Professional Documents
Culture Documents
الطائفية و النظام الطائفي في سورية من البعث إلى الثورة
الطائفية و النظام الطائفي في سورية من البعث إلى الثورة
ﻣﺎهﺮ ﻣﺴﻌﻮد
25ﺣﺰ�ﺮان /ﻳﻮﻧﻴﻮ 2016
ﻣﺮﻛﺰﺣﺮﻣﻮن ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﳌﻌﺎﺻﺮة
ﻣﺆﺳﺴــﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ وإﻋﻼﻣﻴﺔ ﻣﺴــﺘﻘﻠﺔ ،ﻻ �ﺴــ��ﺪف ﻣﺮﻛﺰ ﺣﺮﻣﻮن ﻟﻠﺪراﺳــﺎت اﳌﻌﺎﺻﺮة هﻮ ّ
ً ُ
ﺧﺼﻮﺻــﺎ اﻟﺮ�ــﺢ� ،ﻌ�ــ� �ﺸــ�ﻞ رﺋ�ــﺲ ﺑﺈﻧﺘــﺎج اﻟﺪراﺳــﺎت واﻟﺒﺤــﻮث اﳌﺘﻌﻠﻘــﺔ ﺑﺎﳌﻨﻄﻘــﺔ اﻟﻌﺮ�ﻴــﺔ،
اﻟﻮاﻗــﻊ اﻟﺴــﻮري ،و��ﺘــﻢ ﺑﺎﻟﺘﻨﻤﻴــﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ واﻟﺘﻄﻮ�ــﺮ اﻹﻋﻼﻣــﻲ و�ﻌﺰ�ــﺰ أداء ا��ﺘﻤــﻊ اﳌﺪ�ــﻲ،
و�ﺸــﺮ اﻟﻮ�ــ� اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃــﻲ و�ﻌﻤﻴــﻢ ﻗﻴــﻢ ا��ــﻮار واﺣ� ـ�ام ﺣﻘــﻮق اﻹ�ﺴــﺎن ،إ�ــ� ﺟﺎﻧــﺐ ﺗﻘﺪﻳــﻢ
اﻻﺳ�ﺸــﺎرات واﻟﺘﺪر�ــﺐ �ــ� اﳌﻴﺎدﻳــﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳــﻴﺔ واﻹﻋﻼﻣﻴــﺔ ﻟ��هــﺎت اﻟ�ــ� ﺗﺤﺘــﺎج إﻟ��ــﺎ �ــ� ا��ﺘﻤــﻊ
ً
اﻟﺴﻮري اﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ اﻟهﻮ�ﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﺴﻮر�ﺔ.
�ﻌﻤــﻞ ﻣﺮﻛــﺰ ﺣﺮﻣــﻮن ﻟﻠﺪراﺳــﺎت اﳌﻌﺎﺻــﺮة ﻟﺘﺤﻘﻴــﻖ أهﺪاﻓــﮫ ﻣــﻦ ﺧــﻼل ﻣﺠﻤﻮﻋــﺔ ﻣــﻦ اﻟﻮﺣــﺪات
اﻟﺘﺨﺼﺼﻴــﺔ )وﺣــﺪة دراﺳــﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳــﺎت ،وﺣــﺪة اﻟﺒﺤــﻮث اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ،وﺣــﺪة ﻣﺮاﺟﻌــﺎت اﻟﻜﺘــﺐ،ّ
ـﺪد ﻣــﻦ ﺑﺮاﻣــﺞ اﻟﻌﻤــﻞ )ﺑﺮﻧﺎﻣــﺞ
وﺣــﺪة اﻟ��ﺟﻤــﺔ واﻟﺘﻌﺮ�ــﺐ ،وﺣــﺪة اﳌﻘﺎر�ــﺎت اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴــﺔ( وﻋـ ٍ
اﻻﺳ�ﺸــﺎرات واﳌﺒــﺎدرات اﻟﺴﻴﺎﺳــﻴﺔ ،ﺑﺮﻧﺎﻣــﺞ ا��ﺪﻣــﺎت وا��ﻤــﻼت اﻹﻋﻼﻣﻴــﺔ وﺻﻨﺎﻋــﺔ اﻟ ـﺮأي
اﻟﻌــﺎم ،ﺑﺮﻧﺎﻣــﺞ دﻋــﻢ ا��ــﻮار واﻟﺘﻨﻤﻴــﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴــﺔ واﳌﺪﻧﻴــﺔ ،ﺑﺮﻧﺎﻣــﺞ ﻣﺴــﺘﻘﺒﻞ ﺳــﻮر�ﺔ( ،و�ﻤﻜــﻦ
ﻟﻠﻤﺮﻛــﺰ أن ﻳﻀﻴــﻒ ﺑﺮاﻣــﺞ ﺟﺪﻳــﺪة ﺑﺤﺴــﺐ ﺣﺎﺟــﺔ اﳌﻨﻄﻘــﺔ واﻟﻮاﻗــﻊ اﻟﺴــﻮري ،و�ﻌﺘﻤــﺪ اﳌﺮﻛــﺰ
آﻟﻴــﺎت ﻣﺘﻌـ ِّـﺪدة �ــ� إﻧﺠــﺎز ﺑﺮاﻣﺠــﮫ� ،ﺎ��ﺎﺿ ـﺮات وورﺷــﺎت اﻟﻌﻤــﻞ واﻟﻨــﺪوات واﳌﺆﺗﻤ ـﺮات
واﻟﺪورات اﻟﺘﺪر��ﻴﺔ واﻟ�ﺸﺮ اﻟﻮر�� واﻹﻟﻜ��و�ﻲ.
املحتويات
ا
أوًل :مقدمة2.....................................................................................................................................................
ثانيا :الطائفية خارج الطوائف 3....................................................................................................................... ا
-1في مفهوم الطائفية 3.................................................................................................................................
-2الطائفية والنظام الطائفي5.....................................................................................................................
-3سياسة األقليات وسياسة األكثرية 7........................................................................................................
-4الطائفية والعلمانية10 ............................................................................................................................
ا
ثالثا :التاريخ والوعي الطائفي في سورية12 .......................................................................................................
-1الدائرة املغلقة (اًلحتالل واًلستقالل) 12 ...............................................................................................
-2العسكر ،البعث ،والطائفية16 ...............................................................................................................
-3البعث واإلسالميون 23 ............................................................................................................................
-4في طائفية "سورية األسد" 27 ...................................................................................................................
-5نهاية األسد ،بداية األسد29 .....................................................................................................................
ابعا :الثورة السورية والتاريخ املستعاد 32 ..................................................................................................... ر ا
-1في هزلية التكرار األسدي ،ومأساته32 .....................................................................................................
-2اًلستثناء السوري في سياق الربيع العربي35 ...........................................................................................
-3ثالثة مظاهر استثنائية في الثورة السورية 38 .........................................................................................
أ -اإلنكار املديد 39 ...................................................................................................................................
ب -ثورة األطفال 41 .................................................................................................................................
ج -إسالميو الثورة 44 ..............................................................................................................................
-4الخالص السوري -عالم مغلق وتاريخ مفتوح 50 ......................................................................................
ا
خامسا :خاتمة 52 .............................................................................................................................................
1
ا
أوًل :مقدمة
ًّ
ومذهبيا ،هو تحويل السكان قوميا ا
ودينيا بافتراض أن موضوع السياسة ّ
األول واألمثل ،في بلد متعدد ًّ
فإن سياسة الحزب الواحد خالل نصف املختلفين -على هذه األسس -إلى شعب واحد ،وإلى مواطني دولة؛ ّ
عاما من الحكم الشخص ي املطلق لألسد ووريثه ،لم تفشل في صناعة الدولة كمقر عام قرن ،منها أربعون ا
وطني فحسب ،بل وعززت اًلنقسامات األهلية والطائفية كذلك ،ونقلتها من ُبعدها اًلجتماعي والثقافي،
ّ عد سياس ي ّ ُ ّ ّ
قار ومفخخ ،ومحكوم بقابلية اًلنفجار ،وكل ذلك في ظل والتطور ،إلى ب ٍ والتبدل القابل للتغير
فتي ،يقل عمره عن القرن ،واستقالله عن السبعين ا
عاما؛ األمر الذي يحرمه من التقاليد كيان سياس ي ّ
السياسية العريقة ،والتاريخ السياس ي املستقل.
يتأسس البحث على قاعدةّ :أن النظام السياس ي في عهد األسدين نظام طائفي بامتياز ،إًل أنه ليس نظام
ّ
طائفة بعينها في كل األحوال؛ فقد تجلت طائفية هذا النظام من خالل تثبيته التمايز واًلمتيازات الطائفية،
وإعادة إنتاج الوعي الذاتي الطائفي لدى جميع الطوائف ،مع اًلستفادة القصوى من عالقات الوًلء
والقرابة العائلية والعشائرية والطائفية في تثبيت الحكم "الطغموي" الفردي؛ وذلك كله ضمن سياسة
"هوبزية" تستوعب "امليكافيلية" ،وتتجاوزها نحو التعامل مع املجتمع السوري ،ونخبه ،كمجتمع من
الذئاب التي يجب أن يبقى فيها "األسد" هو الذئب األكبر املسيطر ،دون أن ينازعه سلطته املطلقة أحد.
أصلي و"ماهوي" َ
وقيمي بين الطوائف ،ومن أن التمايز واًلمتيازات ّ سينطلق البحث من ْأن ًل تفاضل
الطائفية ًل تعود إلى من يحكم ،وإنما إلى الكيفية التي يحكم بها؛ مما يطرح للنقاش اًلستراتيجيات
اإلسالمية الوسطية والسلفية واملتطرفة ،وغيرها ،في مقارعة النظام ،ومقاربة التغيير السياس ي املأمول،
وباستخدام منهجيات متعددة ،وفي ثالثة محاور رئيسة ،يتجه البحث -خاللها -من التأسيس النظري
واملفهومي ملعنى الطائفية وأشكالها ،نحو القراءة التاريخية ّ
لتعيناتها السياسية في الكيان السوري الحديث،
ثم يعاين في املحور الثالث الثورة السورية ،ويناقش إمكانية الخالص السوري في عالم مغلق ،وتاريخ مفتوح
على املمكن واًلحتماًلت كافة.
2
ا
ثانيا :الطائفية خارج الطوائف
-1في مفهوم الطائفية
يحيل اًلنطباع العام ،و"الحس املشترك" تجاه مصطلح الطائفية ،إلى وجود مجتمع متعدد الطوائف
واإلثنيات ،تنتج عنه بشكل "طبيعي" مشكلة طائفية ،كما هو الحال في سورية ،لكن النظر العقلي والتحديد
املفهومي ،إضافة إلى البحث التاريخي ،يذهب أبعد من تلك اإلحالة وذلك اًلنطباع العام؛ إذ يأخذنا نحو
رؤية املشكلة الطائفية من خارج الطوائف ذاتها؛ فالتعدد الطائفي واإلثني ،في أي مجتمع كان ،ليس مشكلة
ٌ
مظهر من مظاهر التنوع الثقافي ،والغنى اًلجتماعي و"اإلثنولوجي" الحميد من حيث املبدأ، بحد ذاته ،وإنما
ّ
األهلي والثقافي ولكنه يصبح مشكلة عندما يحتكم إلى نظام سياس ي "أوليغاركي" أو "طغموي" ،يقلب التمايز
ا
وحاكما عليها. إلى امتيازات سياسية ،تخدم بقاءه في السلطة َح ا
كما بين الطوائف،
في كتابه "املسألة الطائفية ومشكلة األقليات"ّ ،
يعرف "برهان غليون" الطائفية بأنها "اًلستخدام السياس ي
للدين" ،1ثم يضيف في سياق آخر" :الطائفية هي التعبير السياس ي عن املجتمع العصبوي الذي يعاني من
نقص اًلندماج الذاتي واًلنصهار؛ حيث تعيش الجماعات املختلفة بجوار بعضها ا
بعضا ،لكنها تظل ضعيفة
التبادل والتواصل في ما بينها 2".وفي اشتغاله باملوضوع ذاته ّ
يعرف "ياسين الحاج صالح" الطائفية بأنها
ّ
"مركب عمليات صر َّ
اعية متعددة الجوانب ،تتكون فيها الطوائف كفاعلين سياسيين متنازعين بدرجات
ائيا -في سياق بحثه حول "الصراع على السلطة فيعرف الطائفية -إجر ًّ
متفاوتة" .3أما "نيكوًلس فان دام"ّ ،
ّ
"التصرف أو التسبب في القيام بعمل ،بدافع اًلنتماء إلى مجموعة دينية معينة".4 في سورية" فيقول ّإنها:
ّ
واملالحظ -في التعاريف السابقة -أنها تركز على الطبيعة السياسية للطائفية ،ودور الفعل السياس ي في
- 1برهان غليون :املسألة الطائفية ومشكلة األقليات ،دار الطليعة للطباعة والنشر -بيروت ،الطبعة األولى ،1979ص.71
- 2املرجع ذاته ،ص .74
- 3ياسين الحاج صالح :صناعة الطوائف ،أو الطائفية كاستراتيجية سيطرة سياسية .مجلة اآلداب 1،شباط /فبراير .2007املقال موجود في
الرابط. http://adabmag.com/sites/default/files/archive/topics/taifiya/yaseenhajjsaleh.pdf
- 4نيقوًلس فان دام :الصراع على السلطة في سوريا ،الطائفية واإلقليمية والعشائرية في السياسة ،الطبعة اإللكترونية األولى املعتمدة باللغة
العربية ،كانون األول /ديسمبر ،2006ص.7
3
تطييف املكونات اًلجتماعية املتنوعة ،دون اإلشارة الصريحة إلى مصدر الفاعل السياس ي ،من حيث ّ
تعينه
في سلطة نظام حكم يسعى ًلحتكار النفوذ والهيمنة والثروة ،ويجد دوامه وبقاءه في اًلرتكاز على الوًلء
تطوره إلى اندماج ّ
وطني .والفاعل الطائفي والعشائري ،وحماية اًلنقسام الطائفي املوروث ،والحيلولة دون ّ
السياس ي املذكور إما أن يكون سلطة احتالل خارجي ،كاًلحتالل الفرنس ي لسورية قبل منتصف القرن
املاض ي ،أو "سلطة احتالل" داخلي ،كما هو األمر في نظام األسدين؛ فمن غير وجود مثل هذين النوعين من
احتالل السلطة ،أو سلطة اًلحتاللً ،ل وجود للطائفية ،فالطائفية هي ما "يصنع" الطوائف بمعنى ما،
وليس العكس؛ وهذا مبني على اعتبار أن مجرد وجود الطوائف ًل يصنع الطائفية ،بل إن مفتاح فهم
الطائفية ليس الطوائف ،وإنما هو نظام السلطة ذاته.
ّ
الطائفية -كما نراها إذن -هي الناتج املركب من اجتماع التعدد الطائفي مع نظام تسلطي واستبدادي ،في
ظل دولة لم تحقق شرط الدولة /األمة بعد.
ّ
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه فور سماع تلك الصيغة ،هو :أًل يشكل لبنان استثناء ينسف تلك
القاعدة؟ ففي لبنان نزعة طائفية باقية عن سنوات الحرب األهلية ،وناتجة عن التعدد الطائفي ،دون أن
يعوضقطعا؛ فلبنان لم يحقق شرط الدولة /األمة ،وما ّ
استبداديا! ،والجواب هوً :ل ا
ًّ يكون نظام الحكم
ّ
عن نظام "اًلنتداب الداخلي" فيه أنظمة انتدابية خارجية عديدة ،مثلها األوروبيون بشكل أساس ي؛ وًل
مثلها اًلنتداب السوري ا
ًلحقا؛ ليلتحق به النظام اإليراني في ما بعد ،ويزرعا ا ّ ّ
معا أكبر سيما فرنسا ،ثم
ّ
مشكلة سياسية تواجه لبنان املعاصر -اليوم -وهي إيجاد حزب هللا الطائفي العقائدي املسلح ،وعلى ذلك؛
فإن الحل اللبناني للمسألة الطائفية -عبر نظام املحاصصة الطائفية -يطرح نفسه كمشكلة لبنانية أكثر
ا ًّ
لبنانيا ،بكل هزالها وقابليتها الدائمة من كونه حال ،على الرغم من كون "الديمقراطية الطائفية" املعتمدة
عربيا (باملعيار الديمقراطي ا
مقاسا فيحرية الرأي والفكر والتعبير السياس ي لالنفجار ،تظل النظام األرقى ًّ
واإلعالمي) مقارنة باألنظمة الديكتاتورية الحاكمة في الدول العربية من املحيط إلى الخليج.
4
-2الطائفية والنظام الطائفي
ّ ّ
نظامأقلية ،وإنما هو تتولد الطائفية عن النظام الطائفي ،لكن النظام الطائفي ليس نظام طائفة ،وًل
ًّ ًّ مثاًل ،بوصفه اا َّ
أنموذجيا ،سنجد أنه ليس نظام طائفيا نظاما نظام القلة .فإذا أخذنا النظام السوري
ّ
العلوية ،على الرغم من اعتماده "العلوية السياسية" 5كآلية حكم منذ عهد األسد األب؛ فمعظم الطائفة
أعدائه السياسيين (وليس خصومه) الذين تمت تصفيتهم منذ استالمه مام الحكم (كما سنرى ا
ًلحقا) كانوا ز
كأي طائفة سورية أخرى ،ليست أفضل أو أسوأ من غيرهامن الطائفة العلوية ذاتها ،فالطائفة العلوية ّ
باملعنى املاهوي والنوعي للوصف ،وليست كتلة مصمتة متجانسة ومشابهة لذاتها في كل وقت ،كما أنها
ليست "وحدة سياسية" في األصل ،لكنها ُأخذت هينة لدى النظام الطائفي؛ ليحتمي بها ّ
ويدعي حمايتها من ر
طوائف أقلية وأكثرية أخرى في سورية جاهزة لالنقضاض عليها و"تشليحها" السلطة ،كما صور النظام ذلك
علنا بمشاركة بعض معارضيه؛ فأصبحت الطائفة العلوية تبدو ا
سابقا بشكل غير معلن ،ويصوره اليوم ا
"كوحدة سياسية" بين "وحدات سياسية" متصارعة هي الطوائف ،واملالحظ منذ انطالق الثورة السورية
ّ
ضم "الكتلة العلوية" إلى كتلة أكبر هي "كتلة األقليات"؛ ليتسنى للنظام تصوير نفسه على أنه "حامي
ّ
السنية ،وهو ما نجح فيه إلى حد مؤثر األقليات" ،وتصوير الثورة على أنها صراع "األقليات" مع "األكثرية"
وكبير.
