Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 9

‫المدارس الصوفية في إفريقيا‪ :‬معالم وأعالم ‪ -‬الطريقة التجانية نموذجًا‬

‫‪www.fm6oa.org‬‬
‫مداخلة بعنوان “المدارس الصوفية في إفريقيا‪ :‬معالم وأعالم – الطريقة التجانية نموذجًا” لألستاذ يونس توري الشيخ رئيس‬
‫المجلس االتحادي التيجاني بكوت ديفوار‪ ،‬مؤسس ومدير معهد المنارة اإلسالمية و عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء‬
‫األفارقة بجمهورية كوت ديفوار خالل الدورة التواصلية الثانية للمؤسسة في موضوع‪« :‬الثوابت الدينية في إفريقيا‪ :‬الواقع‬
‫واآلفاق» المنعقدة أيام ‪ 6‬و‪ 7‬و‪ 8‬رمضان ‪1439‬هـ الموافق لـ ‪ 22‬و‪ 23‬و‪ 24‬ماي ‪2018‬م بالرباط‪.‬‬

‫األستاذ يونس توري رئيس المجلس االتحادي التيجاني بكوت ديفوار‪ ،‬مؤسس ومدير معهد المنارة اإلسالمية و عضو فرع‬
‫مؤسسة محمد السادس للعلماء األفارقة بجمهورية كوت ديفوار‬
‫لقد عرفت أفريقيا جنوب الصحراء التصوف مع دخول اإلسالم‪ ،‬إذ كان للمشايخ الصوفيين دور كبير في نشر اإلسالم في تلك‬
‫المنطقة‪ ،‬وكانت أول الطرق الصوفية وصوال إلى المنطقة هي الطريقة القادرية التي أسسها الشيخ عبد القادر بن موسى بن‬
‫عبد هللا الحسني الجيالني رضي هللا عنه‪ .‬ولد رضي هللا عنه في عام(‪471‬هـ ‪1078/‬م) بجيالن‪ ،‬الواقعة حاليا في دولة‬
‫إيران‪ ،‬تتلمذ على يديه أكثر فقهاء زمانه‪ ،‬وتاب على يديه كثيرون‪ ،‬وأسلم معظم يهود ونصارى بغداد على يديه‪ .‬وتوفي رضي‬
‫هللا عنه في ليلة السبت ثامن شهر ربيع اآلخر سنة (‪561‬هـ ‪1166/‬م)‪ ،‬ودفن في رواق مدرسته‪.‬‬

‫وانتقلت الطريقة القادرية إلى المغرب منذ عام (‪1198‬م) في حياة مؤسسها الشيخ عبد القادر الجيالني رضي هللا عنه‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل العالم المراكشي أبي مدين الغوث (تـ ‪594‬هـ ‪1198/‬م) بعد أن تلقاها مباشرة من مؤسسها الشيخ عبد القادر‬
‫الجيالني في مدينة بغداد‪ ،‬بعد أدائهما لشعيرة الحج‪.‬‬

‫وفي القرن السادس عشر الميالدي أدخل الشيخ سيد عمر الشيخ الكنتي الطريقة القادرية إلى جنوب الصحراء‪ ،‬وذلك حين‬
‫تولى مشيخة الطريقة القادرية بعد وفاة شيخه محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني (‪909‬هـ ‪1504/‬م)‪ ،‬فانطلق‬
‫يجوب هذا النطاق الجغرافي الممتد من حوض نهر النيجر وبالد السودان جنوبا إلى أقصى شمال بالد المغرب داعيا الناس‬
‫إلى مبادئ الدين الحنيف‪ ،‬ومربيا األجيال على مبادئ طريقته القادرية البكائية الكنتية‪ ،‬وتوفي رضي هللا عنه في إحدى رحالته‬
‫الدعوية بالقرب من بلدة أقا (‪ )Akka‬في جنوب المملكة المغربية‪.‬‬

‫ويعد الشيخ المختار ولد أحمد (‪1811‬م)‪ ،‬أول من أسس زاوية قادرية في جنوب الصحراء‪ ،‬ببلدة ازواد (‪ )Azawad‬بشمال‬
‫تمبكتو‪ ،‬وأصبحت تلك الزاوية أول مركز للطريقة القادرية جنوب الصحراء‪.‬‬

‫وقد انتشرت القادرية البكائية أو المختارية جنوب الصحراء‪ ،‬وكنيت بالبكائية نسبة إلى الشيخ أحمد البكاي بودمعة العقبي‬
‫الفهري‪ ،‬والد الشيخ عمر الشيخ ‪،‬الناشر األول للورد القادري بجنوب الصحراء‪ ،‬كما تعرف بالمختارية نسبة إلى الشيخ‬
‫المختار الكبير‪ ،‬وهو مصلح ديني اشتهر في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫واستمر انتشار الطريقة القادرية جنوبا من خالل جهود فردية لبعض المشايخ والتجار‪ ،‬وانتسب للطريقة القادرية بعض‬
‫الزعماء البارزين في المنطقة مثل الشيخ أحمد لوبو باري (تـ ‪1265‬هـ ‪1848/‬م) مؤسس دولة ماسينا اإلسالمية ‪،‬والشيخ‬
‫عثمان دان فودي (تـ ‪1232‬هـ‪1817/‬م) مؤسس دولة صوكتو اإلسالمية‪.‬‬

‫ومازال للطريقة القادرية وجود قوي في دول جنوب الصحراء‪ ،‬وينتسب إلى الطريقة مريدون من مختلف الطبقات‬
‫االجتماعية‪ ،‬ولكنها صارت في المرتبة الثانية بعد أن كانت تحتل الصدارة‪ ،‬وذلك بسبب ظهور الطريقة التجانية‪.‬‬

‫و الطريقة التجانية هي طريقة إفريقية المنشأ‪ ،‬إذ نشأت شمال أفريقيا‪ ،‬وتوغلت إلى جنوبه‪ ،‬ويعد الشيخ أبو العباس أحمد‬
‫التجاني رضي هللا عنه (تـ ‪1815‬م) «شيخ الطريقة التجانية » من أبرز وأهم أعالم التصوف في تاريخ القارة األفريقية‪ ،‬وقد‬
‫أسس زاويته في حاضرة فاس المحروسة‪ ،‬فصارت فاس بذلك القلب النابض للتصوف والعاصمة الروحية ألفريقيا‪ ،‬إذ لقن‬
‫بهذه الزاوية المباركة لمريديه وألصحابه األذكار واألوراد وتعاليم الطريقة التجانية؛ المبنية على الكتاب الكريم والسنة النبوية‬
‫المطهرة‪ ،‬كما تولى بنفسه المرضية تربيتهم وإرشادهم ‪،‬وقد أجاد الشيخ الرياحي (تـ ‪1266‬هـ) في قوله‪:‬‬
‫وما ظنونك بالِو ْر ِد الذي نظمت يد النبوة هل ُيبنى بال ساس‬

