Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 11

‫ضبط مفاهيم البحث‬ ‫مدخل‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫يسعى النقد المعاصر اليوم إلى العناية تنظيرا‪ ،‬وتطبيقا بما يسمى بمداخل النص أو‬
‫عتبات الكتابة بعد أن ظل إلى وقت قريب من الجوانب المهمشة في النقد فمدار الوظيفة‬
‫الشعرية في العتبات النصية يتشكل من خالل انتاج المزايا الجمالية التي تمكن من‬
‫اظهار قدرة اللغة على التأثير‪ ،‬حيث تمنح للنص لذة ترسم حيويته من خالل مداخله‬
‫ومخارجه أو عتباته التي تعد من القضايا المهمة التي عالجتها الدراسات النقدية الحديثة‬
‫نظرا لقيمتها ودورها في استكشاف عوالم النص‪ ،‬ولمحاورته‪.‬‬

‫فتعتبر العتبات النصية آلية جديدة يلجأ إليها القارئ لمراودة آفاق النص‪ ،‬وهي في‬
‫الوقت ذاته مفتاح مهم لكشف عن فنية النص وشعريته‪ ،‬لذلك فقد ظفرت دراسة‬
‫النصوص أدبية كانت أم نقدية‪ ،‬من منظور عتباتي باهتمام بالغ في الدراسات الحديثة‬
‫التي كان لها دورا مهما في تحديث شعرية النص من خالل العالقة التي تحصل بين‬
‫العتبات والمتن‪ ،‬والشك أن المحاولة في الكشف عن العالئق النصية بين كل من المتن‬
‫وبعض المتعاليات النصية من عنوان ومقدمة‪...‬التي يمكن أن تسهم في اغناء مسيرة‬
‫النقد قديمة و حديثة‪.‬‬

‫فكيف تحقق العتبات النصية شعريتها داخل الفضاء السردي؟‬

‫وكيف استثمر النص الروائي توظيف مختلف هذه العتبات؟‬

‫مصطلح الشعرية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫ضبط مفاهيم البحث‬ ‫مدخل‬

‫يعد مصطلح الشعرية من المصطلحات النقدية المتعددة الجوانب وذلك لما تشهد من‬
‫تغيير وتدرج خاصة من ناحية الضبط والمفهوم‪ ،‬لذلك حاول النقاد إعطاء تعريف‬
‫للشعرية رغم تشعب مجاالتها وتداخل جوانبها‪ ،‬فالشعرية مصطلح متماثل األطراف‬
‫تعود إرهاصاته إلى كتاب " فن الشعر" ألرسطو ‪ ،‬الذي تحدث فيه عن المحاكاة قائال"‬
‫شعر الملحمة والمأساة والملهاة‪ ،‬وكذلك موسيقى الشبابية والجيتارةفي أكثر‬
‫خصائصها‪ ،‬كل هذه حينتشمله بالنظرة الكلية تعد أنواعا من المحاكاة"‪ 1‬حيث اعتبر‬
‫الدارسون هذا الكتاب من أهم الكتب النقدية في مجال الشعرية‪ ،‬والذي كان له أثر على‬
‫الدارسين من بعده عبر مختلف العصور‪ ،‬وذلك لما يطرح فيه من افكار ونظريات‬
‫تتعلق بالشعر وعالقته بالمحاكاة ومدى تطور هذا المصطلح مع مجمل الحركات النقدية‬
‫الحديثة بما فيها البنيوية والشكالنية وغيرها‪ ،‬ففكر أرسطو كله قائم على مبدأ المحاكاة‪،‬‬
‫والشعرية التي أتى بها أوسع وأعم من الشعرية الحديثة المقتصرة على الشعر واألدب‪،‬‬
‫" ألن فكرة المحاكاة هي القطب المركزي في تحليل أرسطو‪ ،‬ومنبع اهتمامه بالعملية‬
‫اإلبداعية ال تتمثل في الشعر وحده‪ ،‬بل هي جوهر الفنون كافة"‪ ،2‬مما يبين أن الشعرية‬
‫الحديثةأخذت حيزا محدودا‪ ،‬أقل مما كانت تشير عليه اللفظة من قبل عند أرسطو‪،‬‬
‫فكتاب" فن الشعر" ألريسطو هو المحاولة األولى للتنظير األدب‪ ،‬وهو القاعدة األساسية‬
‫التي أعطت استقالال وحدودا للنص األدبي‪ ،‬واألدب هو جزء من العملية اإلبداعية‬
‫لإلنسان‪.‬‬

