Professional Documents
Culture Documents
Sual Wa Jawwab Seeerah
Sual Wa Jawwab Seeerah
Sual Wa Jawwab Seeerah
ﻓﻲ
ﺳؤال وﺟواب
ﻓواﺋد ﺗرﺑوﯾﺔ و اﺳﺗﻧﺑﺎطﺎت ﺗوﺟﯾﮭﯾﺔ
إﻋداد:
1434ھـ
1
ﺑﺳم اﷲ اﻟرﺣﻣن اﻟرﺣﯾم
ﺗﻘرﯾظ
ﺑﺳم اﷲ اﻟرﺣﻣن اﻟرﺣﯾم ﻓﺎﺗﺣﺔ ﻛل ﺧﯾر ،واﻟﺣﻣد ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾن ﺗﻣﺎم ﻛل ﻧﻌﻣﺔ،
واﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ ﺟﻣﯾﻊ أﻧﺑﯾﺎء اﷲ ورﺳﻠﻪ وﻋﻠﻰ ﺧﺎﺗﻣﻬم ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم وﻋﻠﻰ آﻟﻪ وﺻﺣﺑﻪ وﻣن ﺳﺎر ﻋﻠﻰ درﺑﻪ إﻟﻰ ﯾوم اﻟدﯾن ،وﺑﻌد:
ﻓﻘد أﻛرﻣﻧﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺻﺣﺑﺔ اﻷﺳﺗﺎذ اﻟدﻛﺗور ﻣﺣﻣد ﺳﻌﯾد ﻣرﯾزن ﻋﺳﯾري ﻧﺣو
ﻋﻘد ﻣن اﻟزﻣﺎن ،ﻟﻣﺳت ﻓﯾﻪ ﺧﻠﻘﻪ اﻟﺟم ،وﺣﺑﻪ اﻟﻔﯾﺎض ﻟﻠرﺳول اﻟﺧﺎﺗم ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﻋﻠﻰ آﻟﻪ وﺻﺣﺑﻪ وﺳﻠم ،وﺣرﺻﻪ اﻟﺷدﯾد ﻋﻠﻰ ﺗﺣري اﻟﺣق ،وﺑﺣﺛﻪ اﻟدءوب ﻋن اﻟﻌﺑرة
ﻣن اﻟﺣدث اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ؛ ﻓﺿﻼ ﻋن اﻟﺗﺑﺣر ﻓﻲ أﻋﻣﺎق اﻟﺣدث ،وﺗﺣﻠﯾﻠﻪ ﺑرؤﯾﺔ ﻧﻘدﯾﺔ
ﻣﻧﻬﺟﯾﺔ واﻋﯾﺔ.
وﻟﺳت أﺑﺎﻟﻎ ﺣﯾن أﻗول :إن أﺧﻲ أ.د .ﻣﺣﻣد ﺳﻌﯾد ﻣرﯾزن ﻋﺳﯾري ﻛﺎن إذا ﺗﻛﻠم
ﻓﻲ اﻟﺳﯾرة اﻟﻧﺑوﯾﺔ اﻟﻌطرة ﺟﻣﻊ ﻗﻠﺑﻪ وﻋﻘﻠﻪ وﻗدﻣﻬﻣﺎ ﻓﻲ ﺛوب ﻗﺷﯾب ﻟﻣﺳﺗﻣﻌﻪ؛ ﻓﻛﺎن
ﯾؤﺛر اﻟراﺋﻲ ،وﯾﺳﺗﻘطب اﻟﻣﺳﺗﻣﻊ ،وﯾﺳﺑﺢ ﻣﻌﻬﻣﺎ ﻓﻲ رﯾﺎض ﯾﺎﻧﻌﺔ؛ ﺗؤﻛد ﺗﻣﻛﻧﻪ ﻣن
اﻟﻣﺎدة اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،وﺳﺑرﻩ ﻷﻏوارﻫﺎ.
وﻗد ﻻﺣظت ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻌﻣل روح اﻟﻣﺣب ،وﻗﻠب اﻟﻧﺎﺻﺢ اﻷﻣﯾن ،وﻟﺳﺎن اﻟﻣﺣﻘق
اﻟواﻋﻲ ،وﻋﻘل اﻟﺑﺎﺣث اﻟرﺻﯾن.
وﻣن ﺑﯾن ﻣﺎ أﻋﺟﺑﻧﻲ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻌﻣل – وﻛﻠﻪ ﻣﺑﻬر -اﺳﺗﺧﻼص اﻟدرس اﻟﻧﺎﻓﻊ،
واﻟﻌﺑرة اﻟﻣﻔﯾدة ،ورﺑط ﻣﺎﺿﻲ ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ ﺑﺣﺎﺿرﻫﺎ وﻣﺳﺗﻘﺑﻠﻬﺎ ،وﻫذا ﻫو ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺗﺎرﯾﺦ
اﻟذي ﯾﻌد ﻧو ار ﻣن اﻟﻣﺎﺿﻲ ﯾﻧﯾر اﻟﺣﺎﺿر ،وﯾﻛﺷف طرﯾق اﻟﺧﯾر ﻟﻠﻣﺳﺗﻘﺑل.
ﻛﻣﺎ أﻋﺟﺑﻧﻲ وﻻﺷك أﻧﻪ ﺳﯾﻌﺟب ﻛل ﻣﺗﺻﻔﺢ ،ﺣرص اﻟﻛﺎﺗب ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎﻋل اﻟﻘﺎرئ
ﻣﻌﻪ ﺑوﺿﻊ اﻟﺳﯾرة اﻟﻧﺑوﯾﺔ ﻓﻲ ﺻورة ﻣﺣﺎدﺛﺔ ،وﺑﺄﺳﻠوب إﻧﺷﺎﺋﻲ ﯾﻌﺗﻣد اﻟﺳؤال ﻣﻧﻬﺟﺎ،
وﯾﻘدم اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﻏﯾر ﺗطوﯾل وﻻ ﺗﻘﺻﯾر ،ﻣﻊ ﻋﺑﺎرات ﻣﺎﺗﻌﺔ ﻓﻲ إﯾﺟﺎزﻫﺎ ،وﻣﺎﻧﻌﺔ ﻓﻲ
2
اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﻬﺎ ،ﺑﻼ ﺗﻛﻠف وﻻ ﺗﻌﺳف ،وﻛﺄن ﻗﻠﺑﻪ اﻟﺣﺎﻧﻲ ﯾﺣﻛﯾﻬﺎ ،وﻟﺳﺎﻧﻪ اﻟﺻﺎدق ﯾروﯾﻬﺎ،
وﻋﻘﻠﻪ اﻟواﻋﻲ ﯾﺣﺗوﯾﻬﺎ.
وﺣﯾن طﺎﻟﻌت ﻫذا اﻟﺟﻬد اﻟﻣﯾﻣون ،ازداد ﯾﻘﯾﻧﻲ ﺑﻣﺎ ﻗﻠﺗﻪ وﻣﺎ ﻋرﻓﺗﻪ ﻋن
ﺳﻌﺎدﺗﻪٕ ،وان ﻛﺎن أي ﻋﻣل ﺑﺷري ﯾﻔﺗﻘر إﻟﻰ اﻟﻛﻣﺎل ،ﻓﺈن ﻫذا اﻟﻌﻣل ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺳﺟل
ﺑﺄﺣرف ﻣﻣﯾزة ،وﺗوﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﺑﻌض أﺟزاﺋﻪ ﻋﻼﻣﺎت ﻛﺑرى ﺗزﯾدﻫﺎ ﺑﻬﺎء وﺟﻣﺎﻻ وﻛﻣﺎﻻ،
وﻻ أدﻋﻲ أن ﻣﺛﻠﻲ ﯾراﺟﻊ ﻟﺳﻌﺎدﺗﻪ أو ﯾﻌﻠقٕ ،واﻧﻣﺎ أﺗﺷرف ﺑﺄن أﺿﯾف اﺳﻣﻲ ﻓﻲ ﺗﻘرﯾظ
ﻣوﺟز ﻻ ﯾﻔﻲ ﺑﺟواﻧب ﻫذا اﻟﺟﻬد؛ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻩ ﯾرﺗﺑط ﺑﺳﯾرة اﻟﻧﺑﻲ اﻟﺧﺎﺗم ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وآﻟﻪ وﺻﺣﺑﻪ وﺳﻠم ،وﻫذﻩ اﻟﺳﯾرة اﻟﻌطرة ،ﻣﻌﯾن ﻻ ﯾﻧﺿب ،وﻧﻬر ﻻ ﯾﺟف ،وﻋطﺎء ﻻ
ﯾﻧﻘطﻊ ،ﻓﻣﺎ ﻣن إﻧﺳﺎن ﺷرف ﻗﻠﻣﻪ ﺑﻬذﻩ اﻟﺳﯾرة وأﺧذﻫﺎ ﺑﺣﻘﻬﺎ إﻻ ﻣﻧﺣﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣن
ﻧور اﻟﺑﺻﯾرة ،وﺣﺳن اﻟﺳرﯾرة ﻣﺎ ﺑﻪ ﯾﺳﺗﺿﻲء ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻪ ،وﯾﺳﻌد ﺑﻌد ﻣﻣﺎﺗﻪ.
ﻓﺎﻟﻠﻬم ارزﻗﻧﺎ ﻣن ﻧور اﻟﻧﺑوة ﻣﺎ ﯾﻧﯾر ﺑﻪ دروﺑﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة ،وﯾﻧﯾر ﺑﻪ ﻗﺑورﻧﺎ،
وﺻراطﻧﺎ ﯾوم ﻧﻠﻘﻰ اﷲ.
وأﺳﺄل اﷲ أن ﯾوﻓق ﻛل ﺻﺎﺣب ﻗﻠم ﯾﺳﺗظل ﺑﻘوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ) :ورﻓﻌﻧﺎ ﻟك ذﻛرك(؛
ﺑﻛﺗﺎﺑﺗﻪ ﻋن اﻟﻧﺑﻲ اﻟﻛرﯾم اﻟرﺣﻣﺔ اﻟﻣﻬداة واﻟﻧﻌﻣﺔ اﻟﻣﺳداة.
3
ﻣﻘدﻣﺔ
اﻟﺣﻣد ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾن ،واﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ ﻣن أرﺳﻠﻪ اﷲ رﺣﻣﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻣﯾن ،ﻣﺣﻣد ﺑن
ﻋﺑد اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﻋﻠﻰ آﻟﻪ وأﺻﺣﺎﺑﻪ واﻟﺗﺎﺑﻌﯾن ﻟﻬم ﺑﺈﺣﺳﺎن إﻟﻰ ﯾوم اﻟدﯾن
وﺑﻌد:
ﻓﺈن اﻟﺳﯾرة اﻟﻧﺑوﯾﺔ ﻫﻲ ﻣن أﺷرف اﻟﻌﻠوم وأﻛرﻣﻬﺎ .ﺑﻬﺎ ﯾﻌرف اﻟﻣﺳﻠم أﺣوال
دﯾﻧﻪ ،وﺣﯾﺎة ﻧﺑﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وﻣﺎ أﻛرﻣﻪ اﷲ ﺑﻪ ﻣن اﻟﻧﺑوة واﻟوﺣﻲ ،وﺑﻬﺎ
وﻧﺻر اﷲ ﻟﻪ ،وﺑﻬﺎ ﯾﻌرف
َ ﯾﻌرف أﺣوال دﻋوﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﯾﻪ وﺳﻠم ،وﺻﺑرﻩ ،وﺟﻬﺎدﻩ،
أﺧﻼق ﻧﺑﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وﺷﻣﺎﺋﻠﻪ ،وﻓﺿﺎﺋﻠﻪ ،وﺳﺎﺋر أﺣواﻟﻪ؛ ﻓﯾزداد ﻣﺣﺑﺔ
واﺗﺑﺎﻋﺎ ﻟﻬذا اﻟﻧﺑﻲ اﻟﻛرﯾم ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻷن ﻣن درس ﺳﯾرﺗﻪ اﻟﻌطرة ﻋرﻓﻪ،
وﻣن ﻋرﻓﻪ أﺣﺑﻪ ،وﻣن أﺣﺑﻪ أطﺎﻋﻪ ،وﻣن أطﺎﻋﻪ اﻫﺗدى ،وأﻓﻠﺢ ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ واﻵﺧرة.
ﻓﺎﻟﺳﯾرة اﻟﻧﺑوﯾﺔ إذاً ﻣﻧﻬﺞ ﺣﯾﺎة اﻟﻣﻔﻠﺣﯾن ،وﻫﻲ اﻷﺳوة ﻟﻣن أرادﻫﺎ ،وﻫﻲ
اﻟﻘدوة اﻟﺣﺳﻧﺔ ﻟﻣن ﺑﺣث ﻋﻧﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ اﻟﺗرﺟﻣﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻟﻠﻘرآن اﻟﻛرﯾم ...ﻫذا اﻟﻛﺗﺎب
اﻟﻌظﯾم اﻟذي ارﺗﺿﺎﻩ اﷲ ﻣﻧﻬﺎﺟﺎً ﻟﻌﺑﺎدﻩ ﻓﻲ ﻛل زﻣﺎن وﻣﻛﺎن ؛ ﻟﺗﻛون ﻟﻬم اﻟﻌزة واﻟﻛراﻣﺔ
واﻟﻔﻼح اﻟﻌﺎﺟل واﻵﺟل .وﻫذا ﻣﺎ ﻋرﻓﻪ اﻟﺳﻠف اﻟﺻﺎﻟﺢ ﻋن ﺳﯾرة اﻟرﺳول اﻟﻛرﯾم ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .وﻟذا ﻓﻘد اﻋﺗﻧوا ﺑﻬﺎ ﻋﻧﺎﯾﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ،وﺣرﺻوا ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠﯾﻣﻬﺎ وﺗﻠﻘﯾﻧﻬﺎ
ﻷﺑﻧﺎﺋﻬم ﻛﺣرﺻﻬم ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠﯾﻣﻬم اﻟﻘرآن .ﯾﻘول إﺳﻣﺎﻋﯾل اﺑن ﻣﺣﻣد اﺑن ﺳﻌد اﺑن أﺑﻲ
اﻟﺳرﯾﺎ وﯾﻘول " :ﯾﺎ ﺑﻧﻲ إﻧﻬﺎ
وﻗﺎص رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ :ﻛﺎن أﺑﻲ ﯾﻌﻠﻣﻧﺎ اﻟﻣﻐﺎزي و ا
ﺷرف آﺑﺎﺋﻛم ﻓﻼ ﺗﺿﯾﻌوا ذﻛرﻫﺎ " .وﯾﻘول زﯾن اﻟﻌﺎﺑدﯾن اﻟﺣﺳﯾن اﺑن ﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻬم " :ﻛﻧﺎ ُﻧﻌﻠّم ﻣﻐﺎزي رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻛﻣﺎ ُﻧﻌﻠّم اﻟﺳور ﻣن اﻟﻘرآن".
وﻫذا ﻣﺎ ﻧرﯾدﻩ ﻷﺟﯾﺎﻟﻧﺎ اﻟﯾوم ،وﻏداً ،وﺑﻌد ﻏد ﺣﺗﻰ ﯾرث اﷲ اﻷرض وﻣن ﻋﻠﯾﻬﺎ ،أن
4
وﻧﻌﻠم ﺳﯾرة اﻟﺣﺑﯾب اﻟﻣﺻطﻔﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﻺﻗﺗداء واﻟﺗﺄﺳﻲ ،وﻟﻠﺗطﺑﯾق
ﻧﺗﻌﻠم َ
اﻟﻌﻣﻠﻲ .ﻓﻛم ﻓﻲ ﺳﯾرﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن اﻟدروس واﻟﻌﺑر ،وﻛم ﻓﯾﻬﺎ ﻣن اﻟﻘﯾم
واﻟﻣﺛل .ﻓﺳﯾرﺗﻪ وﺣﯾﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﺧﺎﺻﺔ ﻣﻣﻠوءة ﺑﻣﺎ ﯾﺟب أن
ﯾﺗﻌﻠﻣﻪ اﻟﻣﺳﻠﻣون إن أرادوا ﻷ ﻧﻔﺳﻬم ﻣﺧرﺟﺎ ﻣﻣﺎ ﻫم ﻓﯾﻪ ﻣن ذل وﻫوانٕ ،وان أرادوا
ﺣﻠوﻻً ﻟﻣﺎ ﯾﻌﺎﻧون ﻣﻧﻪ ﻣن ﻣﺷﺎﻛل ﻓﻲ ﺷﺗﻰ ﻣﺟﺎﻻت اﻟﺣﯾﺎةٕ ،وان أرادوا ﻷﻧﻔﺳﻬم ﻋزة
ورﻓﻌﺔ ﺑﯾن أﻣم اﻷرضٕ .وان أرادوإ ....وان أرادوا ،....ﻓﻬذﻩ ﺳﯾرﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﻛﺗﺎب ﻣﻔﺗوح ،ودروس ،وﻋﺑر ،وﻋظﺎت .ﻓﯾﻬﺎ ﺗزﻛﯾﺔ ﻟﻠﻧﻔس ،وﺗرﺑﯾﺔ ﻟﻠروح ،ودﻋوة
إﻟﻰ ﺧﯾر اﻟدﻧﯾﺎ واﻵﺧرة .ﻓﻬل ﻣن ﻣﺷﻣر ...؟
وﻗد أﺣﺑﺑت أن ﯾﻛون ﻫذا اﻟﻛﺗﺎب ﻓﻲ ﺻورة ﺳؤال وﺟواب ﯾﻣﺛل ﻛل ﺳؤال ﻣﺣطﺔ
ووﻗﻔﺔ ﺗﺄﻣل ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻪ اﻟﻛرﯾﻣﺔ ،وﺳﯾرﺗﻪ اﻟﻌطرة ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻧﺣﺎول ﻣن
ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺗﻐطﯾﺔ اﻟﺟواﻧب اﻟﻣﻬﻣﺔ ﻣن ﺳﯾرﺗﻪ اﻟﻣﺑﺎرﻛﺔ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم وﻣﺎ ﻗد
ﯾﺳﺗﻔﺎد ﻣﻧﻬﺎ ﻣن دروس ﺗﻧﻔﻊ أﻣﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﯾوم ﻓﻲ أﻓرادﻫﺎ وﻣﺟﻣوﻋﻬﺎ وﻫﻲ ﺗﻣر
ﺑﻣواﻗف وﻣﺣطﺎت ﻣﺷﺎﺑﻬﺔ ﻟﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﻣر ﺑﻬﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﻲ دﻋوﺗﻪ ،
وﺟﻬﺎدﻩ ،وﺣرﺑﻪ ،وﺳﻠﻣﻪ وﻛل ﺻور ﺣﯾﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
وﻛﻣﺎ ﺑدأت ﺑﺣﻣدﻩ ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟذي ﯾﺳر ﻫذا اﻟﻌﻣل وأﻋﺎن ﻋﻠﯾﻪ ،ﻓﺈﻧﻲ أﺧﺗم ﺑﺣﻣدﻩ
وﺷﻛرﻩ وأﺳﺄﻟﻪ اﻟﻘﺑول ﺛم اﻟﺗوﻓﯾق ﻟﻌﻣل آﺧر ﺧدﻣﺔ ﻟﻛﺗﺎﺑﻪ ،ودﯾﻧﻪ ،وﺳﻧﺔ ﻧﺑﯾﻪ
وﺳﯾرﺗﻪ اﻟﻌطرة ،وﻧﻔﻊ ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن .واﻟﺷﻛر ﻣوﺻول ﻟﻛل ﻣن ﻗدم ﻧﺻﺣﺎ وﺗوﺟﯾﻬﺎ ،أو
ﺑذل ﺟﻬدا ﻹﺗﻣﺎم ﻫذا اﻟﻌﻣل .وأﺧص ﺑﺎﻟﺷﻛر واﻟدﻋﺎء أﺧﻲ اﻟدﻛﺗور ﻋﺑداﷲ ﻋﻠﻲ أﺑو
ﻋﺷﻲ ﻧﺎﺋب رﺋﯾس ﻣﺟﻠس إدارة اﻟﻣﻛﺗب اﻟﺗﻌﺎوﻧﻲ ﻟﻠدﻋوة واﻹرﺷﺎد وﺗوﻋﯾﺔ اﻟﺟﺎﻟﯾﺎت
ﺑﺄﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺗﺎﺑﻌﺗﻪ وﺣرﺻﻪ ﻋﻠﻰ إﺗﻣﺎم ﻫذا اﻟﻌﻣل ٕواﯾﺻﺎﻟﻪ ﻟﻛل ﻣﺣب ﻟﻠﺣﺑﯾب
5
اﻟﻣﺻطﻔﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .واﻟﺷﻛر وﺧﺎﻟص اﻟدﻋﺎء أﯾﺿﺎ ﻟﻸﻓﺎﺿل اﻟﻧﺟﺑﺎء
اﻷﺳﺗﺎذ اﻟدﻛﺗور ﻣﺣﻣد اﺑن ﺻﺎﻣل اﻟﺳﻠﻣﻲ اﻷﺳﺗﺎذ ﺑﻘﺳم اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ أم اﻟﻘرى ﺑﻣﻛﺔ
اﻟﻣﻛرﻣﺔ ،واﻷﺳﺗﺎذ اﻟدﻛﺗور ﻋﺑداﻟﺑﺎري ﻣﺣﻣد اﻟطﺎﻫر اﻟﺷرﻗﺎوي أﺳﺗﺎذ ورﺋﯾس ﻗﺳم
اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ واﻟﺣﺿﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑﻛﻠﯾﺔ اﻟﻌﻠوم ﺑﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻔﯾوم ﺑﻣﺻر ،وﻏﯾرﻫم
ﻣﻣن ﻗﺎم ﺑﺎﻟﻣراﺟﻌﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ .وﻛذا اﻷﺧوة اﻟﻘﺎﺋﻣﯾن ﻋﻠﻰ " ﻣﺷروع ﻣﻧﺎرة اﻟﻌﻠوم
اﻟﺷرﻋﯾﺔ ﺑﺑرﯾدة " واﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا وراء ﻓﻛرة ﻫذا اﻟﻌﻣل .ﺷﻛر اﷲ ﻟﻠﺟﻣﯾﻊ ﻣراﺟﻌﺎﺗﻬم ،
وﻣﻼﺣظﺎﺗﻬم ،واﺳﺗدراﻛﺎﺗﻬم اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ واﻟﻠﻐوﯾﺔ ﻟﻬذا اﻟﻌﻣل ،ﻓﺎﻟﻠﻬم اﺟزﻫم ﺧﯾر اﻟﺟزاء ،
وﺷﻔﻊ ﻓﯾﻬم ﻧﺑﯾك ﯾوم اﻟﺟزاء ،وﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻰ ﺳﯾدﻧﺎ ﻣﺣﻣد وﻋﻠﻰ آﻟﻪ وﺻﺣﺑﻪ .
1434ه
6
أوﻻً :ﺣﯾﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗﺑل اﻟﺑﻌﺛﺔ
س :1ﻣﺗﻰ ؟ وأﯾن وﻟد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ؟ وﻣﺎ اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻌظﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﻣوﻟدﻩ ؟ .
ج : 1وﻟد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﯾوم اﻹ ﺛﻧﯾن اﻟﺗﺎﺳﻊ ،وﻗﯾل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻋﺷر ﻣن ﺷﻬر رﺑﯾﻊ
اﻷول ﻋﺎم 571م وﻫو اﻟﻌﺎم اﻟﻣﺳﻣﻰ ﺑﻌﺎم اﻟﻔﯾل .وﻛﺎﻧت ﻗﺎﺑﻠﺗﻪ اﻟﺷﻔﺎء ﺑﻧت ﻋﻣرو أُم
ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﺑن ﻋوف رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ .وﻗد وﻟد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﻣﻛﺔ اﻟﺗﻲ
ﻛﺎﻧت ﻣوطن ﻗﺑﯾﻠﺗﻪ ﻗرﯾش ،وﻋﺎﺻﻣﺔ اﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ،وأﻫم ﻣدﯾﻧﺔ
ﻓﻲ ﺟزﯾرة اﻟﻌرب آﻧذاك.
وﻧﺣن ﺣﯾﻧﻣﺎ ﻧﺗﺣدث ﻋن ﻣوﻟد ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻻ ﻧﺗﺣدث ﻋن
ﻣوﻟد ﺷﺧص ﻣﺣﻣد أو ذات ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻘط ٕ ،واﻧﻣﺎ ﻧﺗﺣدث ﻋن ﻣوﻟد
أﻣﺔ ﻟﻬﺎ ﻣن اﻟﻛراﻣﺔ واﻟﻣﻛﺎﻧﺔ ﻋﻧد رﺑﻬﺎ ﻣﺎ ﺟﻌل ﻧﺑﻲ اﷲ ﻣوﺳﻰ ﯾﺗﻣﻧﻰ أن ﯾﻛون واﺣداّ
ﻓﯾﻬﺎ ٕ ،واﻻ ﻓﻣن ﻫم اﻟﻌرب ﺧﺎﺻﺔ واﻟﻧﺎس ﻋﺎﻣﺔ ﻗﺑل ﻣوﻟدﻩ وﻣﺑﻌﺛﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ! وﻫل ﻗدم اﻟﻌرب ﻷﻧﻔﺳﻬم آﻧذاك ﺷﯾﺋﺎ ﯾﻧﻔﻌﻬم وﯾﻌﻠﻲ ﺷﺄﻧﻬم وﻣﻛﺎﻧﺗﻬم ﺑﯾن
اﻟﻧﺎس ؟ أم ﻫل ﻗدﻣوا ﻟﻠﻧﺎس ﺷﯾﺋﺎ ﯾﻌرﻓوﻧﻬم ﺑﻪ وﯾﺣﻣدوﻧﻬم ﻋﻠﯾﻪ ؟ ﻣﺎ ﻛﺎﻧو إﻻ ﻋﺑﺎد
أﺻﻧﺎم و أوﺛﺎن .وأﺳرى أﻫواء ،وﺷﻬوات ،وﻧﻌرات .ﯾﻘﺗل ﺑﻌﺿﻬم ﺑﻌﺿﺎ ﻷﺗﻔﻪ
اﻷﺳﺑﺎب .وﯾدﻓن اﻟرﺟل اﺑﻧﺗﻪ ﺣﯾﺔ ﺧﺷﯾﺔ اﻟﺟوع واﻟﻌﺎر .ﻟﻘد ﻧظر اﷲ إﻟﻰ اﻟﻧﺎس ﻗﺑل
ﻣوﻟدﻩ و ﻣﺑﻌﺛﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻣﺎ ﻫم ﻋﻠﯾﻪ ﻣن ظﻠم ،وﻓﺳﺎد ،وﺑﻐﻲ ﻓﻣﻘﺗﻬم
إﻻ أﻓرادا ﻣﻣن ﻛﺎﻧوا ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﯾﺎ ﻣن دﯾن إﺑراﻫﯾم ،ﻓﺟﺎء ﻣوﻟدﻩ وﻣﺑﻌﺛﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ وﺳﻠم
7
رﺣﻣﺔ ﻣن اﷲ ،وﻣﯾﻼدا ﺟدﯾدا ﻟﻺﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ،وﻧﺟﺎة وﺧﻼﺻﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻣن ﻛﺎﻧت ﻓﯾﻪ ،
وﺻدق اﷲ اﻟﻘﺎﺋل " أوﻣن ﻛﺎن ﻣﯾﺗﺎ ﻓﺄﺣﯾﯾﻧﺎﻩ وﺟﻌﻠﻧﺎ ﻟﻪ ﻧو ار ﯾﻣﺷﻲ ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻧﺎس ﻛﻣن
ﻣﺛﻠﻪ ﻓﻲ اﻟظﻠﻣﺎت ﻟﯾس ﺑﺧﺎرج ﻣﻧﻬﺎ " .ﻟﻘد ﻛﻧﺎ ﻗﺑل ﻣوﻟدﻩ وﻣﺑﻌﺛﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم أﻣواﺗﺎ ﻓﺄﺣﯾﺎﻧﺎ اﷲ ﺑﻣوﻟدﻩ وﻣﺑﻌﺛﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،وﺟﻌل ﻟﻧﺎ ﻣن دﯾﻧﻪ ورﺳﺎﻟﺗﻪ ﻧو ار
إﻧﻪ ﺣدث ﻧﻣﺷﻲ ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻧﺎس ﺣﺗﻰ ﻏدوﻧﺎ ﺑﻔﺿل اﷲ ﺧﯾر أﻣﺔ اﺧرﺟت ﻟﻠﻧﺎس .
ﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻓرﯾد ﻛﺎﻧت ﺑداﯾﺗﻪ ﯾوم ﻣوﻟدﻩ وﻣﺑﻌﺛﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وﺳﯾﺑﻘﻰ إن ﺷﺎء
اﷲ إﻟﻰ أن ﯾرث اﷲ اﻷرض وﻣن ﻋﻠﯾﻬﺎ .
ﻣﺣﻣدا؟
ً س : 2ﻛﯾف ﻛﺎن ﺣﻣﻠﻪ ووﻻدﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،وﻣن ﺳﻣﺎﻩ
ج : 2ﻛﺎن ﺣﻣﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺳﻬﻼً ،وﻛﺎﻧت وﻻدﺗﻪ ﻣﯾﺳرة .ﺗﻘول أﻣﻪ آﻣﻧﺔ
"ﻟﻘد ﻋﻠﻘت )ﺣﻣﻠت( ﺑﻪ ﻓﻣﺎ وﺟدت ﻟﻪ ﻣﺷﻘﺔ ﺣﺗﻰ وﺿﻌﺗﻪ ،ﻓﻠﻣﺎ ﻓﺻل ﻣﻧﻲ ﺧرج ﻣﻌﻪ
ﻧور أﺿﺎء ﻟﻪ ﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﻣﺷرق واﻟﻣﻐرب.
وﻟﻣﺎ ﻋﻠم ﺟدﻩ ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب ﺑﻣوﻟدﻩ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺟﺎء ﻓرﺣﺎ ﻣﺳﺗﺑﺷ ارً
وأﺧذ ﻫذا اﻟﻣوﻟود اﻟﻣﺑﺎرك ودﺧل ﺑﻪ اﻟﻛﻌﺑﺔ وﺳﻣﺎﻩ ﻣﺣﻣداً ،وﻟم ﯾﻛن ﻫذا اﻻﺳم ﺷﺎﺋﻌﺎ
ﻓﻲ اﻟﻌرب ،وﻟﻣﺎ ﺳﺋل ﻋن ذﻟك ﻗﺎل :ﻟﯾﺣﻣدﻩ أﻫل اﻷرض وأﻫل واﻟﺳﻣﺎء .
8
ج : 3ﻋن أﺑﻲ ﺳﻌﯾد اﻟﺧدري ﻗﺎل :ﻗﺎل رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم " :إن ﻟﻲ
أﺳﻣﺎء :أﻧﺎ ﻣﺣﻣد ،وأﻧﺎ أﺣﻣد ،وأﻧﺎ اﻟﻣﺎﺣﻲ اﻟذي ﯾﻣﺣو اﷲ ﺑﻲ اﻟﻛﻔر ،وأﻧﺎ اﻟﺣﺎﺷر اﻟذي
ﯾﺣﺷر اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ ﻗدﻣﻲ ،وأﻧﺎ اﻟﻌﺎﻗب" ﻣﺗﻔق ﻋﻠﯾﻪ.
زاد اﺑن ﺳﻌد " ..واﻟﺧﺎﺗم".
وأﺷﻬرﻫﺎ " أﺣﻣد ،وﻣﺣﻣد" .ﻗﺎل اﺑن ﺣﺟر " :وأﺷﻬرﻫﻣﺎ ﻣﺣﻣد ،وﻗد ﺗﻛرر ﻓﻲ اﻟﻘرآن".
ج : 5أﺑوﻩ ﻫو ﻋﺑد اﷲ اﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب اﺑن ﻫﺎﺷم اﺑن ﻋﺑد ﻣﻧﺎف اﻟﻘرﺷﻲ اﻟﻬﺎﺷﻣﻲ
.وأﻣﺎ أﻣﻪ ﻓﻬﻲ آﻣﻧﺔ ﺑﻧت وﻫب اﺑن زﻫرة اﺑن ﻋﺑد ﻣﻧﺎف اﻟﻘرﺷﯾﺔ اﻟزﻫرﯾﺔ .
ج : 6أول ﻣن أرﺿﻌﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم " ﺛوﯾﺑﺔ " ﻣوﻻة ﻋﻣﻪ أﺑﻲ ﻟﻬب ﺣﯾث
أرﺿﻌﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻣﻊ ﻏﻼم ﻟﻬﺎ ﯾﻘﺎل ﻟﻪ ﻣﺳروح .وﻛﺎﻧت ﻗد أرﺿﻌت ﻗﺑﻠﻪ
9
ﻋﻣﻪ ﺣﻣزة ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب ﺛم أﺑﺎ ﺳﻠﻣﺔ ﻋﺑد اﷲ ﺑن ﻋﺑد اﻷﺳد اﻟﻣﺧزوﻣﻲ ﻓﻬم ﺟﻣﯾﻌﺎً
إﺧواﻧﻪ ﻣن اﻟرﺿﺎع.
ﺛم أرﺿﻌﺗﻪ ﺑﻌد ذﻟك " ﺣﻠﯾﻣﺔ ﺑﻧت أﺑﻲ ذؤﯾب اﻟﺳﻌدﯾﺔ " اﻟﺗﻲ ﺟﺎءت ﻣن دﯾﺎر ﺑﻧﻲ ﺳﻌد
ﺑن ﺑﻛر ﻣﻊ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻧﺳﺎء إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ﯾﻠﺗﻣﺳن ﺟﻣﯾﻌﻬن اﻟرﺿﻌﺎء ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻋﺎدة
أﺷرف اﻟﻌرب آﻧذاك أن ﯾﺳﺗرﺿﻌوا ﻷوﻻدﻫم ﻓﻲ اﻟﺑوادي ﻟﯾﺳﺗﻘﯾم ﻟﺳﺎﻧﻬم ،وﺗﻘوى
ا
أﺟﺳﺎﻣﻬم ﺑﻌﯾدا ﻋن اﻟﺣواﺿر وأﻣراﺿﻬﺎ .وﻗد ُﻋرض ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋﻠﻰ ﺟﻣﯾﻊ
اﻟﻣرﺿﻌﺎت ﻓﻼ ﯾﻘﺑﻠﻧﻪ ؛ ﻟﯾﺗﻣﻪ وﻟﺣﺎﺟﺗﻬن إﻟﻰ اﻟﻣﺎل .ووﺟدت ﻛل اﻣرأة رﺿﯾﻌﺎً إﻻ ﺣﻠﯾﻣﺔ
اﻟﺳﻌدﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻋﺎدت إﻟﻰ ﻣﺣﻣد ﻟﺗﺄﺧذﻩ ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻟم ﺗﺟد ﻏﯾرﻩ وﻫﻲ ﻻ ﺗﻌﻠم أﻧﻬﺎ ﺑﺄﺧذﻫﺎ
ﻟﻬذا اﻟﺻﺑﻲ ﺳﺗﺟد ﻣن اﻟﺧﯾر واﻟﺑرﻛﺔ ﻣﺎ ﻟم ﺗؤﻣﻠﻪ وﺗﺗوﻗﻌﻪ ،ﻓﻘد ﻧﺎﻟﺗﻬﺎ وﻧﺎﻟت أﻫل
ﺑﯾﺗﻬﺎ ﺑرﻛﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣﻧذ أن وﺿﻌﺗﻪ وﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ﻓﻲ ﺣﺟرﻫﺎ ﻟﺗرﺿﻌﻪ ،
ﻓﻘد اﻣﺗﻸ ﺻدرﻫﺎ ﺑﺎﻟﻠﺑن ،ﻓﺄرﺿﻌﺗﻪ ووﻟدﻫﺎ ﻋﺑد اﷲ ﻣن زوﺟﻬﺎ اﻟﺣﺎرث ﺑن ﻋﺑد اﻟﻌزى
ﺑﻌد أن ﻟم ﯾﻛن ﻓﻲ ﺛدﯾﻬﺎ ﻗطرة ﻟﺑن ﻻﺑﻧﻬﺎ ﻋﺑد اﷲ .وﺣﻔﻠت )اﻣﺗﻸت ﺑﺎﻟﻠﺑن( ﻧﺎﻗﺗﻬﺎ.
وﻋﺎدت ﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ دﯾﺎرﻫﺎ ﻓﻲ ﺑﻧﻲ ﺳﻌد ﺣﯾث ﺑﺎرك اﷲ ﻓﻲ ﻣواﺷﯾﻬﺎ
وأﻫل ﺑﯾﺗﻬﺎ ﺑﺑرﻛﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم.
ج : 7أرﺿﻌت ﺣﻠﯾﻣﺔ اﻟﺳﻌدﯾﺔ ﻣﺣﻣداً ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣﻊ اﺑﻧﻬﺎ ﻋﺑداﷲ .وﻛﺎن
وﻛﺎﻧت ﺣﺎﺿﻧﺗﻪ ﻣﻊ ﻟﻬﺎ ﺳواﻩ ﺑﻧﺗﺎن ﻫﻣﺎ " أﻧﯾﺳﺔ ،وﺣذاﻓﺔ " اﻟﻣﻠﻘﺑﺔ ﺑﺎﻟﺷﯾﻣﺎء -
أﻣﻬﺎ ،وﻫﻲ اﻟﺗﻲ وﻗﻌت ﻓﻲ اﻷﺳر ﯾوم ﺣﻧﯾن .وﻟﻣﺎ ﻋﻠم ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺄﻧﻬﺎ
أﺧﺗﻪ ﻣن اﻟرﺿﺎع أﻛرﻣﻬﺎ وأﻋﺎدﻫﺎ إﻟﻰ دﯾﺎر ﻗوﻣﻬﺎ ﺑﻌد أن آﻣﻧت ﺑﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم.
10
س : 8ﻛم ﻣﻛث ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ دﯾﺎر ﺑﻧﻲ ﺳﻌد ،وﻣﺎذا ﺣدث ﻟﻪ ﻫﻧﺎك؟
ج : 8ﻋﺎش ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻣﺳﺗرﺿﻌﺎً ﻓﻲ دﯾﺎر ﺑﻧﻲ ﺳﻌد ﻋﺎﻣﯾن ﺷب ﺧﻼﻟﻬﻣﺎ
ﺷﺑﺎﺑﺎ ﻟم ﯾﺷﺑﻪ اﺣد ﻣن اﻟﻐﻠﻣﺎن ﺣﺗﻰ ﻛﺎن ﻛﻣﺎ ﺗﻘول ﺣﻠﯾﻣﺔ اﻟﺳﻌدﯾﺔ-ﻏﻼﻣﺎً ﺟﻔ ارً
)ﺷدﯾداً(.
ورأت ووﺟدت ﺣﻠﯾﻣﺔ ﻣن ﺑرﻛﺎﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣﺎ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗﺣرص ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﺋﻪ ﻣﻌﻬﺎ ،وﻟذا
ﻟﻣﺎ رﺟﻌت ﺑﻪ إﻟﻰ أﻣﻪ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ﻛﻠﻣﺗﻬﺎ ﻓﻲ أن ﺗﻌﯾدﻩ ﻣﻌﻬﺎ إﻟﻰ دﯾﺎر ﺑﻧﻲ ﺳﻌد ﺧوﻓﺎ
ﻋﻠﯾﻪ ﻣن وﺑﺎء ﻣﻛﺔ .وﻣﺎزاﻟت ﺑﻬﺎ ﺣﺗﻰ رﺿﯾت ،ﻓﻌﺎد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم إﻟﻰ دﯾﺎر
ﺑﻧﻲ ﺳﻌد ﻣرة أﺧرى .وﺑﻌد ﻋودﺗﻪ إﻟﻰ ﻫﻧﺎك ﺑﺄﺷﻬر ﺣدﺛت ﻟﻪ أول إرﻫﺎﺻﺎت اﻟﻧﺑوة وﻫﻲ
ﺣﺎدﺛﺔ ﺷق اﻟﺻدر .ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﯾﻧﺎ أﻧﺎ ﻣﻊ أخ ﻟﻲ ﺧﻠف ﺑﯾوﺗﻧﺎ ﻧرﻋﻰ
ﺑﻬﻣﺎً ﻟﻧﺎ إذ أﺗﺎﻧﻲ رﺟﻼن ﻋﻠﯾﻬﻣﺎ ﺛﯾﺎب ﺑﯾض ﺑطﺳت ﻣن ذﻫب ﻣﻣﻠوءة ﺛﻠﺟﺎ ،أﺧذاﻧﻲ
ﻓﺷﻘﺎ ﺑطﻧﻲ واﺳﺗﺧرﺟﺎ ﻗﻠﺑﻲ ﻓﺷﻘﺎﻩ ﻓﺎﺳﺗﺧرﺟﺎ ﻣﻧﻪ ﻋﻠﻘﺔ ﺳوداء ﻓطرﺣﺎﻫﺎ ،ﺛم ﻏﺳﻼ
ﻗﻠﺑﻲ وﺑطﻧﻲ ﺑذﻟك اﻟﺛﻠﺞ ﺣﺗﻰ ﻧﻘﯾﺎﻩ)رواﻩ ﻣﺳﻠم(.
س : 9ﻫل ﻣن درس ﻧﺳﺗﻔﯾدﻩ ﻣن ﻗﺻﺔ رﺿﺎﻋﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﺑﻧﻲ ﺳﻌد؟
ج :9ﻧﻌم :ﻫﻲ رﺳﺎﻟﺔ ﺗﺑﻌﺛﻬﺎ اﻟﺣراﺋر واﻟﻌﻔﯾﻔﺎت ﻣن ﻧﺳﺎء ﻣﻛﺔ ﻗﺑل أرﺑﻌﺔ ﻋﺷر ﻗرﻧﺎً
ﻣن اﻟزﻣﺎن إﻟﻰ اﻟﻣؤﻣﻧﺎت ﻣن أﻣﻬﺎت اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻫذا اﻟزﻣن .ﻫذﻩ آﻣﻧﺔ
ﺗﺿﺣﻲ ﺑﺣﺑﻬﺎ ،ووﻟﻌﻬﺎ ،وﺗﻌﻠﻘﻬﺎ ﺑﻐﻼﻣﻬﺎ وطﻔﻠﻬﺎ اﻟﺑﻛر ﻣﺣﻣد ،وﺗﺗﺣﻣل أﻟم وﻣرارة
11
ﻓراﻗﻪ ،وﻣﺎ أﺷد ﺣب وﺗﻌﻠق اﻷم ﺑطﻔﻠﻬﺎ ﺧﺎﺻﺔ إذا ﻛﺎن ﺑﻛ ارً ،وﻣﻊ ذﻟك ﺗﺣﻣﻠت آﻣﻧﺔ
ﻛل ﻫذﻩ اﻵﻻم ﺣﯾن ﺑﻌﺛت ﺑﺎﺑﻧﻬﺎ إﻟﻰ دﯾﺎر ﺑﻌﯾدة ﻋﻧﻬﺎ ﺑﻌداً ﯾﺣول دون رؤﯾﺗﻬﺎ ﻟﻪ ﻣﺗﻰ
ﺷﺎءت .ﻛل ذﻟك ﻟﯾﺗﻌﻠم اﻟﻔﺻﺎﺣﺔ ،وﻟﯾﺷب وﯾﻧﻣو ﺻﺣﯾﺢ اﻟﺟﺳم ،ﻗوﯾﺎً ،ﻣﻌﺎﻓﻰ،
ﺳﻠﯾﻣﺎ ﻣن ﻋﺎﻫﺎت اﻟﺣواﺿر اﻟﻠﻐوﯾﺔ واﻟﺟﺳﻣﯾﺔ .ﻟﻘد آﺛرت ﻣﺻﻠﺣﺔ اﺑﻧﻬﺎ ،وﻗدﻣت
ﻣﻧﻔﻌﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺑﻬﺎ ووﻟﻌﻬﺎ ﺑﻪ .ﻓﻬل ﻓﻌل ﻫذا ﻛﺛﯾر ﻣن أﻣﻬﺎت ﻫذا اﻟزﻣن اﻟﻼﺋﻲ ﺟﺋن
ﺑﺎﻟﺣﺎﺿﻧﺎت ،واﻟﻣرﺑﯾﺎت ،وﻋﺎﻣﻼت اﻟﻣﻧﺎزل )اﻟﺷﻐﺎﻻت ( وﻛﺛﯾر ﻣﻧﻬن ﻏﯾر ﻣﺳﻠﻣﺎت ،
ﻟﯾﺷرﻓن ﻋﻠﻰ ﺗرﺑﯾﺔ أطﻔﺎﻟﻧﺎ ،وﯾﻘﻣن ﺑرﻋﺎﯾﺗﻬم وﺗرﺑﯾﺗﻬم .
وأي رﻋﺎﯾﺔ وﺗرﺑﯾﺔ ﺗرﺟﻰ ﻣن أﻣﺛﺎل ﻫؤﻻء اﻟﻧﺳوة اﻟﻐرﯾﺑﺎت ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓﺗﻧﺎ ،وﻋﺎداﺗﻧﺎ ،
وأﺧﻼﻗﻧﺎ ﺑل ورﺑﻣﺎ ﻋﻠﻰ دﯾﻧﻧﺎ .ﻟﻘد أﻓﺳدن ﺗرﺑﯾﺔ اﻟﺟﯾل ،وأﻓﺳدن ﻓطرﺗﻪ ،وﺣطﻣن
أﺧﻼﻗﻪ وﻗﯾﻣﻪ ﻓﻲ ﺳﻧوات ﻋﻣرﻩ اﻷوﻟﻰ اﻟﺗﻲ ﻫﻲ اﻷﺳﺎس ﻓﻲ اﻟﺗرﺑﯾﺔ وﺑﻧﺎء اﻟﻘﯾم .ﻓﻧﺷﺄ
ﺟﯾل ﻓﻲ ﺑﻌض أﺑﻧﺎﺋﻪ ﺟﺣود وﻋﻘوق ﻟواﻟدﯾﻪ وﻣﺟﺗﻣﻌﻪ وأﻣﺗﻪ ﺑﺳﺑب ﺳوء ﺗرﺑﯾﺔ اﻷﻣﻬﺎت
اﻟﺻﻧﺎﻋﯾﺎت اﻟﻣﺳﺗﻘدﻣﺎت ،وﯾﺣدث ﻛل ﻫذا ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﻣن اﻷم واﻷب ﺑل واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺑﻣﺎ
ﻓﯾﻪ وﻣن ﻓﯾﻪ.
واﻟﺟزاء ﻣن ﺟﻧس اﻟﻌﻣل .ﻓﺎﷲ ...اﷲ ﯾﺎ ﻣن ﺗﻘ أر ﻫذﻩ اﻟﻛﻠﻣﺎت ﻣن اﻷﻣﻬﺎت .اﺗﻘﯾن اﷲ
ﻓﻲ أطﻔﺎﻟﻛن وﺗرﺑﯾﺗﻬن .ﻓﻬم واﷲ واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺑل واﻷﻣﺔ أﻣﺎﻧﺔ ﻓﻲ أﻋﻧﺎﻗﻛن وﺻدق
اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻘﺎﺋل :
وﻫﻧﺎك أﻣر آﺧر وﻫﺎم ﻧﺳﺗﻧﺗﺟﻪ ﻣن ﺻﻧﯾﻊ آﻣﻧﺔ ﺣﯾن أرﺳﻠت طﻔﻠﻬﺎ ﻟﻠرﺿﺎع واﻟﻧﺷﺄة ﻓﻲ
دﯾﺎر ﺑﻧﻲ ﺳﻌد ﺣﯾث ﺗرﻛﺗﻪ ﻫﻧﺎك ﯾﻧﺷﺄ وﯾﺗﻌﻠم ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻎ ﻣن ﻋﻣرﻩ اﻟﻣﺑﺎرك أرﺑﻊ ﺳﻧوات ،
وﻧﺷﯾر إﻟﻰ ﻫذا اﻷﻣر اﻟﺗرﺑوي اﻟﻬﺎم ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻌﺟﺎﻟﺔ .وﻫو أﻣر ﺗﺣدﺛت ﻋﻧﻪ ﻛﺛﯾر ﻣن
12
ﻛﺗب اﻟﺗرﺑﯾﺔ واﻷﺧﻼق،وﯾﺗﻔق ﻣﻊ ﻧواﻣﯾس اﻟﺣﯾﺎة .وﻫو أن ﺳﻧوات اﻟﺗرﺑﯾﺔ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ
واﻟﺗﻲ ﺗﺑﻘﻰ آﺛﺎرﻫﺎ ﻣﻊ اﻟﻔرد طوال ﺣﯾﺎﺗﻪ ﻫﻲ ﺳﻧوات اﻟطﻔوﻟﺔ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﺳﻧوات اﻷوﻟﻰ
ﻣﻧﻬﺎ .ﺗﻠك اﻟﺳﻧوات اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺗﺑرﻫﺎ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻧﺎس اﻟﯾوم إﻻ اﻟﻘﻠﯾل ﺳﻧوات ﻟﻌب ،وﻟﻬو،
وﺗﺳﻠﯾﺔ ،وﻣرح ﺣﺗﻰ اﻣﺗﻸت اﻟﺑﯾوت اﻟﺗﻲ ﻓﯾﻬﺎ أطﻔﺎل ﺑﺎﻷ ﻟﻌﺎب .ووﺟد ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن ﻫذﻩ
اﻟﺑﯾوﺗﺎت ﻏرﻓﺎً ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﻟﻌﺎب .ووﺟد ﻓﻲ أﺳواﻗﻧﺎ أﺟﻧﺣﺔ ودﻛﺎﻛﯾن ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﻟﻌﺎب .ﺑل
وﺟد ﻓﻲ ﻣدﻧﻧﺎ ﻣدن ﻟﻸ ﻟﻌﺎب ،وﻣدن ﻟﻠﺗرﻓﯾﻪ ﯾﻘﺗل ﻓﯾﻬﺎ اﻷطﻔﺎل ﺑل واﻟﺷﺑﺎب ﺳﻧوات
اﻟﺗرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﻌب واﻟﺿﯾﺎع .ﻓﺎﻣﺗﻸت اﻟﺑﯾوت ،واﻟﺷوارع ،واﻷﺳواق ،واﻟﻣدن ،واﻣﺗﻸت
ﺣﯾﺎﺗﻧﺎ ﺑﺎﻟﻠﻌب واﻟﻠﻬو .ﻓﻧﺷﺄت ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻷﺟواء واﻟﺑﯾﺋﺎت أﺟﯾﺎل ﺗظن أن اﻟﺣﯾﺎة -ﻛﻣﺎ
ﺗرى -ﻟﻌب ،وﻫزل ﻟﯾس ﻓﯾﻬﺎ ﺟد ،وﻋﻣل،وﺑﻧﺎء ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻧﻔوس ﻗوﯾﺔ ،وﻫﻣم ﻋﺎﻟﯾﺔ.
ﻓراﺣت ﻫذﻩ اﻷﺟﯾﺎل – إﻻ ﻣن ﺷﺎء اﷲ -ﺿﺣﯾﺔ ﺗرﺑﯾﺔ اﻷﺳرة واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻬزﯾﻠﺔ .وﻓرط
اﻟﺟﻣﯾﻊ _ إﻻ ﻣن ﺷﺎء اﷲ _ ﻓﻲ ﺣﻔظ أﻣﺎﻧﺔ اﻷﺑﻧﺎء واﻟذرﯾﺔ ،وأﻣﺎﻧﺔ ﺗرﺑﯾﺗﻬم .ﻓﻌﻠﯾﻧﺎ
ﺟﻣﯾﻌﺎً أن ﻧﻬﺗم ﺑﺳﻧوات طﻔوﻟﺔ أوﻻدﻧﺎ وﺑﻧﺎﺗﻧﺎ،وﻟﻧﺟﻌﻠﻬﺎ ﺳﻧوات ﺗرﺑﯾﺔ وﺑﻧﺎء ﻟﻠﻘﯾم
اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ﻣﻊ ﺷﻲء ﻣن اﻟﻠﻌب اﻟﻬﺎدف اﻟذي ﺗﺣﺗﺎﺟﻪ طﺑﯾﻌﺔ ﻧﻣوﻫم ﻟﻧرى ﻓﻲ ﺣﯾﺎة أﻣﺗﻧﺎ
ﺷﺑﺎﺑﺎً ﺟﺎداً ﯾﻌﯾش ﻟﻠﺟد ،وﻋﺻﺎﻣﯾﺎً ﯾﻌﯾش ﻟﻣﻌﺎﻟﻲ اﻷﻣور ،ﻟﻌل اﷲ أن ﯾﻛﺗب ﻋﻠﻰ ﯾدﯾﻪ
ﻧﺻ ارً وﻋ ازً ﻟﻬذﻩ اﻷﻣﺔ ،وﻣﺎ ذﻟك ﻋﻠﻰ اﷲ ﺑﻌزﯾز.
ج :10ﺧﺷﯾت ﻋﻠﯾﻪ ﻣرﺿﻌﺗﻪ ﺣﻠﯾﻣﺔ،ﻓﺄﻋﺎدﺗﻪ إﻟﻰ أﻣﻪ آﻣﻧﺔ ﺑﻣﻛﺔ وﻫو اﺑن أرﺑﻊ
ﺳﻧﯾن ،وﺑﻘﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣﻊ أﻣﻪ ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻎ اﻟﺳﺎدﺳﺔ ﻣن ﻋﻣرﻩ اﻟﻣﺑﺎرك ﺣﯾث
ذﻫﺑت ﺑﻪ أﻣﻪ آﻣﻧﺔ إﻟﻰ ﯾﺛرب ﻟزﯾﺎرة أﺧواﻟﻪ ﻣن ﺑﻧﻲ اﻟﻧﺟﺎر وﻣﻌﻬﺎ أم أﯾﻣن ﺑرﻛﺔ
13
اﻟﺣﺑﺷﯾﺔ .وﺑﻘﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﯾﺛرب ﻧﺣواً ﻣن ﺷﻬر ﺣﯾث ﺗﻌرف ﻋﻠﻰ أﺧواﻟﻪ
ﻣن ﺑﻧﻲ اﻟﻧﺟﺎر ،وﺗﻌﻠم اﻟﺳﺑﺎﺣﺔ ﻓﻲ آﺑﺎر ﯾﺛرب،ﺛم ﻋﺎدت ﺑﻪ أﻣﻪ إﻟﻰ ﻣﻛﺔ،وﻓﻲ طرﯾق
ﺑﻛﺎء ﻣ ارً ﻋﻠﻰ ﻓراق
اﻟﻌودة وﻓﻲ اﻷﺑواء ﺗوﻓﯾت أﻣﻪ آﻣﻧﺔ ،ﻓﺑﻛﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ً
أﻣﻪ ،وﺑﻠﻎ ﻣﻧﻪ اﻟﺣزن واﻟﯾﺗم ﻣداﻩ ،وﻋﺎدت ﺑﻪ أم أﯾﻣن إﻟﻰ ﺟدﻩ ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب ،وﻟﻘﻲ
ﻓﻲ ﻛﻔﺎﻟﺗﻪ ﻛل رﻋﺎﯾﺔ وﺣب ،ﺣﯾث ﻛﺎن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب وﺑﻧوﻩ ﻻ ﯾﺄﻛﻠون طﻌﺎﻣﺎً ﺣﺗﻰ ﯾؤﺗﻰ
ﺑﻣﺣﻣد ﻟﻣﺎ رأى ﻣن ﻛﺛرة اﻟطﻌﺎم وﺑرﻛﺗﻪ ﺑﺣﺿورﻩ .وﻛﺎن ﯾﻘول :دﻋوا اﺑﻧﻲ ﻓواﷲ إن ﻟﻪ
ﺷﺄﻧﺎً .وﻟﻣﺎ ﺑﻠﻎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻣن اﻟﻌﻣر ﺛﻣﺎن ﺳﻧوات ﺗوﻓﻲ ﺟدﻩ ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب.
ج : 11ﻛﺎن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب ﻗد أوﺻﻰ ﻗﺑل وﻓﺎﺗﻪ ﺑﺄن ﺗﻛون ﻛﻔﺎﻟﺔ ﻣﺣﻣد ﻟﻌﻣﻪ أﺑﻲ طﺎﻟب
واﺳﻣﻪ ﻋﺑد ﻣﻧﺎف .وﻛﺎن أﺧﺎً ﺷﻘﯾﻘﺎً ﻟﻌﺑد اﷲ واﻟد رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﻓﻛﻼﻫﻣﺎ ﻣن أم واﺣدة وﻫﻲ ﻓﺎطﻣﺔ ﺑﻧت ﻋﻣر اﻟﻣﺧزوﻣﻲ .وﻗد أﺣب أﺑو طﺎﻟب ﻣﺣﻣداً
ﺣﺑﺎً ﺷدﯾداً ﻟم ﯾﻛن ﻷﺣد ﻣن أﺑﻧﺎﺋﻪ رﻏم ﻛﺛرﺗﻬم .وﺑﻠﻎ ﺑﻪ اﻟﺣب اﻧﻪ ﻛﺎن ﻻ ﯾﻧﺎم إﻻ
وﻣﺣﻣد ﺑﺟﺎﻧﺑﻪ وﻋﻠﻰ ﻓراﺷﻪ .وﻛﺎن ﯾﻘول ﻟﻪ :إﻧك ﻟﻣﺑﺎرك .ﻷن أوﻻدﻩ إذا أﻛﻠوا ﻓﻲ
ﻏﯾﺎب ﻣﺣﻣد ﻟم ﯾﺷﺑﻌوإ ،واذا أﻛل ﻣﻌﻬم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺷﺑﻌوا وﺑﻘﻲ ﻓﻲ اﻟطﻌﺎم
ﺑﻘﯾﺔ.
وﻛﺎﻧت ﻋﻧﺎﯾﺔ ﺟدﻩ ﺑﻪ وﻛذا ﻋﻣﻪ أﺑو طﺎﻟب ﻣﻣﺎ ﺧﻔف ﻋﻠﯾﻪ ﻣرارة اﻟﯾﺗم ﺑﺳﺑب ﻣﺎ وﺟدﻩ
ﻣن اﻟﺣب واﻟرﻋﺎﯾﺔ واﻹ ﻛرام ﻓﻲ ﺑﯾﺗﻬﻣﺎ ،وﻛل ﻫذا ﻣن ﺗدﺑﯾر اﷲ ،ورﻋﺎﯾﺗﻪ ﻟﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،ﻓﻬو ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟذي ﺗوﻟﻰ إﯾواءﻩ ،وﺟﻌل ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﻠوب ﻣﻛﺎﻧﺔ وﻣﺣﺑﺔ
ﺧﺎﺻﺔ .وﺻدق اﷲ اﻟﻘﺎﺋل":أﻟم ﯾﺟدك ﯾﺗﯾﻣﺎً ﻓﺂوى"
14
س :12ﻣﺎ أﺑرز اﻷﺣداث اﻟﺗﻲ ﺣدﺛت ﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻫو ﻓﻲ ﻛﻔﺎﻟﺔ ﻋﻣﻪ؟
ج : 12ﺣدﺛت ﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻫو ﻓﻲ ﻛﻔﺎﻟﺔ ﻋﻣﻪ أﺑو طﺎﻟب ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻷﺣداث
أﺑرزﻫﺎ:
أ -ﺧروﺟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻟﻰ اﻟﺷﺎم وﻫو ﻓﻲ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻋﺷرة ﻣن ﻋﻣرﻩ .وﺳﺑب اﻟﺧروج
ﻫو أن أﺑﺎ طﺎﻟب ﻛﺎن ﺗﺎﺟ ارً ﯾﺧرج ﻓﻲ ﻗواﻓل ﻗرﯾش اﻟﺗﺟﺎرﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺷﺎم واﻟﯾﻣن .وﻣرة
ﺧرج ﻓﻲ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻟﻘرﯾش إﻟﻰ اﻟﺷﺎم .ﻓﻠﻣﺎ ﺗﻬﯾﺄ ﻟﻠرﺣﯾل وأﺟﻣﻊ اﻟﺳﯾر ﺗﻌﻠق ﺑﻪ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﺑﻛﻰ .ﻓرق ﻟﻪ أﺑو طﺎﻟب رﻗﺔ ﺷدﯾدة وﻗﺎل :واﷲ ﻷﺧرﺟن ﺑﻪ ﻣﻌﻲ ،وﻻ
ﯾﻔﺎرﻗﻧﻲ وﻻ أﻓﺎرﻗﻪ أﺑداً .وﻟﻣﺎ وﺻل اﻟرﻛب ﺑﺻرى ﻧزﻟوا ﻗرﯾﺑﺎ ﻣن ﺻوﻣﻌﺔ راﻫب ﯾﻘﺎل ﻟﻪ
ﺑﺣﯾ ار واﺳﻣﻪ ﺟرﺟﯾس اﻟذي ﺧرج إﻟﻰ اﻟرﻛب وأﻛرﻣﻬم ﻋﻠﻰ ﻏﯾر ﻋﺎدﺗﻪ رﻏم ﻛﺛرة ﻧزول
ﻗواﻓل ﻗرﯾش ﻟﻠﺗﺟﺎرة ﻓﻲ ﺑﺻرى ،وﺻﻧﻊ ﻟﻬم طﻌﺎﻣﺎ ﺣﺿرﻩ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
وﻫو ﻏﻼم ﻓﺟﻌل ﺑﺣﯾ ار ﯾﻧظر ﻓﻲ ﻣﺣﻣد وﯾﺗﺄﻣﻠﻪ وﯾراﻗب ﺣرﻛﺎﺗﻪ وﻛﻼﻣﻪ،ﺛم ﺳﺄﻟﻪ ﻋدة
أﺳﺋﻠﺔ ﻋن أﻣور ﺧﺎﺻﺔ وﻋﺎﻣﺔ ،وأﺟﺎﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋﻠﻰ أﺳﺋﻠﺗﻪ اﻟﺗﻲ ﺳر
ﺑﻬﺎ ﺑﺣﯾ ار ﻛﺛﯾ ار ﻟﻣواﻓﻘﺗﻬﺎ ﻟﻣﺎ ﻓﻲ ﻛﺗب اﻟﻧﺻﺎرى ،وﻟﻣﺎ ﯾﻌﻠﻣﻪ ﻣن ﺻﻔﺎت اﻟﻧﺑﻲ اﻟﻣﻧﺗظر
،وطﻠب ﺑﺣﯾ ار ﻣن أﺑﻲ طﺎﻟب أن ﯾﻌﯾد ﻣﺣﻣداً إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ﺳرﯾﻌﺎً ﺧوﻓﺎً ﻋﻠﯾﻪ ﻣن اﻟﯾﻬود
وﻗﺎل :واﷲ ﻟﺋن رأوﻩ وﻋرﻓوﻩ ،وﻋرﻓوا ﻣﻧﻪ ﻣﺎ ﻋرﻓت ﻟﯾﺑﻐ ّﻧﻪ ﺷ ارً ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎﺋن ﻻﺑن أﺧﯾك
ﺷﺄن ﻋظﯾم.
15
ب -وﻟﻣﺎ ﺑﻠﻎ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن اﻟﻌﻣر ﺧﻣﺳﺔ ﻋﺷر ﻋﺎﻣﺎ ﻫﺎﺟت ﺑﯾن
ﻗرﯾش وﻣن ﻣﻌﻬﺎ ﻣن ﻛﻧﺎﻧﺔ وﺑﯾن ﻗﯾس ﻋﯾﻼن ﺣروب ﻋدة ﺳﻣﯾت ﺑﺣرب اﻟﻔﺟﺎر ﻷﻧﻬﺎ
ﻛﺎﻧت ﻓﻲ اﻷﺷﻬر اﻟﺣرم .وﻟم ﯾﺷﻬد اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣﻧﻬﺎ إﻻ اﻟﺣرب
اﻷﺧﯾرة اﻟﺗﻲ ﺷﻬد ﺑﻌض أﯾﺎﻣﻬﺎ وﻟم ﯾﻘﺎﺗل ﻣﻌﻬم ﺑل –ﻛﻣﺎ ﻗﺎل -ﻛﺎن ﯾﻧﺑل أﻋﻣﺎﻣﻪ ،أي
ﯾرد ﻋﻠﯾﻬم ﻧﺑل ﻋدوﻫم إذا رﻣوﻫم ﺑﻬﺎ.
ج – وﺷﻬد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻫو اﺑن ﻋﺷرﯾن ﻋﺎﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ﺣﻠف اﻟﻔﺿول اﻟذي
أﺛﻧﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم.ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻌد أن أﻛرﻣﻪ اﷲ ﺑﺎﻟﻧﺑوة ﺣﯾث
ﻗﺎل :ﻟﻘد ﺷﻬدت ﻓﻲ دار ﻋﺑداﷲ ﺑن ﺟدﻋﺎن ﺣﻠﻔﺎ ﻣﺎ أﺣب أن ﻟﻲ ﺑﻪ ﺣﻣر اﻟﻧﻌم ،وﻟو
أدﻋﻰ ﺑﻪ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻷﺟﺑت .وﺳﺑب ﻫذا اﻟﺣﻠف أن رﺟﻼ ﻣن زﺑﯾد ﺟﺎء ﺑﺳﻠﻌﺔ إﻟﻰ
ﻣﻛﺔ ،ﻓﺎﺷﺗراﻫﺎ ﻣﻧﻪ اﻟﻌﺎص ﺑن واﺋل اﻟﺳﻬﻣﻲ وﺣﺑس ﻋﻧﻪ ﺣﻘﻪ ،ﻓﺎﺳﺗﻌدى ﻋﻠﯾﻪ ﺑﻧﻲ
ﻋﺑد اﻟدار،وﺑﻧﻲ ﻣﺧزوم ،وﺑﻧﻲ ﺟﻣﺢ،وﺑﻧﻲ ﺳﻬم ﻓﻠم ﯾﻧﺻروﻩ ﻟﻣﻛﺎﻧﺔ اﻟﻌﺎص ﺑن واﺋل
ﻓﯾﻬم،ﻓﺻﻌد اﻟزﺑﯾدي ﺟﺑل أﺑﻲ ﻗﺑﯾس وأﻧﺷد أﺑﯾﺎﺗﺎ ﯾذﻛر ﻓﯾﻬﺎ ظﻼﻣﺗﻪ وﻫو ﻓﻲ اﻟﺣرم.
ﻓﺳﻣﻌﻪ اﻟزﺑﯾر ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﻟﻬذا ﻣﺗرك .ودﻋﺎ اﻟزﺑﯾر إﻟﻰ ﻫذا اﻟﺣﻠف،
ﻓﺄﺟﺗﻣﻊ ﺑﻧو ﻫﺎﺷم ،وﺑﻧو اﻟﻣطﻠب ،وﺑﻧو أﺳد وﺑﻧو زﻫرة ،وﺑﻧو ﺗﯾم وﻣﻌﻬم ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻫو اﺑن ﻋﺷرﯾن ﺳﻧﺔ ﻓﻲ ﺑﯾت ﻋﺑداﷲ اﺑن ﺟدﻋﺎن اﻟذي ﺻﻧﻊ ﻟﻬم
طﻌﺎﻣﺎً ،وﺗﺣﺎﻟﻔوا ،وﺗﻌﺎﻫدوا أﻻ ﯾﺟدوا ﺑﻣﻛﺔ ﻣظﻠوﻣﺎ ً◌إﻻ ﻧﺻروﻩ.ﺛم ﻣﺷوا إﻟﻰ اﻟﻌﺎص
ﺑن واﺋل ﻓﺎﻧﺗزﻋوا ﻣﻧﻪ ﺣق اﻟزﺑﯾدي ودﻓﻌوﻩ إﻟﯾﻪ .وﺳﻣﻲ ﺑﺎﻟﻔﺿول ﻷن اﻟﻘوم ﻟﻣﺎ ﺳﻣﻌوا
ﺑﺄﻣر ﻫذا اﻟﺣﻠف ﻗﺎﻟوا :ﻟﻘد دﺧل ﻫؤﻻء ﻓﻲ ﻓﺿول ﻣن اﻷﻣر ،ﻓﺳﻣﻲ ﺑﺣﻠف اﻟﻔﺿول.
د -وﻟﻣﺎ ﺑﻠﻎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣن ﻋﻣرﻩ اﻟﻣﺑﺎرك ﺧﻣﺳﺔ وﻋﺷرﯾن ﻋﺎﻣﺎً ﺧرج ﻓﻲ ﻗﺎﻓﻠﺔ
ﻗرﯾش اﻟﺗﺟﺎرﯾﺔ اﻟﻣﺗﺟﻬﺔ إﻟﻰ اﻟﺷﺎم ﻟﻠﺗﺟﺎرة ﻓﻲ ﻣﺎل ﺧدﯾﺟﺔ ﺑﻧت ﺧوﯾﻠد اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت إﻣرأة
16
ﻏﻧﯾﺔ ،وﻛﺎﻧت ﺗﺳﺗﺄﺟر اﻟرﺟﺎل ﻓﻲ ﻣﺎﻟﻬﺎ وﺗﺿﺎرﺑﻬم ﺑﺷﻲء ﺗﺟﻌﻠﻪ ﻟﻬم.ﻓﻌرﺿت ﻋﻠﻰ
ﻣﺣﻣد أن ﯾﺧرج ﻓﻲ ﻣﺎﻟﻬﺎ ﺗﺎﺟ ارً إﻟﻰ اﻟﺷﺎم ،وأن ﺗﻌطﯾﻪ أﻓﺿل ﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺗﻌطﻲ ﻏﯾرﻩ ﻣن
اﻟﺗﺟﺎر ﻟﻣﺎ ﺳﻣﻌت ﻣن أﻣﺎﻧﺗﻪ ،وﺻدﻗﻪ ،وﺣﺳن ﺧﻠﻘﻪ .ﻓواﻓق ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،وﺧرج ﻓﻲ
ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻗرﯾش وﻣﻌﻪ ﻣﯾﺳرة ﻏﻼم ﺧدﯾﺟﺔ اﻟذي رأى ﻣن اﻵﯾﺎت واﻟﻣﻌﺟزات وﺣﺳن
اﻷﺧﻼق ،واﻟﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﻣﺎﺣﻛﺎﻩ ﻟﺳﯾدﺗﻪ ﺧدﯾﺟﺔ .وﻓﻲ ﻫذا اﻟﺧروج ﻟﻘﻲ ﻣﯾﺳرة ﻓﻲ ﺑﺻرى
ﻼ :ﻣن ﻫذا اﻟرﺟل اﻟذي ﻧزل ﺗﺣت اﻟﺷﺟرة ؟ ﻓﻘﺎل
طور اﻟذي ﺳﺄل ﻣﯾﺳرة ﻗﺎﺋ ً
اﻟراﻫب ﻧﺳ ا
ﻣﯾﺳرة :ﻫذا رﺟل ﻣن ﻗرﯾش ﻣن أﻫل اﻟﺣرم .ﻓﻘﺎل اﻟراﻫب :ﻣﺎ ﻧزل ﺗﺣت ﻫذﻩ اﻟﺷﺟرة
إﻻ ﻧﺑﻲ .
وﺑﺎع ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ رﺣﻠﺗﻪ ﻫذﻩ،وﺗﺎﺟر ،ورﺑﺢ ﻛﺛﯾ ارً.وﻣﺎ ﻏش ،وﻣﺎ ﺣﻠف ﯾﻣﯾﻧﺎً ﻛﺎذﺑﺔ
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم.
وﻟﻣﺎ ﺣدث ﻣﯾﺳرة ﺧدﯾﺟﺔ ﺑﻣﺎ رأى وﺳﻣﻊ ﻓﻲ رﺣﻠﺗﻪ ﻫذﻩ ﻣﻊ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم رﻏﺑت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻲ اﻟزواج ﻣﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم،وﻫﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺎﻓس وﺗﺳﺎﺑق
ﺳﺎدات ﻗرﯾش ﻟﻠزواج ﺑﻬﺎ ﻓرﻓﺿﺗﻬم ،ﻷﻧﻬﺎ ﻟم ﺗر ﻛﻔؤاً ﻷﺧﻼﻗﻬﺎ ورﺟﺎﺣﺔ ﻋﻘﻠﻬﺎ إﻻ
ﻣﺣﻣداً ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .
ﻓﻠم ﺗﻧﺗظرﻩ ﻟﯾﺧطﺑﻬﺎ ﺑل أرﺳﻠت إﻟﯾﻪ ﺗﻌرض ﻋﻠﯾﻪ ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻟﯾﺗزوﺟﻬﺎ ،ﻷﻧﻬﺎ وﺟدت ﻓﯾﻪ
ﺿﺎﻟﺗﻬﺎ اﻟﻣﻧﺷودة .وذﻟك ﻓﺿل اﷲ ﯾؤﺗﯾﻪ ﻣن ﯾﺷﺎء.ﻓﺄرﺳﻠت إﻟﯾﻪ ﺻدﯾﻘﺗﻬﺎ ﻧﻔﯾﺳﻪ ﺑﻧت
ﻣﻧﯾﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ .ﯾﺎ اﺑن ﻋم إﻧﻲ ﻗد رﻏﺑت ﻓﯾك ﻟﻘراﺑﺗك وﺳطﺗك ﻓﻲ ﻗوﻣك ،وأﻣﺎﻧﺗك ،وﺣﺳن
ﺧﻠﻘك ،وﺻدق ﺣدﯾﺛك .ﻓﺎﻋﺗذر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻟﻔﻘرﻩ وﻗﻠﺔ ذات ﯾدﻩ.ﻓﺄرﺳﻠت إﻟﯾﻪ أﻧﻬﺎ
ﺗﻛﻔﯾﻪ ﻛل ذﻟك،ﻓﻌرض اﻷﻣر ﻋﻠﻰ أﻋﻣﺎﻣﻪ اﻟذﯾن ﺑﺎرﻛوا ﻫذا اﻷﻣر .وﻛﺎﻧت ﺧدﯾﺟﺔ آﻧذاك
أرﻣﻠﺔ ﺗزوﺟت ﻗﺑل ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣرﺗﯾن ...أوﻟﻬﻣﺎ ﻣن أﺑﻲ ﻫﺎﻟﺔ ﺑن زرارة،
17
وﺛﺎﻧﯾﻬﻣﺎ ﻣن ﻋﺗﯾق ﺑن ﻋﺎﺋد .وﻟم ﺗﻧﺟب إﻻ ﺑﻧﺗﺎً ﻣن أﺑﻲ ﻫﺎﻟﺔ ﻗﯾل اﺳﻣﻬﺎ ﻫﺎﻟﺔ،وﻗﯾل
ﻫﻧد.وﺧطﺑﻬﺎ رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻫﻲ ﻓﻲ اﻷرﺑﻌﯾن ﻣن ﻋﻣرﻫﺎ ،وﻫو ﻓﻲ اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ
واﻟﻌﺷرﯾن ﻣن ﻋﻣرﻩ اﻟﻣﺑﺎرك،وأﺻدﻗﻬﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﺷرﯾن ﺑﻛرة.واﻧﺗﻘل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
إﻟﻰ دار ﺧدﯾﺟﺔ اﻟﺗﻲ رزﻗﻬﺎ اﷲ ﻣن ﻣﺣﻣد وﻟدان وأرﺑﻊ ﺑﻧﺎت وﻫم :اﻟﻘﺎﺳم وﻛﺎن ﯾﻛﻧﻰ
ﺑﻪ ،وﻋﺑداﷲ اﻟﻣﻠﻘب ﺑﺎﻟطﯾب واﻟطﺎﻫر.وﻣﺎت اﻟوﻟدان ﻓﻲ ﺻﻐرﻫﻣﺎ .أﻣﺎ اﻟﺑﻧﺎت ﻓﻬن:
زﯾﻧب ،ورﻗﯾﺔ ،وأم ﻛﻠﺛوم ،وﻓﺎطﻣﺔ ،وﺟﻣﯾﻌﻬن أدرﻛن اﻹﺳﻼم ،وأﺳﻠﻣن ،وﻫﺎﺟرن
.وأدرﻛﺗﻬن اﻟوﻓﺎة ﺟﻣﯾﻌﻬن ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻻ ﻓﺎطﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗوﻓﯾت ﺑﻌدﻩ ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ﺑﺳﺗﺔ أﺷﻬر.
ج : 13ﻧﻌم .درﺳﺎن :درس ﻣن ﺻﻧﯾﻊ ﺧدﯾﺟﺔ ،ودرس ﻣن ﺻﻧﯾﻊ ﻣﺣﻣد .أﻣﺎ ﺧدﯾﺟﺔ
اﻟﻣﻌروﻓﺔ ﻓﻲ ﻧﺳﺎء ﻗرﯾش ﺑﺟﻣﺎﻟﻬﺎ ،وﻏﻧﺎﻫﺎ ،ورزاﻧﺗﻬﺎ ،وﻋﻘﻠﻬﺎ ﻓﻘد رأﯾﻧﺎﻫﺎ ﺗرﻓض
ﺳﺎدات ﻗرﯾش أﺻﺣﺎب اﻟﺟﺎﻩ ،واﻟﻣﺎل ،واﻟﺳﻠطﺎن ﻟﺳوء أﺧﻼﻗﻬم وﻗد ﺗﺳﺎﺑﻘوا ﻟﻠزواج
ﺑﻬﺎ ﻟﯾظﻔروا ﺑﻣﺎ ﺣﺑﺎﻫﺎ اﷲ ﺑﻪ ﻣن ﻣﺎل ،وﺟﻣﺎل ،وﻋﻘل ﻟﺗوظف ﻫﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣزاﯾﺎ وﺗﻌرض
ﻧﻔﺳﻬﺎ وﻣزاﯾﺎﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺣﻣد اﻟﻔﻘﯾر ﻟﯾﺗزوﺟﻬﺎ .ﻟﻣﺎذا؟ ﻟﺗوﻓر ﻣﻘوﻣﺎت اﻟزواج واﻟزوج
اﻟﻧﺎﺟﺢ ﻓﻲ ﻣﺣﻣد وﻫﻲ :ﺣﺳن اﻟﺧﻠق .ﻓﯾﺎ ﻧﺳﺎء اﻟﯾوم ،وﯾﺎ ﺑﻧﺎت اﻹﺳﻼم ...اﻗﺗدﯾن
ﺑﺧدﯾﺟﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﻟﺗظﻔرن ﺑزوج ﺻﺎﻟﺢ ،وﺣﯾﺎة زوﺟﯾﺔ طﯾﺑﺔ .وﻟن ﯾﻛون ذﻟك ﻓﻲ
أﺟواء اﻟﻣﺎل ،وﺑﯾﺋﺎت اﻟﺳﻠطﺎن ،وﺑﻬرج اﻟﺟﺎﻩ .ﻟن ﯾﻛون ذﻟك واﷲ إﻻ ﻓﻲ ﻣﺣﺿن
اﻷﺧﻼق ،وﺑﯾﺋﺔ اﻟﻘﯾم .وﺻدق ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺣﯾث ﻗﺎل :إذا ﺟﺎءﻛم ﻣن ﺗرﺿون دﯾﻧﻪ
وﺧﻠﻘﻪ ﻓزوﺟوﻩ.
18
وأﻣﺎ ﻣﺣﻣد اﻟذي ﻛﺎن زﯾﻧﺔ ﺷﺑﺎب ﻗرﯾش ﺻدﻗﺎً ،وأﻣﺎﻧﺔ ،وﺷﺟﺎﻋﺔ .وﻛﺎن درة ﺗﺎج
ﻗرﯾش ﺑل واﻟﻌرب ﺟﻣﯾﻌﺎً .ﻟم ﯾﻣﻧﻌﻪ ﺷﺑﺎﺑﻪ وﻫو اﺑن اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ واﻟﻌﺷرﯾن ﻣن أن ﯾﺗزوج
اﻣرأة ﺗﻛﺑرﻩ ﺑﺧﻣﺳﺔ ﻋﺷر ﻋﺎﻣﺎ .ﻟﻘد وﺟد ﻓﻲ أﺧﻼﻗﻬﺎ ،وﻋﻘﻠﻬﺎ ﻋوﺿﺎً ﻋن ﻓﺎرق
اﻟﺳن اﻟﻛﺑﯾر .ﻓﺗزوﺟﻬﺎ ..ﻓﻛﺎﻧت ﺗﻠك اﻷﺳرة اﻟﻣﺟﯾدة اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﻌرف اﻟﻌرب أﺳرة أﻛرم
وﻻ أﺷرف وﻻ أﻫﻧﺄ ﺣﯾﺎة ﻣﻧﻬﺎ .أﺳرة اﻟﺗﻘت ﻓﯾﻬﺎ أﻣﺎﻧﺔ ﻣﺣﻣد ،وﺻدﻗﻪ ،وﻛرم أﺧﻼﻗﻪ
ﺑﻌﻘل ﺧدﯾﺟﺔ ،ورزاﻧﺗﻬﺎ ،وﻣﺎﻟﻬﺎ.ﻓﻛﺎن ذﻟك اﻟﻣﺣﺿن اﻟطﯾب اﻟذي أرادﻩ اﷲ ﻟﻧﺑﯾﻪ
وﺧﯾرﺗﻪ ﻣن ﺧﻠﻘﻪ،وﻛﺎن ذﻟك اﻟﺑﯾت اﻟذي أرادﻩ اﷲ ﺑﯾﺗﺎ ﻟﻠﻧﺑوة ،ودا ارً ﻟﻠرﺳﺎﻟﺔ ،وﻣﻬﺑطﺎ
ﻷﻣﯾن وﺣﯾﻪ .ﻓﯾﺎ ﺷﺑﺎب اﻟﯾوم ...ﻟﻘد ﻛﺎن ﻟﻛم ﻓﻲ رﺳول اﷲ أﺳوة ﺣﺳﻧﺔ ..وأﻋﻠﻣوا أن
ﻻ ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺑﯾوت ﻓﺗﯾﺎت ﻛﺛﯾرات ﺟﺎوزن اﻟﺛﻼﺛﯾن ﻣن اﻟﻌﻣر ﺑل واﻷرﺑﻌﯾن
ﯾﻧﻘﺻﻬن أدب ،وﻻ ﻋﻘل ،وﻻ ﻣﺎل أو ﺟﻣﺎل.ﻓﻼ ﯾﺗرﻛن ﻧﻬﺑﺎً ﻟﻸﯾﺎم ،وﻓرﯾﺳﺔ ﻟﻠﺳﻧﯾن،
وﺷﻣﺎﺗﺔ ﻟﻠﺷﺎﻣﺗﯾن ،وﻓﺎﻛﻬﺔ ﻟﺣدﯾث اﻟﻣﺟﺎﻟس ،ورﻫﻧﺎً ﻟﻸﺣزان.
س :14ﻫل ﻣﺎرس ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أﻋﻣﺎﻻً أﺧرى ﻏﯾر اﻟﺗﺟﺎرة ؟
ج :14ﻧﻌم .ﻓﻘد ﻋﻣل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ رﻋﻲ اﻟﻐﻧم وﻫو ﺻﻐﯾر ﻓﻲ دﯾﺎر ﺑﻧﻲ ﺳﻌد ،ﺛم
رﻋﺎﻫﺎ ﻟﻣﺎ ﻛﺑر ﻷﻫل ﻣﻛﺔ ﻋﻠﻰ ﻗرارﯾط .واﻟﻘﯾراط ﺟزء ﯾﺳﯾر ﻣن اﻟدﯾﻧﺎر ﻻ ﯾﺟﺎوز ﺑﺿﻌﺔ
رﯾﺎﻻت ،وﻓﻲ ﻫذا ﯾﻘول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻌد أن أﻛرﻣﻪ اﷲ ﺑﺎﻟﻧﺑوة :ﻣﺎ ﻣن ﻧﺑﻲ إﻻ رﻋﻰ
اﻟﻐﻧم.ﻗﺎﻟوا:وأﻧت ﯾﺎ رﺳول اﷲ؟ ﻗﺎل :ﻛﻧت أرﻋﺎﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻗرارﯾط ﻷﻫل ﻣﻛﺔ.أو ﻛﻣﺎ ﻗﺎل .ﺛم
ﻋﻣل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﺗﺟﺎرة .وﻛﺎن ﺷرﯾﻛﻪ اﻟﺳﺎﺋب ﺑن أﺑﻲ اﻟﺳﺎﺋب .وﺗﺎﺟر ﻓﻲ ﻣﺎل
ﺧدﯾﺟﺔ .وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﺄﻛل ﻣن ﻛﺳب ﯾدﻩ.
19
وﻫﻧﺎ ﻻ ﺑد ﻣن وﻗﻔﺔ ﻟﻧﺄﺧذ درﺳﺎ ﻣن ﺣﯾﺎﺗﻪ وأﻋﻣﺎﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﺷﺑﺎﺑﻪ
وﻛﯾف ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﻣن ﻋﻣرﻩ اﻟﻣﺑﺎرك .ﻟﻘد ﻗﺿﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﻋظﺎﺋم اﻷﻣور .ﻓﻣن ﻗﺗﺎل
ﻟﻠظﺎﻟﻣﯾن ﻓﻲ ﺣرب اﻟﻔﺟﺎر ،إﻟﻰ ﻧﺻرة ﻟﻠﻣظﻠوم ﻓﻲ ﺣﻠف اﻟﻔﺿول ،ﺛم إﻟﻰ اﻟﻌﻣل
واﻟﻛﺳب ،ﻓﻣن رﻋﻲ اﻷﻏﻧﺎم ﻷﻫل ﻣﻛﺔ ﻋﻠﻰ ﻗرارﯾط ،إﻟﻰ اﻟﺳﻔر ﻟﻠﺗﺟﺎرة ﺑﻣﺎل اﻟﻐﯾر ،
ﺛم اﻟﺗﺟﺎرة ﺑﺎﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻣﻊ اﻟﻐﯾر ،ﺛم اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﺑﻧﺎء اﻟﺑﯾت وﻓض اﻟﻧزاع اﻟذي وﻗﻊ
ﺑﺳﺑب اﻟﺣﺟر اﻷﺳود ،إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻟﻣﺷﺎرﻛﺎت اﻹﯾﺟﺎﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺻﻘﻠت ﺷﺧﺻﯾﺔ
ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم وﻣﯾزﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻗراﻧﻬﺎ ﺣﺗﻰ ﻗدﻣﻪ ﺷﯾوخ ﻣﻛﺔ وﻛﺑراءﻫﺎ
واﺧﺗﺎروﻩ ﻟﺣﻛﻣﺗﻪ ورﺟﺎﺣﺔ ﻋﻘﻠﻪ ﻟﺣل اﻟﻣﻌﺿﻼت ﻛﻣﺎ ﺣدث ﻋﻧد ﺑﻧﺎء اﻟﻛﻌﺑﺔ ،واﺧﺗﺎروﻩ
ﻟﻌﻔﺗﻪ وأﻣﺎﻧﺗﻪ ﻟﺣﻔظ اﻷﻣﺎﻧﺎت واﻷﻣوال ،وﺷﻬدوا ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺻدق واﻷﻣﺎﻧﺔ .ﻟﻘد اﺷﺗﻐل
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﺷﺑﺎﺑﻪ ﺑﻌظﺎﺋم اﻷﻣور ﺣﺗﻰ ﺻﺎر ﻋظﯾﻣﺎ ﻓﻲ ﻗوﻣﻪ ،ودرة ﻓﻲ
ﺗﺎج ﻗرﯾش ،وﻫذا ﻣﺎ ﺟﻌل ﺧدﯾﺟﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺗطﻣﻊ ﻓﯾﻪ ،وﺗرﻏب ﻓﻲ اﻟظﻔر ﺑﻪ
زوﺟﺎ ﻟﻬﺎ ،ﻓﺗﻌرض ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻋﻠﯾﻪ ﻗﺑل أن ﯾﺳﺑﻘﻬﺎ ﻏﯾرﻫﺎ إﻟﯾﻪ .ﻓﺎﻗﺗدوا ﺑﻪ ﯾﺎ ﺷﺑﺎب
اﻹﺳﻼم ﻓﻧﻌم اﻟﻘدوة ﻫو ،ﻓﻘد ﻋﻣل أﺟﯾ ار ،وﻋﻣل ﺷرﯾﻛﺎ ،وأﻛل ﻣن ﻛﺳب ﯾدﻩ ﻋﻠﯾﻪ
واﻟﺳﻼم ،ﻓﺎﻣﻸ وا ﺷﺑﺎﺑﻛم ﺑﺎﻟﻌظﺎﺋم ﻟﺗﺳﻌدوا وﺗﺳﻌد ﺑﻛم أﻣﺗﻛم ،وﺗﺟﻧﺑوا اﻟﺻﻐﺎﺋر
واﻟﺗواﻓﻪ ﻓﺈﻧﻬﺎ واﷲ ﻻ ﺗﻠﯾق ﺑﻛم .وﺗذﻛروا أن ﻣن ﺷب ﻋﻠﻰ ﺷﺊ ﺷﺎب ﻋﻠﯾﻪ ،وﻣن
ﺷﺎب ﻋﻠﻰ ﺷﺊ ﻣﺎت ﻋﻠﯾﻪ وﺑﻌث ﻋﻠﯾﻪ .
س :15ﻛم ﻋﺎش ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣﻊ ﺧدﯾﺟﺔ ،وﻛﯾف ﻛﺎﻧت ﺣﯾﺎﺗﻬﺎ ﻣﻌﻪ ؟
ج : 15ﻋﺎش ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻣﻊ ﺧدﯾﺟﺔ ﻧﺣواً ﻣن ﺧﻣس وﻋﺷرﯾن ﺳﻧﺔ وﻟم
ﯾﺗزوج ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻣرأة ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻬﺎ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ.وﻋﺎﺷت ﺧدﯾﺟﺔ ﻣﻊ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ
20
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓرأت ﻓﯾﻪ ﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺗﺳﻣﻌﻪ ﻋﻧﻪ ،ﻗﺑل زواﺟﻬﺎ ﺑﻪ ﻣن اﻟﺻدق ،واﻷﻣﺎﻧﺔ،
واﻟﻌﻔﺔ ،واﻟطﻬﺎرة ،وﻛرم اﻷﺧﻼق ،وﺣﺳن اﻟﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ،ﻓﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺧﯾر زوج
ﻟﺧﯾر اﻣرأة .وﻛﺎﻧت ﺧدﯾﺟﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺗرى ﻓﻲ ﻣﺣﻣد وﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻪ ﻣﻌﻬﺎ أﻣو ارً
وﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌد أن ﺟﺎوز ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ واﻟﺛﻼﺛﯾن ﻣن ﻋﻣرﻩ اﻟﻣﺑﺎرك ،ﻓﻘد ﻛﺎن
ﯾﺷﻛو إﻟﻰ ﺧدﯾﺟﺔ وﯾﺣدﺛﻬﺎ ﺑﺄﻧﻪ ﯾﺳﻣﻊ أﺻواﺗﺎً ،وﯾرى أﻧوا ارً -ﻓدﻓﻌﻬﺎ ﻫذا ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ
ﻣﺎ ﺳﻣﻌت ﻣن ﻏﻼﻣﻬﺎ ﻣﯾﺳرة ﻣن أﺣواﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺣﯾن ﺳﺎﻓر ﻣﻌﻪ إﻟﻰ اﻟﺷﺎم ،
ﻧﺳطور إﻟﻰ أن ﺗذﻫب إﻟﻰ اﺑن ﻋﻣﻬﺎ ورﻗﺔ ﺑن ﻧوﻓل اﻟذي ﻛﺎن ﻗد
ا وﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟراﻫب
ﺗﻧﺻر وﻗ أر اﻟﻛﺗب ،وﻋﻠم ﻣن أﺣوال اﻟﻧﺑﻲ اﻟﻣﻧﺗظر ﻣﺎ ﻋﻠم ،ﻓﺗﺳﺄﻟﻪ ﻋن ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻌد أن ﺗﺧﺑرﻩ ﺑﻣﺎ رأت وﺳﻣﻌت ﻓﯾﻘول ﻟﻬﺎ :ﻟﺋن ﻛﺎن ﻫذا ﺣﻘﺎً ﯾﺎ
ﺧدﯾﺟﺔ ﻓﺈن ﻣﺣﻣداً ﻟﻧﺑﻲ ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ .ﻗد ﻋرﻓت أﻧﻪ ﻛﺎﺋن ﻟﻬذﻩ اﻷﻣﺔ ﻧﺑﻲ ﻫذا زﻣﺎﻧﻪ ﺛم
ﯾﻧﺷد ﻗﺎﺋﻼً:
س :16ﻣﺎ ﻗﺻﺔ ﺑﻧﺎء ﻗرﯾش ﻟﻠﻛﻌﺑﺔ ،وﻫل ﺷﺎرك ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﺑﻧﺎﺋﻬﺎ؟
ج :16ﻛﺎﻧت اﻟﻛﻌﺑﺔ ﻋﻠﻰ رﺑوة ﻓﻲ وﺳط اﻟوادي ،وﻗد ﺗﻌرﺿت ﺑﺳﺑب ﻫذا اﻟﻣوﻗﻊ
ﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺳﯾول ،ﻛﻣﺎ ﺗﻌرﺿت ﻟﻠﺣرﯾق .وﺗﻘﺎدم اﻟزﻣن ﻋﻠﻰ ﺑﻧﯾﯾﺎن اﻟﻛﻌﺑﺔ .وﻛﺎﻧت
21
ﻋﺑﺎرة ﻋن رﺿم وﺣﺟﺎرة ﻟﯾس ﺑﯾﻧﻬﺎ ﻣﻼط .وﺧﺷﯾت ﻗرﯾش أن ﯾﻧﻬﺎر ﺑﻧﯾﺎن اﻟﻛﻌﺑﺔ اﻟﺗﻲ
ﻫﻲ ﺑﯾت اﷲ ،وﻫﻲ ﻋزﻫم وﺷرﻓﻬم ﺑﯾن ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب .ﻓﺎﺟﺗﻣﻊ ﺳﺎدات ﻗرﯾش ،
وﺗﺷﺎوروا ﻓﻲ اﻷﻣر ،وأﺟﻣﻌوا ﻋﻠﻰ ﻫدﻣﻬﺎ ٕواﻋﺎدة ﺑﻧﺎﺋﻬﺎ ،وأﺟﻣﻌوا أﻻ ﯾدﺧﻠوا ﻓﻲ
ﺑﻧﺎﺋﻬﺎ إﻻ ﻣﺎ ًﻻ ﺣﻼﻻً .وﻟﻘﻠﺗﻪ ﻟم ﯾﺗﻣﻛﻧوا ﻣن إﻋﺎدة ﺑﻧﺎﺋﻬﺎ ﻋﻠﻰ وﺿﻌﻬﺎ اﻟﺳﺎﺑق وﻫو
ﺑﻧﯾﺎن إﺑراﻫﯾم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،ﻓﺗرﻛوا طرﻓﻬﺎ اﻟﺷﻣﺎﻟﻲ اﻟﻣﺳﻣﻰ ﺣﺎﻟﯾﺎً ﺑﺎﻟﺣﺟر وﻟم ﯾدﺧﻠوﻩ
ﻓﻲ ﺑﻧﺎﺋﻬﺎ وﻫو ﺟزء ﻣﻧﻬﺎ .وﻫذا ﻣﺎ أﺷﺎر إﻟﯾﻪ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﺣدﯾث اﻟذي
ﯾروﯾﻪ اﻟﺑﺧﺎري وﻣﺳﻠم ﻋن ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﻗﺎﻟت :ﺳﺄﻟت رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋن اﻟﺟدر -اﻟﻣراد اﻟﺣﺟر -أﻣن اﻟﺑﯾت ﻫو؟ ﻗﺎل :ﻧﻌم .ﻗﻠت :ﻓﻣﺎﻟﻬم ﻟم
ﯾدﺧﻠوﻩ ﻓﻲ اﻟﺑﯾت؟ ﻗﺎل :أﻟم ﺗر ﻗوﻣك ﻗﺻرت ﺑﻬم اﻟﻧﻔﻘﺔ ؟
وﻛﺎن اﷲ ﻗد ﯾﺳر ﻟﻬم ﻣﺎ ﯾﻌﯾﻧﻬم ﻋﻠﻰ ﺑﻧﺎﺋﻬﺎ ﻣن أﺧﺷﺎب وﺑﻧﺎء ﻗﺑطﻲ ﯾﺣﺳن اﻟﺑﻧﺎء
ﺑﺎﻟﺣﺟﺎرة .وﺟزأت ﻗرﯾش اﻟﻛﻌﺑﺔ ،وﺟﻌﻠت ﻟﻛل ﻗﺑﯾﻠﺔ ﺟزءاً ﻣﻧﻬﺎ ﯾﻬدم ﺛم ﯾﺑﻧﻰ .وﺷرﻋوا
ﻓﻲ ﻫدﻣﻬﺎ ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻐوا أﺳﺎس إﺑراﻫﯾم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،وأﻓﺿوا إﻟﻰ ﺣﺟﺎرة ﺧﺿر ﻛﺎﻷﺳﻧﺔ
)أطراف اﻟرﻣﺎح اﻟﺣﺎدة( ،ﺛم ﺷرﻋوا ﻓﻲ اﻟﺑﻧﺎء ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻎ اﻟﺑﻧﯾﺎن ﻣوﺿﻊ اﻟﺣﺟر اﻷﺳود ،
ﻓﺎﺧﺗﻠﻔوا ﻓﯾﻪ ﻛل ﻗﺑﯾﻠﺔ ﺗرﯾد أن ﺗﻧﺎل ﺷرف وﺿﻌﻪ ﻓﻲ ﻣوﺿﻌﻪ ،واﺧﺗﺻﻣوا ،ووﺻل
ﺑﻬم اﻷﻣر إﻟﻰ اﻻﺳﺗﻌداد ﻟﻠﻘﺗﺎل .وﺑﻘوا ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﺧﻼف واﻟﺗوﺗر ﻋدة ﻟﯾﺎل ﺣﺗﻰ أﻟﻬم
اﷲ أﺑﺎ أﻣﯾﺔ ﺑن اﻟﻣﻐﯾرة اﻟﻣﺧزوﻣﻲ واﻟذي ﻛﺎن أﺳن اﻟﻘوم ﻓﻘﺎل :ﻻ ﺗﺧﺗﻠﻔوا ﺑل ﺣﻛﻣوا
ﻣن ﺗرﺿون ﺑﺣﻛﻣﻪ .ﻓﻘﺎﻟوا :أول داﺧل ﻣن ﻫذا اﻟﺑﺎب .ورﺿﻲ اﻟﻧﺎس .وﻛﺎن ﻫذا
اﻟداﺧل ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم وﻛﺎن ﯾوﻣﻬﺎ اﺑن ﺧﻣس وﺛﻼﺛﯾن ﺳﻧﺔ ،ﻓﻠﻣﺎ رأوﻩ
ﻗﺎﻟوا :ﻫذا اﻷﻣﯾن،رﺿﯾﻧﺎ ﺑﻣﺎ ﯾﻘﺿﻲ ﺑﻪ ﺑﯾﻧﻧﺎ .ﻓﻠﻣﺎ اﻧﺗﻬﻰ إﻟﯾﻬم اﻟرﺳول وأﺧﺑروﻩ
ﻫﻠﻣوا إﻟﻲ ﺛوﺑﺎً .ﻓﺟﻲء ﺑﺎﻟﺛوب .ﻓﺑﺳطﻪ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم،وأﺧذ اﻟﺣﺟر
ﺑﺎﻷﻣر ﻗﺎلّ :
22
اﻷﺳود ووﺿﻌﻪ ﻋﻠﯾﻪ ﺑﯾدﻩ ﺛم ﻗﺎل :ﻟﺗﺄﺧذ ﻛل ﻗﺑﯾﻠﺔ ﺑﻧﺎﺣﯾﺔ ﻣن اﻟﺛوب ،ﺛم ارﻓﻌوﻩ
ﺟﻣﯾﻌﺎً .ﻓﻔﻌﻠوا ﺣﺗﻰ إذا ﺑﻠﻐوا ﺑﻪ ﻣوﺿﻌﻪ أﺧذﻩ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ووﺿﻌﻪ ﻫو ﺑﯾدﻩ
،ﺛم ﺑﻧﻰ ﻋﻠﯾﻪ ،وﺑذﻟك أﻧﻬﻰ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻫذا اﻟﺧﻼف اﻟذي ﻛﺎد اﻟﻘوم
أن ﯾﻘﺗﺗﻠوا ﺑﺳﺑﺑﻪ .وأﻛﻣﻠت ﻗرﯾش ﺑﻧﺎء اﻟﻛﻌﺑﺔ،ﺛم ﺳﻘﻔوﻫﺎ وﺟﻌﻠوا ﻣﯾزاﺑﻬﺎ ﯾﺻب ﻓﻲ
اﻟﺣﺟر ﻛﻣﺎ ﻫو اﻵن.
ووﺿﻌوا ﻋﻠﻰ ﺟدراﻧﻬﺎ ﻣن اﻟداﺧل ﺻو ارً ﻟﻸ ﻧﺑﯾﺎء واﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ،ورﺳﻣوا ﻣرﯾم واﺑﻧﻬﺎ ﻋﯾﺳﻰ
ﻓﻲ ﺣﺟرﻫﺎ .وﯾﺑدو أن اﻟذي أﺷﺎر ﺑﻬذا ﻫو اﻟﺑﻧﺎء اﻟﻘﺑطﻲ ﺑﺎﻗوم .وﻛﺎن رﺟﻼً ﻧﺻراﻧﯾﺎً
ﻧﻘل ﻓﻛرة ﻫذﻩ اﻟﺗﺻﺎوﯾر ﻣن ﻛﻧﺎﺋس اﻟروم .وﺑﻘﯾت ﻫذﻩ اﻟﺗﺻﺎوﯾر ﺣﺗﻰ ﯾوم ﻓﺗﺢ ﻣﻛﺔ
ﺣﯾن دﺧل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻟﻛﻌﺑﺔ وﻣﺳﺢ وأﻣر ﺑﺈزاﻟﺔ اﻟﺗﺻﺎوﯾر واﻟﺗﻣﺎﺛﯾل اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت
ﺑداﺧﻠﻬﺎ.
س :17ﻛﯾف ﻛﺎﻧت ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌرب اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺟزﯾرﺗﻬم ﻗﺑل ﻣﺑﻌﺛﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم؟
ج : 17ﻛﺎن اﻟﻌرب ﻋﻠﻰ اﻟﺗوﺣﯾد دﯾن إﺑراﻫﯾم اﻟذي دﻋﺎﻫم إﻟﯾﻪ اﺑﻧﻪ إﺳﻣﺎﻋﯾل ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم .وﺑﻘوا ﻋﻠﻰ ذﻟك زﻣﻧﺎً طوﯾﻼً ،ﺣﺗﻰ ﺟﺎء ﻋﻣرو ﺑن ﻟﺣﻲ اﻟﺧزاﻋﻲ اﻟذي أﺣﺑﻪ
اﻟﻧﺎس ﻟﻣﺎ ﻋرف ﺑﻪ ﻣن اﻟﺑر واﻟﺣرص ﻋﻠﻰ أﻣور اﻟدﯾن .وﻛﺎن ﻋﻣرو ﻗد ﺳﺎﻓر إﻟﻰ
اﻟﺷﺎم ،ورأى اﻟﻧﺎس ﯾﻌﺑدون اﻷوﺛﺎن وﻫم أﻫل ﻛﺗﺎب ﺳﻣﺎوي ﻓظن أن ﻋﺑﺎدﺗﻬم ﻫذﻩ
ﺣق ،ﻓﻘدم ﻣﻌﻪ إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ﺑﻬﺑل ووﺿﻌﻪ ﻓﻲ ﺟوف اﻟﻛﻌﺑﺔ ،ودﻋﺎ اﻟﻧﺎس إﻟﻰ ﻋﺑﺎدﺗﻪ
وﺗﻌظﯾﻣﻪ ﻓﺄﺟﺎﺑوﻩ ،وﺑذا دﺧﻠت اﻟوﺛﻧﯾﺔ ﺟزﯾرة اﻟﻌرب .وﻟم ﯾﻣض وﻗت ﺣﺗﻰ اﻧﺗﺷرت
اﻷوﺛﺎن ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ،وﻓﻲ ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب ﺣﺗﻰ أﺻﺑﺢ ﻓﻲ ﻛل ﺑﯾت ﺻﻧم . ،وﻛﺎن ﻟﻠﻌرب
ﺑﻬﺎ، ،ﻓﻛﺎﻧوا ﯾﻌﻛﻔون ﻋﻠﯾﻬﺎ ،وﯾﺳﺗﻐﯾﺛون ﻣواﺳم ﻓﻲ ﻋﺑﺎدﺗﻬم ﻟﻬذﻩ اﻷﺻﻧﺎم
23
وﯾدﻋوﻧﻬﺎ ﻟﺣﺎﺟﺗﻬم ﻣﻌﺗﻘدﯾن أﻧﻬﺎ ﺗﺷﻔﻊ ﻟﻬم ﻋﻧد اﷲ .وﻛﺎﻧوا ﯾﺣﺟون إﻟﯾﻬﺎ ،وﯾطوﻓون
ﺑﻬﺎ ،وﯾﺳﺟدون ﻟﻬﺎ ،وﯾﻘدﻣون ﻟﻬﺎ اﻟﻘراﺑﯾن ،إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻷﻣور اﻟﺗﻲ ﻻ ﺗﻛون
إﻻ ﷲ وﺣدﻩ .وﻛﺎن أﺷﻬر اﻷﺻﻧﺎم ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻌرب:
-ﺻﻧم ﻫﺑل وﻫو ﺻﻧم ﻗرﯾش اﻟذي ﺟﺎء ﺑﻪ ﻋﻣرو ﺑن ﻟﺣﻲ اﻟﺧزاﻋﻲ ووﺿﻌﻪ ﻓﻲ
ﺟوف اﻟﻛﻌﺑﺔ.
-ﺻﻧم ﻣﻧﺎة ،وﻫو ﺑﺎﻟﻣﺷﻠل ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣل اﻟﺑﺣر اﻷﺣﻣر .وﻛﺎﻧت اﻟﻌرب ﺗﻌظﻣﻪ وﺧﺎﺻﺔ
اﻷوس واﻟﺧزرج.
-ﺻﻧم اﻟﻼت ،وﻫو ﺻﻧم أﻫل اﻟطﺎﺋف وﯾﺳﻣوﻧﻪ اﻟرﺑﺔ ،وﺳدﻧﺗﻪ ﺛﻘﯾف.
-ﺻﻧم اﻟﻌزى ،وﻛﺎن ﺑوادي ﻧﺧﻠﺔ ) اﻟﯾﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻌب اﺳﻣﻪ ﺣراض ( ﺷﻣﺎل ﺷرق
ﻣﻛﺔ ،وﻗد دﻣرﻫﺎ ﺧﺎﻟد ﻋﺎم اﻟﻔﺗﺢ.
-ذو اﻟﺧﻠﺻﺔ ،وﻫو ﺻﻧم ﺧﺛﻌم وﺑﺟﺑﻠﺔ ﻗﺑﯾﻠﺔ اﻟﺻﺣﺎﺑﻲ اﻟﺟﻠﯾل ﺟرﯾر ﺑن ﻋﺑداﷲ
اﻟﺑﺟﻠﻲ اﻟذي ﻗﺎل ﻟﻪ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :أﻻ ﺗرﺣﻧﻲ ﻣن ذي اﻟﺧﻠﺻﺔ؟ ﻓﺳﺎر إﻟﯾﻪ
ﺟرﯾر وﻫدﻣﻪ .ﻫذا ﻋدا أﺻﻧﺎم أﺧرى وﺟدت ﻓﻲ أﺣﯾﺎء اﻟﻌرب ﻗﺎطﺑﺔ ) .ﺷﻛل ( 1وﻣﻊ
ﻋﺑﺎدة اﻷﺻﻧﺎم ،ﻛﺎن ﻫﻧﺎك ﻣن ﯾﻌﺑد اﻟﻛواﻛب واﻟﻧﺟوم وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻧﺟران واﻟﺑﺣرﯾن
واﻟﺑوادي ،ﺣﯾث ُﻋﺑدت اﻟﺷﻌرى وﻧﺟوم أﺧرى ٕ .واﻟﯾﻬﺎ أﺷﺎر اﻟﻣوﻟﻰ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻘوﻟﻪ" وأﻧﻪ
ﻫو رب اﻟﺷﻌرى" .ﻛﻣﺎ ﻋﺑدت اﻟﺷﻣس ﻓﻲ اﻟﯾﻣن ،ووردت ﻗﺻﺔ ﻋﺑﺎدﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘرآن
اﻟﻛرﯾم ﻓﻲ ﻗﺻﺔ ﻣﻠﻛﺔ ﺳﺑﺄ ﺣﯾث ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﻛﺎﯾﺔ ﻋﻧﻬﺎ "وﺟدﺗﻬﺎ وﻗوﻣﻬﺎ ﯾﺳﺟدون
ﻟﻠﺷﻣس ﻣن دون اﷲ" .ﻛﻣﺎ ﺗﺳرﺑت اﻟﻣﺟوﺳﯾﺔ اﻟﻔﺎرﺳﯾﺔ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﻌرب ،ووﺟد ﻣن
24
دان ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺟر ﺑﺎﻟﺑﺣرﯾن .ودﺧﻠت اﻟﯾﻬودﯾﺔ ﺑﻼد اﻟﻌرب أﯾﺿﺎً وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﯾﺛرب )
اﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻣﻧورة( ،وﺧﯾﺑر ،وﻓدك ،ووادي اﻟﻘرى.ووﺻﻠت إﻟﻰ اﻟﯾﻣن .ﻛﻣﺎ دﺧﻠت
اﻟﻧﺻراﻧﯾﺔ ودان ﺑﻬﺎ اﻟﻐﺳﺎﺳﻧﺔ ،واﻟﻣﻧﺎذرة ،وأﻫل ﻧﺟران .ووﺟدت اﻟﺻﺎﺑﺋﺔ ﻓﻲ اﻟﻌراق
واﻟﯾﻣن) ﺷﻛل . ( 2
وﻣﻊ اﻧﺗﺷﺎر اﻟوﺛﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻏﺎﻟﺑﺔ ﻋﻠﻰ دﯾﺎﻧﺎت اﻟﻌرب ،وﻣﻊ ﺗﻌدد اﻟدﯾﺎﻧﺎت اﻷﺧرى،
وﺷﯾوع اﻟﺧراﻓﺎت واﻟﺟﻬل إﻻ إﻧﻪ ﻻ زال ﻫﻧﺎك ﺑﻘﯾﺔ ﻣن اﻟﺣﻧﯾﻔﯾﺔ دﯾن إﺑراﻫﯾم ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ،وﺗﻣﺳك ﺑﻬﺎ ﻧﻔر ﻗﻠﯾل وﺳط ﻫذا اﻟظﻼم اﻟداﻣس ﻣن اﻟوﺛﻧﯾﺔ واﻟﻣﻌﺗﻘدات اﻟﻔﺎﺳدة
اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺎﻓﻲ اﻟﻔطرة ،وﺗﻧﺎﻗض اﻟﻌﻘل ،وﻫذا ﯾﺑﯾن إﻟﻰ أي درك وﺻﻠت اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ
25
وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻟﺳﻔول واﻻﻧﺣطﺎط ﻓﻛﺎﻧت ﺗﻌﺑد ﺣﺟ ارً ،أو ﺷﺟ ارً ،أو ﻛوم ﺗﻣر ﺛم ﯾؤﻛل ،
وﻛﺎﻧت
ﺗﻌﯾش ﺣﯾﺎة ﻻ ﺗﻠﯾق ﺑﻛراﻣﺔ اﻹ ﻧﺳﺎن .وﺑﺳﺑب ﻫذﻩ اﻷوﺿﺎع اﻟدﯾﻧﯾﺔ ،واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ،
واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ اﻟﺳﯾﺋﺔ ﻟم ﯾﻘدﻣوا أﻧﻔﺳﻬم ﺷﯾﺋﺎ ﯾذﻛر ،وﻟم ﯾﻘدﻣوا ﻟﻐﯾرﻫم ﺷﯾﺋﺎ ﯾﺣﻣدوﻧﻬم
ﻋﻠﯾﻪ .أﻣﺎ أوﻟﺋك اﻟذﯾن رﻓﺿوا ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻔﻌﻠﻪ أﻗواﻣﻬم واﻟذﯾن ﻋرﻓوا ﺑﺎﻟﺣﻧﻔﺎء ﻓﻘد ﻛﺎﻧوا
ﯾؤﻣﻧون ﺑﺎﷲ ،وﯾوﺣدوﻧﻪ ﺗوﺣﯾد أﻟوﻫﯾﺔ ،وﺗوﺣﯾد رﺑوﺑﯾﺔ .وﻛﺎﻧوا ﯾﻧﺗظرون اﻟﻧﺑوة
.وﻣن أﺷﻬر ﻫؤﻻء"ﻗس ﺑن ﺳﺎﻋدة اﻹﯾﺎدي ،وزﯾد ﺑن ﻋﻣرو ﺑن ﻧﻔﯾل واﻟد ﺳﻌﯾد ﺑن
زﯾد أﺣد ﻛﺗﺎب اﻟوﺣﻲ ،و أﺣد اﻟﻌﺷرة اﻟﻣﺑﺷرﯾن ﺑﺎﻟﺟﻧﺔ ،وأﻣﯾﺔ ﺑن أﺑﻲ اﻟﺻﻠت،
واﻟﻧﺎﺑﻐﺔ اﻟذﺑﯾﺎﻧﻲ ،وزﻫﯾر ﺑن أﺑﻲ ﺳﻠﻣﻰ ،وﺧﺎﻟد ﺑن ﺳﻧﺎن وﻏﯾرﻫم ...وﻫم ﻗﻠﯾل.
26
ﻫﻛذا ﻛﺎﻧت أﺣوال اﻟﻌرب ﻗﺑل ﺑﻌﺛﺔ اﻟﻣﺻطﻔﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺟﻬل وﺿﻼل ،
وﺿﻌف واﻧﺣﻼل ،وظﻠم وﺑﻐﻲ .ﺣﺗﻰ ﻫﺎﻧوا ﻋﻠﻰ ﻏﯾرﻫم ﻣﻣن ﺟﺎورﻫم ﻣن اﻟﻔرس
واﻟروم.
س : 18ﻛﯾف ﻛﺎﻧت أﺣواﻟﻪ -ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم -ﺑﻌد ﺑﻧﺎء اﻟﻛﻌﺑﺔ ،وﻗﺑل أن ﯾوﺣﻰ إﻟﯾﻪ
؟
ج : 18ﻓﻲ أواﺧر اﻟﻌﻘد اﻟﺛﺎﻟث ﻣن ﻋﻣرﻩ اﻟﻣﺑﺎرك ﺣﺑب اﷲ إﻟﯾﻪ اﻟﺧﻠوة ﻟﯾﺑﺗﻌد ﻋن ﺣﯾﺎة
اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﻛﻲ اﻟﻣﻠﯾﺋﺔ ﺑﺎﻟﺷرور واﻟﻣﻔﺎﺳد .ﻓﻔﻲ ﻣﺛل ﻫذﻩ اﻟﺧﻠوة ﺻﻔﺎء ﻟﻠﻧﻔس ،وﻧﻘﺎء
ﻟﻠﺳرﯾرة ،وﻓرﺻﺔ ﻟﻠﺗﻔﻛﯾر واﻟﺗﺄﻣل اﻟذي ﺟﻌﻠﻪ اﷲ ﻋﺑﺎدة ،وﺳﺑﯾﻼً ﻟﻣﻌرﻓﺗﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ وزﯾﺎدة
اﻹﯾﻣﺎن ﺑﻪ ،وﻟذا ﻛﺎن ﯾﺗﺣﻧث ﻓﻲ ﻏﺎر ﺣراء ﻧﺣواً ﻣن ﺷﻬر ،ﺛم ﯾﻌود إﻟﻰ ﺧدﯾﺟﺔ .
ﻣور ﻛﺎﻧت ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ اﻟﺗﻬﯾﺋﺔ واﻹﻋداد ﻟﺗﻠﻘﻲ
وﺣدﺛت ﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺳﻧوات أ ا
اﻟوﺣﻲ .ﻓﻛﺎن ﯾرى أﻧوا ارً ،وﯾﺳﻣﻊ أﺻواﺗﺎً .وﺣﻛﻰ ذﻟك ﻟﺧدﯾﺟﺔ -رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ، -
ﻓﻛﺎﻧت ﺗﺛﺑﺗﻪ وﺗﺑﺷرﻩ .وﻛﺎن إذا أوﻏل ﻓﻲ ﺷﻌﺎب ﻣﻛﺔ واﺑﺗﻌد ﻋن اﻟﻧﺎس ﯾﺳﻣﻊ ﻣن ﯾﺳﻠم
ﻋﻠﯾﻪ ﺑﺎﻟﻧﺑوة ،ﻓﯾﻠﺗﻔت ﯾﻣﻧﺔ وﯾﺳرة ﻓﻼ ﯾرى إﻻ اﻷﺷﺟﺎر واﻷﺣﺟﺎر .وﻓﻲ ﻫذا ﯾﻘول
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم " :إﻧﻲ ﻷﻋرف ﺑﻣﻛﺔ ﺣﺟ ار ﻛﺎن ﯾﺳﻠم ﻋﻠﻲ ﻗﺑل أن أُﺑﻌث " .
وﻣن ﻫذﻩ اﻷﻣور اﻟرؤﯾﺎ اﻟﺻﺎدﻗﺔ .ﺗﻘول ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ :أن أول ﻣﺎﺑدئ ﺑﻪ
رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن اﻟوﺣﻲ اﻟرؤﯾﺎ اﻟﺻﺎدﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻧوم ،ﻓﻛﺎن ﻻ ﯾرى رؤﯾﺎ
إﻻ ﺟﺎءت ﻣﺛل ﻓﻠق اﻟﺻﺑﺢ،ﺛم ﺣﺑب إﻟﯾﻪ اﻟﺧﻼء ،ﻓﻛﺎن ﯾﺧﻠوا ﺑﻐﺎر ﺣراء ) ﯾﺗﻌﺑد( ﻓﯾﻪ
اﻟﻠﯾﺎﻟﻲ ذوات اﻟﻌدد ﻗﺑل أن ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ أﻫﻠﻪ وﯾﺗزود ﻟذﻟك ،ﺛم ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﺧدﯾﺟﺔ ﻓﯾﺗزود
27
ﻟﻣﺛﻠﻬﺎ ،ﺣﺗﻰ ﻓﺎﺟﺄﻩ اﻟﺣق وﻫو ﻓﻲ ﻏﺎر ﺣراء .ﻓﺟﺎءﻩ اﻟﻣﻠك ،ﻓﻘﺎل :اﻗ أر ﻗﺎل :ﻣﺎ أﻧﺎ
ﺑﻘﺎرئ"رواﻩ ﻣﺳﻠم"
ج : 19ﻋﺎش ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗﺑل اﻟﻧﺑوة أرﺑﻌﯾن ﻋﺎﻣﺎً .ﻋﺎﺷﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ .وﻟم
ﯾﺧرج ﻣﻧﻬﺎ إﻻ إﻟﻰ ﯾﺛرب وﺑﺻرى ﺑﺎﻟﺷﺎم .ﻋﺎش ﻓﻲ ﻛﻧف اﻟﻌﻧﺎﯾﺔ اﻹ ﻟﻬﯾﺔ ،ﯾرﻋﺎﻩ اﷲ
وﯾﺻﻧﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﯾﻧﻪ ،وﯾﻌدﻩ ﻟﻬذا اﻷﻣر اﻟﻌظﯾم اﻟذي ﻟم ﯾﻘم ﺑﻪ أﺣد ﻣن ﻗﺑﻠﻪ وﻻ ﻣن
ﺑﻌدﻩ ،وﻫو أن ﯾﻛون رﺳوﻻً إﻟﻰ ﻛﺎﻓﺔ اﻹﻧس واﻟﺟن .وﻫﻲ ﻣﻬﻣﺔ ﻋظﯾﻣﺔ وﺷﺎﻗﺔ ﺗﺣﺗﺎج
إﻟﻰ إﻋداد ﺧﺎص وﺗرﺑﯾﺔ ﺳﺎﻣﯾﺔ ،وﻟذا ﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻗﺑل ﺑﻌﺛﺗﻪ ﺑﻔﺿل اﻟﻌﻧﺎﯾﺔ
اﻟرﺑﺎﻧﯾﺔ أﻛﻣل اﻟﻧﺎس ﻋﻘﻼً ،وﺧﻠﻘﺎً ،وأطﯾﺑﻬم ﺳﯾرة ،وأﻋطرﻫم ذﻛ ارً.ﺟﻣﻊ ﻣن اﻟﺻﻔﺎت
اﻟﺣﻣﯾدة أﻋﻼﻫﺎ ،وﻣن اﻟﻔﺿﺎﺋل أﻛرﻣﻬﺎ ،ﻋرف ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺎﻟﺻدق ،واﻷﻣﺎﻧﺔ
،واﻟﻣروءة ،واﻟﻌﻔﺔ واﻟﺷﺟﺎﻋﺔ ،واﻟﻌدل ،واﻟﺣﻛﻣﺔ ،واﻟزﻫد ،واﻟﻘﻧﺎﻋﺔ ،واﻟﺻﺑر،
واﻟﺣﯾﺎء ،واﻟوﻓﺎء ،واﻟﺗواﺿﻊ ،واﻟﺑر ،واﻹﺣﺳﺎن ،وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن ﺣﻣﯾد اﻟﺻﻔﺎت ﺣﺗﻰ ﻗﺎل
ﻓﯾﻪ ﻋﻣﻪ أﺑو طﺎﻟب:
وﻗد وﺻﻔﺗﻪ ﺧدﯾﺟﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﻘوﻟﻬت " إﻧك ﻟﺗﺻل اﻟرﺣم ،وﺗﺣﻣل اﻟﻛل ،
وﺗﻛﺳب اﻟﻣﻌدوم ،وﺗﻘرى اﻟﺿﯾف ،وﺗﻌﯾن ﻋﻠﻰ ﻧواﺋب اﻟﺣق " .
وﻗد أﺣﺎط اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻧﺑﯾﻪ ﺑﺎﻟﺣﻔظ واﻟرﻋﺎﯾﺔ ،ﻓﺑﻐض إﻟﯾﻪ اﻷﺻﻧﺎم وﻋﺑﺎدﺗﻬﺎ ،ﻓﻠم ﯾﺷﻬد
أﻋﯾﺎدﻫم ﻋﻧدﻫﺎ ،وﻟم ﯾﺄﻛل ﻣﺎ ذﺑﺢ ﻋﻠﯾﻬﺎ ،وﻟم ﯾﻘﺗرب ﻣﻧﻬﺎ أو ﯾﻣﺳﻬﺎ ،وﻟم ﯾﻘﺳم ﺑﻬﺎ
28
ﻛﻣﺎ ﯾﻔﻌل ﻗوﻣﻪ ﺑل ﻟم ﯾﻛن ﯾﺻﺑر ﻋﻠﻰ ﺳﻣﺎع اﻟﺣﻠف ﺑﻬﺎ ﻛﻣﺎ ﺣدث ﻟﻪ وﻫو ﺻﺑﻲ ﻣﻊ
اﻟراﻫب ﺑﺣﯾ ار ﺣﯾن ﻗﺎل ﻟﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :أﺳﺄﻟك ﺑﺎﻟﻼت واﻟﻌزى .ﻓﻘﺎل " :ﻻ ﺗﺳﺄﻟﻧﻲ
ﺑﺎﻟﻼت واﻟﻌزى ﻓواﷲ ﻣﺎ أﺑﻐﺿت ﺷﯾﺋﺎً ﺑﻐﺿﻬﻣﺎ " .وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أﺑﻌد اﻟﻧﺎس ﻋن
ﻗول اﻟزور ،واﻟﻛذب ،وﺷرب اﻟﺧﻣر ،وﺷﻬود أﻣﺎﻛن اﻟﻠﻬو ،وﺣﺿور ﻣﺟﺎﻟس اﻟﻠﻬو
واﻟﻠﻌب واﻟﺳﻣر ،ﻓﻛﺎن اﷲ ﯾﺣﻣﯾﻪ ﻣﻧﻬﺎ ،وﯾﺣول ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾﻧﻬﺎ ﻛﻣﺎ ﺣدث ﻟﻪ ﻓﻲ ﺷﺑﺎﺑﻪ.
ﯾﻘول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ":ﻟﻣﺎ ﻧﺷﺄت ﺑﻐﺿت إﻟﻲ اﻷوﺛﺎن ،وﺑﻐض إﻟﻲ اﻟﺷﻌر ،وﻟم
أﻫم ﺑﺷﻲء ﻣﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ ﺗﻔﻌﻠﻪ إﻻ ﻣرﺗﯾن ﻛل ذﻟك ﯾﺣول اﷲ ﺑﯾﻧﻲ وﺑﯾن ﻣﺎ أرﯾد
ﻣن ذﻟك ،ﺛم ﻣﺎ ﻫﻣﻣت ﺑﺳوء ﺑﻌدﻫﻣﺎ ﺣﺗﻰ أﻛرﻣﻧﻲ اﷲ ﺑرﺳﺎﻟﺗﻪ .ﻗﻠت ﻟﯾﻠﺔ ﻟﻐﻼم ﻛﺎن
ﯾرﻋﻰ ﻣﻌﻲ :ﻟو أﺑﺻرت ﻟﻲ ﻏﻧﻣﻲ ﺣﺗﻰ أدﺧل ﻣﻛﺔ ﻓﺄﺳﻣر ﻛﻣﺎ ﯾﺳﻣر اﻟﺷﺑﺎب .ﻓﺧرﺟت
ﺣﺗﻰ ﺟﺋت أول دار ﻣن ﻣﻛﺔ أﺳﻣﻊ ﻋزﻓﺎً ﺑﺎﻟدﻓوف واﻟﻣزاﻣﯾر ﻟﻌرس ﺑﻌﺿﻬم ،ﻓﺟﻠﺳت
ﻟذﻟك ،ﻓﺿرب اﷲ ﻋﻠﻰ أذﻧﻲ ﻓﻧﻣت ﻓﻣﺎ أﯾﻘظﻧﻲ إﻻ ﻣس اﻟﺷﻣس وﻟم أﻗض ﺷﯾﺋﺎً ،ﺛم
ﻋراﻧﻲ ﻣرة أﺧرى ﻣﺛل ذﻟك ".
وﻫﻛذا ﻋﺎش ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم أرﺑﻌﯾن ﻋﺎﻣﺎً ﻗﺑل اﻟﺑﻌﺛﺔ ،ﻋﺎﺷﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻧف رﺑﻪ
وﻋﻧﺎﯾﺗﻪ.ﯾﻧﺷﺋﻪ وﯾرﺑﯾﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﯾﻧﻪ ،وﯾﺣوطﻪ ﺑﻛرﻣﻪ،وﯾﻧﻌم ﻋﻠﯾﻪ ﻣن ﻓﺿﻠﻪ ،وﻫو اﻟذي
وﻟد ﯾﺗﯾم اﻷب ،ﺛم ﻟم ﯾﻠﺑث أن ﻓﻘد أﻣﻪ وﻫو ﻓﻲ اﻟﺳﺎدﺳﺔ ﻣن ﻋﻣرﻩ ،ﻓﺟﻌل اﷲ أﻣر
ﻛﻔﺎﻟﺗﻪ إﻟﻰ ﻗﻠوب اﻣﺗﻸت ﺑﺣﺑﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم " أﻟم ﯾﺟدك ﯾﺗﯾﻣﺎً ﻓﺂوى" ﻓﻠم ﯾﺷﻌر ﻣﻊ ﻫذا
اﻟﺣب ﺑﺎﻵم اﻟﯾﺗم ،وﻣرارة اﻟﺣرﻣﺎن .وﻟم ﯾﺗﺷرد أو ﯾﺿﯾﻊ ﻓﻲ طرﻗﺎت ﻣﻛﺔ وأزﻗﺗﻬﺎ أو ﻓﻲ
أﺣﯾﺎء اﻟﻌرب .ﻛﯾف واﷲ ﻣوﻻﻩ وﺣﺎﻓظﻪ اﻟذي ﯾﻬﯾﺋﻪ وﯾرﺑﯾﻪ ﻟﯾﻛون رﺣﻣﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻣﯾن .ﺛم
أﻧﻌم اﷲ ﻋﻠﯾﻪ ﺑﺎﻟزوﺟﺔ اﻟﺻﺎﻟﺣﺔ ﺧدﯾﺟﺔ ،ﻓﻛﺎﻧت ﺧﯾر ﺳﻛن وأﻛرم ﻋﺷﯾر .ﺳﻛﻧت إﻟﯾﻬﺎ
29
ﻧﻔﺳﻪ .واﺳﺗﻪ ﺑﻣﺎﻟﻬﺎ ،ورزﻗﻪ اﷲ ﻣﻧﻬﺎ اﻟوﻟد .ﻛﺎﻧت ﺗﺧﻔف آﻻﻣﻪ ،وﺗﺣﻣل ﻣﻌﻪ ﻫﻣوﻣﻪ،
وﺗﺷد ﻣن ﻋﺿدﻩ .ﺗﺛﺑﺗﻪ إذا أﻟم ﺑﻪ ﺧطب ،وﺗﺑﺷرﻩ ﺑﺎﻟﻔرج إذا ﻧزل ﺑﻪ ﻛرب.
وظل ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﻌﯾش ﻓﻲ ﻛﻧف رﺑﻪ وﻋﻧﺎﯾﺗﻪ ﺣﺗﻰ أﻛرﻣﻪ اﷲ ﺑﺎﻟﻧﺑوة ،وأﻧزل
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻘرآن اﻟذي ﺗﺧﻠق ﺑﻪ ،وﺗﺄدب ﺑﺂداﺑﻪ ﻓﻧﺎل ذﻟك اﻟوﺳﺎم اﻹ ﻟﻬﻲ ﺣﯾن وﺻﻔﻪ رﺑﻪ
ﺑﻘوﻟﻪٕ ":واﻧك ﻟﻌﻠﻰ ﺧﻠق ﻋظﯾم" .
وﺻدق اﻟﻘﺎﺋل:
إن ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺗرﺑﯾﺔ ﻫﻲ ﻗﺿﯾﺔ وﺟود أو ﻋدﻣﻪ ،ﻗﺿﯾﺔ ﻛﯾﻧوﻧﺔ أو ﻋدﻣﻬﺎ .واﻟﺣﺎل ﻓﻲ
اﻟﻣﺎﺿﻲ واﻟﺣﺎﺿر ﯾؤﯾد ﻣﺎ أﻗول.
30
ﻓﺄﻣﺔ اﻟﻌرب ﻗﺑل اﻹﺳﻼم ﻟم ﺗﻛن ذات ﺷﺄن ،وﻟم ﯾﻛن ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻣوازﯾن اﻟﻣﺟﺎورﯾن ﻟﻬﺎ ﻣن
اﻟﻔرس واﻟروم ﻗﯾﻣﺔ .ﻗﺑﺎﺋل ﺗﻬﯾم ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻬﺎ ﻓوق رﻣﺎل اﻟﺻﺣراء ﻻ ﺗﻌرف ﻟﻧﻔﺳﻬﺎ
رﺳﺎﻟﺔ ،وﻟم ﺗﻘدم ﻟﻧﻔﺳﻬﺎ ﺷﯾﺋﺎ ﯾﻐﯾر ﻣن أﺣواﻟﻬﺎ اﻟﺳﯾﺋﺔ ،وﻟم ﺗﻘدم ﻟﻶﺧرﯾن ﺷﯾﺋﺎ
ﯾﺣﻣدوﻧﻬﺎ ﻋﻠﯾﻪ ﻟﻐﻠﺑﺔ أﺧﻼق وﻗﯾم اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﯾﺎﺗﻬﺎ .ﻓﺟﺎء ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﻓﻌﻠم اﻷﻣﺔ اﻷﻣﯾﺔ ،ورﺑﺎﻫﺎ ﻋﻠﻰ أﺧﻼق اﻟﻘرآن ،وﻗﯾم اﻹﺳﻼم .ﻓﺎﻧﺗﺑﻬت ﻣن
ﻏﻔﻠﺗﻬﺎ ،واﺳﺗﯾﻘظت ﻣن رﻗﺎدﻫﺎ ،ﻓﺗﻐﯾرت وﺗﺣوﻟت ﻣن أﺳوأ أﻣﺔ إﻟﻰ ﺧﯾر أﻣﺔ أﺧرﺟت
ﻟﻠﻧﺎس ﻛﻣﺎ ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .إن اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا ﯾﻬﯾﻣون ﻋﻠﻰ وﺟوﻫﻬم ﻓﻲ ﻗﻔﺎر ﺟزﯾرة اﻟﻌرب
وﻓﯾﺎﻓﯾﻬﺎ ﯾﻌﺑدون اﻷﺻﻧﺎم واﻟﺣﺟﺎرة ،وﯾﺣﯾون ﻟﻠﺟﺎﻫﻠﯾﺔ وأﺧﻼﻗﻬﺎ وﺷﻌﺎراﺗﻬﺎ ،ﻫم
ﺑﺄﺷﺧﺎﺻﻬم وذواﺗﻬم اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا ﺑﻌد اﻹﺳﻼم ﺧﯾر أﻣﺔ أﺧرﺟت ﻟﻠﻧﺎس .ﻟم ﺗﺗﻐﯾر
أﺷﺧﺎﺻﻬم ،وﻻ أﺳﻣﺎؤﻫم ،وﻟﻛن – وﺑﺎﻟﺗرﺑﯾﺔ -ﺗﻐﯾرت أﺧﻼﻗﻬم ،وﻗﯾﻣﻬم ،
وﻣوازﯾﻧﻬم.
واﻟﯾوم وأﻣﺔ اﻹﺳﻼم ﺗﺣﯾﺎ ﺣﯾﺎة ﻟﯾﺳت ﻣن ﺣﯾﺎة اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﺑﺑﻌﯾد .وﻋﺎدت إﻟﻰ ﻣﺎ
ﻛﺎﻧت ﻋﻠﯾﻪ ﻣن اﻟﻧﻌرات ،واﻟﻔرﻗﺔ ،واﻟﺿﻌف ،واﻟﻬوان ﺑﺳﺑب ﻣﺎ ﻏﻠب ﻋﻠﻰ ﺣﯾﺎﺗﻬﺎ ﻣن
اﻟﻘﯾم اﻟﻔﺎﺳدة ،واﻷﺧﻼق اﻟﺗﻲ ﻟﯾﺳت ﻣن اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﺷﻲء ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺑﺣﺎﺟﺔ ﺷدﯾدة إﻟﻰ أن
ﺗرﺑﻲ ﻧﻔﺳﻬﺎ ،وأﺟﯾﺎﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗرﺑﻰ ﻋﻠﯾﻪ ﺳﻠﻔﻬﺎ،وأن ﺗﺑﻌث ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻬﺎ ﻗﯾم اﻹﺳﻼم
وأﺧﻼﻗﻪ ،ﻟﻧرى ﻓﯾﻬﺎ رﺟﺎﻻً ﻛﺳﻠﻔﻬم ،رﺟﺎﻻً ﯾﻌﯾدون ﻟﻸﻣﺔ ﻣﺟدﻫﺎ وﻛراﻣﺗﻬﺎ .وﻟن ﯾﻛون
رﺟﺎل إﻻ ﺑﺎﻟﺗرﺑﯾﺔ ،وﻟن ﯾﺻﻧﻊ اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻛرﯾﻣﺔ ﻟﻸﻣﺔ إﻻ رﺟﺎل ،وﻟﯾﺳت اﻟرﺟوﻟﺔ ﺷﻛﻼ ،
أو ﺣﺟﻣﺎ ،أو ﻫﯾﺋﺔ ،أو ﺧﺷوﻧﺔ ﺻوت .إﻧﻬﺎ ﻣﺑﺎدئ ،وﻗﯾم ﺣﯾﺔ ﺗﺑﻌث ﻓﻲ ﻧﻔس ﺻﺎﺣﺑﻬﺎ
اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻛرﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺄﺑﻰ ﻣﻌﻬﺎ اﻟذل واﻻﺳﺗﻛﺎﻧﺔ ،وﯾﺄﺑﻰ إﻻ أن ﯾﻛون ﻫﻧﺎك ﻓﻲ اﻟطﻠﯾﻌﺔ
ﻗﺎﺋدا ﻟﻠﺧﯾر ،وداﻋﯾﺎ ﻟﻠﺣق ﻛﻣﺎ ﻛﺎن أﺻﺣﺎب ﻣﺣﻣد -ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم -ﻓﻘد ﻛﺎﻧوا
31
ﺑﺎﻟﺗرﺑﯾﺔ رﺟﺎﻻ .ﻓﻬل ﺗﻌﻲ اﻷﻣﺔ ﻫذا اﻟدرس ﻣن ﺳﯾرة اﻟﺣﺑﯾب اﻟﻣﺻطﻔﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،
وﺗﺄﺧذ ﺑﻪ ،ﻟﻌل اﷲ أن ﯾﻐﯾر ﻣﺎ ﺑﻬﺎ" ،إن اﷲ ﻻ ﯾﻐﯾر ﻣﺎ ﺑﻘوم ﺣﺗﻰ ﯾﻐﯾروا ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻔﺳﻬم"
..
32
ﺛﺎﻧﯾﺎً :اﻟﻧﺑوة واﻟرﺳﺎﻟﺔ
ج : 21ذﻛرت ﺑﺄﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻗﺑل ﻣﺑﻌﺛﻪ ﻗد ﺣﺑب إﻟﯾﻪ اﻟﺧﻠوة ﻓﻲ ﻏﺎر ﺣراء اﻟذي
ﯾﻘﻊ آﻧذاك ﺧﺎرج ﻣﻛﺔ ،وﺑﻌﯾدا ﻋن ﺑﯾوﺗﻬﺎ .وﻫو ﻏﺎر ﯾﻘﻊ ﻓﻲ ﻗﻣﺔ ﺟﺑل اﻟﻧور اﻟواﻗﻊ
ﺷﻣﺎل ﺷرق ﻣﻛﺔ وﻋﻠﻰ ﺑﻌد أﻣﯾﺎل ﻣﻧﻬﺎ.وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﻣﻛث ﻓﻲ اﻟﻐﺎر اﻟﻠﯾﺎﻟﻲ
ذوات اﻟﻌدد ،ﺛم ﯾﻌود إﻟﻰ ﺧدﯾﺟﺔ ﻟﯾﺗزود ،ﺛم ﯾﻌود إﻟﻰ ﺧﻠوﺗﻪ.وﻛﺎن ﯾﻔﻌل ﻫذا ﻓﻲ
ﺷﻬر رﻣﺿﺎن .وظل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ ﻋﺎدﺗﻪ ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻎ ﻣن اﻟﻌﻣر أرﺑﻌﯾن ﻋﺎﻣﺎ .وﻓﻲ
ﯾوم اﻹﺛﻧﯾن ﻣن ﺷﻬر رﻣﺿﺎن ﻓﺎﺟﺄﻩ ﺟﺑرﯾل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺎﻟﻧﺑوة واﻟوﺣﻲ .وﯾوم اﻹ ﺛﻧﯾن
ﻻ ﺧﻼف ﻓﯾﻪ ﻟﺣدﯾث أﺑﻲ ﻗﺗﺎدة اﻟذي ﯾروﯾﻪ ﻣﺳﻠم) أن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﺳﺋل ﻋن ﺻﯾﺎم ﯾوم اﻻﺛﻧﯾن؟ ﻓﻘﺎل :ذاك ﯾوم وﻟدت ﻓﯾﻪ وﯾوم ﺑﻌﺛت ﻓﯾﻪ (
ﺗﻘول ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ :إن أول ﻣﺎ ﺑدئ ﺑﻪ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن
اﻟوﺣﻲ اﻟرؤﯾﺎ اﻟﺻﺎدﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻧوم ،ﻓﻛﺎن ﻻ ﯾرى رؤﯾﺎ إﻻ ﺟﺎءت ﻣﺛل ﻓﻠق اﻟﺻﺑﺢ .ﺛم
ﺣﺑب إﻟﯾﻪ اﻟﺧﻼء ،ﻓﻛﺎن ﯾﺧﻠو ﺑﻐﺎر ﺣراء ﯾﺗﺣﻧث ﻓﯾﻪ اﻟﻠﯾﺎﻟﻲ ذوات اﻟﻌدد ﻗﺑل أن ﯾرﺟﻊ
إﻟﻰ أﻫﻠﻪ وﯾﺗزود ﻟذﻟك ،ﺛم ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﺧدﯾﺟﺔ ﻓﯾﺗزود ﻟﻣﺛﻠﻬﺎ ﺣﺗﻰ ﻓﺎﺟﺄﻩ اﻟﺣق وﻫو ﻓﻲ
ﻏﺎر ﺣ ارء ﻓﻲ ﺟﺑل اﻟﻧور ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :اﻗرأ ،ﻗﺎل :ﻣﺎ أﻧﺎ ﺑﻘﺎرئ .ﻗﺎل رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ
33
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻓﺄﺧذﻧﻲ ﻓﻐطّﻧﻲ ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻎ ﻣﻧﻲ اﻟﺟﻬد ﺛم أرﺳﻠﻧﻲ ﻓﻘﺎل :اﻗ أر ..ﻓﻘﻠت :ﻣﺎ
أﻧﺎ ﺑﻘﺎرئ .ﻓﺄﺧذﻧﻲ ﻓﻐطّﻧﻲ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺛم أرﺳﻠﻧﻲ ﻓﻘﺎل :اﻗ أر .ﻓﻘﻠت :ﻣﺎ أﻧﺎ ﺑﻘﺎرئ ،ﻓﺄﺧذﻧﻲ
ﻓﻐطّﻧﻲ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﺛم أرﺳﻠﻧﻲ ﻓﻘﺎل " :إﻗ أر ﺑﺎﺳم رﺑك اﻟذي ﺧﻠق .ﺧﻠق اﻹﻧﺳﺎن ﻣن ﻋﻠق .
إﻗ أر ورﺑك اﻷﻛرم .اﻟذي ﻋﻠم ﺑﺎﻟﻘﻠم .ﻋﻠم اﻹﻧﺳﺎن ﻣﺎ ﻟم ﯾﻌﻠم " .ﻓﻛﺎن ﻫذا أول وﺣﻲ ﻣن
اﻟﻘرآن ،وﻛﺎن ذاك أول ﯾوم ﻣن اﻟﻧﺑوة وﻫو ﻓﻲ ﺷﻬر رﻣﺿﺎن وﻓﻲ ﯾوم اﻹﺛﻧﯾن ،ﺳﻧﺔ
610م .
ﻟﻘد ﻛﺎن ﯾوم ﻣﺑﻌﺛﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﯾوﻣﺎ ﻣﺷﻬودا .ﻓﻠﻘد ﺑﻌﺛت ﺑﺑﻌﺛﺗﻪ
وأﺧرﺟت ﺑرﺳﺎﻟﺗﻪ ﻟﻠﻧﺎس أﻣﺔ أراد اﷲ أن ﺗﻛون ﺧﯾر أﻣﺔ أﺧرﺟت ﻟﻠﻧﺎس .أﻣﺔ
ﺣﻣﻠت دﻋوﺗﻪ ورﺳﺎﻟﺗﻪ إﻟﻰ اﻟﻧﺎس .أﻣﺔ ﻟﻬﺎ ﻣن اﻟﺻﻔﺎت واﻟﺳﺟﺎﯾﺎ اﻟﻛرﯾﻣﺔ ،
وﻟﻬﺎ ﻣن اﻟﻛراﻣﺔ ﻋﻧد اﷲ ﻣﺎ ﺟﻌل ﻧﺑﻲ اﷲ ﻣوﺳﻰ وﻫو ﻣن أوﻟﻲ اﻟﻌزم ﯾﺗﻣﻧﻰ
أن ﯾﻛون واﺣدا ﻓﯾﻬﺎ .ﻓﺎﻟﺣﻣد ﷲ اﻟذي ﺟﻌﻠﻧﺎ ﻣن أﻣﺔ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم .
ج : 22ﺧرج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣن اﻟﻐﺎر وﻧزل ﯾرﯾد اﻟﻌودة إﻟﻰ ﺧدﯾﺟﺔ وﻫو ﺧﺎﺋف ﯾرﺟف
ﻓؤادﻩ ﺣﺗﻰ إذا ﻛﺎن وﺳط اﻟﺟﺑل -ﻛﻣﺎ ﻗﺎل :ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم -ﺳﻣﻊ ﺻوﺗﺎً ﻣن اﻟﺳﻣﺎء
ﯾﻘول :ﯾﺎ ﻣﺣﻣد أﻧت رﺳول اﷲ وأﻧﺎ ﺟﺑرﯾل .ﻓرﻓﻊ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم رأﺳﻪ إﻟﻰ اﻟﺳﻣﺎء ﯾﻧظر
ﻓﺈذا ﺟﺑرﯾل ﻓﻲ ﺻورﺗﻪ اﻟﻣﻼﺋﻛﯾﺔ ﺻﺎﻓﺎ ﻗدﻣﯾﻪ ﻓﻲ أﻓق اﻟﺳﻣﺎء ﯾﻘول:ﯾﺎ ﻣﺣﻣد ،أﻧت
رﺳول اﷲ وأﻧﺎ ﺟﺑرﯾل ،ﻓﻣﺎ ﯾﻧظر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻧﺎﺣﯾﺔ ﻣن اﻟﺳﻣﺎء إﻻ رأى ﺟﺑرﯾل
34
ﻛذﻟك .ﻓﻣﺎ زال واﻗﻔﺎً ﺣﺗﻰ ﺑﻌﺛت ﺧدﯾﺟﺔ رﺳﻠﻬﺎ ﻓﻲ طﻠﺑﻪ ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻐوا أﻋﻠﻰ ﻣﻛﺔ ،ﻓﻠﻣﺎ
اﻧﺻرف ﺟﺑرﯾل ﻋﺎد ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ ﺧدﯾﺟﺔ وﻫو ﺧﺎﺋف وﻗﺎل ﻟﻬﺎ:
زﻣﻠوﻧﻲ ...زﻣﻠوﻧﻲ .ﻓزﻣﻠوﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺣﺗﻰ ذﻫب ﻋﻧﻪ اﻟروع ،ﺛم ﺣدﺛﻬﺎ ﺑﻣﺎ رأى
وﺳﻣﻊ وﻗﺎل :ﻟﻘد ﺧﺷﯾت ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﻲ ﯾﺎ ﺧدﯾﺟﺔ .ﻓﻘﺎﻟت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ :ﻛﻼ واﷲ ﻻ
ﯾﺧزﯾك اﷲ أﺑدا .إﻧك ﻟﺗﺻل اﻟرﺣم ،وﺗﻘري اﻟﺿﯾف ،وﺗﺣﻣل اﻟﻛل ،وﺗﻛﺳب اﻟﻣﻌدوم،
وﺗﻌﯾن ﻋﻠﻰ ﻧواﺋب اﻟﺣق.
ج : 23ﻛﺎﻧت ﺧدﯾﺟﺔ اﻣرأة ﻋﺎﻗﻠﺔ وﺣﻛﯾﻣﺔ ،وﻗد ﺳﻣﻌت ﺑﺎﻟﻧﺑوة ،واﻷ ﻧﺑﯾﺎء ،واﻟﻣﻼﺋﻛﺔ
،واﻟﻧﺑﻲ اﻟﻣﻧﺗظر ﻣن اﺑن ﻋﻣﻬﺎ ورﻗﺔ ﺑن ﻧوﻓل اﻟذي ﻛﺎن ﻗد ﺗﻧﺻر ،وﻗ أر اﻟﻛﺗب ،وﺳﻣﻊ
ﻣن ﺧدﯾﺟﺔ ﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺗرى ﻓﻲ ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﺗﺳﻣﻊ ﻋﻧﻪ ﻣن ﻛﻼم ﻣﯾﺳرة ورﻫﺑﺎن
اﻟﺷﺎم وﻏﯾرﻫم .وﻛﺎن اﻟﺟﻣﯾﻊ ﯾﺗرﻗب ﺑﻌﺛﺔ اﻟﻧﺑﻲ اﻟﻣﻧﺗظر اﻟذي ﻏﻠب ﻋﻠﻰ ظن ﺧدﯾﺟﺔ
وورﻗﺔ أﻧﻪ ﺳﯾﻛون ﻣﺣﻣد ﺑن ﻋﺑداﷲ ﻟﻣﺎ رأوا ﻣن أﺧﻼﻗﻪ ،وﺻﻔﺎﺗﻪ ،وﺳﻣﻌوا ﻋﻧﻪ .وﻫو
اﻟذي ﻗﺎل ﺑﻌدﻣﺎ ﺳﻣﻊ ﻣن ﺧدﯾﺟﺔ ﻣﺎ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ ﻏﻼﻣﻬﺎ ﻣﯾﺳرة ﻣن ﻛﻼم اﻟراﻫب ﻧﺳطورا
وﻣﺎ رآﻩ ﻓﻲ رﺣﻠﺗﻪ ﻣﻊ ﻣﺣﻣد إﻟﻰ اﻟﺷﺎم ﻓﻘﺎل :ﻟﺋن ﻛﺎن ﻫذا ﺣﻘﺎً ﯾﺎ ﺧدﯾﺟﺔ ،ﻓﺈن ﻣﺣﻣداً
ﻟﻧﺑﻲ ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ .وأﻧﺷد اﻷﺑﯾﺎت اﻟﺗﻲ أﺷرﻧﺎ إﻟﯾﻬﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً .وﻟﻬذا ﻟﻣﺎ ﺳﻣﻌت ﺧدﯾﺟﺔ ﻣن
ﻣﺣﻣد ﻣﺎ ﺣدﺛﻬﺎ ﺑﻪ ﺑﻌد ﻋودﺗﻪ ﻣن ﻟﻘﺎء ﺟﺑرﯾل ﻓﻲ اﻟﻐﺎر أﺧذت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﯾد
ﻛﺑﯾر ﻗد ذﻫب ﺑﺻرﻩ .ﻓﻘﺎﻟت ﻟﻪ :ﯾﺎ اﺑن
ﻣﺣﻣد وراﻓﻘﺗﻪ وذﻫﺑت ﺑﻪ إﻟﻰ ورﻗﺔ وﻛﺎن ﺷﯾﺧﺎً ا
ﻋم ،اﺳﻣﻊ ﻣن اﺑن أﺧﯾك .ﻓﻘﺎل ورﻗﺔ :ﯾﺎ اﺑن أﺧﻲ ﻣﺎذا ﺗرى؟ ﻓﺄﺧﺑرﻩ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ﺑﻣﺎ رأى وﺳﻣﻊ .ﻓﻘﺎل ورﻗﺔ :ﻗدوس ...ﻗدوس .ﻫذا اﻟﻧﺎﻣوس اﻟذي ﻛﺎن ﯾﻧزل
35
ﻋﻠﻰ ﻣوﺳﻰ ،ﯾﺎ ﻟﯾﺗﻧﻲ ﻓﯾﻬﺎ ﺟذﻋﺎً ،ﻟﯾﺗﻧﻲ أﻛون ﺣﯾﺎً إذ ﯾﺧرﺟك ﻗوﻣك .ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ
ﻣﺧرﺟﻲ ﻫم؟ ﻓﻘﺎل ورﻗﺔ :ﻧﻌم ..ﻟم ﯾﺄت رﺟل ﺑﻣﺛل ﻣﺎ ﺟﺋت ﺑﻪ إﻻ
ّ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم :أو
ﻋودي ٕ ،وان ﯾدرﻛﻧﻲ ﯾوﻣك أﻧﺻرك ﻧﺻ ارً ﻣؤز ارً .إﻻ أن ورﻗﺔ ﻟم ﯾﻠﺑث أن ﺗوﻓﻲ.
س : 24ﻫل ﺗﺗﺎﺑﻊ اﻟوﺣﻲ ﺑﻌد اﻟﻠﻘﺎء اﻷول ﻓﻲ ﻏﺎر ﺣراء ﺑﯾن ﻣﺣﻣد وﺟﺑرﯾل
ﻋﻠﯾﻬﻣﺎ اﻟﺳﻼم؟
ج : 24ﻻ ،ﻓﻘد ﻓﺗر اﻟوﺣﻲ ﻧﺣواً ﻣن أرﺑﻌﯾن ﯾوﻣﺎً ﻛﻣﺎ ﻗﺎل اﺑن ﻋﺑﺎس رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻬﻣﺎ .وﺑﻘﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻣدة ﻓﺗور اﻟوﺣﻲ ﺣزﯾﻧﺎً ﻋﻠﻰ ﻓراﻗﻪ .
ج : 25ﻧﻌم ،ﻓﺑﻌد أن ﻓﺗر اﻟوﺣﻲ ﻋﺎد ﻣرة أﺧرى .ﯾﻘول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :ﺑﯾﻧﻣﺎ أﻧﺎ
أﻣﺷﻲ إذ ﺳﻣﻌت ﺻوﺗﺎً ﻣن اﻟﺳﻣﺎء ﻓرﻓﻌت ﺑﺻري ،ﻓﺈذا اﻟﻣﻠك اﻟذي ﺟﺎءﻧﻲ ﺑﺣراء
ﺟﺎﻟس ﻋﻠﻰ ﻛرﺳﻲ ﺑﯾن اﻟﺳﻣﺎء واﻷرض ،ﻓرﻋﺑت ﻣﻧﻪ ،ورﺟﻌت إﻟﻰ أﻫﻠﻲ ﻓﻘﻠت:
دﺛروﻧﻲ ..ﻓﺄﻧزل اﷲ ﻋز وﺟل" ﯾﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﻣدﺛر ﻗم ﻓﺄﻧذر .ورﺑك ﻓﻛﺑر .وﺛﯾﺎﺑك ﻓطﻬر.
واﻟرﺟز ﻓﺎﻫﺟر".
وﺣﻣﻲ اﻟوﺣﻲ وﺗﺗﺎﺑﻊ وﺑدأت اﻟرﺳﺎﻟﺔ .ﻓﻘد ﻧﺑﺊ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺎﻗ أر ،وأرﺳل ﺑﺎﻟﻣدﺛر.
ﯾﻘول اﺑن اﻟﻘﯾم رﺣﻣﻪ اﷲ " :أول ﻣﺎ أوﺣﻰ إﻟﯾﻪ رﺑﻪ أن ﯾﻘ أر ﺑﺎﺳم رﺑﻪ اﻟذي ﺧﻠق.
وذﻟك أول ﻧﺑوﺗﻪ .ﻓﺄﻣرﻩ أن ﯾﻘ أر ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻪ وﻟم ﯾﺄﻣرﻩ ﺑﺎﻟﺗﺑﻠﯾﻎ.ﺛم أﻧزل اﷲ ﻋﻠﯾﻪ :ﯾﺎ أﯾﻬﺎ
36
اﻟﻣدﺛر .ﻗم ﻓﺄﻧذر .وﻣﻌﻧﻰ ﻧﺑﺄﻩ ب" إﻗ أر" أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﺧﺑرﻩ ﻋﻧد ﻧزول إﻗ أر أﻧﻪ ﻧﺑﻲ.
وﻣﻌﻧﻰ أرﺳﻠﻪ أﻧﻪ ﻟﻣﺎ أﻧزل اﷲ ﻋﻠﯾﻪ :ﯾﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﻣدﺛر .أﺻﺑﺢ رﺳوﻻً " .
ج : 26ﯾﻘول اﺑن اﻟﻘﯾم :إن اﷲ ﻗد أﻛﻣل ﻟﻧﺑﯾﻪ ﻣن ﻣراﺗب اﻟوﺣﻲ ﻣراﺗب ﻋدﯾدة
أﻫﻣﻬﺎ:
(1اﻟرؤﯾﺎ اﻟﺻﺎدﻗﺔ ،وﻛﺎﻧت أول اﻟوﺣﻲ .ﻗﺎﻟت ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ :أول ﻣﺎ
ﺑدئ ﺑﻪ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟرؤﯾﺎ اﻟﺻﺎدﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻧوم ،ﻓﻛﺎن ﻻ ﯾرى
رؤﯾﺎ إﻻ ﺟﺎءت ﻛﻔﻠق اﻟﺻﺑﺢ" رواﻩ ﻣﺳﻠم.
(2أن ﯾﺄﺗﯾﻪ اﻟوﺣﻲ ﻓﻲ ﻣﺛل ﺻﻠﺻﻠﺔ اﻟﺟرس ،وﻫو أﺷد اﻟوﺣﻲ ﻋﻠﯾﻪ،ﻓﯾﺗﻠﺑس ﺑﻪ
اﻟﻣﻠك ﺣﺗﻰ إن ﺟﺑﯾﻧﻪ ﻟﯾﺗﻔﺻد ﻋرﻗﺎً ﻓﻲ اﻟﯾوم اﻟﺷدﯾد اﻟﺑرد ،وﺣﺗﻰ إن راﺣﻠﺗﻪ
ﻟﺗﺑرك ﺑﻪ.
(3أن ﯾرى اﻟﻣﻠك ﻓﻲ ﺻورﺗﻪ اﻟﺗﻲ ﺧﻠﻘﻪ اﷲ ﻋﻠﯾﻬﺎ ،ﻓﯾوﺣﻲ إﻟﯾﻪ ﻣﺎﺷﺎء اﷲ أن
ﯾوﺣﯾﻪ إﻟﯾﻪ .وﻗد وﻗﻊ ﻫذا ﻣرﺗﯾن.
(4أن ﯾﺄﺗﯾﻪ ﺟﺑرﯾل ﻓﻲ ﺻورة رﺟل ﻓﯾﺧﺎطﺑﻪ ﺣﺗﻰ ﯾﻌﻲ ﻋﻧﻪ ﻗوﻟﻪ ،وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺣﺎﻟﺔ
ﻛﺎن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﯾروﻧﻪ أﺣﯾﺎﻧﺎً.
(5ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻠﻘﯾﻪ اﻟﻣﻠك ﻓﻲ روﻋﺔ ﻣن ﻏﯾر أن ﯾراﻩ ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم " :إن روح
اﻟﻘدس ﻧﻔث ﻓﻲ روﻋﻲ أﻧﻪ ﻟن ﺗﻣوت ﻧﻔس ﺣﺗﻰ ﺗﺳﺗﻛﻣل رزﻗﻬﺎ ،ﻓﺎﺗﻘوا اﷲ
وأﺟﻣﻠوا ﻓﻲ اﻟطﻠب "..اﻟﺣدﯾث.
37
(6ﻛﻼم اﷲ إﻟﯾﻪ ﻣﺑﺎﺷرة وﻣن ﻏﯾر واﺳطﺔ ﻛﻣﺎ ﺣدث ﻓﻲ ﻓرض اﻟﺻﻼة ﻟﯾﻠﺔ
اﻹﺳراء واﻟﻣﻌراج.
ج : 27أﻣﺎ ﻣراﺗب اﻟدﻋوة ﻓﻬﻲ ﻛﻣﺎ ذﻛر اﺑن اﻟﻘﯾم رﺣﻣﻪ اﷲ ﺧﻣس ﻣراﺗب وﻫﻲ:
-1ﻣرﺗﺑﺔ اﻟﻧﺑوة.
-2ﺛم ﻣرﺗﺑﺔ اﻟرﺳﺎﻟﺔ ٕواﻧذار ﻋﺷﯾرﺗﻪ اﻷﻗرﺑﯾن.
-3ﺛم ﻣرﺗﺑﺔ إﻧذار ﻗوﻣﻪ.
-4ﺛم ﻣرﺗﺑﺔ إﻧذار اﻟﻌرب ﻗﺎطﺑﺔ.
-5ﺛم ﻣرﺗﺑﺔ إﻧذار ﺟﻣﯾﻊ اﻹﻧس واﻟﺟن.
-1اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻣﻛﯾﺔ :واﺳﺗﻣرت ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺷر ﻋﺎﻣﺎً ﻣرت اﻟدﻋوة ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻣراﺣل
اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ:
أ -ﻣرﺣﻠﺔ اﻟدﻋوة اﻟﺳرﯾﺔ :واﺳﺗﻣرت ﺛﻼث ﺳﻧوات ،أﺳﻠم ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺑﺿﻊ وأرﺑﻌون
رﺟﻼً ﯾﺳﻣون ﺑﺎﻟﺳﺎﺑﻘﯾن اﻷوﻟﯾن.
38
ج -ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟﺑداﺋل ﺑﺎﻟدﻋوة ﺧﺎرج ﻣﻛﺔ ،ﺣﯾث ﻋرض ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
ﻧﻔﺳﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب ،وﺧرج إﻟﻰ اﻟطﺎﺋف ﯾﻌرض ﻋﻠﻰ أﻫﻠﻬﺎ دﻋوﺗﻪ ،وﯾطﻠب
ﻧﺻرﺗﻬم .واﺳﺗﻣرت ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ ﺣﺗﻰ اﻟﻬﺟرة.
-2اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻣدﻧﯾﺔ :واﺳﺗﻣرت ﻋﺷر ﺳﻧوات ﻣن ﻫﺟرﺗﻪ ﺣﺗﻰ وﻓﺎﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم،
وﯾﻣﻛن ﺗﻘﺳﯾﻣﻬﺎ إﻟﻰ :
أ -ﻣرﺣﻠﺔ اﻟدﻋوة ﻣﻊ ﻗﺗﺎل ﻣن اﺑﺗدأﻩ ﺑﺎﻟﻘﺗﺎل ،واﺳﺗﻣرت إﻟﻰ ﺻﻠﺢ اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ ﻓﻲ
اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺳﺎدﺳﺔ ﻣن اﻟﻬﺟرة.
39
س : 29ﻣﺎ ﻣوﻗف ﻗرﯾش ﻣن دﻋوﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺗﻬﺎ اﻟﺳرﯾﺔ ؟
وﻟﻣﺎذا؟
ج : 29ﻟم ﺗﺗﻌرض ﻗرﯾش ﻟﻣﺣﻣد وﻻ ﻷﺣد ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟرﺣﻠﺔ ﺑﺄذى ،ﺑل
وﻗﻔت ﻣوﻗف اﻟﻣﺗرﻗب اﻟﺣذر ﺗﻧﺗظر ﻣﺎ ﯾﺻﯾر إﻟﯾﻪ أﻣر ﻣﺣﻣد ودﻋوﺗﻪ اﻟﺟدﯾدة ،إﻻ أﻧﻬﺎ
ﻟم ﺗؤذﻩ أو أﺣداً ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻷن ﻣﺣﻣداً ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻟم ﯾﺗﻌرض ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ
ﻟﻘرﯾش وآﻟﻬﺗﻬﺎ اﻟﺑﺎطﻠﺔ ،ﻓﻠم ﯾﺷﺗم ﻫذﻩ اﻵﻟﻬﺔ ،و ﻣﺎ ﻋﺎب ﻋﺑﺎدﺗﻬﺎ وﻋﺑﺎدﻫﺎ ،ﺑل
ﻛﺎن ﻣﺣﺎﯾداً .ﻛﻣﺎ أن ﻗرﯾش ﻛﺎﻧت ﺗظن أن ﻣﺣﻣداً ﻫو واﺣد ﻣن أوﻟﺋك اﻟرﺑﺎﻧﯾﯾن اﻟﻌرب
اﻟذﯾن ﯾﺗﻛﻠﻣون ﻓﻲ اﻷدﯾﺎن وﻻ ﯾﻠﺑث أن ﯾﻧﺗﻬﻲ أﻣرﻫم ،وﻟذﻟك ﺗرﻛﺗﻪ وأﺻﺣﺎﺑﻪ .
وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻗد ﻋرض ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ دﻋوﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟذﯾن ﯾﻌرﻓﻬم ،وﯾﺗوﺳم
ﻓﯾﻬم اﻟﺧﯾر ،ﻓﺄﺳﻠم ﺟﻣﻊ ﻣن اﻟﻧﺎس اﺧﺗﻠف ﻓﻲ ﻋددﻫم ﻣﺎﺑﯾن اﻷرﺑﻌﯾن واﻟﻣﺎﺋﺔ
واﻟﺛﻼﺛﯾن.
وﻣن أﺷﻬر ﻫؤﻻء وأوﻟﻬم ﺑﻌد ﺧدﯾﺟﺔ أﺑو ﺑﻛر اﻟﺻدﯾق ،وﻋﻠﻲ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب اﻟذي ﻛﺎن
ﯾﻌﯾش ﻓﻲ ﺑﯾت اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ،وزﯾد ﺑن ﺣﺎرﺛﺔ اﻟﻛﻠﺑﻲ ﻣوﻟﻰ اﻟرﺳول
40
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،وﻋﺛﻣﺎن ﺑن ﻋﻔﺎن،وطﻠﺣﺔ ﺑن ﻋﺑﯾد اﷲ،وﺳﻌد ﺑن أﺑﻲ وﻗﺎص،وﯾﺎﺳر
اﻟﻌﻧﺳﻲ وزوﺟﺗﻪ ﺳﻣﯾﺔ ﺑﻧت ﺧﯾﺎط واﺑﻧﻬﻣﺎ ﻋﻣﺎر ،وﺑﻼل ﺑن رﺑﺎح ،وﺻﻬﯾب وﺧﺑﺎب
وﻏﯾرﻫم رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم وأرﺿﺎﻫم أﺟﻣﻌﯾن.
وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﻠﺗﻘﻲ ﺑﻬؤﻻء ﺳ ارً ﻓﻲ دار اﻷرﻗم ﺑن أﺑﻲ اﻷرﻗم ﻟﯾﻌﻠﻣﻬم ،وﯾﺗﻠو
ﻋﻠﯾﻬم اﻟﻘرآن.
ج : 31ﻟم ﯾﻛن ﻫﻧﺎك طوال اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻣﻛﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﻟﯾﻠﺔ اﻹﺳراء واﻟﻣﻌراج إﻻ اﻟﺻﻼة
ﻓﻘط .ﻓﻛﺎن اﻟرﺳول وأﺻﺣﺎﺑﻪ إذا أرادوا اﻟﺻﻼة ﺗﻔرﻗوا ﻓﻲ اﻟﺷﻌﺎب ﺧوﻓﺎً ﻣن
ﻗرﯾش .وﻛﺎﻧوا ﯾﺻﻠون رﻛﻌﺗﯾن أول اﻟﻧﻬﺎر ورﻛﻌﺗﯾن آﺧرﻩ .واﺳﺗﻣروا ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﺣﺎل
ﺣﺗﻰ ﻓرﺿت اﻟﺻﻠوات اﻟﺧﻣس ﻟﯾﻠﺔ اﻹﺳراء واﻟﻣﻌ ارج واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻋﻠﻰ اﻟراﺟﺢ ﻓﻲ
اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻌﺎﺷرة ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ .أﻣﺎ ﺑﻘﯾﺔ اﻟﺷراﺋﻊ واﻟﻌﺑﺎدات ﻓﻘد ﺷرﻋت ﺑﻌد أن ﻗﺎﻣت دوﻟﺔ
اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
؟ ﺑدﻋوﺗﻪ وﺳﻠم ﻋﻠﯾﻪ اﷲ ﺻﻠﻰ ﺟﻬر ﻛﯾف : 32 س
ج : 32ﺑﻌد أن ﺑﻘﻲ اﻟرﺳول ﻣﺳﺗﺧﻔﯾﺎً ﺑدﻋوﺗﻪ ﻧﺣواً ﻣن ﺛﻼث ﺳﻧﯾن أﺳﻠم ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣن
أﺳﻠم ﻣن اﻟرﺟﺎل واﻟﻧﺳﺎء اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا ﻋﻣﺎد ﻫذا اﻟدﯾن ﻓﻲ اﻟﺳﻠم واﻟﺣرب وﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌد
اﻟﻬﺟرة وﺑﻌد وﻓﺎة اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .ﺑﻌد ﻛل ﻫذا أﻣر اﷲ ﻧﺑﯾﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أن
41
ﯾﺟﻬر وﯾﺻدع ﺑدﻋوة اﻟﺣق ،ﻓﺄﻧزل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ " وأﻧذر ﻋﺷﯾرﺗك اﻷﻗرﺑﯾن" ،وﻗﯾل
"ﻓﺎﺻدع ﺑﻣﺎ ﺗؤﻣر وأﻋرض ﻋن اﻟﻣﺷرﻛﯾن"
ﻓﻠﻣﺎ أﻣر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑذﻟك ﺟﻣﻊ ﻋﺷﯾرﺗﻪ اﻷﻗرﺑﯾن ﻣن ﺑﻧﻲ ﻫﺎﺷم وﺑﻧﻲ ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب
ﺑﻌد أن ﺻﻧﻊ ﻟﻬم طﻌﺎﻣﺎً ﺛم ﺧطﺑﻬم ودﻋﺎﻫم .وأﻧذرﻫم وأﻋﻠﻣﻬم أﻧﻪ رﺳول اﷲ إﻟﯾﻬم
ٕواﻟﻰ اﻟﻧﺎس ﻛﺎﻓﺔ ،وأن ﻫﻧﺎك ﻣوﺗﺎ ،وﺑﻌﺛﺎ ،وﺣﺳﺎﺑﺎ .ﻓﺄﺧﺗﻠف اﻟﺣﺎﺿرون ،واﻧﻘﺳﻣوا
ﻣﺎﺑﯾن ﻣﻧﺎﺻر وﻣﻌﺎرض .وﻛﺎن ﻣﻣن ﻧﺻرﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻣﻪ أﺑو طﺎﻟب اﻟذي أﻋﻠن
ﻟﻣﺣﻣد ﻧﺻرﺗﻪ ﻟﻪ إﻻ أﻧﻪ ﻟم ﯾؤﻣن .وﻓﻲ اﻟﯾوم اﻟﺗﺎﻟﻲ ﻏدا ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻟﻰ اﻟﺻﻔﺎ
وﺻﻌد وﻧﺎدى " :واﺻﺑﺎﺣﺎﻩ " ﻓﺎﺟﺗﻣﻊ إﻟﯾﻪ رﺟﺎل ﻣن ﻗرﯾش ﻣﻧﻬم أﺑو ﻟﻬب واﺳﻣﻪ ﻋﺑد
اﻟﻌزى ﻓﺧطﺑﻬم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻗﺎﺋﻼً " :ﻟو أﺧﺑرﺗﻛم أن ﺧﯾﻼً ﺧﻠف ﻫذا اﻟﺟﺑل ﺗرﯾد
أن ﺗﻐﯾر ﻋﻠﯾﻛم أﻛﻧﺗم ﻣﺻدﻗﻲ؟" .ﻗﺎﻟوا :ﻧﻌم ،ﻣﺎ ﺟرﺑﻧﺎ ﻋﻠﯾك ﻛذﺑﺎً .ﻗﺎل " :ﻓﺈﻧﻲ ﻧذﯾر
ﻟﻛم ﺑﯾن ﯾدي ﻋذاب ﺷدﯾد" .ﻓﻘﺎل أﺑو ﻟﻬب :ﺗﺑﺎً ﻟك ﺳﺎﺋر اﻟﯾوم ،أﻟﻬذا ﺟﻣﻌﺗﻧﺎ؟ ﻓﺄﻧزل
اﷲ" ﺗﺑت ﯾدا أﺑﻲ ﻟﻬب وﺗب ...اﻟﺳورة .وﻓﯾﻬﺎ دﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﻧﺑوﺗﻪ ،ﻓﻘد ﻣﺎت أﺑو ﻟﻬب
وزوﺟﺗﻪ أم ﺟﻣﯾل أروى ﺑﻧت أﺑﻲ ﺳﻔﯾﺎن ﻛﺎﻓرﯾن ﻓﺎﺳﺗﺣﻘﺎ ﺑذﻟك اﻟﻧﺎر .وﻫﻛذا ﺟﻬر
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑدﻋوﺗﻪ ،ﻓﻛﺎن ﯾدﻋو اﻟﻧﺎس ﻓﻲ ﻛل ﻣﺟﻣﻊ وﻧﺎد ،وﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد اﻟﺣرام ،
ﯾﺗﻠو ﻋﻠﯾﻬم اﻟﻘرآن وﯾﻧذرﻫم .وﯾﻧﺗﻬز ﻣوﺳم اﻟﺣﺞ ﻓﻲ ﻛل ﻋﺎم ﻟﯾﻠﺗﻘﻲ ﺑﺎﻟﻘﺑﺎﺋل ﻗﺑﯾﻠﺔ..
ﻗﺑﯾﻠﺔ ،ﯾﻌرض ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻹﺳﻼم ﻓﯾﺳﺗﺟﯾب ﻣن ﯾﺳﺗﺟﯾب ،وﯾرﻓض ﻣن ﯾرﻓض ،وﯾﺳﺧر
ﻣن ﯾﺳﺧر .وﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي ﻛﺎن ﻓﯾﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾدﻋو اﻟﻧﺎس دﻋوة ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻲ
اﻷﻧدﯾﺔ ،واﻟﻣﺣﺎﻓل ،واﻟﻣواﺳم ،ودﻋوة ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻣﻘﺎﺑﻠﺔ زﻋﻣﺎء ﻗرﯾش ،وﻛﺎن أﯾﺿﺎ ﯾﻬﺗم
ﺑﺄﻣر ﺗرﺑﯾﺔ ٕواﻋداد أوﻟﺋك اﻟذﯾن اﺳﺗﺟﺎﺑوا ﻟدﻋوﺗﻪ ﻟﯾﺑﻧﻲ ﻣﻧﻬم اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﺻﻠﺑﺔ.ﻓﻛﺎن
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﺟﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ دار اﻷرﻗم ﺑن أﺑﻲ اﻷرﻗم ،أو ﻓﻲ اﻟﺑﯾوت ﺳ ارً وﻋﻠﻰ
42
ﺷﻛل أﺳر ﺑﻌﯾداً ﻋن أﻧظﺎر اﻟرﻗﺑﺎء ﻣن اﻷﻋداء .ﻓﻛﺎن أﻋﺿﺎء ﻫذﻩ اﻷﺳر ﻫم أرﻛﺎن
ﻫذﻩ اﻟدﻋوة ﻓﻲ اﻟﺳﻠم واﻟﺣرب.
ج : 33ﺟﻬر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑدﻋوﺗﻪ .وﻛﺎن ﻣن ﻣﻘﺗﺿﯾﺎت ذﻟك أن ﯾﺑﯾن ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻋﺑﺎدة
اﻷﺻﻧﺎم وﻋﺑﺎدﻫﺎ .ﻓﺑﯾن أﻧﻬﺎ آﻟﻬﺔ ﺑﺎطﻠﺔ ﻻ ﺗﻧﻔﻊ وﻻ ﺗﺿر ،وﻻ ﺗﺳﺗﺣق اﻟﻌﺑﺎدة
واﻟﺗﻘدﯾس .وأن ﻣن ﯾﻌﺑدﻫﺎ ﻓﻲ ﺿﻼل ﻣﺑﯾن .ﻓﻠﻣﺎ ﺳﻣﻌت ﻗرﯾش ذﻟك ﺛﺎرت ﺛﺎﺋرﺗﻬﺎ،
وﻧﺎﺻﺑت ﻣﺣﻣداً ،ودﻋوﺗﻪ ،وأﺻﺣﺎﺑﻪ اﻟﻌداء ،وﺗﺣوﻟت ﻣﻛﺔ إﻟﻰ ﻣﯾدان ﺻراع ﺑﯾن
اﻟﺣق وأﺗﺑﺎﻋﻪ واﻟﺑﺎطل وأﻋواﻧﻪ.
-1ﻣﻬﺎﺟﻣﺔ ﻣﺣﻣد ﻵﻟﻬﺔ ﻗرﯾش اﻟﺑﺎطﻠﺔ ،وﺗﻌرﯾﺿﻪ ﺑﻬﺎ ،وﻋﺑﺎدﻫﺎ ﻛﻣﺎ ﺳﺑق أن
ﺑﯾﻧﺎ.
-2أن اﻹﺳﻼم دﻋﺎ إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺎواة ﺑﯾن اﻟﻧﺎس ﺟﻣﯾﻌﺎً أﺣرارﻫم وﻋﺑﯾدﻫم ،أﻏﻧﯾﺎﺋﻬم
وﻓﻘراﺋﻬم .ﻓﺄﺳﻘط ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻔوارق ،وﺟﻣﯾﻊ اﻟﻘﯾم ،وﺟﻣﯾﻊ ﻣوازﯾن اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ
اﻟﻣﻧﻛوﺳﺔ ،ورﻓﻊ ﻣﯾزاﻧﺎً واﺣداً ،ﺑﻪ ﯾﺗﻔﺎﺿل اﻟﻧﺎس ،وﺑﻪ ﯾﺗﻣﺎﯾزون ،وﻫو
ﻣﯾزان اﻟﺗﻘوى ،ﻓﺎﻟﻛل أﻣﺎم اﷲ ﺳواء ،وﻻ ﻓرق إﻻ ﺑﺎﻟﺗﻘوى ،واﻟﺟﺎﻫﻠﯾون -
43
وﺧﺎﺻ ًﺔ ذوو اﻟﻣﺎل واﻟﺟﺎﻩ واﻟﺳﻠطﺎن واﻟذﯾن اﻋﺗﺎدوا اﻟﻌﯾش ﻛﺎﻟطﻔﯾﻠﯾﺎت ﯾﻘﺗﺎﺗون
ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب اﻟﺿﻌﻔﺎء -ﻻ ﯾرﯾدون ذﻟك وﯾﺄﺑوﻧﻪ ﺑﺷدة.
-3اﻟﺧوف ﻣن ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ ،وﻣن اﻟﺣﺳﺎب ﺑﻌد اﻟﻣوت ﻟﺳوء أﻋﻣﺎﻟﻬم.
-4اﻗﺗﻧﺎﻋﻬم ﺑدﯾن اﻵﺑﺎء ورﻓﺿﻬم ﻛل ﻣﺎ ﺳواﻩ ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ٕ ":واذا ﻗﯾل ﻟﻬم
ﺗﻌﺎﻟوا إﻟﻰ ﻣﺎ أﻧزل اﷲ ٕواﻟﻰ اﻟرﺳول ﻗﺎﻟوا ﺣﺳﺑﻧﺎ ) أي ﯾﻛﻔﯾﻧﺎ( ﻣﺎ وﺟدﻧﺎ ﻋﻠﯾﻪ
آﺑﺎءﻧﺎ".
ج : 35ﻛﺎن أﺷد وأﻛﺛر اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﺗﻌرﺿﺎً ﻷذى وﺗﻌذﯾب ﻗرﯾش اﻷرﻗﺎء اﻟﻌﺑﯾد ﻛﺑﻼل
،واﻟﻣواﻟﻲ ﻛﯾﺎﺳر وﺧﺑﺎب ،وﺻﻬﯾب ،واﻟﻣﺳﺗﺿﻌﻔون ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣﻣن ﻟﯾس
ﻟﻬم ظﻬر أو ﻋﺷﯾرة ﺗﺣﻣﯾﻬم .ﻓﻛﺎن ﻫؤﻻء ﻫم اﻷﺷد واﻷﻛﺛر ﺗﻌرﺿﺎً ﻟﺗﻌذﯾب ﻗرﯾش.
وﻫذا ﻻ ﯾﻌﻧﻲ أن اﻷﻗرﺑﯾن ﻣن وﺟوﻩ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﻣﻣن ﻟﻬم ﻣﻛﺎﻧﺔ ﻓﻲ ﻗرﯾش ،وﻋﺷﯾرة
ﺗﺣﻣﯾﻬم ﻛﺄﺑﻲ ﺑﻛر اﻟﺻدﯾق ،وﻣﺻﻌب ﺑن ﻋﻣﯾر وﻏﯾرﻫم ﻟم ﯾﺗﻌرﺿوا ﻟﻸذى ..ﺑل
ﺗﻌرﺿوا ﻟﻪ ،وﻟﻛن ﻟم ﯾﺻل اﻷذى إﻟﻰ اﻟﻘﺗل أو اﻟﺗﺣرﯾق ﺑﺎﻟﻧﺎر أو اﻟﺗﻌذﯾب ﻋﻠﻰ
اﻟرﻣﺿﺎء وﻧﺣوﻩ ﻛﻣﺎ ﺣدث ﻟﻠﻣﺳﺗﺿﻌﻔﯾن.
أﻣﺎ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓرﻏم ﻋﻠم ﻗرﯾش ﺑﺣﻣﺎﯾﺔ أﺑﻲ طﺎﻟب وﻣﻧﺎﺻرﺗﻪ ﻟﻪ
،وﻫو ﺳﯾد ﻗرﯾش اﻟذي ﻛﺎﻧت ﺗﺣﺗرﻣﻪ وﺗوﻗرﻩ ،إﻻ أﻧﻪ ﻗد أوذي ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم أذى ﻛﺛﯾ ارً ،وﺗﻌرض ﻟﻠﺿرب وﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻟﻘﺗل ﻣ ار ارً ﻛﻣﺎ ﺳﻧﺑﯾﻧﻪ.
44
س : 36ﻣﺎ ﻫﻲ أﺳﺎﻟﯾب ﻗرﯾش ﻓﻲ ﻣﺣﺎرﺑﺗﻬﺎ ﻟﻠدﻋوة ؟
-1ﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻟﺗﺄﺛﯾر ﻋﻠﻰ ﻋﻣﻪ أﺑﻲ طﺎﻟب اﻟذي وﻗف ﻓﻲ وﺟﻪ ﻗرﯾش ﻣﻧﺎﺻ ارً ﻟﻣﺣﻣد
ﺣﯾث ذﻫب ﺟﻣﻊ ﻣن ﻛﺑراء ﻗرﯾش وﺳﺎدﺗﻬم إﻟﻰ أﺑﻲ طﺎﻟب ﻋدة ﻣرات ،وﻋرﺿوا
ﻋﻠﯾﻪ أن ﯾطﻠب ﻣن ﻣﺣﻣد أن ﯾﻛف ﻋن ﺳب آﻟﻬﺗﻬم ،وﺗﺳﻔﯾﻪ ﻋﻘوﻟﻬم ،وﺗﻛﻔﯾر
آﺑﺎﺋﻬم .إﻻ أن ﻣﺣﻣداً ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﺳﺗﻣر ﻓﻲ دﻋوﺗﻪ ،ﻓﺟﺎؤوا ﻣرة أﺧرى إﻟﻰ
أﺑﻲ طﺎﻟب وﻋرﺿوا ﻋﻠﯾﻪ أن ﯾﺄﺧذ ﻋﻣﺎرة ﺑن اﻟوﻟﯾد وﯾﻌطﯾﻬم ﻣﺣﻣداً رﺟﻼً ﺑرﺟل.
إﻻ أن أﺑﺎ طﺎﻟب أﺑﻰ ،ﻓﻬددوﻩ ﺑﻣﻧﺎزﻟﺗﻪ ﻫو وﻣﺣﻣد وأﺗﺑﺎﻋﻪ .واﺳﺗﻣرت ﻫذﻩ
اﻻ ﺗﺻﺎﻻت ﺣﺗﻰ ﯾوم وﻓﺎة أﺑﻰ طﺎﻟب ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻟم ﺗﻧﺟﺢ ،ﻓﻘد اﺳﺗﻣر ﻣﺣﻣد
ﻓﻲ دﻋوﺗﻪ ،وزاد أﻧﺻﺎرﻩ ،واﺳﺗﻣر أﺑو طﺎﻟب ﻓﻲ ﻣﻧﺎﺻرﺗﻪ ﻟﻣﺣﻣد ﺣﺗﻰ وﻓﺎﺗﻪ،
وﻟذﻟك ﻓﻬو أﻗل اﻟﻧﺎس ﻋذاﺑﺎً ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ رﻏم أﻧﻪ ﻣﺎت ﻣﺷرﻛﺎً ﺣﯾث ﯾﻛون ﻓﻲ
ﺿﺣﺿﺎح ﻣن ﻧﺎر ،وﯾوﺿﻊ ﺗﺣت ﻗدﻣﯾﻪ ﺟﻣرﺗﺎن ﯾﻐﻠﻲ ﻣﻧﻬﻣﺎ دﻣﺎﻏﻪ واﻟﻌﯾﺎذ
ﺑﺎﷲ.
-2إﻟﺻﺎق اﻟﺗﻬم اﻟﺑﺎطﻠﺔ ﺑﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ودﻋوﺗﻪ ﻟﺻد اﻟﻧﺎس ﻋﻧﻪ
وﻣن ذﻟك :
45
أ -اﺗﻬﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﺟﻧون .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﻛﺎﯾﺔ ﻋن ﻗرﯾش "وﻗﺎﻟوا ﯾﺎ أﯾﻬﺎ اﻟذي ﻧزل ﻋﻠﯾﻪ
اﻟذﻛر إﻧك ﻟﻣﺟﻧون " .
ب -اﺗﻬﺎﻣﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺎﻟﺳﺣر.ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ"وﻗﺎل اﻟﻛﺎﻓرون ﻫذا ﺳﺎﺣر ﻛذاب".
وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ "وﻗﺎل اﻟظﺎﻟﻣون إن ﺗﺗﺑﻌون إﻻ رﺟﻼ ﻣﺳﺣو ارً" .
ج -اﺗﻬﺎﻣﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺎﻟﻛذب .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ "وﻗﺎل اﻟﻛﺎﻓرون ﻫذا ﺳﺎﺣر ﻛذاب " .
د -اﺗﻬﺎﻣﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺎﻹ ﺗﯾﺎن ﺑﺎﻷﺳﺎطﯾر واﻷﺑﺎطﯾل ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ"وﻗﺎﻟوا
أﺳﺎطﯾر اﻷوﻟﯾن اﻛﺗﺗﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻣﻠﻰ ﻋﻠﯾﻪ ﺑﻛرة وأﺻﯾﻼ" .
46
ﺟﻧﺔ ﻣن ﻧﺧﯾل وﻋﻧب ﻓﺗﻔﺟر اﻷﻧﻬﺎر ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺗﻔﺟﯾ ار.أو ﺗﺳﻘط اﻟﺳﻣﺎء ﻛﻣﺎ زﻋﻣت
ﻋﻠﯾﻧﺎ ﻛﺳﻔﺎً أو ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺎﷲ واﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻗﺑﯾﻼ .أو ﯾﻛون ﻟك ﺑﯾت ﻣن زﺧرف أو ﺗرﻗﻰ
ﻓﻲ اﻟﺳﻣﺎء وﻟن ﻧؤﻣن ﻟرﻗﯾك ﺣﺗﻰ ﺗﻧزل ﻋﻠﯾﻧﺎ ﻛﺗﺎﺑﺎً ﻧﻘرؤﻩ .ﻗل ﺳﺑﺣﺎن رﺑﻲ ﻫل
ﻛﻧت إﻻ ﺑﺷ ارً رﺳوﻻ" .
-5اﻟﻣﺳﺎوﻣﺎت وطﻠب اﻟﺗﻧﺎزﻻت :ﻓﻘد طﻠﺑت ﻗرﯾش ﻣن اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أن
ﯾﻘدم ﻟﻬم ﺑﻌض اﻟﺗﻧﺎزﻻت ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻣﻧﻬم ﻷن ﯾﻠﺗﻘﻲ اﻹﺳﻼم اﻟﺣق ﺑﻌﻘﯾدﺗﻬم
اﻟوﺛﻧﯾﺔ اﻟﺑﺎطﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﻧﺗﺻف اﻟطرﯾق ،ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ودوا ﻟو ﺗدﻫن
ﻓﯾدﻫﻧون" .ﻓﻘد ﻗﺎﻟوا ﻟﻠرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :اﻋﺑد آﻟﻬﺗﻧﺎ ﯾوﻣﺎً وﻧﻌﺑد إﻟﻬك ﯾوﻣﺎً.
ﻓﺄﻧزل اﷲ " :ﻗل ﯾﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﻛﺎﻓرون .ﻻ أﻋﺑد ﻣﺎ ﺗﻌﺑدون ..اﻵﯾﺎت".
وﻟﻣﺎ اﺷﺗد اﻟﻣرض ﺑﺄﺑﻲ طﺎﻟب ﺟﺎءﻩ وﻓد ﻣن ﻗرﯾش ﻟﯾﺄﺧذ ﻟﻬم ﻣن ﻣﺣﻣد،
وﻟﯾﻌطﯾﻬم ﻣﻧﻪ .ﻓدﻋﺎ أﺑو طﺎﻟب رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻗﺎل ﻟﻪ :ﯾﺎ
اﺑن أﺧﻲ ..ﻫؤﻻء أﺷراف ﻗوﻣك ﻗد اﺟﺗﻣﻌوا إﻟﯾك ﻟﯾﻌطوك وﻟﯾﺄﺧذوا ﻣﻧك .ﻓﻘﺎل
اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم " :ﯾﺎ ﻋم ﻛﻠﻣﺔ واﺣدة ﯾﻌطوﻧﯾﻬﺎ ﯾﻣﻠﻛون ﺑﻬﺎ اﻟﻌرب وﺗدﯾن
ﻟﻬم ﺑﻬﺎ اﻟﻌﺟم .ﻓﻔزﻋوا وﻗﺎﻟوا :ﻛﻠﻣﺔ واﺣدة ! ﻗﺎل :ﻧﻌم .ﻓﻘﺎل أﺑو ﺟﻬل :وأﺑﯾك
ﻟﻧﻌطﯾﻛﻬﺎ وﻋﺷر أﻣﺛﺎﻟﻬﺎ .ﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :ﺗﻘوﻟون ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ ،وﺗﺧﻠﻌون
ﻣﺎ ﺗﻌﺑدون ﻣن دوﻧﻪ .ﻓﺻﻔﻘوا ﺑﺄﯾدﯾﻬم ﺳﺎﺧرﯾن وﻗﺎﻟوا :ﯾﺎ ﻣﺣﻣد أﺗرﯾد أن ﺗﺟﻌل
اﻵﻟﻬﺔ إﻟﻬﺎً واﺣداً .أن أﻣرك ﻟﻌﺟب.
-6اﻟﺗرﻏﯾب واﻹﻏراء :ﺣﯾث أرﺳﻠت ﻗرﯾش ﻋﺗﺑﺔ ﺑن رﺑﯾﻌﺔ ﻣﻣﺛﻼً ﻟﻬﺎ ﻟﯾﻌرض ﻋﻠﻰ
اﻟرﺳول أﻣو ارً ﻓﻘﺎل :ﯾﺎ اﺑن أﺧﻲ .إﻧك ﻣﻧﺎ ﺣﯾث ﻗد ﻋﻠﻣت ﻣن اﻟﻣﻛﺎن ﻓﻲ
اﻟﻧﺳب .وﻗد أﺗﯾت ﻗوﻣك ﺑﺄﻣر ﻋظﯾم ﻓرﻗت ﺑﻪ ﺟﻣﺎﻋﺗﻬم ،وﺳﻔﻬت ﺑﻪ أﺣﻼﻣﻬم،
وﻋﺑت ﺑﻪ آﻟﻬﺗﻬم ودﯾﻧﻬم ،وﻛﻔرت ﺑﻪ ﻣن ﻣﺿﻰ ﻣن آﺑﺎﺋﻬم ﻓﺎﺳﻣﻊ ﻣﻧﻲ أﻋرض
47
ﻋﻠﯾك أﻣو ار ً◌ﺗﻧظر ﻓﯾﻬﺎ ﻟﻌﻠك ﺗﻘﺑل ﻣﻧﻬﺎ ﺑﻌﺿﻬﺎ .ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :ﻗل ﯾﺎ أﺑﺎ
اﻟوﻟﯾد .ﻓﻘﺎل :ﯾﺎ اﺑن أﺧﻲ إن ﻛﻧت إﻧﻣﺎ ﺗرﯾد ﺑﻣﺎ ﺟﺋت ﺑﻪ ﻣن ﻫذا اﻷﻣر ﻣﺎﻻً
ﺟﻣﻌﻧﺎ ﻟك ﻣن أﻣواﻟﻧﺎ ﺣﺗﻰ ﺗﻛون أﻛﺛرﻧﺎ ﻣﺎﻻً ،وأن ﻛﻧت ﺗرﯾد ﺑﻪ ﺷرﻓﺎً ﺳودﻧﺎك
ﻋﻠﯾﻧﺎ ﺣﺗﻰ ﻻ ﻧﻘطﻊ أﻣ ارً دوﻧكٕ ،وان ﻛﻧت ﺑﻪ ﻣﻠﻛﺎً ﻣﻠﻛﻧﺎك ﻋﻠﯾﻧﺎٕ ،وان ﻛﺎن ﻫذا
اﻟذي ﯾﺄﺗﯾك رﺋﯾﺎً ﻻ ﺗﺳﺗطﯾﻊ ردﻩ ﻋن ﻧﻔﺳك طﻠﺑﻧﺎ ﻟك اﻟطب وﺑذﻟﻧﺎ ﻓﯾﻪ أﻣواﻟﻧﺎ
ﺣﺗﻰ ﻧﺑرﺋك ﻣﻧﻪ .ﻓﻠﻣﺎ ﻓرغ ﻋﺗﺑﺔ ﻗﺎل ﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :أوﻗد ﻓرﻏت ﯾﺎ أﺑﺎ اﻟوﻟﯾد ،
ﻗﺎل :ﻧﻌم .ﻗﺎل :ﻓﺎﺳﻣﻊ ﻣﻧﻲ .ﻓﺗﻼ ﻋﻠﯾﻪ ﺻدر ﺳورة ﻓﺻﻠت إﻟﻰ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :
"ﻓﺈن أﻋرﺿوا ﻓﻘل أﻧذرﺗﻛم ﺻﺎﻋﻘﺔ ﻣﺛل ﺻﺎﻋﻘﺔ ﻋﺎد وﺛﻣود".
-7ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺗﻌﺟﯾز اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ،ﺣﯾث أوﻓدت ﻗرﯾش ﻧﻔ ارً ﻣﻧﻬم
إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻋﻠﻰ رأﺳﻬم اﻟﻧﺿر ﺑن اﻟﺣﺎرث ،وﻋﻘﺑﺔ ﺑن أﺑﻲ ﻣﻌﯾط ﻟﯾﺄﺗوا ﻣن
اﻟﯾﻬود ﺑﺄﺳﺋﻠﺔ ﺗﻌﺟﯾزﯾﺔ ﻓﯾطرﺣوﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .ﻓﻘﺎﻟت ﻟﻬم
ﯾﻬود :ﺳﻠوﻩ ﻋن أﻫل اﻟﻛﻬف ،وﻋن ذي اﻟﻘرﻧﯾن ،وﻋن اﻟروح .وﻟﻛن اﷲ أﺑطل
ﻛﯾدﻫم ؛ ﺣﯾث أﻧزل ﻋﻠﻰ رﺳوﻟﻪ ﻗرآﻧﺎً ﯾﺟﯾب ﻋن أﺳﺋﻠﺗﻬم.
ﺣﯾث ﺗواﺻﻰ اﻟﻣﺷرﻛون ﺑﺈﺣداث ﺿﺟﺔ ﻋﺎﻟﯾﺔ ،وأﺻوات ﻣﻧﻛرة -8اﻟﺗﺷوﯾش:
ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﻘ أر ﻣﺣﻣد اﻟﻘرآن؛ ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﺳﻣﻊ ﻓﯾﻔﻬم ﻓﯾﺗرك أﺛ ارً ﻣﺣﻣوداً ﻓﻲ اﻟﺳﺎﻣﻊ ،
وﻓﻲ ﻫذا ﯾﻘول ﺗﻌﺎﻟﻰ " وﻗﺎل اﻟذﯾن ﻛﻔروا ﻻ ﺗﺳﻣﻌوا ﻟﻬذا اﻟﻘرآن وأﻟﻐو ﻓﯾﻪ ﻟﻌﻠﻛم
ﺗﻐﻠﺑون".
-9ﺗﺷوﯾﻪ اﻟﺗﻌﺎﻟﯾم ،وﺑث اﻟدﻋﺎﯾﺎت اﻟﻛﺎذﺑﺔ ﻋن ﻣﺣﻣد ودﻋوﺗﻪ ﻓﻲ ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب وﻓﻲ
ﻣوﺳم اﻟﺣﺞ ،ﺣﯾث ﺟﻧدت ﻗرﯾش ﻋدداً ﻣن ﺷﺑﺎﺑﻬﺎ ورﺟﺎﻟﻬﺎ ﯾﺟﻠﺳون ﺑﺳﺑل
اﻟﻧﺎس وطرﻗﺎﺗﻬم إذا ﻗدﻣوا إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ﻓﻼ ﯾﻣر ﺑﻬم أﺣد إﻻ ﺣذروﻩ ﻣن ﻣﺣﻣد
وﻛﻼﻣﻪ ودﻋوﺗﻪ ،وذﻟك ﻛﻣﺎ ﻓﻌﻠوا ﻣﻊ اﻟطﻔﯾل ﺑن ﻋﻣرو اﻟدوﺳﻲ ﺳﯾد دوس .
48
ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻣﺎ ﻗدم ﻣﻛﺔ ﺧﺎﻓت ﻗرﯾش أن ﯾﻠﻘﻰ اﻟطﻔﯾل ﻣﺣﻣداً ﻓﯾﺳﻠم ،وﻟذﻟك ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻣﺎ
ﻗدم ﺣذروﻩ ،وﻣﺎزاﻟوا ﺑﻪ ﺣﺗﻰ أﺟﻣﻊ -ﻛﻣﺎ ﯾﻘول ﻫو رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ -وﻋزم أﻻ
ﯾﻠﻘﻰ ﻣﺣﻣداً وﻻ ﯾﺳﻣﻊ ﻣﻧﻪ .وﻟﻣﺎ ﻏدا إﻟﻰ اﻟﺣرم ﻣﻸ أذﻧﯾﻪ ﻛرﺳﻔﺎً) ﻗطﻧﺎ( ﺣﺗﻰ
ﻻ ﯾﺳﻣﻊ ﻗراءة ﻣﺣﻣد .وﻛﺎن أﺑو ﻟﻬب ﻋم رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﯾﺳﯾر ﺧﻠف ﻣﺣﻣد وﯾﺗﺑﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﻣواﺳم ﻓﻲ ﻣﻧﻰ وﻋﻛﺎظ وأﻣﺎﻛن اﻟﺗﺟﻣﻌﺎت وﻫو
ﯾطوف ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎس ﯾدﻋوﻫم إﻟﻰ اﷲ وأﺑو ﻟﻬب ﺧﻠﻔﻪ ﯾﺳﺑﻪ وﯾﺣذر اﻟﻧﺎس ﻣﻧﻪ
وﯾﻘول :ﻻ ﺗطﯾﻌوﻩ ﻓﺈﻧﻪ ﺻﺎﺑﻲء ﻛذاب.
-10اﻷذى اﻟﺑدﻧﻲ ﻟﻠرﺳول -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -وأﺻﺣﺎﺑﻪ رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻬم .وﺻور ﻫذا اﻷذى ﻛﺛﯾرة .وﺗز ّﻋم ﺣﻣﻠﺔ اﻷذى ﻫذﻩ ﺿد اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم رﺟﺎل ﻣن ﻗرﯾش ﻣﻧﻬم :أﺑو ﺟﻬل ،وأﺑو ﻟﻬب ،واﻟﺣﻛم ﺑن اﻟﻌﺎص ﺑن
أﻣﯾﺔ،وﻋﻘﺑﺔ ﺑن أﺑﻲ ﻣﻌﯾط،وﻋدي ﺑن ﺣﻣراء اﻟﺛﻘﻔﻲ ،واﺑن اﻷﺻداء اﻟﻬذﻟﻲ
،وأم ﺟﻣﯾل زوج أﺑﻲ ﻟﻬب وﻏﯾرﻫم .وﻣن ﺻور ﻫذا اﻷذى :
أﻧﻬم إذا رأوا اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﺻﻠﻲ ﺟﻣﻌوا اﻟﻘﺎذورات ﻣﺛل ﺳﻼ اﻟﺟزور، -
ورﺣم اﻟﺷﺎة وطرﺣوﻫﺎ ﻋﻠﯾﻪ وﻫو ﺳﺎﺟد ﻟرﺑﻪ ،ﺛم ﯾﺗﺿﺎﺣﻛون وﯾﺗﻧدرون.
-ﻛﺎن أﻣﯾﺔ ﺑن ﺧﻠف إذا رأى اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻫﻣزﻩ ،وﻟﻣزﻩ ،وﻓﯾﻪ ﻧزل ﻗول
اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﯾل ﻟﻛل ﻫﻣزة ﻟﻣزة ".
-روى ﻣﺳﻠم ﻋن أﺑﻲ ﻫرﯾرة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻗﺎل :ﻗﺎل أﺑو ﺟﻬل :ﯾﻌﻔر ﻣﺣﻣد
وﺟﻬﻪ ﺑﯾن أظﻬرﻛم؟ ﻓﻘﯾل :ﻧﻌم .ﻓﻘﺎل :واﻟﻼت واﻟﻌزى ﻟﺋن رأﯾﺗﻪ ﻷطﺄن ﻋﻠﻰ
رﻗﺑﺗﻪ ،وﻷﻋﻔرن وﺟﻬﻪ .ﻓﺄﺗﻰ رﺳول اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -وﻫو ﯾﺻﻠﻲ
ﻟﯾطﺄ رﻗﺑﺗﻪ ﻓﻣﺎ ﻓﺟﺄﻫم إﻻ وﻫو ﯾﻧﻛص ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺑﯾﻪ وﯾﺗﻘﻲ ﺑﯾدﯾﻪ .ﻓﻘﺎﻟوا :ﻣﺎﻟك ﯾﺎ
49
أﺑﺎ اﻟﺣﻛم؟ ﻗﺎل :إن ﺑﯾﻧﻲ وﺑﯾﻧﻪ ﻟﺧﻧدﻗﺎً ﻣن ﻧﺎر وﻫوﻻً وأﺟﻧﺣﻪ .ﻓﻘﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :ﻟو دﻧﺎ ﻣﻧﻲ ﻷﺧﺗطﻔﺗﻪ اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻋﺿواً ﻋﺿواً.
-روى اﻟﺑﺧﺎري ﺑﺳﻧدﻩ إﻟﻰ ﻋروة ﺑن اﻟزﺑﯾر ﻗﺎل :ﺳﺄﻟت ﻋﺑداﷲ ﺑن ﻋﻣرو ﻋن
أﺷد ﻣﺎ ﺻﻧﻊ اﻟﻣﺷرﻛون ﺑرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻘﺎل :رأﯾت ﻋﻘﺑﺔ ﺑن
أﺑﻲ ﻣﻌﯾط ﺟﺎء اﻟﻰ اﻟﻧﺑﻲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -وﻫو ﯾﺻﻠﻲ ﻓوﺿﻊ رداءﻩ
ﻓﻲ ﻋﻧﻘﻪ ﻓﺧﻧﻘﻪ ﺧﻧﻘﺎً ﺷدﯾداً .ﻓﺟﺎء أﺑو ﺑﻛر ﺣﺗﻰ دﻓﻊ ﻋن اﻟﻧﺑﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
وﻗﺎل :أﺗﻘﺗﻠون رﺟﻼً أن ﯾﻘول رﺑﻲ اﷲ وﻗد ﺟﺎءﻛم ﺑﺎﻟﺑﯾﻧﺎت ﻣن رﺑﻛم ؟ .وﺣدث
ﻫذا ﻣرة أﺧرى ؛ﺣﯾث ﺿرب اﻟﻣﺷرﻛون رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺣﺗﻰ
ﻏﺷﻲ ﻋﻠﯾﻪ .ﻓﺟﺎء أﺑو ﺑﻛر ﻟﯾدﻓﻊ ﻋﻧﻪ ،ﻓﺿرﺑوﻩ ﺣﺗﻰ ﺣﻣل إﻟﻰ ﺑﯾﺗﻪ ﻣﻐﺷﯾﺎً
ﻋﻠﯾﻪ .
-وﻏﯾر ﻫذا ﻣن اﻷذى اﻟﺑدﻧﻲ ﻟﻠرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻛﺛﯾر .ﻓﻘد ﺗﻌرض
ﻟﻠﻘﺗل ﻣ ار ارً ﻣﻣﺎ ﺟﻌل أﺑﺎ طﺎﻟب ﯾدﻋو ﺑﻧﻲ ﻫﺎﺷم واﻟﻣطﻠب ﻟﻧﺻرﺗﻪ ،ﻓﻛﺎن
اﻟﺣﺻﺎر ﻓﻲ اﻟﺷﻌب .ﺛم ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻗرﯾش اﻷﺧﯾرة ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ﺣﯾن اﺟﺗﻣﻌوا ﻓﻲ دار
اﻟﻧدوة ﻟﻠﺗﺷﺎور ﻓﻲ ﺷﺄن اﻟرﺳول -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -واﺗﻔﻘوا ﻋﻠﻰ ﻗﺗﻠﻪ
ﻓﻲ دارﻩ ،إﻻ أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﺧﺑر ﻧﺑﯾﻪ ﺑﺄﻣرﻫم ،وأﻣرﻩ ﺑﺎﻟﻬﺟرة إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
-أﻣﺎ ﺻور اﻷذى اﻟﺑدﻧﻲ ﻟﻠﺻﺣﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ﻓﻘد ﻛﺎن أﺿﻌﺎف ﻣﺎ أﺻﺎب اﻟرﺳول
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟذي أﺻﺎﺑﻪ ﻣﺎ أﺻﺎﺑﻪ رﻏم ﺣﻣﺎﯾﺔ أﺑﻲ طﺎﻟب ﻟﻪ .ﻓﻣن
اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﻣن ﺗﻌرض ﻟﻠﺗﻌذﯾب ﺣﺗﻰ ﻣﺎت ﻣﺛل ﯾﺎﺳر وزوﺟﺗﻪ ﺳﻣﯾﺔ .وﻣﻧﻬم ﻣن
ﻋذب ﺑﺎﻟﻧﺎر ﻛﺧﺑﺎب ﺑن اﻷرت وﻏﯾرﻩ .وﻓﻌل ﺑﺑﻼل ﻣن اﻟﺗﻌذﯾب واﻷذى اﻟﺷﻲء
ﺑن ﻣﺳﻌود،وﻋﺛﻣﺎن ﺑن وﻋﺑداﷲ اﻟروﻣﻲ، ﺻﻬﯾب وﻛذﻟك اﻟﻛﺛﯾر،
ﻣظﻌون،وﻋﺛﻣﺎن ﺑن ﻋﻔﺎن وﻏﯾرﻫم ﻣن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ اﻟذﯾن ﻟم ﯾﻧﺞ ﻣﻧﻬم أﺣد ﻣن
50
أذى ﻗرﯾش واﺿطﻬﺎدﻫﺎ ،ﺣﺗﻰ اﺿطروﻫم إﻟﻰ اﻟﻬﺟرة إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺗﺎرﻛﯾن ﺧﻠﻔﻬم
أﻣواﻟﻬم وأﻫﻠﯾﻬم .ورﻏم ﺷدة اﻟﻌذاب واﻻﺿطﻬﺎد إﻻ أن أﺣداً ﻣﻧﻬم ﻟم ﯾﺗرك دﯾﻧﻪ
ﺑل ﺻﺑروا ،وﺗﺣﻣﻠوا ﻓﻲ ذات اﷲ ﺣﺗﻰ اﺳﺗﺣﻘوا ﺛﻧﺎء اﷲ ﻋﻠﯾﻬم ،ورﺿﺎﻩ ﻋﻧﻬم.
51
اﻟﺳﻼم ﯾﻣر ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺿﻬم وﻫو ﯾﻌذب ﻛﺂل ﻋﻣﺎر وﻻ ﯾﺳﺗطﯾﻊ أن ﯾﺻﻧﻊ ﺷﯾﺋﺎً أﻛﺛر
ﻣن ﻗوﻟﻪ :ﺻﺑ ارً .وﻟﻠﺗﺧﻔﯾف ﻣن ﺣدة اﻟﺗوﺗر ﻗﺎم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻌﻣﻠﯾن ﻫﺎﻣﯾن:
واﻟﻌﺑﺎدة اﻷول :أﻧﻪ ﺟﻌل دار اﻷرﻗم ﺑن أﺑﻲ اﻷرﻗم اﻟﻣﺧزوﻣﻲ ﻣرﻛ ازً ﻟﻠدﻋوة
واﻟﻠﻘﺎء ﻣﻊ أﺻﺣﺎﺑﻪ ،ﺣﯾث ﻛﺎن ﯾﺟﺗﻣﻊ ﺑﻬم ﻓﯾﻬﺎ ﺳ ارً ،وﯾﻘ أر ﻋﻠﯾﻬم اﻟﻘرآن
وﯾﺻﻠون .أﻣﺎ ﻫو ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻛﺎن ﯾﺻﻠﻲ ،وﯾدﻋو اﷲ ﺟﻬ ارً ﺑﯾن ظﻬراﻧﻲ
اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻻ ﯾﻣﻧﻌﻪ ﻣن ذﻟك ﻋدوان أو ﺳﺧرﯾﺔ .وﻫذا ﻣن ﻣﻘﺗﺿﯾﺎت دﻋوﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم.
اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ :أﻧﻪ أذن ﻷﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﻬﺟرة ،ﺣﯾث ﺟﺎؤوا إﻟﯾﻪ ﯾﺷﻛون ﻣﺎ ﯾﻼﻗوﻧﻪ ﻣن اﻷذى
،ﻓﺄذن ﻟﻬم ﺑﺎﻟﻬﺟرة إﻟﻰ اﻟﺣﺑﺷﺔ ﺣﯾث ﻗﺎل ﻟﻬم :ﻟو ﺧرﺟﺗم إﻟﻰ أرض اﻟﺣﺑﺷﺔ ﻓﺈن
ﺑﻬﺎ ﻣﻠﻛﺎً ﻻ ﯾظﻠم ﻋﻧدﻩ أﺣد ،وﻫﻲ أرض ﺻدق ،ﺣﺗﻰ ﯾﺟﻌل اﷲ ﻟﻛم ﻓرﺟﺎً ﻣﻣﺎ أﻧﺗم
ﻓﯾﻪ.
وﺳﺎداﺗﻬﺎ .وﻗد ﻧﺻر اﷲ ﺑﺈﺳﻼﻣﻪ اﻹﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟذﯾن وﺟدوا ﻓﻲ إﺳﻼﻣﻪ ﻓرﺣﺎً
وﻣﺗﻧﻔﺳﺎً .وﺳﺑب إﺳﻼﻣﻪ أن أﻣﺔ ﻟﻌﺑد اﷲ ﺑن ﺟدﻋﺎن أﺧﺑرت ﺣﻣزة أن أﺑﺎ ﺟﻬل ﻗد
ﺷﺗم اﺑن أﺧﯾﻪ ﻣﺣﻣداً ،وأﺳﺎء إﻟﯾﻪ ،وﺷﺟﻪ ﺷﺟ ًﺔ ﻣﻧﻛرة .ﻓﺄﺧذت ﺣﻣزة اﻟﺣﻣﯾﺔ
52
ﻻﺑن أﺧﯾﻪ ،ﻓﺟﺎء إﻟﻰ أﺑﻲ ﺟﻬل وﻫو ﻓﻲ ﻣﺟﻠﺳﻪ ﻣن ﻗوﻣﻪ ﻓﺿرﺑﻪ ﺑﺎﻟﻘوس ﻋﻠﻰ
رأﺳﻪ ﻓﺷﺟﻪ وأﺳﺎل دﻣﻪ وﻗﺎل :أﺗﺷﺗﻣﻪ وأﻧﺎ ﻋﻠﻰ دﯾﻧﻪ .ﻓﻛﺎن ذﻟك ﺑداﯾﺔ إﺳﻼم
ﺣﻣزة .وﻛﺎن ذﻟك ﺑﻌد دﺧول اﻟرﺳول دار اﻷرﻗم ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺳﺎدﺳﺔ ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ وﺑﻌد
إﺳﻼم ﺣﻣزة ﺑﺄﯾﺎم أﺳﻠم ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ .وﻛﺎن إﺳﻼﻣﻪ اﺳﺗﺟﺎﺑﺔ
ﻣن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟدﻋﺎء اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟذي دﻋﺎ اﷲ ﻗﺎﺋﻼً ":اﻟﻠﻬم
أﻋز اﻹﺳﻼم ﺑﺄﺣب ﻫذﯾن اﻟرﺟﻠﯾن إﻟﯾك :ﺑﺄﺑﻲ ﺟﻬل أو ﺑﻌﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب" .ﻓﻛﺎن
أﺣﺑﻬﻣﺎ إﻟﻰ اﷲ ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ اﻟذي ﺳﻣﺎﻩ اﻟرﺳول -ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -اﻟﻔﺎروق ،واﻟذي أﻋز اﷲ ﺑﻪ اﻹﺳﻼم .ﻗﺎل ﺑن ﻣﺳﻌود ":إن إﺳﻼم
ﻋﻣر ﻛﺎن ﻓﺗﺣﺎًٕ ،وان ﻫﺟرﺗﻪ ﻛﺎﻧت ﻧﺻ ارً ،وأن إﻣﺎرﺗﻪ ﻛﺎﻧت رﺣﻣﺔ ،وﻟﻘد ﻛﻧﺎ ﻣﺎ
ﻧﺻﻠﻲ ﻋﻧد اﻟﻛﻌﺑﺔ ﺣﺗﻰ أﺳﻠم ﻋﻣر ،ﻓﻠﻣﺎ أﺳﻠم ﻗﺎﺗل ﻗرﯾش ﺣﺗﻰ ﺻﻠﻰ ﻋﻧد اﻟﻛﻌﺑﺔ
وﺻﻠﯾﻧﺎ ﻣﻌﻪ " .وروي ﻋن ﺻﻬﯾب أﻧﻪ ﻗﺎل " :ﻟﻣﺎ أﺳﻠم ﻋﻣر ظﻬر اﻹﺳﻼم ،ودﻋﺎ
إﻟﯾﻪ ﻋﻼﻧﯾﺔ ،وﺟﻠﺳﻧﺎ ﺣول اﻟﺑﯾت ﺣﻠﻘﺎ ،وطﻔﻧﺎ ﺑﺎﻟﺑﯾت ،واﻧﺗﺻﻔﻧﺎ ﻣﻣن ﻏﻠظ
ﻋﻠﯾﻧﺎ ،ورددﻧﺎ ﻋﻠﯾﻪ ﺑﻌض ﻣﺎ ﯾﺄﺗﻲ ﻣﻧﻪ".
53
ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم) :ﻻ ﺗﻧﻘـطﻊ اﻟﻬﺟرة ﺣﺗﻰ ﺗﻧﻘطﻊ اﻟﺗوﺑﺔ ،وﻻ ﺗﻧﻘطﻊ اﻟﺗوﺑـﺔ
ﺣﺗﻰ ﺗطﻠﻊ اﻟﺷﻣس ﻣن ﻣﻐرﺑﻬﺎ( رواﻩ أﺑو داود.
واﻟﻬﺟــرة ﻋﻠﻰ ﻧوﻋﯾن:
ﻫﺟرة واﺟﺑﺔ :وذﻟك ﺣﯾن ﻻ ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻟﻣرء إظﻬﺎر ٕواﻗﺎﻣﺔ واﺟﺑﺎت دﯾﻧﻪ.
ﯾم ُﻛﻧﺗُ ْم ﻗَﺎﻟُوا ُﻛ ﱠﻧﺎ ِ ِ ِِ ِ
ﺎﻫ ُم ا ْﻟ َﻣﻼﺋ َﻛ ُﺔ ظَﺎﻟﻣﻲ أَﻧﻔُﺳ ِﻬ ْم ﻗَﺎﻟُوا ﻓ َ ﯾن ﺗََوﻓﱠ ُ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) :إِ ﱠن اﻟﱠ ِذ َ
ﯾﻬﺎ ﻓَﺄ ُْوﻟَ ِﺋ َك َﻣﺄ َْو ُ
اﻫ ْم ِ ِ ِ
ض اﻟﻠﱠﻪ َواﺳ َﻌ ًﺔ ﻓَﺗُ َﻬﺎ ِﺟ ُروا ﻓ َ
ض ﻗَﺎﻟُوا أَﻟَ ْم ﺗَ ُﻛ ْن أ َْر ُ ﯾن ِﻓﻲ اﻷ َْر ِ
ﺿ َﻌ ِﻔ َ
ﺳﺗَ ْ
ُﻣ ْ
ﯾر ( .وﻫذا وﻋﯾد ﺷدﯾد ﯾدل ﻋﻠﻰ اﻟوﺟوب. ﺻ ًا ﺟﻬ ﱠﻧم وﺳﺎء ْت ﻣ ِ
ََ ُ َ َ َ َ
ﻫﺟرة ﻣﺳﺗﺣﺑﺔ :وﺗﻛون ﻟﻣن ﯾﻘدر ﻋﻠﯾﻬﺎ ،ﻟﻛﻧﻪ ﻣﺗﻣﻛن ﻣن إظﻬﺎر دﯾﻧﻪ.
س : 41ﻣﺗﻰ ﻛﺎﻧت ﻫﺟرة اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻷوﻟﻰ إﻟﻰ اﻟﺣﺑﺷﺔ ؟ وﻣﺎ أﺳﺑﺎﺑﻬﺎ ؟
وﻫل ﺑﻘوا ﺑﻬﺎ ؟
ج : 41ﻛﺎﻧت ﻓﻲ ﺷﻬر رﺟب ﻣن اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ ﺣﯾث ﻫﺎﺟر أول ﻓوج
ﻣن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﺑﺄﻣر ﻣن اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ اﻟﺣﺑﺷﺔ .وﻛﺎﻧوا اﺛﻧﻲ
ﻋﺷر رﺟﻼً وأرﺑﻊ ﻧﺳﺎء ،رﺋﯾﺳﻬم ﻋﺛﻣﺎن ﺑن ﻋﻔﺎن وﻣﻌﻪ زوﺟﺗﻪ رﻗﯾﺔ ﺑﻧت رﺳول
اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم.
وﻗد ﻫﺎﺟر اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟﺗزاﯾد أذى ﻗرﯾش وﺗﻌذﯾﺑﻬﺎ ﻟﻬم ،وﻋدم ﻗدرﺗﻬم ﻋﻠﻰ
اﻟدﻓﺎع ﻋن أﻧﻔﺳﻬم ﻟﻘﻠﺔ ﻋددﻫم ،وﻷن اﻟﻘﺗﺎل ﻛﺎن ﻣﻣﻧوﻋﺎً ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ؛ ﻓﺧرﺟوا
إﻟﻰ اﻟﺣﺑﺷﺔ ﻓ ار ارً ﺑدﯾﻧﻬم ،وﻧﺟﺎة ﻷﻧﻔﺳﻬم .ﻓﻛﺎﻧت ﻫﺟرة إﻟﻰ أرض أﻣن وﺳﻼم ﻻ
ﻫﺟرة إﻟﻰ أرض إﯾﻣﺎن ﻛﻬﺟرﺗﻬم ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .
54
وﻣﻛث اﻟﻣﻬﺎﺟرون اﻷول ﻓﻲ اﻟﺣﺑﺷﺔ أﺷﻬر رﺟب ،وﺷﻌﺑﺎن ،ورﻣﺿﺎن ،ﺛم ﻋﺎدوا إﻟﻰ
ﻣﻛﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧوا ﺑﺷوق إﻟﯾﻬﺎ .وﺳﺑب ﻋودﺗﻬم ﻣﺎ ﺑﻠﻐﻬم ﻣن أﺧﺑﺎر ﺑﺄن ﻗرﯾﺷﺎ ﻗد
أﺳﻠﻣت ،ﻓﻌﺎدوا ﻓﻲ ﺷوال .وﻟﻣﺎ اﻗﺗرﺑوا ﻣن ﻣﻛﺔ ﺗﺑﯾن ﻟﻬم أن أﺧﺑﺎر إﺳﻼم ﻗرﯾش ﻟم
ﺗﻛن ﺻﺣﯾﺣﺔ ،وأن ﻗرﯾش ﺑﻘﯾت ﻋﻠﻰ ﻛﻔرﻫﺎ وﺗﻌذﯾﺑﻬﺎ ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ،ﻓرﺟﻊ ﺑﻌﺿﻬم إﻟﻰ
اﻟﺣﺑﺷﺔ .ودﺧل ﺑﻌﺿﻬم ﻣﻛﺔ ﻣﺳﺗﺧﻔﯾﺎً أو ﻓﻲ ﺟوار رﺟل ﻣن ﻗرﯾش
55
س : 42ﻣﺗﻰ ﻛﺎﻧت اﻟﻬﺟرة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺣﺑﺷﺔ ؟
56
س : 43ﻣﺎ ﻣوﻗف ﻗرﯾش ﻣن اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن؟
ج : 43ﻋز ﻋﻠﻰ ﻗرﯾش أن ﯾﻌﯾش أﺻﺣﺎب ﻣﺣﻣد ﻓﻲ اﻟﺣﺑﺷﺔ آﻣﻧﯾن ﻣطﻣﺋﻧﯾن.
ﻗﺎﻟت أم ﺳﻠﻣﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ " :ﻟﻣﺎ ﻧزﻟﻧﺎ أرض اﻟﺣﺷﺔ ﺟﺎورﻧﺎ ﺑﻬﺎ ﺧﯾر ﺟﺎر
اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ .أﻣﻧﺎ ﻋﻠﻰ دﯾﻧﻧﺎ ،وﻋﺑدﻧﺎ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ ﻧؤذى وﻻ ﻧﺳﻣﻊ ﺷﯾﺋﺎً ﻧﻛرﻫﻪ".
ﻟﻣﺎ ﻋﻠﻣت ﻗرﯾش ﺑذﻟك إﺋﺗﻣروا ﺑﯾﻧﻬم أن ﯾﺑﻌﺛوا إﻟﻰ اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ رﺟﻠﯾن ﻣﺣﻣﻠﯾن
ﺑﺎﻟﻬداﯾﺎ ﻟﻪ وﻟﻠﺑطﺎرﻗﺔ؛ ﻟﯾرد اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ،واﺧﺗﺎرت ﻗرﯾش ﻟﻬذﻩ اﻟﻣﻬﻣﺔ
ﻋﻣرو ﺑن اﻟﻌﺎص ،وﻋﺑداﷲ ﺑن أﺑﻲ رﺑﯾﻌﺔ اﻟﻠذﯾن اﻟﺗﻘﯾﺎ ﺑﺎﻟﻧﺟﺎﺷﻲ ،وﻗدﻣﺎ ﻟﻪ
وﻟﻠﺑطﺎرﻗﺔ اﻟﻬداﯾﺎ واﻟﺗﺣف ﻻﺳﺗﻣﺎﻟﺗﻬم ﻟﺗﺣﻘﯾق ﻣطﺎﻟﺑﻬم ) رﺷوة ( .وﻟﻣﺎ ﻋرض
اﻟوﻓد اﻟﻘرﺷﻲ اﻷﻣر ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ طﻠب اﻟﻠﻘﺎء ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻟﯾﺳﻣﻊ ﻣﻧﻬم ،ﻓﺣﺿروا
ﯾرأﺳﻬم ﺟﻌﻔر ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب اﻟذي ﺗﻛﻠم أﻣﺎم اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ ،وأوﺿﺢ ﻟﻪ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣﺣﻣد
ورﺳﺎﻟﺗﻪ .وﺣﻘﯾﻘﺔ ﻫذا اﻟدﯾن وﻣﺎ ﯾدﻋوﻫم إﻟﯾﻪ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وﻣﺎ
ﻓﻌﻠﻪ ﻗوﻣﻬم ﺑﻬم .وﻗ أر ﻋﻠﯾﻪ ﺻدر ﺳورة ﻣرﯾم ،ﻓﺑﻛﻰ اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ واﻷﺳﺎﻗﻔﺔ ،وﻗﺎل
اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ :إن ﻫذا واﻟذي ﺟﺎء ﺑﻪ ﻋﯾﺳﻰ ﯾﺧرج ﻣن ﻣﺷﻛﺎة واﺣدة" ،ورﻓض ﺗﺳﻠﯾم
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻟﻌﻣرو وﺻﺎﺣﺑﻪ.ﻓﺎﺣﺗﺎل ﻋﻣرو ﺑن اﻟﻌﺎص ﻓﻲ اﻟﻐد ﺣﯾﻠﺔ ،وﻗﺎل ﻟﻠﻧﺟﺎﺷﻲ:
إن ﻫؤﻻء ﯾﻘوﻟون ﻓﻲ ﻋﯾﺳﻰ ﻗو ًﻻ ﻋظﯾﻣﺎً .ﻓﺄرﺳل إﻟﯾﻬم اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ وﺳﺄﻟﻬم :ﻣﺎ
ﺗﻘوﻟون ﻓﻲ ﻋﯾﺳﻰ؟ ﻓﻘﺎل ﺟﻌﻔر :ﻧﻘول ﻓﯾﻪ اﻟذي ﺟﺎء ﺑﻪ ﻧﺑﯾﻧﺎ ،ﻫو ﻋﺑداﷲ وروﺣﻪ
وﻛﻠﻣﺗﻪ أﻟﻘﺎﻫﺎ إﻟﻰ ﻣرﯾم اﻟﻌذراء واﻟﺑﺗول .ﻓﺄﺧذ اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ ﻋوداً ﻣن اﻷرض وﻗﺎل :
ﻣﺎﻋدا ﻋﯾﺳﻰ ﻣﺎ ﻗﻠت ﻗدر ﻫذا اﻟﻌود .ﻓﺄﻋطﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻷﻣﺎن ،ﻓﻌﺎﺷوا ﻓﻲ أرﺿﻪ
ﺣﺗﻰ ﻋﺎدوا ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺳﺎﺑﻌﺔ ﻣن اﻟﻬﺟرة ﻛﻣﺎ أﺳﻠﻔت .وﻓﺷﻠت ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻗرﯾش ﻫذﻩ
وأﺳﻠم اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ،وﺛﺑت اﷲ ﻟﻪ ﻣﻠﻛﻪ ،وﻧﺻرﻩ اﷲ ﻋﻠﻰ ﻣن .
57
ﻋﺎرﺿﻪ ﺑﺳب إﺳﻼﻣﻪ ،ورد ﻫداﯾﺎ ﻗرﯾش وﻗﺎل :واﷲ ﻣﺎ أﺧذ اﷲ ﻣﻧﻲ اﻟرﺷوة ﺣﯾن
رد ﻋﻠﻲ ﻣﻠﻛﻲ ﻓﺂﺧذﻫﺎ ﻓﯾﻪ ،وﻣﺎ أطﺎع اﻟﻧﺎس ﻓﻲ ﻓﺄطﯾﻌﻬم ﻓﯾﻪ .وﺗوﻓﻲ اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ
واﺳﻣﻪ أﺻﺣﻣﺔ ﺑن أﺑﺟر ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺗﺎﺳﻌﺔ ﻣن اﻟﻬﺟرة ،وﺻﻠﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟرﺳول -
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﺻﻼة اﻟﻐﺎﺋب.
إزء ذﻟك ؟
س : 44ﻣﺎذا ﻓﻌﻠت ﻗرﯾش ا
58
ﺳﻧوات ﺑدءاً ﻣن ﻫﻼل اﻟﻣﺣرم ﺳﻧﺔ ﺳﺑﻊ ﻟﻠﺑﻌﺛﺔ وأﺷﺗد ﻋﻠﯾﻬم اﻟﺣﺻﺎر ،وﺣرﻣوا
اﻟطﻌﺎم ﻷن اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﯾﺑﺎدرون إﻟﻰ ﺷراﺋﻪ ﺑﺄﻋﻠﻰ اﻷﺛﻣﺎن ،وﻟم ﯾﻛن ﯾﺄﺗﯾﻬم ﺷﻲء
ﻣن اﻟطﻌﺎم واﻟﻛﺳﺎء إﻻ ﺧﻔﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﺟﻬد اﻟﻣﺣﺎﺻرون وأﻛﻠوا اﻟﺟﻠود وأوراق اﻟﺷﺟر
وﺳﻣﻊ ﺻوت اﻟﻧﺳﺎء واﻟﺻﺑﯾﺎن ﯾﺗﺿﺎﻏون ﻣن ﺷدة اﻟﺟوع .وﻛﺎﻧوا ﻻ ﯾﺧرﺟون ﻣن
اﻟﺷﻌب إﻻ ﻓﻲ اﻷﺷﻬر اﻟﺣرم ﺧوﻓﺎً ﻣن اﻟﻘﺗل واﻷذى .وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﺧرج ﻓﻲ
اﻷﺷﻬر اﻟﺣرم ﯾدﻋو اﻟﻘﺎدﻣﯾن إﻟﻰ ﻣﻛﺔ إﻟﻰ اﻹﺳﻼم.
وﻣرت ﺛﻼﺛﺔ أﻋوام ﻛﺎﻣﻠﺔ وﻓﻲ اﻟﻣﺣرم ﻣن اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻌﺎﺷرة ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ ﻧﻘﺿت
اﻟﺻﺣﯾﻔﺔ ﺣﯾث اﺟﺗﻣﻊ ﺑﻌض رﺟﺎل ﻗرﯾش ﻣﻧﻬم زﻫﯾر ﺑن اﺑﻲ أﻣﯾﻪ
اﻟﻣﺧزوﻣﻲ،وﻫﺷﺎم ﺑن ﻋﻣرو،واﻟﻣطﻌم ﺑن ﻋدي ،واﻟﺑﺧﺗري ﺑن ﻫﺷﺎم وﻏﯾرﻫم ﻣﻣن
ﻟم ﯾﻛن راﺿﯾﺎً ﻋن اﻟﺻﺣﯾﻔﺔ واﻟﻣﻘﺎطﻌﺔ .وﺗوﺟﻪ ﻫؤﻻء إﻟﻰ اﻟﺣرم وﺗﻛﻠﻣوا ﻣﻊ ﻣن
ﻛﺎن ﻓﯾﻪ ﻋن ﻫذﻩ اﻟﺻﺣﯾﻔﺔ اﻟظﺎﻟﻣﺔ ،وطﺎﻟﺑوا ،ﺑﻧﻘﺿﻬﺎ ،وﻋﺎرض أﺑو ﺟﻬل ﺑﺷدة
،وﻛﺎن أﺑو طﺎﻟب ﺣﺎﺿ ارً ﻓﻲ ﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻣﺳﺟد .وﻛﺎن اﷲ ﻗد أطﻠﻊ ﻧﺑﯾﻪ ﻋﻠﻰ أﻣر
اﻟﺻﺣﯾﻔﺔ ،وأﻧﻪ أرﺳل ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻷرﺿﺔ ﻓﺄﻛﻠت ﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ ﻣن ﺟور وﻗطﯾﻌﺔ وﻟم ﯾﺑق ﻣﻧﻬﺎ
إﻻ ﺑﺎﺳﻣك اﻟﻠﻬم .وأﺧﺑر رﺳول اﷲ ﻋﻣﻪ ﺑذﻟك .وﻟم ﯾﻛن أﺣد ﯾﻌﻠم ﺑﺄﻣر اﻟﺻﺣﯾﻔﺔ
اﻟﻣﻌﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﺟوف اﻟﻛﻌﺑﺔ ﻏﯾرﻫﻣﺎ .ﻓﺟﺎء أﺑو طﺎﻟب إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺟد وﻫو ﻣﻧﻬك ﻣن آﻻم
اﻟﺣﺻﺎر .وﻟﻣﺎ ﺣدث اﻟﻧﻘﺎش ﺣول اﻟﺻﺣﯾﻔﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﻌﺎرﺿﯾن واﻟﻣؤﯾدﯾن ،وارﺗﻔﻌت
اﻷﺻوات ﺟﺎء أﺑو طﺎﻟب وأﺧﺑرﻫم ﺑﻣﺎ ﻗﺎل ﻣﺣﻣد ﻋن اﻟﺻﺣﯾﻔﺔ .وﻗﺎل ﻟﻘرﯾش :إن
ﻛﺎن ﻣﺣﻣد ﻛﺎذﺑﺎً ﺧﻠﯾﻧﺎ ﺑﯾﻧﻛم وﺑﯾﻧﻪٕ ،وان ﻛﺎن ﺻﺎدﻗﺎً رﺟﻌﺗم ﻋن ﻗطﯾﻌﺗﻧﺎ وظﻠﻣﻧﺎ.
ﻗﺎﻟوا :ﻗد أﻧﺻﻔت .وﻟﻣﺎ ﻗﺎﻣوا إﻟﻰ اﻟﺻﺣﯾﻔﺔ ﻓﻲ ﺟوف اﻟﻛﻌﺑﺔ وﺟدوﻫﺎ ﻛﻣﺎ ﻗﺎل
رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وأن اﻷرﺿﺔ ﻗد أﻛﻠﺗﻬﺎ إﻻ :ﺑﺎﺳﻣك اﻟﻠﻬم.
59
ﻧﻘﺿت اﻟﺻﺣﯾﻔﺔ ،وﺧرج اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻣن ﻣﻌﻪ ﻣن اﻟﺷﻌب .وﻓﻲ
آﯾﺔ ُﯾ ْﻌ ِر ُ
ﺿوا َوَﯾﻘُوﻟُوا ﻫذا دﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﺻدق ﻧﺑوﺗﻪ ،وﻟﻛن ﻛﻣﺎ ﻗﺎل اﷲٕ َ " :وِا ْن َﯾ َر ْوا َ
ﺳﺗَ ِﻣ ّر " ِ
ﺳ ْﺣر ُﻣ ْ
ج :45اﺳﺗﻣر اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ اﻟدﻋوة ،واﺳﺗﻣر أﺑو طﺎﻟب ﻓﻲ
ﻧﺻرﺗﻪ وﺣﻣﺎﯾﺗﻪ ﻟﻣﺣﻣد ،واﺳﺗﻣرت ﻗرﯾش ﻓﻲ ﻛﻔرﻫﺎ وﺻدﻫﺎ ﻋن دﻋوة ﻣﺣﻣد
واﺿطﻬﺎدﻫﺎ ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن.
وﻛﺎن أﺑو طﺎﻟب ﻗد ﺟﺎوز اﻟﺛﻣﺎﻧﯾن ﻣن ﻋﻣرﻩ ،وﻗد ﺧرج ﻣن اﻟﺣﺻﺎر ﻣرﯾﺿﺎً
ﻣﺗﻌﺑﺎً،واﺷﺗد ﺑﻪ اﻟﻣرض .وﻟﻣﺎ ﺣﺿرﺗﻪ اﻟوﻓﺎة دﺧل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم وﻋﻧدﻩ أﺑو ﺟﻬل ﻓﻘﺎل :أي ﻋم ﻗل ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ ،ﻛﻠﻣﺔ أﺣﺎج ﻟك ﺑﻬﺎ ﻋﻧد
اﷲ .ﻓﻘﺎل أﺑو ﺟﻬل ﯾﺎ أﺑﺎ طﺎﻟب :ﺗرﻏب ﻋن ﻣﻠﺔ ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب .ﻓﻠم ﯾزل ﯾﻛﻠﻣﻪ ﺣﺗﻰ
ﻛﺎن آﺧر ﻛﻼﻣﻪ :ﺑل ﻋﻠﻰ ﻣﻠﺔ ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب .وﻣﺎت ﻓﻲ رﺟب ﻣن اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻌﺎﺷرة
ﻟﻠﺑﻌﺛﺔ ،وﺣزن اﻟرﺳول ﻛﺛﯾ ارً ﻋﻠﻰ وﻓﺎﺗﻪ وﻗﺎل :ﻷﺳﺗﻐﻔرن ﻟك ﻣﺎ ﻟم أﻧﻪ ﻋﻧك ،ﻓﻧزل
ﺷ ِرِﻛ َ
ﯾن َوﻟَ ْو َﻛﺎ ُﻧواْ أ ُْوﻟِﻲ ﺳﺗَ ْﻐ ِﻔ ُرواْ ﻟِ ْﻠ ُﻣ ْ
آﻣ ُﻧواْ أَن َﯾ ْ ﺎن ِﻟﻠ ﱠﻧ ِﺑ ﱢﻲ َواﻟﱠ ِذ َ
ﯾن َ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰَ " :ﻣﺎ َﻛ َ
ﺎب ا ْﻟ َﺟ ِﺣ ِﯾم " .وﺟﺎء اﻟﻌﺑﺎس ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب ﻗُ ْرَﺑﻰ ِﻣن َﺑ ْﻌ ِد َﻣﺎ ﺗََﺑﯾ َ
ﱠن ﻟَ ُﻬ ْم أَﱠﻧ ُﻬ ْم أ ْ
َﺻ َﺣ ُ
ﻋم رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻫو ﻻ ﯾزال ﻣﺷرﻛﺎً ﻓﻘﺎل :ﯾﺎ ﻣﺣﻣد ﻣﺎ أﻏﻧﯾت ﻋن ﻋﻣك
ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﯾﺣوطك وﯾﻐﺿب ﻟك؟ ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :ﻫو ﻓﻲ ﺿﺣﺿﺎح ﻣن ﻧﺎر ،وﻟوﻻ
أﻧﺎ ﻟﻛﺎن ﻓﻲ اﻟدرك اﻷﺳﻔل ﻣن اﻟﻧﺎر" رواﻩ اﻟﺑﺧﺎري.
60
وﻓﻲ رﻣﺿﺎن ﻣن اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻌﺎﺷرة ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ أي ﺑﻌد وﻓﺎة أﺑﻲ طﺎﻟب ﺑﺛﻼﺛﺔ أﺷﻬر
ﺗوﻓﯾت ﺧدﯾﺟﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ .وﻛﺎﻧت ﻗد ﺧرﺟت ﻣن اﻟﺷﻌب ﻣرﯾﺿﺔ ﻗد ﺟﺎوزت
اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ واﻟﺳﺗﯾن ﻣن اﻟﻌﻣر .وﺣزن رﺳول اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -أﺷد
اﻟﺣزن وأﻣرﻩ ،وﺑﻛﻰ ﻋﻠﻰ ﻓراق ﺧدﯾﺟﺔ -رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ .ﺧدﯾﺟﺔ اﻟزوﺟﺔ
اﻟﺻﺎﻟﺣﺔ .ﺧدﯾﺟﺔ اﻟﻣؤﻣﻧﺔ اﻷوﻟﻲ ﺻﺎﺣﺑﺔ اﻟﻣواﻗف اﻟﻌظﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﻧﺻرة اﻟرﺳول -
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -اﻟذي ﻛﺎن ﯾﺟد ﻣن أذى ﻗرﯾش ﻣﺎ ﯾﺟد طوال ﯾوﻣﻪ ،ﻓﺈذا
ﻋﺎد إﻟﻰ ﺑﯾﺗﻪ وﺟد ﺧدﯾﺟﺔ ﺗﺧﻔف ﻋﻧﻪ ،وﺗﻣﺳﺢ ﻋﻧﻪ آﻻﻣﻪ وﻫﻣوﻣﻪ ،وﺗﺳﻠﯾﻪ
وﺗواﺳﯾﻪ ،وﺗﺟدد ﻋزﻣﻪ ،ﻓرﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ،وﺟزاﻫﺎ اﷲ ﻋﻧﺎ وﻋن اﻹﺳﻼم ﺧﯾر
اﻟﺟزاء .روى اﻟﺑﺧﺎري ﻓﻲ ﺻﺣﯾﺣﻪ ﻋن أﺑﻲ ﻫرﯾرة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻗﺎل" :أﺗﻰ ﺟﺑرﯾل
اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻘﺎل :ﯾﺎ رﺳول اﷲ ﻫذﻩ ﺧدﯾﺟﺔ ﻗد أﺗت ﻣﻌﻬﺎ إﻧﺎء ﻓﯾﻪ
إدام أو طﻌﺎم أو ﺷراب ،ﻓﺈذا ﻫﻲ أﺗﺗك ﻓﺄﻗ أر ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﺳﻼم ﻣن رﺑﻬﺎ وﺑﺷرﻫﺎ ﺑﺑﯾت
ﻓﻲ اﻟﺟﻧﺔ ﻣن ﻗﺻب ،ﻻ ﺻﺧب ﻓﯾﻪ وﻻ ﻧﺻب".
وﺳﻣﻲ ﻫذا اﻟﻌﺎم ﺑﻌﺎم اﻷﺣزان اﻟﺗﻲ ﺗراﻛﻣت ﻋﻠﻰ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
وﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌد وﻓﺎة ﺧدﯾﺟﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ وﻋﻣﻪ أﺑﻲ طﺎﻟب .ﻓﻘد ﻛﺎﻧﺎ أﻋظم ﻣن
ﯾﺣوطﻪ وﯾﻧﺻرﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم.
ج :46اﺷﺗد أذى ﻗرﯾش ﻟﻠرﺳول -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﺑﻌد وﻓﺎة أﺑﻲ طﺎﻟب،
وﺗﺟرأت ﻋﻠﯾﻪ ﺣﺗﻰ اﻟﺳﻔﻬﺎء .وﻧﺎﻟت ﻣﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن اﻷذي ﻣﺎ ﻟم
61
ﺗطﻣﻊ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺣﯾﺎة أﺑﻲ طﺎﻟب ﺣﺗﻰ ﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم " :ﻣﺎ ﻧﺎﻟت ﻣﻧﻲ ﻗرﯾش ﺷﯾﺋﺎً
أﻛرﻫﻪ ﺣﺗﻰ ﻣﺎت أﺑو طﺎﻟب" .
س :47ﻫل ﺗزوج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻌد وﻓﺎة ﺧدﯾﺟﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ؟
ج :47ﻧﻌم ﻓﻘد ﺗزوج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﺷوال ﻣن اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻌﺎﺷرة ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ ﺑﺳودة
ﺑﻧت زﻣﻌﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ،وﻛﺎﻧت ﻣﻣن أﺳﻠم ﻗدﯾﻣﺎ ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ اﻟﺳﻛران ﺑن ﻋﻣرو
اﻟذي ﻣﺎت ﻣﻬﺎﺟ ارً ﺑﺄرض اﻟﺣﺑﺷﺔ أو ﺑﻌد اﻟرﺟوع ﻣﻧﻬﺎ ،ﻓﻠﻣﺎ ﺣﻠت ﺧطﺑﻬﺎ رﺳول
اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -وﺗزوﺟﻬﺎ ﻓﻛﺎﻧت أول زوﺟﺔ ﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻌد
ﺧدﯾﺟﺔ.
62
واﻟﺳﻼم -ﻓﻲ ﺷوال ﻣن اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻌﺎﺷرة ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ ﻣﻊ ﻣوﻻﻩ زﯾد ﺑن ﺣﺎرﺛﺔ إﻟﻰ
اﻟطﺎﺋف .وﻟﻣﺎ وﺻﻠﻬﺎ ذﻫب إﻟﻰ ﺳﺎدة ﺛﻘﯾف آﻧذاك وﻫم ﺣﺑﯾب ،وﻋﺑدﯾﺎﻟﯾل ،وﻣﺳﻌود
أﺑﻧﺎء ﻋﻣرو ﺑن ﻋﻣﯾر اﻟﺛﻘﻔﻲ ،وﻋرض ﻋﻠﯾﻬم اﻹﺳﻼم ،ﻓﻠم ﯾﻘﺑﻠوا ﻣﻧﻪ ،وﺳﺧروا
ﻣﻧﻪ -ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،ﻓطﻠب ﻣﻧﻬم أن ﯾﻛﺗﻣوا ﻋﻧﻪ ﻣﺎ دار ﺑﯾﻧﻬم ﻣن ﺣدﯾث ﺣﺗﻰ ﻻ
ﯾﺛﯾروا ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻧﺎس .وأﻗﺎم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ اﻟطﺎﺋف ﻋﺷرة أﯾﺎم ﻻ ﯾدع أﺣداً إﻻ دﻋﺎﻩ
،وﻟﻛﻧﻬم رﻓﺿوا دﻋوﺗﻪ ،وﻛرﻫوا ﻣﻘﺎﻣﻪ ﺑﯾﻧﻬم ﻓﺄﻏروا ﺑﻪ اﻟﺳﻔﻬﺎء واﻟﻌﺑﯾد اﻟذﯾن
ﺗﻌرﺿوا ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺳب واﻷذى واﻟرﺟم ﺣﺗﻰ أﺧرﺟوﻩ وزﯾداً وأﻟﺟﺄوﻫﻣﺎ إﻟﻰ ﺑﺳﺗﺎن ﻟﻌﺗﺑﺔ
وﺷﯾﺑﺔ أﺑﻧﺎء رﺑﯾﻌﺔ ،وﻛﺎﻧﺎ ﯾوﻣﻬﺎ ﻓﻲ اﻟطﺎﺋف .وﺟﻠس ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ظل ﺷﺟرة
ف ﻗُّوِﺗﻲ َ ،وِﻗﻠّ َﺔ ِﺣﯾﻠَ ِﺗﻲ ، ﺿ ْﻌ َﺷ ُﻛو َ ﻋﻧب ودﻋﺎ ﺑﺎﻟدﻋﺎء اﻟﻣﺄﺛور" :اﻟﻠّ ُﻬ ّم إ َﻟ ْﯾك أَ ْ
ﯾن َوأَ ْﻧ َت َرّﺑﻲ ،إﻟَﻰ ﺿ َﻌ ِﻔ َ
ﺳﺗَ ْب ا ْﻟ ُﻣ ْ
ﯾن ! أَ ْﻧ َت َر ّاﺣ ِﻣ َﺎس ،ﯾﺎ أَرﺣم اﻟر ِ
َو َﻫ َواﻧﻲ َﻋﻠَﻰ اﻟ ّﻧ ِ َ ْ َ َ ّ
ِ
وأﺷﻔق ﻋﺗﺑﺔ وﺷﯾﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺣﻣد ﻓﺄرﺳﻼ ﻏﻼﻣﻬﻣﺎ ﻋداس ﺑﺷﻲء ﻣن ﻋﻧب اﻟﺑﺳﺗﺎن
ﻓﻠﻣﺎ أراد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻷﻛل ﻗﺎل :ﺑﺳم اﷲ ..ﻓﺗﻌﺟب ﻋداس ﻣن ﻫذﻩ اﻟﻛﻠﻣﺔ اﻟﺗﻲ
ﻻ ﯾﻘوﻟﻬﺎ أﺣد .ﻓﺄﺧﺑرﻩ اﻟرﺳول ﺑﺄﻧﻪ ﻧﺑﻲ ﻓﺄﺧذ ﻋداس ﯾﻘﺑل رأس اﻟﻧﺑﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
وﯾدﯾﻪ وﻗدﻣﯾﻪ.
ﺛم ﻋﺎد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺎﺗﺟﺎﻩ ﻣﻛﺔ .وﻟﻣﺎ ﺑﻠﻎ ﻗرن اﻟﺛﻌﺎﻟب -ﻗرن اﻟﻣﻧﺎزل أو اﻟﺳﯾل
اﻟﻛﺑﯾر اﻟﯾوم -ﺑﻌث اﷲ إﻟﯾﻪ ﺟﺑرﯾل وﻣﻌﻪ ﻣﻠك اﻟﺟﺑﺎل ﻓﻲ ﺳﺣﺎﺑﺔ ﻓﻘﺎل :ﯾﺎ ﻣﺣﻣد إن
63
ﺷﺋت أن أطﺑق ﻋﻠﯾﻬم اﻻﺧﺷﺑﯾن "ﻓﻘﺎل :ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :ﺑل أرﺟوا أن ﯾﺧرج اﷲ ﻣن
أﺻﻼﺑﻬم ﻣن ﯾﻌﺑد اﷲ وﺣدﻩ وﻻ ﯾﺷرك ﺑﻪ ﺷﯾﺋﺎً".
وﻟﻣﺎ وﺻل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وادي ﻧﺧﻠﺔ ﻗرب ﻣﻛﺔ أﻗﺎم ﺑﻬﺎ أﯾﺎﻣﺎً ﺑﻌث اﷲ إﻟﯾﻪ ﺧﻼﻟﻬﺎ
ﻧﻔ ارً ﻣن اﻟﺟن إﺳﺗﻣﻌوا إﻟﻰ ﻗراءﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﺂﻣﻧوا ﺑﻪ ،ﺛم اﻧﺻرﻓوا إﻟﻰ
ﻗوﻣﻬم ﯾدﻋوﻧﻬم إﻟﻰ ﻣﺎ ﺳﻣﻌوﻩ ﻣن اﻟﺣق .وﺑﻌد أﯾﺎم دﺧل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻣﻛﺔ
64
،ﺛم ﻋرج ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺳﻣﺎء اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ ﻓرأى ﻓﯾﻬﺎ ﻫﺎرون ،ﺛم ﻋرج ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺳﻣﺎء
اﻟﺳﺎدﺳﺔ ﻓرأى ﻓﯾﻬﺎ ﻣوﺳﻰ ،ﺛم ﻋرج ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺳﻣﺎء اﻟﺳﺎﺑﻌﺔ ﻓﻠﻘﻲ ﻓﯾﻬﺎ إﺑراﻫﯾم ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ،وﻛل اﻷﻧﺑﯾﺎء اﻟذﯾن ﻟﻘﯾﻬم ﯾﺳﻠم ﻋﻠﯾﻬم ،وﯾردون ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺗﺣﯾﺔ ،وﯾﻘرون ﻟﻪ
ﺑﺎﻟﻧﺑوة .ﺛم أﺗﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺳدرة اﻟﻣﻧﺗﻬﻰ ،وﻫﻧﺎك أرى ﺟﺑرﯾل ﻋﻠﻰ ﺻورﺗﻪ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ
وﻟﻪ ﺳﺗﻣﺎﺋﺔ ﺟﻧﺎح .ﺛم رﻓﻊ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻟﻰ ﻣﺎ ﻓوق ﺳدرة اﻟﻣﻧﺗﻬﻰ إﻟﻰ ﻣﻛﺎن ﻟم
ﯾﺻﻠﻪ وﯾﺑﻠﻐﻪ ﻧﺑﻲ ﻣرﺳل وﻻ ﻣﻠك ﻣﻘرب .وﻫﻧﺎك ﻛﻠﻣﻪ رﺑﻪ ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ،وأﻋطﺎﻩ ﻣﺎ
65
أﻋطﺎﻩ ،وﻓرﺿت ﻋﻠﯾﻪ وﻋﻠﻰ أﻣﺗﻪ اﻟﺻﻼة .وﻛﺎﻧت ﺧﻣﺳﯾن ﺻﻼة ﻓﻲ اﻟﯾوم واﻟﻠﯾﻠﺔ ،
ﺛم ﺧﻔﺿت إﻟﻰ ﺧﻣس ﺻﻠوات ﻓﻲ اﻟﯾوم واﻟﻠﯾﻠﺔ.
أﻣﺎ رؤﯾﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻟرﺑﻪ ﻟﯾﻠﺔ اﻟﻣﻌراج ﻓﻠم ﺗﺛﺑت .ﻓﻘد روى ﻣﺳﻠم ﻋن أﺑﻲ ذر
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻗﺎل :ﻗﻠت :ﯾﺎ رﺳول اﷲ ﻫل رأﯾت رﺑك؟ ﻗﺎل :ﻧور أﻧﻰ أراﻩ.
ورأى ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟرﺣﻠﺔ ﻣن آﯾﺎت رﺑﻪ ﻣﺎ أرى .ورأى اﻟﺟﻧﺔ واﻟﻧﺎر " ﻟَﻘَ ْد
آﯾﺎت َرّﺑﻪ ا ْﻟ ُﻛ ْﺑ َرى" .ﺛم ﻋﺎد -ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم -وﺑﺻﺣﺑﺗﻪ ﺟﺑرﯾل إﻟﻰ ﺑﯾت ِ
َأرَى ﻣ ْن َ
اﻟﻣﻘدس وﻣﻧﻪ إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ﻗﺑﯾل اﻟﻔﺟر.
ج : 51ﻟﻣﺎ ﻏدا ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺟد ﻟﯾﺧﺑر ﻗوﻣﻪ ﺑﻬذﻩ اﻟﺣﺎدﺛﺔ.وأﺻﺑﺢ -
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم -ﻣﻬﻣوﻣﺎً ﺧﺷﯾﺔ أن ﯾﻛذﺑﻪ ﻗوﻣﻪ .ﻓﺟﻠس إﻟﻰ ﺟوار اﻟﻛﻌﺑﺔ ﺻﺎﻣﺗﺎً
ﻣطرﻗﺎً ﯾﻔﻛر ﻛﯾف ﯾﺧﺑر ﻗوﻣﻪ .ﻓﻣر ﺑﻪ أﺑو ﺟﻬل ورآﻩ ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﺣﺎل ﻓﻘﺎل
ﻣﺳﺗﻬزﺋﺎً :ﯾﺎ ﻣﺣﻣد ﻫل ﻣن ﺧﺑر؟ ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :ﻧﻌم .ﻗﺎل أﺑو ﺟﻬل :وﻣﺎ
ذاك؟ ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :ﻟﻘد أﺳري ﺑﻲ اﻟﻠﯾﻠﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺟد اﻷﻗﺻﻰ .ﻗﺎل أﺑو ﺟﻬل:
وأﺻﺑﺣت ﺑﯾن ظﻬراﻧﯾﻧﺎ؟ ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :ﻧﻌم .ﻓﺗﻌﺟب أﺑو ﺟﻬل ورآﻫﺎ ﻓرﺻﺔ
ﺳﺎﻧﺣﺔ ﻓﻘﺎل :أرأﯾت إن دﻋوت ﻟك ﻗوﻣك أﺗﺣدﺛﻬم ﺑﻣﺎ ﺣدﺛﺗﻧﻲ؟ ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم:
ﻧﻌم .ﻓﺄﺧذ أﺑو ﺟﻬل ﯾﻧﺎدي ﯾﺎ آل ﻓﻼن .وﯾﺎ آل ﻓﻼن .ﺣﺗﻰ ﺟﻣﻊ اﻟﻧﺎس ﻓﺄﺧﺑرﻫم
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺣﺎدﺛﺔ اﻹﺳراء .وﻟم ﯾﺧﺑرﻫم ﺑﺎﻟﻣﻌراج ﻓﺗﻌﺟب اﻟﻧﺎس .وأﺧذوا
اء وﺳﺧرﯾﺔ .وطﻠب ﻣﻧﻪ ﻣن رأى اﻟﻣﺳﺟد اﻷﻗﺻﻰ أن
ﯾﺻﻔرون وﯾﺻﻔﻘون اﺳﺗﻬز ً
ﯾﺻﻔﻪ ﻟﻬم ﻓﺟﻼﻩ اﷲ ﻟﻪ ﺣﺗﻰ ﻛﺄﻧﻪ ﯾﻧظر إﻟﯾﻪ ،وﺟﻌل ﯾﺻﻔﻪ ﻟﻬم وﺻﻔﺎً دﻗﯾﻘﺎً
66
ﻓﻘﺎﻟوا :أﻣﺎ اﻟوﺻف ﻓﺻﺎدق ،وأﻣﺎ اﻟواﺻف ﻓﻛﺎذب وﻗﺎﻟوا :واﷲ إﻧﺎ ﻟﻧﺿرب أﻛﺑﺎد
اﻹﺑل إﻟﻰ اﻟﺷﺎم ﺷﻬ ارً ذاﻫﺑﺔ ،وﺷﻬ ارً آﯾﺑﺔ وﯾﺄﺗﯾﻬﺎ ﻣﺣﻣد ﻓﻲ ﻟﯾﻠﺔ! .أﻣﺎ أﺑو ﺑﻛر
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﻌﻧدﻣﺎ أﺧﺑر اﻟﺧﺑر ﺻدﻗﻪ دون ﺗردد وﻗﺎل :واﷲ ﻟﺋن ﻗﺎﻟﻪ ﻟﻘد ﺻدق
ﻓواﷲ إن اﻟﺧﺑر ﻟﯾﺄﺗﯾﻪ ﻣن اﻟﺳﻣﺎء إﻟﻰ اﻷرض ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣن ﻟﯾل أو ﻧﻬﺎر ،وﻫذا
أﺑﻌد ﻣﻣﺎ ﺗﻌﺟﺑون ﻣﻧﻪ .ﺛم أﻗﺑل ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺑﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﺳﺄﻟﻪ وﯾﺻدﻗﻪ .ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم :وأﻧت ﯾﺎ أﺑﺎ ﺑﻛر اﻟﺻدﯾق.
س :52ﻣﺎ أدﻟﺔ ﻛون اﻹﺳراء واﻟﻣﻌراج ﺑﺎﻟروح واﻟﺟﺳد ﻣﻌﺎً ) ﯾﻘظﺔ ﻻ
ﻣﻧﺎﻣﺎ(؟
ج :52ﯾﻘول اﺑن اﻟﻘﯾم :أﺳري ﺑرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺟﺳدﻩ ﻋﻠﻰ
اﻟﺻﺣﯾﺢ ﻣن اﻟﻣﺳﺟد اﻟﺣرام إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺟد اﻷﻗﺻﻰ .وﻣن ﯾﻘ أر اﻵﺛﺎر اﻟﺻﺣﯾﺣﺔ اﻟﺗﻲ
ﺗﺻف ﻫذﻩ اﻟﺣﺎدﺛﺔ ﯾرى أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﯾﻘظﺔ ﻻ ﻣﻧﺎﻣﺎً ﻟﻣﺎ ﺗﺿﻣﻧﺗﻪ ﻫذﻩ اﻵﺛﺎر ﻣن أدﻟﺔ
ﺻرﯾﺣﺔ وﺿﻣﻧﯾﺔ ﺗﺛﺑت أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﺑﺎﻟروح واﻟﺟﺳد ﻣﻌﺎً .وﻣن ﻫذﻩ اﻷدﻟﺔ :
ﺳ ْﺑ َﺣﺎنَ اﻟﱠذِي أَ ْﺳ َرى ﺑِ َﻌ ْﺑ ِد ِه " وﻛﻠﻣﺔ ﺳﺑﺣﺎن ﺗﺷﯾر إﻟﻰ ﻋظﻣﺔ ﻗدرة
-1ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " ُ
اﷲ اﻟذي ﻻ ﯾﻌﺟزﻩ ﺷﻲء .واﻻﻓﺗﺗﺎح ﺑﻬﺎ ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﻓﻲ اﻷﻣور اﻟﻣﺳﺗﺑﻌدة ﻋﺎدة
ﻟﺗﻌﺎظﻣﻬﺎ ،واﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﺄﻟﻔﻬﺎ اﻟﻌﻘول واﻟﻣدارك.
-2ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ "ﺑﻌﺑدﻩ" وﻫذﻩ اﻟﻛﻠﻣﺔ ﻻ ﺗطﻠق ﻓﻲ ﻟﻐﺔ اﻟﻌرب إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟروح واﻟﺟﺳد
ﻣﻌﺎً
67
-3ﺗﻛذﯾب اﻟﻣﺷرﻛﯾن واﺳﺗﻧﻛﺎرﻫم ﻟذﻟك ،وﻟو ﻛﺎﻧت اﻟﺣﺎدﺛﺔ رؤﯾﺎ ﻣﻧﺎﻣﯾﺔ ﻟﻣﺎ أﻧﻛر
أﺣد ذﻟك وﻻ ﻛذﺑﻪ ﻷن اﻷرواح ﻋﺎدة ﺗﺳري إﻟﻰ ﻣﺎ ﻫو أﺑﻌد ﻣن اﻟﻣﺳﺟد
اﻷﻗﺻﻰ.
-4أﺳﻠوب ﺗﻛذﯾب اﻟﻣﺷرﻛﯾن وﻗوﻟﻬم :واﷲ إﻧﺎ ﻟﻧﺿرب أﻛﺑﺎد اﻹﺑل إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﺷﺎم
ﺷﻬ ارً ذاﻫﺑﺔ وﺷﻬ ارً آﯾﺑﺔ وﯾﺄﺗﯾﻬﺎ ﻣﺣﻣد ﻓﻲ ﻟﯾﻠﺔ ،وﻟو ﻛﺎﻧت ﻣﻧﺎﻣﺎً ﻣﺎ ﻗﺎﻟوا ذﻟك.
-5ﻧؤﻣن ﺑﺄن اﻹﺳراء ﻣﻌﺟزة ﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،وﻟو ﻛﺎن ﻣﻧﺎﻣﺎً ﻟﻛﺎن اﻷﻣر طﺑﯾﻌﯾﺎً
وﻟﯾس ﻓﯾﻪ إﻋﺟﺎز ﻓﺎﻷرواح ﺗﺳري ﺑﻌﯾداً.
-6طﻠب اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻣن اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أن ﯾﺻف ﻟﻬم ﺑﯾت
اﻟﻣﻘدس ،وﻟو ﻛﺎﻧت اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ رؤﯾﺎ ﻟﻣﺎ ﺳﺄﻟوﻩ وﻟﻣﺎ ﻛذﺑوﻩ.
-7ﺷرﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن ﻣﺎء ﻓﻲ إﻧﺎء اﻟﻘوم اﻟذﯾن ﻣر ﺑﻬم ﻓﻲ طرﯾق
ﻋودﺗﻪ وﻫم ﻣﻌرﺳون ﻓﻲ طرﯾﻘﻬم اﻟﻰ ﻣﻛﺔ ٕ ،واﺧﺑﺎرﻫم ﺑﺄﻧﻬم وﺟدوا اﻟﻣﺎء
ﻧﺎﻗﺻﺎً ،وأﻧﻬم ﺳﻣﻌوا ﻫﺎﺗﻔﺎً ﯾدﻟﻬم ﻋﻠﻰ ﺑﻌﯾرﻫم اﻟذي ﻓﻘدوﻩ.
آﯾﺎت َرّﺑﻪ ا ْﻟ ُﻛ ْﺑ َرى " أي رأى رؤﯾﺔ ﻋﯾن ﻓﻲ اﻟﯾﻘظﺔ ،ﻻ ِ
- 9ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " َﻟﻘَ ْد َأرَى ﻣ ْن َ
ﺻ ُر َو َﻣﺎ طَ َﻐ ٰﻰ" ﻓﯾﻪ إﺷﺎرة إﻟﻰ ﻛون اﻟﺣﺎدﺛﺔ
غ ا ْﻟ َﺑ َ
رؤﯾﺎ ﻣﻧﺎم .وﻛذﻟك ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " َﻣﺎ َاز َ
ﺑﺎﻟروح واﻟﺟﺳد.
68
ﺳ ْﺑ َﺣﺎنَ اﻟﱠذِي أَ ْﺳ َرى ِﺑ َﻌ ْﺑ ِد ِه " وﻗوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :ﻟﻘد
- 10ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " ُ
أﺳري ﺑﻲ اﻟﻠﯾﻠﺔ" ﻓﺎﻵﯾﺔ واﻟﺣدﯾث ﯾﺷﯾران إﻟﻰ أن اﻟذي ﺗوﻟﻰ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻹﺳراء ﻫو اﷲ.
ﻓﺎﷲ ﺟل ﻓﻲ ﻋﻼﻩ ﻫو اﻟذي أﺳرى ،وﻣﺣﻣد -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﻫو اﻟذي أﺳري
ﺑﻪ .وطﺎﻟﻣﺎ أن اﻟﻔﺎﻋل ﻫو اﷲ ﻓﻬو اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ ﻓﻌل ﻣﺎ ﯾرﯾد ،ﻓﻲ أي وﻗت ﯾرﯾد ،وﺑﺄي
ﻛﯾﻔﯾﺔ ﯾرﯾد .ﻓﻔﻌل اﷲ ﻻ ﯾﻘﺎرن ﺑﻔﻌل اﻟﺑﺷر ﺑل ﻫو ﻣﻧزﻩ ﻋن ذﻟك ،وﻟذا اﺳﺗﻬل اﷲ ﻫذﻩ
اﻵﯾﺔ ﺑﻘوﻟﻪ :ﺳﺑﺣﺎن .ﺗﻧزﯾﻬﺎً ﻟﻔﻌﻠﻪ وﻗدرﺗﻪ ﻋن أﻓﻌﺎل اﻟﺑﺷر اﻟﺗﻲ ﯾﺣﻛﻣﻬﺎ زﻣﺎن وﻣﻛﺎن
وﻗﺎﻧون .أﻣﺎ ﻓﻌل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻼ ﯾﺣﻛﻣﻪ زﻣﺎن ،وﻻ ﻣﻛﺎن ،وﻻ ﻗﺎﻧون ﻣن ﺗﻠك اﻟﻘواﻧﯾن
اﻟﺗﻲ ﺗﺣﻛم أﻓﻌﺎل اﻟﺑﺷر .واﻟرﺳول -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﻗﺎل :ﻟﻘد أُﺳري ﺑﻲ .
ٍ
وﺣﯾﻧﺋذ ﻧرد ﻗوﻟﻪ ﻫذا إﻟﻰ أﻓﻌﺎل ﻓﻠﯾس ﻫو اﻟﻔﺎﻋل ،وﻟو ﻛﺎن ﻛذﻟك ﻟﻘﺎل :ﻟﻘد ﺳرﯾت .
اﻟﺑﺷر اﻟﺗﻲ ﯾﺣﻛﻣﻬﺎ زﻣﺎن ،وﻣﻛﺎن ،وﻗﺎﻧون .وﻧﻘول ﻛﻣﺎ ﻗﺎل اﻟذﯾن ﻛذﺑوﻩ ﯾوﻣﻬﺎ :إﻧﺎ
ﻟﻧﺿرب أﻛﺑﺎد اﻹﺑل ﺷﻬ ارً ذاﻫﺑﺔ وﺷﻬ ارً آﯾﺑﺔ وﯾﺄﺗﯾﻬﺎ ﻣﺣﻣد ﻓﻲ ﻟﯾﻠﺔ .وﻣﺎ ﻗﺎﻟوا ذﻟك
إﻻ ﻷ ﻧﻬم أدرﻛوا أن ﻫذﻩ اﻟرﺣﻠﺔ ﻟم ﺗﻛن ﻣﻧﺎﻣﺎً وﻻ روﺣﺎً ،ﺑل ﻛﺎﻧت ﯾﻘظﺔ ﺑﺎﻟروح واﻟﺟﺳد
ﻣﻌﺎً .ﻓﺳﺑﺣﺎن اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ ﻛل ﺷﻲء.
ج : 53رﻏم ﺗﻛذﯾب ﻗرﯾش ﻟﻠرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻣﻌﺎرﺿﺗﻬﺎ ﻟدﻋوﺗﻪ إﻻ أﻧﻪ اﺳﺗﻣر
ﻓﻲ اﻟدﻋوة .ﻓﻣﻊ اﻗﺗراب ﻣوﺳم اﻟﺣﺞ ،وﺑدء ﺗواﻓد اﻟﻘﺑﺎﺋل ﻋﻠﻰ ﻣﻛﺔ أﺧذ -ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﯾﻌرض ﻧﻔﺳﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب .ﯾدﻋوﻫم إﻟﻰ اﻹﺳﻼم ،واﻟﻰ أن ﯾﻣﻧﻌوﻩ
وﯾﺣﻣوﻩ ﺣﺗﻰ ﯾﺑﻠﻎ رﺳﺎﻟﺔ رﺑﻪ .وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾطوف ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺑﺎﺋل ﻗﺑﯾﻠﺔ ﻗﺑﯾﻠﺔ وﻣﻌﻪ
أﺑو ﺑﻛر اﻟﺻدﯾق رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ اﻟذي ﻛﺎن ﻣن أﻋﻠم اﻟﻧﺎس ﺑﻘﺑﺎﺋل اﻟﻌرب وأﻧﺳﺎﺑﻬﺎ
69
وأﺣواﻟﻬﺎ ﻗوة وﺿﻌﻔﺎً .وذﻫب ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻟﻰ اﻟﻘﺑﺎﺋل ﻓﻲ ﻣوﺳم اﻟﺣﺞ ،وﻓﻲ اﻷﺳواق
ﻣﺛل ﻋﻛﺎظ ،وﻣﺟﻧﺔ ،وذي اﻟﻣﺟﺎز .وﻛﺎن ﻋﻣﻪ أﺑو ﻟﻬب ﯾﺗﺑﻌﺔ ،وﯾﺣذر اﻟﻧﺎس ﻣﻧﻪ
وﯾﻘول :ﻫذا ﻛﺎذب ﯾدﻋو إﻟﻰ ﺿﻼﻟﺔ وﺑدﻋﺔ.
ﻓﺈذا ﺳﻣﻊ اﻟﻧﺎس ذﻟك ﻗﺎﻟوا :ﻗوﻣﻪ أﻋﻠم ﺑﻪ ..وﯾﺗرﻛوﻧﻪ .وﻟم ﯾﺗرك ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻗﺑﯾﻠﺔ
ﻓﯾﻬﺎ ﻗوة ،وﻋزة ،وﻣﻧﻌﺔ إﻻ ﻋرض ﻧﻔﺳﻪ ﻋﻠﯾﻬﺎ .إﻻ أﻧﻪ ﻟم ﯾﺳﺗﺟب ﻟﻪ أﺣد .وﺗﻌﻠﻠت
ﺑﻌض اﻟﻘﺑﺎﺋل ﺑﺣﺟﺞ واﻫﯾﺔ ﻛﺎﻟﺗرﯾث وﻣﺷﺎورة ﻣن وراءﻫم .
ج : 54ﻟﻣﺎ أراد اﷲ إظﻬﺎر دﯾﻧﻪٕ ،واﻋزاز ﻧﺑﯾﻪٕ ،واﻧﺟﺎز ﻣوﻋدﻩ .ﺧرج ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺣﺎدﯾﺔ ﻋﺷرة ﻣن اﻟﻧﺑوة وﻓﻲ ﻣوﺳم اﻟﺣﺞ ﻛﻌﺎدﺗﻪ ﯾﻌرض ﻧﻔﺳﻪ ﻋﻠﻰ
اﻟﻘﺑﺎﺋل .وﻓﻲ ﻣﻧﻰ ،وﻓﻲ ﻟﯾﻠﺔ ﻣن ﻟﯾﺎﻟﻲ اﻟﺗﺷرﯾق ،وﺑﯾﻧﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﺳﯾر
وﻣﻌﻪ أﺑو ﺑﻛر اﻟﺻدﯾق رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺳﻣﻊ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أﺻوات رﺟﺎل ﯾﺗﻛﻠﻣون،
ﻓﻌﻣدﻫم .وﻛﺎﻧوا ﺳﺗﺔ ﻧﻔر ﻣن اﻟﺧزرج ﻣن أﻫل ﯾﺛرب ،ﻓﻘﺎل :ﻣن أﻧﺗم؟ ﻗﺎﻟوا :ﻧﻔر ﻣن
اﻟﺧزرج .ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :أﻣن ﻣواﻟﻲ ﯾﻬود؟ ﻗﺎﻟوا ﻧﻌم .ﻗﺎل :أﻓﻼ ﺗﺟﻠﺳون أﻛﻠﻣﻛم.
ﻗﺎﻟوا ﺑﻠﻰ .ﻓﺟﻠس ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم .وﺟﻠﺳوا ﻓدﻋﺎﻫم إﻟﻰ اﷲ ،وﻋرض ﻋﻠﯾﻬم
اﻹﺳﻼم ،وﺗﻼ ﻋﻠﯾﻬم اﻟﻘرآن .ﻓﻘﺎل ﺑﻌﺿﻬم ﻟﺑﻌض :ﯾﺎ ﻗوم ﺗﻌﻠﻣون ..واﷲ أﻧﻪ ﻟﻠﻧﺑﻲ
اﻟذي ﺗوﻋدﻛم ﺑﻪ ﯾﻬود ،ﻓﻼ ﯾﺳﺑﻘﻧﻛم إﻟﯾﻪ ،ﻓﺄﺳﻠﻣوا .وﻛﺎﻧوا ﻣن ﻋﻘﻼء اﻟﺧزرج اﻟذﯾن
أﻧﻬﻛﺗﻬم اﻟﺣرب اﻷﻫﻠﯾﺔ ﺑﯾﻧﻬم وﺑﯾن إﺧواﻧﻬم اﻷوس ،وﺑﯾﻧﻬم وﺑﯾن اﻟﯾﻬود اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا
ﯾﻬددوﻧﻬم وﯾﺗوﻋدوﻧﻬم ﺑﻘوﻟﻬم :إﻧﻪ ﯾوﺷك أن ﯾﺑﻌث ﻓﯾﻧﺎ ﻧﺑﻲ ﻧﺗﺑﻌﻪ وﻧﻘﺗﻠﻛم ﻣﻌﻪ ﻗﺗل
70
ﻋﺎد ٕوارم .ﻓﻠﻣﺎ ﻛﻠﻣﻬم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻗﺎل ﻟﻬم إﻧﻪ ﻧﺑﻲ ،ﺗذﻛروا ﻛﻼم اﻟﯾﻬود
ﻓﺄﺳﻠﻣوا ،وﻋﺎدوا ﺑﻌد اﻟﻣوﺳم إﻟﻰ ﯾﺛرب دﻋﺎة إﻟﻰ اﷲ ورﺳوﻟﻪ واﻹﺳﻼم ﺣﺗﻰ ﻟم ﺗﺑق
دار ﻣن دور ﯾﺛرب إﻻ وﻓﯾﻬﺎ ذﻛر رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
ﻟﻘد ﻣﺛل إﺳﻼم ﻫؤﻻء اﻟﺷﺑﺎب اﻟﺳﺗﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم أﺟﻣﻌﯾن ﻧﻘطﺔ ﺗﺣول ﻫﺎﻣﺔ ﻓﻲ
ﺳﯾر ﻫذﻩ اﻟدﻋوة اﻟﻣﺑﺎرﻛﺔ .ﻟﻘد ﻛﺎن إﺳﻼﻣﻬم ﺑداﯾﺔ ﻓرج ،وﻧﻘطﺔ اﻧطﻼﻗﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟدﻋوة
اﻟﺗﻲ اﻧطﻠﻘت إﻟﻰ ﯾﺛرب وﻣﻧﻬﺎ إﻟﻰ أرﺟﺎء اﻷرض ﺑﻌد أن ﺑﻘﯾت ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺷر ﻋﺎﻣﺎً
ﻣﺣﺎﺻرة ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣن ﻋﻧﺎد وﻛﺑرﯾﺎء وﺗﻛذﯾب ﻗرﯾش وﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب ﺗﺑﻊ ﻟﻬﺎ.
وﻗد ﺧﻠد اﻟﺗﺎرﯾﺦ أﺳﻣﺎء ﻫؤﻻء اﻟﺳﺗﺔ اﻟﯾﺛرﺑﯾﯾن وﻫم:
ﻋﺎد ﻫؤﻻء اﻟﺳﺗﺔ ﺑﻌد اﻟﻣوﺳم إﻟﻰ ﯾﺛرب ﺑﻌد أن واﻋدوا رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﺑﺈﺑﻼغ ﻗوﻣﻬم ،ودﻋوﺗﻬم إﻟﻰ اﻹﺳﻼم.
71
ج : 55 :ﺑﻌد أن ﻋﺎد اﻟﺳﺗﺔ اﻟﺧزرﺟﯾون اﻟذﯾن أﺳﻠﻣوا ﻓﻲ اﻟﻌﺎم اﻟﺣﺎدي ﻋﺷر ﻣن
اﻟﺑﻌﺛﺔ ﺗﻛﻠﻣوا ﻣﻊ أﻫﻠﯾﻬم وﻗوﻣﻬم ﻋن ﻟﻘﺎﺋﻬم ﻣﻊ ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻋن إﺳﻼﻣﻬم،
ودﻋوﻫم إﻟﻰ اﻹﺳﻼم .وأﻧﺗﺷر أﻣر ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وأﻣر اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﯾﺛرب ،وأﺳﻠم
ﺟﻣﻊ ﻣﻧﻬم .ﻓﻠﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﺎم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻋﺷر ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ واﻓﻰ اﻟﻣوﺳم ﺟﻣﻊ ﻣن أﻫل ﯾﺛرب
ﻓﯾﻬم إﺛﻧﺎ ﻋﺷر ﻣﺳﻠﻣﺎً ،ﺧﻣﺳﺔ ﻣن اﻟﺳﺗﺔ اﻟذﯾن ﻟﻘوا رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وأﺳﻠﻣوا
ﻓﻲ اﻟﻣوﺳم اﻟﻣﺎﺿﻲ .وﺳﺑﻌﺔ ﻣن اﻟذﯾن أﺳﻠﻣوا ﻋﻠﻰ أﯾدﯾﻬم ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .ﻣﻌﻬم أﺑو
اﻟﻬﯾﺛم ﺑن اﻟﺗﯾﻬﺎن ،وﻋﺑﺎدة ﺑن اﻟﺻﺎﻣت ،واﻟﺗﻘﻰ ﻫؤﻻء ﺑرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﻋﻧد اﻟﻌﻘﺑﺔ ﺑﻣﻧﻰ ،ﻓﺑﺎﯾﻌوﻩ اﻟﺑﯾﻌﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﻣﻰ ﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﺳﺎء ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت
ﻋﻠﻰ ﻏرار اﻷﻣور اﻟﺗﻲ ﺑﺎﯾﻊ اﻟرﺳول اﻟﻧﺳﺎء ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻋﺎم اﻟﻔﺗﺢ واﻟواردة ﻓﻲ ﺳورة
اﻟﻣﻣﺗﺣﻧﺔ .وﻗﯾل ﻏﯾر ذﻟك .روى اﻟﺑﺧﺎري ﻋن ﻋﺑﺎدة ﺑن اﻟﺻﺎﻣت أن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗﺎل :ﺗﻌﺎﻟوا ﺑﺎﯾﻌوﻧﻲ ﻋﻠﻰ أﻻ ﺗﺷرﻛوا ﺑﺎﷲ ﺷﯾﺋﺎً ،وﻻ ﺗﺳرﻗوا ،وﻻ ﺗزﻧوا،
وﻻ ﺗﻘﺗﻠوا أوﻻدﻛم ،وﻻ ﺗﺄﺗوا ﺑﻬﺗﺎﻧﺎً ﺗﻔﺗروﻧﻪ ﺑﯾن أﯾدﯾﻛم وأرﺟﻠﻛم ،وﻻ ﺗﻌﺻوﻧﻲ ﻓﻲ
ﻣﻌروف .ﻓﻣن وﻓﻰ ﻣﻧﻛم ﻓﺄﺟرﻩ ﻋﻠﻰ اﷲ ،وﻣن أﺻﺎب ﻣن ذﻟك ﺷﯾﺋﺎً ﻓﻌوﻗب ﺑﻪ ﻓﻲ
اﻟدﻧﯾﺎ ﻓﻬو ﻛﻔﺎرة ﻟﻪ .وﻣن أﺻﺎب ﻣن ذﻟك ﺷﯾﺋﺎً ﻓﺳﺗرﻩ اﷲ ﻓﺄﻣرﻩ إﻟﻰ اﷲ إن ﺷﺎء ﻋﺎﻗﺑﻪ
ٕ ،وان ﺷﺎء ﻋﻔﺎ ﻋﻧﻪ .ﻗﺎل :ﻓﺑﺎﯾﻌﻧﺎﻩ.
ج : 56طﻠﺑوا ﻣﻧﻪ أن ﯾرﺳل ﻣﻌﻬم إﻟﻰ ﯾﺛرب ﻣن ﯾﻔﻘﻬﻬم ﻓﻲ اﻟدﯾن ،وﯾﻌﻠﻣﻬم اﻟﻘرآن.
ﻓﺄرﺳل ﻣﻌﻬم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣﺻﻌب ﺑن ﻋﻣﯾر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ واﻟذي ﺳﻣﺎﻩ أﻫل
ﯾﺛرب ب " اﻟﻣﻘري" .وﻧزل ﻣﺻﻌب ﻋﻠﻰ أﺳﻌد ﺑن زرارة ﺣﯾث أﺧذا ﯾﺗﺟوﻻن وﯾطوﻓﺎن
ﻋﻠﻰ أﺣﯾﺎء ﯾﺛرب ،ﯾﻘرآن اﻟﻘرآن ،وﯾدﻋوان اﻟﻧﺎس إﻟﻰ اﻹﺳﻼم.
72
س :57ﻫل ﻧﺟﺣت دﻋوة وﺟﻬود ﻣﺻﻌب وأﺳﻌد ﻓﻲ ﯾﺛرب ؟
ج : 57ﻧﻌم .ﻓﻠﻘد ﻣﻛث ﻣﺻﻌب ﻓﻲ ﯾﺛرب ﻗراﺑﺔ ﻋﺎم داﻋﯾﺔ إﻟﻰ اﷲ ورﺳوﻟﻪ .وأﺳﻠم
ﺑﻔﺿل اﷲ ﻛﺛﯾر ﻣن أﻫل ﯾﺛرب ﻛﺎن ﻣن أﺷﻬرﻫم أﺳﯾد ﺑن اﻟﺣﺿﯾر ،وﺳﻌد ﺑن ﻋﺑﺎدة،
وﻛﻌب ﺑن ﻣﺎﻟك ،وﻋﺑداﷲ ﺑن ﻋﻣرو ﺑن ﺣرام ،وﺳﻌد ﺑن ﻣﻌﺎذ ﺳﯾد اﻷوس واﻟذي أﺳﻠم
ﺑﺈﺳﻼﻣﻪ ﻗوﻣﻪ ﺑﻧو ﻋﺑد اﻷﺷﻬل .وﻓﺷﺎ أﻣر اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﯾﺛرب ودﺧل ﻛل دورﻫﺎ.وﻗﺑﻠت
اﻷرض اﻟطﯾﺑﺔ دﻋوة اﻹﺳﻼم .وﺗطﻠﻌت إﻟﻰ أن ﯾﻬﺎﺟر إﻟﯾﻬﺎ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم.
ج : 58ﻻ .ﻓﺑﻌد ﻋﺎم ﻣن ﺑﻘﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﯾﺛرب ﯾدﻋو إﻟﻰ اﷲ ورﺳوﻟﻪ .وﺑﻌد ﻋﺎم ﻣن
اﻟﻧﺟﺎح ،وﻗﺑل أن ﯾﺣل ﻣوﺳم ﺣﺞ اﻟﻌﺎم اﻟﺛﺎﻟث ﻋﺷر ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ ﻋﺎد ﻣﺻﻌب رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻪ إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ،وذﻫب إﻟﻰ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﯾﺑﺷرﻩ ﺑﻧﺟﺎح ﻣﻬﻣﺗﻪ .وﻓﻲ
ﻣوﺳم اﻟﺣﺞ ﻣن اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻋﺷر ﻟﻠﺑﻌﺛﺔ ﺣﺿر ﻷداء اﻟﺣﺞ ﺛﻼﺛﺔ وﺳﺑﻌون رﺟﻼً
ﻣﻣن أﺳﻠم ﻣن اﻷوس واﻟﺧزرج ﻣﻌﻬم اﻣرأﺗﺎن ﻫﻣﺎ :ﻧﺳﯾﺑﺔ ﺑﻧت ﻛﻌب ) أم ﻋﻣﺎرة(،
وأﺳﻣﺎء ﺑﻧت ﻋﻣرو ﺑن ﻋدي ) أم ﻣﻧﯾﻊ( وﻛﺎﻧوا ﻗد ﺗﺷﺎوروا ،واﺗﻔﻘوا ﻋﻠﻰ أن ﯾطﻠﺑوا
ﻣن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أن ﯾﻬﺎﺟر وﯾﺧرج إﻟﯾﻬم ﻓﻲ ﯾﺛرب ،وأﻻ ﯾﺗرﻛوﻩ
ﯾطرد ﻓﻲ ﻣﻛﺔ وﯾؤذى وﯾﻛذب ،وﻟذا ﻓﺈﻧﻬم ﻟﻣﺎ وﺻﻠوا ﻣﻛﺔ ﺟرت ﺑﯾﻧﻬم وﺑﯾن اﻟﻧﺑﻲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﺗﺻﺎﻻت ﺳرﯾﺔ أدت إﻟﻰ اﺗﻔﺎق اﻟﻔرﯾﻘﯾن ﻋﻠﻰ أن ﯾﺟﺗﻣﻌﺎ ﻓﻲ
73
أواﺳط أﯾﺎم اﻟﺗﺷرﯾق ﻓﻲ اﻟﺷﻌب اﻟذي ﻋﻧد اﻟﻌﻘﺑﺔ ﻋﻧد اﻟﺟﻣرة اﻟﻣﺳﻣﺎة ﺑﺟﻣرة اﻟﻌﻘﺑﺔ،
وأن ﯾﻛون اﻻﺟﺗﻣﺎع ﺳ ارً وﻓﻲ اﻟﻠﯾل ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﻌﻠم أﺣد ﻣن اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﺑﻪ وﺑﻣﺎ ﯾدور ﻓﯾﻪ.
ودار ﻛﻼم وﺣوار طوﯾل ﻟﺧطورة اﻟﻣوﻗف ،وﺧطورة اﻟﻣﺑﺎﯾﻌﺔ واﻟﺗﻲ ﺗﻌﻧﻲ ﺣرب اﻷﺣﻣر
واﻷﺳود ﻣن اﻟﻧﺎس ،وذﻫﺎب اﻟﻣﺎل ،وﺗﻌرﯾض اﻟﻧﻔس واﻷﻫل واﻟوﻟد ﻷﺧطﺎر ﻻ ﯾﻌﻠم
ﻣداﻫﺎ إﻻ اﷲ .وﻟﻛن ﻓﯾﻬﺎ ﻛﻣﺎ ﻗﺎل أﺣدﻫم وﻫو اﻟﻌﺑﺎس ﺑن ﻋﺑﺎدة ﺑن ﻧﺿﻠﺔ ﺧﯾر اﻟدﻧﯾﺎ
واﻵﺧرة.
وﺑﻌد ﻧﻘﺎش وﺟدال أﺟﻣﻊ اﻟﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﺑﯾﻌﺔ ﻏﯾر ﻣﺑﺎﻟﯾن ﺑﻣﺎ ﯾﻌﻘﺑﻬﺎ ﻣن أﺧطﺎر وﻗﺎﻟوا :
ﺑل ﻧﺄﺧذﻩ )ﻧﺑﺎﯾﻌﻪ( ﻋﻠﻰ ﻣﺻﯾﺑﺔ اﻷﻣوال ،وﻗﺗل اﻷﺷراف .ﻓﻣﺎ ﻟﻧﺎ ﺑذﻟك ﯾﺎ رﺳول اﷲ أن
ﻧﺣن وﻓﯾﻧﺎ؟ ﻗﺎل :اﻟﺟﻧﺔ .ﻗﺎﻟوا :أﺑﺳط ﯾدك ..ﻓﺑﺳط ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﯾدﻩ ،
74
وﺗﻣت اﻟﺑﯾﻌﺔ ،وﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :أﺧرﺟوا إﻟﻲ ﻣﻧﻛم اﺛﻧﻲ ﻋﺷر ﻧﻘﯾﺑﺎً ﻟﯾﻛوﻧوا ﻋﻠﻰ
ﻗوﻣﻬم ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻬم .ﻓﺄﺧرﺟوا ﺗﺳﻌﺔ ﻣن اﻟﺧزرج وﺛﻼﺛﺔ ﻣن اﻷوس .ﻓﻘﺎل ﻟﻬم اﻟرﺳول
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم:أﻧﺗم ﻋﻠﻰ ﻗوﻣﻛم ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻬم ﻛﻔﻼء ﻛﻛﻔﺎﻟﺔ اﻟﺣوارﯾﯾن ﻟﻌﯾﺳﻰ ﺑن ﻣرﯾم ،وأﻧﺎ
ﻛﻔﯾل ﻋﻠﻰ ﻗوﻣﻲ .ﻗﺎﻟوا :ﻧﻌم.
وﻗد روى اﻹﻣﺎم أﺣﻣد ﻋن ﺟﺎﺑر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻗﺎل :ﻗﻠﻧﺎ ﯾﺎ رﺳول اﷲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻧﺑﺎﯾﻌك؟
ﻗﺎل :ﺗﺑﺎﯾﻌوﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺳﻣﻊ واﻟطﺎﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﺷﺎط واﻟﻛﺳل ،وﻋﻠﻰ اﻟﻧﻔﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺳر
واﻟﯾﺳر ،وﻋﻠﻰ اﻷﻣر ﺑﺎﻟﻣﻌروف واﻟﻧﻬﻲ ﻋن اﻟﻣﻧﻛر ،وأن ﺗﻘوﻣوا ﻓﻲ اﷲ ﻻ ﺗﺧﺎﻓون ﻓﻲ
اﷲ ﻟوﻣﺔ ﻻﺋم ،وﻋﻠﻰ أن ﺗﻧﺻروﻧﻲ إذا ﻗدﻣت إﻟﯾﻛم ،وﺗﻣﻧﻌوﻧﻲ ﻣﻣﺎ ﺗﻣﻧﻌون ﻣﻧﻪ
أﻧﻔﺳﻛم وأزواﺟﻛم وأوﻻدﻛم ،وﻟﻛم اﻟﺟﻧﺔ .ﻓﻘﻣﻧﺎ إﻟﯾﻪ ﻓﺑﺎﯾﻌﻧﺎﻩ.