‫وما تظن بمنهاج لسالكه أمنًا من أهوال نيران وأرماس‬

‫وكان نتائج ذلك أن تخرج على يدي فضيلته ثلة مباركة من المريدين؛ الذين ارتقوا إلى مقام الخالفة فحملوا على عواتقهم نشر‬
‫ماتلقوه عن موالنا رضي هللا عنه من أوراد‪ ،‬وتعاليم‪ ،‬وقيم حاثة على عيش اإلنسان في سالم مع محيطه‪ ،‬ومشعة لالستقرار‬
‫النفسي والطمأنينة الروحية‪ ،‬التي تولد في اإلنسان توازنا في عالقاته مع ربه ونفسه ومجتمعه‪ ،‬فانطلق شعاع الطريقة الصوفية‬
‫التجانية السنية من مدينة فاس إلى ربوع القارة‪ ،‬وإلى العالم بأسره‪.‬‬

‫فال تكاد تخلو أي مدينة من المدن األفريقية من زاوية أو مدرسة للطريقة التجانية‪ ،‬كما قام بعض خلفاء الشيخ التجاني رضي‬
‫هللا عنه وأرضاه‪ ،‬بأدوار تعد عالمات بارزة في تاريخ القارة‪ ،‬ومن جملة هؤالء األعالم‪ :‬السيد محمد بن المختار التجاني‬
‫الشنقيطي المتوفى عام ( ‪1299‬هـ)‪ ،‬والشيخ عمر الفوتي المتوفى عام (‪1280‬هـ)‪ ،‬والشيخ أحمد حماه هللا (‪1943‬م)‪ ،‬والشيخ‬
‫إبراهيم نياس المتوفى عام ( ‪1395‬هـ)‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإن هذه المداخلة ستشتمل على ثالثة محاور‪:‬‬

‫المحور األول‪ :‬الزاوية التجانية األم بمدينة فاس المحروسة‪.‬‬


‫المحور الثاني‪ :‬شيخ الطريقة موالنا أبو العباس أحمد التجاني‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬بعض خلفاء الطريقة التجانية في أفريقيا‪.‬‬
‫أوال‪ :‬السيد محمد بن المختار التجاني الشنقيطي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المجاهد الشيخ عمر الفوتي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الشيخ حماه هللا‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الشيخ إبراهيم نياس‪.‬‬
‫المحور األول‪ :‬الزاوية التجانية األم بمدينة فاس المحروسة‬
‫لقد بنيت الزاوية التجانية بأمر من الرسول صلى هللا عليه وسلم لموالنا أحمد التجاني‪ ،‬إذ أمره صلى هللا عليه وسلم أن يبنيها‬
‫ويختار لها أطهر األماكن وأطيبها ‪،‬فاختار الشيخ رضي هللا عنه بعض األماكن‪ ،‬واستشار سيدنا رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فأمره صلى هللا عليه وسلم أن يشتري بحر ماله قطعة األرض الخربة من أمالك أوالد أقومي التي بحومة الدرداس‬
‫المعروفة اآلن باسم حومة البليدة‪ ،‬وكانت خربة مهيبة ال يقدر أحد على أن يدخلها وحده‪ ،‬وقد كان من عادة مجاذيب فاس أن‬
‫يأتوها وكانوا يخبرون بأنهم يسمعون فيها جماعة يذكرون الهيللة‪.‬‬

‫وقد حاول بعض من عادى الشيخ رضي هللا عنه عالمين بقدره حقدا وحسدا‪ ،‬أن يمنعوه من بناء الزاوية‪ ،‬حتى رفع األمر إلى‬
‫السلطان العلوي موالي سليمان رحمه هللا‪ ،‬فسمح ببنائها‪ ،‬وأمر أال يتعرض أحد للشيخ أحمد التجاني في بنائها‪ ،‬وأرسل إليه‬
‫صرتين في كل واحدة منهما ألف درهم مشاركة في بناء الزاوية‪ ،‬فاعتذر الشيخ رضي هللا عنه عن قبول المال‪ ،‬وقال‪ :‬لسنا في‬
‫حاجة إليه والزاوية أمرها قائم باهلل‪.‬‬

‫وقد بدأ بناء الزاوية في أوائل عام (‪1214‬هـ) واختار بعض أصحابه لإلشراف على بنائها‪ ،‬منهم سيدي عبد الكريم السقاط‪،‬‬
‫وسيدي هاشم بن معزوز‪ ،‬وسيدي علي أمالس‪ ،‬والسيد الغالي بو طالب‪ ،‬وسيدي الحاج محمد بن حيون الفاسي‪ ،‬رضي هللا‬
‫عنهم أجمعين‪ ،‬وانتهى العمل من تشييدها عام (‪1215‬هـ)‪.‬‬

‫لقد كانت الزاوية في أول بنائها يجلب إليها الماء في القرب‪ ،‬ويستعملون األباريق في صب الماء‪ ،‬فأراد الحاج أحمد بن عبد هللا‬
‫أحد أصحاب الشيخ رضي هللا عنه إجراء الماء الذي بداره المجاور للقرويين إلى الزاوية‪ ،‬فمنعه من ذلك بعض المبغضين‬
‫الذين جرت قواديس مياههم بالطريق‪ ،‬فشد سيدي أحمد الرحلة إلى مكناس ومعه ابن عمه سيدي المكي بن عبد هللا بعد أن شهد‬
‫لهم المختصون أنه ال ضرر في إجراء الماء على أحد‪ ،‬ورفعا األمر إلى األمير‪ ،‬فأمر بإجرائه على رغم أنوف المبغضين‪،‬‬
‫ولما عادا إلى فاس أجزال العطاء للمعلمين ليوصلوا الماء إلى الزاوية في ليلة واحدة‪ ،‬ففعلوا ذلك من غير علم األحباب‪ ،‬فلما‬
‫جاؤوا في الصباح وجدوا الماء يجري ففرحوا بذلك فرحا عظيما‪.‬‬
‫وكان أصحاب الشيخ رضي هللا عنهم ال يجدون الراحة والسعادة إال في الزاوية‪ ،‬وكثيرا ما كان يأتي معهم أقاربهم وأصدقاؤهم‬
‫لرؤية الشيخ رضي هللا عنه واالنتفاع بعلمه والتبرك به وطلب الدعاء منه‪.‬‬

