Professional Documents
Culture Documents
الإشاريّات الزّمكانيّة ومرجعيّتها الخطابيّة في ديوان الكبريت في
الإشاريّات الزّمكانيّة ومرجعيّتها الخطابيّة في ديوان الكبريت في
: الملخص
.ترتكز الت ّداولية كأساس على دراسة اللغة أثناء استعمالها واستخدامها في سياق التخاطب
وتقوم على مفاهيم عديدة من بينها الإشار يّات التي تُع ّد أولى درجات الت ّحليل الت ّداولي وهي عبارة
.عن علامات لغو ي ّة لا يتحدّد مرجعها إلّا في سياق الخطاب الذي وردت فيه
، الإشار يّات المكاني ّة، الإشار يّات الشخصي ّة:تتمثل في،و للإشار يّات أنواع رئيسية
وهذا ما تسعى إليه هذه المقالة بمحاولة إبراز إمكاني ّة مقاربة هذا المبحث،الإشار يّات الز ّمانية
بالت ّركيز على الإشار يّات الز ّماني ّة والمكاني ّة ليحتضن ديوان" ال كبريت،التداولي في الخطاب الشعري
. في يدي ودو يلاتكم من ورق " لنزار قب ّاني مجال هذه الد ّراسة
Résumé:
La délibération est basée sur l’étude de la langue et son utilisation dans le cadre de la
communication. Elle est basé sur plusieurs concepts, dont « El echariat », qui est le premier degré
d’analyse délibérative, qui est représentée par des signes linguistiques n’est pas déterminée par sa
référence sauf dans le discours qui a reçu. Les principaux types d’Echariat, sont : El echariat
personnelle, El echariat spatiale et El echariat temporelle. Ce dernier type est ce que cet article
cherche à mettre en évidence la possibilité d'essayer d'aborder ce sujet dans le discours délibératif
poétique en se concentrant sur El echariat spatiale et temporelle pour mettre en oeuvre le Diwan "
j'ai une allumette dans la main,et vos piètres nations sont en papier" de Nizar Qabbani, qui est la
portée de cette étude.
mots-clés: Pragmatique, Deixis, Nizar Qabbani
توطئة:
الإشار يّات (الر ّموز الإشار ية ) أولى درجات الت ّحليل الت ّداولي على ح ّد تقسيم الهولوندي
هان سون*( ،1)hansonو هي ع بارة عن علا مات لغو ي ّة لا يت حدّد مرجع ها إل ّا في سياق الخ طاب
ا لذي وردت ف يه ذلك؛لأ ّن ها خال ية من أيّ مع نى في ذا ته ف « هذه ال تي ع ندما ت كون خارج
أو قرائن الاستعمال اللغوي لم يكن لها معنى محدّد في ذاتها ،و يتحدّد معناها عند تضامها مع ضمائم
نص معيّن ،و تتحدّد إشار ي ّتها بمعرفة المرجع الذي تحيل إليه ».2
في سياق تركيب ،أو ّ
فالسّياق ( )Contexteكأحد أهم المرتكزات التي تستند عليها الت ّداولية أداة إجرائي ّة تؤدّي«
دورا هام ّا في كشف مقاصد ال متلفّظ بالخ طاب ،وتوضيح نوا ياه الظ ّاهرة والخفي ّة من أجل إ فادة