‫إن الشعرية عند أرسطو تمحور حول" دراسة نظرية األدب التي تتضمن األجناس‬
‫األدبية وتحديدا مساراتها الفلسفية واالجتماعية"‪3‬وبقية الشعرية معاصرة تقيم حدودها‬

‫أحمد الجودة‪ ،‬بحوث في الشعريات‪،‬مطبعة التفسير الفني‪ ،‬تونس‪ ،‬دط‪ ،2004 ،‬ص ‪.119‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬أريسطو طاليس‪ ،‬فن الشعر‪ ،‬تر‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1973 ،2‬ص ‪.38‬‬
‫محمد جاسم جبارة‪ ،‬مسائل الشعرية في النقد العربي‪ ،‬دراسة في نقد النقد‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ط‪ ،2013 ،1‬ص ‪.07‬‬


‫ضبط مفاهيم البحث‬ ‫مدخل‬

‫على تعريفات أرسطو للشعرية سواء بإعادة هذه التعريفات نفسها‪ ،‬أو بإضافة بعض‬
‫الفلسفات األخالقيةإليها‪ ،‬ويعود منشأ الشعرية في كتاب" فن الشعر" ألرسطوإ لى قيامه‬
‫بتحليل مجموعة من المسرحيات ومحاولة اكتشاف قوانين عامة تحكمها‪ ،‬فهو" ينتقل من‬
‫وقائع أدبية وينتهي بقوانين مستنبطة من تلك الوقائع"‪.4‬‬

‫أما المعاصرة فإن رومان جاكسون ‪roman jakobson‬من أوائل المفكرين اللسانيين‬
‫الذين أسسوا لمفهوم‪ ،‬في إطار البحوث التي قدمها الشكالنصيسص‪3‬ث‪3‬قيين الروس‪،‬‬
‫فكانت رؤية جاكبسون للشعرية متأثرة باللسانيات‪ ،‬وتبحث عن الخصائص التي يتميز‬
‫بها الخطاب األدبي‪ ،‬فهي " تتعلق بمسائل ذات بنية لغوية‪ ،‬ولما كانت األلسنة هي العلم‬
‫العام الشامل للبنيات اللغوية كان باإلمكان اعتبار الشعرية جزء ال يتجزأ من‬
‫األلسنية"‪ 5‬ويتساءل جاكبسونعن الشيء الذي يجعل من الرسالة الكالمية عمال فنيا‪ ،‬حيث‬
‫بحث في األدبية والسمات المميزة لألدب‪ ،‬فالشعرية جزء من اللسانيات حسب رومان‬
‫جاكبسون وغايتها معالجة الوظيفة الشعرية و البحث في عالقتها بالوظائف اللغوية‬
‫األخرى‪.‬‬

‫كما خص جاكبسونلموضوع الشعرية مقاًال له بعنوان" ما الشعر؟" الذي يقول فيه"‬


‫أن محتوى مفهوم الشعرية غير ثابت وهو يتغير مع الزمن‪ ،‬إال أن الوظيفة الشعرية‬
‫عنصر فريد ال يمكن اختزاله بشكل ميكانيكي إلى عناصر أخرى‪ ،‬هذا العنصر ينبغي‬
‫تعريته والكشف عن استقالله‪ ،‬كما هي عارية ومستقلة األدوات التقنيةللوحات‬

‫حسن ناظم‪ ،‬مفاهيم الشعرية‪ :‬دراسة في األصول و المنهج و المفاهيم‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ،1994‬ص ‪.21‬‬
‫فاطمة الطبال بركة‪ ،‬النظرية األلسنية عند جاكبسون‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات للنشر و التوزيع‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‬ ‫‪5‬‬