‫وكان الشيخ أحمد التجاني ينوه بقدر الزاوية المباركة فقال رضي هللا عنه‪« :‬لو علم أكابر العارفين ما في الزاوية من فضل‬
‫لضربوا عليها خيامهم»‪ ،‬ومن ذلك أيضا قوله رضي هللا عنه‪« :‬الصالة في الزاوية مقبولة قطعا»‪ ،‬ويكفي في شرف الزاوية‬
‫التجانية األم ما قاله صلى هللا عليه وسلم لشيخنا عنها‪ ،‬حيث قال‪« :‬هذا مكاني وال أحب أن تبقى فيه تباعة لمخلوق»‪.‬‬

‫لقد توالت التوسعات والزيادات واإلصالحات على الزاوية‪ ،‬كما تم العناية بزخرفتها وتزيينها بالزليج والجبص‪ .‬ونقش على‬
‫جدرانها سورا من القرآن الكريم‪ ،‬إذ نقشت فيها سورة يس والفتح بالجبص على السواري فوق الزليج‪ ،‬وكذلك آخر سورتي‬
‫الحج وسورة المؤمنون حوالي عام (‪1375‬هـ)‪ ،‬كما نقش فيها العديد من القصائد واألسماء الشريفة واآليات الكريمة على‬
‫مراحل متعددة‪.‬‬

‫وأول مقدم رسمي بزاوية الشيخ أحمد التجاني رضي هللا عنه بعد وفاته‪ ،‬هو الخليفة سيدي الحاج علي حرازم برادة‪ ،‬ثم خلفه‬
‫سيدي محمد الكبير لحلو‪ ،‬ثم خلفه موالي الطاهر ابن المتوكل‪ ،‬ثم خلفه سيدي الغالي بن عزوز‪ ،‬ثم الشريف سيدي الطيب‬
‫السفياني‪ ،‬ثم الشريف إدريس العراقي‪.‬‬

‫وقد تعاقب المدرسون كذلك على الزاوية لتعليم الناس أمور دينهم بعد وفاة الشيخ أحمد التجاني‪ ،‬وأولهم كان العالمة سيدي‬
‫أحمد البناني‪ ،‬ثم خلفه العالمة سيدي الحاج محمد كنون‪ ،‬ثم العالمة محمد بن عمر العلوي‪ ،‬ثم خلفه العالمة رئيس المجلس‬
‫العلمي بعد استقالل المغرب سيدي الحاج الحسن بن عمر مزور‪ ،‬ثم خلفه في حياته وبعد وفاته الشريف إدريس العراقي‪.‬‬

‫لقد انطلقت الطريقة التجانية من الزاوية المباركة بمدينة فاس‪ ،‬إلى ربوع القارة األفريقية‪ ،‬فتشكلت نهضة علمية وثقافية‬
‫ساهمت في توسيع نطاق نفوذ الحضارة اإلسالمية‪ ،‬وأسهمت في انتشال المنطقة من بعض االنحرافات ‪،‬والتصدي ألخطار‬
‫االستعمار‪ ،‬فقد أنبتت هذه الزاوية المباركة وال زالت األلوف المؤلفة من الزوايا واألربطة والمدارس على يد أتباعها‪،‬‬
‫وصارت روافد حية تربط بين جنوب القارة وشمالها‪ ،‬واستمرت وفود الحجيج والزوار في التدفق إلى فاس لزيارة زاوية‬
‫الشيخ أحمد التجاني من سائر أرجاء القارة وسائر أنحاء العالم ‪،‬مما أضاف إلى حاضرة فاس المحروسة ُبعدًا ُروحيا عميقا‪،‬‬
‫باإلضافة إلى بعدها العلمي المعروف‪ ،‬فـ الطريقة التجانية تعد من أكثر الطرق الصوفية انتشارا على مستوى القارة والعالم‪ ،‬إذ‬
‫يقدر أتباع الطريقة التجانية اليوم بـ (‪)450‬مليون نسمة من المسلمين في العالم‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬شيخ الطريقة موالنا أبو العباس أحمد التجاني‬


