماء اهلل تعالى أضيق من باب الصفات] أن كل اسم يشتق منه صفة ال العكس‪.‬‬
‫الصفة ال يشتق منها اسم؛ وإنما يشتق من االسم صفة‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬اسم اهلل "الغفار" يشتق منه صفة "المغفرة"‪.‬‬
‫اسم اهلل "العزيز" يشتق منه صفة "العزة"‪ ،‬وكذلك اسم اهلل "الحي" يشتق منه صفة "الحياة"‪.‬‬
‫اسم‪ .‬ومن ذلك‪:‬‬
‫وال يشتق من الصفة ٌ‬
‫صفة "المجيء" ال يشتق منها اسم وهو "الجائي"‪ ،‬صفة "اإلتيان" ال يشتق منها اسم وهو "اآلتي" وهكذا‪.‬‬
‫(فالصفة ال يشتق منها اسم واالسم يشتق منه صفة)‪.‬‬
‫﴿‪﴾- 14 -‬‬
‫القاعدة الثانية‪[ :‬أسماء اهلل كلها حسنى]‬
‫يعني‪ :‬بلغت في الحسن غايته؛ فهي متضمنة لصفات كاملة ال نقص فيها بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َْ‬
‫اِل ْس َ ٰ‬
‫ن} [األعراف‪]١٨٠ :‬‬ ‫اء ُ‬‫كما قال سبحانه‪َ { :‬و ِ ََّّلل ِ اْل ْس َم ُ‬

‫ومن ذلك اسم اهلل "الحي"‪.‬‬


‫يتضمن الحياة الكاملة‪ ،‬حياة لم تسبق بعدم‪ ،‬وال يلحقها زوال بخالف حياة المخلوق فهي حياة ناقصة‪ ،‬حياة المخلوق حياتي‬
‫وحياتك مسبوقة بعدم ويلحقها فناء فهي حياة ناقصة‪.‬‬
‫واسم اهلل "العليم"‪ :‬اسم كامل من كل وجه فعلم اهلل لم يسبق "بجهل" وال يلحقه "نسيان" بخالف علم اإلنسان‪ ،‬علمي وعلمك‬
‫ناقص‪ ،‬علم يسبقه جهل ويلحقه نسيان‪.‬‬

‫القاعدة الثالثة‪[ :‬أسماء اهلل توقيفية ال مجال للعقل فيها]‪.‬‬


‫اسما لم يرد في كتاب اهلل أو سنة النبي ‪ ‬الصحيحة‪.‬‬
‫ال يجوز لك أيها الكريم أن تثبت هلل عز وجل ً‬
‫نتوقف على ما جاء في القرآن والسنة النبوية الصحيحة‪ .‬لماذا؟‬
‫ألن العقل ال يستطيع أن يدرك ما يستحقه سبحانه وتعالى من الكمال‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُْ‬
‫ك بِهِ عِل ٌم} [اإلسراء‪.]٣٦ :‬‬ ‫قال اهلل تعالى‪َ { :‬وَّل تقف ما ليس ل‬
‫يعني ال تتبع ما ليس لك به علم (ما كنت تجهله)‪ .‬لماذا؟‬
‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُّ ُ َ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ك َكن َعنْ ُه َم ْسئُوَّل} [اإلسراء‪]٣٦ :‬‬
‫ٰ َ‬ ‫َّ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫{إِن السمع واْلص والفؤاد ك أولئ ِ‬
‫ً‬
‫{إن السمع} كل شيء تسمعه‪{ ،‬واْلص} كل شيء تراه‪{ ،‬والفؤاد} كل شيء تعتقده {ك أوئلك َكن عنه َم ْسئُوَّل}‬
‫ستسأل يوم القيامة عن مسموعاتك كلها وعن مبصراتك كلها وعن معتقداتك كلها‪.‬‬
‫فإياك إياك أن تسمع ما ال يرضي اهلل أو تنظر إلى ما ال يرضي اهلل أو تعتقد ما ال يرضى اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فورا قبل أن يأتيه ذاك‬
‫ومبصراته ومعتقداته فإن كان فيها شيء ال يرضي اهلل يتوقف عنه ً‬
‫العاقل أيها العاقل من يفتش في مسموعاته َ‬
‫اليوم الذي ال ينفعه فيه إال ما قدم‪.‬‬
‫شرا وذلك‬
‫إياك إياك أن تتجرأ على شيء ال يرضي اهلل فإن الدنيا بأسرها لن تغني عنك شيئًا إذا أراد اهلل سبحانه وتعالى بك ً‬
‫بمعصيته وتجاوز حدوده‪.‬‬

‫القاعدة الرابعة‪[ :‬أسماء اهلل تعالى ال تحصى بعدد معين]‬


‫يعني ال يستطيع أحد أن يحصي أسماء اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫الدليل قول النبي ‪" : ‬ما أصاب أحد قط هم وال حزن فقال‪ :‬اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك (كناية عن‬
‫في قضاؤك (كل ما‬
‫في حكمك (حكمك الكوني ال أستطيع أن أرد شيئًا منه) عدل َّ‬ ‫التصرف المطلق هلل سبحانه وتعالى) ٍ‬
‫ماض َّ‬
‫قضيته علي هو عدل ال ظلم فيه) أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أح ًدا من خلقك (أي األنبياء والمالئكة‬
‫‪ ، ‬هذا فيه أن أسماء اهلل ال يعلمها كل أحد بل من األسماء ما اختص اهلل عز وجل به بعض أنبيائه أو مالئكته) أو أنزلته في‬

‫﴿‪﴾- 15 -‬‬
‫كتابك (في الكتب المنزلة على الرسل) أو استأثرت به في علم الغيب عندك (مما ال يعلمه إال أنت يا ربنا) أن تجعل القرآن ربيع‬
‫قلبي ونور صدري" إلى آخر هذا الحديث‪.‬‬
‫أيضا ما استأثر اهلل به في علم الغيب ال أحد‬
‫هذا الحديث فيه‪ :‬أن من أسماء اهلل سبحانه وتعالى ما اختص به بعض عباده ومنها ً‬
‫يعلمه إال هو‪.‬‬
‫اسما مائة إال واح ًدا من أحصاها دخل الجنة"‪ ،‬فليس معناه حصر أسماء اهلل تعالى في‬
‫وأما قول النبي ‪" :‬إن هلل تسعة وتسعين ً‬
‫اسما‪.‬‬
‫هذا العدد؛ وإنما معناه إن من أسماء اهلل تعالى تسعة وتسعين ً‬
‫ومثاله أن تقول عندي مائة نعجة أعددتها للصدقة أو مائة جنيه أعددتها للصدقة‪.‬‬
‫هل يلزم منه أنك ال تمتلك إال هذا العدد؟ كال‪.‬‬
‫ونقل اإلمام النووي ‪ ‬اتفاق العلماء على هذا الحديث‪ ،‬وقال‪" :‬ليس في الحديث حصر أسماء اهلل تعالى‪ ،‬وليس معناه أنه‬
‫ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين؛ وإنما مقصود الحديث أن هذه األسماء َمن أحصاها دخل الجنة"‪.‬‬
‫فالمراد اإلخبار عن دخول الجنة بإحصائها؛ ال اإلخبار بحصر األسماء‪.‬‬

‫القاعدة الخامسة‪[ :‬صفات اهلل تعالى تنقسم قسمين‪ :‬ثبوتية‪ ،‬وسلبية]‬


‫ما معنى ثبوتية؟‬
‫ثبوتية يعني‪( :‬أثبتها اهلل لنفسه) كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر إلى آخره‪ .‬وهذه يجب أن نثبتها هلل سبحانه وتعالى على‬
‫الوجه الالئق به؛ ألن اهلل أثبتها لنفسه وهو أعلم بصفاته سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وأما السلبية فهي‪( :‬التي نفاها اهلل عن نفسه) كالظلم‪ ،‬فيجب أن ننفيها عن اهلل سبحانه وتعالى ونثبت له كمال الضد؛ ألن النفي ال‬
‫كماال حتى يتضمن ثبوتًا‪.‬‬
‫يكون ً‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ َ ُ َ ُّ َ‬ ‫َ‬
‫ك أ َح ًدا} [الكهف‪]٤٩ :‬‬ ‫ومن ذلك قوله تعالى‪{ :‬وَّل يظل ِم رب‬
‫فيجب أن ننفي الظلم عن اهلل مع إثبات كمال العدل له سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫القاعدة السادسة‪[ :‬الصفات الثبوتية تنقسم قسمين‪ :‬ذاتية‪ ،‬وفعلية]‬


‫الذاتية‪ :‬هي التي ال تنفك عن ذات اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬كالسمع والبصر‪.‬‬
‫والفعلية‪ :‬ما تتعلق بالمشيئة إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها‪ ،‬كاالستواء على العرش والمجيء‪.‬‬
‫وربما تكون الصفة الذاتية فعلية باعتبارين‪:‬‬
‫متكلما‪.‬‬
‫ً‬ ‫كالكالم فإنه باعتبار أصل الصفة صفة ذاتية؛ ألن اهلل لم يزل وال يزال‬
‫وباعتبار آحاد الكالم صفة فعلية؛ ألن الكالم متعلق بمشيئته يتكلم بما شاء متى شاء سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫القاعدة السابعة‪[ :‬صفات اهلل توقيفية ال مجال للعقل فيها]‬


‫يعني ال نثبت هلل تعالى من الصفات إال ما دل عليه القرآن والسنة النبوية الصحيحة‪.‬‬
‫وإثبات الصفة على ثالثة أوجه‪:‬‬

‫الوجه األول‪ :‬التصريح بالصفة كالعزة والقوة والرحمة ونحو ذلك‪.‬‬


‫﴿‪﴾- 16 -‬‬
‫تضمن االسم لها وكل اسم يتضمن صفة؛ الغفور يتضمن المغفرة‪ ،‬والسميع يتضمن السمع وهكذا‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ُّ :‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬التصريح بفعل أو وصف ٍّ‬
‫دال عليه كاالستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا‪.‬‬
‫ََ ْ‬ ‫الر ْ‬
‫ح َم ٰ ُن لَع ال َع ْر ِش ْ‬
‫استَ َو ٰ‬ ‫قال تعالى‪َّ { :‬‬
‫ى} [طه‪]٥ :‬‬
‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ْ َ‬
‫َ َ َ َ ُّ َ َ َ ُ‬
‫ك َصفا َصفا} [الفجر‪]٢٢ :‬‬ ‫وقال‪{ :‬وجاء ربك والمل‬

‫القاعدة الثامنة‪[ :‬ظاهر نصوص الصفات هو المراد]‬


‫َ‬ ‫َ َّ ُ ُ ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ ٌ َ َ ُ ْ َ ُ َ َ ٌ َ َّ َّ ُ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫اب} [ص‪]٢٩ :‬‬
‫وذلك ألن اهلل سبحانه وتعالى قال‪{ :‬كِتاب أنزَلاه إَِلك مبارك َِلدبروا آياتِهِ و َِلتذكر أولو اْلْل ِ‬
‫والتدبر ال يكون إال فيما يمكن الوصول إلى فهمه‪ ،‬فاليد ظاهرها إثبات اليد‪ ،‬والعين ظاهرها إثبات العين‪ ،‬فنثبت هلل عز وجل هذه‬
‫الصفات ولكن الكيفية ال يعلمها إال اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫والواجب في نصوص الكتاب والسنة‪ :‬إبقاء داللتها على ظاهرها من غير تحريف‪ ،‬وال تعطيل ومن غير تمثيل‪ ،‬وال تكييف وذلك؛‬
‫ألن اهلل أنزل القرآن بلسان عربي مبين والنبي محمد ‪ ‬تكلم بلسان عربي مبين؛ فوجب إبقاء داللة كالم اهلل سبحانه وتعالى‬
‫وكالم رسوله ‪ ‬على ما هي عليه في ذلك اللسان‪.‬‬
‫َ ََ ُ َْ ُ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ان} [المائدة‪]٦٤ :‬‬
‫ومن ذلك قوله تعالى‪{ :‬بل يداه مبسوطت ِ‬
‫ظاهر هذه اآلية إثبات اليدين هلل سبحانه وتعالى‬
‫فإن قال قائل‪ :‬المراد القوة‪ ،‬نقول‪ :‬هذا صرف للكالم عن ظاهره ال يجوز القول به؛ ألنه قول على اهلل بال علم‪.‬‬

‫القاعدة التاسعة‪[ :‬صفات اهلل ال نقص فيها]‬


‫كالحياة والعلم والقدرة‪ ،‬حياة كاملة من كل وجه‪ ،‬علم كامل من كل وجه‪ ،‬قدرة كاملة من كل وجه بخالف حياة اإلنسان وعلمه‬
‫وقدرته‪ ،‬حياتك ناقصة وحياتي ناقصة‪ ،‬علمك ناقص وعلمي كذلك‪ ،‬علم الخلق كلهم ناقص علم يسبقه جهل ويلحقه نسيان‪،‬‬
‫كذلك الحياة حياة يسبقها عدم ويلحقها فناء‪ ،‬كذلك القدرة كل إنسان له قدرة محدودة بخالف اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ونقصا من وجه آخر‪ ،‬لم تكن ثابتة هلل سبحانه وتعالى وال ممتنعة عليه على سبيل اإلطالق‪.‬‬
‫كماال من وجه ً‬
‫وإذا كانت الصفة ً‬
‫كماال وتمتنع بالحال التي تكون نقص كالمكر نثبت المكر هلل سبحانه‬
‫بل ال بد من التفصيل فتُثبت هلل في الحالة التي تكون ً‬
‫وتعالى في حال الكمال وننفيه في حال النقص نقول هو ماكر بمن يمكر به‪.‬‬
‫ي ال ْ َماكِر َ‬
‫ين} [آل عمران‪]٥٤ :‬‬ ‫َ َ َ ُ َ َ َ َ َّ ُ َ َّ ُ َ‬
‫خ ُْ‬ ‫{ومكروا ومكر اَّلل واَّلل‬
‫ِ‬
‫فإذا قيل‪ :‬هل يوصف اهلل بالمكر؟ ال نقول (نعم)‪ ،‬وال نقول (ال)؛ وإنما نقول هو ماكر بمن يستحق المكر سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫القاعدة العاشرة‪[ :‬أقسام أسماء اهلل وأوصافه من حيث المعنى]‬


‫منها أوصاف وأسماء جالل وهي‪ :‬التي تورث العظمة والهيبة والخوف‪ ،‬وفيها معنى الجبروت والعزة والقهر مثل العزيز والجبار‬
‫والقهار‪.‬‬
‫ومنها أوصاف وأسماء جمال وهي‪ :‬التي تنبعث عنها المحبة والرغبة ومنها فتح باب المحبة من العبد لربه كالرحمة والرحمن‬
‫الرحيم والسالم إلى آخره‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 17 -‬‬
‫ومنها أوصاف أو أسماء لمعاني الربوبية‪ :‬كالرب والمالك والملك والسيد التي فيها معنى الربوبية‪.‬‬
‫ومنها أوصاف أو أسماء لمعاني األلوهية وهي‪ :‬ما فيها معنى األلوهية مثل اهلل‪ ،‬المعبود إلى آخره‪.‬‬

‫القاعدة الحادية عشرة‪[ :‬الواجب على العباد أن يؤمنوا بما أنزله اهلل في كتابه]‬
‫فيجب علينا أن نؤمن بما أنزل اهلل في كتابه أو أخبر به النبي ‪ ‬من األسماء والصفات وهذا يكون بأشياء‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إثبات الصفة‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم‪ :‬إثبات المعنى الذي يدل عليه ظاهر اللفظ فكل اسم من أسماء اهلل له معنى يدل عليه‪ ،‬وكل صفة لها معنى تدل عليه بظاهر‬
‫اللفظ‪ ،‬فيجب إثبات الصفة وما دلت عليه‪.‬‬

‫األمر الثالث‪ :‬اإليمان بمتعلقاتها وآثارها في الخلق‪ ،‬فإن أسماء اهلل تعالى وصفاته لها آثار متعلقة بخلق اهلل ومتعلقة بملكوت اهلل‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬فكل اسم وكل صفة لها أثر‪.‬‬
‫اسم اهلل السميع‪ :‬يتضمن إثبات صفة السمع وإثبات معنى السمع وإثبات األثر وهو أن اهلل يسمع كل صوت سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫مبصر سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫كذلك البصير‪ :‬يتضمن صفة البصر ومعنى البصر واألثر وهو أن اهلل يرى كل َ‬
‫القاعدة الثانية عشرة‪[ :‬بم نرد على المؤولة والمعطلة]‬
‫بثالثة أشياء‪:‬‬
‫األول نقول لهم‪ :‬قولكم يخالف ظاهر النص‪.‬‬
‫واألصل حمل النص على ظاهره إال عند التعذر‪.‬‬
‫ثم نقول لهم‪ :‬قولكم يخالف منهج أهل السنة والجماعة الذي يقوم على‪:‬‬
‫اإلثبات‪ :‬إثبات ما أثبته اهلل لنفسه وما أثبته له رسوله ‪.‬‬
‫واإلمرار‪ :‬عدم التعرض لها بالتأويل والتحريف ونحو ذلك‪.‬‬
‫وقطع الطمع عن إدراك حقيقتها‪ :‬ال نطمع في معرفة حقيقة صفات اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫األمر الثالث نقول لهم‪ :‬قولكم ليس عليه دليل صحيح‪.‬‬
‫هؤالء المشبهة والمعطلة كاألشاعرة والمعتزلة والجهمية‪ ،‬كل هؤالء ليس عندهم دليل صحيح كل أدلتهم عقلية ساذجة لو تأملها‬
‫العقل ألثبت بطالنها؛ لذلك هم مختلفون فيما بينهم‪.‬‬

‫قال ‪" :‬من غير تحريف وال تعطيل‪ ،‬ومن غير تكييف وال تمثيل"‬
‫يعني نثبت صفات من غير تحريف يعني من غير تغيير‪.‬‬
‫التحريف هو‪ :‬التغيير إما تغيير اللفظ وإما تغيير المعنى‪.‬‬
‫تغيير اللفظ‪ :‬أن يغير اللفظ إما بزيادة حرف‪ ،‬أو زيادة كلمة‪ ،‬أو تغيير حركة‪.‬‬
‫كقول اليهود لما قيل لهم قولوا ِحطة (يعني اطلبوا من اهلل أن يحط عنكم الخطايا) فقالوا‪ِ :‬حنطة؛ استهزاء وسخرية‪ ،‬حنطة‪ :‬حبة‬
‫ََ ْ‬ ‫ُ‬
‫استَ َو ٰ‬
‫تمر‪ ،‬وهذا كقول المعتزلة والجهمية واألشاعرة حين فسروا قوله تعالى‪{ :‬ث َّم ْ‬
‫ى لَع ال َع ْر ِش} [األعراف‪ ]٥٤ :‬قالوا‪ :‬استولى‬
‫هذا تحريف بزيادة حرف الالم‬
‫﴿‪﴾- 18 -‬‬
‫ْ‬
‫وَس تَكل ً‬ ‫َ َّ‬
‫وأيضا تحريفهم لقوله تعالى‪َ { :‬وَك َم َّ ُ‬
‫اَّلل ُم َ ٰ‬
‫ِيما} [النساء‪.]١٦٤ :‬‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫يما)‬ ‫(وَكلَّ َم اللَّهَ ُم َ‬
‫وس ٰى تَكْل ً‬ ‫مفعوال قالوا‪َ :‬‬
‫نصبوا لفظ الجاللة‪ ،‬واألصل أنه مرفوع (فاعل) فجعلوه ً‬
‫أما التحريف المعنوي فهو‪ :‬إثبات اللفظ وتغيير المعنى‪.‬‬
‫هذا كثير كتحريف اليد بالقدرة‪ ،‬والوجه بالثواب إلى آخره‪.‬‬
‫كل ً‬‫َ َ َّ َ َّ ُ ُ َ ٰ َ ْ‬
‫ِيما}‬ ‫وأول من حرف هو الجعد بن درهم فنفى اتصاف اهلل عز وجل بالكالم‪ ،‬حيث قال إن قوله تعالى‪{ :‬وَكم اَّلل موَس ت‬
‫جرح من الكلْم وهو الجرح‪.‬‬ ‫أي‪ :‬جرحه بأظافير الحكمة تَ ْج ِر ً‬
‫يحا يعني قال‪ :‬كلم معناه َّ‬
‫كفرا إذا كان في جميع الصفات كفعل الجهمية‪ ،‬الجهمية نفت جميع الصفات واألسماء‬
‫كفرا وإنما يعد ً‬
‫وليس كل تحريف يعد ً‬
‫كذلك‪ ،‬أو إذا كانت الداللة على الصفة ظاهرة وليس للتأويل فيها مدخل؛ لهذا لم يكفر أهل السنة والجماعة؛ األشاعرة‪،‬‬
‫والكرامية‪.‬‬ ‫والماتريدية‪َّ ،‬‬
‫والكالبية‪ ،‬والسالمية‪َّ ،‬‬
‫وقوله‪" :‬وال تعطيل" يعني أهل السنة ال ينفون صفات اهلل تعالى وما دلت عليه‪ ،‬وقد اتفق سلف األمة على إثبات صفات اهلل‬
‫سبحانه وتعالى من غير تحريف وال تعطيل‪ ،‬ومن غير تكييف وال تمثيل‪.‬‬
‫والفرق بين التحريف والتعطيل‪:‬‬
‫أن التحريف نفي المعنى الصحيح التي دلت عليه النصوص واستبداله بمعنى آخر غير صحيح‪.‬‬
‫أما التعطيل فهو نفي المعنى الصحيح من غير استبدال‪.‬‬
‫وهناك فروق أخرى من أراد االستزادة فليراجع الكتاب‪.‬‬
‫قال‪" :‬ومن غير تكييف"‬
‫أي‪ :‬من غير تعيين كيفية الصفة وتكييف صفات اهلل وتعيين كيفيتها والهيئة التي تكون عليها كأن تذ َكر كيفية الصفة من غير ذكر‬
‫تمثيال‪.‬‬
‫مماثل لها‪ ،‬فإن ذُكر مماثل لها كان ً‬
‫جهازا لم تره قبل ذلك‪ ،‬أنت تُكيِّف له صفة في ذهنك وال تقيده بمماثل؛ ألنني قلت لم‬
‫مثاال‪ :‬لو قلت‪ :‬أحضرت لك ً‬
‫اضرب لك ً‬
‫تره قبل ذلك‪ ،‬أما لو قيدته بشيء رأيته أو سمعت عنه أو نحو ذلك فهذا تمثيل‪.‬‬
‫درك إال بواحدة من أمور إما بالمشاهدة‪ ،‬أو مشاهدة النظير‪ ،‬أو خبر الصادق عنها‪.‬‬
‫والكيفية‪ :‬ال تُ َ‬
‫اهلل عز وجل لم يشاهده أحد ولم َنر مثله سبحانه وتعالى ولم يخبرنا أحد عن كيفية صفاته سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬وال تمثيل" أي وال تشبيه‪ ،‬يعني ال نشبه اهلل بخلقه‪.‬‬
‫بعض العلماء يرى هناك فرق بين التشبيه والتمثيل‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬التمثيل أعم من التشبيه‪ ،‬فالتمثيل يقتضي المشابهة من جميع الوجوه‪ ،‬أما التشبيه فيقتضي المشابهة من بعض الوجوه‪.‬‬
‫مثال‪ :‬قلمي مثل قلمك يعني يتفقان في جميع الصفات‪ ،‬أما لو قلت قلمي شبه قلمك هذا معناه أنهما يختلفان في بعض‬
‫أقول ً‬
‫الصفات‪.‬‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫َش ٌء} [الشورى‪ ،]١١ :‬وقال‪َ { :‬هل ت ْعل ُم َُل َس ِم ًّيا} [مريم‪.]٦٥ :‬‬
‫وقد قال اهلل عز وجل‪{ :‬لي ْ َس ك ِمثلِهِ ْ‬

‫فال يجوز أن نشبه اهلل عز وجل بخلقه‪ ،‬والمشبهة كفار كما قال أهل العلم‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 19 -‬‬
‫ص ُ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َ ْ ٌ َ ُ َ َّ ُ ْ‬
‫ي}"‪[ .‬الشورى‪]١١ :‬‬ ‫يع اْلَ ِ‬‫ثم قال ‪" :‬بل يؤمنون بأن اهلل سبحانه {ليس ك ِمثلِهِ َشء وهو الس ِم‬
‫أي أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن اهلل سبحانه وتعالى ال مثل له‪.‬‬
‫هذه اآلية قاعدة عظيمة عند أهل السنة والجماعة ففيها‪:‬‬
‫نفي المثليَّة عن اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وإثبات السمع والبصر (إثبات الصفات)‪.‬‬
‫والذين مثلوا اهلل عز وجل بخلقه قالوا‪ :‬إن اهلل أنزل القرآن بلغة العرب ومن المحال أن يخاطبنا بما ال نفهم؛ لذلك نثبت هلل عز‬
‫وجل صفات مثل صفات المخلوقين‪.‬‬
‫وأهل السنة أجابوا عنه‪ :‬بأنه ال يلزم من اتفاق المسميات اتفاق الصفات‪ ،‬يعني هذه عين وهذه عين‪ ،‬هل يلزم من هذا أن تكون‬
‫هذه العين مثل هذه العين‪ ،‬عين الحيوان مثل عين اإلنسان؟ كال‪.‬‬
‫والذين عطلوا‪ ،‬عطلوا ألجل نفي المشابهة عن اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬ففروا من التمثيل ووقعوا فيما هو أخطر وهو التعطيل‪.‬‬
‫أهل السنة أجابوا عنه‪ :‬بأن اهلل أثبت لنفسه الصفات ونفى عنها المشابهة والمماثلة وهو أعلم بنفسه منا‪ ،‬أجعلتم أنفسكم أعلم‬
‫باهلل منه جل وعال؟!‬
‫مجمال‪ ،‬وهذه طريقة القرآن الكريم‪.‬‬
‫ً‬ ‫مفصال وينفون نفيًا‬
‫ً‬ ‫وطريقة أهل السنة في اإلثبات والنفي‪ :‬أنهم يثبتون إثباتًا‬
‫مفصال‪.‬‬
‫ً‬ ‫مجمال وينفون نفيًا‬
‫ً‬ ‫بخالف طريقة المبتدعة‪ :‬فإنهم يثبتون إثباتًا‬
‫مجمال‪.‬‬
‫ً‬ ‫مفصال والنفي‬
‫ً‬ ‫فلو تأملت القرآن وجدت اإلثبات‬
‫ص ُ‬ ‫ْ‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬و ُه َو َّ‬
‫الس ِم ُ‬
‫ي} [الشورى‪،]١١ :‬‬ ‫يع اْلَ ِ‬
‫اِلك ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫{ َو ُه َو ال َعل ُ‬
‫ِيم َ‬
‫ِيم} [التحريم‪.]٢ :‬‬
‫اِلك ُ‬ ‫ْ‬
‫{ َو ُه َو ال َعز ُ‬
‫يز َ‬ ‫ْ‬
‫ِيم} [الجاثية‪ ...]٣٧ :‬إلى آخره‬ ‫ِ‬
‫ص ُ‬ ‫ْ‬
‫َش ٌءۖ َو ُه َو َّ‬
‫الس ِم ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫أما النفي‪{ :‬لي ْ َس ك ِمثلِهِ ْ‬
‫ي} [الشورى‪]١١ :‬‬ ‫يع اْلَ ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ُ َّ ُ ُ ُ َ‬ ‫ِل َول َ ْم يُ َ ْ‬
‫{ل َ ْم يَ ِ ْ‬
‫وَل (‪ )٣‬ولم يكن َل كف ًوا أحد} [اإلخالص‪ ..]٣٤ :‬إلى آخره‪.‬‬
‫وجودا مطل ًقا‪.‬‬
‫المبتدعة‪ :‬عند اإلثبات‪ :‬ال يثبتون إال ً‬
‫وعند النفي‪ :‬يفصلوه يقولون‪ :‬ال مولود وال معدوم وال حي وال ميت وال جسم وال جوهر وال عالم وال جاهل إلى آخره‪.‬‬
‫وشرعا؛ ألنه يستلزم الجمع بين النقيضين أحدهما اإليمان واآلخر كفر‪.‬‬
‫عقال ً‬
‫وهذا القول فاسد ً‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫والعلماء مختلفون في معنى الكاف في قوله‪{ :‬لي ْ َس ك ِمثلِهِ ْ‬
‫َش ٌء}‪.‬‬
‫والصحيح أن الكاف زائدة أي‪ :‬زائدة في المعنى ال في اللفظ؛ وذلك للتأكيد والتقدير (ليس مثله شيء)‪.‬‬
‫وخص اهلل عز وجل (السمع والبصر) دون غيرهما من األسماء؛ ألن صفتي السمع والبصر من الصفات التي تشترك فيها أكثر‬
‫المخلوقات الحية‪ ،‬ومع ذلك تختلف فيما بينها في الحقيقة والكيفية؛ فسمع الحيوان غير سمع اإلنسان‪ ،‬كذلك يختلف سمع‬
‫الحيوانات بعضها عن بعض‪ ،‬وكذلك البصر‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 20 -‬‬
‫اإلنسان إذا حقق اإليمان (باسم اهلل السميع)؛ فلن يسمع إال ما يرضي اهلل‪ ،‬لن يسمع شيئًا يغضب اهلل سبحانه وتعالى كالموسيقى‬
‫والغناء ونحو ذلك‪.‬‬
‫وإذا حقق اإليمان (باسم اهلل البصير)؛ فلن يفعل شيئا ال يرضي اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬قبل أن يفعل أي فعل سيسأل نفسه‪ :‬هل‬
‫يرضي اهلل؟ فإن كان يرضي اهلل يفعله وإال فال‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬فال ينفون عنه ما وصف به نفسه"‬
‫أهل السنة والجماعة ال ينفون ما وصف اهلل به نفسه؛ وذلك ألنهم يتبعون النص نفيًا وإثباتًا‪ ،‬فكل ما وصف اهلل به نفسه يثبتونه‬
‫على الحقيقة سواء كان من الصفات الذاتية أو الفعلية‪.‬‬
‫قال‪" :‬وال يحرفون الكلم عن مواضعه"‬
‫يعني ال يغيرون كالم اهلل عن مدلوله وال معناه الحقيقي‪ ،‬كما يفعل المعطلة الذين يقولون استوى أي استولى‪.‬‬
‫نقف هنا ونأخذ أسئلة التكليف‪:‬‬

‫األسئ لة‬
‫مجمال‪.‬‬
‫ً‬ ‫شرحا‬
‫السؤال األول‪ :‬اذكر القواعد التي ذكرتها في هذه المحاضرة‪ ،‬مع شرحها ً‬
‫كفرا؟‬
‫السؤال الثاني‪ :‬هل كل تحريف يعد ً‬
‫السؤال الثالث‪ :‬ما حكم المشبهة؟‬

‫السؤال الرابع‪ :‬ما السبب الذي دعا أهل التمثيل إلى التمثيل وأهل التعطيل إلى التعطيل؟‬