السّامع معنى يتوخ ّاه من خطابه»،5ولا يقف دور الإشار يّات في السّياق عند الإشار يّات الظّاهرة
فقط ؛بل يتجاوزه إلى الإشار يّات المستقرة في البنية العميقة للخطاب،وتكون ذات حضور أ قوى
أث ناء ا لتّلفظ ا لذ ّي ي صدر من ذات ب سمات معي ّنة ؛وعل يه ت كون«الإ شار يّات هي ت لك الأ شكال
الإحالي ّة ال تي ترتبط ب سياق ال متكلّم مع الت ّفر يق الأ ساس بين الت ّعب يرات الإ شار ي ّة القري بة من
المتكلّم،مقابل الت ّعبيرات الإشار ي ّة البعيدة عنه»،6ونُلفت الانتباه إلى أ ّ
ن المرجع الذ ّي يرتبط بتأو يل
هذه المبهمات كما اصطلح عليها النحاة العرب تتغي ّر ُّ
بتغي ّير السّياق الذي ترد فيه،والإشار يّات أنواع
ن تعيينها خصيصة لغو ي ّة جاءت من أمرين :أحدهما معناها
ل نوع دوره في الخطاب،و«إ ّ
رئيسة،ولك ّ
المعجمي ا لذي استقر ّ في الاستعمال ؛ف صارت تعرف بم عان خاصّة وا لآخر قصد ال متكلّم والمعر فة
والخ برة المشتركة بين ال متكلّم والمخاطب » ،7وعملي ّة ا لتّلفظ لا تتم ّ دون حضور ا لأدوات الإ شار ي ّة
ال حديث(لح ظة ا لتلفظ) »،13أوع لى م كان آ خر م عروف للس ّامع والمخاطب،و لا يم كن لل متكلّم أن
« ين فكّ عن الم كان ع ند تلفظ ّه بالخطاب،و هذا يع طي الإ شار يّات المكاني ّة مشروعي ّتها،وإ سهامها في
ن هناك طر يقتان
الخطاب ...وتقاس أهمي ّة الت ّحديد المكانيّ بشكل عام انطلاقا من الحقيقة القائلة أ ّ
رئيسيتان للإشارة إلى المكان إما بالت ّسمية ...و إم ّا بتحديد أماكنها من جهة أخرى » 14وقد استخدم
نزار ق باني في ديوا نه ا سم الإ شارة ا لدال ع لى الم كان في موا ضع مت عدّدة ليعب ّر به عن مقا صده
المختل فة ،و يف صح عن ها في صورة قيم فكر ي ّة،واجتماعي ّة تُعب ّر عن أز مة نف سي ّة يُحس ّها الش ّاعر،وهو
ن أ سماء الإ شارة في عموم ها مرتب طة جلي ّا «بأ هداف
ي حاول الت ّكي ّف مع مجتمعه،وظرو فه عل ما أ ّ
المتكلم(مثلا تعر يف شيء ما)وبمعت قدات ال متكل ّم ( أي فعل يتوقع من المستمع عر فة ذ لك الشيء
بالتحديد) في استعمال الل غة » 15؛لذلك نجد نزار يشير بها في الديوان إلى وصف الحالة الم تدهورة
للبلاد العربي ّة يقول الشاعر:16
هذي بلاد أقفلت أبوابها
وألغت الت ّفكير عند شعبها
هذي بلاد تطلق النّار على الحمام
هذي بلاد
ما بها مسيرة تمشي
ولا أعراس .
ل مكاني ّا ع لى شدّة
فا ستعمال الش ّاعر لا سم الإ شارة " هذي" الم شار به إ لى "الب لاد" يد ّ
ارتبا طه بب لاده ،وقضاياها،وحر صه الش ّديد ع لى ا لالتزام والت ّعب ير عن معاناتها،وك ما يح يل إ لى قي مة
تداول ية و هي:و عي الش ّاعر بحا لة الب لاد العربي ّة،وما ُّ
تئن ّ ُّه من شت ّى أ نواع الظ لم والا ضطهاد من
جهل،وخيانة ومصادرة للحر يات وغيرها من ألوان البؤس والشقاء التي تفنّن الحاكم في حبكها بكل
دق ّة وإتقان.