‫هو الشيخ أحمد بن سيدي َم حمد (بالفتح) المختار بن أحمد بن سالم‪ ،‬وهو شريف حسني‪ُ ،‬و لد رضي هللا عنه عام (‪1150‬هـ‪/‬‬
‫‪1737‬م) بقرية عين ماضي الواقعة في الجزائر ونشأ بها‪ ،‬حفظ القرآن الكريم في صغره‪ ،‬وبعد ذلك اشتغل بطلب العلوم‬
‫األصولية والفروعية واألدبية‪ ،‬حتى تمكن فيها‪ ،‬وجلس للتدريس واإلفتاء‪ ،‬ثم مال رضي هللا عنه إلى طريق الصوفية‪ ،‬فطلبها‬
‫حتى تبحر فيها‪ ،‬وفي عام ‪1170‬هـ ارتحل إلى فاس وسمع فيها شيئا من الحديث‪ ،‬والتقى ببعض سادتها من أهل الوالية‪ ،‬وأخذ‬
‫بها الطريقة القادرية‪ ،‬وهي أول طريقة أذن فيها الشيخ رضي هللا عنه‪ ،‬ثم تركها بعد حين‪ ،‬ثم أخذ الطريقة الناصرية‪ ،‬ثم تركها‬
‫بعد حين‪ ،‬ثم أخذ طريقة القطب الغماري السجلماسي‪ ،‬ثم تركها بعد حين‪ ،‬ثم لقنه الولي سيدي أحمد الطواش رضي هللا عنه‬
‫وردا‪ ،‬فذكره مدة وتركه‪ ،‬ثم انتقل ناحية الصحراء قاصدا زيارة الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد‪ ،‬فأقام بها مدة‪ ،‬ومنها عاد‬
‫إلى عين ماضي‪ ،‬وارتحل بعد ذلك إلى تلمسان‪ ،‬وأقام بها عابدا زاهدا وجلس بها لتدريس علم الحديث والتفسير‪ ،‬وفي أوائل‬
‫سنة ‪1181‬هـ الحت عليه مبادئ الفتح‪ ،‬ثم خرج من تلمسان لحج بيت هللا الحرام سنة ‪1186‬م‪ ،‬وفي طريقه للحج أخذ الطريقة‬
‫الخلوتية ببلدة أزواوة‪ ،‬ولقي عددا من أكابر العارفين أثناء طريقه إلى الحج في تونس ومصر‪ ،‬وفي مكة المكرمة‪ ،‬وبعد أدائه‬
‫لفريضة الحج وزيارته لجده المصطفى عليه الصالة والسالم‪ ،‬عاد إلى تلمسان‪ ،‬ومنها إلى فاس مجددًا لزيارة موالنا إدريس‬
‫األول‪ ،‬ثم رجع إلى تلمسان‪ ،‬وفي سنة ‪1196‬هـ نزل بقرية القطب الكبير سيدي سمغون‪ ،‬واستوطن بها وفيها وقع له الفتح‪،‬‬
‫وأذن له بتربية الخلق وذلك في سنة ‪1196‬هـ‪ ،‬وهاجر رضي هللا عنه إلى فاس ودخلها في ‪1213‬هـ فاستقبله السلطان العلوي‬
‫موالي سليمان وأسكنه قصر المرايا إلى أن بنى زاويته المباركة‪ ،‬التي سبق الحديث عنها في المحور األول‪ ،‬فكان يقوم فيها‬
‫بتربية السالكين وتهذيب المريدين‪ ،‬وكشف مشكالتهم‪ ،‬وكشف أحوالهم‪ ،‬ووقره العلماء وعظموه‪ .‬وتنسب للشيخ التجاني رضي‬
‫هللا عنه ثالثة كتب‪ ،‬كتبت بيد أخص أصحابه‪ ،‬وهي «جواهر المعاني» وكاتبه سيدي علي حرازم (تـ ‪1214‬هـ)‪ ،‬و«إفادة‬
‫األحمدية لمريد السعادة األبدية» وكاتبه سيدي الطيب السفياني‪ ،‬و «الجامع لما افترق من درر العلوم الفائضة من بحار القطب‬
‫المكتوم» وكاتبه سيدي محمد بن المشري (تـ ‪1224‬هـ)‪ .‬وقد حوت هذه الكتب الثالثة أذكار وتعاليم الطريقة التجانية‪،‬‬
‫باإلضافة إلى تفسير بعض اآليات القرآنية وشرح بعض المسائل الفقهية‪ ،‬وأجوبة الشيخ أحمد التجاني عن بعض األسئلة التي‬
‫كانت تطرح على فضيلته‪ ،‬مما أظهر تضلع الشيخ أحمد التجاني في علوم القرآن الكريم والحديث الشريف‪ ،‬وأثبت سنية‬
‫الطريقة التجانية ومشروعيتها ‪.‬‬

‫وتوفي بفاس رضي هللا عنه يوم الخميس السابع عشر من شوال سنة (‪1230‬هـ ‪1815/‬م)‪ ،‬ودفن رضي هللا عنه وأرضاه‬
‫بزاويته‪.‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬أبرز خلفاء الطريقة التجانية في غرب أفريقيا‬


‫مدخل‬
‫ْف‬ ‫ْخ‬
‫الخليفة لغة‪ :‬من الخلف وهو ضد قدام‪ ،‬وفي التنزيل العزيز‪َ﴿ :‬و َقاَل ُموَس ى أِل خيِه َه اُروَن ا ل ِني ِفي َقْو ِمي﴾[‪ .]1‬وخلفته أيضا‬
‫إذا جئت بعده‪ ،‬ويقال‪ :‬خلفت فالنا أخلفه تخليفا‪ ،‬واستخلفته أنا‪ :‬جعلته خليفتي‪ ،‬واستخلفه‪ :‬جعله خليفة‪ ،‬والخليفة‪ :‬الذي يستخلف‬
‫ممن قبله‪ ،‬والجمع‪ :‬خالئف وخلفاء‪.‬‬

‫الخليفة في اصطالح الطريقة‪ :‬هو من يخلف عن شيخ الطريقة أو أحد خلفاء شيخ الطريقة بواسطة أو وسائط‪.‬‬

‫وتعد الخالفة هي أعلى مرتبة قد ينالها المنتسب إلى الطريقة التجانية‪ ،‬وهي مرتبة مهيمنة على غيرها من المراتب‪ ،‬كالشيخ‬
‫المربي‪ ،‬والمقدم‪ ،‬والمريد‪.‬‬

‫ويعبر عن مرتبة الخليفة في الطريقة أيضا بصاحب اإلذن الخاص المتلقى من النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ويبين اإلمام البعقيلي‬
‫ذلك قائال‪« :‬المقدمون والمربون أهل اإلرشاد رعية الخليفة‪ ،‬والمقدمون رعية المربي‪ ،‬والفقراء رعية المقدمين‪ ،‬و الخليفة‬
‫نائب مشرف على الجميع‪ ،‬وال تكون الخالفة إال بالمبايعة من جميع األرواح والجوامد‪ ،‬والبد من كتابة المبايعة بأيدي رؤساء‬
‫المالئكة األربعة‪ ،‬والبد من رقم بيد المزكي من الشيخ رضي هللا عنه‪ ،‬والبد من خاتم طابع خاتمه صلى هللا عليه و سلم مع‬
‫كتابة كاتبه علي بن أبي طالب كرم هللا وجهه»‪.‬‬

‫ويلزم متقلد هذا المنصب الرفيع أن يكون متحليا جملة من الصفات الفريدة والشروط الشديدة‪ ،‬وقد استرسل اإلمام البعقيلي‬
‫وأسهب في بيان جملة منها بقوله‪« :‬فالخليفة من ألبسه الشيخ كمال حلته وقلده بكمال عدته حسا ومعنى‪ ،‬وهو الصاحب له على‬
‫الحقيقة‪ ،‬وغيره تابع بعض أثره ال غير ‪،‬فيشترط فيه ما يشترط في الشيخ من كمال العلم الّلدني والكسبي‪ ،‬وجمع مراتبه صلى‬
‫هللا عليه وسلم من يوم فتح هللا به الوجود فضال منه وإنعاما ‪،‬وأطواره وانتقاله في جبين وجباه وعيون وأصالب وترائب آبائه‬
‫وأمهاته من يوم وجد أصله الظاهر آدم عليه السالم إلى تمام فروع أنواره فيما ال نهاية له من بطون اآلخرة‪ ،‬ويحيط بكيفيات‬
‫عبادته يقظة ونوما وما يراد به وما طلب من ربه وما أجيب به وما خاطب به الخلق عموما وخصوصا وما أجابوه به‪ ،‬وألقيت‬
‫ياقوتة صفائه صلى هللا عليه وسلم في قلبه‪ ،‬ويعلم جميع ما اقتضته ماهية الوجود‪ ،‬وعنده من الذوات بعدد ذوات الفقراء‬
‫أصحاب سيدنا رضي هللا عنه وعنهم به فكلما ازداد فقير يزيد هللا له ذاتا تقابله‪ ،‬فإنه ينزل منزلة الشيخ رضي هللا عنه في كل‬
‫مقول ومفعول يولي ويعزل‪ .‬وتشترط فيه أخالق النبوة وعلمها وسياستها ظاهرا وباطنا ومحبتها للخلق والشفقة عليهم والنظر‬
‫فيهم وجه هللا ووجه نبيهم عموما في العموم وخصوصا في الخصوص‪ ،‬فال يحيد عما كنشته يد القدرة اإللهية وال يحب زواله‬
‫بل ينفذه باهلل ببركة شيخه وينسب الوالية لشيخه متبرئا من نفسه»‪.‬‬