ّ ّ
الطبيعة الطائفية لنظام األسد ،ووريثه من بعده ،شكلت ما ندعوه بـ"نظام القلة العصبوية" ضمن
ّ الطائفة َ
العلوية ذاتها ،فاملتمتع بامتيازات السلطة والثروة والنفوذ ليس الطائفة العلوية ،بكليتها وشمولها،
ا ّ
وإنما قلة علويين من بين األقلية العلوية التي ًل يعيش أفرادها -جميعهم -شروطا اقتصادية أو سياسية
أفضل مما تعيشه بقية السوريين .وعلى هذا األساس قلنا :إن النظام الطائفي ليس نظام طائفة ،ونقول
- 5حول هذا املوضوع انظر " صادق جالل العظم :نجاح "جنيف "2مرهون بإنهاء العلوية السياسية على غرار الطائف اللبناني" حوار أجرته
معه ريتا فرح ،منشور على موقع كلنا شركاء على الرابط .http://all4syria.info/Archive/100645
5
ا
أيضاً :ل يوجد نظام طائفي -على اإلطالقّ -
يعم خيره أكثرية أبناء طائفته؛ فما بالك أن نتحدث عن خير عام
ا
جميعا بغض النظر عن انتمائهم الطائفي. ممكن أن يصيب أبناء البلد
ّ
األقلية" ،فإذا كان نظام األقلية اًلجتماعية الثقافية واملذهبية هناك فارق بين النظام الطائفي و"نظام
فإن النظام الطائفي ذاته قد يكون نظام أكثرية اجتماعية ثقافية؛ ذلك عندما طائفيا بالضرو ة ؛ ّ
ًّ ا
نظاما
ر
ّ
تمثله أقلية ،أو "قلة" من األكثرية ذاتها ،فإذا افترضنا ّأن إحدى الحركات اإلسالمية التي تقاتل النظام اليوم
ا
جميعا من ا
(قياسا إلى تجربتهم القصيرة في حكم مصر)؛ وهؤًلء "كالنصرة" أو "داعش" أو األخوان املسلمين
ا
مقلوبا ا
طائفيا نظاما ّ
السنية؛ إذا تسنى إلحدى تلك الحركات أن تحكم البالد ،لن تكون إًل ا األكثرية الثقافية
عن نظام األسد ،بحكم احتكامها إلى املعيار الثقافي "األكثري"؛ ،فتلك الحركات ليست سوى أقليات ،أو
ّ
السنية ،ومن املتوقع أن أول املتضررين من حكمها -بحسب املعيار نفسه -هي األكثرية "قلة" من األكثرية
السنية ذاتها .فإن لم يتم التفريق بين األكثرية واألقلية الثقافية ،واألكثرية واألقلية السياسية ،وإن لم
يحتكم نظام السلطة إلى األكثرية السياسية وحدها؛ لن تتحول سورية ،أو أي بلد من بلدان "الربيع
العربي" ،نحو الديمقراطية؛ ا
علما بأنه من غير املمكن ألكثرية اجتماعية ثقافية؛ في مجتمع متعدد ،أن
تصبح أغلبية سياسية دون أن تنتهي إلى الديكتاتورية ،ومن غير املمكن ألقلية اجتماعية ثقافية أن تصبح
جدا -ألقلية سياسية أن تصبح أغلبية سياسية؛أغلبية سياسية دون أن تصبح طائفية ،بينما من املمكن -ا
ّ
للتحول ومنافاتها لالعتقاد" ،فاألغلبية الدينية ثابتة وغير قابلة للتغيير ،بينما األغلبية نتيجة قابليتها
6
السياسية في األنظمة الحديثة ممكنة التغيير ما دامها ًل تقوم على ثبات اًلعتقاد".
- 6غليون ،ص.26
6
7
-3سياسة األقليات وسياسة األكثرية
ا ا املقصود بسياسة األقليات السياسة َّ
املوجهة ،صراحة أو مراوغة ،نحو التالعب بالتمايز اًلجتماعي
الثقافي املوروث ،والعمل على تثبيت التمايز بين "األكثرية" و"األقليات" وإدامته ،واعتبار العالقة بينهما
عالقة خصومة جبرية ،وهو ما يقتض ي "تحالف األقليات" ،أو "حمايتها" من األكثرية وصون حقوقها؛ وليس
املقصود بحقوق األقليات ،في سياق "سياسة األقليات" ،أن ينال املنحدرون منها الحقوق ذاتها التي ينالها
املنحدرون من األكثرية املفترضة ،أي :تعميم مبدأ املواطنة واملساواة الحقوقية ،وإنما املقصود ضمان
أوضاع خاصة باألقليات ،ككتل أو كمجاميعّ .إن املساواة الحقوقية بين األفراد ًل تمر بمفهوم حقوق
األقليات ،أو حماية األقليات ،وليست مما تتضمنه "سياسة األقليات".
يعود ظهور سياسة األقليات إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر ،زمن "املسألة الشرقية" الذي
تقاطعت فيه النزعات اًلمبراطورية األوروبية مع عقيدة التقدم ،ومع معارف استشراقية ّ
متحيزة ،يملؤها
ا
مالئما للقول :إن األقليات في وضع خطر ا ا
دوما في املجال الشعور بالتفوق والحق الذاتي ،مما أسس مناخا
اإلسالمي ،وإن هذا (في عصر السلطنة العثمانية :فترة إنشاء األحزاب) نتيجة خلط السياسة بالدين ،ا
وتاليا
التطابق املؤكد والدائم بين "األكثرية السياسية" الحاكمة واألكثرية الثقافية السائدة.
- 7سنعتمد في هذه الفقرة (بتصرف شديد) على بحث طويل لياسين الحاج صالح بعنوان "في نقد سياسة األقليات" .موجود على الرابط
http://therepublicgs.net/2013/02/21/%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%82%D8%AF-
%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-
%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA/
7
ا يسوغ لنا القول :إن سياسة األقليات ،على نحو ما ُد ِّ ّشنت في املسألة الشرقية ،ليست ا
ذلك ّ
أمرا منفصال
عن السياسات اًلستعمارية التي أفضت إلى اًلحتالل األوروبي لبلداننا ،ومنه احتاللها سورية ولبنان بعد
ًّ
إنسانيا في تلك السياسة. الحرب العاملية األولى؛ إذ ًل ش يء ًّ
غيريا وًل
ُ
لكن "سياسة األقليات" لم تنته مع نهاية اًلستعمار ،بل أعيد استئنافها في عهد حافظ األسد؛ فالعالقة بين
ّ
األقليات، الجماعات السورية ،والتفكير فيها ،هو بقدر كبير نتاج أوضاع صنعتها نسخة األسد من سياسة
ملهددة األقليات ،وليست األكثرية السنية ّ
املهددة وحدها نتاج لهذه السياسة ،بل واألقليات ا َّ واسمها تحالف ّ
ِّ
موجه نحو حكم شخص ي يدوم "إلى األبد" ،وللحيلولة معا -نتاج تكوين سياس ي عمره عقودَّ ، ا
أيضا .وهما -ا
مهمة لحماية هذا التكوين، متحدين داخليين في وجه هذا الحكم؛ فسياسة األقليات أداة ّ دون ظهور ّ
وضمان "إعادة إنتاجه" .وما أسسته هذه السياسة ليس سوى مجتمعات مفخخة ،استدرجت الخصومة
و"الحرب" إلى مؤسساتها وثقافتها وسيكولوجية أفرادها وجماعاتها ،وهو ما يصادق عليه بالفعل تاريخ
سورية املعاصر في ظل نظام األسد.
مكونة من أبعاض يمتنع أن تختلط وتتمازج ،وأن فافتراض أن مجتمعاتنا ،بطبيعتها الثابتة التي ًل تتغيرّ ،
ا
العالقة بينها صراعية ،ومحصلتها صفرية ،وأن مكسب قوم هو -حتما -خسارة لقوم آخرينً ،ل يؤسس
معا؛ فهذا خارج أفق "سياسة األقليات"، معا ويخسران ا ألوطان قابلة للحياة .أما أن يكسب الطرفان ا
ّ
خارجها بالقدر نفسه الذي تكون فيه األطراف متغيرة ،وأن تاريخنا ،مثل تواريخ غيرنا ،تاريخ اختالط وتشكل
تمايز إضافي باستمرار ،وأكثريات وأقليات جديدة ،وأن أجدى نهج لحماية األقليات ،والجميع ،هو الكفاح
املشترك بين منحدرين من أصول مختلفة؛ من أجل املساواة ،وأسوأ نهج ممكن هو عزل األقليات عن غيرها
عبر "سياسة األقليات".
يخيا -سوى الكوارث الوطنية لسورية ،يتم الحديث ،بعد لكن مقابل سياسة األقليات ،التي لم تجلب -تار ا
مواجهة ا ّ
املآًلت املؤملة والكارثية للثورة السورية ،وًل سيما وقعها على األكثرية السنية تحديدا؛ عن سياسة ِّ
لسياسة األقليات في الشكل واملضمون ،وهو ما يمكن وصفه بـ "سياسة األكثرية" التي يجري "تأصيلها" ،عبر
8
ربطها بأصول َعقدية وتاريخية عريقة في الفكر اإلسالمي ،وخاصة في مفهوم "أهل الذمة" الذي أدرج
مجموعات غير مسلمة في "دار اإلسالم" ،لكنه خفض مرتبتها؛ لتكون أدنى من املسلمين .وبقدر ما يستعيد
اإلسالميون املعاصرون خالصات التاريخ اإلسالمي ،ويمزجون بين هذه الخالصات التي يطلقون عليها اسم
"الشريعة" ،وبين مواجهة "سياسة األقليات" بـ "سياسة األكثرية"؛ فإنهم يثيرون مخاوف مفهومة لدى
"األقليات اإلسالمية" أو غير اإلسالمية ،وكذلك لدى مسلمين ُس ّنة غير نمطيين كثر ،فاإلسالميون ،وهم
طمأن إليهم بخصوص معالجة هذه املخاوف ،بعضهم الس ّنة ،ليسوا ممن ُي َ
تيار نافذ في أوساط املسلمين ُ
ُم ّ
تفضل في أحسن األحوال (اإلخوان) ،وبعضهم عدائي (السلفيون والسلفيون الجهاديون)؛ وهو ما يوجب
ِّ
-من حيث املبدأ -وضع مواجهة سياسة األقليات في سياق يشمل مواجهة هذا الضرب من سياسة األكثرية،
وبالعكس ،من شأن سياسة األكثرية هذه أن تضفي -بمفعول راجع -شرعية كاملة على سياسة األقليات،
ّ ُ ّ
التحاصص الطائفي. وتزكي إقامة النظام العام على
وسياسة األكثرية -هذه -احتمال وارد ،بالنظر إلى وجود مشكلة أكثرية في سورية ،يلتقي فيها اغتراب سياس ي
بـ"استالب" ثقافي ،وشعور عميق ،ومتعدد الطبقات ،باًلضطهاد والنقص ،من نوع ما تشعر به -عادة-
األقليات ،ولكن إذا كانت مشكلة األقليات من أخطر ثمار سياسة األكثرية السنية املحتملةّ ،
فإن أولى هذه
متدين محافظ الثمار تهميش السني الالنمطي ،عبر افتراض أن السني النمطي ،أو القويم ،مسلم مؤمن ّ
ًّ
سياسيا ،قريب من اإلخوان أو السلفيين .في واقع األمر ًل يشكل هذا السني النمطي ًّ
اجتماعيا وإسالمي
ا املزعوم غير أقلية في املجموع ّ
السني السوري ،وغير السوريً( ،ل نستطيع تقدير النسبة ،نظرا ألنها متغيرة
ّ ا
يخيا بين صعود وهبوط) ،لكن النظر إلى تنوع بيئة اإلسالم السني السوري ّ
يسوغ -بقدر كاف -التشكك تار
الس ّنة ،وأقلية أكثر ضمن عموم السوريين. في أن يكون املسلمون النمطيون ّ
السنة أقلية ضمن ُ
وما نريده أن سياسة اإلسالميين تندرج في "سياسة األقليات" التي نتكلم عنها ،أكثر من كونها ضمن أي
"سياسة أكثرية" .ليس هناك سياسة أكثرية ممكنة على أساس سني أو إسالمي ،أو بعبارة أخرى" ،الدولة
اإلسالمية" ليست قطيعة مع النظام الطائفي ،بل هي مجرد صيغة أخرى له.
9
-4الطائفية والعلمانية
ا ّ
تجلت الطائفية طوال عهد "األسدين" في هيئة نظام "علماني" ،فكيف يكون النظام العلماني طائفيا؟ أو
ا
كيف يكون النظام الطائفي علمانيا؟!
يحدث ذلك عندما يتم تحويل العلمانية إلى عقيدة شكلية ،مفرغة من محتواها التحرري الذي ارتبط
ّ بصعودها في العالم ،ويتم تجييرها ألهداف سياسيةّ ،
تصب في مصلحة دولة "اًلستبداد العلماني" التي مثلها
قدم والتحرر و"العلمانية" فينظام البعث في سورية ،فحزب البعث الذي ا تبط صعوده بصعود أفكار الت ّ
ر
مفرغ من محتواه التحرري ،وأداة ضاربة واستبعادية خمسينيات القرن املاض ي وستينياته ،تحول إلى حزب ّ
في دولة اًلستبداد ،وذلك عندما أصبح "الحزب القائد للدولة واملجتمع"؛ حيث بات عقيدة مقدسة أرضية،
يضاهي في تطرفه العلماني عقائد أصولية إسالمية متطرفة ،تقص ي ّ
التنوعات اإلسالمية األخرى جميعها
خارج اإلسالم .وإن كانت دولة البعث دولة علمانية ،أو "آخر معاقل العلمانية" 8كما أسماها األسد /اًلبن،
ّ
فإن علمانيتها لم تعن ا
يوما حياد الدولة اًليجابي تجاه مكوناتها الدينية واإلثنية واملذهبية ،بل إن مؤسسات
الدولة ،املدنية والعسكرية واألمنية والسياسية ،كانت تعج بطائفية مغلفة باملعتقد العلماني البعثي ،وإن
بدت تلك العلمانية "متسامحة مع األديان وضامنة لحرية اًلعتقاد الديني؛ فألنها ليست مهددة ا
أبدا على
هذا الصعيد ،ولكنها على صعيد حرية اًلعتقاد الحقيقي ،حرية الرأي والصحافة والتنظيم السياس ي ،تبدو
9 ا
تعصبا للفكرة التي يتبناها جالوزتها". أكثر من أي دولة دينية
ّ
لذلك كله؛ "ًل تبدو الدولة العلمانية في العالم الثالث دولة مساواة بين األديان ،إًل ألنها تغطي -بهذه املساواة
ًّ
اجتماعيا -الالمساواة الشكلية التي لم تعد تلعب أي دور سياس ي في تحديد مكانة الجماعات واألفراد
الحقيقية بين الطبقات ،واًلحتكار املطلق لحرية الرأي والتعبير والتنظيم ،أي املساواة ّ
الفعالة في املجتمع
الحديث ،وما يترتب عليها من نتائج سياسية مباشرة ،وهكذا ،تبدو العلمانية ،التي تعاني من تثبيت مرض ي
10
ملسألة الصراع بين الدين والدولة املوروثة عن القرون الوسطى األوروبية ،أيديولوجية تبرير ضرب حرية
اًلعتقاد األساسية ،ووسيلة للتغطية على انعدام هذه الحرية في الواقع واملمارسة .وبقدر ما كانت
اًلعتقادية العلمانية األوروبية وسيلة لتحرير العقل ،وفرض حرية التعبير ،بقدر ما جاءت العلمانية
ًّ
شرعيا العربية لتنقذ اًلستبداد العصري ،ولتقدم ملصادرة حرية الرأي والتعبير اًلجتماعي والطبقي غطاء
من املساواة الشكلية بين الطوائف؛ لذلك بقيت عقيدة مستلبة تجاه الدولة ،مأخوذة بتقديس السلطة
والقوة 10".ولكن عقيدة البعث العلمانية لم تتوقف عند حدود اًلستالب للدولة املستبدة ،بل ّأدت دو ارا
بعثيا؛ فاختزال العلمانية بفصل طائفيا ا
مميزا في سورية ،لم يتوقف خالل نصف قرن من حكم سورية ًّ ًّ
الدين عن الدولة أيديولوجيا مناسبة لألقليات (حيث اًلنتشار األوسع للبعث) ،على اعتبار أن املقصود
السنية ،ولذلك ًل تخسر األقليات ا
شيئا بهذا النوع من ّ بالدين -في هذا السياق -دين األكثرية املسلمة
تعرف نفسها بذلك النحو، العلمانية ،بل إن هذا الشكل األيديولوجي دعا األكثرية إلى نبذ العلمانية التي ّ
ّ
وتوجه نخبتها نحو املطالبة بالديمقراطية على نحو أيديولوجي معكوس ،أي بعد اختزالها بصندوق اًلقتراع،
ًّ
وثقافيا ضمن هذا السياق. املعرفة ًّ
دينيا بحيث تكون نتائج الديمقراطية مضمونة ملصلحة األكثرية َّ
بهذا الوعي اًلختزالي املتبادل تخسر العلمانية ،وتخسر الديمقراطية ،وًل تربح الطوائف سوى زيادة التقوقع
على ذاتها ،وإعادة إنتاج الوعي الذاتي الطائفي ،فال "تدخل العلمانية هنا كمذهب سياس ي يدعم ا
نظاما ًّ
حرا،
ُ ّ
بل تظهر كبديل ثقافي للذات الدينية ،أي مجرد نفي للذات القومية .وهذا ما يمكن اإلسالم املستعاد من أن
يدخل الحلبة السياسية العصرية كمقاتل من أجل الديمقراطية واملساواة الغائبتين عن الدولة العلمانية،
واللتين تصطدمان مباشرة ،مع األسف ،بالنزعة اًلستبعادية الحصرية التي ينطوي عليها كل دين ،وهذا ما
تعقيداّ .إن ميل األقليات لدعم دولة علمانية يلتقي مع رغبة النخبة في إبعاد الجمهور عن
ا يزيد الوضع
السياسة والسلطة؛ وهو ًل يتناقض مع محافظتها على هويتها الدينية أو القومية ولكنه يظهر كضامن لهما.
11
بينما تشعر األغلبية أنها فقدت الكثير".
11
إن الوجه الطائفي للعلمانية ،على النحو املذكور ا
آنفاً ،ل يفعل أكثر من رفع الفوارق واًلختالف بين
الطوائف إلى درجة اإلطالق ،وتقليص التشابه بينها في التركيب الداخلي إلى الدرجة صفر ،مع أن املفعول
الرجعي لهذا النزوع الطائفي يغدو عقبة كبرى أمام اًلندماج اًلجتماعي السياس ي ،القادر وحده على صناعة
"الشعب" كمقولة سياسية ،وتكوين الدولة /األمة ،كدولة لجميع مواطنيها ،والتي ستكون باملحصلة دولة
محايدة علمانية.