‫‪ ،1988 ،1‬ص ‪.19‬‬


‫ضبط مفاهيم البحث‬ ‫مدخل‬

‫التكعيبية على سبيل المثال"‪ ،6‬يبين لنا هذا القول أن الشعر ال يمكن أن يبقى دائما ضيق‬
‫األطر محدود تهيكله عناصر ثابتة‪ ،‬بل يجب أن يكون متغيًر ا ومتحوًال بدليل ما كانت‬
‫عليه الشعرية القديمة وما وصلت إليه الشعرية الحديثة من تجاوز لبعض الخصائص‬
‫التي اتصف بها‪ ،‬أما الوظيفة الشعرية عنده فهي البنية األساسية التي يقوم عليها النص‬
‫األدبي وال ينبغي تجاوزها‪.‬‬

‫وقد قام رومان جاكبسون بوضع مخطط للعملية االتصالية ورأى أنها تتكون من‬
‫ستة عناصر أساسية هي‪ :‬المرسل‪ ،‬المرسل إليه‪ ،‬الرسالة‪ ،‬الشفرة‪ ،‬القناة‪ ،‬المرجع‪ ،‬وأن‬
‫كل عنصر من هذه العناصر ينتج عنه وظيفة لغوية‪ ،7‬وبالتالي هناك ست وظائف لغوية‬
‫مقابل ست عناصر أساسية‪.‬‬

‫وبذلك فقد أسس جاكبسون شعريته على أسس وصفية وعلمية وموضوعية‪ ،‬من‬
‫خالل تركيزه على األدبية والقيمة المهيمنة‪ ،‬والعناصر البينيوية التي تميز جنسا على‬
‫آخر‪ ،‬فالرسالة عنده ليست كالما يشير إلى أشياء خارجية في العالم الحسي بل هي‬
‫منطوية على ذاتها مستقلة بمكوناتها‪.‬‬

‫في حين أن تزفيطانتودوروف‪tazfitantodorov‬قدم توضيًح ا مجمال للشعرية وقال‬


‫بأنها مجموع الخصائص والقوانين العامة التي تحدد أدبية النص‪ ،‬ومن ثم فإنها تهتم‬
‫بالكشف عن الخصائص الخطاب األدبي أي أدبية األدب وليس العمل األدبي في حد‬
‫ذاته‪ ،‬لذلك يحيل ظروف لفظ الشعرية على كل كالم يبعث اللذة ويثير اإلهتمامات‬
‫السمعية ومن ثم يركز على بنية النص وحده‪ ،‬كما يثير االهتمام لدى سامعه‪ ،‬ومن ثم‬
‫يركز على بنية النص وحده‪ ،‬كما يشير بخضمبحثه إلى دور القراءة الفاعلة في خلق‬

‫رومان جاكبسون‪ ،‬قضايا الشعرية‪،‬تر‪ :‬محمد الولي ومبارك حنون‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪ ،1988 ،1‬ص‬ ‫‪6‬‬

‫‪.19‬‬
‫‪7‬رومان جاكبسون‪ ،‬قضايا الشعرية‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫ضبط مفاهيم البحث‬ ‫مدخل‬

‫نص متجدد ألن العمل األدبي ماهو إال تعبير عن شيء ما‪ ،‬وغاية الدراسة الشعرية هي‬
‫الوصول إلى هذا الشيء عبر قوانين تبحث في خصائص االبداع‪.‬‬

‫يرى تزيفطانتودوروف" أن موضوع الشعرية هو العمل األدبي وما تستنطقه هو‬


‫خصائص هذا الخطاب النوعي‪ ،‬أي الخطاب األدبي‪ ،‬لذلك فهي تعنى بدراسة األدب‬
‫المحتمل‪ ،‬لذلك يسعى تودوروف إلى إعطاء مفهوم للشعرية وربطها بمصطلح الخطاب‪،‬‬
‫حيث يعرفها انطالقا من دورها في حقل الدراسات األدبية وذلك لمساهمتها في إقامة‬
‫حد للجدل القائم بين التأويل المبني على االنطباعية و الذاتية و العلم المبني على‬
‫المعايير و األنظمة الصارمة " فالشعرية ماتزال إلى حد اآلن في بدايتها‪ ،‬ومايزال‬
‫تقطيع الحدث األدبي الذي الذي نجده فيها إلى اآلن غير متقن وغير مالئم فالشعرية‬
‫‪8‬‬
‫تهتم في دراستها للعمل األدبي بخصائصه المجردة التي تصنع فراته أي األدبية"‬