‫وممن عرف بوصوله إلى هذه المقام من أتباع الشيخ أحمد التجاني في حياته وبعد انتقاله رضي هللا عنه‪ ،‬على سبيل المثال‬
‫فقط ال الحصر‪:‬‬

‫سيدي علي حرازم‪.‬‬


‫سيدي محمد بن العربي الدمراوي‪.‬‬
‫سيدي علي التماسيني‪.‬‬
‫سيدي محمد الحافظ الشنقيطي‪.‬‬
‫سيدي محمد الغالي‪.‬‬
‫سيدي عمر الفوتي‪.‬‬
‫سيدي محمد الكنسوسي‪.‬‬
‫سيدي الحسن اإلفراني‪.‬‬
‫سيدي الحسن البعقيلي‪.‬‬
‫سيدي سكيرج‪.‬‬
‫سيدي النظيفي‪.‬‬
‫سيدي العربي بن سائح‪.‬‬
‫سيدي أحمد حماه هللا‪.‬‬
‫سيدي إبراهيم نياس‪.‬‬
‫وفي مايلي عرض لسير بعض خلفاء الطريقة التجانية‪ ،‬الذين كانت لهم آثار ظاهرة في مجريات األحداث بالقارة األفريقية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬السيد محمد الحافظ العلوي الشنقيطي‬


‫هو أبو عبد هللا محمد الحافظ العلوي الشنقيطي‪ ،‬أحد أصحاب الشيخ أحمد التجاني‪ ،‬المفتوح عليهم بالوالية الكبرى والخالفة‪،‬‬
‫ويروى في قصة أخذه للطريقة التجانية أنه لما تمكن من علوم الظاهر‪ ،‬وصار إماما يرجع إليه فيها‪ ،‬عزم عام (‪1789‬م) على‬
‫الحج وزيارة المصطفى صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وجعل من أهم مقاصده التي يطلبها في رحلته تلك مالقاة شيخ كامل من أهل هللا‬
‫تعالى‪ ،‬وقد حقق هللا تعالى له رجاءه‪ ،‬فالتقى بالخليفة سيدي الحاج علي حرازم رضي هللا عنه ‪،‬فأخبره رضي هللا عنه بأمر‬
‫الشيخ التجاني؛ فأخذ بمجامع قلب الشيخ الحافظ ‪،‬فتوجه إلى فاس بعد أدائه الحج والزيارة‪ ،‬وأقام عند الشيخ رضي هللا عنه‬
‫بزاويته ‪،‬فتربى على يد الشيخ‪ ،‬وحين أراد الرحيل إلى بلده‪ ،‬أجاز له الشيخ رضي هللا عنه في الطريقة إجازة مطلقة وقيده فقط‬
‫في أن ال يزيد في التقديم على عشرة‪.‬‬

‫وعند مواعدته للشيخ رضي هللا عنه قال له‪ :‬أوصني! فأوصاه الشيخ رضي هللا عنه قائال‪« :‬ال تظهر بنفسك حتى يكون هللا‬
‫تعالى هو الذي يظهرك»‪.‬‬

‫فاتفق أّن رجال ممن كان يشار إليه بالّصالح مالقاة الخضر عليه السالم أتاه ذات يوم بعد أن صّلى العصر بتالمذته وجلس‬
‫إليهم يذاكرهم‪.‬‬

‫فلما دنا هذا الرجل من المجلس قيل له‪ :‬هذا فالن!‬

‫فقال‪ :‬سبحان هللا! ثم قام إليه ورحب به وأجلسه إلى جنبه‪ ،‬فامتنع الرجل أن يجلس إال بين يديه ‪.‬‬

‫ثم قال له‪ :‬أتدري لماذا أتيتك؟ قال‪ :‬ال ‪.‬‬

‫قال‪ :‬أتيتك بإذن لتعطيني األمانة التي أتيت بها من التل‪.‬‬

‫فقال له‪ :‬يا سيدي‪ ،‬وأي شيء أتيت به من التل؟ إنما أتيت ببعض الكتب‪ ،‬فإن كان لك غرض في بعضها جئتك به وهو لك‪.‬‬

‫فقال له الرجل‪ :‬دعني يا سيدي من هذا وإنما أتيتك لتعطيني ورد الشيخ أحمد التجاني رضي هللا عنه الذي أتيت باإلذن فيه‪.‬‬
‫فأذن له في الورد‪.‬‬

‫فقام جميع من حضر ذلك المجلس ورغب إليه في تلقينه إياه‪ ،‬وسار كل واحد منهم إلى أهله وعشيرته فقص عليهم خبر السيد‬
‫المذكور فلم يبت بيت في تلك الليلة من البيوت القريبة من منزل الشيخ الحافظ إال وبات فيه ذكر الشيخ رضي هللا عنه‪.‬‬

‫ومن الغد أتاه الناس أفواجًا لألخذ عنه ثم تواصل ذلك وتراسل‪ ،‬فانتشرت الطريقة على يده أّي انتشار في موريتانيا‪ ،‬وأسس‬
‫أول زاوية بموريتانيا‪ ،‬وتخرج على يده في تلك األقطار عدد ال يحصى من الرجال‪ ،‬وخلفه عشرة من المقدمين أشهرهم مولود‬
‫فال‪ ،‬وانتقلت الطريقة التجانية من موريتانيا إلى السنغال ومالي ‪.‬‬