ا
ثالثا :التاريخ والوعي الطائفي في سورية
-1الدائرة املغلقة (اًلحتالل واًلستقالل)
ولد الكيان السياس ي السوري ،أول مرة ،في التاريخ الحديث ،عام ،1918مع دخول امللك فيصل إلى
دمشق ورفع العلم العربي مكان علم الدولة العثمانية في ساحة املرجة بدمشق ،ولكن على الرغم من أن
حكم فيصل لم يكن أكثر من وقت مستقطع بين شوطين :عثماني وفرنس ي ،و أنه لم يستمر ألزيد من عامين
منتهيا بدخول القوات الفرنسية ،بعد معركة ميسلون 24تموز /يوليو ،1920إلى دمشق؛ ّ
فإن الكيان ا
السوري لم يكن ا
شبيها بما نعرفه اليوم عن سورية القائمة؛ إذ كان يؤمل للحكم امللكي الفيصلي أن يمتد
من جبال طوروس إلى بحر العرب ،ومن املتوسط الشرقي إلى الخليج ،لكن ما حدث كان العكس؛ ذلك ّأن
ا
معاهدة سايكس-بيكو كانت قد دخلت حيز التنفيذ؛ فـ "اقتطع منه أوًل ،دولة لبنان الكبير في 31آب/
أغسطس ،1920ثم ُجزئ الباقي إلى دويالت :دولة دمشق ،ودولة حلب ،وحكومة العلويين املستقلة،
وحكومة جبل الدروزُ .
وجعل لواء اسكندرون يتمتع باستقالل إداري ومالي خاص 12".ومن املعروف أن
فرنسا قدمت لواء اسكندورن لتركيا عام 1938؛ لضمان دخولها إلى جانب الحلفاء في الحرب العاملية
ّ
تخلى األسد /األب عنه ًّ
نهائيا عام ،1998بعد أن هددت تركيا بمهاجمة نظامه الداعم لحزب الثانية ،ثم
- 12هاشم عثمان :األحزاب السياسية في سورية ،السرية والعلنية ،رياض الريس للكتب والنشر ،الطبعة األولى تشرين األول /أكتوبر .2001
ص ،25كتاب نسخة إلكترونية.
12
العمال الكردستاني ،حيث كان يأوي زعيمه عبد هللا أوجالن ،قبل طرده و"تسليمه" للسلطات التركية؛
لتدخل عالقات البلدين -بعدها -في حالة ربيع وردي ،لم يعكره سوى اندًلع الثورة السورية في العام ،2011
وتداعياتها التي لم تنته بعد.
التركيب الطائفي واإلثني لسورية لم يكن ا
عائقا أمام وحدة "الشعب" السوري في مواجهة اًلحتالل الفرنس ي،
كما تجلى في "الثورة السورية الكبرى" التي قادها سلطان باشا األطرش عام 1925؛ بحيث لم تكن أقلوية
ا
قائد الثورة (درزيته) حائال دون إعالنه "قائد جيوش الثورة الوطنية السورية العام" 13،أو "مبايعته" من
قبل قادة الثوار في املناطق السورية كافة ،و لم تكن الثورة لتغدو "عروس" الثورات الوطنية في التاريخ
السوري الحديث برمته ،لوًل تحالف الفئات الوسطى الوطنية معها؛ فتحولت من حادثة "أدهم خنجر" إلى
ثورة وطنية كبرى ،انخرط فيها مسيحيون ومسلمونْ ،بدو وريفيون وحضر ،دمشقيون وحمويون وأبناء
جبل وعشائر ،قطاع طرق ولصوص ،وسياسيون ينبضون بالقيم الوطنية والتحررية العليا 14.وقد كان على
رأسهم "عبد الرحمن الشهبندر" زعيم حزب الشعب الدمشقي آنذاك.
ا
متمركزا حول ذاته إن الوعي الطائفي لم يتجاوز بعده الثقافي واًلجتماعي الذاتي في تلك املرحلة ،كونه ا
وعيا
سيس أو خاضع للتمايز السياس ي للطوائف ،وهذا الوعي نفسه لم يكن ا
عائقا أمام انتخاب أهليا ،وغير ُم ّ
ًّ
فارس الخوري ر ا
ئيسا للمجلس النيابي السوري عام ،1936أو توليه منصب رئاسة مجلس الوزراء السوري
ووز ايرا للمعارف والداخلية ،في تشرين األول /أكتوبر عام ،1944وأعاد تشكيل وزارته ثالث مرات في ظل
15
تولي شكري القوتلي رئاسة الجمهورية السورية.
13
أصبحت سورية جمهورية وهي تحت اًلحتالل الفرنس يّ ،
وألن فرنسا ذاتها جمهورية ،تميل إلى نسخ نفسها،
ا ا
محددا لتشكل الجمهورية في سورية بعد أن تشكلت أو مظهرها الخارجي ،حيث حكمت؛ فقد كان هذا عامال
منيا؛ فاستقر الرأي في أوساط نخب اًلستقالل ،املنحدرة من طبقة ملكيا في عهد فيصل القصير ز ًّ ا
كيانا ًّ
ًّ
تمثيليا ،ا
علما بأن املبدأ اطيا ًّ
جمهوريا وديمقر ًّ أعيان املدن التقليدية ّ
عامة؛ على أن يكون النظام السياس ي
الجمهوري الذي يحيل إلى عالم الشعب واملواطنين والعالقات السياسيةً ،ل عالم الهويات والقرابة
ا
ضعيفا وغير معمم في الثقافة السياسية؛ نتيجة غياب تيار فكري وسياس ي واسع ،يتمحور الثقافية ،بقي
16
تفكيره حول مبادئ املواطنة الفاعلة وسيادة الشعب والحرية واملساواة.
عندما نالت سورية استقاللها عام 1946كانت دولة في كثير من النواحي ،دون أن تكون أمة ،وكانت ا
كيانا
ًّ
سياسيا 17،ولكن بتأثير التعليم والجيش والصحافة واألحزاب السياسية، ا
مجتمعا ًّ
سياسيا دون أن تكون
ّ
ونشوء مجال اقتصادي موحد؛ كان يتشكل شعب سوري ،متميز -بدرجات متفاوتة -عن روابطه العضوية:
ّ ّ
واستمر العشيرة واملحلة والجماعة الدينية .وكان هذا امليل هو الغالب في العشرية األولى لالستقالل،
ا
متفاوتا حتى سبعينيات القرن العشرين ،حيث تعرض لنكسة كبيرة على يدي حافظ األسد.
تمض ثالث سنوات على استقاللها حتى دخلت سورية زمن اًلنقالبات العسكرية؛ وهو مؤشر تداعي
لم ِّ
هيمنة طبقة األعيان ،وتداعي الوجه املدني للنخب الحاكمة والنظام "الجمهوري" ،والذي سيكتمل على
دفعتين في السنوات الالحقة :عند قيام الوحدة السورية -املصرية في شباط /فبراير ،1958ثم في اًلنقالب
البعثي في آذار /مارس .1963وخالل العقدين التاليين ألول انقالب عسكري كان تاريخ سورية تاريخ صراعات
سياسية ،وانقالبات عسكرية ،واستقطابات أيديولوجية حادة ،وتجاذبات دولية وإقليمية على البلد الفتي،
وفي الخلفية تبدًلت متسارعة في الجيولوجيا اًلجتماعية في ظل بيئة سياسية محلية ودولية جديدة ا
تماما،
دون توفر أطر مؤسسية أو فكرية مرنة ًلستيعابها ،بل رافقها تطور استعدادت استبعادية في الداخل
- 16ياسين الحاج صالح :من اململكة األسدية إلى الجمهورية الثالثة ،مجلة كلمن الفصلية الثقافية ،عدد ،4خريف .2011متاحة على الرابط
.http://www.kalamon.org/articles-details-100#axzz2ffd2qezf
- 17فان دام ،ص.22
14
السوري ،بوجود مناخات سياسية وفكرية دولية مشجعة لالستبعاد ،لكن منسوب اًلستبعاد ارتفع إلى
مرتبة نظام سياس ي في عام ،1963واستقر و"تمأسس" عام .1970حيث وقعت البالد تحت الوطأة الثقيلة
18
لنظام جعل من ديمومته أولوية وطنية عليا.
كان ظهور فكرة القومية والتغيير اًلجتماعي املستمر قد ساعد على إضعاف الروابط الطائفية واإلقليمية
والعشائرية ،منذ فجر اًلستقالل خاصة؛ فنجد -على سبيل املثال -أن تحسن سبل اًلتصال واًلنتقال قد
بدد عزلة مجتمعات بعينها .أما التحديث والتصنيع؛ فقد مكنا من اختالط أعضاء املجتمعات املختلفة
بصورة أكبر وأشد من ذي قبل ،ونجد اًلنتشار الواسع للتعليم ،منذ عهد اًلستقالل وتوحيده على املستوى
الوطني ،قد تسببا في كبت العقليات اًلنصرافية الطائفية واإلقليمية وغيرها .أضف إلى ذلك أن التمدن قد
أدى إلى إضعاف الروابط األسرية .و"على الرغم من عدم املباًلة تجاه الدين ،إًل أن أهمية املجتمع الديني
كوحدة سياسية اجتماعية قد استمرت ،فتكاثرت أعداد املنظمات واألندية والجماعات الالسياسية من
ًّ
"طبيعيا" على صعيد الوعي خالل القنوات اًلجتماعية التقليدية للمجتمع الديني" 19.ولكن ما كان يتطور
الثقافي واًلجتماعي واألهلي ،كان يتقهقر على صعيد الوعي السياس ي ،حيث يقول مايكل ه .فان دوزن" :لقد
أظهر نمو الوعي السياس ي الوًلء فوق الوطني (أي :القومي العربي) والوًلء تحت الوطني (أي :اإلقليمي)؛
وذلك على حساب اًللتزام بالدولة الوطنية ككل .إن اًلقتطاعات العديدة من سورية ،منذ بداية هذا
ا
القرن ،قد وقفت حائال دون نمو أي وًلء متالحم ،أو محدد ،للدولة السورية كوطن ،وما زالت تأثيرات هذه
التغييرات الحدودية على التكامل الوطني واضحة حتى اآلن؛ فمن ناحية نجد أنه يتم مراعاة هذه الحدود،
من الناحية الفنية فحسب ،وأن الهوية العربية أقوى بكثير من الهوية السورية ،ومن ناحية أخرى ،نجد
أن عدم وجود وًلء معتدل قد أدى إلى توجيه الصراعات السياسية املحلية إلى الساحة السياسية الوطنية،
20
والتي بالفعل قد سيطرت على السياسة الوطنية".
15
-2العسكر ،البعث ،والطائفية
قيض للحقبة الفيصلية اًلستمرار ألكثر من عامين ( ،من 1918إلى )1920؛ لتدخل سورية -بعدها- لم ُي َّ
يتسن لحقبة اًلستقالل عن الفرنسيين أن تستمر أكثر من سنتين ا
أيضا( ،من َّ عهد اًلنتداب الفرنس ي ،ولم
1946إلى )1948؛ لتدخل سورية ،واملنطقة العربية معها ،في مرحلة جديدة ،كانت تداعياتها أخطر من
تداعيات سايكس /بيكو ذاتها ،تمثلت بنكبة فلسطين وإعالن دولة إسرائيل ،وإذا كان أثر النكبة على
مباشراّ ،
فإن أثره على املنطقة برمتها كان غير مباشر ،ما زلنا -إلى اليوم -ندفع ا فلسطين والشعب الفلسطيني
أثمانه الباهظة بطريقة أو بأخرى؛ ففي سورية تراجعت النخب السياسية املدنية لصالح تقدم العسكر
ّ ا
عاما تلو اآلخر ،وشاعت ثقافة شعبية ترى في العسكر مخلصين ،وساد وعي زائف بالقوة املفترضة للعسكر،
ّ
املكثف بهدر الكرامة ّ ا
جراء فقدان فلسطين ،وقد انعكس ذلك في اًلنقالبات تعويضا عن اإلحساس
العسكرية التي تلت عام النكبة .ومن املالحظات التي يغفلها املؤرخون -عادة -هي أن تقدم العسكر إلى واجهة
ُ
الحياة السياسية ،في غياب مفهوم الشعب بمعناه السياس ي ،وعدم تشكل دولة أمة ،لم تتحقق حتى يومنا
هذا ،جعل العسكر يتجهون؛ بوعي منهم أو دون وعي ،نحو الوًلء العشائري واملناطقي والطائفي ،حتى لو
كانت شعاراتهم ،أو "آمالهم الصادقة" ،متجهة نحو بناء الدولة أو سيادة الوطن؛ فالطبيعة العسكرية
مضادة لالعتراف باًلختالف ،ومحكومة بفرض الطاعة عن طريق القوة ّ
الفجة والوًلء املطلق ،وًل يمكن أن
يتحقق هذا النوع من الوًلء في ظل غياب "الدولة األمة" من غير اًلعتماد على القرابة األهلية والطائفية،
ا ا ا
واضحا عن هذه "املبادئ" إطالقا. خروجا واملتتبع لحكم الجنراًلت ،في سورية منذ استقاللها ،لن يجد
لقد ساهم العديد من العوامل السياسية التاريخية واًلجتماعية اًلقتصادية في إيجاد تمثيل قوي ألعضاء
األقليات في القوات املسلحة السورية ،قبل استيالء الضباط البعثيين على السلطة عام 1963؛ ويرجع تاريخ
أحد تلك العوامل إلى وقت كانت فيه سورية تحت اًلنتداب الفرنس ي ،وكان الفرنسيون قد فضلوا تجنيد
مختلف األقليات الدينية والعرقية ،كالدروز واإلسماعيليين واملسيحيين واألكراد والشراكسة فيما يسمى
بـ"القوات الخاصة للشرق األدنى" ،والتي تطورت -فيما بعد -لتصبح "القوات املسلحة السورية واللبنانية"،
الس ّنة ؛ مما يفصح عنيضموا إلى تلك القوات األغلبية السورية من العرب ُ
لكنهم -في الوقت نفسه -لم ّ
16
ّ َ
"فرق ت ُسد" اًلستعمارية ،والتي كانت تهدف إلى منعهم من الوصول إلى مكانة قوية ،تجعلهم يشكلون
سياسة ِّ
خطرا على وضع اإلدا ة املركزية .إن سياسة التجنيد الفرنسية اتبعت ا
تقليدا رسمته القوى اًلستعمارية في ا
ر
ا العديد من الدول التابعة لها ،إذ ّ
تجند –في البداية -عاملين ،ثم ضباطا من بين املجموعات العشائرية
النائية عن العاصمة املركزية ،ومن مجموعات األقليات ،وخاصة املجموعات ذات التطلعات املحدودة نحو
ا
تطورا من الناحية اًلقتصادية؛ اًلستقالل ،وعادة ما كانت تنحدر تلك املجموعات من املناطق األقل
21
لذلك ،فقد جذبتهم الفرص املتاحة لهم داخل الجيش.
َبيد أن فرنسا املحكومة بتصورات اًلستشراق ،ووريثة "املسألة الشرقية" ،حافظت على بقاء الحكم بيد
ّ
(السنة) ،كونه من الطبيعي أًل تهتم دولة محتلة ببناء أكثرية سياسية ،ومجتمع سياس ي األكثرية الثقافية
َّ
انصب في الحفاظ على الطابع "الفسيفسائي" يقود لالندماج الوطني ،بل إن اهتمامها األول كان قد
ملجمعاتنا ،ونقل الوضع اًلجتماعي إلى حيز الوضع السياس ي؛ ليسهل عليها تطبيق سياسة "فرق تسد"
املعروفة.
في املرحلة التي تلت اًلستقالل أصبح الجيش قوة فاعلة على الساحة السياسية السورية ،وًل ّ
سيما بعد
قدم العسكر أنفسهم على أنهم الجهة التي يناط بها استعادة الحقوق والتحرير ،ومننكبة فلسطين ،إذ َّ
ا
الطبيعي ؛ أن يصبح قادة الجيش السنة قادة للبالد ،تبعا لالتفاق الضمني بين الطوائف والعرف املكتسب
من عهد اًلحتالل ،وهو ما حصل خالل اًلنقالبات العسكرية التي تلت اًلستقالل مباشرة ،ومن الجدير
ذكره في هذا السياق أن قادة اًلنقالبات( :حسني الزعيم ،سامي الحناوي ،أديب الشيشكلي) التي شهدتها
"س ّنة" ،وكذلك قادة اًلنقالب على الوحدة مع مصر عام ،1961حيث كان بقيادة
سورية في تلك املرحلة هم ُ
الضابط الدمشقي عبد الكريم النحالوي.
"نظرية َّ
ثورية" تتكئ عليها ،وهذا هو الدور الذي لعبه حزب َّ ّ
العملية بحاجة دائمة إلى كانت "ثورية" الجيش
ا
ترحيبا من البعث منذ انقالبه األول عام ،1963لكن حزب البعث ،ومنذ تشكيله عام ،1947لم َ
يلق
17
ًّ
طبقيا ،وبين األقليات املدينيين باملعنى الطبقى ،وا ّ
لسنة باملعنى الطائفي؛ لذا انتشر في املناطق الريفية
مهما للسنة ا
جديدا ًّ طائفيا؛ فالقومية العربية التي كانت أحد أهداف الحزب لم تعن ًّ اإلثنية واملذهبية
ّ
العرب؛ حيث لم يتشكل في وعيهم ،أو ًلوعيهم ،فارق كبير بين العروبة واإلسالم ،على عكس األقليات ،ممثلة
بنخبها ،التي عنت لها القومية ،كما طرحها الحزب ،املساواة السياسية والحقوقية واًلقتصادية مع األكثرية
في الدولة القومية ،،لكن التناقضات املتوارية خلف الشعارات ما لبثت أن ظهرت فور انقالب البعث على
حكومة اًلنفصال؛ ففي صراعه على السلطة ،واًلنفراد بها منذ عام ،1963تميز حزب البعث باملرونة في
ا
فشيئا، اعتماد عصبيات تتالءم مع كل محطة من محطات هذا الصراع ،والتي كانت دوائرها تضيق ا
شيئا
فمن اًلعتماد على "العصبية" القومية عندما تحالف مع الناصريين في مواجهة اًلنفصاليين ،إلى اًلعتماد
على "العصبية البعثية" من أجل تصفية حلفاء األمس :الناصريين والوحدويين املستقلين؛ الذين حاولوا
استعادة حضورهم ودورهم في 18تموز /يوليو 1963عبر انقالب فاشل بقيادة الضابط الناصري جاسم
علوان ،22ثم اًلعتماد -بعد ذلك -على صالت القرابة الطائفية واملناطقية ،وًل ّ
سيما حين انتقلت دائرة
الصراع إلى قلب البعث ذاته؛ لتصل إلى اًلعتماد على األهل والدائرة الضيقة من أهل الثقة ،إثر الخالف
الذي نشأ بين صالح جديد وحافظ األسد ،وسيستمر هذا األمر بدرجات متفاوتة بعد حسم الخالف لصالح
األسد ،والذي كان أول رئيس من أصول علوية يحكم سورية ،ليصل إلى ذروته إبان املواجهات بين السلطة
واألخوان املسلمين في ثمانينيات القرن املنصرم؛ حيث سيضطر األسد بعد انتهائها إلى التخلص من أخيه
فعت؛ أكبر مسانديه في مواجهة األخوان ّ
ومنفذ مجزرة سجن تدمر؛ فيستبعد -هذا األخير -خارج البالد ر
بعد تحميله أموال البنك املركزي ،وتنتهي األمور بحكم ساللي مطلق ،يعود للرئيس وأوًلده دون غيرهم.