‫وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد‪،‬‬


‫هذا‪ِّ ،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 21 -‬‬
‫المحاضـرة الـرابعـة‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫مرحبا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد وهذه هي المحاضرة الرابعة من محاضرات العقيدة من‬
‫كتاب [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية]‪.‬‬
‫وكنا وصلنا في اللقاء السابق عند قول المصنف ‪" :‬وال يلحدون في أسماء اهلل تعالى وآياته"‪.‬‬
‫يعني أهل السنة والجماعة ال يميلون وال يعدلون عن الحقائق والمعاني الصحيحة في أسماء اهلل تعالى وآياته إلى الباطل‪.‬‬
‫واإللحاد في أسماء اهلل تعالى‪ :‬هو الميل بها عما يجب فيها‪ ،‬وهو محرم بجميع أنواعه؛ ألن اهلل سبحانه وتعالى هدد الملحدين‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ج َز ْون َما َكنوا َي ْع َملون} [األعراف‪.]١٨٠ :‬‬
‫ِين يُلح ُدون ِف أ ْس َمائه َسيُ ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫بقوله‪َ { :‬وذ ُروا اَّل َ ِ‬
‫واإللحاد أنواع‪:‬‬
‫منه‪ :‬إنكار شيء من أسماء اهلل سبحانه وتعالى أو مما دلت عليه من الصفات واألحكام‪ .‬كما فعل أهل التعطيل من الجهمية‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬أن يجعل الصفات دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬أن يُشبه صفات اهلل بصفات المخلوقين‪.‬‬
‫سمت اهلل سبحانه وتعالى باألب‪.‬‬ ‫يسمي اهلل تعالى بما لم ِ‬
‫يسم به نفسه‪ ،‬كفعل النصارى؛ َّ‬ ‫ومنه‪ :‬أن ّ‬
‫والالت من اإل ٰله إلى آخره‪.‬‬
‫العزى من العزيز‪َّ ،‬‬ ‫أسماء لألصنام‪ ،‬كما فعل المشركون؛ ُّ‬
‫اشتقوا ُ‬ ‫ً‬ ‫ومنه‪ :‬أن يشتق من أسمائه‬
‫قال‪" :‬وال يُكيِّفون وال يُمثِّلون صفاته بصفات خلقه"‬
‫يعني أهل السنة والجماعة يتميزون عن غيرهم بأنهم‪ :‬يثبتون هلل عز وجل ما أثبته لنفسه‪ ،‬وما أثبته له رسوله ‪ ،‬على الوجه الالئق‬
‫بها‪ ،‬من غير تكييف وال تمثيل‪ .‬لماذا؟‬
‫قال‪" :‬ألنه سبحانه ال َس ِم َّي له"‪.‬‬
‫ْ َ َ َ‬
‫يعني ال نظير له سبحانه وتعالى‪ .‬كما قال سبحانه‪َ { :‬هل ت ْعل ُم َُل َس ِم ًّيا}[مريم‪.]٦٥ :‬‬
‫َ‬ ‫َّ ُ ُ‬ ‫َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫كن َُل كف ًوا أ َح ٌد} [اإلخالص‪.]٤ :‬‬ ‫قال‪" :‬وال كفء له"‪ ،‬يعني ال مكافئ وال مماثل له‪ .‬كما قال‪{ :‬ولم ي‬
‫َ َ َ ْ َ ُ َّ َ َ ً َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫ند له"‪ ،‬يعني ال شبيه له‪ .‬كما قال تعالى‪{ :‬فَل َتعلوا َِّلل ِ أندادا وأنتم تعلمون} [البقرة‪.]٢٢ :‬‬
‫قال‪" :‬وال َّ‬
‫قال‪" :‬وال يقاس بخلقه" يعني ال يشبه اهلل بخلقه وال يمثل بهم؛ ألنه ال يجوز استعمال شيء من األقيسة التي تقتضي المماثلة‬
‫والمساواة بين المقيس والمقيس عليه في الشؤون اإللٰهية‪.‬‬
‫َْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫كما قال تعالى‪{ :‬فَل تَْضِبُوا ِ ََّّلل ِ اْل ْمثال} [النحل‪.]٧٤ :‬‬
‫أصله الجهمية والمعتزلة الذين اعتمدوا على عقولهم قائلين‪ :‬ما أثبتته عقولنا‬
‫وأراد شيخ اإلسالم ‪ ‬بهذه الكلمة‪ :‬إبطال أصل َّ‬
‫أثبتناه وما نفته عقولنا نفيناه؛ لذلك نفوا َكثِ ًيرا من الصفات كالوجه واليدين ونحوه‪.‬‬
‫قال‪" :‬فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره"‬
‫سبحانه وتعالى وإذا كان أعلم بنفسه وبغيره؛ وجب أن نثبت له من الصفات ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله ‪.‬‬
‫﴿‪﴾- 22 -‬‬
‫قيال وال حديثًا‪.‬‬
‫قيال"‪ .‬يعني ال أحد أصدق من اهلل ً‬
‫قال‪" :‬وأصدق ً‬
‫ً‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كما قال سبحانه‪َ { :‬و َم ْن أ ْ‬
‫اَّلل ِ قِيَل} [النساء‪.]١٢٢ :‬‬ ‫ص َدق مِن‬
‫يعني ال أحد أصدق منه قَ ْوًال َو َخبَ ًرا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ َ ْ ْ َ ُ َ َّ‬‫َ‬
‫اَّلل ِ َحدِيثا} [النساء‪.]٨٧ :‬‬ ‫"وأحسن َح ِديثًا من خلقه"‪ .‬كما قال‪{ :‬ومن أصدق مِن‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬

‫ص َّدقُون بخالف الذين يقولون عليه ماال يعلمون"‪.‬‬


‫ثم قال ‪" :‬ثم رسله صادقون ُم َ‬
‫قوله‪" :‬ثم رسله صادقون"‪ :‬أي فيما يخبرون به؛ فلم يخبروا بشيء عن اهلل َك ِذبًا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ص َّدقُون"‪ :‬يعني يجب على األمم أن تصدقهم‪ ،‬بخالف الذين يقولون على اهلل ما ال يعلمون الذين نفوا األسماء والصفات أو‬
‫"م َ‬
‫ُ‬
‫نفوا بعضها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ ْ َّ َ َ َّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ْ َ َ َ ُ ْ ُ‬
‫ْشكوا بِاَّلل ِ َما‬
‫اْلثم واْلَيْغ بِييِ اِل ِق وأن ت ِ‬
‫وقد قال اهلل سبحانه وتعالى‪{ :‬قل إِنما حرم ر ِّب الفواحِش ما ظهر مِنها وما بطن و ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ُ ْ َ ً َ َ َ ُ ُ َ َ َّ‬ ‫َ َ ْ‬
‫اَّلل ِ َما َّل ت ْعل ُمون} [األعراف‪.]٣٣ :‬‬ ‫ل ْم ُينِل بِهِ سلطانا وأن تقولوا لَع‬
‫يعني ال يجوز أن تتكلم في شرع اهلل بال دليل من القرآن أو السنة النبوية الصحيحة‪.‬‬
‫ومن هؤالء الذين قالوا على اهلل بال علم‪ :‬اليهود الذين زعموا أن اهلل فقير‪.‬‬
‫َ ْ‬
‫ي َوَن ْ ُن أغن ِيَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫{قالوا إن َّ َ‬
‫اَّلل فقِ ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ‬
‫اء} [آل عمران‪.] ١٨١ :‬‬ ‫ِ‬
‫حضا‪ ،‬فنفوا صفات اهلل سبحانه وتعالى كلها‪.‬‬
‫ادفًا َم ً‬
‫كذلك المعتزلة الذين قالوا‪ :‬إن داللة الصفات مترادفة تَ َر ُ‬
‫َ ْ َ ْ ُ َّ‬
‫َّلل ِ َرب ال ْ َعالَم َ‬ ‫َ َ َ ٌ ََ‬
‫لَع ال ْ ُم ْر َسل َ‬ ‫ُ ْ َ َ َ َ َ ْ َّ َ َّ َ ُ َ‬
‫ْي}‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِْي (‪ )١٨١‬واِلمد ِ‬ ‫صفون (‪ )١٨٠‬وسَلم‬‫ب العِزة ِ عما ي ِ‬
‫قال‪ :‬ولهذا قال سبحانه‪{ :‬سبحان ربِك ر ِ‬
‫[الصافات‪.]١٨٢-١٨٠ :‬‬
‫والتسبيح معناه‪ :‬التنزيه‪ ،‬يعني تنزيه اهلل سبحانه وتعالى عن كل نقص وعيب‪.‬‬
‫قال‪" :‬فسبَّح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل‪ ،‬وسلَّم على المرسلين؛ لسالمة ما قالوه من النقص والعيب"‪.‬‬
‫يعني َّبرأ اهلل سبحانه وتعالى نفسه عما نسبه إليه أهل الشرك واإللحاد والضالل‪ ،‬وسلم على المرسلين؛ لسالمة ما قالوه من‬
‫النقائص والمعايب‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي واإلثبات"‪.‬‬
‫هذا شروع في بيان المنهج الذي يجب انتهاجه وهو الجمع بين النفي واإلثبات‪ ،‬نثبت ما أثبته اهلل لنفسه وننفي ما نفاه عن نفسه‪،‬‬
‫والنفي ال يكون َم ْد ًحا إال إذا تضمن ثُبُوتًا‪.‬‬
‫يعني نفى اهلل عز وجل عن نفسه اللُغُوب‪ ،‬فهذا يتضمن كمال القدرة‪.‬‬
‫ونفى عن نفسه الظلم‪ ،‬فهذا يتضمن إثبات كمال العدل وهكذا‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬فال عدول ألهل السنة والجماعة عما جاءت به المرسلون"‪.‬‬
‫يعني هم متبعون للرسل فيمن جاءوا به‪ .‬لماذا؟‬
‫قال‪" :‬فإنه الصراط المستقيم"‪.‬‬
‫يعني الذي ال اعوجاج فيه‪.‬‬
‫﴿‪﴾- 23 -‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ َّ ُ َ َ‬
‫الصدِيقِْي والشهداءِ والص ِ‬
‫اِل ِْي} [النساء‪.]٦٩ :‬‬ ‫صراط الذين‪{ :‬أنعم اَّلل عليهِم مِن اَلبِي ِْي و ِ‬
‫الصديقين‪ :‬جمع صدِّيق وهو المبالغ في الصدق والتصديق‪.‬‬
‫والشهداء‪ :‬الذين قتلوا في سبيل اهلل‪.‬‬
‫الصالحين‪ :‬جمع صالح وهو كل من صلحت سريرته وعالنيته‪ ،‬وهو القائم بحقوق اهلل وحقوق العباد‪ ،‬وهذا من باب عطف العام‬
‫على الخاص‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ْي َوالش َه َداءِ‬
‫ْي َوالصدِيق َ‬ ‫ِين َأنْ َع َم َّ ُ‬
‫اَّلل َعلَيْهم م َِن اَلَّبي َ‬ ‫َّ َ َ َّ ُ َ َ ُ َ ٰ َ‬
‫ك َم َع َّاَّل َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫قد قال اهلل سبحانه وتعالى‪{ :‬ومن يطِعِ اَّلل والرسول فأولئ ِ‬
‫ً‬ ‫َ َّ ِ َ َ َ ُ َ ُ َ ٰ َ‬
‫ك َرفِيقا} [النساء‪.]٦٩ :‬‬ ‫والصاِل ِْي وحسن أولئ ِ‬
‫ثم شرع ‪ ‬في بيان بعض صفات اهلل سبحانه وتعالى الواردة في القرآن‪ ،‬ثم سيذكر بعض الصفات الواردة في السنة‪.‬‬
‫قال‪" :‬وقد دخل في هذه الجملة"‪.‬‬
‫أي‪ :‬ما وصف اهلل تعالى به نفسه وما وصفه به الرسول ‪.‬‬
‫قال‪" :‬ما وصف به نفسه في سورة اإلخالص التي تعدل ثلث القرآن"‪.‬‬
‫يعني تساوي ثلث القرآن في األجر ال اإلجزاء‪.‬‬
‫يعني من قرأ هذه السورة مرة فله أجر قراءة ثلث القرآن‪ ،‬ولكن ال تجزئه عن قراءة القرآن‪.‬‬
‫والدليل قول النبي ‪" :‬أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فقالوا‪ :‬أينا يطيق ذلك يا رسول اهلل؟ فقال‪ :‬اهلل الواحد‬
‫الصمد ثلث القرآن"‪.‬‬
‫ثم ذكر السورة فقال‪ :‬حيث يقول قل يا محمد لهؤالء المشركين الذين سألوا عن نسب اهلل سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫{قل ُه َو َّ ُ‬ ‫ُْ‬
‫اَّلل أ َح ٌد} يعني واحد أحد ال نظير له وال وزير وال نديد وال شبيه وال عديل‪.‬‬
‫{ َّ ُ‬
‫اَّلل َّ‬
‫الص َم ُد} يعني الذي تقصده الخالئق كلها في حوائجها ومسائلها‪.‬‬
‫وقيل "الصمد" يعني‪ :‬الكامل في كل شيء في السيادة والعظمة والحلم والشرف ونحو ذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫ِل َول ْم يُ ْ‬‫َ‬
‫قال‪{ :‬ل ْم يَ ِ ْ‬‫َ‬
‫وَل} يعني ليس له ولد وال والد سبحانه وتعالى‪ ،‬وال صاحبة‪.‬‬
‫هذا فيه رد على من نسب إلى اهلل الولد كالنصارى‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ ُ ُ‬‫َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫كن َُل كف ًوا أ َح ٌد} يعني ليس له مكافئ وال نظير وال مماثل سبحانه‪.‬‬ ‫قال‪{ :‬ولم ي‬
‫الشاهد من ذكر السورة‪ :‬أنها جمعت بين النفي واإلثبات‪ ،‬جمعت بين الصفات الثبوتية والصفات السلبية‪.‬‬
‫الصفات الثبوتية‪ :‬مثل األلوهية‪ ،‬واألحدية‪ ،‬والصمدية‪.‬‬
‫َح ٌد‪.‬‬
‫والصفات السلبية‪ :‬لم يلد‪ ،‬ولم يولد‪ ،‬ولم يكن له ُك ُف ًوا أ َ‬
‫ثم ذكر آية الكرسي قال‪" :‬وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتابه"‪.‬‬
‫الدليل على أن آية الكرسي أعظم آية في القرآن قول النبي ‪" :‬أتدري أي آية من كتاب اهلل معك أعظم؟ فقال‪ :‬اهلل ورسوله‬
‫إ ِ ََّّل ُه َو ال ْ َ ُّ‬
‫ي‬
‫َّ ُ َ َ‬
‫اَّلل َّل إِل ٰ َه‬ ‫أعلم (وهو أبي بن كعب ‪ )‬فقال ‪ :‬أتدري أي آية من كتاب اهلل معك أعظم؟ قال‪ :‬قلت {‬
‫ْ َ ُّ ُ‬
‫القيوم}‪ ،‬فضرب النبي ‪ ‬في صدره وقال ‪ :‬واهلل لِيَهنِ َ‬
‫ك العلم أبا المنذر"‪.‬‬
‫﴿‪﴾- 24 -‬‬
‫يعني َهنِيئًا لك هذا العلم‪.‬‬
‫العلماء قالوا‪ :‬تميزت آية الكرسي بكونها أعظم؛ ألنها جمعت أصول األسماء والصفات من (اإللهية‪ ،‬والوحدانية‪ ،‬والحياة‪،‬‬
‫والعلم‪ ،‬والملك‪ ،‬والقدرة‪ ،‬واإلرادة)‪.‬‬
‫وهذه السبعة هي "األصول في األسماء والصفات" فسميت بآية الكرسي؛ ألنها اشتملت على ذكر كرسي اهلل سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال‪ُ َّ { :‬‬
‫اَّلل َّل إِل ٰ َه إَِّل ُه َو ال َ ُّ‬
‫ي} يعني الذي ال يموت أبدا‪.‬‬
‫{الق ُّي ُ‬ ‫َْ‬
‫وم} يعني القيِّم لغيره‪ ،‬القائم على كل شيء‪ ،‬كل الخالئق تحتاج إلى الرب سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وهذان االسمان "الحي القيوم" هما اسم اهلل األعظم الذي إذا دعي به أجاب‪.‬‬
‫كما جاء في الحديث لما قال الرجل‪( :‬اللهم إني أسألك بأن لك الحمد‪ ،‬ال إله إال أنت‪ ،‬المنَّان‪ ،‬بديع السماوات واألرض‪ ،‬يا ذا‬
‫الجالل واإلكرام‪ ،‬يا حي يا قيوم)‪ ،‬فقال ‪" :‬لقد دعا اهلل باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى"‪.‬‬
‫ٌ َ َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫قال‪َّ{ :‬ل تَأ ُخذهُ سِنَة َوَّل ن ْو ٌم} يعني ال يعتريه نقص وال غفلة بل هو قائم على كل نفس بما كسبت‪ ،‬والمقصود بالنفي هنا كما‬
‫تقدم إثبات كمال الصفة وهي الحياة‪.‬‬
‫والسنة‪ :‬هي مقدمة النوم‪.‬‬
‫ِّ‬
‫َْ‬ ‫قال‪َُ َّ { :‬ل َما ِف َّ‬
‫ات َو َما ِِف اْل ْر ِض} يعني كل ما في السماوات وما في األرض هو هلل وحده سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫او ِ‬ ‫الس َم َ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َّ‬ ‫َ َّ‬
‫ِندهُ إَِّل بِإِذنِهِ} يعني ال أحد يستطيع أن يشفع عنده يوم القيامة إال إذا أذن اهلل عز وجل في الشفاعة‪.‬‬ ‫قال‪َ { :‬من ذا اَّلِي يشفع ع‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ ُ َ ََْ َْ ْ َ َ َ َْ‬
‫قال‪{ :‬يعلم ما بْي أيدِيهِم وما خلفهم} يعني يعلم المستقبل والماضي‪.‬‬
‫اء} يعني ال أحد يطلع من علم اهلل عز وجل على شيء إال بما أعلمه اهلل عز وجل‪.‬‬‫َش ٍء م ِْن عِل ْ ِمهِ إ ََّّل ب َما َش َ‬‫ون ب ِ َ ْ‬ ‫ََ ُ ُ َ‬
‫{وَّل ُيِيط‬
‫ِ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫قال‪َ { :‬وس َِع ُك ْرس ُِّي ُه َّ‬
‫ات َواْل ْرض} الكرسي‪ :‬موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى كما جاء هذا عن ابن عباس ‪.‬‬ ‫او ِ‬ ‫الس َم َ‬
‫ََ َ ُ ُ ْ‬
‫ودهُ حِف ُظ ُه َما} يعني ال يُ ِثقله حفظ السماوات واألرض بل هذا سهل هيِّن عليه سبحانه وتعالى‪.‬‬‫قال‪{ :‬وَّل يئ‬
‫ْ‬
‫قال‪َ { :‬و ُه َو ال َع ِ ُّ‬
‫ل} يعني الرفيع فوق خلقه‪ ،‬والمتعالي عن األشياء واألنداد سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫{ال َع ِظ ُ‬ ‫ْ‬
‫يم} يعني الكبير الذي ال شيء أعظم منه‪.‬‬
‫قال‪" :‬ولهذا كان من قرأ هذه اآلية في ليلة لم يزل عليه من اهلل حافظ وال يقربه شيطان حتى يصبح كما جاء في الحديث"‪.‬‬
‫َ َ َ َّ ْ َ َ‬
‫لَع ال ْ َي َّاَّلِي ََّل َي ُم ُ‬
‫وت} [الفرقان‪ ]٥٨ :‬هذه اآلية فيها إثبات صفة الحياة هلل‬ ‫ِ‬ ‫ثم قال ‪" :‬وقوله سبحانه وتعالى‪{ :‬وتوَّك‬
‫سبحانه وتعالى"‪.‬‬
‫َّوُّكل‪ :‬هو االعتماد على اهلل عز وجل في جلب المنافع ودفع المضار‪.‬‬
‫والت َ‬
‫هنا يقول‪ :‬هل يجوز أن يقال توكلت على اهلل ثم عليك؟‬
‫الجواب‪ :‬ال يجوز‪ .‬لماذا؟‬
‫ألن التوكل عبادة‪ ،‬وال يجوز صرف العبادة أو جزء منها إلى غير اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ َ‬
‫قال تعالى‪{ :‬ف َعليْهِ تَ َوَكوا إن كنتُم ُّم ْسل ِم َ‬
‫ْي} [يونس‪.]٨٤ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫﴿‪﴾- 25 -‬‬
‫أسئلة التكليف‪:‬‬

‫األسئ لة‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اإللحاد أنواع‪ ،‬اذكرها مع ذكر حكم اإللحاد‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬اشتملت سورة اإلخالص وآية الكرسي على جملة من األسماء‬
‫والصفات‪ ،‬اذكرها‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬هل يجوز أن يُقال‪ :‬توكلت على اهلل ثم عليك؟‬

‫وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد‪،‬‬


‫هذا‪ِّ ،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 26 -‬‬
‫المحاضـرة الخامسـة‬

‫وسالما على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪..‬‬
‫ً‬ ‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصال ًة‬
‫مرحبًا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪ ،‬وهذه هي المحاضرة «الخامسة» من محاضرات‬
‫العقيدة‪ ،‬من كتاب [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية]‪.‬‬
‫وكنا وصلنا في اللقاء السابق عند كالم المصنف ‪ ‬عن‪ :‬صفة العلم‬
‫ُ َ ْ َ َّ ُ َ ْ ُ َ َّ ُ َ ْ َ ُ َ ُ َ ُ‬
‫كل َ ْ‬
‫َش ٍء َعل ٌ‬
‫ِيم} [الحديد‪.]٣ :‬‬ ‫قال ‪" :‬قوله‪{ :‬هو اْلول واْلخِر والظاهِر واْلاطِن وهو ب ِ ِ‬
‫أما اسم اهلل "األول"‪ :‬فيشتمل على أنواع األَوليّة في الذات واألسماء والصفات‪.‬‬
‫وقد فسره النبي ‪ ‬بقوله‪" :‬أنت األول فليس قبلك شيء"‪.‬‬
‫وأما اسم اهلل اآلخر‪ :‬فقد فسره ‪ ‬بقوله‪" :‬وأنت اآلخر فليس بعدك شيء"‪.‬‬
‫أي‪ :‬الباقي بعد فناء الخلق‪.‬‬
‫وأما اسم اهلل "الظاهر"‪ :‬فمعناه الظهور والعلو والغلبة‪ ،‬وليس معناه الذي ظهرت آثار نعمته بل الظاهر بذاته‪.‬‬
‫وقد فسره النبي ‪ ‬بقوله‪" :‬وأنت الظاهر فليس قبلك شيء"‪.‬‬
‫يعني الظاهر فوق كل ٍ‬
‫شيء بقدرته‪.‬‬
‫وأما اسم اهلل "الباطن"‪ :‬فقد فسره ‪ ‬بقوله‪" :‬وأنت الباطن فليس دونك شيء"‪.‬‬
‫يعني العالم بما ظهر من األمور المطلع على ما بطن من الغيوب‪.‬‬
‫هذه األسماء األربعة متقابلة‪:‬‬
‫الرب تعالى وأبديَّته‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اسمان ألزلية ّ‬
‫واسمان لعلُوه وقُر ِبه‪.‬‬
‫ِ‬

‫وال يجوز تفسير األول بالقديم؛ ألنه ليس عليه دليل من الكتاب والسنة الصحيحة‪.‬‬
‫وقد تقدم أن أسماء اهلل توقيفية؛ ال يجوز إثبات ٍ‬
‫شيء منها إال ٍ‬
‫بنص من القرآن أو السنة النبوية الصحيحة‪.‬‬
‫وكذلك أسماء اهلل كلها حسنى ال نقص فيها ٍ‬
‫بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫واسم "القديم" يحتمل‪ :‬القدم المطلق وهو بمعنى األول‪.‬‬
‫ويحتمل القدم النسبي الذي هو ضد الجديد‪.‬‬
‫فيحتمل الحسن وضده؛ لذلك القديم ال يطلق على اهلل سبحانه وتعالى إال من باب الخبر‪.‬‬
‫كما في الحديث‪" :‬كان النبي ‪ ‬إذا دخل المسجد قال‪ :‬أعوذ باهلل العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان‬
‫الرجيم"‪.‬‬
‫َش ٍء َعل ٌ‬
‫كل ْ‬ ‫َ‬
‫ََُ ُ‬
‫ِيم} [الحديد‪]٣ :‬‬ ‫وقوله‪{ :‬وهو ب ِ ِ‬
‫يعني ال يخفى عليه شيءٌ سبحانه‪.‬‬
‫﴿‪﴾- 27 -‬‬
‫هذه اآلية اشتملت على أربعة أسماء وخمس صفات‪:‬‬
‫أما األسماء‪ :‬فهي (األول واآلخر والظاهر والباطن)‪.‬‬
‫وأما الصفات‪ :‬فهي (األوليّة واآلخ ِريّة والظاهرية والباطنية وعموم العلم)‪.‬‬
‫َش ٍء َعل ٌ‬
‫كل ْ‬ ‫َ‬
‫ََُ ُ‬
‫ِيم} يدل على بطالن عقيدة القدرية الذين يقولون (إن اهلل ال يعلم األشياء إال بعد وقوعها)‪.‬‬ ‫قوله تعالى‪{ :‬وهو ب ِ ِ‬
‫ِيم} [الحديد‪ ]٣ :‬يعني يعلم كل ٍ‬ ‫كل َ ْ‬
‫َش ٍء َعل ٌ‬ ‫ََُ ُ‬
‫شيء سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫قوله‪{ :‬وهو ب ِ ِ‬
‫عليم به‪ ،‬فال يتجرأ على‬ ‫ٍ‬
‫ومن حقق اإليمان باسم اهلل العليم فسوف يراقب ربه سبحانه وتعالى في كل قول وفعل؛ فهو يعلم أن ربه ٌ‬
‫شيء ال يرضيه وال يتخلف عن ٍ‬
‫شيء يرضيه‪.‬‬ ‫فعل ٍ‬
‫اِلك ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قال‪ :‬وقوله‪َ { :‬و ُه َو ال َعل ُ‬
‫ِيم َ‬
‫ِيم} [التحريم‪ ]٢ :‬يعني‪ :‬الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره‪.‬‬
‫(والحكيم)‪ :‬تأتي بمعنى الحاكم بين خلقه بأمره الكوني سبحانه وتعالى وبأمره الشرعي‪.‬‬
‫المدبّر سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وتأتي بمعنى ال ُْم ْحكم لخلق األشياء‪ ،‬أي‪ :‬المتقن ُ‬
‫ِيم اْلَب ُ‬
‫قال‪{ :‬ال َعل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ي} [التحريم‪ ]٣ :‬يعني الذي ال تخفى عليه خافية وال يغيب عنه شيء سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والشاهد من هاتين اآليتين‪ :‬إثبات اسم اهلل (الحكيم والخبير والعليم)‪.‬‬
‫هذه األسماء تتضمن صفات وهي‪ :‬الحكمة‪ ،‬والخبرة‪ ،‬والعلم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ ْ ُ َ َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫والح ِ‬
‫ب المبذور‬ ‫قال‪{ :‬يعلم ما يل ِج ِِف اْلرض} [الحديد‪ ]٤ :‬أي‪ :‬ما يدخل فيها من األموات‪ ،‬والمطر النازل في أجزاء األرض‪َ ،‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫َْ‬
‫{ َو َما َي ُر ُج مِنْ َها} أي من النبات‪ ،‬واألموات يوم القيامة‪.‬‬
‫قال‪َ { :‬و َما يَن ُل م َِن َّ‬
‫الس َماءِ} أي من مط ٍر ٍ‬
‫ورزق ومالئكة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫{ َو َما َي ْع ُر ُج ف َ‬
‫ِيها} أي ما يصعد فيها من المالئكة وأعمال العباد‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ َُ َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ب} [ األنعام‪ :]٥٩ :‬يعني عنده خزائن الغيب سبحانه وتعالى‪ .‬ومفاتح‪ :‬جمع مفتاح‪ ،‬هو ما يفتح به‪ .‬وقيل‬
‫{وعِنده مفات ِح اليي ِ‬
‫جمع ِمفتَح وهو الخزائن‪.‬‬
‫غيب مطلق وهو‪ :‬ما غاب عن الجميع ال يعلمه إال اهلل‪.‬‬
‫والغيب نوعان‪ٌ :‬‬
‫وغيب نسبي وهو‪ :‬ما أطلع اهلل عليه بعض رسله‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وجاء في حديث أن النبي ‪ ‬قال‪" :‬مفاتح الغيب خمس ال يعلمها إال اهلل‪ ،‬ال يعلم ما في ٍ‬
‫غد إال اهلل وال يعلم ما تغيض األرحام‬
‫نفس بأي ٍ‬
‫أرض تموت‪ ،‬وال يعلم متى تقوم الساعة إال اهلل"‪.‬‬ ‫إال اهلل‪ ،‬وال يعلم متى يأتي المطر أح ٌد إال اهلل‪ ،‬وال تدري ٌ‬
‫وسميَت هذه الخمسة بمفاتيح الغيب؛ ألنها مفاتح لكل ما وراءها‪.‬‬
‫ُ‬
‫َّ َ َ ُ ُ َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫فقوله‪{ :‬إِن اَّلل عِنده عِلم الساعةِ} [لقمان‪ٌ ]٣٤ :‬‬
‫مفتاح لحياة اآلخرة‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ ُ َْ‬
‫{وينِل الييث} ٌ‬
‫مفتاح لحياة األرض والنبات‪ ،‬وبحياة النبات يكون الخير‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫ََْ ُ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫{ويعلم ما ِِف اْلرح ِام} ٌ‬
‫مفتاح للحياة الدنيا‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 28 -‬‬
‫َ‬
‫{ َو َما تَ ْدري نف ٌس َّماذا تَكس ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِب غ ًدا} مفتاح للعمل المستقبل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫{ َو َما تَ ْدري نف ٌس بأي أ ْرض ت ُم ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫وت} مفتاح لحياة اآلخرة؛ ألن اإلنسان إذا مات دخل عالم اآلخرة‪.‬‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َّ ْ َ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َْ ْ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ َُ ََ ُ َْْ َ َْ‬
‫ب َّل َيعل ُم َها إَِّل ه َو َويَعل ُم ما ِِف البِ َواْلَحرِۖ َوما تسق ُط مِن َو َرق ٍة إَِّل َيعل ُم َها َوَّل ح َّب ٍة ِِف ظل َم ِ‬
‫ات‬ ‫قال‪{ :‬وعِنده مفات ِح اليي ِ‬
‫ْي} [األنعام‪.]٥٩ :‬‬ ‫ب‬‫م‬‫ْاْلَ ْر ِض َو ََّل َر ْطب َو ََّل يَابس إ ََّّل ِف ك َِتاب ُّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫يعني واضح ال إشكال فيه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ْ ُ َ َ َ َ َ ُ َّ‬
‫{وما َت ِمل مِن أ ٰ‬
‫نَث وَّل تضع إَِّل بِعِل ِمهِ} [فاطر‪.]١١ :‬‬
‫فيعلم كل شيء سبحانه‪.‬‬
‫ْ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫َّ َ ْ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫قال‪َ{ :‬لِ َ ْعل ُموا أن َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫َش ٍء عِل ًما} [الطالق‪.]١٢ :‬‬
‫كل ْ‬ ‫ٌ َ‬ ‫ْ‬
‫ك َش ٍء قدِير وأن اَّلل قد أحاط ب ِ ِ‬
‫اَّلل ٰ‬
‫لَع ِ‬
‫يعني‪ :‬لتعلموا كمال قدرته وسلطانه سبحانه وتعالى‪ ،‬فال يعجزه شيء سبحانه وتعالى‪ ،‬وعلمه محيط بكل شيء‪.‬‬
‫شيء‪ ،‬وإثبات قدرته على كل ٍ‬
‫شيء وأنها متعلقة بكل شيء‪.‬‬ ‫هاتان اآليتان فيهما إثبات علم اهلل المحيط بكل ٍ‬
‫ْ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ ُ‬
‫ثم قال‪ :‬وقوله‪{ :‬إن َّ َ‬
‫اَّلل ُه َو َّ‬
‫الر َّزاق ذو الق َّوة ِ ال َمت ِ ُ‬ ‫َّ‬
‫ْي} [الذاريات‪]٥٨ :‬‬ ‫ِ‬
‫يعني ال رزاق غيره يرزق المخلوقات وهو المتكفل بالرزق سبحانه وتعالى‪ ،‬القائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها؛ فيرزق‬
‫األرزاق البدنية واألرزاق الدينية ويرزق أرزاقًا في الدنيا وأرزاقًا في اآلخرة‪.‬‬
‫الرزق الدنيوي‪ :‬ما يحتاج اإلنسان إليه في الدنيا (مأكل‪ ،‬مشرب‪ ،‬ملبس‪ ،‬طاعة)‪.‬‬
‫والرزق األخروي‪ :‬ما ينتظر أهل اإليمان في اآلخرة‪.‬‬
‫ص ُ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َ ْ ٌ َ ُ َ َّ ُ ْ‬
‫ي} [الشورى‪.]١١ :‬‬ ‫يع اْلَ ِ‬‫قال‪ :‬وقوله‪{ :‬ليس ك ِمثلِهِ َشء وهو الس ِم‬
‫ص ُ‬ ‫ْ‬ ‫ند له وهو { َّ‬
‫الس ِم ُ‬
‫ي} الذي‬ ‫يع} الذي يسمع كل صوت سبحانه وتعالى‪{ ،‬اْلَ ِ‬ ‫يعني اهلل سبحانه وتعالى ال نظير له وال مثل له وال َّ‬
‫يرى كل فعل سبحانه‪.‬‬
‫قال‪{ :‬إن َّ َ‬ ‫َّ‬
‫اَّلل نِعِ َّما} [النساء‪.]٥٨ :‬‬ ‫ِ‬
‫{ نِعِ َّما} من ألفاظ المدح‪ ،‬يعني يمدح هذا الشأن‪.‬‬
‫َ ُ ُ‬
‫كم بِه} [النساء‪ ]٥٨ :‬يعني يأمركم به من أداء األمانات والحكم بالعدل بين الناس وغير ذلك‪.‬‬ ‫{يعِظ‬
‫ص ً‬ ‫ً َ‬ ‫{إن َّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬
‫يا} [النساء‪.]٥٨ :‬‬ ‫اَّلل َكن َس ِميعا ب ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬
‫{َكن}‪ :‬ليس المراد هنا ِمن (كان) الزمن وإنما المراد (الوصف فقط) يعني اهلل عز وجل متصف بالسمع والبصر‪.‬‬
‫والشاهد إثبات اسمين هلل تعالى وهما (السميع والبصير)‪ ،‬وإثبات صفتين وهما (السمع والبصر)‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ‬
‫َ َّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ َ َّ َ َ‬ ‫َ ْ‬‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫اَّللِ} [الكهف‪.]٣٩ :‬‬‫ثم قال‪ :‬وقوله‪{ :‬ولوَّل إِذ دخلت جنتك قلت ما شاء اَّلل َّل قوة إَِّل ب ِ‬
‫يعني َّ‬
‫هال حين دخلت جنّتك (بُستانك) ونظرت إليها فأعجبتك؛ حمدت اهلل على ما أنعم به عليك وأعطاك من المال والولد ما‬
‫لم يعطه غيرك‪ ،‬والمراد هنا التوبيخ؛ أراد أن يوبخه على ترك هذا القول‪.‬‬
‫قال بعض السلف‪( :‬من أعجبه شيءٌ من نفسه أو ولده أو ماله فليقل‪ :‬ما شاء اهلل ال قوة إال باهلل) هذا مأخوذ من هذه اآليات‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 29 -‬‬
‫ال قوة إال باهلل‪ :‬يعني ال أستطيع حفظ مالي أو دفع ٍ‬
‫شيء عني إال بإذن اهلل‪.‬‬
‫ْ ُ‬
‫اء َّ ُ‬ ‫َ َ‬
‫اَّلل َما اقتَ َتلوا} [البقرة‪.]٢٥٣ :‬‬ ‫قال‪ :‬وقوله‪َ { :‬ول ْو ش َ‬