‫توفي رضي هللا عنه سنة ( ‪1247‬هـ ‪1838/‬م)‪.‬‬


‫ثانيا‪ :‬الشيخ عمر الفوتي‬
‫هو الحاج عمر بن سعيد بن عثمان بن المختار تال الفوتي الطوري الكدوي‪ ،‬ينتمي إلى قبيلة تال التي هاجرت من موريتانيا‪،‬‬
‫واستقرت بمنطقة فوتاتور‪ .‬ولد رضي هللا عنه في شهر رمضان عام ( ‪1213‬هـ‪1797/‬م) بقرية حلوار بشمال السنغال‪ .‬ونشأ‬
‫نشأة دينية فحفظ القرآن وتلقى العلوم الشرعية‪ ،‬وقعد لتدريس األطفال القرآن والسنة النبوية المطهرة‪.‬‬

‫وأخذ الطريقة التجانية أول األمر من الشيخ مولود فال أحد المقدمين العشرة للشيخ محمد الحافظ الشنقيطي‪ ،‬ثم الزم الشيخ عبد‬
‫الكريم بن أحمد الناقل الفوتجلي التنبوي‪ ،‬وأخذ عنه كذلك علم العروض‪ .‬ويرجع سند الشيخ عبد الكريم إلى الشيخ محمد الحافظ‬
‫بن مختار الشنقيطي كذلك‪ ،‬ثم التقى عام (‪1828‬م) في األراضي الحجازية بالشيخ محمد الغالي بو طالب الشريف الحسني؛‬
‫وهو من خاصة أصحاب الشيخ التجاني رضي هللا عنه وممثله في اآلراضي الحجازية‪ ،‬فالزمه سنين‪ ،‬وجدد له الطريقة وأذن‬
‫له في فعل جميع ما يفعله الخليفة و أملى وكتب له اإلجازة بذلك‪ ،‬وأمره بالعودة إلى وطنه‪ ،‬وواله الخالفة وكلفه بإصالح جميع‬
‫األحوال الفاسدة فيها‪.‬‬

‫زار الحاج عمر الفوتي أثناء رحلة عودته من األراضي الحجازية العديد من البلدان‪ ،‬ومنها مصر‪ ،‬وجرى بينه وبين علماء‬
‫األزهر مناظرات علمية دقيقة في متشابه القرآن الكريم‪ ،‬وغريب الحديث‪ ،‬واللغة‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والمعاني‪ ،‬بان فيها تضلعه من‬
‫تلك العلوم والفنون‪.‬‬

‫وقد عمل على نشر اإلسالم في منطقة فوتا تور وحوض نهري السنغال والنيجر‪ ،‬فقاتل ضد االحتالل‪ ،‬وتمكن من بسط نفوذه‬
‫من السنغال حتى تمبكتو قرب النيجر‪ ،‬وحقق نجاحات على ذلك الصعيد‪ ،‬مما جعل القبائل تمجد اإلسالم فدخلت في دين هللا‬
‫أفواجا‪ ،‬وتمكن من تأسيس إمبراطورية إسالمية عرفت بإمبراطورية التكرور‪ ،‬وبلغ امتدادها السنغال ومالي وغانا ‪.‬‬

‫كما أولى الحاج عمر الفوتي اهتماما بتنصيب المقدمين المصلحين لنشر الدعوة اإلسالمية في غرب أفريقيا‪ .‬ومن أبرز هؤالء‬
‫المقدمين الذين كان لهم أثر كبير في الحركة اإلصالحية للحاج الفوتي‪:‬‬

‫الشيخ ألفا مولر وابنه موسى‪ ،‬الذي تمكن من توحيد الماندين وتولي حكم دولة الفوالني التابعة لفوتاجلو‪ .‬وقد اهتم بإنشاء دور‬
‫العبادة ورفع قدر العلماء والفقهاء حثا لهم على نشر الدين اإلسالمي بين الجماعات الوثنية‪ ،‬فبدأت القبائل في اعتناق اإلسالم‪،‬‬
‫ويرجع إليه الفضل في اعتناق أهالي غينيا بيساو لإلسالم‪ .‬ونعمت المنطقة بفترة من الهدوء واالستقرارفترة حكمه‪ .‬توفي سنة‬
‫(‪1881‬م)‪ ،‬وخلفه ابنه موسى الذي سار على نهجه وأسس دولة إسالمية قوية‪ ،‬وانتشر اإلسالم في بالد السودان أيما انتشار‪،‬‬
‫وجددت معظم القبائل إسالمها‪ ،‬كما انتشرت الطريقة التجانية‪ ،‬إلى جوار الطريقة القادرية التي كانت سابقة الوجود‪.‬‬
‫الشيخ مابا جاخو عينه الحاج عمر الفوتي في شمال السنغال‪ ،‬واستطاع أن يؤسس والية إسالمية في جامبيا بعد أن ربط بين‬
‫الواليات اإلسالمية القوية فيها وذلك عام ( ‪1270‬هـ ‪1860/‬م)‪ .‬توفي بعد قبض المستعمر عليه ونفيه عام (‪1913‬م‪).‬‬
‫وقد أولى الحاج عمر الفوتي رضي هللا عنه عناية خاصة بالتعليم‪ ،‬إذ دعا إلى تغييرات جذرية في النظام التعليمي للمسلمين‪،‬‬
‫وعمل على تحسين سلوكهم الخلقي وحياتهم الروحية والمادية‪.‬‬

‫فقام الحاج عمر الفوتي ببناء مراكز التعليم والتربية في منطقة فوتاجالون فالتحقت به مجموعات كبيرة من أبناء المنطقة‬
‫الراغبين في النهل من معارف الحاج عمر الفوتي الغزيرة‪ ،‬وبعد تخرجهم بعث بهم إلى مناطق مختلفة من فوتا لنشر اإلسالم‪،‬‬
‫وتصحيح العقائد الدينية‪ ،‬كما كان لفضيلته إنتاج فكري وأدبي متنوع بين كتب ومنظومات ورسائل منها‪:‬‬

‫أصول الديانة اإلسالمية‪.‬‬


‫تذكرة الغافلين عن قبح اختالف المؤمنين‪.‬‬
‫رسالة النصح المبين‪.‬‬
‫رماح حزب الرحيم‪.‬‬
‫قصيدة تذكرة المسترشدين وفالح الطالبين‪.‬‬
‫المقاصد السنية‪.‬‬
‫منظومة في التوحيد‪.‬‬
‫هداية المذنبين إلى كيفية الخالص من حقوق هللا والعباد أجمعين‪.‬‬
‫كما قام رضي هللا عنه ببناء الزوايا لنشر تعاليم الطريقة التجانية‪ ،‬وأسس زاوية دياقونكو (‪ )Diagouko‬ودانجراي (‬
‫‪ )Dangra‬عام ( ‪1838‬م)‪ ،‬وازدهرت الطريقة التجانية في جنوب الصحراء على يديه‪ ،‬وأصبحت المدن الكبرى مثل نيورو‬
‫(‪ )Nioro‬وسيقو (‪ )Ségou‬بمثابة المنافذ التي انتقلت من خاللها الطريقة إلى كامل المنطقة‪ ،‬فمن مدينة نيورو وصلت‬
‫الطريقة التجانية إلى المناطق الساحلية التي تقع فيها كوت ديفوار‪.‬‬