كما أن املتتبع للبنية اإلبستمولوجية املغلقة للبعث ،منذ استيالئه على السلطة ،سيجد أن الطرق اإلجبارية
التي سار عبرها ،بقوة دفع منفصلة عن النوايا ،قد انتهت بتصفية طائفية ومناطقية مرتبطة باحتكار
السلطة ومراكز القوة ،دون أن يكون أعضاء طائفة معينة أقل طائفية ،أو أكثر "وطنية" ،من الطوائف
األخرى ،باملعنى املطلق للعبارة ،فالصراع على السلطة في سورية لم يكن له دين سوى السلطة ذاتها ،وهذا
18
الدرس هو الدرس الذي حفظه عن ظهر قلب ،ثم قام بتنفيذه ًّ
حرفيا ،حافظ األسد خالل الفترة الطويلة
لحكمه.
ذكرنا أنه بعد تصفية املنافسين من خارج الحزب ،بدأت التصفيات داخل الحزب ذاته ،على أسس طائفية
ّا َ
ومناطقية وعشائرية مختلفة ،وطفت التناقضات العسكرية واملدنية بين يمين الحزب ،ممثال بميشيل
عين ،والضابطعفلق وصالح البيطار والضابط محمد عمران ،ويساره بقيادة نور الدين األتاس ي ،ويوسف ز ّ
صالح جديد؛ "وقد ّ
جر زعماء الحزب املدنيون األعضاء العسكريين في هذه الصراعات؛ فاستعانت القيادة
القومية بمحمد عمران وأمين الحافظ وحسين ملحم ومصطفى الحاج ،واستعانت القيادة القطرية بصالح
جديد وعبد الكريم الجندي وأحمد املير وحافظ أسد وسليم حاطوم وحمد عبيد ،وجميعهم من أعضاء
اللجنة العسكري للحزب 23".واللجنة العسكرية للحزب كانت قد تشكلت -بداية -من خمسة ضباط( :ثالثة
علويون :حافظ األسد ،صالح جديد ،ومحمد عمران ،وإثنان إسماعيليان :عبد الكريم الجندي وأحمد
َّ جميعا كانوا في مصر عام ،1959ثم ّ
ا
توسعت اللجنة -في ما بعد -لتؤلف من خمسة عشر املير) ،وهؤًلء
ا
ضابطا( :ستة ضباط ّ
سنة وخمسة علويون ودرز ّيان وإسماعيليان) 24.وقد بقي معظم ضباط اللجنة -
هؤًلء -بعيدين عن أي دور سياس ي أثناء الوحدة ،إًل أن دورهم أصبح ر ا
ئيسا في اًلنقالب على حكم
اًلنفصال ،الذي أعاد السلطة إلى الدمشقيين وأعيان املدن ممن ّ
همشهم عبد الناصر أثناء الوحدة.
ا ا ّ
مزدوجا ملصالح النخب املدينية ،صاحبة اًلمتيازات اًلقتصادية تهديدا شكل انقالب البعث العسكري
واًلجتماعية والتقاليد املحافظة؛ فإضافة إلى أن من قام به ضباط وحدويون ينتمون إلى تيارات عروبية
اشتراكية (ناصرية وبعثية) ،فإنه يفتح -كذلك -إمكانية عودة الوحدة مع مصر ،وما يعنيه ذلك من تهميش
ا
وخصوصا دمشق؛ لذلك كانت أحد ردود الفعل على انقالب البعث القول بأنه جديد للمدن السورية،
- 23بشير زين العابدين :الجيش والسياسة في سوريا ( ،)2000 -1918دراسة نقدية ،دار الجابية ،ط(،2008 1نسخة الكترونية) ص.353
- 24فان دام ،ص.59
19
انقالب طائفي ،قوامه علويون ودروز وإسماعيليون (عدس) ،على الرغم من حضور الضباط السنة من
التيارين :البعثي والناصري في اًلنقالب.
أما على الصعيد السياس ي ،فقد تبنى البعث سياسة تهدف إلى ترسيخ حكم الحزب الواحد ،وإلغاء جميع
األحزاب الوطنية التقليدية ،وتحقيق دمج كامل بين مؤسسات الحكم املدني والجيش ،وتم تنفيذ هذه
السياسة من خالل قالب إيديولوجي ،يرتكز على مبدأ "الجيش العقائدي" ،وترسيخ البعث كحزب "قائد
للدولة واملجتمع".
ونتيجة لهذه املتغيرات التي طرأت على العالقات بين الحكم املدني والجيش؛ فقد تغيرت مراكز القوى في
املشهد السياس ي؛ فلم يعد لرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرملان تلك األهمية السياسية ،بل
انتقل النفوذ الفعلي إلى األجهزة الحزبية التي تمتعت بصالحيات أوسع من املؤسسات الدستورية ،ومن
أهمها :مجلس قيادة الثورة ،والقيادة القومية ،والقيادة القطرية ،واللجنة العسكرية ،ورئاسة األركان،
وأصبح رؤساء الجمهورية والحكومة والبرملان مجرد شخصيات هامشية ّ
تعينها الزعامة املدنية والقيادة
25
العسكرية لحزب البعث.
بعد أن ّ
ترسخ اًلنقالب البعثي األول عام ،1963جرت وتغيرت عدة تحالفات طائفية ،وعابرة للطوائف،
وبرز العامل الطائفي كواحد من أهم العوامل املفسرة ملا يجري في سورية آنذاك .وإذا قسنا األمور باملعيار
الطائفي سنجد أن التنافس األقوى على السلطة كان بين العلويين والسنة ،ثم يليهم الدروز ،وأن موازين
القوى العسكرية املباشرة كانت تميل بشكل واضح إلى العلويين ،وبعدهم الدروز ،مع بقاء موازين القوى
عددا ،لذلك نجد ّأن الضباط الذين تمت تصفيتهم خالل السنوات املمتدة
غير املباشرة بيد السنة األكثر ا
بين ،1967 -1963وًل ّ
سيما إبان انقالب البعث الثاني ضد الرئيس أمين الحافظ في 23شباط ،1966هم
ثانيا ،وًل ّ ا
أوًل ،ثم الدروز ا
سيما الذين ساهموا في اًلنقالب الفاشل الذي قاده سليم حاطوم الضباط السنة
ضد صالح جديد وحافظ األسد في أيلول /سبتمبر من العام نفسه ،و"قد وصل عدد الضباط الذين تمت
20
تصفيتهم ،وإزاحتهم بطرق مختلفة ،إلى نحو 700ضابط ،تم استبدال نصفهم على األقل بعلويين"، 26.و
"قد كان هؤًلء الضباط من الدمشقيين ،والناصريين ،والوحدويين املستقلين ،ثم بعد ذلك تبعهم أكثر من
400ضابط من أنصار أمين الحافظ وسليم حاطوم ،وخاصة الضباط الدروز والحوارانيين .وعندما دخلت
سنة ،1967كان الجيش السوري قد فقد أكثر من ألفين ومائتي ضابط ،وثالثة آًلف ضابط من اًلحتياط،
ويعادل ذلك ثلثي ضباط املؤسسة العسكرية بأسرها ،وتم استبدالهم بمجموعات حزبية طائفية تمتلك
عقلية تنظيمية متطورة ،لكنها كانت مرصودة للصراعات الداخلية والسيطرة على السلطةً ،ل على مواجهة
العدو الصهيوني" 27.وفي تلك الظروف العصيبة دخل الجيش السوري "العقائدي" معركة حزيران /يونيو
،1967وكان تعداده يقدر بحوالي 75000مقاتل ،وفي الوقت الذي كان فيه رئيس اًلستخبارات العسكرية
ا
السورية عبد الكريم الجندي مشغوًل بالتحقيقات املتتالية بشأن املحاوًلت اًلنقالبية( ،وإعدام سليم
حاطوم الذي عاد من منفاه في األردن عند وقوع الحرب) ، 28وبمالحقة املعارضين لحكم صالح جديد ،كان
جهاز اًلستخبارات اإلسرائيلية (املوساد) يعمل على جمع املعلومات عن التحصينات السورية حول هضبة
الجوًلن ،وعندما اقتحم الجيش اإلسرائيلي هضبة الجوًلن بلواءين مدرعين مقابل تسعة ألوية سورية،
دخلها دون مقاومة تذكر؛ فقد كانت القوات السورية املحاصرة قد تلقت أوامر مباشرة من وزير الدفاع
29
السوري اللواء حافظ أسد باًلنسحاب "الكيفي" دون قتال؛ فسقطت الجوًلن.
في املرحلة الالحقة لإلطاحة بالرئيس أمين الحافظ ومعارض ي صالح جديد اآلخرين في القيادة القومية،
تجمع معظم الضباط البعثيين وأعضاء الحزب املدنيون ،إما حول صالح جديد ،أو حول حافظ األسد، ّ
اللذين كانا أبرز السياسيين في سورية حينذاك 30.لكن صالح جديد الذي تخلى عن مهماته العسكرية في
ا
شاغرا الحزب؛ ليبقى في شقه املدني ا
نائبا لألمين العام للحزب ،الرئيس نور الدين األتاس ي ،ترك املكان
21
لحافظ األسد الذي انتقل من قائد للقوات الجوية عام 1964إلى وزير للدفاع ،بعد اًلنقالب على أمين
الحافظ ،ثم بعد الخالفات التي دارت بينه و صالح جديد استقال حافظ من الحزب ،على الرغم من انتخابه
في القيادة القطرية ،وقرر إحكام سيطرته على القوات املسلحة ،بفصل الجهاز العسكري للحزب عن قيادة
الحزب املدنية ،كما أصدر أوامر بمنع أعضاء القيادة القطرية ،أو مسؤولي الحزب املدنيين اآلخرين ،من
زيارة أقسام تنظيم الحزب العسكري ،أو القيام باتصاًلت مباشرة مع قطاع الحزب العسكري؛31مما فاقم
ا
حدة النزاع واملناورات بين الشق املدني ممثال بصالح جديد ،والشق العسكري الذي يقوده حافظ أسد ،إلى
أن انعقد املؤتمر القومي اًلستثنائي العاشر للحزب في دمشق ،أواخر تشرين األول /أكتوبر عام ،1970
حيث تقرر فيه إعفاء كل من وزير الدفاع حافظ األسد ،ورئيس األركان املوالي األبرز لألسد مصطفى طالس،
من منصبيهما ،وتكليفهما بمهمات حزبية ،لكن األسد كان قد اتخذ احتياطاته الالزمة قبل املؤتمر؛ فأمر
العسكريين باحتالل مكاتب القسم املدني للحزب ،وكذلك املنظمات الشعبية البعثية ،وإلقاء القبض على
أبرز قادة الحزب املدنيين ،بمن فيهم صالح جديد والرئيس نور الدين األتاس ي ،ثم ألقي هؤًلء في السجن
حتى تسعينيات القرن املاض ي؛ فمات األول في السجن عام ،1993وخرج الثاني -بعد عشرين ا
عاما -من
سجنه ليوافيه املوت بعد خروجه بفترة قصيرة 32.وبحافظ األسد ابتدأ عهد جديد في سورية ،هو العهد
ا
طويال بعد ذاك ،فال ّ ُ
يغير الحزب فحسب، البعثي الثالث الذي ق ّيض له ،بحكم القوة املحضة ،أن يستمر
33 بل ّ
يغير سورية الحديثة كلها.
22
-3البعث واإلسالميون
وسط انتشار األحزاب "التقدمية" في الستينيات ،ومن بينها حزب البعث ،برزت جماعة اإلخوان
املسلمين ،بوصفها القوة املعارضة الوحيدة التي تستطيع أن تجابه سلطة البعثيين الجدد ،وقد بدأت
املواجهات بين البعثيين واألخوان املسلمين في حمص عام ،1963حيث حاول اإلخوان تصوير أن معركتهم
تعود إلى انحراف "البعث امللحد" عن الدين ،وإلى إقصاء واضطهاد األكثرية املسلمة السنية لصالح إعطاء
دور لألقليات يفوق حجمها .وما لبث أن وصل الشحن الطائفي إلى بانياس التي تطورت فيها األمور إثر صدام
وقع بين طالب ّ
سنة وعلويين عام ،1964وقد اجتهدت املعارضة اإلسالمية ،ممثلة باإلخوان ،في إعطاء هذا
ًّ
طائفيا ،كما ساهم النظام البعثي بدوره في هذا األمر ،عبر تأكيده على الطابع الطائفي التصادم ا
طابعا
للمواجهات ،ولكن من موقع الحكم على الطرف اإلسالمي بأنه رجعي ،يسعى إلى الفتنة ،وفي العام نفسه،
قام الشيخ مروان حديد بإعالن عصيانه من جامع السلطان في حماة ،على خلفية اعتقال أحد الطالب
الحمويين؛ فحصلت مواجهات بين اإلسالميين والبعثيين ،كانت األعنف بينهما حتى ذلك الوقت؛ لتنتهي -
بعد ذلك -باستخدام العنف من قبل السلطة البعثية ،والسيطرة على مجريات األمور.
بعد انقالب حافظ األسد على رفاقه البعثيين عام ،1970الذي أطلق عليه اسم "الحركة التصحيحية" ،ثم
توليه رئاسة الجمهورية في آذار /مارس ،1971حاول التقرب من النخبة املدينية السنية ،وًل ّ
سيما
اًلقتصاديين والتجار ،وقد كانت اًلستجابة في دمشق وحلب كبيرة ،حيث تم استقباله في حلب بالهتافات
والصخب اًلحتفالي ،وحمله مع سيارته خالل زيارته أحد األسواق الحلبية ،لكن تدهور الوضع اًلقتصادي
ًّ ا في السنوات الالحقة ،وًل ّ
جوهريا في إطار النظام سيما بعد الحرب املكلفة عام 34،1973أضيف إليه تحوًل
األمني الذي أخذ شرعيته من الحرب ذاتها ،ففي الوقت الذي ساهمت فيه الحرب بتصوير األسد كبطل
قومي في اإلعالم السوري ،ساعدت على تحويل العدو ،و الحرب ذاتها ،نحو الداخل السوري؛ فقد كانت
ا حرب تشرين ًّ
حدا فاصال ،تم على إثره توجيه عالقة النظام مع إسرائيل نحو السياسة ،وتحويل عالقة
ُ
- 34قدرت أضرار البنية التحتية السورية التي دمرتها إسرائيل بـ 4,5مليار دوًلر ،ونزح نحو ثمانون ألف مواطن من القنيطرة نحو الداخل،
خسرت سوريا 29قرية إضافية عما كانت قد خسرته في نكسة حزيران عام .1967
23
النظام مع الشعب السوري ،ومع املعارضة ،نحو الحرب ،أو بمعنى آخرُ ،سحبت السياسة من الداخل إلى
ا الخارجُ ،
وسحبت الحرب من الخارج إلى الداخل .كل ذلك بدأت نتائجه بالتصاعد عاما تلو آخر؛ حيث بدأ
ينمو احتجاج إسالمي على خلفية الدستور الدائم لعام ،1973والذي تشير املادة الثالثة منه -صراحة -إلى
أن دين رئيس الجمهورية هو اإلسالم ،وهو ما يشكك في شرعية الرئيس "العلوي" ،حيث أن معظم
اإلسالميين ًل يعترفون بالعلويين كمسلمين ،إًل أن األسد وجد الحل الفوري في فتوى اإلمام موس ى الصدر،
إذ في العام نفسه يعلن أن العلويين مسلمون ينتمون للمذهب الشيعي ،وفي العام ،1975بدأ التوتر
اإلسالمي يتصاعد عندما اعتقل الشيخ الحموي مروان حديد ،بعد تأسيسه تنظيم "كتائب محمد" الذي
سيكون -في ما بعد -نواة تنظيم "الطليعة املقاتلة" ،والشيخ املعتقل يموت في سجنه تحت التعذيب عام
،1976وفي العام نفسه بدأت مظاهر التوتر األمني على صورة سلسلة اغتياًلت ،تزامنت مع التدخل
السوري في لبنان ،واستهدفت ا
عددا من املسؤولين السوريين ،وًل ّ
سيما العلويين منهم ،وقد اعتبر الكثيرون
بأن حملة اًلغتياًلت -هذه -انعكاس لسياسة حافظ أسد الداخلية ،في تعيين أبناء طائفته في املناصب
املدنية والعسكرية على حساب األغلبية السنية 35.وبعد ثالث سنوات؛ حيث كان نشاط اإلخوان املسلمين
في أوجه ،قامت مجموعة أطلقت على نفسها اسم " املجاهدين" ،وعبر نشرة سرية أصدرتها تحت اسم
36
"النذير" ،بتبني هذه اًلغتياًلت.
قاتما للغاية في سورية؛ فانتشر الخوف وعم الرعب بين الناسُ ،
وعقد في تلك السنوات أصبح الوضع ا
ا
عنصرا من املؤتمر القطري السابع في نيسان /أبريل 1979؛ فعرض رفعت األسد مكافأة لكل من يقتل
عناصر اإلخوان املسلمين ،لم يلبث عرض رفعت أكثر من شهرين حتى جاء رد املعارضة اإلسالمية التي
يقودها اإلخوان ؛ ففي 16حزيران /يونيو من العام ذاته ،قام ضابط سني بعثي بارتكاب مجزرة في مدرسة
ًّ
عسكريا ،وأصيب ،54ومعظم الضحايا كانوا من املدفعية بحلب ،راح ضحيتها ما ًل يقل عن 32ا
طالبا
24
العلويين 37.لكن جماعة األخوان املسلمين أعلنت عدم مسؤوليتها عن هذه املذبحة ،ونفت أي صلة بينها
وبين تنظيم الطليعة املقاتلة ،إًل أن ما حدث -بعد ذلك -كان اضطرابات مدنية دامية ،جرت في طول البالد
وعرضها؛ حيث شن النظام حملة إعالمية وأمنية شديدة ضد الجماعة ،تزامنت مع عمليات خطف
واغتياًلت واسعة النطاق وقعت ضد املعارضين للحكم ،داخل سورية وخارجها ،وشملت ا
عددا من
38
املعارضين للنظام السوري من اللبنانيين والسوريين والفلسطينين.