ج : 59ﻧﻌم .ﻓﻔﻲ ﻧﻬﺎﯾﺔ ﻫذا اﻻﺟﺗﻣﺎع اﻟﻣﺑﺎرك ،وﺑﻌد أن ﺗﻣت اﻟﺑﯾﻌﺔ ،اﻛﺗﺷف
ﻼ :ﯾﺎ أﻫل اﻟﺟﺑﺎﺟب)اﻟﺧﯾﺎم( ﻫل ﻟﻛم ﻓﻲ
اﻟﺷﯾطﺎن اﻟﻠﻌﯾن اﻷﻣر ﻓﺻﺎح ﺑﺄﻋﻠﻰ ﺻوﺗﻪ ﻗﺎﺋ ً
ﻣذﻣم )ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم( واﻟﺻﺑﺎة ﻗد اﺟﺗﻣﻌوا ﻟﺣرﺑﻛم ؟ .وﺳﻣﻌﻪ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻗﺎل :ﻫذا أزب اﻟﻌﻘﺑﺔ ،أﻣﺎ واﷲ ﻷﺗﻔرﻏن ﻟك ﯾوﻣﺎً ﯾﺎ ﻋدو اﷲ .وأﻋﻠن
اﻟﻣﺑﺎﯾﻌون اﺳﺗﻌدادﻫم ﻟﻠﺣرب ﻗﺎﺋﻠﯾن :أﻣﺎ واﷲ ﻟﺋن ﺷﺋت ﻟﻧﻣﯾﻠن ﻋﻠﻰ أﻫل ﻣﻧﻰ ﻏداً
75
ﺑﺄﺳﯾﺎﻓﻧﺎ .ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :إﻧﺎ ﻟم ﻧؤﻣر ﺑﻌد ،وﻟﻛن ارﺟﻌوا إﻟﻰ رﺣﺎﻟﻛم .ﻓرﺟﻌوا .وﻟذﻟك
ﺗﺳﻣﻰ ﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣرب أو اﻟﻘﺗﺎل .وﺟﺎء رﺟﺎل ﻣن ﻗرﯾش إﻟﻰ رﺟﺎل اﻟﺧزرج ﯾﺳﺗﻔﺳرون
وﯾﺣذرون ،ﻓﺄﻧﻛر اﻟﻣﺷرﻛون أن ﯾﻛون ﻗد ﺣدث ﺷﻲء ﻣن ﻫذا ﻷﻧﻬم ﻟم ﯾﻌﻠﻣوا ﺑﻣﺎ ﺗم
ﻣن اﻟﻠﻘﺎء واﻟﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣت ﻟﯾﻼً وﺳ ارً .أﻣﺎ اﻟﻣﺑﺎﯾﻌون ﻓﺳﻛﺗوا .ﻓرﺟﻊ اﻟﻘرﺷﯾون إﻟﻰ
رﺣﺎﻟﻬم ،وﻟﻛﻧﻬم ظﻠوا ﻣﺗﺷﻛﻛﯾن ﻓﻲ اﻷﻣر ،وﻟذا ﻛﺛﻔوا اﻟﺗﺣري واﻟﺳؤال .وﺑﺎﻟﻔﻌل
ﺗﺄﻛدوا أن اﻟﺑﯾﻌﺔ ﻗد ﺗﻣت وﻟﻛﻧﻬم ﺗﺄﻛدوا ﺑﻌد اﻧﺗﻬﺎء اﻟﻣوﺳم ،ورﺟوع اﻟﻧﺎس ،ﻓطﺎردوا
اﻟﺧزرج وظﻔروا ﻣﻧﻬم ﺑرﺟﻠﯾن ﻫﻣﺎ ﺳﻌد ﺑن ﻋﺑﺎدة ،واﻟﻣﻧذر ﺑن ﻋﻣرو رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ
،إﻻ أن اﻟﻣﻧذر ﻓر وﻧﺟﺎ ،وﻗﺑﺿوا ﻋﻠﻰ ﺳﻌد ﺑن ﻋﺑﺎدة اﻟذي ﺿرﺑوﻩ ،وﺟروﻩ ﺣﺗﻰ
أدﺧﻠوﻩ ﻣﻛﺔ ،ﻓﺟﺎء رﺟﺎل ﻣن ﻗرﯾش ﻣﻧﻬم اﻟﻣطﻌم ﺑن ﻋدي ﻓﺧﻠﺻوﻩ ﻓﻠﺣق ﺑﻘوﻣﻪ.
ج :60ﺑﻌد أن ﺗﻣت اﻟﺑﯾﻌﺔ ،وﻧﺟﺢ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﺗﺄﺳﯾس وطن ﻟﻪ وﻣﻼذ آﻣن وﺳط
ﺻﺣراء ﺗﻣوج ﺑﺎﻟﻛﻔر أﻣر -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -أﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﻬﺟرة إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ
وﻗﺎل :إن اﷲ ﻋز وﺟل ﻗد ﺟﻌل ﻟﻛم إﺧواﻧﺎً ودا ارً ﺗﺄﻣﻧون ﺑﻬﺎ .وروى اﻟﺑﺧﺎري أﻧﻪ ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗﺎل :إﻧﻲ أرﯾت دار ﻫﺟرﺗﻛم ذات ﻧﺧل ﺑﯾن ﻻﺑﺗﯾن .أي ﺣرﺗﯾن وﻫﻲ
ﯾﺛرب اﻟﺗﻲ ﺗﻘﻊ ﺑﯾن ﺣرة واﻗم ،وﺣرة اﻟوﺑرة .ﻓﺑدأ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺑﺎﻟﻬﺟرة ﺳ ارً ،ﺟﻣﺎﻋﺎت
وﻓرادى ،وﻓﻲ اﻟﻠﯾل ﻏﺎﻟﺑﺎً ﺣﺗﻰ ﻻ ﺗﻌﻠم ﻗرﯾش ﻓﺗﻣﻧﻌﻬم .إﻻ أن ﺑﻌﺿﻬم ﻛﺷف أﻣرﻩ وﻣﻧﻊ
ﻣن اﻟﻬﺟرة وﺣﺑس ﻓﻲ ﻣﻛﺔ .وﻛﺎن أول ﻣن ﻫﺎﺟر ﻋﻠﻰ اﻟراﺟﺢ ﻫو أﺑو ﺳﻠﻣﺔ ﻋﺑداﷲ
ﺑن ﻋﺑد اﻷﺳد وزوﺟﻪ أم ﺳﻠﻣﺔ ﻫﻧد ﺑﻧت أﺑﻲ أﻣﯾﺔ واﺑﻧﻬﻣﺎ ﺳﻠﻣﺔ واﻟذﯾن ﻫﺎﺟروا ﻗﺑل
ﺑﯾﻌﺔ اﻟﻌﻘﺑﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺑﺳﻧﺔ ﻛﻣﺎ ﻗﺎل اﺑن إﺳﺣﺎق .ﺛم ﺗﺗﺎﺑﻊ اﻟﻣﻬﺎﺟرون،ﺣﺗﻰ ﻫﺎﺟر ﺧﻼل
76
ﺷﻬرﯾن وﺑﺿﻌﺔ أﯾﺎم أﻛﺛر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﻟم ﯾﺑق ﺑﻣﻛﺔ إﻻ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم وأﺑو ﺑﻛر وﻋﻠﻲ اﻟﻠذان أﻗﺎﻣﺎ ﺑﺄﻣرﻩ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ ﻟﻬﻣﺎ ،أوﻣن ﺣﺑﺳﻪ اﻟﻣﺷرﻛون
وﻫم ﻗﻠﯾل.
ج :61ﻧﻌم ،ﻷﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻛل ﺻﺑﺎح ﺗﻔﺗﻘد رﺟﺎﻻً ﻛﺎﻧت ﻗد رأﺗﻬم ﺑﺎﻷﻣس ﺑﻣﻛﺔ ﻓﺷﻌرت
ﺑﺄن أﺻﺣﺎب ﻣﺣﻣد ﻗد ﻫﺎﺟروا وﺧرﺟوا إﻟﻰ ﯾﺛرب .وﺷﻌرت ﺑﺧطورة اﻷﻣر ﻟﻘوة اﻟﺧزرج،
وﻣﻧﺎﻋﺔ ﯾﺛرب اﻟﺗﻲ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ طرﯾق ﻗواﻓﻠﻬﺎ اﻟﺗﺟﺎرﯾﺔ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﺷﺎم ،وﻷن أﺻﺣﺎب
ﻣﺣﻣد أﺻﺑﺣوا ﻓﻲ ﻣﺄﻣن ﻫﻧﺎك وأن ﺗﺟﻣﻌﻬم ﻫﻧﺎك ﻫو ﻗوة إﻟﻰ ﻗوة اﻟﺧزرج .ورأت ﻓﻲ
ﻫذﻩ اﻟﻬﺟرة ﺧط ارً ﻋﻠﻰ أﻣﻧﻬﺎ ،واﻗﺗﺻﺎدﻫﺎ ،ووﺟودﻫﺎ ﺧﺎﺻﺔ إذا ﻫﺎﺟر إﻟﯾﻬم ﻣﺣﻣد
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،ﻓﺗداﻋوا ﺳ ارً وﺳراﻋﺎً إﻟﻰ اﻻﺟﺗﻣﺎع واﻟﺗﺷﺎور ﻻﺗﺧﺎذ ﻗرار ﺗﺎرﯾﺧﻲ
ﺣﺎﺳم ﯾﺣﺳﻣون ﺑﻪ أﻣر ﻣﺣﻣد ودﻋوﺗﻪ ﻟﯾﻧﻬوا ﺑذﻟك اﻷﺧطﺎر اﻟﺣﺎﺿرة اﻟﺗﻲ ﻋﺎﻧوا
وﯾﻌﺎﻧون ﻣﻧﻬﺎ ،واﻷﺧطﺎر اﻟﻣﺳﺗﻘﺑﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗوﻗﻌوا ﺿراوﺗﻬﺎ وﺷدﺗﻬﺎ.
وأﺟﺗﻣﻊ ﺳﺎدة ﻣﻛﺔ وﻛﺑراؤﻫﺎ ﻓﻲ دار اﻟﻧدوة ،وﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﻓﻲ ﺑﯾﺗﻪ ﻻ ﯾﻌﻠم ﺷﯾﺋﺎً ﻣﻣﺎ ﯾدﺑر ﻟﻪ ،وﻟﻛن اﷲ رﺑﻪ وﻛﺎﻓﯾﻪ ﯾﻌﻠم وﻻ ﯾﺧﻔﻰ ﻋﻠﯾﻪ ﺷﻲء
.وﺣﺿر إﺑﻠﯾس اﻟﻠﻘﺎء اﻟﺗﺎرﯾﺧﻲ ﻓﻲ ﺻورة رﺟل ﻣن ﻧﺟد .وطرح اﻷﻣر ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ
ﻟﻠﺗﺷﺎور .وﻛﻠﻣﺎ اﻗﺗرح أﺣدﻫم أﻣ ارً ﻟﯾس ﻓﯾﻪ ﻗﺗل ﻣﺣﻣد اﻋﺗرض اﻟﺷﯾﺦ اﻟﻧﺟدي) إﺑﻠﯾس
( ﺣﺗﻰ ﻗﺎل أﺑو ﺟﻬل رأﯾﻪ اﻟذي ﻗﺎل ﻓﯾﻪ :أرى أن ﻧﺄﺧذ ﻣن ﻛل ﻗﺑﯾﻠﺔ ﺷﺎﺑﺎً ﺟﻠﯾداً ﻧﺳﯾﺑﺎً
وﺳﯾطﺎً ﻓﯾﻧﺎ ،ﺛم ﻧﻌطﻲ ﻛل واﺣد ﻣﻧﻬم ﺳﯾﻔﺎً ﺻﺎرﻣﺎً ،ﺛم ﯾﻌﻣدوا إﻟﻰ ﻣﺣﻣد ﻓﯾﺿرﺑوﻩ
77
ﺿرﺑﺔ رﺟل واﺣد ﻓﯾﻘﺗﻠوﻩ وﯾﺗﻔرق دﻣﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺑﺎﺋل ،وﻻ ﯾﻘدر ﺑﻧو ﻋﺑد ﻣﻧﺎف ﻋﻠﻰ ﺣرب
ﻗوﻣﻬم ﻓﯾرﺿوا ﺑﺎﻟدﯾﺔ .ﻓﻘﺎل اﻟﺷﯾﺦ اﻟﻧﺟدي :ﷲ در ﻫذا اﻟﻔﺗﻰ .ﻫذا واﷲ اﻟرأي .ﻓﺗﻔرﻗوا
ﻋﻠﻰ ذﻟك ،وأﺧذوا ﻋﺎﻣﺔ ﯾوﻣﻬم ﯾﺟﻣﻌون اﻟﺷﺑﺎب وﯾﺧططون ﻟﻸﻣر وﻛﺎن ذﻟك ﺻﺑﺎح
ﯾوم اﻟﺧﻣﯾس ، 26ﺻﻔر ،ﺳﻧﺔ 14ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ .وﻣﺎ أن اﻧﺗﻬﻰ اﺟﺗﻣﺎع اﻟﻘوم ﻓﻲ دار
اﻟﻧدوة ﺣﺗﻰ ﻧزل ﺟﺑرﯾل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺄﻣر ﻣن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﯾﺧﺑر ﻧﺑﯾﻪ ﺑﻣﺎ دﺑرﻩ
اﻟﻣﺷرﻛون ،وﯾﺄﻣرﻩ ﺑﺎﻟﻬﺟرة ﻗﺎﺋﻼً :ﻻ ﺗﺑت ﻫذﻩ اﻟﻠﯾﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻓراﺷك اﻟذي ﻛﻧت ﺗﺑﯾت ﻓﯾﻪ.
س :62ﻟﻣﺎذا ﻟم ﯾﺄذن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻷﺑﻲ ﺑﻛر وﻋﻠﻲ ﺑﺎﻟﻬﺟرة ﻣﻊ ﻣن
ﻫﺎﺟر ﻣن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ؟ .
ج :62أﻣﺎ أﺑو ﺑﻛر ﻓﻬو وزﯾر اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻷول ،وﻛﺎن رﺟﻼ ﻋﺎﻟﻣﺎ
ً◌ﺑﺎﻷﻧﺳﺎب ،واﻟﻘﺑﺎﺋل وﻣواطﻧﻬﺎ وﻣﻌروﻓﺎً ﻟدى اﻟﻧﺎس وﻣﺣﻣوداً ﻓﻲ ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب وﻓوق
ذﻟك ﻓﻬو أﺣب اﻟﻧﺎس إﻟﻰ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻗد أﺧﺑر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑذﻟك
ﺣﯾن ﺳﺋل ﻋن أﺣب اﻟﻧﺎس إﻟﯾﻪ ﻓﻘﺎل أﺑو ﺑﻛر ﺛم ﻋﻣر .وﻟذا اﺳﺗﺑﻘﺎﻩ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ﻟﯾﻛون ﺻﺎﺣﺑﻪ ورﻓﯾﻘﻪ ﻓﻲ ﻫﺟرﺗﻪ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .وﯾﺎ ﻟﻪ ﻣن ﺷرف ﻧﺎل أﺑﺎ ﺑﻛر،
وﻣﻛﺎﻧﺔ ﺧﺻﻪ ﺑﻬﺎ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .وأﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻬو اﺑن ﻋم اﻟﻧﺑﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
وزﯾﻧﺔ ﺷﺑﺎب ﻗرﯾش ﺣﯾث ﻛﺎن ﻋﻣرﻩ ﯾوﻣﻬﺎ ﺛﻼث وﻋﺷرون ﺳﻧﺔ .وﻟﻪ ﻣﻛﺎﻧﺔ ﻋظﯾﻣﺔ
ﻋﻧد اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .وﻛﺎن اﻟﻧﺎس ﯾﺿﻌون وداﺋﻌﻬم وأﻣﺎﻧﺎﺗﻬم ﻋﻧد
اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وﻟذا اﺳﺗﺑﻘﺎﻩ اﻟرﺳول ﻟﯾﻧﺎم ﻋﻠﻰ ﻓراﺷﻪ وﯾرد اﻷﻣﺎﻧﺎت
إﻟﻰ أﻫﻠﻬﺎ .وﻗد ﻓﻌل ﻋﻠﯾﻪ رﺿوان اﷲ.
78
س : 63ﻣﺎ اﻟﺧطﺔ اﻟﺗﻲ وﺿﻌﺗﻬﺎ ﻗرﯾش ﻟﻘﺗل اﻟرﺳول؟
ج : 63ﺑﻌد أن اﺗﻔق اﻟﻣﺷرﻛون ﻓﻲ دار اﻟﻧدوة ﻋﻠﻰ ﻗﺗل اﻟرﺳول ﻗﺿوا ﻧﻬﺎرﻫم
ﯾﺧططون ﻟﻬذا اﻷﻣر اﻟﺧطﯾر ،ووﺿﻌوا ﺧطﺔ اﻟﺗﻧﻔﯾذ ،واﺧﺗﺎروا ﻟﻬﺎ أﺣد ﻋﺷر رﺟﻼً ﻓﻲ
ﻣﻘدﻣﺗﻬم أﺑوﺟﻬل ،وﻋﻘﺑﺔ ﺑن أﺑﻲ ﻣﻌﯾط ،واﻟﻧﺿر ﺑن اﻟﺣﺎرث وﻏﯾرﻫم .وﻛﺎن ﻣوﻋد ﺗﻧﻔﯾذ
اﻟﻣؤاﻣرة ﺑﻌد ﻣﻧﺗﺻف اﻟﻠﯾل .وﻟﻣﺎ ﺟن اﻟﻠﯾل اﺟﺗﻣﻌوا ﺣول ﺑﯾﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم واﺛﻘﯾن
ﻣن ﻧﺟﺎح اﻟﺧطﺔ ،وﻟﻛن ﻣﺎ ظﻧك ﺑﻣن ﻗﺎل اﷲ ﻋﻧﻪ :واﷲ ﯾﻌﺻﻣك ﻣن اﻟﻧﺎس.
س :64ﻣﺎ اﻟﺧطﺔ اﻟﺗﻲ وﺿﻌﻬﺎ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وأﺑو ﺑﻛر ﻟﻠﻬﺟرة؟
ج : 64ﺑﻌد أن ﻋﻠم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺧﺑر اﻟﻣؤاﻣرة ذﻫب إﻟﻰ دار أﺑﻲ ﺑﻛر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ
وأﺧﺑرﻩ أن اﷲ ﻗد أذن ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻬﺟرة وأﻧﻪ ﺳﯾﺻﺣﺑﻪ ﻓﻲ رﺣﻠﺗﻪ اﻟﻣﺑﺎرﻛﺔ ﻫذﻩ .وﻓرح أﺑو
ﺑﻛر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ،وﺑﻛﻰ ﻣن ﺷدة اﻟﻔرح .وﺑﻘﻲ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻘﯾﺔ ﻧﻬﺎرﻩ ﻓﻲ
دار أﺑﻲ ﺑﻛر ،ووﺿﻌﺎ ﺧطﺔ اﻟﻬﺟرة اﻟﺗﻲ ﺗﺿﻣﻧت :
-1أن ﯾﺧرﺟﺎ ﻟﯾﻼً إﻟﻰ ﻏﺎر ﺛور ﺟﻧوب ﻣﻛﺔ ﻟﺗﺿﻠﯾل اﻟﻣﺷرﻛﯾن اﻟذﯾن ﺳﯾﺟدون
اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟرﺳول ﺷﻣﺎل ﻣﻛﺔ ﺟﻬﺔ اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
-2أن ﯾﻣﻛﺛﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﺎر ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ﺣﺗﻰ ﯾﺧف اﻟطﻠب ﻋﻠﯾﻬﻣﺎ.
79
-3اﺳﺗﺄﺟ ار دﻟﯾﻼً ﻋﺎرﻓﺎً ﺑطرق اﻟﺻﺣراء ،واﺳﺗﻛﺗﻣﺎﻩ اﻟﺧﺑر ،ودﻓﻌﺎ إﻟﯾﻪ ﺑﺎﻟراﺣﻠﺗﯾن
اﻟﻠﺗﯾن اﺷﺗراﻫﻣﺎ أﺑو ﺑﻛر ﻟﻠﻬﺟرة ،وطﻠﺑﺎ ﻣﻧﻪ أن ﯾﺄﺗﯾﻬﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﺎر ﺑﻌد ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم
،وﺣددا ﻟﻪ اﻟﺳﺎﻋﺔ .وﻫذا اﻟدﻟﯾل ﻫو ﻋﺑداﷲ ﺑن أرﯾﻘط اﻟدﯾﻠﻲ.
ﻼ ،وأن ﯾﺄﺗﯾﻬﻣﺎ
-4ﺗﺿﻣﻧت اﻟﺧطﺔ أن ﯾﺄﺗﯾﻬﻣﺎ ﻋﺑداﷲ ﺑن أﺑﻲ ﺑﻛر ﺑﺎﻷﺧﺑﺎر ﻟﯾ ً
ﻋﺎﻣر ﺑن ﻓﻬﯾرة راﻋﻲ أﻏﻧﺎم أﺑو ﺑﻛر ﺑﺎﻷﻏﻧﺎم ﻟﯾﻼً ﻟﯾﺷرﺑﺎ ﻣن ﻟﺑﻧﻬﺎ ،وﺗزﯾل آﺛﺎر
أﻗدام ﻋﺑداﷲ اﺑن أﺑﻲ ﺑﻛر إذا ﺟﺎءﻫﻣﺎ ﺑﺎﻷﺧﺑﺎر ،وأن ﺗﺄﺗﯾﻬﻣﺎ أﺳﻣﺎء ﺑﻧت أﺑﻲ
ﻼ ،وأن ﯾﺻﺣﺑﻬﻣﺎ ﻋﺎﻣر ﺑن ﻓﻬﯾرة ﻓﻲ طرﯾق اﻟﻬﺟرة ﻟﯾﺧدﻣﻬﻣﺎ،
ﺑﻛر ﺑﺎﻟطﻌﺎم ﻟﯾ ً
وأن ﯾﺑﻘﻰ ﻋﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﻓراش اﻟرﺳول ﻓﻲ ﺑﯾﺗﻪ ﻟﯾرد اﻟوداﺋﻊ واﻷﻣﺎﻧﺎت ﺛم ﯾﻠﺣق
ﺑﻬﻣﺎ.
ج :65ﻟﻘد ﻧﺟﺣت ﺧطﺔ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وﻓﺷﻠت ﺧطﺔ ﻗرﯾش ،ﻓﺑﻌد
أن وﺿﻊ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺧطﺔ اﻟﻬﺟرة ﻣﻊ ﺻﺎﺣﺑﻪ أﺑﻲ ﺑﻛر ،ﻋﺎد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻟﻰ ﺑﯾﺗﻪ
آﻣﻧﺎً ،وﻣطﻣﺋﻧﺎً ،واﺛﻘﺎً ﻣن ﻧﺻر اﷲ " ٕواذ ﯾﻣﻛر ﺑك اﻟذﯾن ﻛﻔروا ﻟﯾﺛﺑﺗوك أو ﯾﻘﺗﻠوك ،أو
ﯾﺧرﺟوك ،وﯾﻣﻛرون ،وﯾﻣﻛر اﷲ واﷲ ﺧﯾر اﻟﻣﺎﻛرﯾن" وﻟﻣﺎ ﻏرﺑت اﻟﺷﻣس ﺗﺟﻣﻊ
اﻟﻣﺷرﻛون ﺣول ﺑﯾت اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ ﺑزﻋﺎﻣﺔ أﺑو ﺟﻬل )ﻋﻣرو ﺑن ﻫﺷﺎم( ،وﻗﺑل
ﻣوﻋد اﻟﻣداﻫﻣﺔ ﻟﻘﺗل اﻟرﺳول ،ﺧرج ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن دارﻩ ،واﺧﺗرق ﺟﻣوع
وﺗﺣﻘﯾرً ﻟﺷﺄﻧﻬم
ا اﻟﻣﺷرﻛﯾن ،وأﺧذ ﺣﻔﻧﺔ ﻣن اﻟﺑطﺣﺎء وﻧﺛرﻫﺎ ﻋﻠﻰ رؤوﺳﻬم إذﻻﻻً ﻟﻬم
وﻫو ﯾﻘ أر ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ" وﺟﻌﻠﻧﺎ ﻣن ﺑﯾن أﯾدﯾﻬم ﺳداً وﻣن ﺧﻠﻔﻬم ﺳداً ﻓﺄﻏﺷﯾﻧﺎﻫم ﻓﻬم ﻻ
ﯾﺑﺻرون" .وﻣﺿﻰ إﻟﻰ دار ﺻﺎﺣﺑﻪ أﺑﻲ ﺑﻛر ،وﺧرﺟﺎ ﻟﯾﻼً ،وﺗوﺟﻬﺎ اﻟﻰ ﻏﺎر ﺛور
80
ﺟﻧوب ﻣﻛﺔ ،واﻟﻣﺣﺎﺻرون ﺑﻧﺗظرون ﺳﺎﻋﺔ اﻟﺻﻔر .وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻷﺛﻧﺎء ﺟﺎءﻫم رﺟل ﻣن
ﻏﯾرﻫم ورآﻫم ﻋﻠﻰ ﺑﺎب اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﺗﻧﺗظرون؟ ﻗﺎﻟوا :ﻣﺣﻣداً .ﻗﺎل:
ﺧﺑﺗم وﺧﺳرﺗم .ﻣر ﺑﻛم ووﺿﻊ ﻋﻠﻰ رؤوﺳﻛم اﻟﺗراب وأﻧطﻠق ﻟﺣﺎﺟﺗﻪ .ﻗﺎﻟوا :واﷲ ﻣﺎ
رأﯾﻧﺎﻩ .وﻗﺎﻣوا ﯾﻧﻔﺿون اﻟﺗراب ﻋن رؤوﺳﻬم .وﻛﺎن ذﻟك ﻟﯾﻠﺔ اﻟﺟﻣﻌﺔ 27ﺻﻔر ﺳﻧﺔ
14ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ.
وﻧﺳﺗﻔﯾد ﻣن ﻫذا اﻟﻌﻣل اﻟﻧﺑوي درس ﻫﺎم و ﻫو ﺿرورة اﻷﺧذ ﺑﺎﻷﺳﺑﺎب ﻓﻬﻲ
ﻣﻔﺗﺎح اﻟﻧﺟﺎح ،ﻓﻬذا اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﯾﺄﺧذ ﯾوم اﻟﻬﺟرة و ﻓﻲ
ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻣواﻗف ﻗﺑل اﻟﻬﺟرة وﺑﻌدﻫﺎ ﺑﺎﻷﺳﺑﺎب وﻫو ﯾﻌﻠم أن اﷲ ﻣﻌﻪ وﻣؤﯾدﻩ
وﻧﺎﺻرﻩ وﻟن ﯾﺧذﻟﻪ وﻣﻊ ذﻟك ﯾﺄﺧذ ﺑﺎﻷﺳﺑﺎب ﻟﺗﺗﻌﻠم اﻷﻣﺔ ﻣن ﺑﻌدﻩ ﻫذا اﻟﺧﻠق
وﺗﻌﻣل ﺑﻪ ﻓﻲ ﻛل ﺷؤون ﺣﯾﺎﺗﻬﺎ .
ﻟﻘد ﺧطط رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ دار أﺑو ﺑﻛر وﺑﻣﺷﺎرﻛﺔ أﺑو ﺑﻛر
ﻟﻠﻬﺟرة .ﻛﺎﻧت اﻟﺧطﺔ وﻛﻣﺎ رأﯾﻧﺎ دﻗﯾﻘﺔ و ﻣﺣﻛﻣﺔ ﻷﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﯾﻌﻠم ﺧطورة و أﻫﻣﯾﺔ اﻷﻣر اﻟذي ﻣن أﺟﻠﻪ ﯾﺧطط .ﻟم ﯾﻛن ﻫو وأﺑو ﺑﻛر
ﯾﺧططﺎن ﻟﻠﻧﺟﺎة ﺑﻧﻔﺳﯾﻬﻣﺎ ﺑل ﻟﻠﻧﺟﺎة ﺑﻬذا اﻟدﯾن و إﯾﺻﺎﻟﻪ إﻟﻰ أرض آﻣﻧﺔ
وﻣؤﻣﻧﺔ ﺗﺣﺗﺿﻧﻪ ،و ﻗوم ﯾﻧﺻروﻧﻪ و ﯾؤﯾدوﻧﻪ ﺣﺗﻰ ﯾﻛﺗب اﷲ ﻟﻪ اﻟﺑﻘﺎء إﻟﻰ
ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ .ﺛم ﻟﻧﻧظر ﻣن أﺷرك ﻣﻌﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ اﻟﺗﺧطﯾط ! إﻧﻪ
أﺑو ﺑﻛر اﻟرﺟل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ ﺑﻌد ﻧﺑﯾﻬﺎ .ﻟﻘد أﺣﺳن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم اﻷﺧذ ﺑﺎﻷﺳﺑﺎب .أﺣﺳن اﻟﺗوﻛل ﻋﻠﻰ اﷲ وﻫو أﻋظم اﻷﺳﺑﺎب ،و أﺣﺳن
اﻟﺗﺧطﯾط ،وأﺣﺳن اﻹﺳﺗﺷﺎرة و اﺧﺗﯾﺎر ﻣن ﯾﺷﺎرﻛﻪ اﻟﺗﺧطﯾط ،ﻓﻧﺟﺣت اﻟﺧطﺔ
،وﺗﻣت اﻟﻬﺟرة ﺑﺳﻼم ،وﻗﺎﻣت ﻋﻠﻰ إﺛر ذﻟك دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم .ﻓﻬل ﻧﺣﺳن
81
اﻟﺗوﻛل ﻋﻠﻰ اﷲ ؟ وﻧﺣﺳن اﻹﺳﺗﺷﺎرة واﻟﺗﺧطﯾط واﺧﺗﯾﺎر ﻣن ﯾﺧطط ﻟﻧﺎ و ﻣﻌﻧﺎ ؟
أﺳﺋﻠﺔ ﯾﺟﯾب ﻋﻠﯾﻬﺎ واﻗﻊ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟذي ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣن اﻟﻔﺷل ،واﻟﺗﺧﺑط ،واﻟﺿﯾﺎع
واﻟذي ﻫو ﻧﺗﺎﺋﺞ ﻟﻣﻘدﻣﺎت طﺎل ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻷﻣد ،وﻋﻠل ﻧﺧرت ﻓﻲ ﺟﺳد اﻷﻣﺔ ،
وﻣن أﺑرزﻫﺎ ﺳوء اﻟﺗﺧطﯾط اﻟذي ﻻزم اﻟﻛﺛﯾر ﻣن ﻣﺟﺎﻻت ﺣﯾﺎﺗـﻧﺎ ﻓﺟﺎءت اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ
ﺳﯾﺋﺔ ﻛﺎﻟﻣﻘدﻣﺎت .
ودرس آﺧر ﻧﺳﺗﻔﯾدﻩ ﻣن ﻫﺟرﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﺻﺣﺎﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ
اﻟﻣﻧورة ،وﻣن ﻓﻌل اﻷﻧﺻﺎر اﻟذﯾن أﺣﺳﻧوا اﺳﺗﻘﺑﺎل اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن وﻧﺻرﺗﻬم ،وﻣﺎ
ﺗرﺗب ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﻬﺟرة اﻟﻧﺻرة ﻣن ﻗﯾﺎم دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم واﻧﺗﺷﺎر اﻟدﯾن .ﻟﻘد ﺧرج
اﻟﻣﻬﺎﺟرون ﻣن ﻣﻛﺔ ﺳ ار و ﺗرﻛوا ﻓﯾﻬﺎ ﻛل ﺷﻲء ﺣﺗﻰ أﻫﻠﯾﻬم ﺧوﻓﺎ ﻋﻠﻰ دﯾﻧﻬم
اﻟذي ﻛﺎن ﻋﻧدﻫم أﻏﻠﻰ ﺣﺗﻰ ﻣن أرواﺣﻬم .واﺳﺗﻘﺑل اﻷﻧﺻﺎر اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن
وﻓﺗﺣوا ﻟﻬم دورﻫم وﺻدورﻫم ،وﻗﺎﺳﻣوﻫم أﻣواﻟﻬم ،وﻗدﻣوا ﻛل ﺷﻲء ﻣن أﺟل
اﻟدﯾن ٕواﻻ ﻓﺎﻟﻣﻬﺎﺟرون ﻏرﺑﺎء ﻋﻧﻬم ﻻ ﯾرﺑطﻬم ﺑﻬم ﺣﺳب وﻻ ﻧﺳب ﺑل ﻛﺎن
ﺑﯾﻧﻬم ﻗﺑل اﻹﺳﻼم ﻋداوات ،وﻟﻛﻧﻪ اﻟدﯾن اﻟذي ﻣزج ﻗﻠوﺑﻬم وﺻﻬرﻫﺎ ﻓﻲ ﺑوﺗـﻘﺔ
اﻟﺣب ﻓﻲ اﷲ ﻛﻣﺎ ﻗﺎل اﷲ " وأﻟّــف ﺑﯾن ﻗﻠوﺑﻬم ﻟو أﻧﻔﻘت ﻣﺎ ﻓﻲ اﻷرض ﺟﻣﯾﻌﺎ
ﻣﺎ أﻟّــﻔت ﺑﯾن ﻗﻠوﺑﻬم " .ﻟﻘد ﺿﺣﻰ اﻟﻣﻬﺎﺟرون واﻷﻧﺻﺎر ﻛﺛﯾ ار ﻣن أﺟل اﻟدﯾن
،ﻓﺧﻠّــد اﷲ ذﻛرﻫم ﻓﻲ اﻟﻘرآن ،وﺑﺷرﻫم ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺄﻧﻪ ر ٍ
اض ﻋﻧﻬم .وﺧﻠّــد
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ذﻛر اﻷﻧﺻﺎر وأﺛﻧﻰ ﻋﻠﯾﻬم ،وأﺧﺑر ﺑﺄن ﺣﺑﻬم إﯾﻣﺎن
وﺑﻐﺿﻬم ﻧﻔﺎق .ورﻓﻊ اﷲ ورﺳوﻟﻪ ﺷﺄن وﻣﻛﺎﻧﺔ اﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻣﻧورة واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت
ﻗﺑل اﻟﻬﺟرة واﻟﻧﺻرة ﻗرﯾ ًﺔ ﻫﺎﻣﺷﯾ ًﺔ ﻣﺷﺣوﻧ ًﺔ ﺑﺎﻟﻌداوات و اﻟﺣروب اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت
ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑﯾن أﻫﻠﻬﺎ ،ﻓﺄﺻﺑﺣت ﺑﺳﺑب اﻟﻬﺟرة و اﻟﻧﺻرة ﻋﺎﺻﻣﺔ ﻟﻺﺳﻼم ،وﻣﺄر ازً
ﻟﻺﯾﻣﺎن ،ﻣﻠﯾﺋﺔ ﺑﺎﻟﺣب واﻟﺧﯾر واﻟﺑرﻛﺎت ،وﻻ ﺗزال إﻟﻰ ﯾوﻣﻧﺎ ﻫذا ﺗﺣﺗل ﻣﻛﺎﻧﺔ
82
ﺳﺎﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﻗﻠب ﻛل ﻣﺳﻠم .ﻣﻛﺎﻧﺔ ﻟم ﺗﻧﻠﻬﺎ اﻟطﺎﺋف اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﻧﺻر رﺳول اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻗد ﺟﺎءﻫﺎ طﺎﻟﺑﺎً ﻟﻠﻧﺻرة ﻓﻔﺎﺗﻬﺎ ﺷرف وﺑرﻛﺎت اﻟﻬﺟرة
واﻟﻧﺻرة .ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺳﯾر أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗﺎل :اﻟﻠﻬم إﻧك أﺧرﺟﺗﻧﻲ
إﻟﻲ ،ﻓﺄﺳﻛﻧﻲ أﺣب اﻟﺑﻼد إﻟﯾك .ﻓﻛﺎﻧت اﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻣﻧورة ﺑﺳﺑب
ﻣن أﺣب اﻟﺑﻼد َ
اﻟﻬﺟرة واﻟﻧﺻرة أﺣب ااﻟﺑﻼد إﻟﻰ اﷲ .
ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﻬﺟرة وﺻدﻗت اﻟﻧﺻرة ﻗﺎﻣت دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم ،وﺗﻧزﻟت اﻷﺣﻛﺎم ،
وﻋز اﻟدﯾن وأﻫﻠﻪ ،وذ ّل اﻟﻛﻔر و اﻟﻧﻔﺎق وأﺗﺑﺎﻋﻪ .
واﻧﺗﺷر اﻟدﯾن ّ ،
واﻟﯾوم ...ﻣﺎ ﺣﺎل اﻟدﯾن وأﺗﺑﺎﻋﻪ ؟ وﻣﺎ ﺣﺎل اﻟﻛﻔر و اﻟﻧﻔﺎق وأﺷﯾﺎﻋﻪ اﻟذﯾن
ﻛﺛروا ﺗﺣت ﻣﺳﻣﯾﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ ﻛﻔر ﺻرﯾﺢ أو ﻧﻔﺎق ﻗﺑﯾﺢ ؟ .إن
اﻹﺳﻼم وأﺗﺑﺎﻋﻪ اﻟﺻﺎدﻗﯾن اﻟﯾوم ﺑﺣﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ إﻟﻰ ﻧﺻرة ﻟﯾﺑﻠﻐوا دﯾن اﷲ إﻟﻰ
أﻛﺛر ﻣن ﺳﺑﻌﺔ ﻣﻠﯾﺎرات إﻧﺳﺎن ﯾﻌﯾﺷون ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻷرض وﻛل ﻣﻧﻬم واﷲ ﻟﻪ
ﺣق ﻓﻲ أن ﯾﺻﻠﻪ ﻫذا اﻟدﯾن وﯾﻌرﻓﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﯾﻘﺗﻪ ،وﺑﻌدﻫﺎ " ﻓﻣن ﺷﺎء ﻓﻠﯾؤﻣن
وﻣن ﺷﺎء ﻓﻠﯾﻛﻔر " ،ﻓﺈن اﷲ اﻟذي ﻫو رب ﻛل اﻟﻧﺎس ،واﻟذي ﺳﺧر اﻟﺷﻣس
ﺿﯾﺎء واﻟﻘﻣر ﻧو ارً ﻟﻛل اﻟﻧﺎس ،وأرﺳل اﻟﻐﻣﺎم ﺑﺎﻟﻣطر ﺣﯾﺎة ﻟﻛل اﻟﻧﺎس ،ﻫو
اﻟذي ﺑﻌث ﻣﺣﻣداً ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم رﺳوﻻً ﻟﻛل اﻟﻧﺎس ،وأﻧزل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻘرآن
ﻫدى ﻟﻛل اﻟﻧﺎس .
ﻓﺄﯾن أﻧﺻﺎر اﷲ ،وأﻧﺻﺎر رﺳوﻟﻪ ،وأﻧﺻﺎر دﯾﻧﻪ ؟ وﺧﺎﺻ ًﺔ ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن ﺑﻠدان
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺣﯾث أﺻﺑﺢ اﻹﺳﻼم وأﺗﺑﺎﻋﻪ اﻟﺻﺎدﻗون ﻣن اﻟﻌﻠﻣﺎء واﻟدﻋﺎة ﯾﻌﺎﻧون
ﻣن اﻟدﺳﺎﺋس ،واﻟﻣؤاﻣرات ،واﻹﺗﻬﺎﻣﺎت ،واﻟﻣﻼﺣﻘﺎت ،واﻟﺗﺣﻘﯾر ،واﻟﺗﺷوﯾﻪ
ﻟﺗﺑﻘﻰ اﻟﺳﺎﺣﺔ ﻣﻔﺗوﺣﺔ ﻟﻠﺑوم واﻟﻐرﺑﺎن ﻣن اﻷﻣﯾﯾن ،واﻟﺟﻬﻠﺔ ،واﻟﺳطﺣﯾﯾن ،
وأﻧﺻﺎف اﻟﻣﺗﻌﻠﻣﯾن ﻟﯾﺗﺻدوا ﻟﻠدﻋوة ،وﻟﯾﺗﻛﻠﻣوا ﻋن اﻹﺳﻼم ﺑطرﯾﻘﺔ ﺗﻌﻛر ﺻﻔو
83
اﻹﺳﻼم ،وﺗﺷوﻩ ﺟﻣﺎﻟﻪ ،وﺗﻌﻘد ﯾﺳرﻩ ،وﺗﻧﻔر اﻟﻧﺎس ﻣﻧﻪ ،ﻓﺎﻟﻠﻬم ﻫﻲء ﻟدﯾﻧك
ﻣن ﯾﻧﺻرﻩ وﯾﺑﻠﻐﻪ .
س 66ﻣﺎذا ﻓﻌﻠت ﻗرﯾش ﺑﻌد ﻓﺷل ﺧطﺗﻬﺎ وﻧﺟﺎة ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم؟
ج : 66ﺟن ﺟﻧوﻧﻬﺎ ،وطﺎر ﺻواب أﺑﻲ ﺟﻬل اﻟذي ﺗوﺟﻪ ﻣﺑﺎﺷرة إﻟﻰ دار أﺑﻲ
ﺑﻛر اﻟﺻدﯾق ،وطرق اﻟﺑﺎب ﺑﻌﻧف ،ﻓﺧرﺟت أﺳﻣﺎء ﺑﻧت أﺑﻲ ﺑﻛر اﻟﺻدﯾق
وﺳﺄﻟﻬﺎ ﻋن ﻣﺣﻣد وﻋن أﺑﯾﻬﺎ ﻓﻘﺎﻟت :ﻻ ﻋﻠم ﻟﻲ .ﻓﺻﻔﻬﻌﺎ ﺻﻔﻌﺔ ﻗوﯾﺔ أﺳﻘطت
ﻗرطﻬﺎ .ودﻋﺎ إﻟﻰ اﺟﺗﻣﺎع ﻋﺎﺟل ﻟﻠﺗﺷﺎور ﻟﻠﻘﺑض ﻋﻠﻰ ﻣﺣﻣد ﻗﺑل أن ﯾﻔﻠت ﻣن
أﯾدﯾﻬم إﻟﻰ ﯾﺛرب .واﺗﻔﻘوا ﻋﻠﻰ وﺿﻊ ﺟﻣﯾﻊ ﻣداﺧل ﻣﻛﺔ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﺷﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﻧﻬﺎ
ﺗﺣت اﻟﻣراﻗﺑﺔ اﻟﺷدﯾدة ،واﺳﺗﺄﺟروا ﻗﺻﺎص اﻷﺛر وﻣﻧﻬم ﺳراﻗﺔ ﺑن ﻣﺎﻟك
اﻟﺟﻌﺷﻣﻲ ﻟﺗﺗﺑﻊ آﺛﺎر ﻣﺣﻣد وﺻﺎﺣﺑﻪ أﺑﻲ ﺑﻛر ،ووﺿﻌوا ﻣﺎﺋﺔ ﻧﺎﻗﺔ ﺟﺎﺋزة ﻟﻣن
ﯾﺄﺗﻲ ﺑﻣﺣﻣد ﺣﯾﺎً أو ﻣﯾﺗﺎً .وﻟذا ﺟد اﻟﻧﺎس ﻓﻲ اﻟﺑﺣث ﻓﻲ ﺷﻌﺎب ﻣﻛﺔ ،وطرﻗﺎﺗﻬﺎ،
ودورﻫﺎ ﺣﺗﻰ وﺻﻠوا إﻟﻰ اﻟﻐﺎر اﻟذي ﻛﺎن اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وأﺑو ﺑﻛر ﺑداﺧﻠﻪ
وﻟﻛن وﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .ﯾﺎ أﺑﺎ ﺑﻛر ﻣﺎ ظﻧك ﺑﺎﺛﻧﯾن اﷲ ﺛﺎﻟﺛﻬﻣﺎ؟ ﻻ ﺗﺣزن
إن اﷲ ﻣﻌﻧﺎ" .واﺳﺗﻣر اﻟطﻠب ﺣﺗﻰ ﯾﺋس اﻟﻣﺷرﻛون ﻣن اﻟﻌﺛور ﻋﻠﻰ ﻣﺣﻣد
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﺻﺎﺣﺑﻪ أﺑﻲ ﺑﻛر اﻟﻠذﯾن ﻣﻛﺛﺎ ﺑﺎﻟﻐﺎر أﯾﺎم اﻟﺟﻣﻌﺔ ،واﻟﺳﺑت ،
واﻷﺣد ﯾﺄﺗﯾﻬﻣﺎ وﺣﺳب اﻟﺧطﺔ ﻋﺑداﷲ ﺑن أﺑﻲ ﺑﻛر ﺑﺎﻷﺧﺑﺎر ﻟﯾﻼً ،وﯾﺄﺗﯾﻬﻣﺎ ﻋﺎﻣر
ﻼ.
ﺑن ﻓﻬﯾرة ﺑﺎﻷﻏﻧﺎم ،وﺗﺄﺗﯾﻬﻣﺎ أﺳﻣﺎء ﺑﻧت أﺑﻲ ﺑﻛر ﺑﺎﻟطﻌﺎم ﻟﯾ ً
84
س : 67ﻛﯾف ﻫﺎﺟر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم وﺻﺎﺣﺑﻪ أﺑو ﺑﻛر؟ وﻣﺎذا
ﺗﻌﻧﻲ اﻟﻬﺟرة ؟ .
ج : 67ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻟﯾﻠﺔ اﻹ ﺛﻧﯾن ﻏرة رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ 14ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ ،وﻟﻣﺎ ﻫدأت
ﻣﻛﺔ ﺟﺎء -وﺣﺳب اﻟﺧطﺔ -اﻟدﻟﯾل ﻋﺑد اﷲ ﺑن أرﯾﻘط ﺑﺎﻟراﺣﻠﺗﯾن ،وﺟﺎءت أﺳﻣﺎء
ﺑﺎﻟزاد ،وﺟﺎء ﻋﺎﻣر ﺑن ﻓﻬﯾرة ﻟﯾﺻﺣﺑﻬﻣﺎ ﺧﺎدﻣﺎً ﻟﻬﻣﺎ .وارﺗﺣل اﻟﺟﻣﯾﻊ ﺗرﻋﺎﻫم
ﻋﯾن اﷲ .ورﻛب اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﺣدى اﻟراﺣﻠﺗﯾن ،ورﻛب أﺑو ﺑﻛر اﻷﺧرى ،
وأردف ﺧﻠﻔﻪ ﻋﺎﻣر ،وﺗوﺟﻪ اﻟرﻛب اﻟﻣﺑﺎرك إﻟﻰ ﯾﺛرب.
ﻟم ﺗﻛن ﻫﺟرﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم رﺣﻠﺔ ﻟﻼﺳﺗﺟﻣﺎم أو اﻻﺳﺗرواح ،أو
ﻫروﺑﺎّ ﻣن اﻷذى واﻻﺿطﻬﺎد اﻟذي ﻟﻘﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ،
ﺑل ﻛﺎﻧت ﻧﻘﻠﺔ ﻧوﻋﯾﺔ ،وﺗﺣوﻻّ ،واﻧﺗﻘﺎﻻّ ﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟدﻋوة ،وﻟﻣواﺻﻠﺔ اﻟﺟﻬد ﻟﺗﺑﻠﯾﻎ
رﺳﺎﻟﺔ اﷲ وﻛﻠﻣﺗﻪ ،وﻟﻧﺷر دﯾﻧﻪ .ﻟﻘد ﻛﺎن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﯾﻌﻠم أﻧﻪ ﯾﻧﺗﻘل
ﻣن ﻣﻛﺔ وﻫﻲ أﺣب اﻟﺑﻼد إﻟﻰ ﻧﻔﺳﻪ إﻟﻰ أرض ﻟم ﯾﺄﻟﻔﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﻏرﯾﺑﺔ ﻋﻠﯾﻪ ،وﻫو
ﻏرﯾب ﻋﻠﯾﻬﺎ ،وﻓﻲ اﻟﻐرﺑﺔ ﻣﻌﺎﻧﺎة وأﻟم .ﻟﻘد ﻛﺎن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﯾﻌﻠم أﻧﻪ
ﯾﻧﺗﻘل ﻣن أرض واﺟﻪ ﻓﯾﻬﺎ ﻋدواّ واﺣداّ ﻫم ﻗوﻣﻪ وﻋﺷﯾرﺗﻪ اﻟذﯾن ﯾﻌرﻓون ﺻدﻗﻪ
وأﻣﺎﻧﺗﻪ وﯾﺷﻬدون ﻟﻪ ﺑﻬﺎ ،وﻫو اﻟﯾوم ﯾﻧﺗﻘل إﻟﻰ أرض ﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم
ﯾﻌﻠم أﻧﻪ ﺳﯾواﺟﻪ ﻓﯾﻬﺎ أﻋداءاّ ﻛﺛﯾرﯾن وﻟﯾس ﻋدواّ واﺣداّ .ﺳﯾواﺟﻪ اﻟﯾﻬود أﻋداء
اﻷﻧﺑﯾﺎء ،وﺳﯾواﺟﻪ اﻟﻣﺷرﻛﯾن داﺧل اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﺧﺎرﺟﻬﺎ ،وﺳﯾواﺟﻪ اﻟﻣﺷﺎﻛل اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ
ﺑﯾن أﻧﺻﺎرﻩ ﻣن اﻷوس واﻟﺧزرج ،وﺳﯾواﺟﻪ ﻣﺷﺎﻛل اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن اﻟذﯾن أﺧرﺟوا ﻣن
دﯾﺎرﻫم وأﻣواﻟﻬم إﻟﻰ أرض ﻻ ﻣﺎل ﻟﻬم ﻓﯾﻬﺎ وﻻ أﻫل ،وﺳﯾواﺟﻪ ....وﺳﯾواﺟﻪ ....
ﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﯾﻌﻠم أﻧﻪ ﺳﯾواﺟﻪ ﺑﺳﺑب اﻟﻬﺟرة ﻛل ﻫذﻩ اﻟﻣﺷﺎﻛل ،وﻟو
85
ﺑﻘﻲ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ﻣﺎ واﺟﻬﻬﺎ وﻣﺎ ﻋﺎﻧﻰ ﻣﻧﻬﺎ ،وﻟﻛﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻔﻛر
ﻓﻲ ﻣﺻﻠﺣﺗﻪ وأﺳﺑﺎب راﺣﺗﻪ .ﻟﻘد أﻧﺳﺗﻪ اﻟدﻋوة ﻛل ذﻟك ،ﻓﻬو ﯾﻔﻛر ﻓﻲ ﺗﺑﻠﯾﻎ
رﺳﺎﻟﺔ رﺑﻪ وﻓﻲ ﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟدﻋوة اﻟﺗﻲ ﺗﺗطﻠب ﻣﻧﻪ اﻟﻬﺟرة إﻟﻰ ﺑﻠد آﺧر ﻓﯾﻪ أﻋداء
وﻣﺷﺎﻛل ﺟﺳﺎم وﻟﻛﻧﻪ ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻛﺎن ﯾﻌﻠم أن وراء ﻛل ذﻟك اﻧﺗﺻﺎ ار ﻟﻠدﯾن
واﻟدﻋوة ،وﻟذا أﻣر ﻧﺑﯾﻪ ﺑﺎﻟﻬﺟرة ﻟﯾواﺻل ﻣﺳﯾرة اﻟدﻋوة واﻟﻛﻔﺎح .وﻓﻲ ﻫذا اﻷﻣر
اﻟرﺑﺎﻧﻲ أﻣر ﻟﻠدﻋﺎة ﻓﻲ ﻛل زﻣﺎن وﻣﻛﺎن إﻟﻰ أن ﯾﺗﺣرﻛوا وﯾﻧﺗﻘﻠوا ﺑدﻋوﺗﻬم وﯾﻬﺎﺟروا
ﺑﻬﺎ ،ﻓﺑﻬذا ﯾﺗﺣرك اﻟدﯾن ،وﺗﻧﺗﻘل اﻟدﻋوة ،وﺗﻧﺗﺷر ﻛﻠﻣﺔ اﷲ ،ﻓﻬﻧﺎك واﷲ ﻓﻲ
ﻣﺧﺗﻠف أﺻﻘﺎع اﻷرض ﻗﻠوب ﺿﺎﻣﺋﺔ ﺗﻧﺗظرﻫﺎ ،وﻧﻔوس ﺗواﻗﺔ ﺗﺗرﻗﺑﻬﺎ ٕ ،وان
ﻋﺎرﺿﻬﺎ ﻓﺋﺎم ﻣن ذوي اﻷطﻣﺎع واﻷﻫواء واﻟﺷﻬوات اﻟذﯾن ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ﯾﺗﺿﺎءﻟون
وﯾﺗﻘزﻣون أﻣﺎم ﻋظﻣﺔ اﻟدﯾن ،وﯾﻧﻬزﻣون أﻣﺎم ﻗوة اﻟﺣق .وﻫذا ﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﻌد ﻫﺟرﺗﻪ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .إن اﻟﺣق ﻗوي وﻟو ﻗل أﻧﺻﺎرﻩ ،وﻣﻧﺗﺻر وﻟو ﻛﺛر أﻋداؤﻩ .
ﻓﻬل ﻧﻌرف وﻧﺗﻌﻠم ﻫذﻩ اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻌظﯾﻣﺔ ﻣن ﺳﯾرﺗﻪ وﻫﺟرﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ؟
.
ج : 68ﻧﻌم .ﻟﻣﺎ ﻣر اﻟرﻛب ﺑﻘدﯾد وﻫﻲ دﯾﺎر ﺳراﻗﺔ ﺑن ﻣﺎﻟك ﻋرﻓﻬم ،ﻓﺗﻘﻠد ﺳﯾﻔﻪ
،وأﺧذ رﻣﺣﻪ وطﺎردﻫم طﻣﻌﺎً ﻓﻲ اﻟﺟﺎﺋزة ﺣﺗﻰ إذا أدرﻛﻬم ﺳﺎﺧت ﺑﻪ ﻗدﻣﺎ اﻟﻔرس ﻓﻲ
اﻟرﻣﺎل ﺛﻼث ﻣرات ..ﻓﺄﯾﻘن ﺳراﻗﺔ أن ﻣﺣﻣداً ﻣﻣﻧوع ،وأن أﻣرﻩ ﺳﯾظﻬر ،وﻟذا ﻧﺎدى
ﻋﻠﯾﻬم ﺑﺎﻷﻣﺎن ،وﻟﻣﺎ ﺟﺎءﻫم ﺗﻛﻠم ﻣﻌﻬم ،وﻋرض ﻋﻠﯾﻬم اﻟزاد ،ﺛم طﻠب ﻣن اﻟرﺳول
86
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أن ﯾﻛﺗب ﻟﻪ ﻛﺗﺎب أﻣﺎن .ﻓﻛﺗب ﻟﻪ ﻋﺎﻣر ﺑﺄﻣر اﻟرﺳول وﺑﻘﻲ ﻫذا
اﻟﻛﺗﺎب ﻣﻊ ﺳراﻗﺔ ﺣﺗﻰ ﺑﻌد ﺣﻧﯾن ﺣﯾن ﺟﺎء ﺳراﻗﺔ ﺑﺎﻟﻛﺗﺎب وأﺳﻠم رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻪ.وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻋدﻩ ﺑﻘوﻟﻪ :ﻛﯾف ﺑك ﯾﺎ ﺳراﻗﺔ إذا ﺳورت ﺑﺳواري ﻛﺳري
ﺑن ﻫرﻣز .وﻗد ﺗﺣﻘق ذﻟك ﻓﻲ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻣر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺣﯾن ﺟﺎءت ﻏﻧﺎﺋم
اﻟﻘﺎدﺳﯾﺔ وﻓﯾﻬﺎ أﻣوال ﻛﺳرى وﺣﻠﻠﻪ وﻣن ﺿﻣﻧﻬﺎ أﺳورﺗﻪ وﺳﯾﻔﻪ وﺗﺎﺟﻪ وﻣﻧطﻘﺗﻪ
ﻓﺄﻟﺑس ﻋﻣر ﺳراﻗﺔ ﺳواري ﻛﺳرى وﻣﻧطﻘﺗﻪ ﺗﺣﻘﯾﻘﺎً ﻟوﻋد ﻣن ﻻ ﯾﻧطق ﻋن اﻟﻬوى.
ج :69ﺑﻌد أن ﺗﺟﺎوز اﻟرﻛب اﻟﻣﺑﺎرك دﯾﺎر ﻗدﯾد ﻣر ﻋﻠﻰ ﺧﯾﻣﺔ اﻣرأة ﺧزاﻋﯾﺔ ﻫﻲ
ﻋﺎﺗﻛﺔ ﺑﻧت ﺧﺎﻟد اﻟﺧزاﻋﯾﺔ وﻫﻲ ﺟﺎﻟﺳﺔ ﺑﻔﻧﺎء دارﻫﺎ .وﻛﺎﻧت ﺗطﻌم وﺗﺳﻘﻲ ﻣن ﯾﻣر
ﺑﻬﺎ .ﻓﻧزل ﻋﻧدﻫﺎ اﻟرﺳول وﺻﺣﺑﻪ ﻟﻠراﺣﺔ وطﻠﺑوا اﻟطﻌﺎم ﻓﻘﺎﻟت :واﷲ ﻟو ﻛﺎن ﻋﻧدﻧﺎ
ﺷﻲء ﻣﺎ أﻋوزﻛم اﻟﻘرى ،واﻟﺷﺎة ﻋﺎزب ،واﻟﺳﻧﺔ ﺷﻬﺑﺎء .ﻓرأى اﻟرﺳول ﺷﺎةً ﻓﻲ
داﺧل اﻟﺧﯾﻣﺔ ﻓﺳﺄﻟﻬﺎ :ﻫل ﺑﻬﺎ ﻣن ﻟﺑن؟ ﻓﻘﺎﻟت ﻫﻲ أﺟﻬد ﻣن ذﻟك .ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم :أﺗﺄذﻧﯾن ﻟﻲ أن أﺣﻠﺑﻬﺎ؟ ﻗﺎﻟت :ﻧﻌم أن رأﯾت ﺑﻬﺎ ﺣﻠﺑﺎً .ﻓﻣﺳﺢ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
ﺑﯾدﻩ ﻋﻠﻰ ظﻬرﻫﺎ وﺿرﻋﻬﺎ وﺳﻣﻰ اﷲ ودﻋﺎ ،ﻓﺎﻣﺗﻸت ﺣﻠﯾﺑﺎً ،ﻓدﻋﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
ﺑﺈﻧﺎء ﻓﺣﻠب ﻓﯾﻪ ﺣﺗﻰ ﻋﻠﺗﻪ اﻟرﻏوة ﻓﺷرﺑوا ﺟﻣﯾﻌﻬم ﺣﺗﻰ ارﺗووا ،ﺛم ﺣﻠب ﺛﺎﻧﯾﺔ ﺣﺗﻰ
ﻣﻸ اﻹﻧﺎء وﺗرﻛﻪ ﻋﻧد اﻟﻣرأة ﻣﻣﻠوءاً ،وﻏﺎدروا ﺑﺎﺗﺟﺎﻩ ﯾﺛرب .وﻟﻣﺎ ﺟﺎء زوﺟﻬﺎ
أﺧﺑرﺗﻪ ﺑﻣﺎ ﻛﺎن ﻓﻘﺎل ﻫو واﷲ ﺻﺎﺣب ﻗرﯾش .وﻗد وﺻﻔت أم ﻣﻌﺑد رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟزوﺟﻬﺎ وﺻﻔﺎً دﻗﯾﻘﺎً ﻫو ﻣن أﺟﻣل ﻣﺎ ذﻛر ﻓﻲ اﻟﺳﯾر ﻣن وﺻف ﻟﻪ
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .وﻫذا ﻫو وﺻﻔﻬﺎ ﻟﻪ ﺑﺄﺑﻲ ﻫو وأﻣﻲ ﺻﻠوات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﯾﻪ :
87
ﻗﺎﻟت أم ﻣﻌﺑد ﻓﻲ وﺻﻔﻪ :رأﯾت رﺟﻼً ظﺎﻫر اﻟوﺿﺎءة ،ﺣﺳن اﻟﺧﻠق ،ﻣﻠﯾﺢ اﻟوﺟﻪ
،ﻟم ﺗﻌﺑﻪ ﺛﺟﻠﺔ ) ﺿﺧﺎﻣﺔ اﻟﺑطن( ،وﻟم ﺗزر ﺑﻪ ﺻﻌﻠﺔ )ﺻﻐر اﻟرأس( ،وﺳﯾم ﻗﺳﯾم،
ﻓﻲ ﻋﯾﻧﯾﻪ دﻋﺞ ) واﺳﻌﺔ ،وﺑﯾﺎﺿﻬﺎ ﺷدﯾد ،وﺳوادﻫﺎ ﺷدﯾد ،وﻫذا ﻫو اﻟﺣور ( ،
وﻓﻲ أﺷﻔﺎرﻩ ) رﻣوش اﻟﻌﯾن ( وطف ) طول( ،وﻓﻲ ﺻوﺗﻪ ﺻﺣل)ﺑﺣﺔ( ،أﺣور،
أﻛﺣل ،أزج ،أﻗرن ،ﻓﻲ ﻋﻧﻘﻪ ﺳطﻊ ،وﻓﻲ ﻟﺣﯾﺗﻪ ﻛﺛﺎﺛﺔ .إذا ﺻﻣت ﻋﻼﻩ
اﻟوﻗﺎرٕ ،واذا ﺗﻛﻠم ﻋﻼﻩ اﻟﺑﻬﺎء ،ﺣﻠو اﻟﻣﻧطق ﻓﺻل ،ﻻ ﻧزر وﻻ ﻫزر)ﻟﯾس ﺑﺎﻟﻘﻠﯾل وﻻ
ﺑﺎﻟﻛﺛﯾر( ،ﻛﺄن ﻣﻧطﻘﻪ ﺧرزات ﻧظم ﯾﻧﺣدرن ،أﺑﻬﻰ اﻟﻧﺎس وأﺟﻣﻠﻪ ﻣن ﺑﻌﯾد ،وأﺣﺳﻧﻪ
ﺻر ،وﻻ ﺗﺷﻧؤﻩ ٍ
ﻣن ﻗرﯾب .رﺑﻌﺔ) ﻟﯾس ﺑﺎﻟطوﯾل وﻻ ﺑﺎﻟﻘﺻﯾر( ﻻ ﺗﻘﺗﺣﻣﻪ ﻋﯾن ﻣن ﻗ َ
ﻣن طول .ﻏﺻن ﺑﯾن ﻏﺻﻧﯾن ،ﻓﻬو أﻧﺿر اﻟﺛﻼﺛﺔ ﻣﻧظ ارً ،وأﺣﺳﻧﻬم ﻗدا ،ﻟﻪ رﻓﻘﺎء
ﯾﺣﻔﱡون ﺑﻪ ،إن ﻗﺎل اﺳﺗﻣﻌوا ﻟﻘوﻟﻪٕ ،وان أﻣر ﺗﺑﺎدروا ﻷﻣرﻩ ،ﻣﺣﻔود )ﻣﺧدوم(
ﻣﺣﺷود ،ﻻ ﻋﺎﺑس وﻻ ﻣﻔ ﱢﻧد) أي ﻻ ﯾﻛﺛر اﻟﻠوم(.
ج : 70أﻣﺎ أﻫل ﻣﻛﺔ ﻓﻘد ﻋﻠﻣوا ﺑﻌد أﯾﺎم ﺑوﺟﻬﺔ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﻣن رﺟل ﻣن اﻟﺟن أﻗﺑل -ﻛﻣﺎ ﺗﻘول أﺳﻣﺎء -ﺑﻌد أﯾﺎم ﻣن أﺳﻔل ﻣﻛﺔ وﻫو ﯾﻧﺷد
ﺑﺄﺑﯾﺎت واﻟﻧﺎس ﯾﺗﺑﻌوﻧﻪ وﯾﺳﻣﻌون ﺻوﺗﻪ وﻻ ﯾروﻧﻪ ﺣﺗﻰ ﺧرج ﻣن أﻋﻼﻫﺎ .ﻓﻠﻣﺎ
ﺳﻣﻌﻧﺎ ﻗوﻟﻪ ﻋرﻓﻧﺎ ﺣﯾث ﺗوﺟﻪ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأن وﺟﻬﺗﻪ اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
88
أﻣﺎ أﻫل ﯾﺛرب وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻣن اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن واﻷﻧﺻﺎر ﻓﻘد ﻋﻠﻣوا
ﺑﺧروج اﻟرﺳول ﻣن ﻣﻛﺔ ،وﻟذا ﻛﺎﻧوا ﯾﺧرﺟون ﻛل ﯾوم إﻟﻰ طرﯾق اﻟﻘﺎدم ﻣن ﻣﻛﺔ
ﯾﺗرﻗﺑون ﺑﺷوق وﻟﻬﻔﺔ ﻗدوم رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .واﺳﺗﻣروا ﻋﻠﻰ ﻫذا
اﻟﺣﺎل ،ﺣﺗﻰ إذا ﻛﺎن ﯾوم اﻻ ﺛﻧﯾن 8رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ 14ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ – وﻫﻲ اﻟﺳﻧﺔ
اﻷوﻟﻰ ﻣن اﻟﻬﺟرة -وﻋﻧدﻣﺎ اﺷﺗد اﻟﺿﺣﻰ ٕواذا ﺑرﺟل ﻣن اﻟﯾﻬود ﻛﺎن ﻓﻲ أﻋﻠﻰ
ﻧﺧﻠﺔ ﯾؤﺑرﻫﺎ ٕ ،واذا ﺑﻪ ﯾﺑﺻر اﻟرﻛب اﻟﻣﺑﺎرك ﻗﺎدﻣﺎً ﻣن ﺑﻌﯾد ﯾزول ﺑﻬم اﻟﺳراب ،
ﻓﺻرخ ﺑﺄﻋﻠﻰ ﺻوﺗﻪ ﻗﺎﺋﻼً :ﯾﺎ ﺑﻧﻲ ﻗﯾﻠﺔ ﻫذا ﺟدﻛم ﻗد ﺟﺎء .ﻓﺧرج اﻟﻧﺎس واﻟرﺟﺎل
واﻟﻧﺳﺎء واﻷطﻔﺎل اﻟﻣﺳﻠﻣون واﻟﻣﺷرﻛون وﻣﻌﻬم اﻟﯾﻬود ﻣن ﺑﯾوﺗﻬم .ﺧرﺟوا
ﺑﺎﻟﺳﻼح ،وﺧرج اﻟﻧﺳﺎء ﺑﺎﻟدﻓوف وﺳﻌف اﻟﻧﺧل ،وﺧرج ﺑﻌﺿﻬم ﻋﻠﻰ ﺧﯾوﻟﻬم
ﻻﺳﺗﻘﺑﺎل اﻟﻘﺎدم اﻟﻌظﯾم واﻟﺿﯾف اﻟﻛرﯾم وﻣن ﻣﻌﻪ وﻗد اﻣﺗﻸت ﻗﻠوب اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓرﺣﺔ
وﺳرو ارً ،ﻓﺗﻠﻘوﻩ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﺣﯾوﻩ ﺑﺗﺣﯾﺔ اﻟﻧﺑوة وأﺣدﻗوا ﺑﻪ ،واﻟﺳﻛﯾﻧﺔ
ﺗﻐﺷﺎﻩ ،واﻟوﺣﻲ ﯾﻧزل ﻋﻠﯾﻪ "ﻓﺈن اﷲ ﻫو ﻣوﻻﻩ وﺟﺑرﯾل وﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣؤﻣﻧﯾن واﻟﻣﻼﺋﻛﺔ
ﺑﻌد ذﻟك ظﻬﯾر" ﯾﻘول أﻧس ﺑن ﻣﺎﻟك رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ :ﻣﺎ رأﯾت ﯾوﻣﺎً ﻗط ﻛﺎن أﺣﺳن
وﻻ أﺿوأ ﻣن ﯾوم دﺧل ﻋﻠﯾﻧﺎ ﻓﯾﻪ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .وﻣﺎ رأﯾت ﯾوﻣﺎ
ﻛﺎن أظﻠم ﻣن ﯾوم ﻣﺎت رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .وﺣﯾﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺟﻣوع
اﻟﻣﺳﺗﻘﺑﻠﯾن ،ودﺧل ﺑﻬم اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وﻋدل ﺑﻬم ذات اﻟﯾﻣﯾن ﺣﺗﻰ ﻧزل ﺑﻬم ﻓﻲ ﺑﻧﻲ
ﻋﻣرو ﺑن ﻋوف ،وﻧزل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﻘﺑﺎء ﻋﻠﻰ ﻛﻠﺛوم ﺑن اﻟﻬدم وﻗﯾل ﻋﻠﻰ
ﺳﻌد ﺑن ﺧﯾﺛﻣﺔ .وﺗواﻓد اﻟﻧﺎس ﻟﻠﺳﻼم ﻋﻠﻰ رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،وﻟم ﯾﻛن ﻛﺛﯾر
ﻣﻧﻬم ﻗد رآﻩ ﻣن ﻗﺑل ،وظﻧوﻩ أﺑﺎ ﺑﻛر ﻟﻛﺛرة اﻟﺷﯾب ﻓﻲ ﻟﺣﯾﺗﻪ ،وﻟم ﯾﻌرﻓوا اﻟرﺳول
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻻ ﺣﯾن ﻗﺎم أﺑو ﺑﻛر ﯾظﻠﻠﻪ ﻣن ﺣر اﻟﺷﻣس.
89
س :71ﻛم ﻣﻛث ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻗﺑﺎء؟ وﻣﺎذا ﻋﻣل ﺧﻼل إﻗﺎﻣﺗﻪ؟
أﻗﺎم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﻘﺑﺎء أرﺑﻌﺔ أﯾﺎم :اﻻ ﺛﻧﯾن ،واﻟﺛﻼﺛﺎء، ج : 71
واﻷرﺑﻌﺎء واﻟﺧﻣﯾس ،ﺑﻧﻰ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﺳﺟد ﻗﺑﺎء أول ﻣﺳﺟد أﺳس ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻘوى ﻓﻲ
اﻹﺳﻼم ،وﺻﻠﻰ ﻓﯾﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ،ﻓﻠﻣﺎ ﻛﺎن ﯾوم اﻟﺟﻣﻌﺔ رﻛب ﺑﺄﻣر اﷲ،
وأرﺳل اﻟﻰ ﺑﻧﻲ اﻟﻧﺟﺎر – أﺧواﻟﻪ -ﻓﺟﺎؤوا ﻣﺗﻘﻠدﯾن اﻟﺳﯾوف وﺳﺎر ﻧﺣو دﯾﺎرﻫم
واﻟﻧﺎس ﻣﺣدﻗون ﺑﻪ ﻛل ﯾدﻋوﻩ ﻟﻺﻗﺎﻣﺔ واﻟﻧزول ﻓﻲ دارﻩ .وﻓﻲ اﻟطرﯾق أدرﻛﺗﻪ
اﻟﺟﻣﻌﺔ ﻓﻲ ﺑﻧﻲ ﺳﺎﻟم ﺑن ﻋوف ،ﻓﺟﻣﻊ ﺑﺎﻟﻧﺎس ﻓﻲ ﺑطن اﻟوادي وﻣﻛﺎﻧﻪ اﻟﯾوم
ﻣﺳﺟد اﻟﺟﻣﻌﺔ .ﺛم ﺳﺎر راﻛﺑﺎً ﻧﺎﻗﺗﻪ اﻟﻘﺻواء واﻟﻧﺎس ﯾﺄﺧذون ﺑﺧطﺎﻣﻬﺎ ﻟﯾﻧزل
ﻋﻠﯾﻬم ﻓﯾﻘول :دﻋوﻫﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﺄﻣورة .وﺳﺎرت ﺣﺗﻰ ﺑرﻛت ﻓﻲ ﻣوﺿﻊ ﻣﺳﺟدﻩ اﻟﯾوم ،
ﻓﻧزل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻗﺎل :أي ﺑﯾوت أﻫﻠﻧﺎ أﻗرب؟ ﻓﻘﺎل أﺑو أﯾوب :أﻧﺎ ﯾﺎ رﺳول اﷲ.
ﻫذﻩ داري وﻫذا ﺑﺎﺑﻲ .ﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :ﻓﺄﻧطﻠق ﻓﻬﻲء ﻟﻧﺎ ﻣﻘﯾﻼً .وﻛﺎن أﺑو أﯾوب
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻗد أﺧذ رﺣل رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وذﻫب ﺑﻪ إﻟﻰ دارﻩ ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم :اﻟﻣرء ﻣﻊ رﺣﻠﻪ.
وﺑﻌد أﯾﺎم وﺻل ﻋﻠﻰ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺑﻌد أن أدى اﻷﻣﺎﻧﺎت واﻟوداﺋﻊ .ووﺻﻠت ﺳودة
زوﺟﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وﺑﻧﺗﺎﻩ ﻓﺎطﻣﺔ وأم ﻛﻠﺛوم ،وأﺳﺎﻣﺔ ﺑن زﯾد ،وأم أﯾﻣن
.ووﺻل ﻋﺑداﷲ ﺑن أﺑﻲ ﺑﻛر ﺑﺄﻫل أﺑﻲ ﺑﻛر وﻓﯾﻬم ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم
أﺟﻣﻌﯾن.
90
س :72ﻣﺎ اﻟدروس اﻟﻣﺳﺗﻔﺎدﻩ ﻣن ﻫﺟرﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وأﺻﺣﺎﺑﻪ؟
وﻟﻘد ﺛﺑت ﺑﺎﻟﺗﺟرﺑﺔ ﺣﺗﻰ ﻓﻲ وﻗﺗﻧﺎ اﻟﻣﻌﺎﺻر أن اﻟﺧروج ،واﻟﻬﺟرة ،واﻟﻧﺻرة ﻣن
أﻧﺟﺢ اﻟوﺳﺎﺋل وأﻧﺟﻌﻬﺎ ﻟﻧﺷر اﻟدﻋوة ،وأن اﻟدﻋﺎة إﻟﻰ اﷲ إذا ﺧرﺟوا ﺑدﯾﻧﻬم،
وﻫﺎﺟروا واﻧﺗﻘﻠوا اﻟﻰ ﺑﻠد وﺑﯾﺋﺔ ﯾﺟدون ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻧﺻرة واﻟﺗﺄﯾﯾد أﺟرى اﷲ اﻟﺧﯾر ﻋﻠﻰ
أﯾدﯾﻬم ،وﻓﺗﺢ ﻟﻬم اﻟﻘﻠوب ،وﺟﻣﻊ ﻋﻠﯾﻬم اﻟﻧﺎس ،واﻧﺗﺷرت دﻋوﺗﻬم .وﻫذا ﻣﺎ ﺣدث
ﻟرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻓﻘد ﺑﻘﻲ ﯾدﻋو ﻗوﻣﻪ وﻏﯾرﻫم ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ﺛﻼث
ﻋﺷرة ﺳﻧﺔ ﻟم ﯾﺟد ﺧﻼﻟﻬﺎ إﻻ اﻟﺗﻛذﯾب ،واﻻﺿطﻬﺎد ،واﻟﺗﻌذﯾب ،واﻟﺣﺻﺎر .وﻟم ﯾدﺧل
ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﺧﻼل ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ﻣﻊ طوﻟﻬﺎ إﻻ اﻟﻘﻠﯾل ﻗﯾﺎﺳﺎً إﻟﻰ ﻋدد اﻟذﯾن أﺳﻠﻣوا ﺑﻌد
اﻟﻬﺟرة إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﺗﺄﺳﯾس دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم واﻟذﯾن ﺑﻠﻐوا ﻋﺷرات اﻷﻟوف ﻓﻲ ﻓﺗرة ﻻ
ﺗزﯾد ﻋﻠﻰ ﻋﺷرة أﻋوام ﻫﻲ ﻋﻣر دﻋوﺗﻪ اﻟﻣﺑﺎرﻛﺔ ﺑﻌد ﻫﺟرﺗﻪ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺣﯾث
اﻷﻧﺻﺎر ﻟﻬذﻩ اﻟدﻋوة.
91
ﻓﻧﺟﺎح اﻟداﻋﯾﺔ واﻟدﻋوة ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻫﺟرة ،وﻧﺻرة .واﻟﯾوم ..وﺑﺎﻟﻧظر إﻟﻰ أﺣوال
اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ﻧﺟد أن ﺳﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم ﯾزﯾدون ﻋﻠﻰ ﺳﺑﻌﺔ آﻻف ﻣﻠﯾون
أﻛﺛرﻫم ﻋﻠﻰ ﻏﯾر ﻣﻠﺔ اﻹﺳﻼم ﻓﻣﺎ اﻟﺳﺑب؟ وﻣن ﻫو اﻟﻣﺗﺳﺑب ﻓﻲ ذﻟك؟
إﻧﻬم اﻟﻣﺳﻠﻣون وﺣدﻫم اﻟذﯾن ﻟم ﯾﻘوﻣوا ﺑواﺟب اﻟدﻋوة إﻟﻰ اﷲ .ﻟﻘد اﺋﺗﻣﻧﻬم اﷲ
ﻋﻠﻰ دﯾﻧﻪ ،وأﻣرﻫم اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺎﻟﺗﺑﻠﯾﻎ ﻋﻧﻪ ﻓﻘﺎل ﻓﻲ ﺣﺟﺔ
اﻟوداع :ﺑﻠﻐوا ﻋﻧﻲ وﻟو آﯾﻪ .وﻗﺎل :أﻻ ﻓﻠﯾﺑﻠﻎ اﻟﺷﺎﻫد اﻟﻐﺎﺋب.
ﻓﻬل أدﯾﻧﺎ اﻷﻣﺎﻧﺔ؟ وﻫل ﺑﻠﻐﻧﺎ ﻋن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم؟ أﺳﺋﻠﺔ ﯾﺟﯾب
ﻋﻠﯾﻬﺎ واﻗﻌﻧﺎ ﻛﻣﺳﻠﻣﯾن،وواﻗﻊ اﻟﻌﺎﻟم أﺟﻣﻊ أﻧﻧﺎ ﻟم ﻧؤد اﻷﻣﺎﻧﺔ،وﻟم ﻧﺑﻠﻎ ﻋن رﺳول
اﷲ .ﻟﻘد اﺷﺗﻐﻠﻧﺎ ﺑﺎﻟدﻧﯾﺎ وﺑذﻟﻧﺎ ﻓﻲ ﺳﺑﯾﻠﻬﺎ اﻟﺟﻬد ،واﻟﻣﺎل ،واﻟوﻗت وﻟم ﻧﺣﻘق ﻣن
،وﻻ ﻛراﻣﺔ .ﻓﻬذﻩ اﻟﻣﻘدﺳﺎت ﻣﻐﺗﺻﺑﺔ ،واﻷﻋراض ،وﻻ ﻧﺻ ارً وراء ذﻟك ﻋزة
ﻣﻧﺗﻬﻛﺔ ،وﻣﻼﯾﯾن اﻟﻛﯾﻠوﻣﺗرات اﻟﻣرﺑﻌﺔ ﻣن أراﺿﻲ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ اﻷﻧدﻟس ،وﺷرق
أوروﺑﺎ وﻓﻠﺳطﯾن ،واﻟﻌراق ،وأﻓﻐﺎﻧﺳﺗﺎن ،واﻟﺷﯾﺷﺎن ،وﺗرﻛﺳﺗﺎن ،وﻏﯾرﻫﺎ ﻛﺛﯾر
وﻛﺛﯾر ﻣن اﻷراﺿﻲ اﻟﺗﻲ ﺳﻠﺑﻬﺎ ﻣﻧﺎ اﻟﻛﻔﺎر ﺑﻌد أن ﻛﺎﻧت ﻣﺳﻠﻣﺔ ﯾدﯾن أﻫﻠﻬﺎ
ﺑﺎﻹﺳﻼم .
إن ﺑﻘﺎء اﻟﻣﻠﯾﺎرات ﻣن ﺳﻛﺎن اﻷرض ﻣن ﻏﯾر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻫو ﺑﺳﺑب اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟذﯾن
ﻟم ﯾﺣﻣﻠوا ﻫذا اﻟدﯾن ﻓﻲ أﻧﻔﺳﻬم ،وﻟم ﯾطﺑﻘوﻩ ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻬم ﺣﺗﻰ ﯾﻛوﻧوا ﺷﺎﻣﺔ ﻓﻲ
اﻟﻧﺎس ،وﻟم ﯾﺧرﺟوا ﺑﻪ وﯾﺑﻠﻐوﻩ ﻏﯾرﻫم إﻻ اﻟﻘﻠﯾل ...اﻟﻘﻠﯾل ﻣن اﻟدﻋﺎة اﻟذﯾن
اﺻطﻔﺎﻫم اﷲ ،واﺧﺗﺎرﻫم اﷲ ،ووﻓﻘﻬم ﻟﺗﺑﻠﯾﻎ دﯾﻧﻪ ﻓﻲ أﻗطﺎر اﻷرض .ورﻏم ﻗﻠﺗﻬم
ﻓﻘد ﻓﺗﺢ اﷲ ﻟﻬم اﻟﻘﻠوب .ﻓﺄﺳﻠم اﻟﻛﺛﯾر ،وﺷﯾدت اﻟﻣﺳﺎﺟد ،وأﻗﯾﻣت اﻟﺷﻌﺎﺋر ﻓﻲ ﻛل
أﻧﺣﺎء اﻟﻌﺎﻟم ﺣﺗﻰ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎطق اﻟﺑﻌﯾدة ،واﻟﺟزر اﻟﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﺻﻠﻬﺎ أﻣواﻟﻧﺎ ،وﻻ
92
إﻋﻼﻣﻧﺎ ،وﻻ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن ﻋﻠﻣﺎﺋﻧﺎ وﻣﺷﺎﯾﺧﻧﺎ ٕ ،واﻧﻣﺎ وﺻﻠﻬﺎ دﻋﺎة ﻧﺣﺳﺑﻬم ﺻﺎدﻗﯾن
ﻣﺧﻠﺻﯾن .ﻟﺑوا ﻧداء رﺑﻬم "وﻟﺗﻛن ﻣﻧﻛم أﻣﺔ ﯾدﻋون اﻟﻰ اﻟﺧﯾر وﯾﺄﻣرون ﺑﺎﻟﻣﻌروف
وﯾﻧﻬون ﻋن اﻟﻣﻧﻛر" ،وﻟﺑوا ﻧداء ﻧﺑﯾﻬم ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :ﺑﻠﻐوا ﻋﻧﻲ وﻟو آﯾﺔ.
ﻓﺟزاﻫم اﷲ ﻋن اﻹﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺧﯾ ارً .
إن ﻫﺟرﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﺧروﺟﻪ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻣﺎ ﺗرﺗب ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻣن اﻧﺗﺷﺎر اﻹﺳﻼم
ﻟﻬو دﻋوة ﻟﻧﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎً إﻟﻰ أن ﻧوظف أﻣواﻟﻧﺎٕ ،واﻋﻼﻣﻧﺎ ،وﻛل اﻹﻣﻛﺎﻧﯾﺎت اﻟﺗﻲ أﻧﻌم
اﷲ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﯾﻧﺎ ،وأن ﻧﺧرج ﺑﺄﻧﻔﺳﻧﺎ ،وﻧﺣﻣل ﻫذا اﻟدﯾن إﻟﻰ ﻣن ﻟم ﯾﺑﻠﻐﻪ أو ﯾﻌرﻓﻪ
ﻋﻠﻰ ﺣﻘﯾﻘﺗﻪ ،ﻓﻔﻲ ذﻟك ﻣن اﻟﺧﯾر ﻟﻧﺎ وﻟﻐﯾرﻧﺎ ﻣﺎ ﻻ ﯾﻌﻠﻣﻪ إﻻ اﷲ ،وﻟﻧﻧظر ﻣﺎذا
ﺣدث ﻟﺳﻠﻔﻧﺎ ﺣﯾن ﺣﻣﻠوا ﻫذا اﻟدﯾن وﺧرﺟوا ﺑﻪ ﻣن أوطﺎﻧﻪ إﻟﻰ أوطﺎن أﺧرى .ﻟﻘد
ﻗﺿوا ﻋﻠﻰ اﻟﻛﻔر ﻓﻲ ﻋﻘر دارﻩ ،وﻣﻛﻧﻬم اﷲ ﻓﻲ اﻷرض ،وﻓﺗﺢ ﻟﻬم اﻟﻘﻠوب.وﺣﻘﻘوا
اﻟﻌزة ،واﻟﻛراﻣﺔ.واﻟﯾوم ...وﻓﻲ اﻟﺟﻣﻠﺔ ...ﺣﺎﺻر اﻟﻣﺳﻠﻣون اﻹﺳﻼم ﻓﻲ أوطﺎﻧﻪ،
وأﺑﻘوﻩ ﻓﻲ دﯾﺎرﻩ ،ﻓﻬﺎﺟﻣﻬم اﻟﻛﻔر واﻟﻛﻔرة ﺣﺗﻰ ﺳﻠﺑوا أﺟزاء ﻣن أراﺿﻲ اﻹﺳﻼم،
وأﺧرﺟوا أﻋداداً ﻛﺑﯾرة ﻣﻧﻬم ﻣن اﻹﺳﻼم اﻟﻰ اﻟﻛﻔر ،ﻓﻬل ﻧﻌﺗﺑر وﻧﺗﻌظ ؟
93
ﺛﺎﻧﯾﺎً – اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻣدﻧﯾﺔ
ج : 73ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻛﺎﻧت اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻋﺑﺎرة ﻋن أﺣﯾﺎء ﻣﺗﻧﺎﺛرة ﻛﺣﻲ ﺑﻧﻲ
ﻋﻣرو اﺑن ﻋوف ،وﺣﻲ ﺑﻧﻲ ﺳﺎﻟم ﺑن ﻋوف ،وﺣﻲ ﺑﻧﻲ اﻷﺷﻬل ،وﺣﻲ ﺑﻧﻲ ﺳﻠﻣﺔ
،ﺗﺣﺻر ﺑﯾﻧﻬﺎ اﻟﺑﺳﺎﺗﯾن اﻟﻣزروﻋﺔ وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻷﺣﯾﺎء اﻟﻣﺗﻧﺎﺛرة ﻫﻧﺎ وﻫﻧﺎك
ﺑﺎﻟﻧﺧﯾل ﻏﺎﻟﺑﺎً .وﯾﻣﻛن ﺗﻘﺳﯾم ﺳﻛﺎن اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻋﻧد وﺻول اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم إﻟﯾﻬﺎ اﻟﻰ ﺛﻼث ﻓﺋﺎت :
94
-3اﻟﯾﻬود وأﺷﻬرﻫم ﯾﻬود ﺑﻧو ﻗﯾﻧﻘﺎع ،وﯾﻬود ﺑﻧو ﻗرﯾظﺔ ،وﯾﻬود ﺑﻧو اﻟﻧﺿﯾر
)اﻟﺷﻛل .(5
وﻛﺎن ﺳﻛﺎن اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﯾﻌﻣﻠون ﻏﺎﻟﺑﺎً ﻓﻲ اﻟزراﻋﺔ ،ﺳﺎﻋدﻫم ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺧﺻوﺑﺔ اﻟﺗرﺑﺔ ،
ووﻓرة اﻟﻣﯾﺎﻩ ،وﻛﺛرة اﻷودﯾﺔ.ﻛﻣﺎ اﺷﺗﻐﻠوا ﺑﺎﻟرﻋﻲ واﻟﺗﺟﺎرة واﻟﺣرف اﻟﯾدوﯾﺔ اﻟﻣﺗﻧوﻋﺔ.
أﻣﺎ ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﺿﺎرﯾﺳﯾﺎً ﻋﺑﺎرة ﻋن أرض زراﻋﯾﺔ ﺑﯾن ﺣرﺗﻲ واﻗم ﺷرﻗﺎً
،واﻟوﺑرة ﻏرﺑﺎًٕ .واﻟﻰ اﻟﺷﻣﺎل ﻣﻧﻬﺎ ﯾﻘﻊ ﺟﺑل أﺣد ،ﯾﻘﺎﺑﻠﻪ ﺟﻧوﺑﺎً ﺟﺑل ﻋﯾر .واﻟﺣرات
أرض وﻋرة اﻟﻣﺳﺎﻟك ذات ﺻﺧور ﺑرﻛﺎﻧﯾﺔ ﺳوداء أو ﺣﻣراء داﻛﻧﺔ ﺗزﯾدﻫﺎ وﻋورة .وﻛﺎﻧت
ﻫذﻩ اﻟﺣرات ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ ﺗﺣﺻﯾﻧﺎت طﺑﯾﻌﯾﺔ وﻗﻔت ﻓﻲ وﺟﻪ اﻷﻋداء ﻟﺻﻌوﺑﺔ اﺧﺗراﻗﻬﺎ واﻟﺳﯾر
ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺑﺎﻟدواب أو ﺑﺎﻷﻗدام .وﻣﻧﺎخ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺷﺑﯾﻪ ﺑﻣﻧﺎخ ﻣﻛﺔ ﺻﯾﻔﺎً ،ﻓﻬﻲ ﺣﺎرة ﺑل
95
ﺷدﯾدة اﻟﺣرارة .أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺷﺗﺎء ﻓﻬﻲ ﻣﻌﺗدﻟﺔ ،وﻛﺛﯾ ارً ﻣﺎ ﺗﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﻣوﺟﺎت اﻟﻬواﺋﯾﺔ
اﻟﺑﺎردة ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻔﺻل ،وأﻣطﺎرﻫﺎ ﻗﻠﯾﻠﺔ ﺑوﺟﻪ ﻋﺎم.
س : 74ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻣﺷﻛﻼت اﻟﺗﻲ واﺟﻬت اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻌد وﺻوﻟﻪ
اﻟﻣدﯾﻧﺔ؟
ج : 74ﻛﺎن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﯾرى ﺑﻧظرﻩ اﻟﺛﺎﻗب ،ورؤﯾﺗﻪ اﻟﺑﻌﯾدة ﺑﻌد إﻟﻬﺎم اﷲ ﻟﻪ
أن اﻟدﻋوة ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺳﺗواﺟﻪ ﻣﺷﺎﻛل ﻋدﯾدة ﺳﺗﺳﺗﻐرق ﻣﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة اﻟﺳﻼم وﻗﺗﺎً
وﺟﻬداً ،وﻣن ﻫذﻩ اﻟﻣﺷﻛﻼت:
-1ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﺧﻼف واﻟﺻراع ﺑﯾن اﻷوس واﻟﺧزرج اﻟذي طﺎل أﻣدﻩ وﺗﺧﻠﻠﺗﻪ ﺣروب
وأﯾﺎم ﺑﯾن اﻟﻔرﯾﻘﯾن ﻛﺎن آﺧرﻫﺎ ﯾوم ﺑﻌﺎث اﻟذي ﺑﻘﯾت آﺛﺎرﻩ ﺣﺗﻰ ﺑﻌد ﻫﺟرﺗﻪ
ووﺻوﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة اﻟﺳﻼم اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
-2ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻻﺧﺗﻼف اﻟدﯾﻧﻲ ﻟﺳﻛﺎن اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،ﺣﯾث ﻛﺎن ﻫﻧﺎك اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣن
اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن واﻷﻧﺻﺎر وﻏﯾرﻫم ،وﻫﻧﺎك اﻟﻣﺷرﻛون ،وﻫﻧﺎك اﻟﯾﻬود ،ﺛم ظﻬرت
طﺎﺋﻔﺔ اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن ،واﻟﺟﻣﯾﻊ ﯾﺳﻛن اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
-3ﻣﺷﺎﻛل اﻟﯾﻬود وطواﺋﻔﻬم ﻣن ﺑﻧﻲ ﻗﯾﻧﻘﺎع ،وﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ ،وﺑﻧﻲ اﻟﻧﺿﯾر واﻟذﯾن
ﺑدأت دﺳﺎﺋﺳﻬم وﻣؤاﻣراﺗﻬم ﺿد اﻟرﺳول واﻹﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣن اﻷﯾﺎم اﻷوﻟﻰ
ﻟوﺻوﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم.
-4اﻟﻣﺷﺎﻛل اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟﻠﻣﻬﺎﺟرﯾن اﻟذﯾن ﻫﺎﺟروا إﻟﻰ اﷲ ورﺳوﻟﻪ ﻣﺧﻠﻔﯾن اﻟﻣﺎل
واﻟدﯾﺎر واﻷﻫل .ووﺻﻠوا اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻟم ﯾﻛن ﺑﺄﯾدﯾﻬم ﻣﺎل ﯾﺗﻣوﻟون ﺑﻪ ،وﻻ دﯾﺎر
96
ﯾﺳﻛﻧوﻧﻬﺎ .ورﻏم أن اﻷﻧﺻﺎر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم ﻗد أﺷرﻛوا اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن أﻣواﻟﻬم،
وأﺳﻛﻧوﻫم دﯾﺎرﻫم إﻻ أن اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻛذﻟك اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن ﻻ
ﯾرﯾدون أن ﯾﺑﻘوا ﻋﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ إﺧواﻧﻬم اﻷﻧﺻﺎر.
-5ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻷﻋراب اﻟذﯾن ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻣﺎ ﺣوﻟﻬﺎ .ﻫؤﻻء اﻷﻋراب اﻟذﯾن ﻻ ﯾﻌرﻓون
ﻣن اﻟﺣق إﻻ ﻣﺎ ﯾﺗﻔق وﻣﺻﺎﻟﺣﻬم ،وﯾﻐﻠب ﻋﻠﯾﻬم اﻟﺟﻬل واﻟﺳذاﺟﺔ .وﻗد ﻋﺎﻧﻰ
اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣﻧﻬم ﻛﺛﯾ ارً .ووظﻔﻬم اﻟﯾﻬود اﻷﻋداء ﺿد اﻟرﺳول
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،واﺳﺗﻔﺎدوا ﻣﻧﻬم ﻓﻲ ﻣواﻗف ﻛﺛﯾرة ﻣﻘﺎﺑل ﺣﻔﻧﺎت ﻣن ﺗﻣر وﺷﻲء
ﻣن اﻟدﻧﯾﺎ ﺣﻘﯾر.
-6وﻫﻧﺎك ،وﺧﺎرج اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻛﺎﻧت ﻗرﯾش اﻟﺗﻲ ﻋﺎﻧﻰ ﻣﻧﻬﺎ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم ﻣﺎ ﻋﺎﻧﻰ ﻫو وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ .ﻟﻘد ﻛﺎﻧت ﻗرﯾش ﻫﻲ اﻟﻌدو اﻟﺧﺎرﺟﻲ
اﻷول ،وﻻﺑد ﻣن ﺗﺻﻔﯾﺔ اﻟﺣﺳﺎب ﻣﻌﻬﺎ .وﻗرﯾش ﻟم ﺗﻧس ﻣﺣﻣداً وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﻌد
ﻫﺟرﺗﻬم واﻧﻔﻼﺗﻬم ﻣن ﻗﯾود ﻗرﯾش ،ﻓﻘد اﺗﺻﻠت ﺑﻌﺑداﷲ ﺑن أﺑﻲ ﺑن ﺳﻠول
ﺗﺣرﺿﻪ وﻗوﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﺗﺎل ﻣﺣﻣد وﻣن ﻫﺎﺟر ﻣﻌﻪ ٕواﺧراﺟﻬم ﻣن اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وﺟﻣﻊ
ﻫذا اﻟﻣﻧﺎﻓق أﻋواﻧﻪ ﻟﻘﺗﺎل اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﻠﻣﺎ ﺑﻠﻎ اﻟﻧﺑﻲ ذﻟك
ﻟﻘﯾﻪ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ وﻷﻋواﻧﻪ ﻛﻠﻣﺎت ﺟﻌﻠﺗﻬم ﯾﺗﻔرﻗون .إﻻ أن ﻫذا اﻟﻣﻧﺎﻓق ﺑﻘﻲ ﻣﺗواطﺋﺎً
ﻣﻊ ﻗرﯾش واﻟﯾﻬود ﺿد اﻟرﺳول وأﺻﺣﺎﺑﻪ .وﻗد ﻋﺎﻧﻰ ﻣﻧﻬم اﻟرﺳول واﻟﻣﺳﻠﻣون
ﻛﺛﯾ ارً إﻻ أن اﷲ ﻧﺻر رﺳوﻟﻪ وأﺧزى أﻋداءﻩ .
-7وﻫﻧﺎك أﯾﺿﺎً وﻓﻲ أرﺟﺎء ﺟزﯾرة اﻟﻌرب ﻛﺎﻧت ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب ﻗﺎطﺑﺔ واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻋﻠﻰ
ﺷﺎﻛﻠﺔ أﻋراب اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻣﺎ ﺣوﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻬﻠﻬم وﺳذاﺟﺗﻬم وﻋداوﺗﻬم ﻟﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﺻﺣﺎﺑﻪ .وﻫﻧﺎك ﻣن ﺑﻌﯾد اﻟﻔرس واﻟروم اﻟذﯾن ﺗﻧﺎﻫت إﻟﯾﻬم
أﺧﺑﺎر ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻧﺑوﺗﻪ وﻫﺟرﺗﻪ وﺻراﻋﻪ ﻣﻊ أﻋداﺋﻪ .وﻛﺎﻧوا
97
ﯾﺗﺎﺑﻌون ﻣﺎ ﯾﺣدث ،وﺧﺎﺻﺔ اﻟروم ﻷﻧﻬم أﻫل ﻛﺗﺎب وﯾﻌرﻓون أﻧﻪ ﺑﻘﻲ ﻧﺑﻲ
وﺣﺎن أوان ظﻬورﻩ.
ﻛﺎن ﻋﻠﻰ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أن ﯾواﺟﻪ ﻫذﻩ اﻟﻣﺷﺎﻛل داﺧل اﻟﻣدﯾﻧﺔ
وﺣوﻟﻬﺎ وﺑﻌﯾداً ﻋﻧﻬﺎ ﻟﯾؤﻣن اﻟدﻋوة وأﺗﺑﺎﻋﻬﺎ وﺳﺑل ﻧﺷرﻫﺎ .وﻛﺎن اﷲ ﻣﻌﯾﻧﺎً وﻧﺎﺻ ارً
ﻟﻠرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم.
س : 75ﻣﺎ اﻷﻋﻣﺎل اﻟﺗﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻟﻣواﺟﻬﺔ ﻫذﻩ
اﻟﻣﺷﺎﻛل؟
ج : 75ﻟﻣواﺟﻬﺔ ﻫذﻩ اﻟﻣﺷﺎﻛل ،وﻟﺑﻧﺎء دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم ﻗﺎم ﻋﻠﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﺑﺎﻷﻋﻣﺎل اﻵﺗﯾﺔ :
-1ﺑﻧﺎء اﻟﻣﺳﺟد ..وذﻟك ﻓﻲ اﻟﻣﻛﺎن اﻟذي ﺑرﻛت ﻓﯾﻪ اﻟﻧﺎﻗﺔ ﻓﻲ دﯾﺎر ﺑﻧﻲ اﻟﻧﺟﺎر
وذﻟك ﺑﻌد ﻋﻣﺎرة ﻣﺳﺟد ﻗﺑﺎء .وﻛﺎن ﻫذا اﻟﻔﻧﺎء ﻣرﺑداً ﻟﻠﺗﻣر ،وﻓﯾﻪ ﻗﺑور وﻧﺧل
وﺟذوع ﻫرﻣﺔ أزﯾﻠت ﺟﻣﯾﻌﻬﺎ ،ﺛم ﺑﻧﻲ اﻟﻣﺳﺟد اﻟذي ﺷﺎرك اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﺑﻧﺎﺋﻪ .وﻛﺎن ﻫذا أول ﻋﻣل ﺟﻣﺎﻋﻲ ﯾﺷﺗرك ﻓﯾﻪ اﻟﻣﺳﻠﻣون
أوﺳﻬم ،وﺧزرﺟﻬم ،وﻣﻬﺎﺟرﻫم وﻏﯾرﻫم ﻓﻲ ﺟو إﯾﻣﺎﻧﻲ ﻋظﯾم ﺗﺗوج ﺑﻣﺷﺎرﻛﺔ
اﻟﺣﺑﯾب ﻷﺻﺣﺎﺑﻪ اﻟﻌﻣل ،وﺗردﯾدﻩ ﻷﻫﺎزﯾﺟﻬم وأﺷﻌﺎرﻫم اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧوا ﯾرددوﻧﻬﺎ أﺛﻧﺎء
اﻟﻌﻣل ﻟزﯾﺎدة اﻟﺣﻣﺎس .وﻗد ﺟﻣﻊ ﻫذا اﻟﻌﻣل ﺑﯾن اﻟﻘﻠوب ،وطﻬرﻫﺎ ﻣن ﺿﻐﺎﺋن
اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ .وﺻﻬر اﻟﺟﻣﯾﻊ ﻓﻲ ﺑوﺗﻘﺔ واﺣدة ﻫﻲ ﺑوﺗﻘﺔ اﻟﻌﻣل ﻟﻬذا اﻟدﯾن
وﻧﺻرﺗﻪ .ﻓﺎﻟرب واﺣد ،واﻟﻐﺎﯾﺔ واﺣدة ،واﻟطرﯾق واﺣد .ﻓﻘد ﻛﺎن ﻟﻛل ﺣﻲ ﻣن
98
ﺳﻛﺎن اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻣﻛﺎن ﯾﻠﺗﻘون ﻓﯾﻪ ﻟﻠﺳﻣر واﻟﻣﺷﺎورة ٕواﻧﺷﺎد اﻟﺷﻌر .وﻟﻣﺎ ﺑﻧﻲ
اﻟﻣﺳﺟد ﺗرﻛوا ﺗﻠك اﻷﻣﺎﻛن واﺟﺗﻣﻌوا ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد ﺣول اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم ﯾﻌﻠﻣﻬم وﯾوﺟﻬﻬم ،ﻓﺎﻣﺗزﺟت اﻟﻧﻔوس ،وﺗوﺣد اﻟطرﯾق واﻟﻬدف.
- 2ﺛم ﻛﺎن اﻟﻌﻣل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻟدﻋم اﻟﻌﻣل اﻷول وﺗﻌزﯾزﻩ .وﻛﺎن ﻫذا اﻟﻌﻣل ﻣن
اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻬﺎﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻫو اﻟﻣؤاﺧﺎة ﺑﯾن ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻟﯾس ﻛﻣﺎ ﺷﺎع
أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﺑﯾن اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن واﻷﻧﺻﺎر ﻟﯾﺳﺗﻔﯾد اﻟﻣﻬﺎﺟرون ﻣن أﻣوال إﺧواﻧﻬم
اﻷﻧﺻﺎر ،ﻓﻬذا ﺧطﺄ ﯾﻘﺎل ﻓﻲ ﺣق اﻟرﺳول واﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن .ﻓﻠم ﯾﻛن ﻫدف اﻟﻣؤاﺧﺎﻩ
ﻫدﻓﺎً ﻣﺎدﯾﺎً ﻛﻣﺎ ذﻛر ﻓﻲ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻛﺗب واﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ ذﻟك:
أن اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم آﺧﻰ ﺑﯾن ﻣﻬﺎﺟر وﻣﻬﺎﺟر ،وأﻧﺻﺎري )أ (
وأﻧﺻﺎري آﺧر ،وأﻧﺻﺎري ﺣﺎﺿر وﻣﻬﺎﺟر ﻏﺎﺋب .ﻓﻘد آﺧﻰ ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن
ﻋﻠﻲ ﺑن اﺑﻲ طﺎﻟب وﻛﻼﻫﻣﺎ ﻣﻬﺎﺟر ﻓﻘﯾر ،وآﺧﻰ ﺑﯾن ﻋﻣﻪ ﺣﻣزة وزﯾد
ﺑن ﺣﺎرﺛﻪ .وآﺧﻰ ﺑﯾن ﺟﻌﻔر اﻟﻐﺎﺋب ﻓﻲ اﻟﺣﺑﺷﺔ وﻣﻌﺎذ ﺑن ﺟﺑل
اﻷﻧﺻﺎري وﻫﻛذا.
)ب( ﻟو ﻛﺎن ﻫدف اﻟﻣؤاﺧﺎة ﻫدﻓﺎً ﻣﺎدﯾﺎً ﻵﺧﻰ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم
ﺑﯾن ﻣﻬﺎﺟر ﻓﻘﯾر وأﻧﺻﺎري ﻏﻧﻲ ،ﻓﻠم ﯾﻛن ﻛل اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن ﻓﻘراء ،وﻻ
ﻛل اﻷﻧﺻﺎر أﻏﻧﯾﺎء.
)ت( ﻟو ﻛﺎن ﻫدف اﻟﻣؤاﺧﺎة ﻣﺎدﯾﺎ ﻟوﺟب ﻋﻠﻰ ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﺑن ﻋوف اﻟﻣﻬﺎﺟر
أن ﯾﻘﺑل ﻋرض ﺳﻌد ﺑن اﻟرﺑﯾﻊ اﻷﻧﺻﺎري وﻗد آﺧﻰ اﻟرﺳول ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ،
وﻋرض ﺳﻌد ﻋﻠﻰ ﻋﺑداﻟرﺣﻣن ﺷطر ﻣﺎﻟﻪ وأن ﯾطﻠق إﺣدى زوﺟﺗﯾﻪ
ﻟﯾﺗزوﺟﻬﺎ ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﺑﻌد ذﻟك .إﻻ أن ﻋﺑداﻟرﺣﻣن ﺑن ﻋوف ﻗﺎل ﻷﺧﯾﻪ
99
ﺳﻌد ﺑن اﻟرﺑﯾﻊ:ﺑﺎرك اﷲ ﻟك ﻓﻲ ﻣﺎﻟك وأﻫﻠك وﻟﻛن دﻟﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺳوق
اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
)ث( ﺑﻘﺎء ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن ﻓﻘراء ،وﻣﻧﻬم ﻣن ﺳﻛن اﻟﻣﺳﺟد ﻣﻊ أﻫل
اﻟﺻﻔﺔ وﻟم ﺗﺗﺣﺳن أﺣواﻟﻬم إﻻ ﺑﻌد ﻏزوﺗﻲ ﺑﻧﻲ اﻟﻧﺿﯾر وﺧﯾﺑر.
- 3وﺑﻌد اﻟﻣؤاﺧﺎة اﻧﺗﻘل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم إﻟﻰ ﻋﻣل ﺛﺎﻟث وﻫو ﻣوادﻋﺔ
اﻟﯾﻬود اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا ﯾﺳﻛﻧون اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻗﺑل ﻫﺟرﺗﻪ إﻟﯾﻬﺎ ﻟﺗﻛون اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺳﻠﻣﻬﺎ
وﻛﺎﻓرﻫﺎ ﯾداً واﺣدة أﻣﺎم اﻷﻋداء ﻣن اﻟﺧﺎرج ،وﻟﯾﻌﯾش اﻟﺟﻣﯾﻊ ﻓﻲ أﻣن وﺳﻼم .ﻓﻌﻘد
100
ﻣﻌﻬم ﻣﻌﺎﻫدة ﺗرك ﻟﻬم ﻓﯾﻬﺎ ﻣطﻠق اﻟﺣرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟدﯾن واﻟﻣﺎل إذ " ﻻ إِ ْﻛ َرا َه ﻓِﻲ اﻟد ِ
ﱢﯾن
" ،وﺷرط ﻟﻬم ،اﺷﺗرط ﻋﻠﯾﻬم .
وﻛﺎﻧت اﻟﻛﻠﻣﺔ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﻌﺎﻫدة ﻟﻠرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .وأﺻﺑﺣت اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ
ﺷﺧﺻﯾﺔ دﯾﻧﯾﺔ وﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻣن ﺣﻘﻬﺎ أن ﺗؤﻣن اﻟﻣطﯾﻊ وﺗﻌﺎﻗب اﻟﻣﻔﺳد.
ج :76ﻧﺳﺗﻔﯾد أﻣو ارً ﻛﺛﯾرة ﻋﻠﯾﻧﺎ أن ﻧراﻋﯾﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺻرﻧﺎ ﻫذا ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻧﻬﺎ :
-1ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺔ إذا أرادت اﻟﻌزة واﻟﻛراﻣﺔ أن ﺗﻌود إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺟد وﺗﻔﻌﻠﻪ ﻟﯾﻘوم ﺑﺎﻟدور
اﻟذي ﻗﺎم ﺑﻪ ﻓﻲ ﻋﻬدﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻋﻬود اﻟﻘوة ﺑﻌدﻩ .ﻓﻠم ﯾﻛن اﻟﻣﺳﺟد ﻓﻲ
ﻋﻬدﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻣﻛﺎﻧﺎً ﻟﻠﺻﻼة واﻟﻌﺑﺎدة ﻓﻘط ،ﺑل ﻛﺎن ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ
ﻛوﻧﻪ ﻣﻛﺎﻧﺎً ﻟﻠﺻﻼة ﻣدرﺳ ًﺔ ﯾﻌﻠم ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أﺻﺣﺎﺑﻪ،
وﯾﺗﻠو ﻋﻠﯾﻬم اﻟﻘرآن ،وﯾزﻛﯾﻬم وﯾﻠﺗﻘﻲ ﻓﯾﻪ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼف ﻗﺑﺎﺋﻠﻬم ﺣول
ﻧﺑﯾﻬم إﺧوة ﻣﺗﺣﺎﺑﯾن ،وﻛﺎن دا ارً ﯾﺄوي إﻟﯾﻬﺎ ﻓﻘراء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﯾﺑﯾﺗون ﻓﯾﻬﺎ )أﻫل
اﻟﺻﻔﺔ( ،وﻛﺎن ﻗﺎﻋدة ﻋﺳﻛرﯾﺔ ﺗﻌﻘد ﻓﯾﻬﺎ اﻟراﯾﺎت واﻷﻟوﯾﺔ وﺗﺧرج ﻣﻧﻬﺎ اﻟﺳراﯾﺎ،
وﻛﺎن ﻣﺣﻛﻣﺔ ﯾﻘﺿﻲ ﻓﯾﻬﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة اﻟﺳﻼم ﺑﯾن اﻟﻣﺗﺧﺎﺻﻣﯾن ،وﻛﺎن دار
اﺳﺗﻘﺑﺎل اﺳﺗﻘﺑل ﻓﯾﻬﺎ ﻋﻠﯾﻪ واﻟﺳﻼم اﻟوﻓود واﻟﺿﯾوف ،وﻛﺎن ﻣﻛﺎن اﺟﺗﻣﺎع
اﻟرﺳول ﺑﺄﺻﺣﺎﺑﻪ ﻟﻠﺗﺷﺎور ﻓﻲ ﻛل أﻣورﻫم وﺧﺎﺻﺔ أﻣور اﻟﺣرب وﻛﺎن.....
وﻛﺎن .....ﻟﻘد ﻛﺎن اﻟﻣﺳﺟد ﯾوﻣﻬﺎ ﻗﻠب اﻷﻣﺔ اﻟﻧﺎﺑض ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة.وﻗد أدرك ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم أﻫﻣﯾﺔ اﻟﻣﺳﺟد ﻓﻲ ﺣﯾﺎة اﻷﻣﺔ ،وﻟذا ﺑدأ ﺑﺑﻧﺎﺋﻪ ﻗﺑل أن ﯾﺑﻧﻲ
ﻟﻧﻔﺳﻪ دا ارً ﯾﺄوي إﻟﯾﻬﺎ ﻣﻊ أﻫﻠﻪ.
101
-2أدرك ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم أن رﺳﺎﻟﺗﻪ ﻟن ﺗﻧﺗﺷر ،وأن أﻫداﻓﻪ ﻟن ﺗﺗﺣﻘق ،وأن
اﻹﺳﻼم ﻟن ﯾﻌز وﯾﻘوى ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣزﻗﺗﻪ اﻟﻌداوات واﻟﺧﺻوﻣﺎت ،أو ﺑﯾن أﻧﺎس
اﻣﺗﻸت ﻗﻠوﺑﻬم ﺑﺎﻷﺣﻘﺎد واﻟﺿﻐﺎﺋن ،وﻫﯾﻣﻧت ﻋﻠﯾﻬم أﺧﻼق اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ وﻋﺎداﺗﻬﺎ،
وﻟذا دﻋﺎ إﻟﻰ اﻟﻣؤاﺧﺎة ﺑﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،ﻟﺗطﻬﯾر ﻗﻠوﺑﻬم ،وﻹ زاﻟﺔ ﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬم ﻣن
اﻟﻌداوات وﻫم ﯾﺟﺗﻣﻌون ﻓﻲ ﻣﻛﺎن واﺣد ﻫو ﻣﺳﺟدﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم
وﺣول ﻗﻠﺑﻪ اﻟﻛﺑﯾر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم .ﻓﻛﺎﻧت اﻟﻣؤاﺧﺎة ،وﻛﺎن أوﻟﺋك اﻟرﺟﺎل
ﯾن ﻣﻌ ُﻪ أ ِ
َﺷدﱠاء َﻋﻠَﻰ ا ْﻟ ُﻛﻔﱠﺎر ُر َﺣ َﻣﺎء ِ
ﺳول اﻟﻠﱠﻪ َواَﻟﱠذ َ َ َ
اﻟذﯾن ﻗﺎل ﻓﯾﻬم رﺑﻬم " ُﻣ َﺣ ﱠﻣد َر ُ
ﻧﻬم " .ﻓﻣﺎ أﺟﻣﻠﻪ ﻣن وﺻف ،وﻣﺎ أﻋظﻣﻪ ﻣن ﺟﯾل ﻗﺎﻣت ﻋﻠﻰ أﻛﺗﺎﻓﻪ دوﻟﺔ
َﺑ ْﯾ ْ
اﻹﺳﻼم اﻟﺗﻲ وﺻﻠت ﻣﺷﺎرق اﻷرض وﻣﻐﺎرﺑﻬﺎ ،ﻓﻬل ﯾﻌﯾد اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺗﻠك
اﻟﻣﺳﺎﺣﺎت اﻟواﺳﻌﺔ ﻓﻲ اﻷﻧدﻟس ،وﺷرق أوروﺑﺎ ،وأواﺳط أﺳﯾﺎ وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن
اﻷراﺿﻲ واﻟﻣﻘدﺳﺎت اﻟﺗﻲ ﻓﻘدوﻫﺎ وأﺿﺎﻋوﻫﺎ ﻟﺿﻌﻔﻬم واﺧﺗﻼﻓﻬم وﺗﻌﺎدﯾﻬم .وﻫل
ﯾﺗﺂﺧون ﻣرة أﺧرى ،وﯾﻠﺗﻘون أﻣﺔ واﺣدة ﺣول ﻛﺗﺎب رﺑﻬم وﺳﻧﺔ ﻧﺑﯾﻬم ؟ .ﻫذا
ﻣﺎ ﻧرﺟوﻩ وﻋﺳﻰ أن ﯾﻛون ذﻟك ﻗرﯾﺑﺎً.
-3اﻹﺳﻼم دﯾن رﺣﻣﺔ ،ﻻ دﯾن إرﻫﺎب وﻋﻧف ﻛﻣﺎ ﯾﺻﻔﻪ اﻷﻓﺎﻛون .وﻧﺑﻲ اﻹﺳﻼم
أرﺳﻠﻪ اﷲ رﺣﻣﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻣﯾن :ﺟﻧﻬم ٕواﻧﺳﻬم ،ﻣﺳﻠﻣﻬم وﻛﺎﻓرﻫم ،وﻟذا ﻛﺎﻧت
ﺷرﯾﻌﺗﻪ رﺣﻣﺔ ﺣﺗﻰ ﻣﻊ ﺧﺻوﻣﻪ وأﻋداﺋﻪ ،ﻓﻬﺎﻫو ﯾﺻل اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﯾرى ﺑﻬﺎ
طواﺋف وﻗﺑﺎﺋل ﻣن اﻟﯾﻬود اﻟذﯾن ﻫم أﺷد اﻟﻧﺎس ﻋداوة ﻟﻺﺳﻼم وﻟﻧﺑﻲ اﻹﺳﻼم
وﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن .ورﻏم أﻧﻬم ﻟم ﯾؤﻣﻧوا ﺑﻣﺣﻣد ودﻋوﺗﻪ ،إﻻ أﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم أﺑﻘﺎﻫم ﻓﻲ أﻣواﻟﻬم ،وﺣﺻوﻧﻬم ،ودﯾﺎرﻫم وﻟم ﯾﻌﻠﻧﻬﺎ ﺣرﺑﺎ ﻋﻠﯾﻬم ،ﺑل
ﻋﺎﻫدﻫم وأﻋطﺎﻫم ،وأﺧذ ﻣﻧﻬم ﻟﯾﻌﯾش ﻫو واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣﻌﻬم ﻓﻲ ﺳﻼم وﺗﻌﺎون.
102
وظل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣﺣﺎﻓظﺎً ﻋﻠﻰ وﻋدﻩ ﻣﻌﻬم ﺣﺗﻰ ﻛﺎﻧوا ﻫم اﻟﺑﺎدﺋون ﺑﺎﻟﻧﻘض ،
واﻟﻘدر ،واﻟﺧﯾﺎﻧﺔ ﻓﻛﺎن اﻟﺟزاء ﻣن ﺟﻧس اﻟﻌﻣل ﻛﻣﺎ ﺳﻧﺑﯾن.
103
س : 78ﻣن أﺷﻬر ﻣن أﺳﻠم ،وﻣن ﻋﺎداﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻧد ﻗدوﻣﻪ
اﻟﻣدﯾﻧﺔ؟
ج :78أﺷﻬر ﻣن أﺳﻠم ﻋﺑداﷲ ﺑن ﺳﻼم اﻟذي ﻛﺎن أول اﻟﯾﻬود إﺳﻼﻣﺎً ،وﻛﺎن
ﺣﺑ ار ﻣن أﺣﺑﺎرﻫم وﻛﺎن اﺳﻣﻪ اﻟﺣﺻﯾن ﺑن ﺳﻼم ﻓﻠﻣﺎ أﺳﻠم ﺳﻣﺎﻩ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻋﺑداﷲ.
ﻛﻣﺎ أﺳﻠم ﺳﻠﻣﺎن اﻟﻔﺎرﺳﻲ اﻟذي وﻟد وﻧﺷﺄ ﺑﺑﻼد ﻓﺎرس ﺛم رﺣل ﯾﺑﺣث ﻋن اﻟدﯾن
اﻟﺣق ؛ ﻓﺳﺎﻓر إﻟﻰ اﻟﺷﺎم ﺛم إﻟﻰ اﻟﻌراق ﺛم إﻟﻰ اﻟﺷﺎم ﻣرة أﺧرى وأﺧﯾ ارً إﻟﻰ اﻟﺣﺟﺎز
ﺣﺗﻰ اﻧﺗﻬﻰ ﺑﻪ اﻷﻣر أن أﺻﺑﺢ ﻋﺑداً ﺟﻲء ﺑﻪ إﻟﻰ ﺧﯾﺑر ﺛم إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .وﻛﺎن ﻗد
ﺳﻣﻊ ﺑﻣﺣﻣد وﺻﻔﺎﺗﻪ وأﺧﻼﻗﻪ .وﻟﻣﺎ ﺗﺄﻛد ﻟﻪ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺻدق ﻧﺑوة ﻣﺣﻣد آﻣن
ﺑﻪ ،وﺻدﻗﻪ ،وﻛﺎن ﻣن ﺧﯾﺎر اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ وﻛﻠﻬم أﺧﯾﺎر .وأﻛرﻣﻪ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ﺑﻘوﻟﻪ :ﺳﻠﻣﺎن ﻣﻧﺎ آل اﻟﺑﯾت.
أﻣﺎ أﺷﻬر ﻣن ﻋﺎداﻩ وأرﺻد ﻟﻪ ﻓﻬو ﻋﺑداﷲ ﺑن أﺑﻲ ﺑن أﺑﻲ ﺳﻠول اﻟذي ﻛﺎﻧت ﯾﺛرب
ﺗﻧظم ﻟﻪ اﻟﺗﺎج ﻟﯾﺻﺑﺢ ﻣﻠﻛﻬﺎ.
ﻓﻠﻣﺎ ﻗدم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم اﻟﺗف اﻟﻧﺎس ﺣوﻟﻪ ،وﺗﺑﻌوﻩ وأطﺎﻋوﻩ ،
ﻓﺣﻘد ﻋﻠﯾﻪ اﺑن ﺳﻠول ﻷﻧﻪ رأى ﺑﺄﻧﻪ ﻗد ﺳﻠﺑﻪ اﻟﻣﻠك ،ﻓﺄظﻬر اﻹﺳﻼم .وأﺑطن
اﻟﻌداوة .وﺗزﻋم ﻫذا اﻟﻣﻧﺎﻓق طﺎﺋﻔﺔ اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن وﺑﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻪ ﺣﺗﻰ ﻣﺎت ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ
اﻟﺗﺎﺳﻌﺔ ﻣن اﻟﻬﺟرة اﻟﻧﺑوﯾﺔ.
وأﻣﺎ اﻟﻌدو اﻵﺧر ﻓﻬو ﺣﯾﻲ ﺑن أﺧطب ﺳﯾد ﺑﻧﻲ اﻟﻧﺿﯾر وواﻟد ﺻﻔﯾﺔ رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻬﺎ واﻟﺗﻲ ﺗزوﺟﻬﺎ اﻟرﺳول ﻋﺎم ﺧﯾﺑر.وﻛﺎن ﺣﯾﻲ ﻗد ﻏدا ﻣﻊ أﺧﯾﻪ ﯾﺎﺳر ﺣﯾن ﻗدم
104
اﻟرﺳول اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻟﻠﺗﻌرف ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻪ ،وﻫل ﻫو اﻟﻧﺑﻲ اﻟﻣذﻛور ﻓﻲ ﻛﺗﺑﻬم .وﻟﻣﺎ
ﺗﺄﻛد ﻟﻪ اﻷﻣر ﺳﺄﻟﻪ أﺧوﻩ ﯾﺎﺳر ﻗﺎﺋﻼً :ﻓﻣﺎذا ﻓﻲ ﻧﻔﺳك؟ ﻓﻘﺎل :ﻋداوﺗﻪ ﻣﺎ ﺣﯾﯾت.
وظل ﻋﻠﻰ ﻋداوﺗﻪ ﻟﻠرﺳول ﺣﺗﻰ ﻗﺗل ﻣﻊ ﻣن ﻗﺗل ﻣن ﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ
اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ ﻣن اﻟﻬﺟرة.
ﺻﻔّﺔ ؟
س : 79ﻣن ﻫم أﻫل اﻟ ﱡ
ج : 79ﻫم ﻓﻘراء اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن اﻟذﯾن ﻻ أﻫل ﻟﻬم وﻻ ﻣﺎل .وﻛﺎﻧوا ﯾﻘﯾﻣون ﻓﻲ ﻣﻛﺎن
ﻣﺳﻘوف ﻓﻲ آﺧر اﻟﻣﺳﺟد ﯾﺳﻣﻰ ﺑﺎﻟﺻﻔﺔ .وﻛﺎن اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم
ﯾﺟﺎﻟﺳﻬم ﻛﺛﯾ ارًٕ ،واذا ﺟﺎء اﻟﻠﯾل ﻓرﻗﻬم ﺑﯾن أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻟﻠﻌﺷﺎء ،وﯾﺗﻌﺷﻰ طﺎﺋﻔﺔ ﻣﻧﻬم
ﻣﻌﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .وﻣن أﺷﻬر ﻣن ﺳﻛن اﻟﺻﻔﺔ أﺑو ﻫرﯾرة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ.
105
-5وﻓﺎة أﺳﻌد ﺑن زرارة رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ.وﻫو أول ﻣن ﻣﺎت ﻣن اﻷﻧﺻﺎر ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ
إذ ﺗوﻓﻲ أﺛﻧﺎء ﺑﻧﺎء اﻟﻣﺳﺟد ودﻓن ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ.
-6وﻓﺎة ﻋﺛﻣﺎن ﺑن ﻣظﻌون رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ،وﻫو أول ﻣن ﻣﺎت ﻣن اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن
ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ وأول ﻣن دﻓن ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ.
-7وﻓﺎة اﻟﺑراء ﺑن ﻣﻌرور رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ،وﻫو أول ﻣن ﻣﺎت ﻣن اﻟﻧﻘﺑﺎء.
-10إرﺳﺎل اﻟﺳراﯾﺎ ﻟﻠﻘﺗﺎل وأوﻟﻬﻣﺎ ﺳرﯾﺔ ﺣﻣزة ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب ،وﺳرﯾﺔ ﻋﺑﯾدة
ﺑن اﻟﺣﺎرث.
ج : 81ﻛﺎن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﯾﺗﺣﯾﻧون وﻗت اﻟﺻﻼة وﯾذﻫﺑون إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺟد ﻟﻠﺻﻼة ﺧﻠف
اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﻼ أذان وﻻ إﻗﺎﻣﺔ .وﻗد أﺣب ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم
أن ﯾﺟﻌل وﺳﯾﻠﺔ ﯾﺟﻣﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﻧﺎس وﻗت اﻟﺻﻼة .وﺷﺎور أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﻲ ذﻟك .ﻓﺎﻗﺗرح
ﺑﻌﺿﻬم اﺗﺧﺎذ ﺑوق ﻹﻋﻼم اﻟﻧﺎس ؛ ﻓﻛرﻫﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻷﻧﻪ ﻟﻠﯾﻬود ،واﻗﺗرح
آﺧرون اﻟﻧﺎﻗوس ،ﻓﻛرﻫﻪ اﻟرﺳول ﻷﻧﻪ ﻟﻠﻧﺻﺎرى .وﺑﯾﻧﻣﺎ ﻫم ﯾﻔﻛرون ﻓﻲ وﺳﯾﻠﺔ
ﻟﺟﻣﻊ اﻟﻧﺎس ﻟﻠﺻﻼة ؛ رأى ﻋﺑد اﷲ ﺑن زﯾد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎم ﻣن ﯾﻌﻠﻣﻪ
اﻷذان ﺑﺻﯾﻐﺗﻪ وﻋﺑﺎراﺗﻪ اﻟﻣﻌروﻓﺔ ،ﻓﻐدا ﻋﻠﻰ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم وأﺧﺑرﻩ
ﺑﻣﺎ أرى ؛ ﻓﺄﻣرﻩ أن ﯾﻠﻘﻧﻬﺎ ﺑﻼل ﻟﯾؤذن ﺑﻬﺎ ؛ ﻷ ﻧﻪ ﻛﺎن أﻧدى وأﺟﻣل ﺻوﺗﺎً.ﻓﻠﻣﺎ أذن
ﺑﻼل ﺳﻣﻌﻪ ﻋﻣر وﻛﺎن ﻗد رأى ﻧﻔس اﻟرؤﯾﺎ ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم " :ﻓﻠﻠﻪ
اﻟﺣﻣد ﻋﻠﻰ ذﻟك".
106
وﯾروى أن ﺟﺑرﯾل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻠم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺻﯾﻐﺔ اﻹﻗﺎﻣﺔ .وﻛﺎن ﻟﻪ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أرﺑﻌﺔ ﻣؤذﻧﯾن ﻫم :ﺑﻼل ﺑن رﺑﺎح ،وﻋﺑداﷲ – وﻗﯾل ﻋﻣرو
، اﺑن أم ﻣﻛﺗوم ﻓﻲ ﻣﺳﺟدﻩ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وﺳﻌد اﻟﻘرظ ﻓﻲ ﻗﺑﺎء
وأﺑوﻣﺣذورة أوس اﺑن ﻣﻐﯾرة اﻟﺟﻣﺣﻲ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ .
ج : 82ﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻗد ﺧطب ﻋﺎﺋﺷﺔ ﻣن أﺑﯾﻬﺎ أﺑﻲ ﺑﻛر اﻟﺻدﯾق
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻌﺎﺷرة أو اﻟﺣﺎدﯾﺔ ﻋﺷرة ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ ،ﺛم ﺑﻧﻰ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ
ﺷﻬر ﺷوال ﻣن اﻟﺳﻧﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﻬﺟرة ،وﻛﺎﻧت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺗﻛﻧﻰ ﺑﺄم ﻋﺑداﷲ.
ج : 83ﺷرع اﻟﺟﻬﺎد ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣن اﻟﻬﺟرة .وﻛﺎن أول ﻣﺎ ﻧزل ﻓﯾﻪ ﻗول اﷲ
ﻳﻦ أُ ْﺧ ِﺮ ُﺟﻮا ﱠِ ﺗﻌﺎﻟﻰ" أ ُِذ َن ﻟِﻠﱠ ِﺬﻳﻦ ﻳـ َﻘﺎﺗَـﻠُﻮ َن ﺑِﺄَﻧﱠـﻬﻢ ﻇُﻠِﻤﻮا وإِ ﱠن اﻟﻠﱠﻪَ َﻋﻠَﻰ ﻧَ ْ ِ ِ
ﺼ ِﺮﻫ ْﻢ ﻟََﻘﺪ ٌﻳﺮ .اﻟﺬ َ ُْ ُ َ َ ُ
ِﻣ ْﻦ ِدﻳَﺎ ِرِﻫ ْﻢ ﺑِﻐَْﻴ ِﺮ َﺣ ﱟﻖ إِﻻ أَ ْن ﻳَـ ُﻘﻮﻟُﻮا َرﺑﱡـﻨَﺎ اﻟﻠﱠﻪُ ".
-1ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻛف وﻋدم اﻹذن ﺑﺎﻟﻘﺗﺎل وذﻟك طوال اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻣﻛﯾﺔ وأواﺋل اﻟﻌﻬد
اﻟﻣدﻧﻲ .وﻛﺎن اﻟﺷﻌﺎر ﻫو " ُﻛ ﱡﻔوا أَ ْﯾ ِد َﯾ ُﻛ ْم َوأَﻗِﯾﻣُوا اﻟﺻ َﱠﻼ َة ".
107
-2ﻣرﺣﻠﺔ اﻹذن ﺑﺎﻟﻘﺗﺎل ،وﺑدأت ﺑﻧزول ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ "أذن ﻟﻠذﯾن ﯾﻘﺎﺗﻠون ﺑﺄﻧﻬم
ظﻠﻣوا ٕ ،وان اﷲ ﻋﻠﻰ ﻧﺻرﻫم ﻟﻘدﯾر " .
-3ﻣرﺣﻠﺔ اﻷﻣر ﺑﻘﺗﺎل ﻣن ﯾﻘﺎﺗﻠﻬم دون ﻣن ﻟم ﯾﻘﺎﺗﻠﻬم ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ" َوﻗَ ِﺎﺗﻠُواْ ِﻓﻲ
ﯾن ). " (190 ﯾن ُﯾﻘَ ِﺎﺗﻠُوَﻧ ُﻛ ْم َوﻻَ ﺗَ ْﻌﺗَ ُدواْ إِ ﱠن اﻟﻠّ َﻪ َﻻ ُﯾ ِﺣ ﱢب ا ْﻟ ُﻣ ْﻌﺗَِد َ
ﯾل اﻟﻠّ ِﻪ اﻟﱠ ِذ َ
ﺳ ِﺑ ِ
َ
-4ﻣرﺣﻠﺔ اﻷﻣر ﺑﻘﺗﺎل ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻣﺷرﻛﯾن .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ" َو َﻗﺎﺗِﻠُوا ا ْﻟ ُﻣ ْ
ﺷ ِرﻛِﯾنَ َﻛﺎ ﱠﻓ ًﺔ َﻛ َﻣﺎ
ُﯾ َﻘﺎﺗِﻠُو َﻧ ُﻛ ْم َﻛﺎ ﱠﻓ ًﺔ ".
ﯾﻘول اﺑن اﻟﻘﯾم رﺣﻣﺔ اﷲ :ﻓﻛﺎن اﻟﻘﺗﺎل ﻣﺣرﻣﺎً ،ﺛم ﻣﺄذوﻧﺎً ،ﺛم ﻣﺄﻣو ارً ﺑﻪ ﻟﻣن ﺑدأﻫم
ﺑﺎﻟﻘﺗﺎل ،ﺛم ﻣﺄﻣو ارً ﺑﻪ ﻟﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﺷرﻛﯾن.
108
* وﻣن ﺛم ﻛﺎن ﻣن ﺣق اﻟﺑﺷرﯾﺔ أن ﺗﺑﻠﻎ إﻟﯾﻬﺎ اﻟدﻋوة إﻟﻰ ﻫذا اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻹﻟﻬﻲ
اﻟﺷﺎﻣل ،وأﻻ ﺗﻘف ﻋﻘﺑﺔ أو ﺳﻠطﺔ ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﺗﺑﻠﯾﻎ ﺑﺄي ﺣﺎل ﻣن اﻷﺣوال.
* وﻣن ﺛم ﻛﺎن ﻣن ﺣق اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻛذﻟك أن ﯾﺗرك اﻟﻧﺎس ﺑﻌد وﺻول اﻟدﻋوة إﻟﯾﻬم
أﺣ ار ارً ﻓﻲ اﻋﺗﻧﺎق ﻫذا اﻟدﯾن ﻻ ﺗﺻدﻫم ﻋن اﻋﺗﻧﺎﻗﻪ ﻋﻘﺑﺔ أو ﺳﻠطﺔ ،ﻓﺈذا أﺑﻰ
ﻓرﯾق ﻣﻧﻬم أن ﯾﻌﺗﻧﻘﻪ ﺑﻌد اﻟﺑﯾﺎن ،ﻟم ﯾﻛن ﻟﻪ أن ﯾﺻد اﻟدﻋوة ﻋن اﻟﻣﺿﻲ ﻓﻲ
طرﯾﻘﻬﺎ .وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ أن ﯾﻌطﻲ ﻣن اﻟﻌﻬود ﻣﺎ ﯾﻛﻔل ﻟﻬﺎ اﻟﺣرﯾﺔ ،وﻣﺎ ﯾﺿﻣن
ﻟﻠﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ اﻟﻣﺿﻲ ﻓﻲ طرﯾق اﻟﺗﺑﻠﯾﻎ ﺑﻼ ﻋدوان .
* ﻓﺈذا اﻋﺗﻧﻘﻬﺎ ﻣن ﻫداﻫم اﷲ إﻟﯾﻬﺎ ﻛﺎن ﻣن ﺣﻘﻬم أﻻ ﯾﻔﺗﻧوا ﻋﻧﻬﺎ ﺑﺄي وﺳﯾﻠﺔ
ﻣن وﺳﺎﺋل اﻟﻔﺗﻧﺔ .ﻻ ﺑﺎﻷذى وﻻ ﺑﺎﻹﻏراء ،وﻻ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ أوﺿﺎع ﻣن ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺻد
اﻟﻧﺎس ﻋن اﻟﻬدى .وﻛﺎن ﻣن واﺟب اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ أن ﺗدﻓﻊ ﻋﻧﻬم ﺑﺎﻟﻘوة
ﻣن ﯾﺗﻌرض ﻟﻬم ﺑﺎﻷذى واﻟﻔﺗﻧﺔ ؛ ﺿﻣﺎﻧﺎً ﻟﺣرﯾﺔ اﻟﻌﻘﯾدة ،وﻛﻔﺎﻟﺔ ﻷﻣن اﻟذﯾن
ﻫداﻫم اﷲ ٕ ،واﻗ ار ارً ﻟﻣﻧﻬﺞ اﷲ ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة ،وﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻣن اﻟﺣرﻣﺎن ﻣن
ذﻟك اﻟﺧﯾر اﻟﻌﺎم.
وﯾﻧﺷﺄ ﻋن ﺗﻠك اﻟﺣﻘوق اﻟﺛﻼﺛﺔ واﺟب آﺧر ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ،وﻫو أن
ﺗﺣطم ﻛل ﻗوة ﺗﻌﺗرض طرﯾق اﻟدﻋوة ٕواﺑﻼﻏﻬﺎ ﻟﻠﻧﺎس ﻓﻲ ﺣرﯾﺔ ،أو ﺗﻬدد ﺣرﯾﺔ
اﻋﺗﻧﺎق اﻟﻌﻘﯾدة وﺗﻔﺗن اﻟﻧﺎس ﻋﻧﻬﺎ .وأن ﺗظل ﺗﺟﺎﻫد ﺣﺗﻰ ﺗﺻﺑﺢ اﻟﻔﺗﻧﺔ
ﻟﻠﻣؤﻣﻧﯾن ﺑﺎﷲ ﻏﯾر ﻣﻣﻛﻧﺔ ﻟﻘوة ﻓﻲ اﻷرض ،وﯾﻛون اﻟدﯾن ﷲ ،ﻻ ﺑﻣﻌﻧﻰ إﻛراﻩ
اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ اﻹﯾﻣﺎن ،وﻟﻛن ﺑﻣﻌﻧﻰ اﺳﺗﻌﻼء دﯾن اﷲ ﻓﻲ اﻷرض ﺑﺣﯾث ﻻ ﯾﺧﺷﻰ
أن ﯾدﺧل ﻓﯾﻪ ﻣن ﯾرﯾد اﻟدﺧول ،وﻻ ﯾﺧﺎف ﻗوة ﻓﻲ اﻷرض ﺗﺻدﻩ ﻋن دﯾن اﷲ
أن ﯾﺑﻠﻐﻪ ،وأن ﯾﺳﺗﺟﯾب ﻟﻪ ،وأن ﯾﺑﻘﻰ ﻋﻠﯾﻪ " .إﻧﺗﻬﻰ ﻗوﻟﻪ رﺣﻣﻪ اﷲ .
109
ﻣ ﱠﻣﺎ ﺳﺑق ﻧﺧﻠص إﻟﻰ أن ﻫدف اﻟﺟﻬﺎد ﻫو ﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟﻌﻘﯾدة ،وﺗﻣﻬﯾد
اﻟطرﯾق وﺗﺄﻣﯾﻧﻪ ﻟﻣن ﯾرﻏﺑون اﻟدﺧول ﻓﻲ دﯾن اﷲ ،وﺣﻣﺎﯾﺗﻬم ﻣن اﻟﻔﺗﻧﺔ
واﻷذى ،وﺗﻣﻬﯾد اﻟطرﯾق ﻟﻠدﻋوة واﻟدﻋﺎة ﻹﯾﺻﺎل ﻫذا اﻟدﯾن إﻟﻰ ﻛل إﻧﺳﺎن ﻣن
ﺣﻘﻪ أن ﯾﺑﻠﻐﻪ ﻫذا اﻟدﯾن ؛ ﻷن اﷲ ﻫو رب اﻟﻧﺎس ﻛﻠﻬم ،وﻣﻠك اﻟﻧﺎس ﻛﻠﻬم ،
ٕواﻟﻪ اﻟﻧﺎس ﻛﻠﻬم ،ﻟﯾس ﻟﻬم ﻛﻠﻬم رب ﺣق ،وﻣﻠك ﺣق ٕ ،واﻟﻪ ﺣق ﺳواﻩ
ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ .
ﻫدى ﻟﻠﻧﺎس ﻛﻠﻬم ،وأرﺳل ﻣﺣﻣداً ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ً وﻷن اﷲ أﻧزل اﻟﻘرآن
ﺑﺷﯾ ارً وﻧذﯾ ارً ﻟﻠﻧﺎس ﻛﻠﻬم ،وﻟذا ﻛﺎن ﻣن واﺟب اﻷﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﻫﻲ ﺧﯾر
أﻣﺔ أﺧرﺟت ﻟﻠﻧﺎس إزاﻟﺔ ﻛل اﻟﻌﻘﺑﺎت واﻟﻘوى اﻟﺗﻲ ﺗﻘف ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟدﻋوة ،وﺗﺣول
دون وﺻوﻟﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻧﺎس .ﻫذا ﻫو ﻫدف اﻟﺟﻬﺎد اﻟﺳﺎﻣﻲ .وﻟم ﯾﻛن ﻫدﻓﻪ ﻓﻲ
ﯾوم ﻣن اﻷﯾﺎم إﻛراﻩ اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ اﻟدﺧول ﻓﻲ اﻟدﯾن ،أو ﺑﺳط اﻟﻧﻔوذ واﻻﺳﺗﯾﻼء
ﻋﻠﻰ اﻷرض واﻟﺛروات ﻛﻣﺎ ﯾﻘول اﻷﻓﺎﻛون أﻋداء اﻟدﯾن.
110
111
س : 85ﻣﺎ اﻟﺳراﯾﺎ واﻟﻐزوات اﻟﺗﻲ ﺣدﺛت ﻗﺑل ﺑدر؟ وﻣﺎ ﻫدﻓﻬﺎ ؟
112
دون ﺧوف ﻣن أﺣد ،ﻷن وراء ﻫذا اﻟدﯾن ﻗوة ﺗﺣﻣﯾﻪ وﺗﺣﻣﻲ أﺗﺑﺎﻋﻪ .وﺑﻬذا
ﯾﻧﺗﺷر اﻟدﯾن.
أﻣﺎ اﻟﻐزوات واﻟﺳراﯾﺎ اﻟﺗﻲ ﺣدﺛت ﻗﺑل ﻏزوة ﺑدر اﻟﻛﺑرى ﻓﺧﻼﺻﺗﻬﺎ ﻛﺎﻵﺗﻲ
)ﺷﻛل . (8
-1ﺳرﯾﺔ ﺣﻣزة ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب إﻟﻰ ﺳﯾف اﻟﺑﺣر ﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻌﯾص ﻓﻲ رﻣﺿﺎن
ﺳﻧﺔ )1ﻫـ( ﻻﻋﺗراض ﻋﯾر ﻟﻘرﯾش ﻗﺎدﻣﺔ ﻣن اﻟﺷﺎم .وﻟم ﯾﺣدث ﻗﺗﺎل ﺑﯾن
اﻟطرﻓﯾن.
113
-2ﺳرﯾﺔ ﻋﺑﯾدة ﺑن اﻟﺣﺎرث إﻟﻰ راﺑﻎ ﻓﻲ ﺷوال ﺳﻧﺔ )1ﻫـ( ﻻﻋﺗراض ﻗﺎﻓﻠﺔ
ﻟﻘرﯾش .واﻟﺗﻘﻰ اﻟﻔرﯾﻘﺎن وﺗراﻣﯾﺎ ﺑﺎﻟﻧﺑل وﻟم ﯾﻘﻊ ﻗﺗﺎل .وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺳرﯾﺔ ﻓر
رﺟﻼن ﻣن ﺟﯾش ﻣﻛﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﻛﺎﻧﺎ ﻣﺳﻠﻣﯾن وﻫﻣﺎ اﻟﻣﻘداد ﺑن
ﻋﻣرو وﻋﺗﺑﻪ ﺑن ﻏزوان رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ.
-3ﺳرﯾﺔ ﺳﻌد ﺑن أﺑﻲ وﻗﺎص إﻟﻰ اﻟﺧ ارر ﻓﻲ ذي اﻟﻘﻌدة ﺳﻧﺔ )1ه(ـ ﻻﻋﺗراض
ﻋﯾر ﻟﻘرﯾش ،إﻻ إن ﺳﻌداً وﺟد ﺑﺄن اﻟﻌﯾر ﻗد ﻣرت ﺑﺎﻷﻣس.
-4ﻏزوة اﻷﺑواء أو ودان ﻓﻲ ﺻﻔر ﺳﻧﺔ )2ه( ـ ﺣﯾث ﺧرج ﻋﻠﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﺳﺑﻌﯾن ﻣن اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن ﻻﻋﺗراض ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻟﻘرﯾش ،وﻟم ﯾﺣدث
ﻗﺗﺎل ،إﻻ أﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻘد ﻣﻌﺎﻫدة ﺣﻠف ﻣﻊ ﻋﻣرو ﺑن ﻣﺧﺷﻲ اﻟﺿﻣري
ﺳﯾد ﺑﻧﻲ ﺿﻣرة .وﻫﻲ أول ﻏزوة ﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم.
-5ﻏزوة ﺑواط ﻓﻲ ﺷﻬر رﺑﯾﻊ اﻻول ﺳﻧﺔ )2ﻫـ( ﺣﯾث ﺧرج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺗﯾن ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻻﻋﺗراض ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻟﻘرﯾش .وﺳﺎر ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻎ ﺑواط ﻧﺎﺣﯾﺔ رﺿوى ،وﻟم ﯾﻠق ﻛﯾداً .
-6ﻏزوة ﺳﻔوان )ﺑدر اﻷوﻟﻰ( ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ )2ﻫـ( ﻟﻣﻼﺣﻘﺔ ﻛرز ﺑن
ﺟﺎﺑر اﻟﻔﻬري اﻟذي أﻏﺎر ﻋﻠﻰ ﺳرح اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻧﻬب ﺑﻌض اﻟﻣواﺷﻲ ،ﻓطﺎردﻩ
اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﺳﺑﻌﯾن رﺟﻼً ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻎ وادﯾﺎً
ﯾﻘﺎل ﻟﻪ ﺳﻔوان ﻧﺎﺣﯾﺔ ﺑدر ،وﻟﻛﻧﻪ ﻟم ﯾدرك ﻛر ازً وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﻌﺎد اﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
-7ﻏزوة ذي اﻟﻌﺷﯾرة ﻓﻲ ﺟﻣﺎدي اﻷول واﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺳﻧﺔ )2ه(ـ ﺣﯾث ﺧرج ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﻧﺣو ﻣﺎﺋﺗﯾن ﻓﻲ أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻻﻋﺗراض ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻟﻘرﯾش ﻣﺗﺟﻬﺔ
إﻟﻰ اﻟﺷﺎم ﻓﯾﻬﺎ أﻟف ﺑﻌﯾر ﺑﻘﯾﺎدة أﺑﻲ ﺳﻔﯾﺎن .وﺑﻠﻎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم
ذا اﻟﻌﺷﯾرة ﻓوﺟد ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻗرﯾش ﻗد ﻓﺎﺗﺗﻪ ﺑﺄﯾﺎم ؛ ﻓﻌﺎد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة و اﻟﺳﻼم
114
وﻫو ﯾﺿﻣر اﻋﺗراﺿﻬﺎ إذا ﻋﺎدت ﻣن اﻟﺷﺎم ﻓﻛﺎن ذﻟك ﺳﺑﺑﺎً ﻟﻐزوة ﺑدر
اﻟﻛﺑرى.