ومع اسم الإشارة الد ّال على المكان وقصيدة عنوانها " هناك بلاد" يعطينا نزار صورة فوتوغرافي ّة
لوضع البلاد العربية فمن خلال عنوانها،الذي استخدم فيه اسم الإشارة "هناك" الد ّال على المكان
ن ال متكلّم يم يل إ لى معام لة الأ شياء
ن الب ُعد الم كاني له ي صاحبه ب عد نف سي؛ذلك«أ ّ
البع يد ت ُوحي بأ ّ
البع يدة ماد يا ع لى أن ها بع يدة نف سي ّا» ،17والش ّاعر ي ُشير ب هذا الا سم إ لى ب لاد هر مت من حزن ها
وألمها،بلاد أسّ سها حاكم قاس عديم الر ّحمة مي ّت الضّ مير حر يص على اضطهاد شعبه وجعله يعيش
حالة عدم الأمان ،والشّعور بالاستقرار يقول في أحد مقاطعها معب ّرا:
هناك بلاد تخاف على نفسها
من هديل الحمام
وتستنفر الجيش
ل كي تستع ّد لقتل القمر
ن الكتابة الشعر ي ّة وخزة سامّة لنظام الحاكم الجائر فلن تسلم منه أيضا يقول: 18
و بما أ ّ
هناك بلاد
ترفض أن تمنح الشعر
تأشيرة السفر .
فس ُلطة الحاكم تسعى في ك ّد لطمس الكتابة الشعر ية ؛لأنها تحمل فكرة نبيلة ،ونزيهة توج ّه
لتطلق سهاما على قتلة الشعوب ،والخونة خانقي الحر ية الفكر ية ،ولأنّها تصدح بنفس المقهورين لت ُعب ّر
عن وضع بلادهم يقول نزار: 19
هناك بلاد ...يشي ّد السلاطين فيها
ألوف الجوامع
ولا يقطعون فروض الصلاة
ول كنّهم يقطعون الرقاب .
ل اسم الإشارة "هناك" في هذا المقطع على طبيعة هذه البلاد والتي فيها حك ّام لا
فقد د ّ
ير يدون ل شعبهم أن يف كر بأمور وأ شياء ل ها علا قة بالوطن ؛ لذلك سل ّطوا سيف الحج ّاج ع لى الر ّقاب
ل من تُخو ّل له نفسه الت ّفكير في ذلك .
لك ّ
وتظهر القيمة الت ّداولي ّة للإشار يّات المكاني ّة في الديوان حين تتفاعل الشّخصية(الشاعر) مع
ن نزار قب ّاني كان
صب ف يه تجارب ها الشّخ صية،ومن المع لوم أ ّ
الأ ماكن الم شار إلي ها فت صبح ف ضاء ت ّ
دبلوماسي ّا،وعمله في هذا المجال سمح له بالت ّجو ّل في بلدان العالم فذكر أماكنها في قصائد الديوان ومن
شواهد متفر ّقة في المدوّنة قوله: 20
هل اختفت من لندن
باصاتها الجميلة
ها هم بنو تغلب
في سوهو
وفي فكتور يا
وغير ها من الب لدان الأجنبي ّة ال تي ا صطدم ب ها الش ّاعر أث ناء رحل ته الدبلوما سية ،إذ كان
سفيرا لبلاده مم ّا جعل ذاكرته كذاكرة آلة التصوير لا تنسى شيئا،ومن هذا المخزون الهائل تش َّكّل
قاموسه الشعري،وأك ّد العديد من الباحثين عن أهمي ّة المكان أ ّن ها تكمن في« تكوين حالات نفسي ّة
خاصّة وذلك من خلال جعله ساحة للأحداث » ،22وأماكن الغر بة التي ذكرها نزار قب ّاني في
الد ّيوان تظهر قيمتها الت ّداولية في إعطائها صورة للحالة الن ّفسي ّة لدى نزار توضّ ح أن ّه كان يعيش تمز ّقا
بين الوطن والغربة يقول:23
فلا نوافير فرساي
عو ّضتني عن مقهى النوفرة
ولا سوق الهال
عو ّضتني عن سوق الجمعة
ولا قصر باكنغاهم في لندن
عو ّضني عن قصر العظم
ولا حمائم سان ماركو في فينيسا
أكثر بركة من حمائم الجامع الأموي .
