Professional Documents
Culture Documents
لمدارس الصوفية في إفريقيا وأعلام الطريقة التجانية نموذجاً
لمدارس الصوفية في إفريقيا وأعلام الطريقة التجانية نموذجاً
www.fm6oa.org
مداخلة بعنوان “المدارس الصوفية في إفريقيا :معالم وأعالم – الطريقة التجانية نموذجًا” لألستاذ يونس توري الشيخ رئيس
المجلس االتحادي التيجاني بكوت ديفوار ،مؤسس ومدير معهد المنارة اإلسالمية و عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء
األفارقة بجمهورية كوت ديفوار خالل الدورة التواصلية الثانية للمؤسسة في موضوع« :الثوابت الدينية في إفريقيا :الواقع
واآلفاق» المنعقدة أيام 6و 7و 8رمضان 1439هـ الموافق لـ 22و 23و 24ماي 2018م بالرباط.
األستاذ يونس توري رئيس المجلس االتحادي التيجاني بكوت ديفوار ،مؤسس ومدير معهد المنارة اإلسالمية و عضو فرع
مؤسسة محمد السادس للعلماء األفارقة بجمهورية كوت ديفوار
لقد عرفت أفريقيا جنوب الصحراء التصوف مع دخول اإلسالم ،إذ كان للمشايخ الصوفيين دور كبير في نشر اإلسالم في تلك
المنطقة ،وكانت أول الطرق الصوفية وصوال إلى المنطقة هي الطريقة القادرية التي أسسها الشيخ عبد القادر بن موسى بن
عبد هللا الحسني الجيالني رضي هللا عنه .ولد رضي هللا عنه في عام(471هـ 1078/م) بجيالن ،الواقعة حاليا في دولة
إيران ،تتلمذ على يديه أكثر فقهاء زمانه ،وتاب على يديه كثيرون ،وأسلم معظم يهود ونصارى بغداد على يديه .وتوفي رضي
هللا عنه في ليلة السبت ثامن شهر ربيع اآلخر سنة (561هـ 1166/م) ،ودفن في رواق مدرسته.
وانتقلت الطريقة القادرية إلى المغرب منذ عام (1198م) في حياة مؤسسها الشيخ عبد القادر الجيالني رضي هللا عنه ،وذلك
من خالل العالم المراكشي أبي مدين الغوث (تـ 594هـ 1198/م) بعد أن تلقاها مباشرة من مؤسسها الشيخ عبد القادر
الجيالني في مدينة بغداد ،بعد أدائهما لشعيرة الحج.
وفي القرن السادس عشر الميالدي أدخل الشيخ سيد عمر الشيخ الكنتي الطريقة القادرية إلى جنوب الصحراء ،وذلك حين
تولى مشيخة الطريقة القادرية بعد وفاة شيخه محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني (909هـ 1504/م) ،فانطلق
يجوب هذا النطاق الجغرافي الممتد من حوض نهر النيجر وبالد السودان جنوبا إلى أقصى شمال بالد المغرب داعيا الناس
إلى مبادئ الدين الحنيف ،ومربيا األجيال على مبادئ طريقته القادرية البكائية الكنتية ،وتوفي رضي هللا عنه في إحدى رحالته
الدعوية بالقرب من بلدة أقا ( )Akkaفي جنوب المملكة المغربية.
ويعد الشيخ المختار ولد أحمد (1811م) ،أول من أسس زاوية قادرية في جنوب الصحراء ،ببلدة ازواد ( )Azawadبشمال
تمبكتو ،وأصبحت تلك الزاوية أول مركز للطريقة القادرية جنوب الصحراء.
وقد انتشرت القادرية البكائية أو المختارية جنوب الصحراء ،وكنيت بالبكائية نسبة إلى الشيخ أحمد البكاي بودمعة العقبي
الفهري ،والد الشيخ عمر الشيخ ،الناشر األول للورد القادري بجنوب الصحراء ،كما تعرف بالمختارية نسبة إلى الشيخ
المختار الكبير ،وهو مصلح ديني اشتهر في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر.
واستمر انتشار الطريقة القادرية جنوبا من خالل جهود فردية لبعض المشايخ والتجار ،وانتسب للطريقة القادرية بعض
الزعماء البارزين في المنطقة مثل الشيخ أحمد لوبو باري (تـ 1265هـ 1848/م) مؤسس دولة ماسينا اإلسالمية ،والشيخ
عثمان دان فودي (تـ 1232هـ1817/م) مؤسس دولة صوكتو اإلسالمية.
