Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 22

‫المحور الثاني‬

‫الإستعمالات و التمثلات‬
‫‪1‬‬
‫محمد فوزي المستغانمي‬

‫الاثنيات في المصادر الإخبار ية‪ :‬نقل مصطلحات‬


‫وحراك معايير‬

‫ملخص‬

‫عادت الكتابات الإخبار ية خلال الفترة الحديثة‪ ،‬عند كتابة تاريخ افر يقية (البلاد التونسية بصورة‬
‫عامة) إلى التاريخ القديم وتناولت مختلف الحقبات نقلا عن كتابات سابقة لاسيما بالنسبة إلى فترات‬
‫ما بعد الدخول العربي الإسلامي للمنطقة وكان رائد عودة الكتابة الإخبار ية خلال الفترة الحديثة‬
‫ابن أبي دينار الذي اعتمدته بقية المصادر اللاحقة وفي مختلف هذه المصادر تم استعمال تصنيفات‬
‫أثنية عديدة تنوعت حسب الحقبات مع النزوع غالبا إلى إبراز ثنائية التركيبة والصراع وارتبط ذكر‬
‫هذه الاثنيات بالتحولات السياسية وتداول الأدوار حسب موازين القوى والحراك الاجتماعي‬
‫الذي كان يفرز في كل مرة إعادة توز يع لهذه الأدوار وبروز تصنيفات جديدة مرتبطة بالاندماج‬
‫والتلاقح الاثني فقد كانت الانطلاقة بالأفارق الإغريقيين والبربر لنصل إلى الترك وا�لكوارغلية‬
‫والحنفية‪ ،‬وتوصيفات مختلفة للعرب والأعراب والعربان حسب السياقات التار يخية و�لكن كذلك‬
‫المجالية فإذا كانت كلمة عربي تحقير ية في شمال البلاد فهي مصدر مفاخرة في الجنوب‪ .‬ففي طيات‬
‫هذه المصادر هناك تفر يعات أثنية وتصنيفات اجتماعية تعكس هذا التنافس وتقلبات المكانة من‬
‫تشكيلة إلى أخرى حسبما تفرضه تغيرات رهانات الانتماء‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬الاثنية‪ ،‬الأجناس‪ ،‬التصنيفات الاجتماعية‪ ،‬الانتماء‪ ،‬القوى الاجتماعية‪ ،‬حراك‬
‫اجتماعي‪.‬‬

‫‪ 1‬جامعة تونس‪.‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪45 )63 - 45‬‬
‫ نقل مصطلحات وحراك معايير‬: ‫الاثنيات في المصادر الإخبار ية‬

Résumé
L’historiographie de la période moderne, lors de l’écriture de l’histoire de l’Ifriqiya (à peu
prés la Tunisie), ont commencé leurs récits à partir de l’époque antique et ont traité de
différentes périodes, citant des écrits antérieurs, en particulier pour les périodes islamiques
post-arabes de la région. Le pionnier de cette historiographie c’était Ibn Abi Dinar, qui
a été adoptée par les autres sources. Cette historiographie avait utilisé, de nombreuses
classifications ethniques, qui variaient selon les périodes, avec une tendance souvent à
mettre en évidence le dualisme de la composition sociale et du conflit. La mention de ces
ethnies a été liée aux changements politiques et aux changements des rôles en fonction de
l’équilibre des forces et de la mobilité sociale qui se sont produites périodiquement. La
redistribution des rôles engendre à chaque fois l’émergence de nouvelles classifications
en rapport avec l’intégration ethnique et l’ascension sociale. Cette historiographie avait
focalisé l’attention sur les Africains et les Grecs puis sur les berbères, passant par les romains
pour arrivé pendant la période moderne aux Turcs, Khouloughlis et aux Hanafites. Pours
les Arabes les mots ne cessent de changer de signification, selon le contexte historique
mais aussi géographique. Dans ces sources, il existe des sous-classifications ethniques et
des classifications sociales qui reflètent cette concurrence et les fluctuations de la position,
d’un groupe à l’autre. L’appartenance à une ethnie ou une catégorie sociale est un produit
de négociation sociopolitique et économique qui change avec la dynamique sociale.
Mots clefs : Dynamique sociale, Ethnie, Assimilation, Intégration, Catégorie sociale,
Mobilité sociale, Appartenance.

Abstract
The historiographical sources of modern times, when writing the history of Ifriqiyya
(Tunisia in general), goes back to ancient times. It addressed different periods based
on previous writings, particularly about post-Islamic Arab settlement in the area. Ibn
Abi Dinar was a pioneer of the return of this style of news reporting and he was cited by
the rest of the following sources. Among these sources, many ethnic classifications were
employed. They varied across periods, often with the tendency to highlight the duality of
social structure and conflict. The indication of these ethnicities was related to the political
transformations and role-switching according to power balance and social mobility, which
led to the redistribution of these roles and the emergence of new classifications linked
to ethnic integration and cross-fertilization. It started with Afro-Greeks and Berbers
and reached to Turks, Karghalia, Hanafis, and different descriptions of Arabs according
to historical and geographical contexts. For example, in the north of Tunisia, the term
‘Arab’ has a pejorative connotation. However, in the south, it is a source of pride. Within
the historiographical sources mentioned above, there are ethnic subdivisions and social
categorizations that reflect this competition and position fluctuation from one group to
another, as required by the changes among affiliation wagers.
Key words: Ethnicity, Races, Social classifications, relationship, Social forces, Social
mobility.

)63 - 45 ‫ (ص‬.‫ التعر يفات والتمث ّلات‬:‫ أن تصبح أصلي ّا‬،‫أن تكون أصلي ّا‬ 46
‫محمد فوزي المستغانمي‬

‫لدراسة إشكالية «الأهلنة»‪ 2‬في البلاد التونسية خلال‬ ‫تقديم‬


‫الفترة الحديثة اخترنا المراهنة على ثراء المُدوّنة المُعتمدة‬
‫تعتبر المصادر الإخبار ية خاصّة‪ ،‬ومصادر الفترة‬
‫لتحديد الأصناف الاجتماعية في مختلف الحقبات وتأثرها‬
‫الحديثة بمختلف أصنافها عامّة‪ ،‬خزّان مصطلحات ومعان‪،‬‬
‫بالحركية الفكر ية والاجتماعية والسياسية والتي لعبت‬
‫تحتاج إلى البحث والدراسة‪ ،‬لا تقل أهمي ّة عن دراسة‬
‫في بنائها الجغرافيا والعكس كذلك انطلاقا من أربعة‬
‫الأحداث والحوادث التي دوّنتها‪ .‬تُدرس الألفاظ عادة‬
‫مصادر وهي المؤنس في أخبار افر يقية وتونس لابن أبي‬
‫بالعودة إلى القواميس والمعاجم‪ ،‬وتعرفها لغو يا‪� .‬لكن إذا‬
‫دينار‪ ،‬ومؤلفات الصغير بن يوسف «المشرع الم�لكي في‬
‫كانت الدراسة اللغو ية ذات معنى ودليل‪ ،‬فإن ّه لا يجب‬
‫سلطنة أولاد علي تركي» وكتاب «التكميل المشفي للغليل‬
‫اختزالها في المعنى اللغوي الجامد‪ ،‬فالكلمات والألفاظ‬
‫على كتاب العبر لعبد الرحمان ابن خلدون»‪ ،‬وأحمد ابن‬
‫تتحرك‪ ،‬وتحمل معان جديدة‪ ،‬ويتغير مفهومها‪ ،‬وشحنتها‬
‫أبي الضياف وكتابه «إتحاف أهل الزمان باخبار ملوك‬
‫الدلالية‪ ،‬حسب سياقات الكتابة وأغراضها‪ ،‬و�لكن‬
‫تونس وعهد الأمان»‪.‬‬
‫كذلك حسب السياقات التار يخية‪.‬‬
‫فالبلاد التونسية هي منطقة مركز ية في البحر الأبيض‬
‫ولا تختلف المصادر الإخبار ية عن القواميس فبين‬
‫المتوسط‪ ،‬تشرف على المضيق الفاصل بين الحوضين الشرقي‬
‫طيات صفحاتها ألفاظ ومصطلحات معتمدة للحديث‬
‫والغربي‪ .‬وكانت هذه الرقعة من الجغرافيا المتوسطية‪،‬‬
‫عن مختلف التشكيلات الاجتماعية‪ ،‬وتصنيفاتها‪ .‬فهل‬
‫لعصور ملتقى حضارات عديدة‪ ،‬وكانت محطة لتيارات‬
‫تعب ّر عن المعايير السائدة لتحديد الأصناف الاجتماعية‬
‫هجر ية اختيار ية أو قسر ية‪ ،‬فمن الاماز يغ إلى الفينيقيين‬
‫وتراتبيتها؟ أم هي مجرد ناقل للنظرة السائدة والموروثة‪،‬‬
‫إلى الرومان والوندال والعرب‪ ،‬والهجرات بين مشارق‬
‫والمعب ّرة عن وجهة نظر المنقول عنه وسياقه التار يخي؟‬
‫بلاد المغرب ومغاربه‪ ،‬في حركات مد وجزر بشر ية‪ .‬مع‬
‫أم أنها تعبير عن وجهة نظر واعية ومقصودة من قبل‬
‫الفترة الحديثة وصل الأتراك القادمون من الباب العالي‬
‫كتّابها؟‬
‫في صلب العساكر الانكشار ية‪ ،‬والذين دخلوا في حركية‬
‫التفاعلات الاجتماعية‪ ،‬وتفرعهم إلى تصنيفات منها‬ ‫بين طيات قواميس هذه المصادر نجد معايير مختلفة‬
‫الأتراك الروم‪ ،‬والأتراك الأعاجم‪ ،‬والأتراك أبناء البلاد‬ ‫للحديث عن التشكيلات الاجتماعية نذكر منها الأصول‬
‫ولادة‪ ،‬والأعلاج من المماليك المندمجين في المؤسسة‬ ‫العرقية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والمذهبية‪ ،‬والحضار ية‪ ،‬بمرجعياتها‬
‫العسكر ية‪ ،‬وا�لكوارغلية‪.‬‬ ‫التار يخية والذهنية‪ ،‬ونمط العيش‪ ،‬وغيرها‪ .‬فهل تقتصر‬
‫شحنة القاموس اللغو ية على اختلاف اللفظ‪ ،‬أم كذلك‬
‫‪ 2‬قضية «الاهلنة» ‪ autochtonie‬والتي كانت محور اللائحة الصادرة‬
‫على اختلاف معناه ودلالته حسب السياقات؟ فقد‬
‫بجونيف بتاريخ ‪ 13‬سبتمبر ‪ 2007‬أصبحت قضية محور ية في الجمعية‬ ‫تتكرر الألفاظ لدى نفس الكاتب‪ ،‬أو في مختلف المصادر‬
‫العامة للأمم المتحدة وقد ترجمتها «الشعوب الأصلية» ولهذا المفهوم العديد‬ ‫ل مرة نفس المعنى‪ ،‬داخل المصادر‬ ‫حتى لا تحمل في ك ّ‬
‫من التقطعات مع العديد من المفاهيم والمصطلحات الأخرى تترواح بين‬
‫الاثنية والأهلية والأقليات والمواطنة وفي ظل الدعوات الدولية لإعادة‬ ‫بأنواعها‪ ،‬وداخل نفس المصدر‪ ،‬وتتغير بتغير السياقات‬
‫هيكلة العلاقة بين الأنظمة والسكان الأصليين‪ .‬وسنسعى في مقالنا هذا‬ ‫التار يخية‪.‬‬
‫تتبع العلاقات الاجتماعية عبر مختلف الحقبات التار يخية خلال الفترة‬
‫الحديثة لان قضية الاهلنة لا يجب إسقاطها وإنما تتبع صيرورتها في إطار‬
‫التفاعل بين مختلف مكونات المجتمع فالأهلنة وان سلمنا بوجودها فهي‬
‫متحركة محتوى ومعنى‪ .‬أنظر على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪BARTH F 1969, p. 205-254.‬‬
‫‪MORIN 2006, p. 54-64. Lyon.‬‬
‫‪MARTIN 2008.‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪47 )63 - 45‬‬
‫الاثنيات في المصادر الإخبار ية ‪ :‬نقل مصطلحات وحراك معايير‬