لذا فالشّام بلاد الشّاعر قد كانت حاضرة في الد ّيوان بل لها دور بارز في تحر يك مشاعر
"نزار"،وح ضورها ي ُبرز مدى الت صاق الش ّاعر بها،وخ ضوعه ل ها،يقول في موا ضع متفر ّ قة من
26
: الديوان
ينطلق صوتي هذه المرة من دمشق
ينطلق من بيت أم ّي وأبي
في الشّام تتغي ّر جغرافي ّة جسدي .
ف قد صر ّح ال شاعر في هذا المق طع عن ا لأثر ا لذي تُحد ثه الش ّام في تف سية نزار لت صبح
27
: مصدرا لإلهامه الشّعري ،الممزوج بكل مشاعر الاشتياق والمحب ّة،و يقول "نزار" أيضا
أتجو ّل في حارات دمشق الضّ يقة
تستيقظ العيون العسلي ّة خلف الشبابيك
وتسل ّم علي ّ
28
: ودائما في حديثه عن دمشق وما تحمله من دلالة معنو ية لديه يقول
هذي دمشق ،وهذي الكأس والراح
حب ذبّاح
أحب وبعض ال ّ
ّ إنّي
أنا الد ّمشقي لو شر ّحتم جسدي .
والجانب الطّللي للش ّام يظهر في المقاطع الس ّابقة من خلال ر بط الش ّاعر عودته بذكر يات جميلة لا
يمكن له نسيانها،هي ذكرى الأحب ّة التي تعب ّر عن موطن الصّ با،والطّفولة،والش ّباب،وما إبراز ذلك
إل ّا ليك شف شدّة الش ّوق،والغربة عن بي نه للشّام،وخاص ّة إذا كا نت حاف لة بأ حداث
شكّلت،وكو ّنت شخ صي ّته فــ« ما ندركه عن الم كان هو جزء لا يت جز ّأ مم ّا نُدركه عن الشّخ صية ال ّتي
ترتكز في مكان وقوع الحدث،والت ّحرك في مكان ما فالمكان إذن ج ُزء من تكوين الشّخصية،بل قد
يُصبح جزءا من الت ّجربة الذ ّاتية بعد أن يفقد صفاته الواقعي ّة ارتباطا بال ّلحظة الن ّفسية ».34
كما ذكر الشاعر بعض الأماكن المحاذية للشام كذكره للأماكن المقدسة مثل قوله: 35
أدخل صحن الجامع الأموي
أسلم على كل من فيه
زاو ية ...زاو ية
ل على زمان يحدّده السّياق بالقياس إلى زمان التكلم« ،فزمان الت ّكلم هو مركز
هي كلمات تد ّ
الإشارة الز ّماني ّة في الكلام ،فإذا لم يعرف زمان الت ّكلّم أو مركز الإشارة الز ّماني ّة التبس الأمر على
السّامع أو القارئ»،37فمثلا":يتجاوز مدلول كلمة اليوم في عبارة " بنات اليوم" دلالة هذا العنصر
الإشاري إلى الزمن ال كوني الذي يتحدّد بأربع وعشرين ساعة إلى أن يشمل العصر الذي نعيش
فيه،فهذه الد ّلالة الإضافي ّة موكولة إلى السّياق الذي ترد فيه هذه العناصر الإشار ي ّة،هذا وتجدر
ن هذه العناصر الإشار ي ّة قد «تكون دالة على الز ّمن ال كوني الذي يفترض سلفا...