استمر في التفاعلّ ،
وتطور بشكل خطير عندما قام مجاهدو اإلخوان ّ لم يتوقف التحريض الطائفي ،بل
بمحاولة فاشلة ًلغتيال الرئيس حافظ األسد في 26حزيران /يونيو ،1980إذ نجا منها بأعجوبة ،وبعد أقل
من أسبوعين أصدر مجلس الشعب السوري في 7تموز /يوليو 1980قانونه رقم ( ،)49الذي يقض ي باعتبار
عضوية اإلخوان املسلمين جريمة عظمى ،عقوبتها اإلعدام ،لكن الرد الدموي اًلنتقامي جاء -قبل ذلك -على
يد رفعت األسد الذي أرسل وحدتين من سرايا الدفاع ،بقيادة صهره الرائد معين ناصيف إلى سجن تدمر
ا
جميعا ،وتذكر العسكري ،بطيران الهليكوبتر ،وأمرهم بقتل أعضاء اإلخوان املسلمين املسجونين فيه
ا
جميعا بصورة وحشية في مصادر مختلفة أن عدد القتلى تراوح -يومها -بين 550و 1000معتقل ،تم قتلهم
39 زنازينهم ر ا
ميا بالرصاص.
لم تمنع التدابير القمعية التي اعتمدها النظام السوري ضد اإلخوان املسلمين استمرار معارضة هؤًلء ،بل
على النقيض من ذلك ،ومع نهاية عام ّ ،1980
تكون تحالف ّ
ضم العديد من الجماعات اإلسالمية بقيادة
25
اإلخوان املسلمين باسم "الجبهة اإلسالمية في سورية" ،ثم أصد ت ا
بيانا ًّ
ثوريا تحت عنوان "بيان الثورة ر
اإلسالمية في سورية ،ومناهجها" ،دعت فيه العلويين إلى مراجعة حساباتهم ،والعودة للتعقل قبل فوات
األوان؛ حيث "وصلت األمور إلى مرحلة الالعودة" ،وأنه "لن تكون هناك هدنة مع النظام قبل انهياره وذهابه
ا
إلى غير رجعة" .40في املقابل لجأت السلطات السورية إلى سياسة أدت إلى إذكاء الصراع بدًل من احتوائه؛
ّ
فقامت بتطهير أجهزة األمن والجيش من العناصر السنية ،وإحالل العلويين مكانها ،إذ تردد الحديث في
شهر أيار /مايو ،1980عن قيام النظام السوري بتسريح 900ضابط وضابط صف من الجيش وأجهزة
األمن ،وإحالة عدد آخر من العسكريين ّ
السنة إلى وظائف مدنية 41.ومع استمرار التوتر األمني والعسكري
وصلت املواجهات الدموية إلى ذروتها في شباط /فبراير ،1982في مدينة حماه؛ حيث قامت فرق الجيش
السوري ،مدعمة بالدبابات واملدفعية الثقيلة وراجمات الصورايخ والطائرات املروحية ،بحملة عسكرية
واسعة ،قوامها ثالثون ألف جندي تولوا ،على مدى أيام ،تدمير املدينة القديمة بما فيها بعض أشهر مبانيها
التراثية ،ودور عبادتها اإلسالمية واملسيحية ،و"متحف العظم" الحافظ بعض ذاكرتها ،وأخذت الصالح
بجريرة "الطالح"؛ فقتلت القوات ا
عددا من أهالي املدينة ،خفضه النظام إلى ثالثة آًلف نسمة ،ورفعه بعض
معا ضيه إلى أ بعين ا
ألفا ،ومن قبيل محو الجريمة ،أقيمت في مكان املدينة القديمة مدينة حديثة ،ذات ر ر
طرقات عريضة ،ومبان مرتفعة ،ومتاجر ذات واجهات مزركشة ،إًل أن قيامها فوق الجماجم واألنقاض
42
وسم "حداثيتها" تلك ببربرية يصعب تمويهها.
26
-4في طائفية "سورية األسد"
يذكر باتريك سيل في كتابه عن األسد ،أنه في منزل "رفعت" باملزة ،وقف األخوان آخر األمر ا
وجها لوجه،
فسأل حافظ" :أتريد أن تقلب النظام؟ هأنذا .أنا النظام" 43.والحقيقة بعد تلك الحادثة التي جرت في عام
،1983والتي كانت نهاية الصراع "األخوي" على السلطة ،وبعد أن تخلص حافظ األسد -قبل ذلك -من
املعارضة اليمينية اإلسالمية ،ممثلة باألخوان املسلمين ،وتخلص من املعارضة اليسارية بجريرتها في الوقت
نفسه ،حيث ّزج معظم أعضائها وأهم قادتها في السجون؛ لم يكن األسد هو النظام فحسب ،بل أصبح ملك
سورية بال منازع ،إنها "سورية األسد"! وفي سورية األسد حيث كان الكالم الصريح في الطوائف والطائفية
ا
محرما كانت أجهزة الدولة ،أهم مفاصلها ومؤسساتها ،بيد الثقات واألقارب من الطائفة العلوية ،وكانت
ظاهرة "العلي"( ،أشهرهم علي دوبا ،علي أصالن ،علي حيدر ،وعلي حبيب ..الخ) ،هي األقوى في األمن
ا
سيطرا عليها بشكل والدفاع ،كما كانت أجهزة األمن التي تدربت وتأهلت وأخذت مجدها منذ عام ُ ،1978م
شبه مطلق من العلويين ،هذا إضافة إلى جهاز اإلعالم الذي تناوب على قيادته وزراء علويون في كامل العهد
ًّ
وعضويا في نظام األسد؛ ففي ياديا األسدي األول ،وفي ذاك العهد ا
أيضا لعب جهازي األمن واإلعالم دو ارا ر ًّ
الوقت الذي كان دور أجهزة األمن منع تسمية األشياء بمسمياتها ،كان دور الجهاز اإلعالمي تسمية األشياء
بغير مسمياتها ،وفي الوقت الذي كانت سورية بأمس الحاجة إلى نزع سياسة األمن وإعادة األمن ا
أمنا ًّ
وطنيا،
ا
وطنيا ،ونزع حزبية الدولة ور ّدها دولة وطنية ،فإن العكس هو ماجيشا ًّ "عقيدية" الجيش ور ّده
ّ ونزع
ا حصل 44.أي أن أجهزة األمن باتت هي الجهة األكثر إر ا
عابا للسوريين ،واألكثر إخالًل بأمنهم؛ وبحصانة
"قانونية" ،والجيش أصبح أكثر عقائدية ووًلء "للحزب والقائد" ،بعد أن أصبح الوطن ًل يعني ًّ
عمليا أكثر
من النظام ذاته ،وأما حزب البعث فقد ّ
تحول أداة هيمنة شعبية لصناعة "الطالئع" و"الشبيبة" و"اتحاد
الطلبة" الجامعي ،فيما بقي األسد ذاته واألقربون (األولى بالسلطة)؛ وًل ّ
سيما من يحملون كرت الوًلء
الطائفي ،خارج اللعبة الحزبية ،أو باألحرى فوقها.
- 43باتريك سيل :األسد ،الصراع على الشرق األوسط ،شركة املطبوعات للتوزيع والنشر ،بيروت -لبنان ،الطبعة العاشرة ،2007ص .702
ُ
- 44ياسين الحاج صالح :السير على قدم واحدة -سوريا املقالة ،دار اآلداب ،بيروت ،الطبعة األولى ،2012ص.67
27
لكن األسد صاحب الهزائم الكبرى (-73 -67ولبنان -82ثم اتفاق أضنة ،)98واًلنتصارات الصغرى
(القضاء على جميع أشكال املعارضة من صالح جديد إلى أخوه رفعت ،ومن اليمين اإلسالمي إلى اليسار
العلماني) ،لم يكن ليثق بأحد من طائفته أو غيرها على اإلطالق ،لذلك عمل على نشر انعدام الثقة من
ا
الجميع وبين الجميع ،وهذا ما ساد فعال ،سواء أكان بين القادة األمنيين أم القادة العسكريين ،الطوائف
فيما بينها أم أهل الطائفة الواحدة فيما بينهم ،وباملحصلة ،كان خوف الناس بعضهم ،وعدم الثقة املتبادل
بين جميع السوريين ،هو الجائزة الكبرى التي ّ
سهلت قيادة األسد للسوريين ،وجعلت الوشاية والفساد أشبه
بالعقد اًلجتماعي السوري ،فمن يزرع الوشاية يحصد الوًلء ،ومن يزرع الخوف يحصد الطاعة ،أو التمرد
املطلق مثلما فعل السوريون في ثورتهم.
ّ
ُبنيت طائفية "سورية األسد" على عدة ركائز ،مغلفة بمقوًلت شكلية ًل تحوي أكثر من أضدادها ،مثل)1( :
واحدا ،أو كتلة سديمية غير متمايزة ،خلفا الوحدة الوطنية :وكان معناها النظري هو الوقوف ا
صفا
"القيادة الحكيمة" ،أما معناها العملي فهو صيانة اًلنقسام الطائفي املوجود ،ومنع املنازعات الطائفية
املفتوحة بين الطوائف )2( .العروبة :وكان معناها النظري عروبة سورية املاهوية وقوميتها ،أما معناها
العملي فهو طرد جميع القوميات السورية غير العربية من املجال الرمزي للوطنية السورية ،وحرمان ما
يقارب الربع مليون كردي من الجنسية السورية ،إضافة إلى احتكار معنى خاص وفضفاض للعروبةّ ،
يسهل
تخوين عرب آخرين ،مختلفين في التوجه والسياسة؛ بحيث لم يسلم بلد عربي ،قريب أو بعيد ،من تخوينات
نظام األسد األب وبعده اًلبن ،وقد تم ذلك بحسب الحاجة والغرض السياس ي )3( .الحزب القائد للدولة
واملجتمع :لقد بات حزب البعث يبدو كطائفة مستقلة بين الطوائف ،فقد كانت طائفة البعثيين تتميز
بدرجة عن طائفة األحزاب التابعة في "الجبهة الوطنية التقدمية" ،وبدرجات (مرتبطة مباشرة بالتمايز في
التعليم والوظائف الحكومية والبروز اًلجتماعي ومعظم شؤون الحياة األخرى) عن طائفة غير الحزبيين أو
ا
"الحياديين اًليجابيين" كما سمتهم قوائم البعث ،وتتميز إطالقا عن طائفة املعارضة السياسية املنبوذة
سرية غير مرخصة ،وغير قابلة للترخيص ،إضافة إلى حزب و"الخائنة" ،املكونة من طائفة أحزاب يسارية ّ
ا
اإلخوان املسلمين الذي كان اًلنتساب إليه يعني حكما باإلعدام وفق قانون 49الشهير.
28
جمهوريا ،يقوم على حكم مدني ضعيف ،ومؤسسة عسكرية ًّ ورثت سورية عن اًلنتداب الفرنس ي ا
نظاما
مهيمنة ،يغلب عليها العنصر الطائفي ،كما ذكرنا ا
سابقا ،وعندما تولى حافظ أسد الحكم قام بترسيخ ذلك
اإلرث عن طريق إضعاف الحكم املدني ،وربط توازن نظام الحكم بمجموعة من الفرق العسكرية واألجهزة
األمنية التي تغلغلت في أجهزة الدولة ،وسيطرت على الحياة العامة ،وقد تغلب في هذه األجهزة العنصر
العلوي؛ حيث يمكن مالحظة توظيف الطائفية في تشكيلة الفرق العسكرية التي تتولى أمن النظام ،وتنتشر
يتكدس عناصرها في دمشق ،ويتم اختيارهم على في العاصمة وضواحيها ،وكذلك في األجهزة األمنية التي ّ
وقد جاءت هذه السياسة نتيجة إلدراك الرئيس السوري خالل تجربته القاسية للوصول إلى السلطة خالل
فترة 1970 -1963بأن الطوائف تمنح أبناءها :انتماء َع ًّ
قديا ،ووحدة إقليمية ،وعصبية قبلية في آن واحد،
وهو أمر ًل يتوفر لألغلبية السنية في املجتمع السوري؛ فقام بتوظيف تلك العناصر في سبيل تشييد النظام
الذي ترأسه ملدة ثالثة عقود 45.ليستمر وريثه على النهج ذاته حتى يومنا هذا.
29
ًّ
سياسيا فقد التقط حافظ األسد لحظة السقوط التاريخي لالتحاد السوفياتي والدولة واملجتمع 46"،أما
ليبدأ مباشرة بتوجيه البوصلة نحو األميركان والتنسيق معهم ،فاشترك في التحالف الدولي في الحرب على
العراق عام ،1991تحت القيادة األميركية؛ مما ينسف املبدأ القومي الذي تأسس عليه البعث ،فأرسل
قواته العسكرية بقيادة العماد علي حبيب للمشاركة في التحالف ؛ فحصل مقابل ذلك على مباركة أميركية
كسيد مطلق حتىإلرسال قواته إلى لبنان من جديد ،وطرد ميشيل عون من بعبدا بالقوة؛ ليتربع هناك ّ
اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري عام ،2005والخروج املذل للجيش السوري من لبنان بعد ذلك
بأشهر.
"بعد وفاة باسل األسد في ،1994ظهر العديد من امللصقات والصور الجدارية ،في جميع أنحاء سورية،
َّ
تحمل صورة الرئيس حافظ وابنه املتوفى ،وفي عام 1995بدأت تظهر صور الرئيس مع اًلبن الراحل باسل
ا
وبشار معا 47".و"قد تسبب مصرع باسل في إذكاء نار الخالف بين أجنحة الحكم من جديد ،فلم يكن أقطاب
السلطة واثقين من قدرة شقيقه بشار على إدارة دفة البالد ،ونظر كثير منهم إلى دورهم في حماية أمن
ا
النظام منذ أوائل السبعينيات من القرن املنصرم ،وإلى أحقيتهم في تولي الرئاسة ،بدًل من ذلك الشاب
اليافع الذي ًل يملك من مؤهالت القيادة ما يدفعهم لإلذعان له ،ولم يتمكن املعارضون لتولي بشار الحكم
من إخفاء تذمرهم من ترتيبات الخالفة ،وتشككهم في إمكانات املرشح الجديد .وتزعم هذه املجموعة العماد
علي حيدر ،الذي سجن عدة أشهر بعد عزله عن منصبه ،ثم فرضت عليه اإلقامة الجبرية في منزله عام
48 ،1994وتبع ذلك سلسلة من التسريحات شملت جميع الضباط ّ
املتنفذين في ذلك الجناح املعارض".
ا
جيال من الشباب (العلوي) الذي يتكون ًّ
جزئيا من أبناء ومع صعود بشار األسد قمة هرم السلطة بدا وكأن
وأقارب األلوية العلويين كان في طريقه إلى التكوين؛ ليخلف في النهاية الجيل السابق .وقد دلت بعض
30
التزكيات والتنقالت والتسريحات 49،داخل القوات املسلحة واملخابرات وفروع األمن عامي 1994و،1995
على أن هذا هو اًلتجاه املتبع 50.لكن جيل الشباب هذا لم يقتصر على أوًلد الضباط العلويين ،بل شمل
معظم أوًلد املسؤولين األمنيين والعسكريين والحزبيين القدامى ،ولم يتوقف عند حدود الخالفة في
املناصب العسكرية واألمنية ،بل تعداها نحو السيطرة على اًلقتصاد ،بعد اًلنفتاح اًلقتصادي الرأسمالي
"امللبرل" الذي وسم مرحلة بشار األسد ،وهؤًلء هم من يسميهم الباحث جمال باروت (املئة الكبار) 51الذين
ا ا
،كان دورهم الداعم للنظام كبيرا أثناء الثورة السورية ،عالوة على سيطرتهم اًلقتصادية بقيادة ابن خال
بشار "رامي مخلوف".
قبل وفاة حافظ األسد بفترة وجيزة ُعقد املؤتمر التاسع لحزب البعث عام 2000؛ ليخرج بصورة جديدة،
ُم ا
هيئا األوضاع -جميعها -لتسليم بشار األسد السلطة؛ فبينما حافظ الجيش على صورته التقليديةّ ،
وأمن
جميع الضباط املوالين لبشار أماكنهم في اللجنة املركزية للحزب ،ظهر جناح جديد للسلطة خارج هذا
الكيان ،وأبرز أقطاب هذا الجناح :اللواء عدنان مخلوف ،اللواء آصف شوكت ،اللواء بهجت سليمان،
اللواء خالد الحسين ،وغيرهم من كبار الضباط ،من األقارب وأبناء العمومة واألصهار .وفي اليوم التالي لوفاة
حافظ األسد في العاشر من حزيران/يونيو عام ،2000أعلن عبد الحليم خدام بصفته الدستورية -آنذاك-
تعيين بشار ا
قائدا للقوات املسلحة السورية ،وترقيته إلى رتبة فريق ،وهي أعلى رتبة عسكرية في الجيش
صوت مجلس الشعب - السوري .ثم في 17حزيران /يونيو خلف بشار والده كأمين عام لحزب البعث؛ ثم ّ
- 49أخذت هذه التسريحات صفة التدرج وشملت من العلويين :العماد علي حيدر ،اللواء علي دوبا ،اللواء علي صالح ،اللواء محمد الخولي،
اللواء محمد ناصيف ،وزير اإلعالم محمد سلمان ،وزير النقل مفيد عبد الكريم ،وتم إعفاء رفعت األسد من منصبه كنائب للرئيس عام .1998
ومن السنة :رئيس هيئة األركان العماد حكمت الشهابي ،رئيس الوزراء محمود الزعبي ،نائب رئيس الوزراء سليم ياسين ،مدير املخابرات العامة
اللواء بشير نجار ،وكذلك رئيس الوزراء األسبق عبد الرؤوف الكسم الذي ترأس مكتب األمن القومي عام 1987وتم إعفاؤه من عضوية القيادة
القطرية لحزب البعث عام .2000انظر بشير زين الدين ،ص.521
- 50فان دام ،ص.183
- 51انظر ،جمال باروت ،ص 152وما بعدها.