‫مات رضي هللا عنه شهيدا وذلك نتيجة لمؤامرة حاكها ضده أعداؤه من الوثنيين (البامبرا) والقوى االستعمارية‪ ،‬وذلك سنة‬
‫‪1864‬م‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الشيخ أحمد حماه هللا‬


‫ُّد‬
‫هو الشيخ أحمد حماه هللا بن محم بن سيدنا عمر‪ ،‬هو شريف حسني‪ .‬ولد رضي هللا عنه حوالي سنة (‪1300‬هـ‪1882/‬م)‪،‬‬
‫ونشأ يتيما في كنف أمه بمدينة نيورو (‪ )Nioro‬بمالي‪ ،‬ولم يكن له نصيب من طلب العلم‪.‬‬

‫ولما بلغ السابعة عشرة من عمره قدم إلى مدينته شيخ جزائري هو الشيخ محمد األخضر بن عبد هللا الشريف اإلدريسي‬
‫الحسني (تـ ‪1327‬هـ‪1909/‬م)‪ ،‬وهو أحد خلفاء الشيخ الطاهر بو طيبة التلمساني الشريف الحسني (تـ ‪1295‬هـ)‪ ،‬الذي يعد‬
‫من خاصة الخاصة من أصحاب الشيخ أحمد التجاني رضي هللا عنه؛ فقد صحبه قبل وبعد الفتح األكبر‪ ،‬وقام بخدمته طيلة‬
‫خلواته التجريدية بصحراء أبي سمغون‪ ،‬ومن جملة خلفائه‪ ،‬وكان وصول الشيخ محمد األخضر إلى مدينة نيورو (‪)Nioro‬‬
‫عام (‪1900‬م) بعد رحلة طويلة طاف فيها كثيرا من المدن والحواضر آن ذاك ونشر خاللها الطريقة التجانية وقام بتنصيب‬
‫العديد من المقدمين‪ ،‬وقد مكث بمدينة نيورو (‪ )Nioro‬عامين قبل أن يلتقي بالشيخ حماه هللا‪ ،‬فلما لقيه لقنه الورد التجاني‬
‫وأعطاه أسرارا عالية وشهد له بالخالفة ودعا الناس إلى التجديد على يديه وأقام معه والزمه حتى توفاه هللا رضي هللا عنه‪.‬‬

‫وقد تكاثر أتباع الشيخ أحمد حماه هللا بعد وفاة شيخه الشريف محمد األخضر بشكل كبير‪ ،‬حتى إن بعض معاصريه من شيوخ‬
‫التربية كان يرى تالمذته تتركه منجرفة في سيل ال يتوقف جريانه إال عند باب الشيخ حماه هللا في نيورو (‪ .)Nioro‬وكم من‬
‫شيخ ذهب إليه وأصبح تلميذه إلى جانب تالمذته السابقين‪ ،‬وبايعته القبائل وأفخاذها‪ ،‬والعشائر وبطونها‪ ،‬والقرى والمدن‬
‫واألعراق من عرب وسودان‪.‬‬

‫ولما بلغ صيت الشيخ رضي هللا عنه المستعمر الفرنسي آن ذلك‪ ،‬حاول جاهدا تجنيد الشيخ وإخضاعه‪ ،‬ولكن باءت محاوالته‬
‫بالفشل‪ ،‬فقام بالقبض عليه ونفيه‪ ،‬وكان من أهداف هذا النفي التخّلص من تأثير الشيخ حماه هللا بمالي وما حولها من المناطق‪،‬‬
‫وفصله عن أسرته وذويه وأتباعه‪ ،‬واستمر نفيه نحو عشر سنين‪ ،‬إذ أخرجه المستعمر من داره عام ( ‪1344‬هـ) وذهبوا به‬
‫إلى مدينة بماكو (‪ )Bamako‬ومكث بها شهرين‪ ،‬ثم ذهبوا به إلى مدينة عاصمة السنغال آن ذلك‪ ،‬ومكث بها سبعة أشهر ثم‬
‫ذهبوا به إلى مدينة المذرذرة (‪ )Mederdra‬الموريتانية‪ ،‬وقضى بها ثالثة أعوام وعشرة أشهر إال أربعة ليال‪ ،‬وقد اختار‬
‫المستعمر تلك المدينة بعناية محاولة منه لوضع الشيخ في خالف ديني وصراع مستمر مع السكان المحليين الذين يغلب عليهم‬
‫االعتناء بظاهر الشريعة‪ ،‬ويكثر فيهم اإلنكار على التصوف والصوفية‪ ،‬ولكن خاب ظن المستعمر الفرنسي؛ إذ القى الشيخ من‬
‫سكان المدينة كل إكبار وإجالل‪ ،‬وتوافدت الوفود الزائرة محملة بالهدايا النفيسة‪ ،‬وقدرت حمولة تلك الهدايا بألفي كيلو جرام‪،‬‬
‫وذكر أنه خالل مدة إقامته رضي هللا عنه بالمذرذرة لم يولد ولد إال وسمي عليه احتفاء بالشيخ وتيمنا للولد ‪.‬‬

‫لما رأى المستعمر أن خطته لم تؤت ثمارها‪ ،‬وباءت محاوالته لشراء ذمة الشيخ رضي هللا عنه بالفشل‪ ،‬عزم على نقل الشيخ‬
‫إلى مجتمع غير مسلم‪ ،‬فتم نقله (‪1348‬هـ‪1930/‬م) إلى قرية أدزوبي (‪ )Adzopé‬الواقعة جنوب كوت ديفوار‪ ،‬التي كانت‬
‫على الوثنية‪ ،‬ورغم ذلك وقع حبه في قلب السكان وأقبلوا عليه يزورونه ويسمعون منه‪ ،‬وقضى بها خمسة أعوام وعشرة‬
‫أشهر وخمسة أيام‪ ،‬وبعدها أطلق المستعمر سراحه فوصل إلى مدينته نيورو (‪ )Nioro‬عام ( ‪1354‬هـ‪1936/‬م)‪ .‬وفي شهر‬
‫يونيو من العام (‪1941‬م) قامت القوات االستعمارية باعتقال الشيخ أحمد حماه هللا مجددا‪ ،‬وفي هذه المرة نقلته إلى فرنسا‪،‬‬
‫وأعلنت عن وفاته رضي هللا عنه عام ( ‪1945‬م)‪ ،‬وأنه توفي بتاريخ ( ‪ 1943 /01/ 19‬م‪).‬‬

