Professional Documents
Culture Documents
محاضرات العقيـدة الفرقة الثالثة 2
محاضرات العقيـدة الفرقة الثالثة 2
وسالما على إمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ً بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصال ًة
مرحبًا بكم أيها األفاضل وأيّتها الفضليات في هذا اللقاء الطيب المتجدد ،وهذه هي المحاضرة "األولى" من محاضرات العقيدة
من كتاب [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية] ،وقبل أن نشرع في شرح كتاب [العقيدة الواسطية] أود أن أُقدِّم بمقدمتين:
لمصنِّف كتاب [العقيدة الواسطية] شيخ اإلسالم ابن تيمية .
إحداهما :ترجمة موجزة ُ
المقدمة الثانية :مقدمات عامة.
مذهبه:أما مذهبه الفقهي ،فقد نشأ حنبلي المذهب ،ثم صار مجته ًدا ال يتقيّد بمذهب معين؛ وإنما يتبع الدليل.
مدافعا
ً عقيدته :وأما عقيدته ،فهي عقيدة سلف األمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ،وقد جاهد المبتدعة في زمانه بلسانه
عن هذه العقيدة ،ولما سأله سائل عن عقيدته أجاب بالمنظومة الالمية المشهورة.
مؤلفاته:
"جمعت مصنفات شيخ اإلسالم تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية ،فوجدتها ألف
ُ أما عن مؤلفاته فيقول الذهبي :
أيضا مصنفات أُخر".
أيت له ً
مصنف ،ثم ر ُ
﴿﴾- 1 -
ومن مصنفاته:
[االستقامة]. [درء تعارض العقل والنقل].
[الفرقان بين أولياء اهلل وأولياء الشيطان]. [التدمرية]. [مجموع الفتاوى].
عبادته :أما عن عبادته ،فكان يقطع ُج َّل وقته في العبادة ،حتى إنه لم يجعل لنفسه شاغلة تشغله عن اهلل سبحانه وتعالى.
علي ،فأستغفر اهلل تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى
يقول :إنه ليقف خاطري في المسألة والشيء أو الحالة التي تَش ُكل َّ
ينشرح الصدر وينحل إشكال ما أُشكل ،وأكون إذ ذاك في السوق أو المسجد أو الدرب أو المدرسة ال يمنعني ذلك من الذكر
واالستغفار إلى أن أنال مطلوبي.
يقول ابن القيم :حضرت شيخ اإلسالم ابن تيمية مرةً صلى الفجر ،ثم جلس يذكر اهلل تعالى إلى قريب من انتصاف
دوتي ،ولو لم أتغ َد الغداء سقطت قوتي.
إلي وقال :هذه غَ َ
التفت َّ
َ النهار ،ثم
ثناء العلماء عليه :أثنى على شيخ اإلسالم كثير من العلماء.
يقول عنه ابن سيد الناس :ألفيته ِم َّمن أدرك من العلوم حظا ،وكاد يستوعب السنن واآلثار حفظا ،إن تكلم في التفسير فهو
حامل رايته ،أو أفتى في الفقه فهو مدرك غايته ،أو ذاكر بالحديث فهو صاحب علمه وذو روايته ،أو حاضر بالنِّحل (أي :العقائد
والملل) لم يُر أوسع من نحلته في ذلك وال أرفع من درايته ،برز في كل ف ٍن على أبناء جنسه ،ولم َتر عين من رآه مثله ،وال ر ْ
أت
عينه مثل نفسه.
منتصب
ٌ ويقول ابن رجب الحنبلي :كانت العلماء والصلحاء والجند واألمراء والتجار وسائر العامة تحب ابن تيمية ،ألنه
ونهارا بلسانه وعلمه.
ليال ًلنفعهم ً
وهذا فيه مصداق قول رسول اهلل " :ازهد فيما عند الناس يحبك الناس".
إذا أردت أن يحبك الناس فازهد فيما عندهم ،ال تطلب شيئًا منهم.
يقول عنه الذهبي :شيخنا اإلمام شيخ اإلسالم فرد الزمان ،بحر العلوم ،تقي الدين ،قرأ القرآن والفقه وناظر واستدل وهو
ودرس وله نحو العشرين ،وصنف التصانيف وصار من أكابر العلماء في
دون البلوغ (قبل أن يبلغ) ،برع في العلم والتفسير وأفتى َّ
حياة شيوخه.
رجال كل العلوم بين عينيه؛ يأخذ ما يريد ويدع ما يريد.
أيت ً
اجتمعت بابن تيمية ر ُ
ُ ويقول عنه ابن دقيق العيد :لما
وذامه
العمري :كان ابن تيمية ال تأخذه في الحق لومة الئم وليس عنده مداهنة ،وكان مادحه ُّ
وقال عنه القاضي ابن فضل اهلل ُ
في الحق عنده سواء.
تواضعه :أما عن تواضعه ،فأنا أقرأ عليكم ما قاله عنه تلميذه البزار؛ حتى نقتدي بهذا اإلمام العظيم شيخ اإلسالم.
بأحد من أهل عصره مثله في ذلك ،كان يتواضع للكبير والصغير ،والجليل والحقير، سمعت ٍُ أيت وال
يقول البزار :ما ر ُ
المستحلى زياد ًة على مثله من األغنياء ،حتى
والغني الصالح والفقير ،وكان يدني الفقير الصالح ويكرمه ويؤنسه ،ويباسطه بحديثه ُ
جبرا لقلبه وتقربًا بذلك إلى ربه ،وكان ال يسأم ممن يستفتيه أو يسأله ،بل يُقبل عليه
أنه ربما خدمه بنفسه وأعانه بحمل حاجته ً
حاضرا أو عالما أو عاميًّا، ٍ
ً حرا أو عب ًداً ،
رجال أو امرأةًّ ،
صغيراً ،
كبيرا كان أو ً
ببشاشة وجه ويقف معه حتى يكون هو الذي يفارقه ً
﴿﴾- 2 -
عرفه الخطأ من الصواب بلطف وانبساط ،وكان ال يذكرني باسمي بل
فهمه ويُ ِّ باديًا ،وال يُحرجه وال ِّ
ينفره بكالم يوحشه ،بل يُجيبه ويُ ِّ
وأظهر لي من ُحسن األخالق والمبالغة في التواضع بحيث إنه كان إذا خرجنا من منزله بقصد القراءةَ يلقبني بأحسن األلقاب،
يحمل هو بنفسه النسخة ،وال يدع أح ًدا منَّا يحملها عنه ،وكنت أعتذر إليه من ذلك خوفًا من سوء األدب ،فيقول :لو حملته على
رأسي لكان ينبغي؛ َأال أحمل ما فيه كالم رسول اهلل ؟!
شيخ اإلسالم ظل عمره كله ينتقل من محنة إلى أخرى وقد حبس في آخر حياته وما زال في محبسه حتى مات.
مشهودا ضاقت ِ
بجنازته الطريق ،وانتابها المسلمون من يوما ٍ ِ
ً تُوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بقلعة دمشق ،كان يوم وفاته ً
فج عميق رحمةُ اهلل على شيخ اإلسالم .
كل ٍّ
أما المقدمة الثانية :فهي مقدمات عامة ،ينبغي لدارس العقيدة أن يتعلمها؛ ال يستغني عنها طالب علم:
المقدمة الثالثة[ :ما الفائدة والثمرة التي تعود علينا إذا تعلمنا علم العقيدة؟]
في الحقيقة علم العقيدة له تأثير عظيم على القلوب؛ اإلنسان إذا حقق اإليمان بربه سبحانه وتعالى ،فسوف ينصلح حاله ،ومن ثم
تنصلح المجتمعات بأسرها.
إذا حققت اإليمان بأن اهلل يسمع ،بأن اهلل يرى وسيحاسبك؛ فلن تتخلف عن شيء أمر اهلل به ،ولن تتجرأ على شيء نهى اهلل عز
وجل عنه.
توقن أن ربك يسمعك؛ فال تتلفظ بكلمة ال ترضي اهلل سبحانه وتعالى ألنك تعلم أن الذي يسمعك سيحاسبك.
ِيب َعت ِ ٌ
َليْهِ َرق ٌ َّ َ َ ْ ُ
{ َّما يَلفِظ مِن ق ْول إَّل َ
يد} [ق.]١٨ : ٍ ِ
رقيب :يرقب قوله.
همة وهي كتابة األعمال واألقوال. عتيد :يُحصي أفعاله وأقواله حتى يُحاسب عليها ،عتيد ُم َع ٌّد لهذه َ
الم ّ
﴿﴾- 3 -
مثال هذه تجعل الموظف ينضبط بقوانين
الناس اليوم ينضبطون بقوانين البشر؛ ألجل وجود الرقيب عليهم ،وجود كاميرات مراقبة ً
الشركة ،أو قوانين المؤسسة أو القوانين العامة؛ لذلك تجده ال ي ِ
حدث مخالفة ،ربك أولى بهذه المراقبة من هؤالء البشر.ُ
المؤمن عنده عقيدة وإيمان يمنعه من فعل المعاصي ،يمنعه من أذية الناس ،يمنعه من الظلم ،من الكذب ،من ِ
الغيبة ،من النميمة،
من القتل ،من الفواحش؛ وهذا أعظم من مراقبة البشر.
ثمة رقيب فإنهم ال يلتزمون بشيء،
البشر الذين يراقبون القوانين ويلتزمون بها؛ خوفًا من المعاقبة في الدنيا إذا كانوا في مكان ما َّ
أما المؤمن فيعلم أنه مهما كان في مكان فإن عليه رقيب ،هذا الرقيب يحاسبه ،هذا الرقيب يراه ،هذا الرقيب يسمعه؛ فتجده
يلتزم في كل مكان ،وكل زمان بحدود اهلل سبحانه وتعالى.
والناس إذا التزموا بحدود اهلل سبحانه وتعالى انصلحت أحوالهم كافة ،فال حاجة إلى قوانين البشر حينئذ.
المدبر لهذا
إذا حققت اإليمان بربك أيها الكريم ،فسوف تسعد في حياتك؛ ينشرح صدرك إذا أيقنت أن اهلل سبحانه وتعالى هو ُ
لت عليك مصيبة فسوف ترضى وتسلم وال نفع له ،وإذا نز ْ ِ ٍ
الكون؛ فلن تخاف من أحد أن يُنقص عمرك ،أو رزقك أو شيئًا مما فيه ٌ
تتسخط؛ ألنك تعلم أنها من اهلل وأن اهلل قدرها عليك ،ولو اجتمع الناس كلهم على أن يمنعوا هذه المصيبة عنك لما استطاعوا؛
ألن اهلل قدرها عليك.
النفع كله بيد اهلل ،والضُّر كله بيد اهلل إذا أراد اهلل عز وجل إنسانًا بنفع؛ فلن يستطيع أح ٌد أن يدفعه ،وإذا أراد اهلل عز وجل إنسانًا
بضر؛ فلن يستطيع أحد أن يدفعه؛ هذه عقيدة من حققها سعد في دنياه ،ومن ثَم يسعد في أخراه ،إذا تعلمت العقيدة الصحيحة
فال بد أن تجتنب العقيدة الفاسدة.
الناس لماذا يبتدعون؟ ألجل أنهم لم يتعلموا العقيدة الصحيحة؛ لذلك تجد المجتمعات التي غاب عنها العلم الشرعي كثيرة البدع
والخرافات واألساطير ،بخالف المجتمعات التي يسود فيها العلم؛ َمن تعلم وحقق العقيدة الصحيحة ،فسوف يسعد في دنياه
وفي آخرته ،قلبه سيكون ُمعل ًقا بربه سبحانه وتعالى.
ضر أو كراهة؟
اإلنسان لماذا يحزن إذا أصيب بشيء فيه ُ
ألجل أنه علَّق قلبه بغير اهلل ،لو علَّق قلبه باهلل وحده سبحانه وتعالى؛ فسوف يسعد بكل قضاء قضاه اهلل عز وجل عليه؛ ألنه يعلم
أن اهلل عز وجل هو المعطي المانع ،النافع الضار سبحانه وتعالى؛ لذلك تجد أكثر الناس سعادة هم الذين حققوا اإليمان.
ْ َ َ َ ُ َ َ
نَث َو ُه َو ُمؤم ٌِن} [النحل ،]٩٧ :اشترط اإليمان هنا ،عمل وإيمان. قال ربكَ { :م ْن َع ِمل َص ِ ً
اِلا مِن ذكر أ ْو أ ٰ
ٍ
ً ََ
حيِيَ َّن ُه َحيَاةً َطيِبَة} [النحل.]٩٧ :
ما جزاؤه يا رب في الدنيا؟ {فلنُ ْ
حياة سعيدة .حتى وإن أصيب بمكروه تجده سعي ًدا؟ نعم؛ ألنه يعلم أنه من اهلل ،من ربه الرحيم الرحمن سبحانه وتعالى.
ومن يحب؟
حتى وإن فقد ما يحب َ
رضي وسلم بالمصيبة؛ فإن ربه سبحانه
نعم؛ ألنه يعلم أن ربه ال يعطي إال لحكمة وال يمنع إال لحكمة يكفيه في ذلك فقط أنه إذا َ
رضي بقضاء اهلل سبحانه وتعالى.
وتعالى يغفر ذنبه ،ويرفع درجته في الجنة ،وأن اهلل يرضى عنه إذا َ
المؤمن يصاب بالباليا وبالمصائب واألمراض ،وتجده في هذه األحوال راضيًا بقضاء اهلل ،لسانه يقول :الحمد هلل قضاء اهلل خير،
قدر اهلل خير.
﴿﴾- 4 -
أما غيره فتجده شاكيًا متسخطًا ،ولسانه يقول :لو حدث كذا ما كان كذا ،ولو فعلت كذا لكان كذا؛ هذا كله نقص في التوحيد.
المؤمن يعلم أن ما يُصاب به من الباليا؛ إنما هو بقضاء اهلل وقدره ،والباليا كثيرة تختلف باختالف األحوال ،من الناس َمن يُبتلى
في المال ،ومنهم من يُبتلى في الصحة ،ومنهم َمن يبتلى في الولد ،منهم َمن يُبتلى في الزوجة ،منهم َمن يُبتلى في الزوج ،منهم َمن
يُبتلى بالهموم والغموم إلى آخره ،ومع هذا كله يصبر على قضاء اهلل
ً ََ ْ َ َ َ ُ َ َ
حيِيَ َّن ُه َحيَاةً َطيِبَة} هذا في الدنيا.
نَث َو ُه َو ُمؤم ٌِن فلنُ ْ { َم ْن َع ِمل َص ِ ً
اِلا مِن ذكر أ ْو أ ٰ
ٍ
وفي اآلخرة:
ُ َ َ ُ َ
ج َر ُهم بأ ْ َ َ
ح َس ِن َما َكنوا َي ْع َملون} [النحل.]٩٧ : ِ
جزيَ َّن ُه ْم أ ْ
َ َ ْ
{وَل ِ
له األجر العظيم في اآلخرة.
حققت اإليمان بربك ،فإن اهلل عز وجل وعدك بسعادة في الدنيا وسعادةٍ أخرى في اآلخرة.
َ فهنيئًا لك أيها المؤمن يا َمن
﴿﴾- 5 -
العقيدة تنزيل من الرب سبحانه وتعالى ،استنبط تقسيمات العقيدة األئمة الكبار كاألئمة األربعة ،وشيخ اإلسالم ابن تيمية..
وغيرهم
المقدمة السابعة[ :أسماء العقيدة]
المسمى.
العقيدة لها أسماء كثيرة ،وهذا يدل على شرفها؛ فكثرة األسماء تدل على شرف ُ
ومن ذلك :السنة ،والتوحيد ،واإليمان ،واالعتقاد ،والشريعة ،وأصول االعتقاد ،وأصول الدين ،والفقه األكبر.
وبعض األسماء المذمومة التي يطلقها المبتدعة على العقيدة منها :علم الكالم ،والفلسفة ،هذه مصطلحات مذمومة؛ ألنها تقتضي
تقديم العقل على النقل ،يعني ما أقره العقل نقر به ،وما لم يقره العقل ال نقره هذا فاسد؛ ألن العقول تتفاوت ،ما يقر هذا العقل
قد ينكره العقل اآلخر إلى آخره.
المقدمة الثامنة[ :من أين تستمد العقيدة أدلتها؟]
أدلة العقيدة أدلة شرعية من الكتاب والسنة ال مجال للعقل في إثبات شيء من العقيدة ،يعني ال يجوز أن تثبت شيئًا من األمور
الغيبية إال ٍ
بنص من القرآن أو السنة النبوية الصحيحة.
ْ ََ َُْ َ َْ َ َ َ
ك بِهِ عِل ٌم} [ا ِإل ْس َر ِاء .]٣٦ قد قال ربك{ :وَّل تقف ما ليس ل
ال تتبع ما ليس لك به علم ،يعني :ال تتبع ما تجهله .لماذا؟
ْ
{ َواْلَ َ َ َّ
ص} :كل شيء تراه الس ْم َع} :كل شيء تسمعه
{إن َّ
ِ
ً َ َ ُ ُّ ُ َ ُْ
ك َكن َعنْ ُه َم ْسئُوَّل} [اإلسراء]٣٦ :
ٰ َ
{ك أولئ ِ { َوالف َؤ َاد} :كل شيء تعتقده
ستُسأل يوم القيامة عن مسموعاتك ومبصراتك ومعتقداتك؛ لذلك إياك إياك أن تسمع ما ال يُرضي اهلل ،وأن تنظر إلى شيء ال
يُرضي اهلل ،وأن تعتقد شيئًا ال يُرضي اهلل سبحانه وتعالى.
لماذا أرسل اهلل عز وجل الرسل واألنبياء؟
ألن العقول ال يمكنها أن تدرك األمور الغيبيّة؛ لذلك أرسل الرسل؛ حتى يُبِّينوا للناس ما يجب عليهم أن يعتقدوه.
﴿﴾- 6 -
العقيدة وهو قاعد بعد العصر ؛ لذلك نسبت هذه العقيدة إلى «واسط» وهي بلدة بناها الحجاج بن يوسف الثقفي؛ فسميت
العقيدة الواسطية.
مميزاتها :هذه العقيدة تميزت ب :
سهولة األسلوب ،ووضوح العبارة.
صحة االستدالل.
اإلكثار من األدلة القرآنية والنبوية.
ذكر بعض حجج المبتدعة والرد عليهم.
أهم الموضوعات التي اشتملت عليها :اشتملت هذه العقيدة على عدة موضوعات منها:
-أركان اإليمان الستة .وأكثر شيخ اإلسالم من ذكر األسماء والصفات؛ لشدة الحاجة إليها من كثرة المخالفين فيها.
-األحكام المتعلقة باإلمامة العظمى.
-منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الناس.
-معتقد أهل السنة والجماعة في الصحابة وآل البيت
-واشتملت على عدة موضوعات أخرى ،سيأتي ذكرها إن شاء اهلل تعالى عند شرح الكتاب.
أكتفي بهذا القدر ونأخذ أسئلة التكليف:
األسئ لة
-السؤال األول :اكتب نبذة مختصرة عن شيخ اإلسالم .
-السؤال الثاني :تكلم بشيء من التفصيل عن المقدمات العامة لعلم العقيدة.
-السؤال الثالث :ما سبب تأليف العقيدة الواسطية ،ولماذا سميت بهذا االسم ،وما هي
أهم ما تتميز به ،وأهم الموضوعات التي اشتملت عليها؟
﴿﴾- 7 -
المحاضـرة الثاـنيـة
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها األفاضل وأيتها الفضليات في هذا اللقاء الطيب المتجدد ،وهذه هي المحاضرة الثانية من محاضرات العقيدة
الواسطية من كتاب الجامع لمسائل العقيدة الواسطية.
ونبدأ إن شاء اهلل تعالى من أول الكتاب.
قال " :الحمد الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى باهلل شهي ًدا ،وأشهد أن ال إله اهلل وحده ال
تسليما مزي ًدا".
ً شريك له إقر ًارا به وتوحي ًدا ،وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم
قوله [الحمد هلل] :أي الثناء ثابت هلل سبحانه وتعالى ،فال يستحق الثناء كله إال اهلل سبحانه وتعالى.
وإجالال؛ سواء كان على نعمة أو ال.
ً وتبجيال
ً تعظيما
ً والحمد :عرفه جماعة من العلماء بأنه الثناء باللسان على الجميل االختياري
ومن هذا التعريف يتضح الفرق بين المدح والحمد:
فالمدح :ثناء على الجميل مطل ًقا ،تقول :حمدت زي ًدا على علمه وكرمه.
وال تقول :حمدته على حسنه ،بل تقول مدحته على حسنه ،ألن العلم والكرم باختيار زيد بخالف الحسن فليس باختياره.
وذكر العلماء فرقًا آخر بين الحمد والمدح وهو أن:
الحمد :ال بد أن يكون دافعه الحب والتعظيم.
أما المدح :فال يُ ْشتَرط فيه الحب والعظيم؛ فاإلنسان قد يمدح إنسانًا ال يحبه وال يعظمه ،بخالف الحمد ،فال يحمد إال من
يحب ويعظم.
ويحمد اهلل سبحانه وتعالى على تفرده بالربوبية ،واأللوهية ،واألسماء والصفات ،ويُحمد على قضائه وقدره سبحانه وتعالى.
قال [الذي أرسل رسوله] :أي محم ًدا .
والرسول :من بعثه عز وجل بشرع جديد يدعو الناس إليه.
بخالف النبي :فالنبي أرسله اهلل عز وجل لتجديد شرع من قبله.
وقوله [بالهدى] :أي بالقرآن والسنة.
ْ ْ َ َ َ َّ
كما قال تعالىُ { :ه َو اَّلِي أ ْر َسل َر ُس ُ
وَل بِال ُه َد ٰ
ى َودِين َ
اِل ِق} [التوبة.]٣٣ : ِ
وقوله [ودين الحق] :أي باألعمال الصالحة النافعة في الدنيا واآلخرة.
وقوله [ليظهره على الدين كله] :أي ليُ ْعلِيَه وينصره على جميع الملل واألديان.
ْ ْ ُ َ َ َ ُ ََ ْ ْ ْ َ َ َ َّ
ْشكون} [التوبة.]٣٣ : َ ْ َ ُ َ ُ َُ َْ َُ ُ ُ َ ٰ َ َُ
ِين كِهِ ولو كرِه الم ِ
ِين اِل ِق َِلظ ِهره لَع اَل ِ
قال اهلل تعالى {هو اَّلِي أرسل رسوَل بِالهدى ود ِ
واختلف المفسرون في [الهاء] في قوله [ليظهره]:
بعضهم قال :هي عائدة إلى الرسول.
وبعضهم قال :هي عائدة إلى الدين.
﴿﴾- 8 -
نبي صادق صالح فيما تُخبر.
وقوله [وكفى باهلل شهيدا] :أي شاه ًدا على أنك ٌّ
قوله [أشهد] :الشهادة معناها العلم ،واالعتقاد ،واإلقرار بالقلب واللسان.
[أشهد أن ال إله إال اهلل] :يعني أُقر وأعتقد أنه ال معبود بحق سوى اهلل تعالى
قوله [وحده ال شريك له] :تأكي ٌد ل [ ال إله إال اهلل] ،اهلل عز وجل ليس له شريك في الربوبية ،وال األلوهية ،وال األسماء
والصفات ،وال شريك في األمر والنهي.
وقوله [إقر ًارا به وتوحي ًدا] :يعني إقرارا باهلل سبحانه وتعالى.
اإلقرار :هو التسليم.
وإخالصا له جميع أنواع العبادة.
ً ادا
وتوحي ًدا :يعني إفر ً
والتوحيد كما تعلمون ثالثة أقسام:
توحيد ربوبية.
وألوهية.
وأسماء وصفات.
توحيد الربوبية :هو إفراد اهلل عز وجل بالخلق ،والتدبير ،والسيادة ،والملك ،وسائر األفعال.
