Professional Documents
Culture Documents
مبادئ التَّحليل الفونولوجي
مبادئ التَّحليل الفونولوجي
119
باللطة حمزة ،براهيمي بوداود
.1مقدمة:
أسس اللغوي فيالم ماثسيوس (1882م1491-م) مع مجاعة من اللغويني التشيك سنة 1421
م نادي أو حلقة براغ اللغوية ،الذي أصبح فيما بعد يعرف مبدرسة براغ أو املدرسة الوظيفية ،مث انضم
إليهم الحقا كال من نيكوالي تروبتسكوي ،ورومان جاكبسون ،وكرسيفسكي سنة 1428م ،وبفضل
هؤالء الثالثة ذاع صيت املدرسة من خالل تقدميهم لبيان "مبادئ دراسة أصوات اللغة" -حرره رومان
جاكبسون ،-والذي شاركوا به يف املؤمتر الدويل للغويني سنة 1428م بـ الهاي؛ ومتيز منهجهم الذي
أطلقوا عليه اسم الصوتيات الوظيفية «phonologyبدراسة نظام اللغة الكلي مبستوياته املختلفة
النحوية ,والصرفية ،والصوتية ،والداللية دراسة وظيفية حمضة » « ،1فهم يرون أن اللُّغة نظام من الوظائف،
كل وظيفة نظام من العالمات » ، 2وبذلك يكون رواد هذه املدرسة قد أرسو معامل أساسية يف التحليل
و ُّ
الوظيفي للُّغة من خالل معاجلة هذه األخرية على أساس الوظيفة اليت يؤديها ُّ
كل عنصر يف عملية التواصل،
كل مكون فيها دورا وظيفيا ،ومن هذا املنطلق فصل رواد املدرسة
ألَّنم يعدُّون اللغة نظاما وظيفيا يُؤدي ُّ
بني مصطلحي الفنولوجيا ( )la phonologieوالفونتيك ( ،)la phonétiqueإذ يرون يف األول
عكس ما يرى دي سوسري ،فيعتربوَّنا فرعا من األلسنية يُعىن بوظيفة الظواهر الصوتية اللُّغوية ،أما املصطلح
وخيتص بدراسة الصوت يف الكالم بغض النظر عن وظيفته ،ويف هذا االطار
ُّ الثاين فهو جزء من األلسنية
جند اللغوي أندري مارتيين يؤكد هو اآلخر على أمهية الدراسة الوظيفية للغة إذ يقول «:من الطبيعي أن نبدأ
دراسة أداة ما كاللُّغة مثال بدءًا من وظيفتها قبل البحث عن سبب وكيفية ُّ
تغريها عرب الزمن ».3
ومن بني أهم القضايا اليت تناوهلا ُرواد املدرسة الفنولوجية :مفهوم الفونيم وأوجه تأديته ،ومفهوم
التقابل ،وعالقته بوظيفة الوحدة الصوتية ،والتحليل الفونولوجي ألصوات اللغة ،والسمات املميزة للفونيم،
واهتموا أيضا بالبنية الصوتية للمفردة ،كما أَّنم خاضوا يف جماالت عديدة على غرار « الصوتيات الوظيفية
اآلنية ،والصوتيات الوظيفية التارخيية ،والتحليل الوظيفي والعروضي ،وتصنيف التضاد الفونولوجي،
واألسلوبية اللسانية الوظيفية ودراسة الوظيفة اجلمالية للغة ودورها يف األدب واجملتمع والفنون »4؛ وضمن
120
المجلد/91الع ــدد 19رمضان 9111ه /أفريل [ 0102ص ]921 -991 مجلـة الصوتيات
هذا الطرح سنحاول االجابة عن االشكالية الرئيسة واملتمثلة يف :ما هي مبادئ التحليل الفونولوجي عند
املدرسة الوظيفية؟ ،خاصة عند تروبتسكوي وجاكبسون؛ وما هو مفهومهم للفونيم ،والتقابل ،والتحييد،
ونظرية السمات املميزة ؟.