‫لقد ركز تودوروف في كتابه المعنون" بالشعرية" على النظرية األدبية حيث حصر‬
‫عدة مجاالت للشعرية من بينها‪":‬‬

‫‪-1‬تكوين نظرية ضمنية لألدب‪.‬‬

‫‪-2‬تحليل أساليب النصوص‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪- 3‬تقوم الشعرية بابتداع الشفرات المعيارية التي ينطلق منها الجنس األدبي ‪"...‬‬

‫إن مصطلح الشعرية عند تزيفيطانتودوروف تخصص بمجالين اثنين أولهما نظري‬
‫وثانيهما تطبيقي و المتمثل في أساليب تحليل النصوص و استنباط أهم المعايير التي‬

‫‪ 8‬تزفيطانتودورف‪ ،‬الشعرية‪ ،‬تر‪ :‬شكري المبخوت ورجاء بن سالمة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪ ،1990 ،2‬ص‬
‫‪.23‬‬
‫عبد اهلل محمد الغذامي‪ ،‬الخطيئة و التكفير‪ ،‬من البنيوية إلى التشريحية‪ ،‬الهيئة المصرية للكتاب‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪،4‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪ ،1997‬ص ‪.23‬‬
‫ضبط مفاهيم البحث‬ ‫مدخل‬

‫تؤدي إلى خلق عمل أدبي جديد‪ ،‬فالشعرية تنطلق من األدب بحد ذاته بعيدا عن العوامل‬
‫الخارجية المؤثرة‪ ،‬فأهم ما يالحظ على شعرية تودوروف ذلك السؤال الذي صاغه‬
‫بقوله ما األدب؟ يقول‪ ":‬هذا هو أول سؤال جوهري يطرح على شعرية داخلية أي التي‬
‫تهتم بالخصائص البنيوية المجردة لهذا النشاط القولي القديم"‪10‬بحيث يعد األدب نظاما‬
‫ثانويا أدواته اللغة الموجودة فيه‪.‬‬

‫خالصة‪:‬‬

‫إن البحث في الشعرية عموما يقوم بإبراز الهدف و الذي يتجلى في الوظيفة‬
‫الجمالية للنص األدبي‪ ،‬أو بعبارة أخرى تحديد مصوغات أدبيته‪ ،‬وشروطها الفنية و‬
‫الكيفية التي تجعل من الرسالة اللغوية عمال فنيا‪ ،‬ووفقا لهذه الرؤية انشغلت الشعرية‬
‫باستخالص الخصائص النوعية ومعرفة القوانين العامة التي تنظم عملها بوصفها‬
‫مقاربة عميقة لألدب لذلك يهتم تودورف‪ todorov‬باللغة كونها تمثل الوسيلة و الجوهر‪،‬‬
‫فهو ال يهمه االبداع إن كان شعًر ا أو نثًر ا‪ ،‬وكل ما يهمه هو أن يكون االبداع لغويا‪ ،‬و‬
‫االبداع اللغوي تقاطع مع عدة حقول معرفية تعنى بالكالم المنطوق و المكتوب‬
‫كاللسانيات و السميائيات و األسلوبيات‪ ،‬هذه العلوم تعتبر عونا مساعدا للشعرية ألنها‬
‫تتخذ من الكالم جزءا من موضوع اهتماماتها‪ ،‬فالشعرية عند تودوروف تعمل على أن‬
‫تكون بنيوية مادام أنها ال تولي اهتماما بالوقائع التجريبية ولكن بالبنى المجردة و‬
‫الباطنية‪.‬‬

‫جعل تودوروف الشعرية تتمحور حول قوانين األدب الداخلية إثر تحليله لشعرية‬
‫الخطاب األدبي وتحديده لجوانب العمل األدبي التي يمكن االشتغال عليها للوقوف على‬

‫‪10‬تزفيطانتودورف‪ ،‬الشعرية‪ ،‬تر‪ :‬شكري المبخوت ورجاء بن سالمة‪ ،‬ص ‪.31‬‬


‫ضبط مفاهيم البحث‬ ‫مدخل‬

‫مغزى الشعرية فيها‪ ،‬فهو يثبت أن الشعرية تقوم على هذه القوانين الظاهرة و الخفية و‬
‫المنسجمة و المتراكبة و البانية للنص و التي بدونها ال يمكن للنص أن يحقق وجوده‪.‬‬