ومازال للطريقة القادرية وجود قوي في دول جنوب الصحراء ،وينتسب إلى الطريقة مريدون من مختلف الطبقات
االجتماعية ،ولكنها صارت في المرتبة الثانية بعد أن كانت تحتل الصدارة ،وذلك بسبب ظهور الطريقة التجانية.
و الطريقة التجانية هي طريقة إفريقية المنشأ ،إذ نشأت شمال أفريقيا ،وتوغلت إلى جنوبه ،ويعد الشيخ أبو العباس أحمد
التجاني رضي هللا عنه (تـ 1815م) «شيخ الطريقة التجانية » من أبرز وأهم أعالم التصوف في تاريخ القارة األفريقية ،وقد
أسس زاويته في حاضرة فاس المحروسة ،فصارت فاس بذلك القلب النابض للتصوف والعاصمة الروحية ألفريقيا ،إذ لقن
بهذه الزاوية المباركة لمريديه وألصحابه األذكار واألوراد وتعاليم الطريقة التجانية؛ المبنية على الكتاب الكريم والسنة النبوية
المطهرة ،كما تولى بنفسه المرضية تربيتهم وإرشادهم ،وقد أجاد الشيخ الرياحي (تـ 1266هـ) في قوله:
وما ظنونك بالِو ْر ِد الذي نظمت يد النبوة هل ُيبنى بال ساس
وكان نتائج ذلك أن تخرج على يدي فضيلته ثلة مباركة من المريدين؛ الذين ارتقوا إلى مقام الخالفة فحملوا على عواتقهم نشر
ماتلقوه عن موالنا رضي هللا عنه من أوراد ،وتعاليم ،وقيم حاثة على عيش اإلنسان في سالم مع محيطه ،ومشعة لالستقرار
النفسي والطمأنينة الروحية ،التي تولد في اإلنسان توازنا في عالقاته مع ربه ونفسه ومجتمعه ،فانطلق شعاع الطريقة الصوفية
التجانية السنية من مدينة فاس إلى ربوع القارة ،وإلى العالم بأسره.
فال تكاد تخلو أي مدينة من المدن األفريقية من زاوية أو مدرسة للطريقة التجانية ،كما قام بعض خلفاء الشيخ التجاني رضي
هللا عنه وأرضاه ،بأدوار تعد عالمات بارزة في تاريخ القارة ،ومن جملة هؤالء األعالم :السيد محمد بن المختار التجاني
الشنقيطي المتوفى عام ( 1299هـ) ،والشيخ عمر الفوتي المتوفى عام (1280هـ) ،والشيخ أحمد حماه هللا (1943م) ،والشيخ
إبراهيم نياس المتوفى عام ( 1395هـ).
وقد حاول بعض من عادى الشيخ رضي هللا عنه عالمين بقدره حقدا وحسدا ،أن يمنعوه من بناء الزاوية ،حتى رفع األمر إلى
السلطان العلوي موالي سليمان رحمه هللا ،فسمح ببنائها ،وأمر أال يتعرض أحد للشيخ أحمد التجاني في بنائها ،وأرسل إليه
صرتين في كل واحدة منهما ألف درهم مشاركة في بناء الزاوية ،فاعتذر الشيخ رضي هللا عنه عن قبول المال ،وقال :لسنا في
حاجة إليه والزاوية أمرها قائم باهلل.
وقد بدأ بناء الزاوية في أوائل عام (1214هـ) واختار بعض أصحابه لإلشراف على بنائها ،منهم سيدي عبد الكريم السقاط،
وسيدي هاشم بن معزوز ،وسيدي علي أمالس ،والسيد الغالي بو طالب ،وسيدي الحاج محمد بن حيون الفاسي ،رضي هللا
عنهم أجمعين ،وانتهى العمل من تشييدها عام (1215هـ).
لقد كانت الزاوية في أول بنائها يجلب إليها الماء في القرب ،ويستعملون األباريق في صب الماء ،فأراد الحاج أحمد بن عبد هللا
أحد أصحاب الشيخ رضي هللا عنه إجراء الماء الذي بداره المجاور للقرويين إلى الزاوية ،فمنعه من ذلك بعض المبغضين
الذين جرت قواديس مياههم بالطريق ،فشد سيدي أحمد الرحلة إلى مكناس ومعه ابن عمه سيدي المكي بن عبد هللا بعد أن شهد
لهم المختصون أنه ال ضرر في إجراء الماء على أحد ،ورفعا األمر إلى األمير ،فأمر بإجرائه على رغم أنوف المبغضين،
ولما عادا إلى فاس أجزال العطاء للمعلمين ليوصلوا الماء إلى الزاوية في ليلة واحدة ،ففعلوا ذلك من غير علم األحباب ،فلما
جاؤوا في الصباح وجدوا الماء يجري ففرحوا بذلك فرحا عظيما.
وكان أصحاب الشيخ رضي هللا عنهم ال يجدون الراحة والسعادة إال في الزاوية ،وكثيرا ما كان يأتي معهم أقاربهم وأصدقاؤهم
لرؤية الشيخ رضي هللا عنه واالنتفاع بعلمه والتبرك به وطلب الدعاء منه.
وكان الشيخ أحمد التجاني ينوه بقدر الزاوية المباركة فقال رضي هللا عنه« :لو علم أكابر العارفين ما في الزاوية من فضل
لضربوا عليها خيامهم» ،ومن ذلك أيضا قوله رضي هللا عنه« :الصالة في الزاوية مقبولة قطعا» ،ويكفي في شرف الزاوية
التجانية األم ما قاله صلى هللا عليه وسلم لشيخنا عنها ،حيث قال« :هذا مكاني وال أحب أن تبقى فيه تباعة لمخلوق».
لقد توالت التوسعات والزيادات واإلصالحات على الزاوية ،كما تم العناية بزخرفتها وتزيينها بالزليج والجبص .ونقش على
جدرانها سورا من القرآن الكريم ،إذ نقشت فيها سورة يس والفتح بالجبص على السواري فوق الزليج ،وكذلك آخر سورتي
الحج وسورة المؤمنون حوالي عام (1375هـ) ،كما نقش فيها العديد من القصائد واألسماء الشريفة واآليات الكريمة على
مراحل متعددة.
وأول مقدم رسمي بزاوية الشيخ أحمد التجاني رضي هللا عنه بعد وفاته ،هو الخليفة سيدي الحاج علي حرازم برادة ،ثم خلفه
سيدي محمد الكبير لحلو ،ثم خلفه موالي الطاهر ابن المتوكل ،ثم خلفه سيدي الغالي بن عزوز ،ثم الشريف سيدي الطيب
السفياني ،ثم الشريف إدريس العراقي.
وقد تعاقب المدرسون كذلك على الزاوية لتعليم الناس أمور دينهم بعد وفاة الشيخ أحمد التجاني ،وأولهم كان العالمة سيدي
أحمد البناني ،ثم خلفه العالمة سيدي الحاج محمد كنون ،ثم العالمة محمد بن عمر العلوي ،ثم خلفه العالمة رئيس المجلس
العلمي بعد استقالل المغرب سيدي الحاج الحسن بن عمر مزور ،ثم خلفه في حياته وبعد وفاته الشريف إدريس العراقي.
لقد انطلقت الطريقة التجانية من الزاوية المباركة بمدينة فاس ،إلى ربوع القارة األفريقية ،فتشكلت نهضة علمية وثقافية
ساهمت في توسيع نطاق نفوذ الحضارة اإلسالمية ،وأسهمت في انتشال المنطقة من بعض االنحرافات ،والتصدي ألخطار
االستعمار ،فقد أنبتت هذه الزاوية المباركة وال زالت األلوف المؤلفة من الزوايا واألربطة والمدارس على يد أتباعها،
وصارت روافد حية تربط بين جنوب القارة وشمالها ،واستمرت وفود الحجيج والزوار في التدفق إلى فاس لزيارة زاوية
الشيخ أحمد التجاني من سائر أرجاء القارة وسائر أنحاء العالم ،مما أضاف إلى حاضرة فاس المحروسة ُبعدًا ُروحيا عميقا،
باإلضافة إلى بعدها العلمي المعروف ،فـ الطريقة التجانية تعد من أكثر الطرق الصوفية انتشارا على مستوى القارة والعالم ،إذ
يقدر أتباع الطريقة التجانية اليوم بـ ()450مليون نسمة من المسلمين في العالم.
وتوفي بفاس رضي هللا عنه يوم الخميس السابع عشر من شوال سنة (1230هـ 1815/م) ،ودفن رضي هللا عنه وأرضاه
بزاويته.
الخليفة في اصطالح الطريقة :هو من يخلف عن شيخ الطريقة أو أحد خلفاء شيخ الطريقة بواسطة أو وسائط.
وتعد الخالفة هي أعلى مرتبة قد ينالها المنتسب إلى الطريقة التجانية ،وهي مرتبة مهيمنة على غيرها من المراتب ،كالشيخ
المربي ،والمقدم ،والمريد.
ويعبر عن مرتبة الخليفة في الطريقة أيضا بصاحب اإلذن الخاص المتلقى من النبي صلى هللا عليه وسلم ،ويبين اإلمام البعقيلي
ذلك قائال« :المقدمون والمربون أهل اإلرشاد رعية الخليفة ،والمقدمون رعية المربي ،والفقراء رعية المقدمين ،و الخليفة
نائب مشرف على الجميع ،وال تكون الخالفة إال بالمبايعة من جميع األرواح والجوامد ،والبد من كتابة المبايعة بأيدي رؤساء
المالئكة األربعة ،والبد من رقم بيد المزكي من الشيخ رضي هللا عنه ،والبد من خاتم طابع خاتمه صلى هللا عليه و سلم مع
كتابة كاتبه علي بن أبي طالب كرم هللا وجهه».
ويلزم متقلد هذا المنصب الرفيع أن يكون متحليا جملة من الصفات الفريدة والشروط الشديدة ،وقد استرسل اإلمام البعقيلي
وأسهب في بيان جملة منها بقوله« :فالخليفة من ألبسه الشيخ كمال حلته وقلده بكمال عدته حسا ومعنى ،وهو الصاحب له على
الحقيقة ،وغيره تابع بعض أثره ال غير ،فيشترط فيه ما يشترط في الشيخ من كمال العلم الّلدني والكسبي ،وجمع مراتبه صلى
هللا عليه وسلم من يوم فتح هللا به الوجود فضال منه وإنعاما ،وأطواره وانتقاله في جبين وجباه وعيون وأصالب وترائب آبائه
وأمهاته من يوم وجد أصله الظاهر آدم عليه السالم إلى تمام فروع أنواره فيما ال نهاية له من بطون اآلخرة ،ويحيط بكيفيات
عبادته يقظة ونوما وما يراد به وما طلب من ربه وما أجيب به وما خاطب به الخلق عموما وخصوصا وما أجابوه به ،وألقيت
ياقوتة صفائه صلى هللا عليه وسلم في قلبه ،ويعلم جميع ما اقتضته ماهية الوجود ،وعنده من الذوات بعدد ذوات الفقراء
أصحاب سيدنا رضي هللا عنه وعنهم به فكلما ازداد فقير يزيد هللا له ذاتا تقابله ،فإنه ينزل منزلة الشيخ رضي هللا عنه في كل
مقول ومفعول يولي ويعزل .وتشترط فيه أخالق النبوة وعلمها وسياستها ظاهرا وباطنا ومحبتها للخلق والشفقة عليهم والنظر
فيهم وجه هللا ووجه نبيهم عموما في العموم وخصوصا في الخصوص ،فال يحيد عما كنشته يد القدرة اإللهية وال يحب زواله
بل ينفذه باهلل ببركة شيخه وينسب الوالية لشيخه متبرئا من نفسه».
وممن عرف بوصوله إلى هذه المقام من أتباع الشيخ أحمد التجاني في حياته وبعد انتقاله رضي هللا عنه ،على سبيل المثال
فقط ال الحصر:
وعند مواعدته للشيخ رضي هللا عنه قال له :أوصني! فأوصاه الشيخ رضي هللا عنه قائال« :ال تظهر بنفسك حتى يكون هللا
تعالى هو الذي يظهرك».
فاتفق أّن رجال ممن كان يشار إليه بالّصالح مالقاة الخضر عليه السالم أتاه ذات يوم بعد أن صّلى العصر بتالمذته وجلس
إليهم يذاكرهم.
فقال :سبحان هللا! ثم قام إليه ورحب به وأجلسه إلى جنبه ،فامتنع الرجل أن يجلس إال بين يديه .
فقال له :يا سيدي ،وأي شيء أتيت به من التل؟ إنما أتيت ببعض الكتب ،فإن كان لك غرض في بعضها جئتك به وهو لك.
فقال له الرجل :دعني يا سيدي من هذا وإنما أتيتك لتعطيني ورد الشيخ أحمد التجاني رضي هللا عنه الذي أتيت باإلذن فيه.
فأذن له في الورد.
فقام جميع من حضر ذلك المجلس ورغب إليه في تلقينه إياه ،وسار كل واحد منهم إلى أهله وعشيرته فقص عليهم خبر السيد
المذكور فلم يبت بيت في تلك الليلة من البيوت القريبة من منزل الشيخ الحافظ إال وبات فيه ذكر الشيخ رضي هللا عنه.
ومن الغد أتاه الناس أفواجًا لألخذ عنه ثم تواصل ذلك وتراسل ،فانتشرت الطريقة على يده أّي انتشار في موريتانيا ،وأسس
أول زاوية بموريتانيا ،وتخرج على يده في تلك األقطار عدد ال يحصى من الرجال ،وخلفه عشرة من المقدمين أشهرهم مولود
فال ،وانتقلت الطريقة التجانية من موريتانيا إلى السنغال ومالي .
وأخذ الطريقة التجانية أول األمر من الشيخ مولود فال أحد المقدمين العشرة للشيخ محمد الحافظ الشنقيطي ،ثم الزم الشيخ عبد
الكريم بن أحمد الناقل الفوتجلي التنبوي ،وأخذ عنه كذلك علم العروض .ويرجع سند الشيخ عبد الكريم إلى الشيخ محمد الحافظ
بن مختار الشنقيطي كذلك ،ثم التقى عام (1828م) في األراضي الحجازية بالشيخ محمد الغالي بو طالب الشريف الحسني؛
وهو من خاصة أصحاب الشيخ التجاني رضي هللا عنه وممثله في اآلراضي الحجازية ،فالزمه سنين ،وجدد له الطريقة وأذن
له في فعل جميع ما يفعله الخليفة و أملى وكتب له اإلجازة بذلك ،وأمره بالعودة إلى وطنه ،وواله الخالفة وكلفه بإصالح جميع
األحوال الفاسدة فيها.
زار الحاج عمر الفوتي أثناء رحلة عودته من األراضي الحجازية العديد من البلدان ،ومنها مصر ،وجرى بينه وبين علماء
األزهر مناظرات علمية دقيقة في متشابه القرآن الكريم ،وغريب الحديث ،واللغة ،والمنطق ،والمعاني ،بان فيها تضلعه من
تلك العلوم والفنون.
وقد عمل على نشر اإلسالم في منطقة فوتا تور وحوض نهري السنغال والنيجر ،فقاتل ضد االحتالل ،وتمكن من بسط نفوذه
من السنغال حتى تمبكتو قرب النيجر ،وحقق نجاحات على ذلك الصعيد ،مما جعل القبائل تمجد اإلسالم فدخلت في دين هللا
أفواجا ،وتمكن من تأسيس إمبراطورية إسالمية عرفت بإمبراطورية التكرور ،وبلغ امتدادها السنغال ومالي وغانا .
كما أولى الحاج عمر الفوتي اهتماما بتنصيب المقدمين المصلحين لنشر الدعوة اإلسالمية في غرب أفريقيا .ومن أبرز هؤالء
المقدمين الذين كان لهم أثر كبير في الحركة اإلصالحية للحاج الفوتي:
الشيخ ألفا مولر وابنه موسى ،الذي تمكن من توحيد الماندين وتولي حكم دولة الفوالني التابعة لفوتاجلو .وقد اهتم بإنشاء دور
العبادة ورفع قدر العلماء والفقهاء حثا لهم على نشر الدين اإلسالمي بين الجماعات الوثنية ،فبدأت القبائل في اعتناق اإلسالم،
ويرجع إليه الفضل في اعتناق أهالي غينيا بيساو لإلسالم .ونعمت المنطقة بفترة من الهدوء واالستقرارفترة حكمه .توفي سنة
(1881م) ،وخلفه ابنه موسى الذي سار على نهجه وأسس دولة إسالمية قوية ،وانتشر اإلسالم في بالد السودان أيما انتشار،
وجددت معظم القبائل إسالمها ،كما انتشرت الطريقة التجانية ،إلى جوار الطريقة القادرية التي كانت سابقة الوجود.
الشيخ مابا جاخو عينه الحاج عمر الفوتي في شمال السنغال ،واستطاع أن يؤسس والية إسالمية في جامبيا بعد أن ربط بين
الواليات اإلسالمية القوية فيها وذلك عام ( 1270هـ 1860/م) .توفي بعد قبض المستعمر عليه ونفيه عام (1913م).
وقد أولى الحاج عمر الفوتي رضي هللا عنه عناية خاصة بالتعليم ،إذ دعا إلى تغييرات جذرية في النظام التعليمي للمسلمين،
وعمل على تحسين سلوكهم الخلقي وحياتهم الروحية والمادية.
فقام الحاج عمر الفوتي ببناء مراكز التعليم والتربية في منطقة فوتاجالون فالتحقت به مجموعات كبيرة من أبناء المنطقة
الراغبين في النهل من معارف الحاج عمر الفوتي الغزيرة ،وبعد تخرجهم بعث بهم إلى مناطق مختلفة من فوتا لنشر اإلسالم،
وتصحيح العقائد الدينية ،كما كان لفضيلته إنتاج فكري وأدبي متنوع بين كتب ومنظومات ورسائل منها:
مات رضي هللا عنه شهيدا وذلك نتيجة لمؤامرة حاكها ضده أعداؤه من الوثنيين (البامبرا) والقوى االستعمارية ،وذلك سنة
1864م.
ولما بلغ السابعة عشرة من عمره قدم إلى مدينته شيخ جزائري هو الشيخ محمد األخضر بن عبد هللا الشريف اإلدريسي
الحسني (تـ 1327هـ1909/م) ،وهو أحد خلفاء الشيخ الطاهر بو طيبة التلمساني الشريف الحسني (تـ 1295هـ) ،الذي يعد
من خاصة الخاصة من أصحاب الشيخ أحمد التجاني رضي هللا عنه؛ فقد صحبه قبل وبعد الفتح األكبر ،وقام بخدمته طيلة
خلواته التجريدية بصحراء أبي سمغون ،ومن جملة خلفائه ،وكان وصول الشيخ محمد األخضر إلى مدينة نيورو ()Nioro
عام (1900م) بعد رحلة طويلة طاف فيها كثيرا من المدن والحواضر آن ذاك ونشر خاللها الطريقة التجانية وقام بتنصيب
العديد من المقدمين ،وقد مكث بمدينة نيورو ( )Nioroعامين قبل أن يلتقي بالشيخ حماه هللا ،فلما لقيه لقنه الورد التجاني
وأعطاه أسرارا عالية وشهد له بالخالفة ودعا الناس إلى التجديد على يديه وأقام معه والزمه حتى توفاه هللا رضي هللا عنه.
وقد تكاثر أتباع الشيخ أحمد حماه هللا بعد وفاة شيخه الشريف محمد األخضر بشكل كبير ،حتى إن بعض معاصريه من شيوخ
التربية كان يرى تالمذته تتركه منجرفة في سيل ال يتوقف جريانه إال عند باب الشيخ حماه هللا في نيورو ( .)Nioroوكم من
شيخ ذهب إليه وأصبح تلميذه إلى جانب تالمذته السابقين ،وبايعته القبائل وأفخاذها ،والعشائر وبطونها ،والقرى والمدن
واألعراق من عرب وسودان.
ولما بلغ صيت الشيخ رضي هللا عنه المستعمر الفرنسي آن ذلك ،حاول جاهدا تجنيد الشيخ وإخضاعه ،ولكن باءت محاوالته
بالفشل ،فقام بالقبض عليه ونفيه ،وكان من أهداف هذا النفي التخّلص من تأثير الشيخ حماه هللا بمالي وما حولها من المناطق،
وفصله عن أسرته وذويه وأتباعه ،واستمر نفيه نحو عشر سنين ،إذ أخرجه المستعمر من داره عام ( 1344هـ) وذهبوا به
إلى مدينة بماكو ( )Bamakoومكث بها شهرين ،ثم ذهبوا به إلى مدينة عاصمة السنغال آن ذلك ،ومكث بها سبعة أشهر ثم
ذهبوا به إلى مدينة المذرذرة ( )Mederdraالموريتانية ،وقضى بها ثالثة أعوام وعشرة أشهر إال أربعة ليال ،وقد اختار
المستعمر تلك المدينة بعناية محاولة منه لوضع الشيخ في خالف ديني وصراع مستمر مع السكان المحليين الذين يغلب عليهم
االعتناء بظاهر الشريعة ،ويكثر فيهم اإلنكار على التصوف والصوفية ،ولكن خاب ظن المستعمر الفرنسي؛ إذ القى الشيخ من
سكان المدينة كل إكبار وإجالل ،وتوافدت الوفود الزائرة محملة بالهدايا النفيسة ،وقدرت حمولة تلك الهدايا بألفي كيلو جرام،
وذكر أنه خالل مدة إقامته رضي هللا عنه بالمذرذرة لم يولد ولد إال وسمي عليه احتفاء بالشيخ وتيمنا للولد .
لما رأى المستعمر أن خطته لم تؤت ثمارها ،وباءت محاوالته لشراء ذمة الشيخ رضي هللا عنه بالفشل ،عزم على نقل الشيخ
إلى مجتمع غير مسلم ،فتم نقله (1348هـ1930/م) إلى قرية أدزوبي ( )Adzopéالواقعة جنوب كوت ديفوار ،التي كانت
على الوثنية ،ورغم ذلك وقع حبه في قلب السكان وأقبلوا عليه يزورونه ويسمعون منه ،وقضى بها خمسة أعوام وعشرة
أشهر وخمسة أيام ،وبعدها أطلق المستعمر سراحه فوصل إلى مدينته نيورو ( )Nioroعام ( 1354هـ1936/م) .وفي شهر
يونيو من العام (1941م) قامت القوات االستعمارية باعتقال الشيخ أحمد حماه هللا مجددا ،وفي هذه المرة نقلته إلى فرنسا،
وأعلنت عن وفاته رضي هللا عنه عام ( 1945م) ،وأنه توفي بتاريخ ( 1943 /01/ 19م).
نشأ الشيخ إبراهيم نياس في أسرة دينية وعلمية ،فتربى تربية إسالمية متميزة ،فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة ،كما كان
حال جميع أفراد أسرته ،فقد عرفت أسرته منذ قديم الزمان باهتمامها بالقرآن حفظا ونشرا وتدريسا ،وتوارثوا ذلك االهتمام
جيال عن جيل .وكان أبوه الحاج عبد هللا عالما معروفا ومن المناضلين ضد المحتل ،كما كان من مشايخ الطريقة التجانية،
وكان له الكثير من الطالب واألتباع ،فأخذ عن أبيه الطريقة التجانية ،ثم أخذها عن العديد من المشايخ فحصل على خمسين
إجازة وتقديم ،خولته معرفة أسرار الطريقة ،فضال عن األذواق التي اليفوه بها اللسان وال تسطر على األوراق على حد تعبير
والده الحاج عبد هللا رضي هللا عنهما.
وتبحر الشيخ إبراهيم نياس في أصول الدين والعلوم الشرعية واللغوية واألدبية والثقافة اإلسالمية ،فتأهل لألستاذية ،وتخرج
على يدي الشيخ إبراهيم نياس أفواج من الطالب والتالميذ في جميع أنحاء غرب أفريقيا ،وقد اهتم بتدريس اللغة العربية ونشر
الثقافة العربية في الدول األفريقية ،فسعى إلى إقناعها بإدخال اللغة العربية في التعليم الرسمي ،كما صنف رضي هللا عنه
العديد من المصنفات ،وكتب كتابه األول وهو في العشرين من عمره ،فوصل عدد كتبه ومصنفاته إلى 50مصنفا بين منثور
ومنظوم في مواضيع متنوعة ،ومنها ما يلي:
لقد صار الشيخ إبراهيم نياس -رضي هللا عنه -األب الروحي لماليين المريدين على امتداد منطقة غرب أفريقيا ،وتقلد العديد
من المناصب الهامة على الصعيد الدولي ،فقد كان:
الهوامش
[ ]1سورة األعراف ،من اآلية .142