Professional Documents
Culture Documents
حقيقة الشك عند الامام الغزالي
حقيقة الشك عند الامام الغزالي
ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺸﻚ
ﻋﻨﺪ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﻐﺰﺍﱄ
إاد ار
ﲪﺎﺩ ﺑﻦ ﺯﻛﻲ ﺍﳊﻤﺎﺩ
ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﳌﺴﺎﻋﺪ ﺑﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ
ﲜﺎﻣﻌﺔ ﺣﺎﺋﻞ ،ﺍﳌﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ
٥٤١
مار ا ا واد ا ا ر ت وات ارا ا
ا ا ا ا
٥٤٢
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
٥٤٣
مار ا ا واد ا ا ر ت وات ارا ا
ا ا ا ا
٥٤٤
مار ا ا واد ا ا ر ت وات ارا ا
ا ا ا ا
٥٤٥
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
اﻟﺣﻣد ﷲ اﻟذي أوﺿﺢ اﻟﺣﺟﺞ ﻟﻌﺑﺎدﻩ ،وﯾﺳر ﻟﻬم ﺳﺑل اﻟﯾﻘﯾن ،وأﺗم ﻟﻬم
اﻟدﯾن ،واﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ إﻣﺎم اﻹﻧﺑﯾﺎء وﺳﯾد اﻟﻣﺗﻘﯾن ،وﻋﻠﻰ آﻟﻪ وﺻﺣﺑﻪ
وﻣن ﺗﺑﻌﻬم ﺑﺈﺣﺳﺎن إﻟﻰ ﯾوم اﻟدﯾن ،أﻣﺎ ﺑﻌد:
ﻓﺈن ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟوﺻول إﻟﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،وﺑﻧﺎء اﻟﻣﻌﯾﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﯾﻘﯾن ،ﻟﻣن أﺑرز
اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺛر ﻓﯾﻬﺎ اﻹﺷﻛﺎل ،واﺣﺗد ﻣﻌﻬﺎ اﻟﻧزاع ،وﻫﻲ ﻣن ﻛﺑرى
اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺎوﻟﺗﻬﺎ ﻛﺗب اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ واﻟﺣدﯾﺛﺔ ،وﻛﺗب ﻋﻠم اﻟﻛﻼم
واﻟﻣﻧطق ،وﻫﻲ ﻣن أﻫم أرﻛﺎن ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﺑر ﺟوﻫر اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ
اﻟﺣدﯾﺛﺔ وﻟﺑﺎﺑﻬﺎ.
وﻛل ﻣذﻫب ﻣن اﻟﻣذاﻫب اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ ﯾرﺗﻛز ﻋﻠﻰ أﺻول ﻣﻌرﻓﯾﺔ ﯾﺑﻧﻲ
ﻋﻠﯾﻬﺎ أﻓﻛﺎرﻩ ،وﻋﻠﻰ ﺿوﺋﻬﺎ ﯾﺳﯾر ،وﺑﻧﺎء ﻋﻠﯾﻬﺎ ﯾرﺟﺢ وﯾﺧﺗﺎر وﯾﻧﻘد ﻏﯾرﻩ ﻣن
اﻟﻣذاﻫب.
وﻟﻛن اﻟﺑﺣث ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ وﻣﺻﺎدرﻫﺎ ٕواﻣﻛﺎﻧﻬﺎ ﻟﯾس ﻣن
ﻣﺑﺗﻛرات اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ ،وﻟﯾس ﻣﻣﺎ اﺧﺗص ﺑﻪ ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻐرب ،وﺟﺎدت ﺑﻪ
ﺣﺎﺿر ﺑﻘوة ﻋﻧد ﻋﻠﻣﺎء اﻹﺳﻼم ،ﻓﻲ ﻛﺗب
ًا ﻗراﺋﺣﻬم ،ﻓﺈن اﻟﺑﺣث ﻓﯾﻬﺎ ﻛﺎن
اﻟﻌﻘﺎﺋد ،واﻟﻔرق ،وﻋﻠم اﻟﻛﻼم ،واﻟرد ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﯾن ﻓﻲ أﺻول اﻟدﯾنٕ ،وان
ﻛﺛﯾر ﻣن ﻣﺳﺎﺋل ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﺑﻐﯾر أﺳﻣﺎﺋﻬﺎ اﻟﺗﻲ اﺻطﻠﺢ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓﻲ
ﺳﻣﯾت ًا
ﻛﺗب اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ.
وﯾﻌﺗﺑر اﻹﻣﺎم أﺑو ﺣﺎﻣد اﻟﻐزاﻟﻲ ﻣن أﺑرز أﺋﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟذﯾن ﺑﺣﺛوا
ﻫذﻩ اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﻣﻌرﻓﯾﺔ اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ ،ﻓﻬو ﻣن اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟﻣﺗﻔﻧﻧﯾن اﻟذﯾن ﻟﻬم ﻣﺷﺎرﻛﺔ
ٕواﺿﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﺳﺎﺋر اﻟﻌﻠوم اﻟﺷرﻋﯾﺔ ،وﻗد ﻋﻧﻲ ﺑﺎﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ وأﺻوﻟﻪ،
واﻟﻌﻘﺎﺋد وﻋﻠم اﻟﻛﻼم ،واﻟﻔرق واﻟﻣذاﻫب ،واﻟﻔﻠﺳﻔﺔ واﻟﻣﻧطق ،واﻷﺧﻼق
٥٤٦
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
واﻟﺗﺻوف ،ﻛﻣﺎ ﻋﻧﻲ ﺑوﺟﻪ ﺧﺎص ﺑﺎﻟرد ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ واﻟﺑﺎطﻧﯾﺔ ،ﻓﻘد أﻓرد
ﺧﺎﺻﺎ ﻓﻲ اﻟرد واﻟﺣﺟﺎج.
ً ﻛﺗﺎﺑﺎ
ﻟﻛل طﺎﺋﻔﺔ ﻣﻧﻬﻣﺎ ً
ﻛﺗﺎﺑﺎ
وﻗد ﻣر اﻟﻐزاﻟﻲ ﺑﺗﺟرﺑﺔ ﻏرﯾﺑﺔ ،ﺣﻛﺎﻫﺎ ﺑﻧﻔﺳﻪ ،وﺻﻧف ﻓﯾﻬﺎ ً
ﻣﺳﺗﻘﻼ ،ﻫو ﻛﺗﺎﺑﻪ "اﻟﻣﻧﻘذ ﻣن اﻟﺿﻼل" ،ﺣﻛﻰ ﻓﯾﻪ ﺗﺟرﺑﺔ ﺷك ﻋرﺿت ﻟﻪ،
ً
وﻣرﺣﻠﺔ اﺿطراب وﻗﻊ ﻓﯾﻬﺎ ،وﻗد اﻫﺗم اﻟﻌﻠﻣﺎء واﻟﺑﺎﺣﺛون ﻣن ﺑﻌدﻩ ﺑﻬذﻩ
اﻟﻣرﺣﻠﺔ ،وﻋﻧوا ﺑﻬذﻩ اﻟﺗﺟرﺑﺔ ،وﺗﻧﺎوﻟوﻫﺎ ﺑﺎﻟﺗﻌﻠﯾق واﻟﻧﻘد ،وﻗد ﺗﺑﺎﯾﻧت آراؤﻫم
ﻓﯾﻬﺎ ،واﺧﺗﻠﻔوا ﻓﻲ ﺑﺣث ﻋﻠﻠﻬﺎ وأﺳﺑﺎﺑﻬﺎ ،وﻧﻘدﻫﺎ وﺗﻘوﯾﻣﻬﺎ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﯾﺄﺗﻲ
ﺷرﺣﻪ وﺑﯾﺎﻧﻪ.
ﻛل ﻫذا اﻟﺧﻼف واﻟﺗﺑﺎﯾن ،وﻛﺗب اﻟﻐزاﻟﻲ ﺣﺎﺿرة ،وﻛﻼﻣﻪ واﺿﺢ
ﺟﺎﻋﻼ
ً ﻗرﯾب ،ﻓﺄردت اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﺑﺣث ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﻣر ﺑﻬﺎ اﻟﻐزاﻟﻲ،
ﻣن أﻛﺑر أﻫداﻓﻲ ﻓﻬم ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﺎ ﻋرض ﻟﻪ ﻣن ﺧﻼل ﺟﻣﻊ ﻛﻼﻣﻪ وﺗﺄﻣل
دﻻﻻت أﻟﻔﺎظﻪ واﻟﺑﺣث ﻓﻲ ﻋﻠﻠﻪ وأﺳﺑﺎﺑﻪ ،ﺛم اﻟﻧظر ﺑﻌد ذﻟك ﻓﻲ ﻛﻼم اﻟﻌﻠﻣﺎء
واﻟﺑﺎﺣﺛﯾن اﻟذﯾن ﺗﻧﺎوﻟوا ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﺑﺎﻟﺗﻌﻠﯾق ،وﺗﺣﻠﯾل ﻣواﻗﻔﻬم وﺑﯾﺎن ﻣﺎ
أﺻﺎﺑوا ﻓﯾﻪ وﺟﻪ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ وﻣﺎ ﺣﺎدوا ﻓﯾﻪ ﻋن اﻟﺻواب ،وﻧﻘد ذﻟك ﺑﻌﻠم وﻋدل
إن ﺷﺎء اﷲ.
ﻣﺷﺗﻣﻼ ﻋﻠﻰ ﺗﻣﻬﯾد ،وﻣﺑﺣﺛﯾن،
ً وﻗد اﻗﺗﺿﻰ ﺑﻧﺎء ﻫذا اﻟﺑﺣث أن ﯾﻛون
ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻵﺗﻲ:
-ﺗﻣﻬﯾد :ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﺷك وأﻧواﻋﻪ.