‫العتبات النصية‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫تعد العتبات النصية من أبرز العالمات الداللية التي تفتح أمام المتلقي أبوابًا من أجل‬
‫الغوص في النص و البحث عن معانيه وفك شفراته المضمرة وذلك لما يتشكل بين‬
‫العتبات و النص من عالقة ازدواجية تؤدي إلى فهم مكنوناته و ابراز الدور الفعال‬
‫الذي تلعبه فيه‪ ،‬فعتبات النص من الركائز المهمة في بناء النص الروائي و الذي يتكون‬
‫من عدة عناصر ال يمكن تجاهل أي منها‪ ،‬ألنها جميعا تتظافر في بناء النص وتؤدي‬
‫داللة معنية يريدها الكاتبومن تلك العناصر نجد العنوان‪ ،‬اإلهداء‪ ،‬المقدمة‪ ،‬االستهالل‪...‬‬
‫وهي عبارة عن " بنيات لغوية و أيقونية تتقدم فيها المتون و تعقبها لتنتج خطابات‬
‫واصفة لها تعرف بمضامينها و أشكالها و أجناسها وتقنع القراء باقتنائها‪ ،‬ومن أبرز‬
‫مشموالتها‪ :‬اسم المؤلف‪ ،‬و العنوان‪ ،‬و األيقونة‪ ،‬ودار النشر‪ ،‬و اإلهداء‪،‬و المقتبسة‪،‬‬
‫و المقدمة‪ ...‬وهي بحكم موقعها االستهاللي الموازي للنص و المالزم لمتنه‪ ،‬تحكمها‬
‫بنيات ووظائف مغايرة له تركيبيا و أسلوبيا ومتفاعلة معه دالليا و إيحائيا فتلوح‬
‫بمعناه دون أن تفصح عنه وتظل مرتبطة به ارتباطا وثيقا على الرغم من التباعد‬
‫الظاهري الذي قد يبدو بينهما أحيانا"‪ 11‬فالعتبات النصية أصبحت في الكثير من‬
‫األحيان جسر يمكن القارئ من الوصول إلى أغوار النص وفهم أسراره ومعانيه‪ ،‬إذ‬
‫تعد هذه األخيرة كتأويالت تستدعي خيال القارئ وفضوله لمعرفة مضمون هذا العمل ‪،‬‬
‫وأثناء الحديث عن هذا الموضوع عند النقاد الغرب نجد " جيرار جينيت" ‪GéRARD‬‬

‫يوسف ادراسي‪ ،‬عتبات النص في التراث العربي و الخطاب النقدي المعاصر‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪ ،2015‬ص ‪.21‬‬
‫ضبط مفاهيم البحث‬ ‫مدخل‬

‫‪ ،GENETTE 1930‬الذي أولى العتبات النصية بدراسة معمقة على مستوى التنظير‬
‫في كتابه" عتبات " (‪ ،)1987‬ثم تبعه نقاد آخرون‪.‬‬

‫لقد قام جيرار جينيت بالغوص في النص ومكوناته السردية‪ ،‬لكن سرعان ما انتقل‬
‫إلى دراسة لواحقه‪ ،‬فقد خصص للعتبات النصية دراسة معمقة‪ ،‬عدت محطة حاسمة‬
‫ورئيسة بكل جهد يسعى إلى فك شفرات خطاب عتبات النص‪ ،‬وقد انتقل جيرار جينيت‬
‫من النص إلى ما يحيط به فكان كتاب " عتبات" قد وقف فيه على طبيعة العالقة التي‬
‫تقيمها العتبة ‪ la suil‬مع النص الموازي ‪ "le paratexte‬فالنص المصاحب هو‬
‫مجموعة المرافقات التي تجعل من نص ما كتابا‪ ،‬وهي تصّيره كذلك‪ ،‬في عيون القراء‬
‫أو الجمهور بشكل عام‪ ،‬وهنا تغدو العتبة ردهة ‪ vestibule‬تفسح المجال لما إما‬
‫العودة إلى أدراجنا"‪.12‬‬