‫أي المؤمنون والكافرون‪ ،‬بل هذا كله بقضاء اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ْ ُ‬
‫ك َّن َّ َ‬
‫اَّلل َيف َعل َما يُر ُ‬ ‫َ‬
‫يد} [البقرة‪.]٢٥٣ :‬‬‫ِ‬ ‫قال وقوله‪َ { :‬ول ٰ ِ‬
‫عدال‪.‬‬
‫فضال ويخذل من يشاء ً‬
‫يعني يوفق من يشاء ً‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ ْ َ ُ َ َ ُ ْ َ ْ‬
‫وقوله‪{ :‬أحِلت لكم بهِيمة اْلنعام} [المائدة‪ ]١ :‬أي‪ :‬البقر واإلبل والغنم‪.‬‬
‫َّ َ ُ ْ َ ٰ َ َ ْ ُ‬
‫ك ْم} يعني ما سيتلى عليكم من تحريم بعضها في بعض األحوال‪.‬‬ ‫{إَِّل ما يتل علي‬

‫مباحا قبله‪.‬‬ ‫كان‬ ‫ما‬ ‫يحرم‬ ‫ام‪،‬‬‫ر‬ ‫اإلح‬ ‫أثناء‬ ‫الصيد‬ ‫محلي‬ ‫ال‬ ‫يعني‬ ‫‪:‬‬ ‫}‬‫م‬ ‫الصيْ ِد َوأَنتُ ْم ُ‬
‫ح ُر ٌ‬ ‫ي ُُم ِل َّ‬‫{ َغ ْ َ‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫ك ُم َما يُر ُ‬ ‫َّ َّ َ َ ْ ُ‬
‫يد} ومعنى اآلية أحلت لكم بهيمة األنعام كلها إال ما كان منها وحشيًّا؛ فإنه صي ٌد ال يحل لكم في حال‬ ‫ِ‬ ‫{ إِن اَّلل ُي‬
‫اإلحرام‪.‬‬
‫الشاهد‪ :‬إثبات اسم اهلل‪.‬‬
‫وإثبات ثالث صفات وهي (التحليل‪ ،‬والحكم‪ ،‬واإلرادة)‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْش ْح َص ْد َرهُ ل ِِل ْسَل ِم} [األنعام‪ ]١٢٥ :‬يعني يجعله يقبل اإلسالم‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وقوله‪{ :‬ف َمن يُردِ َّ ُ‬
‫اَّلل أن َي ْهدِيَ ُه ي َ َ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫َّ َ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫{ َو َمن يُرِد أن يُ ِضل ُه َي ْ َعل َص ْد َرهُ َضيِقا َح َر ًجا} حتى ال يدخله في اإليمان‪.‬‬
‫{كأن َما يَ َّص َّع ُد ِف َّ‬ ‫َ َ َّ‬
‫الس َماءِ} يعني يشق عليه اإليمان كما يشق عليه صعود السماء‪ ،‬وأصل الصعود المشقة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫هذه اآلية فيها إثبات صفة اإلرادة هلل تعالى‪ ،‬واإلرادة هنا [كونية] والهداية هلل [التوفيق]‪.‬‬
‫واإلرادة كما تعلمون نوعان‪ :‬إرادة كونية وإرادة شرعية‪.‬‬
‫اإلرادة الكونية‪ :‬ال تتعلق بما يحبه اهلل ويرضاه‪ ،‬وال بد أن تقع‪.‬‬
‫أما اإلرادة الشرعية‪ :‬فتتعلق بما يحبه اهلل ويرضاه‪ ،‬وقد تقع وقد ال تقع‪.‬‬
‫ثم انتقل إلى‪ :‬اآليات الدالة على إثبات صفة المحبة‬
‫سن َ‬ ‫اَّلل ُُي ُّ ْ ْ‬ ‫فقال‪ :‬وقوله‪َ { :‬وأ َ ْ‬
‫حسِنُوا إ َّن َّ َ‬
‫ْي} [البقرة‪.]١٩٥ :‬‬‫ِب ال ُمح ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلحسان‪ :‬هو اإلتيان بالعبادة على أكمل وجه وأحسن حال‪ ،‬وهو أعلى مقامات الطاعة‪.‬‬
‫وهذه اآلية فيها إثبات اسم اهلل تعالى‪ ،‬وإثبات صفتَي األلوهية والمحبة‪.‬‬
‫سط َ‬ ‫ْ ْ‬
‫قال‪{ :‬إن َّ َ‬
‫اَّلل ُي ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ْي} [المائدة‪ .]١٤٢ :‬أي العابدين‪.‬‬ ‫ِب ال ُمق ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬‫استَقِ ُ‬ ‫ُ‬
‫ك ْم ف ْ‬ ‫َ‬
‫استَق ُ‬ ‫َ‬
‫قال‪{ :‬ف َما ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يموا ل ُه ْم} [التوبة‪.]٧ :‬‬ ‫اموا ل‬
‫يعني‪ :‬إذا تمسكوا بالعهد فتمسكوا كما تمسكوا‪.‬‬
‫ِب ال ُم َّتق َ‬ ‫{إن َّ َ‬
‫اَّلل ُي ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ْي} يعني الذين يمتثلون أوامره ويجتنبون نواهيه‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِب اَلَّ َّواب َ‬ ‫قال‪{ :‬إن َّ َ‬
‫اَّلل ُي ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ْي} [البقرة‪.]٢٢٢ :‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬

‫﴿‪﴾- 30 -‬‬
‫الذين يكثرون من التوبة واألوبة إلى اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ب ال ُمتَ َطهر َ‬
‫ح ُّ‬ ‫ْ‬
‫ين} أي‪ :‬الذين يكثرون من الطهارة ويتنزهون عن األقذار واألذى‪.‬‬‫ِ ِ‬ ‫{ َويُ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال‪{ :‬ف َس ْوف يَأِت َّ ُ‬
‫اَّلل بِق ْو ٍم ُي ُِّب ُه ْم َويُ ِح ُّبون ُه} [المائدة‪.]٥٤ :‬‬ ‫ِ‬
‫ْ ٌ‬ ‫ًّ َ َ َّ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ِين ُيقات ِلون ِف َسبيلهِ َصفا كأن ُهم بُنيَان َّم ْر ُص ٌ‬ ‫َّ‬
‫وقال‪{ :‬إن َّ َ‬
‫اَّلل ُي ُّ‬
‫ِب اَّل َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وص} [الصف‪.]٤:‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َغ ُف ٌ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫ِيم} [آل عمران‪.]٣١ :‬‬ ‫ُ ْ ْ ُ ُ َّ ُ َ َ ْ ْ َ ُ ْ ُ ُ َ ُ‬
‫ك ْم َو َّ ُ‬ ‫وِن ُيبِبكم اَّلل وييفِر لكم ذنوب‬ ‫ُ ُ ْ ُ ُّ َ َّ َ َ َّ ُ‬ ‫ُْ‬
‫وقال‪{ :‬قل إِن كنتم َتِبون اَّلل فاتبِع ِ‬
‫يعني من يدعي المحبة؛ فال بد أن يتبع‪ ،‬فمن ادعى المحبة ولم يتبع فهذا كذب‪.‬‬
‫ُ َُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َُْ‬
‫ود} [البروج‪]١٤ :‬‬ ‫قال‪َ { :‬وه َو اليفور الود‬
‫يعني الغفور لذنوب المؤمنين‪.‬‬
‫الودود‪ :‬يعني المحب لهم‪.‬‬
‫ثم انتقل إلى‪ :‬بيان األدلة على صفة الرحمة‬
‫فقال‪ :‬وقوله‪{ :‬ب ْس ِم اللَـهِ َ‬
‫الر ْْحَـٰن َ‬
‫الرحِي ِم}‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(الرحمن والرحيم)‪ :‬اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة‪.‬‬
‫وفيهما إثبات صفة الرحمة هلل تعالى‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ ً‬
‫َشء َّر َ‬ ‫ُ َّ َ‬
‫قال‪َ { :‬ر َّب َنا َوس ِْع َ‬
‫ْحة َوعِل ًما} [غافر‪.]٧ :‬‬ ‫تك ْ ٍ‬
‫أيضا فيه إثبات صفة الرحمة هلل تعالى‪ ،‬رحمته وسعت كل شيء وكذلك علمه‪.‬‬
‫هذا ً‬
‫قال‪َ { :‬وَكن بال ُمؤمِن َ‬
‫ِْي َرح ً‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ِيما} [األحزاب‪ .]٤٣ :‬أي‪ :‬في الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أيضا فيه إثبات صفة الرحمة هلل سبحانه تعالى‪.‬‬
‫هذا ً‬
‫ُ َّ َ‬
‫قال‪َ { :‬و َرْحَِت َوس َِع ْ‬
‫تك ْ‬ ‫ْ‬
‫َش ٍء} [األعراف‪.]١٥٦ :‬‬ ‫ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ََ َْ‬
‫َ َ َ ُّ ُ‬ ‫َ‬
‫الرْحَة} [األنعام‪.]٥٤ :‬‬
‫سهِ َّ‬ ‫ك ْم ٰ‬
‫لَع نف ِ‬ ‫وقال‪{ :‬كتب رب‬
‫تفضال وإحسانًا‪.‬‬
‫أي‪ :‬أوجب على نفسه الكريمة الرحمة ً‬
‫الرح ُ‬ ‫قال‪َ { :‬و ُه َو اليف ُ‬
‫ور َّ‬ ‫َُْ‬
‫ِيم} [يونس‪. ]١٠٧ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ ُ َ ْ ٌ َ ً َ ُ َ‬
‫وقال‪{ :‬فاَّلل خي حاف ِظا وه َو أرحم الراْحِْي} [يوسف‪]٦٤ :‬‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬

‫أيضا فيها إثبات صفة الرحمة هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬


‫هذه اآلية ً‬

‫ثم انتقل إلى‪ :‬بيان صفات الرضا والغضب والسخط والكراهية واالنتقام والمكر‬
‫[[هذه الصفات من الصفات الفعلية إذا شاء اهلل فعلها]]‬
‫اَّلل َعنْ ُه ْم َو َر ُضوا َعنْ ُه} [التوبة‪.]١٠٠ :‬‬
‫ِض َّ ُ‬
‫قال‪ :‬وقوله تعالى‪َّ { :‬ر ِ َ‬

‫هذا فيه إثبات صفة الرضا باهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬


‫والرضا ينقسم قسمين‪ :‬رضا باهلل ورضا عن اهلل‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 31 -‬‬
‫وم َدبِّ ًرا‪.‬‬
‫فالرضا باهلل‪ :‬أي ربًّا ُ‬
‫والرضا عن اهلل‪ :‬أي فيما يقضي ويقدر‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ َ ُ ُ ً ُّ َ َ ً َ َ ُ َ َ َّ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫اَّلل َعليْهِ َول َعنَ ُه} [النساء‪.]٩٣ :‬‬ ‫ض َ‬ ‫اَلا ف َ‬
‫ِيها َوغ ِ‬ ‫خ ًِ‬ ‫قال‪ :‬وقوله‪{ :‬من يقتل مؤمِنا متع ِمدا فجزاؤه جهنم‬
‫هذا فيه إثبات صفة الغضب هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫واللعن هو‪ :‬الطرد من رحمته‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وقوله‪{ :‬ذٰل َِك بأن ُه ُم اتبَ ُعوا َما أ ْسخ َط َّ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫اَّلل َوكرِ ُهوا رِض َوانه} [محمد‪]٢٨ :‬‬ ‫ِ‬
‫هذا فيه إثبات صفتي السخط والرضا هلل تعالى‪ ،‬أهل السنة يثبتون هلل عز وجل كما تعلمون الصفات على الوجه الذي يليق به‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫كن كرهَ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اَّلل انب ِ َعاث ُه ْم فث َّب َط ُه ْم} [التوبة‪.]٤٦ :‬‬ ‫ِ‬ ‫قال‪ :‬وقوله‪َ { :‬ول ٰ ِ‬
‫يعني اهلل عز وجل أبغض خروجهم قَ َد ًرا فمنعهم وحبسهم عن الخروج للغزو‪.‬‬
‫َ َْ ُ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اَّلل ِ أن تقولوا َما َّل تف َعلون} [الصف‪]٣ :‬‬ ‫ب َمقتًا عِند‬
‫قال وقوله‪{ :‬ك ُ َ‬

‫ضا َش ِدي ًدا أن تَ ِع ُدوا من أنفسكم َش ْيئًا ثم لم تُ َوفُّوا به‪.‬‬


‫يعني اهلل عز وجل يبغض بُ ْغ ً‬
‫واألشاعرة يرجعون الصفات كلها إلى اإلرادة؛ فالرضا عندهم إرادة الثواب‪ ،‬والغضب عندهم إرادة السخط إلى آخره‪.‬‬
‫أما المعتزلة فيرجعونها إلى نفس الثواب والعقاب‪.‬‬
‫نكتفي بهذا القدر ونأخذ سؤال التكليف‪:‬‬

‫سؤال التكليف‬
‫اذكر آية على كل مما يأتي مع تفسيرها تَ ْف ِس ًيرا ُم ْج َم ًال‪:‬‬

‫الثالث‪ :‬صفة المحبة‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬صفة القوة‪.‬‬ ‫األول‪ :‬صفة العلم‪.‬‬

‫السادس‪ :‬صفة الرحمة‪.‬‬ ‫الخامس‪ :‬صفة اإلرادة‪.‬‬ ‫الرابع‪ :‬صفة السمع والبصر‪.‬‬
‫السابع‪ :‬صفات الرضا‪ ،‬والغضب‪ ،‬والسخط‪ ،‬والكراهية‪ ،‬واالنتقام‪ ،‬والمكر‪.‬‬

‫وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد‪،‬‬


‫هذا‪ِّ ،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 32 -‬‬
‫المحاضـرة السادسـة‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫مرحبًا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪ ،‬وهذه هي المحاضرة السادسة من محاضرات العقيدة‬
‫الواسطية من كتاب [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية]‪.‬‬
‫كنا وصلنا في اللقاء السابق عند كالم المصنف ‪ ‬عن صفة [المجيء واإلتيان]‪:‬‬
‫َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ْ‬
‫اَّلل ِِف ُظل ٍل م َِن الي َم ِام َوال َمَلئِكة} [البقرة‪]٢١٠ :‬‬ ‫َ َ ُ‬
‫نظ ُرون إَّل أن يَأت ِيَ ُه ُم َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫قال ‪" :‬وقوله {هل ي‬
‫يعني هل ينظر هؤالء المتبعون خطوات الشيطان إال يوم القيامة‪ ،‬يوم يأتيهم اهلل والمالئكة؛ وذلك لفصل القضاء بينهم"‪.‬‬
‫و(الغمام)‪ :‬هو السحاب األبيض الرقيق‪.‬‬
‫َْ‬ ‫ُ‬
‫ِض اْل ْم ُر} أي‪ :‬وجب العذاب وفرغ من الحساب والجزاء بالحق بين الخلق يوم القيامة‪.‬‬
‫{ َوق ِ َ‬
‫َ ْ َ ُ ُ َ َّ َ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َ َ ُ‬
‫قال‪{ :‬هل ينظرون إَِّل أن تأت ِيهم المَلئِكة} [األنعام‪]١٥٨ :‬‬
‫وذلك لقبض أرواحهم‪.‬‬
‫ْ َ َ َ ُّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك} ذلك للفصل والقضاء بين الناس‪.‬‬ ‫{أو يأ ِِت رب‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ َ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك} أي طلوع الشمس من مغربها‪.‬‬ ‫ِت َبعض آيَ ِ‬
‫ات رب ِ‬ ‫{أو يأ ِ‬
‫ًّ‬
‫َ َ َ َ ُّ َ َ َ ُ‬ ‫ًّ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ‬‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫ك َصفا َصفا} [الفجر‪.]٢١٢٢ :‬‬ ‫ت اْل ْرض دَك دَك (‪ )٢١‬وجاء ربك والمل‬
‫قال‪ّ{ :‬لَك إِذا دك ِ‬
‫َُ َْ ً‬ ‫ُ َ ْ َ‬ ‫َْ‬
‫قال‪َ { :‬ويَ ْو َم تشق ُق َّ‬ ‫َ َ َّ‬
‫اء بِالي َم ِام َونزِل ال َمَلئِكة تنِيَل} [الفرقان‪]٢٥ :‬‬
‫الس َم ُ‬

‫هذه اآليات كلها فيها إثبات المجيء واإلتيان هلل سبحانه وتعالى يوم القيامة؛ للفصل بين العباد‪.‬‬
‫ما كيفية المجيء؟ ال نعلم ذلك؛ ألن اهلل عز وجل لم يخبرنا عن الكيفية‪ ،‬أخبرنا بالفعل ولم يخبرنا عن الكيفية‪.‬‬
‫ْ ْ‬‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ََْ ٰ َ ُْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اْلك َر ِام} [الرحمن‪]٢٧ :‬‬ ‫َ‬
‫َق وجه ربِك ذو اْلَل ِل و ِ‬ ‫ثم انتقل إلى بيان صفة [الوجه] فقال‪ :‬وقوله {ويب‬
‫أي‪ :‬ذو العظمة والكبرياء‪ ،‬واإلكرام‪ :‬يعني الذي يكرم أنبياءه وأولياءه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ ُّ َ‬
‫َش ٍء َهال ٌِك إَِّل َو ْج َه ُه} [القصص‪]٨٨ :‬‬
‫قال‪{ :‬ك ْ‬

‫كل شيء يفنى إال اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬فإنه الدائم الباقي الحي القيوم سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫حقيقي يليق بجالله وعظمته ال يشبه أوجه المخلوقين‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫وهاتان اآليتان فيهما إثبات صفة الوجه هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬ووجه اهلل وجهٌ‬
‫َْ‬
‫ْ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ثم انتقل إلى بيان صفة [اليدين] فقال‪ :‬وقوله {قال يَا إبْل ُ‬
‫ت بِيَ َد َّي} [ص‪.]٧٥ :‬‬
‫خلق ُ‬ ‫ِيس َما َمنَ َعك أن تسجد ل ِما‬ ‫ِ‬
‫أي شيء يا إبليس منعك من السجود آلدم الذي خلقته بيدي بدون واسطة‪( ،‬وهذا االستفهام للتوبيخ واإلنكار)‪.‬‬
‫ُْ ٌَ‬
‫َ ُ ُ َ ُ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫اَّلل ِ َميلولة} [المائدة‪.]٦٤ :‬‬ ‫قال‪َ { :‬وقال ِ‬
‫ت اَلهود يد‬
‫يعني محبوسة مقبوضة عن اإلنفاق‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ت أيْدِيه ْم َولعِنُوا ب َما قالوا بَل يَ َداهُ َمب ْ ُس َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬
‫وطتَان يُنفِ ُق كيْف يَش ُ‬
‫اء} اهلل عز وجل ال يمنعه من اإلنفاق شيء‪.‬‬ ‫{غل ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫﴿‪﴾- 33 -‬‬
‫ثم انتقل إلى بيان صفة [العينين] هلل تعالى فقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬‫َ‬ ‫َ َّ‬‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ك بِأعيُنِنَا} [الطور‪.]٤٨ :‬‬ ‫ِلك ِم َربِك فإِن‬ ‫اص ْ‬
‫ب ُِ‬‫وقوله‪{ :‬و ِ‬
‫يعني اصبر لقضاء ربك؛ فإنك بمرأى منا؛ نرى ونسمع ما تقول وتفعل‪ ،‬حيث نراك ونحفظك ونحوطك ونحرسك ونرعاك‪.‬‬
‫ات أل َو ٍ َ ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ ْ‬
‫س} [القمر‪ ]١٣ :‬أي‪ :‬على سفينة‪.‬‬
‫اح ود ٍ‬ ‫وقوله‪َ { :‬وْحلناهُ لَع ذ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫{َتْرِي بِأعيُنِنَا} [ال َق َم ِر ‪ ]١٤‬أي‪ :‬بمرأى منا‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ ً َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫{جزاء ل ِمن َكن كفِر} [ال َق َم ِر ‪ ]١٤‬أي‪ :‬جز ً‬
‫اء على كفرهم‪.‬‬
‫َ ْ ُ َ ْ َ‬ ‫ََ ً‬ ‫َ‬ ‫ََْ‬
‫ك ُم َّبة م ِِن} [طه‪.]٣٩ :‬‬ ‫قال‪{ :‬وألقيت علي‬
‫يا موسى أحببتك وحببتك إلى عبادي؛ فما رآه أحد إال أحبه‪.‬‬
‫{ َوَلِ ُ ْصنَ َع َ ٰ‬ ‫َ‬
‫لَع َعيْ ِن} [طه‪ .]٣٩ :‬أي‪ :‬ل َتربَّى وتُ َّ‬
‫غذى بمرأى ومنظ ٍر ورعاية مني‪.‬‬

‫هذه اآليات هي إثبات صفة العينين هلل تعالى‪.‬‬


‫ثم انتقل إلى بيان صفتي [السمع والبصر] فقال‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ْ َ َ َّ ُ ْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫اَّلل ِ} [المجادلة‪.]١ :‬‬ ‫ج َها َوتشتَ ِِك إَِل‬ ‫َْ‬
‫وقوله‪{ :‬قد س ِمع اَّلل قول ال ِِت َتادِلك ِِف زو ِ‬
‫ونثرت له بطني (أي‬
‫ُ‬ ‫وهي خولة بنت ثعلبة ‪ ،‬جاءت النبي ‪ ‬تشكو إليه‪ ،‬وقالت‪" :‬يا رسول اهلل أكل شبابي (أي زوجها)‬
‫ظاهر مني‪ ،‬اللهم إني أشكو إليك‪ .‬فكان النبي ‪ ‬يقول لها‪ :‬اتقي اهلل‬ ‫أكثرت له األوالد)‪ ،‬حتى إذا كب ر ْ ِ‬
‫ت سنِّي وانقطع ولدي َ‬ ‫َُ‬
‫فإنه ابن عمك"‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال‪َ { :‬و َّ ُ‬
‫اَّلل ي َ ْس َم ُع َتَ ُ‬ ‫َ‬
‫او َرك َما} [المجادلة‪ ]١ :‬أي مراجعتكما الكالم‪.‬‬
‫َّ‬
‫اَّلل َسم ٌ َ‬ ‫َّ‬
‫ص ٌ‬
‫ي} سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫يع ب ِ‬ ‫{إِن َ ِ‬
‫السيدة عائشة تقول‪" :‬الحمد هلل الذي وسع سمعه األصوات" فقد جاءت خولة إلى رسول ‪ ،‬تشكو زوجها وما أسمع ما‬
‫ُ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫تقول‪ ،‬فأنزل اهلل عز وجل‪{ :‬ق ْد َس ِم َع َّ ُ‬
‫ك ِِف َز ْو ِج َها}‪.‬‬ ‫اَّلل ق ْول ال ِِت َتادِل‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ ْ َ َ َّ ُ َ ْ َ َّ َ َ ُ َّ َّ َ َ ٌ َ َ ْ ُ َ ْ‬
‫اء َسنَكتُ ُب َما قالوا} [ آل عمران‪.]١٨١ :‬‬
‫غن َِي ُ‬ ‫قال‪{ :‬لقد س ِمع اَّلل قول اَّلِين قالوا إِن اَّلل فقِي وَنن أ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ُ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ َّ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫اهم بَ ٰل َو ُر ُسلنَا ََلي ْ ِه ْم يَكتُبُون} [الزخرف‪ ]٨٠ :‬يعني يكتبون أعمالهم وأقوالهم‪.‬‬‫وقال‪{ :‬أم ُيسبون أنا َّل نسمع ِسهم وَنو‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫قال‪{ :‬إِنن َم َعك َما أ ْس َم ُع َوأ َر ٰ‬
‫ى} [طه‪ ]٤٦ :‬يعني‪ :‬يا موسى وهارون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫معكما‪ :‬أسمع كالمكما وكالمه‪ ،‬وأرى مكانكما ومكانه‪.‬‬
‫وقوله‪{ :‬أل ْم َي ْعلم بأن َّ َ‬
‫اَّلل يَ َر ٰ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ى} [العلق‪.]١٤ :‬‬ ‫ِ‬
‫ِْي تق ُ‬ ‫وقال‪{ :‬اَّلِي ي َ َر َ‬
‫اك ح َ‬ ‫َُ‬ ‫َّ‬
‫وم} [الشعراء‪ ] ٢١٨ :‬أي‪ :‬إلى صالتك‪.‬‬
‫يع ال َعل ُ‬ ‫ْ‬
‫ِين إن ُه ُه َو َّ‬
‫الس ِم ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫ِيم} [الشعراء‪ ]٢١٩ :‬يعني يسمع أقوالكم ويعلم أحوالكم‪.‬‬ ‫جد ِ‬ ‫{وتقلبك ِِف السا ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ َ َ‬
‫ب َوالش َهادة ِ فيُنبِئُكم ب ِ َما كنتُ ْم‬ ‫ون إ َ َٰل ََعلِم ال ْ َييْ‬
‫َّ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ُ َ ْ ُ ْ ُ َ َ َ ُ َ ُّ َ‬
‫د‬ ‫ُت‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ون‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫ؤ‬‫م‬ ‫ال‬‫و‬ ‫وَل‬‫س‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫م‬ ‫ع‬ ‫اَّلل‬ ‫ى‬ ‫اع َملُوا ْ فَ َس َ َ‬
‫ي‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫قال‪َ { :‬وق ِل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫ت ْع َملون} [التوبة‪.]١٠٥ :‬‬
‫﴿‪﴾- 34 -‬‬
‫كائن ال محالة يوم القيامة‪ ،‬وهذا وعي ٌد‬
‫يعني أعمالكم ستعرض عليه وعلى رسوله ‪ ‬يوم القيامة‪ ،‬وعلى المؤمنين في الدنيا‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫لهم وقيل سيظهر عملكم في الدنيا‪.‬‬
‫والشاهد من هذه اآليات‪ :‬إثبات صفتي السمع والبصر هلل تعالى‪ ،‬على الوجه الذي يليق به سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ثم انتقل إلى بيان صفات [ال ِْم َح ِ‬
‫ال‪ ،‬والمكر‪ ،‬والكيد]‪.‬‬
‫وقوله‪َ { :‬و ُه َو شد ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِيد ال ِم َحا ِل} [الرعد‪ ]١٣ :‬يعني شديد األخذ‪ ،‬وقيل شديد المكر‪.‬‬
‫َ‬
‫وقوله‪َ { :‬و َمك ُروا َو َمك َر َّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اَّلل} [آل عمران‪.]٥٤ :‬‬
‫مكر منهم؛ فم َكر اهلل عز وجل بهم‪ ،‬وذلك‬
‫يعني كفار بني إسرائيل الذين أحس عيسى منهم الكفر‪ ،‬وأرادوا قتل عيسى ‪ ،‬هذا ٌ‬
‫بإلقاء شبه عيسى ‪ ‬على أحدهم‪ ،‬ورفع عيسى ‪ ‬إليه‪.‬‬
‫َ َّ ُ َ‬
‫خُْ‬
‫ي ال َماكِر َ‬ ‫ْ‬
‫ين} يعني أقواهم وأقدرهم على إيصال الضرر بمن يستحق‪ ،‬من حيث ال يشعر وال يحتسب‪.‬‬‫ِ‬ ‫{واَّلل‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬وقوله { َو َمك ُروا َمك ًرا َو َمك ْرنا َمك ًرا} [النمل‪.]٥٠ :‬‬
‫غدرا حين تحالفوا على قتل صالح ‪‬؛ فجازيناهم على مكرهم بتعجيل عقوبتهم في الدنيا‪ ،‬وذلك بإهالكهم وإنجاء‬
‫يعني غدروا ً‬
‫صالح ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫{ َو ُه ْم َّل يَش ُع ُرون} أي بمكرنا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬
‫يد كيْ ًدا} [الطارق‪.]١٥١٦ :‬‬
‫ك ُ‬ ‫ً‬
‫يدون كيْدا (‪َ )١٥‬وأ ِ‬
‫ك ُ‬‫قال‪ :‬وقوله‪{ :‬إِن ُه ْم يَ ِ‬
‫يعني هؤالء يخافون النبي ‪ ‬ويظهرون ما هم على خالفه‪ ،‬ويمكرون بالناس في دعوتهم إلى خالف القرآن‪ ،‬واهلل عز وجل‬
‫يستدرجهم ويمهلهم على كفرهم ومعصيتهم من حيث ال يعلمون‪.‬‬
‫الشاهد من هذه اآليات إثبات صفة ال ِْم َح ِ‬
‫ال والكيد والمكر هلل تعالى‪.‬‬
‫ثم انتقل إلى بيان صفات [العفو والمغفرة والقدرة والرحمة والعزة]‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫اَّلل َكن َعف ًّوا قد ً‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ُُْ‬
‫يا أ ْو ُتفوهُ أ ْو ت ْعفوا َعن ُسو ٍء فإن َّ َ‬ ‫ُْ َ‬
‫خ ًْ‬ ‫ُ‬
‫ِيرا} [النساء‪.]١٤٩ :‬‬ ‫ِ‬ ‫فقال‪ :‬وقوله {إِن تبدوا‬
‫خيرا فإن اهلل يعلمه‪ ،‬ومن عفا فإن اهلل عز وجل يعلم ذلك‪ ،‬واهلل عز وجل من صفاته أنه يعفو؛ فاعفوا أيها الناس‪،‬‬
‫يعني من أظهر ً‬
‫اقتدوا باهلل سبحانه وتعالى في ذلك‪ ،‬وهو يعفو سبحانه وتعالى مع القدرة‪.‬‬
‫فلذلك قال‪َ { :‬عف ًّوا قد ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِيرا} ال يعفو عن عجز‪ ،‬وبعض الناس يعفو ألجل عجزه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫قال‪ :‬وقوله { َوَلَ ْعفوا َوَلَ ْصف ُحوا} [النور‪ ]٢٢ :‬أي‪ :‬تجاوزوا عما صدر منهم‪.‬‬
‫اَّلل َغ ُف ٌ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫َ َ ُ ُّ َ َ َ ْ َ َّ ُ َ ُ‬
‫ك ْم َو َّ ُ‬
‫ِيم} يعني كثير المغفرة‪ ،‬كثير الرحمة‪.‬‬ ‫{أَّل َتِبون أن ييفِر اَّلل ل‬
‫هذه اآلية نزلت في أبي بك ٍر ‪ ‬حين حلف أال ينفق على ِمسطح بن أثاثة‪ ،‬بعدما قال في عائشة ‪ ‬ما قال في حادثة‬
‫فقيرا ال مال له‪.‬‬
‫اإلفك‪ ،‬وكان مسطح ً‬
‫اَّلل َغ ُف ٌ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ ُ ُّ َ َ َ ْ َ َّ ُ َ ُ‬
‫ك ْمۖ َو َّ ُ‬
‫ِيم} قال أبو بكر "بلى واهلل إنا‬ ‫فلما نزل قول اهلل تعالى‪{ :‬وَلعفوا وَلصفحوا أَّل َتِبون أن ييفِر اَّلل ل‬
‫نحب يا ربنا أن تغفر لنا" ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 35 -‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬‫َّ‬
‫ْي َّل َي ْعل ُمون} [المنافقون‪ ]٨ :‬وهذا رٌد على المنافقين الذين زعموا‬
‫ِْي َولٰك َّن ال ُمنَافِق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال‪ :‬وقوله { َو َِّلل ِ العِ َّزةُ َول َِر ُس ِ‬
‫وَل ِ َول ِل ُمؤمِن َ‬