121
باللطة حمزة ،براهيمي بوداود
جمموع الصفات الذاتية اليت متيز كل حرف عن غريه من احلروف ،فيكتسب القيمة األوىل حبضور هذه
الصفات أو واحدة منها على األقل ،والقيمة الثانية بغياهبا ». 7
. 2في مفهوم الفونيم :
يعد مصطلح الفونيم -منذ ظهوره يف َّناية القرن الثامن عشر 18م -اجنازا علميا عظيما يف جمال
دراسة اللغة ،رغم اختالف اللغويني حوله كثريا ،األمر الذي خلق تعدُّدا يف املفاهيم بتعدُّد النظريات
اللغوية اليت تناولت نظرية الفونيم ،ليصبح فيما بعد من بني أهم الركائز اليت يقوم عليها التحليل
الفونولوجي عند مدرسة براغ ،حيث عرفه تروبتسكوي بأنّهَ « أوال وقبل كل شيء مفهوم وظيفي ،وهو
كذلك الوحدة الفونولوجية اليت ال تقبل التجزيء إىل وحدات فونولوجية أخرى أصغر منها يف لغة معينة
» 8؛ كما يرى « أن تلك الوحدات الفونولوجية اليت ال ميكن ضمن إطار لغة ما حتليلها إىل وحدات
متتابعة أصغر منها تسمى الفونيمات » ،9بينما يعرفه جاكبسون بأنه« جمموع أو حزمة ( setأو
) bundleمن الصفات املميزة ،أو العناصر التفاضلية على حد تعبري سوسري »10ويقول أيضا «الفونيم
صوت ذو قيم خالفية » 11على أساس ِّساته التمييزية مبعىن أن الفونيمات ميكن أن تتطابق فيما بينها يف
بعض السمات وختتلف يف البعض اآلخر؛ ومن املرجح أن هذا ما أوحى جلاكبسون بنظرية السمات
التمييزية ،تلك النظرية اليت أصبحت فيما بعد من املعامل الرئيسة يف التحليل الفونولوجي لدى مدرسة براغ،
حيث « تقوم هذه النظرية على أساس أن مثة تطابقا بني أكثر السمات يف األصوات املتناظرة وأن مثة
اختالفا يف ِّسة واحدة بني كل صوتني متناظرين ».12
إذا لقد حدد الوظيفيون مفهومهم للفونيم انطالقا من الوظيفة املنوطة به أال وهي التمييز بني
ينجر عنه تغيريا يف
املعاين ،فهم يرون أنه يؤدي وظيفتني إما إجيابا من خالل استبدال فونيم بآخر ،مما ُّ
بتغري الفونيم ،أو سلبا بعدم حدوث التغيري على مستوى املعىن ،لذلك ميكننا التأكيد على
معىن الكلمة ُّ
الدور الكبري الذي يلعبه الفونيم يف توضيح معىن أي مفردة ،ويقسم اللغويون الفونيم إىل نوعني:
122
المجلد/91الع ــدد 19رمضان 9111ه /أفريل [ 0102ص ]921 -991 مجلـة الصوتيات
123
باللطة حمزة ،براهيمي بوداود
أكد تروبتسكوي على وجود نظام التقابل وجعله أساس التحليل الفونولوجي قائال « :إن الدور
األساس يف الفونولوجيا ال يأيت من الوحدات الصوتية يف ذاهتا ،ولكن من التقابالت املميزة »17؛ والتقابل
يعين على األقل وجود ِّسة ) ) traitواحدة أو أكثر تتميز هبا وحدة صوتية دون الوحدات األخرى ،وهذا
ال ينفي عدم وجود ِّسات مشَّتكة بني الوحدات املتقابلة ،فالسمات املشَّتكة هي أساس املقارنة فإذا انعدم
هذا األساس بني كل وحدتني غاب التقابل بينهما ،وهذا ما يؤكده تروبتسكوي قائال « :إن فكرة الفرق
18
تستلزم فكرة التقابل ،إن شيئني ال ميكنهما أن يفَّتقا إال يف حدود أن كال منهما يقابل اآلخر » ،فكلُّ
تقابل بني وحدتني خمتلفتني نتج عنه تغيري معاين الكلمات يف لغة معينة يسمى بالتقابل الفونولوجي.