‫وألفاظ بشحنتها الأولى‪ ،‬المنقول عنها‪ ،‬فينقل بذلك صورة‬ ‫�لكن إلى جانب هذه التصنيفات العرقية‪ ،‬احتوت‬
‫للمجتمع ولحركيته وإنتاجه اللغوي ويسقطها على حقبة‬ ‫هذه المصادر على تصنيفات اجتماعية أخرى‪ ،‬تعتمد‬
‫أخرى وهو ما يفرض على الباحث ربط التصنيفات‬ ‫معايير العلاقة بالأرض وبالتاريخ‪ ،‬ومن التصنيفات‬
‫بسياقاتها التار يخية‪ .‬ودون الدخول في تفاصيل المسألة في‬ ‫المتداولة تقريبا في كل المصادر الإخبار ية والأرشيفية‬
‫عموميتها‪ ،‬ننطلق من كتاب ابن أبي دينار الذي يعتبر أول‬ ‫وكتب الفتاوى منها بالأساس «الأهالي» و«الرعية»‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫مصدر إخباري خلال الفترة الحديثة بتونس‪.‬‬ ‫و«البلدي» و«العربي» و«البدو» والعربان» و«الأعراب»‬
‫و«الجدار ية»‪ ،‬وهي مصطلحات مبهمة في جوهرها‪ ،‬تحتاج‬
‫ابن أبي دينار القيرواني هو (محمد بن أبي القاسم‬
‫إلى تتب ّع ذكرها وسياقاته‪ ،‬وتستبطن العلاقة بين الإنسان‬
‫الرعيني القيرواني توفّى حوالي ‪ 99-1698‬م)‪ ،‬يع ّد‬
‫والأرض‪ ،3‬ونظرة المجتمع إلى مكوناته وتحو ّلات هذه‬
‫أحسن ممث ّل لإخباريي الفترة الحديثة من المحليين من‬
‫العلاقة وهذه النظرة‪ .‬وسنحاول في بحثنا هذا التركيز‬
‫حيث تكوينه العلمي والمعرفي‪ ،‬إذ هو سليل عائلة دينية‪،‬‬
‫على مختلف التصنيفات وارتباطها بالحراك الاجتماعي‬
‫قيروانية بأبعادها وتأثيراتها في تشكّل الشخصية‪ ،‬وتبلور‬
‫ونظمه بالبلاد التونسية خلال الفترة الحديثة ومراهنة‬
‫النظرة إلى المجتمع‪ .‬كما تميزت هذه الشخصية بانتمائها‬
‫الأطراف الاجتماعية الفاعلة في صياغة التصنيفات‬
‫الحضري‪ ،‬مولدا ونشأة في القيروان‪ ،‬ثم استقرارا‬
‫حسب السياقات التار يخية‪.‬‬
‫بالحاضرة‪ ،‬وحتما كان لهذا الانتماء المديني تأثيراته في‬
‫تشكّل النظرة للآخر‪ .‬هناك كذلك بعد ثالث ساهم في‬
‫تبلور وبناء شخصية الكاتب‪ ،‬وتوجيه الكتابة لديه وهو‬ ‫‪ -I‬ابن أبي دينار الجسر بين خطاب الفترة الوسيطة‬
‫انتماؤه لحاشية البايات المراديين والسّلطة الحاكمة‪ ،‬زمن‬ ‫وبدايات الفترة الحديثة‬
‫علي باي ابن مراد الثاني (‪.)1682-1675‬‬
‫يستنتج المتصفح لكتابات الإخبار يين سواء خلال‬
‫أل ّف ابن أبي دينار كتاب المؤنس في أخبار إفر يقي ّة‬ ‫الفترة الوسيطة أو خلال الفترة الحديثة بأن نسبة هامة‬
‫وتونس وهو همزة الوصل التأر يخية بين آخر من دون‬ ‫منها تخضع إلى عملية بناء‪ ،‬بحيث يقوم الإخباري بنقل‬
‫في العهد الحفصي‪ 5‬وبين الفترة العثمانية‪ .‬بعد أن توقفت‬ ‫الأحداث عن مصادر سابقة له‪ ،‬و يثريها إما بتنو يع‬
‫الكتابة التار يخية حوالي قرنين من الزمن حيث كان آخرها‬ ‫الروايات أو بإضافة معطيات عن الفترة التي يعاصرها‪.‬‬
‫ابن الشماع وهو أبو عبد ال� ل�ه محمد بن أبي العب ّاس أحمد‬ ‫ل‬
‫وتتأثر عملية النقل برهانات الناقل‪ ،‬فيجمع عادة ك ّ‬
‫بن محمد الهنتاتي الذي شغل قاضي المحلة زمن أبي عمرو‬ ‫ما يخدم الفكرة التي يريد إبلاغها‪ ،‬وينقلها إما بصياغتها‬
‫عثمان (‪ )1488-1435‬وكتابه الأدلة البينة النورانية في‬ ‫الأصلية أو يعيد صياغتها‪ .‬ومن ضمن المعطيات التي تناولتها‬
‫مفاخر الدولة الحفصية (ألفه سنة ‪ 1457‬م) و يعتبر هذا‬ ‫هذه الكتابات مسألة التصنيفات الاجتماعية والتي ترتبط‬
‫الكتاب مصدرا رئيسيا بالنسبة إلى ابن أبي دينار لاسيما‬ ‫برهانات الفرد أو المجموعة �لكسب شرعية أو احتلال‬
‫في الربط بين الفترة الوسيطة وبداية الفترة الحديثة‪ ،‬ولا‬ ‫مكانة اجتماعية وهي متأثرة بالحراك الاجتماعي‪ ،‬إذ‬
‫عجب أن يكون كتاب المؤنس في أخبار إفر يقية وتونس‬ ‫تعتبر من المؤشرات الدالة على هذا الحراك في الزمن‪،‬‬
‫عبارة عن تكميل أو مواصلة لما وقف عنده ابن الشماع‪.‬‬ ‫وتساهم في تحديد الفاعلين‪ .‬فطفاوة صنف اجتماعي‬
‫على حساب تصنيفات أخرى خلال إطار تار يخي معين‬
‫‪ 4‬هناك مصادر أخرى لها أهميتها في دراسة تاريخ الفترة منها كتب الفتاوى‬ ‫يعبر عن طبيعة المرحلة والتشكيلة الاجتماعية الفاعلة‪.‬‬
‫على غرار‪:‬‬ ‫وخلال عملية النقل قد يحافظ الناقل على مصطلحات‬
‫عظوم ‪ ،2004‬كتاب الاجوبة‪ ،‬وأبو لحية القفصي ‪.1998‬‬
‫‪ 5‬ابن الشماع ‪.1984‬‬ ‫‪ 3‬بن سليمان (فاطمة)‪.)2009( ،‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪)63 - 45‬‬ ‫‪48‬‬
‫محمد فوزي المستغانمي‬

‫اعتمد ابن أبي دينار على مصادر عربية إسلامية‬ ‫‪6‬‬


‫لقد اعتمد ابن أبي دينار على العديد من المصادر السابقة‬
‫من البلاذري إلى البكري والزركشي وابن الشماع‬ ‫واقتطف منها فقرات ركبها ليبني تسلسله التار يخي من‬
‫وغيرهم كما حاول تقديم معطيات استقاها من النصارى‬ ‫التاريخ القديم إلى عصره ليبيّن التحولات التي عرفتها‪،‬‬
‫الذين لهم اهتمام بالتاريخ والذين اعتبرهم أهل الدار‪.‬‬ ‫وليضفي على عصره خصوصيته‪ .‬خلال عملية النقل قام‬
‫وإذا اعتبرنا السياق التار يخي الذي كتب خلاله ابن أبي‬ ‫ابن أبي دينار بنقل التصنيفات الاجتماعية التي سادت‬
‫دينار والمرتبط ببناء الدولة الترابية زمن المراديين الذين‬ ‫خلال عصور هذه المصادر لذلك عند تناولنا لهذه المسألة‪،‬‬
‫هم من أصول أوروبية (كورسيكا) فهل كان واعيا بأن ّه‬ ‫يجب أن ننظر للتصنيف المستعمل في سياقين لنحدد شحنته‬
‫يشرّع بطر يق غير مباشر أو غير واعية لشرعية حكمهم‬ ‫الدلالية إمّا تناوله في السياق التار يخي الذي ورد فيه في‬
‫افر يقية باعتبارهم أهل الدار؟‬ ‫مصدره الأصلي أو السياق التار يخي لابن أبي دينار‪ .‬فبتغير‬
‫السياق تتغير حتما هذه الشحنة الدلالية وهذا التصنيف‬
‫من ناحية أخرى من خلال هذه المقاطع التي‬
‫الاجتماعي المعتمد‪.‬‬
‫حاول من خلالها الاستفراد بذكر التاريخ القديم لتونس‬
‫باعتباره أول من كتب تاريخ المجال الترابي للبلاد‬ ‫انطلق ابن أبي دينار في سرد أحداثه من التاريخ‬
‫التونسية فأنه وجد نفسه يتيه في الفضاء المتوسطي‪،‬‬ ‫القديم الذي بقى بالنسبة إلى المصادر العربية الإسلامية‬
‫يتحدث عن فضاءات جغرافية أخرى مشرقا ومغربا‪،‬‬ ‫غامضا‪ .‬رغم ذلك ربط تاريخ افر يقية بالآفارقيين‬
‫وذلك بطبيعة الحال لارتباطه بمصادره‪ ،‬و�لكن كذلك‬ ‫واعتبرهم السكان الأصليون �لكن نسبهم إلى الإغريق‬
‫لاصطدامه بتعدد الأعراق في هذا المجال‪ ،‬والتداول‬ ‫«وإنما كانت دار الملك أولا في قديم الزمان بقرطاجنة‬
‫المطرد على السلطة‪ ،‬والنفوذ فيه‪ .‬لذلك تناول تاريخ‬ ‫لما كانت بيد الأفارقة الإغريقيين‪ ،‬إلى أن دخلت‬
‫فضاءات جغرافية عديدة‪ ،‬لاسيما التي لها ارتباط مباشر‬ ‫عليهم البربر من بلاد المشرق‪ ...‬واستوطنوا البلاد سهلها‬
‫بإفر يقية مثل المشرق وطرابلس‪ ،‬والمغربين الأوسط‬ ‫ووعرها»‪ 7‬رغم كونه حاول التمييز بين عناصر اثنية‬
‫والأقصى‪ ،‬إضافة إلى الأندلس‪ ،‬وروما‪ ،‬وقد يتناول‬ ‫مختلفة عمرت إفر يقية في «قديم الزمان» فانه وجد نفسه‬
‫في بعض المظاهر الحضار ية أصول أخرى‪ ،‬على غرار‬ ‫يعود إلى البربر باعتبارهم عنصرا قديما قد تكون له علاقة‬
‫ل هذه الفضاءات لها قواسم مشتركة في‬ ‫بلاد فارس‪ ،‬فك ّ‬ ‫بالافارق وذلك في ارتباط بتشتت الأساطير وتعددها‬
‫تار يخها مع تاريخ إفر يقية وأث ّرت بشكل أو بآخر‪.‬‬ ‫وعدم وضوح الصورة لديه‪ .‬بالنسبة إلى الروايات التي‬
‫اعتمدها ورغم تعددها استخلص بأن البربر هم من عمر‬
‫هذا التنوع العرقي الذي قدمه ابن أبي دينار في‬
‫افر يقية جبلها وسهلها‪.‬‬
‫تناوله للفترة القديمة من تاريخ افر يقية يمكن اعتباره‬
‫الجرد الأولي للعناصر البشر ية التي عمرتها قبل الحضور‬ ‫ومواصلة لسرد مراحل التاريخ القديم والمحطات‬
‫الإسلامي‪ ،‬ولاحظنا بأنه كان يُذك ّر بأصولها العرقية‪،‬‬ ‫التار يخية التي مرت بها ومصادر معلوماته اعتبر الروم‬
‫حسب المعرفة السائدة‪ ،‬وما توفر له من معطيات‪.‬‬ ‫أصحاب الدار وكأنّهم أصحاب الدار قبل قدوم العرب‬
‫فحسب التسلسل الذي وضعه تكون الصورة المرسومة في‬ ‫مشيرا إلى أن ّه أخذ الرواية عن النصارى وبرر ذلك بكون‬
‫ذهنه حسب الأقدمية‪ ،‬مذكرا دائما بكون محور النظر هو‬ ‫«النصارى لهم اهتمام بهذا العلم (التاريخ) والبلاد كانت‬
‫افر يقية وحول الحديث عنها يقوم بذكر مختلف الأجناس‪.‬‬ ‫لهم‪ .‬وصاحب الدار أدرى بالذي فيها ولا يعلم الغيب‬
‫وقد حاول تبويب حضورها تار يخيا بصورة مستبطنة‬ ‫إلا ال� ل�ه تعالى‪.‬‬
‫دون تصريح وإنما في مواقع مختلفة من النص وتتمثل هذه‬
‫‪ 6‬الزركشي ‪.1966‬‬
‫العناصر البشر ية في‪:‬‬
‫‪ 7‬ابن أبي دينار ‪ ،1967‬ص ‪.19‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪49 )63 - 45‬‬
‫الاثنيات في المصادر الإخبار ية ‪ :‬نقل مصطلحات وحراك معايير‬

‫الروم الذين كانوا بافر يقية قبل الفتح‪ ،‬وكذلك أكثر أهل‬ ‫‪ -‬الافارقة الاغريقيين وفي ذهنه أن الأفارقة هم‬
‫قسطيلية‪ ...‬ومنهم البدو الذين دخلوها في قديم الزمان‬ ‫الإغريقيون وقد ربطهم بقرطاجنة‪.‬‬
‫عند خروجهم من بلادهم من فلسطين بالشام»‪ 9‬أي‬
‫‪ -‬البربر الذين اعتبر كونهم قدموا من المشرق في فترة‬
‫التفر يق بين الروم المتمدنين وهؤلاء البدو القادمون من‬
‫لاحقة والذين استطاعوا السيطرة على كامل بلاد‬
‫المشرق‪ ،‬من فلسطين‪ ،‬الذين استوطنوا المجال فالزركشي‬
‫المغرب وسموا بربرا‪.‬‬
‫هنا وكأن ّه ينزع صفة الأصلية والأهلية على الروم وعلى‬
‫البربر فالمسألة لا تعدو أن تكون أقدمية وأن المبدأ في‬ ‫‪ -‬الروم الذين أتوا في فترة لاحقة وسيطروا على البلاد‬
‫التداول على سيادة المجال قبل «الفتح»‪.‬‬ ‫والذين اعتمد في تصنيفهم على العامل العرقي ثم‬
‫العامل الديني فتارة يعتمد تصنيف الروم وتارة‬
‫لم يكن نقل ابن أبي دينار انطلاقا من مرحلة‬
‫أخرى النصارى وقد يعتمد تصنيفا اكثر دقة‬
‫استقرار العرب بافر يقية عفو يا‪ ،‬فـ«الفتح» هو المنعرج‬
‫وتحديدا مثل الروم بافر يقية‪.‬‬
‫التار يخي الفاصل بين مرحلة ثنائية الروم والبربر إلى‬
‫ثنائية العرب والبربر هذه الثنائية التي مسحت حيزا زمنيا‬ ‫لم يصرح ابن أبي دينار بالأهلية والأصلية بل‬
‫هاما‪ ،‬وتواصلت بأشكال مختلف (ربّما إلى اليوم)‪ .‬خلال‬ ‫اكتفى بربط العناصر البشر ية بالتسلسل التار يخي (دون‬
‫عملية النقل بخصوص المراحل الأول لم يرتبك ابن أبي‬ ‫التركيز على مدى صحة المعطيات فالأهم هو الوعي بهذا‬
‫دينار وإنما بين لنا من خلال قاموسه التصنيفي المعتمد‬ ‫التنوع المرتبط بالتطورات التار يخية)‪ .‬نلاحظ تدرجا في‬
‫ن قضية الانتماء هي جوهر موضوع المؤنس‪� ،‬لكن‬ ‫بأ ّ‬ ‫استعمال التصنيفات فبعد الأفارق والبربر تظهر ثنائية‬
‫بدلالات مختلف‪ .‬نقل ابن أبي دينار عن ابن الشماع‬ ‫جديدة تتمثل في الروم والبربر تليها ثنائية البربر والنصارى‬
‫�لكنه غي ّر عندما تناول مسألة التصنيفات‪ .‬في كامل كتابه‬ ‫بعد اعتناق الرومان للديانة المسيحية‪ .‬في المقابل نادرا ما‬
‫لا نجد ابن الشماع يعتمد تصنيف «البربر»‪ ،‬ونعلم جيدا‬ ‫استعمل لفظ العجم‪ ،‬في نفس الوقت يغيب تصنيف‬
‫بأن ّه ينحدر من قبيلة هنتاتة البربر ية‪ .‬فهذا التصنيف على‬ ‫الأفارق والاغريقيين‪ .‬تواصلت هذه الثنائية إلى فترة‬
‫ما يبدو لم يكن معتمدا من قبل الشر يحة العالمة المنحدرة‬ ‫الحملات العربية الإسلامية على بلاد المغرب فأشار‬
‫من أصول بربر ية‪ ،‬أو من البربر بصورة عامة‪ ،‬وقد يرون‬ ‫خلال حديثه على فرض الضرائب «وكتب الخراج على‬
‫في استعماله استهجانا وتحقيرا‪.‬‬ ‫‪8‬‬
‫النصارى وعلى من تمسك بدين النصارى من البربر»‬
‫فعند دخول العرب أصبح التفر يق بين عناصر المجتمع‬
‫في المقابل نسجل تحولات في اعتماد ابن أبي دينار‬
‫على أساس ديني حتى وإن كان هناك تفر يق عرقي‬
‫لتصنيف البربر‪ .‬فحضور هذا الانتماء كبيرا في مختلف‬
‫بين النصارى والبربر وذلك في ارتباط بطبيعة الحملات‬
‫الحقبات التار يخية التي دونها‪ .‬فقد سجل البربر حضورهم‬
‫العربية التي أخذت البعد الديني‪ .‬كما لم يعتمد ابن أبي‬
‫في كل الثنائيات في كتابه‪ ،‬منذ الفترات القديمة‪ ،‬وصولا‬
‫دينار ومن ورائه المصادر التي اعتمدها تصنيف الأهالي‬
‫إلى الهجرات الهلالية‪ ،‬حيث أصبحت الثنائية واضحة بين‬
‫أو الأصليين أو ما يمكن أن يحيل إلى أن هناك أحقية‬
‫العرب والبربر‪ ،‬وكأنه يلتقي في هذا المستوى مع كتاب‬
‫تار يخية قائمة على الأقدمية‪ .‬وقد كان حديثه عن «أهل‬
‫ابن خلدون الذين جعل العرب والبربر ركائز تار يخه‬
‫الدار» مرتبطا بالحديث عن المعرفة والدراية بتاريخ‬
‫وعنوانه‪ .10‬تدر يجيا غابت التصنيفات السابقة‪ ،‬وذلك‬
‫وتراث البلاد لا بالأحقية‪ .‬في المقابل أشار الزركشي‬
‫وهو يتحدث عن سكان افر يقية بأن » أهلها من بقايا‬
‫‪ 9‬الزركشي ‪ ،1966‬ص ‪.33‬‬
‫‪ 10‬كتب عبد الرحمان ابن خلدون كتابه بعنوان كتاب العبر وديوان المبتدأ‬
‫والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان‬ ‫‪ 8‬ابن أبي دينار ‪ ،1967‬ص ‪.40‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪)63 - 45‬‬ ‫‪50‬‬
‫محمد فوزي المستغانمي‬