الإشارة إلى أ ّ
وقد تكون دالّة على الز ّمن الن ّحوي،وقد يتطابقان في سياق الكلام،وقد يختلف الز ّمن الن ّحوي عن
38
فتعت مد الإ شار يّات ا لز ّمن ال كوني،فين شأ بينه ما صراع لا تحل ّه إل ّا المعر فة ب سياق الك لام»
الزماني ّة في تفسيرها على معرفة وقت الكلام فمن أجل تحديدها وتأو يل الخطاب الذي وردت فيه
تأو يلا صحيحا«يلزم المرسل إليه أن يدرك لحظة التّلفظ فيتخذها مرجعا تحيل عليه و يؤوّل مكونات
التّلفظ الل ّغو ية ب ناء على معرفتها» ،39ولتداولية المرجع ا لذي يصاحب هذه ا لأدوات فإ ّ
ن المرسل
يلجأ في خطابه استعمال الألفاظ الد ّالة على الز ّمن ،وهذا الاستعمال خاضع لما يقصده الشّاعر لأن ّه
زمن مبهم ولا يمكن للقارئ أن يدرك دلالته إلا بمعرفة السّياق الذي ورد فيه ،ونمثل لذلك من
الديوان بقول الشاعر:40
ما جاء حاكم لهذه المدينة
إلا دعا النّاس إلى المسجد
يوم الجمعة
وقال في خطبته العصماء
بأن ّه من أولياء الل ّه .
ل على زمن معيّن ،ول كن ّه أهو في أوّل اليوم ،أو في نصفه ،أو آخره،و ل كنّ
ف "يوم الجمعة"دا ّ
دلالته ات ّضحت من خلال السياق الذي ورد فيه ،وهو ما دل ّت عليه مفردتي" المسجد" و" خطبته"
وأساسا عليهما تحدّد وقت يوم الجمعة ،وهو وقت صلاة الظّهر أين يجتمع فيه المصل ّون بشكل جماعي
لأداء هذه الفر ي ضة الدين ية ( صلاة الجمعة)،و هذا ال يوم الم قدّس بالن ّسبة للم سلمين طع ّ مه الش ّاعر
ن أداء صلاة الجمعة يأتي بعد الاستماع للخطبة يلقي ها إمام،ول كنّها بالن ّسبة
بدلالة سياسية ،فالمعلوم أ ّ
خاص يُلقي ها حاكم ظالم يع كف في ها لت قديم دروس تُثب ّت خ ضوع
ّ للش ّاعر خط بة من نوع
شعبه،وتزيدهم إيمانا لسياسته الجائرة ال ّتي جعلها الحاكم تشر يفاو ليس تكليفا،لذلك يقول نزار:41
يعمر الحاكم في بلادنا
ألف سنة .
فالد ّلالة الزمنية " ألف سنة" تعبير مجازيّ عم ّا تحمله من هموم ،وأتراح أثناء فترة رئاسة
الحاكم الطّاغي على شعبه الذي جعله يعيش يوما في مدة حكمه كأنه سنة ،ونفس ّر ذلك تداولي ّا في
ن الحاكم عمد في سنوات رئاسته إلى العبث بثروات،وقيم رعي ّته دون رقيب،ولا حسيب ودون
أ ّ
ا لاكتراث بالن تائج ف قد أ بدت أي ّام حك مه للش ّعب ما كانوا يجهلو نه من أق صى در جات
الجور،وأ سوء أ نواع الإذ لال من أ جل تحق يق أهدا فه الشّخ صية ع لى ح ساب ح قوق شعبه هذا
الأخير أصبح يعيش جرّاء ذلك أملا مستحيلا ،وحلما وهمي ّا لن يتحقق ،و هو ما عب ّر عنه الشّاعر في
قصيدة" مقابلة تلفز يونية مع غودو" يقول في أحد مقاطعها: 42
مازال غودو منذ مليون سنة
مرتديا معطفه
ن هناك في المدى محطة .