أما توحيد األلوهية :هو إفراد اهلل عز وجل بالعبادة.
متقررا.
وأما توحيد األسماء والصفات :هو إفراد اهلل عز وجل بأسمائه وصفاته .ومن تأمل القرآن وجد هذا ً
وقوله [وأشهد أن محم ًدا] :يعني أُقر وأعترف بأن النبي محم ًدا .
[عبده] :فيه رد على الغالة الذين غالوا في حق الرسول ورفعوه فوق منزلة العبودية.
[ورسوله] :رد على المفرطين الذين فرطوا في حق النبي فلم يتبعوا سنته.
محمد في المأل األعلى.ٍ قوله [صلى اهلل عليه] :أي أسأل اهلل أن يثني على النبي
والصالة من اهلل :ثناء في المأل األعلى.
ومن العبد :دعاء.
فليصل".
ِّ صائما
ومن ذلك قول النبي " :إذا ُدعي أحدكم إلى طعام فليُجب ،فإن كان ً
ويستحب للمسلم أن يكثر من الصالة على النبي ال سيما عند ذكره.
علي" ،قيل هذا دعاء على من ال يصلي على النبي .
قال " :رغم أنف يعني ذلرجل ذُكرت عنده فلم يصل َّ
قوله [وعلى آله] :يعني أتباعه .
تسليما] :يعني اللهم سلم النبي من اآلفات ،والنقائص في اآلخرة.
ً قوله [وسلم
ً ْ َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ ُّ َ َ ْ َ َ ُ َ
هذا امتثال لقول اهلل تعالى{ :يا أيها اَّلِين آمنوا صلوا عليهِ وسل ِموا تسل ِيما} [األحزاب]٥٦ :
سالما زائ ًدا.
قوله [مزي ًدا] :يعني ً
إجماال فقال" :اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة".
ً ثم شرع المصنف في بيان أصول اإليمان الستة
﴿﴾- 9 -
يعني ما سيذكره هو اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قُرب قيام الساعة.
والفرقة :هي الطائفة من الناس.
َ َ ُ ََ َ ََ
ك ف ِْرق ٍة مِنْ ُه ْم َطائِفة} [التوبة.]١٢٢ : َ ْ
ومن ذلك قول اهلل تعالى{ :فلوَّل نفر مِن ِ
والناجية :أي في الدنيا من البدع والشرور ،وفي اآلخرة من العذاب والمهالك.
المنصورة :يعني الغالبة ،والمؤيدة على من خالفها.
كما قال النبي " :ال تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ال يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر اهلل وهم كذلك".
إلى قيام الساعة :يعني قرب قيام الساعة ،ألن الساعة ال تقوم إال على شرار الناس.
كما قال النبي " :ال تقوم الساعة إال على شرار الناس".
العلماء مختلفون في الطائفة المنصورة:
منهم من قال :هم أهل الحديث.
ومنهم من قال :هم أهل العلم.
وقد عُ ِقد لشيخ اإلسالم مناظرة على هذه العقيدة ،قيل له :إذا قيل إن هذا من أصول الفرقة الناجية خرج عن الفرقة الناجية
من لم يقل بذلك؛ كمن يقول :إن اإليمان هو التصديق ،وإذا لم يكونوا من الناجين لزم أن يكونوا هالكين.
فقال :قول اعتقاد الفرقة الناجية هي الفرقة التي وصفها النبي بالنجاة.
قال رسول اهلل " : تفترق أمتي على ثالث وسبعين فرقة؛ اثنتان وسبعون في النار ،وواحدة في الجنة ،وهي من كان على مثل ما
أنا عليه اليوم وأصحابي".
فهذا االعتقاد هو المأثور عن النبي وأصحابه ،وهم ومن اتبعهم الفرقة الناجية ،فإنه قد ثبت عن غير واحد من الصحابة
أنه قال :اإليمان يزيد وينقص ،وكل ما ذكرتُه ذلك فإنه مأثور عن الصحابة باألسانيد الثابتة ،وإذا خالفهم َمن بعدهم لم يضر في
ذلك.
قال :وليس كل من خالف في شيء من هذا االعتقاد يجب أن يكون هال ًكا ،فإن المنازع هذا المخالفقد يكون مجته ًدا مخطئًا
الحجة ،وقد يكون له من الحسنات ما يمحو اهلل به سيئاته.
يغفر اهلل خطأه ،وقد ال يكون بَلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه ُ
وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولِة له ال يجب أن يدخل فيها :المتأول ،والقانت يعني العابدوذو الحسنات الماحية ،والمغفور له،
وغير ذلك ،فهذا أولى .بل موجب هذا الكالم أن من اعتقد ذلك نجا بهذا االعتقاد ،ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجيًا وقد ال
يكون ناجيًا ،كما يُقال :من صمت ناجي.
ثم ذكر أصول اإليمان فقال" :هو اإليمان باهلل ،ومالئكته ،وكتبه ،ورسله ،والبعث بعد الموت ،واإليمان بالقدر خيره وشره".
هذه أصول اإليمان الستة عند أهل السنة والجماعة ،فقد دلت عليها النصوص الكثيرة ،ومن ذلك:
حديث جبريل لما سأل النبي عن اإليمان قال" :أن تؤمن باهلل ،ومالئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم اآلخر ،وتؤمن بالقدر خيره
وشره".
﴿﴾- 10 -
األصل األول :هو [[اإليمان باهلل]]:
وإلها ،والتصديق بأسمائه وصفاته.
ومعناه اإلقرار والتصديق باهلل سبحانه وتعالى ربًاً ،
وليس اإليمان مرادف للتصديق؛ بل هناك فرق بين اإليمان والتصديق ،ومن ذلك:
أن التصديق :عام ،يُقال في كل شيء.
بخالف اإليمان :فال يكون إال في األمور الغيبية فقط.
وال يصح اإليمان باهلل إال باإليمان بأركانه األربعة:
وهي اإليمان بوجود اهلل.
واإليمان بالربوبية.
واإليمان باأللوهية.
واإليمان باألسماء والصفات.
كل أصل من أصول اإليمان له مرتبتان:
مرتبة واجبة.
ومرتبة مستحبة.
واجبة :يعني يجب تعلمها.
مستحبة :يعني يستحب تعلمها.
المرتبة الواجبة :هي اإليمان اإلجمالي.
والمرتبة المستحبة :هي اإليمان بالتفصيل.
إجماال بهذا الركن.
ً المرتبة اإلجمالية معناها :أن يؤمن
والمرتبة التفصيلية معناها :اإليمان بتفصيالت هذا الركن ،كل ما جاء في الكتاب والسنة.
فمثال :اإليمان اإلجمالي باهلل سبحانه وتعالى معناه :أن يؤمن العبد بأن اهلل سبحانه وتعالى المتفرد بالربوبية ،واأللوهية ،واألسماء
ً
والصفات.
اإليمان التفصيلي معناه :أن يؤمن بكل ما جاء عن اهلل سبحانه وتعالى في القرآن والسنة؛ كاألسماء والصفات ونحوه.
واإليمان االجمالي :هذا هو الذي يترتب عليه اإليمان ،فمن لم يحققه ال يكون مؤمنًا.
واإليمان التفصيلي :هذا يزيد به اإليمان ،ولكن متى بلغ المسلم شيء من األمور التفصيلية وجب عليه أن يؤمن بها.
﴿﴾- 11 -
أما اإليمان التفصيلي :أن يؤمن بكل ما جاء عنهم من أخبار؛ كاإليمان بأسمائهم وأوصافهم ،ووظائفهم ونحوه.
وأفضل المالئكة ثالثة ،هم :جبريل ،وميكائيل ،وإسرافيل .قالوا بأن هؤالء الثالثة وظائفهم تتعلق بما فيه حياة:
جبريل :موكل بحياة األرواح الحقيقية.
وميكائيل :موكل بحياة األرض.
وإسرافيل :موكل بحياة األبدان بعد موتها.
خصه بالذكر في مواطن كثيرة.
وأفضل هؤالء الثالثة :هو جبريل ؛ ألن اهلل عز وجل َّ
ًّ َُ ْ َ
الر ُ ُ
كما في قوله تعالى{ :يَ ْو َم َيق ُ
وح َوال َمَلئِكة َصفا} [النبإ.]٣٨ : وم ُّ
﴿﴾- 12 -
األصل السادس من أصول اإليمان[[ :اإليمان بالقدر]].
والقدر :هو التصديق الجازم بأن اهلل عز وجل علم مقادير األشياء وأزمانها قبل إيجادها ثم كتبها في اللوح المحفوظ ،ثم أوجدها
ٍ
محدث صادر عن علمه ،وقدرته ،وإرادته. في مواعيدها المقدرة لها ،فكل
قال[ :خيره وشره] :يعني الخير من اهلل ،والشر كذلك ،ولكن قدر اهلل سبحانه وتعالى كله خير ،الشر باعتبار المقدور؛ فالمرض
الذي يصيب المؤمن هو خير من اهلل ،ولكن الشر باعتبار المقدور :يعني ما يصيب اإلنسان من التعب والنصب ونحوه.
اإليمان بالقدر على درجتين:
-درجة إجمالية.
-ودرجة مفصلة.
األسئ لة
مجمال.
ً شرحا
-السؤال األول :اشرح مقدمة المصنف ً
-السؤال الثاني :تكلم عن أصول اإليمان بشيء من التفصيل.
-السؤال الثالث :اذكر أصول اإليمان عند المعتزلة ،وكذلك عند الرافضة مستعينًا بالكتاب.
﴿﴾- 13 -
المحاضـرة الثاـلثـة
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها األفاضل وأيّتها الفضليات في هذا اللقاء الطيب المتجدد ،وهذه هي المحاضرة "الثالثة" من محاضرات العقيدة
الواسطية من كتاب [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية] .وكنا قد وقفنا في اللقاء السابق عند:
قول المصنف " :ومن اإليمان باهلل اإليمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد "
أي :من جملة اإليمان باهلل سبحانه وتعالى اإليمان بما وصف به نفسه سبحانه وتعالى في كتابه القرآن الكريم ،وبما وصفه به
رسوله في السنة النبوية الصحيحة.
وهذا فيه أن إثبات األسماء والصفات يقوم على مصدرين فقط ،وهما:
القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
فال يجوز ألحد أن يصف اهلل عز وجل بأكثر مما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله .
إنما يقف حيث وقف القرآن والرسول .
وإنما ذكر المصنف الصفات فقط ولم يذكر األسماء في قوله "بما وصف به نفسه" ألن كل اسم يتضمن صفة؛ وألن
الخالف في األسماء قليل بالنسبة للمنتسبين إلى اإلسالم.
وذكر هنا في الكتاب عدة قواعد تتعلق باألسماء والصفات ،منها قاعدة[ :باب أسماء اهلل تعالى أضيق من باب الصفات].
فالفرق بين االسم والصفة:
أن االسم :هو ما دل على ذات اهلل تعالى مع صفات الكمال القائمة به ،مثل:
الرحمن :دل على ذات اهلل وعلى صفة الرحمة.
ٰ
السميع :دل على ذات اهلل وصفة السمع ،وكذلك البصير.
أما الصفة :فهي ما قام بذات اهلل سبحانه تعالى من الكمال ،كالرحمة والسمع والبصر.
فاالسم يتضمن أمرين" :الذات والصفة".
أمرا واح ًدا وهو" :الذات".
أما الصفة فتتضمن ً
ومعنى هذه القاعدة[ :باب أسماء اهلل تعالى أضيق من باب الصفات] أن كل اسم يشتق منه صفة ال العكس.
الصفة ال يشتق منها اسم؛ وإنما يشتق من االسم صفة.
مثال ذلك :اسم اهلل "الغفار" يشتق منه صفة "المغفرة".
اسم اهلل "العزيز" يشتق منه صفة "العزة" ،وكذلك اسم اهلل "الحي" يشتق منه صفة "الحياة".
اسم .ومن ذلك:
وال يشتق من الصفة ٌ
صفة "المجيء" ال يشتق منها اسم وهو "الجائي" ،صفة "اإلتيان" ال يشتق منها اسم وهو "اآلتي" وهكذا.
(فالصفة ال يشتق منها اسم واالسم يشتق منه صفة).
﴿﴾- 14 -
القاعدة الثانية[ :أسماء اهلل كلها حسنى]
يعني :بلغت في الحسن غايته؛ فهي متضمنة لصفات كاملة ال نقص فيها بوجه من الوجوه.
ْ َْ
اِل ْس َ ٰ
ن} [األعراف]١٨٠ : اء ُكما قال سبحانهَ { :و ِ ََّّلل ِ اْل ْس َم ُ
﴿﴾- 15 -
كتابك (في الكتب المنزلة على الرسل) أو استأثرت به في علم الغيب عندك (مما ال يعلمه إال أنت يا ربنا) أن تجعل القرآن ربيع
قلبي ونور صدري" إلى آخر هذا الحديث.
أيضا ما استأثر اهلل به في علم الغيب ال أحد
هذا الحديث فيه :أن من أسماء اهلل سبحانه وتعالى ما اختص به بعض عباده ومنها ً
يعلمه إال هو.
اسما مائة إال واح ًدا من أحصاها دخل الجنة" ،فليس معناه حصر أسماء اهلل تعالى في
وأما قول النبي " :إن هلل تسعة وتسعين ً
اسما.
هذا العدد؛ وإنما معناه إن من أسماء اهلل تعالى تسعة وتسعين ً
ومثاله أن تقول عندي مائة نعجة أعددتها للصدقة أو مائة جنيه أعددتها للصدقة.
هل يلزم منه أنك ال تمتلك إال هذا العدد؟ كال.
ونقل اإلمام النووي اتفاق العلماء على هذا الحديث ،وقال" :ليس في الحديث حصر أسماء اهلل تعالى ،وليس معناه أنه
ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين؛ وإنما مقصود الحديث أن هذه األسماء َمن أحصاها دخل الجنة".
فالمراد اإلخبار عن دخول الجنة بإحصائها؛ ال اإلخبار بحصر األسماء.
﴿﴾- 17 -
ومنها أوصاف أو أسماء لمعاني الربوبية :كالرب والمالك والملك والسيد التي فيها معنى الربوبية.
ومنها أوصاف أو أسماء لمعاني األلوهية وهي :ما فيها معنى األلوهية مثل اهلل ،المعبود إلى آخره.
القاعدة الحادية عشرة[ :الواجب على العباد أن يؤمنوا بما أنزله اهلل في كتابه]
فيجب علينا أن نؤمن بما أنزل اهلل في كتابه أو أخبر به النبي من األسماء والصفات وهذا يكون بأشياء:
أوال :إثبات الصفة.
ً
ثم :إثبات المعنى الذي يدل عليه ظاهر اللفظ فكل اسم من أسماء اهلل له معنى يدل عليه ،وكل صفة لها معنى تدل عليه بظاهر
اللفظ ،فيجب إثبات الصفة وما دلت عليه.
األمر الثالث :اإليمان بمتعلقاتها وآثارها في الخلق ،فإن أسماء اهلل تعالى وصفاته لها آثار متعلقة بخلق اهلل ومتعلقة بملكوت اهلل
سبحانه وتعالى ،فكل اسم وكل صفة لها أثر.
اسم اهلل السميع :يتضمن إثبات صفة السمع وإثبات معنى السمع وإثبات األثر وهو أن اهلل يسمع كل صوت سبحانه وتعالى.
مبصر سبحانه وتعالى.
كذلك البصير :يتضمن صفة البصر ومعنى البصر واألثر وهو أن اهلل يرى كل َ
القاعدة الثانية عشرة[ :بم نرد على المؤولة والمعطلة]
بثالثة أشياء:
األول نقول لهم :قولكم يخالف ظاهر النص.
واألصل حمل النص على ظاهره إال عند التعذر.
ثم نقول لهم :قولكم يخالف منهج أهل السنة والجماعة الذي يقوم على:
اإلثبات :إثبات ما أثبته اهلل لنفسه وما أثبته له رسوله .
واإلمرار :عدم التعرض لها بالتأويل والتحريف ونحو ذلك.
وقطع الطمع عن إدراك حقيقتها :ال نطمع في معرفة حقيقة صفات اهلل سبحانه وتعالى.
األمر الثالث نقول لهم :قولكم ليس عليه دليل صحيح.
هؤالء المشبهة والمعطلة كاألشاعرة والمعتزلة والجهمية ،كل هؤالء ليس عندهم دليل صحيح كل أدلتهم عقلية ساذجة لو تأملها
العقل ألثبت بطالنها؛ لذلك هم مختلفون فيما بينهم.
قال " :من غير تحريف وال تعطيل ،ومن غير تكييف وال تمثيل"
يعني نثبت صفات من غير تحريف يعني من غير تغيير.
التحريف هو :التغيير إما تغيير اللفظ وإما تغيير المعنى.
تغيير اللفظ :أن يغير اللفظ إما بزيادة حرف ،أو زيادة كلمة ،أو تغيير حركة.
كقول اليهود لما قيل لهم قولوا ِحطة (يعني اطلبوا من اهلل أن يحط عنكم الخطايا) فقالواِ :حنطة؛ استهزاء وسخرية ،حنطة :حبة
ََ ْ ُ
استَ َو ٰ
تمر ،وهذا كقول المعتزلة والجهمية واألشاعرة حين فسروا قوله تعالى{ :ث َّم ْ
ى لَع ال َع ْر ِش} [األعراف ]٥٤ :قالوا :استولى
هذا تحريف بزيادة حرف الالم
﴿﴾- 18 -
ْ
وَس تَكل ً َ َّ
وأيضا تحريفهم لقوله تعالىَ { :وَك َم َّ ُ
اَّلل ُم َ ٰ
ِيما} [النساء.]١٦٤ : ً
ِ
يما) (وَكلَّ َم اللَّهَ ُم َ
وس ٰى تَكْل ً مفعوال قالواَ :
نصبوا لفظ الجاللة ،واألصل أنه مرفوع (فاعل) فجعلوه ً
أما التحريف المعنوي فهو :إثبات اللفظ وتغيير المعنى.
هذا كثير كتحريف اليد بالقدرة ،والوجه بالثواب إلى آخره.
كل ًَ َ َّ َ َّ ُ ُ َ ٰ َ ْ
ِيما} وأول من حرف هو الجعد بن درهم فنفى اتصاف اهلل عز وجل بالكالم ،حيث قال إن قوله تعالى{ :وَكم اَّلل موَس ت
جرح من الكلْم وهو الجرح. أي :جرحه بأظافير الحكمة تَ ْج ِر ً
يحا يعني قال :كلم معناه َّ
كفرا إذا كان في جميع الصفات كفعل الجهمية ،الجهمية نفت جميع الصفات واألسماء
كفرا وإنما يعد ً
وليس كل تحريف يعد ً
كذلك ،أو إذا كانت الداللة على الصفة ظاهرة وليس للتأويل فيها مدخل؛ لهذا لم يكفر أهل السنة والجماعة؛ األشاعرة،
والكرامية. والماتريديةَّ ،
والكالبية ،والسالميةَّ ،
وقوله" :وال تعطيل" يعني أهل السنة ال ينفون صفات اهلل تعالى وما دلت عليه ،وقد اتفق سلف األمة على إثبات صفات اهلل
سبحانه وتعالى من غير تحريف وال تعطيل ،ومن غير تكييف وال تمثيل.
والفرق بين التحريف والتعطيل:
أن التحريف نفي المعنى الصحيح التي دلت عليه النصوص واستبداله بمعنى آخر غير صحيح.
أما التعطيل فهو نفي المعنى الصحيح من غير استبدال.
وهناك فروق أخرى من أراد االستزادة فليراجع الكتاب.
قال" :ومن غير تكييف"
أي :من غير تعيين كيفية الصفة وتكييف صفات اهلل وتعيين كيفيتها والهيئة التي تكون عليها كأن تذ َكر كيفية الصفة من غير ذكر
تمثيال.
مماثل لها ،فإن ذُكر مماثل لها كان ً
جهازا لم تره قبل ذلك ،أنت تُكيِّف له صفة في ذهنك وال تقيده بمماثل؛ ألنني قلت لم
مثاال :لو قلت :أحضرت لك ً
اضرب لك ً
تره قبل ذلك ،أما لو قيدته بشيء رأيته أو سمعت عنه أو نحو ذلك فهذا تمثيل.
درك إال بواحدة من أمور إما بالمشاهدة ،أو مشاهدة النظير ،أو خبر الصادق عنها.
والكيفية :ال تُ َ
اهلل عز وجل لم يشاهده أحد ولم َنر مثله سبحانه وتعالى ولم يخبرنا أحد عن كيفية صفاته سبحانه وتعالى.
وقوله" :وال تمثيل" أي وال تشبيه ،يعني ال نشبه اهلل بخلقه.
بعض العلماء يرى هناك فرق بين التشبيه والتمثيل.
قالوا :التمثيل أعم من التشبيه ،فالتمثيل يقتضي المشابهة من جميع الوجوه ،أما التشبيه فيقتضي المشابهة من بعض الوجوه.
مثال :قلمي مثل قلمك يعني يتفقان في جميع الصفات ،أما لو قلت قلمي شبه قلمك هذا معناه أنهما يختلفان في بعض
أقول ً
الصفات.
ْ َ َ َ َ َ ْ َ
َش ٌء} [الشورى ،]١١ :وقالَ { :هل ت ْعل ُم َُل َس ِم ًّيا} [مريم.]٦٥ :
وقد قال اهلل عز وجل{ :لي ْ َس ك ِمثلِهِ ْ
فال يجوز أن نشبه اهلل عز وجل بخلقه ،والمشبهة كفار كما قال أهل العلم.
﴿﴾- 19 -
ص ُ َ ْ َ َ ْ َ ْ ٌ َ ُ َ َّ ُ ْ
ي}"[ .الشورى]١١ : يع اْلَ ِثم قال " :بل يؤمنون بأن اهلل سبحانه {ليس ك ِمثلِهِ َشء وهو الس ِم
أي أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن اهلل سبحانه وتعالى ال مثل له.
هذه اآلية قاعدة عظيمة عند أهل السنة والجماعة ففيها:
نفي المثليَّة عن اهلل سبحانه وتعالى.
وإثبات السمع والبصر (إثبات الصفات).
والذين مثلوا اهلل عز وجل بخلقه قالوا :إن اهلل أنزل القرآن بلغة العرب ومن المحال أن يخاطبنا بما ال نفهم؛ لذلك نثبت هلل عز
وجل صفات مثل صفات المخلوقين.
وأهل السنة أجابوا عنه :بأنه ال يلزم من اتفاق المسميات اتفاق الصفات ،يعني هذه عين وهذه عين ،هل يلزم من هذا أن تكون
هذه العين مثل هذه العين ،عين الحيوان مثل عين اإلنسان؟ كال.
والذين عطلوا ،عطلوا ألجل نفي المشابهة عن اهلل سبحانه وتعالى ،ففروا من التمثيل ووقعوا فيما هو أخطر وهو التعطيل.
أهل السنة أجابوا عنه :بأن اهلل أثبت لنفسه الصفات ونفى عنها المشابهة والمماثلة وهو أعلم بنفسه منا ،أجعلتم أنفسكم أعلم
باهلل منه جل وعال؟!
مجمال ،وهذه طريقة القرآن الكريم.
ً مفصال وينفون نفيًا
ً وطريقة أهل السنة في اإلثبات والنفي :أنهم يثبتون إثباتًا
مفصال.
ً مجمال وينفون نفيًا
ً بخالف طريقة المبتدعة :فإنهم يثبتون إثباتًا
مجمال.