‫لقد تراجعت تدر يجيا الشحنة السلبية التي شحن بها‬ ‫لانعدام مشروعيتها‪ ،‬حيث لم تعد أداة للمراهنة على المكانة‬
‫ابن أبي دينار في نقله عن المصادر التي أخذ عنها كلمة‬ ‫والنفوذ‪ .‬إن قضية الانتماء والأصلية والأهلنة والعلاقة‬
‫البربر وعوضها بكلمة «أهل» مثل «أهل الجريد» الذين‬ ‫بالأرض والانتماء الاجتماعي هي بناء ذهني ثقافي بناء‬
‫نعتهم في فقرات سابقة بالبربر و يعكس ذلك تحول‬ ‫تصوغه التشكيلات لاكتساب شرعية ومشروعية‪،‬‬
‫في الخطاب وفي النظرة‪ .‬هذا التغير مرتبط بالتوازنات‬ ‫فخلال هيمنة العرب على مختلف هذه المصادر الم ُكسبة‬
‫بين القوى الاجتماعية وبناء السلطة حيث يبرز من‬ ‫للشرعية لم يعد الانتماء للرومان ولا للنصارى أداة رهان‪.‬‬
‫خلال السرد التار يخي للأحداث‪ ،‬الدور الذي لعبه‬ ‫في المقابل أصبح الصراع على المكانة منحصرا بين العرب‬
‫البربر بهيمنتهم على المجال السياسي واستعادة سلطتهم‬ ‫والبربر‪.‬‬
‫على المجال بعد فترة الذروة للحملات العربية‪ .‬بتتبع سرد‬
‫لقد بقي «البربر» عنصرا محور يا في الصراعات‬
‫الأحداث التي انتقاها ابن أبي دينار عاد الحديث عن‬
‫داخل المجال الجغرافي الذي حدده ابن أبي دينار‬
‫العرب كطرف اجتماعي مؤثر بعد هجرة القبائل الهلالية‪،‬‬
‫وحصره في افر يقية التي اتسعت عندما اتسع مجال سلطة‬
‫ودخولها في صراع مع المعز بن باديس الذي «ركن إلى‬
‫مركزها السياسي وتقلصت بتقلصه‪ .‬لم يعد هناك حديث‬
‫الصلح ورفع الحرب بين العرب وبينه وأباحهم دخول‬
‫ن الحديث عن العرب والبربر‬ ‫عن اثنيات أخرى‪ ،‬بل إ ّ‬
‫القيروان ليشتروا منها ما يحتاجون إليه وظنّ أنّهم يرجعون‬
‫تغي ّر‪ ،‬وحمل شحنات دلالية مغايرة‪ ،‬إذ لم تعد المسألة‬
‫إلى بلادهم‪ ،‬فلم يغن عنه ذلك‪ ،‬وم�لكوا البلاد بأسرها‬
‫مسألة أصول وإنما أنماط عيش‪ .‬فالحديث عن البربر وإن‬
‫واقتسموا برابرها»‪.11‬‬
‫فرض نفسه لإبراز الاختلافات فإن ّه حديث لتحديد‬
‫بعد اعتماد ذكر المجموعتين وتحديدهما أصبحت‬ ‫فضاءات‪ ،‬ومجالات جغرافية‪ .‬لقد حاول ابن أبي دينار‬
‫كلمة العرب هي الطاغية و�لكن بشحنة دلالية مختلفة‬ ‫مسايرة ابن الشماع في حديثه عن الوحدات البشر ية‬
‫حيث أصبحت تعني سكان البوادي عموما‪ .12‬فقد‬ ‫ا�لكبرى والقوى السياسية المؤثرة في التحولات وموازين‬
‫ظهر استعمال كلمة العربان لأول مرة عند الحديث‬ ‫القوى فأشار إلى زناتة وصنهاجة ومصمودة وغيرها من‬
‫عن حملة حاكم بجاية على المهدية واعتماده على العربان‬ ‫الوحدات القبلية �لكنه عمد إلى ربط وجودها بالحديث‬
‫في الحصار ووصفهم في نفس الصفحة بالبربر (سنة‬ ‫عن بلاد البربر‪ ،‬و يقصد بها المناطق التي تخضع مباشرة‬
‫‪ 529‬هـ ‪ 1134 /‬م) كما أصبح استعمال لفظ العرب‬ ‫لهيمنة القبائل البربر ية وتنفذها خلال الحقبة المرابطية‬
‫مقترنا بالتوترات السياسية التي عرفتها افر يقية صفة‬ ‫والموحدية وأساسا الحفصية بتونس‪ .‬والتي قد يصفها‬
‫ونعتا «عرب افر يقية»‪ .13‬وقد أشار بشكل مباشر إلى‬ ‫بالعصاة مجاراة للمصادر التي أخذ عنها لاسيما وان الفترة‬
‫عمليات ترحيل للقبائل العربية التي قدمت خلال هجرة‬ ‫الحفصية هي فترة مشحونة بهيمنة القبائل ا�لكبرى ‪ ،‬وهي‬
‫بني هلال قام بها القائد الموحدي عبد المؤمن بن علي‬ ‫صفة لا يستعملها لفضاءات أخرى وهذه الاقتباسات‬
‫«واخذ من كل قبيلة من عرب افر يقية ألفا وأدخلهم‬ ‫مقترنة بالفترات التي تتصاعد خلالها وتيرة الصراعات‬
‫إلى المغرب بعيالهم»‪ 14‬خلال هذه المحطات التار يخية‬ ‫السياسية لاسيما خلال عهد الدولة الحفصية‪.‬‬
‫المرتبطة بالموحدين والحفصيين التي كانت محور كتاب‬
‫ابن الشماع وكانت ملهمة ابن أبي دينار لمواصلة سرد‬
‫الأكبر‪ ،‬وذلك في النصف الثاني من القرن الرابع عشر وقد ترعرع في‬
‫بلاد المغرب والأندلس وزار مختلف مراكزها وعاصر العديد من حكامها‬
‫‪ 11‬ابن أبي دينار ‪ ،1967‬ص ‪.112‬‬
‫ومن خلال مشاهداته دون توار يخه وكان محورها العرب والبربر بل‬
‫‪ 12‬ابن أبي دينار ‪ ،1967‬ص ‪.113‬‬
‫كانت فرصة لابن خلدون لتقديم صورة قاتمة للعرب بالمعنى العرقي وبمعنى‬
‫‪ 13‬ابن أبي دينار ‪ ،1967‬ص ‪.141‬‬ ‫البداوة والمعبرة عن طبيعة العلاقة السائدة في زمانه بين البدو والدول‬
‫‪ 14‬ابن أبي دينار ‪ ،1967‬ص ‪139‬‬ ‫في بلاد المغرب‪.‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪51 )63 - 45‬‬
‫الاثنيات في المصادر الإخبار ية ‪ :‬نقل مصطلحات وحراك معايير‬

‫الدولة المرادية‪ ،‬وهو ما أثر في مواقفه من البدو (العرب‬ ‫الأحداث التي توقف عندها في الأدلة البينة النورانية‬
‫والعربان) ونقمته عليهم وتحقيرهم‪ ،‬وهو كذلك مديني‬ ‫نلاحظ اختلافا بين المؤرخين فإذا نعت ابن الشماع‬
‫من القيروان واستوطن الحاضرة تونس‪ ،‬وهو ما خلف‬ ‫السلاطين الحفصيين بالموحدين والقبائل الداعمة لهم‬
‫كذلك مواقف الحضر من البداوة‪ ،‬هذه الانتماءات‬ ‫ن ابن أبي دينار أكد على‬ ‫وللدولة الموحدية من قبلهم فإ ّ‬
‫جعلته معاديا للبدو والعربان «قلت هؤلاء العرب أذاهم‬ ‫نعتهم بالبربر وان اعتمد في العديد من الحالات على‬
‫بالطبع مثل العقرب ولو قطع ذنبها لا يبطل لدغها‪،‬‬ ‫شجرة النسب الرسمية فإنه يعود ليؤكد على محور ية النسب‬
‫وإلى زماننا نحن منهم على وجل نسأل ال� ل�ه أن يحسم‬ ‫البربري الذي يتوزع على ثلاث أصناف رئيسية بربر‬
‫هذه المادة بمن ّه»‪ .18‬وهو ما انعكس على التصنيفات التي‬ ‫الجبال وبربر المهاد والبربر البدو فهم يلتقون مع العرب‬
‫اعتمدها‪ ،‬لتصبح منذ شروعه في تناول الحقبة الحديثة‬ ‫في هذه الصفة الأخيرة‪.15‬‬
‫والتي اتسمت باحتداد الصراع بين الدولة الراغبة في‬
‫انطلاقا من هذه المرحلة من النقل والكتابة التار يخية‪،‬‬
‫فرض سلطتها على دواخل البلاد‪ ،‬وبين البدو الغيورين‬
‫يصبح هناك‪ ،‬خلط عند ابن أبي دينار بين العرب‪ ،‬باعتبار‬
‫على استقلاليتهم ونفوذهم‪ .‬لقد نجحت القبائل المحاربة‬
‫أصولهم العرقية «جنس العرب»‪ ،‬والعرب كنمط عيش‬
‫من أن تفرض نفسها عوض الدولة خلال انهيار السلطة‬
‫بدوي‪ ،‬و يعكس هذا الخلط الفوضى السياسية التي‬
‫الحفصية واحتداد التنافس بين الأتراك العثمانيين‬
‫عرفتها إفر يقية‪ ،‬والتي ربطتها المصادر بفوضى القبائل‬
‫والأسبان‪ ،‬وبعد عودة الدولة في مراحل إعادة البناء‬
‫البدو ية‪ ،‬بحيث أصبح الانتماء للعرب يحمل نفس شحنة‬
‫قاسموها رموز سيادتها عنفا وجباية‪� .19‬لكن وفي نفس‬
‫الانتماء للبداوة‪ ،‬وبالتالي إلى الصورة السلبية التي رسمت‬
‫الوقت حضرت تصنيفات قوامها أسماء القبائل سواء التي‬
‫في مختلف المصادر والموروثة عن مقدمة ابن خلدون‪،16‬‬
‫أعطت اسمها لمجال نفوذها أو أخذت اسمها منه‪.‬‬
‫حيث هيمن العرب سياسيا ومجاليا وفرضوا سيادتهم‬
‫تظهر مع بدايات الفترة الحديثة في مدونة ابن‬ ‫على البربر «واقتسموا برابرها» وهذا الانتماء العربي هو‬
‫أبي دينار أعراق جديدة وشعوب طفت على المجال‬ ‫انتماء نمط العيش لا النسب والعرق‪ ،‬أمّا قضية الاقتسام‬
‫السياسي والاجتماعي لاسيما الأتراك والأسبان (يذكرهم‬ ‫أشارت إليه بعض الدراسات والمتمثلة فيما سمي «عقد‬
‫في بعض الحالات با�لكفار أو النصارى) إلى جانب‬ ‫الصحبة» المبرم بين القبائل البدو ية المحاربة والقرى‬
‫ظهور تصنيف جديد هو المهجرسون وهم المتعاونون مع‬ ‫الجبلية‪ .17‬فهل انقلبت معادلة الانتماء ألاثني إلى معادلة‬
‫الأسبان من المحليين في المقابل يذكر المتعاونين مع الأتراك‬ ‫نمط العيش وأشكال التنظيم الاجتماعي والاقتصادي‪،‬‬
‫بصفة «من انحاز إليهم من المسلمين»‪.‬‬ ‫فنعت البدو بالعرب ونعت المستقرون من أهل القرى‬
‫الجبلية بالبربر؟ ألم تكن هناك قبائل من أصول أثنية‬
‫بعد مرحلة تأسيس الولاية العثمانية بتونس عاد‬
‫بربر ية تحولت إلى عرب بمعنى البدو؟‬
‫الصراع من جديد بين السلطة المركز ية والأعراب والذي‬
‫أصبح ابن أبي دينار يميل فيه إلى التدقيق بذكر القبائل‬ ‫لقد أشرنا منذ البداية إلى الانتماءات الثلاث لابن‬
‫بعينها على غرار حديثه عن أولاد سعيد مع تقاطعات‬ ‫أبي دينار فهو فقيه وينتمي إلى فئة العلماء ورجال الدين‬
‫بين العرب والإفر يقيين‪ ،‬حيث أصبحت النسبة إلى‬ ‫الذين لهم مواقفهم من البداوة (منذ ابن خلدون)‪،‬‬
‫الإفر يقيين ليست مسألة عرقية‪ ،‬وإنما تخضع إلى عوامل‬ ‫وهو ينتمي كذلك إلى الفئة الحاكمة فهو من رجال‬
‫ثقافية (الإسلام والعادات والتقاليد) واقتصادية ونمط‬
‫‪ 15‬ابن أبي دينار ‪ ،1967‬ص ‪.166‬‬
‫‪ 18‬ابن أبي دينار‪ ،1967‬ص ‪.228‬‬ ‫‪ 16‬ابن خلدون ‪ ،2004‬ص ‪.287‬‬
‫‪19‬‬
‫‪Weber 2003, t. 1.‬‬ ‫‪ 17‬هنية ‪ ،2012‬ص ‪.245‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪)63 - 45‬‬ ‫‪52‬‬
‫محمد فوزي المستغانمي‬