حدد تروبتسكوي يف كتابه ( مبادئ الفونولوجيا ) ثالثة قواعد لتسهيل عملية التمييز بني
الفونيمات وبني ما هو تأدية هلا فقط وهي كاآليت:
أ -القاعدة األولى « :إذا جاء صوتان خمتلفان من نفس اللُّغة يف سياق واحد من احلروف ،ال فرق
بينهما وميكن مع ذلك استبدال أحدمها من اآلخر دون أن حيصل أي تغيري يف املعىن املفهوم من الكلمة
فهذان الصوتان مها وجهان اختياريان لفونيم واحد »19؛ وقدم مثاال عن نطق فونيم ( )Rيف اللغة األملانية
حبيث ينطق هلويا يف منطقة ولثويا يف منطقة أخرى؛ بينما ينطق ( )Rعند بعض الفرنسيني مثل الراء
العربية وعند البعض اآلخر مثل الغني العربية ،فهما صوتان خمتلفان حلرف واحد دون تغيري املعىن يف حال
استبدال أحدمها باآلخر.
أما يف اللغة العربية فنمثل هلا بنطق احلرف (ق) يف كلمة ( قمر) الذي ينطق صوتا (حنجريا،
انفجاريا ،جمهورا ) يف هلجة القاهرة ،بينما ينطق كصوت (أقصى – حنكي ،انفجاري ،جمهور) عند أهل
العراق والكويت .
ب -القاعدة الثانية « :إذا جاء صوتان يف نفس املوقع الصويت وال ميكن أن يستبدل أحدمها باآلخر
دون أن يتغري معىن الكلم أو دون أن تصبح الكلمة معروفة ،فهذان الصوتان مها تأديتان لفونيمني اثنني
خمتلفني ،أي هناك صوتان خمتلفان مثل السابق لكنهما ميثالن حرفني خمتلفني مع ذلك لتغري املعىن
124
المجلد/91الع ــدد 19رمضان 9111ه /أفريل [ 0102ص ]921 -991 مجلـة الصوتيات
هبما» ،20وَّنثل لذلك يف اللغة العربية بـحريف (الراء و الغني ) فهما صوتان خمتلفان وحرفان خمتلفان حيث
يتغري معىن املفردة حاملا نستبدل أحدمها باآلخر مثل :راب ،غاب /ريب ،غيب ،إذا فهما فونيمان
خمتلفان يف اللغة العربية ،بينما على العكس يف اللغة الفرنسية .
ج -القاعدة الثالثة « :إذا كان صوتان متقاربان خمرجا أو صوتيا ال يقعان أبدا يف نفس السياق من
احلروف فهما تأديتان تركيبيتان لفونيم واحد » ،21حيث أن الوحدات الصوتية قد ختتلف تأدياهتا عند
جماورهتا لبعض احلروف ،وَّنثل لذلك بأصوات احلركات يف اللغة العربية عند جماورهتا للحروف املفخمة وهي
( أصوات االستعالء السبعة :ص ،ض ،ط ،ظ ،ق ،غ ،خ ) فيصري الصوت مفخما ،بينما يصبح مرققا
عند جماورته للحروف املرققة ،ورغم ذلك ال يتغري املعىن ألنه نتج عن تركيب األصوات فتأثر بعضها ببعض
نتيجة للتجاور فيما بينها؛ هلذا يرى كمال بشر أن الصوائت تابعة للصوامت فهي « ال توصف بتفخيم أو
ترقيق بذاهتا ،إَّنا يعود تفخيمها وترقيقها إىل السياق وهذا ينطبق بتمامه على احلركات ،الفتحة والكسرة
الضمة ،سواء أكانت قصرية هذه احلركات أم طويلة ».22
و ّ
انطالقا مما سبق ذكره من قواعد يالحظ أن تروبتسكوي يؤكد على الطبيعة الوظيفية للفونيم ،من
خالل قدرة هذا األخري على متييز معىن الكلمة عن غريها ضمن إطار نظام صويتّ معني ،كما أنه مل يغفل
عن طرح قضية الوجوه األدائية للفونيم .