31
باإلجماع -على تعديل نص الدستور الذي يشترط أن يكون سن رئيس الجمهورية أربعين ا
عاما ،بحيث أصبح
بيعا ،وفي الحادي عشر من شهر تموز /يوليو أعلن وزير متناسبا مع ّ
سن بشار ذي الرابع والثالثين ر ا ا
الداخلية السوري األسبق محمد حربا فوز املرشح الوحيد في انتخابات الرئاسة بشار األسد بنسبة 97.29
باملئة 52،لتدخل سورية بعدها القرن الجديد برئيس جديد ،وآمال كبيرة بالتغيير ،تحطمت جميعها على
صخرة الواقع الوراثي للرئاسة واستمرار النهج.
ر ا
ابعا :الثورة السورية والتاريخ املستعاد
-1في هزلية التكراراألسدي ،ومأساته
تميز عهد بشار األسد بثالث سمات رئيسة ،طبعت حكمه بطابعها خالل العقد الذي سبق اندًلع الثورة
السورية نجملها في ما يلي:
ُ
السمة األولى كانت عبارة عن انفتاح اقتصادي "رأسمالي ُم ْلب َرل" ،أطلق عليه اصطالح "اقتصاد -1
السوق اًلجتماعي" ،ترافق مع سيطرة عائلة األسد ،ومخلوف ،والدائرة القريبة واملحيطة بهم،
على أكثر من ثلثي اًلقتصاد السوري ،وصعود نمط السيطرة اًلقتصادية السلطوية
"املافيوية" على مقدرات البلد إلى الواجهة ،مع تراجع محدود للقبضة األمنية العسكرية
ّ
التحول اًلقتصادي على النحو الحديدية املغلقة التي ّميزت عهد األسد /األب .إًل أن طبيعة
املافيوي املذكور ،وضمن منهج التطوير والتحديث لألسد /اًلبن؛ أدت إلى فساد مالي وإداري
عم جميع املؤسسات الحكومية ،وغير الحكومية ،السورية ،في حالة لم يسبق لسورية أن َّ
عاشت مثلها في تاريخها الحديث؛ حتى أصبح لدينا ما يمكن وصفه بـ "التعاقد اًلجتماعي على
الفساد" ،إذ باتت الرشوة والوصولية واًلنتهازية والوساطة واًلستزًلم الشرط "الطبيعي" الذي
32
َّ
يواجه السوريون حيثما ولوا وجوههم داخل سورية .والحقيقة أن "اقتصاد السوق اًلجتماعي"
ّ
(تحسن أحوال الذي تم طرحه لم يكن ا
أمرا يتعلق ًل بالسوق (التنافس) وًل باًلجتماعي
ّ
وشروط مجتمع العمل) ،وإنما باندماج الثروة والسلطة؛ فقد تخلت السلطات السورية -
ًّ
عمليا -عن العقد الشعبوي العائد إلى الزمن "اًلشتراكي" القديم ،دون أن تتنازل ولو عن قسط
ّ
محمية من االنظام بالذات، قليل من احتكارها السياس ي ،بل ّإن "البرجوازية الجديدة" كانت
في الوقت الذي بقي فيه مجتمع العمل مكبل اليدين واللسان ،وعلى هذا النحو أخذ النظام
ّ
ُيظهر مالمح تسلطية ،تجمع بين لبرلة اًلقتصاد ،واًلحتكار السياس ي ،في آن واحد .وأبرز
املالمح اًلجتماعية لهذا النموذج أن السلطات ضعيفة أمام األقوياء النافذين من أصحاب
الثروات املحليين واألجانب ،وقوية في مواجهة الضعفاء اًلجتماعيين والسياسيين.
أما السمة الثانية ،فتمثلت بنهاية التوازن اإلقليمي ،الذي سار عليه حافظ األسد بين املحور -2
اإليراني من جهة واملحور السعودي املصري من جهة ثانية ،وخسارة سورية لجزء من وزنها
اإلقليمي وجزء أكبر من استقاللها وقرارها السياس ي؛ ذلك بعد ارتمائها شبه الكلي في الحضن
اإليراني ،وًل ّ
سيما بعد اًلحتالل األميركي للعراق ،وعودة النظام السوري إلى ما خبره في أواخر
السبعينيات من صناعة اإلرهاب ،وتصديره ،واستخدامه بحسب الحاجة ،و بالتنسيق مع
إيران هذه املرة؛ للضغط على األميركان في العراق (ابتزازهم والتقرب منهم في الوقت ذاته)ّ ،
وغني
عن الذكر ّأن ورقة اإل هاب قد أتت ُأكلها ،سواء في العراق ا
سابقا أم في سورية خالل الثورة ر
السورية؛ إذ استفاد منها النظام استفادة قصوى ،وما زال يقطف ثمارها العفنة إلى يومنا هذا.
إضافة إلى ما سبق ،وفي السياق ذاتهّ ،
تحول الدور السوري في لبنان من اًلحتالل والسيطرة
املباشرة ،قبل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ،إلى السيطرة غير املباشرة بعد
خروج الجيش السوري ،واستخدام حزب هللا ،ذي املرجعية اإليرانية؛ إلرهاب لبنان
واللبنانيين ،واستعادة السيطرة السورية على القرار اللبناني بواسطته؛ فعادت من النافذة
ُ
بعد أن أخرجت من الباب.
33
السمة الثالثة كانت نهاية األحالم واألوهام واآلمال والرغبات السورية ،تلك التي رافقت وراثة -3
وتوهمت بإمكانية أن ُيجري الرئيس الشاب "الحضاري" اإلصالح واًلنفتاحبشار األسد الحكمّ ،
السياس ي ،بعد اإلغالق املحكم الذي أحكمه والده في وجه السوريين لثالثة عقود متتاليةّ ،
لكن
خيبة السوريين كانت كبيرة مع أول خطاب للرئيس الجديد (خطاب القسم) ،عندما أعلن
أولوية اإلصالح اإلداري واًلقتصادي -الذي تفاقم خر اابا منذ خطابه -على اإلصالح السياس ي،
ثم تتالت الخيبات بعد املصير الذي آل إليه "ربيع دمشق" ،والذي بدأ بإنشاء املنتديات
السياسية غير الرسمية التي ُعقدت لتشجيع النقاش املفتوح في القضايا السياسية وقضايا
املجتمع املدني ،كـ"منتدى الحوار الوطني" الذي أنشأه رياض سيف ،و"منتدى جمال األتاس ي"
ُ ّ
الذي أنشأته سهير األتاس ي ،ثم شكلت لجان إحياء املجتمع املدني في سورية ،وأعلنت مطالبها
عبر بيان الـ 99ا
مثقفا ،ثم في بيان الـ 1000في عام ،2001ولم يقترب البيانان من الدعوة إلى
ّ
تغيير النظام ،أو يطعن في شرعية خالفة بشار األسد أبيه في منصب رئاسة الجمهورية ،وإنما
اقتصرت املطالب على إجراء اإلصالح السياس ي والقضائي ،والسماح بالتعددية السياسية
والفكرية في ظل سيادة القانون ،ورفع حالة الطوارئ املفروضة منذ عام ،1963والتي لم
يترافق إعالنها ،وًل استمرارها ،مع أي حالة حرب مع إسرائيل ،و مع األسف؛ لم يزهر "ربيع
دمشق" سوى اعتقاًلت سياسية جديدة؛ فعلى عادة النظام السوري التاريخية في مزامنة
"غزواته" مع غزوات جيرانه اإلسرائيليين أو آبائهم األميركيين ،فقد زامن -هذه املرة -اعتقال
أهم رموز وقيادات لجان إحياء املجتمع املدني ،كعارف دليلة ،ورياض سيف ،وميشيل كيلو،
وغيرهم ،مع اقتحام الجيش اإلسرائيلي -في ظل حكومة شارون -مخيم جنين الفلسطيني
وارتكابه مجزرة مروعة هناكُ .ويقالّ :إن من قاد عملية القضاء على "ربيع دمشق" حينها ،هو
ا ا
وتخويفا من اإلصالح السياس ي؛ عبد الحليم خدام "أكثر البيروقراطيين السياسيين محافظة
53 ّ
بحجة انتهاء األشهر الستة املمنوحة ،والخوف من "الجزأرة" في سورية".
34
بعد ذلك بأربع سنوات جاء "إعالن دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي"؛ ليشكل ّأول إعالن
ّ
"التجمع الوطني سياس ي من الداخل ،باشتراك أحزاب يسا ية معا ضة ّ
عدة ،وعلى رأسها ر ر
الديمقراطي في سورية" بأحزابه الستة ،إلى جانب "التحالف الديمقراطي الكردي" ،و"لجان
إحياء املجتمع املدني" ،و"اللجنة السورية لحقوق اإلنسان"...إلخ ،إضافة إلى اإلخوان املسلمين
ا
كامال عبر بيان ،قرأه ا الذين ّأيدوا اإلعالن ا
علنا علي العبدهللا في منتدى جمال األتاس ي، تأييدا
ودفع حريته ا
ثمنا لتلك القراءة .لكن بشار األسد لم يتزحزح عن وجه نظامه "املمانع" ،في منع
السياسة عن السوريين؛ فأمر باعتقال ومالحقة املوقعين على اإلعالن؛ لتنطفئ -بعدها -نار
ُ
الحراك السياس ي السوري املعارض ،النار التي لم ُيستأنف اشتعالها إًل بداية الثورة السورية
عام .2011
ْ ّ 54
حنة أرندت :في الثورة ،ترجمة عطا عبد الوهاب ،مراجعة رامز بورسالن ،املنظمة العربية للترجمة ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى ،بيروت، -
أيلول /سبتمبر ،2008ص.14-13
- 55جمال باروت ،ص.304-303
35
"املفاجئ" و"العشوائي" دو ارا أكثر برو ازا وأهمية من السببي ،وما يلبث حتى ّ
يورط اآلخرين فيه ،وعملية
56 ّ
التورط هي تحول "قابلية الثورة" إلى "ثورة".
وفي الثورات العربية "ربما كانت دوافع الناس إلى املشاركة في اًلحتجاج غير واضحة ا
دائما للمحللين؛ فربما
كانت النقمة الشعبية املتراكمة ضد األنظمة هي األساس ،ونقصد الغضب املتراكم بسبب الفساد ،والبطالة
ّ
وجحيمية الحياة اليومية ،والحرمان اًلجتماعي والسياس ي، والفقر وهشاشة األمان اًلجتماعي واإلنساني،
واإلهانة واإلذًلل وانعدام الحريات ،وسوء تعامل أجهزة األمن مع املواطنين ،وإذًلل املواطن كطريقة عادية
في العالقة بين األفراد و جهاز الدولة ،وانتشار "الزبائنية" و"املحسوبية" من األلف إلى الياء ،وانعدام
السيادة في العالقة مع الخارج ...وغيرها 57 "،وتلك سمات ّ
عامة ،تشاركت وتشابهت فيها املجتمعات العربية
الثائرة ،شأنها شأن تشابه الطبائع الديكتاتورية لحكامها ،ومن هذه الزاوية للرؤية ،لم تكن مصر غير تونس
وغير ليبيا وغير اليمن ،أو غير سوريةّ ،أما الفوارق ،فظهرت -في ما بعد -من خالل الطريقة التي ر ّد بها كل
نظام على محكوميه ،وفي طبيعة التحالفات اإلقليمية والدولية التي أقامها كل نظام ضد شعبه ،وفي مواقف
الجيوش النظامية ،وعقائدها األيديولوجية ،وتركيباتها الوطنية أو الطائفية.
أما في الثورة السورية ّ
فنرجح القول :إن معظم الشروط واألوضاع كانت مختلفة ،وربما استثنائية ،ليس
ّ
عن مصر أو تونس أو غيرها فحسب ،وإنما عن أغلب ثورات العالم كذلك ،فمنذ زمن طويل كان حافظ
األسد قد أدرك أهمية وجود إسرائيل على حدوده ،وعندما نذكر إسرائيل ،فنحن نتحدث عن تشكيلة
ًّ
وغربيا ،أي أن كل خطر على إسرائيل هو خطر على العالم ًّ
أمريكيا اجتماعية سياسية اقتصادية محمية
األول ،املتقدم؛ لذلك يشكل وجود إسرائيل نقمة كبرى على املنطقة بأسرها ،لكنه -في الوقت نفسه -نعمة
كبرى لنظام طائفي ديكتاتوري يريد البقاء "إلى األبد" ،فسياسة "اللعب على شفير الهاوية" التي أتقنها حافظ
جيدا ،منذ حرب تشرين "التحريرية" ،لم تكن أكثر من بناء عالقة وجودية تقرن أمن إسرائيل األسد ا
36
و"استقرا ها" بأمن النظام السوري واستقرا ه ،آخذين بعين اًلعتبار الفارق الكبير بين معنى َ
"األمن ْين"؛ إذ ر ر
ّأن املر َاد بأمن إسرائيل هو أمن دولة إسرائيل ،أما املقصود بأمن سورية فهو أمن النظام السوريً ،ل الدولة
السورية؛ لذلك نجد أن كل اعتداءات إسرائيل على األراض ي السورية ،منذ اتفاقية فصل القوات عام
،1974لم ُي َر ّد عليها ولو برصاصة واحدة؛ فاملهم هو النظام ًل الدولة.
ّ وبتحليل أوسع ،نجد ّأن املقصود بأمن إسرائيل -ا
أيضا -ليس أمنها من اعتداءات النظام عليها ،وإنما أمنها
من سقوطه؛ وعلى هذا األساس ُو ِّضعت استراتيجية نسميها -هنا" -استراتيجية توازن القلق" ،بحيث يتوازى
وص ّنعت األسلحة اًلستراتيجية (الكيماوية
القلق اإلسرائيلي من وجود النظام مع القلق من غيابه؛ لذلك ُ
ُ ُ
والبيولوجية) ،وأقيمت العالقة الصلبة مع إيران ،وأنش ئ حزب هللاُ ،وبني التشابك األمني السوري في جميع
قضايا املنطقة؛ بحيث يبقى النظام السوري -بالنسبة إلسرائيل" -العشيق املرذول" .وفي املقابل فإن أبنية
النظام السوري ،على هذا األساس "املمانع" ،كانت هي العامل الجوهري في شرعيته الداخلية التي ترتكز -
ّ
مستمدة من القوة الخارجية املفترضة، ا
دائما -على تلك املقومات الخارجية ،أي أن الشرعية الداخلية
وعناصر تلك القوة الخارجية ّ
مجرد أور ٍاق للمقايضة (مثلما رأينا في امللف الكيماوي السوري) طاملا أنها ًل
تستند إلى أي شرعية ديمقراطية داخلية .وقد أدرك النظام السوري ا
دائما هذه املعادلة ،إًل أنه -خالل
الثورة -أخرج جميع أوراقه للعلن دون حياء ،و عادت سياسة اللعب على حافة الهاوية إلى الواجهة،
فالصراع الذي تحول مع إسرائيل ،منذ مؤتمر مدريد ،1991إلى صراع حدود ،أصبح مع الثورة السورية
صراع وجود ،وفي صراع الوجود يصبح شعار "نحن أو الفوض ى" حقيقة واقعة ،وموجهة للخارج ،مقابل
َّ ا
دة في شعار "األسد أو نحرق البلد"؛ ولذلك نرىالحقيقة األخرى املكملة لها ،واملوجهة إلى الداخل ،مجس
تقريبا ،وًل ّ
سيما الفاعلين الدوليين واإلقليميين ،واملحليين كذلك، شراكة الخوف من األسوأ توحد الجميع ا
الود للنظام ،ولكن ًل أحد ّ
يود زواله في الوقت ذاته ،والنظام -من يكن عاطفة ّ وًل نظن بأن ا
أحدا من هؤًلء ّ
جهته -يدرك ذلك ا
تماما ،ويعرف أن تلك أحد أوراقه الهامة؛ إذ أن أحد األشياء التي يهدد بها العالم ،وًل
37
ّ
سيما إسرائيل ،هي عواقب انهياره التي ستصيبها من بين من تصيب ،وقد صرح -منذ بداية الثورة -رامي
مخلوف لصحيفة نيويورك تايمز بأنه "لن يكون هناك استقرار في إسرائيل دون استقرار في سورية".58
ا
أحيانا؛ فطائفية إسرائيل بعضا على الرغم من عدائها البينيّإن األنظمة الطائفية تدافع عن بعضها ا
ّ ّ
وشوفينيتها ظاهرة منذ تكوينها ،وتتجلى في خفض القيمة األخالقية واإلنسانية لحياة الفلسطينيين ،وتبرير
َ َ
قتلهم وتشريدهم ،ككائنات أقل بش ّرية من بش ّرية الصهيونيين املتفوقة ،ونبذ التعاطف واملتعاطفين معهم
من أنحاء العالم ،بل واتهامهم بمعاداة السامية ،وهي ًل ترض ى -اليوم -بأقل من إعالن يهودية الدولة؛ كذلك
يفعل النظام السوري منذ بداية الثورة؛ بل منذ أربعين ا
عاما ،فهو ًل يقتل السوريين ألنهم أفراد وكائنات
بشرية ،لها حياتها وعائالتها وأحباؤها ووجودها الخاص ،بل ألنهم جراثيم ،أو رعاع ،أو حثالة ،أو مندسين،
أو متآمرين ،وأخي ارا؛ لكونهم سلفيين جهاديين وإرهابيين ،فلكي ّ
تبرر الجريمة ًل ّبد من أن تشيطن اآلخر ،أو
تخفض قيمته اإلنسانية إلى درجة الصفر ،هذا دين النظام الطائفي وديدنه.
38
واملتوسط وحتى البعيد ،وستترك آثا ارا كبيرة في املرحلة اًلنتقالية ،وفي مستقبل سورية والسوريين ،إذ ًل ّبد
"لدرب اآلًلم" السوري من نهاية.
سنتناول ظاهرة اإلنكار التي مارسها النظام دون توقف ،وآثارها املدمرة على املجتمع السوري ،ثم ظاهرة
أطفال الثورة ،وأهميتها للنظام وللثورة وملستقبل السوريين ،ثم ظاهرة اإلسالم السلفي ،والسلفي الجهادي
والقاعدي ،وخرابه املقابل لخراب النظام في ّ
كل من الثورة والبلد.