وحاملا أكياسه وقانعا أ ّ
ل تداولي ّا على
فلفظة "مليون سنة"،وهي مسبوقة بالفعل "مازال" الذي يفيد الاستمرار ية تد ّ
انت ظار دون جدوى و سط يأس كا مل للشعب،انتظار ي قود الش ّعوب المقهورة شيئا فشيئا إ لى أن
ت شرب من كأس ال موت دون تحق يق المبتغى،و هذا الانت ظار ال يائس تج سد في المق طع من خ لال
شخصية "غودو"ذلك المسافر الخفي والمنقذ المعو ّل عليه،والذي طال انتظاره مدّة طو يلة من الزمن
وهو في أصله شخصي ّة رجل منتظر يُعتقد أن ّه سيأتي في وقت ما،وهو شبح لشخص غامض وهذه
الشخصية خرافية ،ف "غودو" لن يأتي أبد ،وفيه دلالة على حالة الشعب البائسة التي ما هي إل ّا نتيجة
ل م ناحي الح ياة لتخ لق
للا ستبداد السّيا سي و ما شهده من تح طيم للبنى،والمقو ّمات الإن ساني ّة في ك ّ
حا لة ت صاب في ها الش ّعوب بالخمول،والت ّراجع والانكماش،وأ شدّها ب لوة ال يأس من الم قدرة ع لى
التغي ير،وليس ه ناك للش ّعب من خيار سوى الق بول والتعايش،والانت ظارحتى يتغي ّر قدره .ارتب طت
الإشار يّات الزماني ّة في الد ّيوان ببعض الأحداث الت ّار يخية،والتي عملت على استكانة الوضع الرّاهن
يقول نزار:43
ونحن من يوم تخاصمنا
على البلدان
و النسوان
في غرناطة
موتى ول كن ما لهم جنازة
ففي تلفظ الش ّاعر بكلمة (يوم) هي مبهمة ،و غير معروفة ،ول كنّها إشارة زماني ّة تسير في
ض ح في ذكر الشّاعر لغرناطة فيستحضر الحادثة التار يخية "سقوط غرناطة"
منحى تار يخي،والذي ات ّ
وما نتج عنها،وبهذا تتضّ ح الد ّلالة الزمني ّة للفظة "يوم" الواردة في المقطع ،وهي 02ربيع الأول من
دب
عام 897ه الموا فق لــ 02ي ناير1492م،و هو تاريخ سقوط غرنا طة*على يد الق شتاليين حين ها ّ
الضّ عف في أوصال دولة الإسلام،وسرى الوهن في أطرافها وتبدأ مأساة الأمة الإسلامية هناك «
مأساة تمث ّل فيها الث ّبات والتصارع ض ّد الفناء الذي كان ير يده الس ّلطان الاسباني،لا فناء الأفراد
بل قبله فناء وإفناء العقيدة ،وإلغاء كل ما يتصل بذلك»،44ومااستحضار "نزار" لذلك إلا تأييد على
أن ّه ب سقوط ب لاد الأ ندلس قد طُو يت آ خر صفحة من دو لة الم سلمين؛ومنذ ذ لك الو قت ع لى ح ّد
تعبيره موتى من دون جنازة ،وذلك في أننا نحن–المسلمين -لا نستفيد من التاريخ،ولا ندرسه لأخذ
ن
العبرة وتجنب السبب المؤدي للهزيمة حتى لا نقع مرة ثانية،ول كن للأسف فعندنا العرب حقا أ ّ
التاريخ يعيد نفسه .
ك ما ا صطبغت ب عض الإ شار يّات الز ّمان ية في ا لديوان بالتعبير عن الحا لة الن ّف سية لل شاعر
ن« الإن سان هو ال كائن الوح يد ا لذي ي حس بالزمن في حرك ته الذاه بة والآي بة،ويتأثر ب هذه
اعتبار أ ّ
يقول نزار:46 45
الحركة»
أنا قمركم المشر ّد ..يا أهل الشّام
فمن رآني منكم
فليتبرع لي بفراش ..و بطانية صوف
لأن ّني لم أنم منذ قرون
لفظة "قرون"،جمع كثرة مفرده "قرن"،وهي توحي بأن الشاعر قضى مدة طو يلة جدا بعيدا
عن وطنه الأم،ودلالتها الت ّداولية تجل ّت من خلال ربطها بتعبير الش ّاعر عن حاله الن ّفسية إزاء
نأ يه عن أر ضه(،أنا ق مركم الم شر ّد،فليتبر ّع لي ب فراش،لم أ نم )و هذه الل ّف ظة " -قرون" -توحي ب شدّة
معاناة نزار قباني ،والأثر الن ّفسي الذي أحدثه الز ّمن أثناء ب ُعدِ الشّاعر عن أرضه بتواجده في ديار
ص ادق له،والمتمث ّل في
الحس الإنساني ال ّ
ّ ن تجر بة الر ّحيل عن الوطن بالنسبة إليه تعكس
الغر بة،وأ ّ
ن وطنه الش ّام موجود بداخله وفي كيانه إلى الأبد.