ً مفصال والنفي
ً فلو تأملت القرآن وجدت اإلثبات
ص ُ ْ قال تعالىَ { :و ُه َو َّ
الس ِم ُ
ي} [الشورى،]١١ : يع اْلَ ِ
اِلك ُ ْ ْ
{ َو ُه َو ال َعل ُ
ِيم َ
ِيم} [التحريم.]٢ :
اِلك ُ ْ
{ َو ُه َو ال َعز ُ
يز َ ْ
ِيم} [الجاثية ...]٣٧ :إلى آخره ِ
ص ُ ْ
َش ٌءۖ َو ُه َو َّ
الس ِم ُ َ َ ْ َ
أما النفي{ :لي ْ َس ك ِمثلِهِ ْ
ي} [الشورى]١١ : يع اْلَ ِ
ٌ َ َ َ ْ َ ُ َّ ُ ُ ُ َ ِل َول َ ْم يُ َ ْ
{ل َ ْم يَ ِ ْ
وَل ( )٣ولم يكن َل كف ًوا أحد} [اإلخالص ..]٣٤ :إلى آخره.
وجودا مطل ًقا.
المبتدعة :عند اإلثبات :ال يثبتون إال ً
وعند النفي :يفصلوه يقولون :ال مولود وال معدوم وال حي وال ميت وال جسم وال جوهر وال عالم وال جاهل إلى آخره.
وشرعا؛ ألنه يستلزم الجمع بين النقيضين أحدهما اإليمان واآلخر كفر.
عقال ً
وهذا القول فاسد ً
َ َ ْ َ
والعلماء مختلفون في معنى الكاف في قوله{ :لي ْ َس ك ِمثلِهِ ْ
َش ٌء}.
والصحيح أن الكاف زائدة أي :زائدة في المعنى ال في اللفظ؛ وذلك للتأكيد والتقدير (ليس مثله شيء).
وخص اهلل عز وجل (السمع والبصر) دون غيرهما من األسماء؛ ألن صفتي السمع والبصر من الصفات التي تشترك فيها أكثر
المخلوقات الحية ،ومع ذلك تختلف فيما بينها في الحقيقة والكيفية؛ فسمع الحيوان غير سمع اإلنسان ،كذلك يختلف سمع
الحيوانات بعضها عن بعض ،وكذلك البصر.
﴿﴾- 20 -
اإلنسان إذا حقق اإليمان (باسم اهلل السميع)؛ فلن يسمع إال ما يرضي اهلل ،لن يسمع شيئًا يغضب اهلل سبحانه وتعالى كالموسيقى
والغناء ونحو ذلك.
وإذا حقق اإليمان (باسم اهلل البصير)؛ فلن يفعل شيئا ال يرضي اهلل سبحانه وتعالى ،قبل أن يفعل أي فعل سيسأل نفسه :هل
يرضي اهلل؟ فإن كان يرضي اهلل يفعله وإال فال.
ثم قال" :فال ينفون عنه ما وصف به نفسه"
أهل السنة والجماعة ال ينفون ما وصف اهلل به نفسه؛ وذلك ألنهم يتبعون النص نفيًا وإثباتًا ،فكل ما وصف اهلل به نفسه يثبتونه
على الحقيقة سواء كان من الصفات الذاتية أو الفعلية.
قال" :وال يحرفون الكلم عن مواضعه"
يعني ال يغيرون كالم اهلل عن مدلوله وال معناه الحقيقي ،كما يفعل المعطلة الذين يقولون استوى أي استولى.
نقف هنا ونأخذ أسئلة التكليف:
األسئ لة
مجمال.
ً شرحا
السؤال األول :اذكر القواعد التي ذكرتها في هذه المحاضرة ،مع شرحها ً
كفرا؟
السؤال الثاني :هل كل تحريف يعد ً
السؤال الثالث :ما حكم المشبهة؟
السؤال الرابع :ما السبب الذي دعا أهل التمثيل إلى التمثيل وأهل التعطيل إلى التعطيل؟
﴿﴾- 21 -
المحاضـرة الـرابعـة
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد وهذه هي المحاضرة الرابعة من محاضرات العقيدة من
كتاب [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية].
وكنا وصلنا في اللقاء السابق عند قول المصنف " :وال يلحدون في أسماء اهلل تعالى وآياته".
يعني أهل السنة والجماعة ال يميلون وال يعدلون عن الحقائق والمعاني الصحيحة في أسماء اهلل تعالى وآياته إلى الباطل.
واإللحاد في أسماء اهلل تعالى :هو الميل بها عما يجب فيها ،وهو محرم بجميع أنواعه؛ ألن اهلل سبحانه وتعالى هدد الملحدين
ُ َ َ ُ َ َ َ ْ َّ َ
ج َز ْون َما َكنوا َي ْع َملون} [األعراف.]١٨٠ :
ِين يُلح ُدون ِف أ ْس َمائه َسيُ ْ
ِِ ِ بقولهَ { :وذ ُروا اَّل َ ِ
واإللحاد أنواع:
منه :إنكار شيء من أسماء اهلل سبحانه وتعالى أو مما دلت عليه من الصفات واألحكام .كما فعل أهل التعطيل من الجهمية.
ومنه :أن يجعل الصفات دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين.
ومنه :أن يُشبه صفات اهلل بصفات المخلوقين.
سمت اهلل سبحانه وتعالى باألب. يسمي اهلل تعالى بما لم ِ
يسم به نفسه ،كفعل النصارى؛ َّ ومنه :أن ّ
والالت من اإل ٰله إلى آخره.
العزى من العزيزَّ ، أسماء لألصنام ،كما فعل المشركون؛ ُّ
اشتقوا ُ ً ومنه :أن يشتق من أسمائه
قال" :وال يُكيِّفون وال يُمثِّلون صفاته بصفات خلقه"
يعني أهل السنة والجماعة يتميزون عن غيرهم بأنهم :يثبتون هلل عز وجل ما أثبته لنفسه ،وما أثبته له رسوله ،على الوجه الالئق
بها ،من غير تكييف وال تمثيل .لماذا؟
قال" :ألنه سبحانه ال َس ِم َّي له".
ْ َ َ َ
يعني ال نظير له سبحانه وتعالى .كما قال سبحانهَ { :هل ت ْعل ُم َُل َس ِم ًّيا}[مريم.]٦٥ :
َ َّ ُ ُ َ ْ َ ُ َ
كن َُل كف ًوا أ َح ٌد} [اإلخالص.]٤ : قال" :وال كفء له" ،يعني ال مكافئ وال مماثل له .كما قال{ :ولم ي
َ َ َ ْ َ ُ َّ َ َ ً َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ
ند له" ،يعني ال شبيه له .كما قال تعالى{ :فَل َتعلوا َِّلل ِ أندادا وأنتم تعلمون} [البقرة.]٢٢ :
قال" :وال َّ
قال" :وال يقاس بخلقه" يعني ال يشبه اهلل بخلقه وال يمثل بهم؛ ألنه ال يجوز استعمال شيء من األقيسة التي تقتضي المماثلة
والمساواة بين المقيس والمقيس عليه في الشؤون اإللٰهية.
َْ َ َ ْ ََ
كما قال تعالى{ :فَل تَْضِبُوا ِ ََّّلل ِ اْل ْمثال} [النحل.]٧٤ :
أصله الجهمية والمعتزلة الذين اعتمدوا على عقولهم قائلين :ما أثبتته عقولنا
وأراد شيخ اإلسالم بهذه الكلمة :إبطال أصل َّ
أثبتناه وما نفته عقولنا نفيناه؛ لذلك نفوا َكثِ ًيرا من الصفات كالوجه واليدين ونحوه.
قال" :فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره"
سبحانه وتعالى وإذا كان أعلم بنفسه وبغيره؛ وجب أن نثبت له من الصفات ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله .
﴿﴾- 22 -
قيال وال حديثًا.
قيال" .يعني ال أحد أصدق من اهلل ً
قال" :وأصدق ً
ً َ َّ ُ َ
كما قال سبحانهَ { :و َم ْن أ ْ
اَّلل ِ قِيَل} [النساء.]١٢٢ : ص َدق مِن
يعني ال أحد أصدق منه قَ ْوًال َو َخبَ ًرا سبحانه وتعالى.
ً َ َ ْ ْ َ ُ َ ََّ
اَّلل ِ َحدِيثا} [النساء.]٨٧ : "وأحسن َح ِديثًا من خلقه" .كما قال{ :ومن أصدق مِن
ُ قال:
﴿﴾- 25 -
أسئلة التكليف:
األسئ لة
-السؤال األول :اإللحاد أنواع ،اذكرها مع ذكر حكم اإللحاد.
-السؤال الثاني :اشتملت سورة اإلخالص وآية الكرسي على جملة من األسماء
والصفات ،اذكرها.
-السؤال الثالث :هل يجوز أن يُقال :توكلت على اهلل ثم عليك؟
﴿﴾- 26 -
المحاضـرة الخامسـة
وسالما على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
ً بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصال ًة
مرحبًا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد ،وهذه هي المحاضرة «الخامسة» من محاضرات
العقيدة ،من كتاب [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية].
وكنا وصلنا في اللقاء السابق عند كالم المصنف عن :صفة العلم
ُ َ ْ َ َّ ُ َ ْ ُ َ َّ ُ َ ْ َ ُ َ ُ َ ُ
كل َ ْ
َش ٍء َعل ٌ
ِيم} [الحديد.]٣ : قال " :قوله{ :هو اْلول واْلخِر والظاهِر واْلاطِن وهو ب ِ ِ
أما اسم اهلل "األول" :فيشتمل على أنواع األَوليّة في الذات واألسماء والصفات.
وقد فسره النبي بقوله" :أنت األول فليس قبلك شيء".
وأما اسم اهلل اآلخر :فقد فسره بقوله" :وأنت اآلخر فليس بعدك شيء".
أي :الباقي بعد فناء الخلق.
وأما اسم اهلل "الظاهر" :فمعناه الظهور والعلو والغلبة ،وليس معناه الذي ظهرت آثار نعمته بل الظاهر بذاته.
وقد فسره النبي بقوله" :وأنت الظاهر فليس قبلك شيء".
يعني الظاهر فوق كل ٍ
شيء بقدرته.
وأما اسم اهلل "الباطن" :فقد فسره بقوله" :وأنت الباطن فليس دونك شيء".
يعني العالم بما ظهر من األمور المطلع على ما بطن من الغيوب.
هذه األسماء األربعة متقابلة:
الرب تعالى وأبديَّته. ِ
اسمان ألزلية ّ
واسمان لعلُوه وقُر ِبه.
ِ
وال يجوز تفسير األول بالقديم؛ ألنه ليس عليه دليل من الكتاب والسنة الصحيحة.
وقد تقدم أن أسماء اهلل توقيفية؛ ال يجوز إثبات ٍ
شيء منها إال ٍ
بنص من القرآن أو السنة النبوية الصحيحة.
وكذلك أسماء اهلل كلها حسنى ال نقص فيها ٍ
بوجه من الوجوه.
واسم "القديم" يحتمل :القدم المطلق وهو بمعنى األول.
ويحتمل القدم النسبي الذي هو ضد الجديد.
فيحتمل الحسن وضده؛ لذلك القديم ال يطلق على اهلل سبحانه وتعالى إال من باب الخبر.
كما في الحديث" :كان النبي إذا دخل المسجد قال :أعوذ باهلل العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان
الرجيم".
َش ٍء َعل ٌ
كل ْ َ
ََُ ُ
ِيم} [الحديد]٣ : وقوله{ :وهو ب ِ ِ
يعني ال يخفى عليه شيءٌ سبحانه.
﴿﴾- 27 -
هذه اآلية اشتملت على أربعة أسماء وخمس صفات:
أما األسماء :فهي (األول واآلخر والظاهر والباطن).
وأما الصفات :فهي (األوليّة واآلخ ِريّة والظاهرية والباطنية وعموم العلم).
َش ٍء َعل ٌ
كل ْ َ
ََُ ُ
ِيم} يدل على بطالن عقيدة القدرية الذين يقولون (إن اهلل ال يعلم األشياء إال بعد وقوعها). قوله تعالى{ :وهو ب ِ ِ
ِيم} [الحديد ]٣ :يعني يعلم كل ٍ كل َ ْ
َش ٍء َعل ٌ ََُ ُ
شيء سبحانه وتعالى. قوله{ :وهو ب ِ ِ
عليم به ،فال يتجرأ على ٍ
ومن حقق اإليمان باسم اهلل العليم فسوف يراقب ربه سبحانه وتعالى في كل قول وفعل؛ فهو يعلم أن ربه ٌ
شيء ال يرضيه وال يتخلف عن ٍ
شيء يرضيه. فعل ٍ
اِلك ُ ْ ْ
قال :وقولهَ { :و ُه َو ال َعل ُ
ِيم َ
ِيم} [التحريم ]٢ :يعني :الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.
(والحكيم) :تأتي بمعنى الحاكم بين خلقه بأمره الكوني سبحانه وتعالى وبأمره الشرعي.
المدبّر سبحانه وتعالى. ِ
وتأتي بمعنى ال ُْم ْحكم لخلق األشياء ،أي :المتقن ُ
ِيم اْلَب ُ
قال{ :ال َعل ُ ْ ْ
ي} [التحريم ]٣ :يعني الذي ال تخفى عليه خافية وال يغيب عنه شيء سبحانه وتعالى. ِ
والشاهد من هاتين اآليتين :إثبات اسم اهلل (الحكيم والخبير والعليم).
هذه األسماء تتضمن صفات وهي :الحكمة ،والخبرة ،والعلم.
ْ َ ْ ُ َ َ ُ َْ َ
والح ِ
ب المبذور قال{ :يعلم ما يل ِج ِِف اْلرض} [الحديد ]٤ :أي :ما يدخل فيها من األموات ،والمطر النازل في أجزاء األرضَ ،
ونحو ذلك.
َْ
{ َو َما َي ُر ُج مِنْ َها} أي من النبات ،واألموات يوم القيامة.
قالَ { :و َما يَن ُل م َِن َّ
الس َماءِ} أي من مط ٍر ٍ
ورزق ومالئكة. ِ
{ َو َما َي ْع ُر ُج ف َ
ِيها} أي ما يصعد فيها من المالئكة وأعمال العباد.
ْ َ َُ َ ُ َْ َ
ب} [ األنعام :]٥٩ :يعني عنده خزائن الغيب سبحانه وتعالى .ومفاتح :جمع مفتاح ،هو ما يفتح به .وقيل
{وعِنده مفات ِح اليي ِ
جمع ِمفتَح وهو الخزائن.
غيب مطلق وهو :ما غاب عن الجميع ال يعلمه إال اهلل.
والغيب نوعانٌ :
وغيب نسبي وهو :ما أطلع اهلل عليه بعض رسله.
ٌ
وجاء في حديث أن النبي قال" :مفاتح الغيب خمس ال يعلمها إال اهلل ،ال يعلم ما في ٍ
غد إال اهلل وال يعلم ما تغيض األرحام
نفس بأي ٍ
أرض تموت ،وال يعلم متى تقوم الساعة إال اهلل". إال اهلل ،وال يعلم متى يأتي المطر أح ٌد إال اهلل ،وال تدري ٌ
وسميَت هذه الخمسة بمفاتيح الغيب؛ ألنها مفاتح لكل ما وراءها.
ُ
َّ َ َ ُ ُ َّ َ ْ َّ
فقوله{ :إِن اَّلل عِنده عِلم الساعةِ} [لقمانٌ ]٣٤ :
مفتاح لحياة اآلخرة.
ْ َ َُ َ ُ َْ
{وينِل الييث} ٌ
مفتاح لحياة األرض والنبات ،وبحياة النبات يكون الخير.
ْ َ ََْ ُ َ َْ َ
{ويعلم ما ِِف اْلرح ِام} ٌ
مفتاح للحياة الدنيا.
﴿﴾- 28 -
َ
{ َو َما تَ ْدري نف ٌس َّماذا تَكس ُ ْ َ َْ
ِب غ ًدا} مفتاح للعمل المستقبل. ِ
{ َو َما تَ ْدري نف ٌس بأي أ ْرض ت ُم ُ َ َ َ َْ
وت} مفتاح لحياة اآلخرة؛ ألن اإلنسان إذا مات دخل عالم اآلخرة. ِ ِ ٍ ِ
ُ ُ َ َ َ َّ ْ َ َ َْ ُ َْ ْ ْ َْ َ َّ ُ َ َُ ََ ُ َْْ َ َْ
ب َّل َيعل ُم َها إَِّل ه َو َويَعل ُم ما ِِف البِ َواْلَحرِۖ َوما تسق ُط مِن َو َرق ٍة إَِّل َيعل ُم َها َوَّل ح َّب ٍة ِِف ظل َم ِ
ات قال{ :وعِنده مفات ِح اليي ِ
ْي} [األنعام.]٥٩ : بمْاْلَ ْر ِض َو ََّل َر ْطب َو ََّل يَابس إ ََّّل ِف ك َِتاب ُّ
ٍ ِ ٍ ٍِ ِ ِ ٍ
يعني واضح ال إشكال فيه.
ْ َ َ َ ْ ُ ْ ُ َ َ َ َ َ ُ َّ
{وما َت ِمل مِن أ ٰ
نَث وَّل تضع إَِّل بِعِل ِمهِ} [فاطر.]١١ :
فيعلم كل شيء سبحانه.
ُْ َ
َّ َ ْ َ َ َ َ َ َّ َ
قالَ{ :لِ َ ْعل ُموا أن َّ َ َ ََ ُ َ َّ َ
َش ٍء عِل ًما} [الطالق.]١٢ :
كل ْ ٌ َ ْ
ك َش ٍء قدِير وأن اَّلل قد أحاط ب ِ ِ
اَّلل ٰ
لَع ِ
يعني :لتعلموا كمال قدرته وسلطانه سبحانه وتعالى ،فال يعجزه شيء سبحانه وتعالى ،وعلمه محيط بكل شيء.
شيء ،وإثبات قدرته على كل ٍ
شيء وأنها متعلقة بكل شيء. هاتان اآليتان فيهما إثبات علم اهلل المحيط بكل ٍ
ْ ُْ ُ ُ
ثم قال :وقوله{ :إن َّ َ
اَّلل ُه َو َّ
الر َّزاق ذو الق َّوة ِ ال َمت ِ ُ َّ
ْي} [الذاريات]٥٨ : ِ
يعني ال رزاق غيره يرزق المخلوقات وهو المتكفل بالرزق سبحانه وتعالى ،القائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها؛ فيرزق
األرزاق البدنية واألرزاق الدينية ويرزق أرزاقًا في الدنيا وأرزاقًا في اآلخرة.
الرزق الدنيوي :ما يحتاج اإلنسان إليه في الدنيا (مأكل ،مشرب ،ملبس ،طاعة).
والرزق األخروي :ما ينتظر أهل اإليمان في اآلخرة.
ص ُ َ ْ َ َ ْ َ ْ ٌ َ ُ َ َّ ُ ْ
ي} [الشورى.]١١ : يع اْلَ ِقال :وقوله{ :ليس ك ِمثلِهِ َشء وهو الس ِم
ص ُ ْ ند له وهو { َّ
الس ِم ُ
ي} الذي يع} الذي يسمع كل صوت سبحانه وتعالى{ ،اْلَ ِ يعني اهلل سبحانه وتعالى ال نظير له وال مثل له وال َّ
يرى كل فعل سبحانه.
قال{ :إن َّ َ َّ
اَّلل نِعِ َّما} [النساء.]٥٨ : ِ
{ نِعِ َّما} من ألفاظ المدح ،يعني يمدح هذا الشأن.
َ ُ ُ
كم بِه} [النساء ]٥٨ :يعني يأمركم به من أداء األمانات والحكم بالعدل بين الناس وغير ذلك. {يعِظ
ص ً ً َ {إن َّ َ َ َ َّ
يا} [النساء.]٥٨ : اَّلل َكن َس ِميعا ب ِ ِ
َ َ
{َكن} :ليس المراد هنا ِمن (كان) الزمن وإنما المراد (الوصف فقط) يعني اهلل عز وجل متصف بالسمع والبصر.
والشاهد إثبات اسمين هلل تعالى وهما (السميع والبصير) ،وإثبات صفتين وهما (السمع والبصر).
َّ َّ َ َّ َ ُ
َ َّ ُ َ َ َ
َ َ َ َ َّ َ َ َ ُْْ ْ ْ َ َ
اَّللِ} [الكهف.]٣٩ :ثم قال :وقوله{ :ولوَّل إِذ دخلت جنتك قلت ما شاء اَّلل َّل قوة إَِّل ب ِ
يعني َّ
هال حين دخلت جنّتك (بُستانك) ونظرت إليها فأعجبتك؛ حمدت اهلل على ما أنعم به عليك وأعطاك من المال والولد ما
لم يعطه غيرك ،والمراد هنا التوبيخ؛ أراد أن يوبخه على ترك هذا القول.
قال بعض السلف( :من أعجبه شيءٌ من نفسه أو ولده أو ماله فليقل :ما شاء اهلل ال قوة إال باهلل) هذا مأخوذ من هذه اآليات.
﴿﴾- 29 -
ال قوة إال باهلل :يعني ال أستطيع حفظ مالي أو دفع ٍ
شيء عني إال بإذن اهلل.
ْ ُ
اء َّ ُ َ َ
اَّلل َما اقتَ َتلوا} [البقرة.]٢٥٣ : قال :وقولهَ { :ول ْو ش َ
أي المؤمنون والكافرون ،بل هذا كله بقضاء اهلل سبحانه وتعالى.
ْ ُ
ك َّن َّ َ
اَّلل َيف َعل َما يُر ُ َ
يد} [البقرة.]٢٥٣ :ِ قال وقولهَ { :ول ٰ ِ
عدال.
فضال ويخذل من يشاء ً
يعني يوفق من يشاء ً
ِ َ ُ َّ ْ َ ُ َ َ ُ ْ َ ْ
وقوله{ :أحِلت لكم بهِيمة اْلنعام} [المائدة ]١ :أي :البقر واإلبل والغنم.
َّ َ ُ ْ َ ٰ َ َ ْ ُ
ك ْم} يعني ما سيتلى عليكم من تحريم بعضها في بعض األحوال. {إَِّل ما يتل علي
مباحا قبله. كان ما يحرم ام،ر اإلح أثناء الصيد محلي ال يعني : }م الصيْ ِد َوأَنتُ ْم ُ
ح ُر ٌ ي ُُم ِل َّ{ َغ ْ َ
ً ِ
ك ُم َما يُر ُ َّ َّ َ َ ْ ُ
يد} ومعنى اآلية أحلت لكم بهيمة األنعام كلها إال ما كان منها وحشيًّا؛ فإنه صي ٌد ال يحل لكم في حال ِ { إِن اَّلل ُي
اإلحرام.
الشاهد :إثبات اسم اهلل.
وإثبات ثالث صفات وهي (التحليل ،والحكم ،واإلرادة).
َ ْ ْ َ َ
ْش ْح َص ْد َرهُ ل ِِل ْسَل ِم} [األنعام ]١٢٥ :يعني يجعله يقبل اإلسالم. قال :وقوله{ :ف َمن يُردِ َّ ُ
اَّلل أن َي ْهدِيَ ُه ي َ َ
ِ
ً َّ َ ْ ْ َ
{ َو َمن يُرِد أن يُ ِضل ُه َي ْ َعل َص ْد َرهُ َضيِقا َح َر ًجا} حتى ال يدخله في اإليمان.
{كأن َما يَ َّص َّع ُد ِف َّ َ َ َّ
الس َماءِ} يعني يشق عليه اإليمان كما يشق عليه صعود السماء ،وأصل الصعود المشقة. ِ
هذه اآلية فيها إثبات صفة اإلرادة هلل تعالى ،واإلرادة هنا [كونية] والهداية هلل [التوفيق].
واإلرادة كما تعلمون نوعان :إرادة كونية وإرادة شرعية.
اإلرادة الكونية :ال تتعلق بما يحبه اهلل ويرضاه ،وال بد أن تقع.