ٍ
أ -اإلنكاراملديد
لقد ًلزم إنكار الثورة مجمل الخطاب السياس ي واإلعالمي للنظام على مدى األعوام املنصرمة ،وما زال
ا
مستمرا بال توقف ،فمنذ خطابه األول أمام مجلس الشعب في 30آذار /مارس ،2011أعلن بشار األسد أن
ما يحدث في سورية مؤامرة كبرى ،أدواتها هم "املندسون" ،وأن حاجة العائالت السورية للحليب واملازوت
أهم من حاجاتها السياسية للحرية والديمقراطية ،ثم أردف" :الفضائيات تحاول التشويش على الشعب
السوري ،لكن في الحقيقة إنهم يعتمدون مبدأ اكذب ،اكذب حتى تصدق؛ فيصدقون الكذبة ،ويقعون في
الفخ ".ثم أنهى محذ ارا من "أن الفتنة أشد من القتل كما جاء في القرآن الكريم؛ فكل من يتورط فيها عن
قصد ،أو من غير قصد ،فهو يعمل على قتل وطنه ،وبالتالي؛ ًل مكان ملن يقف في الوسط ،فالقضية ليست
الدولة بل الوطن .املؤامرة كبيرة ونحن ًل نسعى ملعارك ،والشعب السوري شعب مسالم وودود ،ولكننا لم
59 ا ا نتردد ا
يوما في الدفاع عن قضايانا ومصالحنا ومبادئنا ،وإذا فرضت علينا املعركة اليوم فأهال وسهال بها".
نالحظ إلى جانب ما يحتويه خطاب املؤامرة من مركزية الذات ،واحتقار الشعب ،والتعالي األجوف عليه،
واحتكاره الوطنية ،فإنه خطاب مفتوح على التخوين ،ويسهل القيام به في كل اًلتجاهات ،بحيث يصبح كل
ا
منتقد لسلوك النظام ،في الداخل أو الخارج ،شريكا في املؤامرة .وخطاب املؤامرة هو الرأس الرمزي لعملية
- 59خطاب بشار األسد في 30آذار /مارس 2011موجود على الرابط. http://www.voltairenet.org/article173297.html .
39
ًّ
نفسيا هو "رفض اإلنكار ذات األبعاد السيكولوجية والسوسيولوجية والسياسية املؤثرة ،فإذا كان اإلنكار
فإن املقابل لرفض الواقع من قبل السلطة السورية هو صناعة الواقع القائم على الواقع املسبب لأللم"؛ ّ
ًّ
واقعيا ،بل وتصويره على أنه الواقع عينه ،وهذه كانت مهمة اإلعالم التي أوحى "توقيع الكذب" ،أي :جعله
بها خطاب بشار املذكور ،عندما لم يتردد في اإلحالة إلى مبدأ غوبلز "وزير الدعاية النازية" القائل" :اكذب..
ثم اكذب حتى يعلق ش يء ما في أذهان الجماهير" ،وكلما "كبرت الكذبة ،كلما سهل تصديقها" ،كما أن
"الدعاية الناجحة يجب أن تحتوي على نقاط قليلة ،وتعتمد التكرار" ،60مع إضافة رذيلة يمتاز بها إعالم
النظام السوري وهي الكذب ،واتهام اآلخرين بالكذبة ذاتها ،ولكن إعالم النظام السوري الذي يكذب حتى
بالنشرة الجوية ،كما وصفه املرحوم ممدوح عدوان ،جاءته الفرصة املالئمة -عبر الثورة -ليختبر براعته
العتيدة في الكذب ،وفي اختالق األكاذيب و"توقيعها".
ُ
ما نريده قوله عن "اإلنكار املديد" هو أنه عملية أتت أكلها خالل سني الثورة؛ فاألشباح التي تحدث عنها
النظام -منذ البداية -باتت "موجودة وواقعية" ،ورواية النظام لألحداث بأنه يقاتل عصابات إرهابية
مسلحة باتت "موجودة ومقبولة" ،ليس عند جزء مهم من الداخل فحسب ،وهو الجزء الخاص باملؤيدين
ّ و"الحياديين" و"الطرف الثالث" أو ما ّ
يسمى بـ "املعارضة الوطنية الشريفة" ،وإنما في الخارج اإلعالمي
والسياس ي والرأي العام العالمي كذلك .وما يهمنا من نتائج هذا اإلنكار أثره املعرقل املعيق ألي مصالحة
سهل شيطنتهم ،وبالتالي؛ ّبرر وطنية مقبلة؛ فإنكار الثورة ،ووسم الثائرين -ا
جميعا -بالسلفية واإلرهابَّ ،
قتلهم بدم بارد؛إذ كيف يمكن إجراء مصالحة مع "عصابات إرهابية مسلحة"؟ كما أن القتل ،والقتل
ا املضادّ ،
وسع الشرخ الوطني أضعافا مضاعفة ،وبما يكفي لجعل الرواية املقابلة لرواية الثورة ،والخاصة
بالنظام وأتباعه ،ذات تاريخ ومصداقية ومظلومية خاصة بها ،وفي كل ذلك ،لعب اإلنكار دو ارا ًّ
مهما في حرف
بوصلة الواقع ،وتحريف مفهوم الحق والحقيقة ،بحيث بات لكل طرف أحداثه وإحداثياته ،وروايته
ّ
املدعمة بالحوادث والتواريخ والشواهد ،ملا يجري ّ
وعما يجري ،ومن نتائج اإلنكار انقسام عالم السوريين
40
ًّ
واقعيا؛ مما يجعل إعادة اللحمة الوطنية ،ووضع اإلطار الوطني الواحد إلى عاملين منفصلين ومتناقضين
الجامع ،مسألة في غاية الصعوبة في املرحلة اًلنتقالية ،وفي مستقبل سورية املنتظر.
أطفال سورية هم مبتدأ هذه "الثورة املستحيلة" ،وهم ضحاياها األبرز .وربما تكمن إحدى العالمات
الفارقة للثورة السورية ،عن باقي الثورات الكبرى في التاريخ الحديث ،كاإلنكليزية واألميركية والفرنسية
والروسية ،في حجم استهداف األطفال فيها ،وحضورهم الدائم في مشهدها ،وحتى في إطالق شعلتها
ا
دروعا بشرية، وصناعتها؛ فاعتقال األطفال ،وتعذيبهم ،وقتلهم ،وتشويههم ،واغتصابهم ،واستخدامهم
وارتكاب املجازر الجماعية بحقهم ،فظائع تصدرت مشاهد الثورة منذ انطالقها ،وبدت تلك الوحشية
كاستراتيجية َّ
متعمدة ،أراد النظام من انتهاجها كسر إرادة الثائرين ،وإرهابهم ،ومنع غيرهم من اًلحتجاج؛
لذا شملت تلك اًلستراتيجية ضرب نقاط ضعف املجتمع الثالث :مقدسات الناس وأعراضهم وأطفالهم.
كان لكتابة أطفال درعا على حيطان مدارسهم ،ثم اعتقالهم وتعذيبهم ،و"رمي رئيس فرع األمن السياس ي
(ع ُقل وطرايح) الوجهاء الدرعاويين في سلة الزبالة ،وسماع األمهات الدرعاويات ا
كالما من رئيس الفرع ًل ُ
41
أثر ٌ
كبير في اشتعال الثورة ،وبدء دينامية جديدة خاصة يليق حتى بأمهات (الكرخانات) أن يسمعنه"ٌ 61
بالغضب؛ نتيجة انتهاك الكرامة بهذا الشكل "ثالثي األبعاد" كما أشرنا أعاله ،ثم كان ملقتل حمزة الخطيب،
بعد أقل من شهر على احتجاجات درعا ،وبطريقة وحشية غير مسبوقة في تاريخ سورية والثورة السورية،
ٌ
أثر بالغ في الرأي العام املحلي و العالمي .إًل أنه بعد مجزرة "الحولة" ،بشكل خاص ،توضحت استراتيجة
ّا
وحشية، النظام في ضرب أطفال سورية ،كجزء من استراتيجية أكبر ،تكشف عن أقس ى أنواع الجرائم
ا
سة في ضرب مجتمع الثورة ،كما توضح ا
شيئا آخر بعد تلك املجزرة ،هو ُّ
تصنع وأحط أشكال الطائفية ممار
جدي للنظام السوري؛ وهذا يعني منح النظام السوريأي إجراء عقابي ّ
املجتمع الدولي "العجز" عن اتخاذ ّ
غطاء ًّ
دوليا إلطالق وحشيته في سورية دون أي رادع ،أو خوف من حساب ،كل ذلك بذريعة الفيتو الروس ي ا
والصيني!
بعد ذلك توالت املجازر ،وتنوعت أشكالها وأساليبها وأدواتها ،بعد أن اعتاد العالم على الخط التصاعدي
للقتل الذي اعتمده النظام ،كاستراتيجية تأهيل للبشرية؛ ّ
للتكيف واعتياد سماع أخبار القتل في سورية،
ّ ا ا
و"حلفايا"،
حصرا ،مجزرة "داريا" ومجزرة "التريمسة" ومجزرة "بانياس" ِّ نذكر من تلك املجازر ،تمثيال ًل
ًّ 62 ا ا
وصوًل إلى مجزرة الكيماوي في الغوطتين :الشرقية والغربية ،والتي راح ضحيتها أكثر من 429طفال سوريا.
تؤكد تقارير األمم املتحدة أن األطفال هم أكثر املتضررين من الصراع الدائر في سورية ،حيث وصل عدد
الالجئين من األطفال في آب /أغسطس ،2013إلى مليون طفل ،فيما نزح مليونان آخران داخل بالدهم،
ويشكل األطفال ما ًل يقل عن نصف العدد اإلجمالي لالجئين السوريين ،كما تؤكد اإلحصاءات أن هناك
740ألف ًلجئ سوري تقل أعمارهم عن 11ا
عاما ،وقد لجأ معظمهم إلى لبنان واألردن وتركيا والعراق
42
ومصر .ويعلق "أنطوني ليك" مدير وكالة األمم املتحدة للطفولة (يونيسيف) على ذلك بالقول :إن املليون
63 ًلجئ ليس ر ا
قما كسائر األرقام ،إنه طفل حقيقي ،انتزع من بيته ،وحتى -ربما -من عائلته ،ويواجه األهوال.
43
ج -إسالميو الثورة
يتميز اإلسالم ّ
السني في العالم عن غيره (وهو دين األكثرية الثقافية في سورية) ،بعدم وجود هيئة دينية
ا
زمنية عليا ثابتة ،واحدة وواضحة ،تشكل مرجعية فقهية على طريقة ما يمثله خامنئي -مثال -لإلسالم
عدة أخرى ،ساهمت في عدم تحول ّ ا
عامال من عوامل ّ
السنة في سورية الشيعي؛ هذا التعدد (املرجعي) كان
ّ
واملوجه بشكل أساس ي ضد إلى طائفة متر ّ
اصة ،على الرغم من كل العنف املمارس من قبل النظام السوري،
ّ
السنيةّ .
لكنه ،من جهة أخرى ،فسح املجال أمام قبول "الخامة" اإلسالمية في سورية لعدد كبير األكثرية
من األشكال املتنوعة لإلسالم ،واملرجعيات اإلسالمية املتناقضة ،التي انقسمت بين إسالم رسمي مؤيد
ا
للنظام( :محمد سعيد رمضان البوطي واملفتي أحمد حسون مثاًل) ،وإسالم محايد( :حركة القبيسيات
ا ا
مثاًل) ،وإسالم وسطي معتدل يقبل الديمقراطية والدولة املدنية( :اإلخوان املسلمين مثاًل) ،ثم إسالم
ا
سلفي حركي( :السروريون والعرعور مثاًل) ،وإسالم سلفي جهادي ،تابع للقاعدة ،ويدور في فلكها ،كجبهة
تنظيما ا
وعنفا و"ثروة" منها ،كما هو الحال مع الدولة اإلسالمية ا النصرة ،أو منشق عن القاعدة ،وأكثر
"داعش" التي يقودها "خليفة املسلمين" الجديد أبو بكر البغدادي.
ومثلما لعبت عوامل معقدة؛ أهمها الحل األمني /العسكري الذي اعتمده النظام ،في تحول الثورة السلمية
ّ
إلى ثورة مسلحة ،كذلك أدت عوامل عدة إلى أن يعلو صوت السلفيين ،ثم السلفيين الجهاديين في الثورة ،
أيضا "تعثر مسارات الحل في األفق السياس ي الداخلي ،واستعصاء عملية التغييرومن بين تلك العوامل ا
السلمي ،وفشل املجتمع الدولي في التوصل إلى حلول توافقية إليقاف شالًلت الدماء التي ما زالت تتدفق،
ما أسفر عن دمار كبير في الداخل وماليين املهجرين وعشرات اآلًلف من القتلى واملعتقلين 65"..وفي كل ذلك
ًل ّبد من األخذ بعين اًلعتبار معادلة التناسب الطردي بين زيادة العنف املادي والرمزي و زيادة التشدد
ّ
الديني ،وقبول األشكال الدينية املتطرفة واألصولية ،فكلما زاد مستوى العنف والقتل والتشريد والتجويع
ا
متطرفا ،وًل ّ ّ
سيما أن الدين يصبح أهم ملجأ روحي وغيره ،كلما زادت القابلية املبدئية للمعتدل ألن يصبح
- 65محمد أبو رمان :اإلسالميون والدين والثورة في سوريا ،مؤسسة فريدرش ايبرت ،مكتب األردن والعراق /مكتب سوريا ،2013 ،املوقع
اإللكتروني ،www.fes-jordan.orgكتاب نسخة إلكترونية ،غير مخصص للبيع ،ص8
44
ا
واضحا -اليوم -من أن اإلسالم الجهادي العنفي، للبشر في األزمات والحروب ،ونضيف إلى كل ذلك ،ما بات
ا
ممثال بـ"داعش" أكثر من غيرها ،إسالم يعتمد استراتيجية متكاملة ،تقوم على تحويل "جهاد النخبة" إلى
جهاد األمة ،واًلستفادة من "استمرارية الصراع" ألجل ذلك الهدف.
جيدا النظام السوري؛ وذلك على نحو تجريبي ،يعود هذا الوضع الخاص بالعالقة مع اإلسالميين ،يعرفه ا
إلى الثمانينيات من القرن املنصرم ،وإلى حرب العراق ، 2003ويعرفه على نحو غرائزي ا
أيضا ،ويعود ذلك ٍ
إلى الغريزة الطائفية العميقة لدى النظام؛ لذلك مض ى نظام األسد في خطين متوازيين ،ومتكاملين في
ّ
السنية منه ،والخط الثاني النتيجة :الخط األول إطالقه العنف املفتوح ضد مجتمع الثورة ،وًل ّ
سيما الفئة
ا
حصرا ،من سجن صيدنايا 66والذين وصل عددهم إلى إطالقه سراح املعتقلين السياسيين ،اإلسالميين
1200معتقل ،بحسب بعض التقارير ،وكان اإلفراج عبر عفو رئاس ي في 31أيار /مايو ،2011حيث يعرف
النظام ،من خالل الخبرة والتجربة املديدة في سورية والعراق ولبنان ،قيمة الخدمة التي سيقدمها
اإلسالميون له ،بحمل السالح ،وعسكرة الثورة ،وأسلمتها ،ثم نقلها إلى ّ
الحيز الطائفي والعنفي الذي يريد.
ُ
كان من أبرز املفرج عنهم في العفو الرئاس ي املذكور "زهران علوش" ،قائد "لواء اإلسالم" والذي بويع -في ما
عسكريا ،ويضم -اليوم 30 -ألف مقاتل ا ًّ ا بعد -كقائد لـ"جيش اإلسالم" الناجم عن ّ
تقريبا، توحد 43فصيال
ُ ّ "حسان عبود" ّ
(امللقب بأبي عبدهللا الحموي) ،قائد "حركة أحرار الشام" ،والتي ُيعتقد بأنها تشكل ومعه ّ
أكبر لواء عسكري في سورية ،إذ تضم نحو 18ألف مقاتل ،وكذلك "عيس ى الشيخ" ،قائد ما ُيعرف بـ"لواء
صقور اإلسالم" ،والذي يبلغ عدد مقاتليه 9آًلف مقاتل ،إضافة إلى أبي محمد الفاتح الجوًلني "أمير جبهة
ّ
النصرة" التي يعتقد أنها أصغر تلك املجموعات ،وتشكل تلك املجموعات -بمجملها -حوالي 60في املئة من
مقاتلي املعارضة اليوم( ،نهاية )2013وفي الواقع لم يمض وقت طويل على خروجهم من السجن ،قبل أن
ّ ُ
علن عن تشكل
يؤسس األصدقاء الثالثة أكبر ثالثة تشكيالت عسكرية معارضة على امتداد سورية ،حتى أ ِّ
"صقور الشام" في 25تشرين الثاني /نوفمبر من عام ،2011وتشكل ‘لواء اإلسالم‘ في شهر آذار /مارس من
45
عام ،2012وبدأ تشكيل ‘لواء أحرار الشام‘ في 25تموز /يوليو من عام ،2012بينما عاد صديقهم الرابع
67
(الجوًلني) من رحلة إلى العراق في الفترة ذاتها؛ ليؤسس ‘جبهة النصرة‘.