‫الداخلي ممتزج بتشكل ثقافي وديني والمتمثل في الحنفية‬ ‫عيش‪ ،‬وهي تعبير على عملية الانصهار التي تمت بين‬
‫الا انه لم يشر الى بداية ظهور ا�لكوارغليةكفئة اجتماعية‬ ‫مختلف المكونات الاجتماعية لتخلق صنف اجتماعي‬
‫هجينة‪ .‬وان كان تناولها بصورة غير مباشرة‪.21‬‬ ‫متجانس وهذا التمازج ينسحب كذلك على لفظ العرب‬

‫لم يتوقف مسار إعادة تشكل التصنيفات مع توقف‬ ‫ومنذ ‪ 1609‬يشير الكاتب إلى تشكيلة اجتماعية‬
‫الكتابة التار يخية عند ابن أبي دينار بل استمر مع من أتى‬ ‫جديدة‪ ،‬وهي الأندلسيون الذين وقع استقبالهم من قبل‬
‫بعده سواء نقل عنه أو اقتبس منه فقد أضاف تصنيفات‬ ‫عثمان داي والذين سرعان ما اندمجوا في المجتمع واحتلوا‬
‫جديدة بتوز يع جديد للمكانة والنفوذ فالتصنيفات في‬ ‫مكانة حتى «صاروا يعدون من أهل البلاد»‪ .20‬كانت‬
‫الغالب ليست إنتاج المؤرخ والإخباري وإنما هي نتاج‬ ‫سنة ‪ 1628‬منعرجا في بداية تشكل المجال الترابي للبلاد‬
‫مجتمع وتوازنات اجتماعية نقلت عن وعي أو فرضت‬ ‫التونسية ولذلك لم تعد القضية بالنسبة إلى ابن أبي دينار‬
‫نفسها باعتبارها التصنيف السائد‪.‬‬ ‫في ثنائيات ا�لكفر والإيمان والأعراق وإنما بين سلطة‬
‫تسعى لتكون مركز ية وبين قوى تنزع إلى الانفصالية‬
‫والتمرد وهي القوى القبلية وعلى رأسها قبيلة أولاد سعيد‬
‫‪ -II‬التصنيفات الاجتماعية خلال القرنين الثامن‬
‫وهو ما يبرر المواقف المتشددة تجاههم في العديد من‬
‫عشر والتاسع عشر‪ ،‬بين الإرث وثمار الحراك من‬
‫صفحات المؤنس فقد أصبحت هناك ثنائية جديدة‬
‫خلال مدونتي الصغير بن يوسف وابن أبي الضياف‬
‫مركز ية في علاقة بالسلطة المركز ية بين الرعية والعرب‪.‬‬
‫اخترنا محمد الصغير بن يوسف في إطار تناولنا تطور‬
‫أصبحت السلطة تعتمد على تشكيلات اجتماعية‪،‬‬
‫التصنيفات الاجتماعية في مصادر الفترة الحديثة وسنحاول‬
‫وان كانت موجودة سابقا الا انها لم تأخذ مكانتها الا‬
‫في نفس الوقت الربط مع ابن أبي دينار من جهة وابن‬
‫بارتباطها بالسلطة والنفوذ حيث عادت تشكيلة الاعلاج‬
‫أبي الضياف من جهة ثانية لاستكشاف التحولات إن‬
‫أو المماليك الذين فرضوا انفسهم داخل المجتمع العسكري‬
‫وجدت‪ .‬فالصغير بن يوسف يتوسط المؤلفين زمنيا فهو‬
‫ثم المجتمع السياسي ليهيمنوا على قيادة كليهما بل نجحت‬
‫في مرحلة وسطى بين نظرة بدايات الفترة الحديثة وبين‬
‫احدى العائلات المملوكية في تأسيس أول حكم وراثي‬
‫فترة تحولات القرن التاسع عشر‪ .‬وكذلك هو بين الحضري‬
‫في العهد العثماني‪ ،‬ولم تنعت لا بكونها اجنبية أو‬
‫والر يفي وخلافا لهما الاثنين كان بعيدا عن مركز السلطة‬
‫غير عربية‪ ،‬فمع السلطة والنفوذ تنتفي القاب التحقير‬
‫وان كان من رجالاتها بشكل آخر‪.‬‬
‫والدونية‪ .‬بل ان ابن خلدون منذ الفترة الوسيطة يعتبر‬
‫لقد كان الجد يوسف من الشخصيات التركية‬ ‫ان العرب (بمفهوم البداوة) غير قادرين على بناء الدولة‬
‫التي آثرت الاستقرار بالبلاد‪ ،‬مقابل ما تحصلت عليه‬ ‫فلابد من عنصر خارجي‪.‬‬
‫من امتيازات ومن ملكيات شاسعة في باجة ووطنها‪.‬‬
‫رغم محاولة ابن ابي دينار التعرض الى مختلف‬
‫وتزوج بها من إحدى بنات البلد‪ ،‬ليؤسس عائلة هجينة‬
‫التشكيلات الاجتماعية التي تواجدت بالبلاد وابراز‬
‫أصطلح على تسميتها وأمثالها با�لكوارغلية‪ .‬ورث الصغير‬
‫خصوصياتها ضمن حراك اجتماعي وسياسي طبع مختلف‬
‫بن يوسف عن العائلة ثروتها ووظائفها و�لكن الأهم‬
‫المراحل التار يخية‪ ،‬هناك إشارات لتصنيفات جديدة‬
‫نسبها الممزوج بثنائية الانتماء الاثني هذه الثنائية التي نجد‬
‫لازال وزنها على المستوى الاجتماعي من جهة والسلطة‬
‫آثارها في العديد من المستو يات ممزوجة بالانتماء لنخبة‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬مرتبطة أساسا بالحراك الاجتماعي‬
‫عسكر ية وحضر ية وعالمة‪ ،‬رغم كوننا نجهل مكانته‬

‫‪ 21‬ابن أبي دينار ‪ ،1967‬ص ‪ 282‬وص ‪.301‬‬ ‫‪ 20‬ابن أبي دينار ‪ ،1967‬ص ‪.228‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪53 )63 - 45‬‬
‫الاثنيات في المصادر الإخبار ية ‪ :‬نقل مصطلحات وحراك معايير‬

‫ظاهرة إذا وضعت في مسارات تار يخية محدّدة‪ ،‬تمثلت‬ ‫العلمية ووظيفته داخل المؤسسة العسكر ية‪ ،‬ونظرا لمعارفه‬
‫أساسا في تفاقم عدد الترك بأصولهم المشرقية المختلفة‬ ‫المتنوعة‪ ،‬وقدرته على الكتابة والتأليف يمكننا التأكيد على‬
‫والمنخرطين في التشكيلات العسكر ية منهم من استقر‬ ‫تكوينه الذي يعتبر في عصره امتيازا غير شائع وغير مشاع‬
‫بالبلاد وكون عائلات ومنهم من غادر بعد انتهاء نوبته‪.‬‬ ‫للعموم‪ .‬يحمل الصغير بن يوسف إشكالية الانتماء في ذاته‬
‫وهناك صنف جديد ظهر في علاقة وطيدة بالقرصنة‬ ‫قبل أن يتناولها في المجتمع حيث يعمد إلى التأكيد في‬
‫وأسراها وهم المماليك بأصنافهم المتعددة‪ ،‬والذين‬ ‫مختلف كتاباته على نسبه‪ ،‬كلما سنحت له الفرصة‪ ،‬بقوله‬
‫ذكرهم الصغير بن يوسف بتسميات متعارف عليها‬ ‫«مَحمد بن مُحمد الصغير بن يوسف الباجي مولدا ومسكنا‬
‫وشائعة في زمانه‪.‬‬ ‫والحنفي مذهبا»‪.‬‬

‫‪ -‬اختفاء تصنيف الأعلاج‪ :‬العلج كما يعرفه لسنان‬ ‫يعتبر الصغير بن يوسف‪ ،‬مركب التكوين‪ ،‬لذلك‬
‫العرب في حرف العين جذر «علج» «والعلج‪ :‬الكافر‪،‬‬ ‫كان أوّل‪ ،‬وربّما الوحيد من بين المؤرخين‪ ،‬الذين اعتمدوا‬
‫و يقال للرجل القوي الضخم من ا�لكفار ‪ :‬علج ‪ .‬وفي‬ ‫صفة «ا�لكورغلي» للحديث عن هذه الفئة الاجتماعية‬
‫الحديث‪ :‬فأتني بأربعة أعلاج من العدو‪ ،‬يريد بالعلج‬ ‫التي تختزل انتماءين‪ ،‬انتماء الأب الوافد «التركي» وانتماء‬
‫الرجل من كفار العجم وغيرهم»‪ .‬لقد نقل الصغير‬ ‫الأمّ غير التركية‪ .‬في هذا التأكيد على الاختلاف هو‬
‫بن يوسف هذا التصنيف عن سابقيه توصيفات وهو‬ ‫تأكيد موجه أساسا للمجتمع في كليته‪ ،‬لإبراز خصوصية‬
‫تصنيف فيه استهجان وتحقير حيث يُذك ّر لا فقط بوضع‬ ‫هذه الفئة الاجتماعية‪ ،‬لاسيما التأكيد على كونها ليست‬
‫العبودية وإنما الدونية‪ ،‬ولم يستعمله ابن أبي دينار إلا‬ ‫«محلية»‪ ،‬فالغلبة للوافد التركي‪ ،‬والمراهنة على الانتماء‬
‫نادرا‪ ،‬ونقله الصغير بن يوسف في التكميل‪ ،‬في المقابل‬ ‫تمكّن صاحبها من مكانة اجتماعية مميزة‪ ،‬و«المغلوب‬
‫لا يستعمله في المشرع الم�لكي‪ ،‬الذي هو تأليف روى فيه‬ ‫يتطبع بطبيعة الغالب» على حد تعبير ابن خلدون فالتميز‬
‫الأحداث التي عايشها‪ ،‬بالتالي فقد توقف عنده استعمال‬ ‫ليس للأهالي وإنما للوفدين‪.‬‬
‫صفة العلج بتوقف عملية النقل‪ ،‬فلم يعتمدها بالنسبة‬
‫من خلال مختلف مؤلفاته‪ 22‬يمكننا تتبع نظرته‬
‫إلى الفترات التي دونها باعتباره شاهد عيان‪ .‬فهل كان‬
‫للمجتمع‪ ،‬وتشكيلاته المختلفة‪ ،‬لقد أخذ الصغير بن يوسف‬
‫ذلك نتيجة لتراجع وجود الأعلاج؟ أم أن التصنيف‬
‫في النقل عن سابقيه‪ ،‬مثل ابن أبي دينار‪ ،‬ونقل بأمانة‬
‫أصبح غير مستعمل لاعتبارات لم يحددها تكون مرتبطة‬
‫الناقل‪ ،‬وفي جوهر مدونته هناك خصوصيات لهذه‬
‫بالاستهجان؟‬
‫الشخصية الكاتبة‪ ،‬تتمثل في مجموعة من التصنيفات‬
‫حتما لم يتوقف وجود الأعلاج بالمعنى الاجتماعي‬ ‫المعاصرة له‪ ،‬والتي تعبر عن نظرته الخاصة أو أنها قاسم‬
‫والقانوني للكلمة بتونس خلال القرن الثامن عشر‪ ،‬ربما‬ ‫مشترك بين شرائح اجتماعية معينة اشرنا إلى أكثرها قربا‬
‫تراجع عددهم‪ ،‬باعتبار تراجع القرصنة وتأثيراتها في‬ ‫منه وهي الانتماء ا�لكورغلي‪.‬‬
‫استجلاب الأسرى الأوروبيين‪ ،‬الذين مال العديد منهم‬
‫تتولد التصنيفات وفق الموقع في المجتمع والرهانات‬
‫إلى اعتناق الإسلام من التحرر والتخلص من عبودية‬
‫على الموقع‪ ،‬وقد عرفت تونس حراكا اجتماعيا بنسق‬
‫مقيتة‪ ،‬بل ربما سعى العديد منهم إلى الانتماء لهذا الصنف‬
‫متسارع منذ بدايات الفترة الحديثة‪ ،‬ساهم في ظهور‬
‫الاجتماعي الذي يوفر امتيازات تجعل ظروف الحياة‬
‫تشكيلات اجتماعية جديدة‪ ،‬ذات أهمية عددية‪ ،‬تجعلها‬
‫والمكانة الاجتماعية أفضل من فئات اجتماعية أخرى‬
‫تنعم بالحر ية القانونية �لكنها تعاني ضنك العيش‪ .‬لم يغي ّر‬ ‫‪ 22‬المشرع الم�لكي في سلطنة أولاد علي تركي وكتاب التكميل المشفي للغليل‬
‫الانتماء إلى هذا الصنف ا�لكثير من الوضعية القانونية‬ ‫على كتاب العبر لعبد الرحمان ابن خلدون والمذيل على الرسالتين المسماة‬
‫الأولى أنجب نجباء الأبناء والثانية سلوان المطاع في عدوان الأتباع‪.‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪)63 - 45‬‬ ‫‪54‬‬
‫محمد فوزي المستغانمي‬