.5أنواع المتقابالت الفونولوجية :
« حددت مدرسة براغ جمموعة من املتقابالت اإلستبدالية اليت أثبتت فعاليتها يف التحليل الصوايت
البنوي ،باعتبارها بالنسبة إىل تروبتسكوي تساعد على حتديد الوحدات الصوتية ( الفونيمات ) »، 23
حيث تطرق إليها يف كتابه ( مبادئ الفونولوجيا ) من خالل تقسيمه املتقابالت إىل ثالثة أنواع ،حيث
خيتص النوع الثالث بالفونيم يف حد ذاته فقط
خيتص النوع األول والثاين بالنظام الفونولوجي ككل ،بينما ُّ
ُّ
وهي كاآليت:
125
باللطة حمزة ،براهيمي بوداود
.9بحسب عالقتها بجميع التقابالت الموجودة في النظام الصوتي :وجند فيها :
- .9.9تقابل ذي طرفين ( )bilatéralأو التقابالت الثنائية ( oppositions
:) bilatéralesوهي أكثر شيوعا يف نظر تروبتسكوي ،حيث « تتعلق بزوجني صوتيني ،حيث تشَّتك
24
بعض األزواج الصوتية يف أكرب عدد ممكن من السمات مقارنة مع غريها من األزواج الصوتية »
األخرى ،وذلك مثل التضاد املوجود بني « K /Gيف الفرنسية واالنكليزية إذ يشَّتكان يف املخرج وهو
مؤخر أو وسط احلنك وال يوجد أي حرف آخر من هذا املخرج يف هاتني اللغتني ،وتقابلهما حيصل
باجلهر من عدمه » ،25بينما جند يف اللغة العربية « التضاد املوجود بني ك/خ حيث يشَّتكان يف السمات
التالية + :فمي ،طبقي +،مهموس » 26بينما تنفرد كل من م /ن باالشَّتاك يف الغنة فقط ويتقابالن يف
املخرج ( شفوي /نطعي ).
-0.9تقابل متعدِّد األطراف (: )multilatéral opposition
يوجد هذا التقابل بعدد قليل مقارنة بالتقابل ذي الطرفني ،و« هو الذي يكون قدره املشَّتك
27
موجودا يف أكثر من حرفني وذلك P/Kيف الفرنسية واالجنليزية ألنه يشَّتكان مع Tمثال يف اهلمس »
بينما تشَّتك الذال والثاء يف اللثوية ضمن اللغتني العربية واالجنليزية .
. 0بحسب تناسبها فيما بينها وعدم تناسبها :وتنقسم إلى :
-9. 0متقابالت متناسبة (: )proportionnelles
« إذا تكرر الفارق بني تقابل وآخر حصل تناسب وذلك مثل z/s،g/k ، d/t، b/p:يف
الفرنسية واالجنليزية واجلامع بينهما هو االختالف جهر /مهس ،إذا يشَّتك املتقابالن يف فارق واحد ».28
- 0. 0متقابالت ال تناسب بينها (: )oppositions isolées
« إذا انفرد التقابل وليس بينه وبني أي تقابل آخر تناسب وذلك مثل ، p /g، b/z ،p/l :
29
أي هي اليت فكل هذه املتقابالت منفردة ال تناسبها تقابالت أخرى يف الكثري من اللغات »
وغريها ُّ
ال ختضع لنموذج مشَّتك.