‫أن العزة لهم على المؤمنين‪.‬‬


‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫قال‪ :‬وقوله عن إبليس {قال فبع َّزت َِك ْلغويَ َّن ُه ْم أْجَع َ‬
‫ْي} [ص‪.]٨٢ :‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫هذه اآليات هي إثبات العفو والقدرة والمغفرة والرحمة والعزة هلل تعالى على الوجه الذي يليق به سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ثم انتقل إلى ِ‬
‫إثبات [االسم] هلل تعالى فقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫َ َ َ ْ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫اْلك َر ِام} [الرحمن‪.]٧٨ :‬‬ ‫َ‬
‫وقوله‪{ :‬تبارك اسم ربِك ذِي اْلَل ِل و ِ‬
‫تبارك‪ :‬يعني تعاظم وتعالى‪ ،‬مأخوذ من البركة‪.‬‬
‫ذي الجالل واإلكرام‪ :‬يعني ذي العظمة والكبرياء‪.‬‬
‫ُُْ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ادتِهِ} [مريم‪ ]٦٥ :‬يعني اصبر على عبادة اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬‫قال‪ :‬وقوله {فاعبده واصط ِب لِعِب‬

‫شبيها في كرمه وجوده فتعبده‬ ‫أو‬ ‫ال‬


‫ً‬ ‫{ َه ْل َت ْعلَ ُم َ َُل َس ِم ًّيا} يعني هل تعلم يا محمد لربك الذي أمرناك بعبادته والصبر على طاعته ِْ‬
‫ث‬ ‫م‬
‫ً‬
‫رجاء فضله؟ كال ما ذلك بموجود‪.‬‬
‫والشاهد من هذه اآليات‪ :‬إثبات االسم هلل تعالى‪ ،‬وأنه ال مثل له وال شبيه له‪.‬‬
‫أكتفي بهذا القدر ونأخذ سؤال التكليف‪.‬‬

‫سؤال التكليف‬

‫اذكر الصفات التي ذكرها المصنف في هذه المحاضرة‪ ،‬مع ذكر ٍ‬


‫دليل على كل صفة‪.‬‬

‫وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد‪،‬‬


‫هذا‪ِّ ،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 36 -‬‬
‫المحاضـرة السابعــة‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫مرحبا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد مع [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية]‪ ،‬وهذه هي‬
‫المحاضرة السابعة‪.‬‬
‫كفوا أحد"‪.‬‬
‫وكنا وصلنا في اللقاء السابق عند قول المصنف ‪" :‬ولم يكن له ً‬
‫يك في خلقه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫مثيل وال شر ٌ‬
‫يعني ليس هلل عز وجل ولد وال والد وال صاحبة‪ ،‬وال ٌ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال‪{ :‬فَل َتْ َعلوا ِ ََّّلل ِ أ َ‬ ‫ََ َ ُ ْ‬
‫ند ًادا َوأنتُ ْم ت ْعل ُمون} [البقرة‪]٢٢ :‬‬
‫يعني ال تصرفوا شيئًا من العبادة لغير اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫والندُّ‪ :‬هو المثيل والشبيه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫َّ َ ً ُّ ُ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قال‪َ { :‬وم َِن اَلَّ ِ َ َّ‬ ‫ُ‬
‫اَّلل ِ} [البقرة‪.]١٦٥ :‬‬ ‫ب‬
‫ون اَّلل ِ أندادا ُيِبونهم كح ِ‬ ‫اس من َيت ِ‬
‫خذ مِن د ِ‬
‫أمثاال ونظراء يعبدونهم كما يعبدون اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬ويحبونهم كمحبتهم هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫أندادا‪ ،‬أي ً‬
‫يعني بعض الناس يتخذ ً‬
‫ََ‬ ‫َّ‬
‫ِين َآمنُوا أش ُّد ُح ًّبا ِ ََّّللِ} [البقرة‪]١٦٥ :‬‬
‫قال‪َ { :‬واَّل َ‬

‫يعني‪ :‬المؤمنون أشد حبًّا هلل سبحانه وتعالى من متخذي هذه األنداد ألندادهم؛ وذلك لتمام معرفتهم به وتوقيرهم وتوحيدهم له‪،‬‬
‫فال يشركون به شيئًا بل يعبدونه وحده سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫اِل ْم ُد َِّلل ِ اَّلِي ل ْم َيت ِ‬
‫خذ َو ًَلا} [اإلسراء‪]١١١ :‬‬ ‫قال‪َ { :‬وقل َ‬
‫ِ‬
‫قل يا محمد‪ :‬الحمد هلل‪.‬‬
‫والحمد‪ :‬هو الثناء على اهلل سبحانه وتعالى بما هو أهله‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫خذ َو ًَلا} [اإلسراء‪.]١١١ :‬‬
‫{اَّلِي ل ْم َيت ِ‬
‫يعني لم يكن له ولد سبحانه وتعالى؛ ألن الولد صفة نقص واهلل عز وجل منزه عن النقص‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫كن َُل َو ِ ٌِّل م َِن اَّل ِل} [اإلسراء‪.]١١١ :‬‬ ‫قال‪َ { :‬ول ْم يَك ْن َُل ْشِيك ِِف ال ُمل ِ‬
‫ك ولم ي‬
‫ولي أو وزير أو ُمشير؛ بل هو خالق األشياء وحده سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫يعني ليس بذليل فيحتاج إلى أن يكون له ّ‬
‫بهُ تَكب ً‬
‫قال‪َ { :‬وك ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫يا} [اإلسراء‪]١١١ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولي‪.‬‬
‫كبيرا‪ ،‬وعن أن يكون له شريك أو ّ‬ ‫يعني عظِّمه وأجله عما يقول الظالمون المعتدون ً‬
‫علوا ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َْ‬
‫قال‪ :‬وقوله‪{ :‬ي ُ َسب ُح ِ ََّّلل ِ َما ِف َّ‬
‫َش ٍء قد ٌ‬
‫لَع ك ْ‬ ‫ُ ُ ُ َ ُ َُْ ََُ‬ ‫ْ‬ ‫او َ َ‬
‫الس َم َ ِ‬
‫ِير} [التغابن‪]١ :‬‬ ‫ات وما ِِف اْلر ِض َل الملك وَل اِلمدۖ وهو ٰ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يعني‪ :‬جميع المخلوقات تسبح هلل سبحانه وتعالى وتقدسه‪.‬‬
‫والتسبيح هو‪ :‬التنزيه عن كل نقص وعيب‪.‬‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫اِل ْم ُد} [التغابن‪]١ :‬‬
‫ك َو َُل َ‬ ‫قال‪َ{ :‬ل المل‬

‫﴿‪﴾- 37 -‬‬
‫الملك الحقيقي كله هلل‪ ،‬أما ُملك اإلنسان فملك مجازي؛ يملك اليوم ثم يفقد غ ًدا‪ ،‬إذا مات البد أن يترك كل شيء‪ .‬أما ملك اهلل‬
‫فهو على الحقيقة ال ينفد‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫اِل ْم ُد} [التغابن‪ ]١ :‬يعني له جميع أنواع الثناء‪ ،‬سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫{ َو َُل َ‬
‫َش ٍء قد ٌ‬
‫لَع ك ْ‬ ‫ََُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ِير} [التغابن‪ ]١ :‬يعني ال يعجزه شيء سبحانه‪.‬‬ ‫{وهو ٰ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ ْ َ‬
‫لَع َعبْ ِده ِ َِلَكون ل ِل َعالم َ‬
‫ْي نذ ً‬ ‫َ َ ُْ َ َ ََ‬
‫ار َك اَّلِي ن َّزل الف ْرقان ٰ‬
‫وقوله‪{ :‬تبَ َ‬‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِيرا } [الفرقان‪]١ :‬‬ ‫ِ‬
‫تبارك‪ :‬تعاظم‪.‬‬
‫والفرقان‪ :‬هو القرآن‪ .‬وسمي بذلك؛ ألنه يفرق بين الحق والباطل‪.‬‬
‫على عبده‪ :‬أي محمد ‪ ،‬هذا صفة مدح؛ ألنه أضافه إلى عبوديته‪.‬‬
‫نذيرا‪ ،‬أي‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫ليكون للعالمين نذيرا‪ :‬أي ليكون للجن واإلنس ً‬
‫ً‬ ‫َ َ َّ َ ُ َ ْ‬ ‫ْ ُ ْ َ َ َ َ ُ َّ َ‬ ‫َ ْ َ ْ ِ َ َ ْ َ َّ ْ َ َ ً َ َ ْ َ ُ َّ ُ َ ٌ‬ ‫ك َّ‬
‫الس َم َ‬ ‫َُ ُ ْ ُ‬ ‫َّ‬
‫ك وخلق ك َش ٍء فقدره تقدِيرا}‬ ‫خذ وَلا ولم يكن َل ْشِيك ِِف المل ِ‬ ‫ات واْلرض ولم يت ِ‬ ‫او ِ‬ ‫قال‪{ :‬اَّلِي َل مل‬
‫[الفرقان‪.]٢ :‬‬
‫يعني كل شيء في هذا الكون هو هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬له ملك السماوات واألرض‪ ،‬وليس له ولد سبحانه وتعالى‪ ،‬وال شريك‪ ،‬وكل‬
‫شيء خلقه فقدره تقديرا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ‬
‫قال‪ :‬وقوله‪َ { :‬ما اُتذ َّ ُ‬
‫اَّلل مِن َو ٍَل َو َما َكن َم َع ُه م ِْن إِل ٰ ٍه} [المؤمنون‪ .]٩١ :‬أي‪ :‬شريك‬
‫َ‬ ‫ُ ُّ َ‬ ‫ً َّ َ‬
‫ب ك إِل ٰ ٍه ب ِ َما َخل َق} [ المؤمنون‪]٩١ :‬‬
‫{إذا َّل َه َ‬
‫ِ‬
‫يعني لو ُوجد عدد من اآللهة لتشاجر وتصارع هؤالء اآللهة‪ ،‬وكل إ ٰله يذهب بما خلق‪ ،‬يستولي على ما خلقه‪ ،‬فهنا يضطرب العالم‬
‫ولم ينتظم أمره‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫اَّلل ِ َع َّما يَ ِصفون} [المؤمنون‪.]٩١ :‬‬
‫َّ‬ ‫لَع َب ْعض ُسبْ َ‬
‫حان‬ ‫َ َ َْ ُ ُ ْ‬
‫قال‪{ :‬ولعَل بعضهم ٰ ٍ‬
‫يعني‪ :‬طلب بعضهم مغالبة البعض اآلخر كما يفعل ملوك الدنيا‪ ،‬كل ملك يريد أن ينتصر على اآلخر‪.‬‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ادة ِ} [المؤمنون‪.]٩٢ :‬‬ ‫{َعل ِ ِم اليي ِ‬
‫ب والشه‬
‫يعني‪ :‬اهلل عز وجل يعلم ما غاب عنا وما شهدناه‪.‬‬
‫ْ ُ َ‬
‫َ َ ٰ َ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْشكون} [المؤمنون‪.]٩٢ :‬‬
‫{فتعاَل عما ي ِ‬
‫يعني تقدس وتنزه عما يقول الظالمون‪.‬‬
‫َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫ْضبُوا ِ ََّّلل ِ اْل ْمثال} [النحل‪.]٧٤ :‬‬
‫قال‪ :‬وقوله‪{ :‬فَل ت ِ‬
‫وأمثاال‪ ،‬وال تشبِّهوه بخلقه وتجعلون له شري ًكا؛ فإنه واح ٌد ال َّ‬
‫ند له‪.‬‬ ‫وأشباها ً‬
‫ً‬ ‫أندادا‬
‫يعني ال تجعلوا له ً‬
‫َّ َّ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫قال‪ :‬وقوله‪{ :‬إِن اَّلل يعلم وأنتم َّل تعلمون} [النحل‪.]٧٤ :‬‬
‫اف‪.]٣٣ :‬‬‫ّب ال ْ َف َو اح َِش} [األَعر ِ‬ ‫وقوله‪{ :‬قُ ْل إ َّن َما َ‬
‫ح َّر َم َر َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الفواحش‪ :‬هي الذنوب العظيمة‪ ،‬مثل الزنا واللواط‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 38 -‬‬
‫َ‬
‫قال‪َ { :‬ما ظ َه َر مِنْ َها َو َما َب َطن} [األعراف‪.]٣٣ :‬‬
‫ُسر‪.‬‬
‫وما بطن‪ :‬أي ما بطن فحشه وأ ِّ‬ ‫ما ظهر منها‪ :‬أي ما ظهر فحشه وأُعلن للناس‪.‬‬
‫ْ‬
‫َيْغ بي ْي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫اِل ِق} [األعراف‪]٣٣ :‬‬ ‫{ َو ِ َ َ َ َ‬
‫اْلثم واْل ِ ِ‬
‫والبغي‪ :‬أي الظلم‪.‬‬ ‫واإلثم‪ :‬أي المعاصي‪.‬‬
‫بغير الحق‪ :‬هذا فيه إشارة إلى أن كل بغي فهو بغير الحق‪ ،‬وليس أن البغي ينقسم إلى قسمين؛ ألن البغي كله بغير حق‪.‬‬
‫ُ َْ ً‬ ‫َّ َ َ ْ َ ْ‬ ‫ََ ُْ ُ‬
‫ْشكوا بِاَّلل ِ ما لم ينِل بِهِ سلطانا} [األعراف‪.]٣٣ :‬‬
‫{وأن ت ِ‬
‫السلطان‪:‬هو الحجة والبرهان‪.‬‬
‫اهلل عز وجل يريد أن يتهكم بالمشركين؛ ألن اهلل عز وجل ال ينَ ِّزل برهانًا أل ْن يكون غيره شري ًكا له‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ‬
‫اَّلل ِ َما َّل ت ْعل ُمون} [األعراف‪]٣٣ :‬‬ ‫قال‪َ { :‬وأن تقولوا لَع‬
‫يعني ال تقولوا على اهلل سبحانه وتعالى ما ال علم لكم به‪.‬‬
‫هذه اآليات كلها تفيد نفي الشريك عن اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫أيضا إثبات تفرد اهلل عز وجل بالكمال المطلق‪ ،‬ونفي الولد للمثل عنه سبحانه‪ ،‬وأن جميع المخلوقات تنزهه وتقدسه‬
‫وتفيد ً‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ََْ ٰ‬ ‫َْ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫ََ ْ‬ ‫ْ‬
‫ورةُ طه‪.]٥ :‬‬ ‫ثم قال‪ :‬وقوله‪{ :‬الرْحن لَع العر ِش استوى} ُ‬
‫[س َ‬
‫استوى‪ :‬يعني عال وارتفع وصعد واستقر‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم استوى على العرش سبحانه وتعالى في ستة مواضع أي من القرآن‪.‬‬
‫فسروا االستواء باالستيالء وقولهم باطل‪.‬‬
‫وأهل التعطيل َّ‬
‫استدلوا بقول الشاعر‪:‬‬
‫دم ِمهراق‬ ‫قد استوى بِ ْشر على العراق ‪ .....‬من غير ٍ‬
‫سيف أو ٍ‬ ‫ٌ‬
‫ونسبوا هذا البيت لألخطل‪.‬‬
‫ولكن في الحقيقة هذا البيت غير موجود في دواوين األخطل‪ ،‬بل ال يُعرف قائله‪.‬‬
‫ثم إن أهل اللغة مجمعون على أن االستواء ال يأتي بمعنى االستيالء‪.‬‬
‫ولو افترضنا صحة هذا البيت فإنه ال يُحتج به؛ ألن قائله نصراني وال يحتج بكالم نصراني على عقيدة المسلم‪.‬‬
‫ََُ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫ثم قال‪ :‬وقوله‪{ :‬إذْ قَ َال َّ ُ‬
‫اَّلل يَا ع َ‬
‫ك إ ِ ََّل} [آل ِع ْم َرا َن‪.]٥٥ :‬‬ ‫ِيَس إ ِ ِّن متوف ِيك وراف ِع‬ ‫ِ‬
‫نيمك‪.‬‬
‫متوفيك‪ ،‬يعني‪ُ :‬م ُ‬
‫َ‬ ‫ََََ ُ‬ ‫ُ‬‫َ‬
‫اكم بِالليْ ِل} [األَنْ َع ِام‪.]٦٠ :‬‬‫كما في قوله‪َ { :‬وه َو اَّلِي يتوف‬
‫إلي‪ ،‬يعني‪ :‬إلى السماء‪ ،‬وهو حي ‪‬؛ فعيسى ‪ ‬حي في السماء‪.‬‬
‫ورافعك ّ‬
‫ِّس ِاء‪.]١٥٨ :‬‬
‫ن‬ ‫[ال‬ ‫ا‬‫ِيم‬ ‫اَّلل إ ََلْهِ َو ََك َن َّ ُ‬
‫اَّلل َعز ً‬
‫يزا َ‬
‫حك ً‬ ‫قال‪{ :‬بَل َّر َف َع ُه َّ ُ‬
‫َ‬ ‫}‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إليه (إلى السماء)‪.‬‬ ‫رفع اهلل عز وجل المسيح‪ ،‬وهو حي‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 39 -‬‬
‫هذا فيه رد على اليهود الذين يزعمون أنهم قتلوه‪.‬‬
‫َْ‬
‫قال‪ :‬وقوله‪{ :‬إَلْهِ يَ ْص َع ُد الَك ُِم َّ‬ ‫َ‬
‫الطي ِ ُب} [فاطر‪.]١٠ :‬‬ ‫ِ‬
‫الكلم الطيب هو‪ :‬الذكر والتالوة والدعاء ونحوه‪.‬‬
‫َ‬
‫قال‪َ { :‬وال َع َمل َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫الصال ُِح يَ ْرف ُع ُه} [فاطر‪.]١٠ :‬‬
‫العمل الصالح يرفع الكلم الطيب‪.‬‬
‫يؤد فرائضه؛ رد كالمه ولم يقبله‪.‬‬
‫الكلم الطيب ال يُقبل إال مع العمل الصالح؛ فمن ذكر اهلل ولم ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َص ًحا لَّ َعل أبْلُ ُغ ْاْل ْس َب َ‬ ‫ََ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ ُ‬
‫ان ابْن َل َ ْ‬
‫اب} [غَافِ ٍر‪.]٣٦ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫قال‪ :‬وقوله‪{ :‬وقال ف ِرعون يا هام‬
‫األسباب‪ :‬يعني الطرق‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اوا َ َّ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِإَوّن ْل ُظ ُّن ُه َكذِبًا} [غَافِ ٍر‪]٣٧ :‬‬ ‫{أ ْسبَ َ‬
‫اب َّ‬
‫الس َم َ ِ‬
‫ت فأطل ِع إ ِ َٰل إِلـٰهِ موَس ِ‬

‫يعني يريد أن ينظر إلى إ ٰله موسى ‪ ،‬ويقول إني ألظن موسى كاذبًا فيما يقول إن له ربا غيري أرسله َّ‬
‫إلي‪.‬‬
‫َ َ َ َ َُ ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الملۡ ِك‪.]١٦ :‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ُ َّ‬
‫قال‪{ :‬ءأمِنتم من ِِف السماءِ أن َيسِف بِكم ْۡلرض فإِذا ِه تمور} [ ُ‬
‫يعني تضطرب وتذهب وتجيء‪ ،‬هل أمنتم ربكم الذي على السماء أن يخسف بكم األرض فإذا هي تضطرب؟!‬
‫و(في) هنا بمعنى (على)‪.‬‬
‫َ َ َ َّ ُ‬
‫كم ِف ُ‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬
‫وع َۡلَّخ ِل} [طه‪.]٧١ :‬‬
‫جذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫كما في قوله‪{ :‬وْلصل ِبن‬
‫يعني على جذوع النخل‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال‪{ :‬أم أمِنتُم َّمن ِف َّ‬ ‫َ َ‬
‫ۡلس َمآءِ أن يُرسِل عليكم ح ِ‬
‫اصبا} [الملك‪.]١٧ :‬‬ ‫ِ‬
‫يحا فيها حجارة صغيرة‪.‬‬
‫حاصبًا‪ :‬يعني ر ً‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫{ف َستَعل ُمون كيف ن ِذيرِ} [الملك‪.]١٧ :‬‬
‫يعني كيف يكون إنذاري وعاقبة من تخلف عنه وكذب به‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َّ ُ َّ َ َ ٰ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫خلَ َق َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬
‫رض َو َما َي ُر ُج مِن َها‬
‫ى لَع ۡل َعر ِش َيعل ُم َما يَل ُِج ِِف ْۡل ِ‬ ‫ٰت َوْۡلرض ِِف سِتةِ أيام ثم ۡستو‬ ‫ۡلس َمـٰ َوۖ ِ‬ ‫ثم قال‪ :‬وقوله‪{ :‬ه َو َّۡلِي‬

‫يد‪.]٤ :‬‬‫ِيها} [الح ِد ِ‬ ‫َو َما يَن ُل م َِن َّ‬


‫الس َماءِ َو َما َي ْع ُر ُج ف َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫هنا المصنف ‪ ‬تكلم عن‪" :‬معيّة اهلل سبحانه وتعالى لخلقه"‬
‫تناقضا بين كونه فوق كل شيء وكونه مع عباده‪ ،‬فكان من المناسب أن يذكر‬
‫ً‬ ‫وذكرها بعد صفة العلو؛ ألنه قد يبدو أن هناك‬
‫اآليات التي تثبت معية اهلل للخلق بعد ذكر آيات العلو‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َّ ُ َّ َ َ ٰ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫خلَ َق َّ‬
‫َ‬ ‫ُ َّ‬
‫رض َو َما َي ُر ُج مِن َها‬
‫ى لَع ۡل َعر ِش َيعل ُم َما يَل ُِج ِِف ْۡل ِ‬ ‫ٰت َوْۡلرض ِِف سِتةِ أيام ثم ۡستو‬
‫ۡلس َمـٰ َوۖ ِ‬ ‫فذكر هذه اآلية‪{ :‬ه َو ِ‬
‫َّۡلي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ َّ ُ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫الحديد‪.]٤ :‬‬ ‫وما ينِل مِن السماءِ وما يعرج فِيها وهو معكم أين ما كنتمۖ واَّلل بِما تعملون ب ِصي} [ َ‬
‫يلج‪ :‬يدخل‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 40 -‬‬
‫وهو معكم‪ :‬اهلل عز وجل معكم بسمعه وبصره‪ ،‬يسمع كالمكم‪ ،‬ويرى مكانكم‪ ،‬ويعلم سركم ونجواكم‪.‬‬

‫الم َجادلَ ِة‪]٧ :‬‬ ‫م‬ ‫ى ثَلَـٰثَة إ ََّّل ُه َو َراب ُع ُ‬


‫ه‬ ‫ون مِن ََّن َو ٰ‬
‫َ َ ُ ُ‬
‫قال‪ :‬وقوله‪{ :‬ما يك‬
‫ُ‬ ‫[‬ ‫}‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ما يتناجى ثالثة إال اهلل عز وجل معهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ث إ ََّّل ُه َو َم َع ُ‬ ‫َ‬
‫ّن مِن ذَٰۖل َِك َو َْل أك َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫[الم َجادلَ ِة‪.]٧ :‬‬ ‫}‬‫آ‬ ‫و‬
‫َ َ َ ُ‬
‫ن‬ ‫َك‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫{ َوَّل َخ َس ٍة إَِّل ُه َو َساد ُِس ُهم َوْل أد َ ٰ‬
‫ُ‬
‫أدنى من ذلك‪ :‬يعني أقل‪.‬‬
‫هو معهم‪ :‬اهلل عز وجل مع الجميع‪.‬‬
‫أين ما كانوا‪ :‬يعني يسمع كالمهم وسرهم ونجواهم‪ ،‬ورسله يكتبون ما يتناجون به مع علمه سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫الم َجادلَ ِة‪.]٧ :‬‬ ‫م‬‫كل ََش ٍء َعل ِي ٌ‬


‫ُ َّ ُ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ ٰ َ َّ َّ َ ُ‬
‫ُ‬ ‫[‬ ‫}‬ ‫قال‪{ :‬ثم ينبِئهم بِما ع ِملوآ يوم ۡلقِيـمةِ إِن َّۡلل ب ِ ِ‬
‫يوم القيامة يخبر كل إنسان بما صدر عنه في الدنيا‪.‬‬
‫َّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ك ِل َش ٍء َعل ِي ٌم}[المجادلة‪.]٧ :‬‬ ‫قال‪{ :‬إِن َّۡلل ب ِ‬
‫يعني ال يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ْ َّ‬
‫قال‪ :‬وقوله‪َّ{ :‬ل َت ْ َزن إن َّ َ‬ ‫َ َ‬
‫اَّلل َم َع َنا} [التوبة‪.]٤٠ :‬‬ ‫ِ‬
‫معنا بتأييده ونصره‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َّ‬
‫وقوله‪ { :‬قال َّل ُتافآ إِنن َم َعك َمآ أس َم ُع َوأ َر ٰ‬
‫ى} [طه‪.]٤٦ :‬‬ ‫ِ‬
‫علي من أمركم شيء‪.‬‬
‫أي‪ :‬ال تخافا من فرعون؛ فإنني معكما أسمع كالمكما وكالمه‪ ،‬وأرى مكانكما ومكانه‪ ،‬ال يخفى َّ‬
‫َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫{إن َّ َ‬‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِين ُهم ُمسِنُون} [النحل‪.]١٢٨ :‬‬ ‫اَّلل َم َع اَّل َ‬
‫ِين اتقوا َّواَّل َ‬
‫ِ‬
‫مع‪ :‬أي بتأييده ونصره‪.‬‬
‫اتقوا‪ :‬يعني امتثلوا األوامر‪ ،‬واجتنبوا المحرمات‪.‬‬
‫والذين هم محسنون‪ :‬أي فعلوا الطاعات‪ ،‬فهؤالء يحفظهم اهلل ويؤيدهم وينصرهم على أعدائهم ومخالفيهم‪.‬‬
‫بوۤآ إن َّ َ‬
‫َّۡلل َم َع َّ‬ ‫قال‪ :‬وقوله‪َ { :‬وۡص ُ‬ ‫َّ‬
‫ۡلصـٰ ِبِي َن} [األَن َفال‪.]٤٦ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن اهلل مع الصابرين‪ :‬يعني على طاعة اهلل‪ ،‬وعن معصيته وعن سخطه‪.‬‬
‫َّۡلل ِ َو َّ ُ‬
‫َّۡلل َم َع َّ‬ ‫َّ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ۡلصـٰ ِبِي َن} [البَ َق َرة‪]٢٤٩ :‬‬ ‫ية بِإِذ ِن‬ ‫قال‪ :‬وقوله‪{:‬كم مِن ف ِئة قل ِيل ٍة غل َبت ف ِئة كث ِ‬
‫أي بالنصر والمعونة‪.‬‬
‫والعلماء قالوا المعية نوعان‪ :‬معية عامة ومعية خاصة‬
‫المعية العامة‪ :‬هي بمعنى السمع والبصر والعلم‪ ،‬وهذه تشمل كل أحد‪.‬‬
‫المعية الخاصة‪ :‬هي بمعنى النصر والتأييد والمعونة‪ ،‬وتخص عباد اهلل المؤمنين‪.‬‬
‫وهي إما أن تكون خاصة بوصف أو خاصة بشخص‪:‬‬

‫﴿‪﴾- 41 -‬‬
‫َّ َ‬ ‫َّ‬
‫خاصة بوصف كوصف المتقين‪{ :‬إن َّ َ‬
‫اَّلل َم َع اَّل َ‬ ‫َّ‬
‫ِين اتقوا} [النحل‪]١٢٨ :‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫َّ‬
‫ِين ُهم ُمسِنُون} [النحل‪.]١٢٨ :‬‬
‫أو اإلحسان‪َّ { :‬واَّل َ‬
‫أو الصبر‪{ :‬إن َّ َ‬
‫اَّلل َم َع َّ‬
‫الصابر َ‬ ‫َّ‬
‫ين} [البقرة‪.]١٥٣ :‬‬‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫وأما الخاصة بشخص‪:‬‬
‫ََّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫َّۡلل َم َعنَا} [التوبة‪.]٤٠ :‬‬ ‫كقوله تعالى‪َّ{ :‬ل َت َزن إِن‬
‫مع النبي ‪ ‬وأبي بكر ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫أيضا‪{ :‬إِنن َم َعك َما أ ْس َم ُع َوأ َر ٰ‬
‫ى} [طه‪.]٤٦ :‬‬ ‫وقال ً‬
‫ِ‬
‫أي‪ :‬مع موسى وهارون ‪.‬‬
‫ثم تكلم عن صفة الكالم‪ ،‬كالم اهلل سبحانه وتعالى فقال‪:‬‬
‫َ َّ‬ ‫ً‬
‫وقوله‪َ { :‬و َم ْن أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اَّلل ِ َحدِيثا} [النساء‪.]٨٧ :‬‬ ‫ص َدق مِن‬
‫ً‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ُ َ َّ‬
‫وقوله‪{ :‬ومن أصدق مِن اَّلل ِ قِيَل} [النساء‪ ]١٢٢ :‬يعني ال أحد أصدق من اهلل سبحانه وتعالى بقوله وحديثه‪.‬‬
‫َ َ ََ‬ ‫َّ ُ َ ٰ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫المائِ َدةِ‪ ]١١٦ :‬أي‪ :‬هذا يدل على أن اهلل يتكلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقوله‪ِ{ :‬إَوذ قال َّۡلل يـعِيَس ۡبن مريم} [ َ‬
‫ك ْ َ َ ْ‬‫َ َّ ْ َ ُ َ َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صدقا وعدَّل} [األنعام‪ ]١١٥ :‬هذا يدل ً‬
‫أيضا على أن اهلل سبحانه يتكلم؛ فالكالم يوصف‬ ‫ِ‬ ‫قال‪ :‬وقوله‪{ :‬وتمت ك ِمت رب ِ‬
‫بالصدق والعدل‪.‬‬
‫أما الكالم المجازي فال يوصف بهذا‪.‬‬
‫وَس تَكل ً‬ ‫قال‪َ { :‬وَك َم َّ ُ‬
‫اَّلل ُم َ ٰ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ‬
‫ِيما} [النساء‪.]١٦٤ :‬‬
‫وقال‪{ :‬مِنْ ُهم َّمن ك َم َّ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫اَّلل} [البقرة‪ .]٢٥٣ :‬اهلل عز وجل كلّم بعض األنبياء‪.‬‬
‫اء ُم َ ٰ‬‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وَس ل ِ ِميقات َِنا َوَك َم ُه َر ُّب ُه} [األعراف‪ ]١٤٣ :‬أي‪ :‬أسمعه كالمه‪.‬‬ ‫ج َ‬‫قال‪َ { :‬ول َّما َ‬