‫باعتبار أنهم أصبحوا يمثلون ركيزة الجهاز الإداري‬ ‫والاجتماعية للأسرى عموما‪ ،‬فالأسرى الأوروبيون‬
‫والسياسي المركزي‪ .‬بل أصبح امتلاك المماليك آلية‬ ‫يحظون بمكانة داخل القصر وداخل السلطة‪ ،‬وقد أشار‬
‫من آليات فرض المكانة والنفوذ مثلما كان الحال‬ ‫إلى ذلك العديد من الرحالة‪ .‬فما نلاحظه بالنسبة الى هذا‬
‫مع رمضان باي‪ .‬وقد تفاقمت الظاهرة منذ النصف‬ ‫التصنيف هو عدم اعتماده من قبل الصغير بن يوسف‬
‫الثاني من القرن التاسع عشر لتتغير الشحنة الدلالية‬ ‫بالنسبة إلى القرن الثامن عشر وابن أبي الضياف بالنسبة‬
‫للفظ المملوك من وضعية قانونية إلى خطة وظيفية‪.‬‬ ‫إلى القرن التاسع عشر والذي ذكره مرتين منحصرتين في‬
‫لقد أصبحت فئة المماليك عبارة عن «مدرسة لتخريج‬ ‫الحديث عن الدولة الحفصية فهو إذا تصنيف فاعلين تم‬
‫الإطارات الإدار ية العليا للدولة» والانتماء للمماليك لا‬ ‫نقله من مصادر سابقة ولا يعبر عن التصنيفات السائدة‬
‫يحمل نعوتا تحقير ية وإنما تفخيمية بلغة العصر‪ ،‬حتى أن‬ ‫خلال القرن التاسع عشر والتي تم تعو يضها بتصنيف‬
‫ابن أبي الضياف علق على تخصيص المماليك بالمناصب‬ ‫أخرى أكثر ملائمة وهو صنف المماليك‪.‬‬
‫العليا زمن الإصلاحات مقارنة بغيرهم حيث قال‬
‫‪ -‬المماليك ‪ :‬استعمل كاتبنا تصنيف المماليك للحديث‬
‫متحدثا عن رموز المجالس المؤسسات المنبثقة عن عهد‬
‫عن الأعلاج باعتبار الاشتراك في الأصول والوظائف‬
‫الأمان والدستور سنة ‪ 1861‬لاسيما المجلس الأكبر‬
‫بينهم وبين المماليك‪ ،‬الذين وإن وجدوا في فترات سابقة‬
‫ن العشرين رجلا المنتخبين من‬ ‫«ومن غريب الاتفاق أ ّ‬
‫عن الفترة الحديثة إلا أنهم أصبحوا ظاهرة اجتماعية‬
‫رجال الدولة لم يكن فيهم من أبنائها ولادة إلا العبد‬
‫وسياسية وإدار ية وضعت في خانة المماليك‪ .‬تصنيف‬
‫الحقير‪ ،‬والشر يف حسين بن عمر المقرون‪ ،‬وا�لكونت‬
‫المماليك له ارتباط بالوضعية القانونية الاجتماعية‪ ،‬لفئة‬
‫جوزاف راف (‪،23)Giuseppe Maria Raffo‬‬
‫اجتماعية استقرت بالبلاد في الغالب بصورة قسر ية‬
‫وغيرهم من أبنائها ولاء‪ ،‬ومولى القوم منهم»‪ .24‬من‬
‫وفي بعض الحالات اختيار ية‪� ،‬لكن تدر يجيا تغيرت‬
‫خلال هذه الفقرة‪ ،‬يقدم لنا الإتحاف وجهة نظر ابن‬
‫الشحنة الدلالية للتصنيف وظهرت تفر يعات له فهناك‬
‫أبي الضياف للتشكيلات المتنفذة‪ ،‬وتقاسم النفوذ‪،‬‬
‫«المماليك الصغار» و«المماليك الكبار»‪ .‬فقد خصّ ص‬
‫انطلاقا من معيار العلاقة بالأرض‪ .‬بالنسبة إليه هناك‬
‫التصنيف الأول للحديث عن المماليك الذين يتم شراؤهم‬
‫صنفان رئيسيان أبناء البلاد ولادة وأبناء البلاد ولاء‪.‬‬
‫صغار السن وتربيتهم داخل القصر‪ ،‬وتعليمهم ليكونوا‬
‫فكل شخص ولد في البلاد يعتبر من أبنائها ولادة‪ ،‬وهو‬
‫رجال الدولة‪ .‬أمّا الصنف الثاني الذي تطلق عليه‬
‫ما يعطيه مكانة متميزة‪ ،‬ولم يتعرض لا إلى الأهلنة‪،‬‬
‫م الأوروبيين الذين اعتنقوا‬‫تسمية «المماليك الكبار» فض ّ‬
‫ولا إلى الأصول البعيدة‪ ،‬فالقضية بالنسبة إليه ليست‬
‫الإسلام‪ ،‬وخي ّروا الدخول في خدمة الدولة (الذين كانوا‬
‫البحث عن «الأصلي» و«غير الأصلي» من السكان‪،‬‬
‫يسمون الأعلاج)‪ ،‬ووظيفتهم عسكر ية أمنية بالأساس‬
‫داخل القصر‪ ،‬وهؤلاء يحملون في بعض الحالات‬
‫‪ 23‬ولد بتونس في ‪ 9‬فيفري ‪ ،1795‬وتوفي بالعاصمة الفرنسية باريس‬
‫يوم ‪ 2‬أكتوبر ‪ ،1862‬ينحدر من عائلة جنو ية استقرت بتونس بعد‬
‫اسم أصولهم الاثنية مثل سبنيول أو «فرنسيس» أو‬
‫فدية الأب ‪ Gian Battista‬الذي خير الاستقرار بالبلاد حيث عمل‬ ‫«لنقليز» و«الجنوي» و«ا�لكورسو» و«ڨر يڨ» وغيرها من‬
‫في أنشطة حرفية ومترجما لعلي باي (‪ )1782-1759‬وابنه حمودة باشا‬ ‫الانتماءات الاثنية الجغرافية‪ ،‬هاذان الصنفان يدخلان‬
‫(‪ )1782-1714‬وأنجب عدة أبناء منهم جوزاف رافو الذي قربه‬
‫حسين باي (‪ )1835-1824‬ثم احمد باي (‪ )1855-1837‬وشغل‬ ‫تحت فئة المماليك وهو تصنيف فقد تدر يجيا بعده الاثني‬
‫في بداياته خطة مترجم مثل والده إلى أن ارتقى إلى خطة وزارة‬ ‫ليصبح تصنيفا وظيفيا بالأساس‪.‬‬
‫الخارجية كما كان عضوا في المجلس الأكبر عند تأسيسه سنة ‪1861‬‬
‫وقد كان في خدمة البايات �لكن كذلك في خدمة مصالح الرأسمالية‬ ‫لقد اعتمد الصغير بن يوسف وابن أبي الضياف‬
‫الأوروبية وشركائه منهم‪.‬‬
‫هذا التصنيف للحديث عن عديد الشخصيات المتنفذة‬
‫‪ 24‬ابن أبي الضياف ‪ ،2001‬ج ‪ ،5‬ص ‪.38‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪55 )63 - 45‬‬
‫يعتبر الزواوة تصنيف كذلك اثني وجغرافي‪� ،‬لكنه‬ ‫وإنما تقوم الأفضلية على معيار السلطة والنفوذ‪ ،‬فهو‬
‫ارتبط تار يخيا بالخدمة العسكر ية في تاريخ تونس الحديث‪.‬‬ ‫ترتيب مرتبط بالسلطة ورجالاتها‪ .‬يمكن قراءة التعليق‬
‫وينحدر زواوة اثنيا من قبيلة زواوة أو اتحاد قبلي يمتد‬ ‫من زاو ية أخرى‪ ،‬انطلاقا من المقارنة بين الموجود‬
‫مجاله من بجاية إلى الجزائر في منطقة «القبايل» وينسبهم‬ ‫من المترشحين دون التوسع لتقديم نظرة عامة وشاملة‬
‫ابن خلدون إلى قبائل البتر‪ .25‬كانت زواوة حليفة للدولة‬ ‫للمجتمع وعناصره وأصولها معتمدا القاسم المشترك بين‬
‫الحفصية وكانت من ركائزها في العديد من المجالات‪،‬‬ ‫فئة من مواليد البلاد وفئة من غير أبنائها ولادة هذا‬
‫لاسيما العسكر ية حيث شكلوا فرقة عسكر ية باسمهم‪.‬‬ ‫مع المحافظة على حق الولاء‪ .‬كما لا يمثل تعدد الأعراق‬
‫وهناك إشارات أوردها ابن أبي الضياف إلى كونهم‬ ‫وتعدد الأديان عائقا فأبناء البلاد ولادة لهم حقوق‬
‫كانوا ضمن الوحدات العسكر ية التي خدمت مع قلج‬ ‫مشتركة رغم اختلاف أصولهم العرقية والدينية‪.‬‬
‫علي باشا عند دخوله تونس سنة ‪ 1569‬وأنهم كانوا‬ ‫فالبلاد توحد بين أبنائها رغم اختلافهم‪ ،‬وهذه المعايير‬
‫إلى جانب الترك في العديد من الوقائع انطلاقا من‬ ‫الاجتماعية تعكس تأثيرات الفكر الإصلاحي وتجذرها‬
‫القيروان‪ 26‬وان لم يبين هل هم من الفرق العاملة مع‬ ‫في كتابات ابن أبي الضياف‪ ،‬فذكره المتعمد لجوزاف‬
‫الدولة الحفصية أم من الفرق التي أعاد تأسيسها الترك في‬ ‫رافو الذي لم تمنعه أصوله الجنو ية‪ ،‬ولا محافظته على‬
‫ن عودتهم وإعادة تشكيلهم يرتبط‬ ‫ولايتهم بالجزائر‪ ،‬إلا أ ّ‬ ‫ديانته المسيحية‪ ،‬من أن يكتسب شرعية الانتماء إلى‬
‫بحمودة باشا المرادي‪ .‬عاد عسكر زواوة إلى الفعل واحتل‬ ‫المجتمع المحلي فقط‪ ،‬لأنه من أبناء البلاد ولادة‪ .‬و يعتبر‬
‫مكانة في الفعل وفي الذاكرة حتى ضرب بهم الأمثال‪.27‬‬ ‫هذا المعيار أحد المعايير التي تكسب الشرعية والتي قد‬
‫وقد عرف هذا العسكر زمن الصغير بن يوسف تحولات‬ ‫يكون إنتاجها آلية من آليات تجاوز مسألة الأصول‬
‫على مستوى التركيبة إذ لم يعد منحصرا في الانتماء القبلي‬ ‫والجذور ولا نعتقد بأنه معيار يشمل كل الفئات وإنما‬
‫الاثني البربري الأماز يغي جهة القبايل‪ ،‬وإنما الانتماء‬ ‫البعض لاسيما المرتبطة بالسلطة السياسية‪.‬‬
‫الوظيفي إذ نجد في صلب هذه التشكيلة العسكر ية عناصر‬
‫فالى جانب هذا المعيار قدم ابن أبي الضياف‬
‫متنوعة وفي محاولة تحديد شروط تعر يفهم نتلمس جوهر‬
‫الولاء والذي يخضع إلى قواعد فقهية ونجد في العديد‬
‫مفهوم الانتماء المحلي فزواوة تضم الطرابلسية أو أهل جبل‬
‫من الحالات إشارات ذات أهمية في مسألة الانتماء‬
‫زواوة أو الذواودة‪ ،‬وغيرهم من العناصر التي لا يقتصر‬
‫والعلاقة بالأرض والتي يستعملها المماليك عموما وهي‬
‫انتماؤها على الانتماء إلى قبائل زواوة الاثنية‪ ،‬وبالتالي‬
‫«أول أرض مس جلدي ترابها» وقد استعمل يوسف‬
‫يمكننا أن نستخلص بأن شرط الانتماء إلى عسكر زواوة‬
‫صاحب الطابع هذا المعيار ليعطي بعدا اجتماعيا وانتماءا‬
‫هو عدم الانتماء إلى وحدة قبلية محلية‪ .‬بالتالي فهو يتشكل‬
‫يشرع للعلاقات الوطيدة بينه وبين آل الجلولي والعائلات‬
‫من شتات العائلات أو الوحدات القبلية الصغرى‬
‫الصفاقسية التي كانت تؤمن معاملاتها التجار ية‪ .‬فقضية‬
‫الوافدة على البلاد سواء من الجزائر (دون الارتباط‬
‫الانتماء للمجال بالنسبة للمماليك خاصة ورجال الدولة‬
‫الحتمي بقبيلة زواوة الاثنية) أو طرابلس (دون تحديد‬
‫عامة هي قضية اكتساب شرعية‪.‬‬
‫لقبيلة بعينها)‪ ،‬فالذي يجمع بين عناصره هو طبيعة الخدمة‬
‫من ناحية وعدم الانتماء للمحليين من ناحية ثانية فشروط‬ ‫زواوة ‪ :‬من الأصناف الاجتماعية الأخرى التي تكرر‬
‫ذكرها مصادر القرنين الثامن عشر والتاسع عشر فئة زواوة‬
‫‪ 25‬ابن خلدون‪ ،‬الجزء ‪ 6‬ص ‪.137‬‬ ‫وقد أشار إليها ابن أبي دينار في إطار حديثه عن انجازات‬
‫‪ 26‬ابن أبي الضياف‪ ، 2001‬ج ‪ ،2‬ص ‪.19‬‬ ‫حمودة باشا المرادي (‪ )1666-1631‬بإعادة إنشاء عسكر‬
‫‪ 27‬مثل تونسي مشهور يضرب على من يشتغل و يضحى ويبقى دونيا رغم‬ ‫زواوة وهو عسكر منتدب من سكان جبل زواوة‪.‬‬
‫ذلك «كي عسكر زواوة مقدم في الصف وموخر في الراتب» ‪.‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪)63 - 45‬‬ ‫‪56‬‬
‫محمد فوزي المستغانمي‬