126
المجلد/91الع ــدد 19رمضان 9111ه /أفريل [ 0102ص ]921 -991 مجلـة الصوتيات
127
باللطة حمزة ،براهيمي بوداود
( ك – ق) فنالحظ وجود اختالف يف املخرج بينهما حيث أن الكاف خمرجه من أقصى احلنك بينما
القاف من اللهاة ،لكن نلمس توافق يف الصفة بينهما فكالمها صوت انفجاري مهموس ،لذا نقول أن
هناك توافق وتعادل يف الصفة.
.1مبدأ اإللغاء أو التحييد (: ) Neutralisation
ُّ
يعد هذا املصطلح من بني املصطلحات اجلديدة اليت وظفتها مدرسة براغ ،حيث انفرد تروبتسكوي
بكونه أول من استعمل املصطلح سنة 1431م ،ويقصد بالتحييد توقُّف الوظيفة التمييزية الفارقة بني
وحدتني صوتيتني بينهما تقابل يف النظام الصويت يف سياق معني ،أي ميكن أن يزول التقابل بني بعض
املتقابالت إذا وقع أحد احلرفني يف مواضع معينة ،ونتيجة لذلك ختتلف كيفية أداء احلرف الناتج فينتج ما
يسمى بـ" الفونيم اجلامع " ( )archi-phonémeالذي يولد نوعا من االنسجام الصويت من خالل
اجلمع بني خصائص احلرفني املتقابلني ،حبيث يفقد احلرف األول بعض صفاته ويكتسب يف املقابل صفات
أخرى ،أو حدوث العكس مع احنرافه عن خمرجه األصلي املعتمد نتيجة حلدوث تفاعل بني األصوات فيما
بينها؛ كما يرى تروبتسكوي أن موقع التحييد خيتلف من لغة إىل أخرى ،حبيث ميكن حدوثه يف وسط أو
َّناية املفردة حسب خصوصية كل لغة .
. 7أنواع اإللغاء:
مييز تروبتسكوي يف كتابه املبادئ « بني أنواع اإللغاء اليت يسببها السياق وبني اليت تسببها بنية
الكلمة ،أي بني اإللغاء لتقابل فونولوجي يقع طرفاه يف جوار حروف معينة ،أو مبعزل عن احلروف اجملاورة
هلا ،أي يف مواقع معينة يف داخل الكلمة » .34وقسم اإللغاء املسبب بالسياق إىل نوعني :تبعيدية ،وتقريبية
حيث يقول يف ذلك « :نقسم أنواع اإللغاء املسبب بالسياق إىل تبعيدية ( ،)dissimilatifsوتقريبية
( )assimilatifsوهذا حبسب ما حيصل من التباعد أو التماثل بالنسبة إىل الصفة املميزة خلاصية صوتية
مثيلي فال
بعيدي أن يتصف احلرف اجملاور هبذه الصفة ،وأما اإللغاء الت ّ
معينة فال بد حبصول اإللغاء الت ّ
حيصل على العكس إال يف جوار احلروف اليت تنقصها هذه الصفة » . 35
128
المجلد/91الع ــدد 19رمضان 9111ه /أفريل [ 0102ص ]921 -991 مجلـة الصوتيات
أما اإللغاء الذي يكون سببه اجلوار املؤدي إىل احتاد احلرفني أو اختالفهما ،فهو كثري احلدوث
خاصة يف اللُّغة العربية ،وهذا ما مل يغفل عنه علماء لغة الضاد منذ القدم ،ومثال ذلك التقابل املوجود بني
(الطاء والتاء ) ما جيعلهما عرضة حلدوث اإللغاء يف مواقع معينة مثل:ابدال (التاء ،داال ) يف ازدجر ،أو
ابدال (التاء ،طاءً ) يف اضطرد ،واصطرب ،واضطرب ،أي إذا وقعت تاء األفعال بعد ( الطاء ،الظاء،
الصاد ،الضاد ) ،ويرجع سبب هذا اإلبدال إىل حدوث تقارب بني ( التاء ،الدال ) يف املثال األول ،وبني
( التاء ،الطاء ،والصاد ،والضاد ) يف املثال الثاين حَّت يزول الفارق بني احلرفني املتقاربني.