أما اإلرادة الشرعية :فتتعلق بما يحبه اهلل ويرضاه ،وقد تقع وقد ال تقع.
ثم انتقل إلى :اآليات الدالة على إثبات صفة المحبة
سن َ اَّلل ُُي ُّ ْ ْ فقال :وقولهَ { :وأ َ ْ
حسِنُوا إ َّن َّ َ
ْي} [البقرة.]١٩٥ :ِب ال ُمح ِ ِ ِ
اإلحسان :هو اإلتيان بالعبادة على أكمل وجه وأحسن حال ،وهو أعلى مقامات الطاعة.
وهذه اآلية فيها إثبات اسم اهلل تعالى ،وإثبات صفتَي األلوهية والمحبة.
سط َ ْ ْ
قال{ :إن َّ َ
اَّلل ُي ُّ ُ َّ
ْي} [المائدة .]١٤٢ :أي العابدين. ِب ال ُمق ِ ِ ِ
َاستَقِ ُ ُ
ك ْم ف ْ َ
استَق ُ َ
قال{ :ف َما ْ َ َ
يموا ل ُه ْم} [التوبة.]٧ : اموا ل
يعني :إذا تمسكوا بالعهد فتمسكوا كما تمسكوا.
ِب ال ُم َّتق َ {إن َّ َ
اَّلل ُي ُّ ْ ُ َّ
ْي} يعني الذين يمتثلون أوامره ويجتنبون نواهيه.ِ ِ
ِب اَلَّ َّواب َ قال{ :إن َّ َ
اَّلل ُي ُّ ُ َّ
ْي} [البقرة.]٢٢٢ :ِ ِ
﴿﴾- 30 -
الذين يكثرون من التوبة واألوبة إلى اهلل سبحانه وتعالى.
ب ال ُمتَ َطهر َ
ح ُّ ْ
ين} أي :الذين يكثرون من الطهارة ويتنزهون عن األقذار واألذى.ِ ِ { َويُ ِ
َ ُ َ ْ َ َ
قال{ :ف َس ْوف يَأِت َّ ُ
اَّلل بِق ْو ٍم ُي ُِّب ُه ْم َويُ ِح ُّبون ُه} [المائدة.]٥٤ : ِ
ْ ٌ ًّ َ َ َّ َ ُ َ
ِين ُيقات ِلون ِف َسبيلهِ َصفا كأن ُهم بُنيَان َّم ْر ُص ٌ َّ
وقال{ :إن َّ َ
اَّلل ُي ُّ
ِب اَّل َ ُ َّ
وص} [الصف.]٤: ِ ِ ِ ِ
اَّلل َغ ُف ٌ
ور َّرح ٌ
ِيم} [آل عمران.]٣١ : ُ ْ ْ ُ ُ َّ ُ َ َ ْ ْ َ ُ ْ ُ ُ َ ُ
ك ْم َو َّ ُ وِن ُيبِبكم اَّلل وييفِر لكم ذنوب ُ ُ ْ ُ ُّ َ َّ َ َ َّ ُ ُْ
وقال{ :قل إِن كنتم َتِبون اَّلل فاتبِع ِ
يعني من يدعي المحبة؛ فال بد أن يتبع ،فمن ادعى المحبة ولم يتبع فهذا كذب.
ُ َُ ُ ُ ْ َُْ
ود} [البروج]١٤ : قالَ { :وه َو اليفور الود
يعني الغفور لذنوب المؤمنين.
الودود :يعني المحب لهم.
ثم انتقل إلى :بيان األدلة على صفة الرحمة
فقال :وقوله{ :ب ْس ِم اللَـهِ َ
الر ْْحَـٰن َ
الرحِي ِم} ِ ِ
(الرحمن والرحيم) :اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة.
وفيهما إثبات صفة الرحمة هلل تعالى.
ْ ْ ً
َشء َّر َ ُ َّ َ
قالَ { :ر َّب َنا َوس ِْع َ
ْحة َوعِل ًما} [غافر.]٧ : تك ْ ٍ
أيضا فيه إثبات صفة الرحمة هلل تعالى ،رحمته وسعت كل شيء وكذلك علمه.
هذا ً
قالَ { :وَكن بال ُمؤمِن َ
ِْي َرح ً ْ ْ َ َ
ِيما} [األحزاب .]٤٣ :أي :في الدنيا واآلخرة. ِ
أيضا فيه إثبات صفة الرحمة هلل سبحانه تعالى.
هذا ً
ُ َّ َ
قالَ { :و َرْحَِت َوس َِع ْ
تك ْ ْ
َش ٍء} [األعراف.]١٥٦ : ِ
ْ َ ََ َْ
َ َ َ ُّ ُ َ
الرْحَة} [األنعام.]٥٤ :
سهِ َّ ك ْم ٰ
لَع نف ِ وقال{ :كتب رب
تفضال وإحسانًا.
أي :أوجب على نفسه الكريمة الرحمة ً
الرح ُ قالَ { :و ُه َو اليف ُ
ور َّ َُْ
ِيم} [يونس. ]١٠٧ :
َ َ ْ َ َّ ُ َ ْ ٌ َ ً َ ُ َ
وقال{ :فاَّلل خي حاف ِظا وه َو أرحم الراْحِْي} [يوسف]٦٤ :
ِ َّ ُ
ثم انتقل إلى :بيان صفات الرضا والغضب والسخط والكراهية واالنتقام والمكر
[[هذه الصفات من الصفات الفعلية إذا شاء اهلل فعلها]]
اَّلل َعنْ ُه ْم َو َر ُضوا َعنْ ُه} [التوبة.]١٠٠ :
ِض َّ ُ
قال :وقوله تعالىَّ { :ر ِ َ
﴿﴾- 31 -
وم َدبِّ ًرا.
فالرضا باهلل :أي ربًّا ُ
والرضا عن اهلل :أي فيما يقضي ويقدر.
َ َ ب َّ ُ َ ُ َ
َ َ ُ ُ ً ُّ َ َ ً َ َ ُ َ َ َّ ُ َ ْ ْ ْ
اَّلل َعليْهِ َول َعنَ ُه} [النساء.]٩٣ : ض َ اَلا ف َ
ِيها َوغ ِ خ ًِ قال :وقوله{ :من يقتل مؤمِنا متع ِمدا فجزاؤه جهنم
هذا فيه إثبات صفة الغضب هلل سبحانه وتعالى.
واللعن هو :الطرد من رحمته.
ْ َ َ َ َ َّ
وقوله{ :ذٰل َِك بأن ُه ُم اتبَ ُعوا َما أ ْسخ َط َّ َ َ َّ َ
اَّلل َوكرِ ُهوا رِض َوانه} [محمد]٢٨ : ِ
هذا فيه إثبات صفتي السخط والرضا هلل تعالى ،أهل السنة يثبتون هلل عز وجل كما تعلمون الصفات على الوجه الذي يليق به
سبحانه وتعالى.
ََ َ كن كرهَ َّ ُ َ َ
اَّلل انب ِ َعاث ُه ْم فث َّب َط ُه ْم} [التوبة.]٤٦ : ِ قال :وقولهَ { :ول ٰ ِ
يعني اهلل عز وجل أبغض خروجهم قَ َد ًرا فمنعهم وحبسهم عن الخروج للغزو.
َ َْ ُ َ َ َّ َ َُ ُ ْ َ
اَّلل ِ أن تقولوا َما َّل تف َعلون} [الصف]٣ : ب َمقتًا عِند
قال وقوله{ :ك ُ َ
سؤال التكليف
اذكر آية على كل مما يأتي مع تفسيرها تَ ْف ِس ًيرا ُم ْج َم ًال:
السادس :صفة الرحمة. الخامس :صفة اإلرادة. الرابع :صفة السمع والبصر.
السابع :صفات الرضا ،والغضب ،والسخط ،والكراهية ،واالنتقام ،والمكر.
﴿﴾- 32 -
المحاضـرة السادسـة
الحمد هلل رب العالمين ،وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ،وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد ،وهذه هي المحاضرة السادسة من محاضرات العقيدة
الواسطية من كتاب [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية].
كنا وصلنا في اللقاء السابق عند كالم المصنف عن صفة [المجيء واإلتيان]:
َُ ْ َ َْ َ ْ َ َّ َ ْ
اَّلل ِِف ُظل ٍل م َِن الي َم ِام َوال َمَلئِكة} [البقرة]٢١٠ : َ َ ُ
نظ ُرون إَّل أن يَأت ِيَ ُه ُم َّ ُ
ِ قال " :وقوله {هل ي
يعني هل ينظر هؤالء المتبعون خطوات الشيطان إال يوم القيامة ،يوم يأتيهم اهلل والمالئكة؛ وذلك لفصل القضاء بينهم".
و(الغمام) :هو السحاب األبيض الرقيق.
َْ ُ
ِض اْل ْم ُر} أي :وجب العذاب وفرغ من الحساب والجزاء بالحق بين الخلق يوم القيامة.
{ َوق ِ َ
َ ْ َ ُ ُ َ َّ َ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َ َ ُ
قال{ :هل ينظرون إَِّل أن تأت ِيهم المَلئِكة} [األنعام]١٥٨ :
وذلك لقبض أرواحهم.
ْ َ َ َ ُّ َ ْ َ
ك} ذلك للفصل والقضاء بين الناس. {أو يأ ِِت رب
َ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ
ك} أي طلوع الشمس من مغربها. ِت َبعض آيَ ِ
ات رب ِ {أو يأ ِ
ًّ
َ َ َ َ ُّ َ َ َ ُ ًّ
َ َ ْ َُ ًّ ًّ َْ ُ َّ َ َ َّ
ك َصفا َصفا} [الفجر.]٢١٢٢ : ت اْل ْرض دَك دَك ( )٢١وجاء ربك والمل
قالّ{ :لَك إِذا دك ِ
َُ َْ ً ُ َ ْ َ َْ
قالَ { :ويَ ْو َم تشق ُق َّ َ َ َّ
اء بِالي َم ِام َونزِل ال َمَلئِكة تنِيَل} [الفرقان]٢٥ :
الس َم ُ
هذه اآليات كلها فيها إثبات المجيء واإلتيان هلل سبحانه وتعالى يوم القيامة؛ للفصل بين العباد.
ما كيفية المجيء؟ ال نعلم ذلك؛ ألن اهلل عز وجل لم يخبرنا عن الكيفية ،أخبرنا بالفعل ولم يخبرنا عن الكيفية.
ْ َْ ْ َ
ََْ ٰ َ ُْ َ َ ُ َ
اْلك َر ِام} [الرحمن]٢٧ : َ
َق وجه ربِك ذو اْلَل ِل و ِ ثم انتقل إلى بيان صفة [الوجه] فقال :وقوله {ويب
أي :ذو العظمة والكبرياء ،واإلكرام :يعني الذي يكرم أنبياءه وأولياءه.
َّ ُ ُّ َ
َش ٍء َهال ٌِك إَِّل َو ْج َه ُه} [القصص]٨٨ :
قال{ :ك ْ
كل شيء يفنى إال اهلل سبحانه وتعالى ،فإنه الدائم الباقي الحي القيوم سبحانه وتعالى.
حقيقي يليق بجالله وعظمته ال يشبه أوجه المخلوقين.
ٌّ وهاتان اآليتان فيهما إثبات صفة الوجه هلل سبحانه وتعالى ،ووجه اهلل وجهٌ
َْ
ْ ُ َ َ َ َ
َ َ َ َ
ثم انتقل إلى بيان صفة [اليدين] فقال :وقوله {قال يَا إبْل ُ
ت بِيَ َد َّي} [ص.]٧٥ :
خلق ُ ِيس َما َمنَ َعك أن تسجد ل ِما ِ
أي شيء يا إبليس منعك من السجود آلدم الذي خلقته بيدي بدون واسطة( ،وهذا االستفهام للتوبيخ واإلنكار).
ُْ ٌَ
َ ُ ُ َ ُ َّ ْ َ َ
اَّلل ِ َميلولة} [المائدة.]٦٤ : قالَ { :وقال ِ
ت اَلهود يد
يعني محبوسة مقبوضة عن اإلنفاق.
َ َ َ ْ
ت أيْدِيه ْم َولعِنُوا ب َما قالوا بَل يَ َداهُ َمب ْ ُس َ َ ُ ُ َ ُ َّ
وطتَان يُنفِ ُق كيْف يَش ُ
اء} اهلل عز وجل ال يمنعه من اإلنفاق شيء. {غل ْ
ِ ِ ِ
﴿﴾- 33 -
ثم انتقل إلى بيان صفة [العينين] هلل تعالى فقال:
َ َ َْ َ ََّ ْ ْ
ك بِأعيُنِنَا} [الطور.]٤٨ : ِلك ِم َربِك فإِن اص ْ
ب ُِوقوله{ :و ِ
يعني اصبر لقضاء ربك؛ فإنك بمرأى منا؛ نرى ونسمع ما تقول وتفعل ،حيث نراك ونحفظك ونحوطك ونحرسك ونرعاك.
ات أل َو ٍ َ ُ ُ َ َ َْ ََ َ َ ْ
س} [القمر ]١٣ :أي :على سفينة.
اح ود ٍ وقولهَ { :وْحلناهُ لَع ذ ِ
َ ْ َ
{َتْرِي بِأعيُنِنَا} [ال َق َم ِر ]١٤أي :بمرأى منا.
ُ َ َ َ ً َ ْ َ َ
{جزاء ل ِمن َكن كفِر} [ال َق َم ِر ]١٤أي :جز ً
اء على كفرهم.
َ ْ ُ َ ْ َ ََ ً َ ََْ
ك ُم َّبة م ِِن} [طه.]٣٩ : قال{ :وألقيت علي
يا موسى أحببتك وحببتك إلى عبادي؛ فما رآه أحد إال أحبه.
{ َوَلِ ُ ْصنَ َع َ ٰ َ
لَع َعيْ ِن} [طه .]٣٩ :أي :ل َتربَّى وتُ َّ
غذى بمرأى ومنظ ٍر ورعاية مني.
﴿﴾- 35 -
َ َ َ ْ َ ْ ْ َّْ
ْي َّل َي ْعل ُمون} [المنافقون ]٨ :وهذا رٌد على المنافقين الذين زعموا
ِْي َولٰك َّن ال ُمنَافِق َ
ِ ِ قال :وقوله { َو َِّلل ِ العِ َّزةُ َول َِر ُس ِ
وَل ِ َول ِل ُمؤمِن َ
سؤال التكليف
﴿﴾- 36 -
المحاضـرة السابعــة
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ،وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد مع [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية] ،وهذه هي
المحاضرة السابعة.
كفوا أحد".
وكنا وصلنا في اللقاء السابق عند قول المصنف " :ولم يكن له ً
يك في خلقه سبحانه وتعالى.
مثيل وال شر ٌ
يعني ليس هلل عز وجل ولد وال والد وال صاحبة ،وال ٌ
َ َ َ َ َ
قال{ :فَل َتْ َعلوا ِ ََّّلل ِ أ َ ََ َ ُ ْ
ند ًادا َوأنتُ ْم ت ْعل ُمون} [البقرة]٢٢ :
يعني ال تصرفوا شيئًا من العبادة لغير اهلل سبحانه وتعالى.
والندُّ :هو المثيل والشبيه.
َّ َ
َّ َ ً ُّ ُ ْ ُ َ ُ ُ َ قالَ { :وم َِن اَلَّ ِ َ َّ ُ
اَّلل ِ} [البقرة.]١٦٥ : ب
ون اَّلل ِ أندادا ُيِبونهم كح ِ اس من َيت ِ
خذ مِن د ِ
أمثاال ونظراء يعبدونهم كما يعبدون اهلل سبحانه وتعالى ،ويحبونهم كمحبتهم هلل سبحانه وتعالى.
أندادا ،أي ً
يعني بعض الناس يتخذ ً
ََ َّ
ِين َآمنُوا أش ُّد ُح ًّبا ِ ََّّللِ} [البقرة]١٦٥ :
قالَ { :واَّل َ
يعني :المؤمنون أشد حبًّا هلل سبحانه وتعالى من متخذي هذه األنداد ألندادهم؛ وذلك لتمام معرفتهم به وتوقيرهم وتوحيدهم له،
فال يشركون به شيئًا بل يعبدونه وحده سبحانه وتعالى.
َّ ْ َ َّ َ َّ ْ ُ
اِل ْم ُد َِّلل ِ اَّلِي ل ْم َيت ِ
خذ َو ًَلا} [اإلسراء]١١١ : قالَ { :وقل َ
ِ
قل يا محمد :الحمد هلل.
والحمد :هو الثناء على اهلل سبحانه وتعالى بما هو أهله.
َّ ْ َ َ َّ
خذ َو ًَلا} [اإلسراء.]١١١ :
{اَّلِي ل ْم َيت ِ
يعني لم يكن له ولد سبحانه وتعالى؛ ألن الولد صفة نقص واهلل عز وجل منزه عن النقص.
ُّ َّ
َ ْ َ ُ َ ٌ ْ ْ ُ َ َ َ
كن َُل َو ِ ٌِّل م َِن اَّل ِل} [اإلسراء.]١١١ : قالَ { :ول ْم يَك ْن َُل ْشِيك ِِف ال ُمل ِ
ك ولم ي
ولي أو وزير أو ُمشير؛ بل هو خالق األشياء وحده سبحانه وتعالى.
يعني ليس بذليل فيحتاج إلى أن يكون له ّ
بهُ تَكب ً
قالَ { :وك ْ ْ َ
يا} [اإلسراء]١١١ : ِ ِ
ولي.
كبيرا ،وعن أن يكون له شريك أو ّ يعني عظِّمه وأجله عما يقول الظالمون المعتدون ً
علوا ً
َ َ ََ ُ ْ َ َ ْ ْ َْ
قال :وقوله{ :ي ُ َسب ُح ِ ََّّلل ِ َما ِف َّ
َش ٍء قد ٌ
لَع ك ْ ُ ُ ُ َ ُ َُْ ََُ ْ او َ َ
الس َم َ ِ
ِير} [التغابن]١ : ات وما ِِف اْلر ِض َل الملك وَل اِلمدۖ وهو ٰ ِ ِ ِ
يعني :جميع المخلوقات تسبح هلل سبحانه وتعالى وتقدسه.
والتسبيح هو :التنزيه عن كل نقص وعيب.
ُ ُ ُ ْ َ َ ْ ْ
اِل ْم ُد} [التغابن]١ :
ك َو َُل َ قالَ{ :ل المل
﴿﴾- 37 -
الملك الحقيقي كله هلل ،أما ُملك اإلنسان فملك مجازي؛ يملك اليوم ثم يفقد غ ًدا ،إذا مات البد أن يترك كل شيء .أما ملك اهلل
فهو على الحقيقة ال ينفد.
ْ َ
اِل ْم ُد} [التغابن ]١ :يعني له جميع أنواع الثناء ،سبحانه وتعالى.
{ َو َُل َ
َش ٍء قد ٌ
لَع ك ْ ََُ َ َ ََ ُ
ِير} [التغابن ]١ :يعني ال يعجزه شيء سبحانه. {وهو ٰ ِ
َ ُ َ ْ َ
لَع َعبْ ِده ِ َِلَكون ل ِل َعالم َ
ْي نذ ً َ َ ُْ َ َ ََ
ار َك اَّلِي ن َّزل الف ْرقان ٰ
وقوله{ :تبَ ََّ َ
ِيرا } [الفرقان]١ : ِ
تبارك :تعاظم.
والفرقان :هو القرآن .وسمي بذلك؛ ألنه يفرق بين الحق والباطل.
على عبده :أي محمد ،هذا صفة مدح؛ ألنه أضافه إلى عبوديته.
نذيرا ،أي :القرآن.
ليكون للعالمين نذيرا :أي ليكون للجن واإلنس ً
ً َ َ َّ َ ُ َ ْ ْ ُ ْ َ َ َ َ ُ َّ َ َ ْ َ ْ ِ َ َ ْ َ َّ ْ َ َ ً َ َ ْ َ ُ َّ ُ َ ٌ ك َّ
الس َم َ َُ ُ ْ ُ َّ
ك وخلق ك َش ٍء فقدره تقدِيرا} خذ وَلا ولم يكن َل ْشِيك ِِف المل ِ ات واْلرض ولم يت ِ او ِ قال{ :اَّلِي َل مل
[الفرقان.]٢ :
يعني كل شيء في هذا الكون هو هلل سبحانه وتعالى ،له ملك السماوات واألرض ،وليس له ولد سبحانه وتعالى ،وال شريك ،وكل
شيء خلقه فقدره تقديرا.
َ َ َ َ َّ َ َ
قال :وقولهَ { :ما اُتذ َّ ُ
اَّلل مِن َو ٍَل َو َما َكن َم َع ُه م ِْن إِل ٰ ٍه} [المؤمنون .]٩١ :أي :شريك
َ ُ ُّ َ ً َّ َ
ب ك إِل ٰ ٍه ب ِ َما َخل َق} [ المؤمنون]٩١ :
{إذا َّل َه َ
ِ
يعني لو ُوجد عدد من اآللهة لتشاجر وتصارع هؤالء اآللهة ،وكل إ ٰله يذهب بما خلق ،يستولي على ما خلقه ،فهنا يضطرب العالم
ولم ينتظم أمره.
ُ َ َ ََ َ َ
اَّلل ِ َع َّما يَ ِصفون} [المؤمنون.]٩١ :
َّ لَع َب ْعض ُسبْ َ
حان َ َ َْ ُ ُ ْ
قال{ :ولعَل بعضهم ٰ ٍ
يعني :طلب بعضهم مغالبة البعض اآلخر كما يفعل ملوك الدنيا ،كل ملك يريد أن ينتصر على اآلخر.
ْ َ َ َ َّ َ َْ
ادة ِ} [المؤمنون.]٩٢ : {َعل ِ ِم اليي ِ
ب والشه
يعني :اهلل عز وجل يعلم ما غاب عنا وما شهدناه.
ْ ُ َ
َ َ ٰ َ َّ ُ َ َ
ْشكون} [المؤمنون.]٩٢ :
{فتعاَل عما ي ِ
يعني تقدس وتنزه عما يقول الظالمون.
َْ َ َ َ ْ ََ
ْضبُوا ِ ََّّلل ِ اْل ْمثال} [النحل.]٧٤ :
قال :وقوله{ :فَل ت ِ
وأمثاال ،وال تشبِّهوه بخلقه وتجعلون له شري ًكا؛ فإنه واح ٌد ال َّ
ند له. وأشباها ً
ً أندادا
يعني ال تجعلوا له ً
َّ َّ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ
قال :وقوله{ :إِن اَّلل يعلم وأنتم َّل تعلمون} [النحل.]٧٤ :
اف.]٣٣ :ّب ال ْ َف َو اح َِش} [األَعر ِ وقوله{ :قُ ْل إ َّن َما َ
ح َّر َم َر َ ِ
َ ِ
الفواحش :هي الذنوب العظيمة ،مثل الزنا واللواط.
﴿﴾- 38 -
َ
قالَ { :ما ظ َه َر مِنْ َها َو َما َب َطن} [األعراف.]٣٣ :
ُسر.
وما بطن :أي ما بطن فحشه وأ ِّ ما ظهر منها :أي ما ظهر فحشه وأُعلن للناس.
ْ
َيْغ بي ْي َ َ ْ ْ ْ ْ
اِل ِق} [األعراف]٣٣ : { َو ِ َ َ َ َ
اْلثم واْل ِ ِ
والبغي :أي الظلم. واإلثم :أي المعاصي.
بغير الحق :هذا فيه إشارة إلى أن كل بغي فهو بغير الحق ،وليس أن البغي ينقسم إلى قسمين؛ ألن البغي كله بغير حق.
ُ َْ ً َّ َ َ ْ َ ْ ََ ُْ ُ
ْشكوا بِاَّلل ِ ما لم ينِل بِهِ سلطانا} [األعراف.]٣٣ :
{وأن ت ِ
السلطان:هو الحجة والبرهان.