‫الترك وأكد في كل مرة عن هذه التفر يعات الدقيقة‬ ‫الانتماء هي شروط إدار ية تنظيمية في البداية وقد يكون‬
‫فعند حديثه عن إبراهيم الشر يف (‪ )1705-1702‬نعته‬ ‫عرفت تحولات لاحقا‪.‬‬
‫بأنه «تركي عجمي» ليؤكد هذه التفر يعات‪ ،‬وأضاف في‬
‫بالتالي وفي غياب دراسة معمقة لهذه التشكيلة‬
‫مواصفاته أنه «قل ما يعرف بالعربي»‪ .‬كما اعتمد كذلك‬
‫ن‬
‫الاجتماعية ولهذا الفصيل العسكري يمكننا القول بأ ّ‬
‫تحديدات أخرى ليبرز التنوع مثل إضافة نعت «الروم»‬
‫هناك تحو ّل من المعنى الاثني الذي انطلقت منه عملية‬
‫عند ذكرهم‪ ،‬وهذا النعت لا علاقة له بما يذكره ابن أبي‬
‫التأسيس لهذا التشكيل العسكري‪ ،‬إلى صفة وظيفية‬
‫دينار الذي يقصد بها الرومان‪ .‬إن ميل الكاتب إلى تدقيق‬
‫تتجاوز المعني الاثني الضيق‪.‬‬
‫الانتماءات يستبطن وجود أصناف أخرى من الأتراك‪،‬‬
‫والذين يذكرهم بصفة الإطلاق «التركي»‪ ،‬ومنهم الذين‬ ‫الترك‪ :‬لقد تعمدنا تأخير الحديث عن هذا الصنف‬
‫استقروا بالبلاد أو ولدوا بها واكتسبوا لغة وعادات‬ ‫الاجتماعي الذي يعتبر أعلى الهرم خلال الفترة الحديثة‪،‬‬
‫أهلها‪ ،‬وفقدوا أعجميتهم العثمانية‪� .‬لكن هذا الخليط في‬ ‫باعتبار استحواذه على السلطة‪ ،‬قد لا نحتاج إلى الحديث‬
‫البلاد التونسية طعمته فئات اجتماعية أخرى‪ ،‬فقد‬ ‫عن تاريخ دخوله إلى البلاد ونكتفي بحصر بدايات حضوره‬
‫انضمت إليه عائلات الأعلاج بفعل التقادم‪ ،‬والمماليك‪،‬‬ ‫مع حملة خير الدين برباروس على مدينة تونس سنة ‪1534‬‬
‫وهي تشكيلات نجحت تدر يجيا في الانصهار في المجتمع‬ ‫ثم تتالت الأحداث إلى دخول سنان باشا وتأسيس إيالة‬
‫«التركي» وأصبحت جزءا من مكوناته‪.‬‬ ‫تونس العثمانية سنة ‪ .1574‬سوف لن نركز على أصول‬
‫الفصيل العسكري الذي تركه سنان باشا قبل مغادرته‬
‫ن التأكيد على الانتماء التركي رغم الاستقرار‬ ‫إ ّ‬
‫لان المعطيات لا تساعدنا على تحديد نسبة من خير منهم‬
‫والتوالد والاستيطان‪ ،‬مرتبط بما يتمخض عنه من رهانات‬
‫الاستقرار لان العساكر الانكشار ية تعمل بقاعدة النوبة التي‬
‫اجتماعية واقتصادية وسياسية‪ ،‬فالانتماء للترك يكسب‬
‫تقدر بحوالي ‪ 3‬سنوات فيمكن إعلان الرغبة في المواصلة‬
‫صاحبه حتى وإن كان من الفئات الدنيا‪ ،‬وجاهة ومكانة‪،‬‬
‫أو الانتقال لوجق آخر إضافة إلى ذلك لا ندري هل كان‬
‫تعلو فوق بقية عناصر المجتمع‪ .‬ومن جهة أخرى فان الانتماء‬
‫الوافدون من الترك اثنية أم من رعايا الترك‪.‬‬
‫للترك يمكن صاحبه من الانتماء الآلي للطائفة العسكر ية‪،‬‬
‫والراتب وملحقاته من المنافع المادية‪ ،‬فالترك في البلاد‬ ‫وجدنا هذا تصنيف عند ابن أبي دينار مطلقا‪،‬‬
‫التونسية خلال الفترة الحديثة مرادف للعسكر‪ ،‬فكل تركي‬ ‫فالترك عنده هو كل وافد تحت مظلة الدولة العثمانية‪،‬‬
‫هو عسكري بالقوة وهو عسكر السلطان العثماني‪ .‬فالتشبث‬ ‫فلا نتلمس تنوعا في تركيبتهم‪ ،‬في المقابل يبرز التصنيف‬
‫بالانتماء لهذه الاثنية هو تشبث بمنافعها‪ .‬قد سعى بعض‬ ‫عند الصغير بن يوسف شاملا للعديد من العناصر الاثنية‪،‬‬
‫الحكام إلى محاولةكسر شوكتهم أو الضغط عليهم لإيمانهم‬ ‫والتي من قواسمها المشتركة الانتماء إلى الفضاء العثماني‬
‫بتعلقهم بهذه الامتيازات‪ ،‬مثلما كان الحال زمن علي باشا‬ ‫بالمفهوم الضيق‪ ،‬ونعني به الباب العالي أو بالمفهوم‬
‫(‪ ،)1756-1735‬حيث أشار الصغير بن يوسف إلى‬ ‫الواسع الذي يشمل الولايات العثمانية بأوروبا الشرقية‬
‫ذلك بقوله ‪» :‬وأمر علي باشا خوجة زواوة‪ ،‬أن ينز ّل‬ ‫والعالم اليوناني‪ .‬بتتبع الأحداث وروايتها عند الصغير بن‬
‫ل في ّة‪ .‬وصار التركي العجمي إذا‬ ‫زواوة ونز ّلها من ك ّ‬ ‫يوسف‪ ،‬لاحظنا بعض التفر يعات في هذا الصنف وهي‬
‫اجتمع هو وزواوي على شراء لحم مثلا يتأخّر التركي‬ ‫تفر يعات فرضتها النظم العثمانية السائدة‪ ،‬فعند الحديث‬
‫حتى يمشي الزواوي‪ ،‬وربّما صادمه بكتفه و يخبطه على‬ ‫عن تركيبة ديوان العسكر أشار إلى شرط أساسي في تقلّد‬
‫صدره‪ ،‬ولا بقي تركي ينزل إلى باردو ظالما أو مظلوما»‪.28‬‬ ‫أعلي الخطط العسكر ية في الديوان‪ ،‬وهي شرط أن يكون‬
‫تركي عجمي‪ ،‬وقد يعني به أن يكون تركيا خالصا‪ ،‬أو يتقن‬
‫‪ 28‬الصغير بن يوسف‪ ،‬التكميل‪ ،‬ورقة ‪ 219‬أ‪.‬‬ ‫اللغة التركية باعتبار لغة المراسلات‪ .‬لقد تحدث عن‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪57 )63 - 45‬‬
‫الاثنيات في المصادر الإخبار ية ‪ :‬نقل مصطلحات وحراك معايير‬

‫ا�لكوارغلية‪ :‬شكل استقرار عدد من الأتراك الذين‬ ‫صورة معبرة على هذا التمايز الاجتماعي والمنافسة حوله‬
‫رافقوا سنان باشا خلال حملته على تونس النواة الأولى‬ ‫ودور السلطة السياسية في ذلك وكيفية المراهنة عليه‬
‫لصنف اجتماعي جديد داخل المجتمع وقد تدعم هذا‬ ‫لخلق التوازن الذي يمكنها من بسط نفوذها‪ .‬وفي مقارنة‬
‫الصنف بتوافد عناصر أخرى عبر مراحل و�لكن كذلك‬ ‫بين نظرة الصغير بن يوسف ونظرة ابن أبي الضياف‬
‫بدمجهم لكل العناصر غير المحلية في الخطط العسكر ية‬ ‫إلى الترك نتلمس عمق الصراع الاثني والاجتماعي‪،‬‬
‫التي تعطيهم هذه الهو ية وهذا الانتماء‪ .‬من بين أهم‬ ‫فالصغير بن يوسف يرى فيهم الفئة الأرقى اجتماعيا‪،‬‬
‫المكونات الجديدة داخل الطائفة العنصر الهجين وهم‬ ‫لما لهم من مزايا عسكر ية‪ ،‬والتي تنعكس على سلوك‬
‫ا�لكوارغلية‪ ،‬وهو تصنيف اعتمده الصغير بن يوسف‬ ‫الطاعة والانقياد والانضباط على عكس عادات‬
‫ولم تعتمده بقية المصادر باستثناء بعض الدفاتر الجبائية‪،‬‬ ‫القبائل في الحروب حيث إذا رأت منفعة تقدمت‬
‫وهو صنف اجتماعي ما فتئ عدده ينمو داخل المجتمع‬ ‫وإذا رأت ملامح هزيمة انسحبت‪ .‬وللصغير بن يوسف‬
‫منذ أواسط القرن السابع عشر‪ ،‬وهو نتاج لمزيج بين‬ ‫تعاليق عديدة في هذا المجال للمفاخرة في المقابل لا‬
‫الترك والمحليين (الأب تركي والأم محلية) ومن المهم‬ ‫يذكر ابن أبي الضياف الترك إلا قرنهم بالتعسف والظلم‬
‫القول بانتماء الصغير بن يوسف إلى هذا صنف‪ ،‬وقد‬ ‫والتجبر‪ ،‬وهو يعكس الصورة المترسخة لدى العموم‪،‬‬
‫أشار إلى ارتباطهم بالحصون والقلاع العسكر ية المنتشرة‬ ‫والمقترنة بمنطق «التتر يك»‪ .‬وتعكس المواقف المتناقضة‬
‫في عدد من المراكز الإستراتيجية بالنسبة إلى الدولة‪،‬‬ ‫للمؤرخين انعكاسات اختلاف الأصول بينهما فابن أبي‬
‫فنجدهم في رأس الجبل‪ ،‬وبنزرت‪ ،‬والكاف‪ ،‬والمهدية‪،‬‬ ‫الضياف هذا القبلي المنحدر من قبيلة أولاد عون‪،‬‬
‫وباجة وغيرها‪ ،‬ولعبوا أدوارا عسكر ية وسياسية كبيرة‬ ‫والمولود في أحد أرباض الحاضرة‪ ،‬والناشئ بين أقسام‬
‫مكن أحدهم من الوصول إلى أعلي المراكز السياسية‪،‬‬ ‫قصر باردو‪ ،‬وسط الترك والمماليك‪ ،‬والذي شغل فيه‬
‫وهو حسين بن علي مؤسس العائلة الحسينية‪ .‬كان نجاح‬ ‫العديد من المناصب‪ ،‬وارتقى إلى أعلاها‪ ،‬كان يقوده‬
‫حسين بن علي في الوصول إلى أعلى مراتب السلطة‬ ‫الحنين إلى هذه الأصول القبلية مقابل تمرير مقته‬
‫تعبير على المكانة الاجتماعية التي أصبح يحتلها العنصر‬ ‫للأتراك خصوصا‪ ،‬بين ثنايا كتابته‪ ،‬رغم كونه يميل‬
‫الهجين في أعلى مناصب المؤسسات العسكر ية والسياسية‬ ‫في العديد من الحالات إلى ذكر محاسن من يستحق‬
‫وقد يكون هذا الدور هو نتاج لحجمهم العددي كذلك‪،‬‬ ‫منهم ذلك في تراجمه‪ ،‬ويمقت صلفهم وتجبرهم‪ .‬ولا‬
‫فنتيجة التزاوج والتوالد‪ ،‬والتوزع في المجال‪ ،‬واكتساب‬ ‫يفرق بين أصنافهم مثلما كان يفعل الصغير بن يوسف‪،‬‬
‫تحالفات الأصهار من القبائل المحاربة وأعيانها‪ ،‬أصبح‬ ‫حتى أنه لا يعتمد تصنيف ا�لكوارغلية‪ ،‬فالكل موضوع‬
‫ا�لكوارغلية الفئة أو الطائفة الأكثر تأثيرا اجتماعيا‬ ‫في فئة واحدة هي فئة الأتراك التي تحولت إلى صفة‬
‫وعسكر يا وسياسيا‪ ،‬باعتبار توسطهم بين التركي والمحلي‪،‬‬ ‫لصنف معين من أصحاب النفوذ السياسي والاجتماعي‬
‫فقد أصبحوا يراهنون على خصوصياتهم لاحتلال مكانة‬ ‫أكثر منها صفة لاثنية محددة‪ .‬لذلك أصبح الترك نظرا‬
‫ن ا�لكوارغلية لم يلقوا‬
‫اجتماعية (مع الإشارة إلى أ ّ‬ ‫لتعدد مكوناتهم يميلون الى تعو يض نعت التركي بصفة‬
‫نفس الحظوظ في الجزائر وتونس ففي الجزائر نظمت‬ ‫الحنفي وقد تزعم الفقهاء هذا التوجه منذ القرن السابع‬
‫ضدهم مذبحة في تلمسان ومنعوا على إثرها من تقلد‬ ‫عشر لخلق إمكانية الانفتاح على الفئات الأخرى التي‬
‫المناصب السياسية والعسكر ية وتم بالتالي إقصاؤهم من‬ ‫انخرطت في المؤسسة العسكر ية لاسيما فئتي الأعلاج‬
‫طرف العنصر التركي‪ .‬وقد ذكر الصغير بن يوسف حادثة‬ ‫(المماليك) وا�لكوارغلية واندمجت في الحياة السياسية‬
‫ا�لكوارغلية في تلمسان وأشار إلى أن سبب فشلهم هو‬ ‫لأصحاب النفوذ‪.29‬‬
‫فقدانهم للانسجام وعجزهم على خلق التجانس فيما بينهم‬
‫‪29‬‬
‫‪Bargaoui 2005, p. 209-228.‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪)63 - 45‬‬ ‫‪58‬‬
‫محمد فوزي المستغانمي‬