وطني ّته الن ّزار ية التي رسمتها مرارة الرحيل ،وأ ّ
ن درا سة "بنفن ست" ( )Benvenisteأف ضت إ لى تق سيم هذا
وانطلا قا من علا قة ال متكلّم بالز ّمن؛ فإ ّ
العامل اللامرئي إلى ثلاثة أقسام* ،وثانيها « الز ّمن الت ّار يخي ال ّذي يمث ّل الإنسان جزءا لا يتجز ّأ من
الب يئة التي ينتمي إليها،وما دام كائنا حي ّا يعايش مجموعة من الأحداث يمكنه أن يؤرّخ لحياته من
بدايتها إلى نهايتها أو العكس،وذلك عن طر يق الذ ّاكرة لتأليف ما ي ُدعى بالسيرة الذاتية»،47ومن
أمثلة ذلك قوله:48
أعود إلى دمشق
لأبحث عن حبل مشيمتي
و عن القابلة التي رمتني في طست تحت السرير
وخرجت من بيتنا
في ذلك اليوم من شهر آذار عام .1923
ن هذا المق طع يستح ضر ف يه الش ّاعر يوم ولاد ته،و يعتبر لح ظة ميلاده ممي ّزة،ودلا لة ال يوم
إ ّ
الموجودة في المقطع هي 21 :من شهر مارس من عام 1923م تاريخ خروج الشاعر للحياة ،و قيمتها
ن ولادة شاعرنا كانت في الفصل الذي تثور فيه الأرض على نفسها،وترمي
الت ّداولية تتضّ ح في أ ّ
ل ما يعرفه شاعرنا هوأنه يوم ولد«كانت الطبيعة تنفذ انقلابا على فيه الأشجار ك ّ
ل أثوابها القديمة وك ّ
الشتاء وتطلب من الحقول والحشائش والأزهار والعصافير أن تؤيدها في انقلابها على روتين
الأرض» 49؛و بذلك ورث عن هذه الطبيعة الث ّائرة ال كثير من الجينات التي أث ّرت فيه أيّما تأثير
فكان شاعر الخطوط الحمراء...العنيد الث ّائر ،والصّ امد كالصخر.
خاتمة:
لقد كشفت لنا المقاربة الت ّداولية للإشار يات المكانية والزمانية في ديوان"ال كبريت في يدي
ودو ي لاتكم من ورق"ب عض م ل امح الم سيرة الش ّعر ية ل نزار ق باني الحاف لة بالأ حداث الاجتماعي ّة
والسّياسي ّة والفكر ي ّة،إذ عب ّرت الإشار يّات المكاني ّة عن حال البلاد العربية المتدهور بالإضافة إلى
أماكن عاش فيها نزار فترة م ُعي ّنة من حياته ،والتي كان لها تأثير على نفسي ّته ،وعلى شعره خاصّة
بلاد الشّام مسقط رأسه،في حين تمي ّز استعمال الشّاعر للإشار يّات الزماني ّة عموما بالت ّعبير عن شدّة
معاناة الشّعب في وطنه نتيجة استبداد الحكّام .