. 8الخصائص المميِّزة :
جاهدا
ً استناد إىل مبدإ التقابل ،سعى
ً بعد أن ُوفق تروبتسكوي يف تصنيف الوحدات الصوتية
للبحث عن كيفية لتحليل الوحدات الصوتية على أساس " اخلصائص املميزة لألصوات "
( )distinctive properties of phonemesلتشكل هذه الفكرة فيما بعد ،جوهر نظرية
املالمح املميزة ملن سيأيت بعده من اللغويني ،حيث استطاع من خالل دراسته لعدد معترب من لغات العامل
أن يتوصل إىل تقدمي وصف عام لنظامها الفونولوجي عن طريق التقابالت الصوتية ضمن تلك األنظمة،
مستخلصا املالمح املتقاربة اليت متكننا من وصف
ً فمكنه ذلك من حتديد اخلصائص املميزة لألصوات،
36
احلركات والسواكن مصنـ ًفا إياها إىل صنفني اثنني وهي كاآليت:
أ -الخصائص النطقية للحركات :
لقد قسم تروبتسكوي هذا النوع إىل ثالثة فئات هي :
أ . 9 -تقابالت مبنيَّة على أساس النَّوعيَّة ُّ :
وتضم اآلليات التالية :
-وضعية اللسان ودرجة انفتاحه .
-اجلرس ويشمل وضع الشفتني ،واملوضع ( أمامي أو خلفي ) .
الرنين ُّ :
وتضم اآليت : أ – / 0تقابالت مبنيَّة على أساس اختالف غرفة َّ
-حركة أنفية /حركة غري أنفية .
129
باللطة حمزة ،براهيمي بوداود
130
المجلد/91الع ــدد 19رمضان 9111ه /أفريل [ 0102ص ]921 -991 مجلـة الصوتيات
131
باللطة حمزة ،براهيمي بوداود
املسؤولة عن الوظيفة التمييزية اليت ينفرد هبا الفونيم ويدخل من خالهلا يف عالقات تقابل مع غريه من
الفونيمات .
جلأ رومان جاكبسون يف دراسته الصوتية الستعمال األجهزة واآلالت لكي يثبت املالمح املميزة
معي القائم على خصائص املوجات الصوتية؛ « وعليه بىن للفونيم ،معتمدا يف ذلك على الوصف الس ّ
نظريته الفونولوجية على مبدإ االزدواجية أو الثُّنائية اليت حتدث نتيجة لتقلُّبات صوتية معينة إذا وجدت
فالوحدة الصوتية معلمة وإذا غابت فهي غري معلمة » . 38
أما خبصوص التقابل ،فنجده مييز بني ثالثة أنواع من الثُّنائيات املتقابلة اليت وضعها على أساس
مالحظته ( للمخرج ،وطريقة النُّطق ،ووضع الوترين الصوتيني ) وهي كاآليت :
« -1التقابل بني السواكن اخللفية ( طبقية أوغارية ) ،والسواكن األمامية ( شفوية أو أسنانية ) .