‫هذه الرواية التي ينفرد الصغير بن يوسف بذكرها في‬ ‫وقدرتهم على مواجهة كل الأخطار المحتملة عكس ما‬
‫مصادرنا الإخبار ية هي في جوهرها فرصة له في إبراز‬ ‫حصل في تونس‪.30‬‬
‫مصادر اعتزازه باعتباره كورغليا فمن جهة يعتز و يفاخر‬
‫لقد حاول الصغير بن يوسف تقديم تفسيرات للحراك‬
‫بانتمائه التركي العثماني فأطنب في ذكر مفاخر الترك في‬
‫الاجتماعي الذي تجسد في فئة ا�لكوارغلية والتي جسم‬
‫النص‪ ،‬وفي نفس الوقت يعتز بمفاخر سلاطين تونس‪،‬‬
‫بعض مظاهرها وازدواجية الانتماء التي يختزنها من خلال‬
‫وتاريخ البلاد‪ ،‬وقد روى العديد من الأحداث التي‬
‫روايته لسفارة بعث بها أبي عمرو عثمان إلى السلطان‬
‫تعكس هذه الثنائية و�لكن وفي نفس الوقت تعكس‬
‫العثماني متوسطا لإيقاف حرب على وشك الاندلاع بينه‬
‫بأنهم جسم غير جسم الأهالي فعندما يتحدث عن باجة‬
‫وبين مماليك مصر‪« :‬سفارة أبي عمرو عثمان إلى السلطنة‬
‫والأحداث التي دارت بها فإن ّه يشير إلى الباجية والى‬
‫العثمانية فلم ّا رجع إلى داره جواسيس السلطان الغوري‬
‫كوارغلية باجة فإن كانت تضمهم باجة‪ ،‬فإنهم لا يمثلون‬
‫ملك مصر حاضرة عنده فكتب لهم ا�لكتب وسي ّرهم في‬
‫كيانا واحدا‪ ،‬وعندما يُعر ّف الصغير بن يوسف بنفسه‬
‫البحر للغرب في الغلايط وأخبره في كتابه بما وقع بينه وبين‬
‫فإن ّه يضع كل عناصر التعر يف التي تؤكد بأنه مختلف‪،‬‬
‫السلطان أبي يزيد الولي العثماني من الخطاب والجواب‬
‫وأن ّه ينتمي إلى فئة اجتماعية مركبة فهو «محمد بن محمد‬
‫«وقد أثر فيه كلامي حين ذكرت له ما أصاب مدينة‬
‫الصغير بن يوسف الباجي مولدا ومسكنا والحنفي مذهبا»‪.‬‬
‫إصطنبول من الصواعق إلى آخره ولاكن يا سلطان أدرك‬
‫وهنا يلتقي الصغير بن يوسف مع أحمد ابن أبي الضياف‬
‫أمرك قبل أن تفوتك الفرصة فيه وأنت تعلم أن ّك لا تقاومه‬
‫في اعتبار مكان الولادة معبرا على الانتماء وهو تحديد‬
‫فابعث إلى بعض الملوك الأكابر الذين لهم قدم في الملك‬
‫نجده يتكرر وبالتالي فهو معيار اجتماعي أكثر منه موقفا‬
‫يرسل إلى السلطان أبي يزيد و يطلب منه الصلح بينكم‬
‫خاصا من المؤلفين فمكان الولادة (مسقط الرأس) يعطي‬
‫وعج ّل قبل فوات الأمر»‪ ،‬فحين وصلت السيارة إليه في‬
‫لصاحبه أحقية وشرعية الانتماء‪.‬‬
‫البحر في مدّة قريبة فجمع أصحاب سرّه وخواصّه وأخبرهم‬
‫ن العنصر الأكثر ثقلا‬ ‫القبائل طحين الرحى‪ :‬إ ّ‬ ‫بما أتاه من الكتاب وما فيه فتشاوروا بينهم وعدّوا الملوك‬
‫اجتماعيا والذي احتل موقعا هاما في الكتابة عند مختلف‬ ‫الأكابر منهم أبو عمر عثمان بن أبي حفص بمم�لكة تونس‬
‫الإخبار يين فهو القبائل وعالمها‪ ،‬الثري بالمكونات‬ ‫فاختاروه كل ّهم على غيره من الملوك‪ ....‬وأحضر أبو عمر‬
‫المركبة له‪ .‬لقد أشرنا في مدونة ابن أبي دينار إلى العديد‬ ‫عثمان كتّاب إنشائه وأحضرهم كاغط الذهب والفضة‬
‫من العناصر والتي قسمها عادة خلال الفترة الحديثة إلى‬ ‫وكتبوا فيه الخطاب بمواعظ وترقيقات للقلوب وشواهد‬
‫عرب وبربر ومزج بين العرب بمعنى البداوة وعرب‬ ‫من القرآن والحديث الشر يف ومن جملة ما كتب له‪:‬‬
‫بمعنى الاثنية‪ .‬بالنسبة إلى الصغير بن يوسف وابن أبي‬ ‫«إنكم آل عثمان بعد أن روت سيوفكم من دماء ا�لكفرة‬
‫الضياف فالقضية لم تعد الأصول العرقية وإنما نمط‬ ‫وبارودكم أحرق اللئام الفجرة وأنزلتموهم من صياصيهم‬
‫العيش فالمتصفح لكتاب الإتحاسف يعثر حتما على صفة‬ ‫وقلاعهم ومدنهم خاضعين ذليلين سلاسل الأسر في‬
‫العرب �لكن بوضعها في إطارها من الكتاب يلاحظ بأن‬ ‫رقابهم وقيود القهر في أرجلهم وأيديهم‪ .‬ولمّا علم ال� ل�ه نيتكم‬
‫ذكرها بمعنى الأصول العربية تكون في الغالب منقولة عن‬ ‫وصدقها أن ّكم ما تقاتلون إلا لإعلاء كلمة ال� ل�ه فحينئذ أورثكم‬
‫المصادر السابقة لاسيما عن ابن خلدون‪ 32‬أما في بقية‬ ‫أرضهم وديارهم وأموالهم ونفوسهم‪ ،‬وأعزكم ال� ل�ه ورفع بكم‬
‫الكتاب فتعنى البدو والقبائل بصورة عامة‪.33‬‬ ‫المسلمين وم�لكوا عدوهم»‪.31‬‬

‫‪ 30‬الصغير بن يوسف‪ ،‬مخطوط ‪ 9984‬والجزء الثاني رقم ‪ ،9761‬ج ‪،1‬‬


‫‪ 32‬ابن أبي الضياف ‪ ،2001‬ج ‪ ،1‬ص ‪.15‬‬ ‫ورقة ‪ 125‬ظهر‪.‬‬
‫‪ 33‬ابن أبي الضياف ‪ ،2001‬ج ‪ ،1‬ص ‪.15‬‬ ‫‪ 31‬الصغير بن يوسف‪ ،‬التكميل‪ ،‬ورقة ‪ 145‬ب‪.‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪59 )63 - 45‬‬
‫الاثنيات في المصادر الإخبار ية ‪ :‬نقل مصطلحات وحراك معايير‬

‫حضورهم الذي ربطه لا بغزو ولا حروب وإنما بهجرة‬ ‫وفي قاموس المؤلفين قائمة من النعوت المستهجنة‬
‫قسر ية فرضت على المسلمين التركمان الذين هج ّرهم التتار‬ ‫والتحقير ية‪ ،‬والتي تعبر عن مواقف أهل المدن وأهل‬
‫«ا�لكفار» من منازلهم وأوطانهم إلى بلاد المغرب خلال‬ ‫السلطة من القبائل بصورة عامة‪ .‬فللصغير بن يوسف‬
‫الفترة الوسيطة‪ .35‬وفي هذا الإطار يقول مستطردا‪:‬‬ ‫قاموس قد يكون انعكاس التصور السائد في عصره‪ ،‬قام‬
‫«وهذا عرش جلاص لم نقف على نسبتهم ولم ندر أهم‬ ‫بتدوينه وأضاف عليه هواجسه وانطباعاته واستعملها لتؤثر‬
‫من العرب أم من البربر‪ ،‬والذي يغلب على الظنّ أنّهم‬ ‫بشكل أو بآخر على صبغة النصوص الملحمية وديناميكية‬
‫ن هذا النسب شايع بين الن ّاس‪ ،‬وما يدراك‬ ‫من الترك‪ ،‬لأ ّ‬ ‫الأحداث فتحدث عن المهجرسين والهتاشة والعربان‬
‫أنّهم من الترك أو التركمان الذين أجلى التتر من بلادهم‬ ‫والرعيان والرعاع خلال فترات التمرد والعصيان و�لكنها‬
‫ووصل بعضهم إلى مصر ثم دخل إلى إفر يقية‪ ،‬وألوانهم‬ ‫في ارتباط مباشر بالبادية والبدو فهم رموز الفساد‬
‫مخالفة للعرب والبربر والغالب على جلاص البياض‬ ‫والإفساد والفوضى‪� ،‬لكنه يستعمل كذلك مصطلح‬
‫والصهوبة وصهوبة الشعر‪ ،‬ومع هذا فيهم الجمال الفايق‬ ‫الأعراب بمعنى البدو �لكن يربطها كذلك بالغدر‬
‫وا�لكمال اللايق والشجاعة وتمام العهد»‪.‬‬ ‫والخيانة » ثم إن الأعراب خانت وأعظمهم أولاد‬
‫سعيد وولوا هاربين كعوايدهم في كل خطرة ثم ينسبون‬
‫لقد أضاف كل من الصغير بن يوسف وابن أبي‬
‫الخيانة لعسكر تونس»‪ 34‬فكلمة «ع ُربان» والتي لا علاقة‬
‫الضياف أوصافا لا يربطونها بالأصول العرقية وإنما‬
‫لغو ية لها بكلمة عرب في القواميس هي من النعوت أو‬
‫التصنيفات التي اعتمدها تحقيرا لا للأصول العرقية وإنما‬
‫‪ 35‬نفس المصدر‪« ،‬وقلنا لم نقف على نسبتهم الخ [‪]...‬علينا بعلم آخر هذا‬
‫الكتاب عن ابن خلدون فرأيت في خبره على أهل المغرب الأوسط‬ ‫ربطها بشكل مباشر بالقبائل بصورة عامة‪ ،‬والبدو بصورة‬
‫وملوكهم قال ابن خلدون ولما غلبت ترك التتار على المشرق وسلطانهم‬ ‫خاصة‪ ،‬فالعربان هم العرب عن ابن أبي دينار بصيغة‬
‫جنكيزخان [‪ ]....‬من الصين وقاتلوا ملوك بلادهم كانت التركمان وبعض‬
‫المبالغة متعمدة لشحنها بكل السلبيات (لا أساس لها في‬
‫الأكراد أهل خيام يرحلون و ينزلون ويتبعون منازل الغيث لأنهم أصحاب‬
‫أنعام كثيرة [‪ ]...‬في عدد ومنازلهم من بلخ المدينة المشهورة وسط بلاد‬ ‫القواميس)‪ .‬وهو يعبر بذلك عن نظرته التحقير ية لهؤلاء‬
‫خرسان إلى بلاد الموصل التي هي في جزيرة ابن عباس من أعمال بغداد‬ ‫البدو وإن كانت في الظاهر مشحونة بالمفاضلة بين الحضر‬
‫وكل هذه البلاد منازل التركمان والأكراد ولما تفسح التتار في البلاد‬
‫وهم كذلك أهل خيام وملوكهم م�لكوا المدن أراد التتار تملك التركمان‬
‫والبدو إلا أنها لا تخلو من صفات «العنصر ية»‪ ،‬ونظرة‬
‫و يجعلونهم رعية كغيرهم هرب منهم التركمان وتفرقوا وقصدوا مصر‬ ‫التفوق التركي‪.‬‬
‫وخدم منهم ملوك مصر ثم دخل من التركمان الذين بمصر ثلاث فرق‬
‫أبناء[‪]...‬ومعهم بعض الأكراد إلى افر يقية وطايفة قليلة مكثت بوطن‬ ‫يبرز هذا الفكر بوضوح من خلال حديثه عن قبيلة‬
‫تونس حين م�لكوها بنو حفص المذكورون في هذا الكتاب كما عرفت‬ ‫«جلاص» التي حاول امتداح شجاعة أبنائها‪ ،‬وإخلاصهم‬
‫وخدموا ملوك الحفاصة فظهرت شجاعتهم وكفايتهم ثم أتى عليهم الهرم كما‬
‫أتى على غيرهم فتحيزوا إلى وطن القيروان واتخذوه دارا وطال الزمان‬ ‫ووفائهم بالعهود‪ ،‬والتي يعتبرها صفات خاصة بالترك‬
‫لاكن مع عدة وقوة كما ذكرت لك هذا ما قاله عبد الرحمان ابن خلدون‬ ‫دون سواهم‪ ،‬ولا يمكن أن تكون من صفات العرب‪،‬‬
‫رحمه ال� ل�ه في آخر هذا التاريخ أن الأكراد والتركمان دخلوا افر يقية في تاريخ‬
‫والعربان‪ ،‬لذلك حاول تقديم تعر يف يخرج «جلاص»‬
‫الخمسون والستة مائة (‪ 1253-1252‬م) وأنهم[‪ ]...‬ثلاث فرق قليلهم‬
‫مكث بتونس وكثيرهم سار إلى المغرب الأوسط وإلى المغرب الأقصى‬ ‫من الأصول العربية البدو ية والبربر ية‪ ،‬و يلحقها‬
‫وكانت إذ ذاك ملوك بني مرين ففرحوا بهم وأكبروهم فنزلت عندهم‬ ‫بالأصول التركية‪ ،‬معتمدا لا فقط على هذه الصفات‬
‫فرقتان وساعة ساعة يتقاتلون فيما بينهم ولا يدخل سلطان من بني‬
‫الأخلاقية‪ ،‬وإنما بحث كذلك عن الصفات الخلقية‪ ،‬من‬
‫مرين بينهم وخدموا أكابرهم [وخدموهم] بني مرين وقدموهم و أمروهم‬
‫لشجاعتهم وكذلك مكثت فرقة منهم بمدينة تلمسان وخدم أكابرهم‬ ‫لون الشعر والجمال‪ ،‬وباحثا في نفس الوقت على شرعية‬
‫سلاطين أولاد غمراسن وقدموهم على غيرهم وأمروهم [وأتى على أولاد‬ ‫تار يخية من خلال البحث عن الجذور البعيدة التي تبرر‬
‫عمار عليهم ما أتى على غيرهم وصاروا من جملة الرعايا يودون المغرم لملوك‬
‫تونس في زماننا هذا وهو عام اثنين وثمانين ومائة وألف كتبه كاتب‬
‫الأصل محمد بن محمد الصغير بن يوسف في بلد باجة وال� ل�ه به يلطف]»‪.‬‬ ‫‪ 34‬الصغير بن يوسف‪ ،‬التكميل‪ ،‬ورقة ‪ 185‬ب‪.‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪)63 - 45‬‬ ‫‪60‬‬
‫محمد فوزي المستغانمي‬