الهوامش:
1
«هانسون أول من جرب التوحيد بطر يقة نظامية ،و تجزئة مختلف الم كونات التي تطورت إلى الآن بطر يقة مستقلة
و يتمثل هذا التوحيد ،وهذه التجزئة في تقسيم التداولية إلى ثلاث درجات متتابعة :تداولية من الدرجة الأولى تتمثل
في الر موز الإشار ية ،تداولية من الدرجة الثانية هي دراسته لتقنية تعبير القضايا في الجملة المتلفظ بها ،تداولية الدرجة
الثالثة تتمثل في نظر ية أفعال الكلام » للتوسع،ينظر،فرنسواز أرمينيكو،المقار بة التداولية ،ترجمة سعيد علوش ،الر باط،
المغرب1986 ،م،ص38
2
لطيف عبد الصاحب الزاملي ،إشار ية البنى المطلقة ،مجلة القادسية في الأدب و العلوم التربو ية ،العدد 1المجلد،8
2009م ،ص.21/22
3
مريم فرنسيس،في بناء النص دلالته"محاور الإحالة الكلامية"منشورات وزارة الثقافة،دمشق1998،م ،ص18/19
4
فرنسواز أرمينكو ،المقاربة التداولية ،ص . 44
5
باديس لهويمل ،السياق ومقتضى الحال في مفتاح العلوم -متابعة تداولية ، -مجلة المخبر،أبحاث في اللغة و الأدب
الجزائري ،جامعة بسكرة ،العدد 2013 ،9م،ص165
6
ع بد ال هادي بن ظافر الشهري،ا ستراتيجات الخ طاب مقار بة تداول ية،دار الك تاب الجد يدة المت حدة ،ب يروت ،ط،1
2004م ،ص 81
7
لطيف حاتم عبد الصاحب ،إشار ية البنى المطلقة ،ص22
8جورج يول ،التداولية ،ترجمة قصي العتابي ،دار العربية للعلوم ،الرباط ،ط2010 ،1م ،ص.27
9
عبد الهادي بن ظافر الشهري ،استراتجيات الخطاب مقاربة لغو ية تداولية ،ص.82
10
حافظ اسماعيل علوي،التداوليات"علم استعمال اللغة"،عالم ال كتب الحديث ،الأردن2011،م،ص242
11
المرجع السابق ،ص ن
12
*التعر يف جورج يول،التداولية ،ترجمة قصي العتابي،دار العربية للعلوم ،الر باط ،ط 2010 ،1م ،ص . 39
با لديوان :ي عد د يوان "ال كبر يت في يدي ودو ي لاتكم من ورق" ال صادر عام1989م؛ٔا حد ائ لدواوين ال شعر ية ذات
الطابع الس ياسي التي نظمها نزار قباني ،وهو يقع في ال جزء السادس من سلسلة الأعمال الس ياس ية الكاملةٔ ،
يتالف
ئالديوان من ثلاث و عشرين عنوانا موزعة على مائة و ثلاث و س تين صفحة ،و الفترة التي كتبت فيها هذه القصائد
و الموضوعات هي فترة الثمائنينيات.
*التعر يف بالشاعر :نزار قباني شاعر عربي .وئ في دمشق (سور) يوم 21مارس عام 1923من عائلة دمشقية حصل
لجامعة السور ية وت خرج فيها عام على البكالور يا من مدرسة الكلية العلمية الوطنية بدمشق ،ثم التحق بكلية الحقوق
.وكانت ثمرة مسيرته الشعر ية 1945عمل بعد تخرجه في السلك الدبلوماسي،وتركه في ربيع ،1966وتفرغ للشعر
إحدى وأربعين مجموعة شعر ية ونثر ية ،،وافته المنية في لندن يوم 1998/04/30م عن عمر يناهز 75عاما ،قضى منها
أكثر من خمسين عاما في الحب و الس ياسة و الثورة.ينظر:حبيب بوهرور ،تشكل الموقف النقدي عند أدونيس ونزار
قباني ،عالم ال كتب الحديث ،الأردن ،ط ،1ص219-214
13ذهبية حمو الحاج،لسانيات التلفظ و تداولية الخطاب،دار الأمل،تيزي وزو،ط2،2012م ،ص 124
14
عبد الهادي بن ظافر الشهري ،استراتيجية الخطاب ،ص84
15جورج يول ،التداولية ،ص 40
16
نزار قباني،ديوان ال كبريت في يدي ودو يلاتكم من ورق ،منشورات نزار قباني بيروت .لبنان ،ط1998، 4م
ص78/76