‫رابعا‪ :‬الشيخ إبراهيم نياس‬


‫هو الحاج إبراهيم بن عبد هللا بن محمد بن مدنب بن بكر بن محمد األمين بن صنب بن الرضي‪ ،‬ويتصل نسبه بعقبة بن نافع‬
‫القرشي الصحابي الجليل‪.‬‬
‫ولد رضي هللا عنه بعد عصر الخميس ‪ 15‬من شهر رجب عام ( ‪1320‬هـ)‪ ،‬الموافق (‪17/10/1900‬م)‪ ،‬في قرية طيبة‬
‫نياسين التي أسسها والده الحاج عبد هللا رضي هللا عنهما‪ ،‬بالسنغال‪.‬‬

‫نشأ الشيخ إبراهيم نياس في أسرة دينية وعلمية‪ ،‬فتربى تربية إسالمية متميزة ‪،‬فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة‪ ،‬كما كان‬
‫حال جميع أفراد أسرته‪ ،‬فقد عرفت أسرته منذ قديم الزمان باهتمامها بالقرآن حفظا ونشرا وتدريسا‪ ،‬وتوارثوا ذلك االهتمام‬
‫جيال عن جيل‪ .‬وكان أبوه الحاج عبد هللا عالما معروفا ومن المناضلين ضد المحتل‪ ،‬كما كان من مشايخ الطريقة التجانية‪،‬‬
‫وكان له الكثير من الطالب واألتباع‪ ،‬فأخذ عن أبيه الطريقة التجانية‪ ،‬ثم أخذها عن العديد من المشايخ فحصل على خمسين‬
‫إجازة وتقديم‪ ،‬خولته معرفة أسرار الطريقة‪ ،‬فضال عن األذواق التي اليفوه بها اللسان وال تسطر على األوراق على حد تعبير‬
‫والده الحاج عبد هللا رضي هللا عنهما‪.‬‬

‫وتبحر الشيخ إبراهيم نياس في أصول الدين والعلوم الشرعية واللغوية واألدبية والثقافة اإلسالمية‪ ،‬فتأهل لألستاذية‪ ،‬وتخرج‬
‫على يدي الشيخ إبراهيم نياس أفواج من الطالب والتالميذ في جميع أنحاء غرب أفريقيا‪ ،‬وقد اهتم بتدريس اللغة العربية ونشر‬
‫الثقافة العربية في الدول األفريقية‪ ،‬فسعى إلى إقناعها بإدخال اللغة العربية في التعليم الرسمي‪ ،‬كما صنف رضي هللا عنه‬
‫العديد من المصنفات ‪،‬وكتب كتابه األول وهو في العشرين من عمره‪ ،‬فوصل عدد كتبه ومصنفاته إلى ‪ 50‬مصنفا بين منثور‬
‫ومنظوم في مواضيع متنوعة‪ ،‬ومنها ما يلي‪:‬‬

‫كاشف اإللباس عن فيضة الختم أبي العباس‪.‬‬


‫السر األكبر والنور األبهر‪.‬‬
‫تنبيه األذكياء في كون الشيخ التجاني خاتم األولياء‪.‬‬
‫تبصرة األنام في جواز رؤية الباري في اليقظة والمنام‪.‬‬
‫الفيض األحمدي في المولد المحمدي‪.‬‬
‫تيسير الوصول إلى حضرة الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫روض المحبين في مدح سيد العارفين‪.‬‬
‫روح الحب في مدح القطب‪.‬‬
‫رفع المالم عمن رفع وقبض اقتداء بسيد األنام‪.‬‬
‫تعدد الزوجات في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫مناسك الحج المبارك‪.‬‬
‫التوسل بالفاتح لما أغلق‪.‬‬
‫تحفة األطفال في حقائق األفعال‪.‬‬
‫ولما تمتع به الشيخ إبراهيم نياس من علو الكعب في العلوم الشرعية والعرفانية‪ ،‬فقد احتل مكانة بارزة على مستوى العالم‪،‬‬
‫فكان محل تكريم في جميع دول العالم‪ ،‬وقد نشأت بينه وبين مشايخ األزهر الشريف صالت قوية‪ ،‬حتى إنهم قلدوه منصب‬
‫الرئاسة الشرفية لجامعة األزهر وأطلقوا عليه لقب «شيخ اإلسالم»‪ .‬ويذكر أن الشيخ إبراهيم نياس رضي هللا عنه هو أول‬
‫أفريقي غير مصري ينال شرف إمامة المسلمين في صالة الجمعة بالجامع األزهر الشريف منذ إنشائه‪ ،‬وكان ذلك عام (‬
‫‪1381‬هـ ‪1961/‬م‪).‬‬

‫لقد صار الشيخ إبراهيم نياس‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬األب الروحي لماليين المريدين على امتداد منطقة غرب أفريقيا‪ ،‬وتقلد العديد‬
‫من المناصب الهامة على الصعيد الدولي‪ ،‬فقد كان‪:‬‬

‫نائبا للرئيس ثم رئيسا للمؤتمر اإلسالمي بكراتشي‪.‬‬


‫عضوًا مؤسسًا لرابطة العالم اإلسالمي بمكة المكرمة‪.‬‬
‫رئيسا مؤسسا لمنظمة االتحاد اإلفريقي لدعاة اإلسالم‪.‬‬
‫عضوًا مؤسسًا في جمعية الجامعات اإلسالمية بالرباط‪.‬‬
‫عضوا بالمجلس األعلى للشؤون اإلسالمية بالقاهرة‪.‬‬
‫عضوا في مجمع البحوث اإلسالمية بالقاهرة‪.‬‬
‫عضوا في المجلس اإلسالمي األعلى بالجزائر باقتراح من الرئيس الجزائري بومدين‪.‬‬
‫توفي الشيخ إبراهيم نياس‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬في مدينة لندن حيث كان يتلقى العالج‪ ،‬وذلك يوم ‪ 15‬رجب ‪1395‬هـ‪ ،‬الموافق لـ‬
‫‪ 1975 /07/ 27‬م‪.‬‬

‫الهوامش‬
‫[‪ ]1‬سورة األعراف‪ ،‬من اآلية ‪.142‬‬

You might also like