-8ﺳرﯾﺔ ﻋﺑداﷲ ﺑن ﺟﺣش إﻟﻰ ﻧﺧﻠﺔ ﻓﻲ رﺟب ﺳﻧﺔ )2ﻫـ( ﻻﻋﺗراض ﻋﯾر
ﻟﻘرﯾش ﻗﺎدﻣﺔ ﻣن اﻟطﺎﺋف .وﻗد اﻋﺗرض ﻋﺑداﷲ وأﺻﺣﺎﺑﻪ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،ورﻣوا
ﺑﺎﻟﻧﺑل رﺟﻼً ﻣن اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻓﻘﺗﻠوﻩ وأﺳروا رﺟﻠﯾن وذﻟك ﻓﻲ اﻟﺷﻬر اﻟﺣرام
،وﺟﺎؤوا ﺑﺎﻟﻘﺎﻓﻠﺔ واﻷﺳﯾرﯾن .وأﻧﻛر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ أﺻﺣﺎﺑﻪ
ﺎل ﻓِﯾ ِﮫ ﻓﻲ اﻟﺷﻬر اﻟﺣرام .وﻧزل ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ َ ":ﯾ ْﺳﺄَﻟُو َﻧ َك َﻋ ِن اﻟ ﱠ
ﺷ ْﮭ ِر ا ْﻟ َﺣ َر ِام ﻗِ َﺗ ٍ
ج ﺟ ِد ا ْﻟ َﺣ َر ِام َوإِ ْﺧ َرا ُ ﷲ َو ُﻛ ْﻔ ٌر ِﺑ ِﮫ َوا ْﻟ َﻣ ْﺳ ِ ﯾل ﱠ ِﺳ ِﺑ ِ ﺻ ﱞد َﻋنْ َ ﻗُلْ ﻗِ َﺗﺎل ٌ ﻓِﯾ ِﮫ َﻛ ِﺑﯾ ٌر َو َ
ﷲ َوا ْﻟﻔِ ْﺗ َﻧ ُﺔ أَ ْﻛ َﺑ ُر ﻣِنَ ا ْﻟ َﻘ ْﺗ ِل ".أَھْ ﻠِ ِﮫ ِﻣ ْﻧ ُﮫ أَ ْﻛ َﺑ ُر ِﻋ ْﻧ َد ﱠ ِ
وﻗد أدى ﺷﯾوع ﻫذﻩ اﻟﻣﻌﻠوﻣﺔ اﻟﺧﺎطﺋﺔ إﻟﻰ اﻟطﻌن ﻓﻲ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﺻﺣﺎﺑﻪ اﻟﺑررة ﻣن ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻣﺳﺗﺷرﻗﯾن وأﻋداء اﻹﺳﻼم وﻓﻲ
ﻣﻘدﻣﺗﻬم ) ﺑﺎت روﺑرﺗﺳون ( Pat Robertsonاﻟﻣﻘدم ﻓﻲ ﻗﻧﺎة ﻓوﻛس
اﻹﺧﺑﺎرﯾﺔ ،وﺻﺎﺣب اﻟﻣﺳﺗﺷﻔﻰ اﻟﺗﻧﺻﯾري اﻟطﺎﺋر ،وأﺣد اﻟﻣﻧﺻرﯾن اﻟﻧﺷطﺎء
واﻟذي ﻗﺎل :ﻛل ﻣﺎ ﻋﻠﯾك ﻫو أن ﺗﻘ أر اﻟﻘرآن اﻟذي ﻛﺗﺑﻪ ﻣﺣﻣد .إﻧﻪ ﯾدﻋو ﻗوﻣﻪ
إﻟﻰ ﻗﺗل اﻟﻣﺷرﻛﯾن .إﻧﻪ رﺟل ﻣﺗﻌﺻب .ﻟﻘد ﻛﺎن ﻣﺣﻣد ﻟﺻﺎً وﻗﺎطﻊ طرﯾق .ﻫذا
116
ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻫذا اﻷﻓﺎك اﻷﺛﯾم ﻋن ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺳﺑب ﻣﺎ ُﻛﺗب ﺧطﺄً
ﻓﻲ ﻋدد ﻣن ﻛﺗب اﻟﺳﯾرة .
وﻛﯾف ﯾﻧﺗﺻر ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﻣن ﻗرﯾش ودﯾﺎرﻫﺎ ﺑﻌﯾدة ﻋن
اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،واﻟطرﯾق إﻟﯾﻬﺎ ﻏﯾر آﻣﻧﺔ ﻓﻬﻲ ﻣﻠﯾﺋﺔ ﺑﺎﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟﻣﻌﺎدﯾﺔ ﻟﻺﺳﻼم
واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن؟
117
ﻟم ﯾﺟد اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وأﺻﺣﺎﺑﻪ وﺳﯾﻠﺔ ﻟﻼ ﻧﺗﻘﺎم ﻣن ﻗرﯾش إﻻ ﺑﺎﻋﺗراض
ﻗواﻓﻠﻬﺎ اﻟﺗﺟﺎرﯾﺔ اﻟﻣﺗﺟﻬﺔ ﺻﯾﻔﺎً إﻟﻰ اﻟﺷﺎم .ﺳﺎﻋدﻫم ﻋﻠﻰ ذﻟك أن اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺗﻘﻊ
ﻋﻠﻰ طرﯾق اﻟﻘواﻓل اﻟﻘرﺷﯾﺔ اﻟﺗﺟﺎرﯾﺔ ،ﻓﻼ ﺑد إذاً ﻣن اﻋﺗراﺿﻬﺎ ﻟﺿرب ﻗرﯾش
اﻗﺗﺻﺎدﯾﺎً ،وﺗﺧوﯾﻔﻬﺎ ﻋﺳﻛرﯾﺎً ،وزﻋزﻋﺔ أﻣﻧﻬﺎ .وﻫذا ﻛل ﻣﺎ ﯾﺳﺗطﯾﻊ أن ﯾﻔﻌﻠﻪ
اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم واﻟﻣﺳﻠﻣون ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ .وﻫو ﺣق ،
ﻣﺷروع ﯾﻘرﻩ اﻟدﯾن ،واﻟﻌﻘل ،واﻟﻌرف ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﻣظﻠوﻣﯾن اﻟذﯾن أﺧرﺟﺗﻬم
ﻗرﯾش ﻣن دﯾﺎرﻫم وأﻣواﻟﻬم ﺑﻐﯾر ﺟرم إﻻ أﻧﻬم ﻗﺎﻟوا رﺑﻧﺎ اﷲ .أﻣﺎ اﻟﺳﻛوت ،
واﻟﺗﻐﺎﺿﻲ ،واﻟﺗﻐﺎﻓل ﻋن ﺟراﺋم ﻗرﯾش ﻓﻲ ﺣق اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﺗرك ﻗواﻓﻠﻬﺎ
ﺗﺳرح ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ذاﻫﺑﺔ وآﯾﺑﺔ ﻓﻲ أﻣن وﺳﻼم ﻋﻠﻰ ﻣ أرى اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﺳﻣﻌﻬم
ﻓﻬذا واﷲ ﻟن ﯾﻛون ﻓﻲ ﻋرف اﻟرﺟﺎل ﻛﻣﺣﻣد وأﺻﺣﺎﺑﻪ ٕ ،واﻧﻣﺎ ﯾﻛون ﻓﻲ ﻋرف
اﻟﺟﺑﻧﺎء ،واﻷذﻻء ،واﻟذﯾن ﺗﻌودوا ﻋﻠﻰ طﺄطﺄة اﻟرؤوس ﻟﻠظﻠﻣﺔ واﻟﻣﺗﺟﺑرﯾن .
وﺑﻧﺎ ًء ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﺑق ﻓﺈن ﺳﺑب ﻣﻌرﻛﺔ ﺑدر ﻫو رﻏﺑﺔ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ
اء وﻓﺎﻗﺎً ﻟﻣﺎ ﻓﻌﻠﺗﻪ ﺑﻬم ﻓﻲ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﻲ اﻻ ﻧﺗﻘﺎم ﻣن ﻗرﯾش ﺟز ً
ﻣﻛﺔ ،وﻟم ﺗﻛن اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ إﻻ ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ اﻟﻔرﺻﺔ اﻟﺗﻲ ﻫﯾﺋت ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ﻟﻼ ﻧﺗﻘﺎم ﻣن
ﻗرﯾش ٕ ،واﻻ ﻓﻬﻧﺎك اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻘواﻓل اﻷﺧرى ﻟﻐﯾر ﻗرﯾش ﻣن اﻟﯾﻬود وﻗﺑﺎﺋل
اﻟﻌرب واﻟﺗﻲ ﻟم ﯾﻌﺗرﺿﻬﺎ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ،وﻟم ﯾﻌﺗدوا
ﻋﻠﯾﻬﺎ ،ﺑل ﺗرﻛوﻫﺎ ﺗﻣر ﺑﺄﻣن وﺳﻼم ،ﻷﻧﻬم ﻟﯾﺳوا ﻗطﺎع طرﯾق .ﻓﻘﺎطﻊ
اﻟطرﯾق ﻟص ﻣﺗرﺻد ﻻ ﻫم ﻟﻪ إﻻ ﻧﻬب اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ – أي ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻛﺎﻧت -وﺳﻠب ﻣﺎ
ﻓﯾﻬﺎ ﻣن زاد وﻣﺗﺎع ،وواﷲ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺣﻣد ﻧﺑﻲ اﻟرﺣﻣﺔ واﻟﻬدى وأﺻﺣﺎﺑﻪ اﻟﺑررة
اﻷﺧﯾﺎر ﻛذﻟك ﯾوﻣﺎً ﻣﺎ ،ﺑل ﻛﺎﻧوا ﯾطﻠﺑون ﺛﺄ ارً ،وﯾﻧﺗﺻرون ﻷﻧﻔﺳﻬم ﻣﻣن
118
ظﻠﻣﻬم وﺑﻐﻰ ﻋﻠﯾﻬم ،وﻟو ﻛﺎﻧوا ﻗطﺎع طرﯾق ﻛﻣﺎ ﯾﻘول اﻷﻓﺎﻛون ﻣﺎ ﺗرﻛوا ﻗﺎﻓﻠﺔ
ﺗﻣر ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ وﺿواﺣﯾﻬﺎ – وﻣﺎ أﻛﺛرﻫﺎ – إﻻ اﻋﺗدوا ﻋﻠﯾﻬﺎ وﻧﻬﺑوﻫﺎ .
أرﺟو أن ﯾﻛون ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻷﺳطر ﺑﯾﺎﻧﺎً ﻟﻠﺣق ،واﻧﺗﺻﺎ ارً ﻟﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ٕ ،وارﻏﺎﻣﺎً ﻟﻣن ﻋﺎداﻫم ،وﺗﻛذﯾﺑﺎً ﻟﻣن اﺗﻬﻣﻬم ﺑﻣﺎ ﻟﯾس
ﻓﯾﻬم .
وﻟﻣﺎ ﻋﻠم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻌودة اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻧﺗدب أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻟﻠﺧروج ﻟﻬﺎ ﻗﺎﺋﻼً :ﻫذﻩ ﻋﯾر
ﻗرﯾش ﻓﯾﻬﺎ أﻣواﻟﻬم ،ﻓﺄﺧرﺟوا إﻟﯾﻬﺎ ﻟﻌل اﷲ أن ﯾﻧﻔﻠﻛﻣوﻫﺎ .وﻟم ﯾﻌزم ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ أﺣد ﺑﺎﻟﺧروج .ﻷﻧﻪ ﻟم ﯾﺗوﻗﻊ أن ﯾﻛون ﻫﻧﺎك ﻗﺗﺎل ﻣﻊ ﻗرﯾش.
وﺧرج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ اﻷرﺟﺢ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﻣﺎﺋﺔ وأرﺑﻌﺔ ﻋﺷر رﺟﻼً ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ)
83رﺟﻼً ﻣن اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن ،و 231ﻣن اﻷ ﻧﺻﺎر ( وﻛﺎن ﻣﻌﻬم ﺳﺑﻌون ﺑﻌﯾ ارً ﯾﻌﺗﻘﺑوﻧﻬﺎ ،
وﻓرﺳﺎن أﺣدﻫﻣﺎ ﻟﻠزﺑﯾر ﺑن اﻟﻌوام ،واﻵﺧر ﻟﻠﻣﻘداد ﺑن اﻷﺳود اﻟﻛﻧدي .وﺳﺎر ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ﺑﺎﺗﺟﺎﻩ ﺑدر؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻧﻘطﺔ اﻟﺗﻘﺎء اﻟﻘواﻓل واﻟﻣﺳﺎﻓرﯾن ،واﻟرﻋﺎة اﻟذﯾن ﯾردوﻧﻬﺎ ﻟﻛﺛرة
ﻣﯾﺎﻫﻬﺎ ؛ ﻓﻼﺑد أن ﺗﻣر ﺑﻬﺎ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻟﻠﺗزود ﺑﺎﻟﻣﺎء ،ﻓﺄراد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أن ﯾﺳﺑﻘﻬﺎ.
119
(9 )اﻟﺷﻛل ﻟﻼﺳﺗطﻼع واﻟﻌﯾون ﺑﺎﻟطﻼﺋﻊ اﻟﺳﻼم ﻋﻠﯾﻪ وﺑﻌث
. .
أﻣﺎ أﺑو ﺳﻔﯾﺎن ﻓﻘد ﻛﺎن ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﺣذر ﺣﯾن دﺧل ﺑﺎﻟﻘﺎﻓﻠﺔ أرض اﻟﺣﺟﺎز ،وﻟذا ﺑﻌث
ﺑﺎﻟﻌﯾون واﻟﺟواﺳﯾس اﻟذﯾن ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ﻋﺎدوا إﻟﯾﻪ ﺑﺄﺧﺑﺎر ﺧروج ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﻻﻋﺗراض اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ .ﻓﺑﻌث أﺑو ﺳﻔﯾﺎن ﺑرﺳﺎﻟﺔ ﻋﺎﺟﻠﺔ ﻣﻊ ﺿﻣﺿم ﺑن
120
ﻋﻣرو اﻟﻐﻔﺎري إﻟﻰ ﻗرﯾش ﯾﺳﺗﻧﻔرﻫم ﻟﻠﺧروج ﻹﻧﻘﺎذ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،وظل ﯾﺳﯾر ﻋﻠﻰ اﻟطرﯾق
اﻟﻣؤدي إﻟﻰ ﺑدر .ﻓﻠﻣﺎ اﻗﺗرب ﻣﻧﻬﺎ ﺗرك اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﺗﻣﺷﻲ اﻟﻬوﯾﻧﻰ ،وﺗﻘدم ﻧﺣو ﺑدر
ﻣﺎء
ﻟﻼﺳﺗطﻼع .وﻫﻧﺎك أﺧﺑرﻩ رﺟل ﺑﺄﻧﻪ رأى راﻛﺑﯾن ﻗد أﻧﺎﺧﺎ إﻟﻰ ﺗل ﻫﻧﺎك واﺳﺗﻘﯾﺎ ً
واﻧﺻرﻓﺎ.
ﻓذﻫب أﺑو ﺳﻔﯾﺎن إﻟﻰ ﻣﻧﺎﺧﻬﻣﺎ ،وﻓت ﺑﻌر اﻹﺑل ﻓوﺟد ﻓﯾﻪ ﻧوى اﻟﺗﻣر ﻓﻘﺎل :
ﻫذﻩ واﷲ ﻋﻼﺋف ﯾﺛرب .وﻋﺎد ﻣﺳرﻋﺎً إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،ووﺟﻬﻬﺎ ﻏرﺑﺎً ﻧﺣو اﻟﺳﺎﺣل
ﺣﺗﻰ أﺻﺑﺣت ﻓﻲ ﻣﻛﺎن ﺑﻌﯾد وآﻣﻧﺔ.
أﻣﺎ ﻗرﯾش ﻓﻘد ﺑﻠﻐﺗﻬﺎ رﺳﺎﻟﺔ اﻻﺳﺗﻧﻔﺎر ﻓﺛﺎرت ﺛﺎﺋرﺗﻬﺎ ،وﺟﻣﻌت اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ
ﻋﺟل وﺧرﺟت ﻓﻲ أﻟف وﺛﻼﺛﻣﺎﺋﺔ رﺟل ﻹﻧﻘﺎذ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ وﻟﻘﺗﺎل ﻣﺣﻣد وﺗﺄدﯾﺑﻪ ﻋﻠﻰ
ﺣد زﻋﻣﻬﺎ .وﻛﺎن أﺑو ﺳﻔﯾﺎن ﻗد ﻋﻠم ﺑﺧروج اﻟﺟﯾش اﻟﻘرﺷﻲ ،وﻟذا ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻣﺎ
ﻧﺟﺎ ﺑﺎﻟﻘﺎﻓﻠﺔ أرﺳل ﺑرﺳﺎﻟﺔ إﻟﻰ ﺟﯾش ﻗرﯾش اﻟذي ﻛﺎن ﻗد وﺻل اﻟﺟﺣﻔﺔ ﯾﺧﺑرﻫم
أن أﺑﺎ
ﺑﻧﺟﺎة اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ وﯾطﻠب ﻣﻧﻬم اﻟرﺟوع إﻟﻰ ﻣﻛﺔ .وﻫ ﱠم اﻟﺟﯾش ﺑﺎﻟرﺟوع إﻻ ﱠ
ﺟﻬل رﻓض أﺷد اﻟرﻓض ،وأﺻر ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻘدم ﺑﺎﻟﺟﯾش إﻟﻰ ﺑدر ﻟﯾﻘﯾم ﺑﻬﺎ ﺛﻼﺛﺎً،
وﯾﻧﺣر اﻟﺟزور ،وﯾﺷرب اﻟﺧﻣر ،وﺗﻌزف ﻟﻬم اﻟﻘﯾﺎن ،وﺗﺳﻣﻊ ﺑﻬم اﻟﻌرب
ﻟﯾﻬﺎﺑوﻫم .واﺧﺗﻠف اﻟﻧﺎس ،وﻋﺎد ﻣن ﺟﯾش ﻣﻛﺔ ﺛﻼﺛﻣﺎﺋﺔ رﺟل ،وﺑﻘﻲ أﻟف
رﺟل ﺗﻘدم ﺑﻬم أﺑو ﺟﻬل إﻟﻰ ﺑدر.
أﻣﺎ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﻘد ﻋﻠم ﺣﯾن اﻗﺗرب ﻣن ﺑدر -أن ﻻ أﺛر
ﻟﻠﻘﺎﻓﻠﺔ ،وأن ﻗرﯾﺷﺎً ﻗد ﺧرﺟت ﺑﺟﯾﺷﻬﺎ ﻟﻘﺗﺎﻟﻪ ،ﻓﺗوﻗف ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم
ﻋﻠﻲ أﯾﻬﺎ اﻟﻧﺎس.
وﺟﻣﻊ أﺻﺣﺎﺑﻪ وأﺧﺑرﻫم ﺑﺎﻷﻣر واﺳﺗﺷﺎرﻫم ﻗﺎﺋﻼً :أﺷﯾروا ﱠ
121
ﻓﺗﻛﻠم اﻟﻣﻬﺎﺟرون واﻷﻧﺻﺎر وأﺟﻣﻌوا ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻘدم إﻟﻰ ﺑدر وﻗﺗﺎل ﻗرﯾش .ﻓﺗﻘدم
ﺑﻬم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﻌد أن ﺑﺷرﻫم ﻗﺎﺋﻼً :ﺳﯾروا وأﺑﺷروا ﻓﺈن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ
ﻗد وﻋدﻧﻲ إﺣدى اﻟطﺎﺋﻔﺗﯾن ،واﷲ ﻟﻛﺄﻧﻲ اﻵن أﻧظر إﻟﻰ ﻣﺻﺎرع اﻟﻘوم.
وﺳﺎر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺣﺗﻰ ﻧزل ﺑﻣﺷورة اﻟﺣﺑﺎب ﺑن اﻟﻣﻧذر ﻋﻠﻰ ﻣﯾﺎﻩ ﺑدر ﻟﯾﻠﺔ
اﻟﺟﻣﻌﺔ 17رﻣﺿﺎن .وأﺧذ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﯾﺳﺗﻌدون ﻟﻠﻘﺎء ﻗرﯾش اﻟﺗﻲ ﻧزﻟت ﺑﺎﻟﻌدوى
اﻟﻘﺻوى أﺳﻔل ﺑدر ،ﻓﺑﻧوا ﻟﻬم ﺣوﺿﺎً ﻣﻸوﻩ ﺑﺎﻟﻣﺎء ﻟﯾﺷرﺑوا ﻣﻧﻪ ﻏداً وﻗت
اﻟﻣﻌرﻛﺔ ،ودﻓﻧوا آﺑﺎر ﺑدر وﻏوروا ﻣﯾﺎﻫﻬﺎ ﺣﺗﻰ ﻻ ﺗﺟد ﻗرﯾش ﻏدا وﻗت اﻟﻣﻌرﻛﺔ
ﻣﺎ ﯾروي ظﻣﺄﻫﺎ ،وﺑﻧﻰ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﻋرﯾﺷﺎً ﻟﻠرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻛﻣرﻛز
ﻟﻠﻘﯾﺎدة.
وﻛﺎﻧت ﻟﯾﻠﺔ ﻣﻘﻣرة أرﺳل اﷲ ﻓﯾﻬﺎ اﻟﺳﻣﺎء ﺑﺎﻟﻣطر رﺣﻣ ًﺔ ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﺗطﻬﯾ ار
ﻟﻬم ،وﺗﻣﻬﯾداً ﻷرض اﻟﻣﻌرﻛﺔ اﻟرﻣﻠﯾﺔ ،وﻋذاﺑﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻛﺎﻓرﯾن ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻧب اﻵﺧر ،
ً
وأﻟﻘﻰ ﻋﻠﯾﻬم اﻟﻧﻌﺎس ،ﻓﻧﺎﻣوا ﻫﺎدﺋﯾن ﻣطﻣﺋﻧﯾن واﺛﻘﯾن ﻣن ﻧﺻر اﷲ .وﺑﺎت
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﯾدﻋو اﷲ وﯾﺳﺗﻧﺻرﻩ.
وﻓﻲ اﻟﺻﺑﺎح ﺗﻬﯾﺄ اﻟﺟﯾﺷﺎن ﻟﻠﻘﺗﺎل اﻟذي ﺑدأ ﺑﺎﻟﻣﺑﺎرزة )اﻟﺷﻛل (10ﻓﻘُﺗل
اﻟﻣﺑﺎرزون ﻣن ﻗرﯾش وﻫﻣﺎ ﻋﺗﺑﺔ ،وﺷﯾﺑﺔ ،أﺑﻧﺎء رﺑﯾﻌﺔ ،واﻟوﻟﯾد ﺑن ﻋﺗﺑﺔ .
ﻓﺛﺎرت ﺛﺎﺋرة ﻗرﯾش ،ﻓﻬﺟﻣت ،ﻓردﻫﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣون اﻟذﯾن اﺳﺗﺧدﻣوا أﺳﻠوب اﻟﺻف
ﻓﻲ اﻟﻘﺗﺎل ،وﻫﺟﻣت ﻗرﯾش ﻣرة ﺛﺎﻧﯾﺔ وﺛﺎﻟﺛﺔ واﻟﻣﺳﻠﻣون ﯾردوﻧﻬم ﺑﺎﻟﻧﺑل .وﻛﺎن
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻻ ﯾزال ﻓﻲ اﻟﻌرﯾش ﯾﺳﺗﻧﺻر رﺑﻪ وﻣﻌﻪ أﺑو ﺑﻛر .واﺳﺗﻐرق ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ﻓﻲ اﻟدﻋﺎء ،وﺗﺄﺧذﻩ ﺳﻧﺔ ﻣن اﻟﻧوم رأى ﻓﯾﻬﺎ ﺟﺑرﯾل ﻓﻲ ﺟﻣﻊ ﻣن
اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﯾﻧزﻟون إﻟﻰ أرض اﻟﻣﻌرﻛﺔ .وﻫﻧﺎ ﯾﺧرج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣن اﻟﻌرﯾن ﺑﻌد أن
122
ﺑﺷر أﺑﺎ ﺑﻛر ﺑﻣﺎ رأى ،وأﺧذ ﺣﻔﻧﺔ ﻣن اﻟﺗراب ،ورﻣﻰ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ وﺟوﻩ اﻟﻣﺷرﻛﯾن،
ﺛم أﻣر أﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﻬﺟوم اﻟﻌﺎم ﻗﺎﺋﻼً :ﻗوﻣوا إﻟﻰ ﺟﻧﺔ ﻋرﺿﻬﺎ اﻟﺳﻣوات واﻷرض.
واﻟذي ﻧﻔﺳﻲ ﺑﯾدﻩ ﻻ ﯾﻘﺎﺗﻠﻬم اﻟﯾوم رﺟل ﻓﯾﻘﺗل ﻣﻘﺑﻼً ﻏﯾر ﻣدﺑر إﻻ أدﺧﻠﻪ اﷲ
اﻟﺟﻧﺔ.
واﺷﺗد اﻟﻘﺗﺎل .وﻣﺎ ﻫﻲ إﻻ ﺳﺎﻋﺔ ﻣن ﻧﻬﺎر ﺣﺗﻰ اﻧﺟﻠت اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻋن ﻧﺻر ﻣﺑﯾن
ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﻓرار اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻣن أرض اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﺑﻌد أن ﺧﻠﻔوا ﺳﺑﻌﯾن ﻗﺗﯾﻼً،
وﺳﺑﻌﯾن أﺳﯾ ارً وأﻣواﻻً ﻛﺛﯾرﻩ .واﺳﺗﺷﻬد ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن أرﺑﻌﺔ ﻋﺷر رﺟﻼً .وﻣﻛث
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ﻓﻲ ﺑدر ﻋﺎد ﺑﻌدﻫﺎ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻣﻌﻪ اﻷﺳرى اﻟذﯾن ﻗﺗل
123
ﻣﻧﻬم ﻓﻲ اﻟطرﯾق رﺟﻼن ﻫﻣﺎ اﻟﻧﺿرﺑن اﻟﺣﺎرث ،وﻋﻘﺑﺔ ﺑن أﺑﻲ ﻣﻌﯾط ﻷﻧﻬﻣﺎ
ﻛﺎﻧﺎ ﺷدﯾدي اﻷذى ﻟﻠرﺳول ﻓﻲ ﻣﻛﺔ.
وﻗُﺗل ﻣن اﻟﻣﺷرﻛﯾن أﺑو ﺟﻬل ،وأﻣﯾﺔ ﺑن ﺧﻠف ،وﻋﺗﺑﺔ ﺑن رﺑﯾﻌﺔ ،وﺷﯾﺑﺔ ﺑن
رﺑﯾﻌﺔ وﻏﯾرﻫم ﻣن ﺳﺎدات ﻗرﯾش .وﺷرب أﺑو ﺟﻬل ﻓﻲ ﺑدر ﻛﺄس اﻟﻣوت ﺑﻌد أن
ﺗﻣﻧﻰ ﻛﺄس اﻟﺧﻣر .ﻓﺳﺑﺣﺎن ﻣن ﯾﻌز اﻟطﺎﺋﻌﯾن ،وﯾذل اﻟﻌﺎﺻﯾن اﻟﻣﻌﺎدﯾن.
أﻣﺎ اﻷﺳرى ﻓﻘد ﺷﺎور ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﻲ أﻣرﻫم ﺑﻌد أن وﺻل اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
واﺳﺗﻘر اﻟرأى ﻋﻠﻰ أن ﻣن أراد اﻟﺧﻼص ﻣن اﻷﺳر ﻓﻠﯾﻔﺗدي ﻧﻔﺳﻪ ،أو ﯾﻌﻠم
ﻋﺷرة ﻣن ﺻﺑﯾﺎن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﻘراءة واﻟﻛﺗﺎﺑﺔ.وﻫﻧﺎك ﻣن أطﻠﻘﻬم اﻟرﺳول ﺑﻼ
ﻓداء وﻻ ﺗﻌﻠﯾم ﻟﻔﻘرﻫم وﺟﻬﻠﻬم .وﻛﺎن ﻣن ﺿﻣن اﻷﺳرى اﻟذﯾن اﻓﺗدوا أﻧﻔﺳﻬم
اﻟﻌﺑﺎس ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب ﻋم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،وأﺑو اﻟﻌﺎص ﺑن اﻟرﺑﯾﻊ زوج
زﯾﻧب ﺑﻧت رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻟذي اﺷﺗرط ﻋﻠﯾﻪ اﻟرﺳول أن ﯾﻌﯾد زﯾﻧب إﻟﻰ
اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
124
ﻧﺻرﻛم اﷲ ﺑﺑدر وأﻧﺗم أذﻟﺔ" .ﻧﻌم ﻟﻘد اﻧﺗﺻروا وﻫم اﻟذﯾن ﺧرﺟوا ﻣن اﻟﻣدﯾﻧﺔ
ﻋﻠﻰ ﻏﯾر ﺗﻌﺑﺋﺔ واﺳﺗﻌداد ﻟﻠﻘﺗﺎل .ﻛﺎﻧوا ﯾرﯾدون اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﻟم ﯾﻛن ﻣﻌﻬﺎ إﻻ
ﻧﺣو أرﺑﻌﯾن رﺟﻼً .وﯾﺗﺑدل اﻟﻣوﻗفٕ ،واذا ﺑﻬم ﯾواﺟﻬون ﺟﯾﺷﺎً ﻏﺎﺿﺑﺎً ،ﺣﺎﻗداً ،
ﺟﺎء ﻟﯾﺳﺗﺄﺻﻠﻬم .ﺟﯾﺷﺎً ﺧرج ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺑﺋﺔ ﻧﻔﺳﯾﺔ وﻣﺎدﯾﺔ .ودﺧل اﻟﻣﻌرﻛﺔ واﺛﻘﺎً
ﻣن اﻟﻧﺻر ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣن ﻧﻬﺎر أو أﻗل .ﻓﻬل ﻧﻛص اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ وﺧﺎﺻﺔ اﻷﻧﺻﺎر
اﻟذﯾن ﻟم ﺗﻛن ﻧﺻوص ﺑﯾﻌﺔ اﻟﻌﻘﺑﺔ ﺗﻠزﻣﻬم ﺑﻧﺻرة رﺳول اﷲ ،واﻟﻘﺗﺎل ﻣﻌﻪ
ﺧﺎرج دﯾﺎرﻫم ؟
ﻻ ...ﻓﻘد ﻗﺎل ﻗﺎﺋﻠﻬم :ﻟﻘد آﻣﻧﺎ ﺑك ﯾﺎ رﺳول اﷲ ،وﺻدﻗﻧﺎك ،وﺷﻬدﻧﺎ أن ﻣﺎ
ﺟﺋت ﺑﻪ ﻫو اﻟﺣق ،وأﻋطﯾﻧﺎك ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻋﻬودﻧﺎ وﻣواﺛﯾﻘﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺳﻣﻊ واﻟطﺎﻋﺔ
ﻓﺎﻣﺿﻲ ﯾﺎ رﺳول اﷲ ﻟﻣﺎ أردت ﻓواﻟذي ﺑﻌﺛك ﺑﺎﻟﺣق ﻟو اﺳﺗﻌرﺿت ﺑﻧﺎ ﻫذا
اﻟﺑﺣر ﻓﺧﺿﺗﻪ ﻟﺧﺿﻧﺎﻩ ﻣﻌك ﻣﺎ ﺗﺧﻠف ﻣﻧﺎ رﺟل واﺣد ،إﻧﺎ ﻟﺻﺑر ﻓﻲ اﻟﺣرب،
ﺻدق ﻋﻧد اﻟﻠﻘﺎء .
إﯾﻣﺎن ،وﺻﺑر ،وﺻدق ﯾرﯾدون ﺑﻪ وﺟﻪ اﷲ ،وﻧﺻر دﯾن اﷲ ،وﻧﺻر رﺳوﻟﻪ ،
وﻟذا ﺗﻧزل ﻋﻠﯾﻬم اﻟﻧﺻر اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻣﻣن ﺑﯾدﻩ ﻣﻘﺎﻟﯾد اﻟﻧﺻر واﻟﻬزﯾﻣﺔ ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ .
واﻟﻣﺳﻠﻣون اﻟﯾوم ﺑﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻧﺻر؛ وطرﯾﻘﻪ اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺎﷲ ،واﻟﺻﺑر ،واﻟﺻدق ﻣﻊ
اﷲ .وﻫذا ﻣﺎ ﯾﺟب أن ﺗﺗرﺑﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻷﻣﺔ إذا أرادت ﻟﻧﻔﺳﻬﺎ ﻧﺻ ارً وﻛراﻣﺔٕ ،واﻻ
ﻓﻠن ﯾﺗﺑدل اﻟﺣﺎل "إن اﷲ ﻻ ﯾﻐﯾر ﻣﺎ ﺑﻘوم ﺣﺗﻰ ﯾﻐﯾروا ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻔﺳﻬم"
125
ج : 90ﻗﺑل ﺧروج اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣن اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻣرﺿت اﺑﻧﺗﻪ رﻗﯾﺔ زوج
ﻋﺛﻣﺎن رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ اﻟذي ﻛﺎن ﻗد ﺗﻬﯾﺄ ﻟﻠﺧروج ﻣﻊ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﺄﻣرﻩ
اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺎﻟﺑﻘﺎء ﻣﻊ زوﺟﺗﻪ رﻗﯾﺔ ﻟﺗﻣرﯾﺿﻬﺎ ورﻋﺎﯾﺗﻬﺎ .ﻓﺑﻘﻲ رﺿﻲ
اﷲ ﻋﻧﻪ ﺑﺄﻣر اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺟوار زوﺟﺗﻪ رﻗﯾﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﺎﻩ اﻟﺗﻲ
اﺳﺗﻣر ﺑﻬﺎ اﻟﻣرض ﺣﺗﻰ ﺗوﻓﯾت ﻗﺑل ﻋودة اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣن ﺑدر .وﻗد
ﻋدﻩ اﻟرﺳول ﻣن أﻫل ﺑدر وأﺳﻬم ﻟﻪ ﻣﻌﻬم.
ج : 91ﻛﺎن أول ﻣن ﻧﻘل أﻧﺑﺎء اﻟﻣﻌرﻛﺔ إﻟﻰ ﻣﻛﺔ رﺟﻼً ﻣن اﻟﻣﺷرﻛﯾن اﻟذﯾن
ﺷﺎرﻛوا ﻓﻲ ﺑدر ،وﻟﻣﺎ رأى طﻼﺋﻊ اﻟﻬزﯾﻣﺔ ﻓر إﻟﻰ ﻣﻛﺔ وأﺧﺑر ﻗرﯾﺷﺎً ﺑﻣﺎ ﺟرى
وﻫو اﻟﺣﯾﺳﻣﺎن ﺑن ﻋﺑداﷲ اﻟﺧزاﻋﻲ .وﺟﺎء أﺑو ﺳﻔﯾﺎن وأﻛد اﻟﺧﺑر .وﺧﯾم
اﻟﺣزن ﻋﻠﻰ أﻫل ﻣﻛﺔ وﻛﺛر اﻟﺑﻛﺎء ،وﻋﻼ اﻟﻧواح ،وﺿرﺑت أم اﻟﻔﺿل ﻟﺑﺎﺑﺔ ﺑﻧت
اﻟﺣﺎرث زوﺟﺔ اﻟﻌﺑﺎس ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب أﺑﺎ ﻟﻬب ﺑﻌﻣود ﺧﯾﻣﺔ ﻻﻋﺗداﺋﻪ ﻋﻠﻰ
ﺧﺎدم ﻟﻬﺎ وﺷﺟﺗﻪ ﺷﺟﺔ ﻣﻧﻛرة ﻣﺎت ﻋﻠﻰ إﺛرﻫﺎ.
ج : 92إﻧﻬﺎ ﻋﯾد اﻟﻔطر .أول ﻋﯾد ﯾﻔرﺣﻪ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣﻊ ﻧﺑﯾﻬم ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻓﻣﺎ أﺟﻣﻠﻪ ﻣن ﻋﯾد ،وﻣﺎ أﺟﻣﻠﻬﺎ ﻣن ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﯾﻔرﺣﻬﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣون
126
ﺑﻌد ذﻟك اﻟﻧﺻر اﻟﻌظﯾم ﻋﻠﻰ أﻟد أﻋداﺋﻬم ﻓﻲ ﺑدر .وﺣق ﻟﻬم أن ﯾﻔرﺣوا ،وأن
ﯾﺳﺗﺷﻌروا ﺑﻬﺟﺔ اﻟﻌﯾد وﻓرﺣﺗﻪ ﺑﻌد أن ذاﻗوا طﻌم اﻟﻧﺻر وﺣﻼوﺗﻪ ﻓﻲ ﺑدر .ﻓﻬل
ﺗﺗﻛرر ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ اﻟﯾوم؟ ،وﻫل ﺳﻧﻔرح ﺑﯾوم ﻋﯾد ﺑﻌد ﻧﺻر ﻋﻠﻰ اﻷﻋداء؟
-1زواج ﻋﻠﻰ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻣن ﻓﺎطﻣﺔ ﺑﻧت ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وذﻟك ﻓﻲ ﺷﻬر ﺷوال ﺳﻧﺔ )2ه( .وﻛﺎن ﻣﻬرﻫﺎ درﻋﺎً
ﻟﻌﻠﻲ ﻻ ﺗﺑﻠﻎ ﻗﯾﻣﺗﻪ أرﺑﻌﻣﺎﺋﺔ درﻫم .أﻣﺎ ﺟﻬﺎزﻫﺎ اﻟذي ﺟﻬزﻫﺎ ﺑﻪ أﺑوﻫﺎ
ﺳﯾد اﻟﺧﻠق ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻛﺎن ﺧﻣﯾﻠﺔ ،وﻗرﺑﺔ ،ووﺳﺎدة أدم ﺣﺷوﻫﺎ
ﻟﯾف .ﻫذا ﻣﻬر وﺟﻬﺎز ﺑﻧت ﺳﯾد اﻟﺑﺷر ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .وأم اﻟﺣﺳن
واﻟﺣﺳﯾن ﺳﯾدي ﺷﺑﺎب أﻫل اﻟﺟﻧﺔ ٕ ،واﺣدى اﻟﻛﺎﻣﻼت ﻣن اﻟﻧﺳﺎء ﻓﺎطﻣﺔ
ﺑﻧت ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ؛ ﻓﻬل ﻣن ﻣﻌﺗﺑر؟
-2ﻏزوة ﺑﻧﻲ ﺳﻠﯾم ﺑﺎﻟﻛدر واﻟﺗﻲ أﺧذت ﺗﺣﺷد ﻗواﻫﺎ ﻟﻣﻬﺎﺟﻣﺔ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .وﻋﻠم
اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺄﻣرﻫﺎ ﻓﺑﺎﻏﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺗﯾن ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﻲ
ﺷوال ﺳﻧﺔ )2ه(ـ .ﻓﻔر ﺑﻧو ﺳﻠﯾم ،وﺗرﻛوا أﻣواﻟﻬم وﻣواﺷﯾﻬم ﻏﻧﯾﻣﺔ
ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ) اﻟﺷﻛل . (11
127
-3ﻏزوة ﺑﻧو ﻗﯾﻧﻘﺎع :وﺑﻧو ﻗﯾﻧﻘﺎع طﺎﺋﻔﺔ ﻣن اﻟﯾﻬود .وﻛﺎﻧوا أﺷﺟﻊ
اﻟﯾﻬود وأﻗرﺑﻬم ﺳﻛﻧﺎً إﻟﻰ ﻣﺳﺟد رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻣن
أﻛﺛرﻫم ﻣﺎﻻً .وﻗد دﻓﻌﻬم ﻛل ﻫذا إﻟﻰ اﻟﺗﺣرش ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﯾنٕ ،واﺛﺎرة اﻟﻘﻼﻗل
واﻟﺷﻐب واﻟﺳﺧرﯾﺔ ﺑﻛل ﻣن ﺟﺎء ﺳوﻗﻬم ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .وﻟﻣﺎ ﺗﻔﺎﻗم أﻣرﻫم
ﺟﺎءﻫم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﺟﻣﻊ ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﺳوﻗﻬم ،وﺟﻣﻌﻬم ،
ووﻋظﻬم ،وﺣذرﻫم أن ﯾﺻﯾﺑﻬم ﻣﺎ أﺻﺎب ﻗرﯾش .إﻻ أﻧﻬم ﺗطﺎوﻟوا
128
ﺑﺎﻟﻛﻼم ﻣﻊ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،ﻓﻌﺎد إﻟﻰ ﻣﺳﺟدﻩ وﺗرﻛﻬم ،وﺑﻘﻲ
ﯾﻧﺗظر ﻣﺎ ﺗﺳﻔر ﻋﻧﻪ اﻷﯾﺎم ،وﻓﻲ ﯾوم ﻣن اﻷﯾﺎم ﺟﺎءت إﻣرأة ﻣن
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن إﻟﻰ ﺳوق ﺑﻧﻲ ﻗﯾﻧﻘﺎع ﻟﺣﺎﺟﺔ ﻟﻬﺎ ؛ ﻓﺗﺣرش ﺑﻬﺎ ﺑﻌض اﻟﯾﻬود
ﺣﺗﻰ ﻛﺷﻔوا ﻋورﺗﻬﺎ ،ﻓﺻرﺧت ،ﻓوﺛب رﺟل ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻗﺗل اﻟذي
ﺗﺣرش ﺑﻬﺎ ،وﻛﺎن ﺻﺎﺋﻐﺎً ﻓﺎﺟﺗﻣﻊ اﻟﯾﻬود ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠم وﻗﺗﻠوﻩ ،وﺑﻠﻎ
اﻟﺧﺑر اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،ﻓﺳﺎر ﺑﺟﯾﺷﻪ إﻟﻰ دﯾﺎر ﺑﻧﻲ ﻗﯾﻧﻘﺎع اﻟذﯾن
ﺗﺣﺻﻧوا ،ﻓﺣﺎﺻرﻫم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺧﻣس ﻋﺷرة ﻟﯾﻠﺔ ،وأﺧﯾ ارً
ﻧزﻟوا ﻋﻠﻰ ﺣﻛم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ رﻗﺎﺑﻬم ،وأﻣواﻟﻬم ،وﻧﺳﺎﺋﻬم ،
وذرارﯾﻬم ،ﻓﺄﻣر ﺑﻬم ﻓﻛﺗﻔوا ،وأراد ﻗﺗﻠﻬم ،إﻻ أن ﺣﻠﯾﻔﻬم اﻟﻣﻧﺎﻓق ﻋﺑد
اﷲ ﺑن أﺑﻲ ﺳﻠول ﺳﻌﻰ ﻓﻲ ﺧﻼﺻﻬم .ﻓﺗرﻛﻬم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻟﻪ
وأﻣر ﺑﺈﺧراﺟﻬم ﻣن اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،ﻓﺧرﺟوا إﻟﻰ اﻟﺷﺎم .وﻛﺎن ذﻟك ﻓﻲ ﺷوال
129
ﺳﻧﺔ)2ه(ـ ) اﻟﺷﻛل .( 12
- 4ﻏزوة اﻟﺳوﯾق ﻓﻲ ذي اﻟﺣﺟﺔ ﺳﻧﺔ )2ﻫـ( ،ﺣﯾث ﻗﺎم أﺑو ﺳﻔﯾﺎن ﻛرد
ﻓﻌل ﻟﻣﺎ أﺻﺎب ﻗرﯾش ﻓﻲ ﺑدر ﺑﺎﻹﻏﺎرة ﻋﻠﻰ أطراف اﻟﻣدﯾﻧﺔ -ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺷﺑﻪ
أﻋﻣﺎل اﻟﻘرﺻﻧﺔ -ﻓﻲ ﻧﺣو ﻣﺎﺋﺗﻲ راﻛب ،وﻗطﻌوا اﻟﻧﺧل ،وأﺣرﻗوا ﺑﻌض
اﻟﺑﺳﺎﺗﯾن ،وﻗﺗﻠوا رﺟﻠﯾن ﻣن اﻷﻧﺻﺎر ،وﻓروا راﺟﻌﯾن إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ،ﻓﻠﻣﺎ ﻋﻠم
اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺎﻷﻣر ﺧرج ﻣﺳرﻋﺎً وطﺎردﻫم ،إﻻ أﻧﻬم أﺳرﻋوا ،
130
وﺧﻔﻔوا أﺣﻣﺎﻟﻬم ﺑﺈﻟﻘﺎء ﻛﻣﯾﺎت ﻛﺑﯾرة ﻣن اﻟﺳوﯾق ﺣﺗﻰ أﻓﻠﺗوا ،وﻟذا ﺳﻣﯾت
ﺑﻐزوة اﻟﺳوﯾق ) اﻟﺷﻛل .(13
131
-3ﻏزوة ﺑﺣران ﻓﻲ ﺟﻣﺎدي اﻷوﻟﻰ ﺳﻧﺔ 3ﻫـ.
- 6ﺗﺣرﯾم اﻟﺧﻣر.
- 7زواج ﻋﺛﻣﺎن ﺑن ﻋﻔﺎن رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺑﺄم ﻛﻠﺛوم ﺑﻧت ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم.
132
) ذو أﻣر( ،إﻻ أﻧﻬم ﺗﻔرﻗوا ﻟﻣﺎ ﻋﻠﻣوا ﺑﻘدوﻣﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،ﻓﻌﺎد إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ
،وﻟم ﯾﻠق ﻛﯾدا ) .اﻟﺷﻛل . (14
133
س : 97ﻣن ﻫو ﻛﻌب ﺑن اﻷﺷرف؟ وﻟﻣﺎذا أﻣر اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻘﺗﻠﻪ؟
134
اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ رﺳﻣوا ﺧطﺔ اﺳﺗدرﺟوا ﺑﻬﺎ اﻟرﺟل إﻟﻰ ﺧﺎرج ﺣﺻﻧﻪ ﻓﻲ دﯾﺎر ﺑﻧﻲ
اﻟﻧﺿﯾر ،وﺗﻣﻛﻧوا ﻣن ﻗﺗﻠﻪ ،واﺟﺗزوا رأﺳﻪ ،وﺟﺎؤوا إﻟﻰ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم.
ج : 98ﻧﻌم ...وذﻟك أن ﻗرﯾﺷﺎً رأت أن طرﯾق ﺗﺟﺎرﺗﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺷﺎم واﻟذي ﯾﻣر
ﺑﺄطراف اﻟﻣدﯾﻧﺔ أﺻﺑﺢ ﻏﯾر آﻣن ؛ ﻷ ﱠﻧﻪ أﺻﺑﺢ ﻓﻲ ﻗﺑﺿﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﺗﺣت
ﺳﯾطرﺗﻬم ،وﻫم ﺑﺎﻟﻣرﺻﺎد ﻟﻘواﻓل ﻗرﯾش ،ﻟذا ﻟﺟﺄت ﻗرﯾش إﻟﻰ طرﯾق اﻟﻌراق،
وﻫو طرﯾق طوﯾل .وﺧرﺟت ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻟﻘرﯾش ﻋﺑر ﻫذﻩ اﻟطرﯾق ،وﻋﻠم ﺑﻬﺎ اﻟرﺳول
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،ﻓﺑﻌث إﻟﯾﻬﺎ ﺳرﯾﺔ ﺑﻘﯾﺎدة زﯾد ﺑن ﺣﺎرﺛﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ اﻟذي
ﻫﺎﺟم اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ﻋﻧد ﻣﺎء ﯾﺳﻣﻰ ) اﻟﻘردة ( ،ﻓﻬرب رﺟﺎل اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،وﺗرﻛوﻫﺎ ﻏﻧﯾﻣﺔ
ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن .
136
س : 100ﻫل ﻋﻠم اﻟرﺳول ﺑﺎﺳﺗﻌدادات ﻗرﯾش ﻟﻣﻌرﻛﺔ اﻟﺛﺄر ،وﻛﯾف ؟
س : 101ﻣﺎذا ﻓﻌل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻟ ﱠﻣﺎ ﻋﻠم ﺑﺧﺑر ﺟﯾش ﻣﻛﺔ اﻟزاﺣف
ﻧﺣو اﻟﻣدﯾﻧﺔ ؟
137
وأﺧﺑر أﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﻬذا اﻟرأى ،وأن ﯾﺗﺣﺻﻧوا ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وواﻓق ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟرأي
ﻋﺑداﷲ ﺑن أﺑﻲ ﺳﻠول .إﻻ أن ﻛﺛﯾ ارً ﻣن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﺷﺑﺎب ﻣﻧﻬم
وﺑﺎﻷﺧص اﻟذﯾن ﻓﺎﺗﻬم ﺷرف اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﺑدر أﺷﺎروا ﻋﻠﻰ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺎﻟﺧروج ،وأﻟﺣوا ﻋﻠﯾﻪ وﺧﺎﺻ ًﺔ ﻋﻣﻪ ﺣﻣزة ،اﻟذي ﻛﺎن ﯾوﻣﻬﺎ
ﺻﺎﺋﻣﺎً ،وﻗﺎل ﻟﻠرﺳول ﻋﻠﯾﻬﺎﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم :واﻟذي أﻧزل ﻋﻠﯾك اﻟﻛﺗﺎب ﻻ أطﻌم
طﻌﺎﻣﺎً ﺣﺗﻰ أﺟﺎﻟدﻫم ﺑﺳﯾﻔﻲ ﺧﺎرج اﻟﻣدﯾﻧﺔ .
وﺗﺣﻘﯾﻘﺎً ﻟرﻏﺑﺔ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ،وﻷﻣر ﯾرﯾدﻩ اﷲ ﯾﺗﻧﺎزل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋن رأﯾﻪ أﻣﺎم رأي
اﻷﻏﻠﺑﯾﺔ ﻟﯾﻌﻠم اﻷﻣﺔ أن رأي اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﺧﯾر ،وأن أري اﻟﻔرد ﻛﺛﯾ ارً ﻣﺎ ﯾﺳﺑب ﻟﻸﻣﺔ
اﻟﺷﻘﺎء واﻟﺧﺳﺎرة .
ج : 102ﺑﻌد أن أﺧذ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑرأي اﻷﻛﺛرﯾﺔ ﻣﻣن اﺳﺗﺷﺎرﻫم ،وﻋزم ﻋﻠﻰ
،ﺻﻠﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺄﺻﺣﺎﺑﻪ ﺻﻼة اﻟﺧروج ﻟﻘﺗﺎل ﻗرﯾش ﻋﻧد ﺟﺑل أُﺣد
اﻟﺟﻣﻌﺔ ووﻋظﻬم ،وأوﺻﺎﻫم ،وﺑﺷرﻫم ﺑﺎﻟﻧﺻر إذا ﺻﺑروا وأطﺎﻋوا ،وأﻣرﻫم
ﺑﺎﻻﺳﺗﻌداد ﻟﻠﺧروج ﻟﻌدوﻫم ﻋﻧد أُﺣد .ودﺧل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﯾﺗﻪ وﻟﺑس ﻋدة
اﻟﺣرب ،ﺛم ﺧرج ﺑﺎﻟﻧﺎس ﺑﻌد اﻟﻌﺻر ،وﺳﺎر ﺑﺎﺗﺟﺎﻩ أُﺣد ﻓﻲ ﻧﺣو أﻟف ﻣن
أﺻﺣﺎﺑﻪ ؛ وﻟﻣﺎ وﺻل إﻟﻰ ﻣﻛﺎن ﯾﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﺷﯾﺧﺎن ﺗوﻗف ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،
واﺳﺗﻌرض اﻟﺟﯾش ،ورد ﻣن اﺳﺗﺻﻐرﻩ ورآﻩ ﻏﯾر ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺗﺎل ،ﺛم ﺻﻠﻰ
اﻟﻣﻐرب واﻟﻌﺷﺎء ،وﺑﺎت ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﻛﺎن ،وﻗﺑل طﻠوع اﻟﻔﺟر ﺗﺣرك ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
138
ﺣﺗﻰ وﺻل إﻟﻰ ﻣﻛﺎن ﯾﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﺷوط ،وﻫﻧﺎك ﺻﻠﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺄﺻﺣﺎﺑﻪ
ﻋﻧد أﺣد ؛ وﻟﻣﺎ ﺗراءى اﻟﺟﯾﺷﺎن اﻧﺳﺣب اﻟﻔﺟر ،ورأى ﺟﯾش اﻟﻣﺷرﻛﯾن
اﻟﻣﻧﺎﻓق ﻋﺑد اﷲ ﺑن ﺳﻠول ﺑﻧﺣو ﺛﻼﺛﻣﺎﺋﺔ ﻣﻘﺎﺗل ﻹﯾﻘﺎع اﻟوﻫن ،واﻟﺑﻠﺑﻠﺔ ،
واﻻﺿطراب ﻓﻲ ﺻﻔوف اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﻟم ﯾﻛﺗف ﻫذا اﻟﻣﻧﺎﻓق ﺑﺎﻻ ﻧﺳﺣﺎب ﺑل ﺟﻌل
ﯾﺧذل اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﯾﺣرﺿﻬم ﻋﻠﻰ اﻟرﺟوع ﻗﺎﺋﻼً :أطﺎﻋﻬم وﻋﺻﺎﻧﻲ ،ﻣﺎ ﻧدري
ﻋﻼم ﻧﻘﺗل أﻧﻔﺳﻧﺎ ﻫﺎﻫﻧﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﻧﺎس .وﺑﻘﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﺳﺑﻌﻣﺎﺋﺔ ﻣن
أﺻﺣﺎﺑﻪ ﺗﻘدم ﺑﻬم إﻟﻰ أﺣد.
ج : 103ﺳﺎر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻣن ﺗﺑﻘﻰ ﻣﻌﻪ وﻫم ﻧﺣو ﺳﺑﻌﻣﺎﺋﺔ ﺣﺗﻰ وﺻل إﻟﻰ
ﺟﺑل أُﺣد ،ﻓﻌﺳﻛر ﺑﺟﯾﺷﻪ ﻓﻲ ﻓم اﻟﺷﻌب ﺟﺎﻋﻼً ﺟﺑل أُﺣد ﺧﻠف ظﻬرﻩ وﺟﺑل
ﻋﯾﻧﯾن )اﻟرﻣﺎة( ﻋن ﯾﺳﺎرﻩ ،واﻟﻣﺷرﻛون أﻣﺎﻣﻪ ﻓﻲ ﺑطن وادي ﻗﻧﺎﻩ واﻟﻣدﯾﻧﺔ
ﺧﻠﻔﻬم )اﻟﺷﻛل .(16
ﺛم ﻋﺑﺄ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻟﻠﻘﺗﺎل ،وﺗﻬﯾﺄ اﻟﻣﺷرﻛون ،وﻛﺎن ذﻟك
ﺻﺑﺎح ﯾوم اﻟﺳﺑت 15ﺷوال ﺳﻧﺔ 3ﻫـ ،وﻧظر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓرأى ﺧﺎﻟد ﺑن
اﻟوﻟﯾد ﻓﻲ ﻓرﺳﺎن اﻟﻣﺷرﻛﯾن وﻋﻠﻰ ﻣﯾﻣﻧﺗﻬم ﻗرﯾﺑﺎً ﻣن ﺟﺑل ﻋﯾﻧﯾن)اﻟرﻣﺎة( ،
ﻓﺧﺷﻲ أن ﯾﻘوم ﺧﺎﻟد ﺑﺣرﻛﺔ اﻟﺗﻔﺎف ﺣول اﻟﺟﺑل ،وﯾطﻌن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣن اﻟﺧﻠف
إذا ﻧﺷب اﻟﻘﺗﺎل ،وﻟذا اﺧﺗﺎر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺧﻣﺳﯾن ﻣن اﻟرﻣﺎة اﻟﻣﺎﻫرﯾن ﻣن
139
أﺻﺣﺎﺑﻪ ووﺿﻌﻬم ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟﺟﺑل ﺗﺣت ﻗﯾﺎدة ﻋﺑد اﷲ ﺑن ﺟﺑﯾر رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻬم ،
140
وأﺧﺑرﻫم ﺑﺄن ﻣﻬﻣﺗﻬم ﻫﻲ ﻣراﻗﺑﺔ ﻛﺗﯾﺑﺔ اﻟﻔرﺳﺎن ،وﻣﻧﻌﻬﺎ ﻣن اﻻ ﻟﺗﻔﺎف ﺣول ﺟﺑل
ﻋﯾﻧﯾن ،وﺣﻣﺎﯾﺔ ظﻬر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﺄن ﯾﻧﺿﺣوا اﻟﺧﯾل ﺑﺎﻟﻧﺑل .وأﻣرﻫم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أﻻ
ﻼ :إﺣﻣوا ظﻬورﻧﺎ .ﻓﺈن رأﯾﺗﻣوﻧﺎ ﻧﻘﺗل ﻓﻼ ﺗﻧﺻروﻧﺎ ٕ ،وان رأﯾﺗﻣوﻧﺎ
ﯾﻐﺎدروا أﻣﺎﻛﻧﻬم ﻗﺎﺋ ً
ﻗد ﻏﻧﻣﻧﺎ ﻓﻼ ﺗﺷرﻛوﻧﺎ .ﺛم أﻛد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻫذا اﻷﻣر ﻗﺎﺋﻼً :إن رأﯾﺗﻣوﻧﺎ ﺗﺧطﻔﻧﺎ اﻟطﯾر
ﻓﻼ ﺗﺑرﺣوا ﻣﻛﺎﻧﻛم ﺣﺗﻰ أرﺳل إﻟﯾﻛم ٕ ،وان رأﯾﺗﻣوﻧﺎ ﻫزﻣﻧﺎ اﻟﻘوم ووطﺄﻧﺎﻫم ﻓﻼ ﺗﺑرﺣوا
ﺣﺗﻰ أرﺳل إﻟﯾﻛم.
141
وﺗﻬﯾﺄ اﻟﻔرﯾﻘﺎن ﻟﻠﻘﺗﺎل .وﻛﺎن ﻓﻲ ﺟﯾش اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻧﺳﺎء ﻓﯾﻬن
ﻫﻧد ﺑﻧت ﻋﺗﺑﺔ ﯾﺿرﺑن اﻟدﻓوف وﯾﺷﺟﻌن اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺗﺎل ،وﯾﻧﺷدن
اﻷﺷﻌﺎر .وﺧرج طﻠﺣﺔ ﺑن أﺑﻲ طﻠﺣﺔ اﻟﻌﺑدري ،ﺣﺎﻣﻼً ﻟواء اﻟﻣﺷرﻛﯾن وطﻠب
اﻟﻣﺑﺎرزة ،ﻓﺧرج إﻟﯾﻪ اﻟزﺑﯾر ﺑن اﻟﻌوام اﻟذي ﻟم ﯾﻠﺑث أن ﻗﺗﻠﻪ ،ﻓﺛﺎر اﻟﻣﺷرﻛون
وﻗﺎﻣوا ﺑﺎﻟﻬﺟوم اﻟﻌﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟذﯾن اﺳﺗﺑﺳﻠوا ﻓﻲ اﻟﻘﺗﺎل وﺧﺎﺻﺔ ﺣﻣزة
ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب ،وﻋﻠﻲ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب ،واﻟزﺑﯾر ﺑن اﻟﻌوام ،وأﺑو دﺟﺎﻧﺔ
وﻏﯾرﻫم .وﺗرﻛز اﻟﻘﺗﺎل ﺣول ﻟواء اﻟﻣﺷرﻛﯾن اﻟذي ﺳﻘط ﻋدة ﻣرات ﻟﺗﻌرض ﺣﻣﻠﺗﻪ
ﻟﻠﻘﺗل ﻋﻠﻰ ﯾد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .واﺷﺗد اﻟﻘﺗﺎل ،وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻷﺛﻧﺎء ﻗﺗل ﺣﻣزة رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﯾد وﺣﺷﻲ ﺑن ﺣرب،إﻻ أن ذﻟك ﻟم ﯾﻔد ﻓﻲ ﻋﺿد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑل اﺷﺗدوا
ﻓﻲ اﻟﻘﺗﺎل ،وﺗرﺟﺣت ﻛﻔﺔ اﻟﻧﺻر ﻟﺻﺎﻟﺣﻬم ،وﺑدأ اﻟﻣﺷرﻛون ﯾﻔرون ﻣن ﻣﯾدان
اﻟﻣﻌرﻛﺔ .وﻛﺎن ﺧﺎﻟد ﻗد ﺣﺎول ﻣ ار ارً اﻻ ﻟﺗﻔﺎف ﺑﻔرﺳﺎﻧﻪ ﺣول ﺟﺑل اﻟرﻣﺎة ﻟطﻌن
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣن اﻟﺧﻠف ،إﻻ أن اﻟرﻣﺎة ﻛﺎﻧوا ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻣرﺻﺎد ،واﺣﺗل اﻟﻣﺳﻠﻣون
ﻣواﻗﻊ اﻟﻣﺷرﻛﯾن ،وﺑدأوا ﯾﻐﻧﻣون.
وﺑدأ اﻟرﻣﺎة ﯾﺗرﻛون ﻣواﻗﻌﻬم اﻟﺗﻲ أﻣرﻫم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻣﻼزﻣﺗﻬﺎ ،
وﻋﺑداﷲ اﺑن ﺟﺑﯾر ﯾﻧﺎدي ﻋﻠﯾﻬم ،وﯾذﻛرﻫم ﺑوﺻﯾﺔ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ،إﻻ أﻧﻬم ﻟم ﯾﺳﺗﺟﯾﺑوا وﻟم ﯾﺑق ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺑل إﻻ اﻟﻘﺎﺋد ﻓﻲ ﺗﺳﻌﺔ ﻣن
أﺻﺣﺎﺑﻪ ،واﻧﻛﺷف ظﻬر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،ﻓﺎﺳﺗﻐل ﺧﺎﻟد ﺑن اﻟوﻟﯾد اﻟﻔرﺻﺔ اﻟذﻫﺑﯾﺔ ،
142
واﺳﺗدار ﺑﺳرﻋﺔ ﺧﺎطﻔﺔ ﺣﺗﻰ وﺻل إﻟﻰ اﻟرﻣﺎة ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺑل ﻓﺄﺑﺎدﻫم ،ﺛم اﻧﻘض
ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣن ﺧﻠﻔﻬم ،وﺻﺎح ﻓﻲ اﻟﻣﺷرﻛﯾن اﻟﻣﻧﻬزﻣﯾن اﻟذﯾن ﻋرﻓوا
ﺧﺎﻟداً؛ ﻓﺑدأوا ﯾﻌودون إﻟﻰ ﻣﯾدان اﻟﻣﻌرﻛﺔ ،ورﻓﻊ ﻟواﺋﻬم ﻣرة أﺧرى ،واﺷﺗد
اﻟﻘﺗﺎل ﻣرة أﺧرى وطوق ﺧﺎﻟد ﺑﻔرﺳﺎن اﻟﻣﺷرﻛﯾن اﻟﻌﺎﺋدﯾن إﻟﻰ اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻣﻌظم
اﻟﺟﯾش اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ووﻗﻊ اﻟﻘﺗل ﻓﯾﻬم ،وﻗﺗل ﻣﺻﻌب ﺑن ﻋﻣﯾر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ
ﺣﺎﻣل ﻟواء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،واﺧﺗﻠط اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺣﺗﻰ ﻗﺗل ﺑﻌﺿﻬم ﺑﻌﺿﺎً ،واﺣﺗﺎر ﻛﺛﯾر
ﻣﻧﻬم وﻟم ﯾدر ﻛﯾف ،وﻣن ﯾﻘﺎﺗل ،وﻓر ﺑﻌﺿﻬم إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،واﻧطﻠق ﺑﻌﺿﻬم
إﻟﻰ اﻟﺟﺑل ،وﺷﺎع ﻓﻲ اﻟﻣﯾدان أن اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻗﺗل ،وﺗﺳرب
اﻟﯾﺄس إﻟﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﺧﺎرت ﻗواﻫم ،واﻧﻬﺎرت ﻋزاﺋﻣﻬم .
وﻫﻧﺎ ....وﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣوﻗف اﻟﻌﺻﯾب ﯾﺗدارك ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻟﻣوﻗف ،ﻓﺄﻋﻠن ﻋن
وﺟودﻩ وأﻧﻪ ﻟم ﯾﻘﺗل ،وﺟﻌل ﻋﻠﯾﻬﺎﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﯾﻧﺎدي إﻟﻲ ﻋﺑﺎد اﷲ ....أﻧﺎ
رﺳول اﷲ .وﺳﻣﻌﻪ اﻟﻣﺷرﻛون ،ﻓﺎﻧﺣﺎزوا إﻟﯾﻪ ﯾرﯾدون ﻗﺗﻠﻪ ،واﻧﺣﺎز إﻟﯾﻪ
اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻟﻠدﻓﺎع ﻋﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،وﻗﺗل ﺑﯾن ﯾدﯾﻪ ﻛﺛﯾر ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ ،
وﺗﺟﻠت ﺷﺟﺎﻋﺔ ﻛﺛﯾر ﻣﻧﻬم ﻛﺄﻧس ﺑن اﻟﻧﺿر ،وﺳﻌد ﺑن أﺑﻲ وﻗﺎص ،وأﺑو طﻠﺣﺔ
،وطﻠﺣﺔ ﺑن ﻋﺑﯾد اﷲ ،وأﺑو دﺟﺎﻧﺔ وﻏﯾرﻫم رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم ،وأﺻﯾب ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﯾوﻣﺋذ إﺻﺎﺑﺎت ﺑﺎﻟﻐﺔ .ﻓﻘد ﻛﺳرت رﺑﺎﻋﯾﺗﻪ ،وﺷﺞ وﺟﻬﻪ
اﻟﺷرﯾف وﺳﺎل دﻣﻪ اﻟزاﻛﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ،ﺛم أﺧذ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﺗراﺟﻊ
ﺑﻣن ﻣﻌﻪ ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻧﺣو اﻟﺟﺑل واﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻋﻠﻰ أﺷدﻫﺎ ،واﻟﻣﺷرﻛون
ﯾﺷددون ﻣن اﻟﻬﺟوم ﻟﻘﺗل اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻬﺎﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ،ﺣﺗﻰ وﺻل ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣون اﻟﺟﺑل وﺻﻌدوﻩ ،وﺗﻼﺣق اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺣﺗﻰ اﺟﺗﻣﻌوا
143
ﻣﻊ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺑل ،وﻫﻛذا أُﻧﻘذ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻣن ﻫﻼك ﻣﺣﻘق ؛ ﻓﻘد ﺗراﺟﻊ اﻟﻣﺷرﻛون ،وﯾﺋﺳوا ﻣن ﻣطﺎردة
اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺑل .وﻫﻧﺎك وﻋﻠﻰ اﻟﺟﺑل ﺻﻠﻰ
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﺄﺻﺣﺎﺑﻪ اﻟظﻬر ﻗﻌوداً ﻟﻣﺎ أﺻﺎﺑﻬم ﻣن اﻟﺟراﺣﺎت واﻹﻋﯾﺎء
،وأﺧذ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ اﻟﻧﻌﺎس أﻣﻧ ًﺔ ﻣن اﷲ .أﻣﺎ اﻟﻣﺷرﻛون ﻓﻘد ﻋﺎدوا ﻟﻠﺗﻣﺛﯾل
ﺑﺎﻟﻘﺗﻠﻰ ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﺗﺷوﯾﻪ ﺟﺛﺛﻬم ،ﺛم ﻏﺎدر اﻟﻣﺷرﻛون ﻣﯾدان اﻟﻣﻌرﻛﺔ
ﺑﻲ ﺑن ﺧﻠف اﻟذي طﺎرد اﻟرﺳول وﻫو ﯾﺗراﺟﻊ إﻟﻰﻋﺎﺋدﯾن إﻟﻰ ﻣﻛﺔ وﻣﻌﻬم أُ ّ
اﻟﺷﻌب وﻧﺎدى ﻗﺎﺋﻼً :أﯾن ﻣﺣﻣدا ؟ ﻻ ﻧﺟوت إن ﻧﺟﺎ ،ﻓﺑرز ﻟﻪ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ورﻣﺎﻩ ﺑﺣرﺑﺔ ﻓﻲ ﯾدﻩ رﻣﯾﺔ أﺳﻘطﺗﻪ ﻋن ﻓرﺳﻪ ،ﻓﻌﺎد ﻣذﻋو ارً إﻟﻰ ﻗرﯾش
وﻫو ﯾﺻﯾﺢ :ﻗﺗﻠﻧﻲ واﷲ ﻣﺣﻣد .وﻣﺎت ﻋدو اﷲ ﺑﺳرف وﻫم ﻋﺎﺋدون إﻟﻰ ﻣﻛﺔ .
وﻫو اﻟﻣﺷرك اﻟوﺣﯾد اﻟذي ﻗﺗﻠﻪ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻗﺗﺎل.
ج : 104ﺷﺎع ﻓﻲ ﻛﺗب اﻟﺳﯾرة اﻟﺗﻲ ﺗﺣدﺗث ﻋن ﻏزوة أﺣد ﻗدﯾﻣﺎً وﺣدﯾﺛﺎً -إﻻ
اﻟﻘﻠﯾل ﻣﻧﻬﺎ -أن ﻣﺎ اﻧﺗﻬت إﻟﯾﻪ ﻣﻌرﻛﺔ أﺣد ﻛﺎن ﻧﺻ ارً ﻟﻠﻣﺷرﻛﯾن وﻫزﯾﻣﺔ
ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﻛل ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻛﻠﻣﺔ اﻟﻧﺻر واﻟﻬزﯾﻣﺔ.
144
واﻟذي أراﻩ -وﻫو رأي ﺑﻌض اﻟﻣؤرﺧﯾن وﻣﻧﻬم اﻟﻌﻼﻣﺔ ﺷﻬﺎب اﻟدﯾن أﺣﻣد ﺑن
ﻣﺣﻣد اﻟﻘﺳطﻼﻧﻲ ﺻﺎﺣب ﻛﺗﺎب " :اﻟﻣواﻫب اﻟﻠدﻧﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﻧﺢ اﻟﻣﺣﻣدﯾﺔ" ،واﻟذي
ﺷرﺣﻪ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟزرﻗﺎﻧﻲ وﻫو ﻣن أﺟﻣل وأﻧﻔﻊ ﻣﺎ ﻛﺗب ﻓﻲ اﻟﺳﯾرة اﻟﻧﺑوﯾﺔ -أن
اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻟم ﯾﻧﺗﺻروا اﻻ ﻧﺗﺻﺎر اﻟﻣﺗﻌﺎرف ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻲ اﻟﺣروب ،وأن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻟم
ﯾﻧﻬزﻣوا اﻟﻬزﯾﻣﺔ اﻟﻣﺗﻌﺎرف ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺣروب أﯾﺿﺎً ،واﻟذي ﺣدث ﻫو أن
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻛﺳروا اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻛﺔ ،وأﺟﻠوﻫم ﻋن ﻣواﻗﻌﻬم ،وﻗﺗﻠوا
ﻣﻧﻬم ،وﻏﻧﻣوا أﻣواﻟﻬم ،وﻓر اﻟﻣﺷرﻛون ﻣن ﻣﯾدان اﻟﻣﻌرﻛﺔ .ﺛم ﺣدﺛت ﻏﻠطﺔ
اﻟرﻣﺎة اﻟﺗﻲ اﺳﺗﻐﻠﻬﺎ ﺧﺎﻟد ﻟﯾﺣول ﻣﯾزان اﻟﻣﻌرﻛﺔ وأﺣداﺛﻬﺎ ﻟﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣﺷرﻛﯾن
ﻟﯾﻘﺗﻠوا ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻟﯾﺻﯾﺑوﻫم ﺑﺟراﺣﺎت ﺑﺎﻟﻐﺔ .وﺧوﻓﺎً ﻣن ﺧطر اﻹﺑﺎدة
اﻧﺳﺣب اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺄﺻﺣﺎﺑﻪ وﺗراﺟﻊ ﺑﻬم ﺣﺗﻰ ﺻﻌد اﻟﺟﺑل
ﻟﺗﺗوﻗف اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﺑﻌدﻫﺎ .وﺣﯾن ﯾﺋس اﻟﻣﺷرﻛون ﻣن ﺗﺣﻘﯾق ﻣﺎ ﯾرﯾدون اﻧﺳﺣﺑوا
ﻣن ﻣﯾدان اﻟﻣﻌرﻛﺔ دون أن ﯾﺄﺳروا أﺣداً ﻣن أﺻﺣﺎب اﻟﻧﺑﻲ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،أو ﯾﻐﻧﻣوا ﺷﯾﺋﺎً ،أو ﯾﺣطﻣوا ﻗوة اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺗﺣطﯾﻣﺎً ﻻ ﺗﻘوم
ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﻌدﻩ ﻗﺎﺋﻣﺔ ،أو ﯾﺳﯾطروا وﯾﺣﺗﻠوا ﻣﻛﺎن اﻟﻣﻌرﻛﺔ وﻟو ﻟﯾوم واﺣد
ﻟﯾﺛﺑﺗوا أﻧﻬم ﻗد اﻧﺗﺻروا ﺑﺎﻟﻔﻌل ،وأﻧﻬم ﺳﺎدة اﻟﻣوﻗف ﻛﻣﺎ ﺣدث ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ
ﯾوم ﺑدر ﺣﯾث ﻗﺗﻠوا ،وأﺳروا ،وﻏﻧﻣوا ﻣن اﻟﻣﺷرﻛﯾن وﺣطﻣوا ﻗوﺗﻬم ﯾوﻣﻬﺎ ،وﻓر
ﻣن ﺑﻘﻲ ﻣن اﻟﻣﺷرﻛﯾن طﺎﻟﺑﺎً اﻟﻧﺟﺎة ﻟﻧﻔﺳﻪ ،واﺣﺗل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣﯾدان اﻟﻣﻌرﻛﺔ
،وﺑﻘﻲ ﻓﯾﻪ ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ﻣﺗﺣدﯾﺎً ﻗرﯾش وﻏﯾرﻫﺎ .ﻓﻬل ﺣدث ﻟﻠﻣﺷرﻛﯾن ﻣﺛل ﻫذا
ﯾوم أﺣد؟
145
ﻻ واﷲ ٕ ....واﻧﻣﺎ اﻟذي ﺣدث ﻫو أﻧﻬم ﻗﺗﻠوا ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺳﺑﻌﯾن ،وأﺻﺎﺑوﻫم
وﺟرﺣﺎت.
ﺑﺟراﺣﺎت ﺑﺎﻟﻐﺔ .وﻫذا ﺷﺄن اﻟﻣﻌﺎرك واﻟﺣروب اﻟﺗﻲ ﻻﺑد ﻓﯾﻬﺎ ﻣن ﻗﺗل ا
ﺛم ﻟم ﯾﻠﺑث أﺑو ﺳﻔﯾﺎن أن أﻣر ﺟﯾﺷﻪ ﺑﺎﻻ ﻧﺳﺣﺎب -ﺑل اﻟﻔرار -واﻟﻌودة إﻟﻰ
ﻣﻛﺔ .وﻫذا ﻣن ذﻛﺎﺋﻪ ،وﻗدرﺗﻪ ،وﺣﻛﻣﺗﻪ اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ُﻋـرف ﺑﻬﺎ .ﻓﻘد أدرك
أن اﻟذي ﺣدث ﻓﻲ اﻟﺟوﻟﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻟم ﯾﻛن ﺑﺑﺳﺎﻟﺔ وﻗوة ﺟﯾﺷﻪ ،
وﺷﺟﺎﻋﺔ رﺟﺎﻟﻪ ؛ ﻓﻘد رآﻫم ﻓﻲ اﻟﺟوﻟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣن اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﯾﻔرون ﻣن أﻣﺎم
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﻛل اﺗﺟﺎﻩ ٕ ،واﻧﻣﺎ ﺣدث ذﻟك ﺑﺳﺑب ﻏﻠطﺔ اﻟرﻣﺎة اﻟذﯾن ﺧﺎﻟﻔوا
أﻣر ﻗﺎﺋدﻫم اﻟذي ﻗﺎل ﻟﻬم :ﻻ ﻧزال ﻣﻧﺗﺻرﯾن ﻣﺎ ﺛﺑﺗم ﻓﻲ ﻣواﻗﻌﻛم .ﻫذﻩ اﻟﻐﻠطﺔ
اﻟﺗﻲ اﺳﺗﻐﻠﻬﺎ ﺧﺎﻟد ﻫﻲ اﻟﺗﻲ ﻏﯾرت ﻣوازﯾن اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻟﯾﻘﺗﻠوا ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
وﻟﯾﺻﯾﺑوﻫم ،ﺛم ﯾﻧﺳﺣﺑوا ﻗﺑل أن ﯾﺳﺗﺟﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻗواﻫم ،وﯾﻌﯾدوا ﺗﻧظﯾم
أﻧﻔﺳﻬم ،وﯾﻌﯾدوا اﻟﻛرة ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺷرﻛﯾن ،وﻟو ﻋﻠم أﺑو ﺳﻔﯾﺎن أﻧﻪ اﻧﺗﺻر ،وأن
اﻟذي ﺣدث ﻓﻲ اﻟﺟوﻟﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻛﺎن ﺑﺑﺳﺎﻟﺔ وﻗوة ﺟﯾﺷﻪ ﻟدﻓﻌﺗﻪ ﻧﺷوة
اﻟﻧﺻر إﻟﻰ ﻣﻬﺎﺟﻣﺔ اﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻣﻛﺷوﻓﺔ أﻣﺎﻣﻪ وﻓﯾﻬﺎ أﻋواﻧﻪ ﻣن اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن
واﻟﯾﻬود واﺣﺗﻠﻬﺎ ﺣﯾن ﻟم ﯾﻛن ﻓﯾﻬﺎ ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن إﻻ اﻟﻧﺳﺎء واﻷطﻔﺎل واﻟﻌﺟزة،
ﻗدر ﻣﺎ ﺣدث ،وﻛﯾف ﺣدث ،وﻟﻣﺎذا ﺣدث ،ﻓرأى أن اﻻ ﻧﺳﺣﺎب اﻟﺳرﯾﻊ
وﻟﻛﻧﻪ ّ
ﻫو ﺧﯾر ﻋﻣل ﻟﻠﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻛﺎﺳب ﺟﯾﺷﻪ ﻓﻲ اﻟﺟوﻟﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﻌرﻛﺔ .
ﯾؤﯾد ﻫذا اﻟﻘول ﻓرار أﺑﻲ ﺳﻔﯾﺎن وﺟﯾﺷﻪ ﺣﯾن طﺎردﻫم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﺻﺑﺎح اﻟﯾوم اﻟﺗﺎﻟﻲ إﻟﻰ ﺣﻣراء اﻷﺳد .ﻓﻬل ﯾﻔر اﻟﻣﻧﺗﺻر؟
وﻫل ﯾطﺎرد اﻟﻣﻧﻬزم؟ .ﻫذا ﻻ ﯾﻛون ﻓﻲ ﻋرف اﻟﺣروب واﻟﻣﺣﺎرﺑﯾن ،وﻟﻛن أﺑﺎ
ﺳﻔﯾﺎن ﺧﺎف وﻫﺎب ﻣﻼﻗﺎة اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﺧﺷﻲ إن ﺗوﻗف أو ﻋﺎد ﻟﻣﻼﻗﺎﺗﻬم أن
ﯾﻧزﻟوا ﺑﻪ وﺑﺟﯾﺷﻪ ﻫزﯾﻣﺔ ﻻ ﺗﻧﻘذﻫم ﻣﻧﻬﺎ ﻏﻠطﺔ ﻛﻐﻠطﺔ اﻟرﻣﺎة اﻟﺗﻲ أﻧﻘذت ﺟﯾﺷﻪ
146
ﯾوم أﻣس ﻣن ﻫزﯾﻣﺔ ﺳﺎﺣﻘﺔ ،ﻓﺎﻟﻐﻠطﺎت ﻓﻲ ﺣﯾﺎة اﻟرﺟﺎل ﻛﺄﺻﺣﺎب اﻟﻧﺑﻲ ﻣﺣﻣد
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻻ ﺗﺗﻛرر.
147
ﻓﻛﺎن اﻟﺛﻣن ﻏﺎﻟﯾﺎً ،وﻛﺎﻧت اﻟﻣﺻﯾﺑﺔ ﻛﺑﯾرة ،وﻛﺎﻧت اﻟﺗﺿﺣﯾﺎت أﻛﺑر وذﻟك ﻟِ ِﺣﻛم
ﺑ ﱠﯾﻧﻬﺎ اﷲ ﻓﻲ اﻵﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺣدﺛت ﻋن ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﻓﻲ ﺳورة آل ﻋﻣران وﻏﯾرﻫﺎ.
ﻟﻘد ﻟُﻘﱢن اﻟﻣﺳﻠﻣون درﺳﺎً .وﻟﻘد ﻛﺎﻧت ﻧﻬﺎﯾﺔ ﻫذﻩ اﻟﻣﻌرﻛﺔ وﻛﻣﺎ ﺳﻣﺎﻫﺎ اﷲ
ﻣﺻﯾﺑﺔ ﺣﯾن ﻗﺎل ﻋﻧﻬﺎ" أو ﻟﻣﺎ أﺻﺎﺑﺗﻛم ﻣﺻﯾﺑﺔ" ،وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻣﺻﯾﺑﺔ ﺣﻣﻠت ﻓﻲ
ﺛﻧﺎﯾﺎﻫﺎ ﻛل ﺧﯾر .ﻟﻘد اﻋﺗﺑر اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺑﻣﺎ أﺻﺎﺑﻬم ﯾوم أﺣد ،وﺗﻌﻠﻣوا ﻣﻧﻪ درﺳﺎً
ﻋظﯾﻣﺎً ﻓﻲ ﻋدم ﻣﺧﺎﻟﻔﺔ أواﻣر اﻟﻘﺎﺋد واﻟﺗﻘﯾد ﺑﻬﺎ ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟظروف واﻷﺣوال.
ﯾدﻟﻧﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺳرﻋﺔ اﺳﺗﺟﺎﺑﺗﻬم ﻷﻣر اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺣﯾن أﻣرﻫم ﺑﻣطﺎردة
اﻟﻌدو ﺻﺑﺎح اﻟﯾوم اﻟﺗﺎﻟﻲ وﺟراﺣﻬم ﻻ ﺗزال ﺗﻧﺿﺢ دﻣﺎً .وﺑﻬم ﻣن اﻹﻋﯾﺎء ،
واﻹﺟﻬﺎد ،واﻵﻻم ،واﻟﺟراﺣﺎت ﻣﺎ اﷲ ﺑﻪ ﻋﻠﯾم .ورﻏم ذﻟك ﺗﺣﺎﻣﻠوا ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺳﻬم
،وﻟﺑوا ﻧداء ﻧﺑﯾﻬم ،وﺧرﺟوا ﺳراﻋﺎً ﻟﻣطﺎردة اﻟﻌدو ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻐوا ﺣﻣراء اﻷﺳد ﻟم
ﯾﺗﺧﻠف ﻣﻧﻬم رﺟل واﺣد .ﻟﻘد ﻧزﻟت ﺑﻬم ﻣﺻﯾﺑﺔ ﺗﻌﻠﻣوا ﻣﻧﻬﺎ دروﺳﺎً ﻓﻲ اﻻ ﻧﻘﯾﺎد
واﻟطﺎﻋﺔ ﻷواﻣر اﻟﻘﺎﺋد .وﻫذا واﷲ ﻧﺻر ﻋظﯾم ﺣﯾن اﻋﺗﺑروا ﺑﻣﺎ أﺻﺎﺑﻬم .ﻓﻠم
ﺗﺻدر ﻣﻧﻬم ﺑﻌدﻫﺎ ﻣﺧﺎﻟﻔﺔ ﻷواﻣرﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،وﻟم ﺗﺗﻛرر ﻏﻠطﺔ أﺣد ،ﻷ ن
اﻷﻣﺔ ﯾوﻣﻬﺎ ﻛﺎﻧت أﻣﺔ ﺣﯾﺔ ﻋرﻓت ﻣن أﯾن أﺗﯾت ،وﻟﻣﺎذا أﺻﯾﺑت ﻓﺎﺗﻌظت ،
واﻋﺗﺑرت ،ﻓﺎﺳﺗﻘﺎﻣت ﺣﯾﺎﺗﻬﺎ وﻣﺳﯾرﺗﻬﺎ ،وﺣﻘﻘت ﺑﻌد أﺣد ﺑﻔﺿل اﷲ ﺛم ﺑﻔﺿل
طﺎﻋﺗﻬﺎ واﻧﻘﯾﺎدﻫﺎ اﻟﺗﺎم ﻷواﻣر ﻗﺎﺋدﻫﺎ ﻋﻠﯾﻬﺎﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم اﻧﺗﺻﺎرات ﻋظﯾﻣﺔ .
وﻛﻔﻰ ﺑﻬذا ﻧﺻ ارً.
148
اﻟذي ﻗﺎل ﻟﻬم ﻗﺑل اﻟﻣﻌرﻛﺔ :ﻟﻛم اﻟﻧﺻر ﻣﺎ ﺻﺑرﺗم .وﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻟﻠرﻣﺎة
:ﻻ ﻧزال ﻣﻧﺗﺻرﯾن ﻣﺎ ﻟزﻣﺗم ﻣواﻗﻌﻛم .ﻓﺻدﻗﻬم اﷲ ﻣﺎ وﻋدﻫم ﻋﻠﻰ ﻟﺳﺎن
ﻧﺑﯾﻪ " وﻟﻘد ﺻدﻗﻛم اﷲ وﻋدﻩ إذ ﺗﺣﺳوﻧﻬم ﺑﺈذﻧﻪ "
ب -ﻣرﺣﻠﺔ اﻻ ﻧﺗﻛﺎﺳﺔ وﺿﯾﺎع اﻟﻧﺻر ﺣﯾن ﺧﺎﻟف اﻟرﻣﺎة أﻣر
اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،وﻟم ﯾﺻﺑروا ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﺑرﯾق اﻟﻐﻧﺎﺋم ،ووﻗﻊ اﻟﻧزاع
ﺑﯾﻧﻬم وﺑﯾن ﻣن ﯾرون اﻟطﺎﻋﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ ﻷﻣر اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .واﻧﺗﻬﻰ
اﻷﻣر إﻟﻰ ﻋﺻﯾﺎن اﻷﻛﺛرﯾﺔ ،ﻓﻛﺎﻧوا ﻓرﯾﻘﯾن :ﻓرﯾق ﯾرﯾد ﻏﻧﯾﻣﺔ اﻟدﻧﯾﺎ ،
وﻓرﯾق ﯾرﯾد ﺛواب اﻵﺧرة .ﻓﻛﺎﻧت اﻟﺗرﺑﯾﺔ ﻣن اﷲ ﻟﻠﺟﻣﯾﻊ ﺳرﯾﻌﺔ ﺑﺎﻟﻘﺗل ،
واﻟﺟراﺣﺎت ،واﻵﻻم ،وﻓﻘدان اﻟﻧﺻر اﻟذي ﺣﻘﻘوﻩ ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻛﺔ ،
ﻟﯾﺑﯾن ﻟﻬم ﻋﻣﻠﯾﺎً ﺷؤم اﻟﻣﻌﺻﯾﺔ ،وﺷؤم اﻟﻧزاع واﻟﺧﻼﻓﺎت ،وﺷؤم ﺣب
اﻟدﻧﯾﺎ ،وأن اﻟﻛل ﻗد ﯾﺻﺎب ﺑﺷؤم ﻣﻌﺻﯾﺔ اﻟﺑﻌض .ﻓﺎﻷﻣﺔ ﯾﺟب أن ﺗﻛون
وﺣدة واﺣدة ،وﺳﺎﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺎﺗﻬﺎ ،وأﻫداﻓﻬﺎ ،وﺳﻠوﻛﻬﺎ ،ﻷن اﻟﻣﺻﯾر
اﻟذي ﯾﻧﺗظرﻫﺎ واﺣد .ﻓﻬذا اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﺻﺎب وﯾﺳﯾل دﻣﻪ ،وﻫؤﻻء
اﻟذﯾن ﻗﺗﻠوا ﻓﻲ اﻟﺟوﻟﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﻌرﻛﺔ ،وﻫذا اﻟﺟﯾش ﻛﻠﻪ ﯾﻔﻘد اﻟﻧﺻر،
وﻛل ذﻟك ﺑﺳﺑب ﻣﺧﺎﻟﻔﺔ أرﺑﻌﯾن 0أرﺑﻌﯾن ﻓﻘط -ﻣن أﻓراد اﻟﺟﯾش )اﻟرﻣﺎة(
ﻷواﻣر اﻟﻘﺎﺋد .ﻓﻛﯾف إذا ﻛﺛر اﻟﻌﺻﯾﺎن واﻟﻌﺻﺎة ﻓﻲ اﻷﻣﺔ ؟ إﻧﻪ درس ﻋظﯾم
ﻟذﻟك اﻟﺟﯾل ،وﻟﻛل اﻷﺟﯾﺎل اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ إﻟﻰ أن ﯾرث اﷲ اﻷرض وﻣن ﻋﻠﯾﻬﺎ ،
ﻟﻘد ﻣﺣص اﷲ ﺑﻬذﻩ اﻟﻣﺻﯾﺑﺔ اﻟﻧﻔوس ،وﻣﯾز اﻟﺻﻔوف ،ﻟﺗﻧطﻠق اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ
اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﺻﺎﻓﯾﺔ ﻧﻘﯾﺔ إﻟﻰ ﻏﺎﯾﺗﻬﺎ وﻫدﻓﻬﺎ .ﻟﻘد ﻣﯾزت أﺣداث أﺣد اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن
إﻟﻰ ﺣد ﻛﺑﯾر ،وﻋرﻓت ﺻﻔﺎﺗﻬم ﻗوﻻً ،وﻋﻣﻼً ،وﻋﻘﯾدة .ﻛﻣﺎ ﻣﯾزت ﺿﻌﺎف
اﻹﯾﻣﺎن اﻟذﯾن ﺧﺎﻟطوا اﻟﺻف اﻹﺳﻼﻣﻲ ﯾوﻣﻬﺎ .
149
ﺛم ﻛﺎﻧت اﻟﺗوﺟﯾﻬﺎت اﻟرﺑﺎﻧﯾﺔ ﺑﻌد ﻫذﻩ اﻷﺣداث ﻣﻛﺎﺳب ﺿﺧﻣﺔ ،وﻏﻧﯾﻣﺔ
ﻋظﯾﻣﺔ ﻛﺎن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﯾوﻣﻬﺎ أﺣوج إﻟﯾﻬﺎ ﻣن اﻟﻧﺻر ﻟو ﺗﺣﻘق ،وﻣن اﻟﻐﻧﯾﻣﺔ
ﻟو ﻛﺎﻧت .وﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﺗوﺟﯾﻬﺎت اﻟرﺑﺎﻧﯾﺔ رﺻﯾداً ﺿﺧﻣﺎً ﺑﺎﻗﯾﺎً ﻟﻸﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ
إﻟﻰ ﻗﯾﺎم اﻟﺳﺎﻋﺔ ﻫﻲ أﺣوج إﻟﯾﻪ ﻓﻲ ﻛل زﻣﺎن وﻣﻛﺎن أﻛﺛر ﻣن ﺣﺎﺟﺗﻬﺎ
ﻟﻠﻧﺻر واﻟﻐﻧﯾﻣﺔ ﻟو ﻛﺎﻧﺗﺎ ﯾوم أﺣد .ﻓﺳﺑﺣﺎن اﻟﻘﺎﺋل " َﻓ َﻌ َ
ﺳ ٰﻰ أَن َﺗ ْﻛ َرھُوا َ
ﺷ ْﯾ ًﺋﺎ
ِﯾرا " .واﻟﻘﺎﺋل " َو َﻋ َ
ﺳﻰ أَنْ َﺗ ْﻛ َرھُوا َ
ﺷ ْﯾ ًﺋﺎ َوھ َُو َﺧ ْﯾ ٌر َو َﯾ ْﺟ َﻌل َ ﱠ
ﷲ ُ ﻓِﯾ ِﮫ َﺧ ْﯾ ًرا َﻛﺛ ً
ﻟَ ُﻛ ْم " .
ﻟﻘد ﺣﻣﻠت ﻫذﻩ اﻷﺣداث ﺑﻣراﺣﻠﻬﺎ اﻟﺛﻼث اﻧﺗﺻﺎرات ﻣﺎدﯾﺔ وﻣﻌﻧوﯾﺔ ﻛﺛﯾرة ﺟﻬﻠﻬﺎ
اﻟﻛﺛﯾر ﻣﻣن ﯾﻛﺗﺑون أو ﯾﺗﺣدﺛون ﻋن ﻏزوة أﺣد .ﻓﺎﻟﻠﻬم ﻧﺳﺄﻟك ﻧﺻ ارً ﻟﻬذﻩ اﻷﻣﺔ
ﻛﻧﺻرك ﻷوﻟﯾﺎﺋك ﯾوم أُﺣد.
وأﺧﺗم ﻛﻼﻣﻲ وﺗﻌﻠﯾﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﻣوﺿوع ﺑﻘول ﺟﻣﯾل ﻟﻠﻌﻼﻣﺔ اﻟﻘﺳطﻼﻧﻲ ﻓﻲ
ﻣؤﻟﻔﻪ :اﻟﻣواﻫب اﻟﻠدﻧﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﻧﺢ ﻟﻣﺣﻣدﯾﺔ ...ﺣﯾث ﻗﺎل ﻓﻲ اﻟﺟزء اﻟﺛﺎﻧﻲ :ذﻛر
اﻟﻘﺎﺿﻲ ﻋﯾﺎض ﻓﻲ اﻟﺷﻔﺎء ﻋن اﻟﻘﺎﺿﻲ أﺑﻲ ﻋﺑداﷲ ﺑن اﻟﻣراﺑط ﻣن اﻟﻣﺎﻟﻛﯾﺔ
أﻧﻪ ﻗﺎل :ﻣن ﻗﺎل إن اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻫزم )ﯾوم أﺣد( ﻓﺈﻧﻪ ﯾﺳﺗﺗﺎب ،
ﻓﺈن ﺗﺎب ٕواﻻ ﻗﺗل ،ﻷﻧﻪ ﺗﻧﻘص .إذ ﻻ ﯾﺟوز ذﻟك ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻲ ﺧﺎﺻﺗﻪ ،إذ ﻫو
ﻋﻠﻰ ﺑﺻﯾرة ﻣن أﻣرﻩ ،وﯾﻘﯾن ﻣن ﻋﺻﻣﺗﻪ .
150
س : 105ﻣﺎ أﻫم درس ﻧﺳﺗﻔﯾدﻩ ﻣن دراﺳﺗﻧﺎ ﻟﻐزوة أﺣد؟
ج : 105اﻟدروس ﻛﺛﯾرة أذﻛر ﻣﻧﻬﺎ درﺳﺎً واﺣداً ﻟﯾﺗﻧﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎً أﻓراداً وﺟﻣﺎﻋﺎت
وأﻣﻣﺎً ﻧﺄﺧذ ﺑﻪ ،وﻧﺳﺗﻔﯾد ﻣﻧﻪ ﻛﻣﺎ اﺳﺗﻔﺎد ﻣﻧﻪ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم أﺟﻣﻌﯾن
،وﻫو أن اﻟﻣﻌﺻﯾﺔ ﺷؤم وﺷر ﻋﻠﻰ اﻷﻓراد واﻟﺟﻣﺎﻋﺎت ،اﻟﺻﺎﻟﺢ ﻣﻧﻬم وﻏﯾر
اﻟﺻﺎﻟﺢ ﻛﻣﺎ ورد ﻓﻲ اﻟﺣدﯾث :أﻧﻬﻠك وﻓﯾﻧﺎ اﻟﺻﺎﻟﺣون ؟ ﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :ﻧﻌم
إذا ﻛﺛر اﻟﺧﺑث .ﻓﻬذا رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم .وﻫؤﻻء أﺻﺣﺎﺑﻪ اﻟﺑررة
ﯾﺻﺎﺑون ﺟﻣﯾﻌﺎً ﺑﻣﻌﺻﯾﺔ أرﺑﻌﯾن .وواﷲ ﻣﺎ ﺗﻌﻣدوا اﻟﻌﺻﯾﺎن وﻟﻛن اﺟﺗﻬدوا
وﺗﺄوﻟوا ﻓﻛﺎن ﻣﺎ ﻛﺎن .ﻓﻠﻧﺣذر ﺟﻣﯾﻌﺎ ﻣن اﻟﻣﻌﺎﺻﻲ ،وﻋﻠﯾﻧﺎ ﻣﺣﺎرﺑﺗﻬﺎ ،
وﻣﺣﺎرﺑﺔ وﻗوﻋﻬﺎ ﺑﺎﻟﻧﺻﺢ واﻹرﺷﺎد وﻏﯾرﻩ ﻣن اﻟوﺳﺎﺋل ﻟﺣﻔظ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣن
اﻟﻌﻘوﺑﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺳﺑﺑﻬﺎ اﻟﻣﻌﺎﺻﻲ.
151
ﻓﺄراد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أن ﯾﺿﻊ ﺣداً ﻟﻬذﻩ اﻷﻓﻛﺎر اﻟﺷﯾطﺎﻧﯾﺔ ،وأن ﯾﺧرس أﻟﺳﻧﺔ
اﻷﻋداء ﻣن اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن واﻟﯾﻬود ﺧﺎﺻﺔ واﻟذﯾن ﺗﻛﻠﻣوا ﻓﻲ ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻟﻣﻌرﻛﺔ ،
وأﺷﺎﻋوا ﺑﺄن ﻗرﯾﺷﺎً ﻗد اﻧﺗﺻرت ،وﻟذا ﻓﻘد اﺳﺗﻧﻔر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم
أﺻﺣﺎﺑﻪ اﻟذﯾن ﻗﺎﺗﻠوا ﻣﻌﻪ ﺑﺎﻷﻣس ﻟﻣطﺎردة اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻹرﻫﺎﺑﻬم ٕوارﻏﺎم أﻧوف ﻣن
ﺷﺎﯾﻌﻬم ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وﺧرج ﺑﺄﺻﺣﺎﺑﻪ ﻗﺑل ﻓﺟر اﻟﯾوم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻟﻠﻣﻌرﻛﺔ .وﺳﺎر ﺣﺗﻰ
وﺻل ﺣﻣراء اﻷﺳد .وﻫذا ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻣﺎ أﺧﺎف ﻗرﯾش ﺣﯾن ﻋﻠﻣت ﺑﺧروج اﻟرﺳول
ﺣﻣل ﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣن
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﻣطﺎردﺗﻬﺎ .ﻓﺂﺛر أﺑو ﺳﻔﯾﺎن ﺑﻌد أن ّ
اﻟرﻛﺑﺎن رﺳﺎﻟﺔ ﺗﻬدﯾد إﻟﻰ اﻟﻧﺑﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم وأﺻﺣﺎﺑﻪ .وﻟﻣﺎ ﺑﻠﻐت
ﻫذﻩ اﻟرﺳﺎﻟﺔ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﻗﺎﻟوا :ﺣﺳﺑﻧﺎ اﷲ وﻧﻌم
وﻟﻣﺎ ﻟم ﯾﺟد
اﻟوﻛﯾل .وﺑﻘﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﺣﻣراء اﻷﺳد ﻣﺗﺣدﯾﺎً ﻋدة أﯾﺎم ّ .
أﺣداً ﻋﺎد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺄﺻﺣﺎﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
152
-6ﻏزوة ذات اﻟرﻗﺎع ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺳﻧﺔ 4ﻫـ .
-7وﻓﺎة أم اﻟﻣؤﻣﻧﯾن زﯾﻧب ﺑﻧت ﺧزﯾﻣﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ.
-8زواﺟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن أم ﺳﻠﻣﺔ ﻫﻧد ﺑﻧت أﻣﯾﺔ ﺑﻌد وﻓﺎة زوﺟﻬﺎ
أﺑو ﺳﻠﻣﺔ ﻋﺑداﷲ ﺑن ﻋﺑداﻷﺳد.
-9ﻣوﻟد اﻟﺣﺳﯾن ﺑن ﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ ﻓﻲ ﺷﻌﺑﺎن.
-10ﻏزوة ﺑدر اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ) اﻟﻣوﻋد( ﻓﻲ ﺷﻌﺑﺎن ﺳﻧﺔ4ﻫـ.
س : 108ﻣﺎ أﺳﺑﺎب ﺳرﯾﺔ أﺑو ﺳﻠﻣﺔ اﻟﻣﺧزوﻣﻲ ؟ ٕواﻟﻰ أﯾن ﺗوﺟﻬت؟
ج : 108ﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﺳرﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﺣرم ﺳﻧﺔ 4ﻫـ .وﺳﺑﺑﻬﺎ ﻗﯾﺎم طﻠﯾﺣﺔ ﺑن ﺧوﯾﻠد
اﻷﺳدي ﺑﺗﺟﻣﯾﻊ ﻗوﻣﻪ ﺑﻧﻲ أﺳد ﻟﻺﻏﺎرة ﻋﻠﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .وﻋﻠم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻬذﻩ اﻟﺟﻣوع
ﻓﺎﻧﺗد ب ﻟﻬﺎ أﺑﺎ ﺳﻠﻣﺔ اﻟﻣﺧزوﻣﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ وﺧﻣﺳﯾن رﺟﻼً ﻣن
اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن واﻷﻧﺻﺎر ،ﺣﯾث ﺑﺎﻏت أﺑو ﺳﻠﻣﺔ ﺟﻣوع ﺑﻧﻲ أﺳد ﻗﺑل أن ﯾﺗﺣرﻛوا ،ﻓﻬرﺑوا
ﻓﻲ ﻛل اﺗﺟﺎﻩ ،وﻏﻧم اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣواﺷﯾﻬم ﻓﺎﺳﺗﺎﻗوﻫﺎ .وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺳرﯾﺔ اﻧﺗﻘض ﺟرح
أﺑو ﺳﻠﻣﺔ اﻟذي أﺻﯾب ﺑﻪ ﯾوم أﺣد وﻣﺎت ﻋﻠﻰ أﺛر ذﻟك رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ وأرﺿﺎﻩ .
153
. (17 اﻟﺷﻛل )
ج : 109ﻛﺎن ﻫذا اﻟﺑﻌث ﻓﻲ ﻣﺣرم ﺳﻧﺔ 4ﻫـ ﺣﯾث ﻋﻠم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم أن ﺧﺎﻟد
اﺑن ﺳﻔﯾﺎن اﻟﻬذﻟﻲ ﯾﺣﺷد اﻟﺟﻣوع ﻓﻲ ﻋرﻧﻪ ﻗرﯾﺑﺎً ﻣن ﻋرﻓﺎت ﻟﻺﻏﺎرة ﻋﻠﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
ﻓﺑﻌث إﻟﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋﺑداﷲ ﺑن أﻧﯾس ﻟﯾﻘﺗﻠﻪ .وﻏﺎب ﻋﺑداﷲ ﺑن أﻧﯾس ﻋن
اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺛﻣﺎﻧﻲ ﻋﺷرة ﻟﯾﻠﺔ ،ﺛم ﻋﺎد ﺑﻌد أن ﻗﺗل ﺧﺎﻟد ﺑن ﺳﻔﯾﺎن اﻟﻬذ ﻟﻲ .ﻓﺄﻋطﺎﻩ
اﻟرﺳول ﻋﺻﺎً وﻗﺎل :ﻫذﻩ آﯾﺔ ﺑﯾﻧﻲ وﺑﯾﻧك ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ .وأوﺻﻰ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺑوﺿﻊ
اﻟﻌﺻﺎ ﻓﻲ أﻛﻔﺎﻧﻪ ﺑﻌد ﻣوﺗﻪ.
154
س : 110ﻣﺎ ﻗﺻﺔ ﺣﺎدﺛﺔ اﻟرﺟﯾﻊ ؟ وﻣﺎ أﺳﺑﺎﺑﻬﺎ؟
ج : 110ﺳﺑﺑﻬﺎ أن رﺟﺎﻻً ﻣن ﻋﺿل وﻗﺎرة ﻗدﻣوا ﻋﻠﻰ رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ
ﺷﻬر ﺻﻔر ﺳﻧﺔ 4ﻫـ ،وذﻛروا أن ﻓﯾﻬم إﺳﻼﻣﺎً .وﺳﺄﻟوا اﻟرﺳول أن ﯾﺑﻌث ﻣﻌﻬم ﻣن
ﯾﻌﻠﻣﻬم اﻟﻘرآن واﻹﺳﻼم ،ﻓﺑﻌث ﻣﻌﻬم اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺳﺗﺔ أو ﻋﺷرﻩ ﻧﻔر
وأﻣر ﻋﻠﯾﻬم ﻣرﺛد ﺑن أﺑﻲ ﻣرﺛد اﻟﻐﻧوي وﻗﯾل ﻋﺎﺻم ﺑن ﺛﺎﺑت ﺑن أﺑﻲ اﻷﻗﻠﺢ ،ﻓذﻫﺑوا
ﻣﻌﻬم ﺣﺗﻰ وﺻﻠوا اﻟرﺟﯾﻊ وﻫو ﻣﺎء ﻟﻬذﯾل ﺑﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﺣﺟﺎز ﺑﯾن ﻣﻛﺔ وﻋﺳﻔﺎن ) ﺟﻧوب
ﻋﺳﻔﺎن ﺑﻧﺣو ﺛﻣﺎﻧﯾﺔ أﻣﯾﺎل ،وﯾﺳﻣﯾﻪ أﻫل ﻋﺳﻔﺎن اﻟﯾوم ب " اﻟوطﯾﺔ " ،ﺑﻪ ﻏدﯾر ﻣﺎء
داﺋري اﻟﺷﻛل ﻻ ﯾﻧﺿب ﺻﯾﻔﺎ وﻻ ﺷﺗﺎء ( )اﻟﺷﻛل . (18وﻫﻧﺎك ﻏدر اﻟﻘوم ﺑﺄﺻﺣﺎب
اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺣﯾث اﺳﺗﺻرﺧوا ﻋﻠﯾﻬم ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻣن ﺑﻧﻲ ﻟﺣﯾﺎن وﻫذﯾل .وﻟم
ﯾﺷﻌر أﺻﺣﺎب اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻻ وﻫم ﻣﺣﺎطون ﺑﺎﻟﻘوم اﻟذﯾن طﻠﺑوا ﻣﻧﻬم
اﻻﺳﺗﺳﻼم .ﻓﺄﺑﻰ ﻋﺎﺻم وﺑﻌض رﺟﺎﻟﻪ اﻟذﯾن ﻗﺎﺗﻠوا ﺣﺗﻰ ﻗﺗﻠوا .أﻣﺎ ﺧﺑﯾب ﺑن ﻋدي
وزﯾد ﺑن اﻟدﺛﻧﺔ وﻋﺑداﷲ ﺑن طﺎرق ﻓﻘد اﺳﺗﺳﻠﻣوا ،إﻻ أن اﻟﻘوم ﻏدروا ﺑﻬم وﻗﺗﻠوا
ﻋﺑداﷲ اﻟذي ﺣﺎول اﻟﻣﻘﺎوﻣﺔ ،وﺑﺎﻋوا
155
ﺧﺑﯾﺑﺎً وزﯾداً ﺑﻣﻛﺔ ،ﻓﻘﺗﻠﺗﻬﻣﺎ ﻗرﯾﺷﺎً ﺑﻘﺗﻼﻫم ﻓﻲ ﺑدر ﺣﯾث ﺻﻠب ﺧﺑﯾب ﺑن ﻋدي
ﺑﺎﻟﺗﻧﻌﯾم ،وﻗﺗل ﺻﻔوان زﯾد ﺑن اﻟدﺛﻧﺔ ﺑﺄﺑﯾﻪ .
ج : 111ﺣدﺛت ﻫذﻩ اﻟﻣﺄﺳﺎة ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﺷﻬر اﻟذي ﺣدﺛت ﻓﯾﻪ ﺣﺎدﺛﺔ اﻟرﺟﯾﻊ.
وﺧﻼﺻﺗﻬﺎ أن أﺑﺎ ﺑراء ﻋﺎﻣر ﺑن ﻣﺎﻟك اﻟﻣﻠﻘب ﺑﻣﻼﻋب اﻷﺳﻧﺔ ﻗدم ﻋﻠﻰ رﺳول اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻓدﻋﺎﻩ إﻟﻰ اﻹﺳﻼم ﻓﻠم ﯾﺳﻠم وﻟم ﯾﺑﻌد .وﻗﺑل أن ﯾﻌود إﻟﻰ
أرض ﻗوﻣﻪ طﻠب ﻣن اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أن ﯾﺑﻌث ﺑﻌض أﺻﺣﺎﺑﻪ إﻟﻰ أﻫل ﻧﺟد ﻟﻌﻠﻬم
156
أن ﯾﺳﻠﻣوا .وﻗﺎل ﻟﻠرﺳول :إﻧﻲ ﺟﺎر ﻟﻬم .ﻓﺑﻌث ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أرﺑﻌﯾن رﺟﻼً وﻗﯾل أﻛﺛر.
وﯾﺳﻣون ﺑﺎﻟﻘراء .ﻓﺗوﺟﻬوا
ّ أﻣر ﻋﻠﯾﻬم اﻟﻣﻧذر ﺑن ﻋﻣرو .وﻛﺎﻧوا ﻣن ﺧﯾﺎر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
وّ
. إﻟﻰ ﻧﺟد ﺣﺗﻰ ﻧزﻟوا ﺑﺋر ﻣﻌوﻧﺔ ) اﻟﺷﻛل ، (19
وﺑﻌﺛوا ﺣرام ﺑن ﻣﻠﺣﺎن ﺑﻛﺗﺎب رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ ﻋدو اﷲ ﻋﺎﻣر ﺑن
اﻟطﻔﯾل اﻟذي ﻟم ﯾﻧظر ﻓﻲ اﻟﻛﺗﺎب ،وﻗﺗل ﺣرام ﺑن ﻣﻠﺣﺎن ،ﺛم اﺳﺗﻧﻔر ﻗﺑﺎﺋل رﻋل
وﻋﺻﯾﺔ وذﻛوان ﻣن ﺑﻧﻲ ﺳﻠﯾم ،ﻓﺟﺎؤوا وأﺣﺎطوا ﺑﺄﺻﺣﺎب اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻟذﯾن
ﺷﻌروا ﺑﺎﻟﻐدر .ﻓﻘﺎﺗﻠوا ﺣﺗﻰ ﻗﺗﻠوا ﺟﻣﯾﻌﻬم .وﻟم ﯾﻧﺞ ﻣﻧﻬم إﻻ ﻋﻣرو ﺑن أﻣﯾﺔ اﻟﺿﻣري
اﻟذي أﺳرﻩ ﻋﺎﻣر ﺑن اﻟطﻔﯾل ﺛم أطﻠق ﺳراﺣﻪ ﻋن رﻗﺑﺔ ﻛﺎﻧت ﻋﻠﻰ أﻣﻪ .وﻋﺎد ﻋﻣرو
إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .وﻟﻣﺎ أﻗﺗرب ﻣﻧﻬﺎ وﺟد رﺟﻠﯾن ﻣن ﺑﻧﻲ ﻋﺎﻣر ﻛﺎن ﻟﻬﻣﺎ ﻣن اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم أﻣﺎن وﻫو ﻻ ﯾﻌﻠم وأﺣﺗﺎل ﻋﻠﯾﻬﻣﺎ ،وﻗﺗﻠﻬﻣﺎ ﺛﺄ ارً ﻷﺻﺣﺎﺑﻪ .وﺗﺄﻟم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
157
ﻟﻣﻘﺗل أﺻﺣﺎﺑﻪ .وﻣﻛث ﺷﻬ ارً ﯾدﻋو ﻋﻠﻰ رﻋل ،وﻋﺻﯾﺔ ،وذﻛوان .ﺣﺗﻰ أﻧزل اﷲ ﻋﻠﻰ
اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻗرآﻧﺎً ﻧﺳﺦ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد وﻫو ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " ﺑﻠﻐوا ﻗوﻣﻧﺎ أﻧﺎ ﻟﻘﯾﻧﺎ رﺑﻧﺎ
ﻓرﺿﻲ ﻋﻧﺎ ورﺿﯾﻧﺎ ﻋﻧﻪ " .ﻓﺗرك ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻟﻘﻧوت ﻋﻠﯾﻬم .
ج : 112ﺑﻧو اﻟﻧﺿﯾر إﺣدى طواﺋف اﻟﯾﻬود اﻟﺛﻼث اﻟرﺋﯾﺳﺔ ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ .وﺳﺑق أن
ووﻓﺎء ،
ً ﻋﺎﻫدﻫم اﻟرﺳول ﻋﻧد وﺻوﻟﻪ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻣﻬﺎﺟ ارً .وﻟم ﯾ َر ﻣﻧﻪ اﻟﯾﻬود إﻻ ﺑ ارً
وﻟﻛن اﻟﯾﻬود أﻣﺔ ﻏدر وﺧﯾﺎﻧﺔ ﻟﻣن ﺧﺎﻟﻔﻬم وﺧﺎﺻﺔ ﻣﺣﻣد وأﺻﺣﺎﺑﻪ .وﻗد ﻓﺿﺣﻬم
اﻟﻘرآن ﻓﻲ آﯾﺎت ﻛﺛﯾرة .وﻟﻌل ﻫذا ﻣن أﺳﺑﺎب ﻋداوﺗﻬم ﻟﻠرﺳول ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ﺣﻘدﻫم ﻋﻠﻰ
ﻣﺣﻣد اﻟﻌرﺑﻲ اﻟذي اﺧﺗﺎرﻩ اﷲ ﻟﻠرﺳﺎﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧوا ﯾﺗوﻗﻌون أن ﺗﻛون ﻓﯾﻬم اﺳﺗﻣ ار ارً
ﻟﻸﻧﺑﯾﺎء اﻟﺳﺎﺑﻘﯾن وﻟﻛن " اﷲ أﻋﻠم ﺣﯾث ﯾﺟﻌل رﺳﺎﻟﺗﻪ " .أﺿف إﻟﻰ ذﻟك اﻻ ﻧﺗﺻﺎرات
اﻟﻌظﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺣﻘﻘﺗﻬﺎ دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم وﻫﻲ ﻻ ﺗزال ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﻧﺷوء ،وطﺑﺎﺋﻊ اﻟﺧﺳﺔ
واﻟﻐدر اﻟﺗﻲ ﺗﺧﻠق ﺑﻬﺎ اﻟﯾﻬود .ﻛل ﻫذا وﺳواﻩ أدى إﻟﻰ ﻧﺷوب اﻟﺻراع ﺑﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
واﻟﯾﻬود.
ﻓﻔﻲ ﺷﻬر رﺑﯾﻊ اﻷول ﺧرج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻟﻰ دﯾﺎر ﺑﻧﻲ اﻟﻧﺿﯾر ﻓﻲ ﻧﻔر ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ
ﻓﯾﻬم أﺑو ﺑﻛر وﻋﻣر وﻛﻠﻬم ﻟﯾﻌﯾﻧوﻩ ﻓﻲ دﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣرﯾﯾن اﻟﻠذﯾن ﻗﺗﻠﻬم ﻋﻣر ﺑن أﻣﯾﺔ
اﻟﺿﻣري ﻛﻣﺎ ﺳﺑق أن أﺷرﻧﺎ ،وﻫو أﻣر ﺗﺿﻣﻧﺗﻪ اﻟﻣﻌﺎﻫدة اﻟﺗﻲ أﺑرﻣﻬﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣﻊ
اﻟﯾﻬود ﺣﯾن ﻗدم اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻣﻬﺎﺟ ارً .ﻓﻔرح اﻟﯾﻬود ﺣﯾن رأوﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ دﯾﺎرﻫم ﻓﻲ
158
ﻋدد ﻗﻠﯾل ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ ،وأﺿﻣروا ﻟﻪ ﺷ ارً ،وﻗﺎﻟوا ﻣﺧﺎدﻋﯾن :ﻧﻔﻌل ﯾﺎ أﺑﺎ اﻟﻘﺎﺳم ،
اﺟﻠس ﻫﺎﻫﻧﺎ ﺣﺗﻰ ﻧﻘﺿﻲ ﺣﺎﺟﺗك .وﺧﻼ اﻟﯾﻬود ﺑﺑﻌﺿﻬم ،وﺗﺂﻣروا ﻟﻘﺗل اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم وﻫو ﻻ ﯾدري ﺣﯾث ﺟﻠس إﻟﻰ ﺟدار أﺣد ﺑﯾوﺗﻬم ﯾﺳﺗظل وﯾﻧﺗظر وﻓﺎء اﻟﯾﻬود ﺑﻣﺎ
وﻋدوﻩ .وﺻﻣﻣوا ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌود ﺑرﺣﻲ ﺛﻘﯾﻠﺔ إﻟﻰ ﺳطﺢ اﻟﺑﯾت اﻟذي ﯾﺳﺗظل ﺗﺣﺗﻪ
اﻟرﺳول وأﺻﺣﺎﺑﻪ ،ﺛم ﯾﻠﻘوﻧﻬﺎ ﻋﻠﯾﻪ وﯾﻘﺗﻠوﻩ .وﯾﻧزل ﺟﺑرﯾل ﻟﯾﺧﺑر اﻟرﺳول وأﺻﺣﺎﺑﻪ
ﺑﻣﺎ دﺑرﻩ ﻟﻪ اﻟﯾﻬود .ﻓﻧﻬض ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻋﺎد وﺣدﻩ ﻣﺳرﻋﺎً إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وظن
أﺻﺣﺎﺑﻪ أﻧﻪ ﻗد ﻗﺎم ﻟﺣﺎﺟﺗﻪ ،ﻓﻠﻣﺎ أﺑطﺄ ﻋﻠﯾﻬم ﺧﺎﻓوا ﻋﻠﯾﻪ ،وﺑﺣﺛوا ﻋﻧﻪ ،ﻓوﺟدوﻩ ﻗد
ﻋﺎد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻟﻰ ﻣﺳﺟدﻩ .وأﺧﺑر أﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﺎﻷﻣر .وﺑﻌث إﻟﻰ اﻟﯾﻬود ﺑرﺳﺎﻟﺔ
ﯾطﻠب ﻣﻧﻬم اﻟﺧروج ﻣن اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺧﻼل ﻋﺷرة أﯾﺎم ﺟزاء ﻏدرﻫم وﺧﯾﺎﻧﺗﻬم .وأﺳﻘط ﻓﻲ
ﯾد اﻟﯾﻬود ،وﻋﻠﻣوا أن ﻣؤاﻣرﺗﻬم ﻗد ﻓﺷﻠت ،وأن ﻣﺻﯾر ﻣن ﻟم ﯾﺧرج ﻣﻧﻬم ﺧﻼل ﻋﺷرة
أﯾﺎم ﻫو اﻟﻘﺗل .ﻓﺄﺧذوا ﯾﺗﺟﻬزون ﻟﻠﺧروج .وﻫﻧﺎ اﺗﺻل ﺑﻬم رأس اﻟﻧﻔﺎق ﻋﺑداﷲ ﺑن أﺑﻲ
ﺑن ﺳﻠول وﺣرﺿﻬم ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻘﺎء وﻋدم اﻟﺧروج ،وأﻧﻪ ﺳﯾﻧﺻرﻫم ﻫو وﺑﻧو ﻗرﯾظﺔ .
ﻓﺑﻘوا وﺑﻌﺛوا إﻟﻰ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أ ٌﻧﺎ ﻟن ﻧﺧرج ﻓﺎﻓﻌل ﻣﺎ ﺑدا ﻟك .وﻫﻧﺎ أﻋﻠن ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم اﻟﻧﻔﯾر ﻓﻲ أﺻﺣﺎﺑﻪ ،وﺗوﺟﻪ إﻟﻰ دﯾﺎر ﺑﻧﻲ اﻟﻧﺿﯾر اﻟذﯾن ﻫرﺑوا إﻟﻰ ﺣﺻوﻧﻬم
وﺗﺣﺻﻧوا ﺑﻬﺎ ﺣﯾن أروا طﻼﺋﻊ ﺟﯾش اﻟرﺳول ،ﻓﻔرض ﻋﻠﯾﻬم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
اﻟﺣﺻﺎر ﺧﻣس ﻋﺷرة ﻟﯾﻠﺔ ) )اﻟﺷﻛل . (20وﺗﺧﻠف ﻋﺑداﷲ اﺑن ﺳﻠول وﯾﻬود ﺑﻧو
ﻗرﯾظﺔ ﻋن ﻧﺻرﺗﻬم وﻣﺳﺎﻋدﺗﻬم ،وﺑﻘوا ﻓﻲ اﻟﺳﺎﺣﺔ وﺣدﻫم أﻣﺎم ﻣﺣﻣد وأﺻﺣﺎﺑﻪ ،و
ﻗذف اﷲ ﻓﻲ ﻗﻠوﺑﻬم اﻟرﻋب ،ﻓﺄرﺳﻠوا إﻟﻰ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺄﻧﻬم ﺳﯾﺧرﺟون ﻣن
اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻋﻠﻰ أن ﯾﻛف ﻋن دﻣﺎﺋﻬم .ﻓواﻓق ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ أن ﯾﺧرﺟوا ﺑﻧﻔوﺳﻬم
وذرارﯾﻬم وﻟﻬم ﻣﺎ ﺣﻣﻠت اﻹﺑل إﻻ اﻟﺳﻼح .ﻓﺧرﺟوا ﺑﻌدﻣﺎ ﺧرﺑوا ﺑﯾوﺗﻬم ﺑﺄﯾدﯾﻬم وﺗوﺟﻪ
ﺟزء ﻣﻧﻬم ﻓﯾﻬم زﻋﯾﻣﻬم ﺣﯾﻲ ﺑن أﺧطب إﻟﻰ ﺧﯾﺑر وذﻫب ﺑﻌﺿﻬم إﻟﻰ اﻟﺷﺎم .وأﺧذ
159
اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺳﻼﺣﻬم واﺳﺗوﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣزارﻋﻬم ،وأرﺿﻬم ،ودﯾﺎرﻫم .وﻛﺎﻧت
ﻓﯾﺋﺎً ﯾﺿﻌﻪ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺣﯾث ﺷﺎء ،ﻓﻘﺳﻣﻪ اﻟرﺳول ﺑﯾن اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن ﻟﻔﻘرﻫم
ﺑﻌدﻣﺎ اﺳﺗﺷﺎر اﻷﻧﺻﺎر اﻟذﯾن ﻗﺎﻟوا رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم وأرﺿﺎﻫم " :ﯾﺎ رﺳول اﷲ ....
اﻗﺳﻣﻬﺎ ﺑﯾن إﺧواﻧﻧﺎ اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن ،وﺧذ ﻣن أﻣواﻟﻧﺎ ﻣﺎ ﺷﺋت ﻓواﷲ ﻣﺎ أﺧذت ﻟﻬو أﺣب
إﻟﯾﻧﺎ ﻣﻣﺎ أﺑﻘﯾت " ﻓرﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم وأرﺿﺎﻫم ،ﻣﺎ أﻋظم إﯾﺛﺎرﻫم ،وﻣﺎ أﻋظم ﻋطﺎءﻫم
ٕ ،واﯾﻣﺎﻧﻬم ،وﺻدﻗﻬم ،وﺣﺑﻬم ،وطﺎﻋﺗﻬم ﷲ ورﺳوﻟﻪ ،ﻓﺎﻟﻠﻬم إﻧﻲ أﺷﻬدك ﻋﻠﻰ
160
ي ﻣﻧﻬم ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ .وﻟم ﯾﻌط ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣن اﻷﻧﺻﺎر إﻻ أﺑﺎ
ﺣﺑﻬم ،ﻓﻬﺑﻧﻲ ﻷ ﱟ
دﺟﺎﻧﺔ ،وﺳﻬل ﺑن ﺣﻧﯾف ﻟﻔﻘرﻫﻣﺎ .وأﻧزل اﷲ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﺳورة اﻟﺣﺷر.
ج : 113ﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺳﻧﺔ 4ﻫـ .وﺳﺑﺑﻬﺎ ﻗﯾﺎم ﺟﻣوع اﻷﻋراب
ﻣن ﺑﻧﻲ ﻣﺣﺎرب .وﺑﻧﻲ ﺛﻌﻠﺑﺔ ﻣن ﻏطﻔﺎن ﺑﺎﻟﺗﺟﻣﻊ ﻟﻣﻬﺎﺟﻣﺔ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .وﻋﻠم اﻟرﺳول
ﺑﻬذﻩ اﻟﺟﻣوع ﻓﺳﺎرع – ﻛﻌﺎدﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم -إﻟﻰ اﻟﺧروج إﻟﯾﻬم ﻟﯾﻛﺳب اﻟﺿرﺑﺔ
اﻷوﻟﻰ .وﻟم ﯾﻘﻊ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﻗﺗﺎل رﻏم اﻟﺗﻘﺎء اﻟﻔرﯾﻘﯾن ،وﻟﻛﻧﻬم أﺧﺎﻓوا ﺑﻌﺿﻬم
ﺑﻌﺿﺎً .وﺻﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺻﻼة اﻟﺧوف .وﺳﻣﯾت ﺑذات اﻟرﻗﺎع ﻟوﻋورة اﻟطرق اﻟﺗﻲ
ﺳﺎر ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣون ،وﻟطول اﻟﻣﺳﯾر ﺣﺗﻰ ﺗﻘطﻌت ﻧﻌﺎﻟﻬم ،وﺳﻘطت أظﺎﻓر أﻗدام
ﺑﻌﺿﻬم ،ﻓرﺑطوا اﻟرﻗﺎع ﻋﻠﻰ أﻗداﻣﻬم .وﺣدﺛت ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﻗﺻص وﻣواﻗف طرﯾﻔﺔ
أﺷﻬرﻫﺎ ﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻷﻋراﺑﻲ ﻏورث اﻏﺗﯾﺎل اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،إﻻ أن ﻣﺣﺎوﻟﺗﻪ
ﺑﺎءت ﺑﺎﻟﻔﺷل ،وﻋﻔﺎ ﻋﻧﻪ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .
وﻗد ﺣﺻل ﺧﻼف ﺑﯾن اﻟﻣؤرﺧﯾن ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﻓﻣﻧﻬم ﻣن ﯾرى ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﺑﻌد
ﻏزوة ﺑﻧﻲ اﻟﻧﺿﯾر .وﯾرى اﺑن ﺳﻌد واﻟواﻗدي أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﺳﻧﺔ5ﻫـ ،واﷲ أﻋﻠم ﺑﺎﻟﺻواب
) اﻟﺷﻛل .(21
161
س : 114ﻟﻣﺎذا ﺧرج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﺷﻌﺑﺎن ﻣن ﻫذﻩ اﻟﺳﻧﺔ إﻟﻰ ﺑدر؟
ج : 114ﯾﺳﻣﻰ أﻫل اﻟﻣﻐﺎزي واﻟﺳﯾر ﻫذا اﻟﺧروج ﺑـ :ﻏزوة ﺑدر اﻟﻣوﻋد ،وﺑدر
اﻟﺻﻐرى ،وﺑدر اﻵﺧرة ،وﺑدر اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ .وﺳﺑﺑﻬﺎ أن أﺑﺎ ﺳﻔﯾﺎن ﻓﻲ ﯾوم أﺣد ﻧﺎدى ﻋﻠﻰ
اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻗﺎﺋﻼً :ﯾﺎ ﻣﺣﻣد ﻣوﻋدﻧﺎ اﻟﻌﺎم اﻟﻘﺎدم ﻓﻲ ﺑدر .ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
ﻟرﺟل ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻗل :ﻧﻌم ،ﻫو ﺑﯾﻧﻧﺎ وﺑﯾﻧك ﻣوﻋد.
وﻟذا ،ﻓﻔﻲ ﺷﻌﺑﺎن ﻣن ﻫذﻩ اﻟﺳﻧﺔ ﺧرج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ أﻟف وﺧﻣﺳﻣﺎﺋﺔ ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ
.وﺧرج أﺑو ﺳﻔﯾﺎن ﻣﺗﺛﺎﻗﻼً ﺧﺎﺋﻔﺎً ﻓﻲ أﻟﻔﯾن ﻣن اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﺣﺗﻰ وﺻل ﻣر اﻟظﻬران وﻫو
ﯾﻔﻛر ﻓﻲ ﻋﺎﻗﺑﺔ ﻫذا اﻟﻣﺳﯾر ﻟﻘﺗﺎل ﻣﺣﻣد وأﺻﺣﺎﺑﻪ ،وﻫﻧﺎك ﻓﻲ ﻣر اﻟظﻬران ﺧﺎرت ﻗواﻩ
162
،ووﻫﻧت ﻋزﯾﻣﺗﻪ ،ﻓﺎﺣﺗﺎل ﻟﻠرﺟوع وﻗﺎل ﻷﺻﺣﺎﺑﻪ :ﯾﺎ ﻣﻌﺷر ﻗرﯾش إﻧﻪ ﻻ ﯾﺻﻠﺣﻛم
إﻻ ﻋﺎم ﺧﺻب ﺗرﻋون ﻓﯾﻪ اﻟﺷﺟر ،وﺗﺷرﺑون ﻓﯾﻪ اﻟﻠﺑن ٕ ،وان ﻋﺎﻣﻛم ﻫذا ﻋﺎم ﺟدب ،
ٕواﻧﻲ راﺟﻊ ﻓﺎرﺟﻌوا ،ﻓرﺟﻊ وﺟﯾﺷﻪ إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ﺧﺎﺋﺑﺎً.
أﻣﺎ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻘد ﺳﺎر ﺑﺄﺻﺣﺎﺑﻪ إﻟﻰ ﺑدر ،وأﻗﺎم ﻓﯾﻬﺎ ﺛﻣﺎﻧﯾﺔ أﯾﺎم ﯾﻧﺗظر
اﻟﻌدو .وﻟﻣﺎ ﻟم ِ
ﯾﺄت اﻟﻣﺷرﻛون ﻋﺎد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺄﺻﺣﺎﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻗد ﺳﺎدوا ّ
اﻟﻣوﻗف ،وﺗوطدت ﻫﯾﺑﺗﻬم ﻓﻲ اﻟﻧﻔوس .
163
اﻷﻋراب اﻟذﯾن ﯾﻘطﻌون اﻟطرﯾق ،وﯾﻌﺗدون ﻋﻠﻰ ﻣن ﻣر ﺑﻬم ،وأن ﺣﺷوداً ﻣن
. ﻧﺻﺎرى اﻟﻌرب وﺣﻠﻔﺎﺋﻬم اﻟروﻣﺎن ﯾرﯾدون ﻏزو اﻟﻣدﯾﻧﺔ
ﻓﺎﺳﺗﻧﻔر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻟﻧﺎس ،وﺧرج ﻓﻲ ﻧﺣو أﻟف ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ ﯾﺳﯾر اﻟﻠﯾل ،
وﯾﻛﻣن اﻟﻧﻬﺎر ﻟﯾﺄﺧذ اﻷﻋداء ﻋﻠﻰ ﻏرة .وﻟﻣﺎ اﻗﺗرب ﻣن دوﻣﺔ اﻟﺟﻧدل أﻏﺎر ﻋﻠﻰ
164
ﻣﺎﺷﯾﺗﻬم ورﻋﺎﺋﻬم ،ﻓﺄﺻﺎب ﻣن أﺻﺎب ،وﻫرب ﻣن ﻫرب .وﻟﻣﺎ وﺻﻠت اﻷﺧﺑﺎر
دوﻣﺔ اﻟﺟﻧدل وﻣن ﺑﻬﺎ ﻣن اﻟﺟﻣوع ﺧﺎﻓوا وﺗﻔرﻗوا .ووﺻل اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
دﯾﺎرﻫم وﻟم ﯾﺟد ﺑﻬﺎ أﺣداً ﻓﺄﻗﺎم ﺑﻬﺎ أﯾﺎﻣﺎً ﺛم ﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .
ج : 117زﯾﻧب ﺑﻧت ﺟﺣش ﻫﻲ أﺧت ﻋﺑداﷲ ﺑن ﺟﺣش اﻟذي أﺳﺗﺷﻬد ﯾوم أﺣد،
وأﻣﻬﺎ ﻫﻲ أﻣﯾﻣﺔ ﺑﻧت ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب ﻋﻣﺔ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .وﻛﺎﻧت ﻗﺑل
رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم زوﺟﺔ ﻟزﯾد ﺑن ﺣﺎرﺛﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﻣوﻟﻰ رﺳول
اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟذي ﺧطﺑﻬﺎ ﻣن رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :
أﻧﻛﺣﯾﺔ ،ﻓﺄﺑت وأﺑﻰ أﻫﻠﻬﺎ ﻷﻧﻪ ﻣوﻟﻰ ،وﻷﻧﻬﺎ ﻗرﺷﯾﺔ ذات ﺣﺳب وﻧﺳب .ﻓﻧزل ﻗول
اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ" وﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻣؤﻣن وﻻ ﻣؤﻣﻧﺔ إذا ﻗﺿﻰ اﷲ ورﺳوﻟﻪ أﻣ ارً أن ﯾﻛون ﻟﻬم
اﻟﺧﯾرة ﻣن أﻣرﻫم " ﻓﺗزوﺟﺗﻪ .وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﺗﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﯾﻪ وﺗﺗرﻓﻊ ﻟﺣﺳﺑﻬﺎ ،وﺗؤذﯾﻪ
ﺑﻠﺳﺎﻧﻬﺎ.
وﯾﺷﺗﻛﻲ زﯾد ﻟرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،ﻓﯾﺄﻣرﻩ ﺑﺈﻣﺳﺎﻛﻬﺎ وﺗﻘوى اﷲ .
زﯾﻧب وﺳﯾﺗزوﺟﻬﺎ وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﻌﻠم ﺑﺈﻟﻬﺎم ﻣن اﷲ أن ﻣوﻻﻩ زﯾداً ﺳﯾطﻠق
ﻣن ﺑﻌدﻩ .وﻟم ﯾﻛن ﻣﻘﺑوﻻً ﻓﻲ ﻋﺎدات اﻟﻌرب آﻧذاك أن ﯾﺗزوج اﻟرﺟل زوﺟﺔ ﻣﺗﺑﻧﺎﻩ ،
وﻟذا ﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﺧﺷﻰ وﯾﻛرﻩ أن ﯾﻌﻠم اﻟﻧﺎس ﺑذﻟك ،وﻟذا أﺧﻔﺎﻩ وﻟم ﯾﺧﺑر ﺑﻪ
أﺣداً ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " وﺗﺧﻔﻲ ﻓﻲ ﻧﻔﺳك ﻣﺎ اﷲ ﻣﺑدﯾﻪ وﺗﺧﺷﻰ اﻟﻧﺎس واﷲ أﺣق أن
ﺗﺧﺷﺎﻩ " .وﻟم ﯾﻛن اﻟذي أﺧﻔﺎﻩ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻫو ﺣﺑﻪ ﻟزﯾﻧب ﻛﻣﺎ ﯾﻘول
165
اﻟﻛذاﺑون واﻟﻣﻔﺗرون ﻋﻠﻰ اﷲ ورﺳوﻟﻪ ﻓﻠو أرادﻫﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻗﺑل زﯾد ﻟﺗزوﺟﻬﺎ ،
ﻓﻣﺎ اﻟذي ﯾﻣﻧﻌﻪ ﻣﻧﻬﺎ وﻫﻲ اﺑﻧﺔ ﻋﻣﺗﻪ وﻗد رآﻫﺎ ﻣ ار ار ﻓﻲ ﻣﻛﺔ واﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻗﺑل ﻧزول
آﯾﺔ اﻟﺣﺟﺎب اﻟﺗﻲ ﻧزﻟت ﺑﻌد زواﺟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻬﺎ ؟ .وﻟو ﻛﺎن اﻟذي أﺧﻔﺎﻩ ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ﻫو ﺣﺑﻪ ﻟزﯾﻧب ﻷظﻬر اﷲ ﻫذا اﻟﺣب وأﺑداﻩ ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " وﺗﺧﻔﻲ ﻓﻲ
ﻧﻔﺳك ﻣﺎ اﷲ ﻣﺑدﯾﻪ " .ﻓﺎﻟذي أﺑداﻩ اﷲ وأظﻬرﻩ ﻫو اﻟزواج ﻻ اﻟﺣب .إﻧﻬﺎ
اﻟﻧﻔوس اﻟﻣرﯾﺿﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣﺎول اﻟﻧﯾل ﻣن رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻟذي ﻫو أطﻬر ﻣن
اﻟﺳﺣﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺳﻣﺎﺋﻬﺎ ،ﻓﺻﻠوات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻲ اﻷوﻟﯾن واﻵﺧرﯾن .
وﺗﺳﺗﻣر اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن زﯾد وزﯾﻧب ﻓﻲ ﺗوﺗر ﺣﺗﻰ طﻠﻘﻬﺎ زﯾد ﻟﯾﺗزوﺟﻬﺎ رﺳول
اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺄﻣر ﻣن اﷲ " ﻓﻠﻣﺎ ﻗﺿﻰ زﯾد ﻣﻧﻬﺎ وط ارً زوﺟﻧﺎﻛﻬﺎ ﻟﻛﻲ
ﻻ ﯾﻛون ﻋﻠﻰ اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﺣرج ﻓﻲ أزواج أدﻋﯾﺎﺋﻬم إذا ﻗﺿوا ﻣﻧﻬن وط ارً وﻛﺎن أﻣر
اﷲ ﻣﻔﻌوﻻ " .وﻫﻛذا ﻛﺎن ﻫذا اﻟزواج ﻟﯾﺑطل اﷲ ﺑﻪ وﻋﻠﻰ ﯾد رﺳوﻟﻪ وﺑﻔﻌﻠﻪ ﻻ ﺑﻔﻌل
ﻏﯾرﻩ ﺑﻌض ﻣوروﺛﺎت اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ – وﻟﻸﺳف -ﻣﺎزاﻟت ﺑﺎﻗﯾﺔ ،وﻣﺗﺣﻛﻣﺔ ،
وﺣﺎﻛﻣﺔ ﻟﺣﯾﺎة ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﯾوم ،وﻣﻧﻬﺎ ﻋﺎدة اﻟﺗﻔﺎﺧر ﺑﺎﻷﻧﺳﺎب ،واﻟﺗﻌﺎﻟﻲ
ﺑﺎﻻﺣﺳﺎب .ﻓﻼ ﯾزوج ﻣن ﯾرى ﻧﻔﺳﻪ ﺷرﯾﻔﺎً ،ﺣﺳﯾﺑﺎً ،ﻧﺳﯾﺑﺎً – وﻗد ﻻ ﯾﻛون ﻓﻲ
اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻛذﻟك -ﻣن ﻛﺎن ﻓﻲ ﻧظر اﻟﻧﺎس ﻏﯾر ذﻟك ،وﻻ ﯾﺗزوج ﻣﻧﻪ وﻟو ﻛﺎن ﺗﻘﯾﺎً.
ﻓﺄﻟﻐﻰ اﻟﺟﺎﻫﻠﯾون اﻟﯾوم ﻣﯾزان اﷲ " إن أﻛرﻣﻛم ﻋﻧد اﷲ أﺗﻘﺎﻛم " ،ﻓﺎﻟﻧﺎس ﻛﻠﻬم
إﺧوة ﻷب واﺣد ،وأم واﺣدة – آدم و ﺣواء ٕ -واﻧﻣﺎ ﯾﺗﻔﺎﺿﻠون ﺑﺎﻟﺗﻘوى ﻻ ﺑﺎﻷﻋ ارق
واﻷﺣﺳﺎب اﻟزاﺋﻔﺔ .ﻫذا ﻫو ﻣﯾزان اﷲ ،ورﺳوﻟﻪ ،واﻟﻌﻘﻼء ،وﻫذﻩ ﻫﻲ اﻟﻘﺎﻋدة
اﻟﺗﻲ أﺧذ ﺑﻬﺎ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺣﯾن زوج زﯾداً ﻣن اﺑﻧﺔ ﻋﻣﺗﻪ
اﻟﻘرﺷﯾﺔ زﯾﻧب .وﻟﻛن اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ وأﻧﺻﺎرﻫﺎ اﻟﯾوم ﯾﺄﺑون ذﻟك ،ﻓﻛﺎﻧت ﻓﺗﻧﺔ ﻓﻲ
166
اﻷرض وﻓﺳﺎد ﻛﺑﯾر ﺑﺳﺑب اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻋﺷﺷت وﺗرﺳﺧت ﻓﻲ أذﻫﺎن ﻛﺛﯾر ﻣن
اﻟﻧﺎس ،وﺗﺣﻛﻣت ﻓﻲ ﺳﻠوﻛﯾﺎﺗﻬم ،وﻋﻼﻗﺎﺗﻬم ،وﻧظرﺗﻬم ﻟﻶﺧرﯾن ٕ .واﻧﻬﺎ واﷲ
ﻧﻣوذج ﻣن أﺧﻼق اﻟﯾﻬود اﻟذﯾن ﻗﺎﻟوا " ﻧﺣن أﺑﻧﺎء اﷲ وأﺣﺑﺎؤﻩ " ،وزﻋﻣوا أﻧﻬم
ﺷﻌب اﷲ اﻟﻣﺧﺗﺎر .ﻓﻬذﻩ دﻋوة إﻟﻰ اﻟﺗﺧﻠق ﺑﺄﺧﻼق اﻹﺳﻼم ،واﻟﺗﺄﺳﻲ ﺑﻣن ﻗﺎل
اﷲ ﻓﻲ ﺣﻘﻪ " ٕواﻧك ﻟﻌﻠﻰ ﺧﻠق ﻋظﯾم" ،وﻧﺑذ أﺧﻼق اﻟﯾﻬود ،ودﻋﺎوى اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ
اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻔﺎﺧر ﺑﺎﻷﺣﺳﺎب ،واﻟطﻌن ﻓﻲ اﻷﻧﺳﺎب .
وﻣن اﻟﻌﺎدات اﻟﺗﻲ أﺑطﻠﻬﺎ اﷲ ﺑﻬذا اﻟزواج ﻋﺎدة ﺗﺟرﯾم وﺗﺣرﯾم اﻟزواج ﺑزوﺟﺔ
اﻟﻣﺗﺑ ّﻧﻰ .وﻛﺎن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗد ﺗﺑ ﱠﻧﻰ زﯾداً ﻗﺑل ﻣﺑﻌﺛﻪ .وﻛﺎن ﯾﺳﻣﻰ ﺑزﯾد
ﺑن ﻣﺣﻣد ،وﻟذا ﻟم ﯾﻛن ﻟرﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم -ﺣﺳب أﻋراف اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ -أن
ﯾﺗزوج ﺑزﯾﻧب ﺑﻧت ﺟﺣش زوﺟﺔ اﺑﻧﻪ ﺑﺎﻟﺗﺑﻧﻲ زﯾد ﻓﺄﻟﻐﻲ اﷲ ﻫذﻩ اﻟﻌﺎدة ﺑﻬذا اﻟزواج
وﻗﺎل " :ﻟﻛﻲ ﻻ ﯾﻛون ﻋﻠﻰ اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﺣرج ﻓﻲ أزواج أدﻋﯾﺎﺋﻬم إذا ﻗﺿوا ﻣﻧﻬن
وط ارً " .
ج : 118ﺑﻧو اﻟﻣﺻطﻠق ﺑطن ﻣن ﺧزاﻋﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﺳﻛن اﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻣﻣﺗدة ﺑﯾن
ﻣر اﻟظﻬران واﻷﺑواء ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾن ﻣﻛﺔ واﻟﻣدﯾﻧﺔ .وﻛﺎن ﺑﻧو اﻟﻣﺻطﻠق ﯾﺳﻛﻧون ﻗدﯾداً
وﻋﺳﻔﺎن وﺳط دﯾﺎر ﺧزاﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎء ﻟﻬم ﯾﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﻣرﯾﺳﯾﻊ .وﺑﻌد أﺣد اﻟﺗﻲ رأى
167
اﻷﻋراب ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﻧﺻ ارً ﻟﻘرﯾش وﻫزﯾﻣﺔ ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ﺗﺟرأت ﺑﻌض اﻷﻋراب ﻋﻠﻰ
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻣﻧﻬم ﺑﻧو اﻟﻣﺻطﻠق وزﻋﯾﻣﻬم اﻟﺣﺎرث ﺑن أﺑﻲ ﺿرار اﻟذي أﺧذ ﯾﺣﺷد
ﻗوﻣﻪ وﯾﻌدﻫم ﻟﻺﻏﺎرة ﻋﻠﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .وﻋﻠم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑذﻟك ،ﻓﺄرﺳل ﺑرﯾدة ﺑن
اﻟﺣﺻﯾب ﻟﻠﺗﺄﻛد ﻣن ﻧﯾﺗﻬم ،ﻓﺗﺄﻛد ﺑرﯾدة ﻣن ﻋزﻣﻬم ﻋﻠﻰ اﻹﻏﺎرة ﻋﻠﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،
ﻓﻌﺎد وأﺧﺑر اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻟذي اﺳﺗﻧﻔر أﺻﺣﺎﺑﻪ وﺧرج ﻓﻲ ﻧﺣو ﺳﺑﻌﻣﺎﺋﺔ
ﻣﻘﺎﺗل ،وﺗوﺟﻪ إﻟﻰ دﯾﺎر ﺑﻧﻲ اﻟﻣﺻطﻠق ﻟﯾﺻﯾﺑﻬم ﻗﺑل أن ﯾﺗﺣرﻛوا ) اﻟﺷﻛل .(23
ووﺻل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم دﯾﺎرﻫم ،وأﻏﺎر ﻋﻠﯾﻬم وﻫم ﻋﻠﻰ ﻣﺎء ﻟﻬم ﯾﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﻣرﯾﺳﯾﻊ ،
ﻓﻘﺗل ﻣن ﻗﺗل وﺳﺑﻰ اﻟﻧﺳﺎء واﻟذراري ،وأﺳﺗﺎق ﻣواﺷﯾﻬم .وﻛﺎن ﻣن ﺟﻣﻠﺔ اﻟﺳﺑﻲ
ﺟوﯾرﯾﺔ ﺑﻧت اﻟﺣﺎرث ﺑن أﺑﻲ ﺿرار واﻟﺗﻲ وﻗﻌت ﻓﻲ ﺳﻬم ﺛﺎﺑت ﺑن ﻗﯾس ،ﻓﻛﺎﺗﺑﻬﺎ
168
ﻓﺎﺳﺗﻌﺎﻧت ﺑرﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﺄدى ﻋﻧﻬﺎ وﺗزوﺟﻬﺎ .ﺛم ﻋﺎد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻟﻰ
اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
س : 119ﻣﺎ دور اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ؟ وﻣﺎ ﻗﺻﺔ اﻹﻓك ؟ وﻛﯾف ﻧرد
ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﻘل ﺑﻪ اﻟﯾوم ؟ .