‫ْ َ َ َّ ْ َ ُ‬‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫َ ََْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫َن ًّيا} [مريم‪ ]٥٢ :‬أي‪ :‬موسى ‪.‬‬
‫ِب الطورِ اْليم ِن وقربناه ِ‬
‫قال‪{ :‬وناديناه مِن جان ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ ٰ َ ُّ َ ُ َ ٰ َ ْ ْ َ ْ َ َّ‬
‫ت القوم الظال ِ ِمْي} [الشعراء‪ ]١٠ :‬أي‪ :‬اذهب إلى هؤالء الظالمين‪.‬‬ ‫وقوله‪ِ{ :‬إَوذ نادى ربك موَس أ ِن ائ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َ َ ُّ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ ْ ُ َ َّ‬
‫قال‪{ :‬وناداهما ربهما ألم أنهكما عن ت ِلكما الشجرة ِ} [ األعراف‪.]٢٢ :‬‬
‫كالما حقيقيًّا‪.‬‬
‫فالمناداة تكون بصوت‪ ،‬هذا يدل على أن اهلل عز وجل يتكلم ً‬
‫َ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ َّ َ ُ ُ َ ُ ُ َ‬
‫أيضا يدل على إثبات‬ ‫ِ‬
‫صص‪ ]٦٢ :‬هذا ً‬ ‫قال‪ :‬وقوله تعالى‪َ { :‬ويَو َم ُينَادِيهِم فيقول أين ْشكآءِي ِ‬
‫َّۡلين كنتم تزعمون} [ال َق َ‬
‫الكالم هلل سبحانه وتعالى؛ فالمناداة تكون بصوت‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫قال‪ :‬وقوله‪َ { :‬ويَ ْو َم ُينَادِيه ْم فيَقول َماذا أ َ‬
‫جبْتُ ُم ال ُم ْر َسل َ‬
‫ِْي} [القصص‪.]٦٥ :‬‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ َ َ ُ َ َّ ٰ َ َ َ َ َ ٰ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّۡلل ِ} [التَّوۡبَِة‪.]٦ :‬‬ ‫جره حِت يسمع كـم‬ ‫وقوله‪ِ{:‬إَون أحد مِن ۡلمْشِك ِْي ۡستجارك فأ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َ ُ َ َ َ ٰ َ َّ ُ ُ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َّۡلل ِ ث َّم ُيَرِفون ُهۥ مِن َبع ِد َما َعقلوهُ َو ُهم َيعل ُمون } [البَ َق َرةِ‪.]٧٥ :‬‬ ‫وقال‪َ { :‬وقد َكن فرِيق مِنهم يسمعون كـم‬

‫﴿‪﴾- 42 -‬‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ َ َ ُ َ ُ َ َ ٰ َ َّ ُ َّ َ َّ ُ َ َ َ ُ َ َ َّ‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬يرِيدون أن يبدِلوآ كـم َّۡلل ِ قل لن تتبِعونا كذٰۖل ِكم قال َّۡلل مِن قبل} [ال َفتۡح‪.]١٥ :‬‬
‫َت َد مِن ُدونِهِۦ ُملتَ َح َدا} [ال َكهۡ ِ‬ ‫ََ َ‬ ‫ك ََّل ُمبَد َِل ل ََِك َِمـٰ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ َ ُ ِ َ َ َ‬
‫ك مِن ك َ‬
‫ف‪ ]٢٧ :‬أي‪ :‬كلماته‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ِۦ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ب‬
‫ِ ِ‬‫ر‬ ‫اب‬‫ِت‬ ‫وقال‪{:‬وۡتل مآ أوِح إَِل‬
‫الكونيًة والشرعيّة‪ ،‬فال أحد يستطيع أن يبدل كلمات اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َ ُ َ‬ ‫َّ‬
‫سٰۖۖۤءِي َل أك َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ َ َ ُ َ َ َ ُ ُّ َ‬
‫َّۡلي ُهم فِيهِ َيتَل ِفون } [النَّمۡ ِل‪.]٧٦ :‬‬
‫ث ِ‬ ‫لَع بَنۤ إ َ‬
‫وقوله‪ { :‬إِن هـٰذا ۡلقرءان يقص ٰ ِ ِ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يكون القرآن كالم اهلل تعالى‪.‬‬ ‫قوال؛‬
‫والقصص ال يكون إال ً‬
‫هذه اآليات كلها فيها إثبات الكالم هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وأن اهلل يتكلم بحرف وصوت متى شاء‪ ،‬وإذا شاء سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ثم تكلم المصنف ‪ ‬عن‪" :‬القرآن ٌ‬
‫منزل من اهلل تعالى"‪.‬‬
‫َ‬
‫فقال‪ :‬وقوله‪َ { :‬و َهـٰ َذا كِتَـٰ ٌ‬
‫ار ٌك} [األَنۡ َع ِام‪ ]٩٢ :‬أي‪ :‬من اتبعه حصلت له البركة في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫نزَلَـٰ ُه ُم َب َ‬
‫بأ َ‬

‫َ َ َّ‬ ‫ٰ َ َ َ َ ُ َ ٰ َ ُّ َ َ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬


‫[الحشۡ ِر‪ ]٢١ :‬يعني إذا كان‬ ‫َ‬ ‫َ َ َٰ‬
‫قال‪ :‬وقوله‪ { :‬لو أنزَلا هـذا ۡلقرءان لَع جبل لرأيتهۥ خـشِعا متصدَِع مِن خشيةِ َّۡللِ} َ‬
‫الجبل في غلظته وقساوته لو فهم هذا القرآن فتدبَّر ما فيه‪ ،‬لخشع وتصدع من خوف اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬فكيف يليق بكم أيها‬
‫البشر َّأال تلين قلوبكم وتخشع من خشية اهلل؟!‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫قال‪ِ{:‬إَوذا ب َ َّدَلَآ َءايَة َّمَكن َءاي َة َو َّ ُ‬ ‫َ‬
‫ث ُهم َّل َيعل ُمون} [النَّحۡل‪.]١٠١ :‬‬
‫نت ُمفُتَ بَل أك ُ‬
‫ِ‬
‫َّۡلل أعل ُم ب َما ُينل قالوۤآ إن َمآ أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫متقول على اهلل‪.‬‬
‫مفتر‪ :‬يعني كذاب ِّ‬
‫بل أكثرهم‪ :‬يعني ال يعلمون حقيقة القرآن‪ ،‬وبيان الناسخ من المنسوخ‪.‬‬
‫كب َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫ٱِل ِق} [النَّحۡل‪ ]١٠٢ :‬بالحق‪ :‬أي جبريل‪.‬‬‫قال‪{ :‬قل نزَلۥ روح ۡلقد ِس مِن رب ِ ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫َّۡلي َن َء َامنُوآ} [النحل‪ ]١٠٢ :‬أي‪ :‬قلوبهم‪.‬‬
‫ت ِ‬ ‫{ َِلُثب َ‬
‫ِ‬
‫ى ل ِل ُمسلِم َ‬
‫ْي} [النحل‪.]١٠٢ :‬‬ ‫ِ‬ ‫{ َو ُه َدى َوب ُ َ‬
‫ْش ٰ‬

‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َُ ُُ َ ٌ َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َ َّ‬ ‫َ َ َ َّ‬ ‫ََ‬
‫ورةُ النَّحۡ ِل‪ ]١٠٣ :‬يعني‪ :‬يميلون إليه ويقولون إن‬ ‫{ولقد نعلم أنهم يقولون إِنما يعل ِمهۥ بْش ل ِسان َّۡلِي يل ِحدون إَِلهِ} ُ‬
‫[س َ‬
‫النبي ‪ ‬أخذ عنه‪.‬‬
‫{أع َ‬ ‫َ‬
‫ج ِ ٌّ‬
‫م} [النحل‪ ]١٠٣:‬يعني ال يتكلم الكالم الفصيح‪.‬‬
‫ََٰ َ َ ٌ‬
‫ان َع َرّب ُّمب ٌ‬
‫ْي} [ النحل‪ ]١٠٣ :‬يعني القرآن هذا فصيح‪ ،‬بلغة عربية‪ ،‬فكيف يكون النبي ‪ ‬أخذه من هذا‬‫ِ ِ‬ ‫{وهـذا ل ِس‬
‫األعجمي‪.‬‬
‫هذا كله فيه إثبات أن القرآن نزل من عند اهلل‪ ،‬وأنه كالم اهلل ال كالم غيره‪.‬‬
‫ثم تكلم ‪ ‬بعد ذلك عن مسألة‪[ :‬رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة]‪.‬‬
‫َّ‬
‫اِضةٌ} [القيامة‪ ]٢٢ :‬يعني‪ :‬حسنة بهيَّة‪.‬‬
‫جوه يَو َم ِٕىذ ن ِ َ‬
‫فقال‪ :‬وقوله‪ُ { :‬و ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫{إ ِ َٰل َرب ِ َها ناظ َِرةٌ} [القيامة‪ ]٢٣ :‬يعني‪ :‬تراه عيانًا‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 43 -‬‬
‫َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َْ‬
‫ك ينظرون} [المطففين‪ ]٣٥ :‬يعني‪ :‬على ُّ‬
‫السرر‪.‬‬ ‫قال‪{ :‬لَع اْلرائ ِ ِ‬

‫س‪ ]٢٦ :‬يعني‪ :‬للذين أحسنوا العمل في الدنيا "الحسنى" وهي‪ :‬الجنة‪.‬‬ ‫ن‬‫و‬ ‫[ي‬ ‫ُ َٰ َ َ َ‬
‫ادةٌ‬ ‫ي‬ ‫ز‬‫و‬ ‫ن‬‫س‬ ‫ِۡل‬ ‫آ‬ ‫و‬‫ِّلي َن أَح َسنُ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫قال‪ :‬وقوله‪ { :‬ل‬
‫ُُ َ‬ ‫}‬ ‫ِ‬
‫والزيادة‪ :‬هي النظر إلى وجه اهلل الكريم‪ ،‬بذلك فسرها النبي ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬وقوله‪{ :‬ل ُهم َّما ي َشآ ُءون فِي َها َو ََلينَا َمزِي ٌد} [قۡ‪.]٣٥ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫{ل ُهم َّما ي َشآ ُءون فِي َها} [قۡ‪ ]٣٥ :‬أي‪ :‬في الجنة‪.‬‬
‫َ‬
‫{ َو ََلينَا َمزِي ٌد} [قۡ‪ ]٣٥ :‬هو النظر إلى وجه اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وقد أجمع أهل السنة على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة‪.‬‬
‫ومن أنكر الرؤية (رؤية اهلل سبحانه وتعالى يوم القيامة) فقد كفر‪ ،‬عليه لعنة اهلل وغضبه‪ ،‬كما قال اإلمام أحمد ‪.‬‬
‫والرؤية ممكنة في اآلخرة فقط‪ .‬أما في الدنيا فال يرى أحد ربه سبحانه وتعالى‪ ،‬وهذا باتفاق المسلمين‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬وهذا الباب في كتاب اهلل تعالى كثير"‬
‫يعني باب [األسماء والصفات]‪.‬‬
‫ومن تدبر القرآن طالبًا للهدى منه؛ تبيَّن له طريق الحق‪ .‬يعني‪ :‬اتضح له سبيل الصواب والحق‪.‬‬
‫نكتفي بهذا القدر ونأخذ أسئلة التكليف‪:‬‬

‫األسئ لة‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اذكر دليلين على إثبات صفة الكالم هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬اذكر األدلة التي ذكرها المصنف ‪ ‬على إثبات رؤية‬
‫المؤمنين ربهم يوم القيامة‪.‬‬

‫وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد‪،‬‬


‫هذا‪ِّ ،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 44 -‬‬
‫المحاضـرة الثاـمنــة‬
‫وسالما على إمام المرسلين نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫ً‬ ‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصال ًة‬
‫مرحبًا بكم أيها الفضالء وأيتها الفضليات في هذا اللقاء الطيب المتجدد مع [الجامع لمسائل الواسطية] وهذه هي المحاضرة‬
‫الثامنة‪.‬‬
‫وكنا وصلنا في اللقاء السابق عند قول المصنف ‪" :‬ثم ِ‬
‫سنة رسول اهلل ‪ ‬تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه"‪.‬‬
‫المصنف ‪ ‬بعد أن ذكر "أدلة القرآن على إثبات صفات اهلل"‬
‫شرع في ذكر‪" :‬أدلة السنة" على ذلك‪ .‬وذلك ألجل أن السنة هي األصل الثاني الذي يجب الرجوع إليه بعد كتاب اهلل تعالى‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬تفسر القرآن" أي‪ :‬تبينه وتوضحه فمن اآليات ما فسرتها السنة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ٰ َ ُ ُ ْ ُ َ ُ ُّ ْ َ ُ‬ ‫ْ ُ َ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ ْ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ومن ذلك قول اهلل تعالى‪{ :‬اَّلِين آمنوا ولم يلبِسوا إِيمانهم بِظل ٍم أولئِك لهم اْلمن وهم مهتدون} [األ َ‬
‫َنعام‪.]٨٢ :‬‬
‫ففسر النبي ‪ ‬الظلم بالشرك‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُّ َ‬
‫أيضا قول اهلل تعالى‪{ :‬وأعِدوا لهم ما استطعتم مِن قو ٍة} [األَن َفال‪ .]٦٠ :‬فسر النبي ‪ ‬القوة‪ :‬بالرمي‪.‬‬
‫ومن ذلك ً‬
‫وقوله‪" :‬وتبيِّنه" أي‪ :‬توضح ما أُجمل في القرآن‪.‬‬
‫َ‬
‫الصَلةَ َوآتُوا َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الزَكةَ} [البَ َق َرة‪.]٤٣ :‬‬ ‫ِيموا َّ‬
‫ومن ذلك قول اهلل تعالى‪َ { :‬وأق ُ‬

‫بيّنت السنة كيفية إقام الصالة وكيفية إيتاء الزكاة‪.‬‬


‫قوله‪" :‬وتدل عليه" أي‪ :‬تفسر القرآن وتبينهُ‪.‬‬
‫قوله‪" :‬وتعبر عنه" أي تأتي بمعان وأحكام جديدة لم يأت بها القرآن‪ .‬ومن ذلك‪:‬‬
‫وعمتها‪ .‬هذا لم يذكر في القرآن إنما ذكر في السنة‪.‬‬
‫تحريم الجمع بين المرأة َّ‬
‫وكذلك‪ :‬تحريم الجمع بين المرأة وخالتها‪.‬‬
‫كذلك‪ :‬تحريم كل ذي ناب من السباع‪ .‬هذا كله لم يذكر في القرآن؛ إنما ذكر في السنة‪.‬‬
‫الرسول به ربَّه من األحاديث الصحاح‪ ،‬التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول؛ وجب اإليمان بها كذلك"‬
‫ُ‬ ‫ثم قال‪" :‬وما وصف‬
‫يعني يجب اإليمان بما وصف الرسول ‪ ‬به ربه عز وجل من غير تحريف وال تعطيل‪ ،‬ومن غير تكييف وال تمثيل؛ وذلك ألن‬
‫النبي ‪ ‬إنما ينطق عن الوحي‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِح يُ َ ٰ‬
‫وِح (‪[ })٤‬النجم‪.]٣٤ :‬‬ ‫ى (‪ )٣‬إِن ُه َو إَِّل َو ٌ‬
‫قال تعالى‪َ { :‬و َما يَن ِط ُق َعن ال َه َو ٰ‬
‫ِ‬

‫قال ‪ :‬مثل قوله ‪" : ‬ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل اآلخر‪ ،‬فيقول‪ :‬من يدعوني فأستجيب له‪ ،‬من‬
‫يسألني فأعطيه‪ ،‬من يستغفرني فأغفر له" [متفق عليه]‪.‬‬
‫هذا الحديث فيه إثبات صفة [النزول] هلل سبحانه وتعالى؛ اهلل عز وجل ينزل في الثلث األخير من الليل نزوًال حقيقيًّا يليق بجالله‪،‬‬
‫ال يشبه نزول المخلوق‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 45 -‬‬
‫الملك‪" :‬من يدعوني‬
‫قالت المبتدعة‪ :‬إنما ينزل أمر اهلل‪ ،‬أو رحمة اهلل‪ ،‬أو ملك من مالئكة اهلل‪ ،‬وهذا باطل؛ ألنه ال يصح أن يقول َ‬
‫فأستجيب له‪ ،‬من يسألني فأعطيه‪ ،‬من يستغفرني فأغفر له‪.‬‬
‫هل يخلو العرش من اهلل عز وجل عند نزوله؟‬
‫اختلف أهل السنة على أقوال‪:‬‬
‫والصواب‪ :‬أنه ال يزال فوق العرش‪ ،‬وال يخلو العرش منه مع ُدنُ ِّوه سبحانه وتعالى من خلقه ونزوله إلى السماء الدنيا‪ ،‬وال يكون‬
‫العرش فوقه‪.‬‬
‫فرحا بتوبة عبده من أحدكم براحلته" [الحديث متف ٌق عليه]‪ .‬هذا الحديث فيه‪ :‬إثبات صفة‬
‫ثم قال‪" :‬وقوله ‪ :‬هلل أشد ً‬
‫[الفرح] هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬على الوجه الذي يليق به‪ ،‬فرح ال يشبه فرح المخلوق‪.‬‬
‫وفسرت األشاعرة الفرح‪ :‬بالرضا وهذا باطل؛ ألنه ثمة فروق بين الفرح والرضا‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أن الرضا عن الشيء من الطمأنينة‪.‬‬
‫أما الفرح ففيه الطمأنينة‪ ،‬وزيادة البهجة‪ ،‬والسرور‪ ،‬واللذة‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬وقوله ‪ :‬يضحك اهلل إلى َرجلَين يقتل أحدهما اآلخر يدخالن الجنة" [متفق عليه]‪.‬‬
‫هذا الحديث فيه إثبات صفة [الضحك] هلل عز وجل على الوجه الذي يليق به سبحانه‪ ،‬وهو ضحك حقيقي وهو صفة فعلية‪.‬‬
‫قال‪" :‬وقوله ‪ :‬عجب ربنا من قنوط عباده‪( ،‬يعني يأس عباده)‪ ،‬وقرب ِغيَ ِرهِ"‪.‬‬
‫يعني قرب تغير الحال من شدة إلى رخاء‪.‬‬
‫لين قَنِطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب" [حديث حسن]‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ينظر إليكم أَ ِز َ‬
‫يعني اهلل سبحانه وتعالى يعجب من يأس عباده من الفرج‪ ،‬والفرج قريب منهم‪.‬‬
‫والعجب يكون ألحد شيئين‪:‬‬
‫إما خفاء األسباب‪ :‬وهذا مستحيل على اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وإما يكون عن خروج الشيء عن نظائره وعما ينبغي أن يكون عليه‪ ،‬وهذا هو الجائز في حق اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ثم قال ‪" :‬وقوله ‪ : ‬ال تزال جهنم يلقى فيها‪ ،‬وتقول‪ :‬هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها (وفي رواية‪ :‬عليها) قدمه؛‬
‫فينزوي بعضها إلى بعض وتقول‪ :‬قط قط" [متفق عليه]‪.‬‬
‫هذا الحديث فيه إثبات صفة [ال َقدم] هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وهي قدم حقيقية تليق به‪ ،‬ال تشبه قدم المخلوق‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬وقوله ‪ :‬يقول اهلل عز وجل آلدم ‪ :‬يا آدم‪ .‬فيقول‪ :‬لبيك وسعديك‪ .‬فينادي بصوت‪ :‬إن اهلل يأمرك أن تخرج من‬
‫ذريتك بعثًا إلى النار" [متفق عليه]‪.‬‬
‫وقوله ‪" : ‬ما منكم من أحد إال سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب وال ترجمان" [متفق عليه]‪ .‬هذان الحديثان فيهما إثبات‬
‫صفة [الكالم] هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫كالما حقيقيًّا يليق به‪ ،‬ال يشبه كالم المخلوقات‪.‬‬
‫اهلل سبحانه وتعالى يتكلم ً‬

‫﴿‪﴾- 46 -‬‬
‫قال‪" :‬وقوله في رقية المريض‪ :‬ربنا اهلل الذي في السماء! أمرك في السماء واألرض‪ ،‬كما رحمتك في السماء‪ ،‬اجعل رحمتك في‬
‫وشفاء من شفائك على هذا الوجع‪ ،‬فيبرأ"‪ .‬أي يُشفى‪.‬‬
‫ً‬ ‫األرض‪ ،‬اغفر لنا حوبَنا وخطايانا‪ ،‬أنت رب الطيبين‪ ،‬أن ِزل رحمة من رحمتك‬
‫(رواه أبو داود)‪.‬‬
‫وقوله ‪" :‬أال تأمنوني وأنا أمين من في السماء"‪( .‬رواه البخاري وغيره)‪.‬‬
‫وقوله ‪" :‬والعرش فوق ذلك‪ ،‬واهلل فوق العرش‪ ،‬وهو يعلم ما أنتم عليه"‪( .‬رواه أبو داود‪ ،‬والترمذي وغيرهما)‪.‬‬
‫وقوله ‪ ‬للجارية‪" :‬أين اهلل؟ قالت‪ :‬في السماء‪ ،‬قال‪ :‬من أنا؟ قالت‪ :‬أنت رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬أعتقها فإنها مؤمنة"‪( .‬رواه مسلم)‪.‬‬
‫هذه األحاديث فيها إثبات صفة [علو اهلل سبحانه وتعالى]‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬وقوله ‪ :‬إذا قام أحدكم إلى الصالة فإن اهلل قِبل وجهه (أي‪ :‬أمامه)‪ ،‬فال يبصقن قبل وجهه وال عن يمينه‪ ،‬ولكن عن‬
‫يساره أو تحت قدمه"‬
‫ورب األرض‪ ،‬ورب العرش العظيم! ربنا ورب كل شيء! فالق الحب والنوى! منزل‬
‫وقوله ‪" :‬اللهم رب السماوات السبع! ّ‬
‫التوراة واإلنجيل والفرقان! أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها‪ ،‬أنت األول فليس قبلك شيء‪ ،‬وأنت اآلخر فليس بعدك‬
‫شيء‪ ،‬وأنت الظاهر فليس فوقك شيء‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك شيء‪ِ ،‬‬
‫اقض عني الدين‪ ،‬وأغنني من الفقر"‪ .‬رواه مسلم‬
‫"وقوله لما رفع أصحابه أصواتهم بالذكر‪ ،‬قائلين‪ :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إله إال اهلل‪( .‬وذلك عند رجوعهم من غزوة خيبر) قال‪:‬‬
‫سميعا قريبًا‪ ،‬إن الذي تدعونه‬
‫أصم وال غائبًا؛ إنما تدعون ً‬
‫"أيها الناس اربعوا على أنفسكم (هونوا على أنفسكم؛ فإنكم ال تدعون ّ‬
‫أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته"‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫وهذه األحاديث كلها فيها إثبات [قرب اهلل سبحانه وتعالى من خلقه] يسمع أصواتهم الخفية‪ ،‬كما يسمع أصواتهم الجهرية‪.‬‬
‫والقرب قربان‪:‬‬
‫قرب خاص‪ :‬وهو قرب اهلل من عباده المؤمنين‪.‬‬
‫وقرب عام‪ :‬وهو قربه سبحانه وتعالى من كل الخلق‪ .‬ومعناه قرب اإلحاطة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والقدرة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ثم قال ‪" :‬وقوله‪ :‬إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر‪ ،‬ال تضامون في رؤيته‪ ،‬فإن استطعتم أال تُغلبوا على صالةٍ قبل‬
‫طلوع الشمس‪ ،‬وصالة قبل غروبها؛ فافعلوا" [متفق عليه]‪.‬‬
‫هذا الحديث فيه إثبات [رؤية اهلل سبحانه وتعالى]‪.‬‬
‫المؤمنون يرون اهلل عز وجل في اآلخرة يوم القيامة‪ ،‬يرونه بأعينهم‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬إلى أمثال هذه األحاديث التي يخبر فيها رسول ‪ ‬عن ربه بما يخبَر به"‪.‬‬
‫أي أهل السنة يصدقون بكل ما جاء عن النبي ‪ ‬وال يصرفون شيئًا عن ظاهره‪.‬‬
‫قال‪" :‬فإن الفرقة الناجية (أهل السنة والجماعة) يؤمنون بذلك‪ ،‬كما يؤمنون بما أخبر اهلل به في كتابه‪ ،‬فيصدقون بما جاء في‬
‫السنة‪ ،‬كما يصدقون بما جاء في القرآن من غير تحريف وال تعطيل‪ ،‬ومن غير تكييف وال تمثيل"‬
‫قال‪" :‬بل هم الوسط في فرق األمة‪ ،‬كما أن األمة هي الوسط في األمم"‪.‬‬
‫يعني أهل السنة والجماعة عدول متوسطون بين فريقي‪ :‬اإلفراط‪ :‬وهم «الغالة»‪ ،‬والتفريط‪ :‬وهم «الجفاة»‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 47 -‬‬
‫أهل السنة وسط بين هؤالء وهؤالء‪.‬‬
‫قال‪" :‬فهم وسط في باب صفات اهلل سبحانه وتعالى" أي في إثبات الصفات "بين أهل التعطيل"‪.‬‬
‫الذين نفوا صفات اهلل وأسماءه كلها أو بعضها‪.‬‬
‫قال‪" :‬الجهمية" نسبة إلى الجهم بن صفوان الذي نفى جميع األسماء والصفات‪.‬‬
‫قال‪" :‬وبين أهل التمثيل المشبهة" الذين مثلوا اهلل عز وجل بخلقه‪.‬‬
‫أهل السنة وسط بين هؤالء وهؤالء‪ ،‬فيثبتون هلل عز وجل ما أثبته لنفسه‪ ،‬وما أثبته له رسوله ‪ ‬من غير تشبيه وال تمثيل وال‬
‫تعطيل‪.‬‬
‫وقال‪" :‬وهم وسط في باب أفعال اهلل (أي في القضاء والقدر)‪.‬‬
‫بين القدرية"‪ .‬نسبة إلى القدر‪ ،‬وهم جمهور المعتزلة‪ ،‬وهم الذين غالوا في إثبات قدرة العبد‪ ،‬فقالوا‪ :‬العبد يخلق فعل نفسه دون‬
‫مشيئة من اهلل‪.‬‬
‫قال‪" :‬والجبرية" نسبة إلى الجبر‪ ،‬وهم الجهمية واألشعرية‪ ،‬وهم الذين غالوا في إثبات قدرة اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬اإلنسان مجبور على فعل نفسه‪.‬‬
‫أهل السنة وسط بين هؤالء وهؤالء‪.‬‬
‫يقولون‪ :‬العبد له اختيار ومشيئة‪ ،‬ولكن مشيئة العبد تحت مشيئة اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫اء َّ ُ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ََ‬
‫اَّلل َر ُّب ال َعالم َ‬ ‫اءون إَّل أن يَش َ‬ ‫ََ‬
‫ْي} [التَّكۡ ِوير‪]٢٩ :‬‬ ‫ِ‬ ‫كما قال تعالى‪{ :‬وما تش ُ ِ‬
‫قال‪" :‬وفي باب وعيد اهلل (أي ما َتوعد به العصاة) بين"‪:‬‬
‫"المرجئة"‪ :‬وهم الذين قالوا‪ :‬ال يضر مع اإليمان ذنب‪ ،‬كما ال ينفع مع الكفر طاعة‪.‬‬
‫"وبين الوعيدية من القدرية وغيرهم" الذين قالوا‪ :‬إن مرتكب الكبيرة إذا مات دون توبة؛ فهو خالد مخلد في النار‪.‬‬
‫أهل السنة وسط بين المرجئة والقدرية في باب الوعيد‪.‬‬
‫فيقولون‪ :‬إن مرتكب الكبيرة تحت المشيئة‪ ،‬إن شاء اهلل عذبه وإن شاء غفر له‪.‬‬
‫قال‪" :‬وفي باب اإليمان والدين"‬
‫أي مرتكب الكبيرة‪ ،‬هل هو كافر أو مؤمن؟‬
‫"بين الحرورية"‪ :‬وهم الخوارج الذين قالوا‪ :‬مرتكب الكبيرة كافر في الدنيا‪ ،‬مخلد في النار يوم القيامة‪.‬‬
‫"والمعتزلة"‪ :‬وهم أتباع واصل بن عطاء‪ ،‬الذين قالوا‪ :‬مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن وال كافر في الدنيا؛ بل هو في منزلة بين‬
‫المنزلتين‪ ،‬ومخلد في النار يوم القيامة‪.‬‬
‫قال‪" :‬وبين المرجئة والجهمية" الذين قالوا‪ :‬مرتكب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان‪.‬‬
‫أهل السنة يقولون‪ :‬مرتكب الكبيرة مؤمن ناقص اإليمان في الدنيا‪ ،‬وفي اآلخرة تحت المشيئة‪ ،‬إن شاء اهلل غفر له وإن شاء اهلل‬
‫عذبه‪.‬‬
‫قال‪" :‬وفي أصحاب رسول اهلل ‪ ‬بين الروافض وبين الخوارج"‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 48 -‬‬
‫الروافض‪ :‬الذين رفضوا خالفة الشيخين أبي بكر وعمر‪ ،‬وقد َّ‬
‫كفروا الصحابة‪ ،‬ولم يستثنوا إال آل البيت‪.‬‬
‫كثيرا من الصحابة‪ ،‬وقاتلوهم واستحلوا دماءهم وأموالهم‪.‬‬
‫أما الخوارج‪ :‬فهم الذين كفروا عليًّا‪ ،‬وكفروا معه ً‬
‫أهل السنة وسط بين هؤالء وهؤالء؛ فهم يعترفون بالفضل ألصحاب النبي ‪ ،‬وأنهم أفضل األمة بعد نبيها ‪.‬‬
‫ثم شرع ‪ ‬في بيان أنه ال تعارض بين كون اهلل مستويًا على العرش وأنه مع خلقه‪.‬‬
‫فقال‪" :‬وقد دخل فيما ذكرناه من اإليمان باهلل‪ :‬اإليمان بما أخبر اهلل به في كتابه‪ ،‬وتواتر عن رسوله ‪ ،‬وأجمع عليه سلف‬
‫علي على خلقه‪ ،‬وهو سبحانه معهم أينما كانوا‪ ،‬يعلم ما هم عاملون"‪.‬‬
‫األمة‪ ،‬أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه‪ٌّ ،‬‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َّ ُ َّ ْ َ َ ٰ َ َ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫خلَ َق َّ‬
‫َ‬ ‫ُ َّ‬
‫ى لَع ال َع ْر ِش َي ْعل ُم َما يَل ُِج ِِف اْل ْر ِض‬ ‫ات َواْل ْرض ِِف سِتةِ أيا ٍم ثم استو‬ ‫الس َم َ‬
‫او ِ‬ ‫كما جمع بين ذلك في قوله‪{ :‬ه َو اَّلِي‬
‫ص ٌ‬ ‫ون بَ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ َّ ُ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫[الح ِديد‪]٤ :‬‬ ‫َ‬ ‫}‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫وما َيرج مِنها وما ينِل مِن السماءِ وما يعرج فِيها وهو معكم أين ما كنتمۖ واَّلل بِما تعمل‬
‫وليس معنى قوله "هو معكم"‪ :‬أنه مختلط بالخلق؛ فإن هذا ال توجبه اللغة‪ ،‬وهو خالف ما أجمع عليه سلف األمة‪ ،‬وخالف ما‬
‫فطر اهلل عليه الخلق‪.‬‬
‫بل القمر آية من آيات اهلل من أصغر مخلوقاته‪ ،‬ثم هو موضوع في السماء‪ ،‬وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان‪.‬‬
‫وهو سبحانه فوق العرش‪ ،‬رقيب على خلقه‪ ،‬مهيمن عليهم‪ُ ،‬مطَّلع إليهم‪ ،‬إلى غير ذلك من معاني ربوبيته‪.‬‬
‫وكل هذا الكالم الذي ذكره اهلل من أنه فوق العرش وأنه معنا‪ٌّ ،‬‬
‫حق على حقيقته‪ ،‬ال يحتاج إلى تحريف‪ ،‬ولكن يصان عنه ظنون‬
‫الكذب‪.‬‬
‫المصنف يريد أن يقول‪ :‬إن المعية (معية اهلل سبحانه وتعالى) حقيقية‪.‬‬
‫وذكر أن االختالط ال توجبه لغة العرب؛ ألن كلمة «مع» تعني مطلق المصاحبة‪ ،‬ال تفيد اختالطًا وال اقترابًا‪.‬‬
‫ومن ذلك قول القائل‪ :‬سرت والقمر معي؛ القمر في السماء‪ ،‬والرجل في األرض‪ ،‬هذا ال يلزم منه االختالط‪ ،‬وال يمكن أن يقال‬
‫أن القائل كاذب‪.‬‬
‫كذلك القول باالختالط خالف ما أجمع عليه السلف‪.‬‬
‫فقد أجمع السلف على أن اهلل فوق عرشه‪ ،‬وأنه بائن من خلقه‪ ،‬وأنه مع خلقه‪ ،‬ولكن هذا القول يصان عن الظنون الكاذبة‪ ،‬فال‬
‫يقال إن اهلل عز وجل يحل بذاته في كل مكان‪ ،‬كما تقول (الحلولية)؛ بل هو في السماء وهو معنا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫كما تقول‪ :‬سرت والقمر معي‪ ،‬فالقمر في السماء‪ ،‬وأنت في األرض‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬وقد دخل في ذلك‪ ،‬اإليمان بأنه قريب من خلقه"‪.‬‬
‫اع إذَا َد ََعن فَلْيَ ْستَجيبُوا َل َو َْلُ ْؤمِنُوا ِب لَ َعلَّ ُهمْ‬
‫ِ‬ ‫يب أُج ُ‬
‫يب َد ْع َوةَ اَلَّ‬ ‫َ َ ََ َ‬
‫ك عِبَادِي َعن فَإّن قَر ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫كما قال سبحانه وتعالى‪ِ{ :‬إَوذا سأل‬
‫ُ َ‬
‫َ ََ‬ ‫يَ ْرش ُدون} [الب قرة‪]١٨٦ :‬‬
‫قال النبي ‪" :‬إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته"‪ .‬أي دابته‪.‬‬
‫وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته‪ ،‬ال ينافي ما نذكر من ُعلوه وفوقيته‪ ،‬فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته‪،‬‬
‫يب في علوه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫علي في دنوه‪ ،‬قر ٌ‬
‫وهو ُّ‬