‫وفي واجهة الكتاب‪ ":‬العنوان‪ ،‬صفحة الغالف ‪ ،‬صورة الغالف‪ ،‬األشكال‬


‫الهندسية‪ ،‬األلوان‪ ،‬دار النشر‪ ...‬التي تفيد القارئ بمجموعة من المعارف و اإلشارات‬
‫التي سيبني عليها رغبته في قراءة ذلك الكتاب"‪.13‬‬

‫إلى جانب ذلك يقدم جينيت‪ g.genitte‬تعريفا للمناص في كتابه " عتبات" حيث‬
‫يجعله نمطا من أنماط المتعاليات النصية و الشعرية عامة فيقول " كل ما يجعل النص‬
‫كتاًب ا يقترح نفسه على قارئه وبصفة عامة على جمهوره‪ ،‬فهو أكثر من جدار ذو‬
‫حدود متماسكة‪ ،‬نقصد به هنا تلك العتبة بتعبير ( بورخيس) البهو الذي يسمح لكل‬
‫منا دخوله و الرجوع منه"‪14‬فال يمكن الولوج إلى داخل النص دون المرور على تلك‬
‫العتبات التي يهتدي بها القارئ النص الذي أمامه‪ ،‬فهي الدليل الوحيد لفك شفراته‪،‬‬

‫سليمة لوكام‪ ،‬شعرية النص عند جيرار جينيت من األطرس إلى العتبات‪ ،‬مجلة التواصل‪ ،‬جامعة باجي مختار‬ ‫‪12‬‬

‫عنابة‪ ،‬عدد ‪ ،23‬جانفي‪ ،2009 ،‬ص ‪.38‬‬


‫‪Seuil coll. Poétique idition de seuils.1987.p7.:Gérard genette‬‬ ‫‪13‬‬
‫ضبط مفاهيم البحث‬ ‫مدخل‬

‫فقراءة كل ما هو موجود على الكتاب في وجهه الخارجي له عالقة بالمتن الداخلي‬


‫للنص " فتتمثل أهمية العتبات النصية في التعرف على األجواء المحيطة بالنص‪،‬‬
‫ومقاصد الشاعر‪ ،‬وموجهات تلقي نصوصه‪ ،‬فال يمكننا الدخول في عالم المتن قبل‬
‫‪15‬‬
‫المرور بعتباته ألنها تقوم بدور الوشاية و البوح"‬

‫ومنه نقول أن " العتبات لها عدة ألفاظ مثل المناص أومايسمة النص الموازي‪،‬‬
‫فالمناص يمثل العتبات أو البوبات أو المداخل التي تجعل المتلقي عبر هذا النوع من‬
‫النظير النصييمسك بالخطوط األساسية التي تمكنه من قراءة النص‪ ...‬وتأويله ألنها‬
‫تربط عالقة جدلية مع النص بطريقة مباشرة أو غير مباشرة"‪.16‬‬

‫لذلك تمثل العتبات النصية الصور الخارجي الذي يحيط بالنص الرئيس‪ ،‬أولت‬
‫الدراسات النقدية الحديثة و المعاصرة أهمية كبيرة لها‪ ،‬هي كذلك مفتاح مهم للنص‬
‫ترشد القارئ وتخلق عالقة بنية وبين النص وتكشف عن جميع الجوانب الداخلية و‬
‫الخارجية‪.‬‬

‫إن جهود الناقد جيرار جينيت تعتبر رائدة وكانت اإلنطالقة االولى في موضوع‬
‫العتبات وهي من أرست قواعده في النقد األدبي‪ ،‬إال أن هذا ال ينفي وجود نقاد قبله‪،‬‬
‫فقد كانت هناك بحوث نقدية ومقاالت عديدة لها الفضل في إرساء وتشكل مفهوم‬
‫العتبات النصية لدى جيرار جينيات من النص إلى المناص"‬

‫ومن أهم النقاد الذي سبقوا جيرار جينيت نجد‪ ":‬كلود دوشي في مقالته في مجلة‬
‫األدب سنة ‪ 1971‬م" من أجل سوسيو‪-‬نقد حيث تعرض لمصطلح المناص" جاك‬