– 1ﻗول اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن " :ﻟﯾﺧرﺟن اﻷﻋز ﻣﻧﻬﺎ اﻷذل " .وﻗﺎﺋل ﻫذﻩ اﻟﻛﻠﻣﺔ ﻫو ﻋﺑداﷲ
ﺑن أﺑﻲ ﺳﻠول .وﺳﺑﺑﻬﺎ أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أﻗﺎم ﻋﻠﻰ ﻣﺎء اﻟﻣرﯾﺳﯾﻊ أﯾﺎﻣﺎ .
ﻓورد اﻟﻣﺎء رﺟﻼن ﻣﻬﺎﺟر وأﻧﺻﺎري ،واﺧﺗﺻﻣﺎ،ﻓﺻرخ اﻷﻧﺻﺎري ﻗﺎﺋﻼ :ﯾﺎ ﻣﻌﺷر
اﻷﻧﺻﺎر .وﺻرخ اﻟﻣﻬﺎﺟر ﻗﺎﺋﻼ :ﯾﺎ ﻣﻌﺷر اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن .ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم :
" أﺑدﻋوى اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ وأﻧﺎ ﺑﯾن أظﻬرﻛم ! دﻋوﻫﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﻧﺗﻧﺔ " .وﺑﻠﻎ ذﻟك ﻋﺑداﷲ ﺑن أﺑﻲ
ﺳﻠول وﻫو ﺑﯾن ﻗوﻣﻪ ﻓﻘﺎل ":أوﻗد ﻓﻌﻠوﻫﺎ ؟ ﻗد ﻧﺎﻓروﻧﺎ وﻛﺎﺛروﻧﺎ ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ .واﷲ ﻣﺎ
ﺳﻣن ﻛﻠﺑك ﯾﺄﻛﻠك .أﻣﺎ واﷲ ﻟﺋن رﺟﻌﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ
ﻧﺣن وﻫم إﻻ ﻛﻣﺎ ﻗﺎل اﻷول ّ :
ﻟﯾﺧرﺟن اﻷﻋز ﻣﻧﻪ اﻷذل .ﺛم ﺟﻌل ﯾﺣرض ﻗوﻣﻪ ﺿد اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻊ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
169
واﺳﻣﻪ اﻟﺣﺑﺎب ﻓﺳﻣﺎﻩ اﻟرﺳول ﻋﺑداﷲ .ﺟﺎء ﻫذا اﻟرﺟل ﯾﺳﺗﺄذن اﻟرﺳول ﻓﻲ
ﻗﺗل أﺑﯾﻪ ﺟزاء ﻣﺎ ﻗﺎل وﻓﻌل وﻫو اﻟﻣﻌروف ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺑﺑرﻩ ﺑﺄﺑﯾﻪ ،ﻓﺄﺑﻰ اﻟرﺳول
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ودﻋﺎ ﻟﻪ ﺑﺧﯾر .وﻟﻣﺎ اﻗﺗرﺑوا ﻣن اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺗﻘدم ﻋﺑداﷲ ﺑن ﻋﺑداﷲ
ﺑن أﺑﻲ ووﻗف ﻋﻠﻰ طرﯾق اﻟﻧﺎس ،ﻓﻠﻣﺎ ﺟﺎء أﺑوﻩ ﻟﯾدﺧل اﻟﻣدﯾﻧﺔ اﺳﺗل اﻹﺑن
ﺳﯾﻔﻪ وﻗﺎل :واﷲ ﻻ ﺗدﺧﻠﻬﺎ ﺣﺗﻰ ﯾﺄذن ﻟك رﺳول اﷲ ﻓﺈﻧﻪ واﷲ ﻫو اﻟﻌزﯾز وأﻧت
اﻟذﻟﯾل .ﻓﻠﻣﺎ ﺟﺎء اﻟﻧﺑﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أذن ﻟﻪ ،ﻓﺧﻠﻰ اﻹﺑن ﺳﺑﯾﻠﻪ .اﷲ أﻛﺑر
....اﷲ أﻛﺑر ﻣﺎ أﻋظم أﺻﺣﺎب ﻣﺣﻣد ! وﻣﺎ أﻋظم إﯾﻣﺎﻧﻬم ! ،وﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻰ
ﻣن رﺑﺎﻫم ،وﺻدق اﷲ اﻟﻘﺎﺋل " ﻻ ﺗﺟد ﻗوﻣﺎً ﯾؤﻣﻧون ﺑﺎﷲ واﻟﯾوم اﻵﺧر ﯾوادون
ﻣن ﺣﺎد اﷲ ورﺳوﻟﻪ وﻟو ﻛﺎﻧوا آﺑﺎءﻫم –" اﻵﯾﺔ" وﻧزل ﺑﺳﺑب ﻫذﻩ اﻟﻔﺗﻧﺔ آﯾﺎت
ﻓﻲ ﺳورة اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن.
-1ﻗﺻﺔ اﻹﻓك :وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﻛﺎﻧت ﺣﺎدﺛﺔ اﻹﻓك اﻟﺗﻲ ﺗوﻟﻰ ﻛﺑرﻫﺎ اﻟﻣﻧﺎﻓق
ﻋﺑداﷲ ﺑن أﺑﻲ وﻣن ﻣﻌﻪ ﻣن اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن .وﻣﻠﺧﺻﻬﺎ أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
أﺧرج ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻐزوة زوﺟﺗﻪ ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ .ﻓﻠﻣﺎ رﺟﻌوا ﻣن
اﻟﻐزوة ﻧزﻟوا ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﻣﻧﺎزل ،وﺧرﺟت ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﻟﺣﺎﺟﺗﻬﺎ ،
وﻋﺎدت ﻓﺎﻟﺗﻣﺳت ﻋﻘداً ﻛﺎن ﻣﻌﻬﺎ ﻓﻠم ﺗﺟدﻩ ،ﻓرﺟﻌت إﻟﻰ ﻣوﺿﻊ اﻟﺧﻼء ﺗﺑﺣث
ﻋﻧﻪ ،وارﺗﺣل اﻟﻧﺎس ﻗﺑل أن ﺗﻌود .وﻟﻣﺎ ﻋﺎدت ﻟم ﺗﺟد أﺣداً ﻓﺑﻘﯾت ﻓﻲ ﻣﻛﺎﻧﻬﺎ
،وظﻧت أﻧﻬم ﺳﯾﻔﻘدوﻧﻬﺎ ﻓﯾرﺟﻌون ﻓﻲ طﻠﺑﻬﺎ .وﻏﻠﺑﺗﻬﺎ ﻋﯾﻧﺎﻫﺎ ﻓﻧﺎﻣت وﻟم
ﺗﺳﺗﯾﻘظ إﻻ ﻋﻠﻰ ﺻوت ﺻﻔوان ﺑن اﻟﻣﻌطل اﻟﺳﻠﻣﻲ وﻫو ﯾﻘول :إﻧﺎ ﷲ ٕواﻧﺎ إﻟﯾﻪ
راﺟﻌون .زوﺟﺔ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .وﻛﺎن ﻗد رآﻫﺎ ﻗﺑل اﻟﺣﺟﺎب .
وﺗﺄﺧر وﻟم ﯾرﺗﺣل ﻣﻊ اﻟﻧﺎس ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻛﺛﯾر اﻟﻧوم .ﻓﻘرب راﺣﻠﺗﻪ ،وأﻧﺎﺧﻬﺎ
وﺣﻣل ﻋﺎﺋﺷﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﯾرﻩ وﺳﺎر ﺑﻬﺎ ﻟﯾﻠﺣق ﺑﺎﻟﻧﺎس وﻣﺎ ﻛﻠﻣﻬﺎ ﻛﻠﻣﺔ واﺣدة .
170
وﻟﺣق ﺑﺎﻟﺟﯾش وﻗد ﻧزل ﻓﻲ اﻟظﻬﯾرة ،ورآﻫﻣﺎ اﻟﻧﺎس ﻗﺎدﻣﯾن ،ﻓﺗﻛﻠم اﻟﻣﻧﺎﻓق
اﺑن أﺑﻲ ،وﺗﻛﻠم اﻟﻣﻧﺎﻓﻘون ﺑﺎﻹﻓك وﻋﻣﻠوا ﻋﻠﻰ ﻧﺷر اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ اﻟﺧﺑﯾﺛﺔ واﻟﺗﻬﻣﺔ
اﻟﺑﺎطﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﺎس وﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌد ﻗدوﻣﻬم اﻟﻣدﯾﻧﺔ .وﻋﺎﺋﺷﺔ ﻻ ﺗدري ﻟﻣرﺿﻬﺎ ،
ورﺳول اﷲ ﺳﺎﻛت ﯾﺗﺄﻟم ،وأﺑوﺑﻛر ﻛذﻟك وﻛﺑﺎر اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ .وﺧﺎض ﻓﻲ اﻹﻓك
ﻣﺳطﺢ ﺑن أﺛﺎﺛﺔ ،وﺣﻣﻧﺔ ﺑﻧت ﺟﺣش ،وﺣﺳﺎن ﺑن ﺛﺎﺑت وآﺧرون .وطﺎﻟت أﯾﺎم
اﻟﻣﺣﻧﺔ ﺣﺗﻰ ﻗﺎرﺑت ﺷﻬ ارً واﻟﺑﯾت اﻟﻧﺑوي ﯾﺗﺄﻟم أﺷد اﻷﻟم وﺑﯾوت اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﻛذﻟك
ﺑﺳﺑب ﻫذﻩ اﻟﻔﺗﻧﺔ اﻟﺗﻲ أﺛﺎرﻫﺎ اﻟﻣﻧﺎﻓﻘون .وﺑﻌد ﺷﻬر ﺗﻧزل اﻵﯾﺎت اﻟﻌﺷر ﻓﻲ
ﺳورة اﻟﻧور " إن اﻟذﯾن ﺟﺎؤوا ﺑﺎﻹﻓك ﻋﺻﺑﺔ ﻣﻧﻛم " اﻵﯾﺎت ، ...وﻫﻛذا ﻧزﻟت
ﺑراءة ﻋﺎﺋﺷﺔ ﻣن اﷲ .واﺳﺗﻘر اﻟﺑﯾت اﻟﻧﺑوي ،وﺟﻠد ﻣن أﻫل اﻹﻓك ﻣﺳطﺢ ﺑن
أﺛﺎﺛﺔ ،وﺣﺳﺎن ﺑن ﺛﺎﺑت ،وﺣﻣﻧﺔ ﺑﻧت ﺟﺣش .أﻣﺎ اﻟﻣﻧﺎﻓق ﻋﺑد اﷲ ﺑن أﺑﻲ
ﻓﻠم ﯾﺟﻠد ﻷن اﷲ وﻋدﻩ ﺑﻌذاب اﻵﺧرة وﻫو ﻣﻧﺎﻓق ﻧﺟس ﻻ ﺗطﻬرﻩ اﻟﺣدود.
171
وﻟﻠرد ﻋﻠﻰ ﻫؤﻻء ﻧﻘول :
– 1أن ﻋﺎﺋﺷﺔ اﻟطﺎﻫرة ﺑﻧت اﻟﺻدﯾق رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ ﻫﻲ زوج رﺳول اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ واﻵﺧرة ،واﷲ ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻫو اﻟذي
إﺧﺗﺎرﻫﺎ ﻟﻪ ،ﻓﻘد ﺛﺑت ﻓﻲ اﻟﺑﺧﺎري ﻣن ﺣدﯾث ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ أن
اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗﺎل ﻟﻬﺎ ) :أُرﯾﺗك ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎم ﻣرﺗﯾن .أرى أﻧك
ﻓﻲ ﺳرﻗﺔ ﻣن ﺣرﯾر وﯾﻘﺎل :ﻫذﻩ اﻣرأﺗك ،ﻓﺎﻛﺷف ﻋﻧﻬﺎ ﻓﺈذا ﻫﻲ أﻧت ﻓﺄﻗول
إن ﯾك ﻫذا ﻣن ﻋﻧد اﷲ ﯾﻣض ( ،ﻓﻬل ﺳﯾﺧﺗﺎر اﷲ ﻟرﺳوﻟﻪ وﺧﻠﯾﻠﺔ وﯾزوﺟﻪ
اﻣرأة ﯾﻌﻠم أﻧﻬﺎ ﺳﺗﻛون ﺑﻐﯾﺎ ! ﻛﺑرت ﻛﻠﻣﺔ ﺗﺧرج ﻣن أﻓﺎﻫﻬم إن ﯾﻘوﻟون إﻻ
ﻛذﺑﺎ .ﺛم ﻫﻲ ﺑﻧت ﻣن ! إﻧﻬﺎ ﺑﻧت اﻟﺻدﯾق أﺑوﺑﻛر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ أﻛرم
اﻟﻌرب ﺑﯾﺗﺎ وأطﻬرﻩ ﺑﻌد رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ واﻹﺳﻼم
وﻟذا ﻗﺎل رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ :واﷲ ﻣﺎ رﻣﯾﻧﺎ ﺑﻬذا ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ ﻓﻛﯾف وﻗد أﺳﻠﻣﻧﺎ
! .أﻓﻣﺎ وﺟد ﻫؤﻻء اﻷﺧﺎﺑث اﻟذﯾن ﯾﻘوﻟون ﺑﻬذﻩ اﻟﻔرﯾﺔ إﻻ أطﻬر ،وأزﻛﻰ ،
واﺷرف ﺑﯾﺗﯾن ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ...ﺑﯾت اﻟﻧﺑوة ،وﺑﯾت اﻟﺻدﯾق .
– 2أن اﷲ اﻟﻌﻠﯾم اﻟﺧﺑﯾر اﻟذي ﻻ ﯾﺧﻔﻰ ﻋﻠﯾﻪ ﺷﺊ ﻓﻲ اﻷرض وﻻ ﻓﻲ
ﺑرأﻫﺎ ﺑﺂﯾﺎت ﻗرآﻧﯾﺔ ﺗﺗﻠﻰ ﻟﺗﻌﻠن ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺣﺎرﯾب وﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎﺑر ﻣن
اﻟﺳﻣﺎء ﻗد ّ
ﻋﻬد اﻟﻧﺑوة إﻟﻰ ﻓﯾﺎم اﻟﺳﺎﻋﺔ أن ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺑرﯾﺋﺔ ﻣن ﻫذا اﻟﺟرم
ﺑرأﻫﺎ وﻟﯾس ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
،وأن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻫو اﻟذي ّ
– 3أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﻘول " اﻟﺧﺑﯾﺛﺎت ﻟﻠﺧﺑﯾﺛﯾن و اﻟﺧﺑﯾﺛون ﻟﻠﺧﺑﯾﺛﺎت
واﻟطﯾﺑﺎت ﻟﻠطﯾﺑﯾن و اﻟطﺑون ﻟﻠطﯾﺑﺎت " ،وﻧرﯾد أن ﻧﺳﺄل ﻫؤﻻء اﻟذﯾن
ﯾﻘوﻟون ﺑﻬذا اﻹﻓك :ﻫل ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﯾﻪ وﺳﻠم طﯾب أم ﻻ ؟ ،ﻓﺈن
172
طﯾب ..ﻗﻠﻧﺎ :إذا ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ اﷲ
ﻗﺎﻟوا :ﻻ ..ﻓﻘد ﻛﻔروا ٕ ،وان ﻗﺎﻟوا ّ :
ﻋﻧﻬﺎ طﯾﺑﺔ ٕواﻻ ﻓﺄﻧﺗم ﺗﻛ ّذﺑون اﷲ إن أﺻررﺗم ﻋﻠﻰ ﻗوﻟﻛم ﻫذا اﻹﻓك .
– 4ﯾﻘول ﺗﻌﺎﻟﻰ " اﻟزاﻧﻲ ﻻ ﯾﻧﻛﺢ إﻻ زاﻧﯾﺔ أو ﻣﺷرﻛﺔ و اﻟزاﻧﯾﺔ ﻻ ﯾﻧﻛﺣﻬﺎ إﻻ
زٍ
ان أو ﻣﺷرك و ُﺣرم ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻣؤﻣﻧﯾن " .ﻫذا ﺣﻛم اﷲ .ﻓﺄﯾن ﻧﺿﻊ
ﻣﺣﻣداً ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن ﻫذﻩ اﻷﺻﻧﺎف ؟ أﻟﯾس ﻫو أول اﻟﻣؤﻣﻧﯾن
ٕواﻣﺎﻣﻬم ،وﺳﯾد اﻟﻣﺗﻘﯾن ،ورﺳول رب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾن ! ﻓﻛﯾف ﯾﻘﺎل ﻫذا ﻓﻲ
زوﺟﻪ ،وﻋرﺿﻪ ،وﺷرﻓﻪ ،وطﻬﺎرة ﻓراﺷﻪ ،وﻋﻔﺔ ﺑﯾﺗﻪ ! أﻻ ﻟﻌﻧﺔ اﷲ ﻋﻠﯨﻰ
اﻟظﺎﻟﻣﯾن .
أذﯾﺔ ﷲ وﻟرﺳوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻓﻠﻘد ﻛﻠّف
– 5أن ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻘول ّ
ﺣﺎدث اﻹﻓك أطﻬر ﻧﻔس ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻧﻔس ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم وﻛذا ﻧﻔس أﺑﻲ ﺑﻛر و زوﺟﻪ أم روﻣﺎن واﺑﻧﺗﻬﻣﺎ ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻬم آﻻﻣﺎً ﻻ ﺗطﺎق ﻻ ﻟﯾوم أو ﯾوﻣﯾن ﺑل ﻟﺷﻬر ﻛﺎﻣل .وﻗد ﺗوﻋد اﷲ اﻟذﯾن
ﯾؤذوﻧﻪ و رﺳوﻟﻪ ﺑﺎﻟﻠﻌﻧﺔ ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ واﻵﺧرة ،وﺑﺎﻟﻌذاب اﻟﻣﻬﯾن .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ "
أﻋد ﻟﻬم ﻋذاﺑﺎ
إن اﻟذﯾن ﯾؤذون اﷲ و رﺳوﻟﻪ ﻟﻌﻧﻬم اﷲ ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ واﻵﺧرة و ّ
ﻣﻬﯾﻧﺎ "
– 6أن ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻘول أﯾﺿﺎ أذﯾﺔ ﻟﻠﻣؤﻣﻧﯾن ﺣﯾن ﯾﻘﺎل ﻓﻲ أﻣﻬم ﻋﺎﺋﺷﺔ
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﻫذا اﻹﻓك وﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺗﻬم اﻟﺻﺣﺎﺑﻲ اﻟﺟﻠﯾل اﻟﻣﺗﻬم ﺻﻔوان
اﺑن ﻣﻌطﱟل اﻟﺳﻠﻣﻲ واﻟذي ﺷﻬد ﻟﻪ اﻟرﺳول ﺑﺎﻟﺧﯾرﯾﺔ ،ﻓﻛﯾف ﯾرﻣﻰ ﺑﺧﯾﺎﻧﺔ
ﻧﺑﯾﻪ ﻓﻲ أﺣب ﻧﺳﺎﺋﻪ إﻟﯾﻪ ،وﯾرﻣﻰ ﻓﻲ أﻣﺎﻧﺗﻪ ،وﻓﻲ ﺷرﻓﻪ وﻫو اﻟﻘﺎﺋل :
ّ
ﺳﺑﺣﺎن اﷲ ! واﷲ ﻣﺎ ﻛﺷﻔت ِ
ﻛﻧف أﻧﺛﻰ ﻗط.
173
– 7ﻧﻘول ﻟﻬؤﻻء أﯾﺿﺎ :إن ﻛﻧﺗم – ﻛﻣﺎ ﺗزﻋﻣون – ﻣؤﻣﻧﯾن ﻓﻛﯾف ﺗﺗﻬﻣون
أﻣﻛم ﻋﺎﺋﺷﺔ ﺑﻬذا اﻟﻘول ! ﻓﻌﺎﺋﺷﺔ ﺑﻧص اﻟﻘرآن ﻫﻲ أم اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻷﻧﻬﺎ
ﻧﺑﯾﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة و اﻟﺳﻼم .وﻫل ﯾﻘﺑل ﻋﺎﻗل ﺷرﯾف أن ﯾﻘﺎل ﻓﻲ
زوﺟﺔ ّ
ﺑﺣق أﻣﻪ !
أﻣﻪ أﻧﻬﺎ زاﻧﯾﺔ ؟ ﻓﻛﯾف ﯾﻘول ﻫو ﺑﻧﻔﺳﻪ ﻫذا اﻟﻘول ّ
– 8وﻧﺗﯾﺟ ًﺔ ﻟﻣﺎ ﺳﺑق ...ﻓﺈن ﻣن ﻗﺎل ﺑﻬذا اﻹﻓك وﻫذا اﻟﻘول اﻟﺷﻧﯾﻊ ﻓﻬو
ﻣرﺗد ﻋن اﻹﺳﻼم ،ﻛﺎﻓر ﻣﻛذب ﷲ ،ﻣؤٍذ ﷲ وﻟرﺳوﻟﻪ وﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ،ﻻ ﺗؤﻛل
ذﺑﯾﺣﺗﻪ ،وﻻ ﺗﻧﻛﺢ اﺑﻧﺗﻪ ،وﻻ ﯾزوج ،وﻻ ﯾدﺧل ﻣﻛﺔ اﻟﻣﻛرﻣﺔ وﻻ اﻟﻣدﯾﻧﺔ
ﯾﻐﺳل إذا ﻣﺎت ،وﻻ ﯾﺻﻠﻰ ﻋﻠﯾﻪ ،وﻻ ﯾدﻓن ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑر
اﻟﻣﻧورة ،وﻻ ّ
وﯾﻌﻣل ﺑﻪ ؟.
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .ﻓﻬل ُﯾﻔﻬم ﻫذا ُ
أﻣﺎ ﺳﺑﺑﻬﺎ ﻓﻬو ﺣﻘد اﻟﯾﻬود ﻋﻠﻰ ﻣﺣﻣد واﻹﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﺣرﺻﻬم ﻋﻠﻰ
اﻹطﺎﺣﺔ ﺑدوﻟﺔ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وﻟذا ﺳﻌﻰ زﻋﻣﺎء اﻟﯾﻬود ﻓﻲ ﺧﯾﺑر وﻣﻧﻬم ﺣﯾﻲ
ﺑن أﺧطب ،وﺳﻼم ﺑن أﺑﻲ اﻟﺣﻘﯾق ،وﻛﻧﺎﻧﺔ ﺑن اﻟرﺑﯾﻊ وﻏﯾرﻫم إﻟﻰ ﺗﺄﻟﯾب ﻗﺑﺎﺋل
اﻟﻌرب وﺣﺷدﻫﺎ ﻟﻣﻬﺎﺟﻣﺔ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻟﻠﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .وذﻫب اﻟوﻓد
اﻟﯾﻬودي إﻟﻰ ﻗرﯾش أوﻻً ﻟﻌداوﺗﻬﺎ ﻟﻣﺣﻣد ،وﻟﻣﻛﺎﻧﺗﻬﺎ ﺑﯾن ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب .وﻣواﻓﻘﺔ
174
ﻗرﯾش ﻋﻠﻰ اﻻ ﻧﺿﻣﺎم إﻟﻰ ﻫذا اﻟﺗﺟﻣﻊ ﺳﯾﺷﺟﻊ اﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻷﺧرى ﻋﻠﻰ ذﻟك.
واﻟﺗﻘﻰ اﻟوﻓد اﻟﯾﻬودي ﺑﺳﺎدة ﻗرﯾش اﻟذﯾن ﺳﺄﻟوا اﻟﯾﻬود ﻗﺎﺋﻠﯾن :أدﯾﻧﻧﺎ ﺧﯾر أم دﯾن
ﻣﺣﻣد؟ ﻓﻘﺎل اﻟﯾﻬود اﻟﺧﺑﺛﺎء :ﺑل دﯾﻧﻛم ﺧﯾر ﻣن دﯾﻧﻪ .وأﻧﺗم أوﻟﻰ ﺑﺎﻟﺣق ﻣﻧﻪ .ﺛم
ﻋرﺿوا ﻋﻠﯾﻬم ﺧطﺗﻬم اﻟﺗﻲ ﻻﻗت ﻗﺑوﻻً ﺳرﯾﻌﺎً ﻣن ﺳﺎدة ﻗرﯾش اﻟذﯾن أروا ﻓﯾﻬﺎ
ﻓرﺻﺔ ﻟﻼ ﻧﺗﻘﺎم ﻣن ﻣﺣﻣد واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن واﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﯾﻬم ،ووﻋدوا اﻟوﻓد اﻟﯾﻬودي
ﺑﺄرﺑﻌﺔ آﻻف رﺟل.
ﺛم طﺎف اﻟوﻓد اﻟﯾﻬودي ﻋﻠﻰ ﻗﺑﺎﺋل ﻧﺟد ﻛﻐطﻔﺎن ،وأﺷﺟﻊ ،وﻣرة ،وﺑﻧو ﻓزارة وﻏﯾرﻫم
وﺷﺟﻌوﻫم ﻋﻠﻰ اﻻ ﻧﺿﻣﺎم إﻟﻰ ﻫذا اﻟﺣﻠف ،ووﻋدوﻫم ﺑﻧﺻف ﺛﻣﺎر ﺧﯾﺑر ﻟﻌﺎم
ﻛﺎﻣل .ﻓواﻓق ﻫؤﻻء اﻷﻋراب ﻟﻠﻣﺻﻠﺣﺔ .ووﻋدوا اﻟﯾﻬود ﺑﺳﺗﺔ آﻻف رﺟل.
وﻫﻛذا ﻧﺟﺢ اﻟﯾﻬود ﻓﻲ ﺣﺷد ﻋﺷرة آﻻف ﻣﻘﺎﺗل ﺿد اﻹﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ
ﻣوﻋدا ﻟﻠﺗﺟﻣﻊ واﻟﻬﺟوم ﻋﻠﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
ً اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وﺣددوا ﺷﻬر ﺷوال
وﻣن اﻟﻐرﯾب أن ﯾﻬود ﺧﯾﺑر اﻟﺑﺎﻟﻎ ﻋددﻫم ﻧﺣو ﻋﺷرة آﻻف رﺟل ﻟم ﯾﻘوﻣوا ﻫم ﺑﻬذﻩ
اﻟﻣﻬﻣﺔ ﻟﺟﺑﻧﻬم ﺑل ﻟم ﯾﺷﺎرك ﻣﻧﻬم ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻬﺟوم إﻻ ﻋدد ﻣن زﻋﻣﺎﺋﻬم ﻓﻘط ،
ﺧوﻓﺎً ﻣن ﻣﺣﻣد واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،ﻓﺟﻌﻠوﻫﺎ ﻓﻲ اﻷﻋراب اﻟﺳذج ﻣﻘﺎﺑل ﺣﻔﻧﺎت ﻣن ﺗﻣر.
175
ج : 121ﻧﻌم ﻟﻘد ﻋﻠم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻛل ﻫذا ﻋن طرﯾق ﻋﻣﻪ اﻟﻌﺑﺎس ﺑن ﻋﺑد
اﻟﻣطﻠب .اﻟذي ﻛﺎن ﻗد أﺳﻠم ﻫو وأﻫل ﺑﯾﺗﻪ ﺑﻌد ﺑدر ،وﻛﺗم إﺳﻼﻣﻪ ،وﺑﻘﻲ ﺑﻣﻛﺔ
ﻋﯾﻧﺎً ﻟرﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﻧﻘل أﺧﺑﺎر ﻗرﯾش.
س : 122ﻣﺎذا ﻓﻌل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺣﯾن ﻋﻠم ﺑﺧطﺔ اﻟﯾﻬود وﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب؟
ج : 122ﻛﻌﺎدﺗﻪ ﺟﻣﻊ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أﺻﺣﺎﺑﻪ ،وأﺧﺑرﻫم ﺑﺎﻷﻣر واﺳﺗﺷﺎرﻫم ﻛﯾف
ﯾﺻﻧﻊ ﻟﻣواﺟﻬﺔ ﻫذﻩ اﻟﺣﺷود اﻟزاﺣﻔﺔ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .وأﺷﺎر ﻛل ﺑرأﯾﻪ إﻻ أﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم اﺳﺗﺣﺳن رأي ﺳﻠﻣﺎن اﻟﻔﺎرﺳﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ اﻟذي ﻗﺎل :ﯾﺎ رﺳول اﷲ ﻛﻧﺎ
ﺑﺄرض ﻓﺎرس إذا ﻫﺎﺟﻣﻧﺎ ﻋدوﻧﺎ ﺧﻧدﻗﻧﺎ ﺣوﻟﻧﺎ .ﻓﻌزم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ ﺣﻔر
اﻟﺧﻧدق.
176
وظﻬرت ﺑﻌض آﯾﺎت اﻟﻧﺑوة أﺛﻧﺎء اﻟﺣﻔر .وﻣﻧﻬﺎ ﺗﻠك اﻟﺻﺧرة اﻟﺻﻠﺑﺔ اﻟﺗﻲ اﻋﺗرﺿت
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن أﺛﻧﺎء اﻟﺣﻔر ،وﻟم ﺗﻌﻣل ﻓﯾﻬﺎ ﻣﻌﺎوﻟﻬم ،وأﺧﺑروا اﻟرﺳول ﺑﺷﺄﻧﻬﺎ ،ﻓﻧزل ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ،وﺑطﻧﻪ ﻣﻌﺻوب ﺑﺣﺟر ﻣن ﺷدة اﻟﺟوع ،وأﺧذ اﻟﻣﻌول ﻣن ﺳﻠﻣﺎن وﻗﺎل :ﺑﺳم
اﷲ .وﺿرﺑﻬﺎ ﻓﻧﺛر ﺛﻠﺛﻬﺎ ،وﺧرج ﻣﻧﻬﺎ ﻧور أﺿﺎء ﻣﺎﺑﯾن ﻻ ﺑﺗﯾﻬﺎ .ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
:اﷲ أﻛﺑر ،أﻋطﯾت ﻣﻔﺎﺗﯾﺢ اﻟﺷﺎم ،واﷲ إﻧﻲ ﻷﺑﺻر ﻗﺻورﻫﺎ اﻟﺣﻣر اﻟﺳﺎﻋﺔ ﻣن
ﻣﻛﺎﻧﻲ .ﺛم ﺿرب اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﻘطﻊ ﺛﻠﺛﺎً آﺧر ،ﻓﺑرﻗت ﺑرﻗﺔ ﻣن ﺟﻬﺔ ﻓﺎرس أﺿﺎءت ﻣﺎﺑﯾن
ﻻﺑﺗﯾﻬﺎ ﻓﻘﺎل :اﷲ أﻛﺑر أﻋطﯾت ﻣﻔﺎﺗﯾﺢ ﻓﺎرس ،واﷲ إﻧﻲ ﻷﺑﺻر ﻗﺻر اﻟﻣداﺋن اﻷﺑﯾض
اﻵن ﻓﺄﺑﺷروا ﺑﺎﻟﻧﺻر ،ﻓﺳر اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺑذﻟك .ﺛم ﺿرب اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ وﻗﺎل :ﺑﺳم اﷲ ،
وﻗطﻊ ﺑﻘﯾﺔ اﻟﺣﺟر ،وﺧرج ﻧور ﻣن ﻗﺑل اﻟﯾﻣن ﻓﺄﺿﺎء ﻣﺎ ﺑﯾن ﻻﺑﺗﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺣﺗﻰ ﻛﺄﻧﻪ
177
ﻣﺻﺑﺎح ﻓﻲ ﺟوف ﻟﯾل ﻣظﻠم ،ﻓﻘﺎل :اﷲ أﻛﺑر ،أﻋطﯾت ﻣﻔﺎﺗﯾﺢ اﻟﯾﻣن ،واﷲ إﻧﻲ
ﻷﺑﺻر أﺑواب ﺻﻧﻌﺎء ﻣن ﻣﻛﺎﻧﻲ اﻟﺳﺎﻋﺔ" أﺧرﺟﻪ اﻟﺑﺧﺎري
وﻣﻧﻬﺎ ﻋﻧﺎق ﺟﺎﺑر ﺑن ﻋﺑداﷲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ اﻟذي رأى ﻓﻲ وﺟﻪ رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم اﻟﺟوع وﻫم ﯾﺣﻔرون اﻟﺧﻧدق ،ﻓﺄﺳﺗﺄذن رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ وﻋﺎد إﻟﻰ ﺑﯾﺗﻪ ﻓذﺑﺢ
اﻟﻌﻧﺎق ووﺿﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺑرﻣﺔ وأﻣر زوﺟﺗﻪ ﻓﺧﺑزت ﺷﻌﯾ ارً ،ﺛم دﻋﺎ اﻟرﺳول ﻗﺎﺋﻼً:
أﻧت ﯾﺎ رﺳول اﷲ وﻣﻌك رﺟﻼن أو ﺛﻼﺛﺔ ،ﻓﺳﺄﻟﻪ ﻋن اﻟطﻌﺎم ﻓﺄﺧﺑرة ﺟﺎﺑر ،ﻓﻘﺎل
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :ﻛﺛﯾر طﯾب .ﻗل ﻟﻬﺎ ﻻ ﺗﻧزع اﻟﺑرﻣﺔ وﻻ اﻟﺧﺑز ﻣن اﻟﺗﻧور ﺣﺗﻰ آﺗﻲ ،
ﺛم أﻣر ﻣﻧﺎدﯾﺎً ﻋﻠﻰ أﻫل اﻟﺧﻧدق أن ﻫﻠﻣوا إﻟﻰ اﻟطﻌﺎم .وﻛﺎﻧوا ﻗرﯾﺑﺎً ﻣن أﻟف .
ﻓﺟﺎؤوا ،وﺟﻌل اﻟرﺳول ﯾﻛﺳر اﻟﺧﺑز وﯾﺟﻌل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻠﺣم ﺣﺗﻰ ﺷﺑﻌوا ﺟﻣﯾﻌﻬم وﺑﻘﻲ
ﺑﻘﯾﺔ ﻣن اﻟطﻌﺎم.
178
س : 125أﯾن ﻋﺳﻛر اﻟﻣﺳﻠﻣون ،وﻛم ﻛﺎن ﻋددﻫم ؟
ج : 125ﺧرج اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣون ﺣﺗﻰ ﺟﻌﻠوا ظﻬورﻫم إﻟﻰ ﺟﺑل
ﺳﻠﻊ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬم وﺑﯾن اﻷﺣزاب .وأﻣر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺎﻟذراري واﻟﻧﺳﺎء ﻓﺟﻌﻠوا ﻓﻲ
اﻟﺣﺻون اﻟﻣﻧﯾﻌﺔ ﻓﻲ اﻵطﺎم .وﻛﺎن ﻋدد ﺟﯾش اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻋﻧد ﺑدء اﻟﺣﺻﺎر ﻧﺣو
أﻟف رﺟل وﻫذا ﻫو اﻟﺻواب اﻟذي ﺗطﻣﺋن ﻟﻪ اﻟﻧﻔس وﺗؤﯾدﻩ اﻟﻘراﺋن واﻷدﻟﺔ وﻣﻧﻬﺎ :
-1ﺣدﯾث ﺟﺎﺑر ﺑن ﻋﺑداﷲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ اﻟذي ذﺑﺢ ﻋﻧﺎﻗﺎً ﻟرﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم .وﺣﺿر اﻟطﻌﺎم ﻛل أﻫل اﻟﺧﻧدق ﺑﺄﻣر ﻣن رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻛﺎﻧوا
ﻗرﯾﺑﺎً ﻣن أﻟف .واﻟﺣدﯾث ﻓﻲ اﻟﺑﺧﺎري .واﻟﻣﻌﻠوم أﻧﻪ ﺷﺎرك ﻓﻲ ﺣﻔر اﻟﺧﻧدق
اﻟﺻﺑﯾﺎن اﻟذﯾن ردﻫم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻧد ﺑدء اﻟﺣﺻﺎر ،وﻛذﻟك اﻟﻣﻧﺎﻓﻘون
اﻟذﯾن ﺑدأوا ﺑﺎﻟﻬروب واﻟﺗﺳﻠل ﺑﻌد ﻣﺟﻲء اﻷﺣزاب ﺣﺗﻰ ﻟم ﯾﺑق ﻣﻊ اﻟرﺳول
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯾرة ﻣن اﻟﺣﺻﺎر إﻻ ﺑﺿﻊ ﻣﺋﺎت ﻣن اﻟﻣؤﻣﻧﯾن
اﻟﺻﺎدﻗﯾن .
-2ﻟو ﻛﺎن ﺟﯾش اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﻣﻘﺎﺗل – ﻛﻣﺎ ﯾﻘول ﺑﻌض
اﻟﻣؤرﺧﯾن -ﻟﺧرج ﺑﻬم ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ اﻷﺣزاب ﻋﻧد أﺣد وﻗﺎﺗﻠﻬم ،
وﻟم ﯾﺟﻌل ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن اﻷﺣزاب ﺧﻧدﻗﺎً ﯾﺣﻣﯾﻪ ﻣن ﻫﺟﻣﺎﺗﻬم ،ﻓﻠﯾﺳت ﻫذﻩ أول ﻣرة
ﯾﻠﻘﻰ ﻓﯾﻬﺎ اﻟرﺳول أﻋداءﻩ ﺑﺟﯾش ﯾﺑﻠﻎ ﺛﻠث أو رﺑﻊ ﺟﯾش اﻟﻌدو .ﻓﻘد ﻛﺎن
ﺟﯾش اﻟرﺳول ﯾوم ﺑدر ﻧﺣو ﺛﻠث ﺟﯾش اﻟﻣﺷرﻛﯾن وﻣﻊ ذﻟك ﻗﺎﺗﻠﻬم .وﻛﺎن
ﺟﯾﺷﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾوم أﺣد ﻧﺣو رﺑﻊ ﺟﯾش اﻟﻣﺷرﻛﯾن وﻣﻊ ذﻟك ﺧرج ﻟﻘﺗﺎﻟﻬم
ﻋﻧد أﺣد وﻟم ﯾﺣﻔر ﺧﻧدﻗﺎً ﯾوﻣﻬﺎ .وﻟو ﻛﺎن ﺟﯾﺷﻪ ﯾوم اﻟﺧﻧدق ﺛﻼﺛﺔ آﻻف
ﻟﺧرج ﺑﻬم ﻟﻠﻘﺗﺎل ،وﻟم ﯾﺣﻔر اﻟﺧﻧدق ،وﻟم ﯾﺑﻠﻎ اﻟﺧوف واﻟﻛرب ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﻌد
179
اﺷﺗداد اﻟﺣﺻﺎر ﻛﻣﺎ ورد ﻓﻲ اﻟﻘرآن " ٕواذ زاﻏت اﻷﺑﺻﺎر ،وﺑﻠﻐت اﻟﻘﻠوب
اﻟﺣﻧﺎﺟر ،وﺗظﻧون ﺑﺎﷲ اﻟظﻧوﻧﺎ" .وﻫﻲ أﻣور ﺗﺛﺑت أن ﺟﯾش اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻛﺎن
ﻗﻠﯾﻼً وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯾرة ﻣن اﻟﺣﺻﺎر ﺑﻌد ﺗﺳﻠل وﻫروب اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن
وﺿﻌﺎف اﻹﯾﻣﺎن ،ﻓﺑﻘﻲ اﻟﻣﺳﻠﻣون اﻟﻘﻠﺔ وﺳط أﻋداﺋﻬم ﻣن اﻟﺷﻣﺎل واﻟﺟﻧوب
ﻛﺎﻟﺟزﯾرة وﺳط اﻟﻣﺣﯾط اﻟﻣﺗﻼطم ،وﻫذا اﻟذي ﺟﻌﻠﻬم ﯾﺧﺎﻓون.
ﺛم ﻻ ﺗﻧس أن ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﻣﻘﺎﺗل ﻟم ﯾﻛن ﻓﯾﻬم ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻫو ﻗوام
اﻟﺟﯾش اﻟذي أرﺳﻠﻪ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻟﻰ ﻣؤﺗﻪ ﻟﯾﻘﺎﺗل ﻣﺎﺋﺗﯾن أﻟف ﻣن
اﻟروﻣﺎن ،ﻓﻛﯾف ﯾﺟﺑن ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﯾوم اﻟﺧﻧدق وﻓﯾﻬم ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋن
ﻣﻘﺎﺗﻠﺔ ﻋﺷرة آﻻف ﻣن اﻟﻣﺷرﻛﯾن ؟ ﻫذا أﻣر ﻻ ﯾﻘﺑﻠﻪ ﻋﻘل ،وﻻ ﺗؤﯾدﻩ اﻷﻋراف
اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ.
-3ﺧرج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻟﻰ ﻗرﯾش ﻋﻧد أﺣد ﻓﻲ ﺳﻧﺔ 3ﻫـ ﻓﻲ أﻟف رﺟل ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻬم
اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن .وﻫذا اﻟﻌدد ﻫو ﺛﻣرة ﺟﻬد دﻋوﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻷﻛﺛر ﻣن ﺧﻣﺳﺔ
ﻋﺷر ﻋﺎﻣﺎً .وﻟم ﯾﻛن ﺑﯾن ﻏزوﺗﻲ أﺣد واﻷﺣزاب إﻻ ﺳﻧﺗﺎن ﻟم ﺗﻛن ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺢ
اﻹﺳﻼم ودوﻟﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟﺗﻲ ﻋﺎﻧت ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة ﻣن ﺟرأة اﻷﻋراب وﻛﺛرة
ﺗﺣﺷدﻫم ﻟﺣرب اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﻟذا ﻟم ﯾدﺧل اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة إﻻ ﻋدد ﻗﻠﯾل
ﺟداً .ﻓﻣن أﯾن ﺟﺎء اﻵﻻف اﻟﺛﻼﺛﺔ اﻟذﯾن ﺷﺎرﻛوا ﻓﻲ ﻏزوة اﻷﺣزاب ﻛﻣﺎ ﺗﻘول
اﻟﻛﺛﯾر ﻣن ﻛﺗب اﻟﺳﯾرة ؟ وﻣﺗﻰ دﺧﻠوا ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ؟ وﻛﯾف ؟ وﻫﻲ أﻣور ﻟم
ﺗذﻛرﻫﺎ ﻛﺗب اﻟﺳﯾرة وﻫﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺣدﺛت ﻋن إﺳﻼم اﻵﺣﺎد .ﺛم أﯾن ﻛﺎن ﻫؤﻻء
اﻵﻻف اﻟﺛﻼﺛﺔ ﺣﯾن ﺧرج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻌد ﻏزوة اﻷﺣزاب ﺑﻧﺣو ﻋﺎم إﻟﻰ ﻣﻛﺔ
ﻷداء اﻟﻌﻣرة ﺑﻌد أن اﺳﺗﻧﻔر اﻟﻧﺎس ،وطﻠب ﻣﻧﻬم اﻟﺧروج ﻣﻌﻪ ﻷداء اﻟﻌﻣرة.
وﻣﻊ ذﻟك ﻟم ﯾﺧرج ﻣﻌﻪ إﻻ ﻧﺣو أﻟف وأرﺑﻌﻣﺎﺋﺔ رﺟل ﺗﻘرﯾﺑﺎً .ﻓﺄﯾن ﻛﺎن اﻟﺑﻘﯾﺔ ؟
180
أﺳﺋﻠﺔ ﻟﯾس ﻟﻬﺎ إﻻ ﺟواب واﺣد وﻫو أن ﻣﺎ ذﻛر ﻣن أن ﺟﯾش اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ﻛﺎن ﯾوم اﻷﺣزاب ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﻣﻘﺎﺗل ﻏﯾر ﺻﺣﯾﺢ وأﻧﻬم إﻟﻰ اﻷﻟف أﻗرب
ﻣﻧﻬم إﻟﻰ اﻟﺛﻼﺛﺔ آﻻف.
-4ﺷدة ﺧوف اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﺷدة ﻛرﺑﻬم أﺛﻧﺎء اﻟﺣﺻﺎر وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯾرة
ﻣﻧﻪ " ٕواذا زاﻏت اﻷﺑﺻﺎر ،وﺑﻠﻐت اﻟﻘﻠوب اﻟﺣﻧﺎﺟر ،وﺗظﻧون ﺑﺎﷲ اﻟظﻧوﻧﺎ" .
وﻫﻲ ﺣﺎﻟﺔ واﷲ ﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻟﺗﻛون ﻟو ﻛﺎن ﺟﯾش اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺛﻼﺛﺔ آﻻف رﺟل ،وﻣﺎ
ﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﺣﺎﻟﺔ إﻻ ﻟﻘﻠﺔ ﻋددﻫم وﺳط ﺟﻣوع اﻷﺣزاب وﻣن ﺣﺎﻟﻔﻬم ﻣن اﻟﯾﻬود
.
-5ﻛﺎن طول اﻟﺧﻧدق ﻧﺣو ﺧﻣﺳﺔ آﻻف ذراع .وﻗد ﻗﺳم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻫذﻩ
اﻟﻣﺳﺎﻓﺔ ﺑﯾن أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻟﯾﻘوم ﻛل ﻋﺷرة ﻣﻧﻬم ﺑﺣﻔر أرﺑﻌﯾن ذراﻋﺎً .وﻫذا ﯾﻌﻧﻲ أن
ﻣن ﺷﺎرك ﻓﻲ ﺣﻔر اﻟﺧﻧدق ﻛﺎﻧوا ﯾزﯾدون ﻗﻠﯾﻼً ﻋﻠﻰ اﻷﻟف ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻬم اﻟﺻﺑﯾﺎن.
ج : 126ﻟﻣﺎ وﺻﻠت ﺟﻣوع اﻷﺣزاب وﺗﻛﺎﻣﻠت ﻋﻧد ﺟﺑل أﺣد ،اﺟﺗﻣﻊ ﻗﺎدﺗﻬم
ﻟﺗوﺣﯾد اﻟﻘﯾﺎدة ،وﺟﻌﻠوا أﺑﺎ ﺳﻔﯾﺎن ﻗﺎﺋدا ﻋﺎﻣﺎً ﻟﻸﺣزاب .وﻓﻲ ﺻﺑﺎح اﻟﯾوم اﻟﺗﺎﻟﻲ
ﺗوﺟﻪ اﻟﻘﺎدة ﻻﺳﺗﻛﺷﺎف اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﺑﯾن اﻷﺣزاب واﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻟرﺳم ﺧطﺔ ﻻﻗﺗﺣﺎﻣﻬﺎ وﻫم ﻻ
ﯾﻌﻠﻣون ﺑﺎﻟﺧﻧدق .وأﺛﻧﺎء ﺳﯾرﻫم ﻓوﺟﺋوا ﺑﺧﻧدق طوﯾل ،وﻋﻣﯾق ،وﻋرﯾض ﯾﺣول
ﺑﯾﻧﻬم واﻟﻣدﯾﻧﺔ ،ﻓﺄﺳﻘط ﻓﻲ أﯾدﯾﻬم وﻗﺎل أﺑو ﺳﻔﯾﺎن :إﻧﻬﺎ ﻟﻣﻛﯾدة ﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﻌرب
ﺗﻌرﻓﻬﺎ .وﻗرر اﻟﻘﺎدة ﻓرض اﻟﺣﺻﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔٕ ،وارﻫﺎق اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﻣﺗﺗرﺳﯾن
ﺧﻠف اﻟﺧﻧدق ،وﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻗﺗﺣﺎم اﻟﺧﻧدق أو ردﻣﻪ .إﻻ أن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻛﺎﻧوا
181
ﯾرﺷﻘوﻧﻬم ﺑﺎﻟﻧﺑل وﯾﺣوﻟون دون اﻗﺗﺣﺎم اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻣن اﻟﺧﻧدق أو اﻗﺗﺣﺎﻣﻪ .
وﻣﺿت أﯾﺎم ،وﺷدد اﻟﻣﺷرﻛون اﻟﺣﺻﺎر ،وﻧﺟﺣت ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻔرﺳﺎن ﺑﻘﯾﺎدة
ﻋﻣرو ﺑن ﻋﺑد ود ﻣن اﻗﺗﺣﺎم اﻟﺧﻧدق ،إﻻ أن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺗﺻدوا ﻟﻬم وﻗﺗﻠوا ﻋﻣرو
ﺑن ﻋﺑد ود وﻓر اﻟﺑﺎﻗون .وﺑدأ اﻟﻣﻧﺎﻓﻘون وﺿﻌﺎف اﻹﯾﻣﺎن ﯾﺗﺳﻠﻠون وﯾﻘوﻟون :إن
ﺑﯾوﺗﻧﺎ ﻋورة وﻣﺎ ﻫﻲ ﺑﻌورة إن ﯾرﯾدون إﻻ ﻓ ار ارً .وﺗﻧﺎﻗص ﻋدد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺧﻠف
اﻟﺧﻧدق .وﺷدد اﻟﻣﺷرﻛون اﻟﺣﺻﺎر ﻻﻗﺗﺣﺎﻣﻪ إﻻ أﻧﻬم ﻓﺷﻠوا ﻟﺑﺳﺎﻟﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
اﻟﻣداﻓﻌﯾن ﺧﻠف اﻟﺧﻧدق .وﻫﻧﺎ ذﻫب ﺣﯾﻲ ﺑن أﺧطب إﻟﻰ ﻛﻌب ﺑن أﺳد اﻟﻘرظﻲ ﺳﯾد
ﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ وﻧﺟﺢ ﻓﻲ إﻗﻧﺎﻋﺔ ﺑﻧﻘض ﻋﻬد ﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ ﻣﻊ ﻣﺣﻣد واﻻ ﻧﺿﻣﺎم ﻟﻸﺣزاب
ﻟﯾﻔﺗﺢ ﺑذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺟﺑﻬﺔ ﻗﺗﺎل أﺧرى ﻣن اﻟﺟﻧوب ،ﻓزاد ﻛرب اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
وﺧوﻓﻬم ﺣﯾن ﺟﺎءﻫم اﻷﺣزاب ﻣن ﻓوﻗﻬم وﻣن أﺳﻔل ﻣﻧﻬم .وﺧﺎﻓوا ﻣن اﻟﯾﻬود ﻋﻠﻰ
اﻟﻧﺳﺎء واﻟذرﯾﺔ .وزاد ﺗﺳﻠل اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن وﺿﻌﺎف اﻹﯾﻣﺎن ﺣﺗﻰ ﻟم ﯾﺑق ﻣﻊ اﻟرﺳول
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻻ ﺑﺿﻊ ﻣﺋﺎت زاﻏت أﺑﺻﺎرﻫم ،وﺑﻠﻐت اﻟﻘﻠوب اﻟﺣﻧﺎﺟر ﻛﻣﺎ ذﻛر
ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم .وﻫﻧﺎ ﻓﻛر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻋﻣل ﯾﺷﺗت ﺑﻪ ﺟﻣوع اﻷﺣزاب
،ﻓﺄرﺳل إﻟﻰ ﻋﯾﯾﻧﺔ ﺑن ﺣﺻن اﻟﻔزاري ،واﻟﺣﺎرث ﺑن ﻋوف رﺋﯾﺳﻲ ﻏطﻔﺎن وﻗﺑﺎﺋل
ﻧﺟد اﻟﺗﻲ ﺗﺷﻛل ﻧﺣو %60ﻣن ﺟﯾش اﻷﺣزاب ﻟﯾﺻﺎﻟﺣﻬم ﻋﻠﻰ ﺛﻠث ﺛﻣﺎر اﻟﻣدﯾﻧﺔ
ﻋﻠﻰ أن ﯾﻧﺳﺣﺑوا ﻟﯾﺗرﻛوا ﻗرﯾﺷﺎً وﺣدﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺳﺎﺣﺔ .وﻗﺑل ﺗوﻗﯾﻊ اﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ اﺳﺗﺷﺎر
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺳﻌد ﺑن ﻣﻌﺎذ ،وﺳﻌد ﺑن ﻋﺑﺎدة ﺳﯾدا اﻷﻧﺻﺎر ﻓﻘﺎﻻ :ﯾﺎ رﺳول اﷲ
إن ﻛﺎن اﷲ أﻣرك ﺑﻬذا ﻓﺳﻣﻌﺎً وطﺎﻋﺔ ٕ ،وان ﻛﺎن ﺷﯾﺋﺎً ﺗﺻﻧﻌﻪ ﻟﻧﺎ ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻧﺎ
ﻓﯾﻪ .واﷲ ﻻ ﻧﻌطﯾﻬم إﻻ اﻟﺳﯾف .ﻓﺻوب ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم رأﯾﻬﻣﺎ ،وﻗﺎل :إﻧﻣﺎ ﻫو
ﺷﻲء أﺻﻧﻌﻪ ﻟﻛم ﻟﻣﺎ رأﯾت اﻟﻌرب ﻗد رﻣﺗﻛم ﻋن ﻗوس واﺣدة.
182
وﻫﻧﺎ وﻟﻣﺎ أراد اﷲ ﻧﺻر ﻧﺑﯾﻪ وﻧﺻر أوﻟﯾﺎﺋﻪ ،وﻫزﯾﻣﺔ اﻷﺣزاب أﻟﻘﻰ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﻗﻠب
رﺟل ﻣن ﻛﺑﺎر ﻏطﻔﺎن وﻫو ﻧﻌﯾم ﺑن ﻣﺳﻌود ﺑن ﻋﺎﻣر اﻷﺷﺟﻌﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ
اﻟذي ﺟﺎء إﻟﻰ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻗﺎل :ﯾﺎ رﺳول اﷲ إﻧﻲ ﻗد أﺳﻠﻣت ٕ ،وان
ﻗوﻣﻲ ﻟم ﯾﻌﻠﻣوا ﺑﺈﺳﻼﻣﻲ ،ﻓﻣرﻧﻲ ﻣﺎ ﺷﺋت .
ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :إﻧﻣﺎ أﻧت رﺟل واﺣد ،ﻓﺧذل ﻋﻧﺎ ﻣﺎ اﺳﺗطﻌت ،ﻓﺈن اﻟﺣرب
ﺧدﻋﺔ .وﻛﺎن رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺻدﯾﻘﺎً ﻟﺳﺎدة ﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ وﻗرﯾش وﻏطﻔﺎن وﻣوﺛوﻗﺎً
ﻟدﯾﻬم.
ﻓوﺿﻊ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺧطﺔ ﻣﺷروﺣﺔ ﻓﻲ ﻛﺗب اﻟﺳﯾرة اﺳﺗطﺎع ﺑﻬﺎ أن ﯾوﻗﻊ اﻟﺧﻼف
واﻟﺧﺻوﻣﺔ ﺑﯾن ﺟﻣوع اﻷﺣزاب ﻋﻧد ﺟﺑل أﺣد وﯾﻬود ﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل .وﻛﺎن
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣون ﯾدﻋون اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ :اﻟﻠﻬم اﺳﺗر ﻋوراﺗﻧﺎ ،وآﻣن روﻋﺎﺗﻧﺎ.
اﻟﻠﻬم ﻣﻧزل اﻟﻛﺗﺎب ،ﺳرﯾﻊ اﻟﺣﺳﺎب ،اﻫزم اﻷﺣزاب .اﻟﻠﻬم اﻫزﻣﻬم وزﻟزﻟﻬم .
واﺳﺗﺟﺎب اﷲ اﻟدﻋﺎء ،ﻓﺄرﺳل ﻋﻠﻰ اﻷﺣزاب رﯾﺣﺎً وﺟﻧوداً ﻟم ﯾروﻫﺎ ،ﻗوﺿت ﺧﯾﺎم
اﻷﺣزاب ،وزﻟزﻟت ﺟﻣوﻋﻬم ،وﻛﻔﺄت ﻗدورﻫم .وأﻟﻘﻰ اﷲ اﻟرﻋب ﻓﻲ ﻗﻠوﺑﻬم ﻓﺎرﺗﺣﻠوا
،وأﺻﺑﺢ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣون وﻗد رد اﷲ أﻋداءﻫم ﺑﻐﯾظﻬم ﻟم ﯾﻧﺎﻟوا ﺧﯾ ارً ،
وﻛﻔﻰ اﷲ اﻟﻣؤﻣﻧﯾن اﻟﻘﺗﺎل .وﻫﻛذا اﻧﺗﻬت ﻫذﻩ اﻟﻐزوة اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻣن أﺷد اﻟﻐزوات
أﻧﻪ ﻟم ﯾﻛن ﻓﯾﻬﺎ ﻗﺗﺎل ﻛﺑﯾرٕ ،واﻧﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻣﻌرﻛﺔ أﻋﺻﺎب ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن رﻏم
ﺗﻣﺧﺿت ﻋن ﺗﺧﺎذل اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻓﻲ أﻛﺑر ﺗﺟﻣﻊ ﻟﻬم ﺿد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﻟذا ﺑﺷر ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻗﺎﺋﻼً :اﻵن ﻧﻐزوﻫم وﻻ ﯾﻐزوﻧﻧﺎ ،ﻧﺣن ﻧﺳﯾر إﻟﯾﻬم .
183
س : 127ﻣﺎذا ﻓﻌل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺎﻟﻐﺎدرﯾن ﯾﻬود ﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ؟
ﻛﺎن ﻫذا ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﯾوم اﻟذي رﺟﻊ ﻓﯾﻪ اﻟرﺳول واﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣن اﻟﺧﻧدق ،
ﻓﻼ ﺗﺄﺧﯾر وﻻ ﺗﺑﺎطؤ ﻓﻲ ﺗﺄدﯾب اﻟﺧوﻧﺔ ،وﻟذا أﻣر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣن ﯾؤذن ﻓﻲ اﻟﻧﺎس
184
س : 128ﻣﺗﻰ ﻛﺎﻧت ﻫذﻩ ﻛﺎﻧت اﻟﻐزوة ،وﻣﺎ أﺣداﺛﻬﺎ ﺑﺎﺧﺗﺻﺎر؟
أﻣﺎ أﺣداﺛﻬﺎ ﻓﻬﻲ أﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻌد أن أﻣر اﻟﻧﺎس ﺑﺎﻟﺧروج ﺳرﯾﻌﺎً إﻟﻰ دﯾﺎر ﺑﻧﻲ
ﻗرﯾظﺔ ﺧرج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻟﻰ دﯾﺎرﻫم ،ﻓﻠﻣﺎ دﻧﺎ ﻣن ﺣﺻوﻧﻬم ورآﻫم ﻣﺗﺟﻣﻌﯾن ﻋﻠﻰ
اﻵطﺎم واﻟﺣﺻون ﻧﺎدى ﻋﻠﯾﻬم ﻗﺎﺋﻼً :ﯾﺎ إﺧوان اﻟﻘردة ﻫل أﺧزاﻛم اﷲ ،وأﻧزل ﺑﻛم
ﻧﻘﻣﺔ ؟ ﺛم ﺣﺎﺻرﻫم ﺧﻣﺳﺔ ﻋﺷر ﻟﯾﻠﺔ )اﻟﺷﻛل ، (25وﻗذف اﷲ ﻓﻲ ﻗﻠوﺑﻬم
اﻟرﻋب ،وﻟم ﯾﺟرؤوا ﻋﻠﻰ اﻟﺧروج ﻟﻘﺗﺎل اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،ﻓدﻋﺎﻫم ﺳﯾدﻫم ﻛﻌب ﺑن أﺳد
اﻟﻘرظﻲ إﻟﻰ إﺗﺑﺎع ﻣﺣﻣد واﻟدﺧول ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ،أو اﻟﺧروج ﻟﻘﺗﺎل اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ
ﻋﻣﻠﯾﺔ إﻧﺗﺣﺎرﯾﺔ ﺑﻌد أن ﯾﻘﺗﻠوا اﻟﻧﺳﺎء واﻟذرﯾﺔ ﺧوﻓﺎً ﻋﻠﯾﻬم ﻣن اﻟﺳﺑﻲ ،أو اﻟﻬﺟوم
ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻏرةً ﯾوم اﻟﺳﺑت ،ﻓرﻓﺿوا ﻛل ﻫذﻩ اﻟﻌروض .
وأﺧﯾ ارً ﻧزﻟوا ﻋﻠﻰ ﺣﻛم اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟذي ﺣﻛم ﻓﯾﻬم ﺳﻌد ﺑن ﻣﻌﺎذ
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ اﻟذي ﺣﻛم ﻓﯾﻬم ﺑﻘﺗل اﻟرﺟﺎل ،وﺳﺑﻲ اﻟﻧﺳﺎء واﻟذرﯾﺔ ،وﺗﻘﺳﯾم
اﻷﻣوال ،ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :ﺣﻛﻣت ﻓﯾﻬم ﺑﺣﻛم ﻣن اﷲ ﻣن ﻓوق ﺳﺑﻊ ﺳﻣﺎوات .
ﺛم أﻣر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺣﻔر اﻟﺧﻧﺎدق ﻓﻲ ﺳوق اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وﺿرﺑت أﻋﻧﺎق اﻟﻣﻘﺎﺗﻠﯾن
ﻣن ﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ ﺟﻣﺎﻋﺎت ﺟﻣﺎﻋﺎت ،وأﻟﻘﯾت ﺟﺛﺛﻬم ﻓﻲ اﻟﺧﻧﺎدق .وﻛﺎن ﻣن ﺑﯾن
اﻟﻘﺗﻠﻰ ﺳﯾدﻫم ﻛﻌب ﺑن أﺳد ،وﺳﯾد ﺑﻧﻲ اﻟﻧﺿﯾر ﺣﯾﻲ ﺑن أﺧطب اﻟذي ﺟﺎء ﺑﻌد
اﻧﺳﺣﺎب اﻷﺣزاب ﻣدﺣورﯾن ودﺧل ﺣﺻون ﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ ﻟﯾﺻﯾﺑﻪ ﻣﺎ أﺻﺎﺑﻬم ﻛﻣﺎ وﻋد
ﻛﻌب ﺑن أﺳد ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ ﻏزوة اﻷﺣزاب ﻓﻬو اﻟذي ﺷﺟﻊ ﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻘض
اﻟﻌﻬد ﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .
185
س : 129ﻣﺎ ﻣﺻﯾر ﺳﺑﻲ ﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ؟
ج : 129ﺑﻌث ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﺳﺑﻲ إﻟﻰ دﯾﺎر ﻧﺟد وﺑﯾﻌوا ﻫﻧﺎك ﺑﻌد
أن أﻣر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أﻻ ﯾﻔرق ﺑﯾن اﻷم وأوﻻدﻫﺎ ﺣﺗﻰ ﯾﺑﻠﻐوا ،وﺑﻌث ﻣﺟﻣوﻋﺔ أﺧرى
186
إﻟﻰ ﺗﻬﺎﻣﺔ اﻷزد وﺑﯾﻌوا ﻫﻧﺎك ،واﺻطﻔﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة و اﻟﺳﻼم ﻟﻧﻔﺳﻪ ﻣن ﻧﺳﺎﺋﻬم
رﯾﺣﺎﻧﺔ ﺑﻧت ﻋﻣرو اﻟﺗﻲ أﺳﻠﻣت وﻛﺎﻧت ﻓﻲ ﻣﻠك ﯾﻣﯾﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .
ج : 130ﻟﻣﺎ اﺳﺗﺳﻠم ﺑﻧو ﻗرﯾظﺔ وأﻣر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺗﻘﯾﯾد اﻟرﺟﺎل ﺑﺎﻟﺣﺑﺎل ﺟﺎء
اﻷوس وﻛﺎﻧوا ﺣﻠﻔﺎء ﻟﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ ،وأرادوا أن ﯾﺷﻔﻌوا ﻟﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ ﻛﻣﺎ ﺷﻔﻊ اﻟﺧزرج
ﻟﺑﻧﻲ ﻗﯾﻧﻘﺎع ،ﻓﻘﺎل ﺑﻌﺿﻬم :ﯾﺎ رﺳول اﷲ .إﻧﻬم ﻛﺎﻧوا ﻣواﻟﯾﻧﺎ دون اﻟﺧزرج ،وﻗد
ﻓﻌﻠت ﻓﻲ ﻣواﻟﻲ إﺧواﻧﻧﺎ ﺑﺎﻷﻣس ﻣﺎ ﻗد ﻋﻠﻣت .ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم :إﻻ
ﺗرﺿون ﯾﺎ ﻣﻌﺷر اﻷوس أن ﯾﺣﻛم ﻓﯾﻬم رﺟل ﻣﻧﻛم ؟ ﻗﺎﻟوا :ﺑﻠﻰ .ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم :ﻓذاك ﺳﻌد ﺑن ﻣﻌﺎذ .
وﻛﺎن ﺳﻌد ﺑن ﻣﻌﺎذ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﯾﻣرض ﻓﻲ ﻣﺳﺟد اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﺑﻌد أن أﺻﯾب ﯾوم اﻟﺧﻧدق ﺑﺳﻬم ﻓﻘطﻊ ﻣﻧﻪ اﻷﻛﺣل وﻫو ﻋرق وﺳط اﻟذراع .
ج :131ﻛﺎن ﺳﻌد ﻛﻣﺎ أﺳﻠﻔت ﻗد أﺻﯾب ﯾوم اﻟﺧﻧدق إﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﻓﻲ اﻷﻛﺣل ﻓدﻋﺎ
اﷲ ﻗﺎﺋﻼً :اﻟﻠﻬم ﻻ ﺗﻣﺗﻧﻲ ﺣﺗﻰ ﺗﻘر ﻋﯾﻧﻲ ﻣن ﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ .واﺳﺗﺟﺎب اﷲ دﻋوة
ﻫذا اﻟﻌﺑد اﻟﺻﺎﻟﺢ ﺣﯾن ﺟﻌﻠﻪ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺣﻛﻣﺎً ﻓﯾﻬم .وﺑﻌد ﺗﻧﻔﯾذ ﺣﻛم
اﷲ ﻓﻲ ﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ اﻧﻔﺟر ﺟرﺣﻪ ﺑﺎﻟدم وﻣﺎت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ،وﻓﻲ اﻟﺻﺣﯾﺣﯾن ﻋن
187
ﺟﺎﺑر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ أن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗﺎل :إﻫﺗز ﻋرش اﻟرﺣﻣن
ﻟﻣوت ﺳﻌد ﺑن ﻣﻌﺎذ.
س : 133ﻣﺎ ﻗﺻﺔ زواﺟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑزﯾﻧب ﺑﻧت ﺟﺣش؟ وﻣﺎ اﻟدروس
اﻟﻣﺳﺗﻔﺎدة ﻣن ﻫذا اﻟزواج اﻟﻣﺑﺎرك؟
ج : 133ﺗزوج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم زﯾﻧب ﺑﻧت ﺟﺣش ﻓﻲ ﺷﻬر ذي اﻟﻘﻌدة ﺳﻧﺔ
5ﻫـ ،وﻫﻲ اﺑﻧﺔ ﻋﻣﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أﻣﯾﻣﺔ ﺑﻧت ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب ،وأﺧت ﻋﺑداﷲ ﺑن
ﺟﺣش ﺷﻬﯾد أﺣد.
188
وﻗﺻﺔ ﻫذا اﻟزواج ﺑﺎﺧﺗﺻﺎر ﻫﻲ أن اﷲ ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ أراد أن ﯾﻠﻐﻲ ﺑﻬذا اﻟزواج
ﻋﺎدﺗﯾن ﺟﺎﻫﻠﯾﺗﯾن ﻗﺑﯾﺣﺗﯾن ﻛﺎﻧﺗﺎ ﻗد ﺗﺄﺻﻠﺗﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﺟﺎﻫﻠﻲ ،وﻻ ﺗزال –
ﻟﻸﺳف -ﻗﺎﺋﻣﺔ إﻟﻰ اﻟﯾوم وراﺳﺧﺔ ﻓﻲ أذﻫﺎن اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﯾن وﺧﺎﺻﺔ ﻋﺎدة اﻟﺗﻔﺎﺧر
واﻟﺗﻔﺎﺿل ﺑﺎﻟﻘﺑﯾﻠﺔ ،واﻷﺻل ،واﻟﻧﺳب ،ﻓﻬذا ﻗﺑﯾﻠﻲ وذاك ﺣر ،وذاك ﻋﺑد ،وذاك
ﺧﺿﯾري إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻟﻣﺳﻣﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﻣﺎ أﻧزل اﷲ ﺑﻬﺎ ﻣن ﺳﻠطﺎن ،وﻻ دﻋﺎ
إﻟﯾﻬﺎ وﻻ أﻣر ﺑﻬﺎ رﺳوﻟﻪ ﺑل ذﻣﻬﺎ وﻧﻬﻰ ﻋﻧﻬﺎ ،ﻓﺎﻟﻧﺎس ﻵدم وآدم ﻣن ﺗراب ،
واﻟﻧﺎس ﯾﺗﻔﺎﺿﻠون ﻋﻧد اﷲ ﺑﺎﻟﺗﻘوى ﻻ ﺑﺎﻟﻘﺑﻠﯾﺔ ،واﻷﺳرة ،واﻟﺷﻛل واﻟﺣﺟم -ﻛﺑرت
ﻛﻠﻣﺔ ﺗﺧرج ﻣن أﻓواﻫﻬم إن ﯾﻘوﻟون إﻻ ﻛذﺑﺎً -واﻟﻌﺎدة اﻷﺧرى ﻫﻲ اﻟﺗﺑﻧﻲ ،وﺣرﻣﺔ
اﻟزواج ﺑﻣطﻠﻘﺔ اﻟﻣﺗﺑﻧﻰ .ﻛﺎﻧت زﯾﻧب ﺑﻧت ﺟﺣش اﻣرأة ذات ﻧﺳب وﺟﻣﺎل ﻓﻬﻲ اﺑﻧﺔ
ﻋﻣﺔ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .وأراد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم أن ﯾزوﺟﻬﺎ ﻣن
ﻣوﻻﻩ زﯾد ﺑن ﺣﺎرﺛﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﺄﺑت زﯾﻧب وأﺑﻰ أﻫﻠﻬﺎ ﻷن زﯾداً ﻣوﻟﻰ وﯾرون
ﺑﺄﻧﻪ ﻟﯾس ﻛﻔؤاً ﻟﻬم .إﻻ أﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم أﺻر ﻋﻠﻰ ذﻟك وﻗﺎل :أﻧﻛﺣﯾﻪ.
ون
َن َﯾ ُﻛ َ
ﺳوﻟُ ُﻪ أ َْﻣ ًار أ ْ ﺎن ﻟِ ُﻣ ْؤ ِﻣ ٍن َوَﻻ ُﻣ ْؤ ِﻣ َﻧ ٍﺔ إِ َذا ﻗَ َ
ﺿﻰ اﻟﻠﱠ ُﻪ َوَر ُ " َو َﻣﺎ َﻛ َ وﯾﻧزل اﻟﻘرآن"
ﺿ َﻼًﻻ ُﻣ ِﺑﯾ ًﻧﺎ " .وﺗذﻋن ﺿ ﱠل َ ص اﻟﻠﱠ َﻪ َوَر ُ
ﺳوﻟَ ُﻪ ﻓَﻘَ ْد َ َﻣ ِرِﻫ ْم َو َﻣ ْن َﯾ ْﻌ ِ
أْ ﻟَ ُﻬ ُم ا ْﻟ ِﺧ َﯾ َرةُ ِﻣ ْن
زﯾﻧب وأﻫﻠﻬﺎ ﻷﻣر اﷲ وأﻣر رﺳوﻟﻪ ،وﯾﺗم اﻟزواج ﻣن زﯾد ﺑن ﺣﺎرﺛﺔ اﻟذي ﻛﺎن
اﻟرﺳول ﻗد أﻋﺗﻘﻪ وﺗﺑﻧﺎﻩ ﻓﺄﺻﺑﺢ ﯾدﻋﻰ ﺑزﯾد ﺑن ﻣﺣﻣد .إﻻ أن اﻟﺣﯾﺎة اﻟزوﺟﯾﺔ ﻟم
ﺗﺳﺗﻘم وﻟم ﺗﺳﺗﻘر ﺑﯾن زﯾد وزﯾﻧب ﻓﻘد ﻛﺎﻧت ﺗﺗرﻓﻊ ﻋﻠﯾﻪ وﺗؤذﯾﻪ ﺑﻠﺳﺎﻧﻬﺎ ،وﻟم
ﯾﺣﺗﻣل زﯾد ،ﻓﺎﺳﺗﺷﺎر اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ طﻼﻗﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :أﻣﺳك ﻋﻠﯾك
زوﺟك واﺗق اﷲ .وﻛﺎن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗد أﺧﺑر رﺳوﻟﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﯾﺗزوج زﯾﻧب ﺑﻌد أن
ﯾطﻠﻘﻬﺎ زﯾد ،إﻻ أﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻛﺎن ﯾﺧﻔﻲ ذﻟك وﯾﺧﺷﻰ إظﻬﺎرﻩ ﻷن
اﻟﻧﺎس ﺳﯾﻘوﻟون إن ﻣﺣﻣداً ﻗد ﺗزوج زوﺟﺔ ﻣﺗﺑﻧﺎﻩ ،وﻛﺎن ﻫذا ﻣﺣرﻣﺎً وﺳﺎﺋداً ﻓﻲ
189
أوﺳﺎطﻬم .وﻫذا ﻫو اﻟذي أﺧﻔﺎﻩ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻪ وأﺑداﻩ اﷲ
ﺷﺎهُ" .وﻟم ﯾﻛن ﺎس َو ﱠ
ﷲ ُ أَ َﺣ ﱡق أَنْ َﺗ ْﺧ َ ﺷﻰ اﻟ ﱠﻧ َ " َو ُﺗ ْﺧﻔِﻲ ﻓِﻲ َﻧ ْﻔﺳِ َك َﻣﺎ ﱠ
ﷲ ُ ُﻣ ْﺑدِﯾ ِﮫ َو َﺗ ْﺧ َ
اﻟذي أﺧﻔﺎﻩ اﻟرﺳول ﻫو ﺣﺑﻪ ﻟزﯾﻧب ﻛﻣﺎ ﯾﻘول اﻟﻛذاﺑون واﻟﻣﻔﺗرون ﻋﻠﻰ اﷲ
ورﺳوﻟﻪ .ﻓﻠو أرادﻫﺎ اﻟرﺳول ﻗﺑل زﯾد ﻟﺗزوﺟﻬﺎ .ﻓﻣﺎ اﻟذي ﯾﻣﻧﻌﻪ ﻣن اﻟزواج ﺑﻬﺎ
وﻗد رآﻫﺎ ﻣ ار ارً ﻓﻲ ﻣﻛﺔ واﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻗﺑل ﻧزول آﯾﺔ اﻟﺣﺟﺎب اﻟﺗﻲ ﻧزﻟت ﺑﻌد زواﺟﻪ ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ﺑﻬﺎ ؟ وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻧﻔوس اﻷﻓﺎﻛﯾن اﻟﻣرﯾﺿﺔ واﻟﺗﻲ ﺗﺣﺎول اﻟﻧﯾل ﻣن رﺳول اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟذي ﻫو أطﻬر وأﻧﻘﻰ ﻣن اﻟﺳﺣﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺳﻣﺎﺋﻬﺎ ،ﻓﺻﻠوات
اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻲ اﻷوﻟﯾن واﻵﺧرﯾن .وﯾطﻠق زﯾد زﯾﻧب ﻷﻣر ﯾرﯾدﻩ اﷲ ،
وﺗﻧﻘﺿﻲ ﻋدة زﯾﻧب ،وﯾﺗزوﺟﻬﺎ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺄﻣر اﷲ " َﻓﻠَ ﱠﻣﺎ
ﺿ ٰﻰ َز ْﯾ ٌد ﱢﻣ ْﻧ َﮭﺎ َو َط ًرا َز ﱠو ْﺟ َﻧﺎ َﻛ َﮭﺎ " .وﺗﻧﺗﻘل رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ إﻟﻰ ﺑﯾت اﻟﻧﺑﻲ ﻟﺗﻛون
َﻗ َ
أﻣﺎً ﻟﻠﻣؤﻣﻧﯾن ،وﻟﯾﻠﻐﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﻋﻠﻰ ﯾد رﺳوﻟﻪ ﻫﺎﺗﯾن اﻟﻌﺎدﺗﯾن اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺗﯾن ،ﻋﺎدة
اﻟﺗﻔﺎﺧر واﻟﺗﻔﺎﺿل ﺑﺎﻷﺻل واﻟﻧﺳب ،وﻋﺎدة اﻟﺗﺑﻧﻲ وﺣرﻣﺔ زواج اﻟرﺟل ﻣن ﻣطﻠﻘﺔ
ﻣﺗﺑﻧﺎﻩ.
س : 134ﻣﺎ ﻣﻠﺧص اﻟﻐزوات واﻟﺳراﯾﺎ اﻟﺗﻲ ﺣدﺛت ﺳﻧﺔ 6ﻫـ وﻗﺑل ﺻﻠﺢ
اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ ؟
190
-1ﻏزوة ﺑﻧﻲ ﻟﺣﯾﺎن ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ 6ﻫـ .وﺑﻧو ﻟﺣﯾﺎن ﻫم ﻗوم ﻣن ﻫذﯾل
ﻏدروا ﺑﺄﺻﺣﺎب اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﺣﺎدﺛﺔ اﻟرﺟﯾﻊ ﺳﻧﺔ 4ﻫـ
191
واﻟﺗﻲ ﺗﺣدﺛﻧﺎ ﻋﻧﻬﺎ ،ﻓﺧرج إﻟﯾﻬم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺗﯾن ﻣن
أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻟﺗﺄدﯾﺑﻬم ﺣﺗﻰ وﺻل ﻣﺎء اﻟرﺟﯾﻊ ،إﻻ أن ﺑﻧﻲ ﻟﺣﯾﺎن ﻓروا ﺣﯾن ﺳﻣﻌوا
ﺑﻘدوم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻟﻰ دﯾﺎرﻫم ،وﺑﻘﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ دﯾﺎرﻫم أﯾﺎﻣﺎً ﺛم
ﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
-2ﻏزوة ذي ﻗرد )ﻏزوة اﻟﻐﺎﺑﺔ( ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ 6ﻫـ ،وذﻟك ﻷن ﻋﯾﯾﻧﻪ ﺑن
ﺣﺻن اﻟﻔزاري ﺳﯾد ﻏطﻔﺎن أﻏﺎر ﻋﻠﻰ ﻟﻘﺎح ﻟرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﻓﻲ ﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻐﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺿواﺣﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ واﺳﺗﺎﻗﻬﺎ ﺑﻌد أن ﻗﺗل اﻟراﻋﻲ ،ﻓطﺎردﻩ
اﻟرﺳول واﻟﻣﺳﻠﻣون ﺣﺗﻰ وﺻﻠوا ذا ﻗرد ،ﺛم ﻋﺎدوا إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺑﻌد أن اﺳﺗﻧﻘذوا
ﻋﺷر ﻟﻘﺎح.
-3ﺳرﯾﺔ ﻣﺣﻣد ﺑن ﻣﺳﻠﻣﺔ إﻟﻰ ذي اﻟﻘﺻﺔ ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻵﺧر ﺳﻧﺔ 6ﻫـ ،ﺣﯾث
أرﺳل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻫذﻩ اﻟﺳرﯾﺔ إﻟﻰ ﺑﻧﻲ ﺛﻌﻠﺑﺔ ،وﻛﺎﻧت اﻟﺳرﯾﺔ ﻣﻛوﻧﺔ ﻣن
ﻋﺷرة رﺟﺎل أﺣﺎط ﺑﻬم اﻷﻋراب ﻓﻲ ذي اﻟﻘﺻﺔ ﻓﻘﺗﻠوﻫم إﻻ ﻣﺣﻣدا ﺑن ﻣﺳﻠﻣﺔ
اﻟذي وﻗﻊ ﺟرﯾﺣﺎً .وﻣر ﺑﻪ رﺟل ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﺣﻣﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .
-4ﺳرﯾﺔ أﺑﻲ ﻋﺑﯾدة ﻋﺎﻣر ﺑن اﻟﺟراح إﻟﻰ ذي اﻟﻘﺻﺔ ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻵﺧر ﺳﻧﺔ 6ﻫـ .
وﻗد ﺑﻌﺛﻬﺎ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻲ وﺳﻠم ﻟﻼ ﻧﺗﻘﺎم وﻟﺗﺄدﯾب ﺑﻧﻲ ﺛﻌﻠﺑﺔ اﻟذﯾن
ﻗﺗﻠوا ﻣن ﻛﺎن ﻓﻲ ﺳرﯾﺔ ﻣﺣﻣد ﺑن ﻣﺳﻠﻣﺔ ،إﻻ أن اﻟﻘوم ﻓروا وﻟم ﯾﺟد أﺑو
ﻋﺑﯾدة أﺣداً ﻣﻧﻬم.
-5ﺳرﯾﺔ زﯾد ﺑن ﺣﺎرﺛﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﯾص ﻓﻲ ﺟﻣﺎدي اﻷوﻟﻰ ﺳﻧﺔ 6ﻫـ ﺣﯾث ﺑﻌﺛﻪ
اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ وﺳﺑﻌﯾن رﺟﻼً ﻻﻋﺗراض ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻟﻘرﯾش
ﻗﺎدﻣﺔ ﻣن اﻟﺷﺎم ﯾﻘودﻫﺎ أﺑو اﻟﻌﺎص ﺑن اﻟرﺑﯾﻊ زوج زﯾﻧب ﺑﻧت رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ
192
اﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .وﺗﻣﻛن زﯾد ﻣن أﺧذ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ وﻗﺗل ﺑﻌض رﺟﺎﻟﻬﺎ .أﻣﺎ أﺑو
اﻟﻌﺎص ﻓﻘد ﻓر ودﺧل اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻟﯾﻼً واﺳﺗﺟﺎر ﺑزوﺟﺗﻪ زﯾﻧب ﻓﺄﺟﺎرﺗﻪ ،وﻗﺑل رﺳول
اﷲ إﺟﺎرﺗﻬﺎ ﻟﻪ ،ورد ﻋﻠﯾﻪ اﻟرﺳول ﻣﺎﻟﻪ ﻛﻠﻪ وﻣﺎل اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ ،ﻓﺳﺎر أﺑو اﻟﻌﺎص
إﻟﻰ ﻣﻛﺔ وأﻋطﻰ اﻷﻣﺎﻧﺎت ورﺟﻊ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻣﺳﻠﻣﺎً ،ﻓﺄﻋﺎد ﻋﻠﯾﻪ اﻟرﺳول
زوﺟﺗﻪ زﯾﻧب ﺑﺎﻟﻧﻛﺎح اﻷول.
-6ﺳرﯾﺔ زﯾد ﺑن ﺣﺎرﺛﺔ إﻟﻰ وادي اﻟﻘرى ﻓﻲ رﺟب ﺳﻧﺔ 6ﻫـ ﻟﺗﺄدﯾب ﺑﻧﻲ ﻓزارة
اﻟذﯾن اﻋﺗدوا ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﺗﺟﺎرﯾﺔ ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ﻛﺎن ﯾﻘودﻫﺎ زﯾد ﺑن ﺣﺎرﺛﺔ وﺳﻠﺑوﻫﺎ ،
وﻧﺟﺎ زﯾد ﻣن اﻟﻘﺗل ،ﻓﻠﻣﺎ وﺻل إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وأﺧﺑر اﻟرﺳول ﺑﺧﺑرﻫم ﺑﻌﺛﻪ
اﻟرﺳول ﻓﻲ ﺳرﯾﺔ ﻟﺗﺄدﯾﺑﻬم .وﻫﺎﺟﻣﻬم زﯾد وﻣن ﻣﻌﻪ وﻗﺗل ﻣﻧﻬم ﻋدداً ﻛﺑﯾ ارً ﺛم
ﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
-7ﺳرﯾﺔ ﻋﺑداﻟرﺣﻣن ﺑن ﻋوف إﻟﻰ ﺑﻧﻲ ﻛﻠب ﻓﻲ دوﻣﺔ اﻟﺟﻧدل ﻓﻲ ﺷﻌﺑﺎن ﺳﻧﺔ
6ﻫـ ،ﺣﯾث ﺳﺎر إﻟﯾﻬم ﻋﺑداﻟرﺣﻣن ﺑن ﻋوف ،ﻓﻠﻣﺎ وﺻل إﻟﯾﻬم دﻋﺎﻫم إﻟﻰ
اﻹﺳﻼم ﻓﺄﺳﻠم ﺳﯾدﻫم اﻷﺻﺑﻎ ﺑن ﻋﻣرو اﻟﻛﻠﺑﻲ وﻛﺎن ﻧﺻراﻧﯾﺎً ،وأﺳﻠم أﻛﺛر
ﻗوﻣﻪ ،وﻣن ﻟم ﯾﺳﻠم دﻓﻊ اﻟﺟزﯾﺔ ،وﺗزوج ﻋﺑداﻟرﺣﻣن ﺗﻣﺎﺿر ﺑﻧت اﻷﺻﺑﻎ .
-8ﺳرﯾﺔ ﻋﻠﻲ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب ﻓﻲ ﺷﻌﺑﺎن ﺳﻧﺔ 6ﻫـ إﻟﻰ ﺑﻧﻲ ﺳﻌد ﺑن ﺑﻛر ﺑﻔدك
واﻟذﯾن ﺗﺟﻣﻌوا ﻟﻣﺳﺎﻋدة ﯾﻬود ﺧﯾﺑر ﻟﻣﺣﺎرﺑﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣﻘﺎﺑل ﺑﻌض ﺛﻣﺎر ﺧﯾﺑر
.ﻓﺳﺎر إﻟﯾﻬم ﻋﻠﻲ ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ رﺟل ﺣﺗﻰ وطﻲء دﯾﺎرﻫم ،إﻻ أن اﻟﻘوم ﻓروا ،
ﻓﺟﻣﻊ ﻋﻠﻲ أﻣواﻟﻬم وﻣواﺷﯾﻬم وﻋﺎد ﺑﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
-9ﺳرﯾﺔ ﻛرز ﺑن ﺟﺎﺑر اﻟﻔﻬري إﻟﻰ ﻋرﯾﻧﺔ ﻓﻲ ﺷوال ﺳﻧﺔ 6ﻫـ ﻟﻣطﺎردة ﺛﻣﺎﻧﯾﺔ ﻣن
رﺟﺎل ﻋرﯾﻧﺔ ﻏدروا وﻗﺗﻠوا ﯾﺳﺎ ارً ﻣوﻟﻰ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻫو
ﯾرﻋﻰ اﻹﺑل ،ﻓﻠﺣق ﺑﻬم ﻛرز وأﺳرﻫم وﺟﺎء ﺑﻬم إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،ﻓﺻﻠﺑوا ﻟﻐدرﻫم.
193
س : 135ﻟﻣﺎذا ﺧرج ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻷداء اﻟﻌﻣرة ؟ وﻛﯾف ﺗم
ﺻﻠﺢ اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ؟
ج : 135رأى ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻣﻧﺎﻣﻪ أﻧﻪ وأﺻﺣﺎﺑﻪ دﺧﻠوا اﻟﻣﺳﺟد اﻟﺣرام
،وطﺎﻓوا ﺑﺎﻟﺑﯾت آﻣﻧﯾن ﻣﺣﻠﻘﯾن رؤوﺳﻬم وﻣﻘﺻرﯾن .وأﺧﺑر أﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑذﻟك ،
وأﻣرﻫم ﺑﺎﻟﺗﺟﻬز ﻷداء اﻟﻌﻣرة ،واﺳﺗﻧﻔر اﻟﻧﺎس ،وأرﺳل إﻟﻰ ﻗرﯾش ﻣن ﯾﺧﺑرﻫم أﻧﻪ
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻗﺎدم ﻟﻠﻌﻣرة ﻻ ﻟﻠﻘﺗﺎل ،وأﺧﺑر ﻛذﻟك ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب ﻋﻠﻰ طرﯾق ﻣﻛﺔ.
ﻟﻘﻲ ﺑﺷر اﻟﻛﻌﺑﻲ اﻟذي أﺧﺑر اﻟرﺳول ﺑﺄن ﻗرﯾش ﻗد أوﻫﻣت ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب ﺑﺄن ﻣﺣﻣداً
ﻗﺎدم ﻟﻠﻘﺗﺎل واﻧﺗﻬﺎك ﺣرﻣﺔ اﻟﺑﯾت اﻟﺣرام ،وﻟذا ﻧﺟﺣت ﻓﻲ ﺗﺄﻟﯾب ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب ،
وﺧرﺟوا إﻟﻰ ذي طوى ﯾﻌﺎﻫدون اﷲ أﻻ ﺗدﺧﻠﻬﺎ ﻋﻠﯾﻬم أﺑداً .وﻟﻘﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
ﻏﯾر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
ﺧﺎﻟد ﺑن اﻟوﻟﯾد وﻓرﺳﺎن اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻓﻲ ﻋﺳﻔﺎن .وﻟﺗﺟﻧب اﻟﻘﺗﺎل ّ
واﻟﺳﻼم اﻟطرﯾق ،ﻓﺳﻠك ﯾﻣﯾﻧﺎً ﺣﺗﻰ ﻧزل اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ ﺧﺎرج اﻟﺣرم ﻋﻠﻰ ﺑﺋر اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ ،
وﻛﺎﻧت ﻗﻠﯾﻠﺔ اﻟﻣﺎء ،ﻓﺎﻧﺗزع ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺳﻬﻣﺎً ﻣن ﻛﻧﺎﻧﺗﻪ وأﻣر أﺣد أﺻﺣﺎﺑﻪ أن
ﯾﻐرﺳﻪ ﻓﻲ ﺟوف اﻟﺑﺋر ﻓﺎﻣﺗﻸت ﺑﺎﻟﻣﺎء.
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺟﺎﻟس ﺗﺣت ﺷﺟرة ،وﻋﻠﻣت ﻗرﯾش ﺑﺧﺑر اﻟﺑﯾﻌﺔ ﻓﺧﺎﻓت ﺧوﻓﺎً ﺷدﯾداً
وﺑﻌﺛت ﺳﻬﯾل ﺑن ﻋﻣرو ﻟﯾﺻﺎﻟﺢ اﻟرﺳول ﻋﻠﻰ أﻻ ﯾدﺧﻠوا ﻣﻛﺔ ﻫذا اﻟﻌﺎم.
196
-4ﻣن أراد ﻣن اﻟﻘﺑﺎﺋل أن ﯾدﺧل ﻓﻲ ﻋﻬد ﻣﺣﻣد وﻋﻘدﻩ دﺧل ﻓﯾﻪ ،وﻣن أراد أن
ﯾدﺧل ﻓﻲ ﻋﻬد ﻗرﯾش وﻋﻘدﻫﺎ دﺧل ﻓﯾﻪ .ﻓدﺧﻠت ﺧزاﻋﺔ ﻓﻲ ﻋﻬد ﻣﺣﻣد ،
ودﺧﻠت ﺑﻧو ﺑﻛر ﻓﻲ ﻋﻬد ﻗرﯾش .
ج : 139ﻟﻘد ﺗﺑرم ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﻣن ﺷروط اﻟﺻﻠﺢ وﻣن ﺗﺻرﻓﺎت ﺳﻬﯾل ﺑن
ﻋﻣرو اﻟذي رﻓض أن ﯾﻛﺗب ﻓﻲ اﻟﺻﻠﺢ ﻛﻠﻣﺔ ﺑﺳم اﷲ اﻟرﺣﻣن اﻟرﺣﯾم ،وﻛﻠﻣﺔ
ﻣﺣﻣد رﺳول اﷲ .وأﺻر ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺑداﻟﻬﺎ ﺑـ :اﺳﻣك اﻟﻠﻬم ،وﻣﺣﻣد ﺑن ﻋﺑداﷲ .
وﻏﺿﺑوا ﻣن رد أﺑو ﺟﻧدل ﺑن ﺳﻬﯾل ﺑن ﻋﻣرو وﻗد ﺟﺎء ﻣﺳﻠﻣﺎً ﻓﺎ ارً ﻣن ﻗرﯾش ﻓردﻩ
اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺣﺳب ﺷروط اﻟﺻﻠﺢ .وﺟﺎء ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ
ﻣﺗﺑرﻣﺎً وﻗﺎل :أﻟﺳﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺣق؟ ﻗﺎل ﺑﻠﻰ ! ﻗﺎل :ﻓﻠم ﻧﻌطﻲ اﻟدﻧﯾﺔ ﻓﻲ دﯾﻧﻧﺎ ؟ ﻗﺎل
:إﻧﻲ رﺳول اﷲ وﻟن أﻋﺻﯾﻪ ،وﻫو ﻧﺎﺻري .ﻗﺎل :أوﻟﯾس ﺣدﺛﺗﻧﺎ أﻧﺎ ﺳﻧﺄﺗﻲ اﻟﺑﯾت
وﻧطوف ﺑﻪ ؟ ﻗﺎل :ﺑﻠﻰ ! أﻓﺄﺧﺑرﺗك أﻧك ﺗﺄﺗﻲ ﻫذا اﻟﻌﺎم ؟ ﻗﺎل :ﻻ .ﻗﺎل :ﻓﺈﻧك
آﺗﯾﻪ وﻣطوف ﺑﻪ .وأﺗﻰ ﻋﻣر أﺑﺎ ﺑﻛر وﻗﺎل ﻟﻪ ﻣﺛل ﻣﺎ ﻗﺎل ﻟﻠرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ،ﻓﻘﺎل أﺑو ﺑﻛر :إﻧﻪ رﺳول اﷲ ٕ ،وان اﷲ ﻧﺎﺻرﻩ ،ﻓﺎﻟزم ﻏرزﻩ ﻓواﷲ إﻧﻪ ﻋﻠﻰ
اﻟﺣق .وﻟﻣﺎ ﻧزﻟت ﺳورة اﻟﻔﺗﺢ ،وﺗﻼﻫﺎ رﺳول اﷲ ﻋﻠﻰ ﻋﻣر ﻗﺎل ﻋﻣر :أ ََوﻓﺗﺢ ﻫو
ﯾﺎ رﺳول اﷲ ؟ ﻗﺎل :ﻧﻌم .ﻗﺎل ﻋﻣر :ﻣﺎ زﻟت أﺻوم وأﺗﺻدق وأﻋﺗق ﻣﺧﺎﻓﺔ ﻛﻼﻣﻲ
ﯾوﻣﺋذ .
197
:140ﻣﺎذا ﻓﻌل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﻌد أن ﺗم اﻟﺻﻠﺢ ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن
ﻗرﯾش؟
198
-1اﺳﺗﻔﺎد اﻟرﺳول واﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣن ﻓرﺻﺔ اﻟﻬدﻧﺔ ﻣﻊ ﻗرﯾش ووﺿﻊ اﻟﺣرب ﻋﺷر
ﺳﻧوات ﻓﺗﻔرﻏوا ﻟﻠدﻋوة إﻟﻰ اﷲ ،وﺑﯾﺎن ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻫذا اﻟدﯾن ودﻋوة ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم اﻟﺗﻲ ﺷوﻫﺗﻬﺎ ﻗرﯾش ﺑﺎﻷﻛﺎذﯾب واﻷﺑﺎطﯾل واﻟدﻋﺎﯾﺎت اﻟﻣﺿﻠﻠﺔ .وﻋرف
اﻟﻧﺎس ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻫذا اﻟدﯾن .ﻓدﺧﻠت أﻋداد ﻛﺑﯾرة ﻣن اﻟﻧﺎس ﻣن ﻗرﯾش وﻣن ﺳﺎﺋر
اﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ،ﯾدﻟﻧﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟك أﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺣﯾن أراد اﻟﻌﻣرة
اﺳﺗﻧﻔر اﻟﻧﺎس ،وﺑﻠﻎ ﻋدد اﻟذﯾن ﺧرﺟوا ﻣﻌﻪ ﻧﺣو أﻟف وأرﺑﻌﻣﺎﺋﺔ رﺟل ﻫم ﺛﻣرة
اﻟدﻋوة ﻟﻣدة ﺗﺳﻌﺔ ﻋﺷر ﻋﺎﻣﺎً ﺗﻘرﯾﺑﺎً .وﺑﻌد اﻟﺻﻠﺢ ﺑﺄﻗل ﻣن ﺳﻧﺗﯾن ﯾدﺧل
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣﻛﺔ ﻓﺎﺗﺣﺎً ﻓﻲ ﻧﺣو ﻋﺷرة آﻻف رﺟل ﻛﻠﻬم -إﻻ ﻣن ﺷﻬد ﺻﻠﺢ
اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ ﻣﺳﻠﻣﺎً -أﺳﻠم ﺑﻌد ﺻﻠﺢ اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ وﻣن أﺷﻬرﻫم ﺧﺎﻟد ﺑن اﻟوﻟﯾد وﻋﻣرو
ﺑن اﻟﻌﺎص وﻋﺛﻣﺎن ﺑن طﻠﺣﺔ .
-2اﺳﺗﻔﺎد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻣن ﻫذا اﻟﺻﻠﺢ وﻫذﻩ اﻟﻬدﻧﺔ ﻓﺗﻔرغ ﻟﯾﻬود ﺧﯾﺑر
اﻟذﯾن ﻛﺛﯾ ارً ﻣﺎ آذوا اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ودوﻟﺔ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .ﻓﻬﺎﺟﻣﻬم ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ﺑﻌد اﻟﺻﻠﺢ ﺑﺷﻬر ،واﺳﺗوﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺧﯾﺑر وﺣﺻوﻧﻬﺎ وأﻣواﻟﻬﺎ .وﻫو
اﻟﻔﺗﺢ اﻟﻘرﯾب اﻟذي ﺑﺷر اﷲ ﺑﻪ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﺳورة اﻟﻔﺗﺢ ﻓﻲ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ "
ﺻ َﺪ َق وﻋدﻛم اﷲ ﻣﻐﺎﻧم ﻛﺛﯾرة ﺗﺄﺧذوﻧﻬﺎ ﻓﻌﺟل ﻟﻛم ﻫذﻩ " .وﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " ﻟََﻘ ْﺪ َ
ِ ِِ ِ
ﻴﻦ ُﻣ َﺤﻠﱢﻘ َ
ﻴﻦ ْﺤ َﺮ َام إِن َﺷﺎء اﻟﻠﱠﻪُ آﻣﻨ َ اﻟﻠﱠﻪُ َر ُﺳﻮﻟَﻪُ اﻟ ﱡﺮْؤﻳَﺎ ﺑِﺎﻟ َ
ْﺤ ﱢﻖ ﻟَﺘَ ْﺪ ُﺧﻠُ ﱠﻦ اﻟ َْﻤ ْﺴﺠ َﺪ اﻟ َ
ﺼ ِﺮﻳﻦ ﻻ ﺗَ َﺨﺎﻓُﻮ َن ﻓَـﻌﻠِﻢ ﻣﺎ ﻟَﻢ ﺗَـ ْﻌﻠَﻤﻮا ﻓَﺠﻌﻞ ِﻣﻦ ُد ِ
ون َذﻟِ َ
ﻚ ﻓَـ ْﺘ ًﺤﺎ ﻗَ ِﺮﻳﺒًﺎ َ َ َ ْ ُ ََ َ وﺳ ُﻜ ْﻢ َوُﻣ َﻘ ﱢ َ ُرُؤ َ
" .ﻓﻛﺎن ﻓﺗﺢ ﺧﯾﺑر وﻏﻧﺎﺋﻣﻬﺎ اﻟﻛﺛﯾرة .
-3ﺗﻔرغ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻟدﻋوة اﻟﻣﻠوك ،واﻷﻛﺎﺳرة ،واﻟﻘﯾﺎﺻرة .ﻓﺄرﺳل
اﻟرﺳل إﻟﻰ اﻟﻣﻘوﻗس ،واﻟﻧﺟﺎﺷﻲ ،وﻫرﻗل اﻟروم ،وﻛﺳرى ﻓﺎرس ،وﻣﻠوك
199
ﻋﻣﺎن ،وﻧﺟد ،واﻟﺑﺣرﯾن وﻏﯾرﻫم ﯾدﻋوﻫم إﻟﻰ اﻹﺳﻼم .ﻓﺄﺳﻠم ﺑﻌﺿﻬم وﻣن
أﺷﻬرﻫم اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ ) أﺻﺣﻣﺔ اﺑن أﺑﺟر ( ﻣﻠك اﻟﺣﺑﺷﺔ .
-4ﺗوﻗﯾﻊ اﻟﺻﻠﺢ ﻣن ﻗﺑل ﻗرﯾش ،وﻣﻔﺎوﺿﺗﻬﺎ ﻟﻠرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم دﻟﯾل
ﻋﻠﻰ اﻋﺗراف ﻗرﯾش ﺑﻘوة اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وأﻧﻪ أﺻﺑﺢ ﻟﻬم ﻛﯾﺎن ﻟﻪ وزن ﺑﻌد أن
ﻛﺎﻧت ﺗﻌﺗﺑرﻫم ﺣﻔﻧﺔ ﻣن اﻟﻣﺎرﻗﯾن ﻋﻠﻰ ﺳﻠطﺎن ﻗرﯾش .
-5ﻛﺎن ﻫذا اﻟﺻﻠﺢ ﺳﺑﺑﺎً ﻓﻲ ﻓﺗﺢ ﻣﻛﺔ ،وذﻟك أن ﺑﻧﻲ ﺑﻛر اﻟذﯾن دﺧﻠوا ﺑﻌد اﻟﺻﻠﺢ
ﻓﻲ ﺣﻠف ﻗرﯾش أﻏﺎروا ﺑﻣﺳﺎﻋدة ﺑﻌض رﺟﺎل ﻗرﯾش ﻋﻠﻰ ﺧزاﻋﺔ اﻟذﯾن دﺧﻠوا
ﺑﻌد اﻟﺻﻠﺢ ﻓﻲ ﺣﻠف ﻣﺣﻣد ،ﻓﻛﺎن ﻫذا ﻧﻘﺿﺎً ﻟﻠﺻﻠﺢ ،وﺳﺑﺑﺎً ﻓﻲ دﺧول
اﻟرﺳول واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣﻛﺔ ﻛﻣﺎ ﺳﻧﺑﯾن.
-6ﻛﺎن ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻﻠﺢ ﻓرﺟﺎً ﻟﻠﻣﺳﺗﺿﻌﻔﯾن ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﻣﻛﺔ .ﻓﻘد ﻓر ﻋﺗﺑﺔ
ﺑن أﺳﯾد اﻟﻣﺷﻬور ﺑﺄﺑﻲ ﺑﺻﯾر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻣن ﻣﻛﺔ إﻟﻰ اﻟرﺳول ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ
.وﺟﺎء رﺟﻼن ﻣن ﻗرﯾش ﻟﯾﺳﺗﻌﯾدا أﺑﺎ ﺑﺻﯾر إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ﺣﺳب ﺷروط اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ ،
وﻓﻲ اﻟطرﯾق ﺗﺧﻠص ﻣﻧﻬﻣﺎ وﻓر إﻟﻰ اﻟﻌﯾص ،وﻛون ﻣﻊ ﻣن ﻟﺣق ﺑﻪ ﻣن
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﻔﺎرﯾن ﻣن ﻣﻛﺔ ﻗوة ﻫددت ﻗواﻓل ﻗرﯾش ﻛﺛﯾ ارً،ﺣﺗﻰ اﺳﺗﻐﺎﺛت ﻗرﯾش
ﺑرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وطﻠﺑت ﻣﻧﻪ أن ﯾﻘﺑل ﻫؤﻻء اﻟﻔﺎرﯾن وﯾﻌﯾدﻫم
إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﯾﻠﻐﻲ ﺷرط أن ﻣن ﺟﺎء ﻣﺣﻣداً ﻣن ﻗرﯾش ردﻩ إﻟﯾﻬم.
200
-1ﻋظﻣﺔ ﺧﻠﻘﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑوﺻﻔﻪ ﻗﺎﺋدا .ﯾﺗﺟﻠﻰ ذﻟك ﻓﻲ :
أ -ﻣﻌﺎﻣﻠﺗﻪ ﻟﻌﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب ﺧﺎﺻﺔ واﻟﻣﻌﺎرﺿﯾن ﻟﺑﻧود اﻟﺻﻠﺢ ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ
ﻋﺎﻣﺔ .ﻓﻠم ﯾوﺑﺦ ،وﻟم ﯾﻌﺎﻗب ،وﻟم ﯾﺄﻣر ﺑﺳﺟن أﺣدﻫم أو ﺗﺄدﯾﺑﻪ
ﻟﻣﻌﺎرﺿﺗﻪ ﻟﻠﻘﺎﺋد ،ﺑل ﺗﻘﺑل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻟﻣﻌﺎرﺿﺔ ،واﺳﺗﻣﻊ ﻟﻠﻣﻌﺎرﺿﯾن ،
وﺑﯾن ﻟﻬم وﺟﻬﺔ ﻧظرﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .وﻟﻣﺎ ﻧزﻟت ﺳورة اﻟﻔﺗﺢ اﺳﺗدﻋﻰ ﻋﻠﯾﻪ
ﻋدت
اﻟﺳﻼم زﻋﯾم اﻟﻣﻌﺎرﺿﯾن ﻋﻣر ،وﺗﻼ ﻋﻠﯾﻪ وﻋﻠﻰ اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ اﻵﯾﺎت اﻟﺗﻲ ّ
ﻫذا اﻟﺻﻠﺢ ﻓﺗﺣﺎً وﻧﺻ ارً .ﻓﺻﻠوات اﷲ وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﯾﻪ .وﺻدق اﷲ اﻟﻘﺎﺋل
ﻓﻲ وﺻف ﺧﻠﻘﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ٕ ":واﻧك ﻟﻌﻠﻰ ﺧﻠق ﻋظﯾم" ،واﻟﻘﺎﺋل
" :وﻟو ﻛﻧت ﻓظﺎً ﻏﻠﯾظ اﻟﻘﻠب ﻻﻧﻔﺿوا ﻣن ﺣوﻟك".
رﺣﻣﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺄﺻﺣﺎﺑﻪ .ﻓﺑﻌد أن ﺗم اﻟﺻﻠﺢ أﻣر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة ب-
واﻟﺳﻼم أﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﺄن ﯾﻧﺣروا اﻟﻬدي وﯾﺣﻠﻘوا ﺛﻼث ﻣرات .وﻟم ﯾﻔﻌﻠوا .ﻓﻠم
ﯾوﺑﺦ ،أو ﯾﻌﺎﻗب ،أو ﯾﻌﺎﺗب ،أو ﯾدﻋو ﻋﻠﯾﻬم ،وﻣﺎ زاد ﻋﻠﻰ أن دﺧل
ﻋﻠﻰ زوﺟﺗﻪ أم ﺳﻠﻣﺔ ﻣﻐﺿﺑﺎً وأﺧﺑرﻫﺎ ﺑﻣﺎ ﻛﺎن ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﯾﺳﺗﺷﯾرﻫﺎ ،
ﻓﺗﺷﯾر ﻋﻠﯾﻪ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ وﯾﺄﺧذ ﺑرأﯾﻬﺎ .وﯾذﻋن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﻷﻣرﻩ ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم.
إﺳﺗﻣﺎﻋﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻟزوﺟﺗﻪ أم ﺳﻠﻣﺔ ،وأﺧذﻩ ﺑرأﯾﻬﺎ ﺣﯾن ت-
أﺷﺎرت ﻋﻠﯾﻪ ﺑﺄن ﯾﻧﺣر ﻫدﯾﻪ وﯾﺣﻠق أوﻻً .وﻫو اﻟﻧﺑﻲ اﻟذي ﯾﺗﻧزل ﻋﻠﯾﻪ
اﻟوﺣﻲ ﻣن اﷲ .وﻫو أﻛرم اﻟﺧﻠق ﻋﻠﻰ اﷲ .ﻓﻠم ﺗﻣﻧﻌﻪ ﺗﻠك اﻟﻣﻧزﻟﺔ اﻟرﻓﯾﻌﺔ
،واﻟﻣﻛﺎﻧﺔ اﻟﻌﺎﻟﯾﺔ ﻣن اﻻﺳﺗﻣﺎع ﻻﻣرأة .ﻓﺄﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣون اﻟﯾوم ﻣن ﻫذا
اﻟﺧﻠق اﻟﻌظﯾم ؟
201
-2اﻟدﻋوة ﺑﺎﻟﻣ ارﺳﻠﺔ أﺳﻠوب ﻋظﯾم ﻟﻠدﻋوة إﻟﻰ اﷲ اﺗﺑﻌﻪ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ،وأﺳﻠم ﺑﻪ ﻣﻠوك وﺧﻠق ﻛﺛﯾر .وﻫذﻩ دﻋوة ﻷن ﻧﺣﯾﻲ ﻫذﻩ اﻟﺳﻧﺔ ....
اﻟدﻋوة إﻟﻰ اﷲ ﺑﺎﻟﻣراﺳﻠﺔ ،ﻓﻬل ﻣن ﺳﺎﻣﻊ وﻣطﯾﻊ ؟ ﺳﻣﻌﻧﺎ وأطﻌﻧﺎ ﻏﻔراﻧك رﺑﻧﺎ
ٕواﻟﯾك اﻟﻣﺻﯾر .ﻓﺑﺈﻣﻛﺎﻧك أﺧﻲ اﻟﻣﺳﻠم .وﺑﺈﻣﻛﺎﻧك أﺧﺗﻲ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ .وﺑﺈﻣﻛﺎﻧﻧﺎ
ﺟﻣﯾﻌﺎً أن ﻧﻛون دﻋﺎة إﻟﻰ اﷲ ،وﻧطوف اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺄﺳرﻩ وﻧﺣن ﻟم ﻧﻐﺎدر ﺑﯾوﺗﻧﺎ
ﺑﻛﺗﯾﺑﯾن أو ﺛﻼﺛﺔ ﺑﻠﻐﺔ
وأوطﺎﻧﻧﺎ وذﻟك ﺑﺎﻟﻣراﺳﻠﺔ .رﺳﺎﻟﺔ دﻋوﯾﺔ ﻣﺻﺣوﺑﺔ ّ
اﻟﻣدﻋو اﻟذي ﯾﻣﻛن أن ﺗﺣﺻل ﻋﻠﻰ ﻋﻧواﻧﻪ ﻣن ﻣواﻗﻊ اﻹﻧﺗرﻧت ،أو ﻣﻛﺎﺗب
دﻋوة اﻟﺟﺎﻟﯾﺎت ،أو اﻟﻣﺟﻼت أو ﺧﻼﻓﻬﺎ ،وﺗﺑﻌث أﻧت وأﻫل ﺑﯾﺗك ﺑرﺳﺎﻟﺗﯾن أو
ﺛﻼث ﻛل أﺳﺑوع .وﻗد ُﺟ َرﺑت ،وﻛﺎﻧت ﺛﻣﺎرﻫﺎ ﻋظﯾﻣﺔ .ﻓﻠﺗﻛن ﺑﯾوﺗﻧﺎ ﻣراﻛز
ﻟﻠدﻋوة إﻟﻰ اﷲ ﻓﻲ ﻛل أﻧﺣﺎء اﻟﻌﺎﻟم ،وﻟﻧﺣﯾﻲ ﺳﻧﺔ اﻟﺣﺑﯾب ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ....اﻟدﻋوة إﻟﻰ اﷲ ﺑﺎﻟﻣراﺳﻠﺔ .ﻟﻌل اﷲ أن ﯾﺑﺎرك ﻓﻲ ﺑﯾوﺗﻧﺎ ،وأوﻻدﻧﺎ ،
وأزواﺟﻧﺎ ،وأﻣواﻟﻧﺎ ،وأﻋﻣﺎرﻧﺎ ،وأﻋﻣﺎﻟﻧﺎ .
وﻫﻧﺎك ﻏرف "اﻟﺷﺎت" ،و"اﻟﻔﯾس ﺑوك" ،و"اﻟﺗوﯾﺗر" وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن وﺳﺎﺋل اﻻﺗﺻﺎل
واﻟﺗواﺻل ،واﻟﺗﻲ ﯾﻣﻛن اﺳﺗﺧداﻣﻬﺎ ﻓﻲ اﻟدﻋوة إﻟﻰ اﷲ ﺑﺎﻟﻣراﺳﻠﺔ أو اﻟﻣﺣﺎدﺛﺔ .
-3ﺿرورة اﻻﺳﺗﺳﻼم ﻷﻣر اﷲ ،وأﻣر رﺳوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ٕ ،وان ﺧﺎﻟف
ﻫذا اﻷﻣر ﺗوﻗﻌﺎﺗﻧﺎ ،أو أﻓﻬﺎﻣﻧﺎ ،أو رؤاﻧﺎ ،أو رﻏﺑﺎﺗﻧﺎ .ﻓﻬﻲ ﺗوﻗﻌﺎت ورؤى
ﻗﺎﺻرة .واﻟﺧﯾر ﻛل اﻟﺧﯾر ﻓﻲ طﺎﻋﺔ اﷲ ورﺳوﻟﻪ ﻓﯾﻣﺎ أﻣر ﺑﻪ.
202
ج : 143ﻟﻣﺎ ﻋﺎد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻣن اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ ﺑدأ ﺑﺈرﺳﺎل اﻟﻛﺗب إﻟﻰ
اﻟﻣﻠوك واﻟرؤﺳﺎء ﯾدﻋوﻫم ﻓﯾﻬﺎ إﻟﻰ اﻹﺳﻼم وﻣن ذﻟك ) :اﻟﺷﻛل . (27
-1ﻛﺗﺎﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ ﻣﻠك اﻟﺣﺑﺷﺔ ،واﺳﻣﻪ أﺻﺣﻣﺔ ﺑن
أﺑﺟر ،وﺣﺎﻣل اﻟرﺳﺎﻟﺔ ﻫو ﻋﻣرو ﺑن أﻣﯾﺔ اﻟﺿﻣري رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ .وﻗد أﻛرم
اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ رﺣﻣﻪ اﷲ رﺳﺎﻟﺔ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،ووﺿﻊ اﻟﻛﺗﺎب
ﻋﻠﻰ ﻋﯾﻧﯾﻪ ،وﻧزل ﻋن اﻟﺳرﯾر ،وأﺳﻠم ﻋﻠﻰ ﯾد ﺟﻌﻔر ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻪ ،وﻛﺗب إﻟﻰ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﺈﺳﻼﻣﻪ ،وزوج رﺳول اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﺄم ﺣﺑﯾﺑﺔ رﻣﻠﺔ ﺑﻧت أﺑﻲ ﺳﻔﯾﺎن ،وأرﺳﻠﻬﺎ واﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن
ﺑﺄﻣر رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻣﻊ اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن ﻓﻲ ﺳﻔﯾﻧﺗﯾن ﻣﻊ ﻋﻣرو
ﺑن أﻣﯾﺔ اﻟﺿﻣري إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .وﻣﺎت اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ ﺳﻧﺔ9ﻫـ ،وﺻﻠﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟرﺳول
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﺻﻼة اﻟﻐﺎﺋب ﺑﻌد أن ﻧﻌﺎﻩ إﻟﯾﻪ ﺟﺑرﯾل .
203
-2ﻛﺗﺎﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ اﻟﻣﻘوﻗس ﻣﻠك ﻣﺻر .وﺣﺎﻣل اﻟﻛﺗﺎب ﻫو
ﺣﺎطب ﺑن أﺑﻲ ﺑﻠﺗﻌﺔ .وأﻛرم اﻟﻣﻘوﻗس ﻛﺗﺎب رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
204
،ووﺿﻌﻪ ﻓﻲ ﺣق ﻣن ﻋﺎج ،وﺧﺗم ﻋﻠﯾﻪ ،واﺣﺗﻔظ ﺑﻪ ،إﻻ أﻧﻪ ﻟم ﯾﺳﻠم ،
وأﻫدى اﻟﻣﻘوﻗس رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺟﺎرﯾﺗﯾن ﻫﻣﺎ ﻣﺎرﯾﺔ اﻟﻘﺑطﯾﺔ
وﺳﯾرﯾن .وأﻫداﻩ ﻛﺳوة ،وﺑﻐﻠﺔ ،وﻫداﯾﺎ أﺧرى ﺛﻣﯾﻧﺔ .واﺧﺗﺎر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم ﻣﺎرﯾﺔ ﻟﻧﻔﺳﻪ ،وأﻫدى أﺧﺗﻬﺎ ﺳﯾرﯾن ﻟﺣﺳﺎن ﺑن ﺛﺎﺑت.
-3ﻛﺗﺎﺑﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم إﻟﻰ ﻛﺳري أﺑروﯾز ﻣﻠك ﻓﺎرس .وﺣﺎﻣل اﻟﻛﺗﺎب ﻫو
ﻋﺑداﷲ ﺑن ﺣذاﻓﺔ اﻟﺳﻬﻣﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ .وﻣزق ﻛﺳرى ﻛﺗﺎب رﺳول اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻟم ﯾﺳﻠم .ﻓﻠﻣﺎ ﺑﻠﻎ ذﻟك اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﻗﺎل :ﻣزق اﷲ ﻣﻠﻛﻪ .ﻓﻛﺎن ذﻟك ،ﻓﻘد ﻫزم اﻟروم ﺟﯾوﺷﻪ ﻫزﯾﻣﺔ ﻣﻧﻛرة ،ﺛم
اﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﻪ إﺑﻧﻪ ﺷﯾروﯾﻪ ﻓﻘﺗﻠﻪ وأﺧذ ﻣﻠﻛﻪ ،وظل ﻣﻠك اﻟﻔرس ﯾﺗﻣزق ﺣﺗﻰ
اﺳﺗوﻟﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻣﺳﻠﻣون زﻣن ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ،ﺛم ﻟم ﺗﻘم
ﻟﻠﻔرس اﻟﻣﺟوس ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑﻌدﻫﺎ إﻟﻰ ﯾوﻣﻧﺎ ﻫذا .
-4ﻛﺗﺎﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ ﻫرﻗل ﻣﻠك اﻟروم .وﺑﻌث اﻟﻛﺗﺎب ﻣﻊ دﺣﯾﺔ ﺑن
ﺧﻠﯾﻔﺔ اﻟﻛﻠﺑﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ .وﻛﺎن ﻫرﻗل ﺣﺑ ارً وﻋﺎﻟﻣﺎً ﻣن ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻧﺻﺎرى ،
وﻟذا ﻋرف ﺑﺄن ﻣﺣﻣداً ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺻﺎدق ﻓﻲ دﻋوﺗﻪ ،وأﻧﻪ اﻟﻧﺑﻲ
اﻟذي ﺑﺷر ﺑﻪ ﻋﯾﺳﻰ ،وﻟﻛﻧﻪ ﺧﺎف ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻛﻪ ﻓﻠم ﯾﺳﻠم وﺑﺎء ﺑﺈﺛﻣﻪ ٕ ،واﺛم
رﻋﯾﺗﻪ ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم.
-5ﻛﺗﺎﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﺔ وﺳﻠم إﻟﻰ اﻟﺣﺎرث ﺑن أﺑﻲ ﺷﻣر اﻟﻐﺳﺎﻧﻲ .وﺣﺎﻣل اﻟﻛﺗﺎب
ﻫو ﺷﺟﺎع ﺑن وﻫب اﻷﺳدي رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ .وﻟﻣﺎ ﻗ أر اﻟﺣﺎرث ﻛﺗﺎب رﺳول اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم رﻣﻰ ﺑﻪ ،وﻫدد ﺑﻣﻬﺎﺟﻣﺔ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻟم ﯾﺳﻠم .
-6ﻛﺗﺎﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ أﻣﯾر ﺑﺻرى .وﺣﺎﻣل اﻟﻛﺗﺎب ﻫو اﻟﺣﺎرث ﺑن
ﻋﻣﯾر اﻷزدي اﻟذي اﻋﺗرﺿﻪ ﺣﺎﻛم اﻟﺑﻠﻘﺎء ﻓﻲ ﻣؤﺗﻪ ﺷرﺣﺑﯾل ﺑن ﻋﻣرو اﻟﻐﺳﺎﻧﻲ
205
وﻗﺗﻠﻪ .وﻏﺿب ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أﺷد اﻟﻐﺿب .وﻛﺎن ﻫذا اﻟﻐدر ﺳﺑﺑﺎً ﻓﻲ
ﻣﻌرﻛﺔ ﻣؤﺗﻪ ﻛﻣﺎ ﺳﻧﺑﯾن.
-7ﻛﺗﺎﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ ﻫوذة ﺑن ﻋﻠﻲ ﺣﺎﻛم اﻟﯾﻣﺎﻣﺔ .وﺣﺎﻣل اﻟﻛﺗﺎب
ﻫو ﺳﻠﯾط ﺑن ﻋﻣرو اﻟﻌﺎﻣري ،واﺷﺗرط ﻫوذة ﻋﻠﻰ رﺳول اﷲ أن ﯾﺟﻌل ﻟﻪ اﻷﻣر
ﻣن ﺑﻌدﻩ وﯾﺳﻠم ،ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم :ﻟو ﺳﺄﻟﻧﻲ ﻗطﻌﺔ ﻣن اﻷرض ﻣﺎ
ﻓﻌﻠت.
-8ﻛﺗﺎب رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ اﻟﻣﻧذر ﺑن ﺳﺎوي ﻣﻠك اﻟﺑﺣرﯾن .
وﺑﻌث اﻟﻛﺗﺎب ﻣﻊ اﻟﻌﻼء ﺑن اﻟﺣﺿرﻣﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ،ﻓﺎﺳﻠم اﻟﻣﻧذر وﺑﻌض
أﻫل اﻟﺑﺣرﯾن ،وأﺑﻘﺎﻩ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ ﻋﻣﻠﻪ.
- 9ﻛﺗﺎﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ ﻣﻠﻛﻲ ﻋﻣﺎن ﺟﯾﻔر وﻋﺑد إﺑﻧﻲ اﻟﺟﻠﻧدي .
وﺣﺎﻣل اﻟﻛﺗﺎب ﻫو ﻋﻣرو ﺑن اﻟﻌﺎص رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ،ﻓﺄﺳﻠم ﺟﯾﻔر وأﺧوﻩ
وأﺑﻘﺎﻫﻣﺎ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋﻠﻰ ﻋﻣﻠﻬﻣﺎ ،وأﻋﺎﻧﺎ ﻋﻣرو ﺑن
اﻟﻌﺎص ﻋﻠﻰ ﺟﻣﻊ اﻟﺻدﻗﺔ.
ج : 144ﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﻓﻲ ﻣﺣرم ﺳﻧﺔ 7ﻫـ ،أي ﺑﻌد ﻋودﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم ﻣن اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ ﺑﻧﺣو ﺷﻬر وﻧﺻف .أﻣﺎ ﺳﺑﺑﻬﺎ ﻓﻬو أن ﺧﯾﺑر ﻛﺎﻧت ﻣﻌﻘﻼً
ﻟﻠﯾﻬود .وﻓﯾﻬﺎ ﻧﺣو ﻋﺷرة آﻻف ﯾﻬودي .وﻛﺎﻧت وﻛ ارً ﻟﻠدﺳﺎﺋس واﻟﻣؤاﻣرات ٕواﺛﺎرة
اﻟﺣرب ﺿد اﻹﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .ﻓﯾﻬود ﺧﯾﺑر ﻫم اﻟذﯾن ﺟﻣﻌوا ﻗرﯾﺷﺎً وﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب
ﺿد اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻛﺎﻧت ﻏزوة اﻷﺣزاب .وﻫم اﻟذﯾن ﺣرﺿوا ﺑﻧﻲ
206
ﻗرﯾظﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻐدر ﺑرﺳول اﷲ .وﻫم اﻟذﯾن ﺣرﺿوا اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن وﻏطﻔﺎن واﻷﻋراب ﺿد
اﻹﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .وﻣﺎ وﺟدوا ﻓرﺻﺔ ﻟﻠﻧﯾل ﻣن اﻹﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن إﻻ إﻧﺗﻬزوﻫﺎ .
وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﯾرﯾد ﻏزوﻫم .ﻓﻠﻣﺎ ﺗم ﺻﻠﺢ اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ ،وأﻣن ﺟﺎﻧب
ﻗرﯾش ﺧرج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻟﺗطﻬﯾر ﺧﯾﺑر ﻣن ﻫؤﻻء اﻷﺧﺎﺑث .وﻗد وﻋد اﷲ ﺗﺑﺎرك
وﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﺳورة اﻟﻔﺗﺢ ﻓﺗﺣﺎً ﻗرﯾﺑﺎً ،وﻣﻐﺎﻧم ﻛﺛﯾرة ﯾﺄﺧذوﻧﻬﺎ ﻗﺑل دﺧوﻟﻬم
ﻣﻛﺔ ﻟﻠﻌﻣرة .وﺗﺣﻘق وﻋد اﷲ ﻓﻲ ﻓﺗﺢ ﺧﯾﺑر ﻓﻲ ﻣﺣرم ﺳﻧﺔ 7ﻫـ.
207
س : 146ﻣﺎ أﺣداث ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﺑﺎﺧﺗﺻﺎر؟
ﯾور
ج : 146ﻓﻲ ﻣﺣرم ﺳﻧﺔ 7ﻫـ ﺧرج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم إﻟﻰ ﺧﯾﺑر ،وﻟم ّ
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑل أﻋﻠن أﻧﻪ ﺧﺎرج إﻟﻰ ﯾﻬود ﺧﯾﺑر ﻷن اﷲ ﻗد وﻋدﻩ ﺧﯾﺑر وﻏﻧﺎﺋﻣﻬﺎ .
وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم واﺛﻘﺎً ﻣن ﻧﺻر اﷲ .ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻬود ﺧﯾﺑر ﯾﺗوﻗﻌون ﺧروج رﺳول
اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﯾﻬم ،ﻓﻬم ﯾﻌرﻓون أن ﻣﺎﺿﯾﻬم ﻣﻌﻪ أﺳود ،وأن
ﺻﻔﺣﺎﺗﻬم ﻣﻠﯾﺋﺔ ﺑﺎﻟﻐدر واﻟﻣؤاﻣرات .ﻛﻣﺎ أﻧﻬم ﯾﻌرﻓون أﺳﻠوب اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ أﻣﺛﺎﻟﻬم ﻣن اﻟﺧوﻧﺔ واﻟﻣﺗﺂﻣرﯾن ﻛﻣﺎ ﻓﻌل ﺑﺈﺧواﻧﻬم ﺑﻧﻲ ﻗﯾﻧﻘﺎع ،
وﺑﻧﻲ اﻟﻧﺿﯾر ،وﺑﻧﻲ ﻗرﯾظﺔ ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وﻟذا اﺳﺗﻌدوا ﺑﺗرﻣﯾم اﻟﺣﺻون ٕ ،واﻋداد
اﻟﻌدة ،وﺗدرﯾب اﻟﻣﻘﺎﺗﻠﯾن ﻛل ﯾوم ﻣﻊ اﻟﻔﺟر ﺣﺗﻰ إذا وﺻل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
واﻟﻣﺳﻠﻣون ﺧﯾﺑر ﻟﯾﻼً أﻟﻘﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻬم وﻋﻠﻰ دواﺑﻬم وﺑﻬﺎﺋﻣﻬم اﻟﻧوم ﻧﺻرة ﻣن اﷲ
ﻟرﺳوﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .ﻓﻣﺎ ﺻﺎح ﻟﻬم دﯾك ،وﻻ ﺷﻌر ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﯾن أﺣد ﻣن اﻟﯾﻬود إﻻ
ﺑﻌد طﻠوع اﻟﺷﻣس ﺣﯾن ﺧرج ﻣزارﻋوا اﻟﯾﻬود إﻟﻰ ﻣزارﻋﻬم ،ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻗد ﻧزﻟوا
ﺑﺳﺎﺣﺗﻬم ﻓﺻﺎﺣوا :ﻣﺣﻣد واﻟﺧﻣﯾس ) أي اﻟﺟﯾش( ووﻟوا ﻫﺎرﺑﯾن إﻟﻰ اﻟﺣﺻون.
ﻓﻘﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :اﷲ أﻛﺑر ﺧرﺑت ﺧﯾﺑر ،إﻧﺎ إذا ﻧزﻟﻧﺎ ﺑﺳﺎﺣﺔ ﻗوم ﻓﺳﺎء
ﺻﺑﺎح اﻟﻣﻧذرﯾن ) .اﻟﺷﻛل . (28
208
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻷﻋطﯾن اﻟراﯾﺔ ﻏداً رﺟﻼً ﯾﺣب اﷲ ورﺳوﻟﻪ ،وﯾﺣﺑﻪ اﷲ ورﺳوﻟﻪ ،
ﯾﻔﺗﺢ ﻋﻠﻰ ﯾدﯾﻪ .ﻓﻛﺎن ﻫذا اﻟرﺟل ﻋﻠﻲ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب اﻟذي ﻗﺗل ﻣرﺣب ﻓﺎرس
اﻟﯾﻬود اﻷول ،وأﻗﺗﺣم ﻫو واﻟﻣﺳﻠﻣون اﻟﺣﺻن وﻓﺗﺣوﻩ .ﻓﻬرب اﻟﯾﻬود إﻟﻰ ﺣﺻن
اﻟﺻﻌب ﺑن ﻣﻌﺎذ ،ﻓطﺎردﻫم اﻟﻣﺳﻠﻣون ،وﺣﺎﺻروا اﻟﺣﺻن ،وﻓﺗﺣوﻩ ﺑﻌد أن
ﻫﺎﺟﻣوﻩ ﺑﺷدة ﻓﻲ اﻟﯾوم اﻟﺛﺎﻟث .ووﺟدوا ﺑداﺧل اﻟﺣﺻن طﻌﺎﻣﺎً ﻛﺛﯾ ارً ﻓرح ﺑﻪ
اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺑﻌد أن ﺟﺎﻋوا ﻓﻲ اﻷﯾﺎم اﻟﻣﺎﺿﯾﺔ وذﺑﺣوا اﻟﺣﻣر اﻷﻫﻠﯾﺔ ،ﻓﻧﻬﻰ اﻟرﺳول
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋن ﻟﺣوﻣﻬﺎ ،وأﻣر ﺑﺎﻟﻘدور ﻓﺄﻛﻔﺋت ﺑﻌد أن طﺑﺧت ﻓﯾﻬﺎ ﻟﺣوم
اﻟﺣﻣر .
209
وﻓر اﻟﯾﻬود إﻟﻰ ﻗﻠﻌﺔ اﻟزﺑﯾر وﺗﺣﺻﻧوا ﺑﻬﺎ ،ﻓطﺎردﻫم اﻟﻣﺳﻠﻣون وﻓرﺿوا
ﻋﻠﯾﻬم اﻟﺣﺻﺎر .وﻓﻲ اﻟﯾوم اﻟراﺑﻊ أرﺷد ﯾﻬودي اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻋﻠﻰ ﺟداول ﻣﺎء أرﺿﯾﺔ
ﻛﺎن ﯾﺳﺗﻘﻲ ﻣﻧﻬﺎ اﻟﯾﻬود ،ﻓﻘطﻌﻬﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻋﻧﻬم ،ﻓﺧرج اﻟﯾﻬود وﻗﺎﺗﻠوا ﻗﺗﺎﻻً
ﺷدﯾداً ﺛم اﻧﻬزﻣوا إﻟﻰ ﺣﺻن أﺑﻲ أﺣد ﺣﺻون اﻟﺷق ،ﻓﻼﺣﻘﻬم اﻟﻣﺳﻠﻣون
وﺣﺎﺻروﻫم .ﻓﺧرج اﻟﯾﻬود ﻟﻠﻣﺑﺎرزة واﻟﻘﺗﺎل .وﻗﺗل ﻣﻧﻬم ﻣن ﻗﺗل ،ﺛم اﻗﺗﺣم
اﻟﻣﺳﻠﻣون اﻟﺣﺻن ﻓﻔر اﻟﯾﻬود إﻟﻰ ﺣﺻن اﻟﻧزار آﺧر ﺣﺻون اﻟﺷق .ﻓطﺎردﻫم
اﻟﻣﺳﻠﻣون إﻟﻰ ذﻟك اﻟﺣﺻن اﻟذي ﻛﺎن أﻣﻧﻊ وأﻗوى ﺣﺻون ﺧﯾﺑر ،وﻟذا ﺟﻣﻊ ﻓﯾﻪ
اﻟﯾﻬود اﻟﻧﺳﺎء واﻟذراري وأﻣواﻟﻬم اﻟﺛﻣﯾﻧﺔ .وﻧﺻب اﻟﻣﺳﻠﻣون اﻟﻣﻧﺟﻧﯾق ﻓوﻗﻊ اﻟرﻋب
ﻓﻲ ﻗﻠوب اﻟﯾﻬود وﻫرﺑوا إﻟﻰ ﺣﺻن اﻟﻘﻣوص أﺣد ﺣﺻون اﻟﻛﺗﯾﺑﺔ ﻓﺣﺎﺻرﻫم
اﻟﻣﺳﻠﻣون أﻛﺛر ﻣن أرﺑﻌﺔ ﻋﺷر ﯾوﻣﺎً .واﻧﻬﺎرت ﻣﻌﻧوﯾﺎت اﻟﯾﻬود .وﻓﻲ آﺧر اﻷﻣر
اﺳﺗﺳﻠﻣوا واﺗﻔﻘوا ﻣﻊ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋﻠﻰ أن ﯾﺳﻠﻣوا اﻟﺣﺻون وﻣﺎ
ﻓﯾﻬﺎ ﻣن ﻣﺎل وﺳﻼح إﻟﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وأن ﯾﺧرﺟوا وﻣن ﺑﻘﻲ ﻣن ﻧﺳﺎﺋﻬم وذرارﯾﻬم
إﻟﻰ اﻟﺷﺎم .ﻓواﻓق ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم .وﻟﻣﺎ ﺣﺻل اﻟﯾﻬود ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺎن ﻣن
رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم طﻠﺑوا ﻣﻧﻪ ﻗﺎﺋﻠﯾن :ﯾﺎ ﻣﺣﻣد دﻋﻧﺎ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻷرض
ﻧﺻﻠﺣﻬﺎ وﻧﻘوم ﻋﻠﯾﻬﺎ ،ﻓﻧﺣن أﻋﻠم ﺑﻬﺎ ﻣﻧﻛم ،وﺗﻌطﯾﻧﺎ ﻧﺻف ﻣﺎ ﯾﺧرج ﻣﻧﻬﺎ .
ﻓواﻓق ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺷرﯾطﺔ أن ﯾﺟﻠﯾﻬم ﻣﻧﻬﺎ ﻣﺗﻰ ﺷﺎء .ﻓﺑﻘوا ﻋﻠﻰ ذﻟك
ﺣﺗﻰ أﺟﻼﻫم ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ .
وﻛﺎﻧت ﺧﯾﺑر ﺗﺳﻣﻰ ﺑرﯾف اﻟﺣﺟﺎز ﻟﻛﺛرة ﻣزارﻋﻬﺎ وﻣﯾﺎﻫﻬﺎ ،ووﻓرة ﺧﯾراﺗﻬﺎ .وﻗد
أﺑﻘﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم اﻟﯾﻬود ﻟﻠﻌﻣل ﻓﻲ ﻣزارﻋﻬﺎ ﻷﺳﺑﺎب ﻣﻧﻬﺎ :
210
-1ﻟو ﻟم ﯾﺑ ِ
ق اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟﯾﻬود ﻓﻲ ﺧﯾﺑر ﻹﺻﻼح ﻣزارﻋﻬﺎ
ورﻋﺎﯾﺗﻬﺎ ﻻﺿطر ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﺑﻘﺎء ﻓﯾﻬﺎ وﺧﺎﺻﺔ اﻟذﯾن ﻟﯾس ﻟﻬم
ﻣزارع ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .وﺧﯾﺑر ﺗﺑﻌد ﻋن اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻣﺳﯾر ﻋدة أﯾﺎم .واﻟرﺳول ﺑﺣﺎﺟﺔ
ﻣﺎﺳﺔ إﻟﻰ أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻟﻠﺑﻘﺎء ﻣﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻋﺎﺻﻣﺔ اﻹﺳﻼم ودوﻟﺗﻪ ﻟﻠدﻓﺎع ﻋﻧﻬﺎ
،وﻟﺗﻌﻠﯾﻣﻬم وﺗرﺑﯾﺗﻬم ،وﻟﻠﻐزو ﻣﻌﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم إذا ﻏ از ،وﻟﺗﺳﯾﯾر
اﻟﺳراﯾﺎ وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻷﻣور اﻟﺗﻲ اﺿطرﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻹﺑﻘﺎء اﻟﯾﻬود ﻓﻲ ﻣزارع
ﺧﯾﺑر ﻟﯾﺑﻘﻰ أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻋﻠﯾﻬم رﺿوان اﷲ ﺑﺟوارﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ.
-2إن ﺷوﻛﺔ اﻟﯾﻬود ﻓﻲ ﺧﯾﺑر ﻗد اﻧﻛﺳرت ﺑﻌد ﻣﻘﺗل زﻋﻣﺎﺋﻬم اﻟذﯾن ﻗﺗل ﺑﻌﺿﻬم
ﻗﺑل ﺧﯾﺑر ﻣﺛل ﺣﯾﻲ ﺑن أﺧطب ،وأﺑو راﻓﻊ ﺳﻼم ﺑن أﺑﻲ اﻟﺣﻘﯾق .وﻣﻧﻬم ﻣن
ﻗﺗل ﻓﻲ ﻣﻌﺎرك ﺧﯾﺑر أﻣﺛﺎل ﺳﻼم ﺑن ﻣﺷﻛم ،واﻟﺣﺎرث ﺑن أﺑﻲ زﯾﻧب ،وﻛﻧﺎﻧﺔ ﺑن
أﺑﻲ اﻟﺣﻘﯾق وﻓﺎرس ﺧﯾﺑر ﻣرﺣب وأﺧوﻩ ﯾﺎﺳر .وﻫﻛذا ﻟم ﯾﻌد ﻟﻠﯾﻬود زﻋﻣﺎء
ﯾﺧﺷﺎﻫم اﻟﻣﺳﻠﻣون ،أو ﯾﻛون ﻟﻬم ﻗدرة ﻋﻠﻰ ﺗﺣرﯾض اﻟﯾﻬود ﺿد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
ﯾﺑق ﺑﯾد اﻟﯾﻬود ﺳﻼح ﺑﻌد ﺧﯾﺑر ﻓﻘد ﻏﻧم اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻛل أﺳﻠﺣﺔ
وﺧﺎﺻﺔ وأﻧﻪ ﻟم َ
اﻟﯾﻬود .
-3وأﺧﯾ ارً ﻓﻘد رأى اﻟﯾﻬود ﻗوة اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﻛﯾف ﻛﺳروا ﺷوﻛﺗﻬم ،واﺳﺗوﻟوا ﻋﻠﻰ
ﺣﺻوﻧﻬم اﻟﻣﻧﯾﻌﺔ وﻫم ﻓﻲ أﻋﻠﻰ درﺟﺎت ﻗوﺗﻬم واﺳﺗﻌدادﻫم ﻣﻣﺎ ﺟﻌل اﻟرﺳول
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣون ﯾﺳﺗﺑﻌدون أن ﯾﻘوم اﻟﯾﻬود ﺑﺣرﻛﺔ ﺗﻣرد أو اﻟﺧروج
ﻋﻠﻰ طﺎﻋﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﺧﺎﺻﺔ أﻧﻬم أﺻﺑﺣوا ﺑﻼ زﻋﻣﺎء ﻣؤﺛرﯾن وﺑﻼ ﺳﻼح .
211
س : 147ﻣﺎذا ﻓﻌل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﻌد ﻓﺗﺢ ﺧﯾﺑر ؟ وﻛم ﻛﺎن ﻗﺗﻠﻰ
اﻟﻔرﯾﻘﯾن ؟
-1ﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻏﺗﯾﺎﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺣﯾث أﻫدت إﻣرأة ﻣن اﻟﯾﻬود إﺳﻣﻬﺎ زﯾﻧب ﺑﻧت
اﻟﺣﺎرث اﻟﺗﻲ ﺗﺄﻟﻣت ﻛﺛﯾ ارً ﻟﻣﻘﺗل أﺑﯾﻬﺎ اﻟﺣﺎرث ،وﻋﻣﯾﻬﺎ ﯾﺎﺳر وﻣرﺣب ،وزوﺟﻬﺎ
ﺳﻼم ﺑن ﻣﺷﻛم ﻋﻠﻰ ﯾد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﺄﻫدت ﻟﻠرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺷﺎةً
ﻣﻸﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺳم وﺧﺎﺻﺔ اﻟذراع ﻟﻌﻠﻣﻬﺎ أن اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﺣب اﻟذراع .
ﻓﻠﻣﺎ ﺗﻧﺎوﻟﻬﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣن اﻟذراع ﻟﻘﻣﺔ وﻻﻛﻬﺎ ﻟﻔظﻬﺎ وﻗﺎل :إن ﻫذﻩ اﻟذراع
ﻟﺗﺧﺑرﻧﻲ أﻧﻬﺎ ﻣﺳﻣوﻣﺔ .وطﻠب ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ اﻟذﯾن ﻣﻌﻪ أن ﯾرﻓﻌوا أﯾدﯾﻬم ﻋن
اﻟﺷﺎة وأن ﯾﺣﺗﺟﻣوا .وﺳﺄل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻟﻣرأة واﻟﯾﻬود ﻓﺎﻋﺗرﻓوا ﺑﺟرﻣﻬم وﻗﺎﻟوا
:إن ﻛﻧت ﻣﻠﻛﺎً اﺳﺗرﺣﻧﺎ ﻣﻧك ٕ ،وان ﻛﻧت ﻧﺑﯾﺎً ﻻ ﯾﺿرك .ﺛم أﻣر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
212
ﺑﺣﺑس اﻟﻣرأة ،ﺛم ﻗﺗﻠﻬﺎ ﻗﺻﺎﺻﺎً ﻷن ﺑﺷر ﺑن اﻟﺑراء ﺑن ﻣﻌرور ﻣﺎت ﻣن ﻫذا
اﻟﺳم .
-2ﻗدوم ﺟﻌﻔر ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب وﻣن ﻣﻌﻪ ﻣن ﻣﻬﺎﺟري اﻟﺣﺑﺷﺔ اﻟذﯾن وﺻﻠوا اﻟﻣدﯾﻧﺔ
ﻣﻊ ﻋﻣرو ﺑن أﻣﯾﺔ اﻟﺿﻣري ،ﺛم ﻟﺣﻘوا ﺑﺎﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﺧﯾﺑر ،ﻓﻠﻣﺎ
رآﻫم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻗﺎم ﻓرﺣﺎً ﯾﺟر رداءﻩ ﺣﺗﻰ إﻋﺗﻧق ﺟﻌﻔر وﻗﺎل
:واﷲ ﻣﺎ أدري ﺑﺄﯾﻬﻣﺎ أﻧﺎ أﺷد ﻓرﺣﺎً ﺑﻘدوم ﺟﻌﻔر وﻣن ﻣﻌﻪ ،أم ﺑﻔﺗﺢ ﺧﯾﺑر .
ج : 149أﻣﺎ ﯾﻬود ﻓدك وﺗﯾﻣﺎء ﻓﺈﻧﻬم ﻟﻣﺎ ﻋﻠﻣوا ﺑﺳﻘوط ﺧﯾﺑر وﺣﺻوﻧﻬﺎ ﺑﯾد
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن أرﺳﻠوا إﻟﻰ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﯾطﻠﺑون ﻣﻧﻪ اﻟﺻﻠﺢ ﻋﻠﻰ أن
ﯾدﻓﻌوا اﻟﺟزﯾﺔ ،ﻓواﻓق ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم.