اهلل عز وجل يريد أن يتهكم بالمشركين؛ ألن اهلل عز وجل ال ينَ ِّزل برهانًا أل ْن يكون غيره شري ًكا له.
َ َ َ َ َّ ََ َُ ُ َ
اَّلل ِ َما َّل ت ْعل ُمون} [األعراف]٣٣ : قالَ { :وأن تقولوا لَع
يعني ال تقولوا على اهلل سبحانه وتعالى ما ال علم لكم به.
هذه اآليات كلها تفيد نفي الشريك عن اهلل سبحانه وتعالى.
أيضا إثبات تفرد اهلل عز وجل بالكمال المطلق ،ونفي الولد للمثل عنه سبحانه ،وأن جميع المخلوقات تنزهه وتقدسه
وتفيد ً
سبحانه وتعالى.
ََْ ٰ َْ َّ َ ُ ََ ْ ْ
ورةُ طه.]٥ : ثم قال :وقوله{ :الرْحن لَع العر ِش استوى} ُ
[س َ
استوى :يعني عال وارتفع وصعد واستقر.
قال :ثم استوى على العرش سبحانه وتعالى في ستة مواضع أي من القرآن.
فسروا االستواء باالستيالء وقولهم باطل.
وأهل التعطيل َّ
استدلوا بقول الشاعر:
دم ِمهراق قد استوى بِ ْشر على العراق .....من غير ٍ
سيف أو ٍ ٌ
ونسبوا هذا البيت لألخطل.
ولكن في الحقيقة هذا البيت غير موجود في دواوين األخطل ،بل ال يُعرف قائله.
ثم إن أهل اللغة مجمعون على أن االستواء ال يأتي بمعنى االستيالء.
ولو افترضنا صحة هذا البيت فإنه ال يُحتج به؛ ألن قائله نصراني وال يحتج بكالم نصراني على عقيدة المسلم.
ََُ َ َ َ ُ َ َ ثم قال :وقوله{ :إذْ قَ َال َّ ُ
اَّلل يَا ع َ
ك إ ِ ََّل} [آل ِع ْم َرا َن.]٥٥ : ِيَس إ ِ ِّن متوف ِيك وراف ِع ِ
نيمك.
متوفيك ،يعنيُ :م ُ
َ ََََ ُ َُ
اكم بِالليْ ِل} [األَنْ َع ِام.]٦٠ :كما في قولهَ { :وه َو اَّلِي يتوف
إلي ،يعني :إلى السماء ،وهو حي ؛ فعيسى حي في السماء.
ورافعك ّ
ِّس ِاء.]١٥٨ :
ن [ال اِيم اَّلل إ ََلْهِ َو ََك َن َّ ُ
اَّلل َعز ً
يزا َ
حك ً قال{ :بَل َّر َف َع ُه َّ ُ
َ } ِ ِ
إليه (إلى السماء). رفع اهلل عز وجل المسيح ،وهو حي.
﴿﴾- 39 -
هذا فيه رد على اليهود الذين يزعمون أنهم قتلوه.
َْ
قال :وقوله{ :إَلْهِ يَ ْص َع ُد الَك ُِم َّ َ
الطي ِ ُب} [فاطر.]١٠ : ِ
الكلم الطيب هو :الذكر والتالوة والدعاء ونحوه.
َ
قالَ { :وال َع َمل َّ ُ ْ
الصال ُِح يَ ْرف ُع ُه} [فاطر.]١٠ :
العمل الصالح يرفع الكلم الطيب.
يؤد فرائضه؛ رد كالمه ولم يقبله.
الكلم الطيب ال يُقبل إال مع العمل الصالح؛ فمن ذكر اهلل ولم ِّ
َ َ
َص ًحا لَّ َعل أبْلُ ُغ ْاْل ْس َب َ ََ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ ُ
ان ابْن َل َ ْ
اب} [غَافِ ٍر.]٣٦ : ِ ِ ِ قال :وقوله{ :وقال ف ِرعون يا هام
األسباب :يعني الطرق.
َ َ َ اوا َ َّ َ َ َ ُ َ َ َ
ِإَوّن ْل ُظ ُّن ُه َكذِبًا} [غَافِ ٍر]٣٧ : {أ ْسبَ َ
اب َّ
الس َم َ ِ
ت فأطل ِع إ ِ َٰل إِلـٰهِ موَس ِ
يعني يريد أن ينظر إلى إ ٰله موسى ،ويقول إني ألظن موسى كاذبًا فيما يقول إن له ربا غيري أرسله َّ
إلي.
َ َ َ َ َُ ُ َْ َ َ َ َ
الملۡ ِك.]١٦ : ُ ُ َّ َ َ ُ َّ
قال{ :ءأمِنتم من ِِف السماءِ أن َيسِف بِكم ْۡلرض فإِذا ِه تمور} [ ُ
يعني تضطرب وتذهب وتجيء ،هل أمنتم ربكم الذي على السماء أن يخسف بكم األرض فإذا هي تضطرب؟!
و(في) هنا بمعنى (على).
َ َ َ َّ ُ
كم ِف ُ ُ َُ
وع َۡلَّخ ِل} [طه.]٧١ :
جذ ِ ِ كما في قوله{ :وْلصل ِبن
يعني على جذوع النخل.
ُ َ َ َ َ َ
قال{ :أم أمِنتُم َّمن ِف َّ َ َ
ۡلس َمآءِ أن يُرسِل عليكم ح ِ
اصبا} [الملك.]١٧ : ِ
يحا فيها حجارة صغيرة.
حاصبًا :يعني ر ً
َ َ َ َ َ َ
{ف َستَعل ُمون كيف ن ِذيرِ} [الملك.]١٧ :
يعني كيف يكون إنذاري وعاقبة من تخلف عنه وكذب به.
َ َ َ َّ َ َّ ُ َّ َ َ ٰ َ َ َ َ خلَ َق َّ َ ُ َّ
رض َو َما َي ُر ُج مِن َها
ى لَع ۡل َعر ِش َيعل ُم َما يَل ُِج ِِف ْۡل ِ ٰت َوْۡلرض ِِف سِتةِ أيام ثم ۡستو ۡلس َمـٰ َوۖ ِ ثم قال :وقوله{ :ه َو َّۡلِي
﴿﴾- 40 -
وهو معكم :اهلل عز وجل معكم بسمعه وبصره ،يسمع كالمكم ،ويرى مكانكم ،ويعلم سركم ونجواكم.
﴿﴾- 41 -
َّ َ َّ
خاصة بوصف كوصف المتقين{ :إن َّ َ
اَّلل َم َع اَّل َ َّ
ِين اتقوا} [النحل]١٢٨ : ِ
َ ُّ ْ َّ
ِين ُهم ُمسِنُون} [النحل.]١٢٨ :
أو اإلحسانَّ { :واَّل َ
أو الصبر{ :إن َّ َ
اَّلل َم َع َّ
الصابر َ َّ
ين} [البقرة.]١٥٣ :ِِ ِ
وأما الخاصة بشخص:
ََّ ْ ْ َ َ َ
َّۡلل َم َعنَا} [التوبة.]٤٠ : كقوله تعالىَّ{ :ل َت َزن إِن
مع النبي وأبي بكر .
َ َ ُ َّ
أيضا{ :إِنن َم َعك َما أ ْس َم ُع َوأ َر ٰ
ى} [طه.]٤٦ : وقال ً
ِ
أي :مع موسى وهارون .
ثم تكلم عن صفة الكالم ،كالم اهلل سبحانه وتعالى فقال:
َ َّ ً
وقولهَ { :و َم ْن أ ْ ُ َ
اَّلل ِ َحدِيثا} [النساء.]٨٧ : ص َدق مِن
ً َ َ ْ َ ْ َ ُ َ َّ
وقوله{ :ومن أصدق مِن اَّلل ِ قِيَل} [النساء ]١٢٢ :يعني ال أحد أصدق من اهلل سبحانه وتعالى بقوله وحديثه.
َ َ ََ َّ ُ َ ٰ َ َ َ
المائِ َدةِ ]١١٦ :أي :هذا يدل على أن اهلل يتكلم.
قال :وقولهِ{ :إَوذ قال َّۡلل يـعِيَس ۡبن مريم} [ َ
ك ْ َ َ َْ َّ ْ َ ُ َ َ ً ً َ َ
صدقا وعدَّل} [األنعام ]١١٥ :هذا يدل ً
أيضا على أن اهلل سبحانه يتكلم؛ فالكالم يوصف ِ قال :وقوله{ :وتمت ك ِمت رب ِ
بالصدق والعدل.
أما الكالم المجازي فال يوصف بهذا.
وَس تَكل ً قالَ { :وَك َم َّ ُ
اَّلل ُم َ ٰ ْ َ َّ
ِيما} [النساء.]١٦٤ :
وقال{ :مِنْ ُهم َّمن ك َم َّ ُ َ َّ
اَّلل} [البقرة .]٢٥٣ :اهلل عز وجل كلّم بعض األنبياء.
اء ُم َ َٰ َّ َ َ
وَس ل ِ ِميقات َِنا َوَك َم ُه َر ُّب ُه} [األعراف ]١٤٣ :أي :أسمعه كالمه. ج َقالَ { :ول َّما َ
﴿﴾- 42 -
َ ُ ُ ُ ُ َ َ ُ َ ُ َ َ ٰ َ َّ ُ َّ َ َّ ُ َ َ َ ُ َ َ َّ
وقوله تعالى{ :يرِيدون أن يبدِلوآ كـم َّۡلل ِ قل لن تتبِعونا كذٰۖل ِكم قال َّۡلل مِن قبل} [ال َفتۡح.]١٥ :
َت َد مِن ُدونِهِۦ ُملتَ َح َدا} [ال َكهۡ ِ ََ َ ك ََّل ُمبَد َِل ل ََِك َِمـٰ
َ َ َ ُ َ ُ ِ َ َ َ
ك مِن ك َ
ف ]٢٧ :أي :كلماته ِ ن ل و ِۦ هِ ت ب
ِ ِر ابِت وقال{:وۡتل مآ أوِح إَِل
الكونيًة والشرعيّة ،فال أحد يستطيع أن يبدل كلمات اهلل سبحانه وتعالى.
َ ُ َ َّ
سٰۖۖۤءِي َل أك َ َ َ َ
َّ َ َ ُ َ َ َ ُ ُّ َ
َّۡلي ُهم فِيهِ َيتَل ِفون } [النَّمۡ ِل.]٧٦ :
ث ِ لَع بَنۤ إ َ
وقوله { :إِن هـٰذا ۡلقرءان يقص ٰ ِ ِ
ٍ
وحينئذ يكون القرآن كالم اهلل تعالى. قوال؛
والقصص ال يكون إال ً
هذه اآليات كلها فيها إثبات الكالم هلل سبحانه وتعالى ،وأن اهلل يتكلم بحرف وصوت متى شاء ،وإذا شاء سبحانه وتعالى.
ثم تكلم المصنف عن" :القرآن ٌ
منزل من اهلل تعالى".
َ
فقال :وقولهَ { :و َهـٰ َذا كِتَـٰ ٌ
ار ٌك} [األَنۡ َع ِام ]٩٢ :أي :من اتبعه حصلت له البركة في الدنيا واآلخرة.
نزَلَـٰ ُه ُم َب َ
بأ َ
ُ ُ َ َ َ َُ ُُ َ ٌ َ ُ َّ َ
ُ ُ َ َ ُ ُ َ َّ َ َ َ َّ ََ
ورةُ النَّحۡ ِل ]١٠٣ :يعني :يميلون إليه ويقولون إن {ولقد نعلم أنهم يقولون إِنما يعل ِمهۥ بْش ل ِسان َّۡلِي يل ِحدون إَِلهِ} ُ
[س َ
النبي أخذ عنه.
{أع َ َ
ج ِ ٌّ
م} [النحل ]١٠٣:يعني ال يتكلم الكالم الفصيح.
ََٰ َ َ ٌ
ان َع َرّب ُّمب ٌ
ْي} [ النحل ]١٠٣ :يعني القرآن هذا فصيح ،بلغة عربية ،فكيف يكون النبي أخذه من هذاِ ِ {وهـذا ل ِس
األعجمي.
هذا كله فيه إثبات أن القرآن نزل من عند اهلل ،وأنه كالم اهلل ال كالم غيره.
ثم تكلم بعد ذلك عن مسألة[ :رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة].
َّ
اِضةٌ} [القيامة ]٢٢ :يعني :حسنة بهيَّة.
جوه يَو َم ِٕىذ ن ِ َ
فقال :وقولهُ { :و ُ
َ َ
{إ ِ َٰل َرب ِ َها ناظ َِرةٌ} [القيامة ]٢٣ :يعني :تراه عيانًا.
﴿﴾- 43 -
َ ُ ُ َ َ ََ َْ
ك ينظرون} [المطففين ]٣٥ :يعني :على ُّ
السرر. قال{ :لَع اْلرائ ِ ِ
س ]٢٦ :يعني :للذين أحسنوا العمل في الدنيا "الحسنى" وهي :الجنة. نو [ي ُ َٰ َ َ َ
ادةٌ ي زو نس ِۡل آ وِّلي َن أَح َسنُ
ِ
َّ
قال :وقوله { :ل
ُُ َ } ِ
والزيادة :هي النظر إلى وجه اهلل الكريم ،بذلك فسرها النبي .
َ َ َ َ
قال :وقوله{ :ل ُهم َّما ي َشآ ُءون فِي َها َو ََلينَا َمزِي ٌد} [قۡ.]٣٥ :
َ َ َ
{ل ُهم َّما ي َشآ ُءون فِي َها} [قۡ ]٣٥ :أي :في الجنة.
َ
{ َو ََلينَا َمزِي ٌد} [قۡ ]٣٥ :هو النظر إلى وجه اهلل سبحانه وتعالى.
وقد أجمع أهل السنة على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة.
ومن أنكر الرؤية (رؤية اهلل سبحانه وتعالى يوم القيامة) فقد كفر ،عليه لعنة اهلل وغضبه ،كما قال اإلمام أحمد .
والرؤية ممكنة في اآلخرة فقط .أما في الدنيا فال يرى أحد ربه سبحانه وتعالى ،وهذا باتفاق المسلمين.
ثم قال" :وهذا الباب في كتاب اهلل تعالى كثير"
يعني باب [األسماء والصفات].
ومن تدبر القرآن طالبًا للهدى منه؛ تبيَّن له طريق الحق .يعني :اتضح له سبيل الصواب والحق.
نكتفي بهذا القدر ونأخذ أسئلة التكليف:
األسئ لة
-السؤال األول :اذكر دليلين على إثبات صفة الكالم هلل سبحانه وتعالى.
-السؤال الثاني :اذكر األدلة التي ذكرها المصنف على إثبات رؤية
المؤمنين ربهم يوم القيامة.
﴿﴾- 44 -
المحاضـرة الثاـمنــة
وسالما على إمام المرسلين نبينا محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين.
ً بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصال ًة
مرحبًا بكم أيها الفضالء وأيتها الفضليات في هذا اللقاء الطيب المتجدد مع [الجامع لمسائل الواسطية] وهذه هي المحاضرة
الثامنة.
وكنا وصلنا في اللقاء السابق عند قول المصنف " :ثم ِ
سنة رسول اهلل تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه".
المصنف بعد أن ذكر "أدلة القرآن على إثبات صفات اهلل"
شرع في ذكر" :أدلة السنة" على ذلك .وذلك ألجل أن السنة هي األصل الثاني الذي يجب الرجوع إليه بعد كتاب اهلل تعالى.
وقوله" :تفسر القرآن" أي :تبينه وتوضحه فمن اآليات ما فسرتها السنة.
َ َْ َ
ٰ َ ُ ُ ْ ُ َ ُ ُّ ْ َ ُ ْ ُ َ
َ ُ ُ َ َ َُ َ ْ َ ُ ْ َ َّ
ومن ذلك قول اهلل تعالى{ :اَّلِين آمنوا ولم يلبِسوا إِيمانهم بِظل ٍم أولئِك لهم اْلمن وهم مهتدون} [األ َ
َنعام.]٨٢ :
ففسر النبي الظلم بالشرك.
َّ ُ ُ ْ َ َ ْ َّ ُ َ َ ُّ َ
أيضا قول اهلل تعالى{ :وأعِدوا لهم ما استطعتم مِن قو ٍة} [األَن َفال .]٦٠ :فسر النبي القوة :بالرمي.
ومن ذلك ً
وقوله" :وتبيِّنه" أي :توضح ما أُجمل في القرآن.
َ
الصَلةَ َوآتُوا َّ َ َ
الزَكةَ} [البَ َق َرة.]٤٣ : ِيموا َّ
ومن ذلك قول اهلل تعالىَ { :وأق ُ
قال :مثل قوله " : ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل اآلخر ،فيقول :من يدعوني فأستجيب له ،من
يسألني فأعطيه ،من يستغفرني فأغفر له" [متفق عليه].
هذا الحديث فيه إثبات صفة [النزول] هلل سبحانه وتعالى؛ اهلل عز وجل ينزل في الثلث األخير من الليل نزوًال حقيقيًّا يليق بجالله،
ال يشبه نزول المخلوق.
﴿﴾- 45 -
الملك" :من يدعوني
قالت المبتدعة :إنما ينزل أمر اهلل ،أو رحمة اهلل ،أو ملك من مالئكة اهلل ،وهذا باطل؛ ألنه ال يصح أن يقول َ
فأستجيب له ،من يسألني فأعطيه ،من يستغفرني فأغفر له.
هل يخلو العرش من اهلل عز وجل عند نزوله؟
اختلف أهل السنة على أقوال:
والصواب :أنه ال يزال فوق العرش ،وال يخلو العرش منه مع ُدنُ ِّوه سبحانه وتعالى من خلقه ونزوله إلى السماء الدنيا ،وال يكون
العرش فوقه.
فرحا بتوبة عبده من أحدكم براحلته" [الحديث متف ٌق عليه] .هذا الحديث فيه :إثبات صفة
ثم قال" :وقوله :هلل أشد ً
[الفرح] هلل سبحانه وتعالى ،على الوجه الذي يليق به ،فرح ال يشبه فرح المخلوق.
وفسرت األشاعرة الفرح :بالرضا وهذا باطل؛ ألنه ثمة فروق بين الفرح والرضا ،منها:
أن الرضا عن الشيء من الطمأنينة.
أما الفرح ففيه الطمأنينة ،وزيادة البهجة ،والسرور ،واللذة.
ثم قال" :وقوله :يضحك اهلل إلى َرجلَين يقتل أحدهما اآلخر يدخالن الجنة" [متفق عليه].
هذا الحديث فيه إثبات صفة [الضحك] هلل عز وجل على الوجه الذي يليق به سبحانه ،وهو ضحك حقيقي وهو صفة فعلية.
قال" :وقوله :عجب ربنا من قنوط عباده( ،يعني يأس عباده) ،وقرب ِغيَ ِرهِ".
يعني قرب تغير الحال من شدة إلى رخاء.
لين قَنِطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب" [حديث حسن].
قال " :ينظر إليكم أَ ِز َ
يعني اهلل سبحانه وتعالى يعجب من يأس عباده من الفرج ،والفرج قريب منهم.
والعجب يكون ألحد شيئين:
إما خفاء األسباب :وهذا مستحيل على اهلل سبحانه وتعالى.
وإما يكون عن خروج الشيء عن نظائره وعما ينبغي أن يكون عليه ،وهذا هو الجائز في حق اهلل سبحانه وتعالى.
ثم قال " :وقوله : ال تزال جهنم يلقى فيها ،وتقول :هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها (وفي رواية :عليها) قدمه؛
فينزوي بعضها إلى بعض وتقول :قط قط" [متفق عليه].
هذا الحديث فيه إثبات صفة [ال َقدم] هلل سبحانه وتعالى ،وهي قدم حقيقية تليق به ،ال تشبه قدم المخلوق.
ثم قال" :وقوله :يقول اهلل عز وجل آلدم :يا آدم .فيقول :لبيك وسعديك .فينادي بصوت :إن اهلل يأمرك أن تخرج من
ذريتك بعثًا إلى النار" [متفق عليه].
وقوله " : ما منكم من أحد إال سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب وال ترجمان" [متفق عليه] .هذان الحديثان فيهما إثبات
صفة [الكالم] هلل سبحانه وتعالى.
كالما حقيقيًّا يليق به ،ال يشبه كالم المخلوقات.
اهلل سبحانه وتعالى يتكلم ً
﴿﴾- 46 -
قال" :وقوله في رقية المريض :ربنا اهلل الذي في السماء! أمرك في السماء واألرض ،كما رحمتك في السماء ،اجعل رحمتك في
وشفاء من شفائك على هذا الوجع ،فيبرأ" .أي يُشفى.
ً األرض ،اغفر لنا حوبَنا وخطايانا ،أنت رب الطيبين ،أن ِزل رحمة من رحمتك
(رواه أبو داود).
وقوله " :أال تأمنوني وأنا أمين من في السماء"( .رواه البخاري وغيره).
وقوله " :والعرش فوق ذلك ،واهلل فوق العرش ،وهو يعلم ما أنتم عليه"( .رواه أبو داود ،والترمذي وغيرهما).
وقوله للجارية" :أين اهلل؟ قالت :في السماء ،قال :من أنا؟ قالت :أنت رسول اهلل ،قال :أعتقها فإنها مؤمنة"( .رواه مسلم).
هذه األحاديث فيها إثبات صفة [علو اهلل سبحانه وتعالى].
ثم قال" :وقوله :إذا قام أحدكم إلى الصالة فإن اهلل قِبل وجهه (أي :أمامه) ،فال يبصقن قبل وجهه وال عن يمينه ،ولكن عن
يساره أو تحت قدمه"
ورب األرض ،ورب العرش العظيم! ربنا ورب كل شيء! فالق الحب والنوى! منزل
وقوله " :اللهم رب السماوات السبع! ّ
التوراة واإلنجيل والفرقان! أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ،أنت األول فليس قبلك شيء ،وأنت اآلخر فليس بعدك
شيء ،وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ،وأنت الباطن فليس دونك شيءِ ،
اقض عني الدين ،وأغنني من الفقر" .رواه مسلم
"وقوله لما رفع أصحابه أصواتهم بالذكر ،قائلين :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،ال إله إال اهلل( .وذلك عند رجوعهم من غزوة خيبر) قال:
سميعا قريبًا ،إن الذي تدعونه
أصم وال غائبًا؛ إنما تدعون ً
"أيها الناس اربعوا على أنفسكم (هونوا على أنفسكم؛ فإنكم ال تدعون ّ
أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته" .متفق عليه.
وهذه األحاديث كلها فيها إثبات [قرب اهلل سبحانه وتعالى من خلقه] يسمع أصواتهم الخفية ،كما يسمع أصواتهم الجهرية.
والقرب قربان:
قرب خاص :وهو قرب اهلل من عباده المؤمنين.
وقرب عام :وهو قربه سبحانه وتعالى من كل الخلق .ومعناه قرب اإلحاطة ،والعلم ،والقدرة ،ونحو ذلك.
ٌ
ثم قال " :وقوله :إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ،ال تضامون في رؤيته ،فإن استطعتم أال تُغلبوا على صالةٍ قبل
طلوع الشمس ،وصالة قبل غروبها؛ فافعلوا" [متفق عليه].
هذا الحديث فيه إثبات [رؤية اهلل سبحانه وتعالى].
المؤمنون يرون اهلل عز وجل في اآلخرة يوم القيامة ،يرونه بأعينهم.
ثم قال" :إلى أمثال هذه األحاديث التي يخبر فيها رسول عن ربه بما يخبَر به".
أي أهل السنة يصدقون بكل ما جاء عن النبي وال يصرفون شيئًا عن ظاهره.