"يحيل باحثون ومراقبون انتشار الفكر السلفي ،خالل الفترة الراهنة ،إلى طبيعة الثورة املسلحة نفسها،
التي انطلقت من األرياف ،وانتقلت إلى املدن الرئيسة ،أو (التي خرجت من الجوامع وليس الساحات)؛ 68ما
ّ
سهل قبول السلفية ،وساعد -في ذلك -غياب التنمية ،وضعف العجلة اًلقتصادية في هذه املناطق ،وارتفاع
وتيرة املشاعر الطائفية تجاه النظام ،...وهي حيثيات واقعية ،يمتلك الفكر السلفي إجابات مباشرة عنها،
سواء على املستوى العقدي أم اًلجتماعي والثقافي 69".كما "يحيل الباحث السوري عبد الرحمن الحاج
تشكل التربة الخصبة لنمو بذور السلفية الجهادية في سورية إلى حقبة التسعينيات ،إذ يرى أن سياسات
الخصخصة التي لجأ إليها النظام السوري ،خالل تلك الفترة ،وما خلفته من تهميش وفقر وأوضاع
اقتصادية صعبة في األرياف واألطراف ،بالتوازي مع سياسات النظام السوري الداعمة للمقاومة اإلسالمية
في فلسطين ولبنان ،كل ذلك ساعد في تدعيم ثقافة دينية محافظة في هذه املناطق ،متقبلة لألفكار
الراديكالية ،مع حرمان اإلسالم املعتدل املديني من العمل املؤسساتي والسياس ي والعلني .ومثل تلك التربة،
وسهلت لها األمر - ا
عموماّ ، سهلت ّ
تكون الجذور األولى ألفكار السلفية الجهادية أو الشروط املوضوعيةّ ،
- 67انظر مجموعة الجمهورية للدراسات ،مقال لباسل الجنيدي بعنوان ،قصة "أصدقاء صيدنايا" :أقوى ثالثة رجال في سوريا اليوم! ،على
http://therepublicgs.net/2013/10/16/%D9%82%D8%B5%D9%91%D8%A9- الرابط
%D8%A3%D8%B5%D8%AF%D9%82%D8%A7%D8%A1-
%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D9%86%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D8%A3%D9%82%D9%88%D9%89-
. %D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D9%84/
- 68منذ بداية الثورة رأى الشاعر السوري الكبير "أدونيس" في عدة مقابالت ولقاءات ومقاًلت متنوعة أنه ًل خير في ثورة تخرج من الجامع،
وحول هذا املوضوع انظر مساهمة نقدية للكاتب في جريدة الحياة بعنوان "الثورة والجامع" على الرابط
http://daharchives.alhayat.com/issue_archive/Hayat%20INT/2008%20to%202013/Alhayat_2011/06-June-2011/06-
. General/2011-06-27/27p10-03.xml.html
- 69أبو رمان ،ص .25وحول التدين والتدين السلفي في سورية انظر ،جمال باروت ،ص-ص .336 -330
46
ا
ًلحقا -سياسات النظام السوري نفسه ،التي كانت في منزلة األب الروحي للقاعدة ،خالل فترة الحرب
70
األميركية على العراق في العام ."2003
يمكننا اعتماد التقسيم الذي وضعه الباحث "محمد أبو رمان"؛ لتوضيح األجندات اإلسالمية في الثورة
السورية والتفريق بينها ،حيث يمكن التمييز بين خمس أجندات رئيسة :اإلخوانية ،السلفية ،السلفية
ا
وأخيرا اإلسالمية الوسطية العامة ،وسنوجز التعريف الجهادية والقاعدة ،األجندة املشيخية -الصوفية،
بهذه األجندات على الشكل التالي:
ا
األجندة األخوانية مدنية بمرجعية إسالمية ،وتحرص أوًل على إسقاط النظام الحالي ،بالتوازي مع -1
إعادة بناء وترميم مؤسسات الجماعة وحضورها الحركي والسياس ي ،ودعم العمل املسلح،
وتأسيس بعض املجموعات املرتبطة بها .وتحظى -ا
حاليا -بعالقات وطيدة مع تركيا وقطر ،وتستفيد
ًّ
وإعالميا ،وقد تحدثت بوضوح ،عبر بيانات عدة ،قديمة ًّ
ولوجستيا من دعم هذه الدول سي ًّ
اسيا
وحديثة ،عن نظام ديمقراطي بمرجعية إسالمية ،وعن اًللتزام بتداول السلطة والتعددية الحزبية
والسياسية والدينية والثقافية.
األجندة السلفية إقامة الدولة اإلسالمية ،ويعبر عنها ،على الصعيد العسكري" ،الجبهة اإلسالمية" -2
التي تتشكل من أحرار الشام ،والفجر ،والطليعة املقاتلة ،ولواء الحق وغيرها ،وتتوافق معها
فصائل أخرى ضمن جبهة التحرير اإلسالمية ،مثل :كتائب التوحيد والفاروق ،والفاروق
اإلسالمية ،وصقور الشام ،ولواء اإلسالم .وعلى الصعيد املدني تمثلها هيئة الشام اإلسالمية،
والسلفية الحركية ،وجمعيات مشاركة في العمل الخيري واإلغاثي والدعوي والتعليمي ،تنتمي بعض
فصائلها إلى لجيش الحر وتتوافق جميعها على مبدأ "تطبيق الشريعة اإلسالمية" ،يشارك بعضها
في تأسيس ودعم الهيئات الشرعية التي تتولى القضاء وفق أحكام الشريعة اإلسالمية ،وعلى
الصعيد األيديولوجي والسياس ي تطرح أغلب فصائلها مفهوم الدولة اإلسالمية ،بوصفها النظام
47
السياس ي املنشود ،وتتجنب معظمها إعالن القبول بالنظام الديمقراطي ،وإن كانت ًل تمانع في
إجراء اًلنتخابات الدورية ،وتشكيل مجالس نواب والقبول باآلليات الديمقراطية.
-3
أجندة القاعدة -إقامة الخالفة ومنظور الصراع العالمي :تمثلها "الدولة اإلسالمية في العراق
والشام" و"جبهة النصرة" ،مع وجود اختالفات جزئية "تكتيكية" بينهما في التعامل مع مرحلة
الثورة ،والعالقة مع املجتمع والدولة ،وتنظر للصراع السوري من الزاوية العقائدية والطائفية
بالدرجة األولى ،فهو صدام مع نظام طائفي -نصيري ،ومع الشيعة وإيران وحزب هللا ،وتتحدث هذه
الفصائلً ،ل بوصفها تعبر عن الشعب السوري وتطلعاته للحرية والديمقراطية ،بل بوصفها تمثل
املسلمين السنة ،في سورية وخارجها ،وتمزج بين الصراع املحلي واإلقليمي والعالمي؛ فمعركتها
معركة معسكر اإلسالم ضد معسكر الكفر.
-4
األجندة املشيخية -الصوفية :وهي جماعات تتبنى نمط من اإلسالم أقرب إلى الصوفية بوجه عام،
ًّ
وضبابيا ،تنتشر في دمشق وحلب بشكل أساس ي ،وًل توجد ا
ضعيفا دورها في العمل املسلح كان
ا
واضحا ألجندات هذه الجماعات وتصوراتها األيديولوجية أحزاب أو قوى سياسية تقدم لنا ا
تعريفا
للنظام السياس ي املنشود ،لكن واقعها واهتماماتها ّ
توضح غلبة اًلجتماعي على السياس ي ،وتركيزها
التصورات التي ّ
تقدمها للنظام اإلسالمي ّ على العمل الدعوي والخيري والتربوي ،مع اختالف وتباين
لزم َن الصمت بوجه عام) وبين جماعة زيد التي تتحدث عن املنشود ،ما بين القبيسيات (اللواتي ْ
ّ
الهوية اإلسالمية ،وشارك بعض أفرادها -من أتباع الشيخ أسامة الرفاعي -في العمل املسلح ،وًل
سيما بعد أحداث كفر سوسة في عيد رمضان ،2011وهناك املؤسسة اإلسالمية الرسمية التي ّ
تتحالف مع النظام وتدافع عن شرعيته ضد الثورة.
اإلسالميون الديمقراطيون :وهم جماعات تشارك األخوان املسلمين في قبول الديمقراطية -5
والتعددية السياسية وتداول السلطة ،وتكريس مبدأ املواطنة ،مثل التيار الوطني السوري ،وأبرز
منظريه الدكتور عماد الدين رشيد ،وحركة العدالة والبناء ،وهي جماعات منفتحة على التيارات
48
كافة ،مع الحفاظ على الهوية العربية اإلسالمية لسوريةّ ،
ويتعهد التيار الوطني بمشاركة الجميع،
واحترام حقوق األقليات ،وحقوق اإلنسان ،واًلهتمام بالوحدة الوطنية ،ويختلف عن التيارات
اإلسالمية األخرى ،بوصف اإلسالم أحد مكونات الهوية السورية ،وبالتالي؛ تكون الشريعة أحد
ى 71
مصادر التشريع ،وليست املصدر الوحيد ،كما تقول عدة قوى إسالمية أخر .
من بين تلك األجنداتً ،ل يؤثر على مستقبل سورية أو يساهم في خراب الثورة السورية وتحطيم
ّ
املنشق عنها، الغطاء الوطني للسوريين ،سوى أجندة اإلسالم السلفي الجهادي ،التابع للقاعدة أو
والذي يدور في فلكها ،كما ًل يقدم الخدمات الكبرى والجليلة للنظام وحلفائه اإلقليميين والدوليين
أيضا -إسالم بحث عنه النظام منذ بداية الثورةّ ،
وقدم له سوى هذا النوع اإلشكالي من اإلسالم ،وهو -ا
كل الشروط العنفية والتسهيالت الحركية؛ ليوجد ُويكالسكين في جسم الثورة ،وفي الوقت الذي تعاني
ّ
سورية من دموية النظام الطائفي الذي مثله بال توقف نظام األسد؛ فقد باتت تعاني -اليوم -من
يقل طائفية وإر ا
هابا عن نظام األسد ،مع ميزة تخصه حضور هذا اإلسالم الطائفي املقابل ،والذي ًل ّ
وحده هي الفوبيا العاملية واملحلية من التطرف اإلسالمي ،والخوف الحقيقي الذي يتركه في قلوب
األقليات فحسب ،وًل ّ
سيما بعد العنف املشهدي واإلجرامي في سلوكه ،إضافة ّ ا
جميعا وليس السوريين
إلى تزكية الدعوى القاتلة للنظام حول فكرة البديل عنه.
إن استمرار الصراع املسلح لفترة طويلة ،مع حفاظ اًلحتجاجات على سماتها الراهنة ،وفي ضوء
ئيسا ،ومن املحتمل أن ّ ا
فاعال ور ا
تتعزز حالة األجندات اإلقليمية ،سيبقى الحضور السلفي الجهادي
الصدام والصراع بين التيارات اإلسالمية (كما هو الحال مع "داعش" اليوم) ،على وقع الخالفات
ا
حاضرا ا
وتحديدا ما يتعلق بإدراة املناطق "املحررة" ،وهو الصراع الذي بات األيديولوجية والفكرية،
بكل العنف واإلكراه الداخل فيه ،بين الدولة اإلسالمية في العراق الشام من جهة ،وقوى إسالمية أخرى
من جهة ثانية ،ونحن نرى كيف أن تطور قدرات "داعش" ،وامتدادها اإلقليمي ،وتهديدها الفعلي
49
للمناطق اإلقليمية املجاورة ،بات ا
معززا لدور األجندات الدولية في مواجهتها ،سواء أكان عبر دعم
الفصائل السنية األخرى (تجديد حالة الصحوات كما كانت في العراق) ،أم عبر التدخل الجوي املباشر،
مثلما شهدناه من ضربات أميركية محدودة لـ"داعش" على حدود كردستان العراق؛ كل ذلك -باملحصلة-
ما يحصد ثماره النظام اًلنتدابي األسدي ،بينما تمض ي سورية الواحدة نحو منحدرات التفكك،
والطائفية املظلمة ،واألفق املجهول.
50
حرفيا ،عندما قال عن الرئيس السوري من ذهب ،وقد عبر الرئيس الروس ي "فالديمير بوتين" عن ذلك ًّ
72
مبررا تمسكه به حتى النهاية" ّإن "هذا الولد أتى بالعالم أجمع إلي".
بشار األسد ألحد مستمعيه ،ا
التاريخ السوري اليوم مفتوح على كل اًلحتماًلت ،بوصف الفاعلين الحقيقيين في صناعة مستقبل
سورية ،أي :الشعب السوري ،ليسوا منقسمين على أنفسهم فحسب ،ويعيش نصفهم الجوع والتشرد
والحصار والنزوح والهجرة ،وجزء كبير منهم في املعتقالت ،وإنما ًل يملكون-كذلك -من التغيير الذي
صنعوه بدمائهم سوى اإلرادة ،أما شكل التغيير وأدواته وطرائقه فهي موزعة بين قوى إقليمية ودولية
متنازعة ،وتشد كل منها محور التغيير باتجاهها ،ومادامت مصالح القوى الكبرى ،وًل ّ
سيما أميركا،
ا
تمض ي في مسارها دون خسائر تذكر ،فضال عن الخدمات الجليلة التي يقدمها بقاء النظام الضعيف
فإن مسار الصراع السوري لن يمض ي إًل باتجاه زيادة التفكك في نسيج السوريين، أكثر من غيابه؛ ّ
وانحسار الغطاء الوطني عنهم ،مع تحول الرئيس السوري إلى أمير الحرب األقوى بين عدة أمراء آخرين،
لكل منهم مربطه الخارجي ،وأجندته الداخلية .وفي الواقع ّإن املسارات والخيارات اإلجبارية التي وضع
النظام السوري شعبه فيها ،لن تأتي بخير وطني عام ،أو خاص بأحدً ،ل النظام وًل الطائفة العلوية
التي يحتمي بها ،وًل غيرها من الطوائف األقلية أو األكثرية ،بل ّإن هذا الواقع الصلب هو ما تتحطم
عليه إرادة جميع السوريين األحياء؛ ليمض ي وكأنه في العماء ،ضد كل الرغبات -مجتمعة -أو فوقها،
وبالتأكيد ،دونها.
- 72راغدة درغام في مقال بعنوان "أسوأ استثمار أمريكي في مستقبل العالقات األمريكية – العربية .على الرابط
. http://alhayat.com/OpinionsDetails/544143
51
ا
خامسا :خاتمة
هناك شجرة احتماًلت قابعة في األفق السوري ،لكل من فروعها شكله املختلف ،وتداعياته وآثاره
املختلفة على أرض الواقع ،وعلى مستقبل سورية والسوريين ،وعلى شكل املرحلة املقبلة وطبيعتها
ا
أيضا؛ فسيناريو بقاء األسد -كاحتمال أول -لن يؤدي إًل إلى نمو التطرف اإلسالمي و"تقعيده" ،إضافة
إلى التطرف الطائفي بشكل عام ،األمر الذي سيعزز -على املدى الطويل -التوجه نحو التقسيم ،كممر
إجباري للحل ،بل إلى انحالل الكيان السوري وتفككه .أما اًلحتماًلت األخرى ،في حال رحيل األسد،
فتتوزع بين نظام املحاصصة الطائفية على الطريقة اللبنانية ،أو النظام شبه الفدرالي على الطريقة
العراقية ،أو نظام الالمركزية اإلدراية مقابل املركزية السياسية ،أو نظام يجمع بين عدة خصائص من
ّ األنظمة السابقة ،دون أن يصبح ا
واحدا منها ،ولكن غير املتوقع -إن قيض للحرب األهلية والطائفية
التي تعيشها سورية أن تنتهي قبل التفكك الكامل والشامل للبلد -هو عودة الديكتاتورية الشمولية
السابقة ،التي مثلها ا
دائما نظام األسدين ،إلى الحياة ،وإذا كانت رغبة السوريين األحياء -اليوم -تتأرجح،
في النظر إلى املستقبل ،بين استعادة ،وكسب ،الحقوق السياسية والثقافية ،وغيرها ،املرتبطة
بالطائفة واملذهب واإلثنية ،وبين الرغبة بدولة مركزية قوية ،تضم الجميع ضمن إطارها السياس ي؛ فإن
الواقع الذي ًل يحقق جميع الرغبات ،إن لم يأتي عكسها ،يفرض على جميع الفاعلين السياسيين في
سورية التفكير في استراتيجيات جديدة؛ لنقل القضية السورية إلى قضية تحرر وطني وإنساني،
ومواجهة التعقيد الحاصل ،واألجندات الدولية واإلقليمية املتضاربة ،التي تجعل سورية ساحة
لإلرهاب "الداعش ي" و"الحالش ي" واألسدي واإليراني وغيره ،والتفكير العملي في ما يجب علينا فعله؛ لكي
نصنع الدولة من رماد املزرعة األسدية ،ونبني الشعب السوري الواحد من رماد الطائفية؛ فبين
التماسك املطلق الذي تمثله الديكتاتورية الشمولية ،واًلنفراط الكامل الذي تمثله املحاصصة
الطائفية ،ونقل الطوائف إلى ّ
حيز السياسة ،يمكن للسوريين أن يصنعوا ديمقراطية وطنية توافقية،
تقوم على اًلئتالف الواسع ،بدل اًلستبعاد السياس ي والثقافي ،وترتكز على التعدد الطائفي والتنوع
اإلثني ،دون أن تجعله قاعدة للتنازع على الدولة ،ثم تؤكد الحقوق الطائفية والعرقية ،ولكن بعد
52
"دسترتها" ،ونزع الحالة الخصامية من قلبها ،ودمجها في األساس العقدي لحقوق املواطنة املتساوية بين
الجميع ،كما ًل ّبد من اًلعتراف بالواقع املعقد الذي تقوم عليه كل الديمقراطيات في العالم؛ لكي
نتجاوز اإلنكار املديد الذي خلفته الديكتاتورية األسدية ،نحو التعدد األصيل في الهوية السورية ،ونحو
املختلفين في الوطن ،الذين ستفرض مصلحتهم -في املحصلة -اعترافهم باختالفهم ،وبأهمية هذا
اًلختالف في بناء الدول على األساس الوطني والديمقراطي.
53
قائمة املراجع
غليون ،برهان ،املسألة الطائفية ومشكلة األقليات ،دار الطليعة للطباعة والنشر -بيروت ،الطبعة األولى -1
.1979
فان دام ،نيقوًلس ،الصراع على السلطة في سوريا ،الطائفية واإلقليمية والعشائرية في السياسة ،الطبعة -2
اًللكترونية األولى املعتمدة باللغة العربية ،كانون األول /ديسمبر .2006
عثمان ،هاشم ،األحزاب السياسية في سورية ،السرية والعلنية ،رياض الريس للكتب والنشر ،الطبعة األولى -3
تشرين األول /أكتوبر .2001
جمال باروت ،محمد ،العقد األخير في تاريخ سوريا ،جدلية الجمود واإلصالح ،املركز العربي لألبحاث ودراسة -4
السياسات ،الدوحة -قطر ،الطبعة األولى ،بيروت ،آذار /مارس .2012
زين العابدين ،بشير ،الجيش والسياسة في سوريا ( ،)2000 -1918دراسة نقدية ،دار الجابية ،ط.2008 1 -5
صاغية ،حازم ،البعث السوري ،تاريخ موجز ،دار الساقي ،بيروت -لندن ،الطبعة األولى .2012 -6
سيل ،باتريك ،األسد ،الصراع على الشرق األوسط ،شركة املطبوعات للتوزيع والنشر ،بيروت -لبنان، -7
الطبعة العاشرة .2007
ُ
الحاج صالح ،ياسين ،السير على قدم واحدة -سوريا املقالة ،دار اآلداب ،بيروت ،الطبعة األولى .2012 -8
ْ
أرندتّ ،
حنة ،في الثورة ،ترجمة عطا عبد الوهاب ،مراجعة رامز بورسالن ،املنظمة العربية للترجمة ،بيروت- -9
لبنان ،الطبعة األولى ،بيروت ،أيلول /سبتمبر .2008
بشارة ،عزمي ،في الثورة والقابلية للثورة ،دراسة ،املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،معهد الدوحة، -10
.2011
أبو رمان ،محمد ،اإلسالميون والدين والثورة في سوريا ،مؤسسة فريدرش ايبرت ،مكتب األردن والعراق/ -11
مكتب سورية ،2013 ،كتاب نسخة إلكترونية.
تقرير األمم املتحدة للطفولة (اليونيسيف) ،أطفال سوريا ،جيل ضائع؟ تقرير عن األزمة خالل عامين :آذار/ -12
مارس -2011آذار /مارس ،2013كتاب نسخة إلكترونية.
54