أﻣﺎ ﯾﻬود وادي اﻟﻘرى ﻓﻘد ﺳﺎر إﻟﯾﻬم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ،
ودﻋﺎﻫم إﻟﻰ اﻹﺳﻼم ﻓﺄﺑوا إﻻ اﻟﻘﺗﺎل ،ﻓﻘﺎﺗﻠﻬم ،ﻓﺎﻧدﺣروا ﺑﻌد أن ﻗﺗل ﻣﻧﻬم ﻣن ﻗﺗل
،ﺛم اﺳﺗﺳﻠﻣوا ﻓﺻﺎﻟﺣﻬم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ أن ﯾﺑﻘوا ﻓﻲ اﻷرض ﻟﻠﻌﻣل
ﻓﯾﻬﺎ ﻣﻘﺎﺑل ﻧﺻف اﻟﺛﻣﺎر .وﺑذﻟك ﻗﺿﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ ﻧﻔوذ اﻟﯾﻬود ﻓﻲ ﺷﻣﺎل
اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وأﺻﺑﺢ اﻟﻣﺳﻠﻣون آﻣﻧﯾن ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺗﯾن اﻟﺟﻧوﺑﯾﺔ ﺑﺻﻠﺢ اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ ﻣﻊ
ﻗرﯾش ،واﻟﺷﻣﺎﻟﯾﺔ ﺑﺎﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ ﺳﻠطﺔ اﻟﯾﻬود ﻓﻲ ﺧﯾﺑر وﻣﺎ ﺟﺎورﻫﺎ .وأﺻﺑﺣت
ﻗوة اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن أﻛﺑر وأﻋز ﻗوة ﻓﻲ ﺟزﯾرة اﻟﻌرب ،وﻟذا ﺗوﺟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم
ﺑﻌد ﺧﯾﺑر إﻟﻰ ﺗﺄدﯾب اﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ اﻋﺗﺎدت اﻟﺳﻠب واﻟﻧﻬب ،واﻟﻛر واﻟﻔر .وﻟم
213
ﯾﺗﻣﻛن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣن اﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﯾﻬم ﻷﻧﻪ ﻛﻠﻣﺎ ﺳﺎر إﻟﯾﻬم وﺳﻣﻌوا ﺑﻣﺳﯾرﻩ ﻫرﺑوا
ﻋﺎدوا إﻟﻰ اﻟﺗﺟﻣﻊ واﻟﺗﺣزب ﻟﻺﻏﺎرة ﻋﻠﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﺗﻔرﻗوا ﻓﺈذا ﻋﺎد اﻟرﺳول
وﺿواﺣﯾﻬﺎ ،وﻟذا أرﺳل إﻟﯾﻬم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻟﺳراﯾﺎ ﺗﻠو اﻟﺳراﯾﺎ وﻣن ﻫذﻩ اﻟﺳراﯾﺎ :
-ﺳرﯾﺔ ﺷﺟﺎع ﺑن وﻫب اﻷﺳدي إﻟﻰ ﺟﻣﻊ ﻣن ﻫوازن ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ 8ﻫـ.
-ﺳرﯾﺔ ﻛﻌب ﺑن ﻋﻣﯾر اﻟﻐﻔﺎري إﻟﻰ ذات أطﻼح ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ
8ﻫـ .وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻟﺳراﯾﺎ.
-ﺳرﯾﺔ ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب إﻟﻰ ﺗرﺑﺔ ﻓﻲ ﺷﻌﺑﺎن ﺳﻧﺔ 7ﻫـ .
-ﺳرﯾﺔ أﺑو ﺑﻛر اﻟﺻدﯾق إﻟﻰ ﻧﺟد ﻓﻲ ﺷﻌﺑﺎن ﺳﻧﺔ 7ﻫـ .
-ﺳرﯾﺔ ﺑﺷﯾر ﺑن ﺳﻌد إﻟﻰ ﻧﺎﺣﯾﺔ ﻓدك ﻓﻲ ﺷﻌﺑﺎن ﺳﻧﺔ 7ﻫـ .
-ﺳرﯾﺔ ﻏﺎﻟب ﺑن ﻋﺑد اﷲ اﻟﻠﯾﺛﻲ إﻟﻰ ﺑطن ﻧﺧل ﻓﻲ رﻣﺿﺎن ﺳﻧﺔ 7ﻫـ .
-ﺳرﯾﺔ أﺑﻲ اﻟﻌوﺟﺎء اﻟﺳﻠﻣﻲ إﻟﻰ ﺑﻧﻲ ﺳﻠﯾم ﻓﻲ ذي اﻟﺣﺟﺔ ﺳﻧﺔ 7ﻫـ .
اﻟﺣرم وﯾدﺧﻠوا ﻣﻛﺔ ﺑﺳﻼح اﻟﻣﺳﺎﻓر اﻟﺳﯾوف ﻓﻲ اﻟﻘرب ﺣﺳب اﻟﺻﻠﺢ .
214
أﺣرم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﻣن ﺑﺎب ﻣﺳﺟدﻩ اﻟﺷرﯾف وﻗﯾل ﻣن ذي
اﻟﺣﻠﯾﻔﺔ وﺳﺎر ﻋﻠﻰ طرﯾق اﻟﻔرع ﺑﻌﯾداً ﻋن ذي اﻟﺣﻠﯾﻔﺔ .وﻟﻣﺎ وﺻﻠوا ﻣﻛﺔ ﺟﻌﻠوا
اﻟﺳﻼح ﻗرﯾﺑﺎً ﻣﻧﻬم ﺧﺎرج اﻟﺣرم ﺗﺣت اﻟﺣراﺳﺔ ،ودﺧﻠوا ﻣﻛﺔ ﺑﺳﻼح اﻟﻣﺳﺎﻓر ،
ﻣن ﺧرج ﻣن ﻣﻛﺔ ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾرى وﺧرج اﻟﻣﺷرﻛون إﻟﻰ رؤوس اﻟﺟﺑﺎل وﻣﻧﻬم
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻫم ﯾدﺧﻠون ﻣﻛﺔ آﻣﻧﯾن .وأﻣر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أﺻﺣﺎﺑﻪ أن ﯾظﻬروا اﻟﻘوة
ﻟﻠﻣﺷرﻛﯾن وذﻟك ﺑﺄن ﯾرﻣﻠوا ﻓﻲ اﻷﺷواط اﻟﺛﻼﺛﺔ اﻷوﻟﻰ .وطﺎف ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﺑﯾت .وأﻛﻣﻠوا ﻣﻧﺎﺳك اﻟﻌﻣرة .وﺑﻘوا ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ﺣﺳب
اﻟﺻﻠﺢ .ﻓﻠﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﯾوم اﻟراﺑﻊ ﺧرج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﻌد أن ﺗزوج
ﻣﯾﻣوﻧﺔ ﺑﻧت اﻟﺣﺎرث اﻟﻌﺎﻣرﯾﺔ أﺧت أم اﻟﻔﺿل زوﺟﺔ اﻟﻌﺑﺎس ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب رﺿﻲ
اﷲ ﻋﻧﻬم أﺟﻣﻌﯾن .
أﻣﺎ ﻗﺻﺔ إﺳﻼم ﺧﺎﻟد ﻓﻬﻲ ﺑﺎﺧﺗﺻﺎر أن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻛﺎن
ﺣرﯾﺻﺎً ﻋﻠﻰ إﺳﻼﻣﻪ ﻟﻘدراﺗﻪ اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ ،وﻣﻬﺎراﺗﻪ اﻟﻘﺗﺎﻟﯾﺔ ﻓﻬو -إذا أﺳﻠم –
ِ
وﻣﺣﺎرﺑﺔ ،وﻟذا ﻣﺣﺎرﺑﺔ
َ ﻣﻛﺳب وﻗوة ﻟدوﻟﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﻠﺣظﺔ دوﻟﺔ
ﺣرص ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ إﺳﻼم ﺧﺎﻟد ،ﻓﻛﺎن ﯾﺳﺄل ﻋﻧﻪ أﺧﺎﻩ اﻟوﻟﯾد ﺑن اﻟوﻟﯾد اﻟذي
215
أﺳﻠم أﯾﺎم ﻛﺎن اﻟرﺳول ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ﻗﺑل اﻟﻬﺟرة .وﻟﻣﺎ دﺧل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣﻛﺔ ﻓﻲ ﻋﻣرة
اﻟﻘﺿﺎء ﺳﺄل ﻋن ﺧﺎﻟد اﻟذي ﻛﺎن ﻗد ﺧرج ﻣن ﻣﻛﺔ .ﻓﺟﺎء اﻟوﻟﯾد إﻟﻰ ﻣﻧزل أﺧﯾﻪ
ﻓﻠم ﯾﺟدﻩ ،ﻓﻛﺗب ﻟﻪ ﻛﺗﺎﺑﺎ أﺧﺑر ﻓﯾﻪ ﺧﺎﻟداً ﺑﺳؤال رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﻋﻧﻪ ،ور ّﻏﺑﻪ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ،وﺷﺟﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﻋدم اﻟﺗﺑﺎطؤ .ﯾﻘول ﺧﺎﻟد ﺑﻌدﻣﺎ ﻗ أر
اﻟﻛﺗﺎب :ﻧﺷطت ﻓﻲ اﻟﺧروج ،وزادﻧﻲ رﻏﺑﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ،وﺳرﻧﻲ ﺳؤال رﺳول اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋﻧﻲ ،ورأﯾت ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎم ﻛﺄﻧﻲ ﻓﻲ ﺑﻼد ﺿﯾﻘﺔ ﻣﺟدﺑﺔ ،
ﻓﺧرﺟت ﻓﻲ ﺑﻼد واﺳﻌﺔ .ﻓﻘﻠت :إن ﻫذﻩ ﻟرؤﯾﺎ .ﻓﻠﻣﺎ ﻗدﻣت اﻟﻣدﯾﻧﺔ ذﻛرﺗﻬﺎ ﻷﺑﻲ
ﺑﻛر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﻘﺎل :ﻣﺧرﺟك اﻟذي ﻫداك اﷲ ﻟﻺﺳﻼم ،واﻟﺿﯾق اﻟذي ﻛﻧت
ﻓﯾﻪ ﻣن اﻟﺷرك .
وﻟﻣﺎ ﻋزم ﺧﺎﻟد ﻋﻠﻰ اﻟﺧروج إﻟﻰ رﺳول اﷲ ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻟﻘﻲ ﻋﺛﻣﺎن ﺑن طﻠﺣﺔ ،
وأﺧﺑرﻩ ﺑﺄﻧﻪ ذاﻫب إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻟﯾﺳﻠم .ﻓﻘﺎل ﻋﺛﻣﺎن :وأﻧﺎ أرﯾد اﻟذي أردت .ﻓﺧرﺟﺎ
ﺳوﯾﺎ ﺣﺗﻰ إذا ﻗطﻌﺎ ﻣن اﻟطرﯾق ﻣرﺣﻠﺔ ﻟﻘﯾﺎ ﻋﻣرو ﺑن اﻟﻌﺎص ﻓراﻓﻘﻬﻣﺎ ﺣﺗﻰ دﺧل
اﻟﺛﻼﺛﺔ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وأﺳﻠﻣوا ،وﺑﺎﯾﻌوا اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟذي ﻓرح ﻛﺛﯾ ارً
وﻗﺎل :ﻟﻘد أﻟﻘت إﻟﯾﻛم ﻣﻛﺔ ﺑﺄﻓﻼذ ﻛﺑدﻫﺎ.
أﻣﺎ ﻋﻣرو ﺑن اﻟﻌﺎص ﻓﻘد ﻛﺎن ﺑﺎﻟﺣﺑﺷﺔ ،وأﺳﻠم ﻋﻠﻰ ﯾد اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ ،ﺛم ﻗدم اﻟﻣدﯾﻧﺔ
وﻛﺎن اﻟذي ذﻛرت.
216
واﺣﺗواء اﻟﻛﻔﺎءات ،واﻟﻣواﻫب ،واﻟﻘدرات ﻓﻲ أوطﺎﻧﻬﺎ ،واﻟﻌﻣل ﻋﻠﻰ إﺑﻘﺎﺋﻬﺎ ﻓﻲ
ﺑﻠداﻧﻬﺎ ﺑﺗﻘدﯾﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﯾرﻫﺎ ،وﺗﻬﯾﺋﺔ اﻷﺳﺑﺎب اﻟﺗﻲ ﺗدﻓﻊ أﺻﺣﺎﺑﻬﺎ وﺗرﻏﺑﻬم ﻓﻲ
اﻟﺑﻘﺎء ﻟﺧدﻣﺔ أﻣﺗﻬم وأوطﺎﻧﻬم .
ﻓﻬل ﻓﻌل اﻟﻣﺳﻠﻣون اﻟﯾوم ﺷﯾﺋﺎً ﻣن ﻫذا ؟ .وﻫل أﺧذوا ﺑﺄﺳﺑﺎب اﻟﻘوة اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ
ﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻌﺻر؟ ﻻ واﷲ .إن اﻟﻘوة اﻟﻣطﻠوﺑﺔ اﻟﯾوم ﻟﯾﺳت ﻗوة اﻟﺻﺎروخ وﻻ اﻟطﺎﺋرة ،
وﻻ اﻟدﺑﺎﺑﺔ وﻻ ﻗوة ﻏﯾرﻫﺎ ﻣن أدوات اﻟﺣروب واﻟﺗدﻣﯾرٕ ،واﻧﻣﺎ ﻫﻲ ﻗوة اﻟﻌﻠم اﻟﺗﻲ
ﺗﻘف ﻣﻊ أﺻﺣﺎﺑﻬﺎ اﻟﻌﻠﻣﺎء وراء ﻛل ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﺟزات ووراء ﻛل ﻫذﻩ اﻟﻘوى .ﻓﺄﯾن
ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﯾوم ؟ وأﯾن اﻟﻌﻘول اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﻣﻧﺗﺟﺔ ؟ وأﯾن اﻟﺑﺎﺣﺛون...
وأﯾن ....وأﯾن ؟ ﻟﻘد ﻫﺎﺟروا وﺗرﻛوا أوطﺎﻧﻬم ﻷﻧﻬم ﻟم ﯾﺟدوا ﻣﺎ ﯾﺑﻘﯾﻬم ﻓﯾﻬﺎ وﯾﻌﯾﻧﻬم
ﻋﻠﻰ اﻟﻌطﺎء .وﻟم ﯾﺟدوا ﻓﯾﻬﺎ ﻛراﻣﺔ ﻟﻬم وﻻ ﻟﻠﻌﻠم اﻟذي ﯾﺣﻣﻠوﻧﻪ وﻟم ﯾﺟدوا ﻣن
ﯾﺳﺄل ﻋﻧﻬم وﯾﺣرص ﻋﻠﯾﻬم ،وﯾﻘدم ﻟﻬم ﻣﺎ ﯾﺷﺟﻌﻬم ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻘﺎء واﻟﻌطﺎء .ﻓﻬﺎﺟروا
ﺷرﻗﺎً وﻏرﺑﺎً ﺣﯾث وﺟدوا اﻟﻛراﻣﺔ ،ووﺟدوا اﻟدﻋم ،ووﺟدوا اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘدرﻫم
وﺗﻌﯾﻧﻬم ﻋﻠﻰ ﺗﻘدﯾم ﻣﺎ ﻟدﯾﻬم ﻣﻣﺎ ﻓﯾﻪ ﻧﻔﻊ وﺧﯾر ﺗﻠك اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﺧﺎﺻﺔ ،
واﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻋﺎﻣﺔ .ﻟم ﻧﺑﺣث ﻋن ﻫؤﻻء ﻛﻣﺎ ﻧﺑﺣث ﻋن ﻻﻋﺑﻲ اﻟﻛرة .وﻟم ﻧﻘدم ﻟﻬم
ﻣن اﻟﺗﻘدﯾر ،واﻟدﻋم ،واﻟﻣﺎل ﻣﺎ ﻧﻘدﻣﻪ ﻟﻸﻧدﯾﺔ واﻟﻼﻋﺑﯾن .ﻓﺗرﻛوا أوطﺎﻧﻬم ،
ورﺣﻠوا ﺑﻌﻠﻣﻬم ،وﻗدراﺗﻬم ،وﻛﻔﺎءاﺗﻬم .وﺣطّوا رﺣﺎﻟﻬم ،وﻧزﻟوا ﺑﺳﺎﺣﺔ ﻣن ﯾﻌرف
ﻟﻬم ﻗدرﻫم ،وﺣﻘﻬم ،وﻓﺿﻠﻬم .وﺻدق اﻟﺷﺎﻋر ﺣﯾن ﻗﺎل:
217
ﻟﻘد ﺧﺳرﻧﺎﻫم ،وﺧﺳرﻧﺎ ﻋﻠﻣﻬم ،وﻗدراﺗﻬم ،وﻣﻬﺎراﺗﻬم ،وﻋطﺎءاﺗﻬم ،ﻓﺗﺄﺧرﻧﺎ
وﻗدرﻫم ،ودﻋﻣﻬم ﻓﻲ اﻟﺷرق واﻟﻐرب .ﻓﻬل
ﻓﻲ ﺣﯾن ﺗﻘدم ﻣن اﺣﺗﺿﻧﻬم ّ ،
ﻧﻌﻲ ﺧطورة ﻣﺎ ﻧﺻﻧﻊ ﺑﺣق ﻫذﻩ اﻟﻌﻘول ؟ وﺣق ﻫؤﻻء اﻟﻌﻠﻣﺎء ؟ .وﻫل ﻧﺳﺗﻔﯾد
ﻣن ﻗﺻﺔ إﺳﻼم ﺧﺎﻟد ﻫذﻩ ؟ .ﺑﺎﻷﻣس اﻓﺗدت إﺳراﺋﯾل أﺣد ﺟﻧودﻫﺎ وﻫو ﺷﺎﻟﯾط
ب 477أﺳﯾر ﻣن اﻷﺳرى اﻟﻌرب ﻓﻲ ﺳﺟوﻧﻬﺎ .ﻧﻌم ....أطﻠﻘت ﻫذا اﻟﻌدد
ﻓداء ﻷﺳﯾر واﺣد ﻟﯾس ﻣن ﻋﻠﻣﺎﺋﻬﺎ ،ﺑل ﻣن ﺟﻧودﻫﺎ ،و
ً اﻟﻛﺑﯾر ﻣن اﻷﺳرى
ﻟﻛﻧﻪ ٍ
ﻏﺎل ،وﻛرﯾم ،وﻋزﯾز ﻋﻠﻰ أﻣﺗﻪ ،ﻓﺿﺣت ﻓﻲ ﺳﺑﯾل ﻓﻛﺎﻛﻪ وﺧﻼﺻﻪ ﻣن
اﻷﺳر ﺑﻬذا اﻟﻌدد اﻟﻛﺑﯾر ﻣن اﻷﺳرى اﻟﻌرب .ﻟﻘد ﺿﺣت أﻣﺗﻬم ﻣن أﺟﻠﻬم ،
ﻓﺿﺣوا ﻣن أﺟﻠﻬﺎ .ﻓﻬل ﻓﻛرﻧﺎ ﻓﻲ ﻫذا ؟ وﻫل ﻧﻔﺗدي ﻋﻠﻣﺎءﻧﺎ ،وﺑﺎﺣﺛﯾﻧﺎ ﻣن
أﺳر اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻐرﺑﯾﺔ واﻟﺷرﻗﯾﺔ ،وﻧﻘدم ﻟﻬم ﻣﺎ ﯾرﺿﯾﻬم وﯾرﻏﺑﻬم ﻓﻲ اﻟﺑﻘﺎء
ﻣﻌﻧﺎ وﺑﯾﻧﻧﺎ ﻟﺗﺳﺗﻔﯾد ﻣﻧﻬم أﻣﺗﻬم .وﻧﻔﻌل ﻛﻣﺎ ﻓﻌل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺣﯾن
ﻗﺎل ﻓﻲ ﺣق ﺧﺎﻟد :ﻟو ﺟﻌل ﻧﻛﺎﯾﺗﻪ و ِﺟدﱠﻩ ﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻟﻛﺎن
ﺧﯾ ارً ﻟﻪ ،وﻟﻘدﱠﻣﻧﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﻏﯾرﻩ ؟ .ﻧﻌم .....ﻫﻛذا ﯾرﻏب ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﺧﺎﻟد ﻓﻲ اﻻﻧﺿﻣﺎم إﻟﻰ اﻹﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ..
ﯾﻘدﱢﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﯾرﻩ ﻷﻧﻪ ﻣﻛﺳب وﻣﺻدر ﻗوة ﻟﻺﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ....ﻓﻬل ر ّﻏﺑﻧﺎ
ﻋﻠﻣﺎءﻧﺎ ،وﺑﺎﺣﺛﯾﻧﺎ اﻟذﯾن ﻫم ﻣﻛﺳب وﻣﺻدر ﻗوة ﻟﻸﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻘﺎء ﺑﯾﻧﻧﺎ
وﻗدﻣﻧﺎﻫم ﻋﻠﻰ ﻻﻋﺑﻲ اﻟﻛرة واﻟﻔﻧﺎﻧﯾن وأﻣﺛﺎﻟﻬم ﻣﻣن ﻛﺎﻧوا ﺳﺑﺑﺎً ﻓﻲ ﺿﯾﺎع اﻷﻣﺔ
ّ
وﻓﻲ ﻟﻬوﻫﺎ ؟
218
ﻋﺷرون !...ﻣﺎﺋﺔ !...أﻟف ! ....؟ ﻻ ...ﻟﻘد ﻛﺎن واﺣدا ﻓﻘط ...واﺣدا ﻻ ﻏﯾر .
ﻓﻬل ﻓﻛرﻧﺎ وﺳﺄﻟﻧﺎ ﻋن ﻣﺋﺎت اﻷﻟوف ﻣن اﻟﻌﻠﻣﺎء ،واﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ،وﻏﯾرﻫم ﻣن أﺻﺣﺎب
اﻟﻣواﻫب واﻟﻛﻔﺎءات ﻣن اﻟﻌرب واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟذﯾن اﺣﺗﺿﻧﺗﻬم واﺣﺗﺿﻧت ﻋﻠﻣﻬم وﻣواﻫﺑﻬم
ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﻓﻲ اﻟﻐرب واﻟﺷرق ﻷن أﻣﺗﻬم ﻟم ﺗﺳﺄل ﻋﻧﻬم وﺗﻘدرﻫم ﺣق ﻗدرﻫم ؟ ﻟﻘد
ﺧﺳرﻧﺎﻫم ،وﺧﺳرﻧﺎ ﻋﻠﻣﻬم ،وﻋطﺎءﻫم واﷲ اﻟﻣﺳﺗﻌﺎن .
ج : 152ﻫﻲ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﺳرﯾﺔ ﺑﻌﺛﻬﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﺗﺄدﯾب اﻟروﻣﺎن وﻹظﻬﺎر
ﻗوة اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ٕ ،واﺷﻌﺎر اﻟروم ﺑﺣﻘﯾﻘﺔ اﻹﺳﻼم وﺣﻘﯾﻘﺔ ﻗوة اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﺑﺄﻧﻬم ﻻ
ﯾﻐزون وﯾﻘﺎﺗﻠون ﻟﻠﻐﻧﺎﺋم وﻻ ﻟﻠﺳﻠب واﻟﻧﻬب ٕواﻧﻣﺎ ﻟﻠدﻋوة إﻟﻰ اﷲ ،وأﻧﻬم ﻟﯾﺳوا ﻛﺑﻘﯾﺔ
اﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟﺑدوﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻘﺎﺗل ﻟﻠﺳﻠب واﻟﻧﻬب ،وﻟﻸﻋﺷﺎب واﻟﻣﯾﺎﻩ واﻟدﯾﺎر وﻧﺣوﻫﺎ .وﻟم
ﯾﺧرج اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺟﯾش ،وﻟذا وﺣﺳب ﺗﻌرﯾﻔﻧﺎ ﻟﻠﻐزوة
واﻟﺳرﯾﺔ ﻓﻬﻲ ﺳرﯾﺔ ،وﻟﻛن ﻏﻠب ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﺎت اﻟﻣؤرﺧﯾن وﻛﺗﺎب اﻟﺳﯾرة وﻣﻧﻬم اﻹﻣﺎم
اﻟﺑﺧﺎري رﺣﻣﻪ اﷲ ﺗﺳﻣﯾﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻐزوة ﻟﺗﻌدد ﻗﺎدﺗﻬﺎ ،وﻟﻛﺛرة ﻣن ﺷﺎرك ﻓﯾﻬﺎ ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
،ﺣﯾث ﺷﺎرك ﻓﯾﻬﺎ ﻧﺣو ﺛﻼﺛﺔ آﻻف رﺟل .وﻫﻲ أﻛﺑر ﻗوة ﯾﺷﻛﻠﻬﺎ وﯾرﺳﻠﻬﺎ اﻟرﺳول
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺣﺗﻰ ﯾوﻣﻪ ذاك .
وﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﻓﻲ ﺟﻣﺎدي اﻷوﻟﻰ ﺳﻧﺔ 8ﻫـ .وﺳﺑﺑﻬﺎ أن اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻌث اﻟﺣﺎرث ﺑن ﻋﻣﯾر اﻷزدي رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺑرﺳﺎﻟﺔ إﻟﻰ ﺣﺎﻛم
ﺑﺻرى ،ﻓﺄﻋﺗرﺿﻪ ﺣﺎﻛم اﻟﺑﻠﻘﺎء وﻫﻲ ﻓﻲ اﻷردن وﻓﯾﻬﺎ ﻣؤﺗﻪ وﺣﺎﻛﻣﻬﺎ ﻫو
219
ﺷرﺣﺑﯾل ﺑن ﻋﻣرو اﻟﻐﺳﺎﻧﻲ اﻟذي اﻋﺗرض رﺳول رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم وﻗﺗﻠﻪ .وﻗﺗل اﻟرﺳل واﻟﺳﻔراء ﺟرﯾﻣﺔ ﺷﻧﯾﻌﺔ ،وﻟذا ﻏﺿب ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،
وﻋزم ﻋﻠﻰ ﺗﺄدﯾب اﻟروﻣﺎن وأﺗﺑﺎﻋﻬم ﻣن اﻟﻐﺳﺎﺳﻧﺔ وﻋرب اﻟﺷﺎم اﻟذﯾن ﻛﺛﯾ ار ﻣﺎ
أﺳﺎءوا اﻷدب ﻣﻊ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﻘﺗﻠوا ﻣن دﻋﺎة
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻋدة رﺟﺎل ،وﻗﺗﻠوا اﻟﺣﺎرث ﺑن ﻋﻣﯾر اﻷزدي ،وﻫددوا ﺑﺎﺣﺗﻼل
اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وﻟذا ﻛﺎن ﻻﺑد ﻣن ﺗﺄدﯾﺑﻬم .
220
وﺻل اﻟﺟﯾش اﻹﺳﻼﻣﻲ إﻟﻰ ﻣﻌﺎن ،وﻫﻧﺎك ﻋﻠﻣوا ﺑﺄن ﻫرﻗل ﻗد ﺟﻣﻊ ﻟﺣرب
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺟﯾﺷﺎً ﻗواﻣﻪ ﻣﺎﺋﺗﺎ أﻟف ﻣﻘﺎﺗل ﻣن اﻟروم وﻣن ﻧﺻﺎرى اﻟﻌرب اﻟذﯾن
ﻛﺎن ﯾﻘودﻫم ﻣﺎﻟك ﺑن راﻓﻠﺔ .وﺗﺷﺎور اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻓﻲ ﻣﺎذا ﯾﻔﻌﻠون ﻟﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺟﯾش
ﺑﻬذا اﻟﻌدد اﻟﺿﺧم وﻫم ﻻ ﯾزﯾدون ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ آﻻف رﺟل .وأﺧﯾ ارً اﺳﺗﻘر أﻣرﻫم
ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻘدم إﻟﻰ ﻣؤﺗﺔ ﻟﻣﻼﻗﺎة اﻟروﻣﺎن .وﻫﻧﺎك اﻟﺗﻘﻰ اﻟﺟﯾﺷﺎن ﻓﻲ ﻣﻌرﻛﺔ ﻏﯾر
ﻣﺗﻛﺎﻓﺋﺔ ،وﻗد أﯾﻘن اﻟروﻣﺎن ﺑﺄﻧﻬم ﺳﯾﺑﯾدون اﻟﺟﯾش اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺧﻼل ﺳﺎﻋﺔ ﻣن
221
ﻧﻬﺎر ،وﻟﻛﻧﻬم ﻓوﺟﺋوا ﺑرﺟﺎل ﻟم ﯾﻌرﻓوا ﻣﺛﻠﻬم ﻗط ﺷﺟﺎﻋﺔ ٕ ،واﻗداﻣﺎً .ﻟﻘد أروا
أﻧﺎﺳﺎً ﯾﻧدﻓﻌون إﻟﻰ اﻟﻘﺗﺎل ،وﯾﺑﺣﺛون ﻋن اﻟﻣوت ،وﻻ ﯾﻘف أﻣﺎﻣﻬم ﺷﻲء ﺣﺗﻰ
ﺑﺎءت ﻛل ﻫﺟﻣﺎت اﻟروﻣﺎن ﺑﺎﻟﻔﺷل .واﻧدﻓﻊ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﯾﻣزﻗون ﺻﻔوف اﻟروﻣﺎن
وﯾﻘﺗﻠون .واﺳﺗﻣر اﻟﻘﺗﺎل ﺳﺑﻌﺔ أﯾﺎم وﺟد اﻟروﻣﺎن ﻓﻲ اﻷﯾﺎم اﻟﺳﺗﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻧﻬﺎ
اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻷﻫوال واﻟﺷداﺋد .وﺷدﻫوا ﻣن ﺷﺟﺎﻋﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﺑﺎﻟﻐﺔ ،وﻗد ظﻧوا
ﻓﻲ اﻟﯾوم اﻷول أن اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﺳﺗﺣﺳم ﻟﺻﺎﻟﺣﻬم ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣن ﻧﻬﺎر .ﻟﻘد ﺗﻌود
اﻟروﻣﺎن ﻗﺑل ﻟﻘﺎءﻫم ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﻣؤﺗﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﺗﻠﺔ اﻟﻔرس وأﺗﺑﺎﻋﻬم ﻣن
أﺻﺣﺎب اﻟﻘﻠوب اﻟﺧﺎوﯾﺔ ﻣن اﻹﯾﻣﺎن ،واﻟﺣرﯾﺻﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣﯾﺎة .أﻣﺎ اﻟﯾوم ﻓﺈﻧﻬم
أﻣﺎم رﺟﺎل ﯾﺣﻣﻠون ﻗﻠوﺑﺎً ﻋﺎﻣرة ﺑﺎﻹﯾﻣﺎن .ﺗﺑﺣث ﻋن اﻟﻣوت ﻓﻲ ﻣﯾﺎدﯾن اﻟﻘﺗﺎل
ﻓﻲ ﺳﺑﯾل اﷲ ﻟﺗﻌﯾش اﻟﺣﯾﺎة اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻫﻧﺎك ﺑﻌد اﻟﻣوت واﻻﺳﺗﺷﻬﺎد ﻓﻲ ﺳﺑﯾل
اﷲ ﻓﻲ ﺟﻧﺔ ﻋﺎﻟﯾﺔ .وﻣﺎ ﻛﺎن اﻟروﻣﺎن ﯾﻌرﻓون ﻫذا ﺣﺗﻰ رأوﻩ ﺑﺄﻋﯾﻧﻬم ﻓﻲ
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﯾوم ﻣؤﺗﺔ .وﻓﻲ اﻟﯾوم اﻟﺳﺎدس ﻣن اﻟﻣﻌرﻛﺔ أﺳﺗﺷﻬد زﯾد ﺛم ﺟﻌﻔر،
ﺛم أﺳﺗﺷﻬد ﻋﺑداﷲ ﺑن رواﺣﺔ آﺧر اﻟﻧﻬﺎر ﻓﺣﻣل اﻟﻠواء ﺧﺎﻟد ﺑن اﻟوﻟﯾد رﺿﻲ
اﷲ ﻋﻧﻪ اﻟذي ﻧظم اﻟﺟﯾش أﺛﻧﺎء اﻟﻠﯾل ﺗﻧظﯾﻣﺎً ﯾﺳﻌﻰ ﻣن وراﺋﻪ إﻟﻰ اﻹﯾﻘﺎع
ﺑﺎﻟروﻣﺎن ﺛم اﻻﻧﺳﺣﺎب ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﻌد أن ﯾﻠﻘﻧوا اﻟروﻣﺎن درﺳﺎً ﻟن ﯾﻧﺳوﻩ .
ﻓﻣﺎذا ﻓﻌل ﺧﺎﻟد ؟
ﻟﻘد أﻣر اﻟﻔرﺳﺎن أن ﯾﺗراﺟﻌوا ﻟﯾﻼً وﯾراﺑطوا ﺧﺎرج ﻣؤﺗﺔ ،ﻓﺈذا أﺻﺑﺢ اﻟﺻﺑﺎح
ﻧزﻟوا ﻣﯾدان اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻓرﻗﺔ ...ﻓرﻗﺔ ﺑﺄﺻوات ﻋﺎﻟﯾﺔ ﺑﺎﻟﺗﻛﺑﯾر ،وﺧﯾل ﺗﻌدو وﺗﺛﯾر
اﻟﻧﻘﻊ ﻹﯾﻬﺎم اﻟروﻣﺎن ﺑﺄن ﻣدداً ﻗد وﺻل اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﺗﻧﻛﺳر ﻧﻔﺳﯾﺎﺗﻬم وﻫم اﻟذﯾن
ﻋﺎﻧوا ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ اﻷﯾﺎم اﻟﻣﺎﺿﯾﺔ ﻣﺎ ﻋﺎﻧوا ﻓﻛﯾف وﻗد ﺟﺎءﻫم ﻣدد .
222
ﻛﻣﺎ ﻏﯾر ﺧﺎﻟد ﻣواﻗﻊ اﻟﻣﻘﺎﺗﻠﯾن ﻓﺟﻌل اﻟﻣﯾﻣﻧﺔ ﻣﯾﺳرة ،واﻟﻣﯾﺳرة ﻣﯾﻣﻧﺔ ،
واﻟﻣﻘدﻣﺔ ﺳﺎﻗﺔ ،واﻟﺳﺎﻗﺔ ﻣﻘدﻣﺔ .وﻏﯾر اﻟراﯾﺎت واﻷﻟوﯾﺔ .وﻧﺟﺣت ﺧطﺔ ﺧﺎﻟد
.ﻓﻘد رأى اﻟروﻣﺎن وﺟوﻫﺎً ﺟدﯾدة ،وراﯾﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،و أروا ﻛﺗﺎﺋب اﻟﻔرﺳﺎن ﺗﺄﺗﻲ
ﻣن ﺑﻌﯾد وﺗﻧزل ﻣﯾدان اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﺑﺄﺻوات ﻋﺎﻟﯾﺔ ﺑﺎﻟﺗﻛﺑﯾر ،وﻏﺑﺎر ﯾﻣﻸ اﻟﺳﻣﺎء ،
ﻓﺗزﻟزﻟت أﻗداﻣﻬم ،واﻣﺗﻸت ﻗﻠوﺑﻬم ﺑﺎﻟرﻋب .وﻗ أر ﺧﺎﻟد ذﻟك ﻓﻲ وﺟوﻩ اﻟروﻣﺎن ،
ﻓﺄﻣر أﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﻬﺟوم ،ﻓﻬﺟﻣوا ﻻ ﯾﻔﻛرون إﻻ ﻓﻲ اﻟﻣوت ،واﻛﺗﺳﺣوا ﺟﯾش
ﻓر ﻣن اﻟﻣﻌرﻛﺔ
اﻟروﻣﺎن ،وﻓرﻗوا ﺻﻔوﻓﻬم .ﻓﺗراﺟﻊ اﻟروﻣﺎن ﻛﺛﯾ ارً .وﻣﻧﻬم ﻣن ّ
.واﻣﺗﻸ ﻣﯾدان اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﺑﺎﻟﻘﺗﻠﻰ وﺧﺎﺻﺔ ﻣن اﻟروﻣﺎن .وﻋﻧدﻣﺎ ﺟﺎء اﻟﻣﺳﺎء ،
وﻓﺻل اﻟظﻼم ﺑﯾن اﻟﺟﯾﺷﯾن ،وﻓﯾﻣﺎ اﻟروﻣﺎن ﯾﻔﻛرون ﻛﯾف ﯾﻠﻘون اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
ﻏداً وﻗد أروا ﻣﻧﻬم اﻷﻫوال ﻓﻲ ﻫذا اﻟﯾوم ،إﻧﺳﺣب ﺧﺎﻟد ﺑﺎﻟﺟﯾش ﻋﻠﻰ ﺷﻛل
ﻛﺗﺎﺋب ﯾﺣﻣﻲ ﺑﻌﺿﻬﺎ ﺑﻌﺿﺎَ أﺛﻧﺎء اﻟﺗراﺟﻊ ،وأﯾﻘن اﻟروﻣﺎن أن ﻫذا اﻻ ﻧﺳﺣﺎب
إﻧﻣﺎ ﻫو ﺧدﻋﺔ وﻣﻛﯾدة ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﻌد أن ﺟﺎءﻫم اﻟﻣدد ،وأﻧﻬم ﯾﻌدون
اﻟﻛﻣﺎﺋن ﻟﯾوﻗﻌوا ﺑﺎﻟروم ،ﻓﺄﺣﺟﻣوا ﻋن اﻟﻣطﺎردة .وﺗﻣﻛن اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣن
اﻹﻧﺳﺣﺎب وﻋﺎدوا إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺑﻌد أن ﺣﻘﻘوا اﻟﻬدف ﻣن ﺧروﺟﻬم ﻫذا وﻫو
اﻟوﺻول إﻟﻰ ﻣؤﺗﺔ ﺣﯾث ﻗُﺗل اﻟﺣﺎرث اﺑن ﻋﻣﯾر اﻷزدي ،وﺗﺄدﯾب اﻟروﻣﺎن ﻫﻧﺎك
وﻓﻲ ﻋﻘر دارﻫم ،وﺣﯾث ﻗﺗل ﺻﺎﺣﺑﻬم ،وﻧﺟﺣوا ﻓﻲ ﺗﺣﻘﯾق اﻟﻬدف .ﻓﻘد
أﻋﺟزوا اﻟروﻣﺎن وﺣﻠﻔﺎءﻫم اﻟﺑﺎﻟﻎ ﻋددﻫم ﻣﺎﺋﺗﺎ أﻟف ﻣﻘﺎﺗل ﺳﺑﻌﺔ أﯾﺎم ،وﻗﺗﻠوا
ﻣﻧﻬم اﻟﻛﺛﯾر .ﯾدل ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻗول ﺧﺎﻟد اﻟذي ﯾروﯾﻪ اﻟﺑﺧﺎري :ﻟﻘد اﻧﻛﺳرت ﻓﻲ
ﯾدي ﯾوم ﻣؤﺗﺔ ﺗﺳﻌﺔ أﺳﯾﺎف وﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻓﻲ ﯾدي إﻻ ﺻﺣﯾﻔﺔ ﯾﻣﺎﻧﯾﺔ .ﻛﻣﺎ ﺷﻬد
ﻟﻬم اﻟرﺳول ﺑﺎﻟﻧﺻر ﺣﯾن ﻗﺎل :إن اﷲ رﻓﻊ ﻟﻲ اﻷرض ﺣﺗﻰ رأﯾت ﻣﻌرﻛﺗﻬم .
وﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :أﺧذ اﻟراﯾﺔ زﯾد ﻓﺄﺻﯾب ،ﺛم أﺧذﻫﺎ ﺟﻌﻔر ﻓﺄﺻﯾب ،ﺛم
223
أﺧذﻫﺎ اﺑن أﺑﻲ رواﺣﺔ ﻓﺄﺻﯾب -وﻋﯾﻧﺎﻩ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺗذرﻓﺎن اﻟدﻣﻊ -
ﺣﺗﻰ أﺧذﻫﺎ ﺳﯾف ﻣن ﺳﯾوف اﷲ ﺣﺗﻰ ﻓﺗﺢ اﷲ ﻋﻠﯾﻬم .وﻫذﻩ ﺷﻬﺎدة ﻣن
رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وأﻧﻌم ﺑﻬﺎ ﻣن ﺷﻬﺎدة ،وﻛﻔﻲ ﺑﻬﺎ ﺷﻬﺎدة
ﻟﻬذا اﻟﺟﯾش اﻟﻣﺳﻠم اﻟﺻﻐﯾر ﻓﻲ ﻋددﻩ ،اﻟﻛﺑﯾر ﻓﻲ أﻋﻣﺎﻟﻪ وﺑطوﻻﺗﻪ .ﻓرﺿﻲ
اﷲ ﻋﻧﻬم أﺟﻣﻌﯾن ،وأﺳﻛت ﻣن ﻧﺎﻟﻬم ﺑﺳوء ،وأﺧرس ﻣن ﻗﺎل ﺑﺄﻧﻬم ﻫزﻣوا .
إﻧﻬم ﺟﻧود اﷲ ٕ ،واﻧﻪ ﺟﯾش ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟذي ﻻ ﯾﻬزم.
أﻣﺎ ﻗﺗﻠﻰ اﻟروﻣﺎن ﻓﺈن ﻛﺗب اﻟﺗﺎرﯾﺦ ذﻛرت ﺑﺄن ﻗﺗﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻛﺎﻧوا إﺛﻧﻲ ﻋﺷر
رﺟﻼً .اﻟﻘﺎدة اﻟﺛﻼﺛﺔ وﺗﺳﻌﺔ آﺧرون .أﻣﺎ ﻗﺗﻠﻰ اﻟروﻣﺎن ﻓﻘد ﻛﺎﻧوا ﻛﺛﯾ ارً ﻟدرﺟﺔ
أن اﻟروﻣﺎن ﻟم ﯾﺗﺣدﺛوا ﻋﻧﻬم .ﻓﻣﺎذا ﯾﻘوﻟون ﻟﻠﺗﺎرﯾﺦ ؟ ﻫل ﯾﻘوﻟون ﺟﯾش
ﺻﻐﯾر ﻗﺗل ﻣﻧﺎ ﻛذا وﻛذا ؟ وﻓﻌل ﺑﻧﺎ ﻛذا وﻛذا وﻫم ﯾﻌدون أﻧﻔﺳﻬم أﻗوى ﺟﯾش
ﯾوﻣﻬﺎ ؟ .وﻣن ﻗﺗﻼﻫم ﻣﺎﻟك ﺑن راﻓﻠﺔ ﻗﺎﺋد ﻧﺻﺎرى اﻟﻌرب .أﻣﺎ ﻋدد ﻗﺗﻠﻰ
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن واﻟذي ﺗذﻛرﻩ ﻛﺗب اﻟﺗﺎرﯾﺦ ،ﻓﺈن ﺿراوة اﻟﻣﻌرﻛﺔ ،وطوﻟﻬﺎ ،وﻛﺛرة
اﻟﻌدو وﻗوﺗﻪ ﺗﺟﻌل اﻟﻧﻔس ﻻ ﺗطﻣﺋن ﻟﻬذا اﻟﻌدد .ﻓﻼ ﺷك أﻧﻬم ﻛﺎﻧوا أﻛﺛر
وﻟﻛﻧﻬم ﻟم ﯾﻛوﻧوا ﻣﻌروﻓﯾن ﻋﻧد اﻟﻧﺎس ،ورﺑﻣﺎ ﻛﺎن أﻛﺛرﻫم ﻣن اﻟﻘﺑﺎﺋل ﺧﺎرج
اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻟم ﯾﻌرﻓﻬم ﻣن ﻛﺗب ﻋن ﻫذﻩ اﻟﻣﻌرﻛﺔ ،وﻟﻛن ﻫذا ﻻ ﯾﺿرﻫم ﻓﻬم
ﻣﻌروﻓون ﻋﻧد اﷲ .
224
اﻟﺟﯾش اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻘﻠﯾل اﻟﻌدد واﻟﻌدة ﺟﯾش اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ وﺣﻠﻔﺎﺋﻬﺎ وﻫم أﻛﺛر
ﻋدداً وﻋدة ،وﻗﺎﺗﻠوﻫم ﻓﻲ ﻋﻘر دارﻫم ،وﻟﻣدة ﺳﺑﻌﺔ أﯾﺎم دوﺧوا ﻓﯾﻬﺎ اﻟروﻣﺎن
اﻟذﯾن ﻣﺎ ﻛﺎﻧوا ﯾﺣﺳﺑون ﻟﻠﻌرب ﺣﺳﺎﺑﺎً ،وﻣﺎ ﻛﺎﻧوا ﯾﺗوﻗﻌون ﯾوﻣﺎً أﻧﻪ ﺳﯾﺧرج
ﺟﯾش ﻣن ﺟزﯾرة اﻟﻌرب ﻟﯾﻬدد اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ وﯾﺧﺗرق ﺣدودﻫﺎ ،وﯾﻘﺎﺗل ﺟﯾﺷﻬﺎ
ﻓوق أراﺿﯾﻬﺎ ،وﯾﻔﻌل ﺑﻬﺎ وﺑﺟﯾﺷﻬﺎ ﻣﺎ ﻓﻌل ﯾوم ﻣؤﺗﻪ .ﻟﻘد ﻋﻠّم اﻟﻣﺳﻠﻣون
اﻟروﻣﺎن ﻛﯾف ﯾﺻﻧﻊ اﻹﺳﻼم ﺑﺎﻷﻓراد واﻷﻣم ،وﻛﯾف ﯾﺑﻧﻲ اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻛرﯾﻣﺔ .ﻟﻘد
ﺻﻧﻊ اﻹﺳﻼم ﻣن أﻣﺔ اﻟﻌرب اﻟﺗﻲ ﻏﻠب ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻗﺑل اﻹﺳﻼم اﻟﺟﻬل ،واﻟﻔﻘر ،
واﻟﺑداوة ،واﻟﺗﺧﻠف أﻣﺔ ﻋرﻓت ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺣﯾﺎة ،وأﻧﻬﺎ ﻋرض ﻓﺎن .وأن اﻟﺣﯾﺎة
اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻫﻲ ﺑﻌد اﻟﻣوت .ﻓﻬم ﯾزﻫدون ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻌﺎﺟﻠﺔ وﯾﺿﺣون ﺑﻬﺎ ﻟﯾﻧﺎﻟوا
اﻟﺣﯾﺎة اﻟﺑﺎﻗﯾﺔ اﻟﻛرﯾﻣﺔ ﺑﻌد اﻟﻣوت ،وﻟذا ﻛﺎﻧت ﺗﺿﺣﯾﺎت أﺗﺑﺎع ﻫذا اﻟدﯾن
ﻋظﯾﻣﺔ .وﻛﺎن ﺟﻬﺎدﻫم وﺻﺑرﻫم ﻋظﯾﻣﺎً ،وﻟذا ﻛﺎﻧوا ﻋظﻣﺎء ﻓﻲ أﻧﻔﺳﻬم ،
وﻋظﻣﺎء ﻓﻲ ﻧظر أﻋداﺋﻬم ،ﻓﻬﺎﺑﻬم اﻟروﻣﺎن ﺑدءاً ﻣن ﯾوم ﻣؤﺗﻪ .ﻓﻘد رأﯾﻧﺎ أن
ﺧﺎﻟد ﺑن اﻟوﻟﯾد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺑﻌد أن ﻣزق اﻟﺟﯾش اﻟروﻣﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﯾوم اﻟﺳﺎﺑﻊ
ﻣن اﻟﻣﻌرﻛﺔ وأوﻗﻊ ﺑﻬم ﻫزﯾﻣﺔ ﻣﻧﻛرة إﻧﺳﺣب ﺗدرﯾﺟﯾﺎً ﺑﺎﻟﺟﯾش اﻹﺳﻼﻣﻲ وﻟم
ﯾﺟرؤ اﻟﺟﯾش اﻟروﻣﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻣطﺎردﺗﻪ ﺑل ﺳر ﻟﻬذا اﻻﻧﺳﺣﺎب .ﻛﻣﺎ أدﺧﻠت ﻫذﻩ
اﻟﻣﻌرﻛﺔ اﻟﻔزع ﻓﻲ ﻗﻠوب اﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻋﻠﻣت أن ﺟﯾﺷﺎً ﯾﺗﺣدى ﺟﯾش
اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ أراﺿﯾﻬﺎ ﻫو ﺟﯾش ﻻ ﯾﻘﻬر ،وﻟذا ﺗﺧﺎذﻟت ﻫذﻩ
اﻟﻘﺑﺎﺋل ،وأﺧذت ﺗراﺟﻊ ﺣﺳﺎﺑﺎﺗﻬﺎ وﻣواﻗﻔﻬﺎ ﻣن دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم ،ﻓرأت أن ﻣن
اﻟﺧﯾر أن ﺗدﺧل ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ،وأن ﺗﺻﺑﺢ ﺟزءاً ﻣن دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم ،ﻓﻠﻘد اﻫﺗزت
ﻣﻛﺎﻧﺔ اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ وﺟﯾﺷﻬﺎ ﻓﻲ ﻧظر ﻫذﻩ اﻟﻘﺑﺎﺋل وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻘﺑﺎﺋل
اﻟﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠروﻣﺎن ،واﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟﻣﺗﺎﺧﻣﺔ ﻟﺣدود اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ .ﻓﺳﺎرﻋت
225
ﻫذﻩ اﻟﻘﺑﺎﺋل وزﻋﻣﺎؤﻫﺎ ﻟﻠدﺧول ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻛﻣﺎ ﻓﻌل ﻓروة ﺑن ﻋﻣرو اﻟﺟذاﻣﻲ
ﻋﺎﻣل ﻫرﻗل ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎن.
وﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﺑداﯾﺔ اﻟﺻراع ﺑﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن واﻟروﻣﺎن ،ﻓﻛﺷﻔت ﺣﻘﯾﻘﺔ
اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ وﻗوة ﺟﯾﺷﻬﺎ ،وﻗﺿت ﻋﻠﻰ ﻏطرﺳﺗﻬﺎ .وأﻧﻪ ﻣن
اﻟﻣﻣﻛن إﺧﺿﺎﻋﻬﺎ ٕواذﻻﻟﻬﺎ إذا ﻟم ﺗدﺧل ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ،وﻟذا ﺟﺎءت ﺑﻌدﻫﺎ ﺑﻧﺣو
ﺳﻧﺔ وﺑﺿﻌﺔ أﺷﻬر ﻏزوة ﺗﺑوك اﻟﺗﻲ ﺳﻧﺗﺣدث ﻋﻧﻬﺎ ،ﺛم ﺟﺎءت ﺳرﯾﺔ أﺳﺎﻣﺔ
ﺑن زﯾد إﻟﻰ اﻟﺑﻠﻘﺎء ،ﺛم ﻛﺎﻧت ﻣﻌرﻛﺔ اﻟﯾرﻣوك اﻟﺗﻲ أطﺎح ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣون
ﺑﺎﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ وﻛﺑرﯾﺎﺋﻬﺎ ،وﻗﺿوا ﻋﻠﻰ وﺟودﻫﺎ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺷﺎم ،ﺛم
ﻓﻲ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ .وﻛﺎﻧت ﻣﻔﺗﺎﺣﺎً ﻟﻠﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟﻔﺎرﺳﯾﺔ ﻓﻲ
اﻟﻣﺷرق ﺑﻌد ﻧﺣو ﺳﻧﺗﯾن أو أﻗل .
ﯾﺎ ﻟﻬﺎ ﻣن اﻧﺗﺻﺎرات ﻋظﯾﻣﺔ ﺣﻘﻘﻬﺎ ذﻟك اﻟﺟﯾل اﻟﻣﺑﺎرك ...ﺟﯾل اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ
اﺑﺗداء
ً اﻟﻛرام .وواﷲ ﻣﺎ ﺟﺎءت ﺗﻠك اﻻﻧﺗﺻﺎرات إﻻ ﻷﻧﻬم اﻧﺗﺻروا ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺳﻬم
،ﻓﺎﻣﺗﻸت ﻗﻠوﺑﻬم ﺑﺎﻹﯾﻣﺎن ﻋﻘﯾدة ،وﺟﺳدوا اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﺟوارﺣﻬم ﻗوﻻً وﻋﻣﻼً .
وﻫذا ﻫو اﻟطرﯾق إذا أردﻧﺎ ﻷﻧﻔﺳﻧﺎ اﻟﯾوم ﻣن اﻟﻌزة واﻟﻛراﻣﺔ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻷوﻟﺋك .ﻓﻬل
ﻣن ﺳﺎﻣﻊ ﻣطﯾﻊ؟ وﻫل ﻣن ﻣﻘﺗد؟
ج : 155ﻛﺎﻧت ﻫذﻩ اﻟﺳرﯾﺔ ﻓﻲ ﺟﻣﺎدي اﻵﺧرة ﺳﻧﺔ 8ﻫـ ،وﺳﺑﺑﻬﺎ أن ﻗﺑﺎﺋل ﻗﺿﺎﻋﺔ
ﻓﻲ ﺷﻣﺎل اﻟﺟزﯾرة اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻟذﯾن ﺷﺎرﻛوا ﻓﻲ ﻣؤﺗﻪ ﻣﻊ اﻟروﻣﺎن ظﻧت أن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
226
ﺿﻌﻔﺎء ،وﻟذا ﻓﺈﻧﻬﺎ وﺑﺗﺣرﯾض ﻣن اﻟروﻣﺎن ﺟﻣﻌت ﺟﻣوﻋﺎً ﻛﺛﯾرة ﻟﻐزو اﻟﻣدﯾﻧﺔ .وﻋﻠم
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑذﻟك ﻓﺄراد أن ﯾﻔﺎﺟﺋﻬم وﯾﻛﺳب اﻟﺿرﺑﺔ اﻷوﻟﻰ ،ﻓﺄرﺳل ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ﻗوة ﻣن ﻧﺣو ﺛﻼﺛﻣﺎﺋﺔ رﺟل ،وأﻣر ﻋﻠﯾﻬم ﻋﻣرو ﺑن اﻟﻌﺎص رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ
ِ
ﯾﻣض ﻋﻠﻰ إﺳﻼﻣﻪ إﻻ ﻧﺣو أرﺑﻌﺔ أﺷﻬر .وﺳﺎر ﻋﻣرو ﺑن اﻟﻌﺎص ﺣﺗﻰ ﻧزل اﻟذي ﻟم
ﻋﻠﻰ ﻣﺎء ﯾﺳﻣﻰ ذات اﻟﺳﻼﺳل .وﻋﻠم ﻋﻣرو ﺑن اﻟﻌﺎص ﺑﺄن ﺟﯾش اﻟﻌدو ﻛﺛﯾر ،
ﻓطﻠب اﻟﻣدد ﻣن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،ﻓﺄﻣدﻩ اﻟرﺳول ﺑﻣﺎﺋﺗﯾن ﻣن ﺧﯾرة
اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن واﻷﻧﺻﺎر ﻓﯾﻬم أﺑو ﺑﻛر وﻋﻣر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم أﺟﻣﻌﯾن .وﺳﺎر اﻟﺟﯾش
اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﺗﻰ وﺻل أرض ﻗﺿﺎﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل ﻓﻬﺟم ﻋﻠﻰ ﺟﻣوﻋﻬم ،وﻓرﻗﻬم ،
وطﺎردﻫم ﺣﺗﻰ أﻗﺻﻰ ﺑﻼدﻫم ،واﻧﻬزﻣوا رﻏم ﻛﺛرﺗﻬم ودﻋم اﻟروم ﻟﻬم ،ﺛم أﻣر ﻋﻣر ﺑن
اﻟﻌﺎص ﺑوﻗف اﻟﻣطﺎردة ﺧوﻓﺎً ﻣن اﻟﻛﻣﺎﺋن .وﺑﻘﻲ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻫﻧﺎك ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ﯾﻌﻠﻧون
اﻟﺗﺣدي .ﺛم ﻋﺎدوا وﻟم ﯾﺻب أﺣد ﻣﻧﻬم ﺑﺄذى .
أﻣﺎ ﺳﺑﺑﻪ ﻓﯾﻌود إﻟﻰ ﺻﻠﺢ اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ اﻟذي ﺳﻣﺎﻩ اﷲ ﻓﺗﺣﺎً ،ﻓﻘد ذﻛرت أن ﻣن ﻧﺗﺎﺋﺞ ذﻟك
اﻟﺻﻠﺢ أﻧﻪ ﻛﺎن ﺳﺑﺑﺎً ﻓﻲ ﻓﺗﺢ ﻣﻛﺔ .ﻓﻛﯾف ذﻟك ؟
ﻛﺎن ﻣن ﺑﻧود ﺻﻠﺢ اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ أن ﻣن أراد أن ﯾدﺧل ﻓﻲ ﻋﻬد وﺣﻠف ﻣﺣﻣد وﻋﻘدﻩ دﺧل
ﻓﯾﻪ .وﻣن أراد أن ﯾدﺧل ﻓﻲ ﻋﻬد ﻗرﯾش وﻋﻘدﻫﺎ دﺧل ﻓﯾﻪ .ﻓدﺧﻠت ﺧزاﻋﺔ ﻓﻲ ﺣﻠف
ﻣﺣﻣد .ودﺧﻠت ﺑﻧو ﺑﻛر ﻓﻲ ﺣﻠف ﻗرﯾش .وﻛﺎن ﺑﯾن ﺧزاﻋﺔ وﺑﻧو ﺑﻛر ﻋداء ﺟﺎﻫﻠﻲ .
227
ﻓﺎﻋﺗدت ﺑﻧو ﺑﻛر ﺣﻠﻔﺎء ﻗرﯾش ﻋﻠﻰ ﺧزاﻋﺔ ﺣﻠف ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﯾﻼً ﻋﻠﻰ
ﻣﺎء ﻟﺧزاﻋﺔ ﯾﻘﺎل ﻟﻪ اﻟوﺗﯾر ﻗرﯾﺑﺎ ﻣن ﻣﻛﺔ .وأﻋﺎﻧت ﻗرﯾش ﺑﻧﻲ ﺑﻛر ﺑﺎﻟﺳﻼح .وﻗﺎﺗل
ﻣﻌﻬم رﺟﺎل ﻣن ﻗرﯾش ﻣﺳﺗﺧﻔﯾن ﻓﻲ ظﻼم اﻟﻠﯾل .وﻗﺗل ﻣن ﺧزاﻋﺔ رﺟﺎل ﻛﺛﯾر .وﻫذا
ﯾﻌﺗﺑر ﻧﻘﺿﺎً ﻟﻠﺻﻠﺢ ﺑﯾن ﻗرﯾش وﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،ﻓﻘد اﻋﺗدى ﺑﻧو ﺑﻛر
وﺳﺎﻋدﺗﻬم ﻗرﯾش ﻓﻲ ﻋدواﻧﻬم ﻋﻠﻰ ﺧزاﻋﺔ ﺣﻠﻔﺎء ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
س :157ﻫل ﻋﻠم ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻬذا اﻹﻋﺗداء ؟ وﻣﺎذا ﻓﻌل ؟
ج : 157ﻧﻌم .ﻋﻠم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻬذا اﻻﻋﺗداء .ﻓﻘد ﺧرج ﻋﻣرو ﺑن ﺳﺎﻟم اﻟﺧزاﻋﻲ
إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وأﺧﺑر اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻣﺎ ﺣدث ﺷﻌ ارً .ﺛم ﺟﺎء ﺑدﯾل ﺑن ورﻗﺎء
اﻟﺧزاﻋﻲ ﻓﻲ رﺟﺎل ﻣن ﺧزاﻋﺔ ﻓﺄﺧﺑروا اﻟرﺳول ﺑﻣﺎ ﺟرى ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم :
ﻧﺻرت ﯾﺎ أﺧﺎ ﺧزاﻋﺔ .وأﺧذ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﯾﺗﺟﻬز .وأﻣر اﻟﻧﺎس ﺑﺎﻟﺗﺟﻬز .وﻟم ﯾﺧﺑر
أﺣداً ﺑوﺟﻬﺗﻪ إﻻ أﺑﺎ ﺑﻛر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ .واﺳﺗﻧﻔر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم اﻟﻧﺎس وﻗﺎل :
اﻟﻠﻬم ﺧذ اﻟﻌﯾون واﻷﺧﺑﺎر ﻋن ﻗرﯾش ﺣﺗﻰ ﻧﺑﻐﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻼدﻫﺎ .
ج : 158ﺣﺎطب ﺑن أﺑﻲ ﺑﻠﺗﻌﺔ ﺻﺣﺎﺑﻲ ﺟﻠﯾل ﻣن أﻫل ﺑدر ،وﻛﺎن ﻟﻪ أﻫل ووﻟد ﻓﻲ
ﻣﻛﺔ .وﻟﯾس ﻟﻪ ﻓﯾﻬﺎ أﺻل وﻻ ﻋﺷﯾرة ﯾﺣﻣون أﻫﻠﻪ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺣرب .ﻓﺄراد رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻪ أن ﯾﺗﺧذ ﻟﻪ ﻋﻧد ﻗرﯾش ﻣﻌروﻓﺎً وﯾداً ﻟﻌﻠﻬﺎ ﺗﺣﻣﻲ أﻫﻠﻪ ووﻟدﻩ .ﻓﺄرﺳل ﺑرﺳﺎﻟﺔ
ﺳرﯾﺔ إﻟﻰ ﻗرﯾش ﯾﺧﺑرﻫﺎ ﺑﺧروج ﻣﺣﻣد وأﺻﺣﺎﺑﻪ إﻟﯾﻬم .
228
وأطﻠﻊ اﷲ رﺳوﻟﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﻣر .ﻓﺑﻌث ﺑﻌض أﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﻣﻼﺣﻘﺔ اﻟﻣرأة اﻟﺗﻲ ﺗﺣﻣل اﻟرﺳﺎﻟﺔ
وأﺧذﻫﺎ ﻣﻧﻬﺎ .وﺟﻲء ﺑﺎﻟرﺳﺎﻟﺔ ﻟرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻓﺄﺳﺗدﻋﻰ ﺣﺎطﺑﺎً
وﻗﺎل ﻟﻪ :ﻣﺎ ﺣﻣﻠك ﻋﻠﻰ ﻫذا؟ ﻓﻘﺎل :أﻣﺎ واﷲ ﯾﺎ رﺳول اﷲ إﻧﻲ ﻟﻣؤﻣن ﺑﺎﷲ ورﺳوﻟﻪ
ﻣﺎ ﻏﯾرت وﻻ ﺑدﻟت ،وﻟﻛﻧﻲ ﻛﻧت اﻣرءأ ﻟﯾس ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻘوم ﻣن أﻫل وﻻ ﻋﺷﯾرة .وﻟﻲ
ﺑﯾن أظﻬرﻫم وﻟد وأﻫل ،ﻓﺄردت أن ﯾﻛون ﻟﻲ ﻋﻧدﻫم ﯾد ﻓﯾﺣﻣوا أﻫﻠﻲ ووﻟدي .ﻓﻘﺎل
ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب :ﯾﺎ رﺳول اﷲ دﻋﻧﻲ أﺿرب ﻋﻧﻘﻪ ﻓﺈن اﻟرﺟل ﻗد ﻧﺎﻓق .ﻓﻘﺎل رﺳول
اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :وﻣﺎ ﯾدرﯾك ﯾﺎ ﻋﻣر ﻟﻌل اﷲ ﻗد اطﻠﻊ ﻋﻠﻰ أﺻﺣﺎب ﺑدر ﯾوم
ﺑدر ﻓﻘﺎل :أﻋﻣﻠوا ﻣﺎ ﺷﺋﺗم ﻓﻘد ﻏﻔرت ﻟﻛم .ﻓدﻣﻌت ﻋﯾﻧﺎ ﻋﻣر وﻗﺎل :اﷲ ورﺳوﻟﻪ
أﻋﻠم .وأﻧزل اﷲ ﻗوﻟﻪ :ﯾﺎ أﯾﻬﺎ اﻟذﯾن آﻣﻧوا ﻻ ﺗﺗﺧذوا ﻋدوي وﻋدوﻛم أوﻟﯾﺎء ﺗﻠﻘون
إﻟﯾﻬم ﺑﺎﻟﻣودة...اﻵﯾﺔ .
ج : 159ﻟﻘد أدرﻛت ﻗرﯾش أن ﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﻪ ﺑﻧو ﺑﻛر ﺑﻣﺳﺎﻋدة رﺟﺎل ﻣن ﻗرﯾش إﻧﻣﺎ ﻫو
ﻏدر وﻧﻘض ﻟﻣﺎ ﺗم ﻣﻊ ﻣﺣﻣد واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﺻﻠﺢ اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ ،وﻟذا ﺑﺎدرت ﺑﺈرﺳﺎل أﺑﻲ
ﺳﻔﯾﺎن ﻟﺗﺟدﯾد اﻟﻌﻘد وزﯾﺎدة اﻟﻣدة .ووﺻل أﺑو ﺳﻔﯾﺎن اﻟﻣدﯾﻧﺔ وذﻫب أوﻻً إﻟﻰ اﺑﻧﺗﻪ أم
ﺣﺑﯾﺑﺔ رﻣﻠﺔ ﺑﻧت أﺑﻲ ﺳﻔﯾﺎن وزوج اﻟﻧﺑﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .ﻓﻠﻣﺎ دﺧل ﻋﻠﯾﻬﺎ أﺳرﻋت رﺿﻲ
اﷲ ﻋﻧﻬﺎ إﻟﻰ ﻓراش رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓطوﺗﻪ وﻗﺎﻟت ﻟﻪ :ﻫو ﻓراش
رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﻧت ﻣﺷرك ﻧﺟس .ﻓﺧرج ﻣن ﻋﻧدﻫﺎ إﻟﻰ رﺳول اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .وطﻠب ﻣﻧﻪ ﺗﺟدﯾد اﻟﻌﻘد وزﯾﺎدة اﻟﻣدة .ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم :أو ﺣدث ﺷﻲء ؟ ﻗﺎل :ﻻ .ﻗﺎل ﻓﻧﺣن ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻬد .ﺛم ﺧرج ﻣن
229
ﻋﻧدﻩ وذﻫب إﻟﻰ أﺑﻲ ﺑﻛر ،ﺛم إﻟﻰ ﻋﻣر ،ﺛم إﻟﻰ ﻋﻠﻲ وطﻠب ﻣﻧﻬم أن ﯾﺷﻔﻌوا ﻟﻪ ﻋﻧد
اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓرﻓﺿوا إﻻ أن ﻋﻠﯾﺎً أﺷﺎر ﻋﻠﯾﻪ أن ﯾﻘوم وﯾﺟﯾر ﺑﯾن
اﻟﻧﺎس ،ﻓﻔﻌل ﺛم ﻋﺎد إﻟﻰ ﻣﻛﺔ .
س : 160ﻣﺗﻰ ﺧرج ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ؟ وﻛم ﻛﺎن ﻋدد
اﻟﺟﯾش؟
ج : 160ﺧرج ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗﺎﺻداً ﻣﻛﺔ ﯾوم اﻟﻌﺎﺷر ﻣن ﺷﻬر رﻣﺿﺎن ﺳﻧﺔ
8ﻫـ ﺑﻌد ﺻﻼة اﻟﻌﺻر .وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣون ﺻﺎﺋﻣون .وﺧرج ﻣﻌﻪ
ﻣن اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻧﺣو ﺛﻣﺎﻧﯾﺔ آﻻف رﺟل .وﺗﺗﺎﺑﻌت اﻟﻘﺑﺎﺋل ﺗﻠﺣق ﺑﺟﯾش رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ اﻟطرﯾق ﻣن ﺳﻠﯾم وﻣزﯾﻧﺔ وﻏﻔﺎر وﺟﻬﯾﻧﺔ وﻏﯾرﻫﺎ ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻎ ﻋدد
ﺟﯾﺷﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻧﺣو ﻋﺷرة آﻻف رﺟل .وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻗد
ﻧﺷر وأرﺳل اﻟﻌﯾون واﻟﺟواﺳﯾس ﻷﻧﻪ ﯾرﯾد أن ﯾﺑﺎﻏت ﻗرﯾﺷﺎ وﯾدﺧل ﻋﻠﯾﻬم دون ﻗﺗﺎل .
ج : 161ﻟﻣﺎ وﺻل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟﺟﺣﻔﺔ ﻟﻘﯾﻪ ﻋﻣﻪ اﻟﻌﺑﺎس ﺑن ﻋﺑد
اﻟﻣطﻠب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ وﻛﺎن ﻗد ﺧرج ﺑﺄﻫﻠﻪ وﻋﯾﺎﻟﻪ ﻣﻬﺎﺟ ارً ،ﻓﺄرﺳل رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ
أﻫﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻋﺎد ﻣﻊ اﻟرﺳول وﺟﯾﺷﻪ إﻟﻰ ﻣﻛﺔ .
230
وﻓﻲ اﻟطرﯾق أﯾﺿﺎً ﻟﻘﯾﻪ اﺑن ﻋﻣﻪ أﺑو ﺳﻔﯾﺎن ﺑن اﻟﺣﺎرث ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب ،وﻋﺑداﷲ
ﺑن أﻣﯾﺔ أﺧو أم ﺳﻠﻣﺔ زوج اﻟﻧﺑﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،وﻛﺎﻧﺎ ﺷدﯾدي اﻟﻌداوة واﻷذى ﻟﻠرﺳول
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،ﻓﺄﻋرض ﻋﻧﻬﻣﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،ﺛم أذن ﻟﻬﻣﺎ ﻓدﺧﻼ ﻋﻠﯾﻪ وأﺳﻠﻣﺎ
.وﻟﻣﺎ ﺑﻠﻎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم اﻟﻛدﯾد وﻫو ﻣﺎء ﺑﯾن ﻋﺳﻔﺎن وﻗدﯾد أﻓطر ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﻓطر ﻣﻌﻪ اﻟﻧﺎس .ﺛم واﺻل ﺳﯾرﻩ ﺣﺗﻰ ﻧزل ﺑﻣر اﻟظﻬ ارن -وادي ﻓﺎطﻣﺔ
ﺣﺎﻟﯾﺎً – ﻋﺷﺎء ،وأﻣر اﻟﻧﺎس أن ﯾوﻗدوا اﻟﻧﯾران ،ﻓﺄوﻗدوا ﻧﺣو ﻋﺷرة آﻻف ﻧﺎر ﻟﯾﻌﻠم
ﻣن ﻗد ﯾراﻫﺎ ﻣن ﺟواﺳﯾس ﻗرﯾش ﻛﺛرة ﺟﯾش اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﺗﺳﺗﺳﻠم ﻗرﯾش وﺗطﻠب اﻷﻣﺎن
ﻣن اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﯾدﺧل ﻣﻛﺔ دون ﻗﺗﺎل .وﻫذا ﻣﺎ ﺣدث ﺑﺎﻟﻔﻌل .
ﻓﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن ﻗﺎﺋد ﺣﻛﯾم وﻋظﯾم ورﺣﯾم ،ﻓﻬل ﯾﺗﻌﻠم ﻣﻧﻪ ﻗواد اﻟﻌﺻر؟
ج : 162ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻠﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ أﻣر ﻓﯾﻬﺎ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺈﯾﻘﺎد اﻟﻧﯾران
اﻟﻛﺛﯾرة ﺧرج أﺑو ﺳﻔﯾﺎن ﺑن ﺣرب ،وﺣﻛﯾم ﺑن ﺣزام ،وﺑدﯾل ﺑن ورﻗﺎء ﻣن ﻣﻛﺔ
ﯾﺗﺟﺳﺳون اﻷﺧﺑﺎر ﻷﻫل ﻣﻛﺔ اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا ﻋﻠﻰ وﺟل وﺗرﻗب .وﺳﺎر اﻟﺛﻼﺛﺔ ﺣﺗﻰ وﻗﻔوا
ﻋﻠﻰ ﻣﻛﺎن ﻣرﺗﻔﻊ ،ﻓﺈذا ﺑﻬم ﯾرون ﻣن اﻟﻧﯾران ﻣﺎ أﺧﺎﻓﻬم .ﻓﺟﻌل أﺑو ﺳﻔﯾﺎن وﺑدﯾل ﺑن
ورﻗﺎء ﯾﺗﺳﺎءﻟون ﻋن ﻫذﻩ اﻟﻧﯾران ،وﻟﻣن ﻫﻲ .وﻓﯾﻣﺎ ﻫﻣﺎ ﯾﺗﺟﺎدﻻن إذا ﺑﺎﻟﻌﺑﺎس ﺑن
ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب واﻟذي ﻛﺎن ﻗد ﺧرج ﻋﻠﻰ ﺑﻐﻠﺔ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﻌﻠﻪ ﯾﺟد
أﺣدا ﯾﺧﺑر ﻗرﯾﺷﺎً ﻟﺗﺄﺗﻲ وﺗﺳﺗﺄﻣن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗﺑل أن ﯾدﺧﻠﻬﺎ .
ﻓﻠﻘﻲ اﻟﻌﺑﺎس أﺑﺎ ﺳﻔﯾﺎن وﺑدﯾل ﻓﺣدﺛﻬم ،وﻧﺻﺣﻬم ،ودﻋﺎﻫم إﻟﻰ ﻟﻘﺎء رﺳول اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وطﻠب اﻷﻣﺎن .ﻓﺄطﺎﻋﻪ أﺑو ﺳﻔﯾﺎن ،ورﻛب ﺧﻠﻔﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﻐﻠﺔ
231
رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺣﺗﻰ أدﺧﻠﻪ ﻋﻠﯾﻪ .وﻛﺎن ﻋﻣر ﻗد رأى أﺑﺎ ﺳﻔﯾﺎن
ﻓﺟﺎء ﻣﺳرﻋﺎً ﻟﯾﺳﺗﺄذن اﻟرﺳول ﻓﻲ ﻗﺗل أﺑو ﺳﻔﯾﺎن ،ﻓﻘﺎل اﻟﻌﺑﺎس ﯾﺎ رﺳول اﷲ إﻧﻲ ﻗد
أﺟرﺗﻪ .ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :اذﻫب ﺑﻪ ﯾﺎ ﻋﺑﺎس إﻟﻰ رﺣﻠك ﻓﺈذا أﺻﺑﺣت ﻓﺎﺋﺗﻧﻲ ﺑﻪ .
وﻓﻲ اﻟﺻﺑﺎح ﺟﺎء اﻟﻌﺑﺎس ﺑﺄﺑﻲ ﺳﻔﯾﺎن إﻟﻰ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟذي
ﻋرض اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻰ أﺑﻲ ﺳﻔﯾﺎن ور ّﻏﺑﻪ ﻓﯾﻪ ﻓﺄﺳﻠم أﺑو ﺳﻔﯾﺎن ﺑﻌد ﺗردد ،ﺛم ﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم :ﻣن دﺧل دار أﺑو ﺳﻔﯾﺎن ﻓﻬو آﻣن .وﻣن أﻏﻠق ﻋﻠﯾﻪ ﺑﺎﺑﻪ ﻓﻬو آﻣن .
وﻣن دﺧل اﻟﻣﺳﺟد اﻟﺣرام ﻓﻬو آﻣن .ﺛم ﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻟﻌﻣﻪ اﻟﻌﺑﺎس :ﯾﺎ ﻋﺑﺎس
...اﺣﺑﺳﻪ ﺑﻣﺿﯾق اﻟوادي ﻋﻧد ﺧطم اﻟﺟﺑل ﺣﺗﻰ ﺗﻣر ﺑﻪ ﺟﻧود اﷲ ﻓﯾراﻫﺎ .ﺛم ﻋﺎد أﺑو
ﺳﻔﯾﺎن إﻟﻰ ﻣﻛﺔ وﻧﺎدى ﻓﻲ ﻗرﯾش ﺑﺄﻋﻠﻰ ﺻوﺗﻪ ﻗﺎﺋﻼً :ﯾﺎ ﻣﻌﺷر ﻗرﯾش ...ﻫذا ﻣﺣﻣد
ﻗد ﺟﺎءﻛم ﻓﯾﻣﺎ ﻻ ﻗﺑل ﻟﻛم ﺑﻪ ..ﻓﻣن دﺧل دار أﺑﻲ ﺳﻔﯾﺎن ﻓﻬو آﻣن ،وﻣن أﻏﻠق
ﻋﻠﯾﻪ ﺑﺎﺑﻪ ﻓﻬو آﻣن ،وﻣن دﺧل اﻟﻣﺳﺟد اﻟﺣرام ﻓﻬو آﻣن .ﻓﺗﻔرق اﻟﻧﺎس وأﺳرﻋوا إﻟﻰ
دورﻫم ٕواﻟﻰ اﻟﻣﺳﺟد.
ج : 163دﺧل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣﻛﺔ ﯾوم اﻟﻔﺗﺢ وﻫو ﯾوم اﻻﺛﻧﯾن ﻟﻠﻌﺷرﯾن ﻣن
ﺷﻬر رﻣﺿﺎن ﺳﻧﺔ 8ﻫـ .
أﻣﺎ ﻛﯾف دﺧﻠﻬﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺗﺣرك ﺑﺟﯾﺷﻪ ﻣن اﻟظﻬران إﻟﻰ ذي طوى )اﻟﺷﻛل
.(30
232
وﻫﻧﺎك ﻗﺳم ﺟﯾﺷﻪ إﻟﻰ أﻗﺳﺎم :ﻗﺳم ﻣﻊ ﺧﺎﻟد ﺑن اﻟوﻟﯾد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻟﯾدﺧل ﻣﻛﺔ ﻣن
ﺟﻧوﺑﻬﺎ )ﻣﺣﻠﺔ اﻟﻣﺳﻔﻠﺔ اﻟﯾوم( ،وﻗﺳم ﺑﻘﯾﺎدة اﻟزﺑﯾر ﺑن اﻟﻌوام رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻟﯾدﺧل
ﻣﻛﺔ ﻣن ﺷﻣﺎﻟﻬﺎ وﯾرﻛز راﯾﺗﻪ ﻋﻧد اﻟﺣﺟون ،وﻗﺳم ﻣﻊ أﺑﻲ ﻋﺑﯾدة ﺑن اﻟﺟراح رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻪ ﻟﯾدﺧل ﻣﻛﺔ ﻣن ﺷﻣﺎﻟﻬﺎ اﻟﻐرﺑﻲ ،وﻗﺳم ﻣﻊ ﻗﯾس ﺑن ﺳﻌد ﺑن ﻋﺑﺎدة رﺿﻲ اﷲ
233
ﻋﻧﻪ ﻟﯾدﺧل ﻣﻛﺔ ﻣن ﻏرﺑﻬﺎ وﺟﻧوﺑﻬﺎ اﻟﻐرﺑﻲ .أﻣﺎ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻘد
ﺗﺣرك ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ ﻛداء ﺷﻣﺎل ﻏرب ﻣﻛﺔ .وﺳﯾطر اﻟﻘﺎدة ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻬﺎت اﻟﺗﻲ دﺧﻠوا ﻣﻧﻬﺎ
دون ﻗﺗﺎل إﻻ ﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﯾن ﺧﺎﻟد ﺑن اﻟوﻟﯾد وﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣن ﻗرﯾش ﯾﻘودﻫم ﺻﻔوان ﺑن أﻣﯾﺔ
،وﻋﻛرﻣﺔ ﺑن أﺑﻲ ﺟﻬل وﻏﯾرﻫم .وﻗد أﻧذرﻫم ﺧﺎﻟد إﻻ أﻧﻬم أﺑو إﻻ اﻟﻘﺗﺎل ﻓﻬﺎﺟﻣﻬم ﺧﺎﻟد
وﻛﺗﯾﺑﺗﻪ وﻗﺗﻠوا ﻣﻧﻬم ﻣن ﻗﺗﻠوا وﻓر اﻟﺑﺎﻗون .
وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻗد أﻫدر دﻣﺎء ﻋﺷرة رﺟﺎل وﻧﺳﺎء ﻣن اﻟﻣﺷرﻛﯾن ،وأﻣر
ﺑﻘﺗل ﻣن وﺟد ﻣﻧﻬم ﺣﺗﻰ وﻟو ﻛﺎن ﻣﺗﻌﻠﻘﺎً ﺑﺄﺳﺗﺎر اﻟﻛﻌﺑﺔ .وﺑﺎﻟﻔﻌل ﻓﻘد ﻗﺗل ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻧﻬم
أﻣﺎ اﻟﺳﺑﻌﺔ اﻟﺑﺎﻗون ﻓﻘد ﻋﻔﺎ ﻋﻧﻬم اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻌد أن أﺗم اﻟﻔﺗﺢ .
أﻣﺎ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻘد دﺧل ﻣﻛﺔ ﻣن ﻛداء ﺷﻣﺎل ﻏرب ﻣﻛﺔ ﻓﻲ ﻧﺣو
أﻟﻔﯾن ﻣن اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن واﻷﻧﺻﺎر وزﻋﻣﺎء اﻟﻘﺑﺎﺋل وﻗد أﺣﻧﻰ رأﺳﻪ ﺗواﺿﻌﺎً ﷲ اﻟذي ﻣن
ﻋﻠﯾﻪ ﺑﻬذا اﻟﻔﺗﺢ وﻫو ﯾﺗﻠو ﺳورة اﻟﻔﺗﺢ ﻣردﻓﺎً ﺧﻠﻔﻪ أﺳﺎﻣﺔ ﺑن زﯾد .وﺳﺎر ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺣﺗﻰ ﺗوﻗف ﻋﻧد اﻟﺣﺟون ﺣﯾث ﺿرﺑت ﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻗﺑﺔ ﻣن أدم .
وﻫﻧﺎك اﻟﺗﻘﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﺟﻧودﻩ اﻟﻔﺎﺗﺣﯾن وﻗﺎدﺗﻬم ﺑﻌد أن ﺳﯾطروا ﻋﻠﻰ ﻣﻛﺔ .وﻣن
اﻟﺣﺟون ﺗﺣرك ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم وﺳط اﻵﻻف ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم
أﺟﻣﻌﯾن وﺳﺎر ﻓﻲ ﻣوﻛب ﻣﻬﯾب وﺳط ﺗﻛﺑﯾر اﻵﻻف ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ اﻟﻔﺎﺗﺣﯾن ﺣﺗﻰ ارﺗﺟت
ﻣﻛﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﺗﻛﺑﯾر اﻟذي ﺗردد ﺻداﻩ ﻋﺎﻟﯾﺎً ﻓﻲ ﺷﻌﺎب ﻣﻛﺔ وﺑﯾن ﺟﺑﺎﻟﻬﺎ .ﻫذا اﻟﻧداء
اﻟﺧﺎﻟد اﻟذي ﻟن ﯾﻌﻠوﻩ ﻧداء إﻟﻰ ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ إن ﺷﺎء اﷲ .وﻟﻣﺎ رأى ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
وﻛﺑر ﻣﻌﻪ اﻟﻣﺳﻠﻣون .ودﺧل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟﻣﺳﺟد اﻟﺣرام
ﻛﺑر ّ
واﻟﺳﻼم اﻟﻛﻌﺑﺔ ّ
وﻫو ﻋﻠﻰ ﻧﺎﻗﺗﻪ اﻟﻘﺻواء ،وﺑدأ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﺎﻟطواف ﺑﺎﻟﺑﯾت راﻛﺑﺎً ﻋﻠﻰ
اﻟﻘﺻواء وﯾﺳﺗﻠم اﻟﺣﺟر اﻷﺳود ﺑﺎﻟﻣﺣﺟن ﻟﺷدة اﻟزﺣﺎم .ﺛم ﺻﻠﻰ رﻛﻌﺗﯾن ،ﺛم ﺗوﺟﻪ
234
إﻟﻰ ﺑﺋر زﻣزم ﻓﺷرب ﻣﻧﻬﺎ وﺗوﺿﺄ واﻟﻧﺎس ﯾﺑﺗدرون وﺿوءﻩ ،واﻟﻣﺷرﻛون ﯾﺗﻌﺟﺑون
ﻣﻣﺎ ﯾرون .وﻗد أﺳﻘط ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﻣﺣﺟﻧﻪ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﯾوم ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺻﻧﺎم
اﻟﺗﻲ ﻧﺻﺑت ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد اﻟﺣرام .ﺛم دﻋﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻋﺛﻣﺎن ﺑن طﻠﺣﺔ ﻓﺄﺧذ
ﻣﻧﻪ ﻣﻔﺗﺎح اﻟﻛﻌﺑﺔ ،وﻓﺗﺣت ﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ودﺧﻠﻬﺎ وﻣﻌﻪ أﺳﺎﻣﺔ ﺑن زﯾد
وﺑﻼل ﺑن رﺑﺎح ﻓرأى ﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ ﻣن ﺻور ﻓﺄﻣر ﺑطﻣﺳﻬﺎ .ودار ﻓﻲ اﻟﺑﯾت وﻛﺑر ﻓﻲ
ﻧواﺣﯾﻪ ،ﺛم ﺻﻠﻰ رﻛﻌﺗﯾن داﺧل اﻟﺑﯾت ،ﺛم ﻓﺗﺢ اﻟﺑﺎب وﻗد اﻣﺗﻸ اﻟﻣﺳﺟد ﺑﺎﻟﻧﺎس ﻣن
ﻗرﯾش وﻏﯾرﻫم اﻟذﯾن وﻗﻔوا ﯾﻧﺗظرون ﻣﺎذا ﯾﻔﻌل ﺑﻬم ﻧﺑﻲ اﻟرﺣﻣﺔ .وﺧطب ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم .وﻛﺎن ﻣﻣﺎ ﻗﺎل :ﯾﺎ ﻣﻌﺷر ﻗرﯾش ...ﻣﺎ ﺗرون أﻧﻲ ﻓﺎﻋل ﺑﻛم ؟ ﻗﺎﻟوا :أخ
ﻛرﯾم ،واﺑن أخ ﻛرﯾم .ﻗﺎل :ﻓﺈﻧﻲ أﻗول ﻟﻛم ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﯾوﺳف ﻹﺧوﺗﻪ :ﻻ ﺗﺛرﯾب ﻋﻠﯾﻛم
اﻟﯾوم .اذﻫﺑوا ﻓﺄﻧﺗم اﻟطﻠﻘﺎء .ﺛم أﻋﺎد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻣﻔﺗﺎح اﻟﻛﻌﺑﺔ إﻟﻰ ﻋﺛﻣﺎن
ﺑن طﻠﺣﺔ وﻗﺎل :ﺧذوﻫﺎ ﺧﺎﻟدة ﺗﺎﻟدة ﻻ ﯾﻧزﻋﻬﺎ ﻣﻧﻛم إﻻ ظﺎﻟم .
وﺣﺎﻧت ﺻﻼة اﻟظﻬر .ﻓﺄﻣر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﻼﻻً أن ﯾﺻﻌد ﻓﯾؤذن ﻋﻠﻰ اﻟﻛﻌﺑﺔ ،
ﻓﺄذن رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ .ورﻓﻊ ﻣن ﻓوق أﻋظم وأﻗدس ﻣﻛﺎن ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻷرض أﻋظم
وأﻗدس ﻧداء ﻓﻲ اﻟوﺟود ..اﷲ أﻛﺑر ...اﷲ أﻛﺑر ..وﺑﻘﯾﺔ ﻋﺑﺎرات اﻷذان .ﻟﻘد أﻋﻠﻧﻬﺎ
ﺑﻼل ﻋﺎﻟﯾﺔ ﻣﺟﻠﺟﻠﺔ ﺑﺻوﺗﻪ اﻟﻧدي اﻟرﺧﯾم ﻟﯾﺻك ﺑﻬﺎ آذان اﻟﻣﺷرﻛﯾن اﻟذﯾن وﻗﻔوا
ﻣﺷدوﻫﯾن ﻣن ﻫذا اﻟﻧداء اﻟذي ﺣﺎرﺑوﻩ ﻧﺣو ﻋﺷرﯾن ﺳﻧﺔ ﻟﯾرﻓﻌﻪ اﻟﯾوم ﻣن ﻓوق اﻟﻛﻌﺑﺔ
ﻋﺑد طﺎﻟﻣﺎ ﻋذﺑوﻩ ،وطﺎردوﻩ ،وﺳﺣﺑوﻩ ﻋﺎري اﻟﺟﺳد ﻋﻠﻰ رﻣﺿﺎء ﻣﻛﺔ اﻟﻣﻠﺗﻬﺑﺔ .اﷲ
أﻛﺑر ...ﻣﺎ أﻋظﻣك ﯾﺎ ﻣﺣﻣد ﺑن ﻋﺑد اﷲ ! ﻟﻘد اﺧﺗرت ﻫذا اﻟﻌﺑد ﻣن ﺑﯾن اﻵﻻف اﻟذﯾن
ﻛﺎﻧوا ﯾوم اﻟﻔﺗﺢ ﻣﻌك ،وﻗدﻣﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺎدة واﻷﺷراف ﻟﯾﻌﻠو اﻟﻛﻌﺑﺔ ،وﯾرﻓﻊ ﻫذا اﻟﻧداء
اﻟذي طﺎﻟﻣﺎ ﻋ ّذب ﺑﺳﺑﺑﻪ وﻫو ﯾﻘول :أﺣد ...أﺣد ،ﻟﺗﺑﯾن ﻟﻠﻧﺎس ﻋﻣﻠﯾﺎً ﺛﻣن
235
اﻟﺗﺿﺣﯾﺎت .وأن ﻫذا اﻟدﯾن ﯾﻌﻠو ﺑﺻﺎﺣﺑﻪ ﻛﺎﺋﻧﺎً ﻣن ﻛﺎن .وأﻧﻪ ﻻ ﻣﻛﺎن ﻓﻲ ﻫذا اﻟدﯾن
ﻟﻠﻌﺻﺑﯾﺎت ،واﻟﻧﻌرات ،واﻟطﺎﺋﻔﯾﺎت .وأن أﻛرم اﻟﻧﺎس ﻫو أﺗﻘﺎﻫم ﷲ .ﻓﻬل ﯾﻌﻲ
اﻟﻣﺳﻠﻣون اﻟﯾوم ﻫذا اﻟدرس ؟ وﻫل ﯾﺗﻌﻠﻣون أن ﻋزﺗﻬم ،وﻛراﻣﺗﻬم ،وﺷرﻓﻬم ﻫو ﻓﻲ
ﻫذا اﻟدﯾن وﻓﻲ ﺗﺿﺣﯾﺎﺗﻬم ﻓﻲ ﺳﺑﯾﻠﻪ ﺣﺗﻰ ﯾطوﻗوا ﺑﻪ ﻣﺷﺎرق اﻷرض وﻣﻐﺎرﺑﻬﺎ اﻟﺗﻲ
وﺻﻠﻧﺎﻫﺎ طﻼﺑﺎً ﻟﻠدﻧﯾﺎ وﻣﺗﺎﻋﻬﺎ اﻟزاﺋل ﻓﻠم ﯾﺣﺗرﻣﻧﺎ اﻟﻐرب وﻻ اﻟﺷرق ﻷﻧﻧﺎ ﻟﺑﺳﻧﺎ ﻋﺑﺎءة
اﻟدﻧﯾﺎ ﻓﻠم ﺗرﻓﻊ ﻟﻧﺎ رأﺳﺎً ،وﻟو ﻟﺑﺳﻧﺎ ﻋﺑﺎءة اﻟدﯾن وطﻔﻧﺎ ﺑﻬﺎ اﻟدﻧﯾﺎ ﻟﻌﻠوﻧﺎ واﷲ ﺑﻬﺎ ﻛﻣﺎ
ﻋﻼ ﺑﻼل ﻋﻠﻰ ظﻬر اﻟﻛﻌﺑﺔ ﯾوم اﻟﻔﺗﺢ اﻷﻛﺑر .
س : 164ﻣﺎذا ﺣدث أﺛﻧﺎء إﻗﺎﻣﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﻌد اﻟﻔﺗﺢ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ
؟
ج : 164أﻗﺎم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ﺑﻌد ﻓﺗﺣﻬﺎ ﺗﺳﻌﺔ ﻋﺷر ﯾوﻣﺎً ﺣدﺛت ﻓﯾﻬﺎ
أﻣور أﻫﻣﻬﺎ :
-1أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺧطب ﻓﻲ اﻟﯾوم اﻟﺛﺎﻧﻲ .ﺛم ﺟﻠس ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻔﺎ ﻓﺑﺎﯾﻊ
اﻟرﺟﺎل ،ﺛم ﺑﺎﯾﻊ اﻟﻧﺳﺎء ﻣن ﻏﯾر ﻣﺻﺎﻓﺣﺔ .
-2أﻣر ﺑﺈ ازﻟﺔ وﺗﺣطﯾم ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺻﻧﺎم ﻓﻲ ﻣﻛﺔ وﻣﺎ ﺟﺎورﻫﺎ ،ﻓﺄرﺳل ﺧﺎﻟد ﺑن
اﻟوﻟﯾد إﻟﻰ اﻟﻌزى ﺑﻧﺧﻠﺔ ﻓﻬدﻣﻬﺎ .وأرﺳل ﻋﻣرو ﺑن اﻟﻌﺎص إﻟﻰ ﺻﻧم ﺳواع
ﻓﻬدﻣﻪ .وأرﺳل ﺳﻌد ﺑن زﯾد اﻷﺷﻬﻠﻲ إﻟﻰ ﻣﻧﺎة ﻓﻬدﻣﻬﺎ.
-3ﺣﺎول ﻓﺿﺎﻟﺔ ﺑن ﻋﻣﯾر اﻏﺗﯾﺎل اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أﺛﻧﺎء اﻟطواف
ﻓﻠﻣﺎ دﻧﺎ ﻣن اﻟرﺳول ﻟﯾﻘﺗﻠﻪ ﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :أﻓﺿﺎﻟﺔ ...ﺑم ﻛﻧت ﺗﺣدث ﺑﻪ
236
ﻧﻔﺳك ؟ ﻗﺎل :ﻻ ﺷﻲء ﯾﺎ رﺳول اﷲ ﻛﻧت أذﻛر اﷲ .ﻓﺿﺣك ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم وﻗﺎل :اﺳﺗﻐﻔر اﷲ .ﺛم وﺿﻊ ﯾدﻩ ﻋﻠﻰ ﺻدرﻩ .ﯾﻘول ﻓﺿﺎﻟﺔ :واﷲ ﻣﺎ
رﻓﻊ ﯾدﻩ ﻋن ﺻدري ﺣﺗﻰ ﻣﺎ ﻣن أﺣد ﻣن ﺧﻠق اﷲ أﺣب إﻟﻲ ﻣﻧﻪ .
-4ﻋﯾن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻋﺗﺎب ﺑن أﺳﯾد أﻣﯾ ارً ﻋﻠﻰ ﻣﻛﺔ وﻫو ﺷﺎب ﻓﻲ ﻧﺣو
اﻟﻌﺷرﯾن ﻣن ﻋﻣرﻩ ،وأﻣرﻩ أن ﯾﺟدد أﻧﺻﺎب اﻟﺣرم .وﻛﺎن إﺑراﻫﯾم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
ﻫو أول ﻣن وﺿﻊ ﺣدود اﻟﺣرم وﻣﻌﻪ ﺟﺑرﯾل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .
-5ﺑﻌث ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺧﺎﻟد ﺑن اﻟوﻟﯾد إﻟﻰ ﺑﻧﻲ ﺟذﯾﻣﺔ ﯾدﻋوﻫم إﻟﻰ اﻹﺳﻼم
.ﻓﻠﻣﺎ وﺻل إﻟﯾﻬم ﻋرض ﻋﻠﯾﻬم اﻹﺳﻼم ﻓﻘﺎﻟوا :ﺻﺑﺄﻧﺎ ...ﺻﺑﺄﻧﺎ .وﻟم
ﯾﺣﺳﻧوا أن ﯾﻘوﻟوا أﺳﻠﻣﻧﺎ .ﻓﻘﺗل ﺧﺎﻟد ﻣﻧﻬم ﻣن ﻗﺗل ﺛم ﻋﺎد وأﺧﺑر اﻟرﺳول
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻣﺎ ﺣدث ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم :اﻟﻠﻬم إﻧﻲ أﺑ أر إﻟﯾك ﻣﻣﺎ
ﺻﻧﻊ ﺧﺎﻟد .
ج : 165ﺣﻧﯾن واد ﺑﯾن ﻣﻛﺔ واﻟطﺎﺋف ﻗرﯾﺑﺎً ﻣن ﻧﺧﻠﺔ ) ﯾﺳﻣﻰ اﻟﯾوم ﺑﺎﻟﺷراﺋﻊ
اﻟﻌﻠﯾﺎ أو ﺷراﺋﻊ اﻟﻧﺧل ( ،ووﻗﻌت ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﻓﻲ ﺷوال ﺳﻧﺔ 8ﻫـ .وﻛﺎﻧت ﺑﯾن
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣن ﺟﻬﺔ وﻫوزان وﺛﻘﯾف ﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ
237
اﻟطﺎﺋف ﻫﻲ أﻗرب ﺣواﺿر اﻟﻌرب إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ،وﻟذا أﺧذت ﻫذﻩ اﻟﻘﺑﺎﺋل ﺗﺗﺣﺷد .
وﺟﻌﻠت أﻣرﻫﺎ إﻟﻰ ﻣﺎﻟك ﺑن ﻋوف اﻟﻧﺻري .وﻗررت اﻟﺧروج ﻟﺣرب اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
ﻓﻲ ﺟﯾش ﻗُدر ﺑﻌﺷرﯾن أﻟف ﻣﻘﺎﺗل ﺳﺎﻗﻬم ﻣﺎﻟك ﺑن ﻋوف وﺳﺎق ﻣﻌﻬم اﻟﻧﺳﺎء
واﻟذرﯾﺔ واﻷﻣوال ﻟﯾﺟﻌل وراء ﻛل رﺟل أﻫﻠﻪ وﻣﺎﻟﻪ ﻟﯾﻘﺎﺗل ﻋﻧﻬم وﻻ ﯾﻔر .وﺳﺎر
ﺑﺎﻟﺟﻣﯾﻊ ﺣﺗﻰ ﻧزل ﺑﻬم وادي أوطﺎس ﻗرﯾﺑﺎً ﻣن وادي ﺣﻧﯾن )اﻟﺷﻛل.(31
238
س : 166ﻫل ﻋﻠم اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻬذا اﻟﺧروج ؟
وﻣﺎذا ﻓﻌل ؟
ج : 166ﻧﻌم .ﻟﻘد ﻋﻠم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﺧروج ﺛﻘﯾف وﻫوازن ﻟﻘﺗﺎﻟﻪ ،
وﻟذا أرﺳل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻋﺑداﷲ ﺑن ﺣدرد اﻷﺳﻠﻣﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ
ﻟﯾدﺧل ﻓﻲ اﻟﻌدو ،وﯾﺑﻘﻰ ﻓﯾﻬم ﺣﺗﻰ ﯾﻌرف ﺣﺎﻟﻬم ،ﺛم ﯾﺄﺗﯾﻪ ﺑﺧﺑرﻫم ﻓﻔﻌل .
أﻣﺎ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻣﺎ ﻋﻠم ﺑﺧﺑر ﻫذﻩ اﻟﻘﺑﺎﺋل ﻋزم ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ أن ﯾﺧرج إﻟﯾﻬم ﻗﺑل أن ﯾداﻫﻣوﻩ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ وﯾﺳﺗﺑﯾﺣوا
ﺣرﻣﺗﻬﺎ ،وﻟذا ﺧرج إﻟﯾﻬم ﻣن ﺷﻬر ﺷوال ﺳﻧﺔ 8ﻫـ ﻓﻲ اﺛﻧﻲ ﻋﺷر أﻟف ﻣﻘﺎﺗل
ﻣﻧﻬم أﻟﻔﺎن ﻣن أﻫل ﻣﻛﺔ أﻛﺛرﻫم ﺣدﯾث ﻋﻬد ﺑﺎﻹﺳﻼم .واﺳﺗﻌﺎر ﻣن ﺻﻔوان ﺑن
أﻣﯾﺔ دروﻋﺎً وأﺳﻠﺣﺔ .
239
ﻓﺈذا أﻧﺎ ﺑﻬوازن ﺑظﻌﻧﻬم وﻧﻌﻣﻬم وﺷﺎﺋﻬم .ﻓﺗﺑﺳم ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻗﺎل :
ﺗﻠك ﻏﻧﯾﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻏداً إن ﺷﺎء اﷲ .وﻛﺎن ﻣﺎﻟك ﺑن ﻋوف ﻗد ﺳﺑق
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن إﻟﻰ ﺣﻧﯾن ،ووزع ﺟﯾﺷﻪ ﺑﺎﻟﻠﯾل ﻓﻲ وادي ﺣﻧﯾن .وﻧﺷر اﻟﻛﻣﺎﺋن ﻓﻲ
اﻟﻣﺿﺎﯾق واﻟطرق واﻟﻣداﺧل واﻟﺷﻌﺎب ﻋﻠﻰ ﺟﻧﺑﺎت اﻟوادي ،وأﻣرﻫم أن ﯾﺑﺎﻏﺗوا
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻋﻧد ﻧزوﻟﻬم إﻟﻰ اﻟوادي ،وأن ﯾرﺷﻘوﻫم ﺑﺎﻟﻧﺑﺎل وﯾﺷدوا ﻋﻠﯾﻬم ﺷدة
رﺟل واﺣد .وﻟم ﯾﻛن اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻻ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻋﻠﻰ ﻋﻠم
ﺑﻬذﻩ اﻟﻛﻣﺎﺋن ﻷﻧﻬﺎ وزﻋت ﻓﻲ ظﻼم اﻟﻠﯾل .
أﻣﺎ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم واﻟﻣﺳﻠﻣون ﻓﺈﻧﻬم ﺗﻘدﻣوا ،ودﺧﻠوا
اﻟوادي واﻧﺣطوا ﻓﯾﻪ ﻓﻲ ﻋﻣﺎﯾﺔ اﻟﺻﺑﺢ .وﺑﯾﻧﻣﺎ ﻫم ﯾﺗﻘدﻣون إذ ﻓوﺟﺋوا ﺑﺎﻟﻧﺑﺎل
واﻟرﻣﺎح ﺗﻧﻬﺎل ﻋﻠﯾﻬم ﻛﺎﻟﻣطر ﻣن اﻟﻣﺿﺎﯾق واﻟﺷﻌﺎب .ﻓﺄﺻﺎﺑﻬم ذﻋر ،
واﻧﻛﺳروا ،وﺗرﺟﻌوا ،وﺗﻔرﻗوا ﻓﻲ ﻏﯾر ﻧظﺎم .وﻟم ﯾﺛﺑت إﻻ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﻋدد ﻗﻠﯾل ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻣﻧﻬم أﺑو ﺑﻛر وﻋﻣر وﻋﻠﻲ واﻟﻌﺑﺎس
وأﺳﺎﻣﺔ ﺑن زﯾد وﻏﯾرﻫم .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :ﻟﻘد ﻧﺻرﻛم اﷲ ﻓﻲ ﻣواطن ﻛﺛﯾرة وﯾوم
ﺣﻧﯾن إذ أﻋﺟﺑﺗﻛم ﻛﺛرﺗﻛم ﻓﻠم ﺗﻐن ﻋﻧﻛم ﺷﯾﺋﺎً وﺿﺎﻗت ﻋﻠﯾﻛم اﻷرض ﺑﻣﺎ رﺣﺑت
ﺛم وﻟﯾﺗم ﻣدﺑرﯾن .
وأﻣر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻣﻪ اﻟﻌﺑﺎس ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب أن ﯾﻧﺎدي ﻓﻲ
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن :ﯾﺎ ﻣﻌﺷر اﻷﻧﺻﺎر ...ﯾﺎ أﺻﺣﺎب اﻟﺳﻣرة .ﻓﺎﻧﻌطف ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻗﺎﺋﻠﯾن ﯾﺎ ﻟﺑﯾك..ﯾﺎ ﻟﺑﯾك..وﺗﻛﺎﺛروا ﺣول اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم
اﻟذي ﺻﻣد وﺗﻘدم ﻧﺣو اﻟﻌدو ﻗﺎﺋﻼً :
أﻧﺎ اﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب . أﻧﺎ اﻟﻧﺑﻲ ﻻ ﻛذب
240
وأﻧزل اﷲ اﻟﺳﻛﯾﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻠوب اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وأﻧزل ﺟﻧودﻩ ﻟم ﯾروﻫﺎ ﻛﻣﺎ
وﻛر اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻋﻠﻰ أﻋداﺋﻬم اﻟذﯾن اﻧﻛﺳروا وﻓروا
ورد ﻓﻲ اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم ّ .
ﺗﺎرﻛﯾن اﻟﻧﺳﺎء واﻟذرﯾﺔ واﻷﻣوال ﻏﻧﯾﻣﺔ ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﺧﻠﻔوا ﻧﺣو ﺳﺑﻌﯾن ﻗﺗﯾﻼً .
وﺷﻌر اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا ﺣدﯾﺛﻲ ﻋﻬد ﺑﺎﻹﺳﻼم ﻣن أﻫل ﻣﻛﺔ واﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا ﻣﻊ
اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ،وﻛﺎﻧوا ﺳﺑب اﻟﻬزﯾﻣﺔ ﻓﻲ أول
اﻟﻧﻬﺎر ﻷﻧﻬم ﺟﺎؤوا ﻣن أﺟل اﻟﻐﻧﺎﺋم ﻓﻠﻣﺎ أروا ﻧﺻرة اﷲ ﻟرﺳوﻟﻪ دﺧل اﻹﯾﻣﺎن ﻓﻲ
ﻗﻠوﺑﻬم وﺣﺳن إﺳﻼﻣﻬم .
وﺟﻣﻊ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم اﻟﻐﻧﺎﺋم ﻓﻲ اﻟﺟﻌراﻧﺔ .وﻛﺎﻧت ﻛﺛﯾرة ﺟداً ﻣن اﻷﻣوال
،واﻹﺑل ،واﻷﻏﻧﺎم ﻋدا اﻟﻧﺳﺎء واﻟذرﯾﺔ .أﻣﺎ اﻟﻣﺷرﻛون ﻓﻘد ﺗﻔرﻗوا وﻟﺟﺄ أﻛﺛرﻫم
إﻟﻰ اﻟطﺎﺋف.
241
ﺧﻼف ﺑﯾن اﻟﻣؤرﺧﯾن .وﻟم ﯾﺧرج اﻟﻣﺷرﻛون ﻟﻠﻘﺗﺎل ﺑل وﻗﻌت ﻣراﻣﺎة ﺑﯾن
اﻟطرﻓﯾن ﻗﺗل ﻓﯾﻬﺎ ﻧﺣو إﺛﻧﻲ ﻋﺷر رﺟﻼً ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .وﺿرﺑت أﺳوار اﻟطﺎﺋف
ﺑﺎﻟﻣﻧﺟﻧﯾق ،وأﻣر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻘطﻊ أﺷﺟﺎر اﻟﻌﻧب وﺳﯾﻠﺔ ﻟﻠﺿﻐط ﻋﻠﻰ
اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻓﺳﺄﻟﺗﻪ ﺛﻘﯾف أن ﯾدﻋﻬﺎ ﷲ واﻟرﺣم ﻓﺗرﻛﻬﺎ .وﻧﺎدى ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺑﯾد وأن ﻣن ﻧزل ﻣﻧﻬم ﻓﻬو ﺣر ،.ﻓﺧرج إﻟﯾﻪ ﻣﻧﻬم ﻧﺣو ﺛﻼﺛﺔ
وﻋﺷرﯾن رﺟﻼً ،ﻓﺄﻋﺗﻘﻬم اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .وطﺎﻟت أﯾﺎم اﻟﺣﺻﺎر
وأﻫل اﻟطﺎﺋف ﻣﺗﺣﺻﻧون ﻟم ﯾﺳﺗﺳﻠﻣوا وﻟم ﯾﺧرﺟوا ﻟﻠﻘﺗﺎل .ﻓﺄﻣر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم ﺑﺎﻟرﺣﯾل واﻟﻌودة إﻟﻰ اﻟﺟﻌراﻧﺔ ودﻋﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻷﻫل ﺛﻘﯾف
ﻗﺎﺋﻼً :اﻟﻠﻬم اﻫد ﺛﻘﯾﻔﺎً وآت ﺑﻬم.
ج :169اﻧﺗظر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﺿﻊ ﻋﺷرة ﻟﯾﻠﺔ وﻟم ﯾﻘﺳم اﻟﻐﻧﺎﺋم أﻣﻼً
أن ﯾﺄﺗﻲ أﻫل اﻟطﺎﺋف ﻓﯾﺳﻠﻣوا وﯾﻌﯾد إﻟﯾﻬم أﻣواﻟﻬم وﻧﺳﺎءﻫم .إﻻ أﻧﻪ ﻟم ﯾﺄت
أﺣد .ﻓﻘﺳم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم اﻟﻐﻧﺎﺋم ،وأﻛﺛر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻟﻌطﺎء ﻟﻠﻣؤﻟﻔﺔ
ﻗﻠوﺑﻬم ﺗرﻏﯾﺑﺎً ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻓﺈن ﻓﻲ اﻟﻧﺎس ﻣن ﯾﻘﺎدون إﻟﻰ اﻟﺣق ﻣن ﺑطوﻧﻬم ﻻ
ﻣن ﻋﻘوﻟﻬم ،وﻫذا ﻣﺎ ﻟم ﯾﻔﻬﻣﻪ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻷﻧﺻﺎر اﻟذﯾن ﺗﻛﻠﻣوا وﻗﺎل ﻗﺎﺋﻠﻬم :
ﻟﻘﻲ واﷲ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗوﻣﻪ .وﺑﻠﻎ ذﻟك رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ
اﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﺟﻣﻊ اﻷﻧﺻﺎر ﻓﻲ ﺣظﯾرة وﺧطﺑﻬم ﻣﺑﯾﻧﺎً ﻟﻬم ﻓﺿﻠﻬم وﻣﻛﺎﻧﺗﻬم
اﻟﺳﺎﻣﯾﺔ ،وﺳﺑب إﻋطﺎﺋﻪ اﻟﻌطﺎﯾﺎ اﻟﻛﺛﯾرة ﻟﻠﻣؤﻟﻔﺔ ﻗﻠوﺑﻬم ،ﻓﻌرﻓوا ﻣﺎ ﯾرﻣﻲ إﻟﯾﻪ
اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﺑﻛوا ﺣﺗﻰ أﺧﺿﻠوا ﻟﺣﺎﻫم وﻗﺎﻟوا رﺿﯾﻧﺎ ﺑرﺳول
242
اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗﺳﻣﺎً وﺣظﺎً .ﻓرﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم ،وﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﻋﻠﻰ ﻣن رﺑﺎﻫم .
243
ﻫﺎﻣﺗﻪ ﺑﺎﻟﻔﺗﺢ اﻟﻣﺑﯾن ،وﻣﻛﻧﻪ ﻣن اﻟﻘرﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﺧرﺟﺗﻪ وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﻗﺑل ﺛﻣﺎن
ﺳﻧوات .ﻓﺳﺑﺣﺎن ﻣن ﯾﻌز اﻟطﺎﺋﻌﯾن ،وﯾﺳﺗﺧﻠف اﻟﻣؤﻣﻧﯾن اﻟذﯾن ﺑﻬم ﺗﻌﻣر
اﻟﺣﯾﺎة .
244
س : 173ﻣﺎ اﻟﺳراﯾﺎ اﻟﺗﻲ ﺑﻌﺛﻬﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻌد ﻋودﺗﻪ ﻣن
اﻟطﺎﺋف ؟ وﻣﺎ ﻫدﻓﻬﺎ ؟
ج : 173ﺑﻌد ﻋودﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن ﺣﺻﺎر اﻟطﺎﺋف إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ
ﺑﻌث ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﺳراﯾﺎ ﻟﻠدﻋوة إﻟﻰ اﷲ ،أو ﻟﻬدم ﻣﺎ ﺗﺑﻘﻰ ﻣن أﺻﻧﺎم وأوﺛﺎن
.وﻣن ﻫذﻩ اﻟﺳراﯾﺎ :
-1ﺳرﯾﺔ ﻋﯾﯾﻧﺔ ﺑن ﺣﺻن اﻟﻔزاري ﻓﻲ ﻣﺣرم ﺳﻧﺔ 9ﻫـ إﻟﻰ ﺑﻧﻲ ﺗﻣﯾم
) اﻟﺷﻛل (32اﻟذﯾن ﺷﺟﻌوا ﺑﻌض اﻟﻘﺑﺎﺋل ﻋﻠﻰ ﻋدم دﻓﻊ اﻟزﻛﺎة .ﻓﺧرج
إﻟﯾﻬم ﻋﯾﯾﻧﺔ ﻓﻲ ﺧﻣﺳﯾن رﺟﻼً ،وﻫﺎﺟﻣﻬم ﻓﻲ اﻟﺻﺣراء ﻓﻔروا ،ووﻗﻊ ﻋدد
ﻣن رﺟﺎﻟﻬم وﻧﺳﺎﺋﻬم ﻓﻲ اﻷﺳر ،وﺟﺎء ﺑﻬم ﻋﯾﯾﻧﺔ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،ﻓﺟﺎء
أﻫﻠوﻫم وأﺳﻠﻣوا ،ﻓرد ﻋﻠﯾﻬم اﻟرﺳول ﻧﺳﺎءﻫم وأﺑﻧﺎءﻫم .وﻓﯾﻬم ﻧزﻟت آﯾﺎت
ﻣن ﺳورة اﻟﺣﺟرات .
-2ﺳرﯾﺔ ﻗطﺑﺔ ﺑن ﻋﺎﻣر إﻟﻰ ﺗﺑﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺻﻔر ﺳﻧﺔ 9ﻫـ وﻫﻲ ﻗرﯾﺑﺔ ﻣن ﺑﯾﺷﺔ
ﺣﯾث اﻗﺗﺗل اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣﻊ اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻗﺗﺎﻻً ﺷدﯾداً ﺣﺗﻰ اﻧﻬزم اﻟﻣﺷرﻛون ،
وﺳﺎق اﻟﻣﺳﻠﻣون اﻷﺳرى واﻷﻣوال إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .
-3ﺳرﯾﺔ اﻟﺿﺣﺎك ﺑن ﺳﻔﯾﺎن اﻟﻛﻼﺑﻲ إﻟﻰ ﺑﻧﻲ ﻛﻼب ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ 9ﻫـ
ﺣﯾث دﻋﺎﻫم إﻟﻰ اﻹﺳﻼم ﻓﺄﺑوا ﻓﻘﺎﺗﻠﻬم وﻫزﻣﻬم وﻗﺗﻠوا ﻣﻧﻬم ﻣن ﻗﺗﻠوا .
-4ﺳرﯾﺔ ﻋﻠﻘﻣﺔ ﺑن ﻣﺟزز اﻟﻣدﻟﺟﻲ إﻟﻰ ﺟدة ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺳﻧﺔ 9ﻫـ ﻟﺻد
اﻷﺣﺑﺎش اﻟذﯾن ﻗﺎﻣوا ﺑﺄﻋﻣﺎل ﻗرﺻﻧﺔ ﻗرﯾﺑﺎً ﻣن ﺳواﺣل ﺟدة إﻻ أن اﻷﺣﺑﺎش
ﻫرﺑوا ﺣﯾن ﻋﻠﻣوا ﺑﻣﻘدم اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .
-5ﺳرﯾﺔ ﻋﻠﻲ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب إﻟﻰ طﺊ ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻵﺧر ﺳﻧﺔ 9ﻫـ ،ﺣﯾث أرﺳﻠﻪ
اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﻣﺋﺔ وﺧﻣﺳﯾن رﺟﻼً ﻟﻬدم ﺻﻧم طﺊ ،
245
ﻓﻬدﻣﻪ ﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ،وﻫزم اﻟﻘوم ،وأﺳر ﻣﻧﻬم .وﻣﻣن أﺳرﻫم ﺳﻔﺎﻧﺔ
ﺑﻧت ﺣﺎﺗم اﻟطﺎﺋﻲ اﻟﺗﻲ أﺳﻠﻣت وأﺳﻠم أﺧوﻫﺎ ﻋدي ﺑﻌد ذﻟك رﺿﻲ اﷲ ﻋن
اﻟﺟﻣﯾﻊ.
246
-6ﺳرﯾﺔ ﻋﻛﺎﺷﺔ ﺑن ﻣﺣﺻن اﻷﺳدي رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻵﺧر ﺳﻧﺔ 9
ﻫـ إﻟﻰ ﻗﺑﺎﺋل ﻋذرة وﺑﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل .
وﻛﺎﻧت ﻏزوة ﺗﺑوك ﻓﻲ ﺷﻬر رﺟب ﺳﻧﺔ 9ﻫـ .وﺗﺳﻣﻰ أﺣﯾﺎﻧﺎ ﺑﻐزوة اﻟﻌﺳرة أو
ﺟﯾش اﻟﻌﺳرة ﻟﻌﺳر وﺻﻌوﺑﺔ اﻟظروف اﻟﺗﻲ ﺣدﺛت اﻟﻐزوة أﺛﻧﺎءﻫﺎ .ﻓﻘد ﻛﺎن
اﻟﺟو ﺷدﯾد اﻟﺣرارة .وﻛﺎن اﻟﻧﺎس ﻓﻲ ﻋﺳرة وﺟدب .وﻛﺎﻧت اﻟﺛﻣﺎر ﻗد طﺎﺑت
وﺗﻌﻠﻘت ﺑﻬﺎ ﻧﻔوﺳﻬم .وﻛﺎﻧت اﻟﻣﺳﺎﻓﺔ ﺑﻌﯾدة ،واﻟطرﯾق وﻋرة .وﻛﺎن اﻟﻌدو
ﻗوﯾﺎً وﻫو اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻧظر إﻟﻰ ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ أﻋظم
إﻣﺑراطورﯾﺔ وأﻗوى دوﻟﺔ ﯾوﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻷرض .وﻫﻲ آﺧر ﻏزوة ﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
أﻣﺎ ﺳﺑب ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﻓﻬو أن اﻟروم ﻗد أروا أن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻗد ﻫددوﻫم ﻓﻲ ﻋﻘر
دارﻫم .وﻫﺎﺟﻣوا اﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟﻣواﻟﯾﺔ ﻟﻬﺎ ﻣن ﻟﺧم وﺑﻠﻲ وﻗﺿﺎﻋﺔ وﺟذام .وأن ﻫذﻩ
اﻟﻘﺑﺎﺋل ﻟم ﺗﻧﺟﺢ ﻓﻲ اﻟوﻗوف ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟذﯾن ﻋرﻓﻬم اﻟروﻣﺎن وﻋرﻓوا
ﻗﺗﺎﻟﻬم وﺷﺟﺎﻋﺗﻬم وﺑﺄﺳﻬم ﻓﻲ ﻣؤﺗﺔ ،وﻟذا ﻋزم ﻫرﻗل ﻋﻠﻰ ﺗﻛوﯾن ﺟﯾش ﻛﺑﯾر .
247
وأﻋطﻰ ﻗﯾﺎدﺗﻪ ﻷﺧﯾﻪ ﺛﯾودور ،وﺿم إﻟﯾﻪ ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب اﻟﻣﺗﻧﺻرة ﻣن ﻟﺧم
وﻗﺿﺎﻋﺔ وﻏﯾرﻫﺎ.
وﻋﻠم ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻬذﻩ اﻟﺣﺷود ،ﻓﻌزم ﻛﻌﺎدﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم
ِ
ﯾﻣض ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻰ أن ﯾﺳﯾر إﻟﯾﻬم ﻗﺑل أن ﯾﺳﯾروا إﻟﯾﻪ .ﻓﺄﻣر اﻟﻧﺎس اﻟذﯾن ﻟم
ﻋودﺗﻬم ﻣن ﻣﻛﺔ إﻻ ﻧﺣو ﺛﻣﺎﻧﯾﺔ أﺷﻬر ،أﻣرﻫم ﺑﺎﻟﺗﻬﯾؤ .واﺳﺗﻧﻔر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
وأﺧﺑرﻫم أﻧﻪ ﯾرﯾد اﻟروم ﻟﯾﺗﻬﯾﺄ اﻟﻧﺎس وﯾﺳﺗﻌدوا ﻓﻲ ﻣﻛﺔ وﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب ،
اﺳﺗﻌداداً ﻛﺎﻣﻼً ﺧﺎﺻﺔ وأن اﻟظروف ﻛﺎﻧت ،ﻛﻣﺎ أﺷرت ﺳﺎﺑﻘﺎً ،ﺻﻌﺑﺔ .
248
ﺣﺗﻰ اﻟﻔﻘراء واﻟﻧﺳﺎء ﻓﻣﻧﻬم ﻣن ﺟﺎء ﺑﻣد أو ﻣدﯾن ﻻ ﯾﺟد ﻏﯾرﻫﻣﺎ .وﻣﻧﻬم ﻣن
ﺟﺎء ﺑﺣﻔﻧﺔ ﺷﻌﯾر أو ﺗﻣر .وﺗﺻدق اﻟﻧﺳﺎء ﺑﻣﺎ ﻗدرن ﻋﻠﯾﻪ ﻣن ﻣﺳك وﻣﻌﺎﺿد
وأﻗراط وﺧواﺗم .وﻟم ﯾﺑﺧل ﺑﻣﺎﻟﻪ إﻻ اﻟﻣﻧﺎﻓﻘون اﻟذﯾن ﻛﺎن ﻟﻬم أدوار ﺳﯾﺋﺔ ﻓﻲ
ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﻛﻌﺎدﺗﻬم ﻓﻲ اﻟﻐزوات اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﺳﺑﺑوا ﺑﻬﺎ ﺷﯾﺋﺎً ﻣن اﻟﻣﺗﺎﻋب ﻟﻠرﺳول
واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻣن ذﻟك :
-1اﻻﺳﺗﻬزاء واﻟﺳﺧرﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﺻدﻗﺎﺗﻬم ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :اﻟذﯾن ﯾﻠﻣزون
اﻟﻣطوﻋﯾن ﻣن اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻓﻲ اﻟﺻدﻗﺎت واﻟذﯾن ﻻ ﯾﺟدون إﻻ ﺟﻬدﻫم
ﻓﯾﺳﺧرون ﻣﻧﻬم" .
-2ﺗﺧوﯾف اﻟﻧﺎس ﻣن ﻟﻘﺎء اﻟروم ،وﺗﺛﺑﯾطﻬم ﻋن اﻟﺧروج ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ:
"وﻗﺎﻟوا ﻻ ﺗﻧﻔروا ﻓﻲ اﻟﺣر .ﻗل ﻧﺎر ﺟﻬﻧم أﺷد ﺣ ارً ﻟو ﻛﺎﻧوا ﯾﻔﻘﻬون" .
-3اﻟﺳﺧرﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻫم ﻓﻲ اﻟطرﯾق إﻟﻰ ﺗﺑوك ﻛﻘوﻟﻬم :ﻣﺎ رأﯾﻧﺎ ﻣﺛل
ﻗراﺋﻧﺎ ﻫؤﻻء أﻛذب أﻟﺳﻧﺎً ،وﻻ أرﻏب ﺑطوﻧﺎً ،وﻻ أﺟﺑن ﻋﻧد اﻟﻠﻘﺎء .وﻗوﻟﻬم
ﺣﯾن ﺿﻠت ﻧﺎﻗﺔ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :ﯾزﻋم ﻣﺣﻣد أﻧﻪ ﻧﺑﻲ ﯾﺄﺗﯾﻪ
اﻟوﺣﻲ وﻫو ﻻ ﯾدري أﯾن ﻧﺎﻗﺗﻪ.
-4ﺑﻧﺎء ﻣﺳﺟد اﻟﺿرار اﻟذي ﻛﺎن وﻛ ارً ﯾﺟﺗﻣﻊ ﻓﯾﻪ اﻟﻣﻧﺎﻓﻘون ﻟﻠﺗﺂﻣر وأذﯾﺔ
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .وﻗد ﻛﺷف اﷲ أﻣرﻩ ﻟﻠرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﺄﻣر ﺑﺈﺣراﻗﻪ.
-5ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻗﺗل اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ طرﯾق ﻋودﺗﻪ ﻣن ﺗﺑوك ،إﻻ
أن اﷲ أﺧزاﻫم وﻓﺷﻠت ﻣﺣﺎوﻟﺗﻬم .
249
س : 176ﻛﯾف ﺗﺣرك ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ ﺗﺑوك ؟ وﻣﺎذا ﺣدث
ﻓﻲ اﻟطرﯾق ؟
وﺳﺎر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺷﻣﺎﻻً ﻧﺣو ﺗﺑوك )اﻟﺷﻛل . (33وﻓﻲ اﻟطرﯾق
ﺣدﺛت أﻣور أﻫﻣﻬﺎ :
250
ﻣﺳﺎﻛن اﻟذﯾن ظﻠﻣوا أﻧﻔﺳﻬم أن ﯾﺻﯾﺑﻛم ﻣﺎ أﺻﺎﺑﻬم إﻻ أن ﺗﻛوﻧوا ﺑﺎﻛﯾن .
وﻧﻬﻰ أﺻﺣﺎﺑﻪ أن ﯾﺷرﺑوا ﻣن ﻣﺎﺋﻬﺎ أو ﯾﺗوﺿﺄوا ﻣﻧﻪ إﻻ اﻟﺑﺋر اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت
ﺗردﻫﺎ ﻧﺎﻗﺔ ﺻﺎﻟﺢ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم .وﻧﻬﺎﻫم ﻋن أﻛل ﻣﺎ ﻋﺟﻧوﻩ وأن ﯾﻌﻠﻔوﻩ
اﻹﺑل.
251
-2أﺻﺑﺢ اﻟﻧﺎس ذات ﯾوم وﻻ ﻣﺎء ﻣﻌﻬم .ﻓﺷﻛوا ذﻟك إﻟﻰ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،ﻓدﻋﺎ اﷲ ،ﻓﺄرﺳل ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﺳﺣﺎﺑﺔ ﻓﺄﻣطرت ﺣﺗﻰ ارﺗوى
اﻟﻧﺎس ،واﺣﺗﻣﻠوا ﺣﺎﺟﺗﻬم ﻣن اﻟﻣﺎء.
-3ﻓﻲ اﻟطرﯾق ﺿﻠت ﻧﺎﻗﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ،وﺗﻛﻠم اﻟﻣﻧﺎﻓﻘون وﻗﺎﻟوا :
ﯾزﻋم أﻧﻪ ﻧﺑﻲ ،وأﻧﻪ ﯾﺧﺑرﻛم ﻋن ﺧﺑر اﻟﺳﻣﺎء وﻫو ﻻ ﯾدري أﯾن ﻧﺎﻗﺗﻪ .ﻓﻘﺎل
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :إن رﺟﻼً ﯾﻘول – وذﻛر ﻣﻘﺎﻟﺗﻪ – ٕواﻧﻲ واﷲ ﻣﺎ أﻋﻠم
إﻻ ﻣﺎ ﻋﻠﻣﻧﻲ اﷲ وﻗد دﻟﻧﻲ اﷲ ﻋﻠﯾﻬﺎ وﻫﻲ ﻓﻲ اﻟوادي ﻓﻲ ﺷﻌب ﻛذا وﻛذا
ﻗد ﺣﺑﺳﺗﻬﺎ ﺷﺟرة ﺑزﻣﺎﻣﻬﺎ ﻓﺎﻧطﻠﻘوا ﺣﺗﻰ ﺗﺄﺗوﻧﻲ ﺑﻬﺎ .ﻓذﻫﺑوا ﻓﺟﺎؤوا ﺑﻬﺎ.
-4ﻟﻣﺎ ﻗرب ﻣن ﺗﺑوك ﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻷﺻﺣﺎﺑﻪ :إﻧﻛم ﺳﺗﺄﺗون ﻏداً إن ﺷﺎء
اﷲ ﻋﯾن ﺗﺑوكٕ .واﻧﻛم ﻟن ﺗﺄﺗوﻫﺎ ﺣﺗﻰ ﯾﺿﺣﻲ اﻟﻧﻬﺎر ،ﻓﻣن ﺟﺎءﻫﺎ ﻓﻼ ﯾﻣس
ﻣن ﻣﺎﺋﻬﺎ ﺷﯾﺋﺎً ﺣﺗﻰ آﺗﻲ .
ج : 177ﻧزل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣون ﻋﻠﻰ ﻋﯾن ﺗﺑوك ،وﻟم ﯾﺟد
ﺑﻬﺎ ﻣن اﻟﻣﺎء إﻻ اﻟﻘﻠﯾل ﺟداً ﻓﻐرﻓﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺛم ﻏﺳل ﻓﯾﻪ وﺟﻬﻪ
وﯾدﻩ ،ﺛم أﻋﺎدﻩ ﻓﯾﻬﺎ ﻓﺟرت اﻟﻌﯾن ﺑﻣﺎء ﻏزﯾر أﻗﺎم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺟﯾش )وﻫم ﻧﺣو
ﺛﻼﺛﯾن أﻟﻔﺎً( ﻧﺣو ﻋﺷرﯾن ﯾوﻣﺎً ،ﺛم ﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم :ﯾوﺷك ﯾﺎ ﻣﻌﺎذ
إن طﺎﻟت ﺑك ﺣﯾﺎة أن ﺗرى ﻣﺎﻫﻬﻧﺎ ﻗد ﻣﻠﻲء ﺟﻧﺎﻧﺎً .
252
وﻋﻧد ﻧزوﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﺗﺑوك ﻟﺣق ﺑﻪ ﻣن ﺗﺧﻠف ﻓﻲ اﻟطرﯾق ﻛﺄﺑﻲ
ذر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ اﻟذي وﻗﻔت ﺑﻪ راﺣﻠﺗﻪ ﻓﻲ وادي اﻟﻘرى ﻓﺗرﻛﻬﺎ وﺣﻣل ﻣﺗﺎﻋﻪ
ﻋﻠﻰ ظﻬرﻩ ﺣﺗﻰ ﻟﺣق ﺑﺎﻟرﺳول واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .وﺟﺎء أﺑو ﺧﯾﺛﻣﺔ وﻏﯾرﻫم .
وﻓﻲ ﺗﺑوك ﺗوﻓﻲ اﻟﺻﺣﺎﺑﻲ اﻟﺟﻠﯾل ﻋﺑد اﷲ اﻟﻣزﻧﻲ اﻟﻣﻠﻘب ﺑذي اﻟﺑﺟﺎدﯾن ،
وأﻧزﻟﻪ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣﻊ ﺑﻌض أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﻗﺑرﻩ وﻗﺎل :اﻟﻠﻬم
رض ﻋﻧﻪ .
إﻧﻲ أﻣﺳﯾت راﺿﯾﺎً ﻋﻧﻪ ﻓﺎ َ
وﻓﻲ ﺗﺑوك ﺧطب ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم اﻟﻧﺎس ﺧطﺑﺔ ﺑﻠﯾﻐﺔ ،أﺗﻰ ﻓﯾﻬﺎ ﺑﺟواﻣﻊ
اﻟﻛﻠم .وﺣض ﻋﻠﻰ ﺧﯾر اﻟدﻧﯾﺎ واﻵﺧرة .
أﻣﺎ ﻫرﻗل وﺟﯾﺷﻪ وﺣﻠﻔﺎؤﻩ ﻣن ﻧﺻﺎرى اﻟﻌرب ﻓﻘد ﻓزﻋوا ﻛﺛﯾ ارً .واﻣﺗﻸت ﻗﻠوﺑﻬم
رﻋﺑﺎً ﺣﯾن ﻋﻠﻣوا ﺑوﺟود رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﻧﺣو ﺛﻼﺛﯾن أﻟﻔﺎ
ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﺗﺑوك وﻟم ﯾﺗﻘدﻣوا ﻟﺣرب اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑل ﺗﻔرﻗوا ﻓﻲ اﻟﺑﻼد .
وﺗرﻛﻬم ﻫرﻗل ﯾﺗﻔرﻗون ﻓﻘد رأى ﻫو وﺟﯾﺷﻪ ﻣﺎ ﻓﻌل ﺑﻬم ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﻣن
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﻣؤﺗﺔ وﻟم ﯾﻛن ﻓﯾﻬم ﻣﺣﻣد ،ﻓﻛﯾف ﺑﺛﻼﺛﯾن أﻟﻔﺎً ﻓﯾﻬم ﻣﺣﻣد .
وأرﺳل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم اﻟﺳراﯾﺎ اﻟﺗﻲ اﺧﺗرﻗت ﺣدود اﻻﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ
اﻟﺗﻲ أظﻬرت ﻋﺟزﻫﺎ ﻋن ﻟﻘﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﻟذا ﺟﺎء ﻛﺛﯾر ﻣن أﺗﺑﺎع اﻟروﻣﺎن
إﻟﻰ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﺻﺎﻟﺣوﻩ ﻋﻠﻰ دﻓﻊ اﻟﺟزﯾﺔ .وﻣن أﺷﻬرﻫم
أﻫل أذرح ،وأﻫل ﺟرﺑﺎء ،وأﻫل أﯾﻠﺔ .
وﺑﻌث ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺳرﯾﺔ إﻟﻰ أﻛﯾدر دوﻣﺔ اﻟﺟﻧدل ﺑﻘﯾﺎدة ﺧﺎﻟد ﺑن
اﻟوﻟﯾد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ اﻟذي ﻗﺎل ﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم :إﻧك ﺳﺗﺟدﻩ ﯾﺻﯾد
253
اﻟﺑﻘر .ﻓﺳﺎر ﺧﺎﻟد ﺣﺗﻰ اﻗﺗرب ﻣن ﺣﺻن أﻛﯾدر .ﻓﻛﻣن ﻟﻪ ،وﺟﺎءت ﻓﻲ ﻟﯾﻠﺔ
ﻣﻘﻣرة ﺑﻘر ﺑرﯾﻪ وﺟﻌﻠت ﺗﺣك ﺑﻘروﻧﻬﺎ ﺑﺎب اﻟﻘﺻر ،ﻓﺧرج أﻛﯾدر واﺑﻧﻪ وﺑﻌض
أﻋواﻧﻪ ﻻﺻطﯾﺎدﻫﺎ ،ﻓﻠﻣﺎ اﺑﺗﻌد ﻋن اﻟﻘﺻر ﻫﺟم ﻋﻠﯾﻪ ﺧﺎﻟد وأﺳرﻩ وﺟﺎء ﺑﻪ إﻟﻰ
اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﺻﺎﻟﺣﻪ ﻋﻠﻰ دﻓﻊ اﻟﺟزﯾﺔ .
وﻟﻣﺎ اﻗﺗرب ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻣن اﻟﻣدﯾﻧﺔ أﻧزل اﷲ ﻋﻠﯾﻪ ﺧﺑر ﻣﺳﺟد اﻟﺿرار
اﻟذي ﺷﯾدﻩ اﻟﻣﻧﺎﻓﻘون ﻟﻠدس واﻟﺗﺂﻣر ﺿد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،ﻓﺄرﺳل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم ﺑﻌض أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻓﺄﺣرﻗوﻩ .
دﺧل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺑﻌد أن ﻏﺎب ﻋﻧﻬﺎ ﻧﺣو ﺧﻣﺳﯾن ﻟﯾﻠﺔ .وﺑدأ
ﺑﺎﻟﻣﺳﺟد ﻓﺻﻠﻰ ﻓﯾﻪ رﻛﻌﺗﯾن ،ﺛم ﺟﻠس ﻟﻠﻧﺎس ،ﻓﺟﺎء اﻟﻣﻧﺎﻓﻘون ﯾﻌﺗذرون .
ﻓﻘﺑل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻋﻼﻧﯾﺗﻬم ،ووﻛل ﺳراﺋرﻫم إﻟﻰ اﷲ .
ج : 178رﻏم أﻧﻪ ﻟم ﯾﺣدث ﻗﺗﺎل ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻐزوة ﻣﻊ اﻷﻋداء ،ﻓﻘد ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻣن
اﻵﺛﺎر اﻟﻌظﯾﻣﺔ اﻟﺷﻲء اﻟﻛﺛﯾر وﻣن ذﻟك :
-1أﻧﻬﺎ ﺳﺎﻋدت ﻋﻠﻰ ﺑﺳط وﺗﻘوﯾﺔ ﻧﻔوذ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن داﺧل ﺟزﯾرة اﻟﻌرب
وﺧﺎرﺟﻬﺎ ،ﻓﺄذﻋﻧت ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب ﻟدوﻟﺔ اﻹﺳﻼم وﻗﺎﺋدﻫﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم وأﺧذت ﺗﺗواﻓد وﺗﺄﺗﻲ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻎ ﻋددﻫﺎ أﻛﺛر ﻣن ﺳﺑﻌﯾن
وﻓداً .ﺟﺎءت ﻛﻠﻬﺎ ﻟﺗﺑﺎﯾﻊ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم ،وﺗﻌﻠن وﻻءﻫﺎ
ﻟدوﻟﺔ اﻹﺳﻼم ،وﺣﺎﻛﻣﻬﺎ ،وﺷرﯾﻌﺗﻬﺎ .وﺿﺎﻋت أﺣﻼم وآﻣﺎل اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﯾن ،
واﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا ﯾﺗرﺑﺻون اﻟدواﺋر ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﯾﻌﻘدون اﻵﻣﺎل ﻋﻠﻰ
دوﻟﺔ اﻟروﻣﺎن وﺟﯾﺷﻬﺎ اﻟذي ﻫوى وﺗﻣزق وﺟﺑن ﺣﯾن ﻋﻠم ﺑﺄن ﻣﺣﻣداً ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﺛﻼﺛﯾن أﻟﻔﺎ ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺣدودﻫم ،ﻓﻠم ﯾﺗﻘدم ﺧطوة
واﺣدة ﻟﻠدﻓﺎع ﻋن ﺣدودﻩ ﺑل ﺗرﻛﻬﺎ ﻣﺳرﺣﺎً ﻟﻛﺗﺎﺋب وﺳراﯾﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،ﺣﺗﻰ
أذﻋن أﺗﺑﺎع اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ﻟﻠﻣﺳﻣﯾن وﺗرﻛوا اﻟوﻻء ﻟﻠروﻣﺎن ﻛﺄﻫل
أذرح ،وﺟرﺑﺎء ،وأﯾﻠﺔ ﻛﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ .
إﻧﻬﺎ اﻟﻌزة ﺑﺎﷲ ٕ ،واﻧﻪ اﻟﯾﻘﯾن ﺑﻣوﻋود اﷲ ٕ ،واﻧﻬﺎ اﻟﺛﻘﺔ واﻟﺗوﻛل ﻋﻠﻰ اﷲ ،
ٕواﻧﻪ ﺣﺳن اﻟظن ﺑﺎﷲ .ﻓﺄﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣون اﻟﯾوم وﻫم ﯾزﯾدون ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻠﯾﺎر
255
وﻧﺻف اﻟﻣﻠﯾﺎر؟ وﻛﯾف ﻫم ﻣﻊ أﻋداﺋﻬم اﻟﯾﻬود وﻣن وراءﻫم ﻣن اﻟروﻣﺎن ﻓﻲ
اﻟﻐرب ؟ واﷲ ﻟو ﻛﺎن ﻓﻲ ﻧﻔوس اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﯾوم ﺣﻛﺎﻣﺎً وﻣﺣﻛوﻣﯾن ﯾﻘﯾن
ﺑﺎﷲ ،وﺛﻘﺔ ﺑﺎﷲ ،وﺣﺳن ظن ﺑﺎﷲ ،وﺗوﻛل ﻋﻠﯾﻪ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ اﻟﯾﻬود ﻓﻲ
اﻟﻘدس وﻓﻠﺳطﯾن ،وﻻ ﺑﻘﯾت ﻟﻘوة اﻟﻐرب واﻟﺷرق ﻫﯾﺑﺔ وﺧوف ﻓﻲ ﻗﻠوﺑﻧﺎ .
وﻻﺳﺗﺳﻬﻠﻧﺎ اﻟﺻﻌﺎب .وﻟﻌﺎدت راﯾﺔ اﻹﺳﻼم ﺗﺧﻔق ﻣرة أﺧرى ﻓﻲ ﻣﻼﯾﯾن
اﻟﻛﯾﻠوﻣﺗرات اﻟﻣرﺑﻌﺔ اﻟﺗﻲ أﺿﻌﻧﺎﻫﺎ ﻓﻲ اﻷﻧدﻟس ) أﺳﺑﺎﻧﯾﺎ واﻟﺑرﺗﻐﺎل اﻟﯾوم( ،
وﺟﻧوب ﻓرﻧﺳﺎ ،وﺟزر اﻟﺑﺣر اﻟﻣﺗوﺳط ،وﺷرق أوروﺑﺎ ،وروﺳﯾﺎ وﻏﯾرﻫﺎ
ﻛﺛﯾر ،وﻟﻛﺎن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ ﺗﺣت إرادة اﷲ ﺛم إرادﺗﻧﺎ.
-2ﻗدوم اﻟوﻓود اﻟﺗﻲ ﺑﻠﻎ ﻋددﻫﺎ أﻛﺛر ﻣن ﺳﺑﻌﯾن وﻓداً ﻗدﻣت ﻣن ﺷﺗﻰ أﻧﺣﺎء
اﻟﺟزﯾرة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺑل وﻣن ﺧﺎرﺟﻬﺎ ﻛرﺳول ﻓروة ﺑن ﻋﻣرو اﻟﺟذاﻣﻲ ﻋﺎﻣل
اﻟروم ﻋﻠﻰ اﻟﻌرب ﻓﻲ ﻣﻌﺎن وﻣﺎ ﺣوﻟﻬﺎ واﻟذي أﻋﻠن إﺳﻼﻣﻪ .ﻛل ﻫذﻩ
اﻟوﻓود ﻗدﻣت إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺑﺎﺳم ﻗﺑﺎﺋﻠﻬﺎ أو ﻧﯾﺎﺑﺔ ﻋﻧﻬﺎ ﻟﺗﻌﻠن إﺳﻼﻣﻬﺎ
ووﻻءﻫﺎ ﻟدوﻟﺔ اﻹﺳﻼم .ﻓﻠم ﯾﻌد ﻫﻧﺎك ﻣﺟﺎل ﻟﻠﺷك ﻓﻲ أن اﻹﺳﻼم دﯾن ﺣق
،وأن دوﻟﺗﻪ ﻗﺎﺋﻣﺔ وﻣﺳﯾطرة.
-3ﺗﺄﻣﯾن اﻟﺣدود اﻟﺷﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟدوﻟﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﺗﻲ ﻛﺛﯾ ارً ﻣﺎ ﻫددﻫﺎ اﻟروﻣﺎن
وﺣﻠﻔﺎؤﻫم ﻣن ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب اﻟﻧﺻراﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل ،ﻓﺟﺎءت ﻫذﻩ اﻟﻐزوة
ﻟﺗﺛﺑت ﻋدم ﻗدرة اﻟروﻣﺎن وﺣﻠﻔﺎﺋﻬم ﻋﻠﻰ ﻣواﺟﻬﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن أو اﻟﺗﻌرض
ﻟﺣدود دوﻟﺗﻬم ،وﻟﺗﻛﺳر ﺷوﻛﺔ اﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻣواﻟﯾﺔ ﻟﻠروﻣﺎن ﺑﺳﻘوط
ﻋﺎﺻﻣﺗﻬم دوﻣﺔ اﻟﺟﻧدل وﺣﺎﻛﻣﻬﺎ اﻷﻛﯾدر ﻓﻲ ﯾد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن.
-4ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن ﺑﺎﻟﻘﺳوة ﺣﯾث أﻣر اﷲ رﺳوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﺎﻟﺗﺷدﯾد ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن وﻋدم ﻗﺑول ﺻدﻗﺎﺗﻬم ،وﻧﻬوا ﻋن
256
اﻟﺻﻼة ﻋﻠﻰ ﻣن ﻣﺎت ﻣﻧﻬم ،أو اﻻﺳﺗﻐﻔﺎر ﻟﻬم أو اﻟﻘﯾﺎم ﻋﻠﻰ ﻗﺑورﻫم .
ﻓﻠﻘد أﺻﺑﺢ اﻹﺳﻼم ﻗوﯾﺎً ،وﻟﻘد طﺎل أذى ﻫؤﻻء اﻟﻣﻧدﺳﯾن ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻊ
اﻹﺳﻼم ،وﻟم ﯾﻌد ﻫﻧﺎك ﻣﺟﺎل ﻟﻣداراﺗﻬم أو اﻟﺳﻛوت ﻋﻧﻬم .وأﻣﺛﺎل ﻫؤﻻء
اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن ﻻ ﯾزاﻟون إﻟﻰ اﻟﯾوم ﯾﻌﯾﺷون ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺗﺣت
ﻣﺳﻣﯾﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،وﺷﻌﺎرات ﻣﺗﻠوﻧﺔ .وواﷲ إن ﺧطرﻫم اﻟﯾوم ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم
واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻻ ﯾﻘل ﻋن ﺧطر أﺳﻼﻓﻬم اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا ﻋﻠﻰ ﻋﻬد رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﺑل ﻫم اﻟﯾوم أﺧطر ﻟﺿﻌف اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﺗﻌدد دوﻟﻬم ،
وﺗﻔرق ﻛﻠﻣﺗﻬم .وﻟن ﯾﻛﺳر ﺷوﻛﺔ ﻫؤﻻء ،وﯾﻘﺿﻲ ﻋﻠﻰ ﺧطرﻫم إﻻ ﻛﺷف
اﻟﻘﻧﺎع ﻋﻧﻬم ،وﻋن ﺣﻘﯾﻘﺗﻬم ،وﺧطرﻫم ،وﻣﻌﺎﻣﻠﺗﻬم ﻛﻣﺎ أﻣر اﷲ رﺳوﻟﻪ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﺳورة اﻟﺗوﺑﺔ.
-5اﺗﺳﺎع دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم وﻧﻔوذﻫﺎ ﻟﯾﺷﻣل أﺟزاء ﻣن أراﺿﻲ اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ
اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ وﺣﻠﻔﺎﺋﻬﺎ ﻛﻣﺎ أﺷرﻧﺎ .