قال" :فإن الفرقة الناجية (أهل السنة والجماعة) يؤمنون بذلك ،كما يؤمنون بما أخبر اهلل به في كتابه ،فيصدقون بما جاء في
السنة ،كما يصدقون بما جاء في القرآن من غير تحريف وال تعطيل ،ومن غير تكييف وال تمثيل"
قال" :بل هم الوسط في فرق األمة ،كما أن األمة هي الوسط في األمم".
يعني أهل السنة والجماعة عدول متوسطون بين فريقي :اإلفراط :وهم «الغالة» ،والتفريط :وهم «الجفاة».
﴿﴾- 47 -
أهل السنة وسط بين هؤالء وهؤالء.
قال" :فهم وسط في باب صفات اهلل سبحانه وتعالى" أي في إثبات الصفات "بين أهل التعطيل".
الذين نفوا صفات اهلل وأسماءه كلها أو بعضها.
قال" :الجهمية" نسبة إلى الجهم بن صفوان الذي نفى جميع األسماء والصفات.
قال" :وبين أهل التمثيل المشبهة" الذين مثلوا اهلل عز وجل بخلقه.
أهل السنة وسط بين هؤالء وهؤالء ،فيثبتون هلل عز وجل ما أثبته لنفسه ،وما أثبته له رسوله من غير تشبيه وال تمثيل وال
تعطيل.
وقال" :وهم وسط في باب أفعال اهلل (أي في القضاء والقدر).
بين القدرية" .نسبة إلى القدر ،وهم جمهور المعتزلة ،وهم الذين غالوا في إثبات قدرة العبد ،فقالوا :العبد يخلق فعل نفسه دون
مشيئة من اهلل.
قال" :والجبرية" نسبة إلى الجبر ،وهم الجهمية واألشعرية ،وهم الذين غالوا في إثبات قدرة اهلل سبحانه وتعالى.
قالوا :اإلنسان مجبور على فعل نفسه.
أهل السنة وسط بين هؤالء وهؤالء.
يقولون :العبد له اختيار ومشيئة ،ولكن مشيئة العبد تحت مشيئة اهلل سبحانه وتعالى.
ْ َ َ
اء َّ ُ َ َّ َ ََ
اَّلل َر ُّب ال َعالم َ اءون إَّل أن يَش َ ََ
ْي} [التَّكۡ ِوير]٢٩ : ِ كما قال تعالى{ :وما تش ُ ِ
قال" :وفي باب وعيد اهلل (أي ما َتوعد به العصاة) بين":
"المرجئة" :وهم الذين قالوا :ال يضر مع اإليمان ذنب ،كما ال ينفع مع الكفر طاعة.
"وبين الوعيدية من القدرية وغيرهم" الذين قالوا :إن مرتكب الكبيرة إذا مات دون توبة؛ فهو خالد مخلد في النار.
أهل السنة وسط بين المرجئة والقدرية في باب الوعيد.
فيقولون :إن مرتكب الكبيرة تحت المشيئة ،إن شاء اهلل عذبه وإن شاء غفر له.
قال" :وفي باب اإليمان والدين"
أي مرتكب الكبيرة ،هل هو كافر أو مؤمن؟
"بين الحرورية" :وهم الخوارج الذين قالوا :مرتكب الكبيرة كافر في الدنيا ،مخلد في النار يوم القيامة.
"والمعتزلة" :وهم أتباع واصل بن عطاء ،الذين قالوا :مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن وال كافر في الدنيا؛ بل هو في منزلة بين
المنزلتين ،ومخلد في النار يوم القيامة.
قال" :وبين المرجئة والجهمية" الذين قالوا :مرتكب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان.
أهل السنة يقولون :مرتكب الكبيرة مؤمن ناقص اإليمان في الدنيا ،وفي اآلخرة تحت المشيئة ،إن شاء اهلل غفر له وإن شاء اهلل
عذبه.
قال" :وفي أصحاب رسول اهلل بين الروافض وبين الخوارج".
﴿﴾- 48 -
الروافض :الذين رفضوا خالفة الشيخين أبي بكر وعمر ،وقد َّ
كفروا الصحابة ،ولم يستثنوا إال آل البيت.
كثيرا من الصحابة ،وقاتلوهم واستحلوا دماءهم وأموالهم.
أما الخوارج :فهم الذين كفروا عليًّا ،وكفروا معه ً
أهل السنة وسط بين هؤالء وهؤالء؛ فهم يعترفون بالفضل ألصحاب النبي ،وأنهم أفضل األمة بعد نبيها .
ثم شرع في بيان أنه ال تعارض بين كون اهلل مستويًا على العرش وأنه مع خلقه.
فقال" :وقد دخل فيما ذكرناه من اإليمان باهلل :اإليمان بما أخبر اهلل به في كتابه ،وتواتر عن رسوله ،وأجمع عليه سلف
علي على خلقه ،وهو سبحانه معهم أينما كانوا ،يعلم ما هم عاملون".
األمة ،أنه سبحانه فوق سماواته على عرشهٌّ ،
َْ َ َّ َ َّ ُ َّ ْ َ َ ٰ َ َ ْ َْ َ خلَ َق َّ
َ ُ َّ
ى لَع ال َع ْر ِش َي ْعل ُم َما يَل ُِج ِِف اْل ْر ِض ات َواْل ْرض ِِف سِتةِ أيا ٍم ثم استو الس َم َ
او ِ كما جمع بين ذلك في قوله{ :ه َو اَّلِي
ص ٌ ون بَ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ َّ ُ َ َ ْ َ ُ َ
[الح ِديد]٤ : َ } ي ِ وما َيرج مِنها وما ينِل مِن السماءِ وما يعرج فِيها وهو معكم أين ما كنتمۖ واَّلل بِما تعمل
وليس معنى قوله "هو معكم" :أنه مختلط بالخلق؛ فإن هذا ال توجبه اللغة ،وهو خالف ما أجمع عليه سلف األمة ،وخالف ما
فطر اهلل عليه الخلق.
بل القمر آية من آيات اهلل من أصغر مخلوقاته ،ثم هو موضوع في السماء ،وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان.
وهو سبحانه فوق العرش ،رقيب على خلقه ،مهيمن عليهمُ ،مطَّلع إليهم ،إلى غير ذلك من معاني ربوبيته.
وكل هذا الكالم الذي ذكره اهلل من أنه فوق العرش وأنه معناٌّ ،
حق على حقيقته ،ال يحتاج إلى تحريف ،ولكن يصان عنه ظنون
الكذب.
المصنف يريد أن يقول :إن المعية (معية اهلل سبحانه وتعالى) حقيقية.
وذكر أن االختالط ال توجبه لغة العرب؛ ألن كلمة «مع» تعني مطلق المصاحبة ،ال تفيد اختالطًا وال اقترابًا.
ومن ذلك قول القائل :سرت والقمر معي؛ القمر في السماء ،والرجل في األرض ،هذا ال يلزم منه االختالط ،وال يمكن أن يقال
أن القائل كاذب.
كذلك القول باالختالط خالف ما أجمع عليه السلف.
فقد أجمع السلف على أن اهلل فوق عرشه ،وأنه بائن من خلقه ،وأنه مع خلقه ،ولكن هذا القول يصان عن الظنون الكاذبة ،فال
يقال إن اهلل عز وجل يحل بذاته في كل مكان ،كما تقول (الحلولية)؛ بل هو في السماء وهو معنا سبحانه وتعالى.
كما تقول :سرت والقمر معي ،فالقمر في السماء ،وأنت في األرض.
ثم قال" :وقد دخل في ذلك ،اإليمان بأنه قريب من خلقه".
اع إذَا َد ََعن فَلْيَ ْستَجيبُوا َل َو َْلُ ْؤمِنُوا ِب لَ َعلَّ ُهمْ
ِ يب أُج ُ
يب َد ْع َوةَ اَلَّ َ َ ََ َ
ك عِبَادِي َعن فَإّن قَر ٌ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِِ ِ كما قال سبحانه وتعالىِ{ :إَوذا سأل
ُ َ
َ ََ يَ ْرش ُدون} [الب قرة]١٨٦ :
قال النبي " :إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته" .أي دابته.
وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته ،ال ينافي ما نذكر من ُعلوه وفوقيته ،فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته،
يب في علوه سبحانه وتعالى.
علي في دنوه ،قر ٌ
وهو ُّ
﴿﴾- 49 -
إذن اهلل عز وجل قريب منَّا سبحانه وتعالى ،وليس معنى هذا أنه مختلط بعباده؛ بل هو فوق العرش سبحانه وتعالى ،وهو قريب منا
سبحانه.
نكتفي بهذا القدر ونأخذ أسئلة التكليف.
األسئ لة
-السؤال األول :اذكر ثالثة أحاديث دلت على بعض صفات اهلل سبحانه.
-السؤال الثاني :اذكر منزلة السنة من القرآن ،كما ذكر ذلك المصنف .
-السؤال الثالث :أهل السنة وسط بين فرق األمة ،وضح ذلك مع ذكر أمثلة على ما تقول.
-السؤال الرابع :هل المعية حقيقيةٌ أو ال؟ مع ذكر الدليل على ما تقول.
﴿﴾- 50 -
المحاضـرة التاسعـة
﴿﴾- 51 -
وهذا قول الكالبية ،يقولون :القرآن حكاية عن كالم اهلل.
يعني حكي بمرآه ،كما يحكي الصدى كالم المتكلم.
قال" :أو عبارةٌ عنه".
هذا قول األشاعرة يقولون :الكالم عبارة عن كالم اهلل.
يعني عبّر اهلل عن كالمه النفسي بحروف وأصوات خلقت.
واتفقت الكالبية واألشعرية على أن القرآن الذي في المصاحف ليس من كالم اهلل.
قال" :بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف ،لم يخرج بذلك عن أن يكون كالم اهلل حقيقة".
متكلما.
ً فإن الكالم ،إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئًا ال إلى من قاله مبلغًا مؤديًا .والمبلغ يسمى واسطة وال يسمى
الحروف دون المعاني".
َ كالم اهلل
قال" :وهو كالم اهلل حروفه ومعانيه ،ليس ُ
المعتزلة والجهمية يقولون :إن الكالم ليس معنى يقوم بذات اهلل ،بل هو شيء من مخلوقاته ،كالسماء واألرض ونحو ذلك.
كالما له ،كما خلق الناقة وسماها ناقة اهلل ،وكما خلق البيت وسماه بيت اهلل؛ ولهذا
يقولون :كالم اهلل حروف خلقها اهلل وسماها ً
كان الكالم عند الجهمية والمعتزلة هو الحروف؛ ألن كالم اهلل عندهم عبارة عن حروف وأصوات خلقها اهلل ،ونسبها إليه تشري ًفا
وتعظيما.
قال" :وال المعاني دون الحروف"
وهذا مذهب الكالبية واألشعرية.
يقولون :كالم اهلل معنى في نفس ،ثم خلق أصواتًا وحروفًا تدل على هذا المعنى إما عبارة أو حكاية.
ثم انتقل إلى بيان مسألة أخرى وهي :رؤية اهلل يوم القيامة
أيضا فيما ذكرناه من اإليمان به وبكتبه ورسله :اإليمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عيانًا بأبصارهم كما يرون
قال" :وقد دخل ً
صحوا ليس دونها سحاب ،وكما يرون القمر ليلة البدر ال يضامون في رؤيته".
الشمس ً
يعني ال يشعرون بشيء من المشقة عند النظر إليه سبحانه وتعالى.
" يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة".
صة.
صات :جمع َع ْر َ
والع َر َ
َ
والعرصة :موضع واسع ال بناء فيه.
قال" :ثم يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء اهلل سبحانه وتعالى ،من غير إحاطة وال تكييف لرؤيته سبحانه".
فهذه المسألة تكلم عنها فيما سبق.
ثم انتقل إلى بيان ركن آخر من اإليمان وهو :اإليمان باليوم اآلخر
فقال" :ومن اإليمان باليوم اآلخر :اإليمان بكل ما أخبر به النبي مما يكون بعد الموت".
اليوم اآلخر :يوم القيامة ،وسمي بذلك؛ ألنه آخر يوم في الدنيا فال يوم بعده.
﴿﴾- 52 -
نؤمن ونصدق بكل شيء أخبر عنه النبي مما يكون بعده ،فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر وبنعيمه.
فتنة القبر
أي :سؤال الملكين (المنكر والنكير) ،وعذاب القبر ونعيمه.
والعذاب :ألهل المعاصي ،الكفار.
والنعيم :ألهل الطاعة.
َ َ
َّ ُ ُ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ ُ َّ َ َ َّ َ َ ْ َ َ ُ ُ َّ َ ُ ْ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ َّ ْ َ َ
اب } [غافِ ٍر.]٤٦ :
قال اهلل تعالى { :اَلار يعرضون عليها غدوا وعشِ يا ويوم تقوم الساعة أدخِلوۤآ ءال ف ِرعون أشد الع ِ
ذ
قال" :فأما الفتنة؛ فإن الناس يفتنون في قبورهم ،قد دلت النصوص على أن األنبياء ال يفتنون ،كذلك الشهداء والمرابطون .فيقال
للرجل ،يقول له المنكر والنكير :من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبت اهلل الذين آمنوا بالقول الثابت".
فيقول المؤمن :اهلل ربي ،واإلسالم ديني ،ومحمد نبيي.
وأما المرتاب فيقول :آه آه ال أدري ،سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته ،،فيُضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل
لصعق ،يعني مات. ٍ
شيء إال اإلنسان ،ولو سمعها اإلنسان ُ
واألدلة على ذلك كثيرة.
ثم قال" :ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم ،وإما عذاب إلى يوم القيامة الكبرى".
يعني الناس في قبورهم ،إما معذبون وإما منعمون.
قال" :فتعاد األرواح إلى األجساد وتقوم القيامة التي أخبر اهلل تعالى بها في كتابه".
َ ْ ََ َّ َّ ُ َ
ْ ٌ َ ٌ َّ َ َ َ َ َّ ُ ْ َ ٰ ُّ َ َّ ُ
كما في قوله{ :يـۤأيها اَلاس اتقوآ ربكم إِن زلزلة الساعةِ َشء ع ِظيم} َ
[الحج.]١ :
قال" :وعلى لسان رسوله ،وأجمع عليها المسلمون ،فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراةً غرالً"
غرال".
كما دل على ذلك قول النبي " :يحشر الناس يوم القيامة حفا ًة عرا ًة ً
قال" :ويلجمهم العرق" يعني يصل إلى أفواههم.
اعا ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم"
كما في الحديث" :يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في األرض سبعين ذر ً
أي حتى يغطي آذانهم.
قال" :وتُنصب الموازين ،فيوزن فيها أعمال العباد".
َ َ َ ُ َ ْ َ َ ُ ُ َ ُ َٰ َ ُ ُ ْ ُ ْ ُ َ
{فمن ثقلت موازِينه فأولئِك هم المفل ِحون} [المؤمنون.]١٠٢ :
ثقلت موازينه :رجحت.
المفلحون :الفائزون الناجون من النار.
َ
َ َ َّ َ َ َ ُ
َ َ َ َّ َُ َ ََ ْ َ َّ
خ ُِ
اَلون} [المؤمنون.]١٠٣ : ِسوا أنف َس ُه ْم ِِف جهنم
خ ِ ُ ت َم َوازِينُ ُه فأولٰئِك اَّلِين
خف ْ {ومن
"وتنشر الدواوين وهي :صحائف األعمال ،فآخذ كتابه بيمينه ،وآخ ٌذ كتابه بشماله من وراء ظهره".
َْ َّ
َُ
ائرهُ ِِف ُعنُقِهِ} [ا ِإل ْس َراء.]١٣ :
نسان أل َز ْم َناهُ َط َ
َ
كما قال تعالى{ :وَّك إ ِ ٍ
كل إنسان ألزمناه عمله ،فهو في رقبته.
﴿﴾- 53 -
{ َو ُُنْر ُج َ َُل يَ ْو َم الْقيَ َ
امةِ كِتَابًا يَل ْ َقاهُ َمن ْ ُش ً
ورا} [ا ِإلسر ِ
مفتوحا.
ً أي ].١٣ اء َْ ِ ِ
ً َ َْْ َ َ َ َ َ ٰ َ ْ َ َْ َْ َ َْ َ
{اقرأ كِتابك كَف بِنفسِك اَلوم عليك حسِيبا} [اإلسراء.]١٤ :
يعني :كل أحد يقرأ كتابه سواء كان كاتبًا أو أميًّا ،ويحاسب على عمله.
قال" :ويحاسب اهلل الخلق"
َ َّ ُ َّ َ
ودلت على ذلك النصوص ،منها :قول اهلل تعالى{ :إِن إَِل ْ َنا إِيَ َاب ُه ْم( )٢٥ث َّم إِن َعليْ َنا ح َِس َاب ُهم} [الغاشية.]٢٦ ٢٥ :
َ َّ ُ َّ َ َّ َّ َ َ ُ ْ
اِل َ
اب} [المائدة.]٤ :
ِ ِس سيع
قال تعالى{ :واتقوا اَّلل إِن اَّلل ِ
قال" :ويخلو بعبده المؤمن ،فيقرره بذنوبه ،كما ُوصف ذلك في الكتاب والسنة ،وأما الكفار فال يحاسبون محاسبة من توزن
فيقررون ويجزون بها".
حسناته بسيئاته ،فإنهم ال حسنات لهم ،ولكن تُعد أعمالهم وتحصى ويوقفون عليهاَّ ،
عرصة القيامة الحوض المورود لمحمد ."
قال" :وفي ْ
أجمع أهل السنة على إثبات الحوض للنبي .
وأنكرته الخوارج والمعتزلة.
واألدلة عليه متواترة ،منها :قول النبي " :أنا فرطكم على الحوض".
يعني :أول من يصل إلى الحوض.
بياضا من اللبن ،وأحلى من العسل ،طوله شهر ،وعرضه شهر ،آنيته عدد نجوم السماء ،فمن شرب منه شربة لم
قال" :ماؤه أشد ً
يظمأ بعدها أب ًدا".
واألدلة على ذلك متكاثرة.
ولكل نبي حوض يوم القيامة ،ولكن أعظم الحيضان حوض النبي .
واختلف العلماء في الميزان والحوض أيهما قبل اآلخر.
والصحيح أن الحوض قبل الميزان؛ ألن الناس يخرجون عطا ًشا من قبورهم ،فيقدم قبل الميزان.
أكتفي بهذا القدر.
أسئلة التكليف:
األسئ لة
السؤال األول :اذكر عقيدة أهل السنة والجماعة في اإليمان باليوم اآلخر ،كما ذكر ذلك المصنف .
السؤال الثاني :هل لكل نبي حوض؟ مع ذكر الدليل على ما تقول.
أرجو من اإلخوة واألخوات بارك اهلل فيهم أن يقرؤوا القدر الذي أخذناه من الكتاب قراءة جيدة.
وأسأل اهلل أن يبارك فيكم وأن يرضى عنكم وأن يرزقني وإياكم اإلخالص في القول والعمل.
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
﴿﴾- 54 -
المحاضـرة العاشـرة
قال " :والصراط منصوب على متن جهنم" أي :على ظهر جهنم
َّ
ِنكم إَِّل َوارِ ُد َها} [ َمريَم.]٧١ :
ُ
قال ربنا سبحانه وتعالىِ{ :إَون م
قال العلماء :المراد بالورود هنا المرور على الصراط.
وعن عائشة أنها ذكرت النار فبكت؛ فقال لها رسول اهلل :ما يبكيك؟ قالت :ذكرت النار فبكيت ،فهل تذكرون أهليكم
يوم القيامة؟ فقال :أما في ثالثة مواطن فال يذكر أح ٌد أح ًدا:
[عند الميزان] :حتى يعلم أيخف ميزانه أو يثقل؟
ُ َ
[الحاقَّة.]١٩ : َ َْ ََُ ُ َ ُُ َُْ [وعند الكتاب] حين يقال{ :فَأ َّما َم ْن أ َ َ َ ُ َ
وِت كِتابه بِي ِمينِهِ فيقول هاؤم اقرءوآ كِتاب ِيه} َ
ِ
حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره؟
[وعند الصراط] :إذا وضع بين ظهري جهنم".
هذا الحديث فيه إثبات الصراط.
قال " :وهو الجسر الذي بين الجنة والنار ،يمر الناس عليه على قدر أعمالهم"
فمنهم من يمر كلمح البصر ،أي :كغمض العين بعد انتباهها.
ومنهم من يمر كالبرق ،أي :سرعة البرق.
ومنهم من يمر كالريح.
ومنهم من يمر كالفرس الجواد ،أي :الفائق في السرعة.
ومنهم من يمر كركاب اإلبل ،أي :التي تحمل الناس.
ومنهم من يعدو عدوا ،أي :يسرع.
ومنهم من يمشي مشيًا.
ومنهم من يزحف زح ًفا.
سن عملك وأن
كل هذا على قدر األعمال ،على قدر عملك سيكون مرورك على الصراط .لذلك ينبغي لك أيها العاقل أن تُ َح ِّ
جوده؛ حتى تأتي يوم القيامة من الفائزين برضوان اهلل سبحانه وتعالى.
تُ ّ
قال" :ومنهم من يخطف فيلقى في جهنم".
﴿﴾- 55 -
هذا الذي كثرت سيئاته ،فإن الجسر عليه كالليب تخطف الناس بأعمالهم ،يعني تأخذهم بسرعة بسبب أعمالهم السيئة.
مر على الصراط دخل الجنة".
قال ":فمن َّ
هذا كله دلت عليه السنة النبوية المطهرة.
قال" :فإذا عبروا عليه ُوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيُقتص لبعضهم من بعض".
أي يجري بينهم القصاص في المظالم فيؤخذ للمظلوم من الظالم.
وهذا غير القصاص األول الذي في عرصات القيامة.
قال" :فإذا ُهذبوا ونُقوا؛ أُذن لهم في دخول الجنة".
هذبوا ونقوا :صفوا من الذنوب.
سر ُّمتَ َقابل َ ْ َ ً ََ َ ْ
ِْي} ِ
[الح ْجر]٤٧ : ِ
لَع ُ ُ كما قال تعالىَ { :ون َزعنَا َما ِِف ُص ُدورِهِم م ِْن غ ٍِل إِخوانا
وقال النبي " :يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار ،فيُقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم
في الدنيا ،حتى إذا ُه ِّذبُوا ونُ ُّقوا أذن لهم في دخول الجنة ،والذي نفس محمد بيده َألحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله
كان في الدنيا".
والعلماء اختلفوا في هذه القنطرة:
بعضهم قال :هي من تتمة الصراط ،وهي طرفه الذي يلي الجنة.
وبعضهم قال :هي جسر صغير بعد الصراط ،وهذا هو الصحيح.
لقول النبي " :إذا خلص المؤمنون من النار".
أي :نجوا من السقوط فيها بعدما جاوزوا على الصراط.
قال ":وأول من يستفتح باب الجنة محمد ."
كما في الحديث" :آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح ،فيقول الخازن :من أنت؟ فأقول :محمد ،فيقول :بك أمرت ال أفتح
ألحد قبلك".
قال" :وأول من يدخل الجنة من األمم أمته ."
كما في الحديث" :نحن اآلخرون األولون يوم القيامة ،ونحن أول من يدخل الجنة".
﴿﴾- 56 -
نوحا ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى كلهم يقول :لست بصاحب
كما في الحديث حديث الشفاعة الطويل" :الناس يأتون آدم ثم ً
ذلك ،حتى يأتوا النبي فيشفع فيهم".
قال" :وأما [الشفاعة الثالثة] فيشفع فيمن استحق النار ،وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم ،يشفع فيمن استحق
النار أال يدخلها ،ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها".
هذه الشفاعة في أهل الكبائر ،وقد أنكرتها الخوارج والمعتزلة.