-2التقابل بني الصوت الرزين ( ) graveوالصوت احلاد ( .) acute
-3التقابل بني السواكن ذات النغمة العالية ،والسواكن الرخيمة ذات النغمة احلادة ».39
أصر جاكبسون على أن كل ِّسة متايزية هي ثنائية ،حيث « بني يف كتابه " مقدمة يف حتليل
كل اللُّغات االنسانية ومن
الكالم " أن مثة نظاما فونولوجيا كليا يتضمن اثنيت عشرة ِّسة مميزة تتصف هبا ُّ
بني هذه الس مات (:صائت /صامت)( ،جمهور /مهموس ) (،زفريي /شهيقي) ( ،أنفي /شفهي) ( ،
غليظ /حاد ) ( ،رخو /شديد ) ( ،مزيد /غري مزيد ) ( ،مكثف /منفلش) ...إخل[.كما أنه
عمل] على حتليل الفونيمات إىل ِّساهتا املكونة هلا ،عوض النظر يف كيفية توسيعها ضمن الوحدات
املفرداتية املختلفة » 40واليت يقصد هبا جمموع اخلصائص الصوتية اليت متيز فونيما عن آخر ،حيث يرى أن
املالمح املميزة هي أصغر الوحدات املميزة يف اللغة إذ ال ميكن جتزئتها إىل وحدات لغوية أصغر منها ،وهو
بذلك مييز بني نوعني من السمات :
ِّ - 1سات جوهرية أو مالزمة ) :) traits intrinsèquesتالزم الفونيم ألَّنا جوهره ،وحيدث
التقابل بينها بوجود امللمح ( موسوم ) أو بعدم وجوده ( غري موسوم ) .
132
المجلد/91الع ــدد 19رمضان 9111ه /أفريل [ 0102ص ]921 -991 مجلـة الصوتيات
ِّ – 2سات فوق -قطعية ( ) traits prosodiquesأو التطريزية :تصاحب الفونيم وتشمل مِّستا النرب
و التنغيم .
. 91خاتمة:
حاولنا من خالل هذا البحث ،تسليط الضوء على أهم األفكار اليت طرحها لسانيو املدرسة
الوظيفية يف جمال الدراسات الصوتية ،من خالل سعيهم احلثيث للبحث عن وظيفة األصوات وحتليلها،
حيث جنح هؤالء يف حتقيق نتائج باهرة ضمن ما يعرف بالصوتيات الوظيفية؛ ومن خالل ما سبق طرحه
ميكننا أن نقف على مجلة من النتائج اليت نربزها يف النقاط اآلتية :
-أحدث رواد مدرسة براغ قفزة نوعية يف الدراسة الوظيفية للُّغة ،بعد أن فصلوا بني الفونتيك والفونولوجيا،
-يعترب لسانيو مدرسة براغ اللُّغة نظاما من الوظائف وكلُّ مكون فيها يؤدي ً
دورا وظيفيا؛ لذا كان
مفهومهم للفونيم وظيفيا أيضا.
-تقوم نظرية التحليل الفونولوجي عندهم على مبدإ التقابل بني الفونيمات.
-فرق تروبتسكوي بني الفونيم وأوجه تأديته؛ وجنح يف إدراج مصطلحات جديدة يف الدراسة الصوتية
كالتقابل والتحييد أو اإللغاء ،باإلضافة لذلك ميز بني نوعني من اإللغاء حيث يتعلق األول ببنية املفردة
أما الثاين فبالسياق ،والذي ينقسم بدوره – أي النوع الثاين -إىل إلغاء تبعيدي وإلغاء تقرييب.
-عمل لغويو براغ على تتبُّع املالمح التمييزية للفونيم ،فتوصلوا إىل وضع نظرية املالمح أو السمات
التمييزية ،واليت كان جلاكبسون كل الفضل يف تطويرها .
-جنح رومان جاكبسون يف وضع نظام من الثنائيات املتقابلة ،حيث أحصى هذا األخري اثنيت عشرة
تقابال ميكن تطبيقها على الكثري من اللغات بنسب متفاوتة .
133
باللطة حمزة ،براهيمي بوداود
-فرق رواد املدرسة بني الفونيمات األساسية والثانوية وأكدوا على وجود تكامل بينهما يف توضيح املعاين،
كما أَّنم اهتموا بالفونيمات التطريزية ألَّنا تؤدي وظيفة يف املعىن.