‫﴿‪﴾- 49 -‬‬
‫إذن اهلل عز وجل قريب منَّا سبحانه وتعالى‪ ،‬وليس معنى هذا أنه مختلط بعباده؛ بل هو فوق العرش سبحانه وتعالى‪ ،‬وهو قريب منا‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫نكتفي بهذا القدر ونأخذ أسئلة التكليف‪.‬‬

‫األسئ لة‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اذكر ثالثة أحاديث دلت على بعض صفات اهلل سبحانه‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬اذكر منزلة السنة من القرآن‪ ،‬كما ذكر ذلك المصنف ‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬أهل السنة وسط بين فرق األمة‪ ،‬وضح ذلك مع ذكر أمثلة على ما تقول‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الرابع‪ :‬هل المعية حقيقيةٌ أو ال؟ مع ذكر الدليل على ما تقول‪.‬‬

‫وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد‪،‬‬


‫هذا‪ِّ ،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 50 -‬‬
‫المحاضـرة التاسعـة‬

‫وسالما على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬


‫ً‬ ‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين وصال ًة‬
‫مرحبًا بكم أيها األفاضل وأيتها الفضليات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪ ،‬وهذه هي المحاضرة «التاسعة» من محاضرات‪:‬‬
‫العقيدة الواسطية من كتاب [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية]‪.‬‬
‫منزل غير مخلوق‬
‫وكنا وصلنا في اللقاء السابق عند كالمه ‪ ‬عن مسألة‪ :‬القرآن كالم اهلل ّ‬
‫قال ‪" :‬ومن اإليمان به وبكتبه‪ ،‬اإليمان بأن القرآن كالم اهلل سبحانه وتعالى"‬
‫يعني تكلم به حقيقة سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َّ ٰ َ ْ َ َ َ َ ٰ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ْشك ِْي استجارك فأ ِجره حِت يسمع كـم اَّلل ِ} [الت َّْوبَة‪.]٦ :‬‬ ‫كما قال‪ِ{ :‬إَون أحد مِن الم ِ‬
‫قال‪" :‬منزل غير مخلوق"‬
‫يعني منزل من عند اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َ َ ُْ َ َ ََ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫لَع َعب ِده ِ} [ال ُف ْرقَان‪" .]١ :‬غير مخلوق"‬
‫ار َك اَّلِي ن َّزل الف ْرقان ٰ‬
‫كما قال سبحانه‪ { :‬تبَ َ‬
‫َْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ََ َ‬
‫لقوله تعالى‪{ :‬أَّل َُل اْلَل ُق َواْل ْم ُر} [األعراف‪]٥٤ :‬‬
‫ف (الخلق)‪ :‬هو المخلوقات‪.‬‬
‫و (األمر)‪ :‬هو كالمه سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫قال ‪" :‬منهُ بدأ وإليه يعود"‬


‫يعني القرآن بدأ من اهلل سبحانه وتعالى وخرج منه وتكلم به حقيقة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ورى‪.]٥٢ :‬‬ ‫وحا م ِْن أ ْمرِنَا} ُّ‬
‫[الش َ‬
‫َ ْ َ َْ ْ َ‬
‫ك ُر ً‬ ‫كما قال سبحانه‪َ { :‬وكذل ِك أوحينا إَِل‬
‫وفي هذا رد على (الجهمية) الذين يقولون‪ :‬إن القرآن بدأ من غيره‪ ،‬ولم يتكلم به حقيقة‪.‬‬
‫قال‪" :‬وإليه يعود"‬
‫يعني يرجع إليه سبحانه وتعالى في آخر الزمان‪ ،‬فال يبقى منه شيء في الصدور وال في المصاحف‪.‬‬
‫كما قال ابن مسعود ‪" :‬لينتزعن هذا القرآن من بين أظهركم‪ ،‬قلت‪ :‬يا أبا عبد الرحمن كيف ينتزع وقد أثبتناه في مصاحفنا؟‬
‫ٍ‬
‫مصحف منه شيء‪ ،‬ويصبح الناس فقراء كالبهائم"‪.‬‬ ‫ليلة فال يبقى في قلب ٍ‬
‫عبد وال‬ ‫قال‪ :‬يسرى عليه في ٍ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ ْ َ ْ َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫َ َ َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ك بِهِ َعليْ َنا َوك ِيَل} [ا ِإل ْس َراء‪.]٨٦ :‬‬ ‫َتد ل‬ ‫َ‬
‫ثم قرأ عبد اهلل‪{ :‬ولنئ شِئنا َلذهَب بِاَّلِي أوحينا إَِلك ثم َّل ِ‬
‫قال‪" :‬وأن اهلل تكلم به حقيقة"‬
‫لفظه ومعناه من اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫قال‪" :‬وأن هذا القرآن الذي أنزله اهلل على نبيه محمد ‪ ‬هو كالم اهلل حقيقة‪ ،‬ال كالم غيره سبحانه وتعالى"‪.‬‬
‫وال يجوز إطالق القول بأنه حكاية عن كالم اهلل تعالى‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 51 -‬‬
‫وهذا قول الكالبية‪ ،‬يقولون‪ :‬القرآن حكاية عن كالم اهلل‪.‬‬
‫يعني حكي بمرآه‪ ،‬كما يحكي الصدى كالم المتكلم‪.‬‬
‫قال‪" :‬أو عبارةٌ عنه"‪.‬‬
‫هذا قول األشاعرة يقولون‪ :‬الكالم عبارة عن كالم اهلل‪.‬‬
‫يعني عبّر اهلل عن كالمه النفسي بحروف وأصوات خلقت‪.‬‬
‫واتفقت الكالبية واألشعرية على أن القرآن الذي في المصاحف ليس من كالم اهلل‪.‬‬
‫قال‪" :‬بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف‪ ،‬لم يخرج بذلك عن أن يكون كالم اهلل حقيقة"‪.‬‬
‫متكلما‪.‬‬
‫ً‬ ‫فإن الكالم‪ ،‬إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئًا ال إلى من قاله مبلغًا مؤديًا‪ .‬والمبلغ يسمى واسطة وال يسمى‬
‫الحروف دون المعاني"‪.‬‬
‫َ‬ ‫كالم اهلل‬
‫قال‪" :‬وهو كالم اهلل حروفه ومعانيه‪ ،‬ليس ُ‬
‫المعتزلة والجهمية يقولون‪ :‬إن الكالم ليس معنى يقوم بذات اهلل‪ ،‬بل هو شيء من مخلوقاته‪ ،‬كالسماء واألرض ونحو ذلك‪.‬‬
‫كالما له‪ ،‬كما خلق الناقة وسماها ناقة اهلل‪ ،‬وكما خلق البيت وسماه بيت اهلل؛ ولهذا‬
‫يقولون‪ :‬كالم اهلل حروف خلقها اهلل وسماها ً‬
‫كان الكالم عند الجهمية والمعتزلة هو الحروف؛ ألن كالم اهلل عندهم عبارة عن حروف وأصوات خلقها اهلل‪ ،‬ونسبها إليه تشري ًفا‬
‫وتعظيما‪.‬‬
‫قال‪" :‬وال المعاني دون الحروف"‬
‫وهذا مذهب الكالبية واألشعرية‪.‬‬
‫يقولون‪ :‬كالم اهلل معنى في نفس‪ ،‬ثم خلق أصواتًا وحروفًا تدل على هذا المعنى إما عبارة أو حكاية‪.‬‬

‫ثم انتقل ‪ ‬إلى بيان مسألة أخرى وهي‪ :‬رؤية اهلل يوم القيامة‬
‫أيضا فيما ذكرناه من اإليمان به وبكتبه ورسله‪ :‬اإليمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عيانًا بأبصارهم كما يرون‬
‫قال‪" :‬وقد دخل ً‬
‫صحوا ليس دونها سحاب‪ ،‬وكما يرون القمر ليلة البدر ال يضامون في رؤيته"‪.‬‬
‫الشمس ً‬
‫يعني ال يشعرون بشيء من المشقة عند النظر إليه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫" يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة"‪.‬‬
‫صة‪.‬‬
‫صات‪ :‬جمع َع ْر َ‬
‫والع َر َ‬
‫َ‬
‫والعرصة‪ :‬موضع واسع ال بناء فيه‪.‬‬
‫قال‪" :‬ثم يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬من غير إحاطة وال تكييف لرؤيته سبحانه"‪.‬‬
‫فهذه المسألة تكلم عنها ‪ ‬فيما سبق‪.‬‬

‫ثم انتقل إلى بيان ركن آخر من اإليمان وهو‪ :‬اإليمان باليوم اآلخر‬
‫فقال‪" :‬ومن اإليمان باليوم اآلخر‪ :‬اإليمان بكل ما أخبر به النبي ‪ ‬مما يكون بعد الموت"‪.‬‬
‫اليوم اآلخر‪ :‬يوم القيامة‪ ،‬وسمي بذلك؛ ألنه آخر يوم في الدنيا فال يوم بعده‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 52 -‬‬
‫نؤمن ونصدق بكل شيء أخبر عنه النبي ‪ ‬مما يكون بعده‪ ،‬فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر وبنعيمه‪.‬‬
‫فتنة القبر‬
‫أي‪ :‬سؤال الملكين (المنكر والنكير)‪ ،‬وعذاب القبر ونعيمه‪.‬‬
‫والعذاب‪ :‬ألهل المعاصي‪ ،‬الكفار‪.‬‬
‫والنعيم‪ :‬ألهل الطاعة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ ُ ُ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ ُ َّ َ َ َّ َ َ ْ َ َ ُ ُ َّ َ ُ ْ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ َّ ْ َ َ‬
‫اب } [غافِ ٍر‪.]٤٦ :‬‬
‫قال اهلل تعالى‪ { :‬اَلار يعرضون عليها غدوا وعشِ يا ويوم تقوم الساعة أدخِلوۤآ ءال ف ِرعون أشد الع ِ‬
‫ذ‬
‫قال‪" :‬فأما الفتنة؛ فإن الناس يفتنون في قبورهم‪ ،‬قد دلت النصوص على أن األنبياء ال يفتنون‪ ،‬كذلك الشهداء والمرابطون‪ .‬فيقال‬
‫للرجل‪ ،‬يقول له المنكر والنكير‪ :‬من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبت اهلل الذين آمنوا بالقول الثابت"‪.‬‬
‫فيقول المؤمن‪ :‬اهلل ربي‪ ،‬واإلسالم ديني‪ ،‬ومحمد نبيي‪.‬‬
‫وأما المرتاب فيقول‪ :‬آه آه ال أدري‪ ،‬سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته‪ ،،‬فيُضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل‬
‫لصعق‪ ،‬يعني مات‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شيء إال اإلنسان‪ ،‬ولو سمعها اإلنسان ُ‬
‫واألدلة على ذلك كثيرة‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم‪ ،‬وإما عذاب إلى يوم القيامة الكبرى"‪.‬‬
‫يعني الناس في قبورهم‪ ،‬إما معذبون وإما منعمون‪.‬‬
‫قال‪" :‬فتعاد األرواح إلى األجساد وتقوم القيامة التي أخبر اهلل تعالى بها في كتابه"‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ‬
‫ْ ٌ َ ٌ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َّ ُ ْ‬ ‫َ ٰ ُّ َ َّ ُ‬
‫كما في قوله‪{ :‬يـۤأيها اَلاس اتقوآ ربكم إِن زلزلة الساعةِ َشء ع ِظيم} َ‬
‫[الحج‪.]١ :‬‬
‫قال‪" :‬وعلى لسان رسوله ‪ ،‬وأجمع عليها المسلمون‪ ،‬فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراةً غرالً"‬
‫غرال"‪.‬‬
‫كما دل على ذلك قول النبي ‪" :‬يحشر الناس يوم القيامة حفا ًة عرا ًة ً‬
‫قال‪" :‬ويلجمهم العرق" يعني يصل إلى أفواههم‪.‬‬
‫اعا ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم"‬
‫كما في الحديث‪" :‬يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في األرض سبعين ذر ً‬
‫أي حتى يغطي آذانهم‪.‬‬
‫قال‪" :‬وتُنصب الموازين‪ ،‬فيوزن فيها أعمال العباد"‪.‬‬
‫َ َ َ ُ َ ْ َ َ ُ ُ َ ُ َٰ َ ُ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬
‫{فمن ثقلت موازِينه فأولئِك هم المفل ِحون} [المؤمنون‪.]١٠٢ :‬‬
‫ثقلت موازينه‪ :‬رجحت‪.‬‬
‫المفلحون‪ :‬الفائزون الناجون من النار‪.‬‬
‫َ‬
‫َ َ َّ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َُ َ‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫َّ‬
‫خ ُِ‬
‫اَلون} [المؤمنون‪.]١٠٣ :‬‬ ‫ِسوا أنف َس ُه ْم ِِف جهنم‬
‫خ ِ ُ‬ ‫ت َم َوازِينُ ُه فأولٰئِك اَّلِين‬
‫خف ْ‬ ‫{ومن‬
‫"وتنشر الدواوين وهي‪ :‬صحائف األعمال‪ ،‬فآخذ كتابه بيمينه‪ ،‬وآخ ٌذ كتابه بشماله من وراء ظهره"‪.‬‬
‫َْ‬ ‫َّ‬
‫َُ‬
‫ائرهُ ِِف ُعنُقِهِ} [ا ِإل ْس َراء‪.]١٣ :‬‬
‫نسان أل َز ْم َناهُ َط َ‬
‫َ‬
‫كما قال تعالى‪{ :‬وَّك إ ِ ٍ‬
‫كل إنسان ألزمناه عمله‪ ،‬فهو في رقبته‪.‬‬
‫﴿‪﴾- 53 -‬‬
‫{ َو ُُنْر ُج َ َُل يَ ْو َم الْقيَ َ‬
‫امةِ كِتَابًا يَل ْ َقاهُ َمن ْ ُش ً‬
‫ورا} [ا ِإلسر ِ‬
‫مفتوحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أي‬ ‫]‪.‬‬‫‪١٣‬‬ ‫اء‬ ‫َْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َْْ َ َ َ َ َ ٰ َ ْ َ َْ َْ َ َْ َ‬
‫{اقرأ كِتابك كَف بِنفسِك اَلوم عليك حسِيبا} [اإلسراء‪.]١٤ :‬‬
‫يعني‪ :‬كل أحد يقرأ كتابه سواء كان كاتبًا أو أميًّا‪ ،‬ويحاسب على عمله‪.‬‬
‫قال‪" :‬ويحاسب اهلل الخلق"‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ‬
‫ودلت على ذلك النصوص‪ ،‬منها‪ :‬قول اهلل تعالى‪{ :‬إِن إَِل ْ َنا إِيَ َاب ُه ْم(‪ )٢٥‬ث َّم إِن َعليْ َنا ح َِس َاب ُهم} [الغاشية‪.]٢٦ ٢٥ :‬‬
‫َ َّ ُ َّ َ َّ َّ َ َ ُ ْ‬
‫اِل َ‬
‫اب} [المائدة‪.]٤ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِس‬ ‫سيع‬
‫قال تعالى‪{ :‬واتقوا اَّلل إِن اَّلل ِ‬
‫قال‪" :‬ويخلو بعبده المؤمن‪ ،‬فيقرره بذنوبه‪ ،‬كما ُوصف ذلك في الكتاب والسنة‪ ،‬وأما الكفار فال يحاسبون محاسبة من توزن‬
‫فيقررون ويجزون بها"‪.‬‬
‫حسناته بسيئاته‪ ،‬فإنهم ال حسنات لهم‪ ،‬ولكن تُعد أعمالهم وتحصى ويوقفون عليها‪َّ ،‬‬
‫عرصة القيامة الحوض المورود لمحمد ‪."‬‬
‫قال‪" :‬وفي ْ‬
‫أجمع أهل السنة على إثبات الحوض للنبي ‪.‬‬
‫وأنكرته الخوارج والمعتزلة‪.‬‬
‫واألدلة عليه متواترة‪ ،‬منها‪ :‬قول النبي ‪" :‬أنا فرطكم على الحوض"‪.‬‬
‫يعني‪ :‬أول من يصل إلى الحوض‪.‬‬
‫بياضا من اللبن‪ ،‬وأحلى من العسل‪ ،‬طوله شهر‪ ،‬وعرضه شهر‪ ،‬آنيته عدد نجوم السماء‪ ،‬فمن شرب منه شربة لم‬
‫قال‪" :‬ماؤه أشد ً‬
‫يظمأ بعدها أب ًدا"‪.‬‬
‫واألدلة على ذلك متكاثرة‪.‬‬
‫ولكل نبي حوض يوم القيامة‪ ،‬ولكن أعظم الحيضان حوض النبي ‪.‬‬
‫واختلف العلماء في الميزان والحوض أيهما قبل اآلخر‪.‬‬
‫والصحيح أن الحوض قبل الميزان؛ ألن الناس يخرجون عطا ًشا من قبورهم‪ ،‬فيقدم قبل الميزان‪.‬‬
‫أكتفي بهذا القدر‪.‬‬
‫أسئلة التكليف‪:‬‬

‫األسئ لة‬
‫السؤال األول‪ :‬اذكر عقيدة أهل السنة والجماعة في اإليمان باليوم اآلخر‪ ،‬كما ذكر ذلك المصنف ‪.‬‬
‫السؤال الثاني‪ :‬هل لكل نبي حوض؟ مع ذكر الدليل على ما تقول‪.‬‬

‫أرجو من اإلخوة واألخوات بارك اهلل فيهم أن يقرؤوا القدر الذي أخذناه من الكتاب قراءة جيدة‪.‬‬
‫وأسأل اهلل أن يبارك فيكم وأن يرضى عنكم وأن يرزقني وإياكم اإلخالص في القول والعمل‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 54 -‬‬
‫المحاضـرة العاشـرة‬

‫وسالما على المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬


‫ً‬ ‫بسم هلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصالة‬
‫مرحبًا بكم أيها األفاضل وأيتها الفضليات في هذا اللقاء الطيب المتجدد مع شرح العقيدة الواسطية من كتاب [ الجامع لمسائل‬
‫العقيدة الواسطية] وهذه هي «المحاضرة العاشرة»‪.‬‬
‫كنا وصلنا في اللقاء السابق عند كالم المصنف ‪ ‬عن‪ :‬الصراط‬

‫قال ‪" :‬والصراط منصوب على متن جهنم" أي‪ :‬على ظهر جهنم‬
‫َّ‬
‫ِنكم إَِّل َوارِ ُد َها} [ َمريَم‪.]٧١ :‬‬
‫ُ‬
‫قال ربنا سبحانه وتعالى‪ِ{ :‬إَون م‬
‫قال العلماء‪ :‬المراد بالورود هنا المرور على الصراط‪.‬‬
‫وعن عائشة ‪ ‬أنها ذكرت النار فبكت؛ فقال لها رسول اهلل ‪ :‬ما يبكيك؟ قالت‪ :‬ذكرت النار فبكيت‪ ،‬فهل تذكرون أهليكم‬
‫يوم القيامة؟ فقال ‪ :‬أما في ثالثة مواطن فال يذكر أح ٌد أح ًدا‪:‬‬
‫[عند الميزان]‪ :‬حتى يعلم أيخف ميزانه أو يثقل؟‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫[الحاقَّة‪.]١٩ :‬‬ ‫َ َْ‬ ‫ََُ ُ َ ُُ َُْ‬ ‫[وعند الكتاب] حين يقال‪{ :‬فَأ َّما َم ْن أ َ َ َ ُ َ‬
‫وِت كِتابه بِي ِمينِهِ فيقول هاؤم اقرءوآ كِتاب ِيه} َ‬
‫ِ‬
‫حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره؟‬
‫[وعند الصراط]‪ :‬إذا وضع بين ظهري جهنم"‪.‬‬
‫هذا الحديث فيه إثبات الصراط‪.‬‬

‫قال ‪" :‬وهو الجسر الذي بين الجنة والنار‪ ،‬يمر الناس عليه على قدر أعمالهم"‬
‫فمنهم من يمر كلمح البصر‪ ،‬أي‪ :‬كغمض العين بعد انتباهها‪.‬‬
‫ومنهم من يمر كالبرق‪ ،‬أي‪ :‬سرعة البرق‪.‬‬
‫ومنهم من يمر كالريح‪.‬‬
‫ومنهم من يمر كالفرس الجواد‪ ،‬أي‪ :‬الفائق في السرعة‪.‬‬
‫ومنهم من يمر كركاب اإلبل‪ ،‬أي‪ :‬التي تحمل الناس‪.‬‬
‫ومنهم من يعدو عدوا‪ ،‬أي‪ :‬يسرع‪.‬‬
‫ومنهم من يمشي مشيًا‪.‬‬
‫ومنهم من يزحف زح ًفا‪.‬‬
‫سن عملك وأن‬
‫كل هذا على قدر األعمال‪ ،‬على قدر عملك سيكون مرورك على الصراط‪ .‬لذلك ينبغي لك أيها العاقل أن تُ َح ِّ‬
‫جوده؛ حتى تأتي يوم القيامة من الفائزين برضوان اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫تُ ّ‬
‫قال‪" :‬ومنهم من يخطف فيلقى في جهنم"‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 55 -‬‬
‫هذا الذي كثرت سيئاته‪ ،‬فإن الجسر عليه كالليب تخطف الناس بأعمالهم‪ ،‬يعني تأخذهم بسرعة بسبب أعمالهم السيئة‪.‬‬
‫مر على الصراط دخل الجنة"‪.‬‬
‫قال‪ ":‬فمن َّ‬
‫هذا كله دلت عليه السنة النبوية المطهرة‪.‬‬
‫قال‪" :‬فإذا عبروا عليه ُوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيُقتص لبعضهم من بعض"‪.‬‬
‫أي يجري بينهم القصاص في المظالم فيؤخذ للمظلوم من الظالم‪.‬‬
‫وهذا غير القصاص األول الذي في عرصات القيامة‪.‬‬
‫قال‪" :‬فإذا ُهذبوا ونُقوا؛ أُذن لهم في دخول الجنة"‪.‬‬
‫هذبوا ونقوا‪ :‬صفوا من الذنوب‪.‬‬
‫سر ُّمتَ َقابل َ‬ ‫ْ َ ً ََ‬ ‫َ ْ‬
‫ِْي} ِ‬
‫[الح ْجر‪]٤٧ :‬‬ ‫ِ‬
‫لَع ُ ُ‬ ‫كما قال تعالى‪َ { :‬ون َزعنَا َما ِِف ُص ُدورِهِم م ِْن غ ٍِل إِخوانا‬
‫وقال النبي ‪" :‬يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار‪ ،‬فيُقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم‬
‫في الدنيا‪ ،‬حتى إذا ُه ِّذبُوا ونُ ُّقوا أذن لهم في دخول الجنة‪ ،‬والذي نفس محمد بيده َألحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله‬
‫كان في الدنيا"‪.‬‬
‫والعلماء اختلفوا في هذه القنطرة‪:‬‬
‫بعضهم قال‪ :‬هي من تتمة الصراط‪ ،‬وهي طرفه الذي يلي الجنة‪.‬‬
‫وبعضهم قال‪ :‬هي جسر صغير بعد الصراط‪ ،‬وهذا هو الصحيح‪.‬‬
‫لقول النبي ‪" :‬إذا خلص المؤمنون من النار"‪.‬‬
‫أي‪ :‬نجوا من السقوط فيها بعدما جاوزوا على الصراط‪.‬‬
‫قال‪ ":‬وأول من يستفتح باب الجنة محمد ‪."‬‬
‫كما في الحديث‪" :‬آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح‪ ،‬فيقول الخازن‪ :‬من أنت؟ فأقول‪ :‬محمد‪ ،‬فيقول‪ :‬بك أمرت ال أفتح‬
‫ألحد قبلك"‪.‬‬
‫قال‪" :‬وأول من يدخل الجنة من األمم أمته ‪."‬‬
‫كما في الحديث‪" :‬نحن اآلخرون األولون يوم القيامة‪ ،‬ونحن أول من يدخل الجنة"‪.‬‬

‫ثم انتقل ‪ ‬إلى بيان مسألة أخرى وهي مسألة‪ :‬الشفاعة‬


‫فقال‪" :‬وله في القيامة ثالث شفاعات‪ ،‬أما [الشفاعة األولى] فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم"‪.‬‬
‫فهذه هي‪ :‬الشفاعة العظمى‪.‬‬
‫وهي‪ :‬المقام المحموم‪.‬‬
‫قال‪" :‬بعد أن يتراجع األنبياء (آدم‪ ،‬ونوح‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬وموسى‪ ،‬وعيسى ابن مريم عليهم من اهلل السالم) الشفاعة حتى تنتهي إليه"‪.‬‬
‫يعني كل نبي من هؤالء األنبياء يرد الشفاعة حتى يأتي الناس النبي ‪ ‬فيشفع فيهم‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 56 -‬‬
‫نوحا ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى كلهم يقول‪ :‬لست بصاحب‬
‫كما في الحديث حديث الشفاعة الطويل‪" :‬الناس يأتون آدم ثم ً‬
‫ذلك‪ ،‬حتى يأتوا النبي ‪ ‬فيشفع فيهم"‪.‬‬

‫قال‪" :‬وأما [الشفاعة الثانية] فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة"‬


‫كما في الحديث المتقدم يقول خازن الجنة‪" :‬بك أمرت ال أفتح ألحد قبلك"‪.‬‬
‫قال‪" :‬وهاتان الشفاعتان خاصتان له"‪.‬‬
‫يعني ال تكونان لغيره‪.‬‬

‫قال‪" :‬وأما [الشفاعة الثالثة] فيشفع فيمن استحق النار‪ ،‬وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم‪ ،‬يشفع فيمن استحق‬
‫النار أال يدخلها‪ ،‬ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها"‪.‬‬
‫هذه الشفاعة في أهل الكبائر‪ ،‬وقد أنكرتها الخوارج والمعتزلة‪.‬‬
‫وقد دل عليها قوله ‪" :‬شفاعتي ألهل الكبائر من أمتي"‬
‫فضل عمن دخلها من أهل الدنيا‪،‬‬
‫أقواما بغير شفاعة‪ ،‬بل بفضل اهلل ورحمته‪ ،‬ويبقى في الجنة ٌ‬
‫قال‪" :‬ويُخرج اهلل تعالى من النار ً‬
‫أقواما فيدخلهم الجنة"‪.‬‬
‫فينشئ اهلل لها ً‬
‫أي‪ :‬بفضله ورحمته‪.‬‬
‫قال‪" :‬وأصناف ما تتضمنه الدار اآلخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار"‪.‬‬
‫أي‪ :‬أهل السنة والجماعة يؤمنون بما جاء عن اليوم اآلخر من الحساب‪ ،‬والثواب‪ ،‬والعقاب‪ ،‬والجنة‪ ،‬والنار‪.‬‬
‫قال‪" :‬وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء‪ ،‬واألثارة من العلم المأثورة عن األنبياء‪ ،‬والتوراة واإلنجيل وصحف‬
‫إبراهيم ‪."‬‬
‫قال‪" :‬وفي العلم الموروث عن النبي محمد ‪ ‬من ذلك ما يشفي ويكفي‪ ،‬فمن ابتغاه وجده"‪.‬‬
‫أي من بحث عنه وجده‪.‬‬
‫ثم انتقل المصنف ‪ ‬إلى أصل آخر من أصول اإليمان وهو‪ :‬اإليمان بالقدر‬
‫فقال‪" :‬وتؤمن الفرقة الناجية‪ ،‬أهل السنة والجماعة‪ ،‬بالقدر خيره وشره"‪.‬‬
‫تياح أو سرور‪.‬‬
‫أما خير القدر فهو‪ :‬ما يالئم طبيعة اإلنسان بحيث يحصل له خير أو ار ٌ‬
‫والشر (شر القدر) هو‪ :‬ما ال يالئم طبيعة اإلنسان بحيث يحصل له به أذية أو ضرر‪.‬‬

‫قال‪" :‬واإليمان بالقدر على درجتين كل درجة تتضمن شيئين‪ ،‬فالدرجة األولى‪:‬‬
‫اإليمان بأن اهلل تعالى علم ما الخلق عاملون"‪.‬‬
‫هنا المصنف ‪ ‬قسم المراتب األربعة درجتين‪ ،‬كل درجة تتضمن مرتبتين‪:‬‬
‫الدرجة األولى‪ :‬قال‪ :‬اإليمان بأن اهلل تعالى علم ما الخلق عاملون‪.‬‬
‫أي‪ :‬العلم [مرتبة العلم]‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 57 -‬‬
‫قال‪" :‬بعلمه القديم"‬
‫يعني الذي ال أول البتدائه‪ ،‬وهذه المرتبة األولى‪.‬‬
‫ومعناها‪ :‬أن اهلل عز وجل يعلم كل شيء‪ ،‬ال يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى‬
‫ُ ََُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫َ ُ ْ َ َ َ‬ ‫َْ‬
‫ب والشهادة ِ الكبِي المتعال} َّ‬
‫[الر ْعد‪]٩ :‬‬ ‫قال سبحانه‪َ{ :‬عل ِم اليي ِ‬
‫َش ٍء َعل ٌ‬
‫كل ْ‬ ‫َ‬
‫َ َّ ُ ُ‬
‫ِيم} [الحجرات‪]١٦ :‬‬ ‫وقال‪{ :‬واَّلل ب ِ ِ‬
‫أزال وأب ًدا‪ ،‬وعلم جميع أحوالهم من الطاعات‪ ،‬والمعاصي‪ ،‬واألرزاق‪ ،‬واآلجال"‬
‫قال‪" :‬الذي هو موصوف به ً‬
‫يعني اهلل سبحانه وتعالى يعلم كل شيء يعلم بالطاعة والمعصية والرزق واألجل‪،‬‬
‫كل إنسان سيفعل ما يفعله من الطاعات والمعاصي‪ ،‬وما ُكتب له من األرزاق واآلجال‪ ،‬كل هذا يعلمه اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫هذه المرتبة األولى في الدرجة األولى‪.‬‬
‫في المرتبة الثانية قال‪" :‬ثم كتب اهلل تعالى في اللوح المحفوظ مقادير الخالئق"‪.‬‬
‫هذه المرتبة الثانية وهي [مرتبة الكتاب]‪.‬‬
‫ومعناها‪ :‬أن اهلل سبحانه وتعالى كتب مقادير الخالئق قبل خلق السماوات واألرض بخمسين ألف سنة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ َّ َ‬
‫َش ٍء أ ْح َصيْنَاهُ ِِف إ ِ َمام ُّمبِْيࣲ} [يس‪]١٢:‬‬
‫قال ربنا سبحانه وتعالى‪َ { :‬وَّك ْ‬