-اﻟﻣﺑﺣث اﻷول :اﻟﺷك ﻋﻧد اﻟﻐزاﻟﻲ ،وﻓﯾﻪ ﺛﻼﺛﺔ ﻣطﺎﻟب:
-اﻟﻣطﻠب اﻷول :دواﻓﻊ اﻟﺷك ﻋﻧد اﻟﻐزاﻟﻲ.
-اﻟﻣطﻠب اﻟﺛﺎﻧﻲ :ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﺷك ﻋﻧد اﻟﻐزاﻟﻲ.
-اﻟﻣطﻠب اﻟﺛﺎﻟث :آراء اﻟﻌﻠﻣﺎء واﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ﻓﻲ ﺷك اﻟﻐزاﻟﻲ.
-اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺛﺎﻧﻲ :ﺗﻘﯾﯾم اﻟﺷك ﻋﻧد اﻟﻐزاﻟﻲ ،وﻓﯾﻪ ﻣطﻠﺑﺎن:
٥٤٧
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
٥٤٨
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
٥٤٩
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
-ﺗﻣﻬﯾد:
-اﻟﺷك وأﻧواﻋﻪ:
ظﻬرت ﻧزﻋﺔ اﻟﺷك ﻓﻲ إﻣﻛﺎن اﻟﻣﻌرﻓﺔ واﻟوﺻول إﻟﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرن
اﻟﺧﺎﻣس ﻗﺑل اﻟﻣﯾﻼد ،ﻋﻠﻰ ﯾد "اﻟﺳوﻓﺳطﺎﺋﯾن" ،وﻫذﻩ اﻟﻧزﻋﺔ اﻟﻬدﻣﯾﺔ
ﻗوﺿت أﺻول اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،وﻧﺎزﻋت ﻓﻲ إﻣﻛﺎن اﻟﻣﻌﺎرف ،وﺟﻌﻠت اﻟﺣﻘﺎﺋق
ذاﺗﯾﺔ ﻧﺳﺑﯾﺔ ،وﻟﯾﺳت ﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻣوﺿوﻋﯾﺔ ،ﻓﻛل ﺷﻲء ﻫو ﺣق ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ
ﻟﻠذات اﻟﻣدرﻛﺔ ﻟﻪ ﻻ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻣﺎ ﻫو ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺗﻪ اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ،
وﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ ﻫذا ﻓﺈن ﺗﻔﻛﯾر اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟوﺻول إﻟﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻋﺑث ﻻ
طﺎﺋل ﻣﻧﻪ وﻻ ﺟدوى.
واﻟﻣﺣور اﻟذي ﺗدور ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻠﺳﻔﺔ اﻟﺳوﻓﺳطﺎﺋﯾن ﻫو أن "اﻹﻧﺳﺎن ﻣﻘﯾﺎس
ﻛل ﺷﻲء") ،(١وﻋﻠﻰ ﻫذا ﻓﺎﻟﺣﻘﺎﺋق ﻣﺗﻌددة ﺑﺗﻌدد اﻟﻧﺎس اﻟذﯾن ﯾؤﻣﻧون
ﺑﻬﺎ ،وﻟﯾس ﻟﻬﺎ ﺛﺑﺎت أو ﺟوﻫر ﺣﻘﯾﻘﻲ ﯾﻣﻛن إﺛﺑﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻧﻔس اﻷﻣر ،وﻻ
ﯾﻣﻛن ﻷﺣد أن ﯾﺻل إﻟﯾﻬﺎ أو ﯾﻛﺗﺷﻔﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﺷﻲء ﻻ وﺟود ﻟﻪ إﻻ ﻓﻲ
اﻟوﻫم وﻻ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻟﻪ إﻻ ﻓﻲ اﻟﺧﯾﺎل!
وﺑﻬذﻩ اﻟﺷﻛوك اﻟﺗﻲ ﺛﺎر ﺑﻬﺎ اﻟﺳوﻓﺳطﺎﺋﯾون وﻧﺷروﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﺎس ﻣن
طرﯾق اﻟﺧطﺎﺑﺔ واﻟﺑﻼﻏﺔ ظﻬرت ﻣوﺟﺔ اﻟﺷك وﻛﺎدت أن ﺗﻘﺿﻲ ﻋﻠﻰ
ﯾﻘﯾن اﻟﻧﺎس وﻣدى ﺛﻘﺗﻬم ﺑﺈدراﻛﻬم ﻟﻠﺣﻘﺎﺋق.
اﻧظر :ﻗﺻﺔ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﯾوﻧﯾﺎﻧﯾﺔ ،ﻟزﻛﻲ ﻧﺟﯾب ﻣﺣﻣود ،ص ،٩٦و :ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ، )(١
ﻟﺑرﺗراﻧد رﺳل ،١٣٠/١ ،واﻟﺳﻔﺳطﺔ ﻫﻲ اﻟﺣﻛﻣﺔ اﻟﻣﻣوﻫﺔ ،واﻟﺳوﻓطﺎﺋﯾن ﻫم ﻗوم
ﯾﻧﺗﺣﻠون ﻫذا اﻟﻣذﻫب ،ﻓﺈن ﺳوﻓﺎ ﺗﻌﻧﻲ ﺑﻠﻐﺔ اﻟﯾوﻧﺎن اﻟﻌﻠم ،واﺳطﺎ اﺳم ﻟﻠﻐﻠط،
ﻓﺳوﻓﺳطﺎ ﻋﻠم اﻟﻐﻠط ،اﻧظر :اﻟﻣﻌﺟم اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ،ﻟﺟﻣﯾل ﺻﻠﯾﺑﺎ ،٦٥٨/١ ،و:ﺷرح
اﻟﺟرﺟﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻣواﻗف ،ص.٤٣
٥٥٠
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
أﺳس اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،ﺗوﻓﯾق اﻟطوﯾل ،ص ،٣٠٥واﻧظر :اﻟﻣدﺧل إﻟﻰ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،ﻷزﻓﻠد )(١
ﻛوﻟﺑﻪ ،ص.٢٧٧-٢٧٥
اﻧظر :ﻣدﺧل إﻟﻰ ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،ﻷﺣﻣد اﻟﻛرﺳﺎوي ،ص ،٣٥-٣٣و :اﻟﻣدﺧل إﻟﻰ )(٢
اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،ﻷزﻓﻠد ﻛوﻟﺑﻪ ،ص ،٢٨٣-٢٧٣و :أﺳس اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،ﻟﺗوﻓﯾق اﻟطوﯾل،
ص ،٣٢٨-٣٠٥و :ﻣﺑﺎدئ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،ﻟراﺑوﺑرت ،ص.١٣٩-١٣٨
٥٥١
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
ﺟدوى ،وﻗد اﻧﻘﺳم أﺻﺣﺎب ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﻓرق ،ﻫﻲ):(١
اﻟﻌﻧدﯾﺔ: -١
وﻫو اﻟﻘﺎﺋﻠون ﺑﻧﺳﺑﯾﺔ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،وأن ﺣﻘﺎﺋق اﻷﺷﯾﺎء ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻻﻋﺗﻘﺎدات
أﺻﺣﺎﺑﻬﺎ ،وأن ﻛل إﻧﺳﺎن ﯾﻌﺗﻘد اﻷﺷﯾﺎء وﻓق ﻣﺎ ﯾﺗراءى ﻟﻪ ،وﻟﯾس
ﻟﻠﺣﻘﺎﺋق وﺟود ﺛﺎﺑت أو ﻣﺎﻫﯾﺔ ﻣﺣددة ﻓﻲ ﻧﻔس اﻷﻣر.
اﻟﻌﻧﺎدﯾﺔ: -٢
أﺻﻼ!
وﻫم اﻟذﯾن ﯾﻌﺎﻧدون ﻓﻲ اﻟﺣﻘﺎﺋق ،وﯾزﻋﻣون أﻧﻪ ﻻ ﯾوﺟد ﻣوﺟود ً
اﻟﻼ أدرﯾﺔ: -٣
وﻫم اﻟﻘﺎﺋﻠون ﺑﺎﻟﺗوﻗف اﻟﺗﺎم ،وﻋدم اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ إﺻدار اﻷﺣﻛﺎم ،وﯾدﻋون
إﻟﻰ ذﻟك ﺑﺷﻛل ﻣطﻠق وﺻورة ﻏﺎﺋﯾﺔ ،ﺑﺳﺑب ﺗﻛﺎﻓؤ اﻟﺣﺟﺞ ﻋﻧدﻫم
واﻧﻌدام اﻟطرق اﻟﻣوﺻﻠﺔ إﻟﻰ اﻟﯾﻘﯾن واﻟﺟزم.