وقد دل عليها قوله " :شفاعتي ألهل الكبائر من أمتي"
فضل عمن دخلها من أهل الدنيا،
أقواما بغير شفاعة ،بل بفضل اهلل ورحمته ،ويبقى في الجنة ٌ
قال" :ويُخرج اهلل تعالى من النار ً
أقواما فيدخلهم الجنة".
فينشئ اهلل لها ً
أي :بفضله ورحمته.
قال" :وأصناف ما تتضمنه الدار اآلخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار".
أي :أهل السنة والجماعة يؤمنون بما جاء عن اليوم اآلخر من الحساب ،والثواب ،والعقاب ،والجنة ،والنار.
قال" :وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء ،واألثارة من العلم المأثورة عن األنبياء ،والتوراة واإلنجيل وصحف
إبراهيم ."
قال" :وفي العلم الموروث عن النبي محمد من ذلك ما يشفي ويكفي ،فمن ابتغاه وجده".
أي من بحث عنه وجده.
ثم انتقل المصنف إلى أصل آخر من أصول اإليمان وهو :اإليمان بالقدر
فقال" :وتؤمن الفرقة الناجية ،أهل السنة والجماعة ،بالقدر خيره وشره".
تياح أو سرور.
أما خير القدر فهو :ما يالئم طبيعة اإلنسان بحيث يحصل له خير أو ار ٌ
والشر (شر القدر) هو :ما ال يالئم طبيعة اإلنسان بحيث يحصل له به أذية أو ضرر.
قال" :واإليمان بالقدر على درجتين كل درجة تتضمن شيئين ،فالدرجة األولى:
اإليمان بأن اهلل تعالى علم ما الخلق عاملون".
هنا المصنف قسم المراتب األربعة درجتين ،كل درجة تتضمن مرتبتين:
الدرجة األولى :قال :اإليمان بأن اهلل تعالى علم ما الخلق عاملون.
أي :العلم [مرتبة العلم].
﴿﴾- 57 -
قال" :بعلمه القديم"
يعني الذي ال أول البتدائه ،وهذه المرتبة األولى.
ومعناها :أن اهلل عز وجل يعلم كل شيء ،ال يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى
ُ ََُ ْ َ َّ
َ ُ ْ َ َ َ َْ
ب والشهادة ِ الكبِي المتعال} َّ
[الر ْعد]٩ : قال سبحانهَ{ :عل ِم اليي ِ
َش ٍء َعل ٌ
كل ْ َ
َ َّ ُ ُ
ِيم} [الحجرات]١٦ : وقال{ :واَّلل ب ِ ِ
أزال وأب ًدا ،وعلم جميع أحوالهم من الطاعات ،والمعاصي ،واألرزاق ،واآلجال"
قال" :الذي هو موصوف به ً
يعني اهلل سبحانه وتعالى يعلم كل شيء يعلم بالطاعة والمعصية والرزق واألجل،
كل إنسان سيفعل ما يفعله من الطاعات والمعاصي ،وما ُكتب له من األرزاق واآلجال ،كل هذا يعلمه اهلل سبحانه وتعالى.
هذه المرتبة األولى في الدرجة األولى.
في المرتبة الثانية قال" :ثم كتب اهلل تعالى في اللوح المحفوظ مقادير الخالئق".
هذه المرتبة الثانية وهي [مرتبة الكتاب].
ومعناها :أن اهلل سبحانه وتعالى كتب مقادير الخالئق قبل خلق السماوات واألرض بخمسين ألف سنة.
َ ُ َّ َ
َش ٍء أ ْح َصيْنَاهُ ِِف إ ِ َمام ُّمبِْيࣲ} [يس]١٢:
قال ربنا سبحانه وتعالىَ { :وَّك ْ
ألف ٍ
سنة". بخمسين َ واألرض الس ِ
ماوات يخلق َّ
قبل أن َ ِ
َ َ الخالئق َ مقادير
َ وقال النبي " :كتب اهلل
قال" :فأول ما خلق اهلل القلم ،فقال له :اكتب (عندما خلق اهلل عز وجل القلم)،
قال :ما أكتب؟ قال" :اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة؛ فما أصاب اإلنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه".
يعني كل شيء يصيبك أيها المسلم إنما قدره اهلل عز وجل عليك.
إذا أصابك خير فاعلم أن اهلل سبحانه وتعالى قدره لك ،لم يكن ليخطئك.
وكذلك إن أصابك شر لم يكن ليخطئك وإن لم يصبك خير أو شر لم يكن ليصيبك؛ فاطمئن لن يصيبك إال ما قدره اهلل لك أو
عليك.
لو اجتمع العالم كله على أن ينفعوك بشيء ،لن ينفعوك إال بشيء قد كتبه اهلل لك،
ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إال بشيء قد كتبه اهلل عليك كما قال النبي .
لذلك المؤمن ال يطلب الخير إال من اهلل ،وال يطلب دفع الشر إال من اهلل سبحانه وتعالى.
فاهلل سبحانه وتعالى قادر على كل شيء.
اهلل سبحانه وتعالى بيده كل شيء.
اهلل سبحانه وتعالى هو الذي يأتي بالخيرات ،ويدفع الضر سبحانه وتعالى.
قال النبي " : ال يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ،حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ،وأن ما أخطأه لم يكن
ليصيبه".
لذلك إياك إياك أن تترك طاعة اهلل سبحانه وتعالى؛ طلبًا لرضا مخلوق ،طم ًعا فيما عنده من المتاع.
﴿﴾- 58 -
إياك إياك أن تخشى غير اهلل ،فتفعل معصية؛ حتى تأمن عقابه.
قال" :جفت األقالم وطويت الصحف"
هذا كناية عن كتابة المقادير والفراغ منها.
َّ َ َ َ َ َّ
اب إِن ذٰۖل ِك لَع اَّلل ِ يَسِي } الس َماءِ َو ْاْلَ ْر ِض إ َّن ذَ ل َِك ِف ك َ
ِت قال :كما قال سبحانه وتعالىَ { :أل َ ْم َت ْعلَ ْم أ َ َّن َّ َ
اَّلل َي ْعلَ ُم َما ِف َّ
ٍ ِ ِ ِ
[الح ِّج.]٧٠ :
َ
يعلم ما في السماء واألرض :كل شيء يعلمه اهلل.
إن ذلك على اهلل يسير :أي سهل يسير عليه سبحانه وتعالى.
َ ْ َ َّ ْ َ َ َ َ ُ ْ َّ َ ُ َْْ ََ َ ُّ َ َ َ َ
صيب ٍة ِِف اْلر ِض وَّل ِِف أنفسِكم إَِّل ِِف كِت ٍ
اب مِن قب ِل أن نبأها} [الحديد.]٢٢ : وقال تعالى{ :ما أصاب مِن م ِ
يعني ما يصيب اإلنسان من مصيبة كالمرض ،أو فقد ولد ،أو نحو ذلك إال وهي مكتوبة في اللوح المحفوظ من قبل خلق األرض
واألنفس.
َّ
اَّلل ِ يَس ٌ َ ََ َّ َ
ِي} [الحديد.]٢٢ : قال{ :إِن ذٰل ِك لَع
قال" :وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه وتعالى يكون في مواضع جملة وتفصيال".
جملة أي :عامةً.
مفصال.
ً وتفصيال أي:
ً
قال" :فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء".
هذا التقدير األزلي.
ُ َّ ُ َ َ َّ َ َ َ َ َّ ُ َ
اَّلل َلَا} [التَّوبَِة.]٥١ : صيبنا إَِّل ما كتب
وهو المذكور في قوله تعالى{ :قل لن ي ِ
وأيضا مذكور في قول النبي " :كتب اهلل مقادير الخالئق قبل أن يخلق السماوات واألرض بخمسين ألف سنة".
ً
قال" :وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه؛ بعث إليه مل ًكا فيؤمر بأربع كلمات فيقال :اكتب رزقه ،وأجله ،وعمله ،وشقي
أو سعيد".
هذا الموضع الثاني وهو[ :الكتابة العمرية] عند تخليق النطفة في الرحم.
قال" :ونحو ذلك"
وهذا هو الموضع الثالث وهو[ :التقدير الحولي] الذي يكون في ليلة القدر
ْ َ ْ ُ ُ ُّ َ
َ ُ َ
ِيم } [الد َ
ُّخان]٤ : قال اهلل سبحانه وتعالى{ :فِيها يفرق ك أم ٍر حك ٍ
قال ابن عباس " :يُقضى ويفصل كل أمر أحكمه اهلل تعالى في تلك السنة إلى مثلها من السنة األخرى".
قديما"
قال" :فهذا القدر قد كان ينكره غالة القدرية ً
الذين بالغوا في نفي القدر ،نفوا علم اهلل سبحانه وتعالى السابق ،وكذلك الكتاب.
قالوا :إن اهلل عز وجل ال يعلم شيئًا قبل حدوثه.
َش ٍء َعل ٌ
كل َْ َّ ُ ُ َ
ِيم} [الحجرات]١٦ : وهؤالء ك ّفرهم العلماء؛ ألنهم كذبوا قول اهلل تعالى{ :واَّلل ب ِ ِ
﴿﴾- 59 -
"ومنكروه اليوم قليل"
أي على زمان شيخ اإلسالم .
ثم ذكر الدرجة الثانية:
فقال" :وأما الدرجة الثانية فهي[ :مشيئة اهلل] النافذة وقدرته الشاملة ،وهي اإليمان بأن ما شاء اهلل كان ،وما لم يشأ لم يكن".
هذه مرتبة المشيئة.
قال" :وأنه ما في السماوات وال في األرض من حركة وال سكون إال بمشيئة اهلل سبحانه وتعالى ،ال يكون في ملكه إال ما يريد وأنه
سبحانه وتعالى على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات".
هذه المرتبة األولى من الدرجة الثانية وهي[ :مرتبة المشيئة].
ٍ
مخلوق في األرض وال في السماء إال اهلل خالقه سبحانه ،ال خالق غيره". المرتبة الثانية من هذه الدرجة قال" :فما من
هذه [مرتبة الخلق] ومعناها أن اهلل سبحانه وتعالى خلق كل شيء سبحانه وتعالى.
قال" :وال رب سواه"
يعني ال معبود سوى اهلل سبحانه وتعالى.
َْ ُ َ َ
َ َّ ُ َ َ ُ
اَّلل خلقك ْم َو َما تع َملون} َّ
[الصافَّات.]٩٦ : قال تعالى{ :و
ثم قال" :ومع ذلك فقد أمر اهلل العباد بطاعته وطاعة رسله ،ونهاهم عن معصيته".
همال ،ولم يرفع عنهم االختيار؛ بل أمرهم بطاعته وطاعة رسله ،
أي :مع عموم خلقه سبحانه وتعالى وربوبيته؛ لم يترك العباد ً
ونهاهم عن معصيته.
غ ال ْ ُمب ُ َ
َّ ُ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َّ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َّ َ َ َ ٰ َ ُ َ ْ َ َ ُ َ ِيعوآ َّ َ
اَّلل َوأط ُ َ
كما قال تعالىَ { :وأط ُ
[المائِ َدةِ.]٩٢ :
َ }ْي ِ ِيعوآ الرسول واحذروآ فإِن توَلتم فاعلموآ أنما لَع رسوَلِ ا اْلَل
قال" :وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين ،ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ،وال يحب الكافرين ،وال
يرضى عن القوم الفاسقين ،وال يأمر بالفحشاء ،وال يرضى لعباده الكفر ،وال يحب الفساد".
الفحشاء :يعني المعاصي.
المصنف أراد بهذا :الرد على من زعم أن اإلرادة والمحبة بينهما تالزم ،فإذا أراد اهلل شيئًا فقد أحبه ،وإذا شاء شيئا فقد
أحبه ،وهذا قول باطل.
والصواب أنه ال تالزم بين اإلرادة والمحبة ،فقد يريد اهلل ما ال يحبه ،وقد يحب ما ال يشاء وجوده.
ثم قال" :والعباد فاعلون حقيقة"
في هذا يرد على الجبرية الذين قالوا :العباد ليسوا فاعلين حقيقة ،وإسناد األفعال إليهم من باب المجاز.
قال" :واهلل خالق أفعالهم"
استقالال دون مشيئة اهلل سبحانه
ً أيضا فيه رد على القدرية الذين قالوا :إن اهلل لم يخلق أفعال العباد؛ وإنما هم خلقوها
هذا ً
وتعالى.
قال" :والعبد هو المؤمن ،والكافر ،والبر ،و الفاجر ،والمصلي ،والصائم ،كل هؤالء عبيد هلل سبحانه وتعالى".
﴿﴾- 60 -
والمراد بالعبودية هنا :العبودية العامة التي هي الخضوع ألمر اهلل الكوني.
خالف العبودية الخاصة التي هي الخضوع ألمر اهلل الشرعي.
قال" :وللعباد قدرة على أعمالهم ،ولهم إرادة ،واهلل خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم"
َ َ
اء َّ ُ َ َّ َ ََ َ َ
العالم َ
اَّلل َر ُّب َ اءون إَّل أن يَش َ ََ ُ ْ َْ َ َ َ َ
ْي ([ })٢٩التَّك ِوير.]٢٨٢٩ : ِ كما قال تعالى{ :ل ِمن شاء مِنكم أن يستقِيم ( )٢٨وما تش ُ ِ
وقال" :وهذه الدرجة من القدر (يعني عموم المشيئة واإلرادة) ،يكذب بها عامة القدرية (يعني :أكثرهم) ،فيزعمون أن العبد يخلق
فعل نفسه بدون مشيئة اهلل وإرادته".
قال" :الذين سماهم السلف مجوس هذه األمة".
ألن المجوس يقولون :إن للكون خالقين؛ خالق خير ،وخالق شر.
فخالق الخير :هو النور.
وخالق الشر :هو الظلم.
المعتزلة زادوا عليهم وقالوا :كل إنسان يخلق فعل نفسه.
قال" :ويغلو فيها قوم من أهل اإلثبات ،حتى يسلبوا العبد قدرته واختياره".
أهل اإلثبات (أي الجبرية) يقولون :اإلنسان مجبور على فعل نفسه؛ الذي يفعل الطاعة مجبور على الطاعة ،والذي يفعل المعصية
مجبور على المعصية.
قال" :ويُخرجون عن أفعال اهلل وأحكامه ِحكمها ومصالحها".
مجبرا على الفعل،
يعني ال يثبتون هلل حكمة وال مصلحة ،يقولون :هو يفعل ويحكم بمجرد مشيئته؛ ولهذا يثاب الطائع وإن كان ً
مجبرا على الفعل.
ويعاقب العاصي وإن كان ً
نكتفي بهذا القدر ،ونأخذ أسئلة التكليف:
األسئ لة
-السؤال األول :اذكر عقيدة أهل السنة والجماعة في الصراط ،كما ذكرها المصنف .
-السؤال الثاني :اإليمان بالقدر يتضمن درجتين ،اذكرهما بشيء من التفصيل.
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد ،والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
أكتفي بهذاِّ ،
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
﴿﴾- 61 -
المحاضـرة الحاـديـة عشــرة
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ،وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبا بكم أيها األفاضل وأيتها الفضليات في هذا اللقاء الطيب المتجدد ،وهذه هي المحاضرة الحادية عشرة من محاضرات
العقيدة الواسطية من كتاب[ :الجامع لمسائل العقيدة الواسطية]
وكنا وصلنا في اللقاء السابق عند قول المصنف رحمه اهلل" :ومن أصول الفرقة الناجية (أي أهل السنة والجماعة)":
(أن الدين واإليمان قول وعمل).
قول القلب واللسان ،وعمل القلب واللسان والجوارح.
هذه أربعة أمور يتركب منها اإليمان عند أهل السنة والجماعة:
قول القلب.
قول اللسان.
وعمل القلب.
وعمل اللسان والجوارح.
وأما (قول اللسان) :فهو النطق بالشهادتين شهادة أن ال إله إال اهلل ،وأن محم ًدا رسول اهلل ،واإلقرار بلوازمهما.
قال اهلل تعالى{ :قُولُوا َ
آم َّنا} [البقرة.]٢١ :
وقال النبي " :أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأن محم ًدا رسول اهلل" إلى آخر الحديث.
أما (عمل القلب) :فهو النية واإلخالص والمحبة واالنقياد واإلقبال على الرب سبحانه وتعالى.
ُ ُ َ ْ َ َ َ ْ ُ َّ َ َ ْ ُ َ
ون َر َّب ُهم بال ْ َي َداة ِ َوالْ َ
يدون َوج َه ُه} [األنعام.]٥ :َش ي ِر
ِ ِ ع ِ قال اهلل سبحانه{ :وَّل تطردِ اَّلِين يدع
وقال النبي " :إنما األعمال بالنيات".
وأما (عمل اللسان والجوارح) :فعمل اللسان ما ال يؤدى إال به ،كتالوة القرآن وسائر األذكار.
وأما (عمل الجوارح) :فهو ما ال يؤدى إال بها ،كالقيام والركوع ونحو ذلك.
ً َّ َ ْ ً َ ُ َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ ْ ُ
قال اهلل تعالى{ :يا أيها اَّلِين آمنوا اذكروا اَّلل ذِكرا كثِيا} [األحزاب.]٤١ :
قال النبي " :آمركم باإليمان باهلل وهل تدرون ما اإليمان باهلل؟ شهادة أن ال إله إال اهلل وإقام الصالة وإيتاء الزكاة وتعطوا من
المغنم الخمس".
﴿﴾- 62 -
النبي في هذا الحديث فسر اإليمان باألعمال الصالة والزكاة وإعطاء الخمس.
قال رحمه اهلل( :وأن اإليمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية).
أي :كلما أطاع اإلنسان ربه؛ ازداد إيمانه وكلما عصاه نقص إيمانه.
يمانًا َّم َع إ َ
يمان ِ ِه ْم} [الفتح.]٤ :
ََْ ُ
ادوا إ َ قال اهلل تعالى{ :ل َِيد
ِ ِ
وقال النبي " :ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُب الرجل الحازم من إحداكن".
← فهنا أثبت نقصان الدين.
وأجمع أهل السنة والجماعة على أن اإليمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن العمل داخل في مسمى اإليمان وركن فيه ال يقوم إال به.
َ َ َ َ َّ ُ ُ َ َ َ ُ
يمانك ْم} [البقرة.]١٤٣ : ضيع إ ِ
قال اهلل تعالى{ :وما َكن اَّلل َِل ِ
فسمى الصالة هنا إيمانا.
ٰ ←
وقال اإلمام الشافعي رحمه اهلل( :كان اإلجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم أن اإليمان قول ،وعمل ،ونية ..ال
يجزئ واحد من الثالثة إال باآلخر).
والمقصود بعمل الجوارح عند أهل السنة والجماعة :جنس األعمال ال كل عمل وهي التي تدخل في ركن اإليمان.
أمرا أو أمرين ِ
أمرا ولم يجتنب نهيًا؛ فهذا لم يأت بركن العمل أما إذا امتثل ً
فلو تُصور أن رجال لم يعمل عمال البتة ،يعني لم يمتثل ً
أو انتهى عن فعل أو فعلين مما يُدخل في اإليمان فقد أتى بهذا الركن.
المرجئة قالت :إن اإليمان ال يزيد وال ينقص .وقولهم هذا قول الباطل رد عليه العلماء.
والمرجئة على طوائف منهم:
ومنهم األشاعرة.
← قالوا :اإليمان هو التصديق بالقلب ولو لم ينطق بلسانه ،وعلى هذا فالكفار مؤمنون؛ ألنهم يقرون بقلوبهم.
﴿﴾- 63 -
ثم انتقل المصنف إلى بيان مسألة أخرى هي :مسألة حكم مرتكب الكبيرة
قال( :وهم مع ذلك ال يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر)
يعني مع إنكارهم أن اإليمان قول وعمل يزيد وينقص ،ال يك ّفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر ،وأهل القبلة هم
المسلمون.
كفرا.
كفرا ،بخالف مطلق المعصية فال يكون ً
ولم يقل رحمه اهلل :بالمعاصي والكبائر؛ ألن المعاصي والكبائر منها ما يكون ً
والفرق بين مطلق الشيء والشيء المطلق.
أن مطلق الشيء هو أصل الشيء يعني وجود أدنى درجاته.
وأما الشيء المطلق فهو الشيء الكامل يعني وجود كل درجاته أو وجود كماله.
والمراد أن أهل السنة ال يحكمون بالكفر على من يدعي اإلسالم ويعمل الطاعات الظاهرة بمطلق ارتكاب المعاصي التي هي دون
الشرك ودون استحالل المعاصي.
قال( :اسم اإليمان بالكلية ،ال يخرجونه من اإليمان وال يخلدونه في النار كما تقوله المعتزلة).
← المعتزلة والخوارج قالوا :مرتكب الكبيرة خالد مخلد في النار.
واختلفوا في الدنيا.
فقالت الخوارج :هو كافر.
كافرا.
وقالت المعتزلة :هو في منزلة بين المنزلتين ،يعني ليس مؤمنًا وال ً
قال( :بل الفاسق يدخل في اسم اإليمان).
ْ ََ ْ ُ َ
ير َرقبَ ٍة ُّمؤمِنَ ٍة} [النساء.]٩٢ :أي :في أصل اإليمان :مثل قوله تعالى{ :فتحرِ
﴿﴾- 64 -
المعتَق فاس ًقا؛ أجزأه ذلك بإجماع العلماء.
يعني من أعتق رقبة مؤمنة وكان ُ
وقد (ال يدخل) أي :الفاسق الملي.
(في اسم اإليمان المطلق) أي :اإليمان الكامل.
َّ َ ْ ُ ْ ُ َ َّ َ َ ُ َ َّ ُ َ َ ْ ُ ُ
ت قلوبُ ُه ْم} [األنفال.]٢ : جل
كما في قوله تعالى{ :إِنما المؤمِنون اَّلِين إِذا ذكِر اَّلل و ِ
وقول النبي " :ال يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" .أي :اإليمان الكامل.
"وال يسرق حين يسرق وهو مؤمن" أي اإليمان الكامل.
قال( :وال يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ،وال ينتهب نهبة)
أي :ال يختلس شيئا له قيمة عالية ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن.
(ويقولون :هو مؤمن ناقص اإليمان).
← يعني مذهب أهل السنة في مرتكب الكبيرة أنه (مؤمن ناقص اإليمان) أو (مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته).
فال يعطى (االسم المطلق).
(وال يسلب مطلق االسم).
يعني ال يسمى بالمؤمن الكامل وال يُخرج عن اإليمان.
ثم انتقل إلى مسألة أخرى وهي :مذهب أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول اهلل
فقال( :ومن أصول أهل السنة والجماعة سالمة قلوبهم).
أي :من الغل والحقد والبغضاء.
(وألسنتهم ألصحاب محمد .)
أهل السنة والجماعة قلوبهم سليمة ،قلوبهم صافية ،قلوبهم نقية من الغل والحقد والبغضاء ألصحاب رسول اهلل .
لماذا؟ ألن أصحاب رسول اهلل هم خير الناس.
كما قال النبي " :خير أمتي قرني (أي :أصحابي) ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
ْ
اءوا مِن َبع ِده ِْم} [الحشر.]١٠ :
ج ُ كما وصفهم اهلل به في قولهَ { :و َّاَّل َ
ِين َ
﴿﴾- 65 -
قال( :وطاعة النبي .)
ومن أصول أهل السنة والجماعة :طاعة النبي في سالمة قلوبهم وألسنتهم ألصحابه .
سليما نقيًا لجميع المسلمين؛ ألنه يعامل ربه سبحانه وتعالى ال يعامل الخلق.
وكذلك المؤمن ينبغي أن يكون قلبه ً
أنت حينما تعامل الناس عاملهم هلل حتى تثاب على هذه األعمال ال تعامل الناس حتى يكافئوك إنما ِ
عاملهم ألن اهلل عز وجل
أمرك باإلحسان إليهم.