‫‪ 14‬علي نجيب ابراهيم‪ ،‬جماليات الرواية‪ ،‬نقال عن أمينة يوسف‪ ،‬تقنيات السرد في النظرية و التطبيق‪ ،‬دار الحوار‬
‫للنشر‪ ،‬الالذقية‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪ ،1997 ،1‬ص ‪.21‬‬
‫أمينة يوسف‪ ،‬تقنيات السرد في النظرية و التطبيق‪ ،‬دار الحوار للنشر‪ ،‬الالذقية‪ ،‬سوريا ‪ ،‬ط‪ ،1997 ،1‬ص‪.21‬‬ ‫‪15‬‬

‫عزيزة مريدن‪ ،‬القصة و الرواية‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪.79-74‬‬ ‫‪16‬‬
‫ضبط مفاهيم البحث‬ ‫مدخل‬

‫دريدا في كتابه التشتيت سنة ‪1972‬م‪ ،‬وهو يتكلم على خارج الكتاب‪ ،‬الذي يحدد بدقة‬
‫االستهالالت و المقدمات و التمهيدات‪ ،‬والديباجات‪ ،‬و اإلفتتاحياتمحالال إياها"‪.17‬‬

‫إن مشروع جرار جينات حول العتبات نضج واكتمل ووصل إلى ذروته في كتاب‬
‫"عتبات" الذي أصبح مرجعا أساسيا لكل من يريد دراسة هذا الموضوع‪ ،‬ألنه يتميز‬
‫بنوع من الضبط المفهوماتي الدقيق‪ ،‬كذلك يتميز بالشمولية واإلحاطة بالموضوع" يعتبر‬
‫كتاب جينات " عتبات" محطة رئيسية لكل عمل يسعى إلى فك شفرات خطاب عتبات‬
‫النص فقط ضم الكتاب بين دفتيه‪ ،‬بحث كثير من أشكال هذه النصوص‪ /‬العتبات=‬
‫بيانات النشر‪ ،‬العناوين‪،‬اإلهداءات‪...‬إلخ‪ ،‬وتكمن أهميتها في كون قراءة المتن تكون‬
‫مشروطة لقراءة هذه النصوص فال يمكن الدخول إلى عالم النص دون المرور‬
‫بعتباته"‪.18‬‬

‫ومن هنا يمكن القول بأن العتبات النصية اكتسبت أهمية كبيرة من المنظور‬
‫الغربي وأن جرار جينات أكمل جهود من سبقوه وزاد عليها وفصل فيها أكثر‪ ،‬ومنه‬
‫فإن العتبات عبارة عن لواحق محيطة بمتن الكتاب ومكملة له تقتضي على القارئ‬
‫القراءة الحتمية قبل الدخول إلى معالم النص‪.‬‬

‫خالصة‪:‬‬

‫يشكل االهتمام بالعتبات النصية بعد توجه الكاتب والنقد الفرنسي جرار جينات‬
‫إلى جعل هذه األخيرة من بين أهم القضايا التي يشتغل عليها النقد األدبي المعاصر‪،‬‬
‫حيث لم يعد مثل النصوص األدبية هو نقطة اإلرتكاز الوحيدة التي تشتغل عليها‬

‫عبد الحق بلعابد‪ ،‬عتبات جيرار جينيت من النص إلى المناص‪ ،‬تقديم‪ :‬سعيد يقطين‪ ،‬منشورات االختالف‪،‬‬ ‫‪17‬‬

‫الجزائر‪ ،‬دار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،2008 ،1‬ص ‪.29‬‬
‫عبد الرزاق بالل‪ ،‬مدخل إلى عتبات النص‪ ،‬افريقيا الشرق‪ ،‬دط‪ ،2000 ،‬ص ‪.23‬‬ ‫‪18‬‬
‫ضبط مفاهيم البحث‬ ‫مدخل‬

‫الممارسات النقدية وكل ما يرتبط بها في دراسة النصوص األدبية‪ ،‬وأصحى بذلك كل‬
‫ما يحيط بالنص مهما بالنسبة إلى الدراسات النقدية التي تعمل على مقاربة النصوص‪.‬‬

You might also like