‫تونس مغلبون دايما ما السبب في ذلك؟ قال لي الرجل‪:‬‬ ‫بالسلوكيات اجتماعية التي أفرزت هذه التصنيفات‪.‬‬
‫ل من يعرفه» فقلت‪« :‬أخبرني بالسبب»‬ ‫«السبب ق ّ‬ ‫�لكن الفرق الواضح بينهما هو أن الصغير بن يوسف‬
‫فتلكك عليّ في الجواب فلحّ يت منه قال لي‪« :‬لو كان‬ ‫ركز على السلبيات‪ ،‬وانطلاقا منها صاغ تصنيفاته‪ .‬أمّا‬
‫غيرك من أهل تونس ما أخبرته به ولاكن أنت رجل‬ ‫ابن أبي الضياف فحصر السلوكيات في الأشخاص‪ ،‬في‬
‫قرباني وضيف فيها أنا أخبرك به»‪ .‬قال‪« :‬إن أحد ملوك‬ ‫حين استخرج من الأصول العرقية قيم حضار ية‪ ،‬وقيم‬
‫المروانية الذي أمر ببناء تونس‪ ،‬فلم ّا بنى بعضها لم يجد‬ ‫يعتبرها ايجابية‪ ،‬فكثيرا ما ينعت بعض الشخصيات التي‬
‫الوالي من يعمّرها‪ ،‬فبعث إلى المرواني وأظن ّه عبد الملك‬ ‫ترجم لها من أهل القبائل بصفة «السجية العربية»‪ ،‬وهي‬
‫ابن مروان وهو يقول له‪« :‬إني لم أجد من يعمّر هذه‬ ‫صفة دالة لا على الأصول العرقية وإنما تجذر قيم البداوة‬
‫البلدة التي أمرتني ببنايها»‪ ،‬فلم ّا علم ما في الكتاب بعث‬ ‫الايجابية في نظره والمعبرة عن صفاء الذهنية والطو ية‪.‬‬
‫إلى عامله بمصر يأمره أن يرسل إلى مدينة تونس ألف‬
‫التمازج الاجتماعي‪ :‬من خلال المدونات‬
‫قبطي بأهلهم وأولادهم يعمّرونها فخرجوا القبط من‬
‫الاصطلاحية لتحديد الأصناف الاجتماعية لكل من‬
‫مصر على كره ووصلوا إلى تونس وسكنوها وعم ّروها‪،‬‬
‫الصغير بن يوسف وابن أبي الضياف يبرز التأكيد من‬
‫وسكن معهم غيرهم من ضاحية تونس ثم اختلطوا‬
‫خلال سردهما للعديد من الأحداث على عامل التفاعل‬
‫بالقبط وتناسبوا وتصاهروا وسرت الطباع إلى بعضها‬
‫ل‬
‫بين العناصر الاجتماعية‪ ،‬فلا يوجد ثابت‪ ،‬بل الك ّ‬
‫بعضا واختلطت وامتزجت‪ ،‬وأنت تعلم سرعة سر يان‬
‫متحرك‪ ،‬ومتفاعل‪ ،‬ليعطي دائما مزيجا ثقافيا واجتماعيا‪،‬‬
‫الطباع وامتزاجها والقبط هؤلاء ليسوا بأهل شجاعة ولا‬
‫خص البلاد التونسية في ذاتها‪ ،‬وإنما‬ ‫هذا التمازج قد لا ي ّ‬
‫قتال ولا يعرفون حروبا ولا استقداما في الأمور وإنّما هم‬
‫هي مثال له‪ .‬فقد انطلق من سؤال حول العوامل المفسرة‬
‫أهل صناعة ومتجر لا غير فخلدت طباع القبط في طباع‬
‫للهزائم المتكررة للعساكر التركية التونسية أمام العساكر‬
‫أهل تونس فهي باقية فيهم إلى قيام الساعة»‪.36‬‬
‫التركية الجزائر ية رغم كون أصلهم واحد‪ .‬لقد حاول‬
‫أما ابن أبي الضياف انطلاقا من تشبعه بالفكر‬ ‫في فقرات متعدد تقديم تفسيرات‪ ،‬منها تفسيرات ذات‬
‫الإصلاحي واطلاعه على ثقافات وحضارات أوروبية‪،‬‬ ‫صبغة عسكر ية من حيث التكوين والتنظيم والقيادة‪،‬‬
‫شاهدها شهادة عيان من خلال سفره لفرنسا صحبة‬ ‫وغيرها‪ ،‬ومنها العامل الاجتماعي الثقافي‪ ،‬الذي عب ّر‬
‫أحمد باي (‪ ،)1855-1837‬فقد أكد‪ ،‬معتمدا على‬ ‫عنه برواية طر يفة جمعت بين محاولة البحث عن عوامل‬
‫أحادث نبو ية‪ ،‬ليعطي موقفه بعدا دينيا‪ ،‬لاسيما وان‬ ‫ضعف العساكر التونسية أمام العساكر التركية الجزائر ية‬
‫الفترة التي كتب خلالها تنازعها تياران‪ ،‬تيار إصلاحي‪،‬‬ ‫من ناحية‪ ،‬وسيمات أتراك مدينة تونس‪ ،‬ليستبطن النظرة‬
‫وتيار محافظ اعتمد رجال الدين مطية‪ ،‬مم ّا جعل ابن‬ ‫التحقير ية �لكوارغلية الدواخل للأتراك البلدية‪ .‬وفي هذا‬
‫أبي الضياف يراهن على زاده المعرفي الديني لدعم الفكر‬ ‫الإطار كتب حول إشكالية حيرته وتتمثل في كون أتراك‬
‫الإصلاحي‪ ،‬وإضفاء صبغة دينية على مختلف المشار يع‬ ‫تونس وأتراك الجزائر ينحدرون من نفس الأصل �لكن‬
‫الإصلاحية‪ ،‬وهي ظاهرة انتشرت في مختلف الأقطار‪.‬‬ ‫أهل الجزائر دائما لهم الغلبة‪ ،‬مما دفعه إلى طرح سؤاله‬
‫ومن بين القضايا المطروحة قضية المساواة بين عناصر‬ ‫على شيخ كبير من ترك مدينة تونس‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫المجتمع‪ ،‬والتي كانت من بين أهم بنود عهد الأمان‬ ‫ن الترك‬ ‫«قلت لهذا الرجل‪« :‬والعجب كل العجب أ ّ‬
‫الذي أشرف ابن أبي الضياف نفسه على صياغته قبل‬ ‫بوجق الجزاير والترك بوجق تونس وسلطان الجزاير يبعث‬
‫إعلانه في (‪ 9‬سبتمبر ‪ ،)1857‬والذي طرح إشكالا‬ ‫إلى بر ّ الترك من يأتيه بالترك من بر ّ الترك وكذلك يفعل‬
‫سلطان تونس يبعث إلى بر ّ الترك من يأتيه بالترك وكل ّهم‬
‫‪ 36‬الصغير بن يوسف‪ ،‬التكميل‪ ،‬ورقة ‪178‬ب‪.‬‬ ‫من بلاد واحدة‪ ،‬فما بال ترك الجزاير دايما غالبون‪ ،‬وترك‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪61 )63 - 45‬‬
‫الاثنيات في المصادر الإخبار ية ‪ :‬نقل مصطلحات وحراك معايير‬

‫ببليوغرافيا‬ ‫أمام الفقهاء وأهل المجلس الشرعي‪ ،37‬إذ لا يجوز‬


‫حسب رأييهم المساواة بين المسلم والذمي‪ .‬في المقابل أكد‬
‫ابن أبي الضياف بان ما يسوي بينهم هو انتماؤهم للوطن‬
‫ابن أبي الضياف‪ ،2001‬أحمد ابن أبي الضياف‪ ،‬إتحاف أهل‬
‫الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان‪ ،‬تحقيق لجنة من‬ ‫و«حب الوطن من الإيمان» «ولا فرق بين عربي ولا‬
‫وزارة الشؤون الثقافية‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪.‬‬ ‫أعجمي إلا بالتقوى»‪.‬‬
‫ابن أبي دينار ‪ ،1967‬محمد بن أبي القاسم الرعيني القيرواني‪،‬‬
‫المؤنس في أخبار إفر يقية وتونس‪ ،‬تحقيق محمد شمام‪،‬‬
‫المكتبة العتيقة‪ ،‬تونس‪.1967 ،‬‬ ‫خاتمة‬
‫ابن الشماع ‪ ،1984‬محمد بن أحمد ابن الشماع‪ ،‬الأدلة‬ ‫لقد كان هذا التوجه الفكري الذي تبناه رموز‬
‫البينة النورانية في مفاخر الدولة الحفصية‪ ،‬تحقيق الطاهر‬ ‫الحركة الإصلاحية ومن بينهم ابن أبي الضياف اللبنة‬
‫المعموري‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬ليبيا‪.1984 ،‬‬
‫الأولى التي أسست لمفهوم «الوطنية» بالمعنى المعاصر‬
‫ابن خلدون ‪ ،2004‬عبد الرحمان ابن خلدون‪ ،‬مقدّمة ابن‬ ‫رغم تعايشها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر‬
‫خلدون‪ ،‬الجزء الأول‪ ،‬تحقيق محمد عبد ال� ل�ه الدرويش‪،‬‬
‫مع مفهوم الوطن التقليدي بمعنى مسقط الرأس والموطن‬
‫دار يعرب‪ ،‬دمشق‪.2004 ،‬‬
‫والبلد والقسم من البلاد الذي له خصوصيات إنتاجية‬
‫ابن خلدون (عبد الرحمان)‪ ،‬كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر‬
‫وجبائية على غرار وطن باجة والوطن القبلي ووطن‬
‫في أيام العرب والعجم والبربر وممن عاصرهم من ذوي‬
‫السلطان الأكبر‪ ،‬اعتنى به عادل بن سعد‪ ،‬دار ا�لكتب‬ ‫ر ياح‪ .‬فتعايش تصنيفات عديدة إلى جانب ما ذكرنا‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫على غرار «أهل» التي تعطف غالبا بمجال ترابي و»أهل»‬
‫أبو لحية القفصي ‪ 1998‬المنتصر بن المرابط أبو لحية القفصي‪،‬‬ ‫المقرونة بتشكيلة قبلية و«أهل» المقرونة بشخصية ولائية‬
‫نور الأرماش بمناقب سيدي بلغيث القشاش‪ ،‬دراسة‬ ‫ن استنباط تحديدات اجتماعية‬ ‫وإعيانية أو غيرها‪ .‬إ ّ‬
‫وتحقيق لطفي عيسى‪ ،‬حسين بوجرة‪ ،‬ط ‪ ،1‬المكتبة‬ ‫وتصنيفات اجتماعيةكبرى أ فرعية هو في جوهره إنتاج‬
‫العتيقةـ تونس‪.1998 ،‬‬ ‫ثقافي يعتمد من طرف المجموعات أو التشكيلات أو‬
‫بن سليمان ‪ ،2009‬فاطمة بن سليمان‪ ،‬الأرض والهو ية‪:‬‬ ‫الفئات الاجتماعية للمراهنة على مكانة داخل المجتمع‪،‬‬
‫نشوء الدولة الترابية في تونس ‪ ،1881-1574‬كلية العلوم‬ ‫وتحقيق منافع من وراء ذلك‪ ،‬تتراوح من المنافع الرمزية‬
‫الإنسانية والاجتماعية‪ ،‬تونس‪.2009 ،‬‬
‫إلى منافع السلطة والنفوذ‪ .‬فقضية الأهلنة تندرج ضمن‬
‫الزركشي ‪ ،1966‬محمد الزركشي‪ ،‬تاريخ الدولتين الموحدية‬ ‫التصنيف الاجتماعي وإخضاعه إلى تراتبية كثيرا ما‬
‫والحفصي ّة‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور محمد ماضور‪ ،‬المكتبة العتيقة‪،‬‬
‫تتغير وفق توازنات اجتماعية وتعاد صياغتها كلما اختل‬
‫تونس‪.1966 ،‬‬
‫التوازن واحتد التنافس من اجل خلق توازن جديد‬
‫الصغير بن يوسف‪( ،‬محمد)‪ ،‬المذيل على الرسالتين المسماة‬
‫وهو ما حاولنا تتبعه خلال مختلف عناصر هذا المقال‬
‫الأولى بأنباء نجباء الأبناء و الثانية المسماة بسلوان المطاع‬
‫في عدوان الأتباع‪ ،‬مخطوط بدار ا�لكتب الوطنية الجزء‬ ‫انطلاقا من ثلاث مؤلفين خلال الفترة الحديثة جمعت‬
‫الأول رقم ‪ 9984‬والجزء الثاني رقم ‪ ،9761‬ج ‪،1‬‬ ‫بينهم قواسم مشتركة وفرقتهم معايير أخرى ساهمت في‬
‫ورقة ‪ 125‬ظهر‪.‬‬ ‫بناء مرجعياتهم الفكر ية التي تتبنى بشكل أو بآخر ثقافة‬
‫الصغير بن يوسف‪ ،‬التكميل المشفي للغليل على كتاب العبر‬ ‫اجتماعية في الوعي أو اللاوعي وتوجهها في نظرتها‬
‫لعبد الرحمان ابن خلدون‪ ،‬تحقيق محمد فوزي المستغانمي‪،‬‬ ‫للآخر‪.‬‬
‫نشر «بيت الحكمة» (تحت الطبع)‪.‬‬

‫‪ 37‬المستغانمي ‪.2016‬‬

‫أن تكون أصلي ّا‪ ،‬أن تصبح أصلي ّا‪ :‬التعر يفات والتمث ّلات‪( .‬ص ‪)63 - 45‬‬ ‫‪62‬‬
‫محمد فوزي المستغانمي‬

‫ تحقيق محمد‬،‫ كتاب الأجوبة‬،‫ قاسم عظوم‬،2004 ‫عظوم‬


BARGAOUI 2005 : S. BARGAOUI, « des Turcs aux

،‫الحبيب الهيلة المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون‬


hanafiyya, la construction d’une catégorie métissé à
Tunis aux XVIIe et XVIIIe siècles », Annales, Histoire,
Sociales, Vol. 60, n° 1 , Janvier-Février 2005, p. 209-228. .2004 ،‫بيت الحكمة‬
‫ مراجعات في‬:‫ أخبار التونسيين‬،‫ لطفي عيسى‬،2019 ‫عيسى‬
BARTH 1969 : F. BARTH, «Les groupes ethniques et leurs

.‫ تونس‬،‫ منشورات مسكلياني‬،‫سرديات الانتماء والأصول‬


frontières » reproduit dans Ph. Poutignat et J. Steiff
Fenart, 1995, Théories de l’ethnicité, Paris, PUF.1969.
MORIN 2006 : F. MORIN : « L’autochtonie, forme .2019
‫ «موقف أهل‬،‫ محمد فوزي المستغانمي‬،2016 ‫المستغانمي‬
d’ethnicité ou exemple d’ethnogenèse? », Revue Parcours

‫ مجلة الفكر‬،»‫المجلس الشرعي من بنود عهد الأمان‬


anthropologiques, n° 6, pp. 54-64. Lyon.

.2016 ‫ في جو يلية وأكتوبر‬8&7 ‫ العددين‬،‫الجديد‬


MARTIN 2008 : P. MARTIN, L’économie de proximité, Paris,
Cherche Midi, 2008.
WEBER 2003 : M. WEBER, Le Savant et le Politique, La ‫ بناء الدولة‬:‫ تونس العثمانية‬،‫ عبد الحميد هنية‬،2012 ‫هنية‬
Découverte, 2003.
‫ من القرن السادس عشر إلى منتصف القرن‬:‫والمجال‬
.2012 ،‫ تبر الزمان‬،‫التاسع عشر‬

63 )63 - 45 ‫ (ص‬.‫ التعر يفات والتمث ّلات‬:‫ أن تصبح أصلي ّا‬،‫أن تكون أصلي ّا‬

You might also like