-1وﻓﺎة رأس اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن ﻋﺑداﷲ ﺑن أﺑﻲ ﺑن ﺳﻠول .وﺻﻠﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻌد أن ﺣﺎول ﻋﻣر ﻣﻧﻌﻪ ﻣن اﻟﺻﻼة ﻋﻠﯾﻪ ،ﺛم ﻧزل اﻟﻘرآن
ﻣواﻓﻘﺎً ﻟرأي ﻋﻣر.
257
-2وﻓﺎة أم ﻛﻠﺛوم ﺑﻧت اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟذي ﺣزن ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻛﺛﯾ ارً
وﻗﺎل ﻟزوﺟﻬﺎ ﻋﺛﻣﺎن ﺑن ﻋﻔﺎن رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ :ﻟو ﻛﺎﻧت ﻋﻧدي ﺛﺎﻟﺛﺔ
ﻟزوﺟﺗﻛﻬﺎ.
-3وﻓﺎة اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ أﺻﺣﻣﺔ ﺑن أﺑﺟر ﻣﻠك اﻟﺣﺑﺷﺔ .وﺻﻠﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺻﻼة اﻟﻐﺎﺋب .
-4أرﺳل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أﺑﺎ ﺑﻛر ﻟﯾﺣﺞ ﺑﺎﻟﻧﺎس .ﻓﺧرج رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ
ﻓﻲ ذي اﻟﻘﻌدة ﻓﻲ ﻧﺣو ﺛﻼﺛﻣﺎﺋﺔ ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،ﺣﯾث ﻓرض اﻟﺣﺞ ﻓﻲ ﻫذﻩ
اﻟﺳﻧﺔ ﻋﻠﻰ اﻷرﺟﺢ ﻣن أﻗوال اﻟﻌﻠﻣﺎء .
258
ج : 181دﺧﻠت ﻛﺛﯾر ﻣن ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺳﻧﺔ ﻷﻧﻪ ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻌد أن ﻓﺗﺢ ﻣﻛﺔ ﻗﺿﻰ ﻋﻠﻰ اﻟوﺛﻧﯾﺔ ورﻣوزﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ وﺳﺎﺋر
اﻟﻣﻧﺎطق ،وﻋرف اﻟﻌرب ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻹﺳﻼم ،وزاﻟت ﻋﻧﻬم اﻟﺷﺑﻬﺎت ،وظﻬر اﻟﺣق
،وﺗﺑﯾن ﻟﻠﻧﺎس ﻋﺎﻣﺔ وﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌد ﻏزوة ﺗﺑوك أن دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم ﻏﺎﻟﺑﺔ وظﺎﻫرة ،
وأﻧﻪ ﻻ ﺳﺑﯾل ﻟﻣﺣﺎرﺑﺗﻬﺎ وﻏﻠﺑﺗﻬﺎ ،ﻓﺗﺳﺎرﻋت ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب إﻟﻰ اﻋﺗﻧﺎق اﻹﺳﻼم .
ودﺧﻠت اﻟﻧﺎس ﻓﻲ دﯾن اﷲ أﻓواﺟﺎً ﺣﺗﻰ زاد ﻋدد اﻟذﯾن ﺷﻬدوا ﺣﺟﺔ اﻟوداع ﻣﻊ
رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺎﺋﺔ واﻟﻌﺷرﯾن أﻟﻔﺎً.
259
وﻓد دوس وﻛﺎن ﻓﯾﻬم ﺳﯾدﻫم اﻟطﻔﯾل ﺑن ﻋﻣرو اﻟدوﺳﻲ ،واﻟﺻﺣﺎﺑﻲ اﻟﺟﻠﯾل أﺑو
ﻫرﯾرة ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﺑن ﺻﺧر اﻟدوﺳﻲ ،وﻓد ﻓروة ﺑن ﻋﻣرو اﻟﺟذاﻣﻲ ﻋﺎﻣل
اﻟروﻣﺎن ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎن وﻣﺎ ﺣوﻟﻬﺎ ﻣن ﺑﻼد اﻟﺷﺎم ،وﻓد ﺻداء ،وﻓد ﻣزﯾﻧﺔ ،وﻓد
ﺑﻧﻲ ﺣﻧﯾﻔﺔ ،وﻓد ﺛﻘﯾف ،وﻓد ﺑﻧﻲ ﻋﺑد اﻟﻘﯾس ،وﻓد ﺑﻧﻲ ﻋﺎﻣر ،وﻓد طﺊ
وﻛﺎن ﻓﯾﻬم ﻋدي ﺑن ﺣﺎﺗم اﻟطﺎﺋﻲ ،وﻓد اﻷﺷﻌرﯾﯾن ﻗوم أﺑو ﻣوﺳﻰ اﻷﺷﻌري ،
وﻓد ﺑن ﻓزارة ،وﻓد ﻣﻠوك اﻟﯾﻣن ،وﻓد ﻫﻣدان ،وﻓد ﺑﺎﻫﻠﺔ وﻏﯾرﻫﺎ ﻛﺛﯾر.
وﻗد ﯾﻛون اﻟواﻓد رﺟﻼً واﺣداً ﻟﻪ ﺷﺄن ﻣﺛل اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌروف ﻛﻌب اﺑن
زﻫﯾر ﺑن أﺑﻲ ﺳﻠﻣﻰ اﻟذي وﻓد ﻋﻠﻰ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ
وأﺳﻠم ،ﺛم أﻧﺷد ﻗﺻﯾدﺗﻪ اﻟﻣﺷﻬورة اﻟﺗﻲ ﻣطﻠﻌﻬﺎ :
وﻓﯾﻬﺎ ﻣدح رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺄﺑﯾﺎت ﻋدة ،
ﻓﻛﺳﺎﻩ اﻟرﺳول ﺑردة ﻛﺎﻧت ﻋﻠﯾﻪ ،ﻓﻛﺎﻧت ﻋﻧدﻩ ﺣﺗﻰ ﺗوﻓﻲ .ﻓﺎﺷﺗراﻫﺎ ﻣﻌﺎوﯾﺔ
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻣن أﺑﻧﺎﺋﻪ ﺑﻌﺷرﯾن أﻟف درﻫم ﻟﯾﻠﺑﺳﻬﺎ ﻓﻲ اﻷﻋﯾﺎد واﻟﺟﻣﻊ .
وﺑﻘﯾت ﻫذﻩ اﻟﺑردة زﻣﻧﺎً ﯾﺗوارﺛﻬﺎ اﻟﺧﻠﻔﺎء .وﯾﻘﺎل ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣوﺟودة اﻟﯾوم ﻓﻲ ﻣﺗﺣف
أﯾﺎ ﺻوﻓﯾﺎ ﺑﺗرﻛﯾﺎ واﷲ أﻋﻠم .
260
س : 182ﻣﺎذا ﻓﻌل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻣﻊ ﻫذﻩ اﻟوﻓود ؟
ﺳ ِﺑﯾﻼً " .وأﻛﺛر اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻋﻠﻰ أن اﻟﺣﺞ ﻓرض ﻓﻲ أواﺧر اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺗﺎﺳﻌﺔ ﻣن اﻟﻬﺟرة. َ
وﻟم ﯾﺣﺞ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺳﻧﺔ ﻷن اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻛﺎﻧوا ﺣﺗﻰ ﻫذﻩ اﻟﺳﻧﺔ
ﯾﺣﺟون وﯾﺄﺗون ﻓﻲ ﺣﺟﻬم ﺑﺄﻣور أ ارد اﷲ أن ﯾطﻬر ﺳﻣﻊ وﺑﺻر رﺳوﻟﻪ ﻣن ﺳﻣﺎﻋﻬﺎ
ورؤﯾﺗﻬﺎ .ﻓﻛﺎﻧوا ﯾﺷرﻛون ﻓﻲ ﺗﻠﺑﯾﺗﻬم وﯾﻘوﻟون :ﻟﺑﯾك ﻻ ﺷرﯾك ﻟك إﻻ ﺷرﯾﻛﺎً ﻫو ﻟك
ﺗﻣﻠﻛﻪ وﻣﺎ ﻣﻠك .وﻣﻧﻬم ﻣن ﻛﺎن ﯾطوف ﺑﺎﻟﺑﯾت ﻋﺎرﯾﺎً ﺣﺗﻰ ﻗﺎﻟت إﺣداﻫن وﻫﻲ ﺗﺗﺣدث
ﻋﻣﺎ ﯾﺟب ﺳﺗرﻩ :
وﻛﺎﻧت ﻗرﯾش ﻻ ﺗﻘف ﺑﻌرﻓﺎت ﺑل ﺑﻣزدﻟﻔﺔ ﻷﻧﻬم ﻻ ﯾﺧرﺟون وﻻ ﯾﺗﺟﺎوزون ﺣدود اﻟﺣرم
إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻟﺷرﻛﯾﺎت واﻟﻣﺧﺎﻟﻔﺎت اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧوا ﯾرﺗﻛﺑوﻧﻬﺎ واﻹﺳﻼم ﻻ ﯾﻘرﻫﺎ .وﻓﻲ
ﻫذﻩ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺗﻲ ﺣﺞ ﻓﯾﻬﺎ أﺑو ﺑﻛر ﺑﺎﻟﻧﺎس ﻧزﻟت اﻵﯾﺎت اﻷوﻟﻰ ﻣن ﺳورة ﺑراءة .وأﻣر
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻠﯾﺎً أن ﯾﻘرأﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎس ﻓﻲ ﻋدة ﻣواطن أﯾﺎم اﻟﺣﺞ .وأن ﯾﺑﻠﻐﻬم أﻣر
261
رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺄﻧﻪ :ﻻ ﯾﺣﺞ ﺑﻌد ﻫذا اﻟﻌﺎم ﻣﺷرك ،وﻻ ﯾطوف
ﺑﺎﻟﺑﯾت ﻋرﯾﺎن ،وﻣن ﻛﺎن ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋﻬد ﻓﺈن أﺟﻠﻪ
إﻟﻰ أرﺑﻌﺔ أﺷﻬر ﻓﺈذا اﻧﻘﺿت ﻓﺈن اﷲ ﺑرئ ﻣن اﻟﻣﺷرﻛﯾن ورﺳوﻟﻪ ،وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻷواﻣر
اﻟﺗﻲ ﺗﻬدف إﻟﻰ ﺗطﻬﯾر ﻣﻛﺔ واﻟﻣﺷﺎﻋر ﺧﺎﺻﺔ ،وﺟزﯾرة اﻟﻌرب ﻋﺎﻣﺔ ﻣن اﻟﺷرك
واﻟﻣﺷرﻛﯾن وأﻋﻣﺎﻟﻬم ﻟﯾﺣﺞ اﻟرﺳول واﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣن ﻋﺎﻣﻬم اﻟﻘﺎدم وﻗد ﺗطﻬرت ﻣﻛﺔ
واﻟﻣﺷﺎﻋر ﻣن اﻟﺷرك وأﻫﻠﻪ.
-1ﺳرﯾﺔ ﺧﺎﻟد ﺑن اﻟوﻟﯾد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ 10ﻫـ ،ﺣﯾث ﺑﻌﺛﻪ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ ﺑﻧﻲ اﻟﺣﺎرث ٕواﻟﻰ ﺑﻧﻲ ﻋﺑد اﻟﻣدان ﺑﻧﺟران ﺟﻧوب
اﻟﺟزﯾرة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ،وأﻣرﻩ أن ﯾدﻋوﻫم إﻟﻰ اﻹﺳﻼم ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ﻗﺑل أن ﯾﻘﺎﺗﻠﻬم .
ﻓﺧرج ﺧﺎﻟد وﻓﻌل ﻣﺎ أﻣرﻩ ﺑﻪ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﺄﺳﻠم اﻟﻧﺎس ،ﻓﺄﻗﺎم
ﻓﯾﻬم ﺧﺎﻟد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﯾﻌﻠﻣﻬم اﻹﺳﻼم ،ﺛم ﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻣﻌﻪ وﻓد ﺑﻧﻲ
أﻣر
اﻟﺣﺎرث اﻟذﯾن ﺑﺎﯾﻌوا اﻟرﺳول -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم – ﺛم ﻋﺎدوا ﺑﻌد أن ً
ﻋﻣر ﺑن ﺣزم
ا ﻋﻠﯾﻬم ﻗﯾس ﺑن اﻟﺣﺻﯾن .ﺛم ﺑﻌث إﻟﯾﻬم اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
ﻟﯾﻔﻘﻬﻬم ﻓﻲ اﻟدﯾن و ﻫو اﺑن ﺳﺑﻌﺔ ﻋﺷر ﻋﺎﻣﺎ .
-2ﺳرﯾﺔ ﻋﻠﻲ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب إﻟﻰ اﻟﯾﻣن ﻓﻲ رﻣﺿﺎن ﺳﻧﺔ 10ﻫـ ،ﺣﯾث ﺳﺎر
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﻣﺋﺔ ﻓﺎرس .وﻛﺎﻧت أول ﺧﯾل ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن دﺧﻠت ﺗﻠك اﻟﺑﻼد
262
وﻫﻲ ﺑﻼد ﻣذﺣﺞ وﻫﻣدان ﻣن أرض اﻟﯾﻣن .وﻋﺎد ﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓواﻓﻰ
رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻣﻛﺔ اﻟﻣﻛرﻣﺔ ﺣﺎﺟﺎً ﺳﻧﺔ 10ﻫـ ،ﻓﺣﺞ ﻋﻠﻲ
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻣﻊ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
-3إرﺳﺎﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻷﻣراء إﻟﻰ أﻫل اﻟﯾﻣن ﺣﯾث ﺑﻌث ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم
ﻣﻌﺎذ ﺑن ﺟﺑل وأﺑﺎ ﻣوﺳﻰ اﻷﺷﻌري ﻟدﻋوة أﻫل اﻟﯾﻣن ،وﺗﻌﻠﯾﻣﻬم اﻟدﯾن وﺷراﺋﻌﻪ
،وأﺧذ اﻟﺻدﻗﺎت ﻣﻧﻬم .وأوﺻﺎﻫم ﺑﺎﻟﻠﯾن واﻟﺗرﻓق ﺑﺎﻟﻧﺎس .
-4ﺣﺟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺎﻟﻧﺎس ،وﻫﻲ ﺣﺟﺔ اﻟوداع اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻓﻲ ﻫذﻩ
اﻟﺳﻧﺔ ﻛﻣﺎ ﺳﻧﺑﯾن.
ج : 185ﺷرع اﻟﺣﺞ ﻋﻠﻰ اﻟراﺟﺢ ﻣن أﻗوال اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻓﻲ أواﺧر اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺗﺎﺳﻌﺔ ﻣن
اﻟﻬﺟرة ،وﺣﺞ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻌﺎﺷرة ،وﺗوﻓﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم
ﺑﻌد اﻟﺣﺞ ﺑﻧﺣو ﺛﻣﺎﻧﯾن ﯾوﻣﺎً أي أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟم ﯾﺣﺞ إﻻ ﻣرة واﺣدة .
اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻓﻲ ﻋﻣرة واﻋﺗﻣر ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺛﻼث أو أرﺑﻊ ﻣرات ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﺑﯾن
اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ ﺳﻧﺔ 6ﻫـ ﺣﯾن ﺣﺻرت ﻗرﯾش رﺳول اﷲ واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ وﻣﻧﻌﺗﻬم
ﻣن دﺧول ﻣﻛﺔ ﻷداء ﻣﻧﺎﺳك اﻟﻌﻣرة ﻓﻌﺎد اﻟرﺳول واﻟﻣﺳﻠﻣون إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ دون اﻋﺗﻣﺎر،
ﺛم ﻋﻣرة اﻟﻘﺿﺎء ﺳﻧﺔ 7ﻫـ ،ﺛم ﻋﻣرﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن اﻟﺟﻌراﻧﺔ ﺑﻌد ﻋودﺗﻪ
ﻣن ﺣﺻﺎر اﻟطﺎﺋف ﺳﻧﺔ 8ﻫـ ،ﺛم ﻋﻣرﺗﻪ وﺣﺟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺳﻧﺔ 10ﻫـ
ﺣﯾث ﻗرن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم اﻟﻌﻣرة واﻟﺣﺞ ﻓﻲ إﺣرام واﺣد.
263
س : 186ﻣﺗﻰ ﻛﺎﻧت ﺣﺟﺔ اﻟوداع ؟ وﻟﻣﺎذا ﺳﻣﯾت ﺑﻬذا اﻻﺳم ؟ وﻛﯾف ﻛﺎن
ﺣﺟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ؟
وﺗﺳﻣﻰ ﺑﺣﺟﺔ اﻟﺗﻣﺎم ﻷﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﺧﺑر ﻧﺑﯾﻪ واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﺄﻧﻪ أﻛﻣل اﻟدﯾن وأﺗم اﻟﻧﻌﻣﺔ ﻓﻲ
اﻵﯾﺔ اﻟﺗﻲ أﻧزﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺑﯾﻪ ﻋﺷﯾﺔ ﻋرﻓﺔ ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ وﻫﻲ
ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ" :اﻟﯾوم أﻛﻣﻠت ﻟﻛم دﯾﻧﻛم ،وأﺗﻣﻣت ﻋﻠﯾﻛم ﻧﻌﻣﺗﻲ ،ورﺿﯾت ﻟﻛم اﻹﺳﻼم دﯾﻧﺎً"
.
وﺗﺳﻣﻰ ﺑﺣﺟﺔ اﻹﺳﻼم ﻷﻧﻬﺎ اﻟﺣﺟﺔ اﻟوﺣﯾدة اﻟﺗﻲ ﺣﺟﻬﺎ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﺑﻌد ﻓرض اﻟﺣﺞ .
أﻣﺎ ﻛﯾف ﺣﺞ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﺈﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﻣﺎ أراد اﻟﺣﺞ أﻋﻠن ﻓﻲ
اﻟﻧﺎس أﻧﻪ ﺳﯾﺣﺞ ،ﻓﻘدم اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺑﺷر ﻛﺛﯾر ﻟﯾﺣﺟوا ﻣﻊ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ،وﻟﯾﺗﻌﻠﻣوا ﻣﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻣﻧﺎﺳك اﻟﺣﺞ اﻟﺻﺣﯾﺢ .وﻓﻲ ﯾوم اﻟﺳﺑت
اﻟﺧﺎﻣس واﻟﻌﺷرﯾن ﻣن ذي اﻟﻘﻌدة اﺳﺗﻌد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﻠﺧروج ،ﻓﺗرﺟل وأدﻫن
،وﻟﺑس إزارﻩ ورداءﻩ ،وﻗﻠّد ﻫدﯾﻪ ﻣﺎﺋﺔ ﺑدﻧﺔ .واﺻطﺣب ﺟﻣﯾﻊ ﻧﺳﺎﺋﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
264
واﻟﺳﻼم .وﺧرج ﻣن اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺑﻌد أن ﺻﻠﻰ ﺑﻬﺎ اﻟظﻬر أرﺑﻌﺎً ﻓﻲ ﻣﺳﺟدﻩ اﻟﺷرﯾف .و
ﺳﺎر ﺣﺗﻰ وﺻل ذا اﻟﺣﻠﯾﻔﺔ وﻗد أﺣﺎط ﺑﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم اﻷﻟوف ﻣن اﻟﻧﺎس
ﯾﻘﺗدون ﺑﻪ ،وﯾﻬﺗدون ﺑﻬدﯾﻪ .وﻓﻲ ذي اﻟﺣﻠﯾﻔﺔ ﺻﻠﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة و اﻟﺳﻼم اﻟﻌﺻر
رﻛﻌﺗﯾن ،ﺛم ﺻﻠﻰ اﻟﻣﻐرب واﻟﻌﺷﺎء وﺑﺎت ﺑﻬﺎ .وﻗﺑل أن ﯾﺻﻠﻲ اﻟظﻬر اﻏﺗﺳل ﺻﻠﻰ
طﯾﺑﺗﻪ ﻋﺎﺋﺷﺔ ﻓﻲ رأﺳﻪ وﻟﺣﯾﺗﻪ وﺑدﻧﻪ اﻟﺷرﯾف ﺑطﯾب
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻹﺣراﻣﻪ ،ﺛم ّ
ﻓﯾﻪ ﻣﺳك ،ﺛم ﺻﻠﻰ اﻟظﻬر رﻛﻌﺗﯾن ،ﺛم أﻫل ﺑﺎﻟﺣﺞ واﻟﻌﻣرة ﻓﻲ ﻣﺻﻼﻩ وﻗرن ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ ،
ﺛم ﺧرج ورﻛب اﻟﻘﺻواء ﻓﺄﻫل أﯾﺿﺎً ،ﺛم أﻫل ﻟﻣﺎ اﺳﺗﻘﻠت ﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺑﯾداء واﻟﻧﺎس
ﯾﺣﯾطون ﺑﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم .وﺳﺎر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺣﺗﻰ ﻗرب ﻣن ﻣﻛﺔ
ﻓﺑﺎت ﺑذي طوى ،ﺛم دﺧل ﻣﻛﺔ ﺑﻌد أن ﺻﻠﻰ اﻟﻔﺟر واﻏﺗﺳل ﻣن ﺻﺑﺎح ﯾوم اﻷﺣد
اﻟراﺑﻊ ﻣن ذي اﻟﺣﺟﺔ ﺳﻧﺔ 10ﻫـ .وﻗﺿﻰ ﻓﻲ اﻟطرﯾق ﺑﯾن ﻣﻛﺔ واﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺛﻣﺎن ﻟﯾﺎل .
ﻓﻠﻣﺎ دﺧل اﻟﻣﺳﺟد اﻟﺣرام طﺎف ﺑﺎﻟﺑﯾت وﺳﻌﻰ ﺑﯾن اﻟﺻﻔﺎ واﻟﻣروة وﻟم ﯾﺣل إﺣراﻣﻪ ﻷﻧﻪ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻛﺎن ﻗﺎرﻧﺎً وﻗد ﺳﺎق ﻣﻌﻪ اﻟﻬدي .وأﻣر ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن
ﻟم ﯾﻛن ﻣﻌﻪ ﻫدي ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻪ أن ﯾﺣﻠوا إﺣراﻣﻬم ﺑﻌد اﻟطواف واﻟﺳﻌﻲ ﻓﻔﻌﻠوا .ﺛم ﻧزل
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺄﻋﻠﻰ ﻣﻛﺔ ﻋﻧد اﻟﺣﺟون ،وأﻗﺎم ﻫﻧﺎك ،وﻟم ﯾﻌد إﻟﻰ اﻟطواف
ﺑﺎﻟﺑﯾت ﻏﯾر طواف اﻟﺣﺞ .
وﻓﻲ ﯾوم اﻟﺧﻣﯾس اﻟﺛﺎﻣن ﻣن ذي اﻟﺣﺟﺔ وﻫو ﯾوم اﻟﺗروﯾﺔ ﺻﻠﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم
اﻟﻔﺟر ،ﺛم أﻣر اﻟذﯾن ﺣﻠوا ﺑﺎﻹﺣرام ﻟﻠﺣﺞ .ﺛم ﺗوﺟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم إﻟﻰ ﻣﻧﻰ
ﻓﺻﻠﻰ ﺑﻬﺎ اﻟظﻬر ،واﻟﻌﺻر ،واﻟﻣﻐرب ،واﻟﻌﺷﺎء ،واﻟﻔﺟر .ﺛم ﻣﻛث ﻗﻠﯾﻼً ﺣﺗﻰ طﻠﻌت
اﻟﺷﻣس ﺻﺑﺎح ﯾوم اﻟﺟﻣﻌﺔ اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻣن ذي اﻟﺣﺟﺔ وﻫو ﯾوم ﻋرﻓﺔ .ﺛم ﺗوﺟﻪ ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ ﻋرﻓﺔ ﻓوﺟد اﻟﻘﺑﺔ ﻗد ﺿرﺑت ﻟﻪ ﺑﻧﻣرة ﻓﻧزل ﺑﻬﺎ ﺣﺗﻰ إذا زاﻟت
265
اﻟﺷﻣس رﻛب اﻟﻘﺻواء ﺛم أﺗﻰ ﺑطن اﻟوادي وﻗد اﺟﺗﻣﻊ ﺣوﻟﻪ ﻣﺎﺋﺔ وأرﺑﻌﺔ وﻋﺷرون أو
أرﺑﻌﺔ وأرﺑﻌون أﻟﻔﺎً ،ﻓﻘﺎم ﺧطﯾﺑﺎً ،وﻛﺎن اﻟذي ﯾﺻرخ ﻓﻲ اﻟﻧﺎس ﺑﻘول اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻫو رﺑﯾﻌﺔ ﺑن أﻣﯾﺔ ﺑن ﺧﻠف رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ .وﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﻓﻲ ﺧطﺑﺗﻪ :أﯾﻬﺎ اﻟﻧﺎس اﺳﻣﻌوا ﻗوﻟﻲ ﻓﺈﻧﻲ ﻻ أدري ﻟﻌﻠﻲ ﻻ أﻟﻘﺎﻛم ﺑﻌد ﻋﺎﻣﻲ
ﻫذا ﺑﻬذا اﻟﻣوﻗف أﺑداً .إن دﻣﺎءﻛم ،وأﻣواﻟﻛم ﺣرام ﻋﻠﯾﻛم ﻛﺣرﻣﺔ ﯾوﻣﻛم ﻫذا ﻓﻲ
ﺷﻬرﻛم ﻫذا ﻓﻲ ﺑﻠدﻛم ﻫذا ....اﻟﺧطﺑﺔ اﻟﺗﻲ وﺿﻊ ﻓﯾﻬﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أﻣور
اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ ،واﻟدﻣﺎء ،واﻟرﺑﺎ ،وأوﺻﻰ ﺑﺎﻟﻧﺳﺎء ،وﺑﺎﻻﻋﺗﺻﺎم ﺑﺎﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ .وﺑﻌد
ت
ﻓراﻏﻪ ﻣن اﻟﺧطﺑﺔ – وﻗﺑل ﻋﺷﯾﺔ ﻋرﻓﺔ – أﻧزل اﷲ ﻋﻠﯾﻪ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ا ْﻟ َﯾ ْوَم أَ ْﻛ َﻣ ْﻠ ُ
ﻼم ِدﯾ ًﻧﺎ ".
ﺳ َﯾت ﻟَ ُﻛ ُم ْاﻹ ْ
ﺿ ُت ﻋﻠَ ْﯾ ُﻛم ِﻧﻌﻣ ِﺗﻲ ور ِ ِ
ﻟَ ُﻛ ْم دﯾ َﻧ ُﻛ ْم َوأَﺗْ َﻣ ْﻣ ُ َ ْ ْ َ َ َ
وﺑﻌد اﻟﺧطﺑﺔ أذن ﺑﻼل رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺛم أﻗﺎم ﻓﺻﻠﻰ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﺑﺎﻟﻧﺎس اﻟظﻬر رﻛﻌﺗﯾن ،ﺛم أﻗﺎم ﻓﺻﻠﻰ اﻟﻌﺻر رﻛﻌﺗﯾن ،ﺛم رﻛب اﻟﻘﺻواء ﺣﺗﻰ أﺗﻰ
ﺟﺑل اﻟرﺣﻣﺔ ﻓوﻗف ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻋﻧد اﻟﺻﺧرات أﺳﻔل اﻟﺟﺑل ﺟﺎﻋﻼً اﻟﺟﺑل ﻓﻲ
ﻗﺑﻠﺗﻪ واﺳﺗﻘﺑل اﻟﻘﺑﻠﺔ .ﻓﻠم ﯾزل واﻗﻔﺎً ﯾدﻋو وﯾذﻛر اﷲ ﺣﺗﻰ ﻏرﺑت اﻟﺷﻣس ،ﺛم أردف
أﺳﺎﻣﺔ ﺑن زﯾد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ودﻓﻊ ﺣﺗﻰ أﺗﻲ اﻟﻣزدﻟﻔﺔ ،ﻓﺻﻠﻰ ﺑﻬﺎ اﻟﻣﻐرب واﻟﻌﺷﺎء
ﺑﺄذان واﺣد ٕواﻗﺎﻣﺗﯾن ،ﺛم اﺿطﺟﻊ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺣﺗﻰ طﻠﻊ اﻟﻔﺟر ،ﻓﺻﻠﻰ
اﻟﻔﺟر ﺛم رﻛب اﻟﻘﺻواء ﺣﺗﻰ أﺗﻲ اﻟﻣﺷﻌر اﻟﺣرام ﻓﺎﺳﺗﻘﺑل اﻟﻘﺑﻠﺔ ،ودﻋﺎ ،وﻛﺑر،
وﻫﻠل ﻛﺛﯾ ارً ﺣﺗﻰ أﺳﻔر ﺟداً ﻓدﻓﻊ إﻟﻰ ﻣﻧﻰ ﻗﺑل أن ﺗطﻠﻊ اﻟﺷﻣس ،وأردف اﻟﻔﺿل ﺑن
اﻟﻌﺑﺎس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ ﺣﺗﻰ أﺗﻰ ﺟﻣرة اﻟﻌﻘﺑﺔ ﻓرﻣﺎﻫﺎ ﺑﺳﺑﻊ ﺣﺻﯾﺎت ﯾﻛﺑر ﻣﻊ ﻛل
ﺣﺻﺎة .ﺛم أﺗﻰ اﻟﻣﻧﺣر ﻓﻧﺣر ﺑﯾدﻩ اﻟﺷرﯾﻔﺔ ﺛﻼﺛﺎً وﺳﺗﯾن ﺑدﻧﺔ .ﺛم أﻣر ﻋﻠﯾﺎً أن ﯾﻧﺣر
ﺗﻣﺎم اﻟﻣﺎﺋﺔ .ﺛم دﻋﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم اﻟﺣﻼق ﻣﻌﻣر ﺑن ﻋﺑداﷲ اﻟﺟﻣﺣﻲ رﺿﻲ
266
اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﺣﻠق ﻟﻠرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم رأﺳﻪ ووزع ﻣن ﺷﻌر رأﺳﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎس
اﻟذﯾن ﺗﺟﻣﻌوا ﻟﯾﻧﺎل ﻛل ﻣﻧﻬم ﺷﻌرة أو ﺷﻌرﺗﯾن أو ﺛﻼﺛﺎً .وأﻋطﻰ ﻧﺻف ﺷﻌرﻩ ﻷﺑﻲ
طﻠﺣﺔ .وأﻣر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﺄﺧذ ﺑﺿﻌﺔ ﻣن ﻛل ﺑدﻧﺔ ﻓﺟﻌﻠت ﻓﻲ ﻗدر ﻓطﺑﺧت
وأﻛل ﻣﻧﻬﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﺷرب ﻣن ﻣرﻗﻬﺎ .ﺛم ﻟﺑس ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺛﯾﺎﺑﻪ وﺗطﯾب
،ﺛم رﻛب وأﻓﺎض إﻟﻰ اﻟﺑﯾت ،وطﺎف طواف اﻹﻓﺎﺿﺔ ،وﺻﻠﻰ اﻟظﻬر ﺑﻣﻛﺔ ،وﺧطب
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻫذا اﻟﯾوم – ﯾوم اﻟﻧﺣر -وﻫو ﻋﻠﻰ ﺑﻐﻠﺔ ﺷﻬﺑﺎء ،وﻋﻠﻲ ﯾﺑﻠﻎ
ﻋﻧﻪ ،واﻟﻧﺎس ﺑﯾن ﻗﺎﺋم وﻗﺎﻋد .وأﻋﺎد ﻓﻲ ﺧطﺑﺗﻪ ﺑﻌض ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ أﻣس ﻓﻲ ﻋرﻓﺎت .
وأﻗﺎم ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻣﻧﻰ أﯾﺎم اﻟﺗﺷرﯾق ﯾرﻣﻲ اﻟﺟﻣرات ﺑﻌد اﻟزوال ﻛل ﺟﻣرة
ﺑﺳﺑﻊ ﺣﺻﯾﺎت ﯾﻛﺑر ﻣﻊ ﻛل ﺣﺻﺎة .وﺧطب ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ أوﺳط أﯾﺎم اﻟﺗﺷرﯾق
ﻛﺧطﺑﺗﻪ ﯾوم اﻟﻧﺣر.
وﻓﻲ ﯾوم اﻟﺛﻼﺛﺎء اﻟﺛﺎﻟث ﻋﺷر ﻧﻔر ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن ﻣﻧﻰ وﻧزل ﺑﺧﯾف ﺑﻧﻲ
ﻛﻧﺎﻧﺔ ﻣن اﻷﺑطﺢ وﺻﻠﻰ ﻫﻧﺎك اﻟظﻬر ،واﻟﻌﺻر ،واﻟﻣﻐرب ،واﻟﻌﺷﺎء .وﻓﻲ اﻟﺳﺣر
ﻣن ﻟﯾﻠﺔ اﻷرﺑﻌﺎء اﻟراﺑﻊ ﻋﺷر ﻣن ذي اﻟﺣﺟﺔ ﺗوﺟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
إﻟﻰ اﻟﺑﯾت ،وطﺎف طواف اﻟوداع وﻛﺎﻧت اﻟﻧظرات اﻷﺧﯾرة ﻋﻠﻰ اﻟﺑﯾت .ﺛم أذن ﻟﻠﻧﺎس
ﺑﺎﻟﻌودة إﻟﻰ دﯾﺎرﻫم .وﻋﺎد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻣﻌﻪ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣن
اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن واﻷﻧﺻﺎر وﻣﻌﻪ زوﺟﺎﺗﻪ .وﻛﺎﻧت ﻣدة إﻗﺎﻣﺗﻪ ﺑﻣﻛﺔ ﻣﻧذ دﺧﻠﻬﺎ إﻟﻰ أن ﺧرج
ﻣﻧﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻋﺷرة أﯾﺎم .وﻣدة ﻏﯾﺎﺑﻪ ﻣن اﻟﻣدﯾﻧﺔ أﻛﺛر ﻣن ﺧﻣﺳﺔ وﻋﺷرﯾن ﯾوﻣﺎً
.وﻟﻣﺎ وﺻل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ ذي اﻟﺣﻠﯾﻔﺔ ﺑﺎت ﺑﻬﺎ .وﻟﻣﺎ أﺻﺑﺢ ورأى
اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻛﺑر ﺛﻼﺛﺎً وﻗﺎل " :ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ وﺣدﻩ ﻻ ﺷرﯾك ﻟﻪ .ﻟﻪ اﻟﻣﻠك وﻟﻪ اﻟﺣﻣد وﻫو
ﻋﻠﻰ ﻛل ﺷﻲء ﻗدﯾر .آﯾﺑون ،ﺗﺎﺋﺑون ،ﻋﺎﺑدون ،ﺳﺎﺟدون ،ﻟرﺑﻧﺎ ﺣﺎﻣدون ،ﺻدق
267
وﻋدﻩ ،وﻧﺻر ﻋﺑدﻩ ،وﻫزم اﻷﺣزاب وﺣدﻩ" .ﺛم دﺧل اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻧﻬﺎ ارً .وﯾروي اﻟطﺑراﻧﻲ
أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﻣﺎ ﻗدم اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻣن ﺣﺟﺔ اﻟوداع ﺻﻌد اﻟﻣﻧﺑر ﻓﻘﺎل :أﯾﻬﺎ
اﻟﻧﺎس ،إن أﺑﺎ ﺑﻛر ﻟم ﯾﺳؤﻧﻲ ﻗط ،ﻓﺎﻋرﻓوا ذﻟك ﻟﻪ .أﯾﻬﺎ اﻟﻧﺎس ،إﻧﻲ ﻋن أﺑﻲ ﺑﻛر
،وﻋﻣر ،وﻋﺛﻣﺎن ،وﻋﻠﻲ ،وطﻠﺣﺔ ،واﻟزﺑﯾر ،وﻋﺑداﻟرﺣﻣن ﺑن ﻋوف ،واﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن
اﻷوﻟﯾن ر ٍ
اض ﻓﺎﻋرﻓوا ﻟﻬم ذﻟك .أﯾﻬﺎ اﻟﻧﺎس :اﺣﻔظوﻧﻲ ﻓﻲ أﺻﺣﺎﺑﻲ ،وأﺻﻬﺎري ،
وأﺣﺑﺎﺑﻲ ﻻ ﯾطﻠﺑﻛم اﷲ ﺑﻣظﻠﻣﺔ أﺣد ﻣﻧﻬم .أﯾﻬﺎ اﻟﻧﺎس ،ارﻓﻌوا أﻟﺳﻧﺗﻛم ﻋن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
ٕ ،واذا ﻣﺎت أﺣد ﻣﻧﻬم ﻓﻘوﻟوا ﻓﯾﻪ ﺧﯾ ارً.
ج : 187رﺟﻊ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن ﺣﺟﺔ اﻟوداع ﻓﻲ أواﺧر ذي اﻟﺣﺟﺔ ﺳﻧﺔ 10
ﻫـ .وﻓﻲ أواﺧر ﺻﻔر ﺳﻧﺔ 11ﻫـ ﻧدب اﻟﻧﺎس ﻟﻐزو اﻟروم ﺑﺎﻟﺑﻠﻘﺎء وﻓﻠﺳطﯾن ،وﺟﻬز
أﻣر ﻋﻠﯾﻬم أﺳﺎﻣﺔ ﺑن زﯾد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ وﻫو
ﺟﯾﺷﺎً ﻓﯾﻪ ﻛﺑﺎر اﻟﻣﻬﺎﺟرﯾن واﻷﻧﺻﺎر و ّ
اﺑن ﺳﺑﻊ ﻋﺷرة أو ﺛﻣﺎﻧﻲ ﻋﺷرة ﺳﻧﺔ .وأﻣرﻩ أن ﯾﺳﯾر ﺑﺎﻟﺟﯾش إﻟﻰ ﺣﯾث ﻗﺗل أﺑوﻩ زﯾد
ﺑن ﺣﺎرﺛﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﻲ ﻣؤﺗﺔ .وﻋﺳﻛر أﺳﺎﻣﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺑﺎﻟﺟرف وﺗﺳﺎرع
اﻟﻧﺎس ﻟﻼﻧﺿﻣﺎم إﻟﻰ ﺟﯾﺷﻪ .إﻻ أن اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣرض ،ﻓﺗرﯾث
أﺳﺎﻣﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ،وظل اﻟﺟﯾش ﻣﻌﺳﻛ ارً ﺑﺎﻟﺟرف ،ﺛم رﺟﻊ ﺑﻌد وﻓﺎة اﻟرﺳول
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .وﻟﻣﺎ ﺗوﻟﻰ أﺑو ﺑﻛر اﻟﺧﻼﻓﺔ أﻧﻔذ ذﻟك اﻟﺟﯾش وﻗواﻣﻪ ﺛﻼﺛﺔ
آﻻف رﺟل .
268
س : 188ﻣﺎ ﻫﻲ طﻼﺋﻊ ﺗودﯾﻌﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﻬذﻩ اﻟدﻧﯾﺎ ؟
س :189ﻣﺗﻰ ﺑدأت ﺷﻛوى اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ؟ وﻛم ﻣدة ﻣرﺿﻪ؟
ج : 189ﺑدأت ﺷﻛوى اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﯾوم اﻹﺛﻧﯾن 29ﺻﻔر ﺳﻧﺔ
11ﻫـ ،ﺣﯾث ﺷﻬد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺟﻧﺎزة ﻓﻲ اﻟﺑﻘﯾﻊ ﻓﻠﻣﺎ رﺟﻊ وﻫو ﻓﻲ اﻟطرﯾق
أﺧذﻩ ﺻداع ﻓﻲ رأﺳﻪ .واﺷﺗدت ﺣرارﺗﻪ ﺣﺗﻰ إﻧﻬم ﻛﺎﻧوا ﯾﺟدون ﺳورﺗﻬﺎ ﻓوق ﻋﺻﺎﺑﺔ
رأﺳﻪ اﻟﺷرﯾف .وﺻﻠﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﺎﻟﻧﺎس وﻫو ﻣرﯾض 11ﯾوﻣﺎً .وﺟﻣﯾﻊ
أﯾﺎم ﻣرﺿﻪ 13أو 14ﯾوﻣﺎً.
269
س : 190ﻛﯾف ﻗﺿﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯾرة ﻗﺑل وﻓﺎﺗﻪ ؟
: 190ﻓﻲ ﻟﯾﻠﺔ ﻣن اﻟﻠﯾﺎﻟﻲ طﻠب ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن ﻣوﻻﻩ أﺑﻲ ﻣوﯾﻬﺑﺔ أن
ﯾﺻﺣﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺑﻘﯾﻊ ﻷﻧﻪ أﻣر أن ﯾﺳﺗﻔﻐر ﻟﻬم ،ﻓﻠﻣﺎ ﺳﻠم ﻋﻠﯾﻬم واﺳﺗﻐﻔر ﻟﻬم أﻗﺑل ﻋﻠﻰ
أﺑﻲ ﻣوﯾﻬﺑﺔ ﻗﺎﺋﻼً :ﯾﺎ أﺑﺎ ﻣوﯾﻬﺑﺔ إﻧﻲ ﻗد أوﺗﯾت ﻣﻔﺎﺗﯾﺢ اﻟدﻧﯾﺎ واﻟﺧﻠد ﻓﯾﻬﺎ ﺛم اﻟﺟﻧﺔ ،
ﻓﺧﯾرت ﺑﯾن ذﻟك وﻟﻘﺎء رﺑﻲ واﻟﺟﻧﺔ .ﻓﻘﺎل أﺑو ﻣوﯾﻬﺑﺔ :ﺑﺄﺑﻲ أﻧت وأﻣﻲ ﺧذ ﻣﻔﺎﺗﯾﺢ
ﺧزاﺋن اﻟدﻧﯾﺎ واﻟﺧﻠد ﻓﯾﻬﺎ ﺛم اﻟﺟﻧﺔ .ﻓﻘﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :ﻻ واﷲ ﯾﺎ أﺑﺎ ﻣوﯾﻬﺑﺔ
ﻟﻘد اﺧﺗرت ﻟﻘﺎء رﺑﻲ واﻟﺟﻧﺔ .ﺛم اﺳﺗﻐﻔر ﻷﻫل اﻟﺑﻘﯾﻊ واﻧﺻرف إﻟﻰ ﺑﯾت ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ
اﷲ ﻋﻧﻬﺎ .وزاد ﺑﻪ اﻟوﺟﻊ وﻫو ﯾدور ﻋﻠﻰ ﻧﺳﺎﺋﻪ ﺣﺗﻰ اﺷﺗد ﺑﻪ وﻫو ﻓﻲ ﺑﯾت ﻣﯾﻣوﻧﺔ
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ .ﻓدﻋﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻧﺳﺎءﻩ واﺳﺗﺄذﻧﻬن ﻓﻲ أن ﯾﻣرض ﻓﻲ
ﻓﺄذن ﻟﻪ .ﻓﺎﻧﺗﻘل إﻟﻰ ﺑﯾت ﻋﺎﺋﺷﺔ ﯾﻣﺷﻲ ﺑﯾن اﻟﻔﺿل
ﺑﯾت ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ّ ،
ﺑن اﻟﻌﺑﺎس ،وﻋﻠﻲ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب ،ﻋﺎﺻﺑﺎً رأﺳﻪ ﺗﺧط ﻗدﻣﺎﻩ ﺣﺗﻰ دﺧل ﺑﯾت ﻋﺎﺋﺷﺔ
ﻓﻘﺿﻰ ﻋﻧدﻫﺎ اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯾرة ﻣن ﺣﯾﺎﺗﻪ .وﻛﺎﻧت ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺗرﻗﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻣﻌوذات ﻣن اﻟﻘرآن .
وﻓﻲ ﯾوم اﻷرﺑﻌﺎء 7رﺑﯾﻊ اﻷول إﺷﺗد وﺟﻌﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وزادت ﺑﻪ اﻟﺣﻣﻰ ،
ﻋﻠﻲ ﺳﺑﻊ ﻗرب ﻣن آﺑﺎر ﺷﺗﻰ ﺣﺗﻰ أﺧرج إﻟﻰ
وأﻏﻣﻲ ﻋﻠﯾﻪ .ﻓﻠﻣﺎ أﻓﺎق ﻗﺎل :ﻫرﯾﻘوا ّ
اﻟﻧﺎس ﻓﺄﻋﻬد إﻟﯾﻬم .ﻓﻔﻌﻠوا ،ﻓﺷﻌر ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺧﻔﺔ ﻓﺧرج إﻟﻰ اﻟﻧﺎس وﻗد
اﺟﺗﻣﻌوا ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد وﻫو ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣﻌﺻوب اﻟرأس ﺣﺗﻰ ﺟﻠس ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺑر
،وﺧطب اﻟﻧﺎس ،وﻋرض ﻧﻔﺳﻪ ﻟﻠﻘﺻﺎص .ﺛم ﻧزل ﻓﺻﻠﻰ اﻟظﻬر .ﺛم رﺟﻊ ﻓﺟﻠس
ﻼ :إن ﻋﺑداً ﺧﯾرﻩ اﷲ أن
ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﺑر وأوﺻﻲ ﺑﺎﻷﻧﺻﺎر ،وﻧﻌﻰ ﻧﻔﺳﻪ اﻟﺷرﯾﻔﺔ ﻗﺎﺋ ً
270
ﯾؤﺗﯾﻪ ﻣن زﻫرة اﻟدﻧﯾﺎ ﻣﺎ ﺷﺎء وﺑﯾن ﻣﺎ ﻋﻧدﻩ ﻓﺄﺧﺗﺎر ﻣﺎ ﻋﻧدﻩ .ﻓﺑﻛﻰ أﺑو ﺑﻛر وﻗﺎل :
ﻓدﯾﻧﺎك ﺑﺂﺑﺎﺋﻧﺎ وأﻣﻬﺎﺗﻧﺎ .وأﺛﻧﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋﻠﻰ أﺑﻲ ﺑﻛر وﻗﺎل :ﻻ ﯾﺑﻘﯾن ﻓﻲ
ﺳد ،إﻻ ﺑﺎب أﺑﻲ ﺑﻛر .
اﻟﻣﺳﺟد ﺑﺎب إﻻ ُ
وﻓﻲ ﯾوم اﻟﺧﻣﯾس 8رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ11ﻫـ زاد وﺟﻌﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻘﺎل :
ﻫﻠﻣوا أﻛﺗب ﻟﻛم ﻛﺗﺎﺑﺎً ﻟن ﺗﺿﻠوا ﺑﻌدﻩ .ﻓﻘﺎل ﻋﻣر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ :ﻗد ﻏﻠب ﻋﻠﯾﻪ
اﻟوﺟﻊ ،وﻋﻧدﻛم اﻟﻘرآن .ﺣﺳﺑﻛم ﻛﺗﺎب اﷲ .ﻓﺎﺧﺗﻠف أﻫل اﻟﺑﯾت ،وﻛﺛر اﻟﻠﻐط
واﻹﺧﺗﻼف ﻓﻘﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :ﻗوﻣوا ﻋﻧﻲ .
وأوﺻﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﻫذا اﻟﯾوم ﺑﺛﻼث :أوﺻﻰ ﺑﺈﺧراج اﻟﯾﻬود واﻟﻧﺻﺎرى
واﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻣن ﺟزﯾرة اﻟﻌرب .وأوﺻﻰ ﺑﺈﺟﺎزة اﻟوﻓود ﺑﻧﺣو ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺟﯾزﻫم .أﻣﺎ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ
ﻓﻧﺳﯾﻬﺎ اﻟراوي وﻟﻌﻠﻬﺎ اﻟوﺻﯾﺔ ﺑﺎﻹﻋﺗﺻﺎم ﺑﺎﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ ،أو ﺑﺈﻧﻔﺎذ ﺟﯾش أﺳﺎﻣﺔ ،أو
اﻟﺻﻼة وﻣﺎ ﻣﻠﻛت أﯾﻣﺎﻧﻛم .
وﻛﺎن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم رﻏم ﺷدة وﺟﻌﻪ ﯾﺻﻠﻲ ﺑﺎﻟﻧﺎس ﺣﺗﻰ ﺻﻼة اﻟﻣﻐرب اﻟﺗﻲ ﻗ أر
ﻓﯾﻬﺎ ﺑﺎﻟﻣرﺳﻼت ﻋرﻓﺎً ،وﻟم ﯾﺳﺗطﻊ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟﺧروج ﻟﺻﻼة اﻟﻌﺷﺎء
ﻓﺻﻠﻰ أﺑو ﺑﻛر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺑﺎﻟﻧﺎس .
وﻓﻲ ﯾوم اﻟﺳﺑت 10رﺑﯾﻊ اﻷول وﺟد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻪ ﺧﻔﺔ وﻧﺷﺎطﺎً
ﻓﺧرج ﺑﯾن رﺟﻠﯾن ﻟﺻﻼة اﻟظﻬر وأﺑو ﺑﻛر ﯾﺻﻠﻰ ﺑﺎﻟﻧﺎس .ﻓﻠﻣﺎ رآﻩ أﺑو ﺑﻛر ذﻫب
ﻟﯾﺗﺄﺧر ،ﻓﺄوﻣﺄ إﻟﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺄن ﻻ ﯾﺗﺄﺧر وﻗﺎل :أﺟﻠﺳﺎﻧﻲ إﻟﻰ ﺟﻧﺑﻪ ،
ﻓﺄﺟﻠﺳﺎﻩ إﻟﻰ ﯾﺳﺎر أﺑﻲ ﺑﻛر ،ﻓﻛﺎن أﺑو ﺑﻛر ﯾﻘﺗدي ﺑﺻﻼة رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ،وﯾﺳﻣﻊ اﻟﻧﺎس اﻟﺗﻛﺑﯾر.
271
وﻓﻲ ﯾوم اﻷﺣد 11رﺑﯾﻊ اﻷول أﻋﺗق ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻏﻠﻣﺎﻧﻪ .وﺗﺻدق ﺑﺳﺑﻊ
دﻧﺎﻧﯾر ﻛﺎﻧت ﻋﻧدﻩ .ووﻫب ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ﺳﻼﺣﻪ .وﻛﺎﻧت ﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم درع
ﻣرﻫوﻧﺔ ﻋﻧد ﯾﻬودي ﺑﺛﻼﺛﯾن ﺻﺎﻋﺎً ﻣن اﻟﺷﻌﯾر .
وﻓﻲ ﯾوم اﻹﺛﻧﯾن 12رﺑﯾﻊ اﻷول وﺑﯾﻧﻣﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻓﻲ ﺻﻼة اﻟﻔﺟر ﺧﻠف أﺑﻲ ﺑﻛر
اﻟﺻدﯾق رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻛﺷف ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺳﺗر ﺣﺟرة ﻋﺎﺋﺷﺔ وﻧظر إﻟﻰ
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻫم ﺻﻔوف ﻓﻲ اﻟﺻﻼة ،ﺛم ﺗﺑﺳم ﯾﺿﺣك ،وﻫ ﱠم اﻟﻣﺳﻠﻣون أن ﯾﻔﺗﻧوا ﻓﻲ
ﺻﻼﺗﻬم ﻓرﺣﺎً ﺑرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،ﻓﺄﺷﺎر إﻟﯾﻬم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم
ﺑﯾدﻩ أن أﺗﻣوا ﺻﻼﺗﻛم .ﺛم دﺧل اﻟﺣﺟرة وأرﺧﻰ اﻟﺳﺗر .
ﺳﺎرﻫﺎ ﺑﺷﻲء
ﻓﺳﺎرﻫﺎ ﺑﺷﻲء ﻓﺑﻛت ،ﺛم ّ
ّ وﻟﻣﺎ ارﺗﻔﻊ اﻟﺿﺣﻰ دﻋﺎ ﻓﺎطﻣﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ
ﺳﺎرﻧﻲ اﻟﻧﺑﻲ
ﻓﺿﺣت .ﻗﺎﻟت ﻋﺎﺋﺷﺔ :ﻓﺳﺄﻟﻧﺎ ﻋن ذﻟك -أي ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد – ﻓﻘﺎﻟت ّ :
ﺳﺎرﻧﻲ ﻓﺄﺧﺑرﻧﻲ أﻧﻲ أول
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أﻧﻪ ﯾﻘﺑض ﻓﻲ وﺟﻌﻪ ذﻟك ﻓﺑﻛﯾت ،ﺛم ّ
أﻫﻠﻪ ﻟﺣوﻗﺎً ﺑﻪ ﻓﺿﺣﻛت .ورأت ﻓﺎطﻣﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﺑرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﻣن اﻟﻛرب ﻓﻘﺎﻟت :وا ﻛرب أﺑﺗﺎﻩ .ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم :ﻻ ﻛرب ﻋﻠﻰ أﺑﯾك
ﺑﻌد اﻟﯾوم .
ودﻋﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟﺣﺳن واﻟﺣﺳﯾن ﻓﻘﺑﻠﻬﻣﺎ ،وأوﺻﻰ ﺑﻬﻣﺎ ﺧﯾ ارً .ودﻋﺎ
أزواﺟﻪ ﻓوﻋظﻬن وذﻛرﻫن .وزاد وﺟﻌﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وظﻬر أﺛر اﻟﺳم اﻟذي
أﻛﻠﻪ ﺑﺧﯾﺑر وﻗﺎل :ﯾﺎ ﻋﺎﺋﺷﺔ ﻣﺎ أزال أﺟد أﻟم اﻟطﻌﺎم اﻟذي أﻛﻠﺗﻪ ﺑﺧﯾﺑر ،ﻓﻬذا أوان
اﻧﻘطﺎع أﺑﻬري .وأوﺻﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟﻧﺎس ﻗﺎﺋﻼً " :اﻟﺻﻼة ....اﻟﺻﻼة وﻣﺎ
ﻣﻠﻛت أﯾﻣﺎﻧﻛم .ﻛرر ذﻟك ﻣر ارً .
272
وﺑدأ اﻹﺣﺗﺿﺎر ،ﻓﺄﺳﻧدﺗﻪ ﻋﺎﺋﺷﺔ إﻟﯾﻬﺎ .ودﺧل أﺧوﻫﺎ ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﺑن أﺑﻲ ﺑﻛر رﺿﻲ
اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ وﺑﯾدﻩ اﻟﺳواك ،ﻓﻧظر إﻟﯾﻪ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ،ﻓﻌرﻓت ﻋﺎﺋﺷﺔ
أﻧﻪ ﯾرﯾدﻩ ﻓﺄﺧذﺗﻪ وﻟﯾﻧﺗﻪ ﻟﻠرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺛم أﻋطﺗﻪ إﯾﺎﻩ ﻓﺎﺳﺗﺎك ﺑﻪ ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻛﺄﺣﺳن ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺳﺗﻧﺎً .وﺑﯾن ﯾدﯾﻪ رﻛوة ﻓﯾﻬﺎ ﻣﺎء ،ﻓﺟﻌل ﯾدﺧل ﯾدﻩ
ﻓﻲ اﻟﻣﺎء وﯾﻣﺳﺢ ﺑﻬﺎ وﺟﻬﻪ وﯾﻘول :ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ ...إن ﻟﻠﻣوت ﻟﺳﻛرات .اﻟﻠﻬم
أﻋﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﻛرات اﻟﻣوت .ﺛم رﻓﻊ ﯾدﻩ أو أﺻﺑﻌﻪ وﺷﺧص ﺑﺻرﻩ ﻧﺣو اﻟﺳﻘف ،
وﺗﺣرﻛت ﺷﻔﺗﺎﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم .ﻓﺄﺻﻐت إﻟﯾﻪ ﻋﺎﺋﺷﺔ وﻫو ﯾﻘول :ﻣﻊ اﻟذﯾن
أﻧﻌﻣت ﻋﻠﯾﻬم ﻣن اﻟﻧﺑﯾﯾن واﻟﺻدﯾﻘﯾن واﻟﺷﻬداء واﻟﺻﺎﻟﺣﯾن .اﻟﻠﻬم اﻏﻔر ﻟﻲ وارﺣﻣﻧﻲ
وأﻟﺣﻘﻧﻲ ﺑﺎﻟرﻓﯾق اﻷﻋﻠﻰ .اﻟﻠﻬم اﻟرﻓﯾق اﻷﻋﻠﻰ .اﻟﻠﻬم اﻟرﻓﯾق اﻷﻋﻠﻰ .اﻟﻠﻬم اﻟرﻓﯾق
اﻷﻋﻠﻰ وﻣﺎﻟت ﯾدﻩ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻟﺣق ﺑﺎﻟرﻓﯾق اﻷﻋﻠﻰ ﺣﯾن اﺷﺗد اﻟﺿﺣﻰ ﻣن
ﯾوم اﻹﺛﻧﯾن 12رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ 11ﻫـ وﻋﻣرﻩ ﺛﻼث وﺳﺗون ﺳﻧﺔ .ﻓﺻﻠوات اﷲ
وﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﯾﻪ ٕ .واﻧﺎ ﷲ ٕواﻧﺎ إﻟﯾﻪ راﺟﻌون .
وﺗﺳرب اﻟﺧﺑر ،وﻓﺟﻊ اﻟﻧﺎس وذﻫﻠوا .وأظﻠﻣت اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻛﻣﺎ ﻗﺎل أﻧس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ :
ﻣﺎ رأﯾت ﯾوﻣﺎً ﻗط ﻛﺎن أﺣﺳن وﻻ أﺿوأ ﻣن ﯾوم دﺧل ﻋﻠﯾﻧﺎ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم .وﻣﺎ رأﯾت ﯾوﻣﺎً ﻛﺎن أظﻠم ﻣن ﯾوم ﻣﺎت ﻓﯾﻪ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
ﺻدق اﻟﻧﺎس ﻟﻬول اﻟﻣﺻﯾﺑﺔ .وﺟﻌل ﻋﻣر ﯾﻬدد وﯾﺗوﻋد ﻣن ﯾﻘول إن رﺳول اﷲ
وﻣﺎ ّ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗد ﻣﺎت .وﻋﻘر ﻋﺛﻣﺎن رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﺟﻌل ﯾدور ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺟد
وﻻ ﯾﺗﻛﻠم .وذﻫل ﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﺟﻌل ﯾﺗردد ﺑﯾن اﻟﻣﺳﺟد وﺑﯾﺗﻪ ﻻ ﯾدري ﻣﺎ ﯾﻘول
وﻣﺎ ﯾﺻﻧﻊ .وذﻫل اﻟﻧﺎس .وﻛﺎن أﺑو ﺑﻛر ﺑﺎﻟﺳﻧﺢ ﻓﻘد اﺳﺗﺄذن اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﺑﻌد اﻟﻔﺟر ﻟﻠذﻫﺎب إﻟﻰ زوﺟﺗﻪ ﺧﺎرﺟﻪ ﺑﻧت زﯾد ﺑﺎﻟﺳﻧﺢ ﻓﺄذن ﻟﻪ .ﻓﻠﻣﺎ ﻋﻠم أﺑو
273
ﺑﻛر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺑوﻓﺎة رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أﻗﺑل ﻣﺳرﻋﺎً ﻋﻠﻰ ﻓرﺳﻪ ،
ودﺧل ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺋﺷﺔ وﻫﻲ ﺗﺑﻛﻲ ورﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣﺳﺟﻰ ﺑﺎﻟدار ،ﻓﻛﺷف
ﻋن وﺟﻬﻪ اﻟﺷرﯾف ،ﺛم أﻛب ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻘﺑﻠﻪ وﺑﻛﻰ ﺛم ﻗﺎل :ﺑﺄﺑﻲ أﻧت وأﻣﻲ ﻣﺎ أطﯾﺑك ﺣﯾﺎً
وﻣﯾﺗﺎً ،أﻣﺎ اﻟﻣوﺗﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺗﺑﻬﺎ اﷲ ﻋﻠﯾك ﻓﻘد ﻣﺗﻬﺎ .ﺛم ﺧرج وﻋﻣر ﯾﻛﻠم اﻟﻧﺎس وﯾﻬدد
،وﻗﺻد اﻟﻣﻧﺑر وﻗﺎل وﻗد أﻗﺑل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻧﺎس :ﻣن ﻛﺎن ﻣﻧﻛم ﯾﻌﺑد ﻣﺣﻣداً ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﻓﺈن ﻣﺣﻣداً ﻗد ﻣﺎت .وﻣن ﻛﺎن ﻣﻧﻛم ﯾﻌﺑد اﷲ ﻓﺈن اﷲ ﺣﻲ ﻻ ﯾﻣوت .ﻗﺎل اﷲ :
ﯾﻘول ﻋﻣر :واﷲ ﻣﺎ ﻫو إﻻ أن ﺳﻣﻌت أﺑﺎ ﺑﻛر ﺗﻼﻫﺎ ﻓﻌﻘرت ﺣﺗﻰ ﻣﺎ ﺗﺣﻣﻠﻧﻲ رﺟﻼي،
وأﻫوﯾت إﻟﻰ اﻷرض ،وﻋﻠﻣت أن اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗد ﻣﺎت.
س : 191ﻣﺎذا ﻓﻌل اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﺑﻘﯾت ﻧﻬﺎر ﯾوم ﺗوﻓﻲ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ؟
274
س : 192ﻣن ﺟﻬز اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ؟ وأﯾن دﻓن؟
ج : 192ﻓﻲ ﯾوم اﻟﺛﻼﺛﺎء 13رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ 11ﻫـ ودع اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ اﻟﺟﺳد اﻟﺷرﯾف
إﻟﻰ اﻟﻘﺑر ،وﻏﺳﻠوﻩ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن دون أن ﯾﺟردوﻩ ﻣن ﺛﯾﺎﺑﻪ .وﻛﺎن
اﻟﻘﺎﺋﻣون ﺑﺎﻟﻐﺳل ﻫم :اﻟﻌﺑﺎس ﺑن ﻋﺑداﻟﻣطﻠب ،وﻋﻠﻲ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب ،واﻟﻔﺿل ﺑن
اﻟﻌﺑﺎس ،وﻗﺛم ﺑن اﻟﻌﺑﺎس ،وﺷﻘران ﻣوﻟﻰ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وأﺳﺎﻣﺔ
ﺑن زﯾد ،وأوس ﺑن ﺧوﻟﻲ .ﻓﻛﺎن اﻟﻌﺑﺎس واﻟﻔﺿل وﻗﺛم ﯾﻘﻠﺑون اﻟﺟﺳد اﻟطﺎﻫر
اﻟﺷرﯾف ،وأﺳﺎﻣﺔ وﺷﻘران ﯾﺻﺑﺎن اﻟﻣﺎء ،وﻋﻠﻲ ﯾﻐﺳﻠﻪ ،وأوس أﺳﻧدﻩ إﻟﻰ ﺻدرﻩ ﺛم
ﻛﻔﻧوﻩ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ أﺛواب ﺑﯾض ﻟﯾس ﻓﯾﻬﺎ ﻗﻣﯾص وﻻ ﻋﻣﺎﻣﺔ .ﺛم
ﺣﻔروا ﻗﺑرﻩ اﻟﺷرﯾف ﻓﻲ ﺣﺟرة ﻋﺎﺋﺷﺔ .وﺻﻠﻰ اﻟﻧﺎس ﻋﻠﯾﻪ ﺟﻣﺎﻋﺎت .ﺗدﺧل ﺟﻣﺎﻋﺔ
ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﯾﺻﻠون ﻋﻠﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻻ ﯾؤﻣﻬم أﺣد ،ﺛم اﻷﺧرى وﻫﻛذا .
وﺻﻠﻰ ﻋﻠﯾﻪ أوﻻً ﺑﻧو ﻫﺎﺷم ،ﺛم اﻟﻣﻬﺎﺟرون ،ﺛم اﻷﻧﺻﺎر ،ﺛم ﺑﻘﯾﺔ اﻟرﺟﺎل ﺣﺗﻰ ﻓرﻏوا،
ﺛم اﻟﻧﺳﺎء ،ﺛم اﻟﺻﺑﯾﺎن ،ﺛم اﻟﻌﺑﯾد .وﻣﺿﻰ ﻓﻲ ذﻟك ﯾوم اﻟﺛﻼﺛﺎء ﻛﺎﻣﻼً ﺣﺗﻰ دﺧﻠت
ﻟﯾﻠﺔ اﻷرﺑﻌﺎء .ﻗﺎﻟت ﻋﺎﺋﺷﺔ :ﻣﺎ ﻋﻠﻣﻧﺎ ﺑدﻓن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺣﺗﻰ
ﺳﻣﻌﻧﺎ ﺻوت اﻟﻣﺳﺎﺣﻲ ﻣن ﺟوف اﻟﻠﯾل ﻣن ﻟﯾﻠﺔ اﻷرﺑﻌﺎء .
وﻫﻛذا طوﯾت آﺧر ﺻﻔﺣﺔ ﻓﻲ ﺳﺟل اﻟﺷرف ...ﺳﺟل اﻷﻧﺑﯾﺎء اﻟذي ُﺑديء ﺑﺂدم ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،و ُﺧ ِﺗ َم ﺑﻣﺳك اﻟﺧﺗﺎم ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋر اﻷﻧﺑﯾﺎء
واﻟﻣرﺳﻠﯾن وﺳﻠم ﺗﺳﻠﯾﻣﺎً ﻛﺛﯾ ارً .
275
وﻫﻛذا ﻣﺿﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ رﺑﻪ ﺑﻌد أن ﺑﻠﻎ اﻟرﺳﺎﻟﺔ ،وأدى اﻷﻣﺎﻧﺔ ،
وﻧﺻﺢ ﻟﻸﻣﺔ ،وﺟﺎﻫد ﻓﻲ ﺳﺑﯾل رﺑﻪ ﺣﺗﻰ أﺗﺎﻩ اﻟﯾﻘﯾن وﻧﺣن ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻣن اﻟﺷﺎﻫدﯾن .
ﻓﺎﻟﻠﻬم أﺟزﻩ ﻋﻧﺎ ﺧﯾر ﻣﺎ ﺟزﯾت ﻧﺑﯾﺎً ﻋن أﻣﺗﻪ ،ورﺳوﻻً ﻋن ﻗوﻣﻪ .واﻟﻠﻬم أﺣﯾﻧﺎ ﻋﻠﻰ
ﻣﻠﺗﻪ ،وﺗوﻓﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻧﺗﻪ ،واﺣﺷرﻧﺎ ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ ﺗﺣت ﻟواﺋﻪ ،وأوردﻧﺎ ﺣوﺿﻪ ،وأﺳﻘﻧﺎ
ﺑﯾدﻩ ﺷرﺑﺔ ﻻ ﻧظﻣﺄ ﺑﻌدﻫﺎ أﺑداً .اﻟﻠﻬم ﻻ ﺗﺣرﻣﻧﺎ ﺷﻔﺎﻋﺗﻪ ،وأدﺧﻠﻧﺎ ﻣﻌﻪ اﻟﺟﻧﺔ ﺑﻐﯾر
ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻋذاب وﻻ ﻣﻧﺎﻗﺷﺔ ﺣﺳﺎب .اﻟﻠﻬم وﻓﻘﻧﺎ ﻷداء رﺳﺎﻟﺗﻪ ،وﺗﺑﻠﯾﻎ دﯾﻧﻪ ﻓﻲ أﺻﻘﺎع
اﻷرض .
وﻫﻛذا أﺧﻲ اﻟﻣﺳﻠم وأﺧﺗﻲ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﻋﺷﻧﺎ وﻣن ﺧﻼل ﻫذﻩ اﻷﺳﺋﻠﺔ واﻷﺟوﺑﺔ ﻣﻊ رﺳول
اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻋﺷﻧﺎ ﻣﻌﻪ طﻔوﻟﺗﻪ ،وﺻﺑﺎﻩ ،وﺷﺑﺎﺑﻪ ،وﺑﻌﺛﺗﻪ ،ودﻋوﺗﻪ
ﻧر وﻟم ﻧﻌﻠم ﺳﯾرة أﻛرم وﻻ أطﻬر ،وﺟﻬﺎدﻩ ،وﺣرﺑﻪ ،وﺳﻠﻣﻪ ،وﻛل ﺻور ﺣﯾﺎﺗﻪ ،ﻓﻠم َ
ول
ﺳ ِﻣن ﺳﯾرﺗﻪ .وﻛﺎن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﻋﻧﻪ رﺑﻪ َ ":ﻟ َﻘدْ َﻛﺎنَ َﻟ ُﻛ ْم ﻓِﻲ َر ُ
ﷲ َﻛﺛِﯾراً " .
ﷲ َوا ْﻟ َﯾ ْو َم ْاﻵﺧ َِر َو َذ َﻛ َر ﱠ َ
ﺳ َﻧ ٌﺔ ﻟﱢ َﻣن َﻛﺎنَ َﯾ ْر ُﺟو ﱠ َ ﱠِ
ﷲ أ ُ ْﺳ َوةٌ َﺣ َ
ﻧﻌم ...ﻟﻘد ﻣﺎت رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻗﺿﺎء ﻣن اﷲ ﺳﺎﺑق " إﻧك ﻣﯾت
ٕواﻧﻬم ﻣﯾﺗون " ،ﻓﻬل ﻣﺎﺗت أﻣﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻣوﺗﻪ ؟ ﻻ ...ﻷﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻟم
ﯾرﺑط أﻣﺗﻪ ،وﺣﯾﺎﺗﻬﺎ ،وﻧﺟﺎﺣﻬﺎ ،وﺑﻘﺎءﻫﺎ ﺑﺷﺧﺻﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑل رﺑطﻬﺎ ﺑﺎﻟﻣﻧﻬﺞ
اﻟذي رﺑﺎﻫﺎ ﻋﻠﯾﻪ ،وأﺑﻘﻰ ﻓﯾﻬﺎ ﺳﺑب اﻟﺑﻘﺎء اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻻ اﻟﺑﻘﺎء اﻟﺷﻛﻠﻲ اﻟواﻫﻲ ،وﺳﺑب
اﻟﻧﺟﺎح واﻟﻔﻼح اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ وﻫو اﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ " ﺗرﻛت ﻓﯾﻛم ﺷﯾﺋﯾن ﻟن ﺗﺿﻠوا ﺑﻌدﻫﻣﺎ ﻣﺎ
ﯾﺗﻔرﻗﺎ ﺣﺗﻰ ﯾردا ﻋﻠﻰ اﻟﺣوض " .وﻫذا ﻣﺎ أﺛﺑﺗﻪ
ﺗﻣﺳﻛﺗم ﺑﻬﻣﺎ ،ﻛﺗﺎب اﷲ وﺳﻧﺗﻲ ،وﻟن ّ
اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﻓﻲ اﻟﻘدﯾم واﻟﺣدﯾث .ﻟﻘد رأﯾﻧﺎ ﻫذﻩ ﻓﻲ اﻟﻘرون اﻷوﻟﻰ ﺣﯾن ﺗﻣﺳﻛت ﺑﻛﺗﺎب رﺑﻬﺎ
وﺳﻧﺔ ﻧﺑﯾﻬﺎ ﺗﺑﻘﻰ ﺑﻘﺎء ﺣﻘﯾﻘﯾﺎ ﻻ ﺷﻛﻠﯾﺎ .ﻟﻘد ﺑﻘﯾت وﻋﺎﺷت ﻗﺎﺋدة ﻻ ﻣﻘودة ،وﻣﺗﺑوﻋﺔ
276
ﻻ ﺗﺎﺑﻌﺔ ،ورأﺳﺎ ﻻ ذﻧﺑﺎ ،وﻗوﯾﺔ ﻻ ﺿﻌﯾﻔﺔ ،وﻣوﺣدة ﻻ ﻣﻣزﻗﺔ ،وﻣﻧﺗﺻرة ﻻ ﻣﻧﻬزﻣﺔ
،وﻋزﯾزة ﻻذﻟﯾﻠﺔ ،ﻓﻬل ﻫذا ﻫو ﺣﺎﻟﻬﺎ اﻟﯾوم ؟ إﻧﻬﺎ ﻣوﺟودة ،وﻟﻛن ﺑﺄي ﺣﺎل ؟ وﺑﺄي
ﻛﯾﻔﯾﺔ ؟ إﻧﻪ وﺟود ﺷﻛﻠﻲ .ﻫﻧﺎك اﻟﯾوم ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﺑﺄﻣﺔ اﻹﺳﻼم ،وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻟﯾﺳت ﻗوﯾﺔ ،
وﻻ ﻗﺎﺋدة ،وﻻ ﻣﺗﺑوﻋﺔ ،وﻻ ﻣوﺣدة ،وﻻ ﻣﻧﺗﺻرة ،وﻻ ..وﻻ ....ﻟﻣﺎذا ؟ ﻷﻧﻬﺎ ﻟم
ﺗﺣﯾﻲ ﻛﺗﺎب رﺑﻬﺎ ،وﺳﻧﺔ ﻧﺑﯾﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻬﺎ ،و " إن اﷲ ﻻ ﯾﻐﯾر ﻣﺎ ﺑﻘوم ﺣﺗﻰ ﯾﻐﯾروا
ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻔﺳﻬم " .
أﺧﻲ اﻟﻣﺳﻠم ...وأﺧﺗﻲ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ...ﻟﻘد ﻛﺎﻧت وظﯾﻔﺔ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
اﻷوﻟﻰ ﻫﻲ اﻟدﻋوة إﻟﻰ اﷲ ،وﺗﺑﻠﯾﻎ اﻟﻧﺎس دﯾن اﷲ .وﻗد أدى ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﺣﻣل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم أﻣﺗﻪ أﻣﺎﻧﺔ
اﻟذي ﻋﻠﯾﻪ ،وﺷﻬد ﻟﻪ رﺑﻪ ﺑﺎﻟﺑﻼغ .وﻗد ّ
اﻟﺗﺑﻠﯾﻎ ﻓﻘﺎل ﻓﯾﻣﺎ رواﻩ اﻟﺑﺧﺎري " :ﺑﻠﻐوا ﻋﻧﻰ وﻟو آﯾﺔ ،وﺣدﺛوا ﻋن ﺑﻧﻲ إﺳراﺋﯾل وﻻ
ﺣرج ،وﻣن ﻛذب ﻋﻠﻲ ﻣﺗﻌﻣداً ﻓﻠﯾﺗﺑوأ ﻣﻘﻌدﻩ ﻣن اﻟﻧﺎر" .ﻓﻬل ﺑﻠﻐت أﺧﻲ اﻟﻣﺳﻠم ؟
وﻫل ﺑﻠﻐت أﺧﺗﻲ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ؟ .ﻧﻌم ...ﻣﺎذا ﻗدﻣﻧﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎً ﻟﻬذا اﻟدﯾن وﺳﻛﺎن اﻷرض
اﻟﯾوم ﯾزﯾدون ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺑﻌﺔ ﻣﻠﯾﺎرات ُﺟـﻠﻬم ﻋﻠﻰ ﻏﯾر ﻣﻠﺔ اﻹﺳﻼم ؟ ﻫل ﻓﻛرت ﻓﻲ إﻧﻘﺎذ
ﺷﺧص واﺣد ﻣﻧﻬم ﻣن اﻟﻧﺎر ﺑرﺳﺎﻟﺔ ﺗرﺳﻠﻬﺎ ﻋﺑر اﻟﺑرﯾد أو اﻟﺷﺑﻛﺔ اﻟﻌﻧﻛﺑوﺗﯾﺔ أو ﺑﺄي
وﺳﯾﻠﺔ ﺗﺳﺗطﯾﻌﻬﺎ ؟ ﻫﻧﺎك رﺟﺎل ،وﻫﻧﺎك ﻧﺳﺎء ﯾدﻋون إﻟﻰ اﷲ ﻛل ﺣﺳب اﺳﺗطﺎﻋﺗﻪ .
وﺑﻔﺿل اﷲ ﺛم ﺑﻔﺿل ﺟﻬودﻫم ﺳﯾﺗﺣﻘق ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :ﻟﯾﺑﻠﻐن ﻫذا
اﻷﻣر ﻣﺎ ﺑﻠﻎ اﻟﻠﯾل واﻟﻧﻬﺎر ،وﻻ ﯾﺗرك اﷲ ﺑﯾت ﻣدر وﻻ وﺑر إﻻ أدﺧﻠﻪ اﷲ ﻫذا اﻟدﯾن
ﺑﻌز ﻋزﯾز أو ﺑذل ذﻟﯾل ،ﻋ ازً ﯾﻌز اﷲ ﺑﻪ اﻹﺳﻼم ،وذﻻً ﯾذل اﷲ ﺑﻪ اﻟﻛﻔر" .
ّ
وﺻدق ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻬﺎ ﻫو اﻹﺳﻼم ﯾﻧﺗﺷر ﻓﻲ ﻛل ﻗﺎرات اﻟﻌﺎﻟم وﺑﺷﻛل
ﻋﺟﯾب أذﻫل اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ﻓﻲ اﻟﻐرب ﺧﺎﺻﺔ ﺣﺗﻰ ﺻرﺣوا ﻓﻲ ﺗﻘﺎرﯾرﻫم ودراﺳﺎﺗﻬم ﺑﺄن أورﺑﺎ
277
ﺳﺗﺻﺑﺢ ﻗﺎرة إﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑﺣﻠول اﻟﻌﺎم 2050م ،وأن اﻹﺳﻼم ﺳﯾﻛون اﻟدﯾن اﻟﻣﻬﯾﻣن
ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم ﻗرﯾﺑﺎ .ﻓﺳﺎﻫم ﯾﺎ أﺧﻲ ا أﺧﺗﻲ اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﻓﻲ اﻟدﻋوة إﻟﻰ اﷲ ،وﺗﺑﻠﯾﻎ دﯾن
اﷲ ﺑﻛل وﺳﯾﻠﺔ ﺗﺳﺗطﯾﻌﻬﺎ .ﻋﺳﻰ أن ﯾﺣﺷرك اﷲ ﺗﺣت ﻟواء إﻣﺎم اﻟدﻋﺎة ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ .
– 1أن اﷲ أﺧذ اﻟﻣﯾﺛﺎق ﻋﻠﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻷﻧﺑﯾﺎء واﻟﻣرﺳﻠﯾن وﻋﻠﻰ أﻣﻣﻬم ﻟﯾؤﻣﻧن
ﺑﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻟﯾﻧﺻرﻧﻪ إن ُﺑﻌث وأﺣد ﻣﻧﻬم ﺣﻲ.
– 2أن رﺳﺎﻟﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋﺎﻣﺔ ﻟﺟﻣﯾﻊ اﻟﺟن واﻹﻧس ﺑﺧﻼف
اﻷﻧﺑﯾﺎء اﻟﺳﺎﺑﻘﯾن ﻓﻘد ﺑﻌث ﻛل ﻣﻧﻬم إﻟﻰ ﻗوﻣﻪ ﺧﺎﺻﺔ .
– 3أن رﺳﺎﻟﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺧﺎﺗﻣﺔ ﻓﻼ ﻧﺑﻲ وﻻ رﺳول ﺑﻌدﻩ .
278
– 4أن اﷲ أرﺳﻠﻪ رﺣﻣﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻣﯾن .
– 7أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺧﺎطﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم ﺑـ :ﯾﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﻧﺑﻲ ،وﯾﺎ أﯾﻬﺎ
اﻟرﺳول .وﻟم ﯾﻧﺎدﻩ ﺑﺎﺳﻣﻪ ﺗﺷرﯾﻔﺎ ﻟﻪ ﺑﺧﻼف اﻷﻧﺑﯾﺎء اﻟﺳﺎﺑﻘﯾن ﻓﻘد ﺧوطﺑوا
ﺑﺄﺳﻣﺎﺋﻬم .
– 9أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﻋطﺎﻩ ﺟواﻣﻊ اﻟﻛﻠم وﻫو اﻟﻘول اﻟﻣوﺟز ،اﻟﻘﻠﯾل اﻟﻠﻔظ ،
اﻟﻛﺛﯾر اﻟﻣﻌﻧﻰ .
ﺳﻬل اﷲ ﻟﻪ وﻷﻣﺗﻪ
–11أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﻋطﺎﻩ ﻣﻔﺎﺗﯾﺢ ﺧزاﺋن اﻷرض ،وﻟذا ّ
ﻓﺗﺢ اﻟﺑﻼد ،واﻟﺣﺻول ﻋﻠﻰ ﻛﻧوزﻫﺎ ،واﺳﺗﺧراج ﻣﻌﺎدﻧﻬﺎ .
–12أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻏﻔر ﻟﻪ – وﻫو ﺣﻲ -ﻣﺎ ﺗﻘدم ﻣن ذﻧﺑﻪ وﻣﺎ ﺗﺄﺧر.
–13أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﻋطﺎﻩ اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم وﺟﻌﻠﻪ ﻣﻌﺟزة ﻟﻪ ﺑﺎﻗﯾﺔ إﻟﻰ ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ
،ﻣﺣﻔوظﺔ ﻣن اﻟﺗﺑدﯾل واﻟزﯾﺎدة واﻟﻧﻘﺻﺎن .
279
–14أن اﷲ أﺳرى ﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺑدﻧﻪ وروﺣﻪ ،ﯾﻘظﺔ ﻻ ﻣﻧﺎﻣﺎ ﻣن
اﻟﻣﺳﺟد اﻟﺣرام إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺟد اﻷﻗﺻﻰ ،ﺛم ﻋرج ﺑﻪ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻓوق ﺳدرة
اﻟﻣﻧﺗﻬﻰ ،ورﺟﻊ ﻣن ﻟﯾﻠﺗﻪ إﻟﻰ ﻣﻛﺔ .
–15أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﺻﻣﻪ وﺣﻣﺎﻩ ﻣن اﻟﻧﺎس .
–16أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أوﻟﻰ ﺑﺎﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻣن أﻧﻔﺳﻬم .
- 1أن اﷲ أﻋطﺎﻩ اﻟوﺳﯾﻠﺔ واﻟﻔﺿﯾﻠﺔ .ﻓﺎﻟوﺳﯾﻠﺔ أﻋﻠﻰ درﺟﺔ ﻓﻲ اﻟﺟﻧﺔ ﻟﯾﺳت إﻻ ﻟﻌﺑد
واﺣد ﻣن ﻋﺑﺎد اﷲ وﻫو ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .واﻟﻔﺿﯾﻠﺔ ﻫﻲ اﻟﻣرﺗﺑﺔ اﻟزاﺋدة
ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋر اﻟﺧﻠق .
– 2أن اﷲ أﻋطﻰ ﻣﺣﻣداً ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟﻣﻘﺎم اﻟﻣﺣﻣود ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ وﻫو ﻣﻘﺎم
اﻟﺷﻔﺎﻋﺔ اﻟﻌظﻣﻰ ﻟﻠﻧﺎس ﺑﺑدء اﻟﺣﺳﺎب ﻟﯾرﯾﺣﻬم اﷲ ﻣن أﻫوال ذﻟك اﻟﻣوﻗف .
– 3أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أول ﻣن ﺗﻧﺷق ﻋﻧﻪ اﻷرض ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ .
– 4أن ﻛل اﻷﻧﺑﯾﺎء ﯾﻛوﻧون ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ ﺗﺣت ﻟواﺋﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
– 5أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أﻛﺛر اﻷﻧﺑﯾﺎء ﺗﺑﻌﺎً ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ .
– 6أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أول ﻣن ﯾﻘرع ﺑﺎب اﻟﺟﻧﺔ وأول ﻣن ﯾدﺧﻠﻬﺎ .
280
وﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ اﺧﺗص اﷲ ﺑﻪ ﻧﺑﯾﻪ ﻣﺣﻣداً ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ أﻣﺗﻪ ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ .وﻣن
ذﻟك :
– 1أن أﻣﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻫﻲ ﺧﯾر اﻷﻣم وأﻛرﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﷲ " ﻛﻧﺗم ﺧﯾر أﻣﺔ
أﺧرﺟت ﻟﻠﻧﺎس " .
– 2أن اﷲ أﺣل ﻟﻬذﻩ اﻷﻣﺔ اﻟﻐﻧﺎﺋم وﻟم ﺗﺣل ﻟﻣن ﻛﺎن ﻗﺑﻠﻬﺎ .
– 4أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺿﻊ ﻋﻧﻬﺎ اﻵﺻﺎر واﻷﻏﻼل اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻋﻠﻰ اﻷﻣم ﻗﺑﻠﻬﺎ ،ﻓﺄﺣل
ﻟﻬﺎ ﻛﺛﯾ ار ﻣﻣﺎ ﺣرم ﻋﻠﻰ ﻏﯾرﻫﺎ ،وﻟم ﯾﺟﻌل ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓﻲ دﯾﻧﻬﺎ ﻣن ﻋﻧت أو ﻣﺷﻘﺔ "،وﻣﺎ
ﺟﻌل ﻋﻠﯾﻛم ﻓﻲ اﻟدﯾن ﻣن ﺣرج " .
– 5أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ اﺧﺗﺻﻬﺎ ﺑﯾوم اﻟﺟﻣﻌﺔ اﻟذي ﻫو ﺧﯾر اﻷﯾﺎم .ﻓﻔﯾﻪ ﺧﻠق آدم ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم ،وﻓﯾﻪ أدﺧل اﻟﺟﻧﺔ ،وﻓﯾﻪ أﺧرج ﻣﻧﻬﺎ ،وﻓﯾﻪ ﺗﻘوم اﻟﺳﺎﻋﺔ ،وﻓﯾﻪ ﺻﻼة
اﻟﺟﻣﻌﺔ وﺳﺎﻋﺔ اﻹﺟﺎﺑﺔ .
– 6أن اﷲ ﺗﺟﺎوز ﻟﻬذﻩ اﻷﻣﺔ ﻋﻣﺎ ﯾﺻدر ﻣﻧﻬﺎ ﻣن ﺧطﺄ أو ﻧﺳﯾﺎن ،وﺗﺟﺎوز ﻟﻬﺎ ﻋﻣﺎ
ﺣدﺛت ﺑﻪ ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻣﺎ ﻟم ﯾﻛن ﻛﻼم أو ﻋﻣل .
– 10ﺟﻌل اﷲ ﺻﻔوف ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺻﻼة ﻛﺻﻔوف اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﻋﻧد رﺑﻬﺎ .
281
وﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ اﺧﺗص اﷲ ﺑﻪ ﻧﺑﯾﻪ ﻣﺣﻣدا ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ أﻣﺗﻪ ﻓﻲ اﻵﺧرة وﻣن
ذﻟك :
– 2أﻧﻬم ﯾﺷﻬدون ﻋﻠﻰ اﻷﻣم ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ أن رﺳﻠﻬم ﻗد ﺑﻠﻐﺗﻬم رﺳﺎﻻت رﺑﻬم ،وﯾﻘﺑل
اﷲ ﺷﻬﺎدﺗﻬم ﻷﻧﻬم ﻋﻧد اﷲ ﻋدول .
– 3أﻧﻬم أول ﻣن ﯾﺟﺗﺎز اﻟﺻراط ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ ،وأول ﻣن ﯾدﺧل اﻟﺟﻧﺔ .
وﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ اﺧﺗص اﷲ ﺑﻪ ﻧﺑﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋن أﻣﺗﻪ وﻣن ذﻟك :
- 4أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣرم ﻋﻠﯾﻪ ﺧﺎﺋﻧﺔ اﻟﻌﯾن وﻫﻲ اﻹﯾﻣﺎء واﻹﺷﺎرة ﺑﺎﻟﻌﯾن ﻟﻌﻣل
ﺷﻲء ﻣﺎ .
282
– 5أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟم ﯾﻌﻠﻣﻪ اﻟﺷﻌر ﻷﻧﻪ ﻻ ﯾﻠﯾق ﺑﻪ ﻟﺷرﻓﻪ ،وﻣﻛﺎﻧﺗﻪ ،وﻣﻧزﻟﺗﻪ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
- 11أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣﻌﺻوم ﻓﻲ أﻗواﻟﻪ وأﻓﻌﺎﻟﻪ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟرﺳﺎﻟﺔ.
- 12أن ﻣن اﺳﺗﻬﺎن ﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أو ﺳﺑﻪ ﻓﻬو ﻛﺎﻓر ﯾﺟب ﻗﺗﻠﻪ .
– 13أن اﻟﻛذب ﻋﻠﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﯾس ﻛﺎﻟﻛذب ﻋﻠﻰ ﻏﯾرﻩ .
– 14أﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻛﺎن ﯾرى ﻣﺎ ﻻ ﯾراﻩ ﻏﯾرﻩ ،وﯾﺳﻣﻊ ﻣﺎ ﻻ ﯾﺳﻣﻌﻪ ﻏﯾرﻩ
،وﻛﺎن ﯾرى ﻣن وراء ظﻬرﻩ ﻛﻣﺎ ﯾرى ﻣن أﻣﺎﻣﻪ .
– 15ﺟﻌل اﷲ أﺟر ﻧﺎﻓﻠﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻗﺎﻋدا ﻣﻊ اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯾﺎم ﻛﺄﺟرﻫﺎ
ﻗﺎﺋﻣﺎ ﺗﺷرﯾﻔﺎ وﺗﻛرﯾﻣﺎ ﻟﻪ .
– 16أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻻ ﯾورث ،وﻣﺎ ﺗرﻛﻪ ﻓﻬو ﺻدﻗﺔ .
– 17ﺟﻌل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أزاوج ﻧﺑﯾﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أﻣﻬﺎت ﻟﻠﻣؤﻣﻧﯾن ﺗﺷرﯾﻔﺎ وﺗﻛرﯾﻣﺎ ﻟﻪ
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻟﻬن رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬن أﺟﻣﻌﯾن .
283
– 18أن رؤﯾﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎم ﺣق .ﻓﻣن رآﻩ ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎم ﻛﺎن ﻛﻣن
رآﻩ ﻓﻲ اﻟﯾﻘظﺔ ﻷن اﻟﺷﯾطﺎن ﻻ ﯾﺗﻣﺛل ﺑﻪ .
– 20اﺧﺗُص ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑطﯾب ﻋرﻗﻪ ،وﻟﯾن ﻣﻠﻣﺳﻪ ،وﺑﺟواز اﻟﺗﺑرك
ﺑﺷﻌرﻩ ورﯾﻘﻪ وآﺛﺎرﻩ .
ﺳﺑﻪ .
ﺳﺑﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم رﺣﻣﺔ وﻗرﺑﺔ ﻟﻣن ّ
– 22أن ّ
– 23أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓرض ﻋﻠﻰ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻌض ﻣﺎ ﻫو ﻣﺑﺎح أو
ﻣﻧدوب ﻷﻣﺗﻪ إﻋﻼء ﻟﻣﻘﺎﻣﻪ ،وزﯾﺎدة ﻓﻲ أﺟرﻩ وﻣن ذﻟك :ﻗﯾﺎم اﻟﻠﯾل ،وﺻﻼة اﻟوﺗر ،
وﺻﻼة اﻟﺿﺣﻰ ،وﺳﻧﺔ اﻟﻔﺟر ،واﻟﺳواك ،واﻷﺿﺣﯾﺔ ،واﻟﻣﺷﺎورة .
ج :194ﻧﻌم ...ﻓﻘد ﺗزوج ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺛﻼث ﻋﺷرة إﻣرأة .ﺑﻧﻰ ﺑﺈﺣدى
ﻋﺷرة إﻣرأة ،ﺗوﻓﯾت اﺛﻧﺗﺎن ﻣﻧﻬﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻪ ﻫﻣﺎ ﺧدﯾﺟﺔ ﺑﻧت ﺧوﯾﻠد ،وزﯾﻧب ﺑﻧت
ﺧزﯾﻣﺔ اﻟﻬﻼﻟﯾﺔ ،وﻣﺎت ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋن ﺗﺳﻊ ٕ .واﻟﯾك أﺳﻣﺎء زوﺟﺎﺗﻪ
وﺳرارﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :
-1ﺧدﯾﺟﺔ ﺑﻧت ﺧوﯾﻠد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ :ﺗزوﺟﻬﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻋﻣرﻩ
ﺧﻣﺳﺔ وﻋﺷرون ﻋﺎﻣﺎً ،وﻋﻣرﻫﺎ أرﺑﻌون ﻋﺎﻣﺎً .وﻫﻲ أول ﻣن ﺗزوج .وﻟم
284
ﯾﺗزوج ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺣﺗﻰ ﻣﺎﺗت .وﻛﺎﻧت ﻗﺑﻠﻪ ﻋﻧد أﺑﻲ ﻫﺎﻟﺔ ﺑن ﻣﺎﻟك اﻟﺗﻣﯾﻣﻲ
ﻓوﻟدت ﻟﻪ ﻫﻧد ﺑﻧت اﺑن أﺑﻲ ﻫﺎﻟﺔ ،وزﯾﻧب ﺑﻧت أﺑﻲ ﻫﺎﻟﺔ .وﻛﺎﻧت ﻗﺑل أﺑﻲ
ãà ﻫﺎﻟﺔ ﻋﻧد ﻋﺗﯾق ﺑن ﻋﺎﺑد ﺑن ﻣﺧزوم ﻓوﻟدت ﻟﻪ ﻋﺑداﷲ í. å æ
:
.
اطﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﻣﺎﺗت ﺑﻌدﻩ ﺑﺳﺗﺔ أﺷﻬر .
ﺗوﻓﯾت ﺧدﯾﺟﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﻣﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻌﺎﺷرة ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ .ودﻓﻧت
ﺑﺎﻟﺣﺟون ،وﻋﻣرﻫﺎ 65ﺳﻧﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ وأرﺿﺎﻫﺎ .
-2ﺳودة ﺑﻧت زﻣﻌﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ :ﺗزوﺟﻬﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﺷوال
ﺳﻧﺔ 10ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ وﺑﻌد وﻓﺎة ﺧدﯾﺟﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ .وﻛﺎﻧت ﻗﺑﻠﻪ ﻋﻧد
اﺑن ﻋم ﻟﻬﺎ ﯾﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﺳﻛ ارن ﺑن ﻋﻣرو اﻟذي ﻫﺎﺟرت ﻣﻌﻪ إﻟﻰ اﻟﺣﺑﺷﺔ ﻓﻠﻣﺎ
ﻋﺎد ﻣﺎت ﻋﻧﻬﺎ .ﺗوﻓﯾت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻓﻲ ﺷوال ﺳﻧﺔ 54ﻫـ ،
ودﻓﻧت ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ .
-3ﻋﺎﺋﺷﺔ ﺑﻧت أﺑﻲ ﺑﻛر اﻟﺻدﯾق رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ :وﻟدت ﺑﻣﻛﺔ ﺳﻧﺔ 4ﻣن
اﻟﺑﻌﺛﺔ ،وﺗزوﺟﻬﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺳﻧﺔ 10ﻣن اﻟﺑﻌﺛﺔ وﻫﻲ ﺑﻧت ﺳت
ﺳﻧﯾن ،وﺑﻧﻰ ﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻫﻲ ﺑﻧت ﺗﺳﻊ ﺳﻧﯾن ،وﻟم ﯾﺗزوج ﺑﻛ ارً ﻏﯾرﻫﺎ .
ﻛﺎﻧت أﺣب اﻟﻧﺎس إﻟﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وأﻓﻘﻪ ﻧﺳﺎء اﻷﻣﺔ وأﻋﻠﻣﻬن
ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق .وﻛﺎﻧت ﺗﻛ ّﻧﻰ ﺑﺄم ﻋﺑداﷲ ﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﻟم ﺗﻧﺟب ﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﺗوﻓﯾت ﻓﻲ 17رﻣﺿﺎن ﺳﻧﺔ 58ﻫـ ﻓﻲ ﺧﻼﻓﺔ ﻣﻌﺎوﯾﺔ رﺿﻲ
اﷲ ﻋﻧﻪ وﻟﻬﺎ 67ﺳﻧﺔ .روت ﻋن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
2210ﺣدﯾث ،وﻗﺑرﻫﺎ ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ وأرﺿﺎﻫﺎ .
285
-4ﺣﻔﺻﺔ ﺑﻧت ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ :وﻟدت ﺑﻣﻛﺔ ﻗﺑل اﻟﺑﻌﺛﺔ
ﺑﺧﻣﺳﺔ أﻋوام وﻗرﯾش ﺗﺑﻧﻲ اﻟﻛﻌﺑﺔ .ﺗزوﺟﻬﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ
ﺷﻌﺑﺎن ﺳﻧﺔ 3ﻫـ ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻣﻧورة .وﻛﺎﻧت ﻗﺑﻠﻪ ﻋﻧد ﺧﻧﯾس ﺑن ﺣذاﻓﺔ
اﻟﺳﻬﻣﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ اﻟذي ﻣﺎت ﺑﻌد ﺑدر .وﻟم ﺗﻧﺟب ﺣﻔﺻﺔ ﻟﻠرﺳول
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﺗوﻓﯾت ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻓﻲ ﺷﻌﺑﺎن ﺳﻧﺔ45ﻫـ ،وﻟﻬﺎ ﺳﺗون
ﺳﻧﺔ ،ودﻓﻧت ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ وأرﺿﺎﻫﺎ .
-5زﯾﻧب ﺑﻧت ﺧزﯾﻣﺔ اﻟﻬﻼﻟﯾﺔ :ﻛﺎﻧت ﺗﺳﻣﻰ أم اﻟﻣﺳﺎﻛﯾن ﻟرﺣﻣﺗﻬﺎ إﯾﺎﻫم .
وﻛﺎﻧت ﺗﺣت ﻋﺑﯾدة ﺑن اﻟﺣﺎرث ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﺎﺳﺗﺷﻬد
ﯾوم ﺑدر ،ﺛم ﺗزوﺟﻬﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺳﻧﺔ 3ﻫـ ،وﻋﺎﺷت ﻣﻊ رﺳول
اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺿﻌﺔ أﺷﻬر وﻟم ﺗﻧﺟب ﻟﻪ .وﺗوﻓﯾت رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ 4ﻫـ ودﻓﻧت ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ .وﻫﻲ أول ﻣن دﻓن ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ
ﻣن زوﺟﺎﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم .
-6أم ﺳﻠﻣﺔ ﻫﻧد ﺑﻧت أﺑﻲ أﻣﯾﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ :ﻛﺎﻧت ﺗﺣت أﺑﻲ ﺳﻠﻣﺔ
ﻋﺑداﷲ ﺑن ﻋﺑد اﻷﺳد رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ اﻟذي وﻟدت ﻟﻪ ﺳﻠﻣﺔ ،وﻋﻣر ،وزﯾﻧب
،ورﻗﯾﺔ ﺛم ﻣﺎت ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻣﺎدي اﻵﺧرة ﺳﻧﺔ 4ﻫـ ،ﻓﺗزوﺟﻬﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﺷوال ﻣن ﻧﻔس اﻟﺳﻧﺔ .وﻛﺎﻧت اﻣرأة ﻓﻘﯾﻬﺔ ﻋﺎﻗﻠﺔ .ﺗوﻓﯾت
ﺳﻧﺔ 59ﻫـ ودﻓﻧت ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ وﻟﻬﺎ 84ﺳﻧﺔ .
-7زﯾﻧب ﺑﻧت ﺟﺣش رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ :وﻫﻲ ﺑﻧت أﻣﯾﻣﺔ ﺑﻧت ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب
ﺑرة ﻓﺳﻣﺎﻫﺎ رﺳول اﷲ
ﻋﻣﺔ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻛﺎن اﺳﻣﻬﺎ ّ
زوﺟﻬﺎ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم زﯾﻧب ّ .
ﻣوﻻﻩ زﯾد ﺑن ﺣﺎرﺛﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ واﻟذي ﻛﺎن ﯾﺳﻣﻰ ﺑزﯾد ﺑن ﻣﺣﻣد إﻻ أن
286
اﻟﻌﺷرة ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ ﻟم ﺗدم ،ﻓطﻠﻘﻬﺎ زﯾد ،ﻓﺄﻧزل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﺧﺎطب رﺳول اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم " ﻓﻠﻣﺎ ﻗﺿﻲ زﯾد ﻣﻧﻬﺎ وط ارً زوﺟﻧﺎﻛﻬﺎ " .وﺗزوﺟﻬﺎ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ذي اﻟﻘﻌدة ﺳﻧﺔ 5ﻫـ وﻋﻣرﻫﺎ ﺧﻣﺳﺔ وﺛﻼﺛون ﻋﺎﻣﺎً
.وﻟم ﺗﻧﺟب ﻟرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻛﺎﻧت ﻣن أﻋﺑد اﻟﻧﺳﺎء
وأﻛﺛرﻫن ﺻدﻗﺔ .وﺗوﻓﯾت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻲ ذي اﻟﻘﻌدة ﺳﻧﺔ 20ﻫـ وﻟﻬﺎ
53ﺳﻧﺔ .وﻛﺎﻧت أول زوﺟﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﺣوﻗﺎً ﺑﻪ ﺑﻌد وﻓﺎﺗﻪ .
ودﻓﻧت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ .
-8ﺟوﯾرﯾﺔ ﺑﻧت اﻟﺣﺎرث ﺑن أﺑﻲ ﺿرار :ﺳﯾد ﺑﻧﻲ اﻟﻣﺻطﻠق .وﻗﻌت ﻓﻲ ﺳﻬم
ﺛﺎﺑت ﺑن ﻗﯾس ﺑن اﻟﺷﻣﺎس ،وﻛﺎﻧت ﻣن ﺳﺑﺎﯾﺎ ﺑﻧﻲ اﻟﻣﺻطﻠق ﻓﻲ ﻏزوة
اﻟـﻣرﯾﺳﯾﻊ ،ﻓﻛﺎﺗﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﻬﺎ ،ﻓﺄﺗت رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﺗﺳﺗﻌﯾﻧﻪ ،ﻓﻘﺿﻰ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻛﺗﺎﺑﺗﻬﺎ ،وﺗزوﺟﻬﺎ ﻓﻲ
ﺷﻌﺑﺎن ﺳﻧﺔ 6ﻫـ ،وﺗوﻓﯾت ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ 56ﻫـ وﻟﻬﺎ 65ﻫـ ﺳﻧﺔ .
ودﻓﻧت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ.
-9أم ﺣﺑﯾﺑﺔ رﻣﻠﺔ ﺑﻧت أﺑﻲ ﺳﻔﯾﺎن رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ :ﻛﺎﻧت ﺗﺣت ﻋﺑﯾداﷲ ﺑن
ﺟﺣش ،وﻫﺎﺟرت ﻣﻌﻪ إﻟﻰ اﻟﺣﺑﺷﺔ ،وﺗوﻓﻲ ﻫﻧﺎك ،ﻓﺑﻌث ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﺑرﺳﺎﻟﺔ إﻟﻰ اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ اﻟذي ﺧطب أم ﺣﺑﯾﺑﺔ ﻟرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم وأرﺳﻠﻬﺎ ﻣﻊ ﺷرﺣﺑﯾل ﺑن ﺣﺳﻧﺔ إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﺑﻧﻰ ﺑﻬﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﻓﻲ رﺑﯾﻊ اﻷول ﺳﻧﺔ 7ﻫـ ،وﻟم ﺗﻧﺟب ﻟرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم. ،وﺗوﻓﯾت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﻼﻓﺔ أﺧﯾﻬﺎ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑن أﺑﻲ ﺳﻔﯾﺎن
ﺳﻧﺔ 44ﻫـ ،وﻋﻣرﻫﺎ 73ﺳﻧﺔ .ودﻓﻧت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ .
287
-10ﺻﻔﯾﺔ ﺑﻧت ﺣﯾﻲ ﺑن أﺧطب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ :وﻗﻌت ﻓﻲ اﻟﺳﺑﻲ ﯾوم
ﺧﯾﺑر .وﻛﺎﻧت ﺗﺣت ﻛﻧﺎﻧﺔ اﺑن أﺑﻲ اﻟﺣﻘﯾق اﻟذي ﻗﺗل ﻓﻲ ﺣﺻﺎر ﺧﯾﺑر .
اﺻطﻔﺎﻫﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﻧﻔﺳﻪ ،وأﻋﺗﻘﻬﺎ ،وﺗزوﺟﻬﺎ ﺑﻌد ﻓﺗﺢ ﺧﯾﺑر
ﻓﻲ ﻣﺣرم ﺳﻧﺔ 7ﻫـ ،وﻟم ﺗﻧﺟب ﻟرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﺗوﻓﯾت
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﻼﻓﺔ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑن أﺑﻲ ﺳﻔﯾﺎن ﺳﻧﺔ 50ﻫـ وﻋﻣرﻫﺎ
60ﺳﻧﺔ ،ودﻓﻧت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ .
-11ﻣﯾﻣوﻧﺔ ﺑﻧت اﻟﺣﺎرث :وﻫﻲ أﺧت أم اﻟﻔﺿل ﻟﺑﺎﺑﺔ ﺑﻧت اﻟﺣﺎث زوﺟﺔ
اﻟﻌﺑﺎس ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب .ﻛﺎﻧت ﺗﺣت أﺑو رﻫم ﺑن ﻋﺑد اﻟﻌزى ﻓﺗوﻓﻲ ﻋﻧﻬﺎ .
وﺗﺄﯾﻣت ﻣﯾﻣوﻧﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ .ﻓﺟﺎء اﻟﻌﺑﺎس ﺑن ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻪ وﻗﺎل :ﯾﺎ رﺳول اﷲ ...ﺗﺄﯾﻣت ﻣﯾﻣوﻧﺔ ﺑﻧت اﻟﺣﺎرث ﻓﻬل ﻟك ﻓﻲ أن
ﺗﺗزوﺟﻬﺎ .ﻓﺗزوﺟﻬﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ذي اﻟﻘﻌدة ﺳﻧﺔ 7ﻫـ ﺑﻌد أن
ﺣ ّل ﻣن ﻋﻣرة اﻟﻘﺿﺎء ،وﺑﻧﻰ ﺑﻬﺎ ﺑﺳرف ﺷﻣﺎل ﻣﻛﺔ ﺧﺎرج اﻟﺣرم .وﺗوﻓﯾت
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﺳرف ﻓﻲ ﺧﻼﻓﺔ ﻣﻌﺎوﯾﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺳﻧﺔ 51ﻫـ وﻋﻣرﻫﺎ
81ﺳﻧﺔ.
ﻓﻬؤﻻء إﺣدى ﻋﺷرة اﻣرأة ﺗزوﺟﻬن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﺑﻧﻰ ﺑﻬن .ﺗوﻓﻲ
ﻣﻧﻬن اﺛﻧﺗﺎن ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻫﻣﺎ ﺧدﯾﺟﺔ ﺑﻧت ﺧوﯾﻠد ،وزﯾﻧب
ﺑﻧت ﺧزﯾﻣﺔ اﻟﻬﻼﻟﯾﺔ ،وﺗوﻓﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋن اﻟﺗﺳﻊ اﻟﺑواﻗﻲ .
288
أﻣﺎ اﻟﺳراري ﻓﺎﻟﻣﺷﻬور أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺗﺳرى ﺑﺎﺛﻧﺗﯾن ﻫﻣﺎ ﻣﺎرﯾﺔ اﻟﻘﺑطﯾﺔ
اﻟﺗﻲ أﻫداﻫﺎ ﻟﻪ اﻟﻣﻘوﻗس ﻓوﻟدت ﻟﻪ إﺑراﻫﯾم ﻓﻲ ﺷوال ﺳﻧﺔ10ﻫـ إﻻ أﻧﻪ ﺗوﻓﻲ ﺻﻐﯾ ارً ﻓﻲ
ﺣﯾﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .واﻟﺳرﯾﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻫﻲ رﯾﺣﺎﻧﺔ ﺑﻧت زﯾد اﻟﻧﺿرﯾﺔ أو
اﻟﻘرظﯾﺔ.
أﻣﺎ أوﻻدﻩ وﺑﻧﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻘد أﻧﺟﺑت ﺧدﯾﺟﺔ ﻟرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم وﻟدان وأرﺑﻊ ﺑﻧﺎت ٕواﻟﯾك أﺳﻣﺎؤﻫم :
-1اﻟﻘﺎﺳم ﺑن ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :وﻫو أﻛﺑر وﻟدﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم ،وﺑﻪ ﻛﺎن ﯾﻛ ّﻧﻰ .وﻟد ﻗﺑل اﻟﺑﻌﺛﺔ ﺑﺛﻼﺛﺔ أﻋوام ﺗﻘرﯾﺑﺎً وﺗوﻓﻲ
وﻋﻣرﻩ ﺳﻧﺗﺎن ﺗﻘرﯾﺑﺎً .
-2زﯾﻧب ﺑﻧت ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :وﻫﻲ أﻛﺑر ﺑﻧﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم .وﻟدت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﻌد زواﺟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن
ﺧدﯾﺟﺔ ﺑﺧﻣس ﺳﻧوات وﻋﻣرﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺛﻼﺛون ﻋﺎﻣﺎً،
.ﺗزوﺟﻬﺎ أﺑو اﻟﻌﺎص ﺑن اﻟرﺑﯾﻊ وﻫو اﺑن ﺧﺎﻟﺗﻬﺎ ﻫﺎﻟﺔ ﺑﻧت ﺧوﯾﻠد ،
وأﻧﺟﺑت ﻟﻪ ﻋﻠﯾﺎً وأﻣﺎﻣﺔ .أﻣﺎ ﻋﻠﻲ ﻓﻘد ﺗوﻓﻲ ﺻﻐﯾ ارً .وأﻣﺎ أﻣﺎﻣﺔ ﻓﻘد
ﺗزوﺟﻬﺎ ﻋﻠﻲ ﺑن أﺑﻲ طﺎﻟب ﺑﻌد وﻓﺎة ﺧﺎﻟﺗﻬﺎ ﻓﺎطﻣﺔ اﻟزﻫراء .ﺗوﻓﯾت
زﯾﻧب ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻣﻧورة ﺳﻧﺔ 8ﻫـ وﻟﻬﺎ 31ﺳﻧﺔ ،ودﻓﻧت رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ .
-3رﻗﯾﺔ ﺑﻧت ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :ﺛﺎﻧﯾﺔ ﺑﻧﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم .وﻟدت ﺑﻣﻛﺔ ﻗﺑل اﻟﺑﻌﺛﺔ ﺑﻧﺣو ﺳﺑﻊ ﺳﻧﯾن .ﺗزوﺟت ﻣن ﻋﺗﺑﺔ ﺑن
أﺑﻲ ﻟﻬب ،ﻓﻠﻣﺎ ﺑﻌث رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أﺳﻠﻣت رﻗﯾﺔ
289
ﻓطﻠﻘﻬﺎ ﻋﺗﺑﺔ ﻗﺑل أن ﯾﺑﻧﻲ ﺑﻬﺎ .ﺛم ﺗزوﺟﻬﺎ ﻋﺛﻣﺎن ﺑن ﻋﻔﺎن رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻪ .وﻫﺎﺟرت ﻣﻌﻪ إﻟﻰ اﻟﺣﺑﺷﺔ اﻟﻬﺟرﺗﯾن اﻷوﻟﻰ واﻟﺛﺎﻧﯾﺔ .أﻧﺟﺑت
ﻟﻌﺛﻣﺎن إﺑﻧﺎً واﺣداً اﺳﻣﻪ ﻋﺑداﷲ ﻣﺎت وﻋﻣرﻩ ﺳت ﺳﻧﯾن .ﺗوﻓﯾت رﺿﻲ
اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺳﻧﺔ 2ﻫـ ورﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﺑدر وﻗد
ﺧﻠف ﻋﺛﻣﺎن ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻟﺗﻣرﯾﺿﻬﺎ .دﻓﻧت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ وﻋﻣرﻫﺎ
22ﺳﻧﺔ .
-4أم ﻛﻠﺛوم ﺑﻧت ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :وﻫﻲ ﺛﺎﻟﺛﺔ ﺑﻧﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .وﻟدت ﺑﻣﻛﺔ ﻗﺑل اﻟﺑﻌﺛﺔ ﺑﺳت ﺳﻧوات .ﺗزوﺟت ﻣن ﻋﺗﯾﺑﺔ
ﺑن أﺑﻲ ﻟﻬب ،ﻓﻠﻣﺎ أﺳﻠﻣت طﻠﻘﻬﺎ ﺑﺄﻣر أﺑﯾﻪ أﺑﻲ ﻟﻬب ﻋم رﺳول اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻫﺎﺟرت إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻫﻧﺎك ﺗزوﺟﻬﺎ ﻋﺛﻣﺎن ﺑن
ﻋﻔﺎن رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﺑﻌد وﻓﺎة أﺧﺗﻬﺎ رﻗﯾﺔ واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻗﺑﻠﻬﺎ ﻋﻧد ﻋﺛﻣﺎن
،وﻋﺎﺷت ﻣﻊ ﻋﺛﻣﺎن ﺣﺗﻰ ﺳﻧﺔ 9ﻫـ وﻟم ﺗﻧﺟب ﻟﻪ .ﺗوﻓﯾت رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺳﻧﺔ 9ﻫـ ،ودﻓﻧت ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ وﻟﻬﺎ 28ﺳﻧﺔ .
-5ﻓﺎطﻣﺔ ﺑﻧت ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :وﻫﻲ أﺻﻐر ﺑﻧﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وأﺣﺑﻬن إﻟﯾﻪ ،وأﻛﺛرﻫن ﺷﺑﻬﺎً ﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﺔ وﺳﻠم .
وﻫﻲ ﺳﯾدة ﻧﺳﺎء أﻫل اﻟﺟﻧﺔ .وﻟدت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﻗﺑل اﻟﺑﻌﺛﺔ ﺑﺧﻣس
ﺳﻧﯾن وﻓﻲ اﻟﻌﺎم اﻟذي ﺑﻧت ﻓﯾﻪ ﻗرﯾش اﻟﻛﻌﺑﺔ .ﺗزوﺟﻬﺎ ﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻬﺎ ﺑﻌد ﻏزوة ﺑدر وأﻧﺟﺑت ﻟﻪ اﻟﺣﺳن ،واﻟﺣﺳﯾن ،وأم ﻛﻠﺛوم ،وزﯾﻧب
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم أﺟﻣﻌﯾن .ﺗوﻓﯾت ﻓﺎطﻣﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ﺳﻧﺔ11ﻫـ ﺑﻌد
وﻓﺎة أﺑﯾﻬﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺳﺗﺔ أﺷﻬر ،ودﻓﻧت رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ
ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ وﻟﻬﺎ 29ﺳﻧﺔ.
290
-6ﻋﺑداﷲ اﺑن ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :ﻫو آﺧر وأﺻﻐر أوﻻدﻩ ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن ﺧدﯾﺟﺔ .وﻟد ﺑﻌد اﻟﺑﻌﺛﺔ ،وﺗوﻓﻲ رﺿﯾﻌﺎً .
-7إﺑراﻫﯾم ﺑن ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم :وﻟد ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻣن ﺳرﯾﺗﻪ ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣﺎرﯾﺔ اﻟﻘﺑطﯾﺔ ﺳﻧﺔ 9ﻫـ ،وﺗوﻓﻲ ﺳﻧﺔ 10ﻫـ وﻫو رﺿﯾﻊ
اﺑن ﺳﺗﺔ ﻋﺷر ﺷﻬ ارً .ودﻓن ﺑﺎﻟﺑﻘﯾﻊ .
291
ﺷﺑﻬﺎت وردود
س : 196ﻛﯾف أﻋرف ﯾﻘﯾﻧﺎً أن ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم رﺳول ﻣن ﻋﻧد اﷲ؟
292
وﺳﻠم رﺳول ﻣن ﻋﻧد اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻷن اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم ﻻ ﯾﺧﺗﻠف اﺛﻧﺎن أﻧﻪ أﻧزل ﻋﻠﻰ ﻣﺣﻣد
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
ﺛﺎﻧﯾﺎً -ﻟﻘد ﻗﺎل ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أﻧﻪ رﺳول ﻣن ﻋﻧد اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .وﻫذا اﻟﻘول
ﺛﺎﺑت ﻣﻧذ أرﺑﻌﺔ ﻋﺷر ﻗرﻧﺎً ،وﻟم ﯾردﻧﺎ ﻋن اﷲ ﺟل وﻋز رﺳول آﺧر ﯾﻛذب ﻫذا اﻟﻘول ﺑل
ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻛس ﻣن ذﻟك رأﯾﻧﺎ أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾؤﯾدﻩ ﺑﺎﻟﻣﻌﺟزات اﻟﻛﺛﯾرة وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻘول ﺑﻠﺳﺎن
اﻟﺣﺎل ﺻدق ﻣﺣﻣد-ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻘوﻟﻪ أﻧﻪ ﻧﺑﻲ ،وﻋﻼﻣﺔ ﺻدﻗﻪ ﻣﺎ ﯾﻘﻊ ﻋﻠﻰ
ﯾدﯾﻪ ﻣن اﻟﻣﻌﺟزات اﻟﻛﺛﯾرة ،وﻣﺎ ﯾﻘوﻟﻪ ﻣن اﻷﻣور اﻟﻐﯾﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﻌﻠﻣﻬﺎ إﻻ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ
،ﻓﻣن أﻋﻠﻣﻪ إﯾﺎﻫﺎ.
ﺛﺎﻟﺛﺎً -اﻟﻧﺑوة ﯾدﻋﯾﻬﺎ أﺻدق اﻟﺻﺎدﻗﯾن ،أو أﻛذب اﻟﻛﺎذﺑﯾن ،وﻻ ﯾﻠﺗﺑس ﻫذا إﻻ ﻋﻠﻰ
أﺟﻬل اﻟﺟﺎﻫﻠﯾن ،ﺑل ﻗراﺋن أﺣواﻟﻬﻣﺎ ﺗﻌرف ﻋﻧﻬﻣﺎ وﺗﻌرف ﺑﻬﻣﺎ ،واﻟﺗﻣﯾز ﺑﯾن اﻟﺻﺎدق
واﻟﻛﺎذب ﻟﻪ طرق ﻛﺛﯾرة ﻓﯾﻣﺎ دون دﻋوى اﻟﻧﺑوة ﻓﻛﯾف ﺑدﻋوى اﻟﻧﺑوة ﻗﺎل ﺣﺳﺎن ﺑن
ﺛﺎﺑت:
ﻛﺎﻧت ﺑدﯾﻬﺗﺔ ﺗﻧﺑﻬك ﺑﺎﻟﺧﺑر ﻟو ﻟم ﯾﻛن ﻓﯾﻪ آﯾﺎت ﻣﺑﯾﻧﺔ
وﻣﺎ ﻣن أﺣد أدﻋﻰ اﻟﻧﺑوة ﻣن اﻟﻛذاﺑﯾن إﻻ وﻗد ظﻬر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺟﻬل واﻟﻛذب ،واﻟﻔﺟور
واﺳﺗﺣواذ اﻟﺷﯾﺎطﯾن ﻋﻠﯾﻪ ﻣﺎ ظﻬر ﻟﻣن ﻟﻪ أدﻧﻰ ﺗﻣﯾﯾز ،ﻓﺈن اﻟرﺳول ﻻﺑد ﻟﻪ أن ﯾﺧﺑر
ﺑﺄﻣور ،وﯾﺄﻣر ﺑﺈﺣﻛﺎم ،وﻻ ﺑد أن ﯾﻔﻌل أﻣو ارً ﯾﺑﯾن ﺑﻬﺎ ﺻدﻗﻪ ،أو ﻛذﺑﻪ .ﻓﻣن ﻋرف
اﻟرﺳول وﺻدﻗﻪ ،ووﻓﺎءﻩ ،وﻣطﺎﺑﻘﺔ ﻗوﻟﻪ ﻟﻌﻣﻠﻪ ،ﻋﻠم ﻋﻠﻣﺎً ﯾﻘﯾﻧﺎً أﻧﻪ ﻟﯾس ﺑﻛﺎذب ﻓﻲ
ﻗوﻟﻪ أﻧﻪ ﻧﺑﻲ.
واﻟﻌﺎﻟم ﯾﻌرف ِرﺿﻰ اﻟرﺟل ،وﺣﺑﻪ وﺑﻐﺿﻪ ،وﻓرﺣﻪ وﺣزﻧﻪ ..وﻏﯾر ذﻟك ﻣﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻪ
ﺑﺄﻣور ﺗظﻬر ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ ،ﻗد ﻻ ﯾﻣﻛن اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻋﻧﻬﺎ ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ):وﻟو ﻧﺷﺎء
293
ﻷرﯾﻧﺎﻛﻬم ﻓﻠﻌرﻓﺗﻬم ﺑﺳﯾﻣﺎﻫم( ،ﺛم ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ) :وﻟﺗﻌرﻓﻧﻬم ﻓﻲ ﻟﺣن اﻟﻘول( وﻗﺎل
ﻋﺛﻣﺎﻧرﺿﻲ اﻟﻪ ﻋﻧﻪ :ﻣﺎ أﺳر أﺣد ﺳرﯾﺔ إﻻ أظﻬرﻫﺎ اﷲ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺣﺎت وﺟﻬﻪ ،وﻓﻠﺗﺎت
ﻟﺳﺎﻧﻪ.
وﻟذا ﻓﺈن ﺧدﯾﺟﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻌﻠم أن اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻫو
اﻟﺻﺎدق اﻟﺑﺎر ،ﻟﻣﺎ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ ﺣﯾن ﺟﺎءﻩ اﻟوﺣﻲ "إﻧﻲ ﻗد ﺧﺷﯾت ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﻲ" .ﻗﺎﻟت":
ﻛﻼ .واﷲ ﻻ ﯾﺧزﯾك اﷲ أﺑداً .إﻧك ﻟﺗﺻل اﻟرﺣم ،وﺗﺻدق اﻟﺣدﯾث ،وﺗﺣﻣل اﻟﻛل ،وﺗﻘري
اﻟﺿﯾف ،وﺗﻛﺳب اﻟﻣﻌدوم ،وﺗﻌﯾن ﻋﻠﻰ ﻧواﺋب اﻟﺣق" .ﻓذﻛرت ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺟﺑوﻻً ﻋﻠﯾﻪ ﻣن
ﻣﻛﺎرم اﻷﺧﻼق ،وﻣﺣﺎﺳن اﻟﺷﯾم ،وﻗد ﻋﻠم ﻣن ﺳﻧﺔ اﷲ أن ﻣن ﺟﻠﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﺧﻼق
اﻟﻣﺣﻣودة،وﻧزﻫﻪ ﻋن اﻷﺧﻼق اﻟﻣذﻣوﻣﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﯾﺧزﯾﻪ وﻛذﻟك ورﻗﺔ ﺑن ﻧوﻓل ﻟﻣﺎ أﺧﺑرﻩ
اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻣﺎ رآﻩ ،وﻛﺎن ورﻗﺔ ﻗد ﺗﻧﺻر وﻛﺎن ﯾﻛﺗب اﻹﻧﺟﯾل
ﺑﺎﻟﻌرﺑﯾﺔ ،ﻓﻘﺎﻟت ﻟﻪ ﺧدﯾﺟﺔ :أي ﻋم اﺳﻣﻊ ﻣن اﺑن أﺧﯾك ﻣﺎ ﯾﻘول .ﻓﺄﺧﺑرﻩ اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻣﺎ رأى ﻓﻘﺎل :ﻫذا ﻫو اﻟﻧﺎﻣوس اﻟذي ﻛﺎن ﯾﺄﺗﻲ ﻣوﺳﻰ.
-وﻛذا اﻟﻧﺟﺎﺷﻲ ﻟﻣﺎ اﺳﺗﺧﺑرﻫم ﻋﻣﺎ ﯾﺄﻣرﻫم ﺑﻪ ،واﺳﺗﻘرأﻫم اﻟﻘرآن ،ﻓﻘرأوﻩ ﻋﻠﯾﻪ،
ﻗﺎل :إن ﻫذا واﻟذي ﺟﺎء ﺑﻪ ﻣوﺳﻲ ﻟﯾﺧرج ﻣن ﻣﺷﻛﺎة واﺣدة"
-وﻛذﻟك ﻫرﻗل ﻣﻠك اﻟروم ،ﻓﺈن اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﻣﺎ ﻛﺗب إﻟﯾﻪ ﻛﺗﺎﺑﺎً
ﯾدﻋوﻩ ﻓﯾﻪ إﻟﻰ اﻹﺳﻼم طﻠب ﻣن ﻛﺎن ﻫﻧﺎك ﻣن اﻟﻌرب ،وﻛﺎن أﺑو ﺳﻔﯾﺎن ﻗد ﻗدم
طﺎﺋﻔﺔ ﻣن ﻗرﯾش ﻓﻲ ﺗﺟﺎرة إﻟﻰ اﻟﺷﺎم وﻋﻠم ﺑﻬم ﻫرﻗل ﻓﺎﺳﺗدﻋﺎﻫم وﺳﺄﻟﻬم ﻋن
أﺣوال ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﺗﺑﯾن ﻣن إﺟﺎﺑﺎت أﺑﻲ ﺳﻔﯾﺎن أن ﻋﻼﻣﺎت
اﻟرﺳل اﻟﻣوﺿﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﺗوراة واﻻ ﻧﺟﯾل واﻟﺗﻲ ﯾﻌﻠﻣﻬﺎ ﻫرﻗل ﻣﺗﺣﻘﻘﺔ ﻓﻲ ﻣﺣﻣد
294
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻲ وﺳﻠم .وﻛﺎد ﻫرﻗل أن ﯾﺳﻠم ،إﻻ أﻧﻪ ﺧﺷﻲ ﻗوﻣﻪ ،وﺧﺎف أن
ﯾﺿﯾﻊ ﻣﻠﻛﻪ.
إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻟﻘﺻص واﻟﺣﻛﺎﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺑﯾن ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﺻﺎدق وﻛذب اﻟﻣدﻋﻲ.
ﻗﺎل :ﻫل ﻛﻧﺗم ﺗﺗﻬﻣوﻧﻪ ﺑﺎﻟﻛذب ﻗﺑل أن ﯾﻘول ﻣﺎ ﻗﺎل؟ ﻓﻘﺎل :ﻻ ﻣﺎﺟرﺑﻧﺎﻋﻠﯾﻪ ﻛذﺑﺎً.
ﻗﺎل :ﻫل اﺗﺑﻌﻪ ﺿﻌﻔﺎء اﻟﻧﺎس ،أم أﺷراﻓﻬم؟ ،ﻓﻘﺎل :ﺑل ﺿﻌﻔﺎؤﻫم
ﻗﺎل :ﻫل ﯾرﺟﻊ أﺣد ﻣﻧﻬم ﻋن دﯾﻧﻪ ﺳﺧطﺔ ﻟﻪ ﺑﻌد أن ﯾدﺧل ﻓﯾﻪ؟ ﻗﺎل :ﻻ
ﻗﺎل :ﻓﻛﯾف ﻛﺎن ﻗﺗﺎﻟﻛم إﯾﺎﻩ ؟ ﻗﺎل اﻟﺣرب ﺑﯾﻧﻧﺎ ،وﺑﯾﻧﻪ ﺳﺟﺎل ﯾﻧﺎل ﻣﻧﺎ وﻧﻧﺎل ﻣﻧﻪ.
ﻗﺎل :ﺑﻣﺎذا ﯾﺄﻣرﻛم؟ ﻗﺎل :ﯾﻘول اﻋﺑدوا اﷲ وﺣدﻩ ،وﻻ ﺗﺷرﻛوا ﺑﻪ ﺷﯾﺋﺎ واﺗرﻛوا ﻣﺎ ﯾﻘول
آﺑﺎؤﻛم ،وﯾﺄﻣرﻧﺎ ﺑﺎﻟﺻﻼة ،واﻟﺻدق ،واﻟﻌﻔﺎف ،واﻟﺻﻠﺔ.
ﻓﻘﺎل ﻟﻠﺗرﺟﻣﺎن :ﻗل ﻟﻪ :ﺳﺄﻟﺗك ﻋن ﻧﺳﺑﻪ ،ﻓذﻛرت أﻧﻪ ﻓﯾﻛم ذو ﻧﺳب ،ﻓﻛذﻟك اﻟرﺳل
ﺗﺑﻌث ﻓﻲ ﻧﺳب ﻗوﻣﻬﺎ ،وﺳﺄﻟﺗك ﻫل ﻗﺎل أﺣد ﻣﻧﻛم ﻫذا اﻟﻘول؟ ﻓذﻛرت أن ﻻ ،ﻓﻘﻠت :ﻟو
ﻛﺎن أﺣد ﻗﺎل ﻫذا اﻟﻘول ﻗﺑﻠﻪ ﻟﻘﻠت رﺟل ﯾﺄﺗﺳﻲ ﺑﻘول ﻗﯾل ﻗﺑﻠﻪ.
295
وﺳﺄﻟﺗك :ﻫل ﻛﺎن ﻣن آﺑﺎﺋﻪ ﻣن ﻣﻠك ؟ ﻓذﻛرت أن ﻻ ،ﻗﻠت :ﻓﻠو ﻛﺎن ﻣن آﺑﺎﺋﻪ ﻣن
ﻣﻠك ،ﻗﻠت رﺟل ﯾطﻠب ﻣﻠك أﺑﯾﻪ.
وﺳﺄﻟﺗك :ﻫل ﻛﻧﺗم ﺗﺗﻬﻣوﻧﻪ ﺑﺎﻟﻛذب ﻗﺑل أن ﯾﻘول ﻣﺎ ﻗﺎل؟ ﻓذﻛرت أن ﻻ.
ﻓﻘد أﻋرف أﻧﻪ ﻟم ﯾﻛن ﻟﯾذر اﻟﻛذب ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎس ،وﯾﻛذب ﻋﻠﻰ اﷲ.
وﺳﺄﻟﺗك :أﺷراف اﻟﻧﺎس اﺗﺑﻌوﻩ ،أم ﺿﻌﻔﺎؤﻫم؟ ﻓذﻛرت أن ﺿﻌﻔﺎءﻫم اﺗﺑﻌوﻩ وﻫم أﺗﺑﺎع
اﻟرﺳل .
وﺳﺄﻟﺗك :أﯾرﺗد أﺣد ﺳﺧطﻪ ﻟدﯾﻧﻪ ﺑﻌد أن ﯾدﺧل ﻓﯾﻪ ؟ ،ﻓذﻛرت أن ﻻ ،وﻛذﻟك اﻹﯾﻣﺎن
ﺣﯾن ﺗﺧﺎﻟط ﺑﺷﺎﺷﺗﻪ اﻟﻘﻠوب .
وﺳﺄﻟﺗك :ﺑم ﯾﺄﻣرﻛم ؟ ﻓذﻛرت أﻧﻪ ﯾﺄﻣرﻛم أن ﺗﻌﺑدوا اﷲ وﻻ ﺗﺷرﻛوا ﺑﻪ ﺷﯾﺋﺎ وﯾﻧﻬﺎﻛم
ﻋن ﻋﺑﺎدة اﻷوﺛﺎن ،وﯾﺄﻣرﻛم ﺑﺎﻟﺻﻼة واﻟﺻدق واﻟﻌﻔﺎف .ﻓﺈن ﻛﺎن ﻣﺎ ﺗﻘوﻟﻪ ﺣﻘﺎً ،
ﻓﺳﯾﻣﻠك ﻣوﺿﻊ ﻗدﻣﻲ ﻫﺎﺗﯾن ،وﻗد ﻛﻧت أﻋﻠم أﻧﻪ ﺧﺎرج ،ﻟم أﻛن أظن أﻧﻪ ﻣﻧﻛم ،ﻓﻠو
أﻧﻲ أﻋﻠم أﻧﻲ أﺧﻠص إﻟﯾﻪ ﻟﺗﺟﺷﻣت ﻟﻘﺎءﻩ ،وﻟو ﻛﻧت ﻋﻧدﻩ ﻟﻐﺳﻠت ﻋن ﻗدﻣﻪ.
296
ﻓﻠﻣﺎ ﻛﺎن ﻫرﻗل ﻋﻧدﻩ ﻣن ﻋﻠﻣﻪ ﺑﻌﺎدة اﻟرﺳل وﺳﻧﺔ اﷲ ﻓﯾﻬم أﻧﻪ ﺗﺎرة ﯾﻧﺻرﻫم وﺗﺎرة
ﯾﺑﺗﻠﯾﻬم ،وأﻧﻬم ﻻ ﯾﻐدرون ،ﻋﻠم أن ﻫذﻩ ﻋﻼﻣﺎت اﻟرﺳل .وأن ﺳﻧﺔ اﷲ ﻓﻲ اﻷﻧﺑﯾﺎء
واﻟﻣؤﻣﻧﯾن أن ﯾﺑﺗﻠﯾﻬم ﺑﺎﻟﺳراء واﻟﺿراء ،ﻟﯾﻧﺎﻟوا درﺟﺔ اﻟﺷﻛر واﻟﺻﺑر.
ﻓﻬذﻩ ﺣﻛﺎﯾﺎت دﻟت ﻋﻠﻰ ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺻدق ﻣن طﺑﯾﻌﺔ ﺣﺎل ﻣدﻋﻲ اﻟﻧﺑوة.
راﺑﻌﺎً -أن اﻟﻘرآن اﻟذي ﺟﺎء ﺑﻪ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺗﺿﻣن اﻹﺧﺑﺎر ﻋن ﺟﻣﻠﺔ
ﻣن اﻟوﻗﺎﺋﻊ واﻟﺣوادث اﻟﻣﺳﺗﻘﺑﻠﯾﺔ واﻟﺗﻲ ﺟﺎءت ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد ﻋﻠﻰ اﻟوﺟﻪ اﻟذي أﺧﺑر ،وﻣن
ذﻟك :
ﯾن ُﻣ َﺣﱢﻠ ِﻘ َ
ﯾن ُرُءوﺳ ُﻛ ْم آﻣ ِﻧ َ
ﺷﺎء اﻟﻠﱠﻪ ِ
ﺳ ِﺟد ا ْﻟ َﺣ َرام إِ ْن َ َ
-1ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ َ ":ﻟﺗَ ْد ُﺧﻠُ ﱠن ا ْﻟ َﻣ ْ
ون " ،ﻓوﻗﻊ ﻛﻣﺎ أﺧﺑر ،ودﺧل اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ اﻟﻣﺳﺟد اﻟﺣرام آﻣﻧﯾن ﺻ ِر َ
ﯾن َﻻ ﺗَ َﺧﺎﻓُ َ َو ُﻣﻘَ ﱢ
ﻣﺣﻠﻘﯾن رؤوﺳﻬم وﻣﻘﺻرﯾن ﻏﯾر ﺧﺎﺋﻔﯾن.
ﺳﺗَ ْﺧﻠِ َﻔ ﱠﻧ ُﻬ ْم ِﻓﻲ ﯾن آﻣ ُﻧوا ِﻣ ْﻧ ُﻛم وﻋ ِﻣﻠُوا اﻟ ﱠ ِ
ﺻﺎﻟ َﺣﺎت ﻟَ َﯾ ْ ْ ََ
ﱠ ﱠِ
-2وﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ َ ":و َﻋ َد اﻟﻠﻪ اﻟذ َ َ
ﺿﻰ ﻟَ ُﻬ ْمﯾﻧﻬم اﻟﱠ ِذي ْارﺗَ َ ِ
ﻠﻬم َوﻟَ ُﯾ َﻣ ﱢﻛ َﻧ ﱠن ﻟَ ُﻬ ْم د ْ
ف اﻟﱠ ِذ َ ِ
ﯾن ﻣ ْن ﻗَ ْﺑ ْ اﺳﺗَ ْﺧﻠَ َ
ْاﻷ َْرض َﻛ َﻣﺎ ْ
ﺷ ْﯾ ًﺋﺎ " ،ﻓوﻓّﻰ اﷲ وﻋدﻩ ون ِﺑﻲ َﺷ ِرُﻛ َ ﻓﻬم أ َْﻣ ًﻧﺎ َﯾ ْﻌ ُﺑ ُدوَﻧ ِﻧﻲ َﻻ ُﯾ ْ ِ
َوﻟَ ُﯾ َﺑ ﱢدﻟَ ﱠﻧ ُﻬ ْم ﻣ ْن َﺑ ْﻌد َﺧ ْو ْ
ﻓﻲ ﻣدة ﻗﻠﯾﻠﺔ .ﻓﺧﻼل ﺛﻼﺛﯾن ﻋﺎﻣﺎً ﻣن اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟرﺷﯾدة وﺻل اﻟﻣﺳﻠﻣون إﻟﻰ
ﺣدود اﻟﺻﯾن ﺷرﻗﺎً ٕواﻟﻰ اﻟﻣﺣﯾط اﻷطﻠﺳﻲ ﻏرﺑﺎً.
ون ِﻓﻲ ِدﯾن
ﺻر اﻟﻠﱠﻪ َوا ْﻟﻔَ ْﺗﺢ * َوَأر َْﯾت اﻟ ﱠﻧﺎس َﯾ ْد ُﺧﻠُ َ -3وﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :إِ َذا َﺟ َ
ﺎء َﻧ ْ
اﺟﺎ " ،ﻓﺣﺻل ﻓﺗﺢ ﻣﻛﺔ ودﺧل اﻟﻧﺎس ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻓوﺟﺎً ﺑﻌد ﻓوج. اﻟﻠﱠﻪ أَﻓ َْو ً
ون " ،وﻗد وﻗﻊ ﻛﻣﺎ أﺧﺑر ﻓﺻﺎروا
ﺳﺗُ ْﻐﻠَ ُﺑ َ -4وﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻗُ ْل ِﻟﻠﱠ ِذ َ
ﯾن َﻛﻔَ ُروا َ
ﻣﻐﻠوﺑﯾن .وﻏﯾر ذﻟك ﻛﺛﯾر.
297
ﺧﺎﻣﺳﺎً :إﺧﺑﺎر اﻟﻣﺻطﻔﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺣوادث ﻣﺳﺗﻘﺑﻠﯾﺔ ﺣدﺛت ﻓوﻗﻌت ﻛﻣﺎ
ﻗﺎل .وﻣن ذﻟك :
أن اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أﺧﺑر اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻬﺟرة إﻟﻰ ﯾﺛرب ﻗﺑل اﻟﻬﺟرة -1
وﻛﺎﻧت ﻋﻠﻰ اﻟوﺻف اﻟذي ذﻛر.
أن اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أﺧﺑر اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﺑﻔﺗﺢ ﻣﻛﺔ وﺑﯾت اﻟﻣﻘدس واﻟﯾﻣن -2
واﻟﺷﺎم واﻟﻌراق ،وﺣدث ﻛل ذﻟك .
أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم أﺧﺑر أن اﻷﻣن ﺳﯾﻌم اﻟﺟزﯾرة اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﺗرﺣل -3
اﻟﻣرأة ﻣن اﻟﺣﯾرة إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ﻻ ﺗﺧﺎف إﻻ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ووﻗﻊ ذﻟك .
أن ﺧﯾﺑر ﺗﻔﺗﺢ ﻋﻠﻰ ﯾد ﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻓﻲ ﻏد ﯾوﻣﻪ . -4
أﻧﻬم ﯾﻘﺳﻣون ﻛﻧوز ﻣﻠك ﻓﺎرس وﻣﻠك اﻟروم. -5
أن ﺑﻧﺎت ﻓﺎرس ﺗﺧدﻣﻬم. -6
وﻫذﻩ اﻷﻣور ﻛﻠﻬﺎ وﻗﻌت ﻓﻲ زﻣن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم ﻛﻣﺎ أﺧﺑر.
أن ﻗرن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم ﻓﻣﺎت آﺧرﻫم ﺳﻧﺔ )110ﻫﺟرﯾﺔ(. -7
أن اﻟﻔﺗن ﻻ ﺗظﻬر ﻣﺎدام ﻋﻣر ﺣﯾﺎً .وﻛﺎن ﻛﻣﺎ أﺧﺑر . -8
أن ﻋﺛﻣﺎن ﯾﻘﺗل وﻫو ﯾﻘ أر اﻟﻣﺻﺣف .وﻗد ﻗﺗل رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ﻛﻣﺎ أﺧﺑر اﻟرﺳول -9
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .وﻏﯾر ذﻟك ﻛﺛﯾر .
298
ﺳﺎدﺳﺎً :وﻟﻛﻲ ﯾﻛون اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ ﺑﯾﻧﺔ ﻣن أﻣر ﻫذا اﻟرﺳول وأﻧﻪ ﺻﺎدق ﻓﻲ دﻋواﻩ
ﺑﺎﻟرﺳﺎﻟﺔ ﻣن ﻋﻧد اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﻟﻛﻲ ﯾﻛون اﻟرﺳول ﻗوﯾﺎً ﻓﻲ ﻣوﻗﻔﻪ وﻗﺎد ارً ﻋﻠﻰ إﻗﻧﺎع
اﻟﻧﺎس ﺑﺻدق ﻧﺑوﺗﻪ ورﺳﺎﻟﺗﻪ ،ﻷن اﻟﻧﺎس ﺳﯾطﺎﻟﺑوﻧﻪ ﺑﺎﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﺻدﻗﻪ ﻟذا ﻓﻘد أﯾد
اﷲ أﻧﺑﯾﺎءﻩ ورﺳﻠﻪ ﺑﺎﻟﻣﻌﺟزات.
واﻟﻣﻌﺟزة ":ﺣﺎدث ﺧﺎرق ﻟﻠﻌﺎدة واﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ ﯾﻼﺣظﻬﺎ اﻟﻧﺎس ،وﺗﺟري ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺳﻧن
اﻟﻛون .ﯾﺟرﯾﻬﺎ اﷲ ﺗﺄﯾﯾداً ﻟﻠﻧﺑﻲ" .واﻟﻣﻌﺟزات ﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﻫو ﻣﺎدي ﻣﺛل ﻧﺎﻗﺔ ﺻﺎﻟﺢ
وﻋﺻﺎ ﻣوﺳﻰ .وﻣﻌﺟزات ﻋﯾﺳﻰ ﻛﺈﺑراء اﻷﻛﻣﻪ واﻷﺑرص ٕواﺣﯾﺎء اﻟﻣوﺗﻰ وﻧﺣوﻫﺎ .وﻣﻧﻬﺎ
ﻣﺎﻫو ﻣﻌﻧوي وﻋﻘﻠﻲ ﻛﺎﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم .وﻷن ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻫو آﺧر اﻷﻧﺑﯾﺎء
واﻟﻣرﺳﻠﯾن وﺧﺎﺗﻣﻬم ﻓﻘد أﺟرى اﷲ ﻋﻠﻰ ﯾدﯾﻪ ﻣن اﻟﻣﻌﺟزات اﻟﻣﺎدﯾﺔ واﻟﻣﻌﻧوﯾﺔ واﻟﻌﻘﻠﯾﺔ
اﻟﺷﻲء اﻟﻛﺛﯾر ﻣﻣﺎ ﻻ ﻧﺳﺗطﯾﻊ ذﻛرﻩ وﺣﺻرﻩ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﻘﺎم وﻟﻛن ﻧذﻛر ﻣﻧﻬﺎ :اﻧﺷﻘﺎق
اﻟﻘﻣر ،وﻧﺑﻊ اﻟﻣﺎء ﻣن ﺑﯾن أﺻﺎﺑﻌﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻠﺔ واﻟﺳﻼم ،وﺗﻛﺛﯾرﻩ اﻟطﻌﺎم واﻟﺷراب،
وﺗﻛﻠﯾﻣﻪ ﻟﻠﺑﻬﺎﺋمٕ ،واﺧﺑﺎرﻩ ﺑﺎﻷﻣور اﻟﻐﯾﺑﯾﺔ ووﻗوﻋﻬﺎ ﻛﻣﺎ أﺧﺑر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم،
وﺗﺳﻠﯾم اﻷﺷﺟﺎر واﻷﺣﺟﺎر ﻋﻠﯾﻪ ،واﻧﻘﯾﺎدﻫﺎ ﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ،وﺷﻔﺎء اﻟﻣرﺿﻰ
ﻋﻠﻰ ﯾدﯾﻪ وﻏﯾر ذﻟك ﻛﺛﯾر .وﻧوﺻﻲ ﻫﻧﺎ ﺑﺎﻟرﺟوع إﻟﻰ ﻛﺗﺎب :ﻣﻌﺟزات اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﻠﺣﺎﻓظ أﺑﻲ اﻟﻔداء إﺳﻣﺎﻋﯾل ﺑن ﻛﺛﯾر .ﻋﻠﻰ أن أﻋظم ﻣﻌﺟزاﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟداﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺻدق ﻧﺑوﺗﻪ ورﺳﺎﻟﺗﻪ اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم ،وﻫو ﻣﻌﺟزة ذاﺗﯾﺔ ﺗرﺗﺑط
ارﺗﺑﺎطﺎً وﺛﯾﻘﺎً ﺑﺎﻟرﺳﺎﻟﺔ وﺗﺗﺻل ﺑﻣﺎﻫﯾﺗﻬﺎ وﺗﺗﻌﻠق ﺑﺟوﻫرﻫﺎ .ﻓﻬﻲ ﻣﻌﺟزة ﯾﺗﻘﺑﻠﻬﺎ اﻟﻌﻘل
ﻋﻠﻰ اﻟدوام ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺧﺎطب اﻟﻔﻛر اﻟﺑﺷري ،وﺗﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻧﺎﻋﺔ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ أﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﺗﻌﺗﻣد
ﻋﻠﻰ ﻗرع اﻟﺣواس اﻟذي ﻫو أﺻل اﻟﻣﻌﺟزات اﻟﻣﺎدﯾﺔ .وأوﺟﻪ اﻹﻋﺟﺎز ﻓﻲ اﻟﻘرآن ﻛﺛﯾرة.