‫ألف ٍ‬
‫سنة"‪.‬‬ ‫بخمسين َ‬ ‫واألرض‬ ‫الس ِ‬
‫ماوات‬ ‫يخلق َّ‬
‫قبل أن َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الخالئق َ‬ ‫مقادير‬
‫َ‬ ‫وقال النبي ‪" :‬كتب اهلل‬
‫قال‪" :‬فأول ما خلق اهلل القلم‪ ،‬فقال له‪ :‬اكتب (عندما خلق اهلل عز وجل القلم)‪،‬‬
‫قال‪ :‬ما أكتب؟ قال‪" :‬اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة؛ فما أصاب اإلنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه"‪.‬‬
‫يعني كل شيء يصيبك أيها المسلم إنما قدره اهلل عز وجل عليك‪.‬‬
‫إذا أصابك خير فاعلم أن اهلل سبحانه وتعالى قدره لك‪ ،‬لم يكن ليخطئك‪.‬‬
‫وكذلك إن أصابك شر لم يكن ليخطئك وإن لم يصبك خير أو شر لم يكن ليصيبك؛ فاطمئن لن يصيبك إال ما قدره اهلل لك أو‬
‫عليك‪.‬‬
‫لو اجتمع العالم كله على أن ينفعوك بشيء‪ ،‬لن ينفعوك إال بشيء قد كتبه اهلل لك‪،‬‬
‫ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إال بشيء قد كتبه اهلل عليك كما قال النبي ‪.‬‬
‫لذلك المؤمن ال يطلب الخير إال من اهلل‪ ،‬وال يطلب دفع الشر إال من اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فاهلل سبحانه وتعالى قادر على كل شيء‪.‬‬
‫اهلل سبحانه وتعالى بيده كل شيء‪.‬‬
‫اهلل سبحانه وتعالى هو الذي يأتي بالخيرات‪ ،‬ويدفع الضر سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫قال النبي ‪" : ‬ال يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره‪ ،‬حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه‪ ،‬وأن ما أخطأه لم يكن‬
‫ليصيبه"‪.‬‬
‫لذلك إياك إياك أن تترك طاعة اهلل سبحانه وتعالى؛ طلبًا لرضا مخلوق‪ ،‬طم ًعا فيما عنده من المتاع‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 58 -‬‬
‫إياك إياك أن تخشى غير اهلل‪ ،‬فتفعل معصية؛ حتى تأمن عقابه‪.‬‬
‫قال‪" :‬جفت األقالم وطويت الصحف"‬
‫هذا كناية عن كتابة المقادير والفراغ منها‪.‬‬
‫َّ َ َ َ َ َّ‬
‫اب إِن ذٰۖل ِك لَع اَّلل ِ يَسِي }‬ ‫الس َماءِ َو ْاْلَ ْر ِض إ َّن ذَ ل َِك ِف ك َ‬
‫ِت‬ ‫قال‪ :‬كما قال سبحانه وتعالى‪َ { :‬أل َ ْم َت ْعلَ ْم أ َ َّن َّ َ‬
‫اَّلل َي ْعلَ ُم َما ِف َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫[الح ِّج‪.]٧٠ :‬‬
‫َ‬
‫يعلم ما في السماء واألرض‪ :‬كل شيء يعلمه اهلل‪.‬‬
‫إن ذلك على اهلل يسير‪ :‬أي سهل يسير عليه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َ ْ َ َّ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْْ ََ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫صيب ٍة ِِف اْلر ِض وَّل ِِف أنفسِكم إَِّل ِِف كِت ٍ‬
‫اب مِن قب ِل أن نبأها} [الحديد‪.]٢٢ :‬‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬ما أصاب مِن م ِ‬
‫يعني ما يصيب اإلنسان من مصيبة كالمرض‪ ،‬أو فقد ولد‪ ،‬أو نحو ذلك إال وهي مكتوبة في اللوح المحفوظ من قبل خلق األرض‬
‫واألنفس‪.‬‬
‫َّ‬
‫اَّلل ِ يَس ٌ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َّ َ‬
‫ِي} [الحديد‪.]٢٢ :‬‬ ‫قال‪{ :‬إِن ذٰل ِك لَع‬
‫قال‪" :‬وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه وتعالى يكون في مواضع جملة وتفصيال"‪.‬‬
‫جملة أي‪ :‬عامةً‪.‬‬
‫مفصال‪.‬‬
‫ً‬ ‫وتفصيال أي‪:‬‬
‫ً‬
‫قال‪" :‬فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء"‪.‬‬
‫هذا التقدير األزلي‪.‬‬
‫ُ َّ ُ َ َ َّ َ َ َ َ َّ ُ َ‬
‫اَّلل َلَا} [التَّوبَِة‪.]٥١ :‬‬ ‫صيبنا إَِّل ما كتب‬
‫وهو المذكور في قوله تعالى‪{ :‬قل لن ي ِ‬
‫وأيضا مذكور في قول النبي ‪" :‬كتب اهلل مقادير الخالئق قبل أن يخلق السماوات واألرض بخمسين ألف سنة"‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪" :‬وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه؛ بعث إليه مل ًكا فيؤمر بأربع كلمات فيقال‪ :‬اكتب رزقه‪ ،‬وأجله‪ ،‬وعمله‪ ،‬وشقي‬
‫أو سعيد"‪.‬‬
‫هذا الموضع الثاني وهو‪[ :‬الكتابة العمرية] عند تخليق النطفة في الرحم‪.‬‬
‫قال‪" :‬ونحو ذلك"‬
‫وهذا هو الموضع الثالث وهو‪[ :‬التقدير الحولي] الذي يكون في ليلة القدر‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ُ ُ ُّ َ‬
‫َ ُ َ‬
‫ِيم } [الد َ‬
‫ُّخان‪]٤ :‬‬ ‫قال اهلل سبحانه وتعالى‪{ :‬فِيها يفرق ك أم ٍر حك ٍ‬
‫قال ابن عباس ‪" :‬يُقضى ويفصل كل أمر أحكمه اهلل تعالى في تلك السنة إلى مثلها من السنة األخرى"‪.‬‬
‫قديما"‬
‫قال‪" :‬فهذا القدر قد كان ينكره غالة القدرية ً‬
‫الذين بالغوا في نفي القدر‪ ،‬نفوا علم اهلل سبحانه وتعالى السابق‪ ،‬وكذلك الكتاب‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬إن اهلل عز وجل ال يعلم شيئًا قبل حدوثه‪.‬‬
‫َش ٍء َعل ٌ‬
‫كل ْ‬‫َ َّ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ِيم} [الحجرات‪]١٦ :‬‬ ‫وهؤالء ك ّفرهم العلماء؛ ألنهم كذبوا قول اهلل تعالى‪{ :‬واَّلل ب ِ ِ‬
‫﴿‪﴾- 59 -‬‬
‫"ومنكروه اليوم قليل"‬
‫أي على زمان شيخ اإلسالم ‪.‬‬
‫ثم ذكر الدرجة الثانية‪:‬‬
‫فقال‪" :‬وأما الدرجة الثانية فهي‪[ :‬مشيئة اهلل] النافذة وقدرته الشاملة‪ ،‬وهي اإليمان بأن ما شاء اهلل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن"‪.‬‬
‫هذه مرتبة المشيئة‪.‬‬
‫قال‪" :‬وأنه ما في السماوات وال في األرض من حركة وال سكون إال بمشيئة اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬ال يكون في ملكه إال ما يريد وأنه‬
‫سبحانه وتعالى على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات"‪.‬‬
‫هذه المرتبة األولى من الدرجة الثانية وهي‪[ :‬مرتبة المشيئة]‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مخلوق في األرض وال في السماء إال اهلل خالقه سبحانه‪ ،‬ال خالق غيره"‪.‬‬ ‫المرتبة الثانية من هذه الدرجة قال‪" :‬فما من‬
‫هذه [مرتبة الخلق] ومعناها أن اهلل سبحانه وتعالى خلق كل شيء سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫قال‪" :‬وال رب سواه"‬
‫يعني ال معبود سوى اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫َ َّ ُ َ َ ُ‬
‫اَّلل خلقك ْم َو َما تع َملون} َّ‬
‫[الصافَّات‪.]٩٦ :‬‬ ‫قال تعالى‪{ :‬و‬
‫ثم قال‪" :‬ومع ذلك فقد أمر اهلل العباد بطاعته وطاعة رسله‪ ،‬ونهاهم عن معصيته"‪.‬‬
‫همال‪ ،‬ولم يرفع عنهم االختيار؛ بل أمرهم بطاعته وطاعة رسله ‪،‬‬
‫أي‪ :‬مع عموم خلقه سبحانه وتعالى وربوبيته؛ لم يترك العباد ً‬
‫ونهاهم عن معصيته‪.‬‬
‫غ ال ْ ُمب ُ‬ ‫َ‬
‫َّ ُ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َّ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َّ َ َ َ ٰ َ ُ َ ْ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِيعوآ َّ َ‬
‫اَّلل َوأط ُ‬ ‫َ‬
‫كما قال تعالى‪َ { :‬وأط ُ‬
‫[المائِ َدةِ‪.]٩٢ :‬‬
‫َ‬ ‫}‬‫ْي‬ ‫ِ‬ ‫ِيعوآ الرسول واحذروآ فإِن توَلتم فاعلموآ أنما لَع رسوَلِ ا اْلَل‬
‫قال‪" :‬وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين‪ ،‬ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات‪ ،‬وال يحب الكافرين‪ ،‬وال‬
‫يرضى عن القوم الفاسقين‪ ،‬وال يأمر بالفحشاء‪ ،‬وال يرضى لعباده الكفر‪ ،‬وال يحب الفساد"‪.‬‬
‫الفحشاء‪ :‬يعني المعاصي‪.‬‬
‫المصنف ‪ ‬أراد بهذا‪ :‬الرد على من زعم أن اإلرادة والمحبة بينهما تالزم‪ ،‬فإذا أراد اهلل شيئًا فقد أحبه‪ ،‬وإذا شاء شيئا فقد‬
‫أحبه‪ ،‬وهذا قول باطل‪.‬‬
‫والصواب أنه ال تالزم بين اإلرادة والمحبة‪ ،‬فقد يريد اهلل ما ال يحبه‪ ،‬وقد يحب ما ال يشاء وجوده‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬والعباد فاعلون حقيقة"‬
‫في هذا يرد على الجبرية الذين قالوا‪ :‬العباد ليسوا فاعلين حقيقة‪ ،‬وإسناد األفعال إليهم من باب المجاز‪.‬‬
‫قال‪" :‬واهلل خالق أفعالهم"‬
‫استقالال دون مشيئة اهلل سبحانه‬
‫ً‬ ‫أيضا فيه رد على القدرية الذين قالوا‪ :‬إن اهلل لم يخلق أفعال العباد؛ وإنما هم خلقوها‬
‫هذا ً‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫قال‪" :‬والعبد هو المؤمن‪ ،‬والكافر‪ ،‬والبر‪ ،‬و الفاجر‪ ،‬والمصلي‪ ،‬والصائم‪ ،‬كل هؤالء عبيد هلل سبحانه وتعالى"‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 60 -‬‬
‫والمراد بالعبودية هنا‪ :‬العبودية العامة التي هي الخضوع ألمر اهلل الكوني‪.‬‬
‫خالف العبودية الخاصة التي هي الخضوع ألمر اهلل الشرعي‪.‬‬
‫قال‪" :‬وللعباد قدرة على أعمالهم‪ ،‬ولهم إرادة‪ ،‬واهلل خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم"‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اء َّ ُ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫العالم َ‬
‫اَّلل َر ُّب َ‬ ‫اءون إَّل أن يَش َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ ْ َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْي (‪[ })٢٩‬التَّك ِوير‪.]٢٨٢٩ :‬‬ ‫ِ‬ ‫كما قال تعالى‪{ :‬ل ِمن شاء مِنكم أن يستقِيم (‪ )٢٨‬وما تش ُ ِ‬
‫وقال‪" :‬وهذه الدرجة من القدر (يعني عموم المشيئة واإلرادة)‪ ،‬يكذب بها عامة القدرية (يعني‪ :‬أكثرهم)‪ ،‬فيزعمون أن العبد يخلق‬
‫فعل نفسه بدون مشيئة اهلل وإرادته"‪.‬‬
‫قال‪" :‬الذين سماهم السلف مجوس هذه األمة"‪.‬‬
‫ألن المجوس يقولون‪ :‬إن للكون خالقين؛ خالق خير‪ ،‬وخالق شر‪.‬‬
‫فخالق الخير‪ :‬هو النور‪.‬‬
‫وخالق الشر‪ :‬هو الظلم‪.‬‬
‫المعتزلة زادوا عليهم وقالوا‪ :‬كل إنسان يخلق فعل نفسه‪.‬‬
‫قال‪" :‬ويغلو فيها قوم من أهل اإلثبات‪ ،‬حتى يسلبوا العبد قدرته واختياره"‪.‬‬
‫أهل اإلثبات (أي الجبرية) يقولون‪ :‬اإلنسان مجبور على فعل نفسه؛ الذي يفعل الطاعة مجبور على الطاعة‪ ،‬والذي يفعل المعصية‬
‫مجبور على المعصية‪.‬‬
‫قال‪" :‬ويُخرجون عن أفعال اهلل وأحكامه ِحكمها ومصالحها"‪.‬‬
‫مجبرا على الفعل‪،‬‬
‫يعني ال يثبتون هلل حكمة وال مصلحة‪ ،‬يقولون‪ :‬هو يفعل ويحكم بمجرد مشيئته؛ ولهذا يثاب الطائع وإن كان ً‬
‫مجبرا على الفعل‪.‬‬
‫ويعاقب العاصي وإن كان ً‬
‫نكتفي بهذا القدر‪ ،‬ونأخذ أسئلة التكليف‪:‬‬

‫األسئ لة‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اذكر عقيدة أهل السنة والجماعة في الصراط‪ ،‬كما ذكرها المصنف ‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬اإليمان بالقدر يتضمن درجتين‪ ،‬اذكرهما بشيء من التفصيل‪.‬‬

‫وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد‪ ،‬والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬
‫أكتفي بهذا‪ِّ ،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 61 -‬‬
‫المحاضـرة الحاـديـة عشــرة‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫مرحبا بكم أيها األفاضل وأيتها الفضليات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪ ،‬وهذه هي المحاضرة الحادية عشرة من محاضرات‬
‫العقيدة الواسطية من كتاب‪[ :‬الجامع لمسائل العقيدة الواسطية]‬
‫وكنا وصلنا في اللقاء السابق عند قول المصنف رحمه اهلل‪" :‬ومن أصول الفرقة الناجية (أي أهل السنة والجماعة)"‪:‬‬
‫(أن الدين واإليمان قول وعمل)‪.‬‬
‫قول القلب واللسان‪ ،‬وعمل القلب واللسان والجوارح‪.‬‬
‫هذه أربعة أمور يتركب منها اإليمان عند أهل السنة والجماعة‪:‬‬
‫‪ ‬قول القلب‪.‬‬
‫‪ ‬قول اللسان‪.‬‬
‫‪ ‬وعمل القلب‪.‬‬
‫‪ ‬وعمل اللسان والجوارح‪.‬‬

‫وأما (قول القلب)‪ :‬فهو تصديقه وإيقانه واعتقاده‪.‬‬


‫ُ‬ ‫َ َ َّ َ ْ ُ ْ َ ُ ُ ُ‬
‫يمان ِِف قلوبِك ْم} [الحجرات‪.]١٤ :‬‬ ‫اْل‬
‫قال اهلل تعالى‪{ :‬ولما يدخ ِل ِ‬

‫وأما (قول اللسان)‪ :‬فهو النطق بالشهادتين شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن محم ًدا رسول اهلل‪ ،‬واإلقرار بلوازمهما‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪{ :‬قُولُوا َ‬
‫آم َّنا} [البقرة‪.]٢١ :‬‬
‫وقال النبي ‪ " :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأن محم ًدا رسول اهلل" إلى آخر الحديث‪.‬‬

‫أما (عمل القلب)‪ :‬فهو النية واإلخالص والمحبة واالنقياد واإلقبال على الرب سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ُ ُ َ ْ‬ ‫َ َ َ ْ ُ َّ َ َ ْ ُ َ‬
‫ون َر َّب ُهم بال ْ َي َداة ِ َوالْ َ‬
‫يدون َوج َه ُه} [األنعام‪.]٥ :‬‬‫َش ي ِر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫قال اهلل سبحانه‪{ :‬وَّل تطردِ اَّلِين يدع‬
‫وقال النبي ‪" :‬إنما األعمال بالنيات"‪.‬‬

‫وأما (عمل اللسان والجوارح)‪ :‬فعمل اللسان ما ال يؤدى إال به‪ ،‬كتالوة القرآن وسائر األذكار‪.‬‬

‫وأما (عمل الجوارح)‪ :‬فهو ما ال يؤدى إال بها‪ ،‬كالقيام والركوع ونحو ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫َّ َ ْ ً َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ ْ ُ‬
‫قال اهلل تعالى‪{ :‬يا أيها اَّلِين آمنوا اذكروا اَّلل ذِكرا كثِيا} [األحزاب‪.]٤١ :‬‬
‫قال النبي ‪" :‬آمركم باإليمان باهلل وهل تدرون ما اإليمان باهلل؟ شهادة أن ال إله إال اهلل وإقام الصالة وإيتاء الزكاة وتعطوا من‬
‫المغنم الخمس"‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 62 -‬‬
‫النبي ‪ ‬في هذا الحديث فسر اإليمان باألعمال الصالة والزكاة وإعطاء الخمس‪.‬‬
‫قال رحمه اهلل‪( :‬وأن اإليمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية)‪.‬‬
‫أي‪ :‬كلما أطاع اإلنسان ربه؛ ازداد إيمانه وكلما عصاه نقص إيمانه‪.‬‬
‫يمانًا َّم َع إ َ‬
‫يمان ِ ِه ْم} [الفتح‪.]٤ :‬‬
‫ََْ ُ‬
‫ادوا إ َ‬ ‫قال اهلل تعالى‪{ :‬ل َِيد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال النبي ‪" :‬ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُب الرجل الحازم من إحداكن"‪.‬‬
‫← فهنا أثبت نقصان الدين‪.‬‬
‫وأجمع أهل السنة والجماعة على أن اإليمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية‪.‬‬
‫ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن العمل داخل في مسمى اإليمان وركن فيه ال يقوم إال به‪.‬‬
‫َ َ َ َ َّ ُ ُ َ َ َ ُ‬
‫يمانك ْم} [البقرة‪.]١٤٣ :‬‬ ‫ضيع إ ِ‬
‫قال اهلل تعالى‪{ :‬وما َكن اَّلل َِل ِ‬
‫فسمى الصالة هنا إيمانا‪.‬‬
‫ٰ‬ ‫←‬
‫وقال اإلمام الشافعي رحمه اهلل‪( :‬كان اإلجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم أن اإليمان قول‪ ،‬وعمل‪ ،‬ونية‪ ..‬ال‬
‫يجزئ واحد من الثالثة إال باآلخر)‪.‬‬
‫والمقصود بعمل الجوارح عند أهل السنة والجماعة‪ :‬جنس األعمال ال كل عمل وهي التي تدخل في ركن اإليمان‪.‬‬
‫أمرا أو أمرين‬ ‫ِ‬
‫أمرا ولم يجتنب نهيًا؛ فهذا لم يأت بركن العمل أما إذا امتثل ً‬
‫فلو تُصور أن رجال لم يعمل عمال البتة‪ ،‬يعني لم يمتثل ً‬
‫أو انتهى عن فعل أو فعلين مما يُدخل في اإليمان فقد أتى بهذا الركن‪.‬‬
‫المرجئة قالت‪ :‬إن اإليمان ال يزيد وال ينقص‪ .‬وقولهم هذا قول الباطل رد عليه العلماء‪.‬‬
‫والمرجئة على طوائف منهم‪:‬‬

‫مرجئة الفقهاء من الكوفيين والحنفية‪.‬‬


‫← هؤالء قالوا‪ :‬اإليمان قول باللسان‪ ،‬واعتقاد بالقلب‪ ،‬ولم يدخلوا فيه العمل‪.‬‬

‫ومنهم األشاعرة‪.‬‬
‫← قالوا‪ :‬اإليمان هو التصديق بالقلب ولو لم ينطق بلسانه‪ ،‬وعلى هذا فالكفار مؤمنون؛ ألنهم يقرون بقلوبهم‪.‬‬

‫وأيضا من المرجئة‪ :‬الكرامية‪.‬‬


‫ً‬
‫← وهؤالء قالوا‪ :‬اإليمان هو النطق باللسان فقط‪ ،‬ولو لم يعتقد بقلبه‪.‬‬
‫← وعلى هذا القول المنافقون مؤمنون؛ إلنهم ينطقون بألسنتهم‪.‬‬

‫الطائفة الرابعة من المرجئة هم‪ :‬الجهمية‪.‬‬


‫← وقالوا اإليمان‪ :‬هو المعرفة بالقول ولو لم يصدق‪.‬‬
‫← وعلى هذا القول ال يوجد على ظهر األرض كافر البتة؛ ألنه ال أحد ال يعرف ربه سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 63 -‬‬
‫ثم انتقل المصنف ‪ ‬إلى بيان مسألة أخرى هي‪ :‬مسألة حكم مرتكب الكبيرة‬
‫قال‪( :‬وهم مع ذلك ال يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر)‬
‫يعني مع إنكارهم أن اإليمان قول وعمل يزيد وينقص‪ ،‬ال يك ّفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر‪ ،‬وأهل القبلة هم‬
‫المسلمون‪.‬‬
‫كفرا‪.‬‬
‫كفرا‪ ،‬بخالف مطلق المعصية فال يكون ً‬
‫ولم يقل رحمه اهلل‪ :‬بالمعاصي والكبائر؛ ألن المعاصي والكبائر منها ما يكون ً‬
‫والفرق بين مطلق الشيء والشيء المطلق‪.‬‬
‫أن مطلق الشيء هو أصل الشيء يعني وجود أدنى درجاته‪.‬‬
‫وأما الشيء المطلق فهو الشيء الكامل يعني وجود كل درجاته أو وجود كماله‪.‬‬
‫والمراد أن أهل السنة ال يحكمون بالكفر على من يدعي اإلسالم ويعمل الطاعات الظاهرة بمطلق ارتكاب المعاصي التي هي دون‬
‫الشرك ودون استحالل المعاصي‪.‬‬

‫قال‪( :‬كما تفعله الخوارج)‬


‫الخوارج قالت‪ :‬إن مرتكب الكبيرة كافر في الدنيا مخلد في النار يوم القيامة‪.‬‬

‫قال‪( :‬فاألخوة اإليمانية ثابتة مع المعاصي)‪.‬‬


‫يعني العاصي هذا أخ للمؤمنين باإليمان‪.‬‬
‫َ ْ ٌ َ َ ٌ َْ ْ‬ ‫َ َ ْ ُ َُ ْ َ‬
‫وف} [البقرة‪.]١٧٨ :‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ر‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫اع‬‫ِب‬ ‫ات‬‫ف‬ ‫ء‬ ‫َش‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِي‬
‫خ‬ ‫كما قال سبحانه في آية القصاص‪{ :‬فمن ع ِ َ‬
‫َف َل مِن أ‬
‫ِ‬
‫أخا‪.‬‬
‫أخا؛ سمى القاتل ً‬
‫فسماه ً‬
‫َ ُْ ْ َ ْ ُ‬ ‫َ ََ‬
‫ِْي اقتَتَلوا} [الحجرات‪]٩ :‬‬ ‫ان مِن المؤ ِمن‬
‫وقال‪ِ{ :‬إَون طائِفت ِ‬
‫ْ‬ ‫ََ ْ‬
‫فوصف كل طائفة باإليمان مع االقتتال {فأصل ُِحوا بَينَ ُه َما} [الحجرات‪ ]٩ :‬إلى آخر اآلية‪.‬‬
‫قال‪( :‬وال يسلبون الفاسق ِ‬
‫الملّي)‬
‫نسبة إلى ِ‬
‫الملة‪ ،‬يعني الفاسق من أهل اإلسالم ال يسلبونه‪.‬‬

‫قال‪( :‬اسم اإليمان بالكلية‪ ،‬ال يخرجونه من اإليمان وال يخلدونه في النار كما تقوله المعتزلة)‪.‬‬
‫← المعتزلة والخوارج قالوا‪ :‬مرتكب الكبيرة خالد مخلد في النار‪.‬‬
‫واختلفوا في الدنيا‪.‬‬
‫فقالت الخوارج‪ :‬هو كافر‪.‬‬
‫كافرا‪.‬‬
‫وقالت المعتزلة‪ :‬هو في منزلة بين المنزلتين‪ ،‬يعني ليس مؤمنًا وال ً‬
‫قال‪( :‬بل الفاسق يدخل في اسم اإليمان)‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ََ ْ ُ َ‬
‫ير َرقبَ ٍة ُّمؤمِنَ ٍة} [النساء‪.]٩٢ :‬‬‫أي‪ :‬في أصل اإليمان‪ :‬مثل قوله تعالى‪{ :‬فتحرِ‬

‫﴿‪﴾- 64 -‬‬
‫المعتَق فاس ًقا؛ أجزأه ذلك بإجماع العلماء‪.‬‬
‫يعني من أعتق رقبة مؤمنة وكان ُ‬
‫وقد (ال يدخل) أي‪ :‬الفاسق الملي‪.‬‬
‫(في اسم اإليمان المطلق) أي‪ :‬اإليمان الكامل‪.‬‬
‫َّ َ ْ ُ ْ ُ َ َّ َ َ ُ َ َّ ُ َ َ ْ ُ ُ‬
‫ت قلوبُ ُه ْم} [األنفال‪.]٢ :‬‬ ‫جل‬
‫كما في قوله تعالى‪{ :‬إِنما المؤمِنون اَّلِين إِذا ذكِر اَّلل و ِ‬
‫وقول النبي ‪" :‬ال يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"‪ .‬أي‪ :‬اإليمان الكامل‪.‬‬
‫"وال يسرق حين يسرق وهو مؤمن" أي اإليمان الكامل‪.‬‬
‫قال‪( :‬وال يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن‪ ،‬وال ينتهب نهبة)‬
‫أي‪ :‬ال يختلس شيئا له قيمة عالية ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن‪.‬‬
‫(ويقولون‪ :‬هو مؤمن ناقص اإليمان)‪.‬‬
‫← يعني مذهب أهل السنة في مرتكب الكبيرة أنه (مؤمن ناقص اإليمان) أو (مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته)‪.‬‬
‫فال يعطى (االسم المطلق)‪.‬‬
‫(وال يسلب مطلق االسم)‪.‬‬
‫يعني ال يسمى بالمؤمن الكامل وال يُخرج عن اإليمان‪.‬‬

‫ثم انتقل إلى مسألة أخرى وهي‪ :‬مذهب أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول اهلل ‪‬‬
‫فقال‪( :‬ومن أصول أهل السنة والجماعة سالمة قلوبهم)‪.‬‬
‫أي‪ :‬من الغل والحقد والبغضاء‪.‬‬
‫(وألسنتهم ألصحاب محمد ‪.)‬‬
‫أهل السنة والجماعة قلوبهم سليمة‪ ،‬قلوبهم صافية‪ ،‬قلوبهم نقية من الغل والحقد والبغضاء ألصحاب رسول اهلل ‪.‬‬
‫لماذا؟ ألن أصحاب رسول اهلل ‪ ‬هم خير الناس‪.‬‬
‫كما قال النبي ‪" :‬خير أمتي قرني (أي‪ :‬أصحابي) ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"‪.‬‬
‫ْ‬
‫اءوا مِن َبع ِده ِْم} [الحشر‪.]١٠ :‬‬
‫ج ُ‬ ‫كما وصفهم اهلل به في قوله‪َ { :‬و َّاَّل َ‬
‫ِين َ‬

‫أي‪ :‬بعد الصحابة (التابعون)‪.‬‬


‫ُ ُ َ ًّ َّ َ َ ُ َ َّ َ َّ َ َ ُ ٌ‬ ‫َ َْ ْ‬ ‫َ ُ ُ َ َ َّ َ ْ ْ َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ َ ْ‬
‫وف َّرح ٌ‬
‫ِيم }‬ ‫ان َوَّل َت َعل ِِف قلوبِنا غَِل ل ِّلِين آمنوا ربنا إِنك رء‬ ‫اْل َ‬
‫{يقولون ربنا اغفِر َلا و ِ ِْلخوان ِنا اَّلِين سبقونا ب ِ ِ ِ‬
‫يم‬
‫فهم يدعون بالمغفرة لهم ولهؤالء الصحب الكرام‪.‬‬
‫ان} أي الصحابة‪.‬‬ ‫ِين َسبَ ُقونَا ب ْ َ‬
‫{ َّاَّل َ‬
‫اْليم ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ًّ‬ ‫ُُ‬ ‫َ َْ ْ‬
‫{ َوَّل َت َعل ِِف قلوبِنَا غَِل} أي حق ًدا‪.‬‬

‫آمنُوا} من السابقين‪.‬‬ ‫{ل َِّّل َ‬


‫ِين َ‬
‫َ َّ َ َّ َ َ ُ ٌ‬
‫وف َّرح ٌ‬
‫ِيم}‪.‬‬ ‫{ربنا إِنك رء‬

‫﴿‪﴾- 65 -‬‬
‫قال‪( :‬وطاعة النبي ‪.)‬‬
‫ومن أصول أهل السنة والجماعة‪ :‬طاعة النبي ‪ ‬في سالمة قلوبهم وألسنتهم ألصحابه ‪.‬‬
‫سليما نقيًا لجميع المسلمين؛ ألنه يعامل ربه سبحانه وتعالى ال يعامل الخلق‪.‬‬
‫وكذلك المؤمن ينبغي أن يكون قلبه ً‬
‫أنت حينما تعامل الناس عاملهم هلل حتى تثاب على هذه األعمال ال تعامل الناس حتى يكافئوك إنما ِ‬
‫عاملهم ألن اهلل عز وجل‬
‫أمرك باإلحسان إليهم‪.‬‬
‫قال في قوله‪" :‬ال تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ ُم ّد أحدهم وال نصيفه"‬
‫الم ّد‪ :‬الذي هو ملء كفي الرجل‪.‬‬
‫ُ‬
‫الم ّد‪.‬‬
‫والنصيف‪ :‬نصف ُ‬
‫لو أن أحدنا أنفق مثل جبل أحد ذهبًا‪ ،‬والصحابي أنفق نصف ُمد (ملء كفه فقط)؛ فإن الصحابي أجره أعظم عند اهلل سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫ليس األمر بكثرة العبادة وال كثرة العمل‪ ،‬وإنما األمر بما وقر في القلب من اإليمان والتسليم‪.‬‬
‫ثم قال‪( :‬ويقبلون على ما جاء به الكتاب أو السنة أو اإلجماع من فضائلهم ومراتبهم)‪.‬‬
‫يعني أن أهل السنة والجماعة يقولون إن الصحابة ليسوا على درجة واحدة منهم الفاضل ومنهم المفضول‪.‬‬
‫قال‪ ( :‬فيفضلون من أنفق من قبل الفتح وهو صلح الحديبية‪ ،‬وقاتل على من أنفق من بعده وقاتل‪ ،‬يعني الذي أنفق قبل الفتح‬
‫أعظم من الذي أنفق بعد الفتح)‬
‫ْ‬ ‫َ ْ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ٰ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ً َ َّ َ َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِين أنفقوا مِن َبع ُد‬‫وذلك لقول اهلل تعالى‪َّ{ :‬ل ي َ ْستَوِي مِنكم َّم ْن أنف َق مِن قب ِل الفتحِ وقاتل أولئِك أعظم درجة مِن اَّل‬