قال في قوله" :ال تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ ُم ّد أحدهم وال نصيفه"
الم ّد :الذي هو ملء كفي الرجل.
ُ
الم ّد.
والنصيف :نصف ُ
لو أن أحدنا أنفق مثل جبل أحد ذهبًا ،والصحابي أنفق نصف ُمد (ملء كفه فقط)؛ فإن الصحابي أجره أعظم عند اهلل سبحانه
وتعالى.
ليس األمر بكثرة العبادة وال كثرة العمل ،وإنما األمر بما وقر في القلب من اإليمان والتسليم.
ثم قال( :ويقبلون على ما جاء به الكتاب أو السنة أو اإلجماع من فضائلهم ومراتبهم).
يعني أن أهل السنة والجماعة يقولون إن الصحابة ليسوا على درجة واحدة منهم الفاضل ومنهم المفضول.
قال ( :فيفضلون من أنفق من قبل الفتح وهو صلح الحديبية ،وقاتل على من أنفق من بعده وقاتل ،يعني الذي أنفق قبل الفتح
أعظم من الذي أنفق بعد الفتح)
ْ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ٰ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ً َ َّ َ َ َ ُ َ َ ُ َ
ِين أنفقوا مِن َبع ُدوذلك لقول اهلل تعالىَّ{ :ل ي َ ْستَوِي مِنكم َّم ْن أنف َق مِن قب ِل الفتحِ وقاتل أولئِك أعظم درجة مِن اَّل
﴿﴾- 66 -
كما أخبر به النبي " بل قد رضي عنهم ورضوا عنه ،وكانوا أكثر من ٍ
ألف وأربعمائة".
← هذه تسمى بيعة الرضوان.
َّ َ ْ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ ْ ُ َ ُ َ َ َ ْ َ َّ
الش َ
ج َرة ِ} [الفتح.]١٨ : قال اهلل تعالى{ :لقد ر ِِض اَّلل ع ِن المؤ ِمن ِْي إِذ يبايِعونك َتت
قال( :ويشهدون بالجنة لمن شهد له النبي كالعشرة)
وهم أبو بكر ،وعمر ،وعثمان ،وعلي ،طلح ة ،والزبير ،وعبد الرحمن ،وسعد ،وسعيد ،وأبو عبيدة.
قال( :وكثابت بن قيس بن شماس).
بشره النبي بالجنة لما قال عنه" :بل هو من أهل الجنة".
قال( :وغيره من الصحابة كع ّكاشة بن محصن وعبد اهلل بن سالم وغيرهما).
قال( :ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغيره ،من أن خير هذه األمة بعد نبيها أبو بكر
ثم عمر ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي كما دلت عليه اآلثار).
وعلي بعد اتفاقهم
قال( :وكما أجمعت الصحابة على تقديم عثمان بالبيعة ،مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان ّ
على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل).
يعني أهل السنة والجماعة متفقون على أن األحق بالخالفة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.
علي.
واتفقوا على أن أبا بكر أفضل األمة ثم عمر ثم اختلفوا أيهما أفضل عثمان أو ّ
← هذا كان في بادئ األمر.
علي.
ثم استقر اإلجماع على أن عثمان أفضل من ّ
قال( :فقدم قوم عثمان وسكتوا أو ربّعوا بعلي ،وقدم قوم عليًا وقوم توقفوا).
علي.
يعني لم يقدموا ولم يفاضلوا بينهما ،لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم ّ
قال( :وإن كانت هذه المسألة -مسألة عثمان وعلي -ليست من األصول التي يُضلَل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة ،لكن
المسألة التي يُضلَل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة :مسألة الخالفة؛ ألن المسلمين مجمعون عليها).
علي ،ومن طعن في خالفة أحد من
قال( :وذلك بأنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول اهلل أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم ّ
هؤالء فهو أضل من حمار أهله)
ألنه خالف النص واإلجماع.
ثم قال رحمه اهلل( :ويحبون أهل بيت رسول اهلل )
أهل البيت هم أقرباء النبي الذين حرمت عليهم الصدقة وهم آل علي ،وآل جعفر ،وآل عقيل ،وآل العباس ،وبنو الحارث
بن عبد المطلب ،ويدخل في ذلك أزواجه .
قال (ويتولّونهم ويحفظون فيهم وصية رسول حيث قال يوم غدير ُخم).
غدير خم :موقع بين مكة والمدينة.
يحفظون فيهم وصية رسول اهلل :أي ينصرونهم ويحبونهم.
﴿﴾- 67 -
والغدير هو :مجمع السيل بالمياه.
والخم :اسم رجل نسب إليه الغدير.
ُ
قال" :أذكركم اهلل في أهل بيتي ،أذكركم اهلل في أهل بيتي"
أي :وقروهم وأكرموهم وقوموا بحقوقهم.
أيضا" :العباس عمي".
وقال ً
وقد شكا إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم (يترفع عليهم).
فقال " :والذي نفسي بيده ال يؤمنون حتى يحبوكم هلل ولقرابتي"
أي :تقربًا إلى اهلل سبحانه وتعالى؛ ألنه من أوليائه ولكونهم قرابة رسول اهلل .
شا ،واصطفى من قريش بني هاشم،
وقال " :إن اهلل اصطفى إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة ،واصطفى من كنانة قري ً
واصطفاني من بني هاشم".
يعني النبي خيار من خيار.
قال (ويتولون أزواج النبي أمهات المؤمنين)
خصوصا خديجة أم أكثر أوالده ،وأول من آمن به وعاضده على أمره،
ً أي :بالمحبة والنصرة ،ويقرون بأنهن أزواجه في اآلخرة
وكان لها منه المنزلة العالية؛ لذلك كان يكثر من الثناء عليها ،والصديقة بنت الصديق هي عائشة .
التي قال فيها " :فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".
قال (ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم ،وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل)
يعني أهل السنة والجماعة يتبرؤون من طريقة الروافض والنواصب.
أي؛ ألن النواصب نصبوا العداء آلل البيت
والروافض ك ّفروا أصحاب النبي .
قال (ويمسكون عما شجر بين الصحابة).
يعني أهل السنة والجماعة ال يخوضون فيما حدث بين الصحابة ،ال يُخطّئون أح ًدا بهوى.
وأجمع أهل العلم على وجوب السكوت عن الخوض في الفتن التي حدثت بين الصحابة بعد مقتل عثمان .
قال( :ويقولون أن هذه اآلثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب ،ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغُيّر عن وجهه ،وعامة الصحيح
منه هم فيه معذورون :إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون ،وهم مع ذلك ال يعتقدون أن كل واحد من الصحابة
معصوم عن كبائر اإلثم وصغائره ،بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة).
أي :ال أحد معصوم من الذنب كل إنسان يخطئ.
كما قال النبي " :كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".
قال (ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر).
كما في قصة حاطب لما أرسل إلى قريش بمسير رسول اهلل .
﴿﴾- 68 -
قال النبي " :أنه قد شهد بدرا ،وما يدريك لعل اهلل أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال :اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت
لكم".
قال (حتى أنه يغفر لهم من السيئات ما ال يغفر لمن بعدهم؛ ألن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم).
الم ّد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبًا ممن بعده»
وقد ثبت بقول رسول اهلل « :إنهم خير القرون وأن ُ
(ثم إذا كان قد صدر عن أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه ،أو غُفر له بفضل سابقته ،أو بشفاعة محمد
الذين هم أحق الناس بشفاعته ،أو ابتلي ببالء في الدنيا ُك ِّفر به عنه فهي من مكفرات الذنوب).
الباليا ،شفاعة النبي ،أو اإلكثار من الحسنات.
قال( :فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف باألمور التي كانوا فيها مجتهدين؟)
(إن أصابوا فلهم أجران وإن اخطؤوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور ،ثم القدر الذي يُنكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في
جنب فضائل القوم ومحاسنهم من اإليمان باهلل ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح.
ومن نظر في سيرة القوم بعلم وعدل وبصيرة وما َم َّن اهلل به عليهم من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد األنبياء ال كان وال
يكون مثلهم ،وأنهم هم الصفوة من قرون هذه األمة التي هي خير األمم وأكرمها على اهلل.
النبي - كما تقدم -قال فيهم" :خير أمتي قرني".
َْ َ َ ْ َ َ ْ ْ ْ َ ت ل َّ
ج ْ ُ ُ ْ َ ْ َ ُ َّ ُ ْ
خر َ
اس تأ ُم ُرون بِال َمع ُر ِ
وف َوتن َه ْون ع ِن ال ُمنك ِر} [آل عمران.]١١٠ : ِلن ِ قال اهلل عز وجل{ :كنتم خي أم ٍة أ ِ
أسئلة التكليف
األسئ لة
السؤال األول :ما تعريف اإليمان عند أهل السنة كما ذكر شيخ اإلسالم رحمه اهلل؟
السؤال الثاني :ما عقيدة أهل السنة والجماعة في أصحاب النبي ،كما جاء في العقيدة الواسطية؟
السؤال الثالث :ما موقف أهل السنة والجماعة فيما شجر بين أصحاب النبي ؟
﴿﴾- 69 -
المحاضـرة الثاـنيــة عشــرة
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ،وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبا بكم أيها األفاضل وأيتها الفضليات في هذا اللقاء الطيب المتجدد وهذه هي المحاضرة "الثانية عشرة" من محاضرات
العقيدة الواسطية من كتاب [الجامع لمسائل العقيدة الواسطية]
كنا وصلنا في اللقاء السابق عند كالم المصنف عن [كرامات األولياء].
قال عليه رحمة اهلل( :ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات األولياء)
ٍ
بشيء منها فقد رد النصوص. أي :مما يجب اعتقاده كرامات األولياء وأنها حق ،ومن ك ّذب
والكرامة :هي ظهور أمر خارق للعادة من قبل شخص غير مدَّع للنبوة.
فإذا اقترنت بدعوى النبوة ،فهي( :معجزة).
وإذا لم تقترن باإليمان والعمل الصالح فهي( :شعوذة أو شعبذة).
سميت كرامة؛ ألن اهلل سبحانه وتعالى يكرم بها أولياءه المتقين ،وأولياء اهلل هم كل عبد مؤمن تقي.
َ َ َّ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ ٌ َ َ ْ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ
قال تعالى{ :أَّل إِن أو َِلاء اَّلل ِ َّل خوف عليهِم وَّل هم ُيزنون} [يُونُ َ
س.]٦٢ :
ُ َ َ ُ من هم؟ { َاَّل َ
ِين َآمنُوا َوَكنوا َيتَقون} [يونس]٦٣ :
قال ( :وما يجري اهلل على أيديهم من خوارق العادات).
أي :على خالف العادة الكونية.
قال( :في أنواع العلوم والمكاشفات).
المراد بالعلوم :ما يحصل للمسلم من العلوم ما ال يحصل لغيره.
ومنه أن اهلل أعلم أبا بكر أن في بطن زوجته أنثى ،وذلك قبل والدتها.
والمكاشفات :هي ما يظهر للمسلم من األشياء التي يكشف له عنها ما ال يحصل لغيره.
رجال يدعى (سارية) فبينما هو يخطب إذ جعل يصيح وهو على المنبر: وأمر عليهم ً
شا ّ ← كما حدث لعمر أنه بعث جي ً
"يا ساريةُ الجبل ،يا ساريةُ الجبل" .يعني :اِلزم الجبل ،فلما أتى الجيش قالوا :يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا وإن الصائح
فهزم ُه ُم اهلل.
ليصيح يا ساريةُ الجبل ،يا ساريةُ الجبل فشددنا ظهورنا بالجبل َ
← هذا كشف لعمر .
﴿﴾- 70 -
جالسا وسط الدار لم
← ومنه ما حدث للحسن البصري دخل عليه بعض الشرطة داره ،فبحثوا عنه فلم يجدوه مع أنه كان ً
يتحرك؛ فهذا تأثير في أبصار الناس لئال يروه.
قال ( :كالمأثور عن سالف األمم في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه األمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون األمة).
كرامات كثيرة ،منها قصة الثالثة الذين انطبق عليهم الغار.
قدم وال خف بعير وال حافر دابة وكان الجيش أربعة آالف.
كذلك العالء الحضرمي مشى وجيشه على الماء فما ابتلت ٌ
قال( :وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة).
متى وجد األولياء؛ كانت الكرامة.
والكرامة :ال تدل على عصمة صاحبها ،بل قد تصدر بعض الخوارق على الكفرة والسحرة ،كما ثبت عن الدجال أنه يقول
للسماء :أمطري؛ فتمطر ،ويقول لألرض :أنبتي؛ فتنبت.
واتفق أئمة الدين على أن الرجل لو طار في الهواء ،ومشى على الماء لم يثبت له والية بل وال إسالم؛ حتى ينظر في اتباعه لألمر
والنهي الذي بعث اهلل به رسوله .
ثم قال ( :ثم من طريق أهل السنة والجماعة)
هذا بيان لمنهج أهل السنة والجماعة في استنباط األحكام الدينية.
وظاهرا)
ً قال( :اتباع آثار رسول اهلل باطنًا
يعني :يتبعون السنة.
الباطن :أعمال القلوب.
والظاهر :أعمال الجوارح.
قال( :واتباع سبيل السابقين األولين من المهاجرين واألنصار ،واتباع وصية رسول اهلل .)
حيث قال" :عليكم بسنتي (الزموا طريقتي وهديي) وسنة الخلفاء الراشدين المهديين (الذين هداهم اهلل عز وجل إلى الحق) من
بعدي ،تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ (هذا كناية عن شدة التمسك بسنة النبي وسنة الخلفاء الراشدين) قال :وإياكم
ومحدثات األمور فإن كل بدعة ضاللة".
يعني احذروا البدع؛ ألنها من الضالالت.
والبدعة :هي طريقة في الدين مخترعة تماثل الشرعية ،يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد هلل سبحانه.
قال( :ويعلمون أن أصدق الكالم كالم اهلل وخير الهدي هدي محمد .)
فيؤثرون كالم اهلل على غيره من كالم أصناف الناس ،ويقدمون هدي محمد على هدي كل أحد (بأن يقدمون سنة النبي
-قوله وفعله -على قول وفعل كل أحد).
قال( :وبهذا سموا أهل الكتاب والسنة)؛ ألنهم يتمسكون بالقرآن والسنة.
وسموا أهل الجماعة؛ ألن الجماعة هي االجتماع وضدها الفرقة.
اسما لنفس القوم المجتمعين.
وإن كان لفظ الجماعة قد صار ً
﴿﴾- 71 -
يعني أهل السنة سموا بالجماعة (أهل السنة والجماعة)؛ ألجل أنهم يجتمعون على الحق.
قال( :واإلجماع هو األصل الثالث بعد القرآن والسنة).
والمراد باإلجماع :اتفاق علماء األمة على أم ٍر من األمور الدينية.
قال( :الذي يُعتمد عليه في العلم والدين .وهم ي ِزنون بهذه األصول الثالثة :القرآن والسنة واإلجماع).
جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال ٍ
باطنة أو ظاهرة مما له تعل ٌق بالدين.
واإلجماع الذي ينضبط هو :ما كان عليه السلف الصالح ،إذ بعدهم كثر االختالف وانتشرت األمة.
أي :بعد السلف الصالح صار اإلجماع ال ينضبط لكثرة االختالف.
(ثم هم مع هذه األصول (أي المتقدمة) يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).
ِ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ َ َ ُ ْ ُ َ َّ ُ ْ َ َُْ ُ َ ْ َّ ْ َ ُ ُ ْ َ ْ َ ُ َّ ُ ْ
ِ لقول اهلل تعالى{ :كنتم خي أم ٍة أخرِجت ل ِلن ِ
وف وتنهون ع ِن المنكرِ وتؤمِنون بِاَّللِ} [اۡل ع َ
مرا َن: اس تأمرون بِالمعر ِ
.]١١٠
َ ْ َ َ ْ َ ُ َ
وف َوتنْ َه ْون َع ِن ال ُمنكرِ} [اۡ ِل ِع ْم َرا َن.]١١٠ : ْ
أم ُرون بِال َمع ُر ِ خير أمة أخرجت للناس ..لماذا يا رب؟ {ت
والمعروف هو كل خير .والمنكر كل شر.
قال( :على ما توجبه الشريعة).
أي :باليد ،فمن عجز فباللسان ،فمن عجز فبالقلب.
منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه ،وذلك أضعف
وذلك لقول الرسول " :من رأى منكم ً
اإليمان".
قال( :ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع واألعياد مع األمراء أبر ًارا كانوا أو فجار).
يعني أهل السنة والجماعة يعتقدون إقامة الحج والجهاد والجمع واألعياد مع والة المسلمين أو نوابهم سواء كانوا طائعين أو
عاصين؛ وذلك ألن الحج والجهاد فرضان يتعلقان بالسفر فال بد من سائس يسوس الناس فيهما ويقاوم العدو .وهذا المعنى كما
يحصل باإلمام البَ ِّر ،يحصل باإلمام الفاجر.
قال( :ويحافظون على الجماعات) .أي الصلوات الخمس في جماعة.
قال( :ويدينون بالنصيحة لألمة) ينصحون الناس بما فيه منفعتهم.
قال النبي " :الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة (ثالثا) فقيل :لمن يا رسول اهلل؟ قال :هلل ولكتابه ولرسوله
وألئمة المسلمين وعامتهم".
النصيحة هلل تكون باإليمان به وعدم الشرك.
والنصيحة لكتابه تكون باإليمان بأنه من كالم اهلل ،وتالوته والعمل بما فيه.
والنصيحة للرسول تكون بتصديقه والعمل بسنته.
والنصيحة ألئمة المسلمين تكون بمعاونتهم على الحق وطاعتهم في غير معصية اهلل.
والنصيحة لعامة المسلمين تكون بإرشادهم إلى الحق وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
﴿﴾- 72 -
ثم قال( :ويعتقدون معنى قوله " :المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه ،"وقوله " :مثل
المؤمنين في توادهم (أي :محبتهم) وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى
والسهر").
يعني المسلم يعين أخاه المسلم.
قال( :ويأمرون بالصبر على البالء).
أيضا.
إذا وقعت المصيبة يجب على المسلم أن يصبر ،وعليه أن ينصح من وقعت عليه مصيبة ً
قال( :والشكر عند الرخاء).
عند النعم يشكر اهلل عز وجل ،وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
الشكر يكون بامتثال األوامر واجتناب النواهي.
(والرضا بمر القضاء) .أي على ما يكرهون.
خيرا ٍ
قال النبي " :عجبًا ألمر المؤمن إن أمره كله خير ،وليس ذاك ألحد إال للمؤمن ،إن أصابته سراء (أي :نعمة) شكر فكان ً
له ،وإن أصابته ضراء صبر فقد كان خ ًيرا له".
(ويدعون إلى مكارم األخالق ومحاسن األعمال ،ويعتقدون معنى قول النبي " :أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خل ًقا").
يعني أكمل المؤمنين إيمانًا ألينهم وألطفهم وأجملهم في التعامل مع الناس.
قال( :ويندبون إلى أن تصل من قطعك).
أي :ويدعون إلى وصل األقارب.
(وتعطي من حرمك) أي :من منعك تعطيه.
(وتعفو عمن ظلمك).
َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ َّ َّ ُ َ ُ ُّ َّ
قال تعالى{ :فمن عفا وأصلح فأجره لَع اَّلل ِ إِنه َّل ُيِب الظال ِ ِمْي} [الشورى.]٤٠ :
اَّلل َغ ُف ٌ
ور َّرح ٌ
ِيم} [التَّ غَابُ ِن. ]١٤ : حوا َو َت ْيفِ ُروا فَإ َّن َّ َ
قال تعالىِ{ :إَون َت ْع ُفوا َوتَ ْص َف ُ
ِ
قال( :ويأمرون ببر الوالدين).
أي :طاعة الوالدين في غير معصية اهلل .أمر اهلل عز وجل ببر الوالدين في مواطن كثيرة من كتابه.
(وصلة األرحام) .تكون باإلحسان إليهم ونصحهم والنفقة عليهم لمن استطاع.
قال( :وحسن الجوار) باإلحسان إلى الجار.
قد قال النبي " :ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".
لعظيم قدره ومكانته.
قال( :واإلحسان إلى اليتامى) اليتيم :من مات أبوه دون البلوغ.
قال( :والمساكين وابن السبيل ،والرفق بالمملوك ،وينهون عن الفخر والخيالء والبغي واالستطالة على الخلق).
المساكين :هم المحتاجون.
﴿﴾- 73 -
وابن السبيل :هو المسافر الذي انقطعت نفقته.
والرفق بالمملوك :أي :العفو.
ٍ
حسب ونسب. وينهون عن الفخر :أي :المباهاة بالمكارم والمناقب من
الخيالء :الكبر واإلعجاب بالنفس
والبغي :أي :العدوان على الناس.
واالستطالة على الخلق :أي :بالترفع عليهم واحتقارهم بحق أو بغير حق؛ ألن المستطيل إذا استطال بحق فقد (افتخر) وإن كان
بغير حق فقد (ظلم).
قال( :ويأمرون بمعالي األخالق وينهون عن سفسافها).
أي :رديئها كالكذب والخيانة ونحو ذلك.
قال( :وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا أو غيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة ،وطريقتهم هي دين اإلسالم الذي بعث اهلل به
محم ًدا .)
لكن لما أخبر أن أمته ستفترق على ثالث وسبعين فرقة كلها في النار إال واحدة ..وهي السنة والجماعة.
َص َحابِي". ِ ِ
"ه ْم َم ْن َكا َن َعلَى مثْ ِل َما أَنَا َعلَْيه اليوم َوأ ْ
وفي حديث عنه أنه قالُ :
صار المتمسكون باإلسالم المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة.
(وفيهم أهل السنة والصديقون والشهداء والصالحون ،وفيهم أعالم الهدى ومصابيح الدجى أولو المناقب المأثورة والفضائل
المذكورة ،وفيهم األبدال).
جمع الصديق .والصديق هو :المبالغ في الصدق.
أعالم الهدى أي :العلماء الربانيون.
ُّجى) :الذين يضيئون للناس دروبهم.
(ومصابيح الد َ
(أُولُو المناقب المأثورة) أي :المراتب العالية.
(وفيهم األبدال) أي :األولياء وسموا بذلك؛ ألنهم كلما مات أحد أُبدل بآخر.
(ومنهم أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي " :ال تزال
طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ال يضرهم من خالفهم وال من خذلهم حتى تقوم الساعة")
أي :إلى قرب قيام الساعة.
«نسأل اهلل العظيم أن يجعلنا منهم وأال يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ويهب لنا من لدنه ورحمةً إنه هو الوهاب».
(والحمد هلل وحده وصلى على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم).
بهذا ختم شيخ اإلسالم كتابه العقيدة الواسطية.
أسئلة التكليف:
﴿﴾- 74 -
األسئ لة
السؤال األول :ما عقيدة أهل السنة والجماعة في الكرامات؟
إجماال.
ً السؤال الثاني :ختم المصنف كتابه بعدة أمور ،اذكرها
وبهذا نكون انتهينا بفضل اهلل تعالى من شرح كتاب [العقيدة الواسطية] لشيخ اإلسالم ابن تيمية .
خالصا لوجهه الكريم وسائر أعمالنا ،كما أسأله سبحانه وتعالى أن يثبت
ً أسأل اهلل الكريم رب العرش العظيم أن يجعل هذا العمل
قلبي وقلوبكم على دينه.
اللهم يا عالم الغيوب يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
يا رب أمتنا على اإليمان واحشرنا في زمرة الصديقين والنبيين والشهداء والصالحين.
ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ،نعوذ بك من علم ال ينفع ومن نفس ال تشبع ومن
قلب ال يخشع ،اللهم تب علينا لنتوب ،اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها.
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد ،والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات.
هذا ِّ
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
﴿﴾- 75 -