الهوامش :
- 1أمحد مومن .اللسانيات النشأة والتطور 2002 .م.ديوان املطبوعات اجلامعية اجلزائر ،ط .2ص .131
- 2املرجع نفسه ،ص . 131
- 3املرجع نفسه ،ص .111
- 4املرجع نفسه ،ص .131
- 5عبد العزيز أمحد عالم ،علم الصوتيات 2004،م ،مكتبة الرشد ،الرياض ،د ط ،ص . 94
- 6حممود فهمي حجازي ،مدخل إىل علم اللغة د ت ، ،دار قباء ،القاهرة ،د ط ،ص . 31
- 7عبد الرمحن حاج صاحل ،حبوث ودراسات يف علوم اللسان 2012.م.موفم للنشر .الرغاية اجلزائر.ص - 122ص. 121
- 8أمحد مومن .اللسانيات النشأة و التطور .مرجع سابق .ص .192
principes of phonology. University of California ،Nicolai Trubetzkoy -9
press.english . éd.1962 . p35.
- 10عبد الرمحن حاج صاحل ،حبوث و دراسات يف اللسانيات العربية ج 2012، 2م .الرغاية اجلزائر.ص.292
ِّ - 11سري شريف استيتية ،اللسانيات اجملال و الوظيفة و املنهج 2008م، ،عامل الكتب احلديث ،إربد ،األردن ،ط ، 2ص.41
- 12املرجع السابق ،ص . 42
- 13املرجع نفسه ،ص . 189
- 14حممد علي اخلويل ،األصوات اللغوية والنظام الصويت للغة العربية1440 ،م ، ،دار الفالح ،عمان ،ط ،1ص.13
.p67 principes of phonology ، Trubetzkoy Nicolai-15-
- 16أمحد مومن ،اللسانيات النشأة و التطور ،ص.193
- 17مصطفى غلفان ،يف اللسانيات العامة .تارخيها .موضوعها .مفاهيمها 2010 .م ،دار الكتاب املتحدة ،ط. 218 ،1
- 18نفسه ،ص . 214
- 19عبد الرمحن حاج صاحل ،حبوث و دراسات يف اللسانيات العربية ،ج ، 2ص.299
- 20نفسه ،ص.292
134
المجلد/91الع ــدد 19رمضان 9111ه /أفريل [ 0102ص ]921 -991 مجلـة الصوتيات
135
باللطة حمزة ،براهيمي بوداود
-9حممود فهمي حجازي ،مدخل إىل علم اللغة د ت ، ،دار قباء ،القاهرة ،د ط .
-2حممد علي اخلويل ،األصوات اللغوية والنظام الصويت للغة العربية1440 ،م ، ،دار الفالح ،عمان
،ط.1
-1مصطفى غلفان ،يف اللسانيات العامة .تارخيها .موضوعها .مفاهيمها 2010 .م ،دار الكتاب
املتحدة ،ط.1
-4عبد العزيز أمحد عالم ،علم الصوتيات 2004،م ،مكتبة الرشد ،الرياض ،د ط .
-8عبد الرمحن حاج صاحل ،حبوث ودراسات يف علوم اللسان 2012.م.موفم للنشر .الرغاية اجلزائر.
-4عبد الرمحن حاج صاحل ،حبوث و دراسات يف اللسانيات العربية ج 2012، 2م .الرغاية اجلزائر.
-10عمر أمحد خمتار ،دراسة الصوت اللغوي 1444،م ،عامل الكتب ،القاهرة ،د ط .
ِّ -11سري شريف استيتية ،اللسانيات اجملال و الوظيفة و املنهج 2008م، ،عامل الكتب احلديث ،إربد ،
األردن ،ط. 2
Nicolai Trubetzkoy .principes of phonology. University of -11
California press.english . éd.1962 .
136