‫ن} [الحديد‪.]١٠ :‬‬ ‫اَّلل ْ ُ‬


‫اِل ْس َ ٰ‬
‫َ َ َ ُ َ ُ ًّ‬
‫ّلُك َو َع َد َّ ُ‬ ‫وقاتلوا و‬
‫لماذا النفقة كانت قبل الفتح أعظم أجرا؟‬
‫ألن الحال كان شديدا؛ لم يُسلم في هذا الوقت إال قوي اإليمان‪ ،‬بخالف األمر حينما ظهر وعز‪.‬‬
‫وهنا شيخ اإلسالم يفسر الفتح بفتح مكة‪ ،‬وهذا قول بعض العلماء‪.‬‬
‫ولكن أكثر المفسرين على أن الفتح هو فتح مكة‪.‬‬
‫شيخ اإلسالم استدل بقول البراء ‪ " :‬قال تعدون أنتم الفتح فتح مكة‪ ،‬وقد كان فتح مكة فتحا‪ ،‬ونحن نعد الفتح بيعة‬
‫الرضوان يوم الحديبية"‬
‫قال‪( :‬ويقدمون المهاجرين على األنصار)‬
‫يعني المهاجرين أفضل من األنصار‪.‬‬
‫عز وجل في القرآن‪.‬‬
‫لماذا؟ ألن المهاجرين جمعوا بين النصرة والهجرة‪ ،‬بخالف األنصار؛ لذلك قدمهم اهلل ّ‬
‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ ُ َ ْ َ َّ ُ َ َ ْ‬
‫َ‬
‫جرِين واْلنصارِ} [التوبة‪.]١٠٠ :‬‬
‫ومن ذلك قوله تعالى‪{ :‬والسابِقون اْلولون مِن المها ِ‬
‫قال‪( :‬ويؤمنون أن اهلل تعالى قال ألهل بدر‪ ،‬وكانوا ثالثمائة وبضعة عشر‪ :‬اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‪ ،‬وبِأنهُ ال يدخل النار‬
‫أح ٌد بايع تحت الشجرة)‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 66 -‬‬
‫كما أخبر به النبي ‪" ‬بل قد رضي عنهم ورضوا عنه‪ ،‬وكانوا أكثر من ٍ‬
‫ألف وأربعمائة"‪.‬‬
‫← هذه تسمى بيعة الرضوان‪.‬‬
‫َّ َ ْ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ ْ ُ َ ُ َ َ َ ْ َ َّ‬
‫الش َ‬
‫ج َرة ِ} [الفتح‪.]١٨ :‬‬ ‫قال اهلل تعالى‪{ :‬لقد ر ِِض اَّلل ع ِن المؤ ِمن ِْي إِذ يبايِعونك َتت‬
‫قال‪( :‬ويشهدون بالجنة لمن شهد له النبي ‪ ‬كالعشرة)‬
‫وهم أبو بكر ‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬طلح ة‪ ،‬والزبير‪ ،‬وعبد الرحمن‪ ،‬وسعد‪ ،‬وسعيد‪ ،‬وأبو عبيدة‪.‬‬
‫قال‪( :‬وكثابت بن قيس بن شماس)‪.‬‬
‫بشره النبي ‪ ‬بالجنة لما قال عنه‪" :‬بل هو من أهل الجنة"‪.‬‬
‫قال‪( :‬وغيره من الصحابة كع ّكاشة بن محصن وعبد اهلل بن سالم وغيرهما)‪.‬‬
‫قال‪( :‬ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ‬وغيره‪ ،‬من أن خير هذه األمة بعد نبيها ‪ ‬أبو بكر‬
‫ثم عمر ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي ‪ ‬كما دلت عليه اآلثار)‪.‬‬
‫وعلي بعد اتفاقهم‬
‫قال‪( :‬وكما أجمعت الصحابة على تقديم عثمان بالبيعة‪ ،‬مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان ّ‬
‫على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل)‪.‬‬
‫يعني أهل السنة والجماعة متفقون على أن األحق بالخالفة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي‪.‬‬
‫علي‪.‬‬
‫واتفقوا على أن أبا بكر أفضل األمة ثم عمر ثم اختلفوا أيهما أفضل عثمان أو ّ‬
‫← هذا كان في بادئ األمر‪.‬‬
‫علي‪.‬‬
‫ثم استقر اإلجماع على أن عثمان أفضل من ّ‬
‫قال‪( :‬فقدم قوم عثمان وسكتوا أو ربّعوا بعلي‪ ،‬وقدم قوم عليًا وقوم توقفوا)‪.‬‬
‫علي‪.‬‬
‫يعني لم يقدموا ولم يفاضلوا بينهما‪ ،‬لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم ّ‬
‫قال‪( :‬وإن كانت هذه المسألة ‪-‬مسألة عثمان وعلي‪ -‬ليست من األصول التي يُضلَل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة‪ ،‬لكن‬
‫المسألة التي يُضلَل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة‪ :‬مسألة الخالفة؛ ألن المسلمين مجمعون عليها)‪.‬‬
‫علي ‪ ،‬ومن طعن في خالفة أحد من‬
‫قال‪( :‬وذلك بأنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول اهلل ‪ ‬أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم ّ‬
‫هؤالء فهو أضل من حمار أهله)‬
‫ألنه خالف النص واإلجماع‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪( :‬ويحبون أهل بيت رسول اهلل ‪)‬‬
‫أهل البيت هم أقرباء النبي ‪ ‬الذين حرمت عليهم الصدقة وهم آل علي‪ ،‬وآل جعفر‪ ،‬وآل عقيل‪ ،‬وآل العباس‪ ،‬وبنو الحارث‬
‫بن عبد المطلب‪ ،‬ويدخل في ذلك أزواجه ‪.‬‬
‫قال (ويتولّونهم ويحفظون فيهم وصية رسول ‪ ‬حيث قال يوم غدير ُخم)‪.‬‬
‫غدير خم‪ :‬موقع بين مكة والمدينة‪.‬‬
‫يحفظون فيهم وصية رسول اهلل‪ :‬أي ينصرونهم ويحبونهم‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 67 -‬‬
‫والغدير هو‪ :‬مجمع السيل بالمياه‪.‬‬
‫والخم‪ :‬اسم رجل نسب إليه الغدير‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال‪" :‬أذكركم اهلل في أهل بيتي‪ ،‬أذكركم اهلل في أهل بيتي"‬
‫أي‪ :‬وقروهم وأكرموهم وقوموا بحقوقهم‪.‬‬
‫أيضا‪" :‬العباس عمي"‪.‬‬
‫وقال ً‬
‫وقد شكا إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم (يترفع عليهم)‪.‬‬
‫فقال‪ " :‬والذي نفسي بيده ال يؤمنون حتى يحبوكم هلل ولقرابتي"‬
‫أي‪ :‬تقربًا إلى اهلل سبحانه وتعالى؛ ألنه من أوليائه ولكونهم قرابة رسول اهلل ‪.‬‬
‫شا‪ ،‬واصطفى من قريش بني هاشم‪،‬‬
‫وقال‪ " :‬إن اهلل اصطفى إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة‪ ،‬واصطفى من كنانة قري ً‬
‫واصطفاني من بني هاشم"‪.‬‬
‫يعني النبي ‪ ‬خيار من خيار‪.‬‬
‫قال (ويتولون أزواج النبي ‪ ‬أمهات المؤمنين)‬
‫خصوصا خديجة أم أكثر أوالده‪ ،‬وأول من آمن به وعاضده على أمره‪،‬‬
‫ً‬ ‫أي‪ :‬بالمحبة والنصرة‪ ،‬ويقرون بأنهن أزواجه في اآلخرة‬
‫وكان لها منه المنزلة العالية؛ لذلك كان يكثر من الثناء عليها‪ ،‬والصديقة بنت الصديق هي عائشة ‪.‬‬
‫التي قال فيها ‪" :‬فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"‪.‬‬
‫قال (ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم‪ ،‬وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل)‬
‫يعني أهل السنة والجماعة يتبرؤون من طريقة الروافض والنواصب‪.‬‬
‫أي؛ ألن النواصب نصبوا العداء آلل البيت‬
‫والروافض ك ّفروا أصحاب النبي ‪.‬‬
‫قال (ويمسكون عما شجر بين الصحابة)‪.‬‬
‫يعني أهل السنة والجماعة ال يخوضون فيما حدث بين الصحابة‪ ،‬ال يُخطّئون أح ًدا بهوى‪.‬‬
‫وأجمع أهل العلم على وجوب السكوت عن الخوض في الفتن التي حدثت بين الصحابة بعد مقتل عثمان ‪.‬‬
‫قال‪( :‬ويقولون أن هذه اآلثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب‪ ،‬ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغُيّر عن وجهه‪ ،‬وعامة الصحيح‬
‫منه هم فيه معذورون‪ :‬إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون‪ ،‬وهم مع ذلك ال يعتقدون أن كل واحد من الصحابة‬
‫معصوم عن كبائر اإلثم وصغائره‪ ،‬بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة)‪.‬‬
‫أي‪ :‬ال أحد معصوم من الذنب كل إنسان يخطئ‪.‬‬
‫كما قال النبي ‪" :‬كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"‪.‬‬
‫قال (ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر)‪.‬‬
‫كما في قصة حاطب لما أرسل إلى قريش بمسير رسول اهلل ‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 68 -‬‬
‫قال النبي ‪" :‬أنه قد شهد بدرا‪ ،‬وما يدريك لعل اهلل أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال‪ :‬اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت‬
‫لكم"‪.‬‬
‫قال (حتى أنه يغفر لهم من السيئات ما ال يغفر لمن بعدهم؛ ألن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم)‪.‬‬
‫الم ّد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبًا ممن بعده»‬
‫وقد ثبت بقول رسول اهلل ‪« :‬إنهم خير القرون وأن ُ‬
‫(ثم إذا كان قد صدر عن أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه‪ ،‬أو غُفر له بفضل سابقته‪ ،‬أو بشفاعة محمد‬
‫‪ ‬الذين هم أحق الناس بشفاعته‪ ،‬أو ابتلي ببالء في الدنيا ُك ِّفر به عنه فهي من مكفرات الذنوب)‪.‬‬
‫الباليا‪ ،‬شفاعة النبي ‪ ،‬أو اإلكثار من الحسنات‪.‬‬
‫قال‪( :‬فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف باألمور التي كانوا فيها مجتهدين؟)‬
‫(إن أصابوا فلهم أجران وإن اخطؤوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور‪ ،‬ثم القدر الذي يُنكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في‬
‫جنب فضائل القوم ومحاسنهم من اإليمان باهلل ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح‪.‬‬
‫ومن نظر في سيرة القوم بعلم وعدل وبصيرة وما َم َّن اهلل به عليهم من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد األنبياء ال كان وال‬
‫يكون مثلهم‪ ،‬وأنهم هم الصفوة من قرون هذه األمة التي هي خير األمم وأكرمها على اهلل‪.‬‬
‫النبي ‪- ‬كما تقدم‪ -‬قال فيهم‪" :‬خير أمتي قرني"‪.‬‬
‫َْ َ َ ْ َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت ل َّ‬
‫ج ْ‬ ‫ُ ُ ْ َ ْ َ ُ َّ ُ ْ‬
‫خر َ‬
‫اس تأ ُم ُرون بِال َمع ُر ِ‬
‫وف َوتن َه ْون ع ِن ال ُمنك ِر} [آل عمران‪.]١١٠ :‬‬ ‫ِلن ِ‬ ‫قال اهلل عز وجل‪{ :‬كنتم خي أم ٍة أ ِ‬
‫أسئلة التكليف‬

‫األسئ لة‬
‫السؤال األول‪ :‬ما تعريف اإليمان عند أهل السنة كما ذكر شيخ اإلسالم رحمه اهلل؟‬
‫السؤال الثاني‪ :‬ما عقيدة أهل السنة والجماعة في أصحاب النبي ‪ ،‬كما جاء في العقيدة الواسطية؟‬
‫السؤال الثالث‪ :‬ما موقف أهل السنة والجماعة فيما شجر بين أصحاب النبي ‪‬؟‬

‫وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد‪.‬‬


‫ِّ‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 69 -‬‬
‫المحاضـرة الثاـنيــة عشــرة‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫مرحبا بكم أيها األفاضل وأيتها الفضليات في هذا اللقاء الطيب المتجدد وهذه هي المحاضرة "الثانية عشرة" من محاضرات‬
‫العقيدة الواسطية من كتاب [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية]‬
‫كنا وصلنا في اللقاء السابق عند كالم المصنف ‪ ‬عن [كرامات األولياء]‪.‬‬
‫قال عليه رحمة اهلل‪( :‬ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات األولياء)‬
‫ٍ‬
‫بشيء منها فقد رد النصوص‪.‬‬ ‫أي‪ :‬مما يجب اعتقاده كرامات األولياء وأنها حق‪ ،‬ومن ك ّذب‬
‫والكرامة‪ :‬هي ظهور أمر خارق للعادة من قبل شخص غير مدَّع للنبوة‪.‬‬
‫فإذا اقترنت بدعوى النبوة‪ ،‬فهي‪( :‬معجزة)‪.‬‬
‫وإذا لم تقترن باإليمان والعمل الصالح فهي‪( :‬شعوذة أو شعبذة)‪.‬‬
‫سميت كرامة؛ ألن اهلل سبحانه وتعالى يكرم بها أولياءه المتقين‪ ،‬وأولياء اهلل هم كل عبد مؤمن تقي‪.‬‬
‫َ َ َّ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ ٌ َ َ ْ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫قال تعالى‪{ :‬أَّل إِن أو َِلاء اَّلل ِ َّل خوف عليهِم وَّل هم ُيزنون} [يُونُ َ‬
‫س‪.]٦٢ :‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫من هم؟ { َاَّل َ‬
‫ِين َآمنُوا َوَكنوا َيتَقون} [يونس‪]٦٣ :‬‬
‫قال ‪( :‬وما يجري اهلل على أيديهم من خوارق العادات)‪.‬‬
‫أي‪ :‬على خالف العادة الكونية‪.‬‬
‫قال‪( :‬في أنواع العلوم والمكاشفات)‪.‬‬
‫المراد بالعلوم‪ :‬ما يحصل للمسلم من العلوم ما ال يحصل لغيره‪.‬‬
‫ومنه أن اهلل أعلم أبا بكر ‪ ‬أن في بطن زوجته أنثى‪ ،‬وذلك قبل والدتها‪.‬‬
‫والمكاشفات‪ :‬هي ما يظهر للمسلم من األشياء التي يكشف له عنها ما ال يحصل لغيره‪.‬‬
‫رجال يدعى (سارية) فبينما هو يخطب إذ جعل يصيح وهو على المنبر‪:‬‬ ‫وأمر عليهم ً‬
‫شا ّ‬ ‫← كما حدث لعمر ‪ ‬أنه بعث جي ً‬
‫"يا ساريةُ الجبل‪ ،‬يا ساريةُ الجبل"‪ .‬يعني‪ :‬اِلزم الجبل‪ ،‬فلما أتى الجيش قالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا وإن الصائح‬
‫فهزم ُه ُم اهلل‪.‬‬
‫ليصيح يا ساريةُ الجبل‪ ،‬يا ساريةُ الجبل فشددنا ظهورنا بالجبل َ‬
‫← هذا كشف لعمر ‪.‬‬

‫قال‪( :‬وأنواع القدرة والتأثيرات)‪.‬‬


‫والمراد بالقدرة‪ :‬أن ي ِ‬
‫قدر اهلل الولي على ما ال يقدر عليه غيره‪.‬‬‫ُ‬
‫← ومنها أن زكريا ‪ ‬كان كلما دخل على مريم وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء‪.‬‬
‫والتأثيرات‪ :‬هي أن يقدر اهلل الولي على التأثير في المكان الذي هو فيه‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 70 -‬‬
‫جالسا وسط الدار لم‬
‫← ومنه ما حدث للحسن البصري ‪ ‬دخل عليه بعض الشرطة داره‪ ،‬فبحثوا عنه فلم يجدوه مع أنه كان ً‬
‫يتحرك؛ فهذا تأثير في أبصار الناس لئال يروه‪.‬‬
‫قال ‪( :‬كالمأثور عن سالف األمم في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه األمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون األمة)‪.‬‬
‫كرامات كثيرة‪ ،‬منها قصة الثالثة الذين انطبق عليهم الغار‪.‬‬
‫قدم وال خف بعير وال حافر دابة وكان الجيش أربعة آالف‪.‬‬
‫كذلك العالء الحضرمي ‪ ‬مشى وجيشه على الماء فما ابتلت ٌ‬
‫قال‪( :‬وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة)‪.‬‬
‫متى وجد األولياء؛ كانت الكرامة‪.‬‬
‫والكرامة‪ :‬ال تدل على عصمة صاحبها‪ ،‬بل قد تصدر بعض الخوارق على الكفرة والسحرة‪ ،‬كما ثبت عن الدجال أنه يقول‬
‫للسماء‪ :‬أمطري؛ فتمطر‪ ،‬ويقول لألرض‪ :‬أنبتي؛ فتنبت‪.‬‬
‫واتفق أئمة الدين على أن الرجل لو طار في الهواء‪ ،‬ومشى على الماء لم يثبت له والية بل وال إسالم؛ حتى ينظر في اتباعه لألمر‬
‫والنهي الذي بعث اهلل به رسوله ‪.‬‬
‫ثم قال ‪( :‬ثم من طريق أهل السنة والجماعة)‬
‫هذا بيان لمنهج أهل السنة والجماعة في استنباط األحكام الدينية‪.‬‬
‫وظاهرا)‬
‫ً‬ ‫قال‪( :‬اتباع آثار رسول اهلل ‪ ‬باطنًا‬
‫يعني‪ :‬يتبعون السنة‪.‬‬
‫الباطن‪ :‬أعمال القلوب‪.‬‬
‫والظاهر‪ :‬أعمال الجوارح‪.‬‬
‫قال‪( :‬واتباع سبيل السابقين األولين من المهاجرين واألنصار‪ ،‬واتباع وصية رسول اهلل ‪.)‬‬
‫حيث قال‪" :‬عليكم بسنتي (الزموا طريقتي وهديي) وسنة الخلفاء الراشدين المهديين (الذين هداهم اهلل عز وجل إلى الحق) من‬
‫بعدي‪ ،‬تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ (هذا كناية عن شدة التمسك بسنة النبي ‪ ‬وسنة الخلفاء الراشدين) قال‪ :‬وإياكم‬
‫ومحدثات األمور فإن كل بدعة ضاللة"‪.‬‬
‫يعني احذروا البدع؛ ألنها من الضالالت‪.‬‬
‫والبدعة‪ :‬هي طريقة في الدين مخترعة تماثل الشرعية‪ ،‬يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد هلل سبحانه‪.‬‬
‫قال‪( :‬ويعلمون أن أصدق الكالم كالم اهلل وخير الهدي هدي محمد ‪.)‬‬
‫فيؤثرون كالم اهلل على غيره من كالم أصناف الناس‪ ،‬ويقدمون هدي محمد ‪ ‬على هدي كل أحد (بأن يقدمون سنة النبي ‪‬‬
‫‪-‬قوله وفعله‪ -‬على قول وفعل كل أحد)‪.‬‬
‫قال‪( :‬وبهذا سموا أهل الكتاب والسنة)؛ ألنهم يتمسكون بالقرآن والسنة‪.‬‬
‫وسموا أهل الجماعة؛ ألن الجماعة هي االجتماع وضدها الفرقة‪.‬‬
‫اسما لنفس القوم المجتمعين‪.‬‬
‫وإن كان لفظ الجماعة قد صار ً‬

‫﴿‪﴾- 71 -‬‬
‫يعني أهل السنة سموا بالجماعة (أهل السنة والجماعة)؛ ألجل أنهم يجتمعون على الحق‪.‬‬
‫قال‪( :‬واإلجماع هو األصل الثالث بعد القرآن والسنة)‪.‬‬
‫والمراد باإلجماع‪ :‬اتفاق علماء األمة على أم ٍر من األمور الدينية‪.‬‬
‫قال‪( :‬الذي يُعتمد عليه في العلم والدين‪ .‬وهم ي ِزنون بهذه األصول الثالثة‪ :‬القرآن والسنة واإلجماع)‪.‬‬
‫جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال ٍ‬
‫باطنة أو ظاهرة مما له تعل ٌق بالدين‪.‬‬
‫واإلجماع الذي ينضبط هو‪ :‬ما كان عليه السلف الصالح‪ ،‬إذ بعدهم كثر االختالف وانتشرت األمة‪.‬‬
‫أي‪ :‬بعد السلف الصالح صار اإلجماع ال ينضبط لكثرة االختالف‪.‬‬
‫(ثم هم مع هذه األصول (أي المتقدمة) يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ َ َ ُ ْ ُ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َُْ ُ َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ْ َ ْ َ ُ َّ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫لقول اهلل تعالى‪{ :‬كنتم خي أم ٍة أخرِجت ل ِلن ِ‬
‫وف وتنهون ع ِن المنكرِ وتؤمِنون بِاَّللِ} [اۡل ع َ‬
‫مرا َن‪:‬‬ ‫اس تأمرون بِالمعر ِ‬
‫‪.]١١٠‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ‬
‫وف َوتنْ َه ْون َع ِن ال ُمنكرِ} [اۡ ِل ِع ْم َرا َن‪.]١١٠ :‬‬ ‫ْ‬
‫أم ُرون بِال َمع ُر ِ‬ ‫خير أمة أخرجت للناس‪ ..‬لماذا يا رب؟ {ت‬
‫والمعروف هو كل خير‪ .‬والمنكر كل شر‪.‬‬
‫قال‪( :‬على ما توجبه الشريعة)‪.‬‬
‫أي‪ :‬باليد‪ ،‬فمن عجز فباللسان‪ ،‬فمن عجز فبالقلب‪.‬‬
‫منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف‬
‫وذلك لقول الرسول ‪" :‬من رأى منكم ً‬
‫اإليمان"‪.‬‬
‫قال‪( :‬ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع واألعياد مع األمراء أبر ًارا كانوا أو فجار)‪.‬‬
‫يعني أهل السنة والجماعة يعتقدون إقامة الحج والجهاد والجمع واألعياد مع والة المسلمين أو نوابهم سواء كانوا طائعين أو‬
‫عاصين؛ وذلك ألن الحج والجهاد فرضان يتعلقان بالسفر فال بد من سائس يسوس الناس فيهما ويقاوم العدو‪ .‬وهذا المعنى كما‬
‫يحصل باإلمام البَ ِّر‪ ،‬يحصل باإلمام الفاجر‪.‬‬
‫قال‪( :‬ويحافظون على الجماعات)‪ .‬أي الصلوات الخمس في جماعة‪.‬‬
‫قال‪( :‬ويدينون بالنصيحة لألمة) ينصحون الناس بما فيه منفعتهم‪.‬‬
‫قال النبي ‪" :‬الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة (ثالثا) فقيل‪ :‬لمن يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬هلل ولكتابه ولرسوله ‪‬‬
‫وألئمة المسلمين وعامتهم"‪.‬‬
‫النصيحة هلل تكون باإليمان به وعدم الشرك‪.‬‬
‫والنصيحة لكتابه تكون باإليمان بأنه من كالم اهلل‪ ،‬وتالوته والعمل بما فيه‪.‬‬
‫والنصيحة للرسول ‪ ‬تكون بتصديقه والعمل بسنته‪.‬‬
‫والنصيحة ألئمة المسلمين تكون بمعاونتهم على الحق وطاعتهم في غير معصية اهلل‪.‬‬
‫والنصيحة لعامة المسلمين تكون بإرشادهم إلى الحق وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 72 -‬‬
‫ثم قال‪( :‬ويعتقدون معنى قوله ‪" :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه ‪ ،"‬وقوله ‪" :‬مثل‬
‫المؤمنين في توادهم (أي‪ :‬محبتهم) وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى‬
‫والسهر")‪.‬‬
‫يعني المسلم يعين أخاه المسلم‪.‬‬
‫قال‪( :‬ويأمرون بالصبر على البالء)‪.‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫إذا وقعت المصيبة يجب على المسلم أن يصبر‪ ،‬وعليه أن ينصح من وقعت عليه مصيبة ً‬
‫قال‪( :‬والشكر عند الرخاء)‪.‬‬
‫عند النعم يشكر اهلل عز وجل‪ ،‬وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه‪.‬‬
‫الشكر يكون بامتثال األوامر واجتناب النواهي‪.‬‬
‫(والرضا بمر القضاء)‪ .‬أي على ما يكرهون‪.‬‬
‫خيرا‬ ‫ٍ‬
‫قال النبي ‪" :‬عجبًا ألمر المؤمن إن أمره كله خير‪ ،‬وليس ذاك ألحد إال للمؤمن‪ ،‬إن أصابته سراء (أي‪ :‬نعمة) شكر فكان ً‬
‫له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فقد كان خ ًيرا له"‪.‬‬
‫(ويدعون إلى مكارم األخالق ومحاسن األعمال‪ ،‬ويعتقدون معنى قول النبي ‪" :‬أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خل ًقا")‪.‬‬
‫يعني أكمل المؤمنين إيمانًا ألينهم وألطفهم وأجملهم في التعامل مع الناس‪.‬‬
‫قال‪( :‬ويندبون إلى أن تصل من قطعك)‪.‬‬
‫أي‪ :‬ويدعون إلى وصل األقارب‪.‬‬
‫(وتعطي من حرمك) أي‪ :‬من منعك تعطيه‪.‬‬
‫(وتعفو عمن ظلمك)‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ َّ َّ ُ َ ُ ُّ َّ‬
‫قال تعالى‪{ :‬فمن عفا وأصلح فأجره لَع اَّلل ِ إِنه َّل ُيِب الظال ِ ِمْي} [الشورى‪.]٤٠ :‬‬
‫اَّلل َغ ُف ٌ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫ِيم} [التَّ غَابُ ِن‪. ]١٤ :‬‬ ‫حوا َو َت ْيفِ ُروا فَإ َّن َّ َ‬
‫قال تعالى‪ِ{ :‬إَون َت ْع ُفوا َوتَ ْص َف ُ‬
‫ِ‬
‫قال‪( :‬ويأمرون ببر الوالدين)‪.‬‬
‫أي‪ :‬طاعة الوالدين في غير معصية اهلل‪ .‬أمر اهلل عز وجل ببر الوالدين في مواطن كثيرة من كتابه‪.‬‬
‫(وصلة األرحام)‪ .‬تكون باإلحسان إليهم ونصحهم والنفقة عليهم لمن استطاع‪.‬‬
‫قال‪( :‬وحسن الجوار) باإلحسان إلى الجار‪.‬‬
‫قد قال النبي ‪" :‬ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"‪.‬‬
‫لعظيم قدره ومكانته‪.‬‬
‫قال‪( :‬واإلحسان إلى اليتامى) اليتيم‪ :‬من مات أبوه دون البلوغ‪.‬‬
‫قال‪( :‬والمساكين وابن السبيل‪ ،‬والرفق بالمملوك‪ ،‬وينهون عن الفخر والخيالء والبغي واالستطالة على الخلق)‪.‬‬
‫المساكين‪ :‬هم المحتاجون‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 73 -‬‬
‫وابن السبيل‪ :‬هو المسافر الذي انقطعت نفقته‪.‬‬
‫والرفق بالمملوك‪ :‬أي‪ :‬العفو‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حسب ونسب‪.‬‬ ‫وينهون عن الفخر‪ :‬أي‪ :‬المباهاة بالمكارم والمناقب من‬
‫الخيالء‪ :‬الكبر واإلعجاب بالنفس‬
‫والبغي‪ :‬أي‪ :‬العدوان على الناس‪.‬‬
‫واالستطالة على الخلق‪ :‬أي‪ :‬بالترفع عليهم واحتقارهم بحق أو بغير حق؛ ألن المستطيل إذا استطال بحق فقد (افتخر) وإن كان‬
‫بغير حق فقد (ظلم)‪.‬‬
‫قال‪( :‬ويأمرون بمعالي األخالق وينهون عن سفسافها)‪.‬‬
‫أي‪ :‬رديئها كالكذب والخيانة ونحو ذلك‪.‬‬
‫قال‪( :‬وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا أو غيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة‪ ،‬وطريقتهم هي دين اإلسالم الذي بعث اهلل به‬
‫محم ًدا ‪.)‬‬
‫لكن لما أخبر ‪ ‬أن أمته ستفترق على ثالث وسبعين فرقة كلها في النار إال واحدة‪ ..‬وهي السنة والجماعة‪.‬‬
‫َص َحابِي"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫"ه ْم َم ْن َكا َن َعلَى مثْ ِل َما أَنَا َعلَْيه اليوم َوأ ْ‬
‫وفي حديث عنه أنه قال‪ُ :‬‬
‫صار المتمسكون باإلسالم المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫(وفيهم أهل السنة والصديقون والشهداء والصالحون‪ ،‬وفيهم أعالم الهدى ومصابيح الدجى أولو المناقب المأثورة والفضائل‬
‫المذكورة‪ ،‬وفيهم األبدال)‪.‬‬
‫جمع الصديق‪ .‬والصديق هو‪ :‬المبالغ في الصدق‪.‬‬
‫أعالم الهدى أي‪ :‬العلماء الربانيون‪.‬‬
‫ُّجى)‪ :‬الذين يضيئون للناس دروبهم‪.‬‬
‫(ومصابيح الد َ‬
‫(أُولُو المناقب المأثورة) أي‪ :‬المراتب العالية‪.‬‬
‫(وفيهم األبدال) أي‪ :‬األولياء وسموا بذلك؛ ألنهم كلما مات أحد أُبدل بآخر‪.‬‬
‫(ومنهم أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي ‪" :‬ال تزال‬
‫طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ال يضرهم من خالفهم وال من خذلهم حتى تقوم الساعة")‬
‫أي‪ :‬إلى قرب قيام الساعة‪.‬‬
‫«نسأل اهلل العظيم أن يجعلنا منهم وأال يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ويهب لنا من لدنه ورحمةً إنه هو الوهاب»‪.‬‬
‫(والحمد هلل وحده وصلى على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم)‪.‬‬
‫بهذا ختم شيخ اإلسالم ‪ ‬كتابه العقيدة الواسطية‪.‬‬
‫أسئلة التكليف‪:‬‬

‫﴿‪﴾- 74 -‬‬
‫األسئ لة‬
‫السؤال األول‪ :‬ما عقيدة أهل السنة والجماعة في الكرامات؟‬
‫إجماال‪.‬‬
‫ً‬ ‫السؤال الثاني‪ :‬ختم المصنف ‪ ‬كتابه بعدة أمور‪ ،‬اذكرها‬

‫وبهذا نكون انتهينا بفضل اهلل تعالى من شرح كتاب [العقيدة الواسطية] لشيخ اإلسالم ابن تيمية ‪.‬‬
‫خالصا لوجهه الكريم وسائر أعمالنا‪ ،‬كما أسأله سبحانه وتعالى أن يثبت‬
‫ً‬ ‫أسأل اهلل الكريم رب العرش العظيم أن يجعل هذا العمل‬
‫قلبي وقلوبكم على دينه‪.‬‬
‫اللهم يا عالم الغيوب يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك‪.‬‬
‫يا رب أمتنا على اإليمان واحشرنا في زمرة الصديقين والنبيين والشهداء والصالحين‪.‬‬
‫ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب‪ ،‬نعوذ بك من علم ال ينفع ومن نفس ال تشبع ومن‬
‫قلب ال يخشع‪ ،‬اللهم تب علينا لنتوب‪ ،‬اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها‪.‬‬
‫وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد‪ ،‬والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪.‬‬
‫هذا ِّ‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫﴿‪﴾- 75 -‬‬

You might also like