ﻓﻬو ﻣﻌﺟز ﻟﻣﺎ اﺷﺗﻣل ﻋﻠﯾﻪ ﻣن اﻟﻠﻔظ اﻟﻌﺟﯾب ،واﻟﺗرﻛﯾب اﻟﺑﻼﻏﻲ اﻟﺑدﯾﻊ اﻟذي ﺗﺣدى
299
اﻹﻧس واﻟﺟن أن ﯾﺄﺗوا ﺑﻣﺛﻠﻪ ﻓﻌﺟزوا ،ﺛم ﺗﺣداﻫم ﺑﻌﺷر ﺳور ﻣﻧﻪ ﻓﻌﺟزوا ﺛم ﺗﺣداﻫم
ﺑﺳورة ﻣن ﻣﺛﻠﻪ ﻓﻌﺟزوا .وﻣﺛل ﻫذا اﻟﺗﺣدي ﻻ ﯾﺻدر إﻻ ﻋن واﺛق ﺑﺄن ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ ﻻ
ﯾﻣﻛن ﻟﻠﺑﺷر أن ﯾﺄﺗوا ﺑﻣﺛﻠﻪ ﻓﻲ ﻓﺻﺎﺣﺗﻪ ،وﺑﻼﻏﺗﻪ ،وﺗرﻛﯾﺑﻪ وﻟو ﻛﺎن ﻣن ﻣﺗﻘول ﻣن
اﻟﺑﺷر ﻟﺧﺎف وﻟﻣﺎ أظﻬر وأﻋﻠن اﻟﺗﺣدي ﺧﺷﯾﺔ أن ﯾﻔﺗﺿﺢ أﻣرﻩ وﯾﻛذﺑﻪ اﻟﻧﺎس .ﻛﻣﺎ أن
اﻟﻘرآن ﻣﻌﺟز ﻓﻲ اﺷﺗﻣﺎﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻠم ﻣﺎ ﻛﺎن وﻣﺎ ﯾﻛون .ﻓﻘد ﺗﺣدث ﻋن اﻷﻣم اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ
ﻼ ﻓﻛﺎﻧت ﻛﻣﺎ أﺧﺑر .وﻫذﻩ ﻛﻠﻬﺎ
وﻗﺻﺻﻬﺎ ﻣﻊ أﻧﺑﯾﺎﺋﻬﺎ .وﺗﺣدث ﻋن أﻣور ﺳﺗﻘﻊ ﻣﺳﺗﻘﺑ ً
أﻣور ﻣﻌﺟزة ﺧﺎﺻﺔ وأن ﻣﺣﻣدا ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻛﺎن أﻣﯾﺎً ﻻ ﯾﻘرأ ،وﻻ ﯾﻛﺗب ،وﻟم
ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻛﺗب اﻷﻗدﻣﯾن وﻻ ﻋﻠﻰ أﺧﺑﺎرﻫم ،ﻓﻛﺎن إﺧﺑﺎر ﻫذا اﻷﻣﻲ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم ﻋن أﺧﺑﺎر اﻟﺳﺎﺑﻘﯾن وأﻣور ﻏﯾﺑﯾﺔ ﻓﻲ آﯾﺎت اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم دﻟﯾﻼ ﻗﺎطﻌﺎ ﻋﻠﻰ
ﻧﺑوﺗﻪ وﺻدق رﺳﺎﻟﺗﻪ .ﻛﻣﺎ أن اﻟﻘرآن ﻣﻌﺟز ﻓﻲ أﺣﻛﺎﻣﻪ اﻟﻌﺎدﻟﺔ اﻟﻣﺷﺗﻣﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻛم
اﻟﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺗﻲ إذا ﺗﺄﻣﻠﻬﺎ ذو ﻓﻬم وﻋﻘل ﺻﺣﯾﺢ ﻗطﻊ ﺑﺄن ﻫذﻩ اﻷﺣﻛﺎم إﻧﻣﺎ أﻧزﻟﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟم
ﺑﺎﻟﺧﻔﯾﺎت اﻟرﺣﯾم ﺑﻌﺑﺎدﻩ .ﻓﺎﻟﻘرآن ﻛﻠﻪ ﻣﻌﺟز ﻛﻠﻣﺔ ،وﻟﻔظﺎً ،وﺧﺑ ارً ،وﻗﺻﺻﺎً ،وأﺣﻛﺎﻣﺎً .
وﻫو دﻟﯾل ﻋﻘﻠﻲ وﻣﺎدي ﻗﺎطﻊ ﻋﻠﻰ ﺻدق ﻧﺑوﺗﻪ ورﺳﺎﻟﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
س : 197ﯾوﺻف اﻹﺳﻼﻣﯾون اﻟﯾوم ﺑﺄﻧﻬم إرﻫﺎﺑﯾون وﻣﺗطرﻓون ﻷﻧﻬم ﻛﺛﯾ ارً ﻣﺎ ﯾﻠﺟﺄون
إﻟﻰ اﻟﻌﻧف ،و ﯾﺳﻣون ﻫذا اﻟﻌﻧف ﺟﻬﺎداً ﻣﺗﺄﺛرﯾن ﺑﻣﺎ ﯾﻘرأون ﻓﻲ ﺳﯾرة اﻟﻧﺑﻲ ﻣﺣﻣد -
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﻓﻛﯾف ﺗردون ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟوﺻف ؟
ﺗﺳﯾر ﺟﻣﻬور
ج - 1 : 197ﯾﺟب أﻻ ﻧﻧﺳﻰ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺳﯾﺎق أن وﺳﺎﺋل اﻹﻋﻼم ّ
اﻟﻧﺎس إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾرﯾدﻩ أﺻﺣﺎﺑﻬﺎ وﻣﻼﻛﻬﺎ .ﻓﺎﻟﯾوم وﺑﻌد زوال ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾدﻋﻰ ﺑﺎﻹﺗﺣﺎد
300
اﻟﺳوﻓﯾﺗﻲ ﻟم ﯾﻌد ﻟﻠﻐرب ﻣن ﻋدو ﯾوﺟﻪ إﻟﯾﻪ ﺳﻬﺎﻣﻪ إﻻ اﻹﺳﻼم ،ﻷﻧﻪ اﻟدﯾن اﻟوﺣﯾد
اﻟذي ﻟم ﯾﺳﺗطﻊ وﻟن ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻟﻐرب أن ﯾﻣﯾﻊ ﺗﻌﺎﻟﯾﻣﻪ وﯾﻘﺿﻲ ﻋﻠﻰ ﺻوﺗﻪ واﻧﺗﺷﺎرﻩ ﻓﻲ
ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟم ﻛﻠﻪ ،وﻟﻬذا ﯾﺟب أﻻ ﻧﻛون -وﻧﺣن ﻣﻣن رزق اﻟﻌﻠم واﻟﻔﻛر -ﺿﺣﯾﺔ ﻣن
ﺿﺣﺎﯾﺎ اﻹﻋﻼم اﻟذي ﯾوﺣﻲ ﻟﻧﺎ وﻟﻠﻧﺎس ﻋﺎﻣﺔ ﺑﺄن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن إرﻫﺎﺑﯾون ،وﻣﺗطرﻓون ،
وأﻧﻬم ﯾﺳﺗﻐﻠون اﺳم اﻟﺟﻬﺎد ﻓﻲ إرﻫﺎﺑﻬم وﺗطرﻓﻬم.
واﻟﺟواب :إﻧﻬم أﻋداء اﻹﺳﻼم اﻟذﯾن ﯾﻌﯾﺷون ﻓﻲ داﺧل ﺑﻼد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﺧﺎرﺟﻬﺎ ،
واﻟذﯾن ﯾﺧﺎﻓون اﻹﺳﻼم وﯾﺧﺎﻓون اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﺻﺎدﻗﯾن .ﻫم اﻟذﯾن اﺑﺗﻛروا ﻫذا اﻟوﺻف
وأﻟﺻﻘوﻩ ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ووﺻﻔوﻫم ﺑﻪ ﻟﺗﺣﻘﯾر اﻹﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﺗﻧﻔﯾر اﻟﻧﺎس ﻣن
اﻹﺳﻼم ،وﻟوﺿﻊ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣوﺿﻊ اﻟﻣﺟرم اﻟﻣﺗﻬم ﻓﻲ ﻧظر اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ اﻟذي
ﺗﻬﯾﻣن ﻋﻠﯾﻪ أﻣرﯾﻛﺎ ،وﺗﺳﯾرﻩ ﻓﻲ رﻛﺎﺑﻬﺎ .ﯾﻘول " ﻣورد ﺑﯾرﺟر ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ " اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ
اﻟﻣﻌﺎﺻر" :إن اﻟﺧوف ﻣن اﻟﻌرب واﻫﺗﻣﺎﻣﻧﺎ ﺑﺎﻷﻣﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﯾس ﻧﺎﺗﺟﺎً ﻋن وﺟود
اﻟﺑﺗرول ﺑﻐزارة ﻋﻧد اﻟﻌرب ،ﺑل ﺑﺳﺑب اﻹﺳﻼم ..ﯾﺟب ﻣﺣﺎرﺑﺔ اﻹﺳﻼم ﻟﻠﺣﯾﻠوﻟﺔ دون
وﺣدة اﻟﻌرب اﻟﺗﻰ ﺗؤدي إﻟﻰ ﻗوﺗﻬم ،ﻷن ﻗوة اﻟﻌرب ﺗﺗﺻﺎﺣب داﺋﻣﺎ ﻣﻊ ﻗوة اﻹﺳﻼم
وﻋزﺗﻪ واﻧﺗﺷﺎرﻩ " .
وﻗﺎل دان ﻛوﯾل ﻧﺎﺋب اﻟرﺋﯾس اﻷﻣرﯾﻛﻲ اﻟﺳﺎﺑق ﺟورج ﺑوش " :إن اﻟﻌدو اﻟوﺣﯾد
اﻟﻣﺗﺑﻘﻲ ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﻐرب ﻫو اﻹﺳﻼم" .وﻗد ﺻﻧف ﻛوﯾل اﻹﺳﻼم ﻣﻊ اﻟﺷﯾوﻋﯾﺔ واﻟﻧﺎزﯾﺔ
.واﺑﺗﻛرت أﺟﻬزة اﻹﻋﻼم اﻟﻐرﺑﻲ ﻟﻔظﺔ ﺟدﯾدة ﻫﻲ اﻷﺻوﻟﯾﺔ .وﻧﺷرت ﻣﺟﻠﺔ اﻟﺗﺎﯾﻣز
ﻋﻠﻰ ﻏﻼف ﺻورﺗﻬﺎ اﻟﻣﺋذﻧﺔ واﻟﺑﻧدﻗﯾﺔ ﺗﺣت ﻋﻧوان "اﻟﺧطر اﻹﺳﻼﻣﻲ" .وﻋﻠﻰ ﻫذا ﻧﻘول
:إن ﻫذا اﻟوﺻف ﻻ ﯾﻌﺗد ﺑﻪ طﺎﻟﻣﺎ أﻧﻪ وﺻف ﻣن ﻋدو ،وﻣﺗﻰ أﻧﺻف اﻟﻌدو ﻋدوﻩ ﻣن
301
ﻧﻔﺳﻪ ؟ .ﺛم إن اﻟﻣﺗﺗﺑﻊ ﻟﻺﻋﻼم اﻟﻐرﺑﻲ ﻏﯾر اﻟﻣﻧﺻف واﻟذي اﺑﺗﻛر ﻫذﻩ اﻷﻟﻘﺎب
وأﻟﺻﻘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .واﻟﻣﺗﺗﺑﻊ أﯾﺿﺎً ﻟﻠﻣﻔﻛرﯾن واﻟﻛﺗﺎب ورﺟﺎل اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻐرﺑﯾﯾن ﺧﺎﺻﺔ
وﻷﻗواﻟﻬم ﯾﺟد أﻧﻬم ﯾطﻠﻘون ﻫذا اﻟوﺻف ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾداﻓﻌون ﻋن دﯾﻧﻬم ،
وﻣﻘدﺳﺎﺗﻬم اﻟﻣﻐﺗﺻﺑﺔ ،وأراﺿﯾﻬم اﻟﻣﺳﻠوﺑﺔ ،وﺣﻘوﻗﻬم اﻟﻣﻧﻬوﺑﺔ ،وأﻋراﺿﻬم
اﻟﻣﻧﺗﻬﻛﺔ ،وﻛراﻣﺗﻬم اﻟﻣﻬدرة .وﻫذا ﻣﺎ ﻗﯾل ﻋﻣﺎ ﺣدث ﻓﻲ أﻓﻐﺎﻧﺳﺗﺎن ﺣﯾن داﻓﻊ
اﻷﻓﻐﺎن وﺳﺎﻧدﻫم إﺧواﻧﻬم اﻟﻣﺳﻠﻣون اﻟﻐﯾورون ﻋﻠﻰ دﯾﻧﻬم ﺣﯾن وﻗﻔوا ﺟﻣﯾﻌﺎً ﺻﻔﺎً
واﺣداً ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﺷﯾوﻋﯾﺔ اﻟﻠﻌﯾﻧﺔ اﻟﺗﻲ دﺧﻠت أرض أﻓﻐﺎﻧﺳﺗﺎن ﻣﺗﺟﺎوزة وﻣﺗﻧﺎﺳﯾﺔ ﺑذﻟك
ﻛل اﻟﻘواﻧﯾن واﻷﻋراف اﻟدوﻟﯾﺔ .وﻋﺎﺛت ﻓﻲ أﻓﻐﺎﻧﺳﺗﺎن ﺳﻠﺑﺎً وﻧﻬﺑﺎً وﻗﺗﻼ وﺗﺷرﯾدا
302
وأﻣﺎ ﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﻪ اﻟﯾﻬود ﻓﻲ دﯾر ﯾﺎﺳﯾن ،و ﺻﺑ ار وﺷﺎﺗﯾﻼ ،واﻟﺣرم اﻹﺑراﻫﯾﻣﻲ وﻏﯾرﻫﺎ
ﻣن اﻟﻣﺟﺎزر اﻟﺑﺷﻌﺔ اﻟﺗﻲ ارﺗﻛﺑت ﻓﻲ ﺣق اﻟﺷﻌب اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﻲ ،ﻓﻠم ﺗﻛن ﻓﻲ ﻧظر اﻟﻐرب
ٕواﻋﻼﻣﻪ إرﻫﺎﺑﺎً ،وﻻ ﻋﻧﻔﺎً ٕ ،واﻧﻣﺎ ﻛﺎن دﻓﺎﻋﺎً .وﻟﻌل أﻛﺑر ﻣﺛﺎل ﻓﻲ ﻋﺻرﻧﺎ ﻫذا
اﻻﻓﺗراءات ﺣول اﻟﺣرب اﻟﺑوﺳﻧﯾﺔ واﻟﺗﻲ ﺷﻬد اﻟﻌﺎﻟم ﺑﺄﺳرﻩ ﻣﺎ ﯾﺟري ﻓﯾﻬﺎ .وﻗﺎﻣت
اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ ﺑﻣﺣﺎﻛﻣﺔ ﻣﺟرﻣﻲ اﻟﺣرب ﻓﯾﻬﺎ .ﻓﻬل وﺟد اﻟﻐرب ﻣﺟرﻣﺎً واﺣداً ﻣن
ﻣﺟرﻣﻲ اﻟﺣرب ﯾﻧﺗﺳب ﻟﻺﺳﻼم ؟ ،أم ﻛﺎن اﻟﻣﺟرﻣون اﻟﺣﻘﯾﻘﯾون إﻣﺎ ﻣن اﻟﺻرب أو
اﻟﻛروات؟ وﻫل ﻛﺎن اﻹرﻫﺎب واﻟﺗطرف ﻓﻲ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن واﻹﺳﻼم أم ﻓﻲ ﻏﯾرﻫم؟
وﻛذا ﻣﺎ ﯾﺟري ﻓﻲ أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﻣن اﻋﺗداء ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﯾﻬﺎ ﻣﻊ أﻧﻬم ﻗد اﻋﺗﺑرﺗﻬم -
اﻟدوﻟﺔ ﻣواطﻧﯾن ﻓﯾﻬﺎ ،وأﻋطﺗﻬم اﻟﺟﻧﺳﯾﺔ اﻷﻟﻣﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﻬل اﻟذﯾن ﯾﻣﺎرﺳون ﻋﺑﺎداﺗﻬم
ﺑﺄﻣن وﺳﻼم ﻣﺗطرﻓون أم اﻟذﯾن ﯾﻘﺗﻠون وﯾﻔﺟرون اﻟﻣﻧﺎزل ﻋﻠﻰ أﺻﺣﺎﺑﻬﺎ ؟
وﻛذا ﻣﺎ ﯾﺟري ﻓﻲ ﻓرﻧﺳﺎ ﻣن ﻣﻧﻊ اﻟﻣرأة اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ ﻣن وﺿﻊ اﻟﺣﺟﺎب ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ -
.ﻫل اﻟﺗطرف واﻹرﻫﺎب ﻓﻲ اﻟﺣﺟﺎب أم ﻓﻲ ﻣﻧﻊ اﻟﺣﺟﺎب؟ وﻫو ﻣن اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻔردﯾﺔ
اﻟﺧﺎﺻﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﺟوز اﻟﺗﻌرض ﻟﻬﺎ ﻷن اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺣرﯾﺔ ،ﻓﺄي اﻟﻔرﯾﻘﯾن أﺣق
ﺑﺎﺳم اﻟﺗطرف واﻹرﻫﺎب؟
إن ﺣوادث ﻛﺛﯾرة ﺗﺟري ﻓﻲ ﻣﻌظم أﻧﺣﺎء اﻟﻌﺎﻟم ﯾﺿطﻬد ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻔرد اﻟﻣﺳﻠم ،واﻷﺳرة
اﻟﻣﺳﻠﻣﺔ واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠم ،وﯾﻣﻧﻊ ﻣن ﻣﻣﺎرﺳﺔ ﺣرﯾﺗﻪ اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺟب أن
ﺗﺣﺗرﻣﻬﺎ ﻛل اﻟﻘواﻧﯾن ،وﻣﻊ ذﻟك ﺗﻘوم وﺳﺎﺋل اﻹﻋﻼم اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ ﻟﺗدﻋﻲ أن اﻟﻣﺳﻠم
إرﻫﺎﺑﻲ وﻣﺗطرف؛؛؛
ﻫذا ﻫو اﻟﻣﻧطق اﻷﻋوج اﻷﻫوج ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ اﻟﯾوم اﻟذي ﯾﻧﺗﻛس وﯾﺗردى ﻓﻲ ﺣﻣﺄة
اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ ،وﯾﺋن ﺗﺣت وطﺄة اﻷﻧظﻣﺔ ،واﻟﻘواﻧﯾن ،واﻟدﺳﺎﺗﯾر اﻟوﺿﻌﯾﺔ اﻟﺟﺎﺋرة ﺟزاء
303
ض
َﻋ َر َ
إﻋراﺿﻪ ﻋن ﺻراط اﷲ اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم ،وﻣﻧﻬﺟﻪ اﻟﻘوﯾم .وﺻدق اﷲ اﻟﻘﺎﺋل " و َ◌ َﻣ ْن أ ْ
ﺎﻣ ِﺔ أ ْ
َﻋ َﻣﻰ " . ِ
ﺷ ُرﻩُ َﯾ ْوَم ا ْﻟﻘ َﯾ َ
ﺿﻧ ًﻛﺎ َوَﻧ ْﺣ ُ َﻋ ْن ِذ ْﻛ ِري ﻓَِﺈ ﱠن ﻟَ ُﻪ َﻣ ِﻌﯾ َ
ﺷ ًﺔ َ
واﻟﺣق أن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣطﺎﻟﺑون ﺑﺄن ﯾﻛوﻧوا أﻗوﯾﺎء .وأن ﯾﻌدوا اﻟﻌدة اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺗﻛون أﻣﺔ
اﻹﺳﻼم ﻫﻲ اﻟﻌﻠﯾﺎ ﻓﻲ اﻷرض اﻟﺗﻲ ﺗرﻫﺑﻬﺎ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻘوى اﻟﺑﺎطﻠﺔ .واﻟﺗﻲ ﺗﺗﺳﺎﻣﻊ ﺑﻬﺎ
اﻟﻘوى اﻷﺧرى ﻓﺗﻬﺎﺑﻬﺎ وﺗرﻫﺑﻬﺎ ﻓﻼ ﺗﺗﻌرض ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن وﻻ ﻟﻌﻘﯾدﺗﻬم ﺑﺄذى أو ﻛﯾد ،وﻻ
ﺗﻔﻛر ﻣﺟرد اﻟﺗﻔﻛﯾر ﻓﻲ ﻣﻬﺎﺟﻣﺔ دار اﻹﺳﻼم ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻌﻠم أن ﻓﯾﻬﺎ ﻗوة ﻣرﻫوﺑﺔ ﺗﻘﻣﻊ
رؤوس اﻟطﺎﻣﻌﯾن ،وﺗﺻﻔﻊ وﺟوﻩ اﻟﻣﺗطﻠﻌﯾن ﻟﻬﺎ ﺑﺄذى أو ﻛﯾد .ﯾﻘول اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ
ون ِﺑ ِﻪ َﻋ ْد ﱠو اﻟﻠّ ِﻪ َﻋ ﱡدواْ ﻟَﻬم ﱠﻣﺎ اﺳﺗَطَﻌﺗُم ﱢﻣن ﻗُﱠوٍة و ِﻣن ﱢرﺑ ِ
ﺎط ا ْﻟ َﺧ ْﯾ ِل ﺗُْرِﻫ ُﺑ َ َ َ ْ ْ ُ
ﻛﺗﺎﺑﻪ " :وأ ِ
َ
ﯾن ِﻣن ُدوِﻧ ِﻬ ْم ﻻَ ﺗَ ْﻌ َﻠ ُﻣوَﻧ ُﻬ ُم اﻟﻠّ ُﻪ َﯾ ْﻌ َﻠ ُﻣ ُﻬ ْم. " ...
َو َﻋ ُد ﱠو ُﻛ ْم َوآ َﺧ ِر َ
ﯾﻘول ﺳﯾد ﻗطب رﺣﻣﻪ اﷲ ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾر ﻫذﻩ اﻵﯾﺔ " :إﻧﻪ ﻻﺑد ﻟﻺﺳﻼم ﻣن ﻗوة ﯾﻧطﻠق
ﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻷرض ﻟﺗﺣرﯾر اﻹﻧﺳﺎن .وأول ﻣﺎ ﺗﺳﺗﺧدم ﻫذﻩ اﻟﻘوة ﻓﻲ ﺣﻘل اﻟدﻋوة :أن
ﺗؤﻣن اﻟذﯾن ﯾﺧﺗﺎرون ﻫذﻩ اﻟﻌﻘﯾدة ﻋﻠﻰ ﺣرﯾﺗﻬم ﻓﻲ اﺧﺗﯾﺎرﻫﺎ ﻓﻼ ﯾﺻدوا ﻋﻧﻬﺎ وﻻ ﯾﻔﺗﻧوا
ﻛذﻟك ﺑﻌد اﻋﺗﻧﺎﻗﻬﺎ .
واﻷﻣر اﻟﺛﺎﻧﻲ :أن ﺗرﻫب أﻋداء ﻫذا اﻟدﯾن ﻓﻼ ﯾﻔﻛروا ﻓﻲ اﻻﻋﺗداء ﻋﻠﻰ دار اﻹﺳﻼم
اﻟﺗﻲ ﺗﺣﻣﯾﻬﺎ ﺗﻠك اﻟﻘوة .
واﻷﻣر اﻟﺛﺎﻟث :أن ﯾﺑﻠﻎ اﻟرﻋب ﺑﻬؤﻻء اﻷﻋداء أن ﻻ ﯾﻔﻛروا ﻓﻲ اﻟوﻗوف ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﻣد
اﻹﺳﻼﻣﻲ وﻫو ﯾﻧطﻠق ﻟﺗﺣرﯾر اﻹﻧﺳﺎن ﻛﻠﻪ ﻓﻲ اﻷرض ﻛﻠﻬﺎ" .
إذا ...ﻓﻧﺣن ﻣطﺎﻟﺑون ﺑﺄن ﻧﻛون ﻣرﻫﺑﯾن ﻷﻋداء اﷲ اﻟذﯾن ﯾﺣﺎدون اﷲ ﻓﻲ أرﺿﻪ
وﻣﻠﻛﻪ وﺳﻠطﺎﻧﻪ ،وﯾﺣﺎدون رﺳوﻟﻪ ،وﯾﺣﺎرﺑون دﯾﻧﻪ وﺷرﻋﻪ اﻟﻘوﯾم ﻷن ﻣﺛل ﻫؤﻻء
ﯾﺟب أن ﯾﻌﯾﺷوا ﻓﻲ ذﻟﺔ وﺻﻐﺎر ،وﻓﻲ ﻣﻬﺎﻧﺔ واﺣﺗﻘﺎر .وﻫذﻩ ﻫﻲ ﺳﻧﺔ اﷲ اﻟﺣﻛﯾم ﻓﻲ
ﺷرﻋﻪ ﻻ ﺳﻧﺔ دارون اﻟذي ﯾﻘول " :إن ﻣن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻔطرة أﻧﻪ ﻻ ﯾﺳﺗﺣق اﻟﺑﻘﺎء ﻓﻲ
304
ﻧظرﻫﺎ إﻻ ﻣن أﺛﺑت ﻗوﺗﻪ ،وﻛل ﻣن ﯾﻔﻧﻰ ﻓﺈﻧﻣﺎ ﯾﻔﻧﻰ ﻷﻧﻪ ﺿﻌﯾف ﯾﺳﺗﺣق اﻟﻔﻧﺎء وﻣن
ﺑﻘﻰ ﻓﺈﻧﻣﺎ ﯾﺑﻘﻰ ﻷﻧﻪ ﻗوي ﯾﺳﺗﺣق اﻟﺑﻘﺎء .ﻓﺎﻷرض وﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ ،ووﺳﺎﺋل اﻟﺣﯾﺎة ﺑﻬﺎ ﻻ
ﯾﺳﺗﺣﻘﻬﺎ إﻻ اﻟﻘوي اﻟذي ﯾﺛﺑت أﻫﻠﯾﺗﻪ ﻟﻠﺑﻘﺎء واﻟﺣﯾﺎة ،وﻻ ﺣق ﻟﻠﺿﻌﯾف ﻓﻲ ﻫذﻩ
اﻷﺷﯾﺎء وﻋﻠﯾﻪ أن ﯾﺧﻠﻲ اﻟﻣﻛﺎن ﻟﻠﻘوي ،واﻟﻘوي ﻋﻠﻰ اﻟﺣق ﺗﻣﺎﻣﺎً إذا أﺧذ ﻣﻛﺎن
اﻟﺿﻌﯾف ﺑﻌد إزاﺣﺗﻪ ﻋﻧﻪ أو ﻗﺿﺎﺋﻪ ﻋﻠﯾﻪ " .أي ﻓطرة ﯾﺗﻛﻠم ﻋﻧﻬﺎ ﻫذا ؟ .ﻫل ﻫﻲ
اﻟﻔطرة اﻟﺗﻲ ﻓطر اﷲ اﻟﻧﺎس ﻋﻠﯾﻬﺎ ؟ .إﻧﻬﺎ ﻟﯾﺳت ﻛذﻟك .وأي ﻣﻧطق ﯾﺗﺣدث ﺑﻪ ﻫذا ؟
.إﻧﻪ ﻣﻧطق اﻟﺣﯾواﻧﺎت أو اﻟوﺣوش اﻟﻛﺎﺳرة ﻓﻲ ﻣﻣﻠﻛﺔ اﺳﻣﻬﺎ اﻟﻐﺎﺑﺔ وﺷرﯾﻌﺗﻬﺎ ﻛﻣﺎ
ذﻛر دارون ﻓﻲ ﻣﻧطﻘﺔ اﻷﻋوج ﻫذا.
أﻣﺎ ﺣﯾﻧﻣﺎ ﻧﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻧﺣن ﻣطﺎﻟﺑون ﺑﺄن ﻧﻛون أذﻟﺔ ﻟﻬم .ﻧﺗواﺿﻊ ﻟﻬم ،
وﻧﺷﻔق ﻋﻠﯾﻬم ،وﻧﻘدم ﻟﻬم اﻟﺧﯾر واﻟﻧﺻﺢ .وﻫﻛذا ﻛﺎن ﺳﻠﻔﻧﺎ اﻟﺻﺎﻟﺢ .ﻛﺎﻧوا أﺷداء
ﻋﻠﻰ اﻟﻛﻔﺎر رﺣﻣﺎء ﺑﯾﻧﻬم .وﻛﺎﻧوا " أذﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣؤﻣﻧﯾن أﻋزة ﻋﻠﻰ اﻟﻛﺎﻓرﯾن" .
أﻣﺎ اﻟﺷق اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن اﻟﺳؤال وﻫو :ﻫل ﯾطﻠق ﻫذا اﻟوﺻف ﻋﻠﻰ ﻛل اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن ؟ .
ﻓﻧﻘول :إﻧﻪ ﻋﻧد اﻟﺗﺄﻣل واﻟﻧظر ﻧﺟد أن ﻫذا اﻟوﺻف وﻏﯾرﻩ ﻻﯾطﻠق ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب إﻻ ﻋﻠﻰ
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟﻐﯾورﯾن ﻋﻠﻰ دﯾﻧﻬم ،واﻟﻣﺗﻣﺳﻛﯾن ﺑﻛﺗﺎب رﺑﻬم ،واﻟﻣﺗﺑﻌﯾن ﻟﻬدى ﻧﺑﯾﻬم
ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .اﻟذﯾن ﯾطﺎﻟﺑون ﺑﺗﺣﻛﯾم ﻛﺗﺎب اﷲ ،وﺳﻧﺔ رﺳوﻟﻪ ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،واﻟذﯾن ﯾرﻓﺿون اﻟوﻻء ﻟﻐﯾر اﷲ وﻛﺗﺎﺑﻪ ورﺳوﻟﻪ ،واﻟذﯾن ﯾﺣﺎرﺑون
اﻟﺗﺑﻌﯾﺔ ﻷﻋداء اﷲ ،وﯾﺣﺎرﺑون اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر ﻓﻲ ﺷﺗﻰ ﺻورﻩ وأﺷﻛﺎﻟﻪ ،وﯾدﻋون
اﻟﻣﺳﻠﻣون إﻟﻰ اﻟوﺣدة ٕ ،واﻟﻰ اﻟﻌودة إﻟﻰ ﻛﺗﺎب اﷲ وﺳﻧﺔ رﺳوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
،وﯾﺑذﻟون ﻣﺎ ﻓﻲ وﺳﻌﻬم ﻟﺗﺣﻘﯾق ﻫذﻩ اﻟﻐﺎﯾﺔ وﺗﺟﺳﯾدﻫﺎ ﻓﻲ واﻗﻊ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .ﻫذا
اﻟﺻﻧف ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن واﻟﻣﺗﺻف ﺑﻬذ اﻟﺻﻔﺎت ﻫم اﻹرﻫﺎﺑﯾون ،واﻷﺻوﻟﯾون ،
واﻟﻣﺗزﻣﺗون واﻟﻣﺗﺷددون ،ﻷﻧﻬم ﻟم ﯾرﺿﺧوا ﻟﻸﻋداء وﻣطﺎﻟﺑﻬم ،ﺑل وﻗﻔوا ﺳداً ﻣﻧﯾﻌﺎً
305
ﻓﻲ وﺟﻪ طﻣوﺣﺎﺗﻬم وأﻣﺎﻧﯾﻬم وأﺣﻼﻣﻬم ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،وﻟم ﯾرﺿوا أن ﺗﻛون ﺑﻼد
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﺧﯾراﺗﻬﺎ ﻟﻘﻣﺔ ﺳﺎﺋﻐﺔ ﯾﺳﻬل ﻋﻠﯾﻬم أﻛﻠﻬﺎ ،ﺑل ﺟﻌﻠوﻫﺎ ﻋﻠﯾﻬم ﻏﺻﺻﺎ .أﻣﺎ
ﻣن ﻗدس اﻟﻐرب ،وﻓﻛرﻩ ،وﺣﺿﺎرﺗﻪ ،ووﺿﻊ اﻟطوق ﻓﻲ ﻋﻧﻘﻪ ،وﺳﻠم ﻗﯾﺎدﻩ ﻟﻠﻐرب ،
وﺳﺎر ﻓﻲ رﻛﺎﺑﻪ ،واﺗﺧذﻩ وﻟﯾﺎً ﻣن دون اﷲ واﻟﻣؤﻣﻧﯾن ،وﺗﻧﻛر ﻟدﯾن اﷲ وﻛﺗﺎﺑﻪ
ورﺳوﻟﻪ واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،ﻣن ﻓﻌل ﻫذا ﻣﻣن ﯾﺳﻣون ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﯾن -وﻫم ﻛﺛﯾر واﷲ
اﻟﻣﺳﺗﻌﺎن -ﻓﻬو ﻓﻲ ﻧظر اﻟﻐرب ﻣﻌﺗدل وﻣﺎ ﻋداﻩ ﻓﻬو إرﻫﺎﺑﻲ .
وأﻣﺎ ﻣﺎ ﯾﻔﻌﻠﻪ ﺑﻌض اﻷﻓراد ﻓﻲ ﺑﻌض ﻧواﺣﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻣن اﻻﻋﺗداء ﻋﻠﻰ ﺑﻌض اﻟﻧﺎس
واﻷﺑرﯾﺎء راﻓﻌﯾن راﯾﺔ اﻟﺟﻬﺎد ،ﻓﻬذا -ﺑﺎﻟرﻏم ﻣن أن ﻛﺛﯾ ارً ﻣن ﻫذﻩ اﻷﻓﻌﺎل ﺗﻘوم ﺑﻬﺎ
ﺟﻬﺎت ﻏﯾر إﺳﻼﻣﯾﺔ ﺗﻧﺳب إﻟﻰ اﻹﺳﻼم واﻟﻣﺳﻠﻣﯾن -ﺑﺎﻟرﻏم ﻣن ذﻟك ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﻘول إن
اﻟﺟﻬﺎد ﻟﻪ أﺣﻛﺎﻣﻪ ،وﻟﻪ أدﻟﺗﻪ ،وﻟﻪ أﺻوﻟﻪ وﺷروطﻪ ﻋﻧد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﻌﻠم ﻣن
أﺳﺎﺳﯾﺎت اﻹﺳﻼم وﺛواﺑﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺟﻬﺎد أن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻧﻬﻰ ﻋن ﻗﺗل
اﻟﻧﺳﺎء واﻟﺻﺑﯾﺎن .وﻧﻬﻰ أﯾﺿﺎ ﻋن ﻗﺗل اﻟﻣﻌﺎﻫد ﻓﻘﺎل " :ﻣن ﻗﺗل ﻣﻌﺎﻫداً ﻟم ﯾرح
راﺋﺣﺔ اﻟﺟﻧﺔ ٕوان رﯾﺣﻬﺎ ﯾوﺟد ﻣن ﻣﺳﯾرة أرﺑﻌﯾن ﻋﺎﻣﺎ " .إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻷﺣﻛﺎم
اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﻛﺗﺎب اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺳﻧﺔ ﻧﺑﯾﻪ اﻟﻣﺻطﻔﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻓﺄﯾن ﻣﺎ
ﯾﺣدث ﻣن ﺗﻌﻣد اﻟﻘﺗل ،واﻟﺗﺷرﯾد ،وﺗدﻣﯾر اﻟﻣدن واﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ٕ ،واﻫﻼك اﻟﺣرث واﻟﻧﺳل
ﻣن ﻫذا ؟ .ﻓﺈذا وﺟد ﻣن ﯾﺧﺎﻟف ﻫذﻩ اﻷﺣﻛﺎم ،وﻻ ﯾﺗﺄدب ﺑﺂداب اﻹﺳﻼم ،ﻓﻠﯾس ذﻧﺑﻪ
أﻧﻪ ﻣﺳﻠم ٕ ،واﻧﻣﺎ ذﻧﺑﻪ أﻧﻪ ﻣﺧﺎﻟف ﻟدﯾن اﻹﺳﻼم .وذﻟك ﻣﺛل ﻣن ﯾﻔﻌل اﻟﻌظﺎﺋم ﻣن
اﻷﻣور ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻐرب ﻓﻬل ﯾﻘﺎل إن اﻟﻧﺻراﻧﯾﺔ دﻓﻌﺗﻪ ﻟذﻟك أم ﯾﻧﺳب اﻟﻔﻌل إﻟﯾﻪ ﺑﺎﻟذات؟
.
306
س : 198ﻟﻣﺎذا ﺗزوج اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺄﻛﺛر ﻣن أرﺑﻊ ،وﺣدد
ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن أرﺑﻌﺎً ﻓﻘط ؟ .
ج : 198ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺳؤال ﺷﻲء ﻣن اﻟﻣﻐﺎﻟطﺔ وﻫوﻗول اﻟﺳﺎﺋل :وﺣدد ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن أرﺑﻌﺎً
ﻓﻘط ؟ .ﻓﻛﻣﺎ ﻧﻌﻠم وﯾﻌﻠم ﻛل ﻣﺳﻠم أن ﻣﺣﻣداً ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم رﺳول ﯾﺑﻠﻎ ﻣﺎ
أًرﺳل ﺑﻪ .ﻓﻬو ﻻ ﯾﺣدد وﻻ ﯾﺟﯾز ﻣن ﻧﻔﺳﻪ .واﷲ ﺟل ﺟﻼﻟﻪ ﺑﯾن إﺑﺎﺣﺔ اﻟزواج ﺑﺄﻛﺛر
ﻣن واﺣدة ﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﻌزﯾز ﺣﯾث ﻗﺎلٕ َ " :وِا ْن ِﺧ ْﻔﺗُ ْم أﱠَﻻ ﺗُ ْﻘ ِﺳطُوا ِﻓﻲ
ﺳﺎء َﻣﺛْ َﻧﻰ َوﺛَُﻼث َو ُرَﺑﺎع ﻓَِﺈ ْن ِﺧ ْﻔﺗُ ْم أﱠَﻻ ﺗَ ْﻌ ِدﻟُوا ِ
ﺎب ﻟَ ُﻛ ْم ﻣ ْن اﻟ ﱢﻧ َ
ِ
ﺎﻣﻰ ﻓَﺎ ْﻧﻛ ُﺣوا َﻣﺎ طَ َ ا ْﻟ َﯾﺗَ َ
ﻓَو ِ
اﺣ َدة أ َْو َﻣﺎ َﻣﻠَ َﻛ ْت أ َْﯾ َﻣﺎﻧ ُﻛ ْم " . َ
ﱡﻬﺎ
وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻘد ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﻌزﯾزَ " :ﯾﺎ أَﯾ َ
ﺎء اﻟﻠﱠ ُﻪ َﻋﻠَ ْﯾ َك ِ ِ َﺣﻠَ ْﻠ َﻧﺎ ﻟَ َك أ َْزواﺟ َك ﱠ ِ اﻟ ﱠﻧ ِﺑ ﱡﻲ إِ ﱠﻧﺎ أ ْ
ورُﻫ ﱠن َو َﻣﺎ َﻣﻠَ َﻛ ْت َﯾﻣﯾ ُﻧ َك ﻣ ﱠﻣﺎ أَﻓَ َ ُﺟ َاﻟﻼ ﺗﻲ آﺗَ ْﯾ َت أ ُ َ َ
اﻣ َأرَةً ﺎت َﺧ َﺎﻻ ِﺗ َك ﱠ ِ ﺎت َﺧﺎﻟِ َك وﺑ َﻧ ِ ﺎت ﻋ ﱠﻣ ِﺎﺗ َك وﺑ َﻧ ِ ﺎت ﻋ ﱢﻣ َك وﺑ َﻧ ِ وﺑ َﻧ ِ
ﺎﺟ ْر َن َﻣ َﻌ َك َو ْ اﻟﻼ ﺗﻲ َﻫ َ ََ ََ َ ََ َ ََ
ﺻ ًﺔ ﻟَ َك ِﻣ ْن ُد ِ
ون ِ
ﺳﺗَ ْﻧﻛ َﺣ َﻬﺎ َﺧﺎﻟ َ
َن ﯾ ِ
اد اﻟ ﱠﻧ ِﺑ ﱡﻲ أ ْ َ ْ ﺳ َﻬﺎ ِﻟﻠ ﱠﻧ ِﺑ ﱢﻲ إِ ْن أ ََر َُﻣ ْؤ ِﻣ َﻧ ًﺔ إِ ْن َو َﻫ َﺑ ْت َﻧ ْﻔ َ
ون َﻋﻠَ ْﯾ َكﺿ َﻧﺎ َﻋﻠَ ْﯾ ِﻬ ْم ِﻓﻲ أ َْزَوا ِﺟ ِﻬ ْم َو َﻣﺎ َﻣﻠَ َﻛ ْت أ َْﯾ َﻣﺎ ُﻧ ُﻬ ْم ﻟِ َﻛ ْﯾ َﻼ َﯾ ُﻛ َ ﯾن ﻗَ ْد َﻋﻠِ ْﻣ َﻧﺎ َﻣﺎ ﻓَ َر ْ ا ْﻟ ُﻣ ْؤ ِﻣ ِﻧ َ
ﺎء َو َﻣ ِنﺷ ُ ﺎء ِﻣ ْﻧ ُﻬ ﱠن َوﺗُ ْؤ ِوي إِﻟَ ْﯾ َك َﻣ ْن ﺗَ َ ﺷ ُ ﯾﻣﺎ * ﺗُْر ِﺟﻲ َﻣ ْن ﺗَ َ ﺎن اﻟﻠﱠ ُﻪ َﻏﻔُ ا ِ
ور َرﺣ ً ً َﺣ َر ٌج َو َﻛ َ
ٰ
ﺿ ْﯾ َن ِﺑ َﻣﺎَﻋ ُﯾ ُﻧ ُﻬ ﱠن َوَﻻ َﯾ ْﺣ َز ﱠن َوَﯾ ْر َ َن ﺗَﻘَﱠر أ ْ ﺎح َﻋﻠَ ْﯾ َك َذﻟِ َك أ َْد َﻧ ٰﻰ أ ْ ِ
ْاﺑﺗَ َﻐ ْﯾ َت ﻣ ﱠﻣ ْن َﻋ َزْﻟ َت ﻓَ َﻼ ُﺟ َﻧ َ
ﯾﻣﺎ " .ِ آﺗَ ْﯾﺗَﻬ ﱠن ُﻛﻠﱡﻬ ﱠن واﻟﻠﱠ ُﻪ ﯾﻌﻠَم ﻣﺎ ِﻓﻲ ﻗُﻠُوِﺑ ُﻛم و َﻛ َ ﱠ ِ
ﯾﻣﺎ َﺣﻠ ً
ﺎن اﻟﻠ ُﻪ َﻋﻠ ً ْ َ َْ ُ َ ُ َ ُ
أﻧظر إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻵﯾﺎت اﻟﻛرﯾﻣﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺑﯾن أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻫو اﻟذي أﺣل ﻟﻪ أن ﯾﺗزوج
ﻣن أزواﺟﻪ اﻟﻼﺗﻲ أﻋطﺎﻫن اﻟﻣﻬور .ﻓﺎﷲ ﻫو اﻟذي ﺗوﻟﻰ ﺑﯾﺎن ذﻟك إﺳﻛﺎﺗﺎً ﻟﻛل ﻣن
ﯾﺗﻛﻠم ﻋن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻓﻛﺄن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﻘول :ﻧﺣن زوﺟﻧﺎك
307
ﻫؤﻻء اﻟﻧﺳوة .وﻫذا ﻫو اﻷﺻل أن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟذي أرﺳﻠﻪ اﷲ
إﻟﻰ ﺧﻠﻘﻪ ﯾﺳﯾر ﻓﻲ رﻋﺎﯾﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﻓﻲ ﻛﻧﻔﻪ ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ ،وﻫو ﻓﻲ ﻋﻧﺎﯾﺔ اﷲ ﻓﻲ
ﺷؤوﻧﻪ ﻛﻠﻬﺎ وﻣﻧﻬﺎ اﻟزواج .
وﻧرى أﯾﺿﺎ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻵﯾﺎت اﻟﻛرﯾﻣﺎت أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣظر ﻋﻠﯾﻪ أن ﯾﺗزوج ﺑﻌد ﻫؤﻻء
اﻟﻧﺳوة اﻟﻼﺗﻲ ﺗزوﺟن " ﻻ ﯾﺣل ﻟك اﻟﻧﺳﺎء ﻣن ﺑﻌد " .ﻓﻬؤﻻء ﻫم أزواﺟك ﻓﻘط ﻓﻼ
ﯾﺟوز أن ﺗﺗزوج ﻏﯾرﻫن .ﻓﺎﻹﺣﻼل واﻟﺗﺣرﯾم ،واﻟﺟواز واﻟﻣﻧﻊ ﻫو ﻣن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ ﻣن
رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
إن اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن ﻋدة زوﺟﺎت ﻛﺎن ﻋﺎدة ﺷﺎﺋﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ واﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻗﺑل اﻹﺳﻼم
ﺑل ﻛﺎن أﻣ ارً ﻣﺄﻟوﻓﺎً ﻋﻧد اﻷﻧﺑﯾﺎء اﻟﺳﺎﺑﻘﯾن وأﺗﺑﺎﻋﻬم .ﻓﻘد ﺗزوج ﻧﺑﻲ اﷲ داود ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺳﻼم وﻫو ﻣن أﻧﺑﯾﺎء ﺑﻧﻲ إﺳراﺋﯾل ﻣﺎﺋﺔ زوﺟﻪ .وﺗزوج ﺳﻠﯾﻣﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أﻛﺛر ﻣن
ذﻟك .
أﻣﺎ ﻟﻣﺎذا ﺗزوج رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻛﺛﯾ ارً ﻣن اﻟﻧﺳﺎء وﺣدد أرﺑﻌﺎً ﻓﻘد ﻛﺎن
ذﻟك ﺧﺻوﺻﯾﺔ ﻣن ﺧﺻوﺻﯾﺎﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم وﻫﻲ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﻻ ﯾﺟوز ﻷﺣد ﻣن أﻣﺗﻪ أن ﯾﻘﺗدي ﺑﻪ ﻓﻲ ذﻟك ﻛﻣﺎ ﻫو اﻟﺣﺎل ﻓﻲ ﺧﺻوﺻﯾﺎﺗﻪ
اﻷﺧرى ﻣﺛل وﺻﺎﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟﺻوم .وﻟﻣﺎ واﺻل أﺻﺣﺎﺑﻪ ﻧﻬﺎﻫم وﻗﺎل
ﻟﻬم " :إﻧﻲ ﻟﺳت ﻣﺛﻠﻛم ،إﻧﻲ أﺑﯾت ﯾطﻌﻣﻧﻲ رﺑﻲ وﯾﺳﻘﯾﻧﻲ " .وﻣﺛل ﺣرﻣﺔ ﻧﻛﺎح
ﻧﺳﺎﺋﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻌد وﻓﺎﺗﻪ ﻷﻧﻬن أﻣﻬﺎت اﻟﻣؤﻣﻧﯾن .وﻣﺛل أﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻻ ﯾﺣل ﻟﻪ أن ﯾﺗزوج ﻋﻠﻰ ﻧﺳﺎﺋﻪ اﻟﺗﺳﻊ أو ﯾطﻠق واﺣدﻩ ﻣﻧﻬن .إﻟﻰ ﻏﯾر
ذﻟك ﻣن ﺧﺻوﺻﯾﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .وﻋﻧد دراﺳﺔ ﺳﯾرﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
308
ﻧﺟد أﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻟم ﯾدﺧل ﺑﺄﻛﺛر ﻣن واﺣدة إﻻ ﺑﻌد أن ﻫﺎﺟر إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ
وﺑﻌد أن ﺟﺎوز اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ واﻟﺧﻣﺳﯾن ﻣن ﻋﻣرﻩ اﻟﻣﺑﺎرك ،وﻫﻲ ﺳن ﻻ ﯾﻛﺛر ﻓﯾﻬﺎ أﺣد ﻣن
اﻟﻧﺳﺎء ﻟﻣﺟرد اﻟﺷﻬوة ٕواﺷﺑﺎع ﻏرﯾزة اﻟﺟﻧس ،وﻛﺎن ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻧﺳﺎء اﻟﻼﺗﻲ ﺗزوﺟﻬن
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺛﯾﺑﺎت إﻻ ﻋﺎﺋﺷﺔ .وﻛن أﯾﺎﻣﻰ وﻋﺟﺎﺋز ﻓﻘﯾرات ﻟم
ﯾﺗزوﺟﻬن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻻ ﻷﻏراض إﺻﻼﺣﯾﺔ وﺗﺷرﯾﻌﯾﺔ ﻧذﻛر ﻣﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل
اﻟﻣﺛﺎل ﻻ اﻟﺣﺻر:
309
اﻟﻣﻬﻣﺔ ،ﺣﯾن ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﺧﺎطﺑﺎً أﻣﻬﺎت اﻟﻣؤﻣﻧﯾن " :واذﻛرن ﻣﺎ ﯾﺗﻠﻰ ﻓﻲ ﺑﯾوﺗﻛن ﻣن
آﯾﺎت اﷲ واﻟﺣﻛﻣﺔ إن اﷲ ﻛﺎن ﻟطﯾﻔﺎً ﺧﺑﯾ ارً ".
-2إﻛﻣﺎل اﻟﺗﺷرﯾﻊ :
ﻓﻘد ﺗزوج اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻌدة ﻧﺳﺎء ﻷﻏراض ﺗﺷرﯾﻌﯾﺔ ﻣﺛل إﺑطﺎل ﻋﺎدة
اﻟﺗﺑﻧﻲ ،وﻣﺛل اﻹﺳﻬﺎم ﻓﻲ رواﯾﺔ اﻟﺳﻧﺔ واﻟﺗﻲ ﻫﻲ اﻟﻣﺻدر اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن ﻣﺻﺎدر اﻟﺗﺷرﯾﻊ
ﺑﻌد اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم .ﻓﻘد أﺳﻬم ﻧﺳﺎء اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ رواﯾﺔ وﻧﻘل ﻛل
ﻗول ﺳﻣﻌﻧﻪ أو ٍ
ﻓﻌل رأﯾﻧﻪ ﻣن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓوﺻل ﺑذﻟك ﻛﺛﯾر ﻣن ٍ
اﻟﺳﻧﺔ إﻟﻰ اﻷﻣﺔ .ﻓﻘد ذﻛر اﻟرواة أن ﻋدد اﻷﺣﺎدﯾث اﻟﺗﻲ رواﻫﺎ ﻧﺳﺎء اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺟﺎوزت ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﺣدﯾث .
-3ﺗﺣﻘﯾق اﻟﺗﻛﺎﻓل :
ﻓﻘد ﺗزوج ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻧﺳﺎء ﻛن ﻻ ﯾﺟدن ﻣن ﯾرﻋﺎﻫن ،وﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ﺷؤوﻧﻬن
ﺑﻌد ﻓﻘد أزواﺟﻬن ،ﻓﺗزوﺟﻬن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم رﺣﻣﺔ ﺑﻬن .وذﻟك أﻣﺛﺎل
ﻫﻧد اﻟﻣﺧزوﻣﯾﺔ أم ﺳﻠﻣﺔ ،ورﻣﻠﺔ ﺑﻧت أﺑﻲ ﺳﻔﯾﺎن وﻏﯾرﻫن ﻣن اﻟﻧﺳﺎء اﻟﻼﺗﻲ وردت
ﺳﯾرﺗﻬن ﻓﻲ ﻛﺗب اﻟﺳﯾرة ،واﻟﺗﻲ ﺗﺑﯾن ﻟﻧﺎ رﺣﻣﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺄﻣﺛﺎل ﻫؤﻻء
اﻟﻧﺳﺎء ،ورﻋﺎﯾﺗﻪ ﻟﻸﯾﺗﺎم ،وﻛﻔﺎﻟﺗﻪ ﻟﻸ راﻣل ،وﺗﻌزﯾﺗﻪ ﻟﻠﻣﺻﺎﺑﯾن.
-4إﻋطﺎء اﻟﻘدوة:
ﻓﺎﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻫو اﻷﺳوة اﻟﺣﺳﻧﺔ ،واﻟﻘدوة اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﺣﺳن ﻣﻌﺎﺷرﺗﻪ
ﻷزواﺟﻪ ،وﺗﺣﻘﯾق اﻟﻌدل ﺑﯾﻧﻬن ،واﺣﺗرام آراﺋﻬن ،وﻣﺳﺎﻋدﺗﻪ ﻟﻬن ﻓﻲ أﻋﻣﺎل اﻟﺑﯾت،
واﻟوﻓﺎء ﻟﻣن ﻣﺎت ﻣﻧﻬن .ﻓﻣن أراد اﻟﻘدوة اﻟﺣﺳﻧﺔ ،واﻟﻣﺛل اﻟﻛﺎﻣل ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟزوﺟﺎت
ﻓﻌﻠﯾﻪ ﺑﻬدي اﻟﻣﺻطﻔﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﻫذا ،وﻋﻠﯾﻪ ﺑﻣراﺟﻌﺔ ﻛﺗب اﻟﺳﯾرة اﻟﺗﻲ
310
ﺟﺳدت وﺻورت ﻟﻧﺎ ﺣﯾﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣﻊ ﻧﺳﺎﺋﻪ ﺣﺗﻰ ﻛﺄﻧﻧﺎ ﻧﻌﯾش ﻣﻌﻪ ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم وﻓﻲ ﺑﯾوﺗﻪ.
س :199ﻫل ﻫﻧﺎك ﺗﻌﺎرض ﻣﺎﺑﯾن اﻟﻘرآن وأﺣداث اﻟﺳﯾرة ،ﺣﯾث وﻋد اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﺣﻣداً
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﻧﺻر ،وﻟﻛﻧﻬم ﻫزﻣوا ﻓﻲ أﺣد ﻣﺛﻼً؟ ،ﻓﻛﯾف ﻧﻔﺳر
ذﻟك؟
ج : 199ﯾﻔﺳر ذﻟك ﻣن وﺟﻬﯾن :اﻟوﺟﻪ اﻷول :أن ﻫذا اﻟﻧﺻر اﻟذي وﻋد اﷲ ﺑﻪ
رﺳوﻟﻪ واﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻫو ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﺻراع ﺑﯾﻧﻬم وﺑﯾن أﻋداﺋﻬم .وﻫذا ﻣﺎ ﺣدث
ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻓﻘد ﻛﻠل اﷲ ﺟﻬﺎد رﺳوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﺻﺣﺎﺑﻪ اﻟذﯾن ﻧﺎﺻروﻩ وﺛﺑﺗوا
ﺣوﻟﻪ وﺻدﻗوا اﷲ ورﺳوﻟﻪ ﺑﻧﺻر ﻣﺑﯾن ،ﻓﻘد داﻧت ﻛل ﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب وﺧﺿﻌت ﻟدوﻟﺔ
اﻹﺳﻼم ،وظﻬر ذﻟك ﺟﻠﯾﺎً ﻓﻲ ﻋﺎم اﻟوﻓود وﻫو اﻟﻌﺎم اﻟﺗﺎﺳﻊ اﻟﻬﺟري ،ﺣﯾث ﺗﻘﺎطرت
إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻓود اﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟﻌرﺑﯾﺔ وﺑﺎﯾﻌت رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم
،وﺧﺿﻌت وأذﻋﻧت ﻟدوﻟﺔ اﻹﺳﻼم .وﻫذا ﻧﺻر رآﻩ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﺑﻌﯾﻧﯾﻪ وﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻪ .وﻗد ﺗﻧﺑﺄ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻷﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﺎﻧﺗﺻﺎرات ﻋظﯾﻣﺔ ﺗﺣﻘﻘت
ِ
ﺗﻣض ﺳﻧوات ﺑﻌد وﻓﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻻ وﻗد أﺧﺿﻊ ﺑﻌد وﻓﺎﺗﻪ ،ﻓﻠم
اﻟﻣﺳﻠﻣون إﻣﺑراطورﯾﺔ ﻓﺎرس وأﺟزاء ﻣن إﻣﺑراطورﯾﺔ روﻣﺎ ﻟدوﻟﺔ اﻹﺳﻼم وﺳﻠطﺎن
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .وﻫﻛذا ﯾﺗﺣﻘق وﻋد اﷲ ﺑﺎﻟﻧﺻر ﻟﻌﺑﺎدﻩ اﻟﻣؤﻣﻧﯾن .
وﻓﻲ اﻟطرﯾق ﻟﺑﻠوغ اﻟﻧﺻر اﻟﻧﻬﺎﺋﻲ ﺗﻌرض ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻫو وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﻵﻵم
َﺣ ِﺳ ْﺑﺗُ ْم وﺟراﺣﺎت وﺧﺳﺎﺋر ﻓﻲ اﻷﻣوال واﻷﻧﻔس ،وﻫذﻩ ﻫﻲ ﺳﻧﺔ اﷲ ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :أ َْم
َو ُزْﻟ ِزﻟُوا اء
ﱠر ُ ﺎء َواﻟﺿ ﱠ
ْﺳ ُ ﯾن َﺧﻠَ ْوا ِﻣن ﻗَ ْﺑﻠِ ُﻛم ﱠﻣ ﱠ
ﺳﺗْ ُﻬ ُم ا ْﻟ َﺑﺄ َ أَن ﺗَ ْد ُﺧﻠُوا ا ْﻟ َﺟ ﱠﻧ َﺔ َوﻟَ ﱠﻣﺎ َﯾﺄ ِْﺗ ُﻛم ﱠﻣﺛَ ُل اﻟﱠ ِذ َ
311
ِ ِ ﺳو ُل َواﻟﱠ ِذ َ
ﺻ َر اﻟﻠﱠﻪ ﻗَ ِر ٌ
ﯾب " .وﻫذﻩ ﺻ ُر اﻟﻠﱠﻪ أََﻻ إِ ﱠن َﻧ ْ
آﻣ ُﻧوا َﻣ َﻌ ُﻪ َﻣﺗَ ٰﻰ َﻧ ْ
ﯾن َ اﻟر ُ
ول ﱠَﺣﺗﱠ ٰﻰ َﯾﻘُ َ
ﻫﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺻراع ﺑﯾن اﻟﺣق وأﺗﺑﺎﻋﻪ ،واﻟﺑﺎطل وﺣزﺑﻪ .
ﻓطرﯾق اﻟدﻋوة إﻟﻰ اﷲ طرﯾق ﺷﺎﺋك ﻣﻠﺊ ﺑﺎﻟﻌﻘﺑﺎت واﻟﺻﻌوﺑﺎت واﻟﺟراﺣﺎت واﻵﻻم واﻟﺗﻲ
ﻫﻲ ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ دروس ﻟﻠﻌﺻﺑﺔ اﻟﻣؤﻣﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗد ﯾﺑدر ﻣن ﻣﺧﺎﻟﻔﺎت أو ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ ﻣﺣطﺎت
ﻟﺗﻣﺣﯾص اﻟﻣؤﻣﻧﯾن وﺗﻧﻘﯾﺔ اﻟﺻف اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣن اﻟﻣﻧدﺳﯾن ﻓﯾﻪ ﻣن اﻟطﺎﻣﻌﯾن
واﻟﺣﺎﻗدﯾن واﻻﻧﺗﻬﺎزﯾﯾن .وﻫذا ﻣﺎ ﺣدث ﻓﻲ ﯾوم أﺣد واﻟذي ﺗﻠﻘﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻓﯾﻪ ﻣن
اﷲ درﺳﺎً واﻗﻌﯾﺎً وﻋﻣﻠﯾﺎً ﺟزاء ﻣﺧﺎﻟﻔﺗﻬم أﻣر رﺳوﻟﻪ اﻟﻛرﯾم ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،ذﻟك
أن ﺑﻌض اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﻌد ﺑدر واﻟﺗﻲ ﻛﺎن ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻧﺻر ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ظﻧوا أن اﻟﻧﺻر ﺳﯾﻛون
ﺣﻠﯾﻔﻬم ﻣﻬﻣﺎ ﻓﻌﻠوا ﻣﺎ داﻣوا ﻋﻠﻰ دﯾن اﷲ وﻏﯾرﻫم ﻛﻔﺎر ،وﺳواء اﺳﺗﻌدوا أم ﻟم ﯾﺳﺗﻌدوا
،وأﺧذوا ﺑﺎﻷﺳﺑﺎب أم ﻟم ﯾﺄﺧذوا ﺑﻬﺎ ﻓﺈن اﷲ ﻧﺎﺻرﻫم وﻣؤﯾدﻫم ،ﻓﺄراد اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أن
ﯾﻌﻠﻣﻬم درﺳﺎً ﺑﺄن اﻟﻧﺻر ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﺑﺄﺧذ اﻷﺳﺑﺎب واﻻﺳﺗﻌداد ﻟﻠﻘﺗﺎل ،واﷲ ﺑﻌد ذﻟك
ﯾؤﯾد ﺑﻧﺻرﻩ ﻣن ﯾﺷﺎء .وﻟﻘد ﺗﻌﺟب اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣﻣﺎ ﺣدث ﻟﻬم ﯾوم أﺣد ﻷﻧﻪ ﻟم ﯾرد ﻓﻲ
ﺣﺳﺎﺑﻬم أن ﯾﺻﯾﺑﻬم ﻋﻧد أﺣد ﻣﺎ أﺻﺎﺑﻬم ﺑﻌد ﻧﺻر اﷲ ﻟﻬم ﯾوم ﺑدر ،ﯾﻘول ﺗﻌﺎﻟﻰ" :
أوﻟﻣﺎ أﺻﺎﺑﺗﻛم ﻣﺻﯾﺑﺔ ﻗد أﺻﺑﺗم ﻣﺛﻠﯾﻬﺎ ﻗﻠﺗم أﻧﻰ ﻫذا ﻗل ﻫو ﻣن ﻋﻧد أﻧﻔﺳﻛم" .
ﻫذا وﺟﻪ ...واﻟوﺟﻪ اﻵﺧر أن ﻣﺎ أﺻﺎب اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﯾوم أﺣد ﻟم ﯾﻛن ﻫزﯾﻣﺔ ٕ ،واﻧﻣﺎ
ﻛﺎن ﻗﺗﻼً وآﻻﻣﺎً وﺟراﺣﺎت .ﺑل إن ﻣﻧﺎﻗﺷﺔ اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻋﺳﻛرﯾﺎً ﺗظﻬر اﻧﺗﺻﺎر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﺧﺳﺎﺋرﻫم اﻟﻔﺎدﺣﺔ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﻌرﻛﺔ .وﯾﻣﻛن إﯾﺿﺎح ﻫذا اﻟﻧﺻر ﻣن
أﺣدﻫﻣﺎ :أن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻧﺗﺻروا ﻓﻲ اﻟﺑداﯾﺔ ﺣﺗﻰ طردوا اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻣن وﺟﻬﯾن
ﻣﻌﺳﻛرﻫم ،وأﺣﺎطوا ﺑﻧﺳﺎﺋﻬم وأﻣواﻟﻬم ،وأﺳﻘطوا ﻟواءﻫم ﻓﻲ ﻣﯾدان اﻟﻣﻌرﻛﺔ ،وﻟﻛن
ﻣﺧﺎﻟﻔﺔ اﻟرﻣﺎة ﻷﻣر اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣ ّﻛن ﺧﺎﻟد ﺑن اﻟوﻟﯾد ﻣن ﺗطوﯾق
اﻟﺟﯾش اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻣﺎ ﻛﺑد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺧﺳﺎﺋر ﻛﺑﯾرة ،وﻟﻛن ﺑﻘﻲ اﻟﻧﺻر ﺣﻠﯾﻔﻬم ﻷن
312
ﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﻣﻌﺎرك ﻻ ﺗﻘﺎس ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ ﺑﻌدد اﻟﺧﺳﺎﺋر ﻓﻲ اﻷرواح ﻓﻘط ٕواﻧﻣﺎ
ﺗﻘﺎس ﺑﺗﺣﻘﯾق ﻫدف اﻟﻣﻌرﻛﺔ اﻟﺣﯾوي وﻫو اﻟﻘﺿﺎء اﻟﺗﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﻌدو ﻣﺎدﯾﺎً وﻣﻌﻧوﯾﺎً ،
ﻓﻬل اﺳﺗطﺎع اﻟﻣﺷرﻛون اﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣﺎدﯾﺎً وﻣﻌﻧوﯾﺎً ؟ ﻛﻼ .إن اﻟذي ﻓﻌﻠﻪ
اﻟﻣﺷرﻛون ﻫو ﺣرﻛﺔ اﻟﺗﻔﺎف وﺗطوﯾق ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ﺗرﺗب ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻗﺗل وﺟراﺣﺎت ﻓﻲ ﺻﻔوف
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻻ ﻏﯾر ،وﺑﻘﯾت ﻣﻌﻧوﯾﺎت اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣرﺗﻔﻌﺔ واﺳﺗﻣروا ﻓﻲ اﻟﻘﺗﺎل واﻟدﻓﺎع ﻋن
ﻧﺑﯾﻬم ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﻣﺷرﻛﯾن اﻟذﯾن ﻛﺎن ﻋددﻫم ﯾزﯾد ﻋﻠﻰ ﻋدد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﺄﻛﺛر ﻣن أرﺑﻌﺔ
أﺿﻌﺎف ،وﻣﻊ ذﻟك ﺗﻣﻛن اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺑﻘﯾﺎدة رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن إﻧﻘﺎذ
أﻧﻔﺳﻬم ﻣن ﻫذا اﻟﻣﺄزق .وﻫذا ﯾﻌد ﻓﻲ ﺣد ذاﺗﻪ اﻧﺗﺻﺎ ارً ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن .ﺛم إن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن
ﻟم ﯾﻔروا ﻣن ﻣﯾدان اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻛﻣﺎ ﻓﻌل اﻟﻣﺷرﻛون ﯾوم ﺑدر ،ﺑل ﺗﺣﺻﻧوا ﺑﺎﻟﺟﺑل ،وﻟو
اﻧﺗﺻر اﻟﻣﺷرﻛون ﺣﻘﺎً ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻟدﻓﻌﺗﻬم ﻧﺷوة اﻟﻧﺻر إﻟﻰ اﻟﺑﻘﺎء ﻓﻲ ﻣﯾدان
اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﺣﺗﻰ ﯾﻘﺿوا ﻋﻠﻰ اﻟﺟﯾش اﻹﺳﻼﻣﻲ أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﻘﯾﺎدﯾﺔ ﻓﯾﻪ
واﻟﺗﻲ ﺳﺄل ﻋﻧﻬﺎ أﺑو ﺳﻔﯾﺎن ﻓﻲ ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻛﺔ وﻫم رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
وأﺑو ﺑﻛر وﻋﻣر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬم أﺟﻣﻌﯾن .وﻟو اﻧﺗﺻر اﻟﻣﺷرﻛون ﻟدﻓﻌﺗﻬم ﻧﺷوة اﻟﻧﺻر
إﻟﻰ ﻣﻬﺎﺟﻣﺔ اﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟﺗﻲ ﻟم ﯾﻛن ﺑﻬﺎ إﻻ اﻟﻧﺳﺎء ،واﻟﺷﯾوخ ،واﻷطﻔﺎل ،وأﻋوان
اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻣن اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن واﻟﯾﻬود .ﻟﻘد ﻛﺎﻧت ﻓرﺻﺔ ﺳﺎﻧﺣﺔ .وﻟﻛن أﺑﺎ ﺳﻔﯾﺎن ﻗﺎﺋد
اﻟﻣﺷرﻛﯾن أدرك أن اﻟذي ﺣدث ﻓﻲ اﻟﺟوﻟﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻟم ﯾﻛن ﺑﺑﺳﺎﻟﺔ وﺷﺟﺎﻋﺔ
ﺟﻧودﻩ ﻓﻘد ﻋرﻓﻬم ﻓﻲ اﻟﺟوﻟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣن اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﺣﯾن وﻟوا اﻷدﺑﺎر أﻣﺎم اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ،
وﻟم ﯾﻛن ذﻟك إﻻ ﺑﺳﺑب ﻏﻠطﺔ اﻟرﻣﺎة وﻧزوﻟﻬم ﻣن اﻟﺟﺑل ﻣﺧﺎﻟﻔﯾن ﺑذﻟك أﻣر اﻟرﺳول
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻛﺎن ﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﻘﺿﺎء اﷲ وﻗدرﻩ وﻷﻣر ﯾرﯾدﻩ اﷲ .وأﺧﯾ ارً ﻓﺈﻧﻪ ﻟو
اﻧﻬزم اﻟﻣﺳﻠﻣون واﻧﺗﺻر اﻟﻣﺷرﻛون ﯾوم أﺣد ﻟﻣﺎ ﺣدث اﻟذي ﺣدث ﻓﻲ اﻟﯾوم اﻟﺗﺎﻟﻲ ،
ﻓﻘد طﺎرد اﻟﻣﺳﻠﻣون ﺑﻘﯾﺎدة رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﺻﺑﺎح اﻟﯾوم اﻟﺗﺎﻟﻲ
313
اﻟﻣﺷرﻛﯾن إﻟﻰ ﺣﻣراء اﻷﺳد ،ﻓﻠﻣﺎ ﻋﻠم اﻟﻣﺷرﻛون ﺑﻣطﺎردة اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻟﻬم واﺻﻠوا
ﺳﯾرﻫم ﻧﺣو ﻣﻛﺔ ﻣﺳرﻋﯾن ﺧوﻓﺎً ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن اﻟذﯾن ﻛﺎﻧت ﻣﻌﻧوﯾﺎﺗﻬم ﻣرﺗﻔﻌﺔ ،
وﻋزاﺋﻣﻬم ﻗوﯾﺔ .وﻫﻧﺎ ﻧﺳﺄل :ﻫل ﯾطﺎرد اﻟﻣﻧﻬزم ﻋدوﻩ ؟ وﻫل ﯾﻔر اﻟﻣﻧﺗﺻر؟ إن ﻣﺛل
ﻫذا ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺣدث ﻣن وﺟﻬﺔ اﻟﻧظر اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ ،وﻻ ﯾﻘﺑﻠﻪ اﻟﻌﻘﻼء.
واﻟوﺟﻪ اﻟﺛﺎﻟث ﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻧﺗﺻﺎر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﯾوم أﺣد ﯾﻣﻛن أن ﻧﺗﺑﯾﻧﻪ ﻋﻧد إدراك ﻫذﻩ
اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ وﻫﻲ أﻧﻪ ﻟﯾس ﻫﻧﺎك أﻣﺔ ﻣن اﻷﻣم إﻻ وﺗﻘﻊ ﻓﻲ أﺧطﺎء .واﻷﺧطﺎء طﺑﯾﻌﯾﺔ ﻓﻲ
ﺣﯾﺎة اﻷﻣم ،وﻟﻛن اﻷﻣم ﺗﺧﺗﻠف ﻓﻲ ﻣوﻗﻔﻬﺎ ﻣن أﺧطﺎﺋﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻬﺎ .ﻓﻬﻧﺎك أﻣم ﺗﻘﻊ
ﻓﻲ أﺧطﺎء ﺗﻠو أﺧطﺎء وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﺗﺑر ،وﻻ ﺗﺄﺧذ دروﺳﺎً ﻣن ﻫذﻩ اﻷﺧطﺎء ﻟﺋﻼ ﺗﻘﻊ
ﻓﯾﻬﺎ ﻣرة أﺧرى أو ﻏﯾرﻫﺎ .وﻫذﻩ أﻣﺔ أﻋﻣﻰ اﷲ ﺑﺻرﻫﺎ وﺑﺻﯾرﺗﻬﺎ ،ﻓﺗﻌﺛر ﺳﯾرﻫﺎ ﻓﻲ
طرﯾق اﻟﺑﻧﺎء ،واﺳﺗﺣﺎل ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺑﻠوغ اﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﻌﻰ إﻟﯾﻬﺎ ،وﻫﻧﺎك أﻣم ﺗﻘﻊ ﻓﻲ
أﺧطﺎء ،وﻟﻛﻧﻬﺎ ﺗﺄﺧذ ﻣن أﺧطﺎﺋﻬﺎ دروﺳﺎً وﻋﺑ ارً ﻓﻘﻠﱢت اﻷﺧطﺎء ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻬﺎ ،وﺗﻐﻠب
اﻟﺧﯾر واﻟﺑﻧﺎء ﻓﯾﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺷر واﻟﻬدم ،ﻓﺻﻠﺣت أﺣواﻟﻬﺎ ،وﻋﻣر ﺑﻧﺎؤﻫﺎ .وﻫذﻩ أﻣﺔ
ﻣﺑﺻرة ﻣﻧﺗﺻرة .وﻫذا ﻣﺎ ﺣدث ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ﯾوم أﺣد ،ﻓﻘد أﺧطﺄ ﺑﻌﺿﻬم وﻫم اﻟرﻣﺎة
وﺧﺎﻟﻔوا أﻣر اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻧزوﻟﻬم ﻣن اﻟﺟﺑل ،ﻓﻛﺎن درس ﻣن اﷲ
ﻋﺎﺟﻼً ،ﻓﺄﺻﺎﺑﻬم ﻣﺎ أﺻﺎﺑﻬم ﻣن اﻟﻘﺗل واﻟﺟراﺣﺎت .وﻗد اﺳﺗﻔﺎد اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻬم ﻣن ﻫذا اﻟدرس اﻟرﺑﺎﻧﻲ ،واﺗﻌظوا ،واﻋﺗﺑروا .ﻛﯾف ﻻ وﻫم أﺻﺣﺎب اﻟﻘﻠوب اﻟﺗﻲ
ﺗرﺑت ﻋﻠﻰ ﯾدي رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﯾدﻟﻧﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻣﺎ ﺣدث ﻓﻲ ﺻﺑﺎح
اﻟﯾوم اﻟﺗﺎﻟﻲ ﺣﯾن أﻋﻠن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟﻧﻔﯾر ﻓﻲ أﺻﺣﺎﺑﻪ اﻟذﯾن أﺻﯾﺑوا ﺑﺎﻷﻣس
ﻋﻧد أﺣد ﻓﻠم ﯾﺗﺧﻠف ﻣﻧﻬم رﺟل واﺣد رﻏم ﻣﺎ ﺑﻬم ﻣن ﺟراﺣﺎت وآﻻم ﺣﺗﻰ إن ﺑﻌﺿﻬم
ﻟﯾﻬﺎدى ﺑﯾن اﻟرﺟﻠﯾن .إن اﺳﺗﻔﺎدة اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣن ﺧطﺋﻬم ﻫذا ﯾﻌﺗﺑر ﻓﻲ ﺣد ذاﺗﻪ ﻧﺻ ارً
ُ
ﻛﺑﯾ ارً .وﻟو اﺳﺗﻔﺎد اﻟﻣﺳﻠﻣون اﻟﯾوم ﻣن أﺧطﺎﺋﻬم واﻋﺗﺑروا ﻛﻣﺎ اﺳﺗﻔﺎد أﺳﻼﻓﻬم ﻟﻛﺎن
314
اﻟﺣﺎل ﻏﯾر اﻟﺣﺎل .وﻟﻘد وﺟﻪ اﷲ ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻌد ﻫذﻩ اﻟﻣﻌرﻛﺔ اﻟﺧطﺎب إﻟﻰ
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣﺑﯾﻧﺎً ﻟﻬم أن ﻣﺎ ﺣدث إﻧﻣﺎ ﻫو ﺳﻧﺔ ﺟﺎرﯾﺔ ،ﺳﻧﺔ اﷲ أن ﺗﺻﯾﺑوا و ﺗﺻﺎﺑوا
،ﻋﻠﻰ أن اﻟﻌﺎﻗﺑﺔ ﻟﻛم ،وﻟﻛن ﺑﻌد اﻟﺟﻬﺎد واﻻﺑﺗﻼء واﻟﺗﻣﺣﯾص .وﻣﺎ ﺣدث ﻣن ﺗﻔوق
اﻟﻣﺷرﻛﯾن ﻓﻲ اﻟﺟوﻟﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﻌرﻛﺔ ﻟﯾس ﻫو اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺛﺎﺑﺗﺔ ٕواﻧﻣﺎ ﻛﺎن ﺣدﺛﺎً ﻋﺎﺑ ارً
وراءﻩ ﺣﻛم رﺑﺎﻧﯾﺔ ودروس ﻟﻛم أﻧﺗم ﯾﺎ أﺻﺣﺎب ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻟﻣن
ﺳﯾﺄﺗﻲ ﺑﻌدﻛم .ﻟﻘد ﺟﻌل اﷲ ﻓﯾﻛم ﻋﺑ ارً ودروﺳﺎً ﻟﻣن ﯾﺄﺗﻲ ﺑﻌدﻛم .وﻟﻘد ﺑﯾن اﷲ ﻓﻲ
ﻫذا اﻟﺧطﺎب ﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟدروس اﻟﻌظﯾﻣﺔ ،واﻟﺣﻛم اﻟرﺑﺎﻧﯾﺔ ﻣن ﯾوم أﺣد .ﯾﻘول ﺗﺑﺎرك
ﺎن ﻋ ِ
ﺎﻗ َﺑ ُﺔ ﯾروا ِﻓﻲ ْاﻷ َْر ِ ِ ِ ِ
ف َﻛ َ َ ض ﻓَﺎ ْﻧظُ ُروا َﻛ ْﯾ َ ﺳ َﻧ ٌن ﻓَﺳ ُ وﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻗَ ْد َﺧﻠَ ْت ﻣ ْن ﻗَ ْﺑﻠ ُﻛ ْم ُ
ﯾن * َوَﻻ ﺗَ ِﻬ ُﻧوا َوَﻻ ﺗَ ْﺣ َزُﻧوا َوأَ ْﻧﺗُ ُم ظ ٌﺔ ِﻟ ْﻠ ُﻣﺗﱠ ِﻘ َ ﺎس َو ُﻫ ًدى َو َﻣ ْو ِﻋ َ ﺎن ِﻟﻠ ﱠﻧ ِ ﯾن * َٰﻫ َذا َﺑ َﯾ ٌ ا ْﻟ ُﻣ َﻛ ﱢذ ِﺑ َ
ِ ِ َﻋﻠَ ْو َن إِ ْن ُﻛ ْﻧﺗُ ْم ُﻣ ْؤ ِﻣ ِﻧ َ
ﱠﺎم
س ا ْﻟﻘَ ْوَم ﻗَ ْر ٌح ﻣﺛْﻠُ ُﻪ َوﺗ ْﻠ َك ْاﻷَﯾ ُ ﺳ ُﻛ ْم ﻗَ ْر ٌح ﻓَﻘَ ْد َﻣ ﱠ ﺳْﯾن * إِ ْن َﯾ ْﻣ َ ْاﻷ ْ
ﯾنب اﻟظﱠﺎﻟِ ِﻣ َ اء َواﻟﻠﱠ ُﻪ َﻻ ُﯾ ِﺣ ﱡ
ﺷ َﻬ َد َآﻣﻧُوا َوَﯾﺗﱠ ِﺧ َذ ِﻣ ْﻧ ُﻛ ْم ُ ﯾن َ ﺎس َوﻟِ َﯾ ْﻌﻠَ َم اﻟﻠﱠ ُﻪ اﻟﱠ ِذ َ
اوﻟُ َﻬﺎ َﺑ ْﯾ َن اﻟ ﱠﻧ ِﻧُ َد ِ
س : 200ﻫل ﻧﺣن ﻣطﺎﻟﺑون ﺑﺎﻹﻗﺗداء ﺑﺎﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺣﺳب ﻣﺎ ورد ﻓﻲ
ﺳﯾرﺗﻪ؟
ج : 200إن اﻟﺳﯾرة اﻟﻧﺑوﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﺟﻣﻠﻬﺎ ﻫﻲ ﻣﻧﻬﺞ ﺣﯾﺎة ﺻﺎدق وﺻﺎف ﻣن ﻛل دﻧس
وﺷﺎﺋﺑﺔ .وﯾﻛﻔﻲ أﻧﻬﺎ ﺻورة ﺻﺎدﻗﺔ ﻟﺣﯾﺎة رﺟل اﺧﺗﺎرﻩ اﷲ ﻟﯾﻛون رﺣﻣﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻣﯾن ،وﻟذا
ﻓﺈن ﻛل ﻣﺳﻠم ﯾرﺟو ﻟﻧﻔﺳﻪ اﻟﻧﺟﺎة واﻟﻔﻼح ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ واﻵﺧرة ﻣطﺎﻟب ﺑﺄن ﯾدرس وﯾﺗﺄﻣل
ﺳﯾرﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﯾﺳﺗﻔﯾد ﻣﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺑﺎدﺗﻪ ودﻋوﺗﻪ وﺟﻬﺎدﻩ وﺣﯾﺎﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ .
315
ﻓﺣﯾﺎﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻛﻠﻬﺎ دروس وﻋﺑر .وﻓﻲ اﺗﺑﺎﻋﻬﺎ ﻓﻼح وﻧﺟﺎة .وﻓﻲ
ﺗرﻛﻬﺎ ﺧﺳﺎرة وﻫﻼك .
وﻓﻬم ﺳﯾرة اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﺟزء ﻻ ﯾﺗﺟزأﻣن ﻓﻬم اﻹﺳﻼم
ﻷﻧﻬﺎ ﻫﻰ اﻟﺷﺎﻫد اﻟﻌﻣﻠﻲ اﻟﺣﻲ اﻟﻧﺎطق ﺑﺛﻣرات اﻹﯾﻣﺎن واﻟﯾﻘﯾن ﺑﻬذا اﻟدﯾن ﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ
رﺳول اﷲ ﺻﻠﻲ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻧﻣوذﺟﺎ ﻋﻣﻠﯾﺎً وﻣﺛﻼً أﻋﻠﻰ .ودراﺳﺔ اﻟﺳﯾرة ﺗﺷﻐل
ﻣﻛﺎﻧﺎً ﻣﻬﻣﺎ ﻣن دراﺳﺔ وﺗﻔﺳﯾر اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم .ﻓﺎﻟﻘرآن أﺻدق ﻣﺳﺟل ﻷﺣداث اﻟﺳﯾرة
ووﻗﺎﺋﻌﻬﺎ ،وﻣﺎ دار ﻓﯾﻬﺎ ﻣن ﻏزوات وأﺣداث ،وأﺳﺑﺎب ﻧزول ،وأﺳﺎﻟﯾب دﻋوة ،
وأﺳس ﺗﺷرﯾﻊ وﺗوﺟﯾﻪ ﺑﯾﻧﻬﺎ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وطﺑﻘﻬﺎ ﺗطﺑﯾﻘﺎً ﻋﻣﻠﯾﺎً .
ﻓﺎﻟﺳﯾرة اﻟﻧﺑوﯾﺔ إذاً ﺑﯾﺎن ﻟﻠﻘرآن وﺗﻔﺳﯾر ﻟﻪ ،ودراﺳﺗﻬﺎ دراﺳﺔ ﻟﻠﺗﻔﺳﯾر ﻣن ﻫذا اﻟوﺟﻪ .
وﻣن ﻫذا ﻧﺗﺑﯾن أن ﻓﻬم اﻹﺳﻼم ﻣرﺗﺑط ﺑﻔﻬم اﻟﺳﯾرة اﻟﻧﺑوﯾﺔ اﻟﺷرﯾف .وﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ﻣﺎ
ﺳﺑق ذﻛرﻩ ﻓﺈن دراﺳﺔ اﻟﺳﯾرة اﻟﻧﺑوﯾﺔ ﺿرورة ﺷرﻋﯾﺔ ﻟﻺﻗﺗداء ﺑرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﺳ َﻧ ٌﺔ ﻟِ َﻣ ْن َﻛ َ
ﺎن ُﺳ َوةٌ َﺣ َ
ﺎن َﻟ ُﻛم ِﻓﻲ رﺳ ِ ِ
ول اﻟﻠﱠﻪ أ ْ َ ُ َﻟﻘَ ْد َﻛ َ ْ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟذي ﻗﺎل اﷲ ﻓﻲ ﺣﻘﻪ" :
ﯾر " .ودراﺳﺔ اﻟﺳﯾرة اﻟﻧﺑوﯾﺔ دراﺳﺔ ﻣﺗﺄﻧﯾﺔ َﻛ ِﺛ ًا َﯾ ْر ُﺟو اﻟﻠﱠ َﻪ َوا ْﻟ َﯾ ْوَم ْاﻵ ِﺧ َر َوَذ َﻛ َر اﻟﻠﱠ َﻪ
ﻣﺧﻠﺻﺔ ﺗﻌﯾن اﻟﻣﺧﻠص ﻋﻠﻰ اﻹﻗﺗداء ﺑﺎﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻣن ﻫذا ﻧﺧﻠص
إﻟﻰ اﻟﻘول ﺑﺄن اﻟﺟﺎﻧب اﻷﻛﺑر ﻣن ﺳﯾرﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﺧﺎﺻﺔ ﺑﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﻣﻧﻬﺎ
ﺑﻣﺎ ﺑﻌد اﻟﺑﻌﺛﺔ ﺣﺗﻰ وﻓﺎﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﯾﺗﺿﻣن اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻷﺣﻛﺎم اﻟﺷرﻋﯾﺔ
ﻓﻲ اﻟﺳﻠم واﻟﺣرب ،واﻟﺣﺿر واﻟﺳﻔر ،واﻟﺻﺣﺔ واﻟﻣرض ،واﻟﻌﺑﺎدة واﻟﺗﻌﺎﻣل وﻏﯾرﻫﺎ .
وﻧﺣن ﻣطﺎﻟﺑون وﻣﺗﻌﺑدون ﺑﺎﺗﺑﺎﻋﻬﺎ .وﻋﻠﻰ اﻟﺟﺎﻧب اﻵﺧر ﻓﺈن ﻫﻧﺎك ﺟواﻧب ﻣن ﺳﯾرﺗﻪ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -وﺧﺎﺻﺔ ﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﻣﻧﻬﺎ ﺑﻣﺎ ﻗﺑل اﻟﺑﻌﺛﺔ -ﻻ ﺗﺑﯾن أﺣﻛﺎﻣﺎً
ﺷرﻋﯾﺔ ﯾﻠزم ﺑﻬﺎ اﻟﻣﺳﻠم ٕ ،واﻧﻣﺎ ﺗﻌد أﻣو ارً ﺷﺧﺻﯾﺔ أو ﻋﺎﻣﺔ ﯾﻣﻛن أن ﯾرﺟﻊ إﻟﯾﻬﺎ
اﻟﻣﺳﻠم ﻻ ﺑﻘﺻد اﻟﺗﻌﺑد ٕواﻧﻣﺎ ﺑﻘﺻد زﯾﺎدة اﻟﺗﻌرف ﻋﻠﻰ ﺷﺧﺻﯾﺔ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ
316
ﻼ ﺑﯾﻧت ﺳﯾرﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم أﻧﻪ اﺷﺗﻐل ﺑرﻋﻲ اﻟﻐﻧم وﺑﺎﻟﺗﺟﺎرة
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻓﻣﺛ ً
،وأﻧﻪ أُﺳﺗرﺿﻊ ﻓﻲ ﺑﺎدﯾﺔ ﺑﻧﻲ ﺳﻌد ،وأﻧﻪ ﺗزوج ﻣن اﻟﯾﻬود وﻣن اﻷﻗﺑﺎط وﻧﺣو ذﻟك .
ﻓﻬذﻩ ﺟواﻧب ﻣن ﺳﯾرﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﯾس اﻟﻣﺳﻠم ﻣطﺎﻟب ﺷرﻋﺎً ﺑﺎﺗﺑﺎﻋﻬﺎ ،
وﻟﻛن ﻓﯾﻬﺎ دروس وﻋﺑر ﺗﻔﯾد اﻟﻣﺳﻠم .ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :أ َْم ﻟَ ْم َﯾ ْﻌ ِرﻓُوا َر ُ
ﺳوﻟَ ُﻬ ْم ﻓَ ُﻬ ْم ﻟَ ُﻪ
ُﻣ ْﻧ ِﻛ ُر َ
ون ".
س : 201ﺗﻘوﻟون أﻧﻪ ﻛﺎن ﻟﻣﺣﻣد -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﻣﻌﺟزات ﻓﻛﯾف أﻣﯾز
ﺑﯾﻧﻬﺎ وﺑﯾن اﻟﺳﺣر؟
317
ﻋﻧﻪ " ﻣن ﻋﻘد ﻋﻘدة ﺛم ﻧﻔث ﻓﯾﻬﺎ ﻓﻘد ﺳﺣر ،وﻣن ﺳﺣر ﻓﻘد أﺷرك ،وﻣن ﺗﻌﻠق ﺷﯾﺋﺎً
وﻛل إﻟﯾﻪ" .
وﻫﻧﺎك ﺳﺣر اﻟﺗﺧﯾل واﻷﺧذ ﺑﺎﻟﻌﯾون وﺧداع اﻟﺑﺻر ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﻛﺎﯾﺔ ﻋن ﺳﺣرة
ﺎءوا ِﺑ ِﺳ ْﺣ ٍر َﻋ ِظ ٍﯾم "
وﻫ ْم َو َﺟ ُ
اﺳﺗَْرَﻫ ُﺑ ُ َﻋ ُﯾ َن اﻟ ﱠﻧ ِ
ﺎس َو ْ ﺳ َﺣ ُروا أ ْ
ﺎل أَْﻟﻘُوا َﻓﻠَ ﱠﻣﺎ أَْﻟﻘَ ْوا َ
ﻓرﻋون " :ﻗَ َ
ﻣوﻫوا ﻋﻠﯾﻬم ﺣﺗﻰ ظﻧوا أن اﻟﺣﺑﺎل واﻟﻌﺻﻲ ﺗﺗﺣرك .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻓﺈذا ﺣﺑﺎﻟﻬم
.أي ّ
وﻋﺻﯾﻬم ﯾﺧﯾل إﻟﯾﻪ ﻣن ﺳﺣرﻫم أﻧﻬﺎ ﺗﺳﻌﻰ "
ﻣﻣﺎ ﺳﺑق وﺳواﻩ ﻧﺳﺗطﯾﻊ أن ﻧﺗﻌرف ﻋﻠﻰ ﺑﻌض اﻟﻔوارق ﺑﯾن اﻟﻣﻌﺟزة واﻟﺳﺣر ﻣﻧﻬﺎ :
أن اﻟﻣﻌﺟزة ﺗﺄﯾﯾد ﻣن اﷲ ﻟﻧﺑﻲ أو رﺳول ﻟﺑﯾﺎن ﺻدق ﻧﺑوﺗﻪ ورﺳﺎﻟﺗﻪ ﻓﯾﺟري -1
ﻋﻠﻰ ﯾدﯾﻪ ﻣﺎ ﯾﺷﺎء ﻣن اﻷﻣور اﻟﺧﺎرﻗﺔ ﻟﻠﻌﺎدة .وﻗد ﻗص اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم ﺷﯾﺋﺎً ﻛﺛﯾ ارً ﻣن
ﻫذا .أﻣﺎ اﻟﺳﺣر ﻓﺈﻧﻪ ﺗﺄﯾﯾد ﻣن اﻟﺷﯾطﺎن ﻷوﻟﯾﺎﺋﻪ .
اﻟﻣﻌﺟزة ﺗظﻬر ﻋﻠﻰ ﯾدي ﻋﺑد ﺻﺎﻟﺢ رﺳول أو ﻧﺑﻲ .وﻻ ﯾﻣﻛن ﻟﻠﻌﺑد اﻟﺻﺎﻟﺢ أن -2
ﯾﻛون ﺳﺎﺣ ار ﻷن اﻟﺳﺣر ﻛﻔر .وﻗد ﯾﺟري اﷲ أﻣو ارً ﺧﺎرﻗﺔ ﻟﻠﻌﺎدة ﻋﻠﻰ ﯾد ﻋﺑد ﺻﺎﻟﺢ
ﻟﯾس ﻧﺑﯾﺎً وﻻ رﺳوﻻً وﻫذﻩ ﻫﻲ اﻟﻛراﻣﺔ .أﻣﺎ اﻟﺳﺣر ﻓﺈﻧﻪ ﯾﻛون ﻣن ﺷﺧص ﻛﻔر ﺑﺎﷲ ،
وأﺷرك ﺑﻪ ،واﺗﺧذ اﻟﺷﯾطﺎن وﻟﯾﺎً ﻣن دون اﷲ .وﻟذا ﻓﺈذا رأﯾت أﻣ ار ﺧﺎرﻗﺎً ﻟﻠﻌﺎدة ﺟرى
ﻋﻠﻰ ﯾد ﺷﺧص ﻣن اﻟﻧﺎس ﻓﺎﻧظر إﻟﻰ ﺣﺎل ذﻟك اﻟﺷﺧص ،ﻓﺈن ﻛﺎن ﻋﺑداً ﺻﺎﻟﺣﺎً ﯾﻔﻌل
اﻟطﺎﻋﺎت وﯾﺗﺟﻧب اﻟﺳﯾﺋﺎت ،طﺎﻫ ارً ﻓﻲ ﻣظﻬرﻩ وﻣﺧﺑرﻩ ،ﺑﻌﯾداً ﻋن ﻛل ﺧﺑﯾث ﻓﺎﻋﻠم أن
ذﻟك ﻣﻌﺟزة إن ﻛﺎن رﺳوﻻ أو ﻧﺑﯾﺎً ،وﻛراﻣﺔ إن ﻛﺎن ﻋﺑداً ﺻﺎﻟﺣﺎً .أﻣﺎ إذا ﻛﺎن ذﻟك
اﻟﺷﺧص اﻟذي ﺟرى ﻋﻠﻰ ﯾدﯾﻪ ذﻟك اﻷﻣر اﻟﺧﺎرق ﻟﻠﻌﺎدة ﻋﺑداً ﻓﺎﺳﻘﺎً ﺷرﯾ ار ﺧﺑﯾﺛﺎً ﯾﻔﻌل
اﻟﻣﻧﻛرات وﺑﻌﯾدا ﻋن اﻟطﺎﻋﺎت ﻓﺎﻋﻠم أﻧﻪ ﺳﺎﺣر أو ﻣﺷﻌوذ .
اﻟﻣﻌﺟزة ﺗﻐﯾر ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﺷﻲء وﺗﺟﻌﻠﻪ ﺣﻘﯾﻘﺔ واﻗﻌﺔ ،وﻫذا ﻫو ﺳر إﺳﻼم ﺳﺣرة -3
ﻓرﻋون ﻋﻧدﻣﺎ أﻟﻘﻰ ﻣوﺳﻰ ﻋﺻﺎﻩ ﻓﺎﻧﻘﻠﺑت ﺛﻌﺑﺎﻧﺎ ﯾﺄﻛل ﻋﺻﻲ وﺣﺑﺎل اﻟﺳﺣرة اﻟﺗﻲ
318
ﺗﺣوﻟت ﻓﻲ ﻧظر اﻟﻧﺎس ﺑﺗﺄﺛﯾر اﻟﺳﺣر إﻟﻰ ﺛﻌﺎﺑﯾن ﺑﺎﺳﺗﺛﻧﺎء اﻟﺳﺣرة اﻟذﯾن ﻻ ﯾﺳﺣرون
أﻧﻔﺳﻬم ،ﻓﻛﺎﻧوا ﯾرون ﻋﺻﻰ ﻣوﺳﻰ وﻗد ﺗﺣوﻟت إﻟﻰ ﺛﻌﺑﺎن ﺣﻘﯾﻘﻲ ﯾﺄﻛل ﻋﺻﯾﻬم
س : 202ﯾﻘول اﷲ ﻋن ﻧﺑﯾﻪ ﻣﺣﻣد -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم " :واﷲ ﯾﻌﺻﻣك ﻣن
ﺷﺟت رﺑﺎﻋﯾﺗﻪ ؟
وﺳ ﱠم ،و ُ اﻟﻧﺎس " ،ﻓﻛﯾف ِ
ﺳ ﺣر ُ ،
ُ
319
ج : 202ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " واﷲ ﯾﻌﺻﻣك ﻣن اﻟﻧﺎس" ﺟزء ﻣن اﻵﯾﺔ اﻟﺳﺎﺑﻌﺔ واﻟﺳﺗﯾن ﻣن
ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة .ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﯾﺎ أﯾﻬﺎ اﻟرﺳول ﺑﻠﻎ ﻣﺎ أﻧزل إﻟﯾك ﻣن رﺑك ٕوان ﻟم
ﺗﻔﻌل ﻓﻣﺎ ﺑﻠﻐت رﺳﺎﻟﺗﻪ واﷲ ﯾﻌﺻﻣك ﻣن اﻟﻧﺎس إن اﷲ ﻻ ﯾﻬدي اﻟﻘوم اﻟﻛﺎﻓرﯾن" .ﻓﻲ
ﻫذﻩ اﻵﯾﺔ اﻟﻛرﯾﻣﺔ أﻣر ﻣن اﷲ ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟرﺳوﻟﻪ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺄن
ﯾﻣﺿﻲ ﻓﻲ دﻋوﺗﻪ وﺗﺑﻠﯾﻎ ﻣﺎ أﻣر ﺑﺗﺑﻠﯾﻐﻪ ﻏﯾر ﻣﻛﺗرث وﻻ ٍ
آﺑﻪ ﺑﺎﻷﻋداء وﻣﻛﺎﺋدﻫم
وﻣؤاﻣراﺗﻬم ﺿدﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم .وﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﺑل ﻧزول ﻫذﻩ
اﻵﯾﺔ وﻫو ﯾﺑﻠﻎ دﻋوة رﺑﻪ ﯾﺧﺷﻰ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﻪ ﻣن اﻟﻘﺗل واﻟﻐﯾﻠﺔ .واﷲ ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ
ﯾﻌﻠم ﻣﺎ ﯾدور ﻓﻲ ﻧﻔس ﺣﺑﯾﺑﻪ وﺻﻔﯾﻪ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وﯾﻌﻠم ﻛذﻟك ﻣﺎ
ﯾﺿﻣرﻩ اﻷﻋداء ﻟﻠﻔﺗك ﺑرﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وﻟذا أﻧزل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ
رﺳوﻟﻪ ﻫذﻩ اﻵﯾﺔ ﻟﯾطﻣﺋﻧﻪ وﯾﺧﺑرﻩ ﺑﺄﻧﻪ ﻓﻲ ﺣﻣﺎﯾﺗﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺣﻔظﻪ وﺻوﻧﻪ .وﻣن ﻛﺎن
ﻓﻲ رﻋﺎﯾﺔ اﷲ وﺣﻔظﻪ ﻓﻣﺎذا ﯾﺳﺗطﯾﻊ أن ﯾﺻﻧﻊ ﺑﻪ اﻟﻌﺑﺎد اﻟﺿﻌﻔﺎء؟ .وﺑﻬذا ﻗطﻊ
اﻟطرﯾق ﻋﻠﻰ أوﻟﺋك اﻟذﯾن ﺣﺎوﻟوا اﻟﻔﺗك ﺑﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم .روى اﻹﻣﺎم أﺣﻣد
ﻋن ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﺗﺣدث أن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺳﻬر
ﻼ
ذات ﻟﯾﻠﺔ وﻫﻲ إﻟﻰ ﺟﻧﺑﻪ ،ﻗﺎﻟت :ﻓﻘﻠت :ﻣﺎ ﺷﺄﻧك ﯾﺎ رﺳول اﷲ ؟ ﻗﺎل :ﻟﯾت رﺟ ً
ﺻﺎﻟﺣﺎً ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻲ ﯾﺣرﺳﻧﻲ اﻟﻠﯾﻠﺔ .ﻗﻠت :ﻓﺑﯾﻧﺎ أﻧﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟك إذ ﺳﻣﻌت ﺻوت
اﻟﺳﻼح .ﻓﻘﺎل ﻣن ﻫذا ؟ ﻓﻘﺎل أﻧﺎ ﺳﻌد ﺑن ﻣﺎﻟك .ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑك ؟ ﻗﺎل :ﺟﺋت
ﻷﺣرﺳك ﯾﺎ رﺳول اﷲ .ﻗﺎﻟت ﻓﺳﻣﻌت ﻏطﯾط رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﻧوﻣﻪ
.وروى اﺑن أﺑﻲ ﺣﺎﺗم ﻋن ﻋﺎﺋﺷﺔ ﻗﺎﻟت :ﻛﺎن اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ُﯾﺣرس
" واﷲ ﯾﻌﺻﻣك ﻣن اﻟﻧﺎس" ،ﻗﺎﻟت :ﻓﺄﺧرج اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﺣﺗﻰ ﻧزﻟت ﻫذﻩ اﻵﯾﺔ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم رأﺳﻪ ﻣن اﻟﻘﺑﺔ وﻗﺎل :ﯾﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﻧﺎس اﻧﺻرﻓوا ﻓﻘد ﻋﺻﻣﻧﺎ اﷲ ﻋز وﺟل .
320
ﻓﺎﻟﻣﻘﺻود إذا ﺑﻌﺻﻣﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟرﺳوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻵﯾﺔ اﻟﺣﻣﺎﯾﺔ
ﻣن اﻟﻘﺗل ،ﻓﻠﻘد ﺗﻌرض ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌد اﻟﻬﺟرة إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ
ﻟﻣﺣﺎوﻻت اﻏﺗﯾﺎل ﻛﺛﯾرة ﺣﺎول اﻟﻘﯾﺎم ﺑﻬﺎ اﻟﯾﻬود واﻟﻣﻧﺎﻓﻘون واﻟوﺛﻧﯾون وﻏﯾرﻫم ،وﻟوﻻ
ﻋﺻﻣﺔ اﷲ ﻟرﺳوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﻘﺿﻲ ﻋﻠﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن اﻷﯾﺎم
اﻷوﻟﻰ ﻟﻠدﻋوة اﻟﺟﻬرﯾﺔ .وﻣن أراد اﻟﺗﻌرف ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣﺣﺎوﻻت ﻋﻠﯾﻪ اﻟرﺟوع إﻟﻰ ﻛﺗﺎب
:واﷲ ﯾﻌﺻﻣك ﻣن اﻟﻧﺎس -ﻷﺣﻣد اﻟﺟدع ،واﻟذي اﺳﺗﻌرض ﻓﯾﻪ ﻣﺣﺎوﻻت اﻏﺗﯾﺎﻟﻪ
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم إﺑﺗداء ﻣن ﺗﻠك اﻟﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻟﻛﺑرى اﻟﺗﻲ ﻗﺎﻣت ﺑﻬﺎ ﻗرﯾش واﻟﺗﻲ
. ﻛﺎﻧت ﺳﺑﺑﺎ ﻓﻲ ﻫﺟرﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ .
أﻣﺎ اﻷذى اﻟﻘوﻟﻲ واﻟﻔﻌﻠﻲ دون اﻟﻘﺗل ﻓﻘد ﺗﻌرض اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﻠﻛﺛﯾر
ﻣﻧﻪ وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ،وﻫذا ﻫو ﺣﺎل اﻟدﻋﺎة إﻟﻰ اﷲ ﻓﻲ ﻛل زﻣﺎن وﻣﻛﺎن ،وﻫذﻩ ﻫﻲ
ﺻ َﺑ ُروا َﻋﻠَ ٰﻰ ِ ﺳﻧﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻻﺑﺗﻼء ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ":وﻟَﻘَ ْد ُﻛ ﱢذﺑ ْت ر ِ
ﺳ ٌل ﻣ ْن ﻗَ ْﺑﻠ َك ﻓَ ََ ُُ َ
ﯾن " ﺳﻠِ َ ِ ِِ ِ ِ
ﺻ ُرَﻧﺎ َوَﻻ ُﻣ َﺑ ﱢد َل ﻟ َﻛﻠ َﻣﺎت اﻟﻠﱠﻪ َوﻟَﻘَ ْد َﺟ َ
ﺎء َك ﻣ ْن َﻧ َﺑِﺈ ا ْﻟ ُﻣ ْر َ َﻣﺎ ُﻛ ﱢذ ُﺑوا َوأُو ُذوا َﺣﺗﱠ ٰﻰ أَﺗَ ُ
ﺎﻫ ْم َﻧ ْ
.وﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم :أﺷدﻛم ﺑﻼء اﻷﻧﺑﯾﺎء ﺛم اﻷﻣﺛل ﻓﺎﻷﻣﺛل .وﻋﺻﻣﺔ
اﷲ وﺣﻣﺎﯾﺗﻪ ﻟرﺳوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن اﻟﻘﺗل ﻛﺎﻧت ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة
واﻟﺳﻼم دون ﻏﯾرﻩ ﻣن اﻟدﻋﺎة واﻟﻣﺑﻠﻐﯾن .وذﻟك ﻷﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻫو اﻟﻣﺑﻠﻎ
ﻋن رﺑﻪ وﻟذا ﺣﻔظﻪ ﻣن اﻟﻘﺗل ﺣﺗﻰ ﯾﺑﻠﻎ دﻋوة رﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻟوﺟﻪ اﻟذي ﯾرﯾدﻩ ﺗﻌﺎﻟﻰ.
س : 203ﻫﻧﺎك ﺟدل وﻏﻣوض ﺣول زواج ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑزﯾﻧب ﺑﻧت
ﺟﺣش ﻓﻬل ﺗزﯾﻠون اﻟﻐﻣوض ،وﺗﻛﺷﻔون اﻟﻣﻼﺑﺳﺎت ﻋن ﻫذا اﻟزواج ؟
321
ج : 203زﯾﻧب ﺑﻧت ﺟﺣش ﻫﻲ ﺑﻧت ﻋﻣﺔ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم" أﻣﯾﻣﺔ ﺑﻧت
ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب" وﻫﻲ أﺧت ﻋﺑداﷲ ﺑن ﺟﺣش رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ اﻟذي اﺳﺗﺷﻬد ﯾوم أﺣد.
وﻗد ﺗزوﺟﻬﺎ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻌد أن طﻠﻘﻬﺎ ﻣوﻻﻩ زﯾد ﺑن ﺣﺎرﺛﺔ رﺿﻲ
اﷲ ﻋﻧﻪ ﺑدون ﻋﻘد ﺑﺷري ﻷن اﻟذي زوﺟﻪ إﯾﺎﻫﺎ ﻫو اﷲ ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ وذﻟك ﻹﺑطﺎل
ﻋﺎدة اﻟﺗﺑﻧﻲ ،وﻋﺎدة ﺗﺣرﯾم اﻟﺗزوج ﺑزوﺟﺔ اﻟﻣﺗﺑﻧﻰ واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺳﺎﺋدة آﻧذال ﻓﻲ أوﺳﺎط
اﻟﻌرب .وﻗد أﻧزل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺑﯾﺎن ﻫذا اﻷﻣر آﯾﺎت ﺗﺗﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﻘرأن اﻟﻛرﯾم ﻗﺎﻟﻰ
ق اﻟﻠﱠ َﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " َ ٕوِا ْذ ﺗَﻘُو ُل ﻟِﻠﱠ ِذي أَ ْﻧ َﻌ َم اﻟﻠﱠ ُﻪ َﻋ َﻠ ْﯾ ِﻪ َوأَ ْﻧ َﻌ ْﻣ َت َﻋﻠَ ْﯾ ِﻪ أ َْﻣ ِﺳ ْك َﻋ َﻠ ْﯾ َك َز ْو َﺟ َك َواﺗﱠ ِ
وﺗُ ْﺧ ِﻔﻲ ِﻓﻲ َﻧ ْﻔ ِﺳ َك ﻣﺎ اﻟﻠﱠ ُﻪ ﻣ ْﺑ ِد ِ
ﺿ ٰﻰ َزْﯾ ٌد ﺷﺎﻩُ َﻓﻠَ ﱠﻣﺎ ﻗَ َ َن ﺗَ ْﺧ َ
ق أْ ﺎس َواﻟﻠﱠ ُﻪ أ َ
َﺣ ﱡ ﺷﻰ اﻟ ﱠﻧ َ ﯾﻪ َوﺗَ ْﺧ َ ُ َ َ
ﺿ ْوااج أ َْد ِﻋ َﯾ ِﺎﺋ ِﻬ ْم إِ َذا ﻗَ َ
ﯾن َﺣ َر ٌج ِﻓﻲ أ َْزَو ِ ون َﻋ َﻠﻰ ا ْﻟ ُﻣ ْؤ ِﻣ ِﻧ َط ًار َزﱠو ْﺟ َﻧﺎ َﻛ َﻬﺎ ِﻟ َﻛ ْﻲ َﻻ َﯾ ُﻛ َ ِﻣ ْﻧ َﻬﺎ َو َ
ض اﻟﻠﱠ ُﻪ ﻟَ ُﻪ ِ ﱠ ِ ﺎن أ َْﻣ ُر اﻟﻠﱠ ِﻪ َﻣ ْﻔ ُﻌ ًوﻻ * َﻣﺎ َﻛ َ ِﻣ ْﻧ ُﻬ ﱠن َوطَ ًار َو َﻛ َ
ﯾﻣﺎ ﻓَ َر َ ﺎن َﻋ َﻠﻰ اﻟﻧ ِﺑ ﱢﻲ ﻣ ْن َﺣ َر ٍج ﻓ َ
ور " . ﺎن أ َْﻣ ُر اﻟﻠﱠ ِﻪ ﻗَ َد ًار َﻣ ْﻘ ُد ًا
ﯾن َﺧﻠَ ْوا ِﻣ ْن ﻗَ ْﺑ ُل َو َﻛ َ
ﺳ ﱠﻧ َﺔ اﻟﻠﱠ ِﻪ ِﻓﻲ اﻟﱠ ِذ َُ
وﻓﻲ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ" وﺗﺧﻔﻲ ﻓﻲ ﻧﻔﺳك ﻣﺎ اﷲ ﻣﺑدﯾﻪ" أﺧذت ﻋﻘول اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﺗﺟول ﻓﻲ
اﻟﺧﯾﺎل ﻟﺗﻌرف ﻣﺎ أﺧﻔﺎﻩ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وﻏﻔﻠت ﻋن ﻗول اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ
"ﻣﺎ اﷲ ﻣﺑدﯾﻪ" ،واﻟذي ﯾﻔﻬم ﻣﻧﻪ أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﺑدى ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻪ ﻣﺎ أﺧﻔﺎﻩ رﺳول اﷲ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .واﻵﯾﺔ واﺿﺣﺔ أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﺑدى ﻓﯾﻬﺎ أن زﯾﻧب ﺳﺗﻛون زوﺟﺎ
ﻟﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻟم ِ
ﯾﺑد ﺷﯾﺋﺎً آﺧر ﻏﯾر ﻫذا ،ﻓﻛﺎن اﻷﺻل ﻓﻲ ﻫذﻩ
اﻟﻌﻘول أن ﺗﻔﻛر ﻓﻲ ﻛﺗﺎب اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﻻ ﺗﺗرك ﻟﺧﯾﺎﻟﻬﺎ اﻟﻌﻧﺎن ،ﻓﺗﻘول ﻋن رﺳول اﷲ
ِ
وﻟﻧﺄت إﻟﻰ ﺗﻔﺻﯾل ﻗﺻﺔ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣﺎ ﻻ ﯾﻠﯾق ﺑﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
ﻫذا اﻟزواج اﻟﻣﺑﺎرك :
زﯾد ﺑن ﺣﺎرﺛﺔ ﻋرﺑﻲ ﻣن ﺑﻧﻲ ﻛﻠب ،وﻗد أﻏﺎرت إﺣدى اﻟﻘﺑﺎﺋل ﻋﻠﻰ ﻗوﻣﻪ ﻓﺄﺧذﺗﻪ أﺳﯾ ارً
ﻋﻠﻰ ﻋﺎدات اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﯾن وﺑﯾﻊ ،ﻓﺎﺷﺗراﻩ ﺣﻛﯾم ﺑن ﺣزام -رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ -ﻟﻌﻣﺗﻪ
322
ﺧدﯾﺟﺔ -رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ -ﺛم وﻫﺑﺗﻪ ﻟرﺳول اﷲ – ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -وﻛﺎن أﻫﻠﻪ
ﯾﺑﺣﺛون ﻋﻧﻪ ﻟﯾﻌﯾدوﻩ إﻟﯾﻬم ،ﺣﺗﻰ ﻋﻠﻣوا ﺑﻣﻛﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ اﻟﻣﻛرﻣﺔ ،ﻓﺟﺎؤوا رﺳول اﷲ
-ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -وطﻠﺑوا ﻣﻧﻪ ورﺟوﻩ أن ﯾﻌﯾد إﻟﯾﻬم اﺑﻧﻬم ،وﻫم أﻫل اﻟﺣرم
أوﻟﻰ اﻟﻧﺎس ﺑﺎﻟﻣﻛﺎرم .ﻓﻌرض ﻋﻠﯾﻬم رﺳول اﷲ -ﺻﻠﻲ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﻋرﺿﺎً آﺧر،
وﻫو أن ﯾﺄﺗوا ﺑزﯾد وﯾﺧﯾروﻩ ﺑﯾن أﺑﯾﻪ وأﻫﻠﻪ ،وﺑﯾن اﻟﺑﻘﺎء ﻋﻧد ﻣﺣﻣد ،ﻓﺎﺧﺗﺎر زﯾد ﻣﺣﻣداً
ﻟﻣﺎ رأى ﻣن ﺳﻣو ﺧﻠﻘﻪ ،وطﯾب ﻣﻌﺷرﻩ ،وﺣﺳن ﺗﻌﺎﻣﻠﻪ .ﻓﻘﺎل ﻟﻪ أﻫﻠﻪ :أﺗﺧﺗﺎر
اﻟﻌﺑودﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﯾﺔ ؟ .ﻓﻛﺎﻓﺄﻩ رﺳول اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﺑﺄن أﻋﻠن ﻓﻲ
ﻧﺎدي ﻗرﯾش أن زﯾداً اﺑﻧﻪ ﯾرﺛﻪ ،وﯾرث ﻣﻧﻪ ،ﻓﺄﺻﺑﺢ ﯾدﻋﻰ" زﯾد ﺑن ﻣﺣﻣد" .ﺛم ﺟﺎء اﷲ
ﺑﺎﻹﺳﻼم ،ﻓﻛﺎن زﯾد أول ﻣن أﺳﻠم ﻣن اﻟﻣواﻟﻲ ،ﺣﺗﻰ إذا ﺷب وﻫو ﻓﻲ رﻋﺎﯾﺔ رﺳول
اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -أراد أن ﯾﻛﺎﻓﺋﻪ ﺛﺎﻧﯾﺔ ،ﻓزوﺟﻪ ﺑﺎﺑﻧﺔ ﻋﻣﺗﻪ" زﯾﻧب" ﺗﺄﻛﯾداً
ﻟﺣرﯾﺗﻪ وﺑﻧوﺗﻪ ﻟﻪ ورﻓﻌﺎً ﻟﻣﻛﺎﻧﺗﻪ.
ﻓﺧطﺑﻬﺎ رﺳول اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﻟزﯾد ،ﻓﺄﺑت ﻟﻛوﻧﻬﺎ ﻗرﺷﯾﺔ ذات ﺣﺳب
وﻧﺳب ،وﻛﺄﻧﻬﺎ رأت ﻓﻲ زﯾد ﻧزوﻻً ﻓﻲ اﻟرﺗﺑﺔ ،وﻋدم اﻟﻛﻔﺎءة ﻟﻬﺎ ،ﻓﺄﻧزل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ
ون ﻟَ ُﻬ ُم ا ْﻟ ِﺧ َﯾ َرةُ
َن َﯾ ُﻛ َ
ﺳوﻟُ ُﻪ أ َْﻣ ًار أ ْ ﺎن ﻟِ ُﻣ ْؤ ِﻣ ٍن َوَﻻ ُﻣ ْؤ ِﻣ َﻧ ٍﺔ إِ َذا ﻗَ َ
ﺿﻰ اﻟﻠﱠ ُﻪ َوَر ُ ﻛﺗﺎﺑﻪ َ " :و َﻣﺎ َﻛ َ
ِﻣ ْن أ َْﻣ ِرِﻫ ْم " .ﻓﻣﺎ ﻛﺎن ﻣن زﯾﻧب إﻻ أن ﻗﺎﻟت :ﻗد رﺿﯾت ﯾﺎ رﺳول اﷲ ﻣن رﺿﯾﺗﻪ ﻟﻲ
زوﺟﺎ .وﺗزوﺟﻬﺎ زﯾد ،وﻣﻛث ﻣﻌﻬﺎ ﻗرﯾﺑﺎً ﻣن اﻟﺳﻧﺔ.
وﻫﻛذا روى اﻟﺳري ،ﻗﺎل :ﺑﻠﻐﻧﺎ أن ﻫذﻩ اﻵﯾﺔ ﻧزﻟت ﻓﻲ زﯾﻧب ﺑﻧت ﺟﺣش ،وﻛﺎﻧت أﻣﻬﺎ
أﻣﯾﻣﺔ ﺑﻧت ﻋﺑد اﻟﻣطﻠب -ﻋﻣﺔ رﺳول اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -وﻛﺎن رﺳول اﷲ-
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -أراد أن ﯾزوﺟﻬﺎ زﯾد ﺑن ﺣﺎرﺛﺔ -ﻣوﻻﻩ -ﻓﻛرﻫت ذﻟك ،ﺛم أﻧﻬﺎ
رﺿﯾت ﺑﻣﺎ ﺻﻧﻌﻪ رﺳول اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﻓزوﺟﻬﺎ إﯾﺎﻩ ،ﺛم أﻋﻠم اﷲ -ﻋز
وﺟل -ﻧﺑﯾﻪ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﺑﻌد أﻧﻬﺎ ﺳﺗﻛون ﻣن أزواﺟﻪ ،ﻓﻛﺎن ﯾﺳﺗﺣﻲ أن
323
ﯾﺄﻣر ﺑطﻼﻗﻬﺎ ،وﻛﺎن ﺑﯾن زﯾد وزﯾﻧب ﻣﺎ ﯾﻛون ﺑﯾن اﻷزواج ﻣن اﻟﺧﻼف ،ﻓﺄﻣرﻩ رﺳول
اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -أن ﯾﻣﺳك ﻋﻠﯾﻪ زوﺟﻪ ،وأن ﯾﺗق اﷲ .وﻛﺎن ﯾﺧﺷﻰ اﻟﻧﺎس
أن ﯾﻌﯾﺑوا ﻋﻠﯾﻪ ،وﯾﻘوﻟوا ﺗزوج اﻣرأة اﺑﻧﻪ ،وﻛﺎن ﻗد ﺗﺑﻧﻰ زﯾداً " ﻓﻠم ﯾﻛن اﻟذي أﺧﻔﺎﻩ
رﺳول اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﻫو ﺣﺑﻪ ﻟزﯾﻧب ﻛﻣﺎ ﯾﻘول اﻷﻓﺎﻛون ،وﻟو ﻛﺎن اﻟذي
ﯾﺧﻔﯾﻪ ﻫو ﺣﺑﻪ ﻟزﯾﻧب ﻷظﻬرﻩ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ .وﻣﺎ ﻛﺎن ﻟرﺳول اﷲ -ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﻟﯾﻔﻌل ﻫذا وﻫو اﻟﻣﻌﺻوم ،واﻟﻧﺑﻲ اﻟﻣرﺳل اﻟذي ﻗﺎل اﷲ ﻓﻲ ﺣﻘﻪٕ " :واﻧك
ﻟﻌﻠﻰ ﺧﻠق ﻋظﯾم".
وأﻣﺎ اﻟذي ﻛﺎن ﯾﺧﺷﺎﻩ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻬو ﻗول اﻟﻧﺎسٕ ،وارﺟﺎف اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن،
واﻟﯾﻬود ﺑﻘوﻟﻬم :أﯾﻧﻬﻰ ﻋن ﻧﻛﺎح زوﺟﻪ اﻻﺑن ،وﯾﺗزوج زوﺟﺔ اﺑﻧﻪ زﯾد؟
وﻟم ﺗدم اﻟﻌﺷرة ﺑﯾن زﯾد وزﯾﻧب ﻓطﻠﻘﻬﺎ.
ﻗﺎل أﻧس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ :ﻟﻣﺎ اﻧﻘﺿت ﻋدة زﯾﻧب ،ﻗﺎل رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
ﻋﻠﻲ .ﻗﺎل :ﻓﺎﻧطﻠﻘت ،ﻓﻘﻠت :ﯾﺎ زﯾﻧب ...أﺑﺷري ،أرﺳل رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ
ﻟزﯾد :أذﻛرﻫﺎ ّ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﯾذﻛرك .ﻓﻘﺎﻟت :ﻣﺎ أﻧﺎ ﺑﺻﺎﻧﻌﺔ ﺷﯾﺋﺎً ﺣﺗﻰ أؤاﻣر ﻣن رﺑﻲ .ﻓﻘﺎﻣت
إﻟﻰ ﻣﺳﺟدﻫﺎ ،وﻧزل اﻟﻘرآن ،وﺟﺎء رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺣﺗﻰ دﺧل ﻋﻠﯾﻬﺎ
ﺑﻐﯾر إذن .ﻗﺎل اﺑن ﺣﺟر :وﻫذا أﺑﻠﻎ ﻣﺎ وﻗﻊ ﻓﻲ ذﻟك ،وﻫو أن ﯾﻛون اﻟذي ﻛﺎن
زوﺟﻬﺎ ﻫو اﻟﺧﺎطب ،ﻟﺋﻼ ﯾظن أﺣد أن ذﻟك وﻗﻊ ﻗﻬ ارً ﺑﻐﯾر رﺿﺎﻩ .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " ﻓﻠﻣﺎ
ﻗﺿﻰ زﯾد ﻣﻧﻬﺎ وط ار زوﺟﻧﺎﻛﻬﺎ ﻟﻛﻲ ﻻ ﯾﻛون ﻋﻠﻰ اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﺣرج ﻓﻲ أزواج أدﻋﯾﺎﺋﻬم
إذا ﻗﺿوا ﻣﻧﻬن وط ار " .ﻓﺗزوﺟﻬﺎ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻟﯾﺑطل اﷲ ﺑﻬذا
اﻟزواج ﻋﺎدﺗﯾن ﺟﺎﻫﻠﯾﺗﯾن ﻏﻠﺑﺗﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﯾﺎة اﻟﻧﺎس آﻧذاك وﻫﻣﺎ :ﻋﺎدة ﻋدم اﻟﺗزوج
ﺑزوﺟﺔ اﻟﻣﺗﺑﻧﻰ ،وﻋﺎدة اﻟﺗﻌﺎﻟﻲ واﻟﺗﻔﺎﺧر ﺑﺎﻟﺣﺳب واﻟﻧﺳب ﺑﺣﯾث ﻻ ﯾزوج اﻟﺷرﯾف ﻣن
324
ﻛﺎن وﺿﯾﻌﺎً ﻓﻲ ﻋرف اﻟﻧﺎس ،وﻹﻗرار ﻗﺎﻋدة اﻟﺗﻔﺎﺿل اﻟﺣﻘﺔ وﻫﻲ " :إن أﻛرﻣﻛم ﻋﻧد
اﷲ أﺗﻘﺎﻛم" .
وﺑﻌد ....ﻓﻬذا ﻣﺎ ﺗﯾﺳر ﺟﻣﻌﻪ وﻋرﺿﻪ .وأﺳﺄل اﷲ ﺑﺄﺳﻣﺎﺋﻪ اﻟﺣﺳﻧﻰ ،وﺻﻔﺎﺗﻪ اﻟﻌﻠﻰ
أن ﯾﺟﻌﻠﻪ ﺧﺎﻟﺻﺎً ﻟوﺟﻬﻪ اﻟﻛرﯾم ،وأن ﯾﻧﻔﻊ ﺑﻪ ﻣن ﻛﺗﺑﻪ وﻣن ﻗرأﻩ ،وﻣن أﻋﺎن ﻋﻠﻰ
ﻋﻠﻲ اﻟﻘﺎريء اﻟﻛرﯾم ﺑﻣﺎ ﯾﻌﯾن ﻋﻠﻰ إﺧراج ﻫذا اﻟﻌﻣل
ﻧﺷرﻩ وﺗﻌﻠﯾﻣﻪ .وأرﺟو أﻻ ﯾﺑﺧل ّ
ﺑﺻورة أﻓﺿل ﺳواء ﻣﻼﺣظﺔ ،أو إﺿﺎﻓﺔ ،أو ﺗﻌﻠﯾﻘﺎ ،أو ﺗﺻﺣﯾﺣﺎ ﻓﻣﺎ ﻫو إﻻ ﺟﻬد
ﺑﺷري دﻓﻌﻧﻲ ﻟﻠﻘﯾﺎم ﺑﻪ ﺣﺑﻲ ﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،واﻟرﻏﺑﺔ ﻓﻲ ﻧﺷر ﺳﯾرﺗﻪ اﻟﻌطرة
وﺗﻌﻠﯾﻣﻬﺎ اﻟﻧﺎس .وأﺳﺄل اﷲ أن ﯾﻐﻔر ﻟﻲ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣن ﺧطﺄ أو ﺗﻘﺻﯾر .وﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺑﻌوث رﺣﻣﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻣﯾن ،وﻋﻠﻰ آﻟﻪ وأﺻﺣﺎﺑﻪ واﻟﺗﺎﺑﻌﯾن ﻟﻬم ﺑﺈﺣﺳﺎن إﻟﻰ ﯾوم
اﻟدﯾن .
اﻟﻠﻬم ﺻﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺣﻣد وﻋﻠﻰ آل ﻣﺣﻣد ،ﻛﻣﺎ ﺻﻠﯾت ﻋﻠﻰ إﺑراﻫﯾم وﻋﻠﻰ آل إﺑراﻫﯾم إﻧك
ﺣﻣﯾد ﻣﺟﯾد ،وﺑﺎرك ﻋﻠﻰ ﻣﺣﻣد وﻋﻠﻰ آل ﻣﺣﻣد ،ﻛﻣﺎ ﺑﺎرﻛت ﻋﻠﻰ إﺑراﻫﯾم وﻋﻠﻰ آل
إﺑراﻫﯾم إﻧك ﺣﻣﯾد ﻣﺟﯾد .واﻟﺣﻣد ﷲ أوﻻً وآﺧ ارً .وآﺧر دﻋواﻧﺎ أن اﻟﺣﻣد ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾن.
اﻹﺛﻧﯾن ،اﻟﻌﺎﺷر ﻣن ﻣﺣرم ،ﻣن اﻟﻌﺎم 1433ﻫـ ،
د .ﻣﺣﻣد ﺳﻌﯾد ﻣرﯾزن ﻋﺳﯾري ،
أﺳﺗﺎذ ﻣﺷﺎرك /ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻣﻠك ﺧﺎﻟد ﺑﺄﺑﻬﺎ .
E-mail : Dr.Aseeri@Yahoo.com
ﺟوال 0506717030/
325
ﻓﻬرس اﻟﺧراﺋط واﻷﺷﻛﺎل
327
– 21ﻏزوة ذات اﻟرﻗﺎع
– 22ﻏزوة دوﻣﺔ اﻟﺟﻧدل
– 23ﻏزوة ﺑﻧﻲ اﻟﻣﺻطﻠق ) اﻟﻣرﯾﺳﯾﻊ (
– 24ﻏزوة اﻷﺣزاب ) اﻟﺧﻧدق (
– 25ﻏزوة ﺑﻧو ﻗرﯾظﺔ
– 26اﻟﻐزوات واﻟﺳراﯾﺎ ﻗﺑل اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ
– 27ﻛﺗب اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ اﻟﻣﻠوك واﻷﻣراء
– 28ﻏزوة ﺧﯾﺑر وﻓدك ووادي اﻟﻘرى
– 29ﻏزوة ﻣؤﺗﻪ
– 30ﻓﺗﺢ ﻣﻛﺔ
– 31ﻏزوة ﺣﻧﯾن
– 32اﻟﺳراﯾﺎ اﻟﺗﻲ ﺑﻌﺛﻬﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻌد ﻋودﺗﻪ ﻣن
اﻟطﺎﺋف
– 33ﻏزوة ﺗﺑوك
– 34ﻋﺎم اﻟوﻓود
ﻓـــــﻬـرس اﻷﺳﺋﻠﺔ
س :1ﻣﺗﻰ ؟ وأﯾن وﻟد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ؟ وﻣﺎ اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻌظﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﻣوﻟدﻩ ؟
ﻣﺣﻣد؟
ً س : 2ﻛﯾف ﻛﺎن ﺣﻣﻠﻪ ووﻻدﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،وﻣن ﺳﻣﺎﻩ
328
س : 4ﻛم ﻣرة ذﻛر اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺎﺳﻣﻪ ﻓﻲ اﻟﻘرآن ؟
س : : 5ﻣﺎ اﺳم أﺑوﻩ وأُﻣﻪ ؟
س : 8ﻛم ﻣﻛث ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ دﯾﺎر ﺑﻧﻲ ﺳﻌد ،وﻣﺎذا ﺣدث ﻟﻪ ﻫﻧﺎك؟
س : 9ﻫل ﻣن درس ﻧﺳﺗﻔﯾدﻩ ﻣن ﻗﺻﺔ رﺿﺎﻋﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﺑﻧﻲ ﺳﻌد؟
س :12ﻣﺎ أﺑرز اﻷﺣداث اﻟﺗﻲ ﺣدﺛت ﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وﻫو ﻓﻲ ﻛﻔﺎﻟﺔ ﻋﻣﻪ؟
س :14ﻫل ﻣﺎرس ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم أﻋﻣﺎﻻً أﺧرى ﻏﯾر اﻟﺗﺟﺎرة ؟
س :15ﻛم ﻋﺎش ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻣﻊ ﺧدﯾﺟﺔ ،وﻛﯾف ﻛﺎﻧت ﺣﯾﺎﺗﻬﺎ ﻣﻌﻪ ؟
س :16ﻣﺎ ﻗﺻﺔ ﺑﻧﺎء ﻗرﯾش ﻟﻠﻛﻌﺑﺔ ،وﻫل ﺷﺎرك ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﺑﻧﺎﺋﻬﺎ؟
س :17ﻛﯾف ﻛﺎﻧت ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌرب اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺟزﯾرﺗﻬم ﻗﺑل ﻣﺑﻌﺛﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم؟
س : 18ﻛﯾف ﻛﺎﻧت أﺣواﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻌد ﺑﻧﺎء اﻟﻛﻌﺑﺔ ،وﻗﺑل أن ﯾوﺣﻰ إﻟﯾﻪ ؟
329
س : 20ﻫل ﻣن درس ﻧﺳﺗﻔﯾدﻩ ﻣن ﻫذﻩ اﻟﺳﯾرة اﻟﻌطرة ﻗﺑل اﻟﺑﻌﺛﺔ ؟
س : 21ﻛﯾف ﻛﺎﻧت ﺑداﯾﺔ اﻟﻧﺑوة وﻧزول اﻟوﺣﻲ ؟
س : 24ﻫل ﺗﺗﺎﺑﻊ اﻟوﺣﻲ ﺑﻌد اﻟﻠﻘﺎء اﻷول ﻓﻲ ﻏﺎر ﺣراء ﺑﯾن ﻣﺣﻣد وﺟﺑرﯾل ﻋﻠﯾﻬﻣﺎ
اﻟﺳﻼم؟
س 28ـ ﻣﺎ اﻟﺣﻛﻣﺔ ﻓﻲ أن اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑدأ دﻋوﺗﻪ ﺳرا وﻟم ﯾﺟﻬر
ﺑﻬﺎ؟
330
س : 35ﻣن ﻛﺎن أﺷد اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﺗﻌرﺿﺎً ﻷذى ﻗرﯾش؟
س : 37ﻣﺎ اﻟﺣﻛﻣﺔ ﻣن ﺣﻣﺎﯾﺔ أﺑو طﺎﻟب ﻟﻠرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻫو ﻋﻠﻰ ﻏﯾر
دﯾن اﻹﺳﻼم؟
س :38ﻣﺎ ﻫو ﻣوﻗف اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن ﻫذﻩ اﻻﺿطﻬﺎدات ﻟﻪ
وﻷﺻﺣﺎﺑﻪ؟
س : 39ﻣن أﺷﻬر ﻣن أﺳﻠم ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺣرﺟﺔ ،وﻣﺎ أﺛر إﺳﻼﻣﻬم ﻋﻠﻰ
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻋﻠﻰ ﻗرﯾش؟
س :47ﻫل ﺗزوج ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻌد وﻓﺎة ﺧدﯾﺟﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﺎ ؟
331
س :49ﻛم ﻣرة ﻛﺎن اﻹﺳراء واﻟﻣﻌراج؟
س :52ﻣﺎ أدﻟﺔ ﻛون اﻹﺳراء واﻟﻣﻌراج ﺑﺎﻟروح واﻟﺟﺳد ﻣﻌﺎً ) ﯾﻘظﺔ ﻻ ﻣﻧﺎﻣﺎ(؟
س :62ﻟﻣﺎذا ﻟم ﯾﺄذن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻷﺑﻲ ﺑﻛر وﻋﻠﻲ ﺑﺎﻟﻬﺟرة ؟ .
س :64ﻣﺎ اﻟﺧطﺔ اﻟﺗﻲ وﺿﻌﻬﺎ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم وأﺑو ﺑﻛر ﻟﻠﻬﺟرة؟
332
س : 65أي اﻟﺧطﺗﯾن ﻧﺟﺣت؟
س 66ﻣﺎذا ﻓﻌﻠت ﻗرﯾش ﺑﻌد ﻓﺷل ﺧطﺗﻬﺎ وﻧﺟﺎة ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم؟
س :67ﻛﯾف ﻫﺎﺟر ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم وﺻﺎﺣﺑﻪ أﺑو ﺑﻛر؟ وﻣﺎذا ﺗﻌﻧﻲ اﻟﻬﺟرة ؟
س :71ﻛم ﻣﻛث ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﻗﺑﺎء؟ وﻣﺎذا ﻋﻣل ﺧﻼل إﻗﺎﻣﺗﻪ؟
س : 73ﻛﯾف ﻛﺎﻧت اﻷﺣوال اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ واﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻟﻠﻣدﯾﻧﺔ ﺣﯾن وﺻﻠﻬﺎ اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ؟
س : 74ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﻣﺷﻛﻼت اﻟﺗﻲ واﺟﻬت اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑﻌد وﺻوﻟﻪ اﻟﻣدﯾﻧﺔ؟
س : 75ﻣﺎ اﻷﻋﻣﺎل اﻟﺗﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻟﻣواﺟﻬﺔ ﻫذﻩ اﻟﻣﺷﺎﻛل؟
س : 78ﻣن أﺷﻬر ﻣن أﺳﻠم ،وﻣن ﻋﺎداﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻋﻧد ﻗدوﻣﻪ اﻟﻣدﯾﻧﺔ؟
333
س : 80ﻣﺎ ﻫﻲ أﺑرز ﺣوادث اﻟﺳﻧﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣن اﻟﻬﺟرة؟
س : 85ﻣﺎ اﻟﺳراﯾﺎ واﻟﻐزوات اﻟﺗﻲ ﺣدﺛت ﻗﺑل ﺑدر؟ وﻣﺎ ﻫدﻓﻬﺎ ؟
334
س :96ﻣﺎ أﺳﺑﺎب ﻏزو ﺑﺣران؟
س : 98ﻫل ﻏﯾرت ﻗرﯾش طرﯾق ﺗﺟﺎرﺗﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺷﺎم ﺑﻌﯾدا ﻋن اﻟﻣدﯾﻧﺔ ؟ وﻣﺎذا ﻓﻌل
ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ؟
س : 101ﻣﺎذا ﻓﻌل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻟﻣﺎ ﻋﻠم ﺑﺧﺑر ﺟﯾش ﻣﻛﺔ اﻟزاﺣف ﻧﺣو اﻟﻣدﯾﻧﺔ ؟
س : 108ﻣﺎ أﺳﺑﺎب ﺳرﯾﺔ أﺑو ﺳﻠﻣﺔ اﻟﻣﺧزوﻣﻲ ؟ ٕواﻟﻰ أﯾن ﺗوﺟﻬت؟
335
س : 111ﻣﺎ ﻗﺻﺔ ﻣﺄﺳﺎة ﺑﺋر ﻣﻌوﻧﺔ ؟
س : 115ﻣﺎ أﻫم أﺣداث اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ ﻣن اﻟﻬﺟرة ؟ س : 116ﻣﺎ ﺧﻼﺻﺔ ﻗﺻﺔ
ﻏزوة دوﻣﺔ اﻟﺟﻧدل؟
س : 122ﻣﺎذا ﻓﻌل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺣﯾن ﻋﻠم ﺑﺧطﺔ اﻟﯾﻬود وﻗﺑﺎﺋل اﻟﻌرب؟
336
س : 126ﻫل ﻟك أن ﺗﻠﺧص ﻟﻧﺎ أﺣداث ﻫذﻩ اﻟﻐزوة؟
س : 133ﻣﺎ ﻗﺻﺔ زواﺟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑزﯾﻧب ﺑﻧت ﺟﺣش؟ وﻣﺎ اﻟدروس اﻟﻣﺳﺗﻔﺎدة
ﻣن ﻫذا اﻟزواج اﻟﻣﺑﺎرك؟
س : 134ﻣﺎ ﻣﻠﺧص اﻟﻐزوات واﻟﺳراﯾﺎ اﻟﺗﻲ ﺣدﺛت ﺳﻧﺔ 6ﻫـ وﻗﺑل ﺻﻠﺢ اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ ؟
س : 135ﻟﻣﺎذا ﺧرج ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻷداء اﻟﻌﻣرة ؟ وﻛﯾف ﺗم ﺻﻠﺢ اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ؟
س :140ﻣﺎذا ﻓﻌل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﻌد أن ﺗم اﻟﺻﻠﺢ ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن ﻗرﯾش ؟
337
س : 141ﻣﺎ ﺛﻣرات ﻫذا اﻟﺻﻠﺢ اﻟﻣﺑﺎرك ؟
س : 145ﻫل ﻋﻠم ﯾﻬود ﺧﯾﺑر ﺑﺧروج اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﯾﻬم ؟
س : 147ﻣﺎذا ﻓﻌل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﻌد ﻓﺗﺢ ﺧﯾﺑر ؟ وﻛم ﻛﺎن ﻗﺗﻠﻰ اﻟﻔرﯾﻘﯾن ؟
س : 148ﻣﺎذا ﺣدث أﺛﻧﺎء ﺗواﺟدﻩ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻓﻲ ﺧﯾﺑر ﺑﻌد ﻓﺗﺣﻬﺎ ؟
338
س : 156ﻣﺗﻰ ﻛﺎن ﻓﺗﺢ ﻣﻛﺔ ؟ وﻣﺎ أﺳﺑﺎﺑﻪ ؟
س :157ﻫل ﻋﻠم ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻬذا اﻹﻋﺗداء ؟ وﻣﺎذا ﻓﻌل ؟
س : 160ﻣﺗﻰ ﺧرج ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ؟ وﻛم ﻛﺎن ﻋدد اﻟﺟﯾش ؟
س: 164ﻣﺎذا ﺣدث أﺛﻧﺎء إﻗﺎﻣﺗﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﻌد اﻟﻔﺗﺢ ﻓﻲ ﻣﻛﺔ ؟
س : 166ﻫل ﻋﻠم اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻬذا اﻟﺧروج ؟ وﻣﺎذا ﻓﻌل ؟
س : 169ﻣﺎذا ﻓﻌل ﻋﻠﯾﺔ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺑﻌد ﻋودﺗﻪ ﻣن اﻟطﺎﺋف إﻟﻰ اﻟﺟﻌراﻧﺔ ؟
339
س : 172ﻣﺎ اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ واﻵﺛﺎر اﻟﻣﺗرﺗﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﺗﺢ ﻣﻛﺔ ؟
س : 173ﻣﺎ اﻟﺳراﯾﺎ اﻟﺗﻲ ﺑﻌﺛﻬﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻌد ﻋودﺗﻪ ﻣن اﻟطﺎﺋف ؟ وﻣﺎ
ﻫدﻓﻬﺎ ؟
س : 174ﻣﺎ ﻫﻲ ﺗﺑوك ؟ وﻣﺗﻰ ﻏزاﻫﺎ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ؟ وﻣﺎ أﺳﺑﺎب ﻫذﻩ
اﻟﻐزوة ؟
س : 175ﻛﯾف ﺗﻬﯾﺄ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻟﻬذﻩ اﻟﻐزوة ؟ وﻣﺎ اﻟﻣﺻﺎﻋب اﻟﺗﻲ واﺟﻬﺗﻪ ؟
س : 176ﻛﯾف ﺗﺣرك ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ ﺗﺑوك ؟ وﻣﺎذا ﺣدث ﻓﻲ اﻟطرﯾق ؟
س : 179ﻣﺎ أﺑرز اﻷﺣداث اﻟﺗﻲ وﻗﻌت ﺑﻌد ﻋودﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻣن ﺗﺑوك ؟
س : 183ﻣﺗﻰ ﺷرع اﻟﺣﺞ ؟ وﻟﻣﺎذا ﻟم ﯾﺣﺞ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﺳﻧﺔ ﺗﺳﻌﺔ ﻣن
اﻟﻬﺟرة ؟
س : 187ﻣﺎ أول أﻋﻣﺎﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﻌد ﻋودﺗﻪ ﻣن ﺣﺟﺔ اﻟوداع؟
س :189ﻣﺗﻰ ﺑدأت ﺷﻛوى اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ؟ وﻛم ﻣدة ﻣرﺿﻪ ؟
س : 190
ﻛﯾف ﻗﺿﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻷﯾﺎم اﻷﺧﯾرة ﻗﺑل وﻓﺎﺗﻪ ؟
س : 191ﻣﺎذا ﻓﻌل اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﺑﻘﯾت ﻧﻬﺎر ﯾوم ﺗوﻓﻲ رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم
؟
س : 194ﻣن ﻫم آل ﻣﺣﻣد اﻟذﯾن ﻻ ﺗﺣل ﻟﻬم اﻟﺻدﻗﺔ ،واﻟذﯾن ﻧﺻﻠﻲ ﻋﻠﯾﻬم ﻋﻧد
ﻛل ﺻﻼة ؟
س : 195ﻣن ﻫم آل ﻣﺣﻣد اﻟذﯾن ﻻ ﺗﺣل ﻟﻬم اﻟﺻدﻗﺔ ،واﻟذﯾن ﻧﺻﻠﻲ ﻋﻠﯾﻬم ﻋﻧد
ﻛل ﺻﻼة ؟
س : 196ﻛﯾف أﻋرف ﯾﻘﯾﻧﺎً أن ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم رﺳول ﻣن ﻋﻧد اﷲ؟
341
س : 197ﯾوﺻف اﻹﺳﻼﻣﯾون اﻟﯾوم ﺑﺄﻧﻬم إرﻫﺎﺑﯾون وﻣﺗطرﻓون ﻷﻧﻬم ﻛﺛﯾ ارً ﻣﺎ ﯾﻠﺟﺄون
إﻟﻰ اﻟﻌﻧف ،و ﯾﺳﻣون ﻫذا اﻟﻌﻧف ﺟﻬﺎداً ﻣﺗﺄﺛرﯾن ﺑﻣﺎ ﯾﻘرأون ﻓﻲ ﺳﯾرة اﻟﻧﺑﻲ ﻣﺣﻣد -
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﻓﻛﯾف ﺗردون ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟوﺻف ؟
س : 198ﻟﻣﺎذا ﺗزوج اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑﺄﻛﺛر ﻣن أرﺑﻊ ،وﺣدد ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن
أرﺑﻌﺎً ﻓﻘط ؟
س :199ﻫﻧﺎك ﺗﻌﺎرض ﻣﺎﺑﯾن اﻟﻘرآن وأﺣداث اﻟﺳﯾرة ،ﺣﯾث وﻋد اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﺣﻣداً
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﻧﺻر ،وﻟﻛﻧﻬم ﻫزﻣوا ﻓﻲ أﺣد ﻣﺛﻼً ،ﻓﻛﯾف ﻧﻔﺳر
ذﻟك؟
س : 200ﻫل ﻧﺣن ﻣطﺎﻟﺑون ﺑﺎﻹﻗﺗداء ﺑﺎﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺣﺳب ﻣﺎ ورد ﻓﻲ
ﺳﯾرﺗﻪ؟
س : 201ﺗﻘوﻟون أﻧﻪ ﻛﺎن ﻟﻣﺣﻣد -ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم -ﻣﻌﺟزات ﻓﻛﯾف أﻣﯾز
ﺑﯾﻧﻬﺎ وﺑﯾن اﻟﺳﺣر؟
س : 202ﯾﻘول اﷲ ﻋن ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم " :واﷲ ﯾﻌﺻﻣك ﻣن اﻟﻧﺎس" ،
ﺷﺟت رﺑﺎﻋﯾﺗﻪ ؟
وﺳ ﱠم ،و ُ ﻓﻛﯾف ِ
ﺳ ﺣر ُ ،
ُ
س : 203ﻫﻧﺎك ﺟدل وﻏﻣوض ﺣول زواج ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺑزﯾﻧب ﺑﻧت
ﺟﺣش ﻓﻬل ﺗزﯾﻠون اﻟﻐﻣوض ،وﺗﻛﺷﻔون اﻟﻣﻼﺑﺳﺎت ﻋن ﻫذا اﻟزواج ؟
342
أﻫم اﻟﻣراﺟﻊ
343