) (١اﻧظر :ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﺑﯾن اﻟﻘرآن واﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،ﻟراﺟﺢ اﻟﻛردي ،٨٥-٨٤ /١ ،و :ﻣدﺧل
إﻟﻰ ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،ﻷﺣﻣد اﻟﻛرﺳﺎوي ،ص.٧٨
٥٥٢
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
اﻧظر :أﺳس اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،ﻟﺗوﻓﯾق اﻟطوﯾل ،ص ،٣١٩و :اﻟﺷك اﻟﻣﻌرﻓﻲ ﻟﺳﻠطﺎن )(١
اﻟﻌﻣﯾري ،ص.٢٠٠-١٩٥
٥٥٣
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
٥٥٤
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
ﯾرﺟﻊ إﻟﯾﻪ ﺣﺎﺻل ﻋﺑﺎدﺗﻪ ،وﻻ زﻧدﯾﻘﺎً ﻣﻌطﻼً إﻻ وأﺗﺣﺳس وراءﻩ ﻟﻠﺗﻧﺑﻪ
ﻗﺎل اﻟرازي ﻋﻧﻪ ):ﻛﺄن اﷲ ﺟﻣﻊ اﻟﻌﻠوم ﻓﻲ ﻗﺑﺔ وأطﻠﻊ اﻟﻐزاﻟﻲ ﻋﻠﯾﻬﺎ().(٢
وﻫذﻩ اﻟﺳﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،واﻟﺷﻐف ﺑﺎﻟﻌﻠم واﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﺣﻘﺎﺋق دﻓﻊ
اﻟﻐزاﻟﻲ إﻟﻰ اﻟﺗﺄﻣل ﻓﻲ ﺣﺎل أﻏﻠب اﻟﺧﻠق ،واﻟﻧظر ﻓﻲ ﻣدى ﺗﯾﻘﻧﻬم ﻣن
ﻋﻘﺎﺋدﻫم ،وﻛﯾﻔﯾﺔ ﺑﻧﺎء اﻷدﻟﺔ ﻋﻧدﻫم ،وﻣدى ﺗﺟردﻫم ﻣن اﻷوﻫﺎم واﻷﺿﺎﻟﯾل،
ﻓوﺟدﻫم ﺑﻌد اﻟﺗﺄﻣل ﻏﺎرﻗﯾن ﻓﻲ ﺑﺣر اﻟﺗﻘﻠﯾد ،ﯾﺑﻧون ﻋﻘﺎﺋدﻫم ﻋﻠﻰ اﻟوراﺛﺔ
وﻣﺗﺎﺑﻌﺔ اﻵﺑﺎء ،دون أن ﯾﻣﺣﺻوا ﻣﺎ ﻫم ﻋﻠﯾﻪ ،وﯾﻣﺗﺣﻧوا ﺻدق ﻣﺑﺎدﺋﻬم،
ﯾﻘول ﻓﻲ ﺑﯾﺎن ذﻟك ):رأﯾت ﺻﺑﯾﺎن اﻟﻧﺻﺎرى ﻻ ﯾﻛون ﻟﻬم ﻧﺷوء إﻻ ﻋﻠﻰ
اﻟﺗﻧﺻر ،وﺻﺑﯾﺎن اﻟﯾﻬود ﻻ ﻧﺷوء ﻟﻬم إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻬود ،وﺻﺑﯾﺎن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻻ
ُ
ﻧﺷوء ﻟﻬم إﻻ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم .(٣)(.ﻓﺄدرك ﺑﻔطرﺗﻪ أن اﻟﺗﻘﻠﯾد ﻫو اﻟذي طﺑﻌﻬم
ﻋﻠﻰ ﻫذا ،وﻟﯾس اﻟﺑﺣث اﻟﺟﺎد ﻋن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،وأن اﻟﺗﻘﻠﯾد ﺣﺟﺎب ﻏﻠﯾظ ﯾﻣﻧﻊ
اﻹﻧﺳﺎن ﻣن إدراك اﻟﺣﻘﺎﺋق وﯾﻣﻧﻌﻪ ﻣن ﺗﻣﺣﯾص ﻣﻌﺗﻘداﺗﻪ ،ﻓدﻓﻌﻪ ذﻟك إﻟﻰ
ﻣراﺟﻌﺔ ﻧﻔﺳﻪ ﺑﺣزم ،واﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻌﻬﺎ ﺑﺻدق وﺻراﻣﺔ ،ﻟﺋﻼ ﯾﻘﻊ ﻓﯾﻣﺎ وﻗﻊ ﻓﯾﻪ
ﻋﺎﻣﺔ اﻟﺧﻠق ،وﻟﻛﻲ ﯾﺑﻧﻲ ﻣﻌﺎرﻓﻪ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻣن اﻟﺑرﻫﺎن اﻟذي ﯾﺷﻔﻲ اﻟﻌﻠﯾل،
٥٥٥
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
ﯾﻘول ):ﻓﺗﺣرك ﺑﺎطﻧﻲ إﻟﻰ طﻠب ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻔطرة اﻷﺻﻠﯾﺔ ،وﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻌﻘﺎﺋد
اﻟﻌﺎرﺿﺔ ﺑﺗﻘﻠﯾد اﻟواﻟدﯾن واﻷﺳﺗﺎذﯾن ،واﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن ﻫذﻩ اﻟﺗﻘﻠﯾدات ،وأواﺋﻠﻬﺎ
٥٥٦
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
اﻻﺳﺗﺑﺻﺎر).(١
وﻗد ﺳﺑق ﺑﯾﺎن أن اﻟﻐزاﻟﻲ ﺗﻘرر ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻪ ﻏﻠﺑﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾد ﻋﻠﻰ ﻧﻔوس
اﻟﺧﻠق ،وأﻧﻬم ﺿﺣﺎﯾﺎ ﻻﺳﺗﺑداد ﻣوروﺛﺎﺗﻬم وﻋواﺋدﻫم وﻣﺎ وﺟدوا ﻋﻠﯾﻪ آﺑﺎءﻫم،
ﺛم إﻧﻪ ﺑﻌد أن ﺗﻘرر ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻪ ذﻟك ﺗطﻠﻌت ﻧﻔﺳﻪ إﻟﻰ طﻠب اﻟﯾﻘﯾن وﻧﯾل ﺑرد
اﻻﺳﺗﺑﺻﺎر ،ﺛم ﺗﺳﺎءل ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻪ ﻋن ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻌﻠم اﻟﯾﻘﯾﻧﻲ اﻟذي ﯾرﺗﺎح إﻟﯾﻪ
اﻟﻣرء وﯾﻘﻧﻊ ﺑﻪ ،ﯾﻘول ﻓﻲ ﺑﯾﺎن ذﻟك ):إﻧﻣﺎ ﻣطﻠوﺑﻲ اﻟﻌﻠم ﺑﺣﻘﺎﺋق اﻷﻣور ،
ﻓﻼ ﺑد ﻣن طﻠب ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻌﻠم ﻣﺎ ﻫﻲ ؟ ﻓظﻬر ﻟﻲ :أن اﻟﻌﻠم اﻟﯾﻘﯾﻧﻲ ﻫو
اﻟذي ﯾﻧﻛﺷف ﻓﯾﻪ اﻟﻣﻌﻠوم اﻧﻛﺷﺎﻓﺎً ﻻ ﯾﺑﻘﻰ ﻣﻌﻪ رﯾب ،وﻻ ﯾﻔﺎرﻗﻪ إﻣﻛﺎن
اﻟﻐﻠط واﻟوﻫم ،وﻻ ﯾﺗﺳﻊ اﻟﻘﻠب ﻟﺗﻘدﯾر ذﻟك ،ﺑل اﻷﻣﺎن ﻣن اﻟﺧطﺄ ﯾﻧﺑﻐﻲ
أﻧﺎ ﯾﻛون ﻣﻘﺎرﻧﺎً ﻟﻠﯾﻘﯾن ،ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻟو ﺗﺣدى ﺑﺈظﻬﺎر ﺑطﻼﻧﻪ -ﻣﺛﻼً -ﻣن
ﯾﻘﻠب اﻟﺣﺟر ذﻫﺑﺎً واﻟﻌﺻﺎ ﺛﻌﺑﺎﻧﺎً ،ﻟم ﯾورث ذﻟك ﺷﻛﺎً ٕواﻧﻛﺎ اًر ،ﻓﺈﻧﻲ إذا
ﻋﻠﻣت :أن اﻟﻌﺷرة أﻛﺛر ﻣن اﻟﺛﻼﺛﺔ ،ﻓﻠو ﻗﺎل ﻟﻲ ﻗﺎﺋل :ﻻ ﺑل اﻟﺛﻼﺛﺔ
أﻛﺛر ،ﺑدﻟﯾل أﻧﻲ أﻗﻠب ﻫذﻩ اﻟﻌﺻﺎ ﺛﻌﺑﺎﻧﺎً ،وﻗﻠﺑﻬﺎ ،وﺷﺎﻫدت ذﻟك ﻣﻧﻪ ،
ﻟم أﺷك ﺑﺳﺑﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺗﻲ ،وﻟم ﯾﺣﺻل ﻟﻲ ﻣﻧﻪ إﻻ اﻟﺗﻌﺟب ﻣن ﻛﯾﻔﯾﺔ
ﻗدرﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ ﻓﺄﻣﺎ اﻟﺷك ﺑﺳﺑﺑﻪ ﻓﯾﻣﺎ ﻋﻠﻣﺗﻪ ﻓﻼ ﺛم ﻋﻠﻣت أن ﻛل ﻣﺎ ﻻ أﻋﻠﻣﻪ
٥٥٧
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟوﺟﻪ وﻻ أﺗﯾﻘﻧﻪ ﻫذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﯾﻘﯾن ،ﻓﻬو ﻋﻠم ﻻ ﺛﻘﺔ ﺑﻪ وﻻ
واﻟﺿرورﯾﺎت().(٢
وﻟﻛن اﻟﻐزاﻟﻲ ﻟم ﯾﻘف ﺑﻪ اﻟﺣﺎل ﻋﻧد اﻟﺷك ﻓﻲ اﻟﻧظرﯾﺎت ﻓﺣﺳب ،ﻓﻘد
دﻓﻌﻪ ﺷﻐﻔﻪ ﺑطﻠب اﻟﯾﻘﯾن وﺗﻌطﺷﻪ ﻟﺑﻧﺎء ﻣﻌﺎرﻓﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺑرﻫﺎن اﻟواﺿﺢ إﻟﻰ
أن ﯾﻘﻊ ﻓﻲ ورطﺔ ﻣﻌرﻓﯾﺔ ،وأزﻣﺔ ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ ،ﻫﻲ اﻟﺷك ﻓﻲ اﻟﺣﺳﯾﺎت أوًﻻ ،ﺛم
اﺿطرب ﺑﻪ اﻟﺣﺎل وﺗﻣﺎدى ﺑﻪ اﻷﻣر ﺣﺗﻰ وﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﺷك ﻓﻲ اﻟﺿرورﯾﺎت،
ﯾﻘول ﻓﻲ ﺑﯾﺎن ذﻟك ):ﻓﻘﻠت اﻵن ﺑﻌد ﺣﺻول اﻟﯾﺄس ﻻ ﻣطﻣﻊ ﻓﻲ اﻗﺗﺑﺎس
اﻟﻣﺷﻛﻼت إﻻ ﻣن اﻟﺟﻠﯾﺎت وﻫﻲ اﻟﺣﺳﯾﺎت واﻟﺿرورﯾﺎت ﻓﻼ ﺑد ﻣن إﺣﻛﺎﻣﻬﺎ
أوﻻً ﻷﺗﯾﻘن أن ﺛﻘﺗﻲ ﺑﺎﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت ،وأﻣﺎﻧﻲ ﻣن اﻟﻐﻠط ﻓﻲ اﻟﺿرورﯾﺎت ﻣن
ﺟﻧس أﻣﺎﻧﻲ اﻟذي ﻛﺎن ﻣن ﻗﺑل ﻓﻲ اﻟﺗﻘﻠﯾدات ،وﻣن ﺟﻧس أﻣﺎن أﻛﺛر
اﻟﺧﻠق ﻓﻲ اﻟﻧظرﯾﺎت ،أم ﻫو أﻣﺎن ﻣﺣﻘق ﻻ ﻏدر ﻓﯾﻪ ،وﻻ ﻏﺎﺋﻠﺔ ﻟﻪ .
ﻓﺄﻗﺑﻠت ﺑﺟد ﺑﻠﯾﻎ ،أﺗﺄﻣل اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت واﻟﺿرورﯾﺎت ،وأﻧظر ﻫل ﯾﻣﻛﻧﻧﻲ
٥٥٨
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
أن أﺷﻛك ﻧﻔﺳﻲ ﻓﯾﻬﺎ ؟ ﻓﺎﻧﺗﻬﻰ ﺑﻲ طول اﻟﺗﺷﻛﯾك إﻟﻰ أن ﻟم ﺗﺳﻣﺢ ﻧﻔﺳﻲ
اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ!().(٢
٥٥٩
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
وﻫﻛذا ﺑدأ ﯾﻘﯾن اﻟﻐزاﻟﻲ ﺑﺎﻟﺿرورات ﯾﺗزﻋزع وﺷﻛﻪ ﺑﻬﺎ ﯾﺳﺗﺣﻛم ،وﻗد
اﺳﺗﻔﺣل ﺷﻛﻪ ﺑﺳﺑب إﺷﻛﺎل ﻋرض ﻟﻪ وأﻛد ﻟﻪ ﻋدم ﯾﻘﯾﻧﯾﺔ اﻟﺿرورﯾﺎت ،وﻟم
ﯾﺳﺗطﻊ اﻟﻐزاﻟﻲ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻧﻪ ،وﺣﺎﺻﻠﻪ اﻻﺳﺗدﻻل ﺑﻣﺎ ﯾﻘﻊ ﻟﻠﻣرء ﻓﻲ ﻣﻧﺎﻣﻪ
أﻣور ﻛﺛﯾرة وﯾﺗﺧﯾل أﺣو ًاﻻ ﻋدﯾدة ،ﯾﻌﺗﻘد ﺣﺎل رؤﯾﺗﻪ ﻟﻬﺎ ﺑﺄن ﻟﻬﺎ
ﻓﻬوى ﯾرى ًا
ﺛﺑﺎﺗًﺎ واﺳﺗﻘرًارا ،وﻻ ﯾداﺧﻠﻪ اﻟﺷك ﻓﯾﻬﺎ ،وﻟﻛﻧﻪ ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﺳﺗﯾﻘظ ﯾدرك أن ﻛل ﻣﺎ
٥٦٠
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
اﻟﻬدﻣﻲ اﻟﻣطﻠق).(١
اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺛﺎﻧﻲ:
ﻣن رﻓض ﻣوﻗف اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻷول ،واﻋﺗﺑر ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻐزاﻟﻲ أﻗرب إﻟﻰ اﻟﺷك
ﻣﻌﻠﻼ ذﻟك ﺑﺄن اﻟﻐزاﻟﻲ ﻗد ﺷك ﻓﻲ ﻛل ﺷﻲء ﺣﺗﻰ ﻓﻲ
ً اﻟﻌدﻣﻲ اﻟﻬدﻣﻲ،
اﻧظر :ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،ﻟﻣﺣﻣود زﯾدان ،ص ،١٧٦و :اﻟﻣﻌﺟم اﻟﻔﻠﺳﻔﻲ ،ص،١٠٣ )(١
و :ﻣدﺧل إﻟﻰ ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ،ﻷﺣﻣد اﻟﻛرﺳﺎوي ،ص ،٤٥و :ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﺑﯾن
اﻟﻘرآن واﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،ﻟراﺟﺢ اﻟﻛردي.١١٤-١٠٥ /١ ،
اﻧظر :اﻟﺷك اﻟﻣﻌرﻓﻲ وﻣدارﺳﻪ ،ﻟﺳﻠطﺎن اﻟﻌﻣﯾري ،ص ،٢٠٠و :ﻣﻌﺟم اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ، )(٢
ﻟﺟورج طراﺑﯾﺷﻲ ،ص.٤٢٩
٥٦١
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
ﻟﻛﺗﺎب اﷲ واﻟﻌﻠم واﻟﻔﻬم ﻟﺣدﯾث رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﺗﺑﺎع ﻫذا
٥٦٢
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
ﻣرﺿﺎ ﺷﻔﺎﻩ اﷲ ﻣﻧﻪ ،وورطﺔ ﺧﻠﺻﻪ اﷲ ﻣﻧﻬﺎ ،ﻓﻛﯾفً اﻋﺗﺑر ﻣﺎ ﺣﺻل ﻟﻪ
ﺑﻌد ذﻟك ﯾﺟﻌل ﻣﺎ ﻣر ﺑﻪ ﻣن اﻟﺷك اﻻﺣﺗرازي اﻟﻣﻘﺑول ؟!
أﯾﺿﺎ ﻏﯾر
أﻣﺎ اﻟﻘول ﺑﺄن اﻟﻐزاﻟﻲ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺷك اﻟﻌدﻣﻲ اﻟﻬدﻣﻲ ﻓﻬذا ً
دﻗﯾق ،ﻷن اﻟﻐزاﻟﻲ ﻟم ﯾﻘﺻد إﻟﯾﻪ اﺑﺗداء ،وﻟم ﯾﻛن ﯾﻌﺗﺑرﻩ ﻏﺎﯾﺔ ﯾرﯾد اﻟوﺻول
إﻟﯾﻬﺎ واﻟﺗﺄﺻﯾل ﻟﻬﺎ ،ﺑل اﺿطر إﻟﯾﻪ اﺿطرًارا ،ووﻗﻊ ﻓﯾﻪ دون ﻗﺻد وﻻ
ﻣرﺿﺎ ﺷﻔﺎﻩ اﷲ ﻣﻧﻪ ،ﻓﻛﯾف ﯾﻧﺳب اﻟﻐزاﻟﻲ إﻟﻰ ﺗﺑﻧﻲ
ً رﻏﺑﺔ وﺗطﻠﻊ ،واﻋﺗﺑرﻩ
أﻣر ﯾﻌﺗﺑر اﻟﺧﻼص ﻣﻧﻪ ﻧﻌﻣﺔ ﻣن ﻧﻌم اﷲ ﻋﻠﯾﻪ؟!
ﺟﻼء أن اﻟﻐزاﻟﻲ ﻓﻲ ﻛﺗﺑﻪ اﻷﺧرى ﯾرد ﻋﻠﻰ
ً وﻣﻣﺎ ﯾؤﻛد ﻫذا وﯾزﯾدﻩ
اﻟذﯾن ﯾطﻌﻧون ﻓﻲ اﻟﺑدﻫﯾﺎت ،وﯾﻧﻛر ﻣذاﻫب اﻟﺳﻔﺳطﺔ ،وﯾﻧﻛر ﻋﻠﻰ أﻫﻠﻬﺎ
٥٦٣
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
٥٦٤
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
وﺗدﻗﯾق ﻓﻲ ﻣدى ﻣواﻓﻘﺔ ذﻟك ﻟﻬدي اﻟﻧﺑﻲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،-ﻫذا ﻛﻠﻪ
ﻣن اﻟﺷك اﻟذي ﯾﺣﻣد ﻟﻺﻧﺳﺎن وﻻ ﯾذم ﻋﻠﯾﻪ ،وﻗد ﻛﺛرت أﻗوال اﻷﺋﻣﺔ ﻓﻲ
ﺑﯾﺎن ﺧطر اﻟﺗﻘﻠﯾد اﻟﻣذﻣوم ،وﺑﯾﺎن أن اﻟﺗﻌﺻب ﻫو ﻣن أﻋظم اﻟﻣواﻧﻊ اﻟﺗﻲ
ﺗﻣﻧﻊ اﻟﺑﺷر ﻣن اﺗﺑﺎع اﻟﺣق واﻻﻧﻘﯾﺎد إﻟﻰ اﻟدﻟﯾل ،وﺗﺣول ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن إدرك
اﻟﺣﻘﺎﺋق واﻻﻧﺗﻔﺎع ﺑﻬﺎ ،وأن ﺿﻼل ﻋﺎﻣﺔ اﻟﺧﻠق إﻧﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﺳﺑب اﻟﺗﻌﺻب
وﻋدم اﻟﺗﺟرد واﻟﺻدق ﻓﻲ اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﺣق ،وﺗﻘدﯾﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﻗول ﻛل أﺣد
ﻣﻬﻣﺎ ﻋﻼ ﻗدرﻩ وارﺗﻔﻌت ﻣﻧزﻟﺗﻪ ،وأن ﻋﻠﻰ اﻟﻣرء أن ﯾﺣذر أﺷد اﻟﺣذر ﻣن
اﻧظر :أدب اﻟطﻠب ،ﻟﻠﺷوﻛﺎﻧﻲ ،ص ،١٥٧-٤١و :ﻫداﯾﺔ اﻟﺣﯾﺎرى ،ﻻﺑن اﻟﻘﯾم، )(١
ص ،٤١-٣٩و :آداب اﻟدﯾن واﻟدﻧﯾﺎ ،ﻟﻠﻣﺎوردي ،ص.١٤٨
٥٦٥
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
٥٦٦
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
اﻟﺻـدق ﻟـذاﺗﻬﺎٕ ،واﻻ ﻟﻣـﺎ ﻛﺎﻧـت ﻧظرﯾـﺔ ،وﻟﻣــﺎ ﻟـم ﺗﻛـن ﻣﻌﻠوﻣـﺔ اﻟﺻـدق ﻟــذاﺗﻬﺎ
ﻟــزم أن ﺗﺳــﺗﻧد ﻓــﻲ ﺻــﺣﺗﻬﺎ إﻟــﻰ ﻣﻘــدﻣﺎت ﺗﻛــون ﻣﻌﻠوﻣــﺔ اﻟﺻــدق ﻟــذاﺗﻬﺎ ،وﻻ
ﯾﺗﺣﻘــق ذﻟــك إﻻ ﻓــﻲ اﻟﻣﻌــﺎرف اﻟﻔطرﯾــﺔ اﻟﺑدﻫﯾــﺔ ،اﻟﺗــﻲ ﯾﻘــوم ﻋﻠﯾﻬــﺎ اﻻﺳــﺗدﻻل
وﺗﺗﺄﺳ ــس ﻋﻠﯾﻬ ــﺎ اﻟﻣﻌ ــﺎرف ،وﻫ ــﻲ ﻣﻘ ــدﻣﺎت ﻻ ﺗﺣﺗ ــﺎج إﻟ ــﻰ ﻧظ ــر واﺳ ــﺗدﻻل،
وﺣﺎﺻﻠﺔ ﻟﻺﻧﺳﺎن ﻣﻧذ وﺟودﻩ ،ﯾﻘول اﺑن ﺗﯾﻣﯾـﺔ ):اﻟﺑرﻫـﺎن اﻟـذي ﯾﻧـﺎل ﺑـﺎﻟﻧظر
ﻓﯾـﻪ اﻟﻌﻠــم ﻻ ﺑـد أن ﯾﻧﺗﻬــﻲ إﻟـﻰ ﻣﻘــدﻣﺎت ﺿـرورﯾﺔ ﻓطرﯾــﺔ ﻓـﺈن ﻛــل ﻋﻠـم ﻟــﯾس
ﺑﺿروري ﻻ ﺑد أن ﯾﻧﺗﻬﻲ إﻟﻰ ﻋﻠم ﺿروري ،إذ اﻟﻣﻘدﻣﺎت اﻟﻧظرﯾﺔ ﻟو أﺛﺑﺗت
ﺑﻣﻘدﻣﺎت ﻧظرﯾﺔ داﺋﻣﺎ ﻟزم اﻟدور اﻟﻘﺑﻠﻲ ،أو اﻟﺗﺳﻠﺳل ﻓﻲ اﻟﻣـؤﺛرات ﻓـﻲ ﻣﺣـل
ﻟﻪ اﺑﺗداء.
وﻛﻼﻫﻣﺎ ﺑﺎطل ﺑﺎﻟﺿرورة واﺗﻔﺎق اﻟﻌﻘﻼء ،...ﻓﺈن اﻟﻌﻠـم اﻟﻧظـري اﻟﻛﺳـﺑﻲ
ﻫــو ﻣــﺎ ﯾﺣﺻــل ﺑــﺎﻟﻧظر ﻓــﻲ ﻣﻘــدﻣﺎت ﻣﻌﻠوﻣــﺔ ﺑــدون اﻟﻧظــر إذ ﻟــو ﻛﺎﻧــت ﺗﻠــك
اﻟﻣﻘدﻣﺎت أﯾﺿﺎ ﻧظرﯾﺔ ﻟﺗوﻗف ﻋﻠﻰ ﻏﯾرﻫﺎ ،ﻓﯾﻠزم ﺗﺳﻠﺳل اﻟﻌﻠوم اﻟﻧظرﯾـﺔ ﻓـﻲ
اﻹﻧﺳــﺎن ،واﻹﻧﺳــﺎن ﺣــﺎدث ﻛــﺎﺋن ﺑﻌــد أن ﻟــم ﯾﻛــن ،واﻟﻌﻠــم اﻟﺣﺎﺻــل ﻓــﻲ ﻗﻠﺑــﻪ
ﺣـﺎدث ،ﻓﻠــو ﻟـم ﯾﺣﺻــل ﻓـﻲ ﻗﻠﺑــﻪ ﻋﻠـم إﻻ ﺑﻌــد ﻋﻠـم ﻗﺑﻠــﻪ ،ﻟﻠـزم أن ﻻ ﯾﺣﺻــل
ﻓﻲ ﻗﻠﺑﻪ ﻋﻠم اﺑﺗداء ﻓﻼ ﺑد ﻣن ﻋﻠوم ﺑدﯾﻬﯾﺔ أوﻟﯾﻪ ﯾﺑﺗدؤﻫﺎ اﷲ ﻓﻲ ﻗﻠﺑﻪ وﻏﺎﯾﺔ
) (١درء ﺗﻌﺎرض اﻟﻌﻘل واﻟﻧﻘل ،٣٠٩ /٣ ،واﻧظر :اﻟﻔﺻل ،ﻻﺑن ﺣزم.١٠٩ /٥ ،
٥٦٧
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
اﻻﺳ ــﺗدﻻل ،وﻟﯾﺳ ــت ﻏﺎﯾﺗ ــﻪ ،ﻓﺄوﻗﻌ ــﻪ ذﻟ ــك ﻓ ــﻲ اﻟﺣﯾـ ـرة واﻻﺿ ــطراب ،وﻏﻠ ــب
اﻟﺷــك ﻋﻠﯾــﻪ ،وﻛــﺎد أن ﯾﺳــﺗﻣر ﻋﻠــﻰ ﻫــذﻩ اﻟﺳﻔﺳــطﺔ ﻟــوﻻ أن اﷲ ﺳــﻠﻣﻪ ﻣﻧﻬــﺎ
وﺧﻠﺻﻪ ﻣن ﻫذا اﻟداء.
واﻟﻣﻌـﺎرف اﻟﻔطرﯾــﺔ ﻗـد ﺗﻘﺑــل اﻻﺳــﺗدﻻل ﻣـن ﺟﻬــﺔ واﺣــدة ﻓﻘـط ،ﻫــﻲ ﺟﻬــﺔ
اﻟﻛﺷــف ﻋــن ﺿــرورﺗﻬﺎ وأﻧﻬــﺎ ﺑدﻫﯾــﺔ ﯾﻘﯾﻧﯾــﺔ ،ﻻ ﯾﻣﻛــن ﺗﺻــور ﻧﻘﯾﺿــﻬﺎ ،وﻻ
ﺗﻣﻛـن ﻣﻌﺎرﺿـﺗﻬﺎ ﺑﺷـﻲء ﻣـن اﻻﻋﺗ ارﺿـﺎت اﻟﻧظرﯾـﺔ ،وأﻧـﻪ ﻣﻬﻣـﺎ ﺣـﺎول اﻟﻣـرء
أن ﯾﻔرض ﻟﻬﺎ ﺗﺻورات ﺗﻌﺎرﺿﻬﺎ ﻓﺈن ﻋﻘﻠﻪ اﻟﺑﺷري اﻟذي ﻓطرﻩ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ ﻟن
ـﺛﻼ اﻟﻘــول ﺑــﺄن اﻟﻌﺷـرة أﻛﺛــر ﻣــن اﻟﺛﻼﺛــﺔ وأن اﻟﺷــﻲء اﻟواﺣــد ﻻ
ﯾﻘﺑــل ذﻟــك ،ﻓﻣـ ً
ـدوﻣﺎ ﻓــﻲ آن واﺣــد ،ﻣــن اﻟﻌﻠــوم اﻟﺑدﻫﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﻻ
ـودا ﻣﻌـ ً
ﯾﻣﻛــن أن ﯾﻛــون ﻣوﺟـ ً
ﯾﻣﻛــن اﻟﺗﺷــﻛﯾك ﻓﯾﻬــﺎ وﻻ ﺗﺻــور ﻧﻘﯾﺿــﻬﺎ ﻣﻬﻣ ـﺎ ﺑﻠــﻎ اﻟﻣــرء ﻣــن اﻟــذﻛﺎء ودﻗــﺔ
اﻻﺳﺗدﻻل ،وﻫﻲ ﻣﻣﺎ اﺗﻔق ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻌﻘﻼء وأﺟﻣﻌت ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻧﺎس.
أﻣــﺎ ﻣــﺎ ﺗوﻫﻣــﻪ اﻟﻐ ازﻟــﻲ ﻓــﻲ ﻣرﺣﻠــﺔ ﺷــﻛﻪ ﻣــن ﺣﺟــﺞ ﺗﺷــﻛك ﻓــﻲ اﻟﺣﺳــﯾﺎت
واﻟﺿرورات ﻓﻬﻲ ﻣﻐﺎﻟطﺎت ﺑﺎطﻠﺔ ،ﻻ ﺣظ ﻟﻬﺎ ﻣن اﻟﺑرﻫﺎن ،وﺑﯾـﺎن ذﻟـك ﻛﻣـﺎ
ﯾﺄﺗﻲ:
-أﻣــﺎ ﺗﺷــﻛﯾﻛﻪ ﻓ ــﻲ اﻟﻣﺣﺳوﺳــﺎت ﺑــدﻋوى أن ﺣﺎﺳ ــﺔ اﻟﺑﺻــر ﻗــد ﺗﺧط ــﺊ
ـﯾﺋﺎ ،وأﻧﻬــﺎ ﺗــرى اﻟﻛوﻛــب
ـﯾﺋﺎ ﻓﺷـ ً
ﻓﺗــرى اﻟظــل واﻗﻔًــﺎ ﺛــم ﯾﺗﺑــﯾن ﻟﻬــﺎ أﻧــﻪ ﻣﺗﺣــرك ﺷـ ً
ـﻐﯾر وﻫ ــو ﻓ ــﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘ ــﺔ أﻛﺑ ــر ﻣ ــن اﻷرض،
ﺑﻌﯾ ـ ًـدا ﺑﺣﺟ ــم اﻟ ــدﯾﻧﺎر ﻓﺗﺣﺳ ــﺑﻪ ﺻ ـ ًا
ﻓﺎﻟﺟواب ﻋﻧﻪ أن ﻫـذا اﻟﺗﻐﯾـر اﻟﺣﺎﺻـل ﻟـﯾس ﻣـن ﺧطـﺄ اﻟﺣـس ﻓـﻲ ﻧﻘـل اﻟواﻗـﻊ،
ﺑل ﻷن اﻟواﻗﻊ ﻧﻔﺳﻪ ﻋرﺿﺔ ﻟﻠﺗﻐﯾﯾر ،وﺣﺎﺳﺔ اﻟﺑﺻر إﻧﻣﺎ ﻫﻲ ﻧﺎﻗﻠﺔ ﻟﻠواﻗﻊ ﻛﻣـﺎ
ﺑﺎﻗﯾــﺎ ﻋﻠــﻰ ﺣﺎﻟــﻪ أم ﻋرﺿــﺔ ﻟﻠﺗﻐﯾــر ،وﻣــﺎ ذﻛ ـرﻩ
ﻫــو ﻓــﻲ اﻟﺧــﺎرج ،ﺳ ـواء أﻛــﺎن ً
ـﯾﺋﺎ
ـﯾﺋﺎ ﻓﺷـ ً
اﻟﻐ ازﻟــﻲ ﻫــو ﻣــن ﻫــذا اﻟﻧــوع ،ﻓــﺈن ﻋــدم رؤﯾــﺔ اﻟﻌــﯾن ﻟﺣرﻛــﺔ اﻟظــل ﺷـ ً
٥٦٨
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
ﯾرﺟ ــﻊ إﻟ ــﻰ ﻛ ــون ﺣرﻛ ــﺔ اﻟظ ــل ﺑطﯾﺋ ــﺔ ﺟ ـ ًـدا ،وﻫ ــذا ﻣ ــﺎ ﻻ ﯾﻣﻛ ــن إد ارﻛ ــﻪ ﺑﻧظــرة
ﻋﺟﻠﻰ وﻟﻣﺣﺔ ﺳرﯾﻌﺔ.
وﻣﺎ ذﻛرﻩ ﻋن رؤﯾﺔ اﻟﻛواﻛب اﻟﺑﻌﯾدة وأﻧﻬﺎﺻﻐﯾرة اﻟﺣﺟم ﺑﻣﻘـدار اﻟـدﯾﻧﺎر،
ﺟدا ،ﺑﺣﯾـث ﻻ ﻻ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﺧطﺄ اﻟﻌﯾن ﻓﻲ ﻧﻘل ذﻟك ،ﺑل ﻷن اﻟﻛواﻛب ﺑﻌﯾدة ً
ﯾﻣﻛــن ﻟﻠﻌــﯾن أن ﺗﻧﻘﻠﻬــﺎ ﻛﻣــﺎ ﻫــﻲ ﻣــﻊ ﺷــدة اﻟﺑﻌــد وطــول اﻟﻣﺳــﺎﻓﺔ ،واﻟﻐ ازﻟــﻲ ﻗــد
اﻋﺗﻣـد ﻓــﻲ ﺑﯾــﺎن ذﻟــك ﻋﻠــﻰ ﺣﺎﺳـﺔ اﻟﺑﺻــر وﺣــدﻫﺎ ،واﻟﺻـواب أن ﯾﻌطـﻲ ﺳــﺎﺋر
اﻟﺣ ـواس ﺣﻘﻬــﺎ ﻓــﻲ اﻟﺣﻛــم ﻓــﺈن اﻟﻌﻼﻗــﺔ ﺑﯾﻧﻬــﺎ ﺗﻛﺎﻣﻠﯾــﺔ ،ﻓﻘــد ﯾﺧطــﺊ واﺣــد ﻣﻧﻬــﺎ
وﯾﺻ ــﺣﺢ ﻟ ــﻪ اﻟﺣﻛ ــم ﺣﺎﺳ ــﺔ أﺧرى،وﻫﻛ ــذا ،ﻛﻣ ــﺎ اﺳ ــﺗدل ﺑﻌ ــض اﻟﺳوﻓﺳ ــطﺎﺋﯾﺔ
ﺑﻧظﯾر ﺣﺟﺔ اﻟﻐزاﻟﻲ ﻓﻲ اﻟظل ﺑﺄن اﻟﻌﺻﺎ داﺧل اﻟﻣـﺎء ﺗظﻬرﻫـﺎ اﻟﻌـﯾن ﻣﻛﺳـورة
وﻣﺎﺋﻠﺔ ،ﺑﯾﻧﻣﺎ ﻫﻲ ﻻ ﺗزال ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻘﺎﻣﺗﻬﺎ ،ﻓﯾﻘﺎل :ﻟو أﻧﻛـم أﻋطﯾـﺗم ﺣﺎﺳـﺔ اﻟﯾـد
ﺣﻘﻬﺎ ﻣﻊ ﺣﺎﺳـﺔ اﻟﻌـﯾن ﻟظﻬـر ﻟﻛـم وﺟـﻪ اﻟﺧطـﺄ ،وﺑـﺎن ﻓﺳـﺎد ﺗﺷـﻛﯾﻛﻛم ،وﻋﻠﻣـﺗم
أن اﻻﻧﻛﺳﺎر اﻟﺣﺎﺻل ﻟﯾس ﻟﺧطﺄ اﻟﻌﯾن ﺑل ﻟﺗﻐﯾر اﻟواﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﺧﺎرج.
ـﺗﻧﺎدا ﻟﻣـﺎ
-وأﻣﺎ ﻣﺎ ذﻛرﻩ اﻟﻐزاﻟﻲ ﻣن ﺗﺷـﻛﯾك ﺣـول اﻟﺿـرورات اﻟﻌﻘﻠﯾـﺔ اﺳ ً
ﯾراﻩ ﻓﻲ اﻟﻧﺎﺋم ﻓﻲ ﻣﻧﺎﻣﻪ ﻣن أﻣور ووﻗﺎﺋﻊ ﯾظﻧﻬﺎ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﺛﺎﺑﺗﺔ ،ﺛم ﯾﺗﺑﯾن ﻟﻪ ﺑﻌد
ذﻟــك أﻧﻬــﺎ ﻣﺟــرد أﺣــﻼم ﻻ ﺣﻘﯾﻘــﺔ ﻟﻬــﺎ ،ﻓﯾﺟــﺎب ﻋﻧــﻪ ﺑــﺄن ﻫــذا ﻣﺑﻧــﻲ ﻋﻠــﻰ ﻋــدم
اﻟﺗﻔرﯾ ــق ﺑ ــﯾن ﺣ ــﺎل اﻟﻧ ــوم وﺣ ــﺎل اﻟﯾﻘظ ــﺔ ،واﻟﺗﻔرﯾ ــق ﺑﯾﻧﻬﻣ ــﺎ ظ ــﺎﻫر ﻟﻛ ــل أﺣ ــد،
وﺳـﺣب أﺣﻛــﺎم ﺣــﺎل اﻟﻧــوم إﻟـﻰ ﺣــﺎل اﻟﯾﻘظــﺔ ﻻ ﯾﻘﺑﻠــﻪ أﺣـد ﻣــن اﻟﻌﻘــﻼء ،وﻟــﯾس
ﻣن طرق اﻻﺳﺗدﻻل اﻟﻣﻌﺗﺑرة ،وﻻ ﻋﺑرة ﺑﻪ ﻋﻧد أﺣد ،ﻓﺈن ﻟﻠﻧوم أﺣو ًاﻻ ﺗﺧﺻﻪ،
ﻛﻣﺎ أن ﻟﻠﯾﻘظﺔ أﺣو ًاﻻ ﺗﺧﺻﻬﺎ.
وﺑﻌــد ﺑﯾــﺎن ﻣــﺎ ﯾﺗﻌﻠــق ﺑﺎﻟﺷــك ﻋﻧــد اﻟﻐ ازﻟــﻲ وﻣــﺎ ﻟــﻪ وﻣــﺎ ﻋﻠﯾــﻪ ،ﺑﻘــﻲ أن
ﯾﺷﺎر إﻟﻰ ﻣﻧﺎﻗﺷﺔ اﻟﺣل اﻟذي ذﻛر أﻧﻪ ﺧرج ﺑﻪ ﻣن ورطﺗﻪ ،ﻓﻘد ذﻛر أﻣرﯾن:
ﺿﺎ ﺷﻔﺎﻩ اﷲ ﻣﻧﻪ ،وﻗـد أﺣﺳـن ﻓـﻲ
ﻣر ً
أن ﻣﺎ ﺣﺻل ﻟﻪ ﻛﺎن ً -١
وﺻف ﻣﺎ ﻋرض ﻟﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻣرض ،وﻫذا ﯾؤﻛد ﻣﺎ ﺳﺑق ﺑﯾﺎﻧﻪ
٥٦٩
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
ﻣـ ــن أن اﻟﻐ ازﻟـ ــﻲ ﻟـ ــم ﯾﻛـ ــن ﯾﺗﺑﻧـ ــﻰ اﻟﺷـ ــك اﻟﻌـ ــدﻣﻲ اﻟﻬـ ــدﻣﻲ
ﺑﺈطﻼق ،وﻻ اﻟﺷك اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ اﻻﺣﺗرازي ﺑﺈطﻼق.
أﻧــﻪ ﻧﺟــﺎ ﻣــن ذﻟــك ﻻ ﺑﻧظــر ﻓــﻲ اﻷدﻟــﺔ وﻻ ﺑــﻧظم ﻟﻠﺑ ـراﻫﯾن، -٢
ٕواﻧﻣﺎ ﺑﻧور ﻗذﻗﻪ اﷲ ﻓﻲ ﻗﻠﺑﻪ.
وﻣﺎ ذﻛرﻩ اﻟﻐزاﻟﻲ ﻓﻲ اﻷﻣر اﻟﺛﺎﻧﻲ ،ﻣﺗﻌﻘب ﺑﻌدة أﻣور ،ﻫﻲ:
أن ﺗﻌﺑﯾ ـ ـرﻩ ﺑﻣﺻـ ــطﻠﺢ "اﻟﻛﺷ ــف" ﺗﻌﺑﯾـ ــر ﻣﺟﻣ ــل ،ﯾﺣﺗﻣـ ــل ﺛﻼﺛـ ــﺔ -١
أﻣور:
أﻧﻪ أراد اﻟﻛﺷف ﺑﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺻوﻓﯾﺔ. أ-
أﻧﻪ أراد اﻹﻟﻬﺎم اﻟﺻﺎدق اﻟذي ﯾﻛون ﻣن ﻣﻼﺋﻛﺔ اﷲ. ب-
أﻧﻪ أراد ﻣﺣض اﻟﺗوﻓﯾق واﻟﻬداﯾﺔ ﻣن اﷲ. ت-
ﻓــﺈن ﻛــﺎن أراد اﻷول ﻓﻬــو ﻣﻣــﺎ ﯾﻧﺗﻘــد ﻋﻠﯾــﻪٕ ،وان ﻛــﺎن أراد اﻟﺛــﺎﻧﻲ ﻓﺳــﯾﺄﺗﻲ
اﻟﺗﻔﺻﺻﯾل ﻓﯾﻪٕ ،وان ﻛﺎن أراد اﻟﺛﺎﻟث ﻓﻼ إﺷﻛﺎل ﻓﻲ ذﻟك ،وﯾﻛـون ﻋﺑـر
ﺑﻠﻔ ــظ ﻣﻘ ــﺎرب ،ﻻ ﯾﻧﺑﻐ ــﻲ اﻟﺗﺷ ــدﯾد ﻓﯾ ــﻪ ﻟﻣﺟ ــرد اﺷ ــﺗراﻛﻪ ﻣ ــﻊ اﻟﻣﺻ ــطﻠﺢ
اﻟﺻوﻓﻲ ،دون ﻣﻌرﻓﺔ ﻣرادﻩ اﻟدﻗﯾق ،وﻫو ﻣﺣﺗﻣل ﻛﻣﺎ ﺳﺑق.
إن ﻛـ ــﺎن اﻟﻐ ازﻟـ ــﻲ أراد ﺑﺗﻌﺑﯾ ـ ـرﻩ "اﻹﻟﻬـ ــﺎم اﻟﺻـ ــﺎدق" ﻓﺈﻧـ ــﻪ طرﯾـ ــق -٢
ﺻﺣﯾﺢ ﻓﻲ اﻟﺟﻣﻠﺔ وﻻ إﺷﻛﺎل ﻓﯾﻪ ،ﻟﻛن اﻹﺷـﻛﺎل ﯾﻛﻣـن ﻓـﻲ أن
اﻹﻟﻬﺎم اﻟﺻﺎدق ﻟﯾس ﻣن طرق اﻟﺗرﺟﯾﺢ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﺳﺎﺋل ،ﻓﺈﻧﻪ
ﻻ ﺑــد ﻣــن ﺑﯾــﺎن ﺳــﺑب اﻟﺗــرﺟﯾﺢ ﺑﻌﺑــﺎرة واﺿــﺣﺔ ﻻ اﻹﺣﺎﻟــﺔ إﻟــﻰ
أﻣر ﻣﺟﻬول ﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﺑﯾﻧﻪ وﻻ اﻟﺗﺣﻘق ﻣﻧﻪ ،ﻛﻣﺎ ﯾﻣﻛن ﻟﻣﻧﺎزﻋﻪ
أن ﯾﺷــﻛك ﻓﯾــﻪ وأن ﯾﻌﺗــرض ﻋﻠﯾ ــﻪ ﺑﻧﻘــﯾض دﻋ ـواﻩ ،ﻛــﺄن ﯾﻘ ــول
اﻟﻣﻌﺗرض ﺑﺄﻧﻪ ﯾطﻌن ﻓﻲ اﻟﺑدﻫﯾﺎت اﻟﺿرورﯾﺔ ﺑﻧور ﻗذﻩ اﷲ ﻓﻲ
ﺻدرﻩ ﺗﺑﯾن ﺑﻪ ﺿﻼﻟﻬﺎ وﻋدم ﯾﻘﯾﻧﯾﺗﻬﺎ وأﻧـﻪ ﻻ ﯾﻣﻛـن ﻟـﻪ اﻟﺗﻌﺑﯾـر
٥٧٠
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
ﻋن ﻫذا اﻟﻧور ﺑﻌﺑﺎرة واﺿﺣﺔ ﻷﻧﻪ ﻟم ﯾﺄت ﻣن طرﯾق ﻧظم أدﻟـﺔ
وﻻ ﺗرﺗﯾب ﺣﺟﺞ!
ﻓﻌﻠــم ﻣــن ﻫــذا وﺟــﻪ اﻹﺷــﻛﺎل اﻟــذي ﯾﻠﺣــق طرﯾﻘــﺔ اﻟﻐ ازﻟــﻲ ،وﻣﻣــﺎ ﯾﻠﻔــت
اﻟﻧظر أن اﻟﻐزاﻟﻲ ﻧﻔﺳﻪ أﻧﻛر ﻓـﻲ ﻛﺗﺎﺑـﻪ " اﻟﻣﻧﺧـول" ﺗﻌرﯾـف اﻻﺳﺗﺣﺳـﺎن
ﺑﺄﻧﻪ اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﺧﻔـﻲ اﻟـذي ﺗﺿـﯾق اﻟﻌﺑـﺎرة ﻋﻧـﻪ ،ﺣﯾـث ﻗـﺎل ):وﻫـذا ﻫـوس
ﻓﺈن ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺷﺎرع إذا ﻻﺣت ﻓﻲ اﻟﻌﻘول اﻧطﻠﻘت اﻷﻟﺳن ﺑـﺎﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﻬـﺎ
ﻓﻣــﺎ ﻻ ﻋﺑــﺎرة ﻋﻧــﻪ ﻻ ﯾﻌﻘــل(> اﻟﻣﻧﺧــول ،ص ،<.٣٧٥ﻓــﺈذا ﻛــﺎن ﻣــﺎ ﻻ
ﻋﺑﺎرة ﻋﻧﻪ ﻻ ﯾﻌﻘل ﻓﺈن إﺣﺎﻟﺔ اﻟﻐ ازﻟﻲ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣوﺿﻊ ﻋﻠـﻰ اﻹﻟﻬـﺎم أو
اﻟﻛﺷف اﻟذي ﻻ ﯾﻣﻛن اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﻪ ﻣﻣﺎ ﯾﻧﺗﻘد ﻋﻠﯾﻪ.
أن اﻟﻐ ازﻟـ ــﻲ ﻟـ ــم ﯾ ـ ــذﻛر اﻟطرﯾـ ــق اﻟواﺿ ـ ــﺣﺔ واﻟﺳـ ــﺑل اﻟﺻ ـ ــﺣﯾﺣﺔ -٣
اﻟﻘﺎطﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻛﺷف ﻋن ﺿرورة اﻟﻣﺑـﺎدئ اﻟﻌﻘﻠﯾـﺔ اﻷوﻟﯾـﺔ ،وﻫـو
ﻣــﺎ ﺳــﺑﻘت اﻹﺷــﺎرة إﻟﯾــﻪ ﻣــن أﻧﻬــﺎ واﺿــﺣﺔ ﻓــﻲ ﻧﻔﺳــﻬﺎ ﻻ ﺗﺣﺗــﺎج
إﻟ ـ ــﻰ اﺳ ـ ــﺗدﻻل ،وأﻧﻬ ـ ــﺎ ﻻ ﯾﻣﻛ ـ ــن ﺗﺻ ـ ــور ﻧﻘﯾﺿ ـ ــﻬﺎ ﺑﺣ ـ ــﺎل ﻣ ـ ــن
اﻷﺣوال ،وﻻ ﯾﻣﻛن دﻓﻌﻬﺎ ﻋن اﻹﻧﺳﺎن ﺑﺎﻟﺷﻛوك اﻟﻧظرﯾﺔ ،ﻷﻧﻬﺎ
ﺛﺎﺑﺗ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻟﻔط ــر ﻣرﻛ ــوزة ﻓ ــﻲ اﻟﻌﻘ ــول وﺣﺎﺻ ــﻠﺔ ﻟﻺﻧﺳ ــﺎن ﻣﻧ ــذ
وﻻدﺗﻪ.
٥٧١
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
ﺍﳋﺎﲤﺔ:
ﻓﻲ ﺧﺗﺎم ﻫذا اﻟﺑﺣث أﺣﻣد اﷲ ﻣﺎ ﺗﻔﺿل ﺑﻪ وﯾﺳر وأﻋﺎن ،وﻫذﻩ أﻫم
اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﺗﻲ ﺗوﺻﻠت إﻟﯾﻬﺎ:
أن ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ٕوان ﻛﺎﻧت ﻣن أرﻛﺎن اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﺣدﯾﺛﺔ إﻻ -١
أﻧﻬﺎ ﻟﯾﺳت ﻣﻣﺎ اﺧﺗص ﺑﻪ ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻐرب ،ﻓﻘد ﺑﺣﺛﻬﺎ ﻋﻠﻣﺎء
اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﻛﺗب اﻟﻌﻘﺎﺋد وﻋﻠم اﻟﻛﻼم واﻟﻔﻠﺳﻔﺔ واﻟﻣﻧطق.
أن اﻹﻣﺎم اﻟﻐزاﻟﻲ ﻣن أﺑرز ﻣن ﻋﻧﻲ ﺑﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﻣن -٢
ﻋﻠﻣﺎء اﻹﺳﻼم ،وﻗد ﻋﻧﻲ ﻋﻧﺎﯾﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻣﺳﺄﻟﺔ إﻣﻛﺎن اﻟﻣﻌرﻓﺔ
ﻣﺛﺎر ﻟﻠﻧﻘﺎش
وﻛﺎن ﻟﻪ ﻓﯾﻬﺎ ﺗﺟرﺑﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺣﻛﺎﻫﺎ ﺑﻧﻔﺳﻪ وﻛﺎﻧت ًا
ﻣن ﺑﻌدﻩ.
اﺧﺗﻠف اﻟﺑﺎﺣﺛون ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﺎ ﺟرى ﻟﻠﻐزاﻟﻲ ﻣن ﺗﺟرﺑﺔ، -٣
ﻓﺑﻌﺿﻬم ﻧﺳﺑﻪ إﻟﻰ ﺗﺑﻧﻲ اﻟﺷك اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ اﻻﺣﺗرازي ،وﺑﻌﺿﻬم
ﻧﺳﺑﻪ إﻟﻰ ﺗﺑﻧﻲ اﻟﺷك اﻟﻬدﻣﻲ.
أن اﻟﺻواب ﻋدم إطﻼق أﻧﻪ ﻣﺎل إﻟﻰ أﺣد ﻧوﻋﻲ اﻟﺷك ،ﺑل -٤
اﻷدق ﺑﺄن ﯾﻘﺎل إﻧﻪ ﺗﺑﻧﻰ اﻟﺷك اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ ﻓﻲ اﻟﺑداﯾﺔ ،وﻟﻛﻧﻪ
ﻏﻼ ﻓﻲ ذﻟك وأﺳرف ﺣﺗﻰ وﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﺷك اﻟﻬدﻣﻲ دون ﻗﺻد
وﻻ إرادة ،ﺛم ﻧﺟﺎﻩ اﷲ ﻣن ذﻟك ﺑﻣﺎ ﺳﻣﺎﻩ " اﻟﻛﺷف".
أن ﻣﺻطﻠﺢ " اﻟﻛﺷف" اﻟذي أﺳﻧد إﻟﯾﻪ اﻟﻐزاﻟﻲ ﺳﺑب ﺧروﺟﻪ -٥
ﻣن ورطﺗﻪ ﻣﺻطﻠﺢ ﻣﺟﻣل ﯾﺣﺗﻣل ﻋدة ﻣﻌﺎن ﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﻫو
ﻣﻘﺑول وﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﻫو ﻣﺗردد ﻓﯾﻪ وﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﻫو ﻣرﻓوض وﻣﻧﺗﻘد.
أن اﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﻔطرﯾﺔ ﻻ ﯾﻣﻛن إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺑراﻫﯾن اﻟﻧظرﯾﺔ ﻋﻠﯾﻬﺎ ،ﺑل -٦
ٕواﻧﻣﺎ ﺗﻘﺑل ﻫﻲ ﻻ ﺗﻘﺑل اﻻﺳﺗدﻻل ﻣن ﺣﯾث اﻷﺻل،
٥٧٢
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
٥٧٣
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
ﻓﻬﺮﺱ ﺍﳌﺮﺍﺟﻊ
اﻷرﺑﻌون ﻓﻲ أﺻول اﻟدﯾن ،ﻟﻺﻣﺎم أﺑﻲ ﺣﺎﻣد اﻟﻐزاﻟﻲ ،دار -١
اﻟﻣﻧﻬﺎج ،ﺟدة ،ط٢٠١٩ ،٢م.
أﺳس اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ﻟﻠدﻛﺗور ﺗوﻓﯾق اﻟطوﯾل ،دار اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ، -٢
اﻟﻘﺎﻫرة ،ط١٩٦٤ ،٤م.
ﺗﻬﺎﻓت اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ،أﺑو ﺣﺎﻣد اﻟﻐزاﻟﻲ ،ﺗﺣﻘﯾق :ﺳﻠﯾﻣﺎن دﻧﯾﺎ ،دار -٣
اﻟﻣﻌﺎرف ،ﻣﺻر٢٠١٧ ،م.
ﺗﯾﻣﯾﺔ ،ﺗﺣﻘﯾق:
درء ﺗﻌﺎرض اﻟﻌﻘل واﻟﻧﻘل ،ﻟﺷﯾﺦ اﻹﺳﻼم اﺑن ّ -٤
ﻣﺣﻣد رﺷﺎد ﺳﺎﻟم ،ط دار اﻟﻔﺿﯾﻠﺔ ،اﻟرﯾﺎض ،ط اﻻوﻟﻰ
١٤٢٩ه.
دروس ﻓﻲ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،ﻟﯾوﺳف ﻛرم ٕواﺑراﻫﯾم ﻣﻧدور ،دار ﻋﺎﻟم -٥
اﻷدب ،ﺑﯾروت ،ط ٢٠١٦ ،١م.
اﻟدﯾن اﻟذﻫﺑﻲ ،ﻣؤﺳﺳﺔ اﻟرﺳﺎﻟﺔ،
ﺳﯾر أﻋﻼم اﻟﻧﺑﻼء ،ﻟﺷﻣس ّ -٦
ط.ç ١٤٠٩ ،١
اﻟﻔﺻل ﻓﻲ اﻟﻣﻠل واﻷﻫواء واﻟﻧﺣل ،ﻷﺑﻲ ﻣﺣﻣد ﺑن ﺣزم -٧
ﺗﺣﻘﯾق :ﻣﺣﻣد إﺑراﻫﯾم وﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﻋﻣﯾرة ،دار اﻟﺟﯾل.
ﻓﺿﺎﺋﺢ اﻟﺑﺎطﻧﯾﺔ ،أﺑو ﺣﺎﻣد اﻟﻐزاﻟﻲ ،ﺗﺣﻘﯾق :د .ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن -٨
ﺑدوي ،اﻟدار اﻟﻘوﻣﯾﺔ ،اﻟﻘﺎﻫرة١٣٨٢ ،ه.
اﻟﻘﺳطﺎس اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم ،ﻟﻺﻣﺎم اﻟﻐزاﻟﻲ ،دار ﻛﯾراﻧﯾس٢٠١٤،م. -٩
-١٠ﻗﺻﺔ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ ،ﻷﺣﻣد أﻣﯾن وزﻛﻲ ﻧﺟﯾب ﻣﺣﻣود ،دار
اﻟﻛﺗب اﻟﻣﺻرﯾﺔ ،اﻟﻘﺎﻫرة ،ط١٩٣٥ ،٢م.
-١١ﻣﺑﺎدئ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،ﻟراﺑوﺑرت ،ﺗﻌرﯾب :أﺣﻣد\ أﻣﯾن ،دار اﻟﻌﺎﻟم
اﻟﻌرﺑﻲ،اﻟﻘﺎﻫرة ،ط ٢٠١٢ ،١م.
٥٧٤
ارات ا وا ت ر اد ا وا اار ام
ا ا اا
٥٧٥
مار ا ا واد ا ا ر ت وات ارا ا
ا ا ا ا
References :
1- al'arbaewun fi 'usul aldiyni, lil'iimam 'abi hamid
alghazalii, dar alminhaji, jidat, ta2, 2019m.
2- 'usus alfalsafat lilduktur tawfiq altawili, dar alnahdat
alearabiati, alqahiratu, ta4, 1964m.
3- tahafut alfalasifati, 'abu hamid alghazaliu, tahqiqu:
sulayman dinya, dar almaearifi, masr, 2017m.
4- dar' taearid aleaql walnaqlu, lishaykh al'iislam abn
tymyt , tahqiqu: muhamad rashad salim, t dar
alfadilati, alrayad, t alawlaa 1429h.
5- drus fi alfalsafati, liusuf karam wa'iibrahim mandur,
dar ealam al'adbi, bayrut, t 1, 2016m.
6- sir 'aelam alnubala'i, lishams alddyn aldhahbi,
muasasat alrisalati, ta1, 1409 c.
7- alfasl fi almalal wal'ahwa' walnahlu, li'abi muhamad
bin hazm tahqiqa: muhamad 'iibrahim waeabd
alrahman eumayrata, dar aljil.
8- fadayih albatiniati, 'abu hamid alghazaliu, tahqiqu: da.
eabd alrahman badwi, aldaar alqawmiati, alqahirati,
1382h.
9- alqistas almustaqima, lil'iimam alghazalii, dar
kiranis,2014m.
٥٧٦
مار ا ا واد ا ا ر ت وات ارا ا
ا ا ا ا
٥٧٧
مار ا ا واد ا ا ر ت وات ارا ا
ا ا ا